تحفة
الحبيب على شرح الخطيب = حاشية البجيرمي على الخطيب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
فَصْلٌ فِي أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَتَقَدَّمَ مَعْنَى الرُّكْنِ لُغَةً
وَاصْطِلَاحًا وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالشَّرْطِ (وَأَرْكَانُ
الصَّلَاةِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ رُكْنًا) وَهَذَا مَا فِي التَّنْبِيهِ
بِجَعْلِ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالِاعْتِدَالِ وَالْجُلُوسِ
بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَفِي السَّجْدَتَيْنِ وَنِيَّةِ الْخُرُوجِ
أَرْكَانًا، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ سَبْعَةَ عَشَرَ، وَهُوَ مَا فِي
الرَّوْضَةِ وَالتَّحْقِيقِ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ نِيَّةَ الْخُرُوجِ
لَا تَجِبُ، وَجَعَلَهَا فِي الْمِنْهَاجِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ كَمَا فِي
الْمُحَرَّرِ بِجَعْلِ الطُّمَأْنِينَةِ كَالْهَيْئَةِ التَّابِعَةِ،
وَجَعَلَهَا فِي الْحَاوِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَزَادَ الطُّمَأْنِينَةَ
إلَّا أَنَّهُ جَعَلَهَا فِي الْأَرْكَانِ الْأَرْبَعَةِ رُكْنًا وَاحِدًا،
وَالْخُلْفُ بَيْنَهُمْ لَفْظِيٌّ، فَمَنْ لَمْ يَعُدَّ الطُّمَأْنِينَةَ
رُكْنًا جَعَلَهَا فِي كُلِّ رُكْنٍ كَالْجُزْءِ مِنْهُ وَكَالْهَيْئَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
[فَصَلِّ فِي أَرْكَان الصَّلَاة]
عَبَّرَ هُنَا بِالْأَرْكَانِ، وَفِي الْوُضُوءِ بِالْفُرُوضِ لِأَنَّ
الْفُرُوضَ يَجُوزُ تَفْرِيقُهَا بِخِلَافِ الْأَرْكَانِ قَوْلُهُ:
(وَتَقَدَّمَ مَعْنَى الرُّكْنِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ
مَعْنَى الرُّكْنِ لُغَةً وَفِي الْمِصْبَاحِ رُكْنُ الشَّيْءِ جَانِبُهُ
فَأَرْكَانُ الشَّيْءِ أَجْزَاءُ مَاهِيَّتِه وَالْمَعْنَى
الِاصْطِلَاحِيُّ فُهِمَ مِنْ الْفَرْقِ وَهُوَ مَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَكَانَ جُزْءًا مِنْهَا.
قَوْلُهُ: (وَالْفَرْقُ) مَعْطُوفٌ عَلَى مَعْنًى، أَيْ وَتَقَدَّمَ
الْفَرْقُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالشَّرْطِ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الَّذِي
قَدَّمَهُ قَوْلُهُ وَالرُّكْنُ كَالشَّرْطِ فِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ،
وَيُفَارِقُهُ بِأَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الَّذِي يَتَقَدَّمُ عَلَى
الصَّلَاةِ وَيَجِبُ اسْتِمْرَارُهُ فِيهَا كَالطُّهْرِ وَالسِّتْرِ.
وَالرُّكْنُ مَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَكَانَ جُزْءًا مِنْهَا،
وَلَا يَجِبُ اسْتِمْرَارُهُ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ اهـ. فَفِيهِ
الْفَرْقُ دُونَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، يَعْنِي أَنَّ مَا ذَكَرَ
أَنَّهُ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ صَحِيحٌ، وَكَذَا تَقَدَّمَ الْمَعْنَى
الِاصْطِلَاحِيُّ لِفَهْمِهِ مِنْ الْفَرْقِ، وَأَمَّا الْمَعْنَى
اللُّغَوِيُّ فَلَمْ يَتَقَدَّمْ.
قَوْلُهُ: (وَأَرْكَانُ الصَّلَاةِ) مِنْ إضَافَةِ الْأَجْزَاءِ لِلْكُلِّ.
قَوْلُهُ: (رُكْنًا) تَمْيِيزٌ غَيْرُ مُحَوَّلٍ لِأَنَّهُ تَمْيِيزٌ
مُفْرَدٌ، وَهُوَ تَمْيِيزٌ مُؤَكِّدٌ لِأَنَّهُ عُلِمَ مِنْ
الْمُبْتَدَأِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: " وَأَرْكَانُ الصَّلَاةِ " قَوْلُهُ:
(وَهُوَ مَا فِي الرَّوْضَةِ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى هَذِهِ
النُّسْخَةِ لَمْ يَذْكُرْ نِيَّةَ الْخُرُوجِ.
قَوْلُهُ: (وَجَعَلَهَا فِي الْمِنْهَاجِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ) وَهُوَ
الرَّاجِحُ الْمُنَاسِبُ لِأَنَّ الطُّمَأْنِينَةَ بِالْهَيْئَةِ أَلْيَقُ،
وَمِثْلُهَا فَقْدُ الصَّارِفِ وَكَذَا الْمُصَلِّي، وَفَارَقَ نَحْوَ
الْبَيْعِ وَالصَّوْمِ حَيْثُ عَدُّوا الْبَائِعَ وَالصَّائِمَ رُكْنَيْنِ
بِعَدَمِ وُجُودِ صُورَةٍ مَحْسُوسَةٍ فِي الْخَارِجِ فِيهِمَا، وَعَلَى
عَدِّهِمَا أَيْ فَقْدِ الصَّارِفِ وَالْمُصَلِّي رُكْنَيْنِ تَكُونُ
الْأَرْكَانُ عِشْرِينَ، وَعَلَى عَدِّ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ تَكُونُ
اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ: (بِجَعْلِ الطُّمَأْنِينَةِ
كَالْهَيْئَةِ) أَيْ الصِّفَةِ، وَانْظُرْ لِمَ أَتَى بِالْكَافِ مَعَ
أَنَّهَا هَيْئَةٌ وَجَعَلَهَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ هَيْئَةً تَابِعَةً
لِلرُّكْنِ.
قَوْلُهُ: (وَالْخُلْفُ بَيْنَهُمْ لَفْظِيٌّ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ
وَعَدَمُهُ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ
وَهَذَا فِي غَيْرِ نِيَّةِ الْخُرُوجِ، أَمَّا الْخِلَافُ فِيهَا
فَمَعْنَوِيٌّ كَمَا قَالَهُ ق ل. وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَعْنَوِيًّا
بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ شَكَّ فِي السُّجُودِ فِي طُمَأْنِينَةِ
الِاعْتِدَالِ مَثَلًا، فَإِنْ جَعَلْنَاهَا تَابِعَةً لَمْ يُؤَثِّرْ
شَكُّهُ كَمَا لَوْ شَكَّ فِي بَعْضِ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ بَعْدَ
فَرَاغِهَا، وَإِنْ جَعَلْنَاهَا مَقْصُودَةً لَزِمَهُ الْعَوْدُ
لِلِاعْتِدَالِ فَوْرًا كَمَا فِي أَصْلِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ بَعْدَ
الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ يَعُودُ كَمَا يَأْتِي اهـ اج. وَالْمُعْتَمَدُ
أَنَّهُ يُؤَثِّرُ شَكُّهُ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ تَابِعَةً فَلَا بُدَّ
مِنْ تَدَارُكِهَا، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الشَّكِّ فِي بَعْضِ
حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا بِأَنَّهُمْ اغْتَفَرُوا
ذَلِكَ فِيهَا لِكَثْرَةِ حُرُوفِهَا وَغَلَبَةِ الشَّكِّ فِيهَا،
وَمَحَلُّ وُجُوبِ الْعَوْدِ لِلطُّمَأْنِينَةِ إنْ كَانَ إمَامًا أَوْ
مُنْفَرِدًا فَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْمُتَابَعَةُ
وَامْتَنَعَ عَلَيْهِ الْعَوْدُ، وَيَتَدَارَكُ بَعْدَ السَّلَامِ
رَكْعَةً.
قَوْلُهُ: (فَمَنْ لَمْ يَعُدَّ الطُّمَأْنِينَةَ) تَفْرِيعٌ عَلَى كُلٍّ
مِنْ الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ السَّابِقَةِ وَلَيْسَ مُفَرَّعًا عَلَى
قَوْلِهِ وَالْخُلْفُ بَيْنَهُمْ
(2/3)
التَّابِعَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ كَلَامُهُمْ
فِي التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ بِرُكْنٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَبِهِ يُشْعِرُ
خَبَرُ: «إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ» الْآتِي. وَمَنْ عَدَّهَا أَرْكَانًا
فَذَاكَ لِاسْتِقْلَالِهَا، وَصِدْقِ اسْمِ السُّجُودِ وَنَحْوِهِ
بِدُونِهَا، وَجُعِلَتْ أَرْكَانًا لِتَغَايُرِهَا بِاخْتِلَافِ
مَحَالِّهَا، وَمَنْ جَعَلَهَا رُكْنًا وَاحِدًا فَلِكَوْنِهَا جِنْسًا
وَاحِدًا كَمَا عَدُّوا السَّجْدَتَيْنِ رُكْنًا لِذَلِكَ. الْأَوَّلُ
(النِّيَّةُ) لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي بَعْضِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ
أَوَّلُهَا لَا فِي جَمِيعِهَا، فَكَانَتْ رُكْنًا كَالتَّكْبِيرِ
وَالرُّكُوعِ. وَقِيلَ: هِيَ شَرْطٌ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ قَصْدِ
فِعْلِ الصَّلَاةِ فَتَكُونُ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَلِهَذَا قَالَ
الْغَزَالِيُّ: هِيَ بِالشَّرْطِ أَشْبَهُ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله
تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ
الدِّينَ} [البينة: 5] قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْإِخْلَاصُ فِي
كَلَامِهِمْ النِّيَّةُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
لَفْظِيٌّ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ.
قَوْلُهُ: (وَيُؤَيِّدُهُ كَلَامُهُمْ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَعُدُّوا
التَّقَدُّمَ بِالرُّكُوعِ مَثَلًا تَقَدُّمًا بِرُكْنَيْنِ بَلْ بِرُكْنٍ
مَعَ اشْتِمَالِهِ عَلَى الطُّمَأْنِينَةِ لِأَنَّهَا هَيْئَةٌ تَابِعَةٌ.
قَوْلُهُ: (الْآتِي) لِأَنَّهُ قَالَ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، وَلَمْ
يَقُلْ وَاطْمَئِنَّ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا تَابِعَةٌ قَوْلُهُ: (وَصِدْقِ
اسْمِ السُّجُودِ) عَطْفُ لَازِمٍ عَلَى مَلْزُومٍ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ
اسْتِقْلَالِهَا صِدْقُ اسْمِ السُّجُودِ بِدُونِهَا قَوْلُهُ: (وَمَنْ
جَعَلَهَا رُكْنًا وَاحِدًا إلَخْ) يُقَالُ عَلَيْهِ فَمَا بَالُ
الْمُصَنِّفِ عَدَّهَا أَرْكَانًا لِتَغَايُرِهَا بِاخْتِلَافِ مَحَالِّهَا
وَلَمْ يُجْرِ عَلَى ذَلِكَ فِي السَّجْدَتَيْنِ، فَعَدَّهُمَا رُكْنًا
وَاحِدًا، فَمَا وَجَّهَ بِهِ صَنِيعَهُ فِي الطُّمَأْنِينَةِ يَخْدِشُهُ
صَنِيعُهُ فِي السَّجْدَتَيْنِ قَوْلُهُ: (رُكْنًا لِذَلِكَ) لِكَوْنِهِمَا
جِنْسًا وَاحِدًا.
قَوْلُهُ: (لَا فِي جَمِيعِهَا) قَصْدُهُ الرَّدُّ عَلَى الْقَائِلِ
بِالشَّرْطِيَّةِ قَوْلُهُ: (عَنْ قَصْدِ فِعْلِ الصَّلَاةِ) قَالَ ابْنُ
قَاسِمٍ فِي شَرْحِهِ: وَيُرَدُّ بِأَنَّ خُرُوجَ الْقَصْدِ عَنْ الْفِعْلِ
لَا يَمْنَعُ أَنَّ مَجْمُوعَهُمَا هُوَ مُسَمَّى الصَّلَاةِ شَرْعًا
وَهُوَ الْمُدَّعَى اهـ. عَلَى أَنَّهَا مُقَارِنَةٌ بِالتَّكْبِيرِ
الْمُتَّفَقِ عَلَى أَنَّهُ رُكْنُ تَأَمُّلٍ ق ل.
قَوْلُهُ: (هِيَ بِالشَّرْطِ أَشْبَهُ) أَيْ لِأَنَّهُ يَجِبُ
اسْتِمْرَارُهَا حُكْمًا بِأَنْ لَا يَأْتِيَ بِمَا يُنَافِيهَا، فَلَوْ
نَوَى الْخُرُوجَ مِنْهَا حَالًا أَوْ بَعْدَ نَحْوِ رُكُوعِهِ أَوْ
تَرَدَّدَ فِي الْخُرُوجِ وَالِاسْتِمْرَارِ أَوْ عَلَّقَ الْخُرُوجَ
بِشَيْءٍ وَإِنْ قَطَعَ بِحُصُولِهِ أَوْ جَوَّزَ حُصُولَهُ وَعَدَمَ
حُصُولِهِ ضَرَّ، وَلَوْ وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ
كَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْوُضُوءِ وَالِاعْتِكَافِ لَمْ يَضُرَّ سم.
وَقَوْلُهُ بِالشَّرْطِ أَشْبَهُ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ أَنَّهُ لَوْ
افْتَتَحَهَا مَعَ مُقَارَنَةِ مُفْسِدٍ مِنْ نَجَاسَةٍ أَوْ اسْتِدْبَارٍ
وَتَمَّتْ النِّيَّةُ وَلَا مَانِعَ لَمْ تَصِحَّ عَلَى الرُّكْنِيَّةِ
وَصَحَّتْ عَلَى الشَّرْطِيَّةِ أَيْ لِخُرُوجِهَا عَنْ الْمَاهِيَّةِ.
قَالَ م ر: وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ قِيلَ
إنَّهَا شَرْطٌ أَوْ رُكْنٌ لِمُقَارَنَةِ الْمُفْسِدِ بَعْدَ
التَّكْبِيرَةِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالْأَظْهَرُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ
رُكْنِيَّتُهَا وَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّلَاةِ وَتَتَعَلَّقُ
بِمَا عَدَاهَا مِنْ الْأَرْكَانِ وَلَا تَفْتَقِرُ إلَيَّ نِيَّةٍ
وَلَك أَنْ تَقُولَ: يَجُوزُ تَعَلُّقُهَا بِنَفْسِهَا أَيْضًا كَمَا قَالَ
الْمُتَكَلِّمُونَ كُلُّ صِفَةٍ تَتَعَلَّقُ وَلَا تُؤَثِّرُ يَجُوزُ
تَعَلُّقُهَا بِنَفْسِهَا وَبِغَيْرِهَا كَالْعِلْمِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ
بِعِلْمِهِ أَنَّ لَهُ عِلْمًا وَإِنَّمَا لَمْ تَفْتَقِرْ إلَى نِيَّةٍ
لِأَنَّهَا شَامِلَةٌ لِجَمِيعِ الصَّلَاةِ فَتُحَصِّلُ نَفْسَهَا
وَغَيْرَهَا كَالشَّاةِ مِنْ الْأَرْبَعِينَ تُزَكِّي نَفْسَهَا
وَغَيْرَهَا شَرْحُ م ر. وَقَالَ فِي الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ: أَرْكَانُهَا
نِيَّةٌ بِقَلْبٍ لِفِعْلِهَا أَيْ الصَّلَاةِ وَلَوْ نَفْلًا وَهِيَ هُنَا
مَا عَدَا النِّيَّةَ لِأَنَّهَا لَا تُنْوَى اهـ. وَقَوْلُهُ: وَهِيَ
هُنَا أَيْ الصَّلَاةُ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَا تُنْوَى وَإِلَّا لَزِمَ
التَّسَلْسُلُ لِأَنَّ كُلَّ نِيَّةٍ تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ وَهَذَا لَا
يَأْتِي إلَّا إذَا قُلْنَا إنَّهُ يَنْوِي كُلَّ فَرْدٍ مِنْ الصَّلَاةِ،
وَأَمَّا إذَا قُلْنَا إنَّهُ يَنْوِي الْمَجْمُوعَ أَيْ يُلَاحِظُ
مَجْمُوعَ الصَّلَاةِ بِالنِّيَّةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، فَيُمْكِنُ أَنْ
تُنْوَى بِأَنْ تُلَاحَظَ مِنْ جُمْلَةِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَيَكُونَ
الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لَا تُنْوَى أَيْ لَا تَجِبُ نِيَّتُهَا أَيْ
وَحْدَهَا، فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُلَاحِظَ النِّيَّةَ
بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ أَنْ يُلَاحِظَ النِّيَّةَ أَيْ لَا
يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُلَاحِظَ أَنَّ النِّيَّةَ مِنْ جُمْلَةِ الصَّلَاةِ
قَوْلُهُ: {وَمَا أُمِرُوا} [البينة: 5] أَيْ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ.
وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا لَيْسَ شَرْعًا لَنَا
وَإِنْ وَرَدَ فِي شَرْعِنَا مَا يُقَرِّرُهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ
الِاسْتِدْلَالَ بِهَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ
لَنَا إذَا وَرَدَ فِي شَرْعِنَا مَا يُقَرِّرُهُ. وَاسْتُشْكِلَ تَفْسِيرُ
الْإِخْلَاصِ بِالنِّيَّةِ بِأَنَّهُ يَصِيرُ الْمَعْنَى نَاوِينَ لَهُ
الدِّينَ وَالدِّينُ لَا يُنْوَى إذْ هُوَ الْأَحْكَامُ وَلَا مَعْنَى
لِنِيَّتِهَا.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ مُتَعَلِّقَاتِ الدِّينِ.
وَهِيَ الْأَفْعَالُ كَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ كَمَا
قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ قَوْلُهُ: (قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ)
لَعَلَّ وَجْهَ إسْنَادِهِ لِلْمَاوَرْدِيِّ إشَارَةٌ إلَى الْخُرُوجِ مِنْ
عُهْدَتِهِ، فَقَدْ فَسَّرَ الْبَيْضَاوِيُّ الْإِخْلَاصَ بِعَدَمِ
الْإِشْرَاكِ.
قَوْلُهُ: (فِي كَلَامِهِمْ) أَيْ الْمُفَسِّرِينَ
(2/4)
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ
امْرِئٍ مَا نَوَى» . وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى اعْتِبَارِ النِّيَّةِ
فِي الصَّلَاةِ، وَبَدَأَ بِهَا لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا
بِهَا، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ فَرْضًا وَلَوْ نَذْرًا أَوْ
قَضَاءً أَوْ كِفَايَةً وَجَبَ قَصْدُ فِعْلِهَا لِتَتَمَيَّزَ عَنْ
سَائِرِ الْأَفْعَالِ وَتَعْيِينُهَا لِتَتَمَيَّزَ عَنْ سَائِرِ
الصَّلَوَاتِ، وَتَجِبُ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ لِتَتَمَيَّزَ عَنْ
النَّفْلِ، وَلَا تَجِبُ فِي صَلَاةِ الصَّبِيِّ كَمَا صَحَّحَهُ فِي
التَّحْقِيقِ وَصَوَّبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ خِلَافًا لِمَا فِي الرَّوْضَةِ
وَأَصْلِهَا، لِأَنَّ صَلَاتَهُ تَقَعُ نَفْلًا، فَكَيْفَ يَنْوِي
الْفَرْضِيَّةَ؟ وَلَا تَجِبُ الْإِضَافَةُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ
الْعِبَادَةَ لَا تَكُونُ إلَّا لَهُ تَعَالَى وَتُسْتَحَبُّ لِيَتَحَقَّقَ
مَعْنَى الْإِخْلَاصِ.
وَتُسْتَحَبُّ نِيَّةُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَعَدَدِ الرَّكَعَاتِ،
وَلَوْ غَيَّرَ الْعَدَدَ كَأَنْ نَوَى الظُّهْرَ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا
لَمْ تَنْعَقِدْ.
وَتَصِحُّ نِيَّةُ الْأَدَاءِ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ وَعَكْسُهُ عِنْدَ
جَهْلِ الْوَقْتِ لِغَيْمٍ أَوْ نَحْوِهِ كَأَنْ ظَنَّ خُرُوجَ الْوَقْتِ
فَصَلَّاهَا قَضَاءً فَبَانَ وَقْتُهُ، أَوْ ظَنَّ بَقَاءَ الْوَقْتِ
فَصَلَّاهَا أَدَاءً فَبَانَ خُرُوجُهُ لِاسْتِعْمَالِ كُلٍّ بِمَعْنَى
الْآخَرِ تَقُولُ: قَضَيْت الدَّيْنِ وَأَدَّيْته بِمَعْنًى وَاحِدٍ. قَالَ
تَعَالَى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} [البقرة: 200] أَيْ
أَدَّيْتُمْ أَمَّا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ عَالِمًا فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ
لِتَلَاعُبِهِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ تَصْرِيحِهِمْ. نَعَمْ
إنْ قَصَدَ بِذَلِكَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ لَمْ يَضُرَّهُ كَمَا قَالَهُ
فِي الْأَنْوَارِ، وَلَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لِلْوَقْتِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ فَرْضًا إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ
مَرَاتِبَ الصَّلَوَاتِ ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ: الْفَرْضُ بِأَقْسَامِهِ
فَيُعْتَبَرُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: الْقَصْدُ، وَالتَّعْيِينُ،
وَنِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ. الثَّانِي: النَّفَلُ ذُو الْوَقْتِ وَالسَّبَبِ
فَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَمْرَانِ: الْقَصْدُ وَالتَّعْيِينُ. وَلَا حَاجَةَ
لِنِيَّةِ النَّفْلِيَّةِ لِلُزُومِ النَّفْلِيَّةِ لَهُ بِخِلَافِ
الْعَصْرِ وَنَحْوِهَا أَيْ إذَا نَوَى أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ وَلَمْ
يَقُلْ فَرْضًا فَلَا تَكْفِي لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ نَفْلًا
كَالْمُعَادَةِ. الثَّالِثُ النَّفَلُ الْمُطْلَقُ فَيَكْفِي فِيهِ قَصْدُ
الصَّلَاةِ وَلَا حَاجَةَ لِلتَّعْيِينِ وَلَا النَّفْلِ لِمَا مَرَّ
قَوْلُهُ: (قَصْدُ فِعْلِهَا) أَيْ الصَّلَاةِ، الْمُرَادُ بِالْفِعْلِ
الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيُّ، وَالْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ الْحَاصِلُ
بِالْمَصْدَرِ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ جَعْلِ الْإِضَافَةِ بَيَانِيَّةً
قَوْلُهُ: (وَلَا تَجِبُ) أَيْ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ فِي صَلَاةِ
الصَّبِيِّ، وَفَارَقَتْ الْمُعَادَةَ بِأَنَّ صَلَاتَهُ تَقَعُ نَفْلًا
اتِّفَاقًا بِخِلَافِ الْمُعَادَةِ فَقِيلَ فِيهَا إنَّ الْفَرْضَ هُوَ
الثَّانِيَةُ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ قَضَى مَا فَاتَهُ فِي
زَمَنِ التَّمْيِيزِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعَادَةَ كَالْأَصْلِيَّةِ إلَّا فِي جَوَازِ
تَرْكِهَا ابْتِدَاءً.
قَوْلُهُ: (فَكَيْفَ يَنْوِي الْفَرْضِيَّةَ) فَإِيجَابُ نِيَّةِ
الْفَرْضِيَّةِ عَلَيْهِ إيجَابُ نِيَّةٍ خِلَافِ الْوَاقِعِ. قَالَ سم:
لَكِنْ قَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِهَا فِي حَقِّهِ نِيَّةُ مَا هُوَ فَرْضٌ
فِي نَفْسِهِ. وَفِي ع ش أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ نِيَّةٍ مِنْ
النِّيَّاتِ الْمُجْزِئَةِ فَلَا تَكْفِي نِيَّةُ النَّفْلِيَّةِ إذْ
الْقِيَامُ فِيهَا لَا بُدَّ مِنْهُ
قَوْلُهُ: (لَمْ تَنْعَقِدْ) سَوَاءٌ كَانَ عَامِدًا لِتَلَاعُبِهِ أَوْ
غَالِطًا عَلَى الرَّاجِحِ أَخْذًا مِنْ قَاعِدَةِ أَنَّ مَا وَجَبَ
التَّعَرُّضُ لَهُ جُمْلَةً أَوْ تَفْصِيلًا يَضُرُّ الْخَطَأُ فِيهِ
شَرْحُ م ر: وَعَدَدُ الرَّكَعَاتِ يَتَعَرَّضُ لَهَا جُمْلَةً فِي ضِمْنِ
التَّعْيِينِ.
قَوْلُهُ: (بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ) أَيْ بَدَلِ نِيَّةِ الْقَضَاءِ
فَالْبَاءُ بِمَعْنَى بَدَلٍ لِتَوَافُقِ عِبَارَةِ الْمَنْهَجِ وَهِيَ
وَصَحَّ أَدَاءٌ بِنِيَّةِ قَضَاءٍ وَعَكْسِهِ وَهِيَ أَظْهَرُ قَوْلُهُ:
(كَأَنْ ظَنَّ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوِّشٌ قَوْلُهُ: (فَبَانَ وَقْتُهُ)
أَيْ بَقَاءُ وَقْتِهِ قَوْلُهُ: (أَمَّا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ) أَيْ قَصَدَ
حَقِيقَةَ أَحَدِهِمَا الشَّرْعِيَّةِ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ عَامِدًا كَمَا
قَالَهُ ق ل. وَيَدُلُّ لَهُ مَا بَعْدَهُ بِأَنْ قَصَدَ أَنَّ الْأَدَاءَ
مَا كَانَ دَاخِلَ الْوَقْتِ، وَالْحَالُ أَنَّهُ عَالِمٌ بِأَنَّ
الْوَقْتَ قَدْ فَاتَ أَوْ قَصَدَ أَنَّ الْقَضَاءَ مَا كَانَ خَارِجَهُ
وَالْحَالُ أَنَّهُ عَالِمٌ بِأَنَّ الْوَقْتَ بَاقٍ م د.
قَوْلُهُ: (إنْ قَصَدَ بِذَلِكَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ) أَيْ أَوْ
أَطْلَقَ كَمَا قَالَهُ ق ل. وَفِي ع ش أَنَّ الْإِطْلَاقَ يَضُرُّ وَهُوَ
الْمُعْتَمَدُ قَوْلُهُ: (لَمْ يَضُرَّ) سَوَاءٌ كَانَتْ الصَّلَاةُ
أَدَاءً أَوْ قَضَاءً. وَفِي فَتَاوَى الْبَارِزِيِّ أَنَّ رَجُلًا كَانَ
فِي مَوْضِعٍ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً يَتَرَاءَى لَهُ الْفَجْرُ
فَيُصَلِّي ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ خَطَؤُهُ فَمَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ؟
فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا قَضَاءُ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ
لِأَنَّ صَلَاةَ كُلِّ يَوْمٍ تَكُونُ قَضَاءً عَنْ صَلَاةِ الْيَوْمِ
الَّذِي قَبْلَهُ.
وَقَوْلُهُمْ لَوْ أَحْرَمَ بِفَرِيضَةٍ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا ظَانًّا
دُخُولَهُ انْعَقَدَتْ نَفْلًا مَحَلُّهُ فِيمَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ
مَقْضِيَّةٌ نَظِيرُ مَا نَوَاهُ شَرْحُ م ر.
وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ قَصَدَ فَرْضَ ذَلِكَ الْوَقْتِ الَّذِي ظَنَّ
دُخُولَهُ أَمْ لَا، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لسم
هُنَا. وَعِبَارَتُهُ فِي
(2/5)
فَلَوْ عَيَّنَ الْيَوْمَ وَأَخْطَأَ لَمْ
يَضُرَّ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ. وَمَنْ عَلَيْهِ
فَوَائِتُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْوِيَ ظُهْرَ يَوْمِ كَذَا بَلْ
يَكْفِيهِ نِيَّةُ الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ، وَالنَّفَلُ ذُو الْوَقْتِ
أَوْ ذُو السَّبَبِ كَالْفَرْضِ فِي اشْتِرَاطِ قَصْدِ فِعْلِ الصَّلَاةِ
وَتَعْيِينِهَا كَصَلَاةِ الْكُسُوفِ وَرَاتِبَةِ الْعِشَاءِ. قَالَ فِي
الْمَجْمُوعِ: وَكَسُنَّةِ الظُّهْرِ الَّتِي قَبْلَهَا أَوْ الَّتِي
بَعْدَهَا، وَالْوِتْرُ صَلَاةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فَلَا يُضَافُ إلَى
الْعِشَاءِ، فَإِنْ أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ أَوْ بِأَكْثَرَ وَوَصَلَ نَوَى
الْوِتْرَ، وَإِنْ فَصَلَ نَوَى بِالْوَاحِدَةِ الْوِتْرَ. وَيَتَخَيَّرُ
فِي غَيْرِهَا بَيْنَ نِيَّةِ صَلَاةِ اللَّيْلِ أَوْ مُقَدَّمَةِ
الْوِتْرِ وَسُنَّتِهِ وَهِيَ أَوْلَى أَوْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْوِتْرِ
عَلَى الْأَصَحِّ هَذَا إذَا نَوَى عَدَدًا فَإِنْ قَالَ: أُصَلِّي
الْوِتْرَ وَأَطْلَقَ صَحَّ وَيُحْمَلُ عَلَى مَا يُرِيدُهُ مِنْ رَكْعَةٍ
إلَى إحْدَى عَشْرَةَ وِتْرًا، وَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ النَّفْلِيَّةِ
وَيَكْفِي فِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ وَهُوَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
حَوَاشِي حَجّ الْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ إنْ قَصَدَ بِالصَّلَاةِ فَرْضَ
الْوَقْتِ الَّذِي ظَنَّ دُخُولَهُ بِخُصُوصِهِ فَالْوَجْهُ عَدَمُ
وُقُوعِهَا عَنْ الْفَائِتَةِ لِأَنَّ الْقَصْدَ الْمَذْكُورَ صَارِفٌ عَنْ
الْفَائِتَةِ، وَإِنْ لَمْ يُلَاحِظْ مَا ذَكَرَ فَالْوَجْهُ الْوُقُوعُ
عَنْ الْفَائِتَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ لَكِنَّ فِي فَتَاوَى م ر نَحْوَ مَا
قَالَهُ سم لَكِنَّ الَّذِي تَقَدَّمَ عَنْ شَرْحِهِ وَإِفْتَاءُ وَالِدِهِ
هُوَ الصِّحَّةُ مُطْلَقًا. اهـ. أُجْهُورِيٌّ قَوْلُهُ: (بَلْ يَكْفِيهِ
نِيَّةُ الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ) وَسُئِلَ الْوَالِدُ عَمَّنْ عَلَيْهِ
قَضَاءُ ظُهْرِ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ فَقَطْ فَصَلَّى ظُهْرًا نَوَى بِهِ
قَضَاءَ ظُهْرِ يَوْمِ الْخَمِيسِ غَالِطًا هَلْ يَقَعُ عَمَّا عَلَيْهِ
لِأَنَّهُ عَيَّنَ مَا لَا يَجِبُ تَعْيِينُهُ لَا جُمْلَةً وَلَا
تَفْصِيلًا وَأَخْطَأَ فِيهِ أَوْ لَا كَمَا فِي الْإِمَامِ؟
وَالْجِنَازَةِ أَيْ إذَا نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِزَيْدٍ فَبَانَ عَمْرًا
وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، وَكَذَا إذَا نَوَى فِي
الْجِنَازَةِ الصَّلَاةَ عَلَى زَيْدٍ فَبَانَ عَمْرًا وَلَمْ يُشِرْ
إلَيْهِ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ. فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَقَعُ عَنْهُ لِمَا
ذُكِرَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ
بَعْضُهُمْ اهـ م د.
قَوْلُهُ: (وَالنَّفَلُ ذُو الْوَقْتِ إلَخْ) هَذَا قَسِيمُ قَوْلِهِ
السَّابِقِ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ فَرْضًا فَالْمُنَاسِبُ أَنْ
يَقُولَ أَوْ أَرَادَ نَفْلًا ذَا وَقْتٍ إلَخْ قَوْلُهُ: (وَكَسُنَّةِ
الظُّهْرِ الَّتِي قَبْلَهَا إلَخْ) فَإِنْ نَوَى رَكْعَتَيْنِ أَوْ
أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ، وَإِنْ نَوَى سُنَّةَ الظُّهْرِ
الْقَبْلِيَّةَ مَثَلًا وَأَطْلَقَ قَالَ سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ:
يَتَخَيَّرُ بَيْنَ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعٍ.
وَقَالَ زي وَنُقِلَ عَنْ م ر: إنَّهَا تَنْصَرِفُ لِرَكْعَتَيْنِ
وَكَذَلِكَ الضُّحَى. وَقَوْلُهُ الَّتِي قَبْلَهَا وَإِنْ قَدَّمَهَا
قَالَ سم: وَكَذَا كُلُّ صَلَاةٍ لَهَا قَبْلِيَّةٌ وَبَعْدِيَّةٌ اهـ
فَخَرَجَ بِذَلِكَ الْعَصْرُ وَالْفَجْرُ فَلَا تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ
صَلَاةِ سُنَّتِهِمَا عَلَى نِيَّةِ الْقَبْلِيَّةِ اهـ اج.
قَوْلُهُ: (فَلَا يُضَافُ إلَى الْعِشَاءِ) أَيْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَنْوِيَ
فِيهِ سُنَّةَ الْعِشَاءِ أَوْ رَاتِبَهَا ق ل وَأَمَّا إذَا قَالَ:
نَوَيْت وِتْرَ سُنَّةِ الْعِشَاءِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ م د. وَعِبَارَةُ
الْمُدَابِغِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ قَوْلُهُ
وَمِنْهُ الْوِتْرُ لَمْ يَجْعَلْهُ مِنْ رَوَاتِبِ الْعِشَاءِ. وَفِي
الرَّوْضَةِ عَدَّةُ مِنْهَا وَتَقَدَّمَ حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَى عَدَمِ
صِحَّةِ إضَافَتِهِ إلَيْهَا فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَنْوِيَ فِي سُنَّةِ
الْعِشَاءِ، وَالثَّانِي عَلَى تَوَقُّفِ فِعْلِهِ عَلَيْهَا كَسُنَّتِهِ
الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْهَا اهـ قَوْلُهُ: (وَوَصَلَ نَوَى الْوِتْرَ) أَوْ
سُنَّةَ الْوِتْرِ أَوْ رَاتِبَةَ الْوِتْرِ أَوْ مِنْ سُنَّةِ الْوِتْرِ
أَوْ مِنْ رَاتِبَةِ الْوِتْرِ أَوْ مِنْ الْوِتْرِ، وَتَقَعُ مِنْ
لِلِابْتِدَاءِ لَا لِلتَّبْعِيضِ كَمَا أَنَّ الْإِضَافَةَ فِي نَحْوِ
رَاتِبَةِ الْوِتْرِ أَوْ سُنَّةِ الْوِتْرِ لِلْبَيَانِ ق ل قَوْلُهُ:
(نَوَى بِالْوَاحِدَةِ الْوِتْرَ) أَوْ مِنْ الْوِتْرِ أَوْ سُنَّةَ
الْوِتْرِ ق ل قَوْلُهُ: (وَيَتَخَيَّرُ فِي غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ
الْوَاحِدَةِ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ مِنْ الْوِتْرِ أَوْ سُنَّةِ الْوِتْرِ
أَيْضًا عَلَى الْمُتَّجَهِ ق ل قَوْلُهُ: (بَيْنَ نِيَّةِ صَلَاةِ
اللَّيْلِ) هَكَذَا ذَكَرَ هَذِهِ الشَّارِحُ، وَيُتَّجَهُ فِيهَا عَدَمُ
صِحَّتِهَا لِعَدَمِ تَعْيِينِ الْوِتْرِ ق ل لَكِنَّ الَّذِي فِي شَرْحِ م
ر مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فَهُوَ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ
الْبَحْثُ فِيهِ مُنْقَدِحًا م د قَوْلُهُ: (أَوْ مُقَدِّمَةِ الْوِتْرِ)
أَوْ الْوِتْرِ أَيْضًا عَلَى الْمُتَّجَهِ ق ل قَوْلُهُ: (هَذَا) أَيْ
قَوْلُهُ فَإِنْ أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ إلَخْ قَوْلُهُ (وَيُحْمَلُ عَلَى
مَا يُرِيدُهُ مِنْ رَكْعَةٍ) الَّذِي اعْتَمَدَهُ م ر أَنَّ نِيَّتَهُ
تُحْمَلُ عَلَى الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهَا أَدْنَى الْكَمَالِ فَلَا تَجُوزُ
الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا وَلَا النَّقْصُ عَنْهَا، وَيُقَالُ مِثْلُهُ
فِيمَنْ نَذَرَ الْوِتْرَ وَأَطْلَقَ فَيَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ
وَعِبَارَتُهُ، وَرَجَّحَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -
الْحَمْلَ عَلَى ثَلَاثٍ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يَطْلُبُهُ
الشَّارِعُ فِيهِ فَصَارَ بِمَثَابَةِ أَقَلِّهِ إذْ الرَّكْعَةُ قِيلَ
يُكْرَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا فَلَمْ تَكُنْ مَطْلُوبَةً بِنَفْسِهَا.
اهـ. أُجْهُورِيٌّ قَوْلُهُ: (وِتْرًا) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ قَوْلُهُ:
(وَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ النَّفْلِيَّةِ) أَيْ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ
بِأَنْوَاعِهِ ق ل فَهَذَا رَاجِعٌ لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلُهُ:
(وَيَكْفِي فِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ) أَيْ أَقَلُّ مَا يَكْفِي فِيهِ
ذَلِكَ لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَكْفِيهِ غَيْرُهُ م د وَهَذَا قَسِيمُ
قَوْلِهِ سَابِقًا، فَإِنْ أَرَادَ فَرْضًا مَعَ قَوْلِهِ وَالنَّفَلُ ذُو
الْوَقْتِ إلَخْ
(2/6)
الَّذِي لَا يَتَقَيَّدُ بِوَقْتٍ وَلَا
سَبَبٍ نِيَّةُ فِعْلِ الصَّلَاةِ.
(وَالنِّيَّةُ بِالْقَلْبِ) بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهَا الْقَصْدُ، فَلَا
يَكْفِي النُّطْقُ مَعَ غَفْلَةِ الْقَلْبِ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي سَائِرِ
الْأَبْوَابِ كَذَلِكَ، وَلَا يَضُرُّ النُّطْقُ بِخِلَافِ مَا فِي
الْقَلْبِ كَأَنْ قَصَدَ الصُّبْحَ وَسَبَقَ لِسَانُهُ إلَى الظُّهْرِ،
وَيُنْدَبُ النُّطْقُ بِالْمَنْوِيِّ قُبَيْلَ التَّكْبِيرِ لِيُسَاعِدَ
اللِّسَانُ الْقَلْبَ وَلِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ الْوِسْوَاسِ، وَلَوْ
عَقَّبَ النِّيَّةَ بِلَفْظِ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ نَوَاهَا وَقَصَدَ
بِذَلِكَ التَّبَرُّكَ أَوْ أَنَّ الْفِعْلَ وَاقِعٌ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ
لَمْ يَضُرَّ أَوْ التَّعْلِيقَ أَوْ أَطْلَقَ لَمْ يَصِحَّ
لِلْمُنَافَاةِ.
(فَائِدَةٌ) لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: صَلِّ فَرْضَك وَلَك عَلَيَّ
دِينَارٌ فَصَلَّى بِهَذِهِ النِّيَّةِ لَمْ يَسْتَحِقَّ الدِّينَارَ
وَأَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ، وَلَوْ نَوَى الصَّلَاةَ وَدَفْعَ الْغَرِيمِ
صَحَّتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ دَفْعَهُ حَاصِلٌ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ
بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى بِصَلَاتِهِ فَرْضًا وَنَفْلًا غَيْرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (نِيَّةِ فِعْلِ الصَّلَاةِ) الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ
وَالْمُرَادُ بِالْفِعْلِ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيُّ، وَبِالصَّلَاةِ
الْمَعْنَى الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ وَهِيَ الْهَيْئَةُ الْمُجْتَمِعَةُ
مِنْ الْأَرْكَانِ وَالسُّنَنِ وَالْمُكَلَّفُ بِهِ الْمَعْنَى
الْمَصْدَرِيُّ تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا الْقَصْدُ) أَيْ وَالْقَصْدُ لَا يَكُونُ إلَّا
بِالْقَلْبِ قَوْلُهُ: (وَسَبَقَ لِسَانُهُ إلَى الظُّهْرِ) أَيْ وَكَذَا
لَوْ تَعَمَّدَهُ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهُ وَقَصَدَ مَا نَوَاهُ عِنْدَ
تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ ع ش عَلَى م ر أَيْ لِأَنَّ التَّلَاعُبَ قَبْلَ
الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ لَا يَضُرُّ، أَيْ لِأَنَّهُ لَمْ
يَدْخُلْ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِيهَا إلَّا
بِالتَّكْبِيرَةِ أَيْ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَهِيَ لَمْ تُوجَدْ
حِينَئِذٍ قَوْلُهُ: (عَنْ الْوِسْوَاسِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِكَسْرِ
الْوَاوِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْوَسْوَسَةُ. وَأَمَّا الْمَفْتُوحُ
فَاسْمٌ لِلشَّيْطَانِ قَالَ تَعَالَى: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ} [الناس:
4] قَوْلُهُ: (وَلَوْ عَقَّبَ النِّيَّةَ إلَخْ) وَ " إنْ شَاءَ اللَّهُ "
لَيْسَ مُبْطِلًا لِلصَّلَاةِ لِأَنَّهُ قَبْلَ انْعِقَادِهَا لِأَنَّهَا
لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِالتَّكْبِيرِ قَوْلُهُ: (أَوْ نَوَاهَا) أَيْ
الْمَشِيئَةَ قَوْلُهُ: (أَوْ التَّعْلِيقَ إلَخْ) وَمِثْلُهُ نِيَّةُ
الْخُرُوجِ وَالتَّرَدُّدِ فِيهِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ، وَظَاهِرُهُ
الْبُطْلَانُ فِيمَا لَوْ عَلَّقَ خُرُوجَهُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى أَمْرٍ
لَا يُوجَدُ عَادَةً أَوْ يَسْتَحِيلُ وُجُودُهُ وَلَوْ عَقْلًا
كَالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ سم عَلَى الْبَهْجَةِ
خِلَافًا لِمَا قَالَهُ شَارِحُ الْكِتَابِ مِنْ عَدَمِ الْبُطْلَانِ
بِالتَّعْلِيقِ بِمَا يَقْطَعُ عَقْلًا بِعَدَمِ حُصُولِهِ اج قَوْلُهُ:
(أَوْ أَطْلَقَ لَمْ يَصِحَّ) أَيْ حَمْلًا لِلْإِطْلَاقِ عَلَى
التَّعْلِيقِ لِأَنَّ حَرْفَ الشَّرْطِ وَهُوَ " إنْ " صَرِيحٌ فِيهِ فَلَا
يَنْصَرِفُ عَنْهُ إلَّا بِقَصْدِ التَّبَرُّكِ وَنَحْوِهِ، وَإِنَّمَا
لَمْ يُحْمَلْ الْإِطْلَاقُ عَلَى التَّعْلِيقِ فِي نَحْوِ الطَّلَاقِ
فَإِنَّهُ إذَا قَالَ طَلَّقْتُك إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ
إنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَطْلَقَ وَقَعَ لِأَنَّ أَنْتِ طَالِقٌ وَنَحْوَهُ
صَرِيحٌ فِي الْوُقُوعِ فَلَا يُقَوِّي صَرْفَهُ عَنْ الْوُقُوعِ إلَّا
قَصْدُ التَّعْلِيقِ بِخِلَافِ حَالَةِ الْإِطْلَاقِ لِضَعْفِهَا، وَلَوْ
فَرَّقَ بِالِاحْتِيَاطِ فِي الْبَابَيْنِ لَكَانَ أَوْضَحَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ فِي صُورَةِ نِيَّةِ الْمَشِيئَةِ
بِخِلَافِ التَّلَفُّظِ بِالْمَشِيئَةِ فِي الصَّلَاةِ بِأَنْ وَقَعَ
بَعْدَ التَّحَرُّمِ لِأَنَّهُ كَلَامٌ أَجْنَبِيٌّ ع ش، فَالْمُنَاسِبُ
أَنْ يَقُولَ ضَرَّ بَدَلَ قَوْلِهِ لَمْ يَصِحَّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ
مَسَائِلَ الْمَشِيئَةِ صُوَرُهَا ثَمَانِيَةٌ مِنْ ضَرْبِ اثْنَيْنِ،
وَهُمَا قَوْلُهُ: عَلَّقَ النِّيَّةَ بِلَفْظِ الْمَشِيئَةِ أَوْ نَوَاهَا
فِي الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدُ وَكُلُّهَا فِي الشَّارِحِ
قَوْلُهُ: (لِلْمُنَافَاةِ) أَيْ بَيْنَ الْجَزْمِ بِالنِّيَّةِ
الْمُشْتَرَطِ وَالتَّعْلِيقِ.
قَوْلُهُ: (فَرْضَك) أَيْ مَثَلًا إذْ مِثْلُهُ الضُّحَى وَالْعِيدُ
مَثَلًا قَوْلُهُ: (فَصَلَّى بِهَذِهِ النِّيَّةِ) أَيْ مُنْضَمَّةٌ إلَى
النِّيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ ق ل كَأَنْ قَالَ: أُصَلِّي فَرْضَ الظُّهْرِ
وَلِي عَلَى فُلَانٍ دِينَارٌ. اهـ. م د. وَكَيْفَ تُجْزِيهِ صَلَاتُهُ
مَعَ قَوْلِهِ وَلِي عَلَى فُلَانٍ دِينَارٌ مَعَ أَنَّهُ مُبْطِلٌ لَهَا
إلَّا أَنْ يُقَالَ أَتَى بِهِ فِي قَلْبِهِ مِنْ غَيْرِ تَلَفُّظٍ،
وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّلَفُّظَ لَا يَضُرُّ لِأَنَّهُ قَبْلَ
الِانْعِقَادِ وَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِالتَّكْبِيرِ قَوْلُهُ: (لَمْ
يَسْتَحِقَّ) أَيْ لِأَنَّهَا جَعَالَةٌ لَمْ تَعُدْ الْمَنْفَعَةُ فِيهَا
عَلَى الْمُجَاعِلِ، وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ قَوْلُهُ لَمْ
يَسْتَحِقَّ الدِّينَارَ أَيْ لِأَنَّ الِالْتِزَامَ إنَّمَا يَصِحُّ
فِيمَا يَلْزَمُ الْإِنْسَانَ أَوْ يُطْلَبُ مِنْهُ كَقَوْلِهِ لِغَيْرِهِ
أَدِّ دَيْنِي وَأَنَا أُوَفِّيك، أَمَّا مَا يَلْزَمُ الْمُخَاطَبَ إذَا
جَعَلَ الْآمِرُ لَهُ شَيْئًا فِي مُقَابَلَةِ فِعْلِهِ فَإِنَّهُ لَا
يَلْزَمُ قَوْلُهُ: (صَحَّتْ صَلَاتُهُ) بِخِلَافِ نِيَّةِ الطَّوَافِ
وَدَفْعِ الْغَرِيمِ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَا يُدْفَعُ بِهِ الْغَرِيمُ
عَادَةً
(2/7)
تَحِيَّةٍ وَسُنَّةِ وُضُوءٍ لِتَشْرِيكِهِ
بَيْنَ عِبَادَتَيْنِ لَا تَنْدَرِجُ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى.
وَلَوْ قَالَ: أُصَلِّي لِثَوَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْهَرَبِ مِنْ
عِقَابِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ خِلَافًا لِلْفَخْرِ الرَّازِيِّ.
(وَ) الثَّانِي مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (الْقِيَامُ) فِي الْفَرْضِ
(مَعَ الْقُدْرَةِ) عَلَيْهِ وَلَوْ بِمُعِينٍ بِأُجْرَةٍ فَاضِلَةٍ عَنْ
مُؤْنَتِهِ وَمُؤْنَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
بِخِلَافِ الصَّلَاةِ اهـ م د قَوْلُهُ: (وَنَفْلًا) أَيْ مَقْصُودًا
مِمَّا لَا يَحْصُلُ مَعَ غَيْرِهِ، فَاسْتِثْنَاءُ التَّحِيَّةِ وَسُنَّةِ
الْوُضُوءِ لَيْسَ قَيْدًا كَمَا يَدُلُّ لَهُ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ،
بَلْ مِثْلُهُمَا سُنَّةُ الْإِحْرَامِ وَالطَّوَافُ وَالِاسْتِخَارَةُ ق ل
بِزِيَادَةٍ وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ تَنْبِيهٌ:
يَمْتَنِعُ جَمْعُ صَلَاتَيْنِ بِنِيَّةٍ وَلَوْ نَفْلًا مَقْصُودًا أَمَّا
غَيْرُ الْمَقْصُودِ كَتَحِيَّةٍ وَاسْتِخَارَةٍ وَإِحْرَامٍ وَطَوَافٍ
وَسُنَّةِ وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ أَوْ غَفْلَةٍ وَسُنَّةِ الْقُدُومِ مِنْ
السَّفَرِ وَالْخُرُوجِ لَهُ وَرَكْعَتَيْ الْحَاجَةِ وَالزِّفَافِ
فَهَذِهِ الْعَشَرَةُ نَصَّ عَلَيْهَا الرَّمْلِيُّ فَيَجُوزُ جَمْعُهَا
مَعَ فَرْضٍ أَوْ نَفْلِ غَيْرِهَا
قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَالَ أُصَلِّي إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ عَبَدَ
اللَّهَ لِأَجْلِ الْخَوْفِ مِنْ عَذَابِهِ أَوْ لِأَجْلِ رَجَاءِ
ثَوَابِهِ لَمْ يَضُرَّ فِي صِحَّةِ عِبَادَتِهِ، وَإِنْ كَانَ لَوْلَا
الْخَوْفُ أَوْ الرَّجَاءُ لَمَا عَبَدَهُ حَيْثُ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ
مُسْتَحِقٌّ لَهَا بِذَاتِهِ وَأَنَّهَا مَطْلُوبَةٌ مِنْهُ عَلَى
الْوَجْهِ الرَّاجِحِ الْمَفْهُومِ مِنْ تَرْغِيبَاتِ الشَّرْعِ
وَتَرْهِيبَاتِهِ، فَإِنْ اعْتَقَدَ عَدَمَ اسْتِحْقَاقِهِ تَعَالَى لَهَا
فَلَا خِلَافَ فِي كُفْرِهِ ق ل، فَلَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ اسْتِحْقَاقَهُ
تَعَالَى بِأَنْ كَانَ غَافِلًا كَبَعْضِ الْعَوَامّ فَلَيْسَ بِكَافِرٍ
بَلْ صَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ، وَلِلْإِمَامِ الْجُنَيْدِ:
كُلُّهُمْ يَعْبُدُونَك مِنْ خَوْفِ نَارٍ ... وَيَرَوْنَ النَّجَاةَ
حَظًّا جَزِيلًا
أَوْ بِأَنْ يَسْكُنُوا الْجِنَانَ ... فَيَحْظَوْا بِقُصُورٍ وَيَشْرَبُوا
سَلْسَبِيلَا
لَيْسَ لِي بِالْجِنَانِ وَالنَّارِ حَظٌّ ... أَنَا لَا أَبْتَغِي
بِحِبِّي بَدِيلًا
بِكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ مَحْبُوبِي. وَهَذِهِ حَالَةُ الْكَمَالِ،
وَالْوُسْطَى أَنْ يَعْبُدَ اللَّهَ خَوْفًا مِنْ عِقَابِهِ وَطَمَعًا فِي
ثَوَابِهِ، وَالدُّنْيَا أَنْ يَعْبُدَهُ حَيَاءً مِنْ النَّاسِ قَوْلُهُ:
(الرَّازِيِّ) نِسْبَةٌ إلَى الرَّيِّ بِالْفَتْحِ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ،
وَهِيَ مِنْ عِرَاقِ الْعَجَمِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ. وَقَوْلُهُ
خِلَافًا لِلْفَخْرِ الرَّازِيِّ أَيْ حَيْثُ نَقَلَ إجْمَاعَ
الْمُتَكَلِّمِينَ مَعَ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْ أَئِمَّتِنَا، عَلَى أَنَّ
مَنْ عَبَدَ اللَّهَ أَوْ صَلَّى لِأَجْلِ خَوْفِ الْعِقَابِ وَطَلَبِ
الثَّوَابِ لَمْ تَصِحَّ عِبَادَتُهُ. قَالَ م ر وَمِثْلُهُ ابْنُ حَجَرٍ
وسم: يُمْكِنُ لِحَمْلِ كَلَامِهِ عَلَى مَنْ مَحَضَ عِبَادَتَهُ لِذَلِكَ
وَحْدَهُ، وَلَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ فِي بَقَاءِ إسْلَامِهِ، وَمِمَّا
يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ مَحَطُّ
نَظَرِهِمْ لِمُنَافَاتِهِ لِاسْتِحْقَاقِهِ تَعَالَى الْعِبَادَةَ مِنْ
الْخَلْقِ لِذَاتِهِ، أَمَّا مَنْ لَمْ يُمْحِضْهَا فَلَا شُبْهَةَ فِي
صِحَّةِ عِبَادَتِهِ. زَادَ ابْنُ حَجَرٍ عَلَى ذَلِكَ قَوْلَهُ: بِأَنَّ
عَمَلَ الْعِبَادَةِ لَهُ تَعَالَى مَعَ الطَّمَعِ فِي ذَلِكَ وَطَلَبِهِ
فَتَصِحُّ جَزْمًا وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ تَجْرِيدَ الْعِبَادَةِ عَنْ
ذَلِكَ، وَهَذَا مَحْمَلُ قَوْله تَعَالَى: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا
وَطَمَعًا} [السجدة: 16] بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِ يَدْعُونَ بِيَعْبُدُونَ،
وَإِلَّا لَمْ يَرِدْ إذْ شَرْطُ قَبُولِ الدُّعَاءِ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ
اهـ.
فَإِنْ قِيلَ ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا}
[الأعراف: 56] يَقْتَضِي الْأَمْرَ بِالدُّعَاءِ لِهَذَا الْغَرَضِ، وَقَدْ
ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ فَسَادُهُ فَكَيْفَ التَّوْفِيقُ بَيْنَ هَذَا وَمَا
يُقَرَّرُ مِنْ طَلَبِ الْعِبَادَةِ مُطْلَقًا وَالْجَوَابُ أَنَّ
الْمُرَادَ وَادْعُوهُ مَعَ الْخَوْفِ مِنْ وُقُوعِ التَّقْصِيرِ فِي
بَعْضِ الشَّرَائِطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي قَبُولِ ذَلِكَ الدُّعَاءِ،
وَمَعَ الطَّمَعِ فِي حُصُولِ تِلْكَ الشَّرَائِطِ بِأَسْرِهَا. وَعَلَى
هَذَا التَّقْرِيرِ فَالسُّؤَالُ زَائِلٌ اهـ اج.
قَوْلُهُ: (الْقِيَامُ) وَهُوَ أَفْضَلُ الْأَرْكَانِ ثُمَّ السُّجُودُ
ثُمَّ الرُّكُوعُ. اهـ. ق ل. ثُمَّ الِاعْتِدَالُ وَعِبَارَةُ تِلْمِيذِهِ
الرَّحْمَانِيِّ: وَالْقِيَامُ أَفْضَلُ الْأَرْكَانِ فِيمَا إذَا اسْتَوَى
الزَّمَانُ. قُلْت: وَلِي نَظَرٌ فِي تَفْضِيلِهِ عَلَى النِّيَّةِ مَعَ
قَوْلِهِمْ إنَّ فِعْلَ الْقَلْبِ أَفْضَلُ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ أَنَّهُ
بِالنِّسْبَةِ لِأَفْعَالِ غَيْرِ الْقَلْبِ.
(2/8)
مُمَوِّنِهِ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ
فَيَجِبُ حَالَةَ الْإِحْرَامِ بِهِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «لِعِمْرَانَ
بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْت النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الصَّلَاةِ فَقَالَ: صَلِّ
قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ
فَعَلَى جَنْبٍ» زَادَ النَّسَائِيُّ «فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ
فَمُسْتَلْقِيًا لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا» .
وَأَجْمَعَ الْأُمَّةُ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ
بِالضَّرُورَةِ، وَخَرَجَ بِالْفَرْضِ النَّفَلُ وَبِالْقَادِرِ
الْعَاجِزُ. وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ صِحَّةُ صَلَاةِ الصَّبِيِّ
الْفَرْضَ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ، وَالْأَصَحُّ كَمَا
فِي الْبَحْرِ خِلَافُهُ.
وَمِثْلُ صَلَاةِ الصَّبِيِّ الصَّلَاةُ الْمُعَادَةُ، وَاسْتَثْنَى
بَعْضُهُمْ مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلَ: الْأُولَى: مَا لَوْ خَافَ رَاكِبُ
السَّفِينَةِ غَرَقًا أَوْ دَوَرَانَ رَأْسٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّي مِنْ
قُعُودٍ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. الثَّانِيَةُ: مَا لَوْ كَانَ بِهِ
سَلَسُ بَوْلٍ لَوْ قَامَ سَالَ بَوْلُهُ وَإِنْ قَعَدَ لَمْ يَسِلْ
فَإِنَّهُ يُصَلِّي مِنْ قُعُودٍ عَلَى الْأَصَحِّ بِلَا إعَادَةٍ،
وَمِنْهَا مَا لَوْ قَالَ طَبِيبٌ ثِقَةٌ لِمَنْ بِعَيْنِهِ مَاءٌ: إنْ
صَلَّيْت مُسْتَلْقِيًا أَمْكَنَ مُدَاوَاتُك، فَلَهُ تَرْكُ الْقِيَامِ
عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَوْ أَمْكَنَ الْمَرِيضُ الْقِيَامَ مُنْفَرِدًا
بِلَا مَشَقَّةٍ وَلَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ فِي جَمَاعَةٍ إلَّا بِأَنْ
يُصَلِّيَ بَعْضَهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
فَرْعٌ: التَّطْوِيلُ فِي الْقِيَامِ أَفْضَلُ ثُمَّ فِي السُّجُودِ ثُمَّ
فِي الِاعْتِدَالِ. اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ
قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِمُعِينٍ إلَخْ) عِبَارَةُ ر م أَوْ لَمْ يَقْدِرْ
عَلَى النُّهُوضِ إلَّا بِمُعِينٍ إلَخْ اهـ. وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ
الْغَايَةَ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ وَلَوْ بِمُعِينٍ لِلتَّعْمِيمِ لَا
لِلرَّدِّ عَلَى أَحَدٍ بِدَلِيلِ عِبَارَةِ م ر. قَوْلُهُ: (فَيَجِبُ
حَالَةَ الْإِحْرَامِ بِهِ) قَالَ ق ل: وَكَذَا فِي دَوَامِ الْقِيَامِ
عَلَى الْمُعْتَمَدِ اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ مَتَى احْتَاجَ
لِلْمُعِينِ فِي دَوَامِ قِيَامِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَيُصَلِّي مِنْ
قُعُودٍ. وَعِبَارَةُ سم حَاصِلُ مَسْأَلَةِ الْمُعِينِ وَالْعُكَّازَةُ
أَنَّهُ إنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ فِي النُّهُوضِ فَقَطْ أَيْ فِي
كُلِّ رَكْعَةٍ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ فِي دَوَامِ قِيَامِهِ
لَزِمَهُ وَإِلَّا بِأَنْ احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ فِي النُّهُوضِ وَدَوَامِ
الْقِيَامِ فَلَا يَلْزَمُهُ وَهُوَ عَاجِزٌ الْآنَ، أَيْ فَيُصَلِّي مِنْ
قُعُودٍ اهـ. وَفَرَّقَ ع ش بَيْنَ الْمُعِينِ وَالْعُكَّازَةِ بِأَنَّ
الْأَوَّلَ لَا يَجِبُ إلَّا فِي الِابْتِدَاءِ وَالثَّانِي يَجِبُ فِي
الِابْتِدَاءِ وَالدَّوَامِ لِلْمَشَقَّةِ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي.
وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا الْحِفْنِيُّ قَوْلَهُ: (لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ)
وَكَانَ عِمْرَانُ مِنْ أَكَابِرِ أَعْيَانِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قِيلَ: إنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانَتْ
تُسَلِّمُ عَلَيْهِ جِهَارًا، فَلَمَّا شُفِيَ مِنْ مَرَضِهِ بِدَعْوَةِ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجَبَتْ عَنْهُ
الْمَلَائِكَةُ فَشَكَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
احْتِجَابَ الْمَلَائِكَةِ عَنْهُ فَقَالَ لَهُ: «احْتِجَابُهُمْ عَنْك
بِسَبَبِ شِفَائِك فَقَالَ لَهُ: اُدْعُ اللَّهَ بِعَوْدِ الْمَرَضِ» .
فَلَمَّا عَادَ لَهُ مَرَضُهُ عَادَتْ لَهُ الْمَلَائِكَةُ فَيُسْتَجَابُ
الدُّعَاءُ عِنْدَ ذِكْرِ اسْمِهِ كَرَامَةً لَهُ. قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي
شَرْحِ الْخَصَائِصِ: وَاخْتُصَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بِجَوَازِ صَلَاةِ الْفَرْضِ قَاعِدًا وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ ذَكَرَهُ
الزَّرْكَشِيّ فِي الْخَادِمِ
قَوْلُهُ: (وَأَجْمَعَ الْأُمَّةُ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى رُكْنِيَّةِ
الْقِيَامِ لِلْقَادِرِ قَوْلُهُ: (وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ
قَوْلِهِ، وَخَرَجَ بِالْفَرْضِ النَّفَلُ، وَوَجْهُ إفْهَامِهِ أَنَّ
صَلَاةَ الصَّبِيِّ تَقَعُ نَافِلَةً لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: الْمُرَادُ
بِالْفَرْضِ مَا يُسَمَّى فَرْضًا عَلَى الْمُكَلَّفِ بِقَطْعِ النَّظَرِ
عَنْ فَاعِلِهِ، فَلَا إفْهَامَ فِيهِ لِمَا قَالَهُ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ
م ر وَابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ الْقِيَامُ فِي فَرْضٍ
شَمِلَ فَرْضَ الصَّبِيِّ وَالْعَارِي، وَالْفَرِيضَةَ الْمُعَادَةَ
وَالْمَنْذُورَةَ فَجَعَلَا الْفَرْضَ شَامِلًا لِصَلَاةِ الصَّبِيِّ
تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الْبَحْرِ) وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ
فِيهِ وَفِي الْمُعَادَةِ ق ل قَوْلُهُ: (وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مِنْ
ذَلِكَ) أَيْ مِنْ وُجُوبِ الْقِيَامِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ. قَالَ ق
ل: لَا حَاجَةَ لِلِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْعَجْزِ كَمَا
سَيَأْتِي قَوْلُهُ: (وَلَا إعَادَةَ) بِخِلَافِ مَا لَوْ مَنَعَهُ مِنْ
الْقِيَامِ الزَّحْمَةُ فَإِنَّهُ يُعِيدُ لِنُدْرَةِ ذَلِكَ اهـ م د.
زَادَ فِي الْكِفَايَةِ: وَإِنْ أَمْكَنَهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْأَرْضِ
أَيْ بِأَنْ كَانَتْ السَّفِينَةُ رَاسِيَةً عَلَى الْبَرِّ فَلَا
يُكَلَّفُ الْخُرُوجَ لِيُصَلِّيَ عَلَى الْأَرْضِ قَوْلُهُ: (وَمِنْهَا)
أَيْ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ، وَالْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ
الْأُولَى إلَخْ أَنْ يَقُولَ هُنَا الثَّالِثَةُ مَا لَوْ قَالَ إلَخْ.
وَيَقُولُ بَدَلَ قَوْلِهِ الْآتِي الثَّالِثَةُ الرَّابِعَةُ وَهُوَ
تَابِعٌ فِي ذَلِكَ لِعِبَارَةِ غَيْرِهِ، لَكِنْ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ
عَدَدٍ بَلْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ مِنْهَا فِي جَمِيعِهَا، وَيُمْكِنُ
تَصْحِيحُ كَلَامِهِ بِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي مِنْهَا رَاجِعٌ لِلثَّانِيَةِ
لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ يُشْبِهُهَا جَعَلَهُ مِنْهَا تَأَمَّلْ قَوْلُهُ:
(فَلَهُ تَرْكُ الْقِيَامِ عَلَى الْأَصَحِّ) أَيْ وَلَوْ كَانَ
الْمُخْبِرُ لَهُ عَدْلَ رِوَايَةٍ فِيمَا يَظْهَرُ، أَوْ كَانَ عَارِفًا م
ر وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عُذْرٌ عَامٌّ أَيْ يَكْثُرُ
وُقُوعُهُ، قَالَ الْمَدَابِغِيُّ عَلَى التَّحْرِيرِ: يُؤْخَذُ مِنْ
شَرْحِ الْبَهْجَةِ الْكَبِيرِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي بَابِ
التَّيَمُّمِ أَنَّ الْعُذْرَ الْعَامَّ مَا يَكْثُرُ وُقُوعُهُ بِدَلِيلِ
مُقَابَلَتِهِ بِالنَّادِرِ دَامَ أَوْ لَا، وَأَنَّ الْعُذْرَ الدَّائِمَ
مَا لَا يَزُولُ بِسُرْعَةٍ غَالِبًا أَيْ مَا مِنْ شَأْنِهِ ذَلِكَ عَمَّ
أَوْ لَا. وَنُقِلَ عَنْ
(2/9)
قَاعِدًا فَالْأَفْضَلُ الِانْفِرَادُ،
وَتَصِحُّ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَإِنْ قَعَدَ فِي بَعْضِهَا كَمَا فِي
زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ. الثَّالِثَةُ: مَا لَوْ كَانَ لِلْغُزَاةِ رَقِيبٌ
يَرْقُبُ الْعَدُوَّ وَلَوْ قَامَ لَرَآهُ الْعَدُوُّ، أَوْ جَلَسَ
الْغُزَاةُ فِي مَكْمَنٍ وَلَوْ قَامُوا لَرَآهُمْ الْعَدُوُّ وَفَسَدَ
تَدْبِيرُ الْحَرْبِ صَلَّوْا قُعُودًا، وَوَجَبَتْ الْإِعَادَةُ عَلَى
الْمَذْهَبِ لِنُدْرَةِ ذَلِكَ لَا إنْ خَافُوا قَصْدَ الْعَدُوِّ لَهُمْ
فَلَا تَلْزَمُهُمْ الْإِعَادَةُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ مَا مَرَّ أَنَّ الْعُذْرَ هُنَا
أَعْظَمُ مِنْهُ ثَمَّ وَفِي الْحَقِيقَةِ لَا اسْتِثْنَاءَ لِأَنَّ مَنْ
ذُكِرَ عَاجِزٌ إمَّا لِضَرُورَةِ التَّدَاوِي أَوْ خَوْفِ الْغَرَقِ أَوْ
الْخَوْفِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ أَخَّرَ الْقِيَامَ عَنْ النِّيَّةِ مَعَ أَنَّهُ
مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا؟ أُجِيبَ بِأَنَّهَا رُكْنٌ فِي الصَّلَاةِ مُطْلَقًا
وَهُوَ رُكْنٌ فِي الْفَرِيضَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَوْ زَالَ مَا يَدُومُ بِسُرْعَةٍ أَوْ دَامَ
غَيْرُهُ اُعْتُبِرَ الْجِنْسُ إلْحَاقًا لِشَاذِّهِ بِهِ، فَالْعَامُّ
لِعَامٍّ كَالْمَرَضِ وَالسَّفَرِ، وَالْعُذْرُ الدَّائِمُ كَالسَّلَسِ
وَالِاسْتِحَاضَةِ، وَالْمُتَرَدِّدُ بَيْنَهُمَا كَفَقْدِ السُّتْرَةِ
فَهُوَ عُذْرٌ عَامٌّ أَيْ يَكْثُرُ وُقُوعُهُ أَوْ نَادِرٌ إذَا وَقَعَ
دَامَ أَيْ لَا يَزُولُ بِسُرْعَةٍ، وَالنَّادِرُ الْغَيْرُ الدَّائِمِ
كَفَقْدِ الطَّهُورَيْنِ وَالْعَجْزِ عَمَّا يُسَخِّنُ بِهِ الْمَاءُ،
فَإِنَّ كُلًّا نَادِرٌ لَا يَدُومُ اهـ فَلْيُحْفَظْ.
قَوْلُهُ: (فَالْأَفْضَلُ الِانْفِرَادُ) هَذَا مَعَ قَوْلِهِ السَّابِقِ:
وَلَوْ أَمْكَنَ الْمَرِيضَ الْقِيَامُ بِلَا مَشَقَّةٍ يَقْتَضِي فَرْضَ
الْمَسْأَلَةِ فِي النَّافِلَةِ حَتَّى يُقَالَ: الِانْفِرَادُ
الْمُحَصِّلُ لِلْقِيَامِ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ مِنْ
الْجَمَاعَةِ الْمُحَصِّلَةِ لَهُ فِي بَعْضِهَا فَقَطْ وَإِلَّا لَكَانَ
الِانْفِرَادُ وَاجِبًا لِتَحْصِيلِ الْقِيَامِ فِي جَمِيعِهَا، لَكِنَّ
عِبَارَةَ الرَّمْلِيِّ تَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ جَارٍ أَيْضًا فِي
الْفَرْضِ مَعَ أَنَّ الْكَلَامَ الْآنَ فِي الْفَرْضِ، وَعِبَارَةُ
بَعْضِهِمْ قَوْلُهُ فَالْأَفْضَلُ الِانْفِرَادُ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ
ذَلِكَ فِي نَفْلٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ فِي فَرْضٍ، وَلَكِنْ يَرِدُ عَلَى
ذَلِكَ أَنَّهُ تَرَكَ الْقِيَامَ فِي الْفَرْضِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ
لِأَجْلِ الْجَمَاعَةِ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَمَّا قَصَدَ حُصُولَ
الثَّوَابِ بِالْجَمَاعَةِ كَانَ ذَلِكَ عُذْرًا فِي جَوَازِ تَرْكِ
الْقِيَامِ وَلَوْ كَانَ فَرْضًا قَوْلُهُ: (وَتَصِحُّ مَعَ الْجَمَاعَةِ
إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الصَّلَاةُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا، وَكَأَنَّ
وَجْهَهُ أَنَّهُ لَمَّا أَشْغَلَ نَفْسَهُ بِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ كَانَ
ذَلِكَ عُذْرًا فِي عَدَمِ وُجُوبِ صَلَاتِهِ الْفَرْضَ مُنْفَرِدًا م ر.
وَقَوْلُهُ: وَكَأَنَّ وَجْهَهُ أَيْ وَجْهَ صِحَّةِ صَلَاتِهِ الْفَرْضَ
مَعَ الْجَمَاعَةِ وَعَجْزِهِ عَنْ الْقِيَامِ فَقَعَدَ فِي أَثْنَائِهَا،
وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ صَلَّى هَذَا الْفَرْضَ مُنْفَرِدًا لَمْ يَقْعُدْ
فِيهِ، وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا لِبَعْضِهِمْ هُنَا مِنْ أَنَّهُ مُصَوَّرٌ
بِمَا إذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ نَفْلًا قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَعَدَ فِي
بَعْضِهَا) وَلَوْ شَرَعَ فِي السُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ ثُمَّ عَجَزَ
فِي أَثْنَائِهَا قَعَدَ وَكَمَّلَهَا وَلَا يُكَلَّفُ قَطْعَهَا
لِيَرْكَعَ، وَإِنْ كَانَ قَطْعُ الْقِرَاءَةِ أَحَبَّ وَإِذَا قَعَدَ
لِإِكْمَالِ السُّورَةِ ثُمَّ أَرَادَ الرُّكُوعَ وَأَمْكَنَهُ مِنْ
قِيَامٍ لَزِمَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ ش م ر. وَلَوْ كَانَ لَوْ صَلَّى
قَائِمًا تَرَكَ الْفَاتِحَةَ لِعَدَمِ حِفْظِهِ إيَّاهَا وَعَدَمِ
مُلَقِّنٍ أَوْ نَحْوِ مُصْحَفٍ، وَلَوْ صَلَّى قَاعِدًا نَظَرَ فِي أَصْلِ
جِدَارٍ كُتِبَتْ فِيهِ لَا يُمْكِنُ مُشَاهَدَتُهَا عَلَيْهِ إلَّا
لِلْقَاعِدِ وَجَبَ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا لِأَنَّ فَرْضَ الْفَاتِحَةِ
آكَدُ إذْ لَا تَسْقُطُ فِي النَّفْلِ مَعَ الْقُدْرَةِ بِخِلَافِ
الْقِيَامِ سم عَلَى الْمَتْنِ، إلَّا أَنَّهُ إذَا أَتَمَّ الْقِرَاءَةَ
يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ لِيَرْكَعَ مِنْهُ كَمَا سَبَقَ نَظِيرُهُ اهـ
اج.
قَوْلُهُ: (وَوَجَبَتْ الْإِعَادَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ) أَيْ فِي
الصُّورَتَيْنِ الرَّقِيبُ وَالْكَمِينُ قَوْلُهُ: (وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا
هُنَا) أَيْ مِنْ عَدَمِ الْإِعَادَةِ فِي حَقِّ قَصْدِ الْعَدُوِّ
وَبَيْنَ مَا مَرَّ مِنْ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ فِي حَقِّ رُؤْيَةِ
الْعَدُوِّ وَفَسَادِ التَّدْبِيرِ قَوْلُهُ: (أَنَّ الْعُذْرَ هُنَا) فِي
نُسْخَةٍ أَنَّ الْعَدُوَّ إلَخْ. وَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ ضَرَرُ
الْعَدُوِّ لِأَجْلِ الْإِخْبَارِ، إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ عَظَمَةَ
الْعَدُوِّ بَلْ الْمُرَادُ عَظَمَةُ الضَّرَرِ النَّاشِئِ عَنْهُ،
وَعِبَارَةُ م ر وَالْفَرْقُ عَنْ الْأَوَّلِ شِدَّةُ الضَّرَرِ فِي قَصْدِ
الْعَدُوِّ اهـ. قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ) أَيْ خَوْفَ الْبَوْلِ.
فَرْعٌ: لَوْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ صَلَّى قَائِمًا حَصَلَ لَهُ ثَلَاثُ
حَرَكَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ وَلَوْ صَلَّى قَاعِدًا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ
ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُرَاعِيَ الْقِيَامَ لِأَنَّهَا صَارَتْ
طَبِيعَتَهُ كَمَا قَالَهُ سم.
قَوْلُهُ: (مَعَ أَنَّهُ) أَيْ الْقِيَامَ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ رُكْنًا.
وَقَوْلُهُ: وَهُوَ رُكْنٌ فِي الْفَرِيضَةِ أَيْ الْقِيَامُ بِقَيْدِ
كَوْنِهِ رُكْنًا فِي الصَّلَاةِ فَفِي كَلَامِهِ اسْتِخْدَامُ قَوْلِهِ:
(أُجِيبَ بِأَنَّهَا رُكْنٌ إلَخْ) نَازَعَ فِيهِ ق ل بِأَنَّ الْقِيَامَ
قَبْلَ النِّيَّةِ شَرْطٌ لِلِاعْتِدَادِ بِهَا لَا رُكْنٌ حَتَّى لَوْ
فُرِضَ مُقَارَنَتُهُ لَهَا كَفَى. قَالَ: وَكَانَ الظَّاهِرُ فِي
الْإِشْكَالِ أَنْ يَقُولَ: لِمَ أَخَّرَ التَّكْبِيرَةَ عَنْ الْقِيَامِ
مَعَ أَنَّهَا مُقَارِنَةٌ لِلنِّيَّةِ عَلَى أَنَّ الْجَوَابَ
(2/10)
فَقَطْ فَلِذَا قُدِّمَتْ عَلَيْهِ
وَشَرْطُ الْقِيَامِ نَصْبُ ظَهْرِ الْمُصَلِّي لِأَنَّ اسْمَ الْقِيَامِ
دَائِرٌ مَعَهُ، فَإِنْ وَقَفَ مُنْحَنِيًا إلَى قُدَّامِهِ أَوْ خَلْفِهِ
أَوْ مَائِلًا إلَى يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ بِحَيْثُ لَا يُسَمَّى
قَائِمًا لَمْ يَصِحَّ قِيَامُهُ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ بِلَا عُذْرٍ،
وَالِانْحِنَاءُ السَّالِبُ لِلِاسْمِ أَنْ يَصِيرَ إلَى الرُّكُوعِ
أَقْرَبَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ
. وَلَوْ اسْتَنَدَ إلَى شَيْءٍ كَجِدَارٍ أَجْزَأَهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ،
وَلَوْ تَحَامَلَ عَلَيْهِ وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ رُفِعَ مَا اسْتَنَدَ
إلَيْهِ لَسَقَطَ لِوُجُودِ اسْمِ الْقِيَامِ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ
يَرْفَعُ قَدَمَيْهِ إنْ شَاءَ وَهُوَ مُسْتَنِدٌ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ
لَا يُسَمَّى قَائِمًا بَلْ مُعَلِّقٌ نَفْسَهُ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ
وَصَارَ كَرَاكِعٍ لِكِبَرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَقَفَ وُجُوبًا كَذَلِكَ
لِقُرْبِهِ مِنْ الِانْتِصَابِ، وَزَادَ وُجُوبًا انْحِنَاءً لِرُكُوعِهِ
إنْ قَدَرَ عَلَى الزِّيَادَةِ لِيَتَمَيَّزَ الرُّكْنَانِ.
وَلَوْ أَمْكَنَهُ الْقِيَامُ مُتَّكِئًا عَلَى شَيْءٍ أَوْ الْقِيَامُ
عَلَى رُكْبَتَيْهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَيْسُورُهُ.
وَلَوْ عَجَزَ عَنْ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ دُونَ قِيَامٍ قَامَ وُجُوبًا
وَفَعَلَ مَا أَمْكَنَهُ فِي انْحِنَائِهِ لَهُمَا بِصُلْبِهِ، فَإِنْ
عَجَزَ فَبِرَقَبَتِهِ وَرَأْسِهِ، فَإِنْ عَجَزَ أَوْمَأَ إلَيْهِمَا أَوْ
عَجَزَ عَنْ قِيَامٍ بِلُحُوقِ مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ قَعَدَ كَيْفَ شَاءَ،
وَافْتِرَاشُهُ أَفْضَلُ مِنْ تَرَبُّعِهِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ قُعُودُ
عِبَادَةٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
الَّذِي ذَكَرَهُ يَرُدُّهُ تَأْخِيرُ التَّكْبِيرَةِ عَنْ الْقِيَامِ،
وَوَجْهُ الرَّدِّ أَنَّ التَّكْبِيرَةَ رُكْنٌ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ
فَرْضِهَا وَنَفْلِهَا مَعَ تَأْخِيرِهِ لَهَا عَنْ الْقِيَامِ، فَمَا
وُجِّهَ بِهِ النِّيَّةُ مَنْقُوضٌ بِالتَّكْبِيرَةِ حَيْثُ أَخَّرَهَا
عَنْ الْقِيَامِ مَعَ أَنَّهَا مُقَارِنَةٌ لِلنِّيَّةِ، فَكَانَ
الْمُنَاسِبُ تَقْدِيمَهَا أَيْضًا عَلَى الْقِيَامِ
قَوْلُهُ: (أَوْ خَلْفِهِ) فَإِنْ قُلْت هَذَا لَيْسَ فِيهِ اسْتِقْبَالِ
الْقِبْلَةِ فَلَا يُقَالُ إنَّهُ وَاقِفٌ إلَى الْقِبْلَةِ. أُجِيبَ
بِأَنَّ الْخَلَلَ هُنَا مِنْ جِهَتَيْنِ، مِنْ جِهَةِ عَدَمِ تَسْمِيَةِ
ذَلِكَ قِيَامًا، وَمِنْ جِهَةِ عَدَمِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ إذَا لَمْ
يَسْتَقْبِلْهَا بِالصَّدْرِ بِأَنْ كَانَ انْحِنَاؤُهُ كَثِيرًا، فَإِنْ
اسْتَقْبَلَهَا بِالصَّدْرِ بِأَنْ كَانَ انْحِنَاؤُهُ يَسِيرًا كَفَى أَوْ
يُقَالُ الْمَسْأَلَةُ مُصَوَّرَةٌ بِمَا إذَا كَانَ فِي الْكَعْبَةِ
وَهِيَ مُسَقَّفَةٌ، أَيْ فَصَلَاتُهُ فِي. هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَاطِلَةٌ
مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ كَوْنُهُ لَا يُسَمَّى وَاقِفًا شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (بِحَيْثُ لَا يُسَمَّى قَائِمًا) بِأَنْ صَارَ إلَى الرُّكُوعِ
أَقْرَبَ كَمَا سَيَذْكُرُهُ قَرِيبًا عَنْ الْمَجْمُوعِ بِخِلَافِ مَا
لَوْ كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ أَوْ لَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ
فَيَصِحُّ قِيَامُهُ.
قَوْلُهُ: (إلَى الرُّكُوعِ) أَيْ أَقَلِّهِ
قَوْلُهُ: (وَلَوْ تَحَامَلَ عَلَيْهِ) غَايَةٌ قَوْلُهُ: (اسْمَ
الْقِيَامِ) الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ أَيْ وَإِنْ أَطْرَقَ رَأْسَهُ أَيْ
أَمَالَهَا إلَى صَدْرِهِ، بَلْ يُسَنُّ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ
لِيَنْظُرَ إلَى مَحَلِّ سُجُودِهِ اهـ اج.
قَوْلُهُ: (لَمْ يَصِحَّ) وَمِنْهُ يُؤْخَذُ صِحَّةُ قَوْلِ سم. يَجِبُ
وَضْعُ الْقَدَمَيْنِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ عَلَى الْأَرْضِ، فَلَوْ أَخَذَ
اثْنَانِ بِعَضُدِهِ وَرَفَعَاهُ فِي الْهَوَاءِ وَرَكَعَ وَسَجَدَ
بِالْإِيمَاءِ حَتَّى صَلَّى لَمْ يَصِحَّ اهـ. قَالَ م ر: وَلَا يَضُرُّ
قِيَامُهُ عَلَى ظَهْرِ قَدَمَيْهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ خِلَافًا
لِبَعْضِهِمْ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي اسْمَ الْقِيَامِ، وَإِنَّمَا لَمْ
يَجُزْ نَظِيرُهُ فِي السُّجُودِ لِأَنَّ اسْمَهُ يُنَافِي وَضْعَ
الْقَدَمَيْنِ الْمَأْمُورِ بِهِ ثَمَّ اهـ قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَجَزَ عَنْ
ذَلِكَ) أَيْ عَنْ الِانْتِصَابِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ وَشَرْطُ
الْقِيَامِ نَصْبُ ظَهْرِ الْمُصَلِّي إلَخْ قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرِهِ)
أَيْ كَمَرَضٍ قَوْلُهُ: (كَذَلِكَ) أَيْ كَرَاكِعٍ قَوْلُهُ: (إنْ قَدَرَ
عَلَى الزِّيَادَةِ) فَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الزِّيَادَةِ فَهَلْ
يَسْقُطُ الرُّكُوعُ لِتَعَذُّرِهِ كَمَا سَيَأْتِي نَظِيرُهُ فِي
الِاعْتِدَالِ، أَوْ يَلْزَمُهُ الْمُكْثُ زِيَادَةً عَلَى وَاجِبِ
الْقِيَامِ لِيَجْعَلَهَا عَنْ الرُّكُوعِ وَكَذَلِكَ زِيَادَةٌ
يَجْعَلُهَا عَنْ الِاعْتِدَالِ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَاَلَّذِي اسْتَوْجَهَهُ
ابْنُ حَجَرٍ الثَّانِي وَنَقَلَهُ ع ش عَلَى م ر، وَأَقَرَّهُ وَقَرَّرَهُ
شَيْخُنَا. وَعِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ: فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ لَزِمَهُ
الْمُكْثُ زِيَادَةً عَلَى وَاجِبِ الْقِيَامِ وَيَصْرِفُهَا لِلرُّكُوعِ
بِطُمَأْنِينَتِهِ ثُمَّ لِلِاعْتِدَالِ كَذَلِكَ اهـ: وَقَالَ
الْقَلْيُوبِيُّ عَلَى الْجَلَالِ: وَيُتَّجَهُ أَنَّهُ إنْ قَدَرَ عَلَى
الْإِيمَاءِ بِرَأْسِهِ ثُمَّ بِطَرَفِهِ ثُمَّ الْإِجْرَاءِ عَلَى
قَلْبِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الشَّرْحِ
قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَمْكَنَهُ الْقِيَامُ مُتَّكِئًا عَلَى شَيْءٍ) أَيْ
كَعُكَّازَةٍ لَا رَجُلٍ فَهَذَا غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمُعِينِ
لِأَنَّ الْمُعِينَ هُنَاكَ رَجُلٌ، فَانْدَفَعَ قَوْلُ ق ل هَذَا
مُكَرَّرٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ ذَلِكَ) أَيْ مَا
أَمْكَنَهُ
: قَوْلُهُ (وَلَوْ عَجَزَ عَنْ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ إلَخْ) أَيْ لِعِلَّةٍ
بِظَهْرِهِ مَثَلًا تَمْنَعُهُ مِنْ الِانْحِنَاءِ ش م ر قَوْلُهُ: (فَإِنْ
عَجَزَ أَوْمَأَ إلَيْهِمَا) أَيْ بِرَأْسِهِ فَقَطْ، فَإِنْ عَجَزَ
فَبِأَجْفَانِهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَالَ الْحَلَبِيُّ: فَبَعْدَ
الْإِيمَاءِ لِلسُّجُودِ الْأَوَّلِ يَجْلِسُ ثُمَّ يَقُومُ وَيُومِئُ
لِلسُّجُودِ الثَّانِي حَيْثُ أَمْكَنَهُ الْجُلُوسُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ
قِيَامَهُ لِلْإِيمَاءِ لِلسُّجُودِ الثَّانِي لَا حَاجَةَ إلَيْهِ
لِأَنَّهُ يَكْفِي إيمَاؤُهُ لَهُ فِي حَالِ جُلُوسِهِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ
لِمَحَلِّ السُّجُودِ قَوْلُهُ: (أَوْ عَجَزَ عَنْ قِيَامٍ بِلُحُوقِ
(2/11)
وَيُكْرَهُ الْإِقْعَاءُ فِي قَعَدَاتِ
الصَّلَاةِ أَنْ يَجْلِسَ الْمُصَلِّي عَلَى وِرْكَيْهِ نَاصِبًا
رُكْبَتَيْهِ لِلنَّهْيِ عَنْ الْإِقْعَاءِ فِي الصَّلَاةِ رَوَاهُ
الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. وَمِنْ الْإِقْعَاءِ نَوْعٌ مَسْنُونٌ بَيْنَ
السَّجْدَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ الِافْتِرَاشُ أَفْضَلَ مِنْهُ، وَهُوَ أَنْ
يَضَعَ أَطْرَافَ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ وَيَضَعَ أَلْيَتَيْهِ عَلَى
عَقِبَيْهِ، ثُمَّ يَنْحَنِي الْمُصَلِّي قَاعِدًا لِرُكُوعِهِ إنْ قَدَرَ،
وَأَقَلُّهُ أَنْ يَنْحَنِيَ إلَى أَنْ تُحَاذِيَ جَبْهَتُهُ مَا قُدَّامَ
رُكْبَتَيْهِ، وَأَكْمَلُهُ أَنْ تُحَاذِيَ جَبْهَتُهُ مَحَلَّ سُجُودِهِ
وَرُكُوعُ الْقَاعِدِ فِي النَّفْلِ كَذَلِكَ.
فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْقُعُودِ اضْطَجَعَ عَلَى جَنْبِهِ وُجُوبًا لِخَبَرِ
عِمْرَانَ السَّابِقِ وَسُنَّ عَلَى الْأَيْمَنِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ
الْجَنْبِ اسْتَلْقَى عَلَى ظَهْرِهِ رَافِعًا رَأْسَهُ بِأَنْ يَرْفَعَهُ
قَلِيلًا بِشَيْءٍ لِيَتَوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ بِوَجْهِهِ وَمُقَدَّمِ
بَدَنِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْكَعْبَةِ وَهِيَ مَسْقُوفَةٌ،
وَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ بِقَدْرِ إمْكَانِهِ فَإِنْ قَدَرَ الْمُصَلِّي
عَلَى الرُّكُوعِ فَقَطْ كَرَّرَهُ لِلسُّجُودِ، وَمَنْ قَدَرَ عَلَى
زِيَادَةٍ عَلَى أَكْمَلِ الرُّكُوعِ تَعَيَّنَتْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ
لِلسُّجُودِ لِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا وَاجِبٌ عَلَى الْمُتَمَكِّنِ،
وَلَوْ عَجَزَ عَنْ السُّجُودِ إلَّا أَنْ يَسْجُدَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ
أَوْ صُدْغِهِ وَكَانَ ذَلِكَ أَقْرَبَ إلَى الْأَرْضِ وَجَبَ، فَإِنْ
عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ أَوْمَأَ بِرَأْسِهِ. وَالسُّجُودُ أَخْفَضُ مِنْ
الرُّكُوعِ فَإِنْ عَجَزَ فَبِبَصَرِهِ، فَإِنْ عَجَزَ أَجْرَى أَفْعَالَ
الصَّلَاةِ بِسُنَنِهَا عَلَى قَلْبِهِ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. وَلَا
تَسْقُطُ عَنْهُ الصَّلَاةُ وَعَقْلُهُ ثَابِتٌ لِوُجُودِ مَنَاطِ
التَّكْلِيفِ، وَلِلْقَادِرِ عَلَى الْقِيَامِ النَّفَلُ قَاعِدًا سَوَاءٌ
الرَّوَاتِبُ وَغَيْرُهَا، وَمَا تُسَنُّ فِيهِ الْجَمَاعَةُ كَالْعِيدِ
وَمَا لَا تُسَنُّ فِيهِ، وَمُضْطَجِعًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ) الْمُرَادُ بِهَا مَا يُذْهِبُ الْخُشُوعَ أَوْ
كَمَالَهُ ق ل
قَوْلُهُ: (عَلَى وَرِكَيْهِ) أَيْ أَصْلِ فَخِذَيْهِ وَهُوَ الْأَلْيَانِ
كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ: (لِلنَّهْيِ عَنْ الْإِقْعَاءِ فِي
الصَّلَاةِ) وَجْهُ النَّهْيِ مَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْكَلْبِ
وَالْقِرْدِ كَمَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ م ر.
قَالَ بَعْضُهُمْ:
وَالنَّقْرُ فِي الصَّلَاةِ كَالْغُرَابِ ... وَجِلْسَةُ الْإِقْعَاءِ
كَالْكِلَابِ
قَوْلُهُ: (بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ) أَيْ وَفِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ
وَكَذَا فِي جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ م ر قَوْلُهُ: (أَطْرَافَ أَصَابِعِ
رِجْلَيْهِ) أَيْ بُطُونِهَا قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَنْحَنِيَ) عَطْفٌ عَلَى
قَعَدَ
قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَجَزَ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْمُصَلِّي مُضْطَجِعًا
أَوْ مُسْتَلْقِيًا أَوْ قَاعِدًا كَذَلِكَ لَا أَنَّهُ رَاجِعٌ
لِلْمُصَلِّي قَائِمًا لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ، وَلِأَنَّ الْمُصَلِّيَ
قَائِمًا إذَا عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ الْإِيمَاءُ بَلْ لَهُ
مَرْتَبَةٌ قَبْلَ الْإِيمَاءِ، وَهِيَ أَنْ يُحَرِّكَ رَأْسَهُ
وَعُنُقَهُ. وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ انْدَفَعَ مَا لِبَعْضِهِمْ هُنَا مِنْ
أَنَّهُ مُكَرَّرٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ
عَجَزَ أَيْ فِي الْفَرْضِ بِأَنْ نَالَهُ مِنْهُ الْمَشَقَّةُ
الْحَاصِلَةُ بِالْقِيَامِ شَرْحُ م ر قَوْلُهُ: (عَنْ الْجَنْبِ) أَيْ
عَنْ الِاضْطِجَاعِ عَلَى الْجَنْبِ قَوْلُهُ: (اسْتَلْقَى عَلَى ظَهْرِهِ)
أَيْ وَأَخْمَصَاهُ لِلْقِبْلَةِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ:
(وَمُقَدَّمِ بَدَنِهِ) عَطْفٌ عَامٌّ قَوْلُهُ: (وَهِيَ مَسْقُوفَةٌ)
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا سَقْفٌ اُتُّجِهَ مَنْعُ الِاسْتِلْقَاءِ عَلَى
ظَهْرِهِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَأَفْهَمَ أَنَّهُ يَكْفِي أَنْ يَنَامَ
عَلَى وَجْهِهِ إذَا كَانَ بِهَا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُسْتَقْبِلٌ
أَرْضَهَا، وَبِهِ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ، وَنَقَلَهُ الْحَلَبِيُّ عَنْ
الْإِسْنَوِيِّ قَوْلُهُ: (وَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ) فَيَجِبُ الْقُعُودُ
لَهُمَا إنْ أَمْكَنَ ق ل قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ) أَيْ عَنْ
الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي حَالَةِ الِاضْطِجَاعِ وَالِاسْتِلْقَاءِ
كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا قَوْلُهُ: (فَبِبَصَرِهِ) أَيْ أَجْفَانِهِ
كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَهُوَ وَاضِحٌ لِأَنَّهُ
مَحْسُوسٌ بِخِلَافِ الْإِيمَاءِ بِالْبَصَرِ، وَقَدْ يُقَالُ: أَطْلَقَ
الْمَلْزُومَ وَأَرَادَ اللَّازِمَ إذْ الْإِيمَاءُ بِالْبَصَرِ يَلْزَمُهُ
الْإِيمَاءُ بِالْأَجْفَانِ م د.
قَوْلُهُ: (أَفْعَالَ الصَّلَاةِ) أَيْ قَوْلِيَّةً أَوْ فِعْلِيَّةً
بِأَنْ يُمَثِّلَ نَفْسَهُ قَائِمًا وَقَارِئًا وَرَاكِعًا إلَخْ وَلَا
إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَالْقَوْلُ بِنُدْرَتِهِ مَمْنُوعٌ وَيُعْلَمُ مِنْ
صَنِيعِهِ أَنَّ الْمُومِئَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِجْرَاءُ وَبِهِ
صَرَّحَ الْإِمَامُ اهـ ح ل.
قَوْلُهُ: (مَنَاطِ التَّكْلِيفِ) أَيْ مُتَعَلِّقِهِ وَهُوَ الْعَقْلُ
لِأَنَّ التَّكْلِيفَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْعَقْلِ قَوْلُهُ:
(وَلِلْقَادِرِ عَلَى الْقِيَامِ النَّفَلُ قَاعِدًا إلَخْ) وَإِذَا نَوَى
النَّفَلَ فِي حَالِ قِيَامِهِ فَلَهُ أَنْ يُكَبِّرَ لِلْإِحْرَامِ قَبْلَ
انْتِصَابِهِ وَتَنْعَقِدُ بِهِ صَلَاتُهُ، وَلَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِهِ
وَلَوْ فِي حَالِ اضْطِجَاعِهِ ثُمَّ يَقُومَ وَيُصَلِّيَ قَائِمًا.
تَنْبِيهٌ: لَوْ احْتَاجَ فِي الْفَرْضِ إلَى الْقُعُودِ لِقِرَاءَةِ
الْفَاتِحَةِ لِعَدَمِ حِفْظِهِ لَهَا وَهِيَ مَكْتُوبَةٌ بِالْأَرْضِ،
وَإِلَى اسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ لِذَلِكَ بِأَنْ كَانَتْ مَكْتُوبَةً
خَلْفَ ظَهْرِهِ فِي جِدَارٍ، أَوْ لَهُمَا مَعًا كَالْمَكْتُوبَةِ
خَلْفَهُ فِي الْأَرْضِ فَعَلَ مَا يُمَكِّنُهُ قِرَاءَتَهَا فِيهِ ثُمَّ
عَادَ إلَى الْقِبْلَةِ ق ل. وَفِي ع ش عَلَى م ر: وَقَعَ السُّؤَالُ فِي
الدَّرْسِ عَمَّا لَوْ تَعَارَضَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ وَالسِّتْرُ، هَلْ
يُقَدِّمُ الْأَوَّلَ أَوْ الثَّانِي؟
(2/12)
وَعَلَى الْقُعُودِ لِحَدِيثِ
الْبُخَارِيِّ: «وَمَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ وَمَنْ صَلَّى
قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا أَيْ
مُضْطَجِعًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ» وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقْعُدَ
لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، فَإِنْ اسْتَلْقَى مَعَ إمْكَانِ الِاضْطِجَاعِ
لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ. وَمَحَلُّ نُقْصَانِ أَجْرِ الْقَاعِدِ
وَالْمُضْطَجِعِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ وَإِلَّا لَمْ يَنْقُصْ مِنْ
أَجْرِهِمَا شَيْءٌ.
وَالثَّالِثُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ)
بِشُرُوطِهَا، وَهِيَ إيقَاعُهَا بَعْدَ الِانْتِصَابِ فِي الْفَرْضِ
بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ لِلْقَادِرِ عَلَيْهَا، وَلَفْظُ الْجَلَالَةِ
وَلَفْظُ أَكْبَرُ، وَتَقْدِيمُ لَفْظِ الْجَلَالَةِ عَلَى أَكْبَرُ،
وَعَدَمُ مَدِّ هَمْزَةِ الْجَلَالَةِ، وَعَدَمُ مَدِّ بَاءِ أَكْبَرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
فِيهِ نَظَرٌ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الظَّاهِرَ مُرَاعَاةُ السَّتْرِ.
وَنُقِلَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ فَتَاوَى الشَّارِحِ فَرَاجِعْهُ وَهُوَ
مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمَهُ يَعْنِي م ر مِنْ أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ
عَلَيْهِ الْقِيَامُ وَالِاسْتِقْبَالُ يُقَدِّمُ الِاسْتِقْبَالَ. قَالَ:
لِأَنَّهُ لَمْ يَسْقُطْ فِي الصَّلَاةِ بِحَالٍ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ
بِخِلَافِ الْقِيَامِ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ فِي النَّافِلَةِ مَعَ
الْقُدْرَةِ وَهَذَا مِثْلُهُ فَإِنَّ السَّتْرَ لَا يَسْقُطُ مَعَ
الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بِحَالٍ بِخِلَافِ الْقِيَامِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ الصَّلَاةُ) قَالَ الْأَئِمَّةُ
الثَّلَاثَةُ: إنَّ فَرْضَ الصَّلَاةِ لَا يَسْقُطُ عَنْ الْمُكَلَّفِ مَا
دَامَ عَقْلُهُ ثَابِتًا وَلَوْ بِإِجْرَاءِ الصَّلَاةِ عَلَى قَلْبِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ: إنَّ مَنْ عَايَنَ الْمَوْتَ وَعَجَزَ
عَنْ الْإِيمَاءِ بِرَأْسِهِ سَقَطَ عَنْهُ الْفَرْضُ، وَعَلَيْهِ عَمَلُ
النَّاسِ سَلَفًا وَخَلَفًا، فَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ
أَمَرَ الْمُحْتَضَرَ بِالصَّلَاةِ، وَوَجْهُ قَوْلِ الْإِمَامِ أَبِي
حَنِيفَةَ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ صَارَ قَلْبُهُ
مَعَ اللَّهِ تَعَالَى أَعْظَمَ مِنْ اشْتِغَالِهِ بِمُرَاعَاةِ
الْأَفْعَالِ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ وَالْأَقْوَالَ الَّتِي أَمَرَنَا
الشَّارِعُ بِهَا فِي الصَّلَاةِ إنَّمَا أَمَرَنَا بِهَا وَسِيلَةً إلَى
الْحُضُورِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا، وَالْمُحْتَضَرُ انْتَهَى
سَيْرُهُ إلَى الْحَضْرَةِ وَتَمَكَّنَ فِيهَا فَصَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ
الْوَلِيِّ الْمَجْذُوبِ، وَهُنَا أَسْرَارٌ لَا تُسَطَّرُ فِي كِتَابٍ
فَافْهَمْ انْتَهَى مِيزَانٌ. قَالَ الزِّيَادِيُّ: وَأَمَّا مَا نُقِلَ
عَنْ بَعْضِ الْإِبَاحِيِّينَ مِنْ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا بَلَغَ غَايَةَ
الْمَحَبَّةِ فِي اللَّهِ وَصَفَا قَلْبُهُ وَاخْتَارَ الْإِيمَانَ عَلَى
الْكُفْرِ مِنْ غَيْرِ نِفَاقٍ سَقَطَ عَنْهُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ، وَلَا
يَدْخُلُ النَّارَ بِارْتِكَابِ الْكَبَائِرِ فَرَدَّهُ التَّفْتَازَانِيُّ
بِأَنَّهُ كُفْرٌ وَضَلَالٌ، فَإِنَّ أَكْمَلَ النَّاسِ فِي الْمَحَبَّةِ
وَالْإِيمَانِ الْأَنْبِيَاءُ خُصُوصًا حَبِيبَ اللَّهِ مَعَ أَنَّ
التَّكَالِيفَ فِي حَقِّهِمْ أَتَمُّ اهـ قَوْلُهُ: (وَمُضْطَجِعًا)
وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْجُلُوسُ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَإِتْمَامُهُمَا
وَالْجُلُوسُ بَيْنَهُمَا ق ل قَوْلُهُ: (مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى
الْقِيَامِ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى
الْقُعُودِ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْقِيَامِ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ
الْمَسْأَلَةِ بَلْ هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا
الْعَشْمَاوِيُّ قَوْلُهُ: (فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ) قَالَ م ر
فِي شَرْحِهِ: وَالْمُعْتَمَدُ تَفْضِيلُ الْعَشْرِ رَكَعَاتٍ مِنْ قِيَامٍ
عَلَى عِشْرِينَ مِنْ قُعُودٍ لِأَنَّهَا أَشَقُّ. ثُمَّ قَالَ: وَصُورَةُ
الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا اسْتَوَى الزَّمَانُ إلَخْ خِلَافًا لِمَا فِي
حَاشِيَةِ ق ل مِنْ عَكْسِ ذَلِكَ. وَمَحَلُّ نُقْصَانِ الْأَجْرِ مَعَ
الْقُدْرَةِ فِي حَقِّ غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -، أَمَّا هُوَ فَمِنْ خَصَائِصِهِ أَنَّ تَطَوُّعَهُ قَاعِدًا
مَعَ قُدْرَتِهِ كَتَطَوُّعِهِ قَائِمًا وَمِثْلُهُ بَقِيَّةُ
الْأَنْبِيَاءِ، فَلَا يُنْقَصُ أَجْرُهُمْ بِالْقُعُودِ أَوْ
الِاضْطِجَاعِ عَنْ أَجْرِ الْقَائِمِ.
قَوْلُهُ: (تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ) وَتَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ مِنْ
خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأَمَّا الْأُمَمُ السَّابِقَةُ
فَكَانُوا يَدْخُلُونَ فِي الصَّلَاةِ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ ع ش.
وَالْحِكْمَةُ فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ بِالتَّكْبِيرِ اسْتِحْضَارُ
الْمُصَلِّي عَظَمَةَ مَنْ تَهَيَّأَ لِخِدْمَتِهِ وَالْوُقُوفِ بَيْنَ
يَدَيْهِ لِيَمْتَلِئَ إيمَانًا فَيَحْضُرُ قَلْبُهُ وَيَخْشَعُ وَلَا
يَعْبَثُ، وَإِنَّمَا اخْتَصَّ بِلَفْظِ التَّكْبِيرِ دُونَ التَّعْظِيمِ
لِأَنَّ لَفْظَهُ يَدُلُّ عَلَى الْقِدَمِ وَالتَّعْظِيمَ عَلَى وَجْهِ
الْمُبَالَغَةِ، وَالْأَعْظَمُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْقِدَمِ وَكُلُّهَا
تَقْتَضِي التَّفْخِيمَ لَكِنَّهَا تَتَفَاوَتُ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سُبْحَانَ اللَّهِ نِصْفُ
الْمِيزَانِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ وَاَللَّهُ
أَكْبَرُ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ» شَرْحُ م ر. وَفِي
الْبَحْرِ لِلرُّويَانِيِّ وَجَّهَ أَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ شَرْطٌ
لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ إلَّا بِفَرَاغِهَا فَلَيْسَتْ
دَاخِلَةً الْمَاهِيَّةَ. ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّهُ بِفَرَاغِهِ مِنْهَا
يَتَبَيَّنُ دُخُولُهُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ أَوَّلِهَا فَإِذَا أَتَى
بِمُبْطِلٍ فِي أَثْنَاءِ التَّكْبِيرَةِ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ
قَوْلُهُ: (بِلُغَةِ الْعَرَبِيَّةِ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ
إنَّهُ إذَا كَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ وَكَبَّرَ بِغَيْرِهَا لَمْ
تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَنْعَقِدُ بِذَلِكَ.
وَوَجْهُ الثَّانِي كَوْنُ الْحَقِّ تَعَالَى عَالِمًا بِجَمِيعِ
اللُّغَاتِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَلَا بَيْنَ
غَيْرِهَا، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ التَّعَبُّدُ بِمَا صَحَّ عَنْ الشَّارِعِ
مِنْ لَفْظِ التَّكْبِيرِ بِالْعَرَبِيَّةِ فَهُوَ أَوْلَى قَوْلُهُ:
(لِلْقَادِرِ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ قَوْلُهُ: (وَتَقْدِيمُ
لَفْظِ الْجَلَالَةِ إلَخْ) فَلَوْ قَدَّمَ لَفْظَ أَكْبَرُ بِأَنْ قَالَ:
أَكْبَرُ اللَّهُ لَمْ يُعْتَدَّ بِلَفْظِ أَكْبَرُ، فَإِنْ أَتَى بِهِ
بَعْدَ لَفْظِ الْجَلَالَةِ اعْتَدَّ بِهِ إنْ قَصَدَ بِالْجَلَالَةِ
الِابْتِدَاءَ. فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَأْتِي
مِنْ أَنَّهُ
(2/13)
وَعَدَمُ تَشْدِيدِهَا، وَعَدَمُ زِيَادَةِ
وَاوٍ سَاكِنَةٍ أَوْ مُتَحَرِّكَةٍ بَيْنَ الْكَلِمَتَيْنِ، وَعَدَمُ
وَاوٍ قَبْلَ الْجَلَالَةِ، وَعَدَمُ وَقْفَةٍ طَوِيلَةٍ بَيْنَ
كَلِمَتَيْهِ كَمَا قَيَّدَهُ الزَّرْكَشِيّ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ.
وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْيَسِيرَةَ لَا تَضُرُّ وَبِهِ صَرَّحَ فِي
الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ ابْنُ الْمُلَقِّنِ فِي
شَرْحِهِ، وَأَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ جَمِيعَ حُرُوفِهَا إنْ كَانَ صَحِيحَ
السَّمْعِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ لَغَطٍ وَغَيْرِهِ وَإِلَّا فَيَرْفَعُ
صَوْتَهُ بِقَدْرِ مَا يُسْمِعُهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ أَصَمَّ وَدُخُولُ
وَقْتِ الْفَرْضِ لِتَكْبِيرَةِ الْفَرَائِضِ وَالنَّفَلِ الْمُؤَقَّتِ
وَذِي السَّبَبِ، وَإِيقَاعُهَا حَالَ الِاسْتِقْبَالِ حَيْثُ شَرَطْنَاهُ،
وَتَأْخِيرُهَا عَنْ تَكْبِيرَةِ الْإِمَامِ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي
فَهَذِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ شَرْطًا إنْ اخْتَلَّ وَاحِدٌ مِنْهَا لَمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
يَكْفِي عَلَيْكُمْ السَّلَامُ فِي التَّحَلُّلِ مَعَ الْكَرَاهَةِ؟ قُلْت
إنَّ عَكْسَ السَّلَامِ لَيْسَ بِمُلْبِسٍ بِخِلَافِ عَكْسِ التَّكْبِيرِ
فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ نَصًّا فِي دَلَالَتِهِ عَلَى الْعِظَمِ لِأَنَّهُ
إذَا قَدَّمَ أَكْبَرَ رُبَّمَا حُمِلَ عَلَى الْأَبْلَغِيَّةِ فِي
الْجِسْمِ وَنَحْوِهِ مِنْ صِفَاتِ الْحَوَادِثِ انْتَهَى ابْنُ حَجَرٍ.
وَأَيْضًا عَلَيْكُمْ السَّلَامُ يُؤَدِّي مَعْنَى السَّلَامُ عَلَيْكُمْ
بِخِلَافِ أَكْبَرُ اللَّهُ.
قَوْلُهُ: (وَعَدَمُ مَدِّ هَمْزَةِ الْجَلَالَةِ) وَيَجُوزُ إسْقَاطُهَا
إذَا وَصَلَهَا بِمَا قَبْلَهَا نَحْوَ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا اللَّهُ
أَكْبَرُ ق ل. لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأُولَى كَمَا فِي شَرْحِ م ر.
وَاقْتِصَارُهُ عَلَى هَمْزَةِ اللَّهِ يُفِيدُ الضَّرَرَ فِي هَمْزَةِ
أَكْبَرُ إذَا وَصَلَهَا لِأَنَّهَا هَمْزَةُ قَطْعٍ وَبِهِ صَرَّحَ
بَعْضُهُمْ. اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ. وَيُغْتَفَرُ فِي حَقِّ الْعَامِّيِّ
إبْدَالُ هَمْزَةِ أَكْبَرُ وَاوًا، وَفِي حَقِّ الْعَامِّيِّ إبْدَالُ
كَافِ أَكْبَرُ هَمْزَةً لِعَجْزِهِ كَمَا فِي الْمَدَابِغِيِّ عَلَى
التَّحْرِيرِ قَوْلُهُ: (وَعَدَمُ مَدِّ بَاءِ أَكْبَرُ) لِأَنَّهُ يَصِيرُ
جَمْعَ كِبَرٍ بِالْفَتْحِ وَهُوَ اسْمُ طَبْلٍ لَهُ وَجْهٌ وَاحِدٌ
قَوْلُهُ: (وَعَدَمُ تَشْدِيدِهَا) أَيْ الْبَاءِ بِخِلَافِ الرَّاءِ
فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ تَشْدِيدُهَا قَوْلُهُ: (وَعَدَمُ زِيَادَةِ وَاوٍ
سَاكِنَةٍ) وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّ الْجَاهِلَ إذَا أَتَى بِالْوَاوِ
بَيْنَ الْكَلِمَتَيْنِ لَا يَضُرُّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْذُورًا
بِخِلَافِ الْعَالِمِ بِذَلِكَ اهـ م د قَوْلُهُ: (وَعَدَمُ وَاوٍ إلَخْ)
وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ بِأَنَّهُ
تَقَدَّمَهُ مُنَاجَاةٌ تُؤْذِنُ بِسَلَامَةِ صَاحِبِهَا، وَيُعْطَفُ عَلَى
ذَلِكَ الْمُتَضَمَّنُ وَهُوَ سَلَامَةُ صَاحِبِهَا سَلَامًا عَلَى
غَيْرِهِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بِخِلَافِ التَّكْبِيرِ فَإِنَّهُ لَمْ
يَتَقَدَّمْ مَا يُعْطَفُ عَلَيْهِ اهـ م د قَوْلُهُ: (وَعَدَمُ وَقْفَةٍ
طَوِيلَةٍ) بِأَنْ زَادَتْ عَلَى سَكْتَةِ التَّنَفُّسِ وَالْعِيِّ كَمَا
فِي الْعُبَابِ قَوْلُهُ: (وَمُقْتَضَاهُ) أَيْ التَّقْيِيدِ، وَقَوْلُهُ:
إنَّ الْيَسِيرَةَ أَيْ بِأَنْ تَكُونَ بِقَدْرِ ثَلَاثَةِ أَسْمَاءٍ
يَفْصِلُ بِهَا قَوْلُهُ: (مِنْ لَغَطٍ وَغَيْرِهِ) كَصَمَمٍ قَوْلُهُ:
(وَإِلَّا) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحَ السَّمْعِ أَوْ كَانَ هُنَاكَ
مَانِعٌ قَوْلُهُ: (لَوْ لَمْ يَكُنْ أَصَمَّ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ
لَوْ لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ
الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ بَعْدَ قَوْلِهِ أَصَمَّ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ
مَانِعٌ لِأَنَّهُ مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ إذَا كَانَ صَحِيحَ السَّمْعِ
وَلَا مَانِعَ.
قَوْلُهُ: (وَدُخُولُ وَقْتِ الْفَرْضِ) كَانَ يَنْبَغِي إسْقَاطُهُ
لِأَنَّ شَرْطَ الصَّلَاةِ دُخُولُ وَقْتِهَا فَلَا يَخْتَصُّ
بِالتَّكْبِيرِ قَوْلُهُ: (وَتَأْخِيرُهَا عَنْ تَكْبِيرَةِ الْإِمَامِ)
أَيْ جَمِيعِهَا، فَلَوْ قَارَنَهُ فِي جُزْءٍ مِنْهَا لَمْ تَصِحَّ
الْقُدْوَةُ وَلَا تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ ق ل إلَّا فِي صُورَتَيْنِ،
فَيَجُوزُ فِيهِمَا تَقَدُّمُ تَحَرُّمِ الْمَأْمُومِ عَلَى الْإِمَامِ مَا
لَوْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا وَأَدْخَلَ نَفْسَهُ فِي الْجَمَاعَةِ،
الثَّانِيَةِ لَوْ أَحْرَمَ الْإِمَامُ وَأَحْرَمَ الْقَوْمُ خَلْفَهُ،
ثُمَّ شَكَّ فِي نِيَّتِهِ هُوَ أَعَادَ التَّكْبِيرَةَ مَعَ النِّيَّةِ
بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ وَيَسْتَمِرُّ عَلَى الْإِمَامَةِ قَوْلُهُ:
(فَهَذِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ) وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ لَا تُبَدَّلَ
هَمْزَةُ أَكْبَرُ وَاوًا وَلَا كَافُهَا هَمْزَةً، فَلَا يَصِحُّ مِنْ
الْعَالِمِ فِي الْأُولَى وَلَا مِنْ الْعَالِمِ الْعَامِدِ الْقَادِرِ فِي
الثَّانِيَةِ.
وَسَيَأْتِي اشْتِرَاطُ اقْتِرَانِهَا بِالنِّيَّةِ. وَيَضُمُّ لِذَلِكَ
أَيْضًا أَنْ لَا يَزِيدَ فِي الْمَدِّ عَلَى الْأَلِفِ الَّتِي بَيْنَ
اللَّامِ وَالْهَاءِ إلَى حَدٍّ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ مِنْ الْقُرَّاءِ
وَهُوَ عَالِمٌ بِالْحَالِ ق ل، بِأَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى أَرْبَعَ
عَشْرَةَ حَرَكَةً كَمَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا
ضَرَّ كَمَا قَالَهُ الْمَدَابِغِيُّ. وَبَقِيَ مِنْ الشُّرُوطِ عَدَمُ
الصَّارِفِ، فَلَوْ نَوَى بِهَا التَّحَرُّمَ وَالِانْتِقَالَ مِنْ
الْقِيَامِ إلَى الرُّكُوعِ إذَا نَوَى وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ ضَرَّ
بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى بِهَا الْإِحْرَامَ وَالْإِعْلَامَ فَإِنَّهُ لَا
يَضُرُّ، أَمَّا لَوْ قَصَدَ الْإِعْلَامَ فَقَطْ أَوْ أَطْلَقَ فَيَضُرُّ.
وَنَقَلَ الرَّحْمَانِيُّ عَنْ م ر كَلَامًا ثُمَّ قَالَ: وَحَاصِلُهُ
أَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ لَهَا أَحْوَالٌ سِتَّةٌ لِمَسْبُوقٍ
أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا وَاحِدَةٌ تَنْعَقِدُ فِيهَا الصَّلَاةُ،
وَهِيَ مَا إذَا قَصَدَ بِهَا الْإِحْرَامَ وَحْدَهُ وَأَوْقَعَ جَمِيعَهَا
فِي مَحَلٍّ تُجْزِئُ فِيهِ الْقِرَاءَةُ وَالْخَمْسَةُ الْبَاقِي لَا
تَنْعَقِدُ فِيهَا، وَهِيَ مَا إذَا شَرَكَ بَيْنَ الْإِحْرَامِ
وَتَكْبِيرَةِ الِانْتِقَالِ أَوْ قَصَدَ الِانْتِقَالَ فَقَطْ أَوْ نَوَى
أَحَدَهُمَا مُبْهَمًا، أَوْ أَطْلَقَ، أَوْ شَكَّ هَلْ نَوَى التَّحَرُّمَ
وَحْدَهُ أَمْ لَا اهـ بِحُرُوفِهِ.
(2/14)
تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ. وَدَلِيلُ وُجُوبِ
التَّكْبِيرِ «خَبَرُ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ: إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ
فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ
ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ
قَائِمًا، ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ
حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِك كُلِّهَا»
رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالِاتِّبَاعُ مَعَ خَبَرِ «صَلُّوا كَمَا
رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» .
وَلَا تَضُرُّ زِيَادَةٌ لَا تَمْنَعُ اسْمَ التَّكْبِيرِ كَاللَّهُ
الْأَكْبَرُ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةٍ مُبَالِغَةٍ فِي
التَّعْظِيمِ وَهُوَ الْإِشْعَارُ بِالتَّخْصِيصِ، وَكَذَا اللَّهُ
أَكْبَرُ وَأَجَلُّ، أَوْ اللَّهُ الْجَلِيلُ أَكْبَرُ وَكَذَا كُلُّ
صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى إنْ لَمْ يَطُلْ بِهَا الْفَصْلُ، فَإِنْ
طَالَ كَاللَّهُ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ
أَكْبَرُ ضَرَّ. وَلَوْ لَمْ يَجْزِمْ الرَّاءَ مِنْ أَكْبَرُ لَمْ يَضُرَّ
خِلَافًا لِمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ ابْنِ يُونُسَ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ،
وَاسْتَدَلَّ لَهُ الدَّمِيرِيُّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: «التَّكْبِيرُ جَزْمٌ» اهـ. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ:
إنَّ هَذَا لَا أَصْلَ لَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ وَعَلَى
تَقْدِيرِ وُجُودِهِ فَمَعْنَاهُ عَدَمُ التَّرَدُّدِ فِيهِ. وَيُسَنُّ
أَنْ لَا يَقْصِرَ التَّكْبِيرَ بِحَيْثُ لَا يُفْهَمُ، وَأَنْ لَا
يُمَطِّطَهُ بِأَنْ يُبَالِغَ فِي مَدِّهِ بَلْ يَأْتِي بِهِ مُبَيَّنًا،
وَالْإِسْرَاعُ بِهِ أَوْلَى مِنْ مَدِّهِ لِئَلَّا تَزُولَ النِّيَّةُ،
وَأَنْ يَجْهَرَ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَتَكْبِيرَاتِ
الِانْتِقَالَاتِ لِلْإِمَامِ لِيُسْمِعَ الْمَأْمُومِينَ فَيَعْلَمُوا
صَلَاتَهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ مَأْمُومٍ وَمُنْفَرِدٍ فَالسُّنَّةُ
فِي حَقِّهِ الْإِسْرَارُ، نَعَمْ إنْ لَمْ يَبْلُغْ صَوْتُ الْإِمَامِ
جَمِيعَ الْمَأْمُومِينَ جَهَرَ بَعْضُهُمْ نَدْبًا وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ
بِحَسَبِ الْحَاجَةِ لِيُبَلِّغَ عَنْهُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «أَنَّهُ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي مَرَضِهِ بِالنَّاسِ
وَأَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُسْمِعُهُمْ التَّكْبِيرَ»
وَلَوْ كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ تَكْبِيرَاتٍ نَاوِيًا بِكُلٍّ مِنْهَا
الِافْتِتَاحَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ، بِالْأَوْتَارِ وَخَرَجَ مِنْهَا
بِالْأَشْفَاعِ، لِأَنَّ مَنْ افْتَتَحَ صَلَاةً ثُمَّ نَوَى افْتِتَاحَ
صَلَاةٍ أُخْرَى بَطَلَتْ صَلَاتُهُ هَذَا إنْ لَمْ يَنْوِ بَيْنَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (ثُمَّ اقْرَأْ إلَخْ) هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْفَاتِحَةِ لِمَا
صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُسِيءِ
صَلَاتَهُ «كَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ
فِي كُلِّ رَكْعَةٍ» اهـ.
قَوْلُهُ: «حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا» فِيهِ إشَارَةٌ لِلطُّمَأْنِينَةِ
قَوْلُهُ: «ثُمَّ ارْفَعْ» أَيْ مِنْ السُّجُودِ قَوْلُهُ: «كَمَا
رَأَيْتُمُونِي» أَيْ عَلِمْتُمُونِي لِأَنَّ الْأَقْوَالَ لَا تُرَى
وَأَيْضًا نَحْنُ لَمْ نَرَهُ قَوْلُهُ: (كَاللَّهُ الْأَكْبَرُ) وَوَصْلُ
هَمْزَةِ اللَّهُ أَكْبَرُ بِمَا قَبْلَهَا خِلَافُ الْأَوْلَى، وَذَهَبَ
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إلَى الْكَرَاهَةِ وَإِنَّمَا لَمْ تَبْطُلْ
لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ حَرْفًا ثَابِتًا فِي الدَّرْجِ. اهـ. م ر
قَوْلُهُ: (وَكَذَا كُلُّ صِفَةٍ إلَخْ) خَرَجَ بِالصِّفَةِ غَيْرُهَا
كَالضَّمِيرِ وَالنِّدَاءِ وَالذِّكْرِ وَالْكَلَامِ الْأَجْنَبِيِّ نَحْوَ
اللَّهُ هُوَ أَكْبَرُ وَاَللَّهُ يَا رَحِيمُ أَكْبَرُ وَاَللَّهُ
سُبْحَانَهُ أَكْبَرُ وَاَللَّهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أَكْبَرُ بِخِلَافِ
مَنْ أَخَّرَ هَذِهِ عَنْ أَكْبَرُ كَاللَّهُ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ
فَلَا يَضُرُّ ق ل قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يَطُلْ بِهَا الْفَصْلُ) بِأَنْ
لَمْ تَزِدْ عَلَى ثَلَاثِ كَلِمَاتٍ قَوْلُهُ: (فَإِنْ طَالَ) بِأَنْ
زَادَ عَلَى ثَلَاثِ كَلِمَاتٍ كَاللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ أَكْبَرُ
فَإِنَّهُ يَضُرُّ خِلَافًا لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ زَادَ "
الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ "، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ مَعَ أَنَّهُمَا لَيْسَا
بِقَيْدٍ فِي الْبُطْلَانِ بَلْ تَبْطُلُ مَعَ عَدَمِ ذِكْرِهِمَا كَمَا
قَالَهُ ع ش، فَلَا يَتَقَيَّدُ الْبُطْلَانُ بِمَا قَالَ الشَّارِحُ ق ل
وسم.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ لَمْ يَجْزِمْ الرَّاءَ مِنْ أَكْبَرُ إلَخْ) وَكَذَا
لَوْ كَرَّرَهَا أَوْ شَدَّدَهَا، وَلَوْ فَتَحَ الْهَاءَ مِنْ اللَّهُ
أَوْ كَسَرَهَا أَوْ ضَمَّهَا لَمْ يَضُرَّ اهـ إ ط ف قَوْلُهُ:
النَّخَعِيُّ نِسْبَةً إلَى نَخَعٍ بِنُونٍ وَخَاءٍ مُعْجَمَةٍ
مَفْتُوحَتَانِ قَبِيلَةٌ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ، وَصَرَّحَ ابْنُ
حَجَرٍ بِأَنَّ اسْمَهُ إبْرَاهِيمُ قَوْلُهُ: (وَعَلَى تَقْدِيرِ
وُجُودِهِ) أَيْ وُرُودِهِ.
قَوْلُهُ: (أَنْ لَا يَقْصِرَ التَّكْبِيرَ) هَذِهِ سُنَنُ تَكْبِيرَةِ
الْإِحْرَامِ الْقَوْلِيَّةِ وَسَيَأْتِي سُنَنُهَا الْفِعْلِيَّةُ
الْمَذْكُورَةُ بِقَوْلِهِ: وَسُنَّ رَفْعُ يَدَيْهِ إلَخْ. وَالتَّقْصِيرُ
الْمَنْفِيُّ أَنْ يَمُدَّهُ بِقَدْرِ الْمَدِّ الطَّبِيعِيِّ وَعَدَمُ
تَقْصِيرِهِ بِأَنْ يَزِيدَ عَلَى الْمَدِّ الطَّبِيعِيِّ وَهَذَا هُوَ
الْمَسْنُونُ قَوْلُهُ: (بَلْ يَأْتِي بِهِ مُبَيَّنًا) أَيْ مَفْهُومًا
قَوْلُهُ: (وَالْإِسْرَاعُ) أَيْ مَعَ عَدَمِ التَّقْصِيرِ قَوْلُهُ:
(لِئَلَّا تَزُولَ النِّيَّةُ) أَيْ تَعَزَّبَ فِي مَدِّهِ بِخِلَافِ
تَكْبِيرِ الِانْتِقَالَاتِ لَا يُسْرِعُ بِهِ لِئَلَّا يَخْلُوَ تَمَامُ
الِانْتِقَالِ عَنْ التَّكْبِيرِ إذْ يُنْدَبُ تَطْوِيلُهُ إلَى كَمَالِ
الرُّكْنِ الَّذِي يَلِيهِ قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَجْهَرَ) أَيْ لَا بِقَصْدِ
الْإِعْلَامِ فَقَطْ وَلَا مُطْلَقًا بَلْ بِقَصْدِ الذِّكْرِ وَحْدَهُ
أَوْ مَعَ الْإِعْلَامِ قَوْلُهُ: (لِيُسْمِعَ الْمَأْمُومِينَ) عِلَّةٌ
غَائِيَّةٌ، حَتَّى لَوْ قَصَدَ بِهَا إسْمَاعَهُمْ فَقَطْ ضَرّ وَكَذَا
إنْ أَطْلَقَ كَمَا فِي الْمُبَلِّغِ فِي تَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ
بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ مَعَ إسْمَاعِهِمْ التَّحَرُّمَ فَإِنَّهُ لَا
يَضُرُّ جَزْمًا اهـ ح ل قَوْلُهُ: (بِحَسَبِ الْحَاجَةِ) صَرِيحَةٌ
أَنَّهُ إذَا لَمْ يَحْتَجْ لِذَلِكَ لَا يُطْلَبُ. قَالَ ق ل: هَلْ
يَشْمَلُ مَا إذَا تَرَتَّبُوا فِي التَّبْلِيغِ وَاحِدًا خَلْفَ وَاحِدٍ
لِكَثْرَةِ الْقَوْمِ وَمَا إذَا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ؟ فَرَاجِعْهُ
قَوْلُهُ: «وَأَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُسْمِعُهُمْ» أَيْ
يُبَلِّغُ خَلْفَهُ ق ل
قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ مِنْهَا) أَيْ وَحَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ إنْ كَانَ فِي
فَرِيضَةٍ إذْ قَطْعُ الْفَرْضِ حَرَامٌ، فَإِنْ كَانَ فِي نَافِلَةٍ
وَاسْتَدَامَ
(2/15)
كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ خُرُوجًا أَوْ
افْتِتَاحًا وَإِلَّا فَيَخْرُجُ بِالنِّيَّةِ وَيَدْخُلُ بِالتَّكْبِيرِ،
فَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِغَيْرِ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى شَيْئًا لَمْ
يَضُرَّ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ، وَمَحَلُّ مَا ذَكَرَ مَعَ الْعَمْدِ كَمَا
قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، أَمَّا مَعَ السَّهْوِ فَلَا بُطْلَانَ.
وَمَنْ عَجَزَ وَهُوَ نَاطِقٌ عَنْ النُّطْقِ بِالتَّكْبِيرِ
بِالْعَرَبِيَّةِ تَرْجَمَ عَنْهَا بِأَيِّ لُغَةٍ شَاءَ، وَوَجَبَ
التَّعَلُّمُ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَلَوْ بِسَفَرٍ إلَى بَلَدٍ آخَرَ
لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ.
فَائِدَةٌ: إنَّمَا سُمِّيَتْ هَذِهِ التَّكْبِيرَةُ تَكْبِيرَةَ
الْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ بِهَا عَلَى الْمُصَلِّي مَا كَانَ
حَلَالًا لَهُ قَبْلَهَا مِنْ مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ كَالْأَكْلِ
وَالشُّرْبِ وَالْكَلَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ
، وَيُسَنُّ رَفْعُ يَدَيْهِ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ بِالْإِجْمَاعِ،
مُسْتَقْبِلًا بِكَفَّيْهِ الْقِبْلَةَ، مُمِيلًا أَطْرَافَ أَصَابِعِهِمَا
نَحْوَهَا، مُفَرِّقًا أَصَابِعَهُمَا تَفْرِيقًا وَسَطًا كَاشِفًا
لَهُمَا، وَيَرْفَعُهُمَا مُقَابِلَ مَنْكِبَيْهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
الصَّلَاةَ مَعَ الْخُرُوجِ بِالشَّفْعِ حَرُمَ أَيْضًا لِتَعَاطِيهِ
عِبَادَةً فَاسِدَةً وَإِلَّا فَلَا لَكِنْ يُكْرَهُ اهـ. قَرَّرَهُ
شَيْخُنَا وَهُوَ وَجِيهٌ اهـ اج وَفِي الْقَوْلُ التَّامُّ لِابْنِ
الْعِمَادِ: يَقَعُ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُوَسْوِسِينَ أَنَّهُ يُحْرِمُ
بِالصَّلَاةِ ثُمَّ يَتَوَسْوَسُ فِي صِحَّتِهَا فَيُخْرِجُ نَفْسَهُ مِنْ
الصَّلَاةِ بِالتَّسْلِيمِ، ثُمَّ يَنْوِي الصَّلَاةَ ثَانِيًا وَهُوَ
آثِمٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِأَنَّ الصَّلَاةَ الْأُولَى إنْ لَمْ تَكُنْ
انْعَقَدَتْ فَلَا حَاجَةَ فِي الْخُرُوجِ مِنْهَا إلَى التَّسْلِيمِ،
وَالْإِتْيَانَ بِالْعِبَادَةِ الْفَاسِدَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا
حَرَامٌ، وَإِنْ كَانَتْ صَلَاتُهُ انْعَقَدَتْ حُرِّمَ عَلَيْهِ قَطْعُهَا
خِلَافًا لِلْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ فَإِنَّهُمَا جَوَّزَا قَطْعَ
الْفَرِيضَةِ إذَا كَانَ الْوَقْتُ مُتَّسِعًا وَلِهَذَا الْوَجْهِ يَجِبُ
تَخْصِيصُهُ بِغَيْرِ الْجُمُعَةِ، أَمَّا الْجُمُعَةُ فَالْخُرُوجُ
مِنْهَا حَرَامٌ بِكُلِّ حَالٍ.
قَوْلُهُ: (أُخْرَى) التَّعْبِيرُ بِأُخْرَى غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّهُ
نَوَى افْتِتَاحَ الصَّلَاةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا لَا غَيْرَهَا قَوْلُهُ:
(بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْأَرْكَانِ عَدَمُ
الصَّارِفِ وَقَصْدُهُ الِافْتِتَاحَ بِالثَّانِيَةِ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ
الْأُولَى فَصَارَ ذَلِكَ صَارِفًا عَنْ الدُّخُولِ بِهَا لِضَعْفِهَا عَنْ
تَحْصِيلِ أَمْرَيْنِ الْخُرُوجِ وَالدُّخُولِ مَعًا، فَيَخْرُجُ
بِالْأَشْفَاعِ لِذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: أَوْ افْتِتَاحًا لَا يُنَافِي
قَوْلَهُ السَّابِقَ نَاوِيًا بِكُلٍّ مِنْهَا الِافْتِتَاحَ لِأَنَّ هَذَا
فِيمَا إذَا نَوَى الِافْتِتَاحَ بَيْنَهُمَا، وَمَا سَبَقَ فِيمَا إذَا
نَوَى الِافْتِتَاحَ بِالتَّكْبِيرِ اهـ م د فَرْعٌ: لَوْ شَكَّ فِي
أَنَّهُ أَحْرَمَ أَوْ لَا فَأَحْرَمَ قَبْلَ أَنْ يَنْوِيَ الْخُرُوجَ
مِنْ الصَّلَاةِ لَمْ تَنْعَقِدْ لِأَنَّا نَشُكُّ فِي هَذِهِ
التَّكْبِيرَةِ أَنَّهَا شَفْعٌ أَوْ وِتْرٌ فَلَا تَنْعَقِدُ مَعَ
الشَّكِّ وَهَذَا مِنْ الْفُرُوعِ النَّفِيسَةِ اهـ شَرْحُ م ر.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِغَيْرِ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى)
مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ نَاوِيًا بِكُلٍّ مِنْهَا إلَخْ قَوْلُهُ: (وَمَحَلُّ
مَا ذَكَرَ) أَيْ مِنْ دُخُولِهِ بِالْأَوْتَارِ وَخُرُوجِهِ
بِالْأَشْفَاعِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا قَوْلُهُ: (أَمَّا مَعَ
السَّهْوِ) كَأَنْ نَسِيَ أَنَّهُ كَبَّرَ أَوْ لَا فَكَبَّرَ ثَانِيًا
قَاصِدًا الِافْتِتَاحَ فَلَا تَبْطُلُ بِالثَّانِيَةِ
قَوْلُهُ: (بِأَيِّ لُغَةٍ شَاءَ) فَارِسِيَّةٍ أَوْ عِبْرَانِيَّةٍ أَوْ
سُرْيَانِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا، فَيَأْتِي بِمَدْلُولِ التَّكْبِيرِ
بِتِلْكَ اللُّغَةِ. قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَتَرْجَمَتُهُ
بِالْفَارِسِيَّةِ: خُدَايْ بُزُرْكْ تر بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ
وَالزَّايِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَالْكَافِ بِمَعْنَى اللَّهُ كَبِيرٌ،
وَتَر بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ
أَدَاةُ تَفْضِيلٍ، فَهُوَ أَيْ كَبِيرٌ مَعَهَا بِمَعْنَى أَكْبَرُ فَلَا
يَكْفِي خُدَايْ بُزُرْكْ لِتَرْكِهِ التَّفْضِيلَ كَاللَّهُ كَبِيرٌ.
وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الضَّبْطِ تَلَقَّيْنَاهُ مِنْ كِتَابِ نِعْمَةِ
اللَّهِ فِي اللُّغَةِ الْفَارِسِيَّةِ اهـ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا
الْحَفْنَاوِيُّ أَيْضًا، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ التَّرْجَمَةِ هَلْ يَجِبُ
ذِكْرُ بَدَلِهَا كَالْقِرَاءَةِ أَوْ تَكْفِي النِّيَّةُ بِالْقَلْبِ؟
قَالَ ع ش: قِيَاسُ الْقِرَاءَةِ أَنْ يَأْتِيَ بِذِكْرِ بَدَلِهَا كَمَا
قَالَهُ الَأُجْهُورِيُّ وَالْفَارِسِيَّةُ أَوْلَى إنْ أَحْسَنَهَا
قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِسَفَرٍ) أَيْ أَطَاقَهُ بِأَنْ وَجَدَ الْمُؤَنَ
الْمُعْتَبَرَةَ فِي الْحَجِّ. نَعَمْ اسْتَقْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ وُجُوبَ
الْمَشْيِ عَلَى الْقَادِرِ عَلَيْهِ وَإِنْ طَالَ، كَمَنْ لَزِمَهُ
الْحَجُّ فَوْرًا فَرَاجِعْهُ، قَالَ الْمَدَابِغِيُّ: فَلَوْ قَصَّرَ فِي
التَّعَلُّمِ وَجَبَ الْقَضَاءُ لِمَا قَصَّرَ بِالتَّعَلُّمِ فِيهِ دُونَ
غَيْرِهِ، فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ التَّعَلُّمِ صَلَّى وَأَعَادَ،
وَإِمْكَانُ التَّعَلُّمِ مِنْ الْإِسْلَامِ إنْ طَرَأَ وَإِلَّا فَمِنْ
الْبُلُوغِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَالْأَخْرَسُ وَنَحْوُهُ إنْ طَرَأَ
خَرَسُهُ أَوْ نَحْوُهُ بَعْدَ مَعْرِفَةِ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ
وَغَيْرِهِمَا مِنْ الذِّكْرِ الْوَاجِبِ
(2/16)
- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -
«أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ
حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ» . قَالَ النَّوَوِيُّ فِي
شَرْحِ مُسْلِمٍ: مَعْنَى حَذْوِ مَنْكِبَيْهِ أَنْ تُحَاذِيَ أَطْرَافُ
أَصَابِعِهِ أَعْلَى أُذُنَيْهِ، وَإِبْهَامَاهُ شَحْمَتَيْ أُذُنَيْهِ،
وَرَاحَتَاهُ مَنْكِبَيْهِ
وَيَجِبُ قَرْنُ النِّيَّةِ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ لِأَنَّهَا أَوَّلُ
الْأَرْكَانِ بِأَنْ يَقْرُنَهَا بِأَوَّلِهِ وَيَسْتَصْحِبَهَا إلَى
آخِرِهِ. وَاخْتَارَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحَيْ الْمُهَذَّبِ وَالْوَسِيطِ
تَبَعًا لِلْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ الِاكْتِفَاءَ بِالْمُقَارَنَةِ
الْعُرْفِيَّةِ عِنْدَ الْعَوَامّ بِحَيْثُ يُعَدُّ مُسْتَحْضِرًا
لِلصَّلَاةِ اقْتِدَاءً بِالْأَوَّلِينَ فِي تَسَامُحِهِمْ بِذَلِكَ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
يَجِبُ عَلَيْهِ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ وَشَفَتَيْهِ وَلَهَاتِهِ قَدْرَ
إمْكَانِهِ بِخِلَافِ الْخِلْقِيِّ، وَيَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ تَعْلِيمُ
غُلَامِهِ الْعَرَبِيَّةَ لِأَجْلِ التَّكْبِيرِ وَنَحْوِهِ، أَوْ
تَخْلِيَتُهُ لِيَكْتَسِبَ أُجْرَةَ تَعَلُّمِهِ، فَإِنْ لَمْ يُعَلِّمْهُ
وَاسْتَكْسَبَهُ عَصَى بِذَلِكَ اهـ. فَإِنْ عَجَزَ عَنْ التَّكْبِيرَةِ
بِكُلِّ وَجْهٍ فَيَدْخُلُ بِالصَّلَاةِ بِدُونِهَا كَالْأَخْرَسِ كَمَا
قَالَهُ ابْنُ شَرَفٍ
قَوْلُهُ: (مَنْكِبَيْهِ) الْمَنْكِبُ مَجْمَعُ عَظْمِ الْعَضُدِ
وَالْكَتِفِ وَالْعَضُدُ مَا بَيْنَ الْمِرْفَقِ إلَى الْكَتِفِ وَفِيهِ
خَمْسُ لُغَاتٍ وِزَانُ رَجُلٍ وَبِضَمَّتَيْنِ فِي لُغَةِ الْحِجَازِ،
وَقَرَأَ بِهَا الْحَسَنُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ
الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} [الكهف: 51] وَمِثَالُ كَبِدٍ فِي لُغَةِ بَنِي
أَسَدٍ، وَمِثَالُ فَلَسٍ فِي لُغَةِ تَمِيمٍ، وَالْخَامِسَةُ مِثَالُ
قُفْلٍ قَالَ أَبُو زَيْدٍ: أَهْلُ تِهَامَةَ يُؤَنِّثُونَ الْعَضُدَ،
وَبَنُو تَمِيمٍ يُذَكِّرُونَ وَالْجَمْعُ أَعْضُدُ وَأَعْضَادٌ مِثْلُ
أَفْلُسٍ وَأَقْفَالٍ. اهـ. مِصْبَاحُ اهـ ع ش.
قَوْلُهُ: (وَرَاحَتَاهُ) أَيْ ظَهْرُهُمَا
قَوْلُهُ: (قَرْنُ النِّيَّةِ) أَيْ قَرْنُ الْمَنْوِيِّ وَهُوَ أَرْكَانُ
الصَّلَاةِ تَفْصِيلًا مَعَ التَّعْيِينِ وَنِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ،
وَيَقْصِدُ فِعْلَ ذَلِكَ وَإِيقَاعَهُ فِي الْخَارِجِ مِنْ أَوَّلِ
التَّكْبِيرِ إلَخْ قَوْلُهُ: (بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ) أَيْ
بِجَمِيعِهَا وَهَلْ يُشْتَرَطُ مُقَارَنَتُهَا لِلزِّيَادَةِ الْفَاصِلَةِ
الْمُغْتَفَرَةِ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَا يَبْعُدُ الِاشْتِرَاطُ كَمَا نُقِلَ
عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ صَالِحٍ الْبُلْقِينِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ
كَلَامِهِمْ كَمَا فِي فَتَاوَى شَيْخِنَا الشِّهَابِ م ر. ثُمَّ قَالَ:
وَعِنْدِي لَا يَجِبُ لِاغْتِفَارِ الْفَصْلِ وَكَلَامُهُمْ عَلَى
الْغَالِبِ، وَهُوَ عَدَمُ الْفَصْلِ ابْنُ قَاسِمٍ شَوْبَرِيُّ. قَوْلُهُ:
(لِأَنَّهَا أَوَّلُ الْأَرْكَانِ) أَيْ فَوَجَبَ مُقَارَنَتُهَا لِذَلِكَ
كَالْحَجِّ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ كَمَا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَقْرُنَهَا) هُوَ مِنْ بَابِ نَصَرَ يَنْصُرُ كَقَتَلَ
يَقْتُلُ، وَفِيهِ لُغَةٌ مِنْ بَابِ ضَرَبَ مِصْبَاحٌ وَالْمُرَادُ
بِقَرْنِهَا تَفْصِيلًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي التُّحْفَةِ وَمَا
يَدُلُّ لَهُ الْمُقَابَلَةُ بِمَا اخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ
وَالنَّوَوِيُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُقَارَنَةِ
الْعُرْفِيَّةِ الْمُقَارَنَةُ الْإِجْمَالِيَّةُ. وَاعْلَمْ أَنَّ
لِلْقَوْمِ هُنَا أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ: اسْتِحْضَارٌ حَقِيقِيٌّ بِأَنْ
يَسْتَحْضِرَ جَمِيعَ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ تَفْصِيلًا وَمُقَارَنَةٌ
حَقِيقِيَّةٌ بِأَنْ يَقْرُنَ ذَلِكَ الْمُسْتَحْضَرَ بِجَمِيعِ أَجْزَاءِ
التَّكْبِيرَةِ، وَاسْتِحْضَارٌ عُرْفِيٌّ بِأَنْ يَسْتَحْضِرَ
الْأَرْكَانَ إجْمَالًا وَمُقَارَنَةٌ عُرْفِيَّةٌ بِأَنْ يَقْرُنَ ذَلِكَ
الْمُسْتَحْضِرُ بِجُزْءٍ مَا مِنْ التَّكْبِيرِ وَالْمُعْتَمَدُ فِي
الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْأَوَّلَيْنِ عِنْدَ م ر. وَإِنْ
اكْتَفَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِالْأَخِيرَيْنِ لِمَا قِيلَ إنَّ
الِاسْتِحْضَارَ الْحَقِيقِيَّ مَعَ الْقَرْنِ الْحَقِيقِيِّ لَا تُطِيقُهُ
الطَّبِيعَةُ الْبَشَرِيَّةُ، بَلْ يَكْفِي الِاسْتِحْضَارُ الْعُرْفِيُّ
مَعَ الْقَرْنِ الْعُرْفِيِّ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ عَلِمْت أَنَّ قَوْلَ
الشَّارِحِ بِحَيْثُ يُعَدُّ إلَخْ لَيْسَ بَيَانًا لِلْمُقَارَنَةِ
الْعُرْفِيَّةِ لِمَا عَلِمْت أَنَّ الِاسْتِحْضَارَ الْعُرْفِيَّ
وَالْمُقَارَنَةَ الْعُرْفِيَّةَ مُتَغَايِرَانِ بَلْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ
بِمَحْذُوفٍ، تَقْدِيرُهُ كَمَا اكْتَفَى بِالِاسْتِحْضَارِ الْعُرْفِيِّ
بِحَيْثُ يُعَدُّ إلَخْ فَالْحَيْثِيَّةُ بَيَانٌ لِلِاسْتِحْضَارِ
الْعُرْفِيِّ. وَاعْتَمَدَ الْحِفْنِيُّ وَالْعَشْمَاوِيُّ الِاكْتِفَاءَ
بِالِاسْتِحْضَارِ الْعُرْفِيِّ وَالْمُقَارَنَةِ الْعُرْفِيَّةِ وَمَعْنَى
عَدَّهُ مُسْتَحْضِرًا اسْتِحْضَارُهُ الْأَرْكَانَ إجْمَالًا كَمَا مَرَّ
قَوْلُهُ: (وَيَسْتَصْحِبُهَا) بِأَنْ يَسْتَحْضِرَ فِي ذِهْنِهِ ذَاتَ
الصَّلَاةِ تَفْصِيلًا وَمَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لَهُ مِنْ كَوْنِهَا
ظُهْرًا وَفَرْضًا، ثُمَّ يَقْصِدُ فِعْلَ هَذَا الْمَعْلُومِ وَيَجْعَلُ
قَصْدَهُ هَذَا مُقَارِنًا لِأَوَّلِ التَّكْبِيرِ، وَلَا يَغْفُلُ عَنْ
تَذَكُّرِهِ حَتَّى يَتِمَّ التَّكْبِيرُ فَلَا يَكْفِي تَوْزِيعُهَا
عَلَيْهِ، وَنَازَعَ فِيهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِأَنَّهُ لَا تَحْوِيه
الْقُدْرَةُ الْبَشَرِيَّةُ، وَمِنْ ثَمَّ اخْتَارَ النَّوَوِيُّ إلَخْ
زِيَادِيٌّ. لَا يُقَالُ اسْتِحْضَارُهُ الْكُلَّ مُمْكِنٌ فِي أَدْنَى
لَحْظَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ نَفْسُهُ. لِأَنَّا نَقُولُ ذَاكَ
مِنْ حَيْثُ الْإِجْمَالُ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ التَّفْصِيلُ اهـ
عَبْدُ الْبَرِّ.
قَوْلُهُ: (عِنْد الْعَوَامّ) هَلْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالِاكْتِفَاءِ أَيْ
يَكْفِي لِلْعَوَامِّ الْمُقَارَنَةُ الْعُرْفِيَّةُ أَوْ بِالْعُرْفِيَّةِ
أَيْ الْعُرْفِيَّةُ عِنْدَ الْعَوَامّ، وَحِينَئِذٍ مَا الْمُرَادُ
بِهِمْ؟ وَقَدْ أَسْقَطَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ
فَلْيُحَرَّرْ
(2/17)
وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إنَّهُ
الْحَقُّ وَصَوَّبَهُ السُّبْكِيُّ
وَالْوَسْوَسَةُ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ مِنْ تَلَاعُبِ
الشَّيْطَانِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
شَوْبَرِيٌّ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِكُلٍّ
مِنْهُمَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَالْمُرَادُ بِالْعَوَامِّ
الْعَامِّيُّونَ، وَعَلَى الثَّانِي فَالْمُرَادُ بِهِمْ عَامَّةُ
النَّاسِ. وَالثَّانِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَلْيُتَأَمَّلْ مَدَابِغِيٌّ
عَلَى التَّحْرِيرِ. قَالَ شَيْخُنَا الْحِفْنِيُّ: الْمُرَادُ
بِالِاسْتِحْضَارِ الْعُرْفِيِّ الْقَصْدُ وَالتَّعْيِينُ وَنِيَّةُ
الْفَرْضِيَّةِ كَمَا تَلَقَّيْنَاهُ عَنْ شَيْخِنَا الْخَلِيفِيِّ، وَهُوَ
عَنْ شَيْخِهِ مَنْصُورٍ الطُّوخِيِّ عَنْ شَيْخِهِ الشَّيْخِ سُلْطَانٍ
الْمُزَاحِيِّ عَنْ شَيْخِهِ الشَّوْبَرِيِّ عَنْ الرَّمْلِيِّ الصَّغِيرِ
عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ. قَالَ الشَّيْخُ مَنْصُورٌ الطُّوخِيُّ: هَذَا
مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَقَوْلُهُ عَنْ الرَّمْلِيِّ الصَّغِيرِ هُوَ
مُخَالِفٌ لِمَا فِي شَرْحِهِ مِنْ الْمُقَارَنَةِ الْحَقِيقِيَّةِ،
وَعِبَارَةُ الرَّحْمَانِيِّ وَلَوْ تَخَلَّلَ التَّكْبِيرَ مَا لَا
يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ لَمْ يُشْتَرَطْ مُقَارَنَةُ النِّيَّةِ لَهُ هَذَا
مَا اعْتَمَدَهُ م ر. وَلَا تَكْفِي مُقَارَنَتُهَا لَهُ فِي
الْمُقَارَنَةِ الْإِجْمَالِيَّةِ قَوْلُهُ: (وَلِي بِهِمَا أُسْوَةٌ) هُوَ
مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ وَذَهَبَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ إلَى
الِاكْتِفَاءِ بِوُجُودِ النِّيَّةِ قَبْلَ التَّكْبِيرِ. اهـ. عَمِيرَةُ.
قَوْلُهُ: (وَالْوَسْوَسَةُ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ إلَخْ) ذَكَرَ
بَعْضُهُمْ أَنَّ الْوَسْوَسَةَ لَا تَكُونُ إلَّا لِلْكَامِلِينَ، وَهُوَ
غَيْرُ مُنَافٍ لِقَوْلِ الشَّارِحِ الْوَسْوَسَةُ خَبَلٌ فِي الْعَقْلِ
أَوْ جَهْلٌ فِي الدِّينِ لِأَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى نَوْعٍ خَاصٍّ
مِنْ الْوَسْوَسَةِ، وَهُوَ الِاسْتِرْسَالُ مَعَ الْوِسْوَاسِ. وَكَلَامُ
الْأَوَّلِ يُحْمَلُ عَلَى مَنْ يُجَاهِدُ الشَّيْطَانَ فِي وَسْوَسَتِهِ
لِيُثَابَ الثَّوَابَ الْكَامِلَ، قَالَهُ شَيْخُنَا الْمَلَوِيِّ: قَالَ
جَرِيرُ بْنُ عُبَيْدَةَ الْعَدَوِيُّ: شَكَوْت إلَى الْعَلَاءِ بْنِ
زِيَادٍ مَا أَجِدُ فِي صَدْرِي مِنْ الْوَسْوَسَةِ. فَقَالَ: إنَّمَا
مِثْلُ ذَلِكَ مِثْلُ الْبَيْتِ الَّذِي تَمُرُّ فِيهِ اللُّصُوصُ، فَإِنْ
كَانَ فِيهِ شَيْءٌ عَالَجُوهُ وَإِلَّا مَضَوْا وَتَرَكُوهُ. يَعْنِي
أَنَّ الْقَلْبَ إذَا اشْتَغَلَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَبْقَى
لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ، وَلَكِنَّهُ يَكْثُرُ فِيهِ الْوَسْوَسَةُ
وَقْتَ فُتُورِهِ عَنْ الذِّكْرِ لِيُلْهِيَهُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ،
فَالْعَبْدُ مُبْتَلًى بِالشَّيْطَانِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لَا يُفَارِقُهُ
وَلَكِنَّهُ يَخْنِسُ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ قَيْسُ بْنُ
الْحَجَّاجِ: قَالَ لِي شَيْطَانِي: دَخَلْت فِيك وَأَنَا مِثْلُ
الْجَزُورِ وَأَنَا الْيَوْمَ مِثْلُ الْعُصْفُورِ. فَقُلْت: لِمَ ذَلِكَ؟
قَالَ: لِأَنَّك تُذِيبُنِي بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى «وَقَالَ عُثْمَانُ
بْنُ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَا رَسُولَ اللَّهِ الشَّيْطَانُ
حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي فَقَالَ ذَلِكَ شَيْطَانٌ
يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ إذَا حَسَسْته فَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْهُ
وَاتْفُلْ عَلَى يَسَارِك ثَلَاثًا قَالَ: فَفَعَلْت ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ
اللَّهُ عَنِّي» . فَمَنْ كَثُرَتْ وَسْوَسَتُهُ فِي الصَّلَاةِ
فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ، وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي
أَعُوذُ بِك مِنْ شَيْطَانِ الْوَسْوَسَةِ خَنْزَبٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
فَإِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ. وَكَانَ الْأُسْتَاذُ أَبُو الْحَسَنِ
الشَّاذِلِيُّ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ لِدَفْعِ الْوَسْوَاسِ وَالْخَوَاطِرِ
الرَّدِيئَةِ: مَنْ أَحَسَّ بِذَلِكَ فَلْيَضَعْ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى
صَدْرِهِ وَيَقُلْ: سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْخَلَّاقِ
الْفَعَّالِ سَبْعَ مَرَّاتٍ ثُمَّ يَقُولُ: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ
وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} [إبراهيم: 19] {وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ
بِعَزِيزٍ} [إبراهيم: 20] وَيَقُولُ ذَلِكَ الْمُصَلِّي قَبْلَ
الْإِحْرَامِ. وَفِي الْخَبَرِ «إنَّ لِلْوُضُوءِ شَيْطَانًا يُقَالُ لَهُ
الْوَلْهَانُ، فَاسْتَعِيذُوا بِاَللَّهِ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَأْتِي إلَى
الْمُتَوَضِّئِ فَيَقُولُ لَهُ: مَا أَسْبَغْت وُضُوءَك، مَا غَسَلْت
وَجْهَك، مَا مَسَحْت رَأْسَك، وَيُذَكِّرُهُ بِأَشْيَاءَ يَكُونُ
فَعَلَهَا، فَمَنْ نَابَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ
مِنْ الْوَلْهَانِ فَإِنَّ اللَّهَ يَصْرِفُهُ عَنْهُ» قَالَ الشَّيْخُ
مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: خَنْزَبٌ بِخَاءٍ
مُعْجَمَةٍ ثُمَّ نُونٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ. وَاخْتَلَفَ
الْعُلَمَاءُ فِي ضَبْطِ الْخَاءِ فَمِنْهُمْ مَنْ فَتَحَهَا وَمِنْهُمْ
مَنْ كَسَرَهَا، وَهَذَا مَشْهُورٌ وَمِنْهُمْ مَنْ ضَمَّهَا حَكَاهُ ابْنُ
الْأَثِيرِ فِي نِهَايَةِ الْغَرِيبِ وَالْمَعْرُوفُ الْكَسْرُ
وَالْفَتْحُ.
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: يُسْتَحَبُّ قَوْلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ
لِمَنْ اُبْتُلِيَ بِالْوَسْوَسَةِ فِي الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ
وَشَبَهِهِمَا، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ إذَا سَمِعَ الذِّكْرَ خَنَسَ أَيْ
تَأَخَّرَ، وَيُعِيدُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لِأَنَّهَا رَأْسُ
الذِّكْرِ. وَقَالَ السَّيِّدُ الْجَلِيلُ أَحْمَدُ بْنُ الْجَوْزِيِّ:
شَكَوْت إلَى أَبِي سُلَيْمَانَ الدَّارَنِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
الْوِسْوَاسَ فَقَالَ: إذَا أَرَدْت أَنْ يَنْقَطِعَ عَنْك فِي أَيِّ
وَقْتٍ أَحْسَسْت بِهِ فَافْرَحْ، فَإِذَا فَرِحْت بِهِ انْقَطَعَ عَنْك
فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَبْغَضَ إلَى الشَّيْطَانِ مِنْ سُرُورِ
الْمُؤْمِنِ، فَإِذَا اغْتَمَمْت بِهِ زَادَك. قَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي
الدِّينِ النَّوَوِيُّ
(2/18)
وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى خَبَلٍ فِي الْعَقْلِ
أَوْ جَهْلٍ فِي الدِّينِ.
وَلَا يَجِبُ اسْتِصْحَابُ النِّيَّةِ بَعْدَ التَّكْبِيرِ لِلْعُسْرِ
لَكِنْ يُسَنُّ، وَيُعْتَبَرُ عَدَمُ الْمُنَافِي كَمَا فِي عَقْدِ
الْأَيْمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْ
الصَّلَاةِ أَوْ تَرَدَّدَ فِي أَنْ يَخْرُجَ أَوْ يَسْتَمِرَّ بَطَلَتْ
بِخِلَافِ الْوُضُوءِ وَالِاعْتِكَافِ وَالْحَجِّ وَالصَّوْمِ لِأَنَّهَا
أَضْيَقُ بَابًا مِنْ الْأَرْبَعَةِ، فَكَانَ تَأْثِيرُهَا بِاخْتِلَافِ
النِّيَّةِ أَشَدَّ.
(وَ) الرَّابِعُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (قِرَاءَةُ) سُورَةِ
(الْفَاتِحَةِ) فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فِي قِيَامِهَا أَوْ بَدَلِهِ، لِخَبَرِ
الشَّيْخَيْنِ: «لَا صَلَاةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
وَهَذَا مَا قَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنَّ الْوَسْوَاسَ إنَّمَا
يُبْتَلَى بِهِ مَنْ كَمُلَ إيمَانُهُ، فَإِنَّ اللِّصَّ لَا يَقْصِدُ
بَيْتًا خَرَابًا كَمَا ذَكَرَهُ الْيَافِعِيُّ فِي كِتَابِهِ الدُّرُّ
النَّظِيمُ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَالْآيَاتِ وَالذِّكْرِ
الْحَكِيمِ.
وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ
رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ مَوْضِعَ الشَّيْطَانِ مِنْ قَلْبِ ابْنِ آدَمَ،
فَرَأَى فِي النَّوْمِ جَسَدَ رَجُلٍ شَبَهَ الْبَلُّورِ يُرَى دَاخِلُهُ
مِنْ خَارِجِهِ، وَرَأَى الشَّيْطَانُ فِي صُورَةِ ضُفْدَعٍ قَاعِدًا عَلَى
مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ إلَى قَلْبِهِ يُوَسْوِسُ إلَيْهِ، فَإِذَا ذَكَرَ
اللَّهَ خَنَسَ. وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ
يَقُولُ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ كُلَّ يَوْمٍ: اللَّهُمَّ إنَّك سَلَّطْت
عَلَيْنَا بِذُنُوبِنَا عَدُوًّا بَصِيرًا بِعُيُوبِنَا، يَرَانَا هُوَ
وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا نَرَاهُمْ، فَآيِسْهُ مِنَّا كَمَا آيَسْتَهُ
مِنْ رَحْمَتِك، وَقَنِّطْهُ مِنَّا كَمَا قَنَّطْتَهُ مِنْ عَفْوِك،
وَبَعِّدْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ كَمَا بَاعَدَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
جَنَّتِك إنَّك عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ. فَتَمَثَّلَ لَهُ إبْلِيسُ
يَوْمًا فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ: يَا ابْنَ وَاسِعٍ هَلْ تَعْرِفُنِي؟
قَالَ: وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: إبْلِيسُ. قَالَ: وَمَا تُرِيدُ؟ قَالَ:
أُرِيدُ أَنْ لَا تُعَلِّمَ أَحَدًا هَذِهِ الِاسْتِعَاذَةَ. فَقَالَ: لَا
وَاَللَّهِ لَا مَنَعْتهَا مِمَّنْ أَرَادَهَا فَاصْنَعْ الْآنَ مَا شِئْت.
وَالْحِكْمَةُ فِي أَنَّ الْجَانَّ يَرَوْنَا وَنَحْنُ لَا نَرَاهُمْ أَنَّ
الْجَانَّ خُلِقُوا مِنْ الرِّيحِ، وَأَصْلُ الرِّيحِ لَا يُرَى فَكَذَلِكَ
مَا خُلِقَ مِنْهُ. وَقِيلَ: إنَّ الْمُؤْمِنَ فِي ضَوْءِ الْإِيمَانِ
وَالْكَافِرَ مِنْهُمْ فِي ظُلْمَةِ الْكُفْرِ، وَاَلَّذِي فِي الظُّلْمَةِ
يَرَى مَنْ فِي النُّورِ وَاَلَّذِي فِي النُّورِ لَا يَرَى مَنْ فِي
الظُّلْمَةِ وَهَذَا مَخْدُوشٌ بِمُؤْمِنِهِمْ فَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ إنْ
ثَبَتَ أَنَّ الْجَانَّ خُلِقُوا مِنْ الرِّيحِ اهـ. كَذَا فِي تُحْفَةِ
السَّائِلِ
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجِبُ اسْتِصْحَابُ إلَخْ) أَيْ ذِكْرًا بِكَسْرِ
الذَّالِ أَيْ بِاللِّسَانِ، وَأَمَّا حُكْمًا فَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ
كَمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: (كَمَا فِي عَقْدِ الْأَيْمَانِ) أَيْ الْجَزْمِ
بِهِ قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْوُضُوءِ) أَيْ فَلَا يُبْطِلُ مَا مَضَى
مِنْهُ نِيَّةُ الْخُرُوجِ مِنْهُ عَلَى الْأَصَحِّ، لَكِنْ يَحْتَاجُ
لِنِيَّةٍ لِمَا بَقِيَ. قَالَ أَئِمَّتُنَا فِي الْعِبَادَاتِ: فِي قَطْعِ
النِّيَّةِ أَرْبَعَةُ أَضْرُبٍ: الْأَوَّلُ: الْإِسْلَامُ وَالصَّلَاةُ
فَيَبْطُلَانِ بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ مِنْهُمَا بِلَا خِلَافٍ. الثَّانِي:
الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ لَا يَبْطُلَانِ بِذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ
لَا يَخْرُجُ مِنْهُمَا بِالْإِفْسَادِ. الثَّالِثُ: الصَّوْمُ
وَالِاعْتِكَافُ لَا يَبْطُلَانِ بِذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ كَالْحَجِّ.
الرَّابِعُ: الْوُضُوءُ لَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ مَا مَضَى مِنْهُ عَلَى
الْأَصَحِّ لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ لِمَا يَبْقَى. اهـ.
مَرْحُومِيٌّ.
قَوْلُهُ: (سُورَةِ الْفَاتِحَةِ) كَانَ الْأَوْلَى إسْقَاطُ لَفْظِ
سُورَةٍ وَإِبْقَاءِ الْمَتْنِ عَلَى حَالِهِ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّ
مِنْ أَسْمَائِهَا الْفَاتِحَةَ لَا سُورَةَ الْفَاتِحَةِ، أَوْ هُوَ مِنْ
إضَافَةِ الْمُسَمَّى إلَى الِاسْمِ أَيْ قِرَاءَةِ السُّورَةِ
الْمُسَمَّاةِ بِالْفَاتِحَةِ، وَهِيَ مِمَّا نَزَلَ قَدِيمًا فَكَانَ
النَّبِيُّ يَقْرَؤُهَا فِي صَلَاتِهِ الَّتِي كَانَ يُصَلِّيهَا قَبْلَ
فَرْضِ الصَّلَوَاتِ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ وَرَكْعَتَيْ الْغَدَاةِ
وَالْعَشِيِّ. وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنْ
الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى خَمْسَةً: اللَّهُ وَالرَّبُّ وَالرَّحْمَنُ
وَالرَّحِيمُ وَالْمَلِكُ، وَسِرُّهُ أَنْ يَقُولَ خَلَقْتُك أَوَّلًا
فَأَنَا إلَهٌ، ثُمَّ رَبَّيْتُك فَأَنَا رَبٌّ، ثُمَّ عَصَيْتنِي
فَسَتَرْت فَأَنَا رَحْمَنٌ، ثُمَّ تُبْت فَغَفَرْتُ فَأَنَا رَحِيمٌ،
ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ اتِّصَالِ الْجَزَاءِ فَأَنَا مَلِكُ يَوْمِ
الدِّينِ. وَكَرَّرَ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ دُونَ غَيْرِهِمَا مِنْ
الْأَسْمَاءِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْعِنَايَةَ بِالرَّحْمَةِ أَكْثَرُ
كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَى الْبَيْضَاوِيُّ قَالَ
الشَّعْرَانِيُّ فِي الْمِيزَانِ وَقَدْ اسْتَخْرَجَ أَخِي أَفْضَلُ
الدِّينِ مِنْ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ مِائَتَيْ أَلْفِ عِلْمٍ؛ وَسَبْعَةً
وَأَرْبَعِينَ أَلْفًا وَتِسْعَمِائَةٍ، وَسَبْعَةً وَسَبْعِينَ عِلْمًا.
وَقَالَ: هَذِهِ أُمَّهَاتُ عُلُومِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ثُمَّ رَدَّهَا
كُلَّهَا إلَى الْبَسْمَلَةِ ثُمَّ إلَى
(2/19)
لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ
الْكِتَابِ» أَيْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ لِمَا مَرَّ فِي خَبَرِ الْمُسِيءِ
صَلَاتَهُ، إلَّا رَكْعَةَ مَسْبُوقٍ فَلَا تَجِبُ فِيهَا، بِمَعْنَى
أَنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ وُجُوبُهَا عَلَيْهِ لِتَحَمُّلِ الْإِمَامِ لَهَا
عَنْهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
النُّقْطَةِ الَّتِي تَحْتَ الْبَاءِ. كَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
يَقُولُ: لَا يَكْمُلُ الرَّجُلُ عِنْدَنَا فِي مَقَامِ الْمَعْرِفَةِ
بِالْقُرْآنِ حَتَّى يَصِيرَ يَسْتَخْرِجُ جَمِيعَ أَحْكَامِهِ وَجَمِيعَ
مَذَاهِبِ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْهَا مِنْ أَيِّ حَرْفٍ شَاءَ مِنْ حُرُوفِ
الْهِجَاءِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْإِمَامِ عَلِيٍّ: لَوْ شِئْت
لَأَوْقَرْتُ لَكُمْ ثَمَانِينَ بَعِيرًا مِنْ عُلُومِ النُّقْطَةِ الَّتِي
تَحْتَ الْبَاءِ، وَمَا مِنْ عَبْدٍ يَقْرَؤُهَا مِنْ أَوَّلِهَا إلَى
آخِرِهَا وَيَدْعُو اللَّهَ بِمَا شَاءَ إلَّا اُسْتُجِيبَ لَهُ دُعَاؤُهُ،
وَمَنْ دَاوَمَ عَلَى قِرَاءَتِهَا رَأَى الْعَجَبَ وَنَالَ مَا يَرْجُوهُ
مِنْ كُلِّ أَرَبٍ، وَمَنْ وَاظَبَ عَلَى قِرَاءَتِهَا إحْدَى
وَأَرْبَعِينَ مَرَّةً إلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِلَا تَعَبٍ.
قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) وَقَدْ تَجِبُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فِي
الرَّكْعَةِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، كَمَا إذَا نَذَرَ قِرَاءَةَ
الْفَاتِحَةِ كُلَّمَا عَطَسَ فَإِنَّهُ إنْ عَطَسَ فِي الصَّلَاةِ وَكَانَ
فِي الْقِيَامِ وَجَبَ قِرَاءَتُهَا، أَوْ غَيْرِهِ كَالرُّكُوعِ.
وَالسُّجُودِ أَخَّرَهَا إلَى الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ فَقَرَأَهَا
لِأَنَّ غَيْرَ الْقِيَامِ لَيْسَ مَحَلَّ الْقِرَاءَةِ كَذَا قَرَّرَهُ م
ر. فَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ شَرْطَ نَذْرِ التَّبَرُّرِ أَنْ يَكُونَ
الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ مَرْغُوبًا فِيهِ وَالْعُطَاسُ لَيْسَ مَرْغُوبًا
فِيهِ. فَقَالَ: بَلْ مَرْغُوبٌ فِيهِ لِأَنَّ فِيهِ رَاحَةً لِلْبَدَنِ.
وَالْحِكْمَةُ فِي أَنَّ الْعَاطِسَ يَجِدُ فِي نَفْسِهِ رَاحَةً لِأَنَّ
الرُّوحَ تُرِيدُ أَنْ تَخْرُجَ هَارِبَةً مِنْ الْجَسَدِ، وَتَقُولُ:
اسْتَخْبَيْت هُنَا فَتَجِيءُ إلَى كُلِّ عُضْوٍ رَجَاءَ أَنْ تَخْرُجَ
مِنْهُ، فَيَصِيحُ رِيحٌ مِنْ الدِّمَاغِ فَيَقُولُ لَهَا: لَمْ يَجِئْ
وَقْتُ خُرُوجِك فَتَسْتَقِرُّ فِيهِ وَلِهَذَا يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ
لِأَنَّ رُوحَهُ اسْتَقَرَّتْ فِي بَدَنِهِ، فَأَمَرَ الشَّارِعُ
الْعَاطِسَ بِالْحَمْدِ لِمَا حَصَلَ لَهُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ بِخُرُوجِ
مَا احْتَقَنَ فِي دِمَاغِهِ مِنْ الْأَبْخِرَةِ، فَسُنَّ التَّشْمِيتُ
وَمَعْنَاهُ هَدَاكَ اللَّهُ إلَى الشَّمْتِ وَذَلِكَ لِمَا فِي الْعُطَاسِ
مِنْ الِانْزِعَاجِ وَالْقَلَقِ. اهـ. . وَالتَّشْمِيتُ بِالشِّينِ
الْمُعْجَمَةِ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ فَالْأَوَّلُ إشَارَةٌ إلَى
جَمْعِ الشَّمْلِ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: شَمِتَتْ الْإِبِلُ إذَا
اجْتَمَعَتْ فِي الْمَرْعَى. وَالثَّانِي إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ مُرُوقُ
السَّمْتِ الْحَسَنِ.
وَقَدْ يُسْتَحَبُّ تَكْرِيرُ الْفَاتِحَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ
أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَأَكْثَرَ، وَذَلِكَ إذَا قَرَأَهَا وَقَدْ صَلَّى
مُسْتَلْقِيًا ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الِاضْطِجَاعِ ثُمَّ الْقُعُودِ ثُمَّ
الْقِيَامِ، فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقْرَأَهَا فِي الْحَالَةِ
الَّتِي هِيَ أَكْمَلُ مِمَّا قَبْلَهَا كَمَا فِي الْحَلَبِيِّ عَلَى
الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ: (فِي قِيَامِهَا) أَيْ الرَّكْعَةِ، وَمِنْهُ
الْقِيَامُ الثَّانِي مِنْ رَكْعَتَيْ صَلَاةِ الْكُسُوفِ كَمَا فِي شَرْحِ
م ر. وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقِيَامِهَا لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي كُلِّ
رَكْعَةٍ تَشْمَلُ الْقِرَاءَةَ فِي الرُّكُوعِ أَوْ فِي السُّجُودِ.
فَرْعٌ: لَوْ صَلَّى النَّافِلَةَ وَأَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ
وَهُوَ هَاوٍ لِلرُّكُوعِ فَلَهُ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَهَضَ مِنْ
السُّجُودِ إلَى الْقِيَامِ وَأَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ حَالَ نُهُوضِهِ
فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ لِأَنَّ الْقِيَامَ أَكْمَلُ مِنْ النُّهُوضِ، هَذَا
مَا اعْتَمَدَهُ م ر قِيَاسًا عَلَى مَا قَرَّرَهُ فِي الْفَرْضِ أَنَّهُ
يَقْرَأُ حَالَ هَوِيِّهِ الْفَاتِحَةَ أَوْ بَدَلَهَا لَا حَالَ نُهُوضِهِ
لِأَنَّ الْمَقْدُورَ أَكْمَلُ مِنْهُ، فَوَجَبَ تَأْخِيرُ الْفَاتِحَةِ
إلَيْهِ اهـ خ ض. وَقَوْلُهُ فِي الْفَرْعِ: يَمْتَنِعُ وَجَوَّزَهُ
بَعْضُهُمْ، وَالْقِيَاسُ الْمَذْكُورُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ لِأَنَّ
النَّفَلَ يَجُوزُ مِنْ قُعُودٍ مَعَ الْقُدْرَةِ. تَنْبِيهٌ: إنَّمَا
وَجَبَ لِلْقِيَامِ قِرَاءَةٌ وَلِلْجُلُوسِ الْأَخِيرِ تَشَهُّدٌ
بِخِلَافِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالِاعْتِدَالِ وَالْجُلُوسِ بَيْنَ
السَّجْدَتَيْنِ لَا يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ الْأَذْكَارِ لِالْتِبَاسِ
الْأَوَّلَيْنِ بِالْعَادَةِ، فَوَجَبَ تَمْيِيزُهُمَا عَنْهَا بِخِلَافِ
الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَإِنَّهُمَا لَا يَكُونَانِ إلَّا عِبَادَةً
بِذَاتِهِمَا، فَلَمْ يَحْتَاجَا إلَى مُمَيِّزٍ آخَرَ. وَأَمَّا
الْأَخِيرَانِ فَغَيْرُ مَقْصُودَيْنِ لِذَاتِهِمَا بَلْ لِلْفَصْلِ،
وَمِنْ ثَمَّ كَانَا قَصِيرَيْنِ فَلَمْ يُنَاسِبْهُمَا إيجَابُ شَيْءٍ
فِيهِمَا إعْلَامًا بِذَلِكَ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (أَوْ بَدَلِهِ) سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْبَدَلُ مَعَ
الْقُدْرَةِ وَذَلِكَ فِي النَّفْلِ وَهُوَ الْقُعُودُ وَالِاضْطِجَاعُ،
أَوْ مَعَ الْعَجْزِ وَذَلِكَ فِي الْفَرْضِ وَهُوَ الْقُعُودُ
وَالِاضْطِجَاعُ وَالِاسْتِلْقَاءُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا اهـ.
قَوْلُهُ: (لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الدَّعَاوَى
ثَلَاثَةٌ: قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ، وَكَوْنُهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ،
وَكَوْنُهَا فِي الْقِيَامِ أَوْ بَدَلِهِ. وَذَكَرَ دَلِيلَ الْأُولَى
بِقَوْلِهِ: لَا صَلَاةَ، وَدَلِيلَ الثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ كَمَا مَرَّ
فِي خَبَرِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ، وَلَعَلَّهُ تَرَكَ دَلِيلَ الدَّعْوَى
الثَّالِثَةِ لِظُهُورِهِ وَلَوْ قَالَ فِي قِيَامِ كُلِّ رَكْعَةٍ لَأَتَى
بِدَلِيلِهَا قَوْلُهُ: (لَا صَلَاةَ) أَيْ صَحِيحَةً لِأَنَّ الْأَصْلَ
فِي النَّفْيِ أَنْ يَكُونَ نَفْيًا لِلصِّحَّةِ لَا لِلْكَمَالِ الَّذِي
أَخَذَ بِهِ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ قَالَهُ شَيْخُنَا. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(2/20)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
وَالْأَوْلَى فِي التَّعْلِيلِ مَا نَقَلَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّ
نَفْيَ الصِّحَّةِ عَنْ الْحَقِيقَةِ أَقْرَبُ إلَى نَفْيِ الْحَقِيقَةِ
مِنْ نَفْيِ الْكَمَالِ عَنْهَا كَمَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ.
وَقَوْلُهُ: «لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» الْبَاءُ
زَائِدَةٌ وَظَاهِرُهُ يَشْمَلُ الْمَأْمُومَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي
أَحَادِيثَ أُخَرَ وَضَعَّفَ الْحَافِظُ خَبَرَ «مَنْ صَلَّى خَلْفَ
الْإِمَامِ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ قِرَاءَةٌ لَهُ» فَيَقْرَؤُهَا
الْمُقْتَدِي وَلَوْ فِي الْجَهْرِيَّةِ كَمَا جَاءَ عَنْ نَيِّفٍ
وَعِشْرِينَ صَحَابِيًّا، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ
بِقَصْدِ الذِّكْرِ لَمْ تُجْزِهِ عَنْ قِرَاءَتِهَا لِوُجُودِ الصَّارِفِ،
وَقَدْ يَشْمَلُهُ قَوْلُهُ الْآتِي وَيَجِبُ أَنْ لَا يَقْصِدَ
بِالرُّكْنِ غَيْرَهُ.
قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ فِي خَبَرِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ) وَهُوَ قَوْلُهُ:
«ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِك كُلِّهَا» وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ
فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. وَإِنَّمَا اسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِخَبَرِ
الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ لِأَنَّ خَبَرَ الشَّيْخَيْنِ الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا
لَا يُعَيِّنُ الْقِرَاءَةَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بَلْ يَشْمَلُ تَوْزِيعَ
الْفَاتِحَةِ عَلَى كُلِّ الرَّكَعَاتِ، فَلِذَلِكَ قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ
فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِدَلِيلِ خَبَرِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ.
قَوْلُهُ: (إلَّا رَكْعَةَ مَسْبُوقٍ) يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ
الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلًا إنْ قُدِّرَ فِي قَوْلِهِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ،
أَيْ فَتَجِبُ وَيَسْتَقِرُّ وُجُوبُهَا، وَأَنْ يَكُونَ مُنْقَطِعًا إنْ
قُدِّرَ فَتَجِبُ فَقَطْ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى نَفْيُ الِاسْتِقْرَارِ
وَهُوَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْوُجُوبِ. وَعِبَارَةُ ع ش الِاسْتِثْنَاءُ
بِالنَّظْرِ لِمُجَرَّدِ الْوُجُوبِ مُنْقَطِعٌ، وَبِالنَّظَرِ لِكَوْنِ
الْمُرَادِ بِالْوُجُوبِ الِاسْتِقْرَارَ مُتَّصِلٌ، وَالْمُرَادِ
بِالْمَسْبُوقِ بِهَا حَقِيقَةً كَأَنْ وَجَدَهُ رَاكِعًا أَوْ حُكْمًا
كَأَنْ زُحِمَ عَنْ السُّجُودِ فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَسْبُوقِ
بِالنِّسْبَةِ لِلرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، فَإِذَا قَامَ بَعْدَ سُجُودِهِ
وَوَجَدَ الْإِمَامَ رَاكِعًا رَكَعَ مَعَهُ، أَوْ كَانَ بَطِيءَ
الْقِرَاءَةِ أَوْ الْحَرَكَةِ أَوْ نَسِيَ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ
وَتَخَلَّفَ لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فَإِنَّهُ يُغْتَفَرُ ثَلَاثَةُ
أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ، فَإِذَا قَرَأَهَا وَلَمْ يُسْبَقْ بِأَكْثَرَ
مِنْهَا وَمَشَى عَلَى نَظْمِ صَلَاتِهِ ثُمَّ قَامَ فَوَجَدَ الْإِمَامَ
رَاكِعًا أَوْ هَاوِيًا لِلرُّكُوعِ رَكَعَ مَعَهُ وَسَقَطَتْ عَنْهُ
الْفَاتِحَةُ اهـ حَلَبِيٌّ. وَكَوْنُ هَذَا فِي حُكْمِ الْمَسْبُوقِ
ظَاهِرٌ إذَا فَسَّرْنَاهُ بِاَلَّذِي لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الْإِمَامِ
زَمَنًا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَأَمَّا إذَا
فُسِّرَ بِمَنْ لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الْإِمَامِ زَمَنًا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ
بِأَيِّ رَكْعَةٍ، فَتَكُونُ هَذِهِ الصُّوَرُ مِنْهُ حَقِيقَةً. وَقَالَ
الَأُجْهُورِيُّ. الْمُرَادُ بِهِ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ خَلْفَ إمَامِهِ
زَمَنًا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ بِالنِّسْبَةِ لِقِرَاءَةِ الْوَسَطِ
الْمُعْتَدِلِ لَا لِقِرَاءَةِ إمَامِهِ.
قَوْلُهُ: (بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ وُجُوبُهَا عَلَيْهِ) أَيْ
فَقَدْ وَجَبَتْ ثُمَّ سَقَطَتْ قَوْلُهُ: (لِتَحَمُّلِ الْإِمَامِ لَهَا
عَنْهُ) بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ الْإِمَامُ مُحْدِثًا أَوْ فِي رَكْعَةٍ
زَائِدَةٍ. اهـ. عَنَانِيٌّ. فَالْمُرَادُ بِالْإِمَامِ الْأَهْلُ
لِلتَّحَمُّلِ، فَيُدْرِكُ الرَّكْعَةَ بِإِدْرَاكِهِ مَعَهُ رُكُوعَهُ
الْمَحْسُوبَ لَهُ، وَلَوْ نَوَى مُفَارَقَةَ إمَامِهِ بَعْدَ الرَّكْعَةِ
الْأُولَى ثُمَّ اقْتَدَى بِإِمَامٍ رَاكِعٍ وَقَصَدَ بِذَلِكَ إسْقَاطَ
الْفَاتِحَةِ صَحَّتْ فِي أَوْجَهِ احْتِمَالَيْنِ كَمَا أَفْتَى بِهِ
الْوَالِدُ وَاسْتَقَرَّ رَأْيُهُ عَلَيْهِ آخِرًا اهـ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَأْمُومَ إمَّا مُوَافِقٌ، وَإِمَّا مَسْبُوقٌ
وَالْأَوَّلُ مَنْ أَدْرَكَ مِنْ قِيَامِ الْإِمَامِ قَدْرًا يَسَعُ
الْفَاتِحَةَ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَسَطِ الْمُعْتَدِلِ لَا لِقِرَاءَةِ
نَفْسِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَالْمَسْبُوقُ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ ذَلِكَ،
وَحُكْمُ الشَّاكِّ حُكْمُ الْأَوَّلِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، فَالْمُوَافِقُ
بَيَّنَهُ فِي الْمَنْهَجِ بِقَوْلِهِ: الْعُذْرُ كَأَنْ أَسْرَعَ إمَامٌ
قِرَاءَتَهُ وَرَكَعَ قَبْلَ إتْمَامٍ مُوَافِقٍ الْفَاتِحَةَ فَيُتِمُّهَا
وَيَسْعَى خَلْفَهُ مَا لَمْ يُسْبَقْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ
طَوِيلَةٍ، وَإِلَّا تَبِعَهُ ثُمَّ تَدَارَكَ بَعْدَ سَلَامِهِ، فَإِنْ
لَمْ يُتِمَّهَا الْمُوَافِقُ لِشُغْلِهِ بِسُنَّةٍ كَدُعَاءِ
الِافْتِتَاحِ فَمَعْذُورٌ أَيْ يَتَخَلَّفُ وَيُتِمُّهَا وَيَسْعَى
خَلْفَهُ مَا لَمْ يُسْبَقْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ
كَمَا مَرَّ فَحُكْمُهُ حُكْمُ بَطِيءِ الْقِرَاءَةِ السَّابِقِ،
كَمَأْمُومٍ عَلِمَ أَوْ شَكَّ قَبْلَ رُكُوعِهِ وَبَعْدَ رُكُوعِ إمَامِهِ
أَنَّهُ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ فَيَقْرَؤُهَا وَيَسْعَى كَمَا مَرَّ وَإِنْ
كَانَ بَعْدَهُمَا أَيْ بَعْدَ رُكُوعِهِمَا لَمْ يَعُدْ إلَيْهَا بَلْ
يَتْبَعُ إمَامَهُ وَيُصَلِّي رَكْعَةً بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُوَافِقَ يُعْذَرُ فِيمَا إذَا كَانَ بَطِيءَ
الْقِرَاءَةِ، وَفِي الِاشْتِغَالِ بِسُنَّةٍ وَفِي الشَّكِّ فَيُعْذَرُ
فِي التَّخَلُّفِ لِلْقِرَاءَةِ وَيُغْتَفَرُ لَهُ ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ
طَوِيلَةٍ، فَإِنْ فَرَغَ مِنْ السُّجُودِ الثَّانِي وَانْتَصَبَ وَوَجَدَ
الْإِمَامَ رَاكِعًا فَإِنَّهُ يَرْكَعُ وَيَتَحَمَّلُ عَنْهُ الْإِمَامُ
الْفَاتِحَةَ وَمِثْلُهُ مَسْأَلَةُ الزِّحَامِ وَالنِّسْيَانِ. وَحَاصِلُ
مَسْأَلَةِ الْمَسْبُوقِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَشْتَغِلْ بِسُنَّةٍ وَجَبَ
عَلَيْهِ أَنْ يَرْكَعَ مَعَ الْإِمَامِ، فَإِنْ لَمْ يَرْكَعْ مَعَهُ
فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ. وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إلَّا إذَا تَخَلَّفَ
بِرُكْنَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَإِنْ اشْتَغَلَ بِسُنَّةٍ وَظَنَّ
أَنَّهُ يُدْرِكُ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ تَخَلَّفَ لِمَا فَاتَهُ مِنْ
الْفَاتِحَةِ ثُمَّ بَعْدَ تَكْمِيلِهَا إنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي
الرُّكُوعِ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ وَإِلَّا فَاتَتْهُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ
بَعْدَ رَفْعِ الْإِمَامِ أَيْ مِنْ الرُّكُوعِ تَكْمِيلُ مَا فَاتَهُ
حَتَّى يُرِيدَ الْإِمَامُ الْهَوِيَّ لِلسُّجُودِ وَإِلَّا فَارَقَهُ
أَيْ، وَإِلَّا بِأَنْ أَرَادَ أَنْ يَهْوِيَ لِلسُّجُودِ فَارَقَهُ
فَإِنَّهُ تَعَارَضَ عَلَيْهِ لُزُومُ وَفَاءِ مَا عَلَيْهِ وَبُطْلَانُ
صَلَاتِهِ بِتَخَلُّفِهِ بِرُكْنَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَظُنَّ إدْرَاكَهُ فِي
الرُّكُوعِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نِيَّةُ الْمُفَارَقَةِ، فَإِنْ تَرَكَهَا
بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَ شَيْخِنَا ابْنِ قَاسِمٍ. وَقَالَ شَيْخُنَا م
ر: لَا تَبْطُلُ إلَّا إنْ تَخَلَّفَ بِرُكْنَيْنِ بِلَا مُفَارَقَةٍ،
وَأَمَّا إثْمُهُ فَمَحَلُّ وِفَاقٍ. اهـ. سِبْطٌ الطَّبَلَاوِيُّ
وَالْوَسْوَسَةُ لَيْسَتْ عُذْرًا كَمَا قَالَهُ ع ش.
(2/21)
تَنْبِيهٌ: يُتَصَوَّرُ سُقُوطُ
الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ حَصَلَ لِلْمَأْمُومِ فِيهِ عُذْرُ
تَخَلَّفَ بِسَبَبِهِ عَنْ الْإِمَامِ بِأَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ
وَزَالَ عُذْرُهُ وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ فَيَتَحَمَّلُ عَنْهُ الْفَاتِحَةَ،
كَمَا لَوْ كَانَ بَطِيءَ الْقِرَاءَةِ أَوْ نَسِيَ أَنَّهُ فِي
الصَّلَاةِ، أَوْ امْتَنَعَ مِنْ السُّجُودِ بِسَبَبِ زَحْمَةٍ، أَوْ شَكَّ
بَعْدَ رُكُوعِ إمَامِهِ فِي قِرَاءَتِهِ الْفَاتِحَةَ فَتَخَلَّفَ لَهَا.
نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ مَوْضِعٍ) أَيْ فِي كُلِّ صُورَةٍ فَلَيْسَ
الْمَوْضِعُ شَامِلًا لِمَوْضِعِ الْعُذْرِ وَهُوَ الرَّكْعَةُ الْأُولَى
إذْ الْفَاتِحَةُ لَا تَسْقُطُ فِيهَا لِأَنَّهُ قَرَأَهَا فِيهَا،
وَسُقُوطُ الْفَاتِحَةِ إنَّمَا يَحْصُلُ فِي الثَّانِيَةِ فَظَاهِرُ
إطْلَاقِ الشَّارِحِ حَيْثُ قَالَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَيْسَ مُرَادًا
عَلَى إطْلَاقِهِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِالْمَوْضِعِ الصُّورَةُ كَمَا
عَلِمْت قَوْلُهُ: (تَخَلَّفَ إلَخْ) الْجُمْلَةُ صِفَةٌ لِعُذْرٍ لِأَنَّ
الْجُمَلَ بَعْدَ النَّكِرَاتِ صِفَاتٌ، وَجُمْلَةُ الصُّوَرِ الَّتِي
اسْتَثْنَوْهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ
الْقُدْوَةِ قَوْلُهُ: (بِأَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ) صَوَابُهُ ثَلَاثَةِ
أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ لِأَنَّ الرَّابِعَ يَجِبُ تَبَعِيَّةُ الْإِمَامِ
فِيهِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي كَلَامِهِ مِنْ الْخَلَلِ إذْ الرَّكْعَةُ
الَّتِي زَالَ الْعُذْرُ فِيهَا لَمْ تَسْقُطْ الْفَاتِحَةُ فِيهَا،
فَالْمُرَادُ الرَّكْعَةُ الَّتِي بَعْدَهَا بِأَنْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ
فِي رَكْعَةِ الْعُذْرِ وَجَرَى عَلَى نَظْمِ صَلَاةِ نَفْسِهِ، فَلَمَّا
قَامَ لِلرَّكْعَةِ الَّتِي بَعْدَهَا رَأَى الْإِمَامَ رَاكِعًا فَإِنَّهُ
يَرْكَعُ مَعَهُ وَتَسْقُطُ عَنْهُ الْفَاتِحَةُ ق ل. وَقَوْلُهُ صَوَابُهُ
ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ بِأَنْ رَكَعَ قَبْلَ وُصُولِ إمَامِهِ لِمَحَلٍّ
يُجْزِئُ فِيهِ الْقِرَاءَةُ، أَوْ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى مَحَلٍّ يُجْزِئُ
فِيهِ التَّشَهُّدُ إنْ كَانَ يَقْعُدُ م ر. قَالَ اج: يُمْكِنُ الْجَوَابُ
عَنْ الْمُؤَلِّفِ بِأَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا سَبَقَهُ بِالْقِيَامِ
زِيَادَةً عَلَى الثَّلَاثَةِ عَدَّهُ رَابِعًا إذْ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ
أَنَّ الْمَأْمُومَ حِينَ قَامَ رَأَى الْإِمَامَ رَاكِعًا تَأَمَّلْ.
وَقَوْلُهُ: لَمْ تَسْقُطْ الْفَاتِحَةُ فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي
كَلَامِهِ مَا يَقْتَضِي سُقُوطَ فَاتِحَةِ الْأُولَى.
قَوْلُهُ: (وَزَالَ عُذْرُهُ) أَيْ وَأَتَى بِمَا عَلَيْهِ وَالْإِمَامُ
رَاكِعٌ، فَلَا يُقَالُ إنَّ زَوَالَ الْعُذْرِ كَالزَّحْمَةِ قَبْلَ
رُكُوعِ إمَامِهِ، بَلْ الْمُرَادُ بِزَوَالِ الْعُذْرِ إتْيَانُهُ بِمَا
عَلَيْهِ وَهُوَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ بَطِيءَ الْقِرَاءَةِ فَإِنَّهُ لَمْ
يَزُلْ عُذْرُهُ قَوْلُهُ: (وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ) أَوْ هَاوٍ لِلرُّكُوعِ،
وَحِينَئِذٍ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْمَأْمُومِ الْمُتَابَعَةُ، فَلَوْ
تَخَلَّفَ عَنْ ذَلِكَ وَشَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ عَامِدًا عَالِمًا
بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إذَا لَمْ يَنْوِ الْمُفَارَقَةَ.
قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ كَانَ بَطِيءَ الْقِرَاءَةِ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ
الْمَأْمُومَ إذَا كَانَ بَطِيءَ الْقِرَاءَةِ وَالْإِمَامُ مُعْتَدِلُ
الْقِرَاءَةِ يَتَخَلَّفُ لِقِرَاءَتِهَا وُجُوبًا وَلَوْ سَبَقَهُ
الْإِمَامُ، ثُمَّ إنْ كَمَّلَهَا قَبْلَ انْتِصَابِ الْإِمَامِ لِمَحَلٍّ
تُجْزِئُ فِيهِ الْقِرَاءَةُ جَرَى عَلَى نَظْمِ صَلَاةِ نَفْسِهِ، فَإِنْ
قَامَ مِنْ سَجْدَتَيْهِ فَإِنْ وَجَدَ الْإِمَامَ قَائِمًا وَقَفَ مَعَهُ
وَقَرَأَ مَا أَمْكَنَهُ مَعَهُ، وَإِنْ وَجَدَهُ رَاكِعًا رَكَعَ مَعَهُ
وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْفَاتِحَةُ، وَإِنْ وَجَدَهُ فِي الِاعْتِدَالِ فَمَا
بَعْدَهُ وَافَقَهُ فِيهِ وَفَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ
فَيَتَدَارَكُهَا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُتِمَّ
الْفَاتِحَةَ إلَّا بَعْدَ أَنْ وَقَفَ الْإِمَامُ وَقَفَ مَعَهُ
وَفَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ الْأُولَى وَأَجْزَأَتْهُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ،
وَإِنْ لَمْ يُتِمَّهَا وَرَكَعَ الْإِمَامُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ
بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ عَامِدًا عَالِمًا وَإِلَّا فَلَا تَبْطُلُ
لَكِنْ فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ كَالْأُولَى. وَهَذَا
التَّفْصِيلُ يَجْرِي فِي نِسْيَانِ الصَّلَاةِ، وَفِيمَا لَوْ شَكَّ
بَعْدَ رُكُوعِ الْإِمَامِ وَقَبْلَ رُكُوعِهِ هُوَ حَرْفًا بِحَرْفٍ.
وَأَمَّا إذَا زُحِمَ عَنْ السُّجُودِ فَحَاصِلُهَا أَنَّهُ إذَا قَرَأَ
مَعَ الْإِمَامِ وَرَكَعَ وَاعْتَدَلَ فَمُنِعَ مِنْ السُّجُودِ فَإِنَّهُ
يَنْتَظِرُ تَمَكُّنَهُ مِنْهُ، فَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ
يَرْكَعَ الْإِمَامُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ جَرَى عَلَى نَظْمِ
صَلَاةِ نَفْسِهِ وَكَمَّلَ رَكْعَتَهُ، فَإِنْ قَامَ وَوَجَدَ الْإِمَامَ
قَائِمًا وَقَفَ مَعَهُ وَقَرَأَ مَا يُمْكِنُهُ، وَإِنْ وَجَدَهُ رَاكِعًا
رَكَعَ مَعَهُ وَتَحَمَّلَ عَنْهُ الْفَاتِحَةَ، وَإِنْ وَجَدَهُ اعْتَدَلَ
تَبِعَهُ وَفَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ، وَأَمَّا إنْ تَمَكَّنَ
مِنْهُ فِي رُكُوعِ الْإِمَامِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ رَكَعَ مَعَ
الْإِمَامِ وَلَا يَجْرِي عَلَى نَظْمِ صَلَاةِ نَفْسِهِ وَفَاتَتْهُ
الرَّكْعَةُ الْأُولَى وَتُحْسَبُ لَهُ رَكْعَةٌ مُلَفَّقَةٌ مِنْ رُكُوعِ
الْأُولَى وَسُجُودِ الثَّانِيَةِ، وَأَمَّا الرُّكُوعُ وَالِاعْتِدَالُ
الَّذِي تَبِعَ الْإِمَامَ فِيهِمَا فَلِلْمُتَابَعَةِ، وَإِنْ لَمْ
يَتَمَكَّنْ مِنْ السُّجُودِ إلَّا بَعْدَ شُرُوعِ الْإِمَامِ فِي
الِاعْتِدَالِ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْمَزْحُومِ وَلَا تَنْفَعُهُ نِيَّةُ
الْمُفَارَقَةِ لِأَنَّهُ سُبِقَ بِأَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ وَقَدْ
شَرَعَ الْإِمَامُ فِي الْخَامِسِ.
قَوْلُهُ: (بَعْدَ رُكُوعِ إمَامِهِ) أَيْ وَقَبْلَ رُكُوعِهِ هُوَ،
وَتَسْقُطُ أَيْضًا فِيمَا إذَا اقْتَدَى بِإِمَامٍ رَاكِعٍ فَلَمَّا
تَمَّتْ رَكْعَتُهُ وَقَامَ رَأَى إمَامًا رَاكِعًا فَفَارَقَ إمَامَهُ
وَاقْتَدَى بِهِ، وَهَكَذَا إلَى آخِرِ
(2/22)
وَ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] آيَةٌ مِنْهَا أَيْ مِنْ الْفَاتِحَةِ لِمَا
رُوِيَ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَدَّ
الْفَاتِحَةَ سَبْعَ آيَاتٍ، وَعَدَّ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] آيَةً مِنْهَا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي
تَارِيخِهِ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ: «إذَا قَرَأْتُمْ {الْحَمْدُ لِلَّهِ} [الفاتحة: 2] فَاقْرَءُوا
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] إنَّهَا أُمُّ
الْقُرْآنِ وَأُمُّ الْكِتَابِ وَالسَّبْعُ الْمَثَانِي، و {بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] إحْدَى آيَاتِهَا» . وَرَوَى ابْنُ
خُزَيْمَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَدَّ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] آيَةً، وَ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] إلَى آخِرِهَا سِتَّ آيَاتٍ» . وَهِيَ آيَةٌ
مِنْ كُلِّ سُورَةٍ إلَّا بَرَاءَةَ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى
إثْبَاتِهَا فِي الْمُصْحَفِ بِخَطِّهِ أَوَائِلَ السُّوَرِ سِوَى
بَرَاءَةٍ دُونَ الْأَعْشَارِ وَتَرَاجِمِ السُّوَرِ وَالتَّعَوُّذِ،
فَلَوْ لَمْ تَكُنْ قُرْآنًا لَمَا أَجَازُوا ذَلِكَ لِأَنَّهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
صَلَاتِهِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا قَالَهُ
م ر سَوَاءٌ كَانَ لِغَرَضٍ أَمْ لَا خِلَافًا لسم.
قَوْلُهُ: (وَبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) مُبْتَدَأٌ،
وَقَوْلُهُ آيَةٌ مِنْهَا خَبَرُهُ، وَالْمُرَادُ آيَةٌ مِنْهَا عَمَلًا
مِنْ جِهَةِ الْإِتْيَانِ بِهَا فِي الْفَاتِحَةِ هَذَا هُوَ الَّذِي فِيهِ
الْخِلَافُ. وَأَمَّا كَوْنُهَا مِنْ الْقُرْآنِ فَلَا نِزَاعَ فِيهِ
فَقَوْلُهُ آيَةٌ مِنْهَا عَمَلًا كَمَا تَقَدَّمَ لَا اعْتِقَادًا أَيْ
لَا يَجِبُ اعْتِقَادُ كَوْنِهَا آيَةً مِنْهَا وَكَذَا مِنْ غَيْرِهَا،
بَلْ لَوْ جَحَدَ ذَلِكَ لَا يُكَفَّرُ كَمَا يَأْتِي، وَأَمَّا اعْتِقَادُ
كَوْنِهَا مِنْ الْقُرْآنِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَهُوَ وَاجِبٌ يُكَفَّرُ
جَاحِدُهُ وَهَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ وَبِسْمِ اللَّهِ إلَخْ اسْتِئْنَافٌ
لِلرَّدِّ عَلَى الْمُخَالِفِ وَإِلَّا فَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ
قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ لِأَنَّ مُسَمَّاهَا هَذِهِ الْأَلْفَاظُ
الشَّامِلَةُ لِلْبَسْمَلَةِ كَمَا قَالَهُ ع ش.
قَوْلُهُ: (سَبْعَ آيَاتٍ) بَيَانُ عَدِّهَا أَنَّ الْبَسْمَلَةَ آيَةٌ،
وَصِرَاطَ الَّذِينَ إلَخْ آيَةٌ، وَالْبَاقِي خَمْسَةٌ وَعَدُّهَا ظَاهِرٌ
وَهِيَ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] آيَةٌ وَ
{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] آيَةٌ وَ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}
[الفاتحة: 4] آيَةٌ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهَا صِفَةً لِلَّهِ لِأَنَّهُ
يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ الثَّلَاثِ وَقْفًا
كَافِيًا غَيْرَ تَامٍّ. قَالَ الطِّيبِيُّ:
وَاللَّفْظُ إنْ تَمَّ وَلَا تَعَلُّقًا ... تَامٌّ وَكَافٍ إنْ بِمَعْنًى
عُلِّقَا
فَالْآيَةُ الْأُولَى لَهَا تَعَلُّقٌ بِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ
لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صِفَةٌ لِلَّهِ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَذْكُرْ
الْبَسْمَلَةَ فَبَيَانُ السَّبْعَةِ أَنَّ صِرَاطَ الَّذِينَ إلَى
عَلَيْهِمْ آيَةٌ، وَمِنْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ إلَخْ آيَةٌ، وَالْبَاقِي
خَمْسَةٌ عَدُّهَا ظَاهِرٌ قَوْلُهُ: «إذَا قَرَأْتُمْ» أَيْ أَرَدْتُمْ
قِرَاءَتَهَا
قَوْلُهُ: (وَهِيَ آيَةٌ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي
الْبَيَانِ: يَنْبَغِي لِكُلِّ قَارِئٍ الْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا خُصُوصًا
أَرْبَابَ الْوَظَائِفِ وَالْأَسْبَاعِ وَالْأَجْزَاءِ لِيَسْتَحِقَّ مَا
يَأْخُذُهُ يَقِينًا، فَإِنَّهُ إذَا أَخَلَّ بِهَا لَمْ يَسْتَحِقَّ
شَيْئًا مِنْ الْجَعْلِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ الْبَسْمَلَةُ مِنْ أَوَائِلِ
السُّوَرِ، وَهَذِهِ دَقِيقَةٌ يَتَأَكَّدُ الِاعْتِنَاءُ بِهَا
وَإِشَاعَتُهَا اهـ. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ وَلَا
الْقِسْطَ، غَيْرَ أَنَّ م ر قَالَ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ: إنَّهُ
يَسْتَحِقُّ الْقِسْطَ فِي الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ إذَا اُسْتُؤْجِرَ
لِقِرَاءَةِ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ فَأَسْقَطَ الْبَسْمَلَةَ. قَالَ
شَيْخُنَا: يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ هَذَا مُخِلٌّ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ
وَلَا كَذَلِكَ الْإِجَارَةُ اهـ اج. وَعِبَارَةُ شَيْخِنَا
الْمَدَابِغِيِّ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْقَارِئُ شَيْئًا مِنْ الْمَعْلُومِ
إذَا لَمْ يَأْتِ بِهَا أَوَائِلَ السُّوَرِ فِي الْوَظَائِفِ حَيْثُ كَانَ
الْوَاقِفُ يَرَى أَنَّهَا مِنْ أَوَائِلِ السُّوَرِ لِمُخَالَفَتِهِ
شَرْطَ الْوَاقِفِ لِنَصِّهِ عَلَى السُّورَةِ مَعَ اعْتِقَادِهِ أَنَّ
مِنْهَا الْبَسْمَلَةَ، وَأَمَّا مَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِقِرَاءَةِ سُورَةٍ
مَثَلًا فَلَمْ يَقْرَأْ الْبَسْمَلَةَ فَلَا يَسْتَحِقُّ إلَّا الْقِسْطَ
أَيْ فَيَنْقُصُ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ أُجْرَةِ مِثْلِ قِرَاءَةِ
الْبَسْمَلَةِ فَاحْفَظْهُ قَوْلُهُ: (إلَّا بَرَاءَةً) لَا خِلَافَ بَيْنَ
أَئِمَّةِ الْقُرْآنِ فِي تَرْكِ التَّسْمِيَةِ أَوَّلَ بَرَاءَةٍ سَوَاءٌ
ابْتَدَأَ بِهَا الْقَارِئُ أَوْ قَرَأَهَا بَعْدَ الْأَنْفَالِ.
وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ ذَلِكَ فَقِيلَ: لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَيَقَّنُوا
أَنَّهُمَا سُورَتَانِ بَلْ جَعَلُوهُمَا سُورَةً وَاحِدَةً، وَجُعِلَتْ
أَيْ بَرَاءَةٌ مَعَ الْأَنْفَالِ بِجَعْلِهِمَا سُورَةً وَاحِدَةً مِنْ
السَّبْعِ الطِّوَالِ، وَالْمُرَادُ بِالسَّبْعِ الطِّوَالِ الْبَقَرَةُ
وَآخِرُهَا بَرَاءَةٌ. وَقِيلَ: وَهُوَ الْأَقْوَى إنَّمَا لَمْ يُفْعَلْ
ذَلِكَ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ بِالسَّيْفِ كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ: سَأَلْت عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِمَ لَمْ تُكْتَبْ فِي
بَرَاءَةٍ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ؟ قَالَ: لِأَنَّ بِسْمِ
اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَمَانٌ، وَبَرَاءَةً لَيْسَ فِيهَا
أَمَانٌ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ بِالسَّيْفِ. قَالَ شَيْخُنَا
الْمَدَابِغِيِّ: فَتُكْرَهُ فِي أَوَّلِهَا. نَعَمْ إنْ قَصَدَ أَنَّهَا
مِنْهَا مَعَ الْعِلْمِ بِالْحَالِ حُرِّمَ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ
قَاسِمٍ عَلَى الْمَتْنِ، وَتُنْدَبُ فِي أَثْنَائِهَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ
خِلَافًا لِلشَّارِحِ وَابْنِ حَجَرٍ كَمَا فِي ق ل.
قَوْلُهُ: (لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ) دَلِيلٌ لِلْمُسْتَثْنَى
وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ قَوْلُهُ: (بِخَطِّهِ) أَيْ الْمُصْحَفِ، أَيْ
بِخَطٍّ مُمَاثِلٍ لِخَطِّهِ أَيْ بِمِدَادِهِ وَهِيَ الْمِدَادُ
الْأَسْوَدُ لَا بِخَطٍّ آخَرَ قَوْلُهُ: (دُونَ الْأَعْشَارِ) أَيْ دُونَ
مَا يُكْتَبُ عَلَى هَامِشِ الْمُصْحَفِ مِنْ لَفْظِ عُشْرِ حِزْبٍ.
(2/23)
يَحْمِلُ عَلَى اعْتِقَادِ مَا لَيْسَ
بِقُرْآنٍ قُرْآنًا، وَلَوْ كَانَتْ لِلْفَصْلِ كَمَا قِيلَ لَثَبَتَتْ فِي
أَوَّلِ بَرَاءَةٍ وَلَمْ تَثْبُتْ فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ.
فَإِنْ قِيلَ: الْقُرْآنُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالتَّوَاتُرِ. أُجِيبَ
بِأَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَا يَثْبُتُ قُرْآنًا قَطْعًا، أَمَّا مَا يَثْبُتُ
قُرْآنًا حُكْمًا فَيَكْفِي فِيهِ الظَّنُّ كَمَا يَكْفِي فِي كُلِّ
ظَنِّيٍّ، وَأَيْضًا إثْبَاتُهَا فِي الْمُصْحَفِ بِخَطِّهِ مِنْ غَيْرِ
نَكِيرٍ فِي مَعْنَى التَّوَاتُرِ.
فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَتْ قُرْآنًا لَكُفِّرَ جَاحِدُهَا. أُجِيبَ
بِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ قُرْآنًا لَكُفِّرَ مُثْبِتُهَا، وَأَيْضًا
التَّكْفِيرُ لَا يَكُونُ بِالظَّنِّيَّاتِ وَهِيَ آيَةٌ مِنْ أَوَّلِ
الْفَاتِحَةِ قَطْعًا وَكَذَا فِيمَا عَدَا بَرَاءَةً مِنْ بَاقِي
السُّوَرِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يُصَلِّيَهَا بِالْحَمْدُ
لِلَّهِ وَأَنْ يَجْهَرَ بِهَا حَيْثُ يُشْرَعُ الْجَهْرُ بِالْقِرَاءَةِ.
فَائِدَةٌ: مَا أُثْبِتَ فِي الْمُصْحَفِ الْآنَ مِنْ أَسْمَاءِ السُّوَرِ
وَالْأَعْشَارِ شَيْءٌ ابْتَدَعَهُ الْحَجَّاجُ فِي زَمَنِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَطِّهِ، وَإِنَّمَا يُكْتَبُ بِمِدَادٍ أَحْمَرَ
وَهَذَا مِنْ ابْتِدَاعِ الْحَجَّاجِ، وَأَمَّا أَسْمَاءُ السُّوَرِ فَهُوَ
تَوْقِيفٌ وَمَعَ كَوْنِ ذَلِكَ بِدْعَةً فَلَيْسَ مُحَرَّمًا وَلَا
مَكْرُوهًا بِخِلَافِ نَقْطِ الْمُصْحَفِ وَشَكْلِهِ فَإِنَّهُ بِدْعَةٌ
أَيْضًا لَكِنَّهُ سُنَّةٌ قَوْلُهُ: (وَالتَّعَوُّذِ) أَيْ وَدُونَ
التَّعَوُّذِ فَإِنَّهُ لَمْ يُكْتَبْ أَصْلًا لَا بِخَطِّ الْمُصْحَفِ
وَلَا بِمِدَادٍ أَحْمَرَ قَوْلُهُ: (فَلَوْ لَمْ تَكُنْ قُرْآنًا) أَيْ
مِنْ كُلِّ سُورَةٍ هَذَا مَحَلُّ الْخِلَافِ، أَمَّا كَوْنُهَا قُرْآنًا
فِي ذَاتِهَا فَلَا خِلَافَ فِيهِ قَوْلُهُ: (فَإِنْ قِيلَ الْقُرْآنُ
إلَخْ) هَذَا سُؤَالٌ مِنْ قِبَلِ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ
قَوْلُهُ: (حُكْمًا) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْعَمَلُ بِهِ كَمَا مَرَّ ق ل أَيْ
لَا مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَتْ قُرْآنًا) أَيْ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ
لِأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا وَقَعَ فِيهِ وَلَا شَكَّ فِي كَوْنِهَا
قُرْآنًا اط ف. وَمَا يَقَعُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ مَنْ يُنْكِرُ
الْبَسْمَلَةَ يُكَفَّرُ لَيْسَ مُسَلَّمًا عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ فِيهِ
تَفْصِيلٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ أَنْكَرَ كَوْنَهَا قُرْآنًا يُكَفَّرُ
لِأَنَّهَا آيَةٌ مِنْ سُورَةِ النَّمْلِ، وَإِنْ أَنْكَرَ كَوْنَهَا مِنْ
أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ لَا يُكَفَّرُ، فَلَوْ لَمْ تَكُنْ قُرْآنًا
لَكُفِّرَ مُثْبِتُهَا فَجَوَابُنَا مُعَارَضَةٌ بِالْمِثْلِ. وَقَوْلُهُ
وَأَيْضًا إلَخْ جَوَابٌ آخَرُ لَكِنَّ الْجَوَابَ الْأَوَّلَ بِالْمَنْعِ
وَالثَّانِي بِالتَّسْلِيمِ قَوْلُهُ: (وَهِيَ آيَةٌ مِنْ أَوَّلِ
الْفَاتِحَةِ قَطْعًا) هُوَ مُنْتَقَدٌ فَإِنَّ مَنْ قَالَ إنَّهَا
لَيْسَتْ مِنْ الْقُرْآنِ وَإِنَّمَا هِيَ لِلْفَصْلِ بَيْنَ السُّوَرِ
أَيْ أَوْ بَيْنَ تَمَامِ الْخَتْمَةِ وَالشُّرُوعِ فِي أُخْرَى لَا يَرَى
أَنَّهَا مِنْ الْفَاتِحَةِ. إلَّا أَنْ يُقَالَ مُرَادُهُ اتِّفَاقًا
بَيْنَ الشَّافِعِيَّةِ. اهـ. م د فَهُوَ اتِّفَاقٌ مَذْهَبِيٌّ قَوْلُهُ:
(وَالسُّنَّةُ أَنْ يَصِلَهَا بِالْحَمْدُ لِلَّهِ) وَجْهُ ذَلِكَ دَفْعُ
قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّهَا فَاصِلَةٌ ق ل. فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ إنَّ
كُلَّ آيَةٍ كَامِلَةٍ يُنْدَبُ الْوَقْفُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقِفُ عَلَى رُءُوسِ الْآيِ،
وَالْمُعْتَمَدُ كَمَا قَرَّرَهُ الطُّوخِيُّ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ
الْوَصْلُ، وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلِ الشَّارِحِ وَالسُّنَّةُ
إلَخْ ضَعِيفٌ. وَالْمُعْتَمَدُ سَنُّ الْوَقْفِ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا
آيَةٌ كَامِلَةٌ وَالْآيَةُ الْكَامِلَةُ يُسَنُّ الْوَقْفُ عَلَيْهَا
كَمَا فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلُهُ:
(وَالْأَعْشَارِ) وَكَذَا الْأَحْزَابُ وَأَنْصَافُهَا وَأَرْبَاعُهَا
وَغَيْرُ ذَلِكَ ابْتَدَعَهُ الْحَجَّاجُ، وَهُوَ بِدْعَةٌ غَيْرُ
مُحَرَّمَةٍ وَلَا مَكْرُوهَةٍ، وَهِيَ مِثْلُ نَقْطِ الْمُصْحَفِ
وَشَكْلِهِ فَهُوَ بِدْعَةٌ أَيْضًا لَكِنَّهُ سُنَّةٌ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِي ابْتَدَعَهُ الْحَجَّاجُ بِالنِّسْبَةِ
لِأَسْمَاءِ السُّوَرِ إنَّمَا هُوَ الْإِثْبَاتُ فَقَطْ، أَيْ إثْبَاتُهَا
فِي الْمُصْحَفِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ. وَأَمَّا أَسْمَاءُ السُّوَرِ
فَلَمْ يَبْتَدِعْهُ بَلْ هُوَ بِتَوْقِيفٍ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ أَسْمَاءَ السُّوَرِ وَتَرْتِيبَهَا
وَتَرْتِيبَ الْآيَاتِ كُلٌّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ بِتَوْقِيفٍ مِنْ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَهُ جِبْرِيلُ -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنَّهَا هَكَذَا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ،
وَأَمَّا عَدَدُ الْآيَاتِ فَلَيْسَ بِتَوْقِيفٍ مِنْ النَّبِيِّ إلَى
آخِرِهِ وَلِذَا وَقَعَ اخْتِلَافٌ فِي عَدِّهَا بَيْنَ الْبَصْرِيِّينَ
وَالْكُوفِيِّينَ، وَلِذَا يَتَّفِقُ أَنْ يَقُولَ الْمُفَسِّرُونَ هَذِهِ
السُّورَةُ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ آيَةً مَثَلًا أَوْ مِائَةٌ وَاثْنَانِ
وَخَمْسُونَ آيَةً مَثَلًا فَتَأَمَّلْ. ذَكَرَ ذَلِكَ الْحَافِظُ
السُّيُوطِيّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالتَّحْبِيرِ فِي عِلْمِ
التَّفْسِيرِ وَغَيْرِهِ. فَأَسْمَاءُ السُّوَرِ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ
الْحَجَّاجُ كِتَابَتَهَا فِي الْمَصَاحِفِ كَانَ النَّاسُ يَعْرِفُونَهَا
مِنْ غَيْرِ إثْبَاتِهَا فِي الْمَصَاحِفِ فَائِدَةٌ نَقَلَهَا الْإِمَامُ
أَبُو الْفَضْلِ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خَمْسُ مَسَائِلَ
يَنْبَغِي لِلْقَارِئِ أَنْ يَعْلَمَهَا: الْأُولَى إذَا شَكَّ فِي حَرْفٍ
هَلْ هُوَ بِالْيَاءِ أَوْ بِالتَّاءِ فَلْيَقْرَأْ بِالْيَاءِ فَإِنَّ
الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ مُذَكَّرٌ. الثَّانِيَةُ: إذَا شَكَّ فِي حَرْفٍ
لَمْ يَعْلَمْ أَمَهْمُوزٌ هُوَ أَمْ غَيْرُ مَهْمُوزٍ
(2/24)
وَيَجِبُ رِعَايَةُ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ،
فَلَوْ أَتَى قَادِرٌ أَوْ مَنْ أَمْكَنَهُ التَّعَلُّمُ بَدَلَ حَرْفٍ
مِنْهَا بِآخَرَ لَمْ تَصِحَّ قِرَاءَتُهُ لِتِلْكَ الْكَلِمَةِ
لِتَغْيِيرِهِ النَّظْمَ، وَلَوْ أَبْدَلَ ذَالَ الَّذِينَ الْمُعْجَمَةِ
بِالْمُهْمَلَةِ لَمْ تَصِحَّ كَمَا اقْتَضَى إطْلَاقُ الرَّافِعِيِّ
وَغَيْرِهِ الْجَزْمَ بِهِ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ،
وَكَذَا لَوْ أَبْدَلَ حَاءَ {الْحَمْدُ لِلَّهِ} [الفاتحة: 2] بِالْهَاءِ،
وَلَوْ نَطَقَ بِالْقَافِ مُتَرَدِّدَةً بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْكَافِ كَمَا
تَنْطِقُ بِهِ الْعَرَبُ صَحَّ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ
الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ فِيهِ نَظَرٌ
وَيَجِبُ رِعَايَةُ تَشْدِيدَاتِهَا الْأَرْبَعَ عَشْرَةَ مِنْهَا ثَلَاثٌ
فِي الْبَسْمَلَةِ، فَلَوْ خَفَّفَ مِنْهَا تَشْدِيدَةً بَطَلَتْ قِرَاءَةُ
تِلْكَ الْكَلِمَةِ لِتَغْيِيرِهِ النَّظْمَ، وَلَوْ شَدَّدَ الْمُخَفَّفَ
أَسَاءَ وَأَجْزَأَهُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَيَجِبُ رِعَايَةُ
تَرْتِيبِهَا بِأَنْ يَأْتِيَ بِهَا عَلَى نَظْمِهَا الْمَعْرُوفِ
لِأَنَّهُ مَنَاطُ الْبَلَاغَةِ وَالْإِعْجَازِ، فَلَوْ بَدَأَ بِنِصْفِهَا
الثَّانِي لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ وَيَبْنِي عَلَى الْأَوَّلِ إنْ سَهَا
بِتَأْخِيرِهِ وَلَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ، يَسْتَأْنِفُ إنْ تَعَمَّدَ أَوْ
طَالَ الْفَصْلُ وَيَجِبُ رِعَايَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
فَإِنْ تَرَكَ الْهَمْزَ فِي كُلِّ الْقُرْآنِ لَمْ يَلْحَنْ، وَإِنْ
هَمَزَ مَا لَيْسَ بِمَهْمُوزٍ لَحَنَ. الثَّالِثَةُ: إذَا شَكَّ فِي
حَرْفٍ لَمْ يَعْلَمْ هَلْ هُوَ مَقْطُوعٌ أَوْ مَوْصُولٌ فَلْيَقْرَأْ
بِالْوَصْلِ، فَإِنَّهُ إنْ قَرَأَ كُلَّ مَقْطُوعٍ فِي الْقُرْآنِ
بِالْوَصْلِ لَمْ يَلْحَنْ، وَإِنْ قَطَعَ مَوْصُولًا لَحَنَ.
الرَّابِعَةُ: إذَا شَكَّ فِي حَرْفٍ لَمْ يَعْلَمْ هَلْ هُوَ مَمْدُودٌ
أَوْ مَقْصُورٌ فَلْيَقْرَأْ بِالْقَصْرِ، فَلَوْ أَنَّهُ قَصَرَ كُلَّ
مَمْدُودٍ فِي الْقُرْآنِ لَمْ يَلْحَنْ، وَإِنْ مَدَّ مَقْصُورًا لَحَنَ.
الْخَامِسَةُ: إذَا شَكَّ فِي حَرْفٍ لَمْ يَعْلَمْ هَلْ هُوَ مَفْتُوحٌ
أَوْ مَكْسُورٌ فَلْيَقْرَأْ بِالْفَتْحِ، فَلَوْ أَنَّهُ فَتَحَ كُلَّ
مَكْسُورٍ فِي الْقُرْآنِ لَمْ يَلْحَنْ، وَإِنْ كَسَرَ مَفْتُوحًا لَحَنَ
فَمَدَارُ الْقُرْآنِ عَلَى هَذِهِ الْخَمْسَةِ الْأَحْرُفِ اهـ
قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ رِعَايَةُ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ) حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ
أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ، وَلَهَا شُرُوطٌ غَيْرُ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ:
(أَوْ مَنْ أَمْكَنَهُ) أَيْ عَاجِزٌ أَمْكَنَهُ التَّعَلُّمُ إلَخْ
قَوْلُهُ: (لَمْ تَصِحَّ قِرَاءَتُهُ) أَيْ وَيَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ
الْقِرَاءَةِ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إلَّا إنْ غَيَّرَ الْمَعْنَى
وَكَانَ عَامِدًا عَالِمًا ق ل كَالْهَمْدُ بِالْهَاءِ بَدَلَ الْحَاءِ،
وَالدِّينَ بِالْمُهْمَلَةِ أَوْ الزَّايِ، وَمِثَالُ مَا لَا يُغَيِّرُ
كَالْعَالَمُونَ بَدَلَ الْعَالَمِينَ، وَمِثْلُهُ رَفْعُ هَاءِ الْحَمْدُ
لِلَّهِ. وَفَتْحُ دَالِ نَعْبُدُ وَكَسْرُ بَائِهَا وَنُونِهَا لِبَقَاءِ
الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ الْمُتَعَمِّدُ لِذَلِكَ آثِمًا، وَضَمُّ صَادِ
الصِّرَاطِ وَهَمْزَةِ اهْدِنَا وَإِنْ لَمْ تُسَمِّهِ النُّحَاةُ لَحْنًا،
فَإِنَّ اللَّحْنَ عِنْدَهُمْ كَاللُّغَوِيِّينَ تَغْيِيرُ الْإِعْرَابِ
وَالْخَطَأُ فِيهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْأَعَمُّ فَيَشْمَلُ
إبْدَالَ حَرْفٍ بِآخَرَ، وَالْمُرَادُ بِتَغْيِيرِ الْمَعْنَى أَنْ
يَنْقُلَ مَعْنَى الْكَلِمَةِ إلَى مَعْنًى آخَرَ كَضَمِّ تَاءِ أَنْعَمْتَ
وَكَسْرِهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَعْنًى أَصْلًا كَالدِّينَ
بِالدَّالِ. اهـ. مَدَابِغِيٌّ عَلَى التَّحْرِيرِ. وَقَوْلُهُ:
كَالْعَالَمُونَ قَالَ سم فِي حَوَاشِي ابْنِ حَجَرٍ: وَيَدْخُلُ فِي
ذَلِكَ إبْدَالٌ لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى، كَالْعَالَمُونَ بِالْوَاوِ
فَيُفِيدُ أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ وَالتَّعَمُّدِ
وَالْعِلْمِ، وَفِيهِ نَظَرٌ وَإِنْ كَانَ نَظِيرَ مَا أَفَادَهُ
كَلَامُهُمْ فِي اللَّحْنِ الَّذِي لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى مِنْ عَدَمِ
بُطْلَانِ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا، وَقَدْ قَالَ م ر بِالْبُطْلَانِ
انْتَهَى. أَيْ إنْ تَعَمَّدَ قَالَ شَيْخُنَا: وَعَلَيْهِ فَيُفَرَّقُ
بِأَنَّ " الْعَالَمُونَ " وَإِنْ لَمْ تُغَيِّرْ الْمَعْنَى إلَّا
أَنَّهَا صَارَتْ كَلِمَةً أَجْنَبِيَّةً انْتَهَى أُجْهُورِيٌّ وَفِيهِ
إبْدَالُ حَرْفٍ بِآخَرَ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَبْدَلَ ذَالَ الَّذِينَ إلَخْ) الْأَوْلَى
التَّفْرِيعُ قَوْلُهُ: (وَلَوْ نَطَقَ) أَيْ الْقَادِرُ بِالْقَافِ إلَخْ
وَقَوْلُهُ كَمَا نَطَقَ بِهَا الْعَرَبُ أَيْ أَجْلَافُهُمْ، أَمَّا
الْفُصَحَاءُ مِنْهُمْ فَلَا يَنْطِقُونَ بِذَلِكَ بَابِلِيٌّ قَوْلُهُ:
(صَحَّ مَعَ الْكَرَاهَةِ) وَوَجْهُ الصِّحَّةِ حِينَئِذٍ أَنَّ ذَلِكَ
لَيْسَ بِإِبْدَالِ حَرْفٍ بَلْ هِيَ قَافٌ غَيْرُ خَالِصَةٍ كَمَا
اعْتَمَدَهُ م ر خِلَافًا لحج فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَوْ نَطَقَ بِقَافِ
الْعَرَبِ الْمُتَرَدِّدَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْكَافِ بَطَلَتْ إلَّا
إنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ التَّعَلُّمُ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ.
قَوْلُهُ: (الْأَرْبَعَ عَشَرَةَ) فَلَوْ زَادَ فِيهَا بِأَنْ أَدْغَمَ
مِيمَ الرَّحِيمِ فِي مِيمِ مَالِكِ لَمْ يَضُرَّ كَمَا فِي الْحَلَبِيِّ،
لَكِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْعَامِدِ الْعَالِمِ بِنَاءً عَلَى مَا
اعْتَمَدَهُ م ر مِنْ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى السَّبْعَةِ شَاذٌّ كَمَا
عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَتَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ إنْ غُيِّرَ الْمَعْنَى،
وَأَمَّا الْإِدْغَامُ مَعَ إسْقَاطِ أَلِفِ مَالِكِ فَسَبُعِيَّةٌ
أَفَادَهُ الشَّمْسُ الْحِفْنِيُّ قَوْلُهُ: (بَطَلَتْ قِرَاءَةُ تِلْكَ
الْكَلِمَةِ) وَكَذَا صَلَاتُهُ إنْ غَيَّرَ الْمَعْنَى وَعَلِمَ
وَتَعَمَّدَ كَتَخْفِيفِ إيَّاكَ بَلْ إنْ اعْتَقَدَ مَعْنَاهُ كَفَرَ
لِأَنَّهُ اسْمٌ لِضَوْءِ الشَّمْسِ ق ل. فَإِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ
جَاهِلًا أَعَادَ الْقِرَاءَةَ عَلَى الصَّوَابِ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ كَمَا
قَالَهُ م ر. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إعَادَةِ الْقِرَاءَةِ
عَلَى الصَّوَابِ، فَإِنْ رَكَعَ عَامِدًا عَالِمًا قَبْلَ إعَادَتِهَا
بَطَلَتْ صَلَاتُهُ قَوْلُهُ: (وَلَوْ شَدَّدَ الْمُخَفَّفَ أَسَاءَ
وَأَجْزَأَهُ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ اللَّحْنَ الَّذِي لَا يُغَيِّرُ
الْمَعْنَى وَلَيْسَ فِيهِ إبْدَالُ حَرْفٍ بِآخَرَ لَا يَضُرُّ قَوْلُهُ:
(وَالْإِعْجَازِ) عَطْفُ سَبَبٍ عَلَى مُسَبِّبٍ قَوْلُهُ: (لَمْ يُعْتَدَّ
بِهِ) أَيْ مُطْلَقًا قَوْلُهُ: (إنْ سَهَا بِتَأْخِيرِهِ) أَيْ
بِتَأْخِيرِ الْأَوَّلِ أَيْ وَقَصَدَ بِهِ أَيْ بِالْأَوَّلِ
الِاسْتِئْنَافَ أَوْ أَطْلَقَ لَا التَّكْمِيلَ كَمَا يَأْتِي قَوْلُهُ:
(وَلَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ) أَيْ بَيْنَ الْإِتْيَانِ
(2/25)
مُوَالَاتِهَا بِأَنْ يَأْتِيَ
بِكَلِمَاتِهَا عَلَى الْوَلَاءِ لِلِاتِّبَاعِ مَعَ خَبَرِ: «صَلُّوا
كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» فَيَقْطَعُهَا تَخَلُّلُ ذِكْرٍ وَإِنْ
قَلَّ، وَسُكُوتٌ طَالَ عُرْفًا بِلَا عُذْرٍ فِيهِمَا، أَوْ سُكُوتٌ
قُصِدَ بِهِ قَطْعُ الْقِرَاءَةِ لِإِشْعَارِ ذَلِكَ بِالْإِعْرَاضِ عَنْ
الْقِرَاءَةِ بِخِلَافِ سُكُوتٍ قَصِيرٍ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْقَطْعَ أَوْ
طَوِيلٍ، أَوْ تَخَلُّلِ ذِكْرٍ بِعُذْرٍ مِنْ جَهْلٍ أَوْ سَهْوٍ أَوْ
إعْيَاءٍ، أَوْ تَعَلُّقِ ذِكْرٍ بِالصَّلَاةِ كَتَأْمِينِهِ لِقِرَاءَةِ
إمَامِهِ وَفَتْحِهِ عَلَيْهِ إذَا تَوَقَّفَ فِيهَا، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ
جَمِيعِ الْفَاتِحَةِ لِعَدَمِ مُعَلِّمٍ أَوْ مُصْحَفٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ
فَسَبْعُ آيَاتٍ عَدَدُ آيَاتِهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
بِهِ وَالتَّكْمِيلِ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (إنْ تَعَمَّدَ) أَيْ
بِالتَّأْخِيرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا قَصَدَ التَّكْمِيلَ
كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ قَوْلُهُ: (أَوْ طَالَ الْفَصْلُ) أَيْ بَيْنَ
فَرَاغِهِ وَالتَّكْمِيلِ، أَيْ وَلَوْ بِعُذْرٍ وَفَارَقَ مَا يَأْتِي فِي
الْمُوَالَاةِ بِأَنَّ نَظَرَ الشَّارِعِ إلَى التَّرْتِيبِ أَكْمَلُ مِنْ
نَظَرِهِ إلَى الْمُوَالَاةِ لِأَنَّهُ مَنَاطُ الْإِعْجَازِ فَاحْتِيطَ
لَهُ أَكْثَرَ اهـ حَجّ. وَعِبَارَةُ الْمَرْحُومِيِّ قَوْلُهُ: أَوْ طَالَ
الْفَصْلُ بِأَنْ تَعَمَّدَ السُّكُوتَ لِمَا يَأْتِي أَنَّهُ سَهْوٌ لَا
يَضُرُّ وَإِنْ طَالَ حَجّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ قَصَدَ التَّكْمِيلَ
ضَرَّ سَوَاءٌ سَهَا بِالتَّأْخِيرِ أَمْ لَا، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ
التَّكْمِيلَ وَلَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ أَيْ بِلَا عُذْرٍ عَامِدًا عَالِمًا
لَمْ يَضُرَّ وَإِنْ لَمْ يَسْهُ بِالتَّأْخِيرِ اهـ.
وَقَالَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ: وَحَاصِلُ مَا يَتَعَلَّقُ بِقِرَاءَةِ
الْفَاتِحَةِ مَعَ عَدَمِ تَرْتِيبِهَا، هُوَ أَنَّ الشَّخْصَ إذَا قَرَأَ
نِصْفَهَا الثَّانِيَ أَوَّلَ مَرَّةٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ نَاسِيًا أَوْ
جَاهِلًا أَوْ مُتَعَمِّدًا أَوْ مُطْلَقًا فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ،
وَإِذَا قَرَأَ النِّصْفَ الْأَوَّلَ ثَانِيًا إمَّا أَنْ يَقْصِدَ
التَّكْمِيلَ أَوْ الِاسْتِئْنَافَ أَوْ يُطْلِقَ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ
أَحْوَالٍ تُضْرَبُ فِي الْأَرْبَعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ تَبْلُغُ ثِنْتَيْ
عَشْرَةَ صُورَةً. وَإِذَا قَرَأَ النِّصْفَ الْأَخِيرَ ثَالِثًا إمَّا
أَنْ يَطُولَ الْفَصْلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النِّصْفِ الْأَوَّلِ بِعُذْرٍ
أَوْ بِلَا عُذْرٍ أَوْ لَمْ يَطُلْ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ
تُضْرَبُ فِي اثْنَيْ عَشَرَ تَبْلُغُ الصُّوَرُ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ
وَكُلُّهَا غَيْرُ مُعْتَدٍ بِهَا إلَّا إذَا قَصَدَ بِالنِّصْفِ
الْأَوَّلِ الِاسْتِئْنَافَ أَوْ أَطْلَقَ، وَوَصَلَ النِّصْفَ الْأَوَّلَ
بِالْأَخِيرِ الَّذِي قَرَأَهُ ثَالِثًا أَوْ فَصَلَ وَطَالَ الْفَصْلُ
بِعُذْرٍ اهـ. وَفِي الْمَدَابِغِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ مَا نَصُّهُ:
وَالْحَاصِلُ إذًا أَنَّهُ لَمْ يُرَتِّبْ فَإِنْ غَيَّرَ الْمَعْنَى ضَرَّ
مُطْلَقًا وَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ مَعَ التَّعَمُّدِ وَالْعِلْمِ، وَإِنْ
لَمْ يُغَيَّرْ الْمَعْنَى فَلَا يُعْتَدُّ بِالْمُقَدَّمِ مُطْلَقًا،
وَأَمَّا الْمُؤَخَّرُ فَلَا يُبْنَى عَلَيْهِ إنْ قَصَدَ التَّكْمِيلَ
مُطْلَقًا أَيْ إنْ قَصَدَ أَنَّ الْمُؤَخَّرَ تَكْمِيلٌ لِمَا قَدَّمَهُ
فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ التَّكْمِيلَ فَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ عَمْدًا ضَرَّ
وَإِلَّا بَنَى.
فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وخ ط: فَلَوْ بَدَأَ بِنِصْفِهَا الثَّانِي لَمْ
يُعْتَدَّ بِهِ وَيَبْنِي عَلَى الْأَوَّلِ إنْ سَهَا بِتَأْخِيرِهِ، أَيْ
إنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّكْمِيلَ وَلَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ،
وَيَسْتَأْنِفُ إنْ تَعَمَّدَ أَيْ قَصَدَ التَّكْمِيلَ أَوْ طَالَ
الْفَصْلُ أَيْ عَمْدًا.
قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ رِعَايَةُ مُوَالَاتِهَا) وَهَلْ يَجْرِي ذَلِكَ فِي
الْبَدَلِ. قَالَ شَيْخُنَا: الْبَدَلُ يُعْطَى حُكْمَ الْمُبْدَلِ مِنْهُ
اهـ اج قَوْلُهُ: (بِلَا عُذْرٍ فِيهِمَا) وَالذِّكْرُ الَّذِي بِلَا
عُذْرٍ كَتَحْمِيدِ عَاطِسٍ أَيْ كَقَوْلِ الْعَاطِسِ فِي أَثْنَاءِ
الْفَاتِحَةِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَإِجَابَةِ مُؤَذِّنٍ لِأَنَّ ذَلِكَ
غَيْرُ مَسْنُونٍ فِيهَا، فَكَانَ مُشْعِرًا بِالْإِعْرَاضِ حَلَبِيٌّ.
وَعِبَارَةُ م ر: فَإِنْ تَخَلَّلَ ذِكْرُ أَجْنَبِيٍّ غَيْرِ مُتَعَلِّقٍ
بِالصَّلَاةِ قَطَعَ الْمُوَالَاةَ فَيُعِيدُهَا وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا
كَحَمْدِ عَاطِسٍ وَإِنْ سُنَّ خَارِجُهَا، وَكَإِجَابَةِ مُؤَذِّنٍ
لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِهَا لِمَصْلَحَتِهَا فَكَانَ مُشْعِرًا
بِالْإِعْرَاضِ، وَلِتَغْيِيرِهِ النَّظْمَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بِخِلَافِهِ
مَعَ النِّسْيَانِ فَلَا يَقْطَعُهَا بَلْ يَبْنِي قَوْلُهُ: (أَوْ سُكُوتٌ
قُصِدَ بِهِ قَطْعُ الْقِرَاءَةِ) وَإِنْ قَصَرَ قَوْلُهُ: (وَإِعْيَاءٍ)
هَذَا خَاصٌّ بِالسُّكُوتِ الطَّوِيلِ دُونَ تَخَلُّلِ الذِّكْرِ إذْ لَا
يَحْسُنُ جَعْلُ الْإِعْيَاءِ مِثَالًا لِتَخَلُّلِ الذِّكْرِ بِعُذْرٍ.
وَقَوْلُهُ كَتَأْمِينِهِ أَيْ وَسُؤَالِ الْجَنَّةِ إذَا سَمِعَ مِنْ
إمَامِهِ آيَتَهَا، وَالِاسْتِعَاذَةُ مِنْ النَّارِ كَذَلِكَ، وَصَلَاةٌ
عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا سَمِعَ مِنْ
إمَامِهِ آيَةَ اسْمِهِ. وَقَيَّدَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ بِالضَّمِيرِ
فَبِالظَّاهِرِ كَاللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ تَبْطُلُ الْمُوَالَاةُ
لِشَبَهِهِ بِالرُّكْنِ، وَبِهِ جُمِعَ التَّنَاقُضُ بَيْنَ كَلَامَيْ
الْبَجَلِيِّ وَالنَّوَوِيِّ. اهـ. ق ل.
قَوْلُهُ: (كَتَأْمِينِهِ لِقِرَاءَةِ إمَامِهِ) وَكَذَا سُجُودُ تِلَاوَةٍ
مَعَ الْإِمَامِ، وَخَرَجَ بِإِمَامِهِ غَيْرُهُ وَلَوْ مَأْمُومًا آخَرَ
فَتُقْطَعُ الْمُوَالَاةُ وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ فِي صُورَةِ السُّجُودِ إنْ
عَلِمَ وَتَعَمَّدَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. وَمِمَّا يَقْطَعُ الْمُوَالَاةَ
أَنْ يُسَبِّحَ لِمُسْتَأْذِنٍ عَلَيْهِ
قَوْلُهُ: (وَفَتْحِهِ عَلَيْهِ) أَيْ بِقَصْدِ الْقِرَاءَةِ وَلَوْ مَعَ
الْفَتْحِ وَإِلَّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ زِيَادِيٌّ بِأَنْ قَصَدَ الْفَتْحَ
أَوْ أَطْلَقَ،
(2/26)
يَأْتِي بِهَا وَلَوْ مُتَفَرِّقَةً لَا
تَنْقُصُ حُرُوفُهَا عَنْ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ
إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تُفِيدَ الْمُتَفَرِّقَةُ
مَعْنًى مَنْظُومًا أَمْ لَا كَ {ثُمَّ نَظَرَ} [المدثر: 21] . قَالَ فِي
الْمَجْمُوعِ: وَهُوَ أَيْ الثَّانِي الْمُخْتَارُ كَمَا أَطْلَقَهُ
الْجُمْهُورُ وَاخْتَارَ الْإِمَامُ الْأَوَّلَ وَأَقَرَّهُ فِي
الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالثَّانِي هُوَ الْقِيَاسُ.
وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الْمُخْتَارُ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ
وَإِطْلَاقُهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ، ثُمَّ مَا اخْتَارَهُ
الشَّيْخُ أَيْ النَّوَوِيُّ إنَّمَا يَنْقَدِحُ إذَا لَمْ يُحْسِنْ غَيْرَ
ذَلِكَ، أَمَّا مَعَ حِفْظِهِ آيَاتٍ مُتَوَالِيَةً أَوْ مُتَفَرِّقَةً
مُنْتَظِمَةَ الْمَعْنَى فَلَا وَجْهَ لَهُ وَإِنْ شَمِلَهُ إطْلَاقُهُمْ
انْتَهَى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
وَالْمُرَادُ بِفَتْحِهِ عَلَيْهِ تَلْقِينُهُ الَّذِي تَوَقَّفَ فِيهِ
قَوْلُهُ: (إذَا تَوَقَّفَ فِيهَا) أَيْ الْقِرَاءَةِ وَلَوْ غَيْرِ
الْفَاتِحَةِ وَهَذَا قَيْدٌ خَرَجَ بِهِ مَا إذَا لَمْ يَتَوَقَّفْ
فَفَتَحَ عَلَيْهِ فَتَنْقَطِعُ الْمُوَالَاةُ. مَسْأَلَةٌ: إذَا كَرَّرَ
آيَةً مِنْ نَفْسِ الْفَاتِحَةِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الْفَتَاوَى:
إنْ كَثُرَ تَكْرَارُهَا بِحَيْثُ طَالَ الْفَصْلُ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ.
وَقَالَ فِي الْبَيَانِ: إنْ كَانَتْ أَوَّلَ آيَةٍ مِنْ الْفَاتِحَةِ أَوْ
آخِرَ آيَةٍ مِنْ الْفَاتِحَةِ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ
وَسَطِهَا فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ أَنَّهُ كَمَا لَوْ قَرَأَ
فِي خِلَالِهَا غَيْرَهَا، فَإِنْ كَانَ عَامِدًا بَطَلَتْ قِرَاءَتُهُ،
وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا بَنَى عَلَيْهَا. وَقَالَ فِي التَّتِمَّةِ: إذَا
رَدَّدَ آيَةً مِنْ الْفَاتِحَةِ فَإِنْ رَدَّدَ الْآيَةَ الَّتِي هُوَ فِي
تِلَاوَتِهَا وَتَلَا الْبَاقِيَ فَالْقِرَاءَةُ صَحِيحَةٌ، وَإِنْ أَعَادَ
بَعْضَ الْآيَاتِ الَّتِي فَرَغَ مِنْ تِلَاوَتِهَا مِثْلُ أَنْ وَصَلَ
إلَى قَوْلِهِ {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7]
فَعَادَ إلَى قَوْلِهِ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] إنْ أَعَادَ
الْقِرَاءَةَ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي عَادَ إلَيْهِ عَلَى الْوَجْهِ
الْمَذْكُورِ كَانَتْ الْقِرَاءَةُ مَحْسُوبَةً، وَإِنْ أَعَادَ قِرَاءَةَ
هَذِهِ الْآيَةِ ثُمَّ عَادَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي انْتَهَى إلَيْهِ
لَمْ تُحْسَبْ لَهُ الْقِرَاءَةُ وَعَلَيْهِ الِاسْتِئْنَافُ، وَقَالَ فِي
الْبَسِيطِ: إذَا كَرَّرَهَا لِشَكِّهِ فِي إتْيَانِهِ بِهَا عَلَى
وَجْهِهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ، وَلَوْ كَرَّرَ قَصْدًا
مِنْ غَيْرِ تَسَبُّبٍ تَرَدَّدَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي إلْحَاقِهِ
بِالرُّكْنِ الْيَسِيرِ فِي انْقِطَاعِ الْمُوَالَاةِ. وَقَالَ الْإِمَامُ:
الَّذِي أَرَاهُ أَنَّ وَلَاءَ الْفَاتِحَةِ لَا يَنْقَطِعُ بِتَكْرَارِ
كَلِمَةٍ مِنْهَا كَيْفَ فُرِضَ الْأَمْرُ اهـ ابْنُ الْعِمَادِ فِي
الْقَوْلُ التَّامُّ فِي الْمَأْمُومِ وَالْإِمَامِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ) كَبَلَادَةٍ وَضِيقِ وَقْتٍ قَوْلُهُ:
(عَنْ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ) وَهِيَ بِالْبَسْمَلَةِ مِائَةٌ وَسِتَّةٌ
وَخَمْسُونَ حَرْفًا بِإِثْبَاتِ أَلِفِ مَالِكِ، وَعَدِّ الْمُشَدَّدِ
بِحَرْفَيْنِ، وَيُغْنِي عَنْ الْمُشَدَّدِ مِنْ الْفَاتِحَةِ حَرْفَانِ
مِنْ الْبَدَلِ لَا عَكْسُهُ فَلَا يُقَامُ الْمُشَدَّدُ مِنْ الْبَدَلِ
مَقَامَ حَرْفَيْنِ مِنْ الْفَاتِحَةِ كَمَا قَالَهُ ح ل. وَالْمُرَادُ
أَنَّ الْمَجْمُوعَ لَا يَنْقُصُ عَنْ الْمَجْمُوعِ لَا أَنَّ كُلَّ آيَةٍ
مِنْ الْبَدَلِ قَدْرُ آيَةٍ مِنْ الْفَاتِحَةِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (لَا فَرْقَ) مُعْتَمَدٌ قَوْلُهُ (كَثُمَّ نَظَرَ) أَيْ مَعَ
سِتَّةٍ قَبْلَهَا لَا تُفِيدُ مَعْنًى مَنْظُومًا. وَكَانَ الْأَوْلَى
التَّمْثِيلَ بِفَوَاتِحِ السُّوَرِ لِأَنَّ {ثُمَّ نَظَرَ} [المدثر: 21]
جُمْلَةٌ مِنْ فِعْلٍ وَفَاعِلٍ فَيُقَالُ: إنَّهَا تُفِيدُ مَعْنًى
مَنْظُومًا لِأَنَّ قَوْلَهُ {ثُمَّ نَظَرَ} [المدثر: 21] أَيْ الْوَلِيدُ
بْنُ الْمُغِيرَةِ لَعَنَهُ اللَّهُ، وَعَدَمُ إفَادَتِهِ الْمَعْنَى
الْمَنْظُومَ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي فَوَاتِحِ السُّوَرِ ك الم والمر وحم،
وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَإِنَّ الصَّحِيحَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْجَلَالُ
فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُ مِنْ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي اسْتَأْثَرَ اللَّهُ
بِعِلْمِهِ. وَقَوْلُهُ كَثُمَّ نَظَرَ أَيْ فِي أَمْرِ الْقُرْآنِ مَرَّةً
بَعْدَ أُخْرَى، {ثُمَّ عَبَسَ} [المدثر: 22] قَطَّبَ وَجْهَهُ أَيْ
قَلَّصَهُ وَكَمَشَهُ وَجَمَعَهُ بِعَرْقَصَةٍ لَمَّا لَمْ يَجِدْ فِيهِ
طَعْنًا وَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ قَوْلُهُ: (قَالَ) أَيْ النَّوَوِيُّ
فِي الْمَجْمُوعِ قَوْلُهُ: (وَهُوَ أَيْ الثَّانِي) فِيهِ أَنَّ
الشَّارِحَ لَمْ يَذْكُرْ إلَّا شِقًّا وَاحِدًا وَهُوَ عَدَمُ الْفَرْقِ،
فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ تُفِيدَ
الْمُتَفَرِّقَةُ مَعْنًى مَنْظُومًا أَوْ لَا إلَخْ تَأَمَّلْ. وَقَالَ
شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ قَوْلُهُ: أَيْ الثَّانِي مُرَادُهُ الثَّانِي
فِي كَلَامِ الْمَجْمُوعِ وَهُوَ عَدَمُ الْفَرْقِ، وَالْأَوَّلُ فِي
كَلَامِهِ الْفَرْقُ قَوْلُهُ: (الْأَوَّلُ) وَهُوَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ
أَنْ تُفِيدَ الْمُتَفَرِّقَةُ مَعْنًى مَنْظُومًا قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي
هُوَ الْقِيَاسُ) وَهُوَ كَوْنُهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْآيَاتِ أَنْ
تُفِيدَ مَعْنًى مَنْظُومًا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَمِنْهَا فَوَاتِحُ
السُّوَرِ وَالْجَمْعُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ ق ل
قَوْلُهُ: (هُوَ الْقِيَاسُ) أَيْ عَلَى حُرْمَةِ قِرَاءَةِ غَيْرِ
الْمَنْظُومَةِ عَلَى الْجُنُبِ كَمَا فِي م ر قَوْلُهُ: (مَحْمُولٌ عَلَى
الْغَالِبِ) أَيْ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يُحْفَظُ إلَّا مَا لَهُ
مَعْنًى مَنْظُومٌ قَوْلُهُ: (ثُمَّ مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ) مِنْ
أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ انْتِظَامُ الْمَعْنَى وَهُوَ مِنْ كَلَامِ
الْأَذْرَعِيِّ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ: (إنَّمَا
يَنْقَدِحُ) أَيْ يَظْهَرُ قَوْلُهُ: (وَهَذَا يُشْبِهُ إلَخْ) أَيْ حُمِلَ
عَدَمُ الْفَرْقِ عَلَى مَنْ لَمْ يُحْسِنْ مَا لَهُ مَعْنًى مَنْظُومٌ،
(2/27)
وَهَذَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ جَمْعًا
بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ.
وَمَنْ يُحْسِنُ بَعْضَ الْفَاتِحَةِ يَأْتِي بِهِ وَيُبَدِّلُ الْبَاقِيَ
إنْ أَحْسَنَهُ وَإِلَّا كَرَّرَهُ فِي الْأَصَحِّ، وَكَذَا مَنْ يُحْسِنُ
بَعْضَ بَدَلِهَا مِنْ الْقُرْآنِ. وَيَجِبُ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْأَصْلِ
وَالْبَدَلِ، فَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ الْآيَةَ فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ
أَتَى بِهَا ثُمَّ يَأْتِي بِالْبَدَلِ، وَإِنْ كَانَ آخِرَ الْفَاتِحَةِ
أَتَى بِالْبَدَلِ ثُمَّ بِالْآيَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي وَسَطِهَا أَتَى
بِبَدَلِ الْأَوَّلِ ثُمَّ قَرَأَ مَا فِي الْوَسَطِ ثُمَّ أَتَى بِبَدَلِ
الْآخِرِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْقُرْآنِ لَأَتَى بِسَبْعَةِ أَنْوَاعٍ
مِنْ ذِكْرٍ أَوْ دُعَاءٍ لَا تَنْقُصُ حُرُوفُهَا عَنْ حُرُوفِ
الْفَاتِحَةِ، وَيَجِبُ تَعَلُّقُ الدُّعَاءِ بِالْآخِرَةِ كَمَا رَجَّحَهُ
النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ حَتَّى
عَنْ تَرْجَمَةِ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ لَزِمَهُ وَقْفَةٌ قَدْرُ
الْفَاتِحَةِ فِي ظَنِّهِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ فِي نَفْسِهِ، وَلَا
يُتَرْجِمُ عَنْهَا بِخِلَافِ التَّكْبِيرِ لِفَوَاتِ الْإِعْجَازِ فِيهَا
دُونَهُ. وَسُنَّ عَقِبَ الْفَاتِحَةِ بَعْدَ سَكْتَةٍ لَطِيفَةٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
وَحَمَلَ مَنْ قَيَّدَ بِمَا يُفِيدُ مَعْنًى مَنْظُومًا عَلَى مَنْ
يُحْسِنُهُ هَذَا وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ فَالْحَسَنُ غَيْرُ حَسَنٍ
قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي شَرْحِهِ: وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ وَهُوَ
عَدَمُ الْفَرْقِ مُطْلَقًا.
قَوْلُهُ: (إنْ أَحْسَنَهُ) أَيْ الْبَدَلَ مِنْ الْقُرْآنِ إنْ أَحْسَنَهُ
أَوْ مِنْ الذِّكْرِ إنْ أَحْسَنَهُ، وَلَا يَكْفِيهِ التَّكْرَارُ فِي
ذَلِكَ خِلَافًا لِظَاهِرِ كَلَامِهِ ق ل. أَيْ وَلَا يَكْفِيهِ تَكْرَارُ
بَعْضِ الْفَاتِحَةِ فِيمَا إذَا أَحْسَنَ بَدَلًا مِنْ ذِكْرٍ عَنْ
الْبَعْضِ الْآخَرِ، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَا
يَأْتِي بِالذِّكْرِ أَوْ الدُّعَاءِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقُرْآنِ
لِأَنَّ مَا يَأْتِي فِيهِ قُدْرَةٌ عَلَى الْقُرْآنِ وَهُنَا لَا قُدْرَةَ
عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (وَإِلَّا كَرَّرَهُ) أَيْ إنْ لَمْ يُحْسِنْ الْبَدَلَ
بِسَائِرِ أَنْوَاعِهِ قَوْلُهُ: (وَكَذَا إلَخْ) أَيْ فَإِنَّهُ يَأْتِي
بِهِ وَيُبَدِّلُ بَقِيَّةَ الْفَاتِحَةِ مِنْ نَوْعٍ آخَرَ إنْ أَحْسَنَهُ
وَإِلَّا كَرَّرَهُ قَوْلُهُ: (بَيْنَ الْأَصْلِ) أَيْ الَّذِي يُحْسِنُهُ
مِنْ الْفَاتِحَةِ قَوْلُهُ: (بِسَبْعَةِ أَنْوَاعٍ إلَخْ) نَحْوُ:
سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ
وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ
الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ
يَكُنْ. هَكَذَا وَرَدَ وَهَذِهِ سِتَّةُ أَنْوَاعٍ فَتُضَمُّ إلَيْهَا
الْبَسْمَلَةُ إنْ كَانَ يَحْفَظُهَا وَإِلَّا ضَمَّ إلَيْهَا نَوْعًا
آخَرَ. وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ مِنْ الْفَاتِحَةِ فَيَجِبُ
تَقْدِيمُهَا عَلَى سُبْحَانَ اللَّهِ لِمُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ بَيْنَ
مَا يَحْفَظُهُ مِنْهَا وَمَا يَأْتِي بِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ
الْمُعَلِّمَ لِهَذَا الذِّكْرِ وَهُوَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمُتَعَلِّمَ يَعْلَمُ
أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ " الْحَمْدُ لِلَّهِ " عَلَى "
سُبْحَانَ اللَّهِ "، هَكَذَا أَجَابَ بِهِ شَيْخُنَا الْحِفْنِيُّ.
وَالْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ أَنَّ سُبْحَانَ اللَّهِ قَائِمَةٌ مَقَامَ
الْبَسْمَلَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِقَدْرِهَا، فَتَكُونُ الْحَمْدُ
لِلَّهِ وَاقِعَةً فِي مَحَلِّهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حِفْظِهِ هَذَا
الذِّكْرَ حِفْظُهُ الْبَسْمَلَةَ قَوْلُهُ: (مِنْ ذِكْرٍ أَوْ دُعَاءٍ)
فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُمَا وَالْأَوْلَى الذِّكْرُ. وَقَالَ ع ش: أَوْ
مَانِعَةً خُلُوٍّ فَيَجُوزُ الْجَمْعُ بِأَنْ يَأْتِيَ بِبَعْضِهَا مِنْ
الذِّكْرِ وَبَعْضِهَا مِنْ الدُّعَاءِ.
قَوْلُهُ: (لَا تَنْقُصُ) أَيْ وَلَوْ فِي ظَنِّهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي
مَسْأَلَةِ الْوُقُوفِ فِيمَا يَظْهَرُ اهـ ح ل.
قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ تَعَلُّقُ الدُّعَاءِ بِالْآخِرَةِ) أَيْ إنْ عَرَفَ
ذَلِكَ وَإِلَّا أَتَى بِدُعَاءٍ دُنْيَوِيٍّ. وَيُقَدِّمُ تَرْجَمَةَ
الْأُخْرَوِيِّ عَلَى الدُّنْيَوِيِّ الَّذِي بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَنَّهُ
لَا يَعْدِلُ إلَى الدُّنْيَوِيِّ إلَّا إذَا عَجَزَ عَنْ الْأُخْرَوِيِّ
مُطْلَقًا شَوْبَرِيٌّ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِالْعَرَبِيَّةِ، فَإِنْ
عَجَزَ عَنْهَا تَرْجَمَ عَنْهُ بِأَيِّ لُغَةٍ شَاءَ كَمَا يَدُلُّ
عَلَيْهِ قَوْلُهُ الْآتِي حَتَّى عَنْ تَرْجَمَةِ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ
قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ تَعَلُّقُ الدُّعَاءِ بِالْآخِرَةِ) كَأَنْ يَقُولَ:
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَسَامِحْنِي وَارْضَ عَنِّي
بِخِلَافِ مَا لَوْ دَعَا بِدُعَاءٍ يَتَعَلَّقُ بِالدُّنْيَا كَطَلَبِ
زَوْجَةٍ حَسْنَاءَ فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي زِيَادِيٌّ. قَالَ فِي شَرْحِ
الْمَنْهَجِ: وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ أَنْ يَقْصِدَ
بِهِمَا الْبَدَلِيَّةَ بَلْ الشَّرْطُ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِهِمَا
غَيْرَهَا أَيْ غَيْرَ الْبَدَلِيَّةِ فَقَطْ حَتَّى فِي التَّعَوُّذِ
وَالِافْتِتَاحِ، فَإِذَا اسْتَفْتَحَ أَوْ تَعَوَّذَ بِقَصْدِ تَحْصِيلِ
سُنَّتِهِمَا فَقَطْ لَمْ يَجُزْ خِلَافًا لِحَجَرٍ كَمَا قَالَهُ
الْحَلَبِيُّ قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ إلَخْ) كَيْفَ
هَذَا مَعَ أَنَّهُ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ بِالتَّكْبِيرِ وَهُوَ ذِكْرٌ؟
وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنَّهُ لَقَّنَهُ شَخْصٌ تَكْبِيرَةَ
الْإِحْرَامِ فَأَحْرَمَ بِهَا ثُمَّ نَسِيَهَا تَأَمَّلْ. أَمَّا لَوْ
عَجَزَ عَنْ التَّكْبِيرَةِ بِكُلِّ وَجْهٍ فَيَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ
بِدُونِهَا. اهـ. ابْنُ شَرَفٍ قَوْلُهُ: (قَدْرَ الْفَاتِحَةِ) أَيْ
وُجُوبًا وَبِقَدْرِ السُّورَةِ نَدْبًا، وَلَوْ قَدَرَ وَهُوَ فِي
مَرْتَبَةٍ عَلَى مَا قَبْلَهَا عَادَ إلَيْهِ وُجُوبًا إنْ كَانَ قَبْلَ
الْفَرَاغِ أَوْ بَعْدَ فَرَاغِهَا عَادَ إلَيْهِ نَدْبًا ق ل عَلَى
التَّحْرِيرِ. وَظَاهِرُهُ حَتَّى فِي الْوُقُوفِ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى
الْفَاتِحَةِ قَبْلَ تَمَامِ الْوُقُوفِ عَادَ إلَيْهَا وُجُوبًا أَوْ
بَعْدَ تَمَامِهِ عَادَ إلَيْهَا نَدْبًا قَوْلُهُ: (وَلَا يُتَرْجِمُ
عَنْهَا) وَلَا عَنْ بَقِيَّةِ الْقُرْآنِ إذَا كَانَ بَدَلًا ح ل. وَمَا
ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ مِنْ عَدَمِ التَّرْجَمَةِ عَنْهَا هُوَ
مَا قَالَهُ الْأَئِمَّةُ، فَقَدْ قَالُوا: إنَّهُ لَا تُجْزِئُ
الْقِرَاءَةُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ مُطْلَقًا، وَنُقِلَ
(2/28)
لِقَارِئِهَا فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا
آمِينَ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الصَّلَاةِ وَقِيسَ
بِهَا خَارِجُهَا مُخَفَّفَةً مِيمُهَا بِمَدٍّ وَقَصْرٍ وَالْمَدُّ
أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ، وَهُوَ اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى اسْتَجِبْ، وَلَوْ
شَدَّدَ الْمِيمَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِقَصْدِهِ الدُّعَاءَ وَيُسَنُّ
فِي جَهْرِيَّةٍ جَهَرَ بِهَا لِلْمُصَلِّي حَتَّى لِلْمَأْمُومِ
لِقِرَاءَةِ إمَامِهِ تَبَعًا لَهُ، وَأَنْ يُؤَمِّنَ الْمَأْمُومُ مَعَ
تَأْمِينِ إمَامِهِ لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ: «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ
فَأَمِّنُوا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
عَنْ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ الْمُصَلِّيَ إنْ
شَاءَ قَرَأَ بِالْفَارِسِيَّةِ، وَإِنْ شَاءَ قَرَأَ بِالْعَرَبِيَّةِ،
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إنْ كَانَ يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ
بِالْعَرَبِيَّةِ لَمْ يُجْزِهِ غَيْرُهَا، وَإِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُهَا
فَقَرَأَهَا بِلُغَتِهِ أَجْزَأَتْهُ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي
حَنِيفَةَ: إنَّهُ صَحَّ رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِ صَاحِبَيْهِ قَوْلُهُ:
(بِخِلَافِ التَّكْبِيرِ) أَيْ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْعَرَبِيَّةِ
وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، وَإِنَّمَا صَحَّ الْإِسْلَامُ بِغَيْرِ
الْعَرَبِيَّةِ مِمَّنْ يُحْسِنُهَا خِلَافًا لِلْإِصْطَخْرِيِّ لِأَنَّ
الْمُرَادَ مِنْ الشَّهَادَتَيْنِ الْإِخْبَارُ عَنْ اعْتِقَادِهِ وَهُوَ
حَاصِلٌ بِكُلِّ لُغَةٍ، وَأَمَّا هُنَا فَتَعَبَّدَنَا الشَّارِعُ
بِلَفْظٍ فَوَجَبَ اتِّبَاعُهُ مَا أَمْكَنَ قَالَهُ فِي الْإِيعَابِ
شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَسُنَّ عَقِبَ الْفَاتِحَةِ) وَمِثْلُ الْفَاتِحَةِ بَدَلُهَا
إنْ تَضَمَّنَ دُعَاءً مُحَاكَاةً لِلْبَدَلِ شَرْحُ م ر. وَظَاهِرُ
قَوْلِهِ إنْ تَضَمَّنَ دُعَاءً أَيْ كُلًّا أَوْ بَعْضًا، لَكِنْ هَلْ
يُؤَمِّنُ وَلَوْ تَأَخَّرَ غَيْرُ الدُّعَاءِ بِأَنْ قَدَّمَ الدُّعَاءَ
وَأَخَّرَ غَيْرَهُ؟ ظَاهِرُ شَرْحِ م ر: يُؤَمِّنُ مُطْلَقًا، لَكِنْ
نَقَلَ ابْنُ قَاسِمٍ عَنْهُ فِي غَيْرِ الشَّرْحِ أَنَّهُ لَا يُؤَمِّنُ
إلَّا إذَا كَانَ الدُّعَاءُ آخِرًا، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَا فِي
الشَّرْحِ مِنْ الْإِطْلَاقِ اهـ. وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ عَقِبَ فَوَاتِ
التَّأْمِينِ بِالتَّلَفُّظِ بِغَيْرِهِ وَلَوْ سَهْوًا كَمَا فِي
الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَإِنْ قَلَّ نَعَمْ يَنْبَغِي
اسْتِثْنَاءُ نَحْوِ رَبِّ اغْفِرْ لِي لِلْخَبَرِ الْحَسَنِ «أَنَّهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ عَقِيبَ الضَّالِّينَ رَبِّ
اغْفِرْ لِي آمِينَ» وَأَفْهَمَ أَيْضًا فَوَاتَهُ بِالسُّكُوتِ أَيْ
بَعْدَ السُّكُوتِ الْمَسْنُونِ.
وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّهُ إنْ طَالَ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي
الْمُوَالَاةِ. وَبِمَا قَرَّرْته يُعْلَمُ الرَّدُّ عَلَى مَنْ قَالَ: لَا
تَفُوتُ إلَّا بِالشُّرُوعِ فِي السُّورَةِ أَوْ الرُّكُوعِ. نَعَمْ مَا
أَفْهَمَهُ مِنْ فَوْتِهِ بِالشُّرُوعِ فِي الرُّكُوعِ وَلَوْ فَوْرًا
مُتَّجِهٌ. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَعَ مَا
يَتَعَلَّقُ بِهَا مُكَرَّرَةٌ مَعَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا يَأْتِي
كَمَا قَالَهُ ق ل. قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: وَالتَّأْمِينُ خَلْفَ
الْإِمَامِ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْلُهُ: (بَعْدَ سَكْتَةٍ
لَطِيفَةٍ) أَيْ بِقَدْرِ سُبْحَانَ اللَّهِ ع ش قَوْلُهُ: (مُخَفَّفًا)
حَالٌ مِنْ آمِينَ قَوْلُهُ: (لِقَصْدِهِ الدُّعَاءَ) يُؤْخَذُ مِنْهُ
أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الدُّعَاءَ بَلْ قَصَدَ بِهِ مَعْنَى
قَاصِدِينَ أَنَّهَا تَبْطُلُ، وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ
حَجّ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ فِي صُورَةِ الْإِطْلَاقِ
كَمَا قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ قَوْلُهُ: (فِي جَهْرِيَّةٍ) أَيْ
بِالْفِعْلِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُصَلِّيَ مَأْمُومًا كَانَ أَوْ
غَيْرَهُ يَجْهَرُ بِهِ إنْ طُلِبَ مِنْهُ الْجَهْرُ، وَيُسِرُّ بِهِ إنْ
طُلِبَ مِنْهُ الْإِسْرَارُ. وَالْأَمَاكِنُ الَّتِي يَجْهَرُ فِيهَا
الْمَأْمُومُ خَلْفَ إمَامِهِ خَمْسَةٌ: تَأْمِينُهُ مَعَ إمَامِهِ، وَفِي
دُعَائِهِ فِي قُنُوتِ الصُّبْحِ، وَفِي قُنُوتِ الْوِتْرِ فِي النِّصْفِ
الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَفِي قُنُوتِ النَّازِلَةِ فِي الصَّلَوَاتِ
الْخَمْسِ، وَإِذَا فَتَحَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا السِّرِّيَّةُ فَيُسِرُّونَ
جَمِيعُهُمْ كَالْقِرَاءَةِ اهـ خ ض.
قَوْلُهُ: (لِقِرَاءَةِ إمَامِهِ) لَا لِقِرَاءَةِ نَفْسِهِ قَوْلُهُ:
(مَعَ تَأْمِينِ إمَامِهِ) وَلَيْسَ لَنَا مَا تُسَنُّ فِيهِ مُقَارَنَةُ
الْإِمَامِ إلَّا هَذِهِ السُّورَةُ، وَلَا يَرِدُ مَا إذَا عَلِمَ
الْمَأْمُومُ أَنَّ إمَامَهُ لَا يَقْرَأُ السُّورَةَ أَوْ يَقْرَأُ
سُورَةً قَصِيرَةً، لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إتْمَامِ الْفَاتِحَةِ بَعْدَهُ
فَلَهُ أَنْ يَقْرَأَهَا مَعَهُ لِأَنَّهَا حَالَةُ عُذْرٍ فَلَا
تَرَدُّدَ، وَيَأْتِي بِهَا أَيْ يَأْتِي الْمَأْمُومُ بِالْفَاتِحَةِ
عَقِبَ سَكْتَةٍ لَطِيفَةٍ وَسَكْتَةٍ لِلْإِمَامِ بَعْدَ آمِينَ بِقَدْرِ
قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَمَحَلُّ سُكُوتِ الْإِمَامِ
إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْمَأْمُومَ قَرَأَهَا، وَهَذِهِ إحْدَى
السَّكَتَاتِ الْمَطْلُوبَةِ فِي الصَّلَاةِ. وَقَوْلُهُمْ: الصَّلَاةُ لَا
سُكُوتَ فِيهَا أَيْ غَيْرَ الْمَشْرُوعِ، وَإِنَّمَا طُلِبَتْ فِيهَا
الْمَعِيَّةُ لِأَنَّهُ وَقْتُ تَأْمِينِ الْمَلَائِكَةِ كَمَا فِي
الْخَبَرِ. وَيُسَنُّ سَكْتَةٌ بَعْدَ آمِينَ وَلَوْ لِمُنْفَرِدٍ
وَمِثْلُهَا لِلْإِمَامِ بِقَدْرِ مَا يَقْرَأُ الْمَأْمُومُ الْفَاتِحَةَ
عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَسَكْتَةٌ أُخْرَى قَبْلَ رُكُوعِهِ، وَسَكْتَةٌ
عَقِبَ تَحَرُّمِهِ، وَسَكْتَةٌ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالِافْتِتَاحِ
وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّعَوُّذِ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِرَاءَةِ
فَالسَّكَتَاتُ سِتَّةٌ كَمَا ذُكِرَ.
قَوْلُهُ: (إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ) أَيْ أَرَادَ التَّأْمِينَ
وَيُوَضِّحُهُ خَبَرُ الشَّيْخَيْنِ، «إذَا قَالَ الْإِمَامُ {غَيْرِ
الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] فَقُولُوا
آمِينَ» فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقْ لَهُ مُوَافَقَتُهُ أَمَّنَ عَقِبَ
تَأْمِينِهِ أَيْ الْإِمَامِ وَإِنْ تَأَخَّرَ إمَامُهُ عَنْ الزَّمَنِ
الْمَسْنُونِ فِيهِ التَّأْمِينُ أَمَّنَ
(2/29)
فَإِنَّ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ
تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» .
فَائِدَةٌ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ لَهَا عَشَرَةُ أَسْمَاءٍ: فَاتِحَةُ
الْكِتَابِ، وَأُمُّ الْقُرْآنِ، وَأُمُّ الْكِتَابِ، وَالسَّبْعُ
الْمَثَانِي، وَسُورَةُ الْحَمْدِ، وَالصَّلَاةُ وَالْكَافِيَةُ،
وَالْوَافِيَةُ، وَالشِّفَاءُ، وَالْأَسَاسُ.
(وَ) الْخَامِسُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (الرُّكُوعُ) لِقَوْلِهِ
تَعَالَى {ارْكَعُوا} [الحج: 77] وَلِخَبَرِ «إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ»
وَلِلْإِجْمَاعِ، وَتَقَدَّمَ رُكُوعُ الْقَاعِدِ، وَأَمَّا أَقَلُّ
الرُّكُوعِ فِي حَقِّ الْقَائِمِ فَهُوَ أَنْ يَنْحَنِيَ انْحِنَاءً
خَالِصًا لَا انْخِنَاسَ فِيهِ، قَدْرَ بُلُوغِ رَاحَتَيْ يَدَيْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
الْمَأْمُومُ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَلَوْ قَرَأَ مَعَهُ وَفَرَغَا مَعًا
كَفَى تَأْمِينُ وَاحِدٍ، أَوْ فَرَغَ قَبْلَهُ قَالَ الْبَغَوِيّ:
يَنْتَظِرُ وَالْمُخْتَارُ أَوْ الصَّوَابُ أَنَّهُ يُؤَمِّنُ لِنَفْسِهِ
ثُمَّ لِلْمُتَابَعَةِ قَوْلُهُ: «فَإِنَّ مَنْ وَافَقَ» إلَخْ وَمَعْلُومٌ
مِنْ حَدِيثٍ آخَرَ «أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تُؤَمِّنُ مَعَ تَأْمِينِ
الْإِمَامِ» فَيَكُونُ التَّعْلِيلُ مُنْتِجًا لِلْمُدَّعَى كَمَا
قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْحَفْنَاوِيُّ قَوْلُهُ: (الْمَلَائِكَةُ) قِيلَ
هُمْ الْحَفَظَةُ. قَالَ شَيْخُنَا: وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّهُمْ الْحَفَظَةُ
وَسَائِرُ الْمَلَائِكَةِ لَكَانَ أَقْرَبَ ح ل قَوْلُهُ: (غُفِرَ لَهُ مَا
تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) أَيْ مِنْ الصَّغَائِرِ. وَاعْتَمَدَ ابْنُ
السُّبْكِيّ فِي الْأَشْبَاهِ أَنَّهُ يَشْمَلُ الْكَبَائِرَ، وَعِبَارَةُ
الْمَدَابِغِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ قَوْلُهُ: غُفِرَ لَهُ أَيْ
الصَّغَائِرُ فَقَطْ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ م ر. وَاسْتَقْرَبَ أَنَّ
الْمُرَادَ بِالْمَلَائِكَةِ جَمِيعُهُمْ لَا خُصُوصُ الْحَفَظَةِ.
قَوْلُهُ: (لَهَا عَشَرَةُ أَسْمَاءَ) عِبَارَةُ الْحَلَبِيِّ فِي
السِّيرَةِ وَلَهَا اثْنَانِ وَعِشْرُونَ اسْمًا قَوْلُهُ: (وَأُمُّ
الْقُرْآنِ) سُمِّيَتْ أُمَّ الْقُرْآنِ لِأَنَّهَا مُفْتَتَحُهُ
وَمَبْدَؤُهُ فَكَأَنَّهَا أَصْلُهُ وَمَنْشَؤُهُ، وَلِذَلِكَ تُسَمَّى
أَسَاسًا أَوْ لِأَنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ الثَّنَاءِ
عَلَى اللَّهِ وَالتَّعَبُّدِ بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَبَيَانِ وَعْدِهِ
وَوَعِيدِهِ. اهـ. بَيْضَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَالسَّبْعُ الْمَثَانِي)
لِأَنَّهَا سَبْعُ آيَاتٍ، وَتُثَنَّى فِي الصَّلَاةِ أَيْ تُكَرَّرَ
قَوْلُهُ: (وَالصَّلَاةُ) لِوُجُوبِ قِرَاءَتِهَا فِيهَا أَوْ
اسْتِحْبَابِهَا فَهُوَ مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ جُزْئِهِ
قَوْلُهُ: (وَالْكَافِيَةُ) أَيْ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى مَا ذُكِرَ
قَوْلُهُ: (وَالشِّفَاءُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
«هِيَ شِفَاءُ كُلِّ دَاءٍ» . اهـ.
قَوْلُهُ: (وَتَقَدَّمَ رُكُوعُ الْقَاعِدِ) أَيْ فِي رُكْنِ الْقِيَامِ،
أَيْ أَنَّ أَقَلَّهُ أَنْ تُحَاذِيَ جَبْهَتُهُ مَا أَمَامَ رُكْبَتَيْهِ،
وَأَكْمَلَهُ أَنْ تُحَاذِيَ مَحَلَّ سُجُودِهِ. وَشُرِعَ الرُّكُوعُ فِي
عَصْرِ صَبِيحَةِ الْإِسْرَاءِ، وَأَمَّا الظُّهْرُ فَصَلَّاهَا بِغَيْرِ
رُكُوعٍ كَالصَّلَاةِ الَّتِي كَانَ يُصَلِّيهَا قَبْلَ الْخَمْسِ كَمَا
قَالَهُ السُّيُوطِيّ وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَكَذَا
التَّأْمِينُ خَلْفَ الْإِمَامِ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا قَوْلُهُ
{وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: 43] فَمَعْنَاهُ صَلِّي مَعَ
الْمُصَلِّينَ. وَفِي الْبَيْضَاوِيِّ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ {وَارْكَعِي
مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: 43] مَا نَصُّهُ: أُمِرَتْ بِالصَّلَاةِ
فِي الْجَمَاعَةِ بِذِكْرِ أَرْكَانِهَا مُبَالَغَةً فِي الْمُحَافَظَةِ
عَلَيْهَا، وَقَدَّمَ السُّجُودَ عَلَى الرُّكُوعِ إمَّا لِكَوْنِهِ
كَذَلِكَ فِي شَرِيعَتِهِمْ أَوْ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الْوَاوَ لَا
تُوجِبُ التَّرْتِيبَ، أَوْ لِيَقْتَرِنَ ارْكَعِي بِالرَّاكِعِينَ
لِلْإِيذَانِ بِأَنَّ مَنْ لَيْسَ فِي صَلَاتِهِمْ رُكُوعٌ لَيْسُوا
مُصَلِّينَ اهـ. وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الرُّكُوعَ كَانَ فِي شَرْعِ
مَنْ قَبْلَنَا انْتَهَى ع ش. وَقِيلَ: قَدَّمَ السُّجُودَ لِشَرَفِهِ.
وَفِي الْخَصَائِصِ: وَخَصَّ بِالرُّكُوعِ فِي الصَّلَاةِ فِيمَا ذَكَرَهُ
جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْلِهِ {وَارْكَعُوا مَعَ
الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43] قَالُوا: الرُّكُوعُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ
خَوَاصِّنَا وَلَا رُكُوعَ فِي صَلَاةِ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَلِذَلِكَ
أَمَرَهُمْ بِهِ مَعَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ.
وَاسْتَشْكَلَ الْحَافِظُ إطْلَاقَ الرُّكُوعِ عَلَى نَفْسِ الصَّلَاةِ
إطْلَاقًا لِلْبَعْضِ عَلَى الْكُلِّ، فَقَالَ: ذَاكَ فِي بَعْضٍ مِنْ
ذَلِكَ الْكُلِّ، وَحَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِي صَلَاتِهِمْ رُكُوعٌ فَكَيْفَ
يُقَالُ إنَّهُ مِنْ إطْلَاقِ مَا لَيْسَ مِنْ أَجْزَائِهَا عَلَيْهَا؟
اهـ. وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْقُنُوتِ فِي الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ إدَامَةُ
الطَّاعَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ
سَاجِدًا وَقَائِمًا} [الزمر: 9] وَبِالسُّجُودِ الصَّلَاةُ كَقَوْلِهِ
{وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} [ق: 40] وَبِالرُّكُوعِ الْخُشُوعُ اهـ عَبْدُ
الْبَرِّ وَهَذَا أَوْلَى إذْ لَا إشْكَالَ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (أَنْ يَنْحَنِيَ) أَيْ يَقِينًا أَوْ ظَنًّا، وَلَوْ شَكَّ هَلْ
انْحَنَى قَدْرًا تَصِلُ بِهِ رَاحَتَاهُ رُكْبَتَيْهِ لَزِمَهُ إعَادَةُ
الرُّكُوعِ لِأَنَّ الْأَصْلَ
(2/30)
الْمُعْتَدِلِ خِلْقَةً رُكْبَتَيْهِ إذَا
أَرَادَ وَضْعَهُمَا، فَلَا يَحْصُلُ بِانْخِنَاسٍ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى
رُكُوعًا، فَلَوْ طَالَتْ يَدَاهُ أَوْ قَصُرَتَا أَوْ قُطِعَ شَيْءٌ
مِنْهُمَا لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ، فَإِنْ عَجَزَ عَمَّا ذُكِرَ إلَّا
بِمُعِينٍ وَلَوْ بِاعْتِمَادٍ عَلَى شَيْءٍ أَوْ انْحِنَاءٍ عَلَى شِقِّهِ
لَزِمَهُ. وَالْعَاجِزُ يَنْحَنِي قَدْرَ إمْكَانِهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ
الِانْحِنَاءِ أَصْلًا أَوْمَأَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ بِطَرَفِهِ.
(وَ) السَّادِسُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (الطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ) أَيْ
الرُّكُوعِ لِحَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ الْمَارِّ، وَأَقَلُّهَا أَنْ
تَسْتَقِرَّ أَعْضَاؤُهُ رَاكِعًا، بِحَيْثُ يَنْفَصِلُ رَفْعُهُ عَنْ
رُكُوعِهِ عَنْ هَوِيِّهِ أَيْ سُقُوطِهِ، فَلَا تَقُومُ زِيَادَةُ
الْهَوِيِّ مَقَامَ الطُّمَأْنِينَةِ، وَلَا يَقْصِدُ بِالْهَوِيِّ غَيْرَ
الرُّكُوعِ، قَصَدَهُ هُوَ أَمْ لَا كَغَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ
الْأَرْكَانِ لِأَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ مُنْسَحِبَةٌ عَلَيْهِ، فَلَوْ
هَوَى لِتِلَاوَةٍ فَجَعَلَهُ رُكُوعًا، لَمْ يَكْفِ لِأَنَّهُ صَرَفَهُ
إلَى غَيْرِ الْوَاجِبِ بَلْ يَنْتَصِبُ لِيَرْكَعَ
، وَلَوْ قَرَأَ إمَامُهُ آيَةَ سَجْدَةٍ ثُمَّ رَكَعَ عَقِبَهَا فَظَنَّ
الْمَأْمُومُ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلتِّلَاوَةِ فَهَوَى لِذَلِكَ فَرَآهُ
لَمْ يَسْجُدْ فَوَقَفَ عَنْ السُّجُودِ فَالْأَقْرَبُ كَمَا قَالَهُ
الزَّرْكَشِيّ: أَنَّهُ يُحْسَبُ لَهُ وَيُغْتَفَرُ ذَلِكَ
لِمُتَابَعَتِهِ. وَأَكْمَلُ الرُّكُوعِ تَسْوِيَةُ ظَهْرِهِ وَعُنُقِهِ،
أَيْ يَمُدُّهُمَا بِانْحِنَاءٍ خَالِصٍ بِحَيْثُ يَصِيرَانِ
كَالصَّفِيحَةِ الْوَاحِدَةِ لِلِاتِّبَاعِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
عَدَمُهُ شَرْحُ م ر. أَيْ إنْ كَانَ مُسْتَقِلًّا وَإِلَّا أَتَى
بِرَكْعَةٍ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَمَعْنَى الرُّكُوعِ فِي اللُّغَةِ
مُطْلَقُ الِانْحِنَاءِ قَوْلُهُ (رَاحَتَيْ يَدَيْ الْمُعْتَدِلِ) وَهُمَا
بَطْنُ الْكَفِّ، فَلَا تَكْفِي الْأَصَابِعُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ
قَوْلُهُ: (فَلَا يَحْصُلُ بِانْخِنَاسٍ) بِأَنْ يُؤَخِّرَ عُنُقَهُ
وَيُقَدِّمَ صَدْرَهُ وَيَخْفِضَ عَجِيزَتَهُ وَيَمِيلَ شِقُّهُ مَيْلًا
قَلِيلًا اهـ اج. فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَكْفِ وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ
إنْ كَانَ عَامِدًا عَالِمًا وَإِلَّا أَعَادَ الرُّكُوعَ قَوْلُهُ: (لَمْ
يَعْتَبِرْ ذَلِكَ) أَيْ الْوَضْعَ مَعَ الطُّولِ أَوْ الْقِصَرِ
فَلْيُرَاعِ الِاعْتِدَالَ. اهـ. ق ل قَوْلُهُ: (إلَّا بِمُعَيَّنٍ) وَلَوْ
دَوَامًا بِخِلَافِ الْقِيَامِ لِطُولِ زَمَنِهِ دُونَ الرُّكُوعِ سم اج
قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ) مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْقِبْلَةِ خِلَافًا لسم ع ش
قَوْلُهُ: (هَوِيِّهِ) بِفَتْحِ الْهَاءِ أَشْهَرُ مِنْ ضَمِّهَا اهـ.
مَرْحُومِيٌّ قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: الْهُوِيُّ بِضَمِّ الْهَاءِ
السُّقُوطُ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ
الْجَوْهَرِيُّ: وَآخَرُونَ بِفَتْحِهَا وَصَاحِبُ الْمَطَالِعِ
بِفَتْحِهَا السُّقُوطُ، وَبِضَمِّهَا الصُّعُودُ وَالْخَلِيلُ هُمَا
لُغَتَانِ بِمَعْنًى. اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (أَيْ سُقُوطُهُ) أَيْ لِلرُّكُوعِ قَوْلُهُ: (غَيْرَ
الرُّكُوعِ) أَيْ فَقَطْ، فَلَوْ قَصَدَهُ وَغَيْرَهُ لَمْ يَضُرَّ وَكَذَا
لَوْ أَطْلَقَ ق ل. فَلَوْ قَصَدَ قَطْعَ الرُّكُوعِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ
بَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ حَتَّى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ مَعَ دَوَامِ
الْقِرَاءَةِ سِوَى النِّيَّةِ لَمْ يَضُرَّ كَمَا قَالَهُ ابْنُ قَاسِمٍ،
وَعِبَارَتُهُ: وَلَوْ نَوَى قَطْعَ الْقِرَاءَةِ وَلَمْ يَسْكُتْ لَمْ
تَبْطُلْ قِرَاءَتُهُ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ بِاللِّسَانِ وَلَمْ
يَقْطَعْهَا، وَفَارَقَ نِيَّةَ قَطْعِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ النِّيَّةَ
رُكْنٌ فِيهَا تَجِبُ إدَامَتُهَا حُكْمًا وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ مَعَ
نِيَّةِ الْقَطْعِ، وَالْقِرَاءَةُ لَا تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ خَالِصَةٍ
فَلَا تَتَأَثَّرُ بِنِيَّةِ الْقَطْعِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ
قَوْلُهُ: (كَغَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ) أَيْ فَإِنَّ
الشَّرْطَ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِهَا غَيْرَهَا فَقَطْ فَلَا يَضُرُّ
التَّشْرِيكُ وَيَكْفِي الْإِطْلَاقُ إلَّا عِنْدَ وُجُودِ صَارِفٍ
فَتَبْطُلُ بِالْإِطْلَاقِ كَالتَّبْلِيغِ قَوْلُهُ: (لِأَنَّ نِيَّةَ
الصَّلَاةِ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ أَمْ لَا.
قَوْلُهُ: (فَلَوْ هَوَى إلَخْ) بِفَتْحِ الْوَاوِ بِمَعْنَى سَقَطَ مِنْ
بَابِ ضَرَبَ بِخِلَافِهِ بِكَسْرِ الْوَاوِ، فَمَعْنَاهُ الْمَيْلُ
لِلشَّيْءِ مِنْ بَابِ فَرِحَ اهـ. وَقَوْلُهُ: فَلَوْ هَوَى أَيْ
الْمُسْتَقِلُّ خَرَجَ الْمَأْمُومُ فَيُحْسَبُ لَهُ الرُّكُوعُ أَخْذًا
مِمَّا بَعْدَهُ قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ صَرَفَهُ إلَى غَيْرِ الْوَاجِبِ)
الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: لِأَنَّهُ صَرَفَهُ إلَى مَا لَيْسَ مِنْ
الصَّلَاةِ ق ل.
قَوْلُهُ: (فَوَقَفَ عَنْ السُّجُودِ) فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِوُقُوفِ
الْإِمَامِ فِي الرُّكُوعِ إلَّا بَعْدَ أَنْ وَصَلَ لِلسُّجُودِ قَامَ
مُنْحَنِيًا، فَلَوْ انْتَصَبَ عَامِدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ
لِزِيَادَتِهِ رُكُوعًا، وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ وَقَصَدَ أَنْ لَا
يَسْجُدَ لِلتِّلَاوَةِ وَهَوَى لِلرُّكُوعِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ
لَهَا فَإِنْ كَانَ قَدْ انْتَهَى إلَى حَدِّ الرَّاكِعِ فَلَيْسَ لَهُ
ذَلِكَ وَإِلَّا جَازَ اهـ ح ل.
قَوْلُهُ: (وَيُحْسَبُ لَهُ) أَيْ لِلْمَأْمُومِ هَذَا إذَا قَرَأَ
الْمَأْمُومُ الْفَاتِحَةَ كُلَّهَا، وَإِلَّا فَلَا يُحْسَبُ لَهُ هَذَا
الرُّكُوعُ وَيُتَابِعُ إمَامَهُ فِي نَظْمِ الصَّلَاةِ فَلَا يَعُودُ
لِلْقِرَاءَةِ، وَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ قَوْلُهُ:
(لِمُتَابَعَتِهِ) أَيْ لِأَنَّ وُجُوبَ الْمُتَابَعَةِ يُلْغِي قَصْدَهُ
وَيُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ صَارِفًا، وَإِنْ قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ:
الْأَقْرَبُ أَنَّهُ يَعُودُ لِلْقِيَامِ ثُمَّ يَرْكَعُ فَقَدْ قَالَ
الْحَلَبِيُّ: إنَّهُ لَا وَجْهَ لَهُ اهـ.
قَوْلُهُ: (تَسْوِيَةُ) خَبَرٌ لِقَوْلِهِ: أَكْمَلُ، وَلْيُنْظَرْ وَجْهُ
مُغَايَرَةِ الْخَبَرِ هُنَا لِسَابِقِهِ حَيْثُ أَتَى بِهِ مَصْدَرًا
مُؤَوَّلًا وَهُنَا صَرِيحًا.
(2/31)
رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فَإِنْ تَرَكَهُ كُرِهَ
نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ. وَنَصْبُ سَاقَيْهِ وَفَخِذَيْهِ وَأَخْذُ
رُكْبَتَيْهِ بِكَفَّيْهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَتَفْرِقَةُ أَصَابِعِهِ تَفْرِيقًا وَسَطًا لِجِهَةِ الْقِبْلَةِ
لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْجِهَاتِ، وَالْأَقْطَعُ وَنَحْوُهُ كَقَصِيرِ
الْيَدَيْنِ لَا يُوصَلُ يَدَيْهِ رُكْبَتَيْهِ بَلْ يُرْسِلُهُمَا إنْ
لَمْ يَسْلَمَا مَعًا، أَوْ يُرْسِلُ إحْدَاهُمَا إنْ سَلِمَتْ الْأُخْرَى.
(وَ) السَّابِعُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (الِاعْتِدَالُ) وَلَوْ
لِنَافِلَةٍ كَمَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ لِحَدِيثِ الْمُسِيءِ
صَلَاتَهُ، وَيَحْصُلُ بِعَوْدِ الْبَدْءِ بِأَنْ يَعُودَ لِمَا كَانَ
عَلَيْهِ قَبْلَ رُكُوعِهِ قَائِمًا كَانَ أَوْ قَاعِدًا.
(وَ) الثَّامِنُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (الطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ) كَمَا
فِي خَبَرِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ، بِأَنْ تَسْتَقِرَّ أَعْضَاؤُهُ عَلَى
مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ رُكُوعِهِ بِحَيْثُ يَنْفَصِلُ ارْتِفَاعُهُ
عَنْ عَوْدِهِ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَلَوْ رَكَعَ عَنْ قِيَامٍ
فَسَقَطَ عَنْ رُكُوعِهِ قَبْلَ الطُّمَأْنِينَةِ فِيهِ عَادَ وُجُوبًا
إلَيْهِ وَاطْمَأَنَّ ثُمَّ اعْتَدَلَ، أَوْ سَقَطَ عَنْهُ بَعْدَهَا
نَهَضَ مُعْتَدِلًا ثُمَّ سَجَدَ
، وَإِنْ سَجَدَ ثُمَّ شَكَّ هَلْ تَمَّ اعْتِدَالُهُ اعْتَدَلَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
وَقَوْلُهُ: وَنَصْبُ كَذَا عَبَّرَ الْمِنْهَاجُ، وَقَدْ عَدَلَ عَنْهُ
فِي الْمَنْهَجِ إلَى الْفِعْلِ فَقَالَ: وَأَنْ يَنْصِبَ فَلْيُنْظَرْ
وَجْهُهُ. وَأَقُولُ: وَجْهُهُ التَّفَنُّنُ فِي الْعِبَارَةِ لِأَنَّهُ
يَجُوزُ فِي الْمُبْتَدَإِ وَالْخَبَرِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا اسْمًا
صَرِيحًا وَالْآخَرُ مُؤَوَّلًا بِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا أَتَى
بِالْمَصْدَرِ الصَّرِيحِ وَهُوَ نَصْبُ دُونَ الْمُؤَوَّلِ، وَهُوَ أَنْ
يَنْصِبَ لِأَنَّهُ أَخْصَرُ وَإِنَّمَا لَمْ يَأْتِ بِهِ مَصْدَرًا فِي
قَوْلِهِ أَقَلُّهُ أَنْ يَنْحَنِيَ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ أَخَفُّ مِنْ
الْمَصْدَرِ الصَّرِيحِ إذَا وَقَعَ فِي هَذَا التَّرْكِيبِ، أَوْ
لِلتَّفَنُّنِ فِي التَّعْبِيرِ اهـ قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَرَكَهُ) أَيْ
الْأَكْمَلَ، وَلِلتَّرْكِ صُورَتَانِ بِأَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْأَقَلِّ
أَوْ يَزِيدَ عَلَى الْأَكْمَلِ قَوْلُهُ: (وَنَصْبُ سَاقَيْهِ) السَّاقُ
مُؤَنَّثَةٌ، وَهِيَ مَا بَيْنَ الْقَدَمِ إلَى الرُّكْبَةِ وَجَمْعُهَا
سُوقٌ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِسَوْقِهَا الْجَسَدَ اهـ اج
قَوْلُهُ: (وَالِاعْتِدَالُ) وَهُوَ لُغَةً الِاسْتِقَامَةُ وَشَرْعًا
عَوْدٌ لِبَدْءٍ كَمَا قَالَهُ قَوْلُهُ: (وَلَوْ لِنَافِلَةٍ) أَخَذَهُ
غَايَةً هُنَا، وَفِي الْجُلُوسِ لِلرَّدِّ عَلَى مَا فَهِمَهُ بَعْضُهُمْ
مِنْ كَلَامِ النَّوَوِيِّ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي مِنْ عَدَمِ
وُجُوبِ الِاعْتِدَالِ وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فِي النَّفْلِ،
وَعَلَى مَا قَالَهُ فَهَلْ يَخِرُّ سَاجِدًا مِنْ رُكُوعِهِ أَوْ يَرْفَعُ
رَأْسَهُ قَلِيلًا أَمْ كَيْفَ الْحَالُ؟ وَلَعَلَّ الْأَقْرَبَ عِنْدَهُ
الثَّانِي اهـ ع ش.
وَعِبَارَةُ الْأَنْوَارِ: وَلَوْ تَرَكَ الِاعْتِدَالَ وَالْجُلُوسَ
بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فِي النَّافِلَةِ لَمْ تَبْطُلْ، وَالْمُعْتَمَدُ
مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَعُودَ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ)
ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى نَفْلًا مِنْ قِيَامٍ وَرَكَعَ مِنْهُ
أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ اعْتِدَالُهُ مِنْ الْقِيَامِ وَلَا يُجْزِيهِ مِنْ
جُلُوسٍ وَهُوَ الَّذِي يُتَّجَهُ، وَأَنَّهُ لَوْ رَكَعَ مِنْ جُلُوسٍ
بَعْدَ اضْطِجَاعٍ بِأَنْ قَرَأَ فِيهِ ثُمَّ جَلَسَ أَنَّهُ يَعُودُ إلَى
الِاضْطِجَاعِ، وَالْمُتَّجَهُ تَعَيُّنُ الِاعْتِدَالِ مِنْ الْجُلُوسِ
لِأَنَّهُ بَدَأَ رُكُوعَهُ مِنْهُ اهـ شَوْبَرِيٌّ. وَقَالَ شَيْخُنَا
الْحِفْنِيُّ: لَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ بَلْ يَجُوزُ مِنْ الِاضْطِجَاعِ،
وَذَكَرَهُ الشَّوْبَرِيُّ أَيْضًا فِي مَحَلٍّ آخَرَ وَفِي
الْمَدَابِغِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ عَوْدُ الْمُصَلِّي إلَى مَا رَكَعَ
مِنْهُ مِنْ قِيَامٍ أَوْ قُعُودٍ، فَدَخَلَ مُصَلِّي النَّفْلِ مِنْ
اضْطِجَاعٍ مَعَ الْقُدْرَةِ لِأَنَّهُ يَقْعُدُ قَبْلَ رُكُوعِهِ فَلَا
يَجُوزُ لَهُ الْعَوْدُ إلَى الِاضْطِجَاعِ قَبْلَ قُعُودِهِ ق ل.
وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ خِضْرٍ: وَيَحْصُلُ بِعَوْدٍ لِبَدْءٍ بِأَنْ
يَعُودَ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ رُكُوعِهِ قَائِمًا كَانَ أَوْ
قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا أَوْ مُسْتَلْقِيًا أَوْ مُومِيًا اهـ.
وَقَوْلُهُ أَوْ مُضْطَجِعًا إلَخْ أَيْ فِي صُورَةِ عَجْزِهِ، فَكَأَنْ
يَأْتِيَ بِالرُّكُوعِ بِانْحِنَاءٍ مِنْ الِاضْطِجَاعِ فَيَعْتَدِلُ
بِعَوْدِهِ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقُعُودِ.
وَعِبَارَةُ عَبْدِ الْبَرِّ وَلَوْ صَلَّى نَفْلًا قَائِمًا فَرَكَعَ
وَهُوَ قَائِمٌ وَاعْتَدَلَ وَهُوَ جَالِسٌ هَلْ يَكْفِي عَنْ
الِاعْتِدَالِ؟ سُئِلَ عَنْهُ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ فَمَالَ إلَى
أَنَّهُ لَا يَكْفِي اهـ. أَيْ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْدُ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ
قَبْلُ فَتَأَمَّلْ
قَوْلُهُ: (كَمَا فِي خَبَرِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ) فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ
لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الطُّمَأْنِينَةَ فِي الِاعْتِدَالِ إلَّا أَنَّهُ فِي
رِوَايَةِ غَيْرِهِ وَرَدَتْ الطُّمَأْنِينَةُ فِي الِاعْتِدَالِ قَوْلُهُ:
(يَنْفَصِلُ ارْتِفَاعُهُ عَنْ عَوْدِهِ إلَخْ) أَيْ رَفْعُ رَأْسِهِ مِنْ
الرُّكُوعِ، أَيْ فَلَا بُدَّ بَعْدَ الْعَوْدِ مِنْ الِاسْتِقْرَارِ،
فَالِارْتِفَاعُ هُوَ غَايَةُ الْعَوْدِ إلَى مَا كَانَ وَلَا بُدَّ مِنْ
سُكُونٍ فِيهِ لِيَنْفَصِلَ عَنْ الْعَوْدِ. وَلَوْ قَالَ: بِحَيْثُ
يَنْفَصِلُ رَفْعُهُ عَنْ هَوِيِّهِ لِلسُّجُودِ لَكَانَ أَوْضَحَ
قَوْلُهُ: (إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ) وَهُوَ الْقِيَامُ مَثَلًا قَوْلُهُ:
(إلَيْهِ) أَيْ إلَى الرُّكُوعِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، بِخِلَافِ قَوْلِ
ق ل أَيْ الْقِيَامِ. وَالضَّابِطُ أَنْ يَعُودَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي
سَقَطَ
(2/32)
وُجُوبًا ثُمَّ سَجَدَ وَلَا يَقْصِدُ
غَيْرَهُ، فَلَوْ رَفَعَ خَوْفًا مِنْ شَيْءٍ كَحَيَّةٍ لَمْ يَكْفِ
رَفْعُهُ لِذَلِكَ عَنْ رَفْعِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ صَارِفٌ كَمَا مَرَّ
(وَ) التَّاسِعُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (السُّجُودُ) مَرَّتَيْنِ فِي
كُلِّ رَكْعَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77]
وَلِخَبَرِ: «إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ» وَإِنَّمَا عُدَّا رُكْنًا
وَاحِدًا لِاتِّحَادِهِمَا، كَمَا عَدَّ بَعْضُهُمْ الطُّمَأْنِينَةَ فِي
مَحَالِّهَا الْأَرْبَعِ رُكْنًا وَاحِدًا لِذَلِكَ.
وَهُوَ لُغَةً التَّضَامُنُ وَالْمَيْلُ، وَقِيلَ الْخُضُوعُ
وَالتَّذَلُّلُ، وَشَرْعًا أَقَلُّهُ مُبَاشَرَةُ بَعْضِ جَبْهَتِهِ مَا
يُصَلِّي عَلَيْهِ مِنْ أَرْضٍ أَوْ غَيْرِهَا لِخَبَرِ: «إذَا سَجَدَتْ
فَمَكِّنْ جَبْهَتَك وَلَا تَنْقُرْ نَقْرًا» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي
صَحِيحِهِ. وَإِنَّمَا اكْتَفِي بِبَعْضِ الْجَبْهَةِ لِصِدْقِ اسْمِ
السُّجُودِ عَلَيْهَا بِذَلِكَ، وَخَرَجَ بِالْجَبْهَةِ الْجَبِينُ
وَالْأَنْفُ فَلَا يَكْفِي وَضْعُهُمَا، فَإِنْ سَجَدَ عَلَى مُتَّصِلٍ
بِهِ كَطَرْفِ كُمِّهِ الطَّوِيلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
مِنْهُ فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ عَامِدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ اهـ.
مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ وَالضَّابِطُ يُعَيِّنُ مَا قُلْنَاهُ
قَوْلُهُ: (اعْتَدَلَ وُجُوبًا) وَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا لَوْ شَكَّ
فِي بَعْضِ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ بَعْدَ مُفَارَقَةِ مَحَلِّهَا، فَلَا
يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَوْدُ لِأَنَّ الْفَاتِحَةَ لَمَّا كَانَ يَكْثُرُ
الشَّكُّ فِيهَا لِكَثْرَةِ حُرُوفِهَا اُغْتُفِرَ ذَلِكَ قَوْلُهُ: (وَلَا
يَقْصِدُ غَيْرَهُ) أَيْ فَقَطْ.
قَوْلُهُ: (السُّجُودُ مَرَّتَيْنِ) اُنْظُرْ وَجْهَ عَدِّهِ هُنَا رُكْنًا
وَعَدِّهِ فِيمَا يَأْتِي فِي التَّخَلُّفِ بِثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ
طَوِيلَةٍ رُكْنَيْنِ، وَلَعَلَّهُمْ رَاعُوا هُنَاكَ فُحْشَ
الْمُخَالَفَةِ فَعَدُّوهُمَا رُكْنَيْنِ لِلِاحْتِيَاطِ. وَاخْتُلِفَ فِي
حِكْمَةِ تَكْرَارِهِ دُونَ بَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ فَقِيلَ: إنَّهُ
لِرَغْمِ أَنْفِ الشَّيْطَانِ حَيْثُ امْتَنَعَ مِنْ السُّجُودِ، وَقِيلَ
لِإِجَابَةِ الدُّعَاءِ فِيهِ، وَقِيلَ إرْغَامًا لِلنَّفْسِ حَيْثُ
اسْتَنْكَفَتْ عَنْ وَضْعِ أَشْرَفِ الْأَعْضَاءِ عَلَى مَحَلِّ مَوَاطِئِ
الْأَقْدَامِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ ق ل. أَيْ قِيلَ إنَّهُ
لِلْمُبَالَغَةِ فِي التَّوَاضُعِ وَلِلشُّكْرِ عَلَى إجَابَةِ دُعَاءِ
الْمُصَلِّي فِي السُّجُودِ الْأَوَّلِ اهـ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ:
لَمَّا جَعَلَ اللَّهُ لَنَا الْأَرْضَ ذَلُولًا نَمْشِي فِي مَنَاكِبِهَا
فَهِيَ تَحْتَ أَقْدَامِنَا نَطَؤُهَا بِهَا وَذَلِكَ غَايَةُ الذِّلَّةِ،
فَأُمِرْنَا أَنْ نَضَعَ عَلَيْهَا أَشْرَفَ مَا عِنْدَنَا وَهُوَ
الْوَجْهُ، وَأَنْ نُمَرِّغَهُ عَلَيْهَا جَبْرًا لِانْكِسَارِهَا بِوَضْعِ
الشَّرِيفِ عَلَيْهَا الَّذِي هُوَ وَجْهُ الْعَبْدِ، فَاجْتَمَعَ
بِالسُّجُودِ وَجْهُ الْعَبْدِ وَوَجْهُ الْأَرْضِ فَانْجَبَرَ كَسْرُهَا
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى «أَنَا عِنْدَ الْمُنْكَسِرَةِ قُلُوبُهُمْ»
فَلِذَلِكَ كَانَ الْعَبْدُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَقْرَبَ إلَى اللَّهِ
مِنْ سَائِرِ أَحْوَالِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ سَعَى فِي حَقِّ الْغَيْرِ
لَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَهُوَ جَبْرُ انْكِسَارِ الْأَرْضِ مِنْ
ذِلَّتِهَا اهـ مُنَاوِيٌّ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَقَدْ سُئِلَ
الْقَاضِي جَلَالُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ حُكْمِ سُجُودِ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحْتَ الْعَرْشِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ مِنْ حَيْثُ الْوُضُوءُ. فَأَجَابَ بِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى
طَهَارَةِ غُسْلِ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ حَيٌّ فِي قَبْرِهِ وَلَا نَاقِضَ
لِطَهَارَتِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْآخِرَةَ لَيْسَتْ
دَارَ تَكْلِيفٍ فَلَا يَتَوَقَّفُ السُّجُودُ عَلَى وُضُوءٍ قَوْلُهُ:
(وَهُوَ لُغَةً: التَّضَامُنُ وَالْمَيْلُ) قَالَ بَعْضُهُمْ: عَطْفُ
الْمَيْلِ عَلَى التَّضَامُنِ لِلتَّفْسِيرِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
التَّضَامُنُ هُوَ ابْتِدَاءُ الْمَيْلِ وَالْمَيْلُ انْتِهَاؤُهُ.
قَوْلُهُ: (أَقَلُّهُ مُبَاشَرَةُ إلَخْ) كَانَ حَقُّهُ أَنْ يُبَيِّنَ
حَقِيقَتَهُ أَوَّلًا بِأَنْ يَقُولَ: وَهُوَ وَضْعُ الْأَعْضَاءِ
السَّبْعَةِ مَعَ التَّحَامُلِ وَالتَّنْكِيسِ، ثُمَّ يَذْكُرُ أَقَلَّهُ
وَأَكْمَلَهُ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ أَكْمَلَهُ. وَعِبَارَةُ
بَعْضِهِمْ: قَوْلُهُ أَقَلُّهُ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي
أَنَّ حَقِيقَةَ السُّجُودِ شَرْعًا تَحْصُلُ بِوَضْعِ الْجَبْهَةِ
وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَقَلُّهُ وَضْعُ
الْجَبْهَةِ مَعَ بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ السَّبْعَةِ.
وَيُجَابُ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ صَحِيحٌ أَيْضًا لِأَنَّ
حَقِيقَةَ السُّجُودِ مَا ذَكَرَهُ، وَمَا زَادَ شُرُوطٌ لِلِاعْتِدَادِ
بِهِ قَوْلُهُ (مُبَاشَرَةُ بَعْضِ جَبْهَتِهِ مَا يُصَلِّي عَلَيْهِ) أَيْ
وَلَوْ عَلَى شَيْءٍ يَضَعُهُ تَحْتَهَا كَمِخَدَّةٍ إذَا عَجَزَ عَنْ
وَضْعِهَا عَلَى الْأَرْضِ، وَمَحَلُّ وُجُوبِ الْمِخَدَّةِ إذَا حَصَلَ
بِوَضْعِهَا التَّنْكِيسُ وَإِلَّا سُنَّتْ كَمَا فِي شَرْحِ م ر قَوْلُهُ:
(مِنْ أَرْضٍ أَوْ غَيْرِهَا) كَبَدَنِ غَيْرِهِ أَوْ مَلْبُوسِ غَيْرِهِ،
وَإِنْ كُرِهَ فِيهِمَا اهـ اج قَوْلُهُ: «إذَا سَجَدْت فَمَكِّنْ
جَبْهَتَك» فِيهِ أَنَّ التَّمْكِينَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْمُبَاشَرَةَ،
فَالدَّلِيلُ أَعَمُّ مِنْ الْمُدَّعَى وَالْأَوْلَى
(2/33)
أَوْ عِمَامَتِهِ جَازَ إنْ لَمْ
يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ،
فَإِنْ تَحَرَّكَ بِحَرَكَتِهِ فِي قِيَامٍ أَوْ قُعُودٍ أَوْ غَيْرِهِ
كَمِنْدِيلٍ عَلَى عَاتِقِهِ لَمْ يَجُزْ، فَإِنْ كَانَ مُتَعَمِّدًا
عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا لَمْ تَبْطُلْ
وَأَعَادَ السُّجُودَ وَلَوْ صَلَّى مِنْ قُعُودٍ فَلَمْ يَتَحَرَّكْ
بِحَرَكَتِهِ، وَلَوْ صَلَّى مِنْ قِيَامٍ لَتَحَرَّكَ لَمْ يَضُرَّ إذْ
الْعِبْرَةُ بِالْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ. هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَلَمْ أَرَ
مَنْ ذَكَرَهُ، وَخَرَجَ بِمُتَّصِلٍ بِهِ مَا هُوَ فِي حُكْمِ
الْمُنْفَصِلِ وَإِنْ تَحَرَّكَ بِحَرَكَتِهِ كَعُودٍ بِيَدِهِ فَلَا
يَضُرُّ السُّجُودُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ فِي نَوَاقِضِ
الْوُضُوءِ.
وَلَوْ سَجَدَ عَلَى شَيْءٍ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ كَوَرَقَةٍ
فَالْتَصَقَتْ بِجَبْهَتِهِ وَارْتَفَعَتْ مَعَهُ وَسَجَدَ عَلَيْهَا
ثَانِيًا ضَرَّ، وَإِنْ نَحَاهَا ثُمَّ سَجَدَ لَمْ يَضُرَّ.
وَلَوْ سَجَدَ عَلَى عِصَابَةِ جُرْحٍ أَوْ نَحْوِهِ لِضَرُورَةٍ بِأَنْ
شَقَّ عَلَيْهِ إزَالَتُهَا لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
الِاسْتِدْلَال عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ «خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ:
شَكَوْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
حَرَّ الرَّمْضَاءِ فِي جِبَاهِنَا وَأَكُفِّنَا فَلَمْ يُزِلْ شَكْوَانَا»
فَلَوْ لَمْ يَجِبْ مُبَاشَرَةُ الْمُصَلِّي بِالْجَبْهَةِ لَأَرْشَدَهُمْ
إلَى سَتْرِهَا.
قَوْلُهُ: (لِصِدْقِ اسْمِ السُّجُودِ عَلَيْهَا) وَإِنْ كَانَ
الِاقْتِصَارُ عَلَى بَعْضِهَا مَكْرُوهًا كَبَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ، هَذَا
وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ عَلَيْهِ أَيْ الْبَعْضِ إلَّا أَنْ
يُقَالَ إنَّهُ اكْتَسَبَ التَّأْنِيثَ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَلَا
بُدَّ لِصِحَّةِ السُّجُودِ مِنْ شُرُوطٍ سَبْعَةٍ: الطُّمَأْنِينَةُ
وَأَنْ لَا يَقْصِدَ بِهِ غَيْرَهُ فَقَطْ، وَأَنْ تَسْتَقِرَّ
الْأَعْضَاءُ كُلُّهَا دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَالتَّحَامُلُ عَلَى
الْجَبْهَةِ، وَالتَّنْكِيسُ وَهُوَ أَنْ تَرْفَعَ الْأَسَافِلَ عَلَى
الْأَعَالِي، وَكَشْفُ الْجَبْهَةِ، وَأَنْ لَا يَسْجُدَ عَلَى مُتَّصِلٍ
يَتَحَرَّكُ بِحَرَكَتِهِ وَكُلُّهَا تُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ
قَوْلُهُ: الْجَبِينُ وَهُوَ جَانِبُ الْجَبْهَةِ وَهُوَ فَوْقَ الصُّدْغِ
وَهُوَ مَا بَيْنَ الْعَيْنِ وَالْأُذُنِ فَلِلْإِنْسَانِ جَبِينَانِ
يَكْتَنِفَانِ الْجَبْهَةَ. فَإِنْ قُلْت: فَلِمَ أَفْرَدَهُ؟ أُجِيبَ
بِأَنَّ الْإِفْرَادَ يَجُوزُ أَنْ يُعَاقِبَ التَّثْنِيَةَ فِي كُلِّ
اثْنَيْنِ يُغْنِي أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ، كَالْعَيْنَيْنِ
وَالْأُذُنَيْنِ تَقُولُ: عَيْنٌ حَسَنَةٌ وَتُرِيدُ أَنَّ عَيْنَيْهِ
جَمِيعًا حَسَنَتَانِ قَالَهُ فِي الْمَصَابِيحِ. اهـ. قَسْطَلَّانِيٌّ
قَوْلُهُ: (فَلَا يَكْفِي وَضْعُهُمَا) أَيْ دُونَ الْجَبْهَةِ، وَيُنْدَبُ
وَضْعُهُمَا مَعًا ق ل قَوْلُهُ: (عَلَى مُتَّصِلٍ بِهِ) وَلَوْ عَلَى
طَرَفٍ شُدَّ عَلَى كَتِفِهِ، أَوْ طَرَفِ مِئْزَرٍ فِي وَسَطِهِ ق ل
قَوْلُهُ: (فِي قِيَامٍ) أَيْ لِمَنْ يُصَلِّي قَائِمًا أَوْ قُعُودٍ
لِمَنْ يُصَلِّي قَاعِدًا قَوْلُهُ: (وَأَعَادَ السُّجُودَ) أَيْ إنْ
تَذَكَّرَ فِي صُورَةِ النِّسْيَانِ، أَوْ عَلِمَ فِي صُورَةِ الْجَهْلِ
عَقِبَ السُّجُودِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ إلَّا بَعْدَ الصَّلَاةِ
اسْتَأْنَفَهَا ق ل. تَنْبِيهٌ: التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ بَيْنَ
التَّحَرُّكِ وَعَدَمِهِ لَا يَجْرِي فِي جُزْئِهِ كَسِلْعَةٍ طَالَتْ أَيْ
فِي غَيْرِ الْجَبْهَةِ. فَلَا يَكْفِي السُّجُودُ عَلَيْهَا مُطْلَقًا،
أَمَّا مَا نَبَتَ بِالْجَبْهَةِ مِنْ شَعْرٍ أَوْ سِلْعَةٍ فَإِنَّهُ
يُجْزِي السُّجُودُ عَلَيْهِ وَإِنْ طَالَ اهـ م د.
قَوْلُهُ: (لَمْ يَضُرَّ) تَبِعَ فِيهِ شَيْخَ الْإِسْلَامِ وَاعْتَمَدَ م
ر خِلَافَهُ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ التَّحَرُّكَ بِالْقُوَّةِ. وَالشَّارِحُ
وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ حَجَرٍ يَعْتَبِرُونَ التَّحَرُّكَ
بِالْفِعْلِ وَاعْتَمَدَ الْقَلْيُوبِيُّ كَلَامَ الشَّارِحِ حَيْثُ قَالَ:
وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ وَمُخَالَفَةُ شَيْخِنَا
الرَّمْلِيِّ فِي ذَلِكَ لَا وَجْهَ لَهَا فَتَأَمَّلْ. وَدَعْوَى
الشَّارِحِ أَنَّهُ لَمْ يَرَ مَنْ ذَكَرَهُ مَمْنُوعَةٌ اهـ. وَقَدْ
يُقَالُ: نَفْيُ الرُّؤْيَةِ لَا يُنَافِي أَنَّ غَيْرَهُ ذَكَرَهُ
فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ: (كَعُودٍ بِيَدِهِ فَلَا يَضُرُّ السُّجُودُ
عَلَيْهِ) وَيُفَارِقُ مَا مَرَّ بِأَنَّ اتِّصَالَ الثِّيَابِ بِهِ
وَنِسْبَتَهَا إلَيْهِ أَكْثَرُ لِاسْتِقْرَارِهَا وَطُولِ مُدَّتِهَا
بِخِلَافِ هَذَا، وَلَيْسَ مِثْلَهُ الْمِنْدِيلُ الَّذِي عَلَى
عِمَامَتِهِ وَالْمُلْقَى عَلَى عَاتِقِهِ لِأَنَّهُ مَلْبُوسٌ لَهُ
بِخِلَافِ مَا فِي يَدِهِ انْتَهَى م ر. فَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَلَهُ
أَنْ يَسْجُدَ عَلَى عُودٍ إلَخْ تَقْيِيدُ الْمَحْمُولِ الْمُتَقَدِّمِ
بِالْمَلْبُوسِ كَمَا قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ
قَوْلُهُ: (ضَرَّ) أَيْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ عَامِدًا عَالِمًا
وَإِلَّا فَلَا تَبْطُلُ، وَيَجِبُ إعَادَةُ مَا احْتَمَلَ وُجُودُهُ أَيْ
الْحَائِلُ فِيهِ ق ل
قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوِهِ) كَوَجَعِ رَأْسِهِ قَوْلُهُ: (بِأَنْ شَقَّ
عَلَيْهِ إزَالَتُهَا) أَيْ مَشَقَّةً لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً وَإِنْ لَمْ
تُبِحْ التَّيَمُّمَ ق ل. وَيَكْفِي غَلَبَةُ الظَّنِّ وَلَا يَتَوَقَّفُ
عَلَى قَوْلِ الطَّبِيبِ الْعَدْلِ إنَّ إزَالَتَهَا تَشُقُّ عَلَيْهِ،
وَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَةٌ إلَّا إنْ كَانَ تَحْتَهُ نَجَسٌ غَيْرُ
مَعْفُوٍّ عَنْهُ انْتَهَى م ر. وَلَوْ سَجَدَ عَلَى نَحْوِ وَرَقَةٍ
فَالْتَصَقَتْ، فَإِنْ أَزَالَهَا ثُمَّ سَجَدَ ثَانِيًا لَمْ يَضُرَّ،
وَلَوْ لَمْ يَدْرِ الْتِصَاقَهُ فِي أَيِّ سَجْدَةٍ فَإِنْ رَآهُ بَعْدَ
الْأَخِيرَةِ وَجَوَّزَ أَنَّهُ كَانَ فِيمَا قَبْلَهَا وَلَوْ الْأُولَى
قَدَّرَ أَنَّهُ فِيهَا وَحُسِبَ لَهُ رَكْعَةٌ إلَّا سَجْدَةً
فَيُنَحِّيهِ وَيَسْجُدُهَا، ثُمَّ يُكْمِلُ الصَّلَاةَ أَوْ قَبْلَ
(2/34)
لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَلْزَمْهُ مَعَ
الْإِيمَاءِ لِلْعُذْرِ فَهَذَا أَوْلَى، وَكَذَا لَوْ سَجَدَ عَلَى شَعْرٍ
نَبَتَ عَلَى جَبْهَتِهِ لِأَنَّ مَا نَبَتَ عَلَيْهَا مِثْلُ بَشَرَتِهِ
ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ
. وَيَجِبُ وَضْعُ جُزْءٍ مِنْ رُكْبَتَيْهِ وَمِنْ بَاطِنِ كَفَّيْهِ
وَمِنْ بَاطِنِ أَصَابِعِ قَدَمَيْهِ فِي السُّجُودِ لِخَبَرِ
الشَّيْخَيْنِ: «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ:
الْجَبْهَةِ، وَالْيَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَأَطْرَافِ
الْقَدَمَيْنِ» . وَلَا يَجِبُ كَشْفُهَا بَلْ يُكْرَهُ كَشْفُ
الرُّكْبَتَيْنِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ
فَرْعٌ: لَوْ خُلِقَ لَهُ رَأْسَانِ وَأَرْبَعُ أَرْجُلٍ هَلْ يَجِبُ
عَلَيْهِ وَضْعُ بَعْضِ كُلٍّ مِنْ الْجَبْهَتَيْنِ وَمَا بَعْدَهُمَا أَمْ
لَا؟ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يُنْظَرُ، فِي ذَلِكَ إنْ عَرَفَ الزَّائِدَ
فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ وَإِلَّا اكْتَفَى فِي الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ
الْوَاجِبِ بِوَضْعِ بَعْضِ إحْدَى الْجَبْهَتَيْنِ وَبَعْضِ يَدَيْنِ
وَرُكْبَتَيْنِ وَأَصَابِعِ رِجْلَيْنِ إنْ كَانَتْ كُلُّهَا أَصْلِيَّةً،
فَإِنْ اشْتَبَهَ الْأَصْلِيُّ بِالزَّائِدِ وَجَبَ وَضْعُ جُزْءٍ مِنْ
كُلٍّ مِنْهَا.
(وَ) الْعَاشِرُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (الطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ) أَيْ
السُّجُودِ لِحَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ، وَيَجِبُ أَنْ يُصِيبَ مَحَلَّ
سُجُودِهِ ثِقَلُ رَأْسِهِ لِلْخَبَرِ الْمَارِّ: «إذَا سَجَدْت فَمَكِّنْ
جَبْهَتَك» . وَمَعْنَى الثِّقَلِ أَنْ يَتَحَامَلَ بِحَيْثُ لَوْ فُرِضَ
تَحْتَهُ قُطْنٌ أَوْ حَشِيشٌ لَانْكَبَسَ وَظَهَرَ أَثَرُهُ فِي يَدٍ لَوْ
فُرِضَتْ تَحْتَ ذَلِكَ، وَلَا يُعْتَبَرُ هَذَا فِي بَقِيَّةِ
الْأَعْضَاءِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ وَعِبَارَةِ
التَّحْقِيقِ، وَيُنْدَبُ أَنْ يَضَعَ كَفَّيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ
وَيَنْشُرَ أَصَابِعَهُمَا مَضْمُومَةً لِلْقِبْلَةِ وَيَعْتَمِدَ
عَلَيْهِمَا، وَيَجِبُ أَنْ لَا يَهْوِيَ لِغَيْرِ السُّجُودِ كَمَا مَرَّ
فِي الرُّكُوعِ، فَلَوْ سَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ مِنْ الِاعْتِدَالِ وَجَبَ
الْعَوْدُ إلَيْهِ لِيَهْوِيَ مِنْهُ لِانْتِفَاءِ الْهَوِيِّ فِي
السُّقُوطِ فَإِنْ سَقَطَ مِنْ الْهَوِيِّ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعَوْدُ بَلْ
يُحْسَبُ ذَلِكَ سُجُودًا، إلَّا إنْ قَصَدَ بِوَضْعِ الْجَبْهَةِ
الِاعْتِمَادَ عَلَيْهَا فَقَطْ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ إعَادَةُ السُّجُودِ
لِوُجُودِ الصَّارِفِ. وَلَوْ سَقَطَ مِنْ الْهَوِيِّ عَلَى جَنْبِهِ
فَانْقَلَبَ بِنِيَّةِ السُّجُودِ أَوْ بِلَا نِيَّةٍ أَوْ بِنِيَّتِهِ
وَنِيَّةِ الِاسْتِقَامَةِ وَسَجَدَ أَجْزَأَهُ، فَإِنْ نَوَى
الِاسْتِقَامَةَ لَمْ يُجْزِهِ لِوُجُودِ الصَّارِفِ بَلْ يَجْلِسُ ثُمَّ
يَسْجُدُ وَلَا يَقُومُ ثُمَّ يَسْجُدُ، فَإِنْ قَام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
سُجُودِ الْأُولَى حُسِبَ لَهُ رَكْعَةٌ بِغَيْرِ سُجُودٍ أَوْ بَعْدَ
فَرَاغِ الصَّلَاةِ، فَإِنْ احْتَمَلَ حُدُوثَهُ بَعْدَهَا فَالْأَصْلُ
مُضِيُّهَا عَلَى الصِّحَّةِ، وَإِلَّا فَإِنْ قَرُبَ الْفَصْلُ بَنَى
وَأَخَذَ بِالْأَسْوَأِ وَإِلَّا اسْتَأْنَفَهَا.
قَوْلُهُ: (وَكَذَا لَوْ سَجَدَ عَلَى شَعْرٍ نَبَتَ عَلَى جَبْهَتِهِ)
أَيْ وَإِنْ طَالَ، وَقَدَّرَ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى غَيْرِ مَا لَاقَى
الشَّعْرُ لِأَنَّهُ كَجُزْءٍ مِنْ الْجَبْهَةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا
الْعَزِيزِيُّ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعُمَّهَا م ر. قَالَ ق ل: أَيْ وَلَمْ
يَسْجُدْ عَلَى طَرَفِهِ الْمُسْتَرْسِلِ عَنْهَا وَإِلَّا فَلَا يَكْفِي
كَمَا مَرَّ قَوْلُهُ: (ذَكَرَهُ) أَيْ ذَكَرَ مَا ذَكَرَ مِنْ صِحَّةِ
السُّجُودِ عَلَى الشَّعْرِ
قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ إلَخْ) عَبَّرَ بِهِ دُونَ أَنْ يَقُولَ: وَوَضْعُ
جُزْءٍ عَطْفًا عَلَى مُبَاشَرَةٍ، وَيَكُونُ لَفْظُ أَقَلَّ مُسَلَّطًا
عَلَيْهِ لِأَنَّ الْغَرَضَ بِهِ رَدُّ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ
أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَضْعُ غَيْرِ الْجَبْهَةِ، فَأَرَادَ رَدَّهُ
صَرِيحًا. وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ وَضْعُ جُزْءٍ مِنْ رُكْبَتَيْهِ
الِاكْتِفَاءُ بِالسُّجُودِ عَلَى بَعْضِ رُكْبَةٍ وَيَدٍ وَأَصَابِعِ
قَدَمٍ وَاحِدَةٍ، لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ بَعْضُ
الرُّكْبَتَيْنِ وَالْيَدَيْنِ وَأَصَابِعِ الْقَدَمَيْنِ. وَيُجَابُ عَنْ
ذَلِكَ بِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِلِاسْتِغْرَاقِ إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ
عَهْدٌ وَلَا يُصْرَفُ عَنْهُ إلَى الْمَجْمُوعِ إلَّا بِقَرِينَةٍ،
فَكَأَنَّهُ قَالَ هُنَا بَعْضِ كُلٍّ مِنْ الرُّكْبَتَيْنِ إلَى آخِرِهِ
انْتَهَى ع ش عَلَى الْمَنْهَجِ. وَيُتَصَوَّرُ رَفْعُ جَمِيعِ
الْأَعْضَاءِ مَا عَدَا الْجَبْهَةَ بِأَنْ يُصَلِّيَ عَلَى حَجَرَيْنِ
يَضَعُ رِجْلَيْهِ عَلَى أَحَدِهِمَا وَالْجَبْهَةَ عَلَى الْآخَرِ
بَيْنَهُمَا حَائِطٌ قَصِيرٌ يَضَعُ بَطْنَهُ عَلَيْهِ، وَيَرْفَعُهَا أَيْ
الْأَعْضَاءَ انْتَهَى شَرْحُ الرَّمْلِيِّ.
قَوْلُهُ: (وَضْعُ جُزْءٍ) وَلَوْ قَلِيلًا جِدًّا حِفْنِيٌّ قَوْلُهُ:
(مِنْ رُكْبَتَيْهِ) أَيْ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا قَوْلُهُ: (وَمِنْ بَاطِنِ
كَفَّيْهِ) سَوَاءٌ الْأَصَابِعُ وَالرَّاحَةُ، وَضَابِطُهُ مَا يُنْقَضُ
مِنْهُ سم وَقِ ل. أَيْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ أَصْلِيًّا فَلَا يَكْفِي
وَضْعُ الزَّائِدِ وَإِنْ نَقَضَ مَسُّهُ، وَالْمُرَادُ وَضْعُهُمَا فِي
آنٍ وَاحِدٍ مَعَ الْجَبْهَةِ فِيمَا يَظْهَرُ، حَتَّى لَوْ وَضَعَهُمَا
ثُمَّ رَفَعَهُمَا ثُمَّ وَضَعَ الْجَبْهَةَ أَوْ عَكَسَ لَمْ يَكْفِ
لِأَنَّهَا أَعْضَاءٌ تَابِعَةٌ لِلْجَبْهَةِ، وَإِذَا رَفَعَ الْجَبْهَةَ
مِنْ السَّجْدَةِ الْأُولَى وَجَبَ عَلَيْهِ رَفْعُ الْكَفَّيْنِ أَيْضًا خ
ض. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَضْعُ الْكَفَّيْنِ عَلَى
الرُّكْبَتَيْنِ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ كَمَا قَالَهُ
الزِّيَادِيُّ. وَفِي حَاشِيَةِ ع ش عَلَى م ر: وَانْظُرْ لَوْ خُلِقَ
كَفُّهُ مَقْلُوبًا هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ وَضْعُ ظَهْرِ الْكَفِّ أَوْ لَا؟
فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الظُّهْرَ فِي حَقِّهِ
بِمَنْزِلَةِ الْبَطْنِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ. وَبَقِيَ مَا لَوْ عَرَضَ لَهُ
الِانْقِلَابُ هَلْ يَجِبُ وَضْعُ الْبَطْنِ وَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ أَمْ
لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ ذَلِكَ وَلَوْ
بِمُعَيَّنٍ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا.
قَالَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الشَّوْبَرِيُّ: وَانْظُرْ لَوْ خُلِقَ
بِلَا كَفٍّ <m s =1>
وَبِلَا أَصَابِعَ هَلْ يُقَدِّرُ لَهُ مِقْدَارَهُمَا وَيَجِبُ وَضْعُ
ذَلِكَ أَمْ لَا؟ أَقُولُ: قِيَاسُ النَّظَائِرِ تَقْدِيرُ مَا ذَكَرَ
كَمَا لَوْ خُلِقَتْ يَدُهُ بِلَا مِرْفَقٍ وَذَكَرُهُ بِلَا حَشَفَةٍ مِنْ
أَنَّهُ يُقَدِّرُ لَهُمَا مِنْ مُعْتَدِلِهِمَا قَوْلُهُ: (أَصَابِعِ
قَدَمَيْهِ) وَلَوْ جُزْءًا مِنْ أُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ مِنْ كُلِّ رِجْلٍ
كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَعِبَارَةُ الرَّحْمَانِيِّ
قَوْلُهُ بِبَاطِنِ الْكَفِّ أَيْ بِجُزْءٍ مِنْهَا وَلَوْ بَاطِنَ
أُصْبُعٍ، كَذَا فِي الرَّجْلِ. نَعَمْ إنْ عَجَزَ لِنَحْوِ شَلَلٍ فَعَلَ
مَقْدُورَهُ، فَلَوْ تَعَذَّرَ وَضْعُ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ
سَقَطَ الْفَرْضُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ، فَلَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ مِنْ
الزَّنْدِ لَمْ يَجِبْ وَضْعُهُ وَلَا وَضْعُ رِجْلٍ قُطِعَتْ لِفَوَاتِ
مَحَلِّ الْفَرْضِ. قَوْلُهُ: «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ
أَعْظُمٍ» وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ وَضْعِ الْبَاطِنِ «أَنَّهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَدَ وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ
رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ» ، وَمِنْ لَازِمِ ذَلِكَ اعْتِمَادُهُ عَلَى
بُطُونِهَا. اهـ. م ر. وَسَمَّى كُلَّ وَاحِدَةٍ عَظْمًا بِاعْتِبَارِ
الْجُمْلَةِ وَإِنْ اشْتَمَلَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى عِظَامٍ، وَيَجُوزُ أَنْ
يَكُونَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الْجُمْلَةِ بِاسْمِ بَعْضِهَا كَمَا فِي
فَتْحِ الْبَارِي قَوْلُهُ: (وَلَا يَجِبُ كَشْفُهَا) إلَّا الْجَبْهَةَ
فَيَجِبُ كَشْفُهَا كَمَا تَقَدَّمَ مَدَابِغِيٌّ قَوْلُهُ: (بَلْ يُكْرَهُ
كَشْفُ الرُّكْبَتَيْنِ) أَيْ غَيْرَ الْجُزْءِ الَّذِي لَا تَتِمُّ
الْعَوْرَةُ إلَّا بِهِ، أَمَّا هُوَ فَيَحْرُمُ كَشْفُهُ وَتَبْطُلُ بِهِ
صَلَاتُهُ ح ل وَعِبَارَةُ التَّحْرِيرِ وَحَوَاشِيهِ. وَيُسَنُّ كَشْفُ
الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ أَيْ فِي حَقِّ الرَّجُلِ إذْ الْمَرْأَةُ
يَجِبُ عَلَيْهَا سَتْرُ قَدَمَيْهَا، وَيُكْرَهُ كَشْفُ كَفَّيْهَا كَمَا
يُؤْخَذُ مِنْ عِلَّةِ كَشْفِ الرُّكْبَتَيْنِ ق ل. وَقَوْلُهُ: إذْ
الْمَرْأَةُ يَجِبُ عَلَيْهَا سَتْرُ قَدَمَيْهَا
(2/35)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
أَيْ الْحُرَّةُ كَمَا مَرَّ، وَقَوْلُهُ وَيُكْرَهُ كَشْفُ كَفَّيْهَا
ضَعِيفٌ، وَعِبَارَةُ الرَّحْمَانِيِّ قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ كَشْفُ
الْيَدَيْنِ فِي حَقِّ الذَّكَرِ وَغَيْرِهِ وَكَشْفُ قَدَمَيْ الذَّكَرِ،
وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيَجِبُ سَتْرُ قَدَمَيْهِ، وَيُسَنُّ سَتْرُ
الرُّكْبَتَيْنِ لِلذَّكَرِ وَالْأَمَةِ:
قَوْلُهُ: (وَأَرْبَعُ أَرْجُلٍ) أَيْ وَأَرْبَعُ رُكَبٍ قَوْلُهُ:
(الَّذِي يَظْهَرُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ مَتَى كَانَتْ أَصْلِيَّةً
اكْتَفَى بِوَضْعِ سَبْعَةِ أَعْظُمٍ مِنْهَا فَقَطْ، فَإِنْ كَانَ
بَعْضُهَا أَصْلِيًّا وَبَعْضُهَا زَائِدًا وَتَمَيَّزَ فَالْعِبْرَةُ
بِالْأَصْلِيِّ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَمَيَّزْ فَيَجِبُ وَضْعُ
الْجَمِيعِ لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ
قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ الزَّائِدُ وَهَذَا
يَصْدُقُ بِعَدَمِهِ لِأَنَّ السَّالِبَةَ تَصْدُقُ بِنَفْيِ الْمَوْضُوعِ
كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: إذَا كَانَتْ كُلُّهَا أَصْلِيَّةً.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ
الزَّائِدُ بِأَنْ كَانَتْ كُلُّهَا أُصُولًا، أَوْ اشْتَبَهَ الْأَصْلِيُّ
بِالزَّائِدِ قَوْلُهُ: (وَبَعْضِ يَدَيْنِ) أَيْ مِنْ الْأَيْدِي
الْأَرْبَعَةِ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ
قَوْلُهُ: (وَظَهَرَ أَثَرُهُ) أَيْ أَثَرُ الْقُطْنِ أَوْ الْحَشِيشِ.
أَوْ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلِانْكِبَاسِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ
انْكَبَسَ، وَأَثَرُهُ هُوَ الْإِحْسَاسُ. وَفِي بِمَعْنَى اللَّامِ أَيْ
ظَهَرَ الْإِحْسَاسُ لِيَدٍ لَوْ وُضِعَتْ تَحْتَ ذَلِكَ. وَالْمُرَادُ
مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنْ يَنْدَكَّ مِنْ الْقُطْنِ مَا يَلِي
جَبْهَتَهُ عُرْفًا، فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ
مَثَلًا عِدْلٌ مِنْ الْقُطْنِ لَا يُمْكِنُ انْكِبَاسُ جَمِيعِهِ
بِمُجَرَّدِ وَضْعِ الرَّأْسِ وَإِنْ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَتَنَبَّهْ لَهُ
ع ش عَلَى الرَّمْلِيِّ. وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ: كَأَنَّ الْمُرَادَ
بِظُهُورِهِ إحْسَاسُهَا بِهِ لَا حُصُولُ أَلَمٍ بِهَا فَفِي بِمَعْنَى
اللَّامِ قَوْلُهُ: (وَلَا يُعْتَبَرُ إلَخْ) خِلَافًا لِشَيْخِ
الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ وَعِبَارَةُ الْقَلْيُوبِيِّ، وَيَجِبُ
فِيهَا يَعْنِي الْجَبْهَةِ التَّحَامُلُ دُونَ بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ
قَوْلُهُ: (لِيَهْوِيَ) بَابُهُ ضَرَبَ قَوْلُهُ: (لِانْتِفَاءِ
الْهَوِيِّ) أَيْ قَصْدِهِ وَإِلَّا فَهُوَ مَوْجُودٌ قَوْلُهُ: (فَإِنْ
سَقَطَ مِنْ الْهَوِيِّ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ مِنْ الِاعْتِدَالِ قَوْلُهُ:
(لَمْ يَلْزَمْهُ الْعَوْدُ) صَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ: لَمْ يُطْلَبْ مِنْهُ
بَلْ إنْ عَادَ عَامِدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ
غَيْرُ مَطْلُوبَةٍ وَهِيَ فِعْلٌ مُبْطِلٌ قَوْلُهُ: (الِاعْتِمَادَ
عَلَيْهَا فَقَطْ) بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرَكَ قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ
يَلْزَمُهُ إعَادَةُ السُّجُودِ) أَيْ بَعْدَ أَدْنَى رَفْعٍ فِيمَا
يَظْهَرُ لِوُجُودِ الْهَوِيِّ الْمُجْزِئِ إلَى وَضْعِ الْجَبْهَةِ،
وَلَمْ يَخْتَلَّ إلَّا مُجَرَّدُ وَضْعِهَا بِقَصْدِ الِاعْتِمَادِ
فَأُلْغِيَ دُونَ الْهَوِيِّ. فَقَوْلُ الشَّارِحِ: إلَّا إنْ قَصَدَ إلَخْ
اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ بَلْ يُحْسَبُ ذَلِكَ سُجُودٌ إلَّا مِنْ
قَوْلِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعَوْدُ قَوْلُهُ: (لِوُجُودِ الصَّارِفِ)
وَهُوَ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهَا، فَالْمُعْتَبَرُ الْعَوْدُ إلَى مَحَلٍّ
وُجِدَ فِيهِ الصَّارِفُ مُطْلَقًا. فَرْعٌ: لَوْ سَجَدَ عَلَى شَيْءٍ
خَشِنٍ يُؤْذِي جَبْهَتَهُ مَثَلًا فَإِنْ زَحْزَحَ جَبْهَتَهُ عَنْهُ مِنْ
غَيْرِ رَفْعٍ لَمْ يَضُرَّ، وَكَذَا إنْ رَفَعَهَا قَلِيلًا ثُمَّ عَادَ
وَلَمْ يَكُنْ اطْمَأَنَّ وَإِلَّا كَأَنْ رَفَعَهَا قَلِيلًا بَعْدَ
الطُّمَأْنِينَةِ ثُمَّ عَادَ بَطَلَتْ، وَكَذَا لَوْ سَجَدَ عَلَى نَحْوِ
يَدِهِ. وَلَوْ رَفَعَ جَبْهَتَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَعَادَ بَطَلَتْ
صَلَاتُهُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ اطْمَأَنَّ أَوْ لَا ق ل.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ سَقَطَ مِنْ الْهَوِيِّ عَلَى جَنْبِهِ إلَخْ) جُمْلَةُ
الصُّوَرِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّارِحُ فِي ذَلِكَ خَمْسَةٌ،
وَالْخَامِسَةُ هِيَ قَوْلُهُ: فِيمَا يَأْتِي وَإِنْ نَوَى مَعَ ذَلِكَ
صَرْفَهُ إلَخْ. وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ إلَّا فِي هَذِهِ الْخَامِسَةِ
قَوْلُهُ: (فَإِنْ نَوَى الِاسْتِقَامَةَ) أَيْ فَقَطْ قَوْلُهُ:
(2/36)
عَامِدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ
كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا، وَإِنْ نَوَى مَعَ ذَلِكَ
صَرْفَهُ عَنْ السُّجُودِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ زَادَ فِعْلًا لَا
يُزَادُ مِثْلُهُ فِي الصَّلَاةِ عَامِدًا.
وَيَجِبُ فِي السُّجُودِ أَنْ تَرْتَفِعَ أَسَافِلُهُ عَلَى أَعَالِيهِ
لِلِاتِّبَاعِ كَمَا صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، فَلَوْ صَلَّى فِي
سَفِينَةٍ مَثَلًا وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ارْتِفَاعِ ذَلِكَ
لِمَيَلَانِهَا صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ وَلَزِمَتْهُ الْإِعَادَةُ
لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ. نَعَمْ إنْ كَانَ بِهِ عِلَّةٌ لَا يُمْكِنُهُ
مَعَهَا السُّجُودُ إلَّا كَذَلِكَ صَحَّ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ السُّجُودُ
عَلَى وِسَادَةٍ بِتَنْكِيسٍ لَزِمَهُ لِحُصُولِ هَيْئَةِ السُّجُودِ
بِذَلِكَ، أَوْ بِلَا تَنْكِيسٍ لَمْ يَلْزَمْهُ السُّجُودُ عَلَيْهَا
لِفَوَاتِ هَيْئَةِ السُّجُودِ بَلْ يَكْفِيهِ الِانْحِنَاءُ الْمُمْكِنُ
خِلَافًا لِمَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ.
(وَ) الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (الْجُلُوسُ بَيْنَ
السَّجْدَتَيْنِ) وَلَوْ فِي نَفْلٍ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «كَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ
جَالِسًا» كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَهَذَا فِيهِ رَدٌّ عَلَى أَبِي
حَنِيفَةَ حَيْثُ يَقُولُ: يَكْفِي أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ عَنْ الْأَرْضِ
أَدْنَى رَفْعٍ كَحَدِّ السَّيْفِ.
(وَ) الثَّانِي عَشَرَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (الطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ)
لِحَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ، وَيَجِبُ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِرَفْعِهِ
غَيْرَهُ كَمَا مَرَّ فِي الرُّكُوعِ، فَلَوْ رَفَعَ فَزَعًا مِنْ شَيْءٍ
لَمْ يَكْفِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ إلَى السُّجُودِ، وَيَجِبُ
أَنْ لَا يُطَوِّلَهُ وَلَا الِاعْتِدَالَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
وَإِنْ نَوَى) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَإِنْ نَوَى الِاسْتِقَامَةَ لَمْ
يُجْزِهِ. وَقَوْلُهُ: مَعَ ذَلِكَ أَيْ مَعَ نِيَّةِ الِاسْتِقَامَةِ.
وَقَوْلُهُ صَرْفَهُ أَيْ الِانْقِلَابَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ:
وَإِنْ نَوَى مَعَ ذَلِكَ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ فَإِنْ نَوَى الِاسْتِقَامَةَ
فَنِيَّةُ الِاسْتِقَامَةِ فَقَطْ لَا تَقْتَضِي بُطْلَانَ الصَّلَاةِ
إلَّا إذَا انْضَمَّ لَهَا صَرْفُ الِانْقِلَابِ عَنْ السُّجُودِ.
وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ زَادَ فِعْلًا أَيْ وَهُوَ الِانْقِلَابُ الَّذِي
نَوَى صَرْفَهُ عَنْ السُّجُودِ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ ظَهَرَ أَنَّ فِي
قَوْلِ الشَّارِحِ عَنْ السُّجُودِ عَلَى بَابِهَا خِلَافًا لِمَنْ
جَعَلَهَا بِمَعْنَى اللَّامِ
قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ فِي السُّجُودِ أَنْ تَرْتَفِعَ أَسَافِلُهُ)
الْأَسَافِلُ الْعَجِيزَةُ وَمَا حَوْلَهَا، وَالْأَعَالِي رَأْسُهُ
وَمَنْكِبَاهُ وَيَدَاهُ، فَالْيَدَانِ مِنْ الْأَعَالِي كَمَا فِي ع ش.
وَصَوَّرَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ ارْتِفَاعَ الْيَدَيْنِ بِمَا
حَاصِلُهُ أَنَّهُ يَحْصُلُ ذَلِكَ بِوَضْعِ يَدَيْهِ عَلَى حَائِطٍ
مَثَلًا قُبَالَةَ وَجْهِهِ حَيْثُ كَانَتْ الْحَائِطُ قَصِيرَةً عُرْفًا
بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ مَعَ ذَلِكَ السُّجُودُ، فَهَذِهِ صُورَةُ مَا إذَا
ارْتَفَعَتْ يَدَاهُ عَلَى أَسَافِلِهِ. وَالْمُرَادُ أَنْ تَرْتَفِعَ
أَسَافِلُهُ أَيْ يَقِينًا فَيَضُرُّ الشَّكُّ وَلَوْ بَعْدَ الرَّفْعِ
مِنْ السُّجُودِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ، فَلَوْ انْعَكَسَ أَوْ
تَسَاوَيَا لَمْ يُجْزِهِ لِعَدَمِ اسْمِ السُّجُودِ كَمَا لَوْ أُكِبَّ
عَلَى وَجْهِهِ وَمَدَّ رِجْلَيْهِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَ
قَوْلَهُ وَأَنْ يَرْفَعَ أَسَافِلَهُ عَلَى الطُّمَأْنِينَةِ قَوْلُهُ:
(عَلَى وِسَادَةٍ) تُصَوَّرُ بِمَا إذَا كَانَتْ أَمَامَهُ حُفْرَةٌ لَوْ
وَضَعَ فِيهَا وِسَادَةً تُنَكَّسُ، وَقَوْلُهُ: أَوْ بِلَا تَنْكِيسٍ أَيْ
بِأَنْ زَادَ ارْتِفَاعُ الْوِسَادَةِ عَلَى الْحُفْرَةِ بِأَنْ عَلَتْ
عَلَى الْأَرْضِ الَّتِي هُوَ وَاقِفٌ عَلَيْهَا، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ
السُّجُودُ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ بَلْ يَكْفِيهِ الِانْحِنَاءُ الْمُمْكِنُ
كَمَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا شَرْحُ الرَّوْضِ. وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ
وَشَرْحُهُ: فَلَوْ أَمْكَنَ الْعَاجِزُ عَنْ وَضْعِ جَبْهَتِهِ عَلَى
الْأَرْضِ وَالسُّجُودِ عَلَى وِسَادَةٍ بِلَا تَنْكِيسٍ لَمْ يَلْزَمْهُ
السُّجُودُ عَلَيْهَا خِلَافًا لِمَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ لِفَوَاتِ
هَيْئَةِ السُّجُودِ، بَلْ يَكْفِيهِ الِانْحِنَاءُ الْمُمْكِنُ وَلَا
يُشْكِلُ بِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ
الِانْتِصَابُ إلَّا بِاعْتِمَادٍ عَلَى شَيْءٍ لَزِمَهُ لِأَنَّ هُنَاكَ
إذَا اعْتَمَدَ عَلَى شَيْءٍ أَتَى بِهَيْئَةِ الْقِيَامِ، وَهُنَا إذَا
وَضَعَ الْوِسَادَةَ لَا يَأْتِي بِهَيْئَةِ السُّجُودِ فَلَا فَائِدَةَ
فِي الْوَضْعِ أَوْ تَنْكِيسٍ لَزِمَهُ ذَلِكَ قَطْعًا لِحُصُولِ هَيْئَةِ
السُّجُودِ بِذَلِكَ انْتَهَى بِحُرُوفِهِ. وَقَوْلُهُ: تَنْكِيسٍ أَيْ
بِرَفْعِ أَسَافِلِهِ عَلَى أَعَالِيهِ قَوْلُهُ: (لَمْ يَلْزَمْهُ
السُّجُودُ عَلَيْهَا) بَلْ يُسَنُّ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّمْلِيِّ.
وَمِثْلُ مَنْ بِهِ عِلَّةٌ الْحَامِلُ وَنَحْوُهَا كَمَنْ طَالَ أَنْفُهُ
حَتَّى لَوْ لَمْ يُمْكِنْهَا وَضْعُ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ كَفَاهَا
الْإِيمَاءُ وَلَا إعَادَةَ قَوْلُهُ: (لِفَوَاتِ هَيْئَةِ السُّجُودِ)
أَيْ فَلَا فَائِدَةَ فِي الْوَضْعِ عَلَيْهَا قَوْلُهُ: (بَلْ يَكْفِيهِ
الِانْحِنَاءُ) أَيْ الِانْحِنَاءُ لِلسُّجُودِ فِي الْحُفْرَةِ وَلَا
يَضَعُ الْوِسَادَةَ فِيهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ قَوْلُهُ: (خِلَافًا
لِمَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ) أَيْ مِنْ لُزُومِ السُّجُودِ عَلَيْهَا
مُطْلَقًا.
قَوْلُهُ: (فَزَعًا مِنْ شَيْءٍ) بِفَتْحِ الزَّايِ مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ
لِإِفَادَةِ قَصْدِ الْفَزَعِ وَحْدَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قُرِئَ فَزِعًا
بِكَسْرِ الزَّايِ اسْمُ فَاعِلٍ عَلَى أَنَّهُ حَالٌ فَإِنَّهُ لَا
يُفِيدُ ذَلِكَ، وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ فَزَعًا أَيْ خَوْفًا،
أَمَّا لَوْ رَفَعَ ثُمَّ شَكَّ هَلْ كَانَ رَفْعُهُ لِلْفَزَعِ أَمْ
لِغَيْرِهِ هَلْ يُعْتَدُّ بِهِ أَمْ لَا فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ
الثَّانِي لِأَنَّ تَرَدُّدَهُ فِي ذَلِكَ شَكٌّ فِي الرَّفْعِ، وَالشَّكُّ
مُؤَثِّرٌ فِي جَمِيعِ
(2/37)
لِأَنَّهُمَا رُكْنَانِ قَصِيرَانِ لَيْسَا
مَقْصُودَيْنِ لِذَاتِهِمَا بَلْ لِلْفَصْلِ، وَأَكْمَلُهُ يُكَبِّرُ بِلَا
رَفْعِ يَدٍ مَعَ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ سُجُودِهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ
الشَّيْخَانِ، وَيَجْلِسُ مُفْتَرِشًا وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ لِلِاتِّبَاعِ
وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ قَرِيبًا مِنْ رُكْبَتَيْهِ بِحَيْثُ
تُسَامِتُهُمَا رُءُوسُ الْأَصَابِعِ، نَاشِرًا أَصَابِعَهُ مَضْمُومَةً
لِلْقِبْلَةِ كَمَا فِي السُّجُودِ قَائِلًا: رَبِّ اغْفِرْ لِي
وَارْحَمْنِي وَاجْبُرْنِي وَارْفَعْنِي وَارْزُقْنِي وَاهْدِنِي
وَعَافِنِي لِلِاتِّبَاعِ، ثُمَّ يَسْجُدُ الثَّانِيَةَ كَالْأُولَى فِي
الْأَقَلِّ وَالْأَكْمَلِ.
(وَ) الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (الْجُلُوسُ الْأَخِيرُ)
لِأَنَّهُ مَحَلُّ ذِكْرٍ وَاجِبٍ فَكَانَ وَاجِبًا كَالْقِيَامِ
لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ.
(وَ) الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (التَّشَهُّدُ فِيهِ)
أَيْ الْجُلُوسِ الْأَخِيرِ لِقَوْلِ «ابْنِ مَسْعُودٍ: كُنَّا نَقُولُ
قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا التَّشَهُّدُ: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ
قَبْلَ عِبَادِهِ، السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ، السَّلَامُ عَلَى
مِيكَائِيلَ، السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ. فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
الْأَفْعَالِ قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ أَنْ لَا يُطَوِّلَهُ) أَيْ الْجُلُوسَ
بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، فَإِنْ طَوَّلَ أَحَدَهُمَا فَوْقَ ذِكْرِهِ
الْمَشْرُوعِ فِيهِ قَدْرَ الْفَاتِحَةِ فِي الِاعْتِدَالِ وَقَدْرَ
أَقَلِّ التَّشَهُّدِ فِي الْجُلُوسِ عَامِدًا عَالِمًا بَطَلَتْ
صَلَاتُهُ. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ وَقَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْحَفْنَاوِيُّ
وَالْعَشْمَاوِيُّ قَوْلُهُ: (وَأَكْمَلُهُ يُكَبِّرُ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ
لَمْ يَذْكُرْ أَقَلَّهُ قَوْلُهُ: (وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ)
فَلَا يَضُرُّ إدَامَةُ وَضْعِهِمَا عَلَى الْأَرْضِ إلَى السَّجْدَةِ
الثَّانِيَةِ اتِّفَاقًا خِلَافًا لِمَنْ وَهَمَ فِيهِ قَوْلُهُ:
(وَاجْبُرْنِي) أَيْ اغْنِنِي، وَعَطْفُ اُرْزُقْنِي عَلَيْهِ مِنْ عَطْفِ
الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ لِأَنَّ الرِّزْقَ أَعَمُّ وَالْغِنَى أَخَصُّ
زِيَادِيٌّ. وَيُسَنُّ لِلْمُنْفَرِدِ وَإِمَامِ قَوْمٍ مَحْصُورِينَ
رَضُوا بِالتَّطْوِيلِ أَنْ يَزِيدُوا عَلَى ذَلِكَ " رَبِّ هَبْ لِي
قَلْبًا تَقِيًّا نَقِيًّا مِنْ الشِّرْكِ بَرِيًّا لَا كَافِرًا وَلَا
شَقِيًّا " م ر قَوْلُهُ: (وَارْزُقْنِي) أَيْ حَلَالًا لِانْصِرَافِ
الطَّلَبِ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الرِّزْقُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ مَا
اُنْتُفِعَ بِهِ وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا اهـ اج
قَوْلُهُ: (الْجُلُوسُ الْأَخِيرُ) لَوْ قَالَ: الْجُلُوسُ الَّذِي
يَعْقُبُهُ سَلَامٌ لَكَانَ أَشْمَلَ لِدُخُولِ نَحْوِ الصُّبْحِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْجُلُوسَ وَالتَّشَهُّدَ فِيهِ رُكْنَانِ إنْ
عَقِبَهُمَا سَلَامٌ وَإِلَّا فَسُنَّتَانِ
قَوْلُهُ: (التَّشَهُّدُ) سُمِّيَ بِهِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى
الشَّهَادَتَيْنِ، فَهُوَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ
جُزْئِهِ م ر. وَالتَّشَهُّدُ مِنْ الشَّهَادَةِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى
الشَّهَادَةِ بِالتَّوْحِيدِ لِلَّهِ وَبِالرِّسَالَةِ لِلنَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَوْلُهُ الْأَخِيرُ، أَيْ وَهُوَ
الَّذِي يَعْقُبُهُ سَلَامٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّلَاةِ تَشَهُّدٌ
أَوَّلٌ كَمَا فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْجُمُعَةِ، فَقَوْلُهُ الْأَخِيرُ
جَرَى عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ أَكْثَرَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ لَهَا
تَشَهُّدَانِ اهـ خِضْرٌ.
قَوْلُهُ: (كُنَّا نَقُولُ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِتَوْقِيفٍ أَوْ
اجْتِهَادٍ، وَأَنْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ أَوْ عَلَى سَبِيلِ
النَّدْبِ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. لَكِنْ نَهْيُ النَّبِيِّ لَهُمْ
عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: " لَا تَقُولُوا " إلَخْ رُبَّمَا يَدُلُّ عَلَى
أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَهُ مِنْ غَيْرِ تَشْرِيعٍ. وَعِبَارَةُ
الْقَسْطَلَّانِيِّ. قَوْلُهُ عَلَى فُلَانٍ زَادَ فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ
ابْنِ مَاجَهْ يَعْنُونَ الْمَلَائِكَةَ، وَالْأَظْهَرُ كَمَا قَالَ
الْأَبِيُّ أَنَّ هَذَا كَانَ اسْتِحْسَانًا مِنْهُمْ وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَسْمَعْهُ إلَّا حِينَ أَنْكَرَهُ
عَلَيْهِمْ، وَوَجْهُ الْإِنْكَارِ عَدَمُ اسْتِقَامَةِ الْمَعْنَى.
وَقَوْلُهُ كُنَّا لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْمَرْفُوعِ حَتَّى يَكُونَ
مَنْسُوخًا بِقَوْلِهِ: " إنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ " لِأَنَّ
النَّسْخَ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَصِحُّ مَعْنَاهُ وَلَيْسَ تَكَرُّرُ
ذَلِكَ مَظِنَّةً لِعِلْمِهِ بِهِ مِنْهُمْ لِأَنَّهُ فِي التَّشَهُّدِ
وَالتَّشَهُّدُ سِرٌّ اهـ. بِحُرُوفِهِ. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ
الرَّحْمَانِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ قَوْلَهُمْ كَانَ بِاجْتِهَادٍ
مِنْهُمْ، وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ
يَسْمَعْهُ إلَّا حِينَ أَنْكَرَهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَكَرُّرِهِ
مِنْهُمْ سَمَاعُهُ لِإِسْرَارِهِمْ بِهِ لَكِنَّهُ لَا يَتَأَتَّى جَوَازُ
الِاجْتِهَادِ مَعَ وُجُودِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ كَمَا أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ لَهُ الِاجْتِهَادَ
مُطْلَقًا اهـ. وَقَوْلُهُ مُطْلَقًا أَيْ فِي الْحُرُوبِ وَالْآرَاءِ
وَالْأَحْكَامِ خِلَافًا لِمَنْ خَصَّهُ بِالْحُرُوبِ وَالْآرَاءِ
قَوْلُهُ: (قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا التَّشَهُّدُ) اُسْتُفِيدَ
مِنْهُ أَنَّ فَرْضَ التَّشَهُّدِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ فَرْضِ الصَّلَاةِ،
وَأَنَّ صَلَاةَ جِبْرِيلَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - كَانَ الْجُلُوسُ فِيهَا مُسْتَحَبًّا أَوْ وَاجِبًا بِلَا
ذِكْرٍ م ر. وَقَوْلُهُ: بِلَا ذِكْرٍ فِيهِ نَظَرٌ إذْ نَفْسُ
الرِّوَايَةِ مُصَرِّحَةٌ بِالذِّكْرِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: كُنَّا نَقُولُ
السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ اهـ اج قَوْلُهُ: (قَبْلَ عِبَادِهِ) أَيْ قَبْلَ
أَنْ نَقُولَ السَّلَامُ عَلَى عِبَادِهِ أَيْ قَبْلَ أَنْ نَقُولَ
السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ إلَخْ. فَقَوْلُهُ السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ
إلَخْ بَيَانٌ لِعِبَادِهِ، وَمَعْنَى السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ طَلَبُ
سَلَامَتِهِ
(2/38)
لَا تَقُولُوا السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ
فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ وَلَكِنْ قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ»
إلَخْ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالدَّلَالَةُ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا التَّعْبِيرُ بِالْفَرْضِ. وَالثَّانِي: الْأَمْرُ بِهِ
وَالْمُرَادُ فَرْضُهُ فِي الْجُلُوسِ آخِرَ الصَّلَاةِ، وَأَقَلُّهُ مَا
رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ فِيهِ حَسَنٌ صَحِيحٌ:
«التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ فَرْضُهُ فِي الْجُلُوسِ آخِرَ الصَّلَاةِ،
وَأَقَلُّهُ: سَلَامٌ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ
وَبَرَكَاتُهُ، سَلَامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ
أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ
أَوْ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» ، وَهَلْ يُجْزِئُ وَأَنَّ
مُحَمَّدًا رَسُولُهُ؟ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الصَّوَابُ إجْزَاؤُهُ
لِثُبُوتِهِ فِي تَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِلَفْظِ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ،
وَقَدْ حَكَوْا الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ التَّشَهُّدِ بِالرِّوَايَاتِ
كُلِّهَا وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا اشْتَرَطَ لَفْظَةَ عَبْدِهِ اهـ. وَهَذَا
هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَأَكْمَلُهُ التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ
الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا
النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
مِنْ النَّقَائِصِ. وَقَوْلُهُ: السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ أَيْ مَا
صَدَّقَهُ كَإِسْرَافِيلَ فَالْمُرَادُ بِهِ وَاحِدٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ.
وَقَوْلُهُ: «فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ» لِأَنَّ السَّلَامَ اسْمٌ
مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى قَوْلُهُ: «لَا تَقُولُوا السَّلَامُ عَلَى
اللَّهِ» إلَخْ إنْ قُلْت لَفْظُ السَّلَامِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ اسْمِ
اللَّهِ وَالتَّحِيَّةِ، فَقَوْلُ الْقَائِلِ: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ
مَعْنَاهُ التَّحِيَّةُ أَيْ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ، فَكَيْفَ النَّهْيُ
عَنْ ذَلِكَ مَعَ صِحَّةِ مَعْنَاهُ؟ قُلْت: تَحَاشِيًا عَنْ اللَّفْظِ
الْمُوهِمِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ مَا ذَكَرَ اهـ. قَوْلُهُ:
(آخِرَ الصَّلَاةِ) أَيْ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَامَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ ثُمَّ سَجَدَ فِي آخِرِ
صَلَاتِهِ سَجْدَتَيْنِ» .
قَوْلُهُ: (وَأَقَلُّهُ إلَخْ) وَلَا يَجُوزُ إبْدَالُ لَفْظٍ مِنْ هَذَا
الْأَقَلِّ وَلَوْ بِمُرَادِفِهِ نَحْوِ: أَعْلَمُ بَدَلَ أَشْهَدُ وَلَا
أَحْمَدَ بَدَلُ مُحَمَّدٍ. وَفِي الْأَنْوَارِ يَأْتِي فِيهِ نَظِيرُ مَا
مَرَّ فِي الْفَاتِحَةِ مِنْ مُرَاعَاةِ التَّشْدِيدِ وَعَدَمِ
الْإِبْدَالِ وَغَيْرِهِمَا. نَعَمْ فِي النَّبِيِّ لُغَتَانِ الْهَمْزُ
وَالتَّشْدِيدُ، فَيَجُوزُ كُلٌّ مِنْهُمَا لَا تَرْكُهُمَا مَعًا، وَعَلَى
هَذَا لَوْ أَظْهَرَ النُّونَ الْمُدْغَمَةَ فِي اللَّامِ فِي أَنْ لَا
إلَهَ إلَّا اللَّهُ أُبْطِلَ لِتَرْكِهِ شَدَّةً وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ
حَرْفٍ. نَعَمْ لَا يَبْعُدُ عُذْرُ الْجَاهِلِ لِخَفَائِهِ عَلَيْهِ م ر.
وَفِيهِ أَنَّهُ لَمْ يُسْقِطْ حَرْفًا وَإِنَّمَا أَظْهَرَ الْمُدْغَمَ،
وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَوْ أَظْهَرَ التَّنْوِينَ الْمُدْغَمَ
فِي الرَّاءِ فِي وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَفِيهِ أَنَّ هَذَا
لَا يَزِيدُ عَلَى اللَّحْنِ الَّذِي لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى عَلَى أَنَّ
الْبَزِّيَّ خَيَّرَ بَيْنَ الْإِدْغَامِ وَالْإِظْهَارِ فِيهِمَا أَيْ فِي
النُّونِ وَالتَّنْوِينِ مَعَ اللَّامِ وَالرَّاءِ، وَلَوْ فَتَحَ اللَّامَ
مِنْ رَسُولُ لَمْ يَضُرَّ لِأَنَّهُ لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى وَلَا
حُرْمَةَ مَعَ الْعِلْمِ وَالتَّعَمُّدِ. نَعَمْ لَوْ نَوَى الْعَالِمُ
بِهِ الْوَصْفِيَّةَ وَلَمْ يُضْمِرْ خَبَرًا لِأَنَّهُ أُبْطِلَ لِفَسَادِ
الْمَعْنَى، وَحَيْثُ جُعِلَ أَقَلُّ التَّشَهُّدِ كَالْفَاتِحَةِ فَمَتَى
أَبْدَلَ حَرْفًا مِنْهُ بِآخَرَ لَمْ تَصِحَّ قِرَاءَةُ تِلْكَ
الْكَلِمَةِ. وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَلَا تَبْطُلُ إلَّا حَيْثُ كَانَ
عَامِدًا عَالِمًا وَقَدْ غَيَّرَ ذَلِكَ الْإِبْدَالُ الْمَعْنَى. اهـ.
حَلَبِيٌّ عَلَى الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا لَوْ أَظْهَرَ
النُّونَ الْمُدْغَمَةَ إلَى قَوْلِهِ أَبْطَلَ ضَعِيفٌ. وَقَوْلُهُ
وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَوْ أَظْهَرَ التَّنْوِينَ إلَخْ
الْمُعْتَمَدِ فِي هَذَيْنِ عَدَمُ الْبُطْلَانِ كَمَا فِي الشبراملسي،
لِأَنَّهُ لَمَّا أَظْهَرَ التَّنْوِينَ فِي الصِّيغَةِ الْأُخْرَى وَهِيَ:
وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ لَمْ يَضُرَّ إظْهَارُهُ هُنَا.
وَقَوْلُهُ لَا تَرْكُهُمَا مَعًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْوَقْفِ أَوْ
غَيْرِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِلْقَلْيُوبِيِّ حَيْثُ جَوَّزَا
إسْقَاطَهُمَا مَعًا فِي الْوَقْفِ.
قَوْلُهُ: (سَلَامٌ عَلَيْك) وَحَذْفُ تَنْوِينِ سَلَامٌ مُبْطِلٌ عَلَى
الْمُعْتَمَدِ قَوْلُهُ: (وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ إلَخْ) .
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَكْفِي وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ
اللَّهِ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا
رَسُولُهُ عَلَى مَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ. وَذِكْرُ الْوَاوِ بَيْنَ
الشَّهَادَتَيْنِ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ فِي الْأَذَانِ
لِأَنَّهُ طُلِبَ فِيهِ إفْرَادُ كُلِّ كَلِمَةٍ بِنَفَسٍ وَذَلِكَ
يُنَاسِبُ تَرْكَ الْعَطْفِ، وَتَرْكُهَا فِي الْإِقَامَةِ لَا يَضُرُّ
إلْحَاقًا لَهَا بِأَصْلِهَا وَهُوَ الْأَذَانُ زِيَادِيٌّ قَوْلُهُ:
(بِلَفْظِ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ) هَذَا لَا يُنْتِجُ الْمُدَّعَى لِأَنَّ
الْمُدَّعَى أَنَّهُ يُجْزِئُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُهُ وَهَذَا فِيهِ
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ مَحَلُّ الِاسْتِدْلَالِ
الِاكْتِفَاءُ بِالضَّمِيرِ قَوْلُهُ: (وَأَكْمَلُهُ التَّحِيَّاتُ إلَخْ)
بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، جَمْعُ تَحِيَّةٍ
وَهِيَ مَا يُحَيَّا بِهِ مِنْ سَلَامٍ وَغَيْرِهِ وَمِنْهُ {وَإِذَا
حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ} [النساء: 86] الْآيَةَ. وَقِيلَ الْمُلْكُ وَقِيلَ
الْعَظَمَةُ وَقِيلَ السَّلَامَةُ مِنْ الْآفَاتِ، وَالْقَصْدُ بِذَلِكَ
الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ مَالِكٌ لِجَمِيعِ
التَّحِيَّاتِ مِنْ الْخَلْقِ،
(2/39)
وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ،
أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا
رَسُولُ اللَّهِ.
(وَ) الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (الصَّلَاةُ عَلَى
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ) أَيْ
التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {صَلُّوا عَلَيْهِ}
[الأحزاب: 56]
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
وَإِنَّمَا جُمِعَتْ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُلُوكِ كَانَ لَهُ
تَحِيَّةٌ مَعْرُوفَةٌ
وَقَدْ وَرَدَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ لَمَّا جَاوَزَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى غَشِيَتْهُ
سَحَابَةٌ مِنْ نُورٍ فِيهَا مِنْ الْأَلْوَانِ مَا شَاءَ اللَّهُ،
فَوَقَفَ جِبْرِيلُ وَلَمْ يَسِرْ مَعَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ:
أَتَتْرُكُنِي أَسِيرُ مُنْفَرِدًا فَقَالَ جِبْرِيلُ {وَمَا مِنَّا إِلا
لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} [الصافات: 164] فَقَالَ: سِرْ مَعِي وَلَوْ
خُطْوَةً فَسَارَ مَعَهُ خُطْوَةً فَكَادَ أَنْ يَحْتَرِقَ مِنْ النُّورِ
وَالْجَلَالِ وَالْهَيْبَةِ وَصَغُرَ وَذَابَ حَتَّى صَارَ قَدْرَ
الْعُصْفُورِ، فَأَشَارَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - بِأَنْ يُسَلِّمَ عَلَى رَبِّهِ إذَا وَصَلَ مَكَانَ
الْخِطَابِ، فَلَمَّا وَصَلَ النَّبِيُّ إلَيْهِ قَالَ: التَّحِيَّاتُ
الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ فَقَالَ اللَّهُ
تَعَالَى: السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ
وَبَرَكَاتُهُ فَحَبَّ النَّبِيُّ أَنْ يَكُونَ لِعِبَادِ اللَّهِ
الصَّالِحِينَ نَصِيبٌ مِنْ هَذَا الْمَقَامِ فَقَالَ: السَّلَامُ
عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ فَقَالَ جَمِيعُ أَهْلِ
السَّمَوَاتِ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ» . وَإِنَّمَا لَمْ يَحْصُلْ لِلنَّبِيِّ
مِثْلُ مَا حَصَلَ لِجِبْرِيلَ مِنْ الْمَشَقَّةِ وَعَدَمِ الطَّاقَةِ
لِأَنَّ النَّبِيَّ مُرَادٌ وَمَطْلُوبٌ، فَأَعْطَاهُ اللَّهُ قُوَّةً
وَاسْتِعْدَادًا لِتَحَمُّلِ هَذَا الْمَقَامِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ
وَلِذَلِكَ لَمَّا تَجَلَّى اللَّهُ لِلْجَبَلِ انْدَكَّ وَغَارَ فِي
الْأَرْضِ وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا مِنْ الْجَلَالِ لِأَنَّ مُوسَى طَالِبٌ
وَمُرِيدٌ وَمُحَمَّدٌ مَطْلُوبٌ وَمُرَادٌ، وَفَرْقٌ كَبِيرٌ بَيْنَ
الْمَقَامَيْنِ. اهـ. حِفْنِيٌّ. وَذَكَرَ الْفَشْنِيُّ فِي شَرْحِ
الْأَرْبَعِينَ أَنَّهُ وَرَدَ «أَنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً اسْمُهَا
التَّحِيَّاتُ، وَعَلَيْهَا طَائِرٌ اسْمُهُ الْمُبَارَكَاتُ، وَتَحْتَهَا
عَيْنٌ اسْمُهَا الطَّيِّبَاتُ فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ ذَلِكَ فِي كُلِّ
صَلَاةٍ نَزَلَ ذَلِكَ الطَّائِرُ مِنْ فَوْقِ الشَّجَرَةِ وَانْغَمَسَ فِي
تِلْكَ الْعَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا وَهُوَ يَنْفُضُ أَجْنِحَتَهُ
فَيَتَقَطَّرُ الْمَاءُ مِنْ عَلَيْهِ فَيَخْلُقُ اللَّهُ مِنْ كُلِّ
قَطْرَةٍ مِنْهُ مَلَكًا يَسْتَغْفِرُ لِذَلِكَ الْعَبْدِ إلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ» . اهـ. بِرْمَاوِيٌّ قَوْلُهُ: (الْمُبَارَكَاتُ) أَيْ
النَّامِيَاتُ وَالْبَرَكَةُ النَّمَاءُ، وَثُبُوتُ الْخَيْرِ الْإِلَهِيِّ
وَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ أَوْ أَعَمُّ، وَالطَّيِّبَاتُ الْأَعْمَالُ
الصَّالِحَةُ وَالسَّلَامُ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى فَالْمَعْنَى اسْمُ
اللَّهِ عَلَيْك وَعَلَيْنَا أَيْ الْحَاضِرِينَ: وَالصَّالِحُ الْمُسْلِمُ
أَوْ الْقَائِمُ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ الْعِبَادِ،
وَالْحَمِيدُ الْمَحْمُودُ وَالْمَجِيدُ الْكَامِلُ فِي الشَّرَفِ
رَحْمَانِيٌّ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُبَارَكَاتِ إلَخْ كُلَّهَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى
التَّحِيَّاتِ بِحَذْفِ حَرْفِ الْعَطْفِ، وَلَيْسَتْ نُعُوتًا كَمَا لَا
يُخْفِي شَيْخُنَا. وَلَوْ أَخَلَّ بِتَرْتِيبِ التَّشَهُّدِ نُظِرَ إنْ
غَيَّرَ تَغَيُّرًا مُبْطِلًا لِلْمَعْنَى لَمْ يُحْسَبْ مَا جَاءَ بِهِ
وَإِنْ تَعَمَّدَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَبْطُلْ الْمَعْنَى
أَجْزَأَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ إنْ غَيَّرَ
تَغَيُّرًا مُبْطِلًا لِلْمَعْنَى كَأَنْ يَقُولَ التَّحِيَّاتُ
الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ عَلَيْك السَّلَامُ لِلَّهِ، وَذَلِكَ
لِأَنَّ لِلَّهِ خَبَرُ التَّحِيَّاتِ وَعَلَيْك خَبَرُ السَّلَامِ كَمَا
قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ وَعِبَارَةُ شَرْحِ شَيْخِنَا. وَلَا
يُشْتَرَطُ تَرْتِيبُ التَّشَهُّدِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ
حَيْثُ لَمْ يُغَيِّرْ مَعْنَاهُ، فَإِنْ غَيَّرَ لَمْ تَصِحَّ وَتَبْطُلُ
صَلَاتُهُ إنْ تَعَمَّدَ، أَمَّا مُوَالَاتُهُ فَشَرْطٌ كَمَا فِي
التَّتِمَّةِ. وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إنَّهُ قِيَاسُ مَا مَرَّ فِي
قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ
تَعَالَى - اهـ. وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ قَوْلُهُ: وَتَجِبُ
الْمُوَالَاةُ بَيْنَ كَلِمَاتِ التَّشَهُّدِ بِأَنْ لَا يَفْصِلَ بَيْنَ
كَلِمَاتِهِ بِغَيْرِهَا، وَلَوْ مِنْ ذِكْرٍ أَوْ قُرْآنٍ. نَعَمْ
يُغْتَفَرُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ بَعْدَ إلَّا اللَّهُ لِأَنَّهَا
وَرَدَتْ فِي رِوَايَةٍ اهـ. وَلَا يَضُرُّ زِيَادَةُ يَاءِ النِّدَاءِ
قَبْلَ " أَيُّهَا " وَمِيمٍ فِي عَلَيْك كَمَا قَالَهُ ق ل.
قَوْلُهُ: (وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - إلَخْ) حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ
ادَّعَتْ دَعَاوَى ثَلَاثَةً: الدَّعْوَى الْأُولَى وُجُوبُ الصَّلَاةِ
عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالثَّانِيَةُ: كَوْنُهَا
فِي الصَّلَاةِ. وَالثَّالِثَةُ: كَوْنُهَا فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ.
وَلَا بُدَّ لِكُلِّ دَعْوَى مِنْ دَلِيلٍ، فَأَمَّا دَلِيلُ الْأُولَى
فَقَوْلُهُ صَلُّوا وَقُولُوا فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ، وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي
الْوُجُوبَ، وَأَمَّا دَلِيلُ الثَّانِيَةِ فَالْحَدِيثُ الَّذِي زِيدَ
فِيهِ فِي صَلَاتِنَا، وَأَمَّا دَلِيلُ الثَّالِثَةِ فَصَلَاتُهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى نَفْسِهِ فِي الْوِتْرِ وَقَوْلُهُ
«صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» أَفَادَهُ شَيْخُنَا
الْعَزِيزِيُّ قَوْلُهُ:
(2/40)
قَالُوا: وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ
عَلَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَتَعَيَّنَ وُجُوبُهَا
فِيهَا، وَالْقَائِلُ بِوُجُوبِهَا مَرَّةً فِي غَيْرِهَا مَحْجُوجٌ
بِإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ وَلِحَدِيثِ: «عَرِّفْنَا كَيْفَ نُصَلِّي
عَلَيْك إذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا عَلَيْك. فَقَالَ: قُولُوا اللَّهُمَّ
صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ» إلَخْ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ: «كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك إذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا عَلَيْك
فِي صَلَاتِنَا؟ فَقَالَ: قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ
وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ» إلَخْ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ
فِي صَحِيحِهِ. وَالْمُنَاسِبُ لَهَا مِنْ الصَّلَاةِ التَّشَهُّدُ
آخِرَهَا فَتَجِبُ فِيهِ أَيْ بَعْدَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي
الْمَجْمُوعِ. وَقَدْ «صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - عَلَى نَفْسِهِ فِي الْوِتْرِ» كَمَا رَوَاهُ أَبُو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
أَيْ التَّشَهُّدِ) أَيْ عَقِبَهُ، وَلَوْ جُعِلَ الضَّمِيرُ عَائِدًا
لِلْجُلُوسِ كَمَا هُوَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِتَوَافُقِ الضَّمَائِرِ
لَكَانَ صَوَابًا، لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ وَالتَّشَهُّدُ فِيهِ
رَاجِعٌ لِلْجُلُوسِ وَسَقَطَ بِهِ حِينَئِذٍ اعْتِرَاضُهُ الْآتِي
بِقَوْلِهِ: وَلَا يُؤْخَذُ إلَخْ فَتَأَمَّلْ. وَقَوْلُهُ: فِيهِ أَيْ
التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ كَانَ الظَّاهِرُ عَوْدَ الضَّمِيرِ عَلَى
الْجُلُوسِ كَمَا أَعَادَهُ عَلَيْهِ فِيمَا قَبْلَهُ، لِأَنَّ
الْمُتَبَادَرَ مِنْ قَوْلِهِ وَالْجُلُوسُ الْأَخِيرُ وَالتَّشَهُّدُ
فِيهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- فِيهِ عَوْدُ الضَّمِيرِ فِيهِمَا لِلْجُلُوسِ لَا كُلُّ وَاحِدٍ لِمَا
قَبْلَهُ، وَلِأَنَّ عَوْدَهُ لِلتَّشَهُّدِ يُوهِمُ أَنَّهُ فِي
أَثْنَائِهِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ بَعْدَهُ
وَعِبَارَةُ ق ل قَوْلُهُ فِيهِ: أَيْ التَّشَهُّدِ أَيْ عَقِبَهُ، لَوْ
جُعِلَ الضَّمِيرُ عَائِدًا لِلْجُلُوسِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِ
الْمُصَنِّفِ بِتَوَافُقِ الضَّمَائِرِ لَكَانَ صَوَابًا وَسَقَطَ بِهِ
اعْتِرَاضُهُ الْآتِي بِقَوْلِهِ وَلَا يُؤْخَذُ إلَخْ تَأَمَّلْ. وَقَدْ
يُجَابُ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِالتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ الْجُلُوسُ لَهُ
وَأَطْلَقَ الْحَالَ وَأَرَادَ الْمَحَلَّ لَكِنْ لَا يُنَاسِبُ اعْتِرَاضَ
الشَّارِحِ. اهـ. مَدَابِغِيٌّ قَوْلُهُ: (صَلُّوا عَلَيْهِ) اعْلَمْ
أَنَّهُ يَحْتَاجُ لِدَلِيلٍ عَلَى كَوْنِهَا فِي الصَّلَاةِ. وَدَلِيلٍ
عَلَى صِيغَتِهَا وَدَلِيلٍ عَلَى مَحَلِّهَا مِنْ الصَّلَاةِ. وَقَدْ
ذَكَرَ الثَّلَاثَةَ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ قَوْلُهُ: (قَالُوا إلَخْ)
صِيغَةُ تَبَرِّي، وَسَبَبُهُ قَوْلُ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ قَوْلُهُمْ:
أَجْمَعُوا عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ خَارِجَهَا إنْ أَرَادُوا عَيْنًا
فَصَحِيحٌ لَكِنَّهُ لَا يُنْتِجُ وُجُوبَهَا عَيْنًا فِي الصَّلَاةِ،
وَإِنْ أَرَادُوا أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ الْوُجُوبُ الْمُطْلَقُ
فَمَمْنُوعٌ وَأَيْضًا فِي الْكَشَّافِ فِي الْأَحْزَابِ ثَلَاثَةٌ
أَقْوَالٍ تَجِبُ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ مَرَّةً وَإِنْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهُ،
تَجِبُ كُلَّمَا ذُكِرَ، تَجِبُ فِي الْعُمْرِ مَرَّةً؛ قَالَ:
وَالِاحْتِيَاطُ فِعْلُهَا كُلَّمَا ذُكِرَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْأَخْبَارِ.
اهـ. عَمِيرَةُ شَوْبَرِيٌّ. وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْبَرِّ:
اُخْتُلِفَ فِي وَقْتِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا كُلُّ صَلَاةٍ
وَاخْتَارَهُ الشَّافِعِيُّ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ مِنْهَا.
وَالثَّانِي فِي الْعُمْرِ مَرَّةً. وَالثَّالِثُ كُلَّمَا ذُكِرَ.
وَاخْتَارَهُ الْحَلِيمِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، وَالطَّحَاوِيُّ مِنْ
الْحَنَفِيَّةِ، وَاللَّخْمِيُّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ، وَابْنُ بَطَّةَ
مِنْ الْحَنَابِلَةِ. وَالرَّابِعُ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ. وَالْخَامِسُ فِي
أَوَّلِ كُلِّ دُعَاءٍ وَوَسَطِهِ وَآخِرِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَجْعَلُونِي كَقَدَحِ الرَّاكِبِ، اجْعَلُونِي
فِي أَوَّلِ كُلِّ دُعَاءٍ وَفِي وَسَطِهِ وَفِي آخِرِهِ» اهـ.
قَوْلُهُ: (مَحْجُوجٌ) أَيْ مَمْنُوعٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ عَلَى
عَدَمِ الْوُجُوبِ، فَكَأَنَّهُ خَرَقَ الْإِجْمَاعَ فَالْقَائِلُونَ
بِوُجُوبِهَا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ خَارِقُونَ لِلْإِجْمَاعِ فَلَا
يَنْبَغِي مِنْهُمْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: (فَقَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ إلَخْ)
هَذَا دَلِيلُ كَيْفِيَّتِهَا قَوْلُهُ: (وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ) مُقْتَضَى
الْحَدِيثِ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْآلِ وَاجِبَةٌ لَكِنَّ الْإِجْمَاعَ
صَدَّنَا عَنْ ذَلِكَ، فَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى
الْآلِ لَا تَجِبُ قَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةٍ «كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك»
إلَخْ وَجْهُ ذِكْرِ الْحَدِيثِ الثَّانِي أَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ ثِقَةٍ
وَهِيَ مَقْبُولَةٌ، فَيَدُلُّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَهُوَ
وُجُوبُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي
الصَّلَاةِ قَوْلُهُ: (وَالْمُنَاسِبُ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُنَاسَبَةَ
لَا تَصْلُحُ دَلِيلًا. قَالَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ: وَجْهُ
الْمُنَاسَبَةِ أَنَّهَا دُعَاءٌ وَهُوَ أَلْيَقُ بِالْخَوَاتِيمِ، وَهَذَا
لَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ قَوْلُهُ: (أَيْ بَعْدَهُ) هَلْ الْمُرَادُ بِهِ
عَقِبُهُ أَوْ الْأَعَمُّ شَوْبَرِيٌّ. وَعِبَارَةُ الْحَلَبِيِّ: وَلَا
تَجِبُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ التَّشَهُّدِ وَقَالَ سم عَلَى
ابْنِ حَجَرٍ: وَلَا يَبْعُدُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ
رُكْنٌ مُسْتَقِلٌّ. وَقَوْلُهُ: أَيْ بَعْدَهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا
خَارِجَةٌ عَنْ مُسَمَّى التَّشَهُّدِ لَيْسَتْ بَعْضًا وَلَا جُزْءًا
مِنْهُ وَهُوَ حَقٌّ لَا شُبْهَةَ فِيهِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ
أَقَلُّ التَّشَهُّدِ كَذَا وَلَمْ يَذْكُرُوهَا فِي الْأَقَلِّ، فَلَوْ
كَانَتْ بَعْضًا مِنْهُ مَا صَحَّ أَنْ أَقَلَّهُ كَذَا مِنْ غَيْرِ
ذِكْرِهَا فِيهِ اهـ سم اهـ خ ض.
(2/41)
عَوَانَةَ فِي مُسْنَدِهِ وَقَالَ:
«صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَلَمْ يُخْرِجْهَا شَيْءٌ عَنْ
الْوُجُوبِ، وَأَمَّا عَدَمُ ذِكْرِهَا فِي خَبَرِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ
فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مَعْلُومَةً لَهُ وَلِهَذَا لَمْ
يُذْكَرْ لَهُ التَّشَهُّدُ وَالْجُلُوسُ لَهُ وَالنِّيَّةُ وَالسَّلَامُ.
وَإِذَا وَجَبَتْ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَجَبَ الْقُعُودُ لَهَا بِالتَّبَعِيَّةِ، وَلَا يُؤْخَذُ
وُجُوبُ الْقُعُودِ لَهَا مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ، وَأَقَلُّ
الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَآلِهِ: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ. وَأَكْمَلُهَا:
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت
عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ
وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ
إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّك حَمِيدٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: «وَقَدْ صَلَّى النَّبِيُّ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْوِتْرِ» أَيْ
فِي تَشَهُّدِهِ الْأَخِيرِ، وَيُقَاسُ عَلَيْهِ بَاقِي الصَّلَوَاتِ
وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ أَيْ فِي الْقُنُوتِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ كَلَامَ
الشَّارِحِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ. وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ لَمْ
يَظْهَرْ وَجْهٌ لِتَخْصِيصِ الْوِتْرِ مَعَ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى نَفْسِهِ
فِي الْوِتْرِ وَغَيْرِهِ، وَلَعَلَّهُ بِحَسَبِ مَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ
الرَّاوِي فَلَا يُنَافِي صَلَاتَهُ عَلَى نَفْسِهِ فِي غَيْرِهِ قَوْلُهُ:
وَقَالَ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي» إلَخْ أَيْ وَقَدْ عَلِمْنَاهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى نَفْسِهِ فِي
التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ. وَقَالَ شَيْخُنَا الْمَدَابِغِيُّ عَلَى
التَّحْرِيرِ: وَالْمَنْقُولُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ فِي تَشَهُّدِهِ: وَأَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ
اللَّهِ» ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْأَذَانِ. قَالَ الزَّرْكَشِيّ:
وَهُوَ مَمْنُوعٌ بَلْ الْمَنْقُولُ أَنَّ تَشَهُّدَهُ كَتَشَهُّدِنَا.
وَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ
الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ. وَتَعْرِيفُ السَّلَامِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ
فِي التَّشَهُّدِ أَوْلَى مِنْ تَنْكِيرِهِ لِكَثْرَتِهِ فِي الْأَخْبَارِ،
وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَلِزِيَادَتِهِ وَمُوَافَقَتِهِ سَلَامَ
التَّحَلُّلِ وَذِكْرُ الْوَاوِ بَيْنَ الشَّهَادَتَيْنِ لَا بُدَّ مِنْهُ
اهـ
قَوْلُهُ: (وَلَمْ يُخْرِجْهَا شَيْءٌ عَنْ الْوُجُوبِ) أَيْ بِخِلَافِهَا
فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ أَخْرَجَهَا فِيهِ عَنْ الْوُجُوبِ
فِيهِ قِيَامُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ
الرَّكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ، وَسَلَّمَ وَلَمْ يَسْتَدْرِكْ إذْ
عَدَمُ تَدَارُكِهِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ فَرْضِيَّتِهِ أَيْ لِأَنَّ
الْوَاجِبَ لَا يُجْبَرُ بِسُجُودِ السَّهْوِ قَوْلُهُ: (وَأَقَلُّ
الصَّلَاةِ إلَخْ) وَلَا يَتَعَيَّنُ مَا ذَكَرَهُ بَلْ يَكْفِي صَلَّى
اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ أَوْ عَلَى رَسُولِهِ أَوْ عَلَى النَّبِيِّ دُونَ
أَحْمَدَ، وَعَلَيْهِ فَلَا يَكْفِي الضَّمِيرُ وَإِنْ تَقَدَّمَ
مَرْجِعُهُ وَتَكْفِي الصَّلَاةُ عَلَى مُحَمَّدٍ إنْ قَصَدَ بِهَا
الدُّعَاءَ، وَلَا يَكْفِي هُنَا وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى الرَّسُولِ أَوْ
الْمَاحِي أَوْ الْعَاقِبِ أَوْ الْبَشِيرِ أَوْ النَّذِيرِ وَيُجْزِئُ فِي
الْخُطْبَةِ مَدَابِغِيٌّ قَوْلُهُ: (وَآلِهِ) أَيْ عَلَى الْقَوْلِ
بِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْآلِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَاجِبَةٌ،
وَعَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ عَدَمِ الْوُجُوبِ فَيَكُونُ أَقَلُّ
الصَّلَاةِ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ فَلَا يَكُونُ هَذَا أَقَلَّ
الصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ كَمَا قَرَّرَهُ
شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ، أَوْ مُرَادُهُ، وَأَقَلُّ الصَّلَاةِ لَا
بِقَيْدِ الْوُجُوبِ تَأَمَّلْ قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى
مُحَمَّدٍ) تَقَدَّمَ السَّلَامُ فَسَقَطَتْ كَرَاهَةُ إفْرَادِهَا عَنْهُ
عَلَى أَنَّ مَحَلَّهَا فِي غَيْرِ مَا وَرَدَ عَنْ الشَّارِعِ، حَتَّى
لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ بَرَّ بِمَا هُنَا
قَصَدَهُ أَوْ أَطْلَقَ فَلَا يُقَالُ إنَّ إفْرَادَهَا مَكْرُوهٌ فَلَا
يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ.
نَعَمْ انْضِمَامُ السَّلَامِ لَهَا أَفْضَلُ وَأَكْمَلُ وَهِيَ مِنْ
اللَّهِ رَحْمَةٌ مَقْرُونَةٌ بِتَعْظِيمٍ وَمِنَّا طَلَبُ ذَلِكَ لَهُ
قَوْلُهُ: (كَمَا صَلَّيْت إلَخْ) التَّشْبِيهُ رَاجِعٌ لِلصَّلَاةِ عَلَى
الْآلِ لَا لِلصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ
إبْرَاهِيمَ، فَكَيْفَ تُشَبَّهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ بِالصَّلَاةِ عَلَى
إبْرَاهِيمَ شَيْخُنَا حِفْنِيٌّ. وَقَدْ يُقَالُ: لَا مَحْذُورَ فِي
ذَلِكَ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لَا بَيْنَ
الذَّاتَيْنِ. وَقَالَ ق ل: لَا يَخْفَى أَنَّ التَّشْبِيهَ مِنْ حَيْثُ
طَلَبُ الصَّلَاةِ وَالْبَرَكَةِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَيْفِيَّةٍ أَوْ
كَمِّيَّةٍ تَأَمَّلْ. وَعِبَارَةُ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ قَوْلُهُ: كَمَا
صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إلَخْ هَذَا تَشْبِيهٌ
مِنْ حَيْثُ أَصْلُ الصَّلَاةِ مِنْ حَيْثُ الْمُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّ
نَبِيَّنَا أَفْضَلُ مِنْ إبْرَاهِيمَ، فَمَعْنَاهُ: اللَّهُمَّ صَلِّ
عَلَى مُحَمَّدٍ بِمِقْدَارِ فَضْلِهِ وَشَرَفِهِ عِنْدَك كَمَا صَلَّيْت
عَلَى إبْرَاهِيمَ بِمِقْدَارِ فَضْلِهِ وَشَرَفِهِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ
تَعَالَى {فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ} [البقرة: 200]
يَعْنِي اُذْكُرُوا اللَّهَ بِقَدْرِ نِعَمِهِ وَآلَائِهِ عَلَيْكُمْ كَمَا
تَذْكُرُونَ آبَاءَكُمْ بِمِقْدَارِ نِعَمِهِمْ عَلَيْكُمْ، وَتَشْبِيهُ
الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ يَصِحُّ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ لَا
يُشْبِهُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى
عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ} [آل عمران: 59] يَعْنِي مِنْ وَجْهٍ
وَاحِدٍ وَهُوَ تَخْلِيقٌ عِيسَى مِنْ غَيْرِ أَبٍ اهـ قَوْلُهُ: (وَعَلَى
آلِ إبْرَاهِيمَ إلَخْ) إنَّمَا خَصَّ وَإِسْحَاقُ وَإِسْمَاعِيلُ مَعَ
أَنَّ لَهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ ابْنًا لِشَرَفِهِمَا وَعِظَمِ
(2/42)
مَجِيدٌ.» وَفِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ
زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَنَقْصٌ. وَآلُ إبْرَاهِيمَ إسْمَاعِيلُ
وَإِسْحَاقُ وَأَوْلَادُهُمَا، وَخَصَّ إبْرَاهِيمَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ
الرَّحْمَةَ وَالْبَرَكَةَ لَمْ يَجْتَمِعَا لِنَبِيٍّ غَيْرِهِ قَالَ
تَعَالَى: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ}
[هود: 73] . فَائِدَةٌ: كُلُّ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ بَعْدِ إبْرَاهِيمَ -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ وَلَدِهِ إِسْحَاقَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ -، وَأَمَّا إسْمَاعِيلُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- لَمْ يَكُنْ مِنْ نَسْلِهِ نَبِيٌّ إلَّا نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ:
وَلَعَلَّ الْحِكْمَةَ فِي ذَلِكَ انْفِرَادُهُ بِالْفَضِيلَةِ فَهُوَ
أَفْضَلُ الْجَمِيعِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.
وَالتَّحِيَّاتُ جَمْعُ تَحِيَّةٍ وَهِيَ مَا يُحَيَّا بِهِ مِنْ سَلَامٍ
وَغَيْرِهِ وَالْقَصْدُ بِذَلِكَ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى
بِأَنَّهُ مَالِكٌ لِجَمِيعٍ التَّحِيَّاتِ مِنْ الْخَلْقِ، وَمَعْنَى
الْمُبَارَكَاتِ النَّامِيَاتُ، وَالصَّلَوَاتُ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ،
وَالطَّيِّبَاتُ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ، وَالسَّلَامُ مَعْنَاهُ اسْمُ
السَّلَامِ أَيْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْك وَعَلَيْنَا أَيْ الْحَاضِرِينَ
مِنْ إمَامٍ وَمَأْمُومٍ وَمَلَائِكَةٍ وَغَيْرِهِمْ. وَالْعِبَادُ جَمْعُ
عَبْدٍ، وَالصَّالِحِينَ جَمْعُ صَالِحٍ وَهُوَ الْقَائِمُ بِحُقُوقِ
اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ عِبَادِهِ، وَالرَّسُولُ هُوَ الَّذِي
يُبَلِّغُ خَبَرَ مَنْ أَرْسَلَهُ، وَحَمِيدٌ بِمَعْنَى مَحْمُودٍ،
وَمَجِيدٌ بِمَعْنَى مَاجِدٍ وَهُوَ مَنْ كَمُلَ شَرَفًا وَكَرَمًا.
(وَ) السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (التَّسْلِيمَةُ
الْأُولَى) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا
التَّسْلِيمُ» قَالَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
قَدْرِهِمَا، وَإِبْرَاهِيمُ اسْمٌ مَعْنَاهُ أَبٌ رَحِيمٌ مَاتَ وَهُوَ
ابْنُ مِائَتَيْ سَنَةٍ. وَقِيلَ مِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ،
وَأَكْبَرُ أَوْلَادِهِ إسْمَاعِيلُ بِاللَّامِ وَبِالنُّونِ أَيْضًا
وَوُلِدَ إِسْحَاقُ بَعْدَهُ بِأَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَعَاشَ
إِسْحَاقُ مِائَةً وَثَمَانِينَ سَنَةً وَمَعْنَى إِسْحَاقَ
بِالْعِبْرَانِيَّةِ الضَّحَّاكُ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْإِتْقَانِ
لِلسُّيُوطِيِّ قَوْلُهُ: (فِي الْعَالَمِينَ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ
أَيْ وَأَدِمْ ذَلِكَ فِي الْعَالَمِينَ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الرَّحْمَةَ) أَيْ الَّتِي هِيَ مَعْنَى الصَّلَاةِ
مِنْ اللَّهِ قَوْلُهُ: (لَمْ يَجْتَمِعَا لِنَبِيٍّ غَيْرِهِ) أَيْ فِي
الْقُرْآنِ بِدَلِيلِ ذِكْرِ الْآيَةِ، وَإِنْ وَقَعَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ
أَنَّهُمَا اجْتَمَعَا لِلْأَنْبِيَاءِ غَيْرِهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا
الْحِفْنِيُّ قَوْلُهُ (مِنْ وَلَدِهِ إِسْحَاقَ) أَيْ مِنْ وَلَدِ
وَلَدِهِ وَهُوَ يَعْقُوبُ لِأَنَّ إِسْحَاقَ لَهُ وَلَدَانِ يَعْقُوبُ
وَالْعَيْصُ، فَيَعْقُوبُ أَبُو الْأَنْبِيَاءِ وَالْعَيْصُ أَبُو
الْمُلُوكِ وَالْجَبَابِرَةِ وَإِسْحَاقُ ابْنُ سَارَةَ، وَإِسْمَاعِيلُ
ابْنُ هَاجَرَ قَوْلُهُ: (لَمْ يَكُنْ مِنْ نَسْلِهِ إلَخْ) الْأَوْلَى
فَلَمْ يَكُنْ بِالْفَاءِ قَوْلُهُ: (بِالْفَضِيلَةِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ
بِاجْتِمَاعِ الْفَضَائِلِ الَّتِي فِي غَيْرِهِ ق ل فَأَلْ
لِلِاسْتِغْرَاقِ قَوْلُهُ: (مَا يُحَيَّا بِهِ) أَيْ مَا يُعَظَّمُ بِهِ
قَوْلُهُ: (وَغَيْرِهِ) كَالسُّجُودِ وَتَقْبِيلِ الْأَرْضِ مِمَّا كَانَ
يُحَيَّا بِهِ، وَعِبَارَةُ ح ل قَوْلُهُ التَّحِيَّاتُ جُمِعَتْ لِأَنَّ
كُلَّ مَلِكٍ كَانَ لَهُ تَحِيَّةٌ يُحَيَّا بِهَا؛ فَمَلِكُ الْعَرَبِ
يُحَيَّا بِالسَّلَامِ، وَمَلِكُ الْأَكَاسِرَةِ يُحَيَّا بِالسُّجُودِ
وَتَقْبِيلِ الْأَرْضِ، وَتَحِيَّةُ مَلِكِ الْفُرْسِ طَرْحُ الْيَدِ عَلَى
الْأَرْضِ، وَتَحِيَّةُ مَلِكِ الْحَبَشَةِ عَقْدُ الْيَدَيْنِ عَلَى
الصَّدْرِ مَعَ السَّكِينَةِ، وَمَلِكِ الرُّومِ كَشْفُ غِطَاءِ الرَّأْسِ
وَتَنْكِيسُهَا، وَمَلِكِ النُّوبَةِ جَعْلُ الْيَدَيْنِ عَلَى الْوَجْهِ،
وَمَلِكِ حِمْيَرَ الْإِيمَاءُ بِالْأَصَابِعِ قَوْلُهُ: (النَّامِيَاتُ)
لِأَنَّهُ وَرَدَ أَنَّ الصَّدَقَةَ تَنْمُو حَتَّى تَبْلُغَ قَدْرَ جَبَلِ
أُحُدٍ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ قَوْلُهُ: (مَعْنَاهُ
اسْمُ السَّلَامِ إلَخْ) فِيهِ بُعْدٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ
التَّحِيَّةُ أَوْ السَّلَامَةُ مِنْ النَّقَائِصِ وَنَحْوِهَا،
وَتَوْجِيهُ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ أَنَّ اسْمَ السَّلَامِ عَلَى
الْمَدْعُوِّ لَهُ لِيَسْلَمَ بِبَرَكَتِهِ مِنْ كُلِّ مُؤْذٍ، أَمَّا إذَا
قُلْنَا اسْمُ الرَّحْمَنِ عَلَى فُلَانٍ كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ
عَلَيْهِ بِالرَّحْمَةِ وَاسْمُ الْمُنْعِمِ بِالنِّعْمَةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ
قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْقَائِمُ بِحُقُوقِ اللَّهِ إلَخْ) لَا يَرِدُ عَلَى
هَذَا أَنَّهُمْ فَسَّرُوا الصَّالِحَ فِي خَبَرِ: «أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ
يَدْعُو لَهُ» بِالْمُسْلِمِ. لِأَنَّا نَقُولُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ
الْمَقَامَيْنِ إذْ الْمَقْصُودُ بِالدُّعَاءِ تَعْظِيمُ الْمَدْعُوِّ
لَهُ، فَالْمُنَاسِبُ تَفْسِيرُهُ بِالْقَائِمِ إلَخْ. وَالْمَقْصُودُ مِنْ
الْحَدِيثِ التَّرْغِيبُ وَالْحَثُّ عَلَى التَّزَوُّجِ لِكَثْرَةِ
النَّسْلِ، وَأَنَّ الْوَلَدَ مِنْ كَسْبِ وَالِدِهِ فَنَاسَبَ تَفْسِيرَهُ
بِالْمُسْلِمِ وَلِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالٌ ع ش
قَوْلُهُ: (وَالتَّسْلِيمَةُ الْأُولَى) وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ السَّلَامِ
تَعْرِيفُهُ بِأَلْ وَكَافُ الْخِطَابِ وَمِيمُ الْجَمْعِ وَإِسْمَاعُ
نَفْسِهِ وَتَوَالِي كَلِمَتَيْهِ وَعَدَمُ قَصْدِ الْإِعْلَامِ أَيْ
وَحْدَهُ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ قُعُودٍ، وَأَنْ يَكُونَ مُسْتَقْبِلَ
الْقِبْلَةِ، وَأَنْ يَأْتِيَ بِهِ بِالْعَرَبِيَّةِ إذَا كَانَ قَادِرًا
(2/43)
الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ
مُسْلِمٍ. قَالَ الْقَفَّالُ الْكَبِيرُ: وَالْمَعْنَى فِي السَّلَامِ
أَنَّ الْمُصَلِّيَ كَانَ مَشْغُولًا عَنْ النَّاسِ وَقَدْ أَقْبَلَ
عَلَيْهِمْ وَأَقَلُّهُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَلَا يُجْزِئُ عَلَيْهِمْ،
وَلَا تَبْطُلُ بِهِ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ لِغَائِبٍ، وَلَا عَلَيْك
وَلَا عَلَيْكُمَا، وَلَا سَلَامِي عَلَيْكُمْ وَلَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ،
فَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ بِالتَّحْرِيمِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ.
وَيُجْزِئُ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا نَقَلَهُ فِي
الْمَجْمُوعِ عَنْ النَّصِّ، وَأَكْمَلُهُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ
وَرَحْمَةُ اللَّهِ لِأَنَّهُ الْمَأْثُورُ. وَلَا تُسَنُّ زِيَادَةُ
وَبَرَكَاتُهُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَصَوَّبَهُ.
(وَ) السَّابِعَ عَشَرَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (نِيَّةُ الْخُرُوجِ
مِنْ الصَّلَاةِ) وَيَجِبُ قَرْنُهَا بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى (عَلَى
قَوْلٍ) فَإِنْ قَدَّمَهَا عَلَيْهَا أَوْ أَخَّرَهَا عَنْهَا عَامِدًا
بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَجِبُ قِيَاسًا عَلَى
سَائِرِ الْعِبَادَاتِ وَلِأَنَّ النِّيَّةَ السَّابِقَةَ مُنْسَحِبَةٌ
عَلَى جَمِيعِ الصَّلَاةِ، وَلَكِنْ تُسَنُّ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
عَلَيْهَا، وَأَنْ لَا يَزِيدَ فِيهِ زِيَادَةً تُغَيِّرُ الْمَعْنَى
كَأَنْ قَالَ: السَّلَامُ وَعَلَيْكُمْ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ
السَّلَامُ التَّامُّ عَلَيْكُمْ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ قِيَاسًا عَلَى
قَوْلِهِ اللَّهُ الْجَلِيلُ أَكْبَرُ بَلْ هَذَا أَوْلَى لِأَنَّ
الِانْعِقَادَ يُحْتَاطُ لَهُ، وَأَنْ لَا يُنْقِصَ مِنْهُ مَا يُغَيِّرُ
الْمَعْنَى كَأَنْ يَقُولَ: السَّامُّ عَلَيْكُمْ أَوْ السِّلْمُ
عَلَيْكُمْ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْحَفْنَاوِيُّ وَقَدْ نَظَمَ
بَعْضُهُمْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ:
شُرُوطُ تَسْلِيمِ تَحْلِيلِ الصَّلَاةِ إذَا ... أَرْدَتْهَا تِسْعَةً
صَحَّتْ بِغَيْرِ مِرَا
عَرِّفْ وَخَاطِبْ وَصِلْ وَاجْمَعْ وَوَالِ وَكُنْ ... مُسْتَقْبِلًا
ثُمَّ لَا تَقْصِدْ بِهِ الْخَبَرَا
وَاجْلِسْ وَأَسْمِعْ نَفْسًا فَإِنْ وُجِدَتْ ... تِلْكَ الشُّرُوطُ
وَتَمَّتْ كَانَ مُعْتَبَرَا
قَالَ ق ل: وَيُجْزِي السِّلْمُ عَلَيْكُمْ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ
وَكَسْرِهَا إنْ أَرَادَ بِهِ السَّلَامَ قَوْلُهُ: (تَحْرِيمُهَا
التَّكْبِيرُ) أَيْ مُحَرِّمُهَا التَّكْبِيرُ، فَتَحْرِيمُ مَصْدَرٍ
بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ أَيْ مُحَرِّمٍ مَا كَانَ حَلَالًا قَبْلَهَا،
وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ: وَتَحْلِيلُهَا وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى
كَوْنِ السَّلَامِ رُكْنًا قَوْلُهُ: (قَالَ الْقَفَّالُ الْكَبِيرُ) أَيْ
فِي مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ وَهُوَ أَبُو بَكْرٍ الشَّاشِيُّ: كَانَ
يَصْنَعُ الْقُفْلَ وَمِفْتَاحَهُ وَزْنَ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ لِشِدَّةِ
حِذْقِهِ، وَالصَّغِيرُ هُوَ الْقَفَّالُ الْمَرْوَزِيُّ شَيْخُ
الْمَرَاوِزَةِ، وَالْقَفَّالُ صِيغَةُ نَسَبٍ كَالْخَبَّازِ وَالطَّحَّانِ
وَالْقَزَّازِ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ:
وَمَعَ فَاعِلٍ وَفِعَالٍ فَعْلٌ ... فِي نَسَبٍ أَغْنَى عَنْ الْيَا
فَقُبِلَ
اط ف.
قَوْلُهُ: (وَالْمَعْنَى) أَيْ الْحِكْمَةُ قَوْلُهُ: (فِي السَّلَامِ)
أَيْ فِي مَشْرُوعِيَّتِهِ قَوْلُهُ: (وَأَقَلُّهُ) أَيْ السَّلَامِ وَلَوْ
مَعَ تَسْكِينِ الْمِيمِ مِنْ السَّلَامِ وَالْمُنَاسِبُ وَأَقَلُّهَا.
وَيُجَابُ بِأَنَّهُ ذَكَرَ الضَّمِيرَ نَظَرًا لِكَوْنِ التَّسْلِيمَةِ
بِمَعْنَى السَّلَامِ قَوْلُهُ: (وَلَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ) مُقْتَضَاهُ
بُطْلَانُ الصَّلَاةِ بِهِ وَهُوَ الْأَوْجَهُ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ
بَعْضُهُمْ، لَكِنْ يَظْهَرُ تَقْيِيدُهُ بِغَيْرِ الْجَاهِلِ الْمَعْذُورِ
وَتَبْطُلُ أَيْضًا بِتَعَمُّدِ: سَلَامِي أَوْ سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ
أَوْ عَلَيْك أَوْ عَلَيْكُمَا لَا مَعَ ضَمِيرِ الْغَيْبَةِ، فَلَا
تَبْطُلُ بِهِ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ لَا خِطَابَ فِيهِ وَلَا يُجْزِيهِ. اهـ.
ابْنُ شَرَفٍ.
وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا تَحَلَّلَ بِمَا لَمْ يَرِدْ وَخَاطَبَ
وَتَعَمَّدَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ.
قَوْلُهُ: (وَنِيَّةُ الْخُرُوجِ) أَيْ لِيَكُونَ الْخُرُوجُ كَالدُّخُولِ
فِي أَنَّ كُلًّا يَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ قَوْلُهُ: (عَلَى قَوْلٍ)
مُتَعَلِّقٌ بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ.
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي قَوْلٍ قَوْلُهُ: (أَوْ أَخَّرَهَا)
الْبُطْلَانُ بِهِ فِيهِ نَظَرٌ لِانْقِضَاءِ الصَّلَاةِ، وَجَوَابُهُ
أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ تَأْخِيرِهَا أَنَّهُ سَلَّمَ قَبْلَ نِيَّةِ
الْخُرُوجِ وَالسَّلَامُ قَبْلَ نِيَّتِهِ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ عَلَى هَذَا
الْقَوْلِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَرَكَ مِنْ الصَّلَاةِ رُكْنًا اهـ م د
قَوْلُهُ: (بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) فَلَوْ نَوَى قَبْلَ السَّلَامِ الْخُرُوجَ
عِنْدَهُ أَوْ الْخُرُوجَ بِهِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لَكِنْ لَا
تَكْفِيهِ، بَلْ تَجِبُ النِّيَّةُ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا مَعَ
السَّلَامِ أَيْضًا ابْنُ قَاسِمٍ قَوْلُهُ: (مُنْسَحِبَةٌ عَلَى جَمِيعِ
الصَّلَاةِ) أَيْ وَمِنْ جُمْلَةِ الصَّلَاةِ التَّسْلِيمَةُ الْأُولَى،
فَقَرْنُ نِيَّةِ الْخُرُوجِ
(2/44)
(وَ) الثَّامِنَ عَشَرَ مِنْ أَرْكَانِ
الصَّلَاةِ (تَرْتِيبُهَا) أَيْ الْأَرْكَانِ (كَمَا ذَكَرْنَاهُ) فِي
عَدَدِهَا الْمُشْتَمِلِ عَلَى قَرْنِ النِّيَّةِ بِالتَّكْبِيرِ
وَجَعْلِهِمَا مَعَ الْقِرَاءَةِ فِي الْقِيَامِ، وَجَعْلِ التَّشَهُّدِ
وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي
الْقُعُودِ. فَالتَّرْتِيبُ عِنْدَ مَنْ أَطْلَقَهُ مُرَادٌ فِيمَا عَدَا
ذَلِكَ، وَمِنْهُ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَإِنَّهَا بَعْدَ التَّشَهُّدِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي
الْمَجْمُوعِ كَمَا مَرَّ، فَهِيَ مُرَتَّبَةٌ وَغَيْرُ مُرَتَّبَةٍ
بِاعْتِبَارَيْنِ. وَدَلِيلُ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ الِاتِّبَاعُ كَمَا فِي
الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ مَعَ خَبَرِ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي
أُصَلِّي» وَعَدُّهُ مِنْ الْأَرْكَانِ بِمَعْنَى الْفُرُوضِ صَحِيحٌ،
وَبِمَعْنَى الْأَجْزَاءِ فِيهِ تَغْلِيبٌ. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ
الْمُصَنِّفُ لِعَدِّ الْوَلَاءِ مِنْ الْأَرْكَانِ، وَصَوَّرَهُ
الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِلْإِمَامِ بِعَدَمِ تَطْوِيلِ الرُّكْنِ
الْقَصِيرِ، وَابْنُ الصَّلَاحِ بِعَدَمِ طُولِ الْفَصْلِ بَعْدَ سَلَامِهِ
نَاسِيًا، وَلَمْ يَعُدَّهُ الْأَكْثَرُونَ رُكْنًا لِكَوْنِهِ كَالْجُزْءِ
مِنْ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ، أَوْ لِكَوْنِهِ أَشْبَهَ بِالتُّرُوكِ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَنْقِيحِهِ: الْوَلَاءُ وَالتَّرْتِيبُ
شَرْطَانِ، وَهُوَ أَظْهَرُ مَنْ عَدَّهُمَا رُكْنَيْنِ اهـ.
وَالْمَشْهُورُ عَدُّ التَّرْتِيبِ رُكْنًا وَالْوَلَاءِ شَرْطًا، وَأَمَّا
السُّنَنُ فَتَرْتِيبُ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضِ كَالِاسْتِفْتَاحِ
وَالتَّعَوُّذِ، وَتَرْتِيبُهَا عَلَى الْفَرَائِضِ كَالْفَاتِحَةِ
وَالسُّورَةُ شَرْطٌ فِي الِاعْتِدَادِ بِهَا سُنَّةً لَا فِي صِحَّةِ
الصَّلَاةِ، فَإِنْ تَرَكَ تَرْتِيبَ الْأَرْكَانِ عَمْدًا بِتَقْدِيمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى مَعَ كَوْنِ النِّيَّةِ السَّابِقَةِ
مُنْسَحِبَةً عَلَيْهَا تَنَافٍ لِأَنَّ نِيَّةَ الْخُرُوجِ تَقْتَضِي
عَدَمَ انْسِحَابِ النِّيَّةِ السَّابِقَةِ عَلَى التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى
مَعَ أَنَّهَا مُنْسَحِبَةٌ عَلَى جَمِيعِ الصَّلَاةِ كَمَا قَرَّرَهُ
شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ، فَانْدَفَعَ تَوَقُّفُ ق ل بِقَوْلِهِ:
اُنْظُرْ مَعْنَى هَذِهِ الْعِلَّةَ قَوْلُهُ: (وَلَكِنْ تُسَنُّ إلَخْ)
يَرُدُّ عَلَيْهِ الْعِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ. نَعَمْ تَجِبُ قَطْعًا فِي
النَّفْلِ الْمُطْلَقِ إذَا أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى بَعْضِ مَا
نَوَاهُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر
قَوْلُهُ: (فَالتَّرْتِيبُ عِنْدَ مَنْ أَطْلَقَهُ مُرَادٌ فِيمَا عَدَا
ذَلِكَ) قَالَ م ر بَعْدَ مَا ذَكَرَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بَيْنَ
النِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرِ وَالْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ وَالْجُلُوسِ
وَالتَّشَهُّدِ تَرْتِيبٌ، لَكِنْ بِاعْتِبَارِ الِابْتِدَاءِ لَا
بِاعْتِبَارِ الِانْتِهَاءِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الْقِيَامِ
عَلَى الْقِرَاءَةِ، وَالْجُلُوسِ عَلَى التَّشَهُّدِ، وَاسْتِحْضَارِ
النِّيَّةِ قَبْلَ التَّكْبِيرِ اج قَوْلُهُ: (وَمِنْهُ) أَيْ مِمَّا عَدَا
ذَلِكَ قَوْلُهُ: (بِاعْتِبَارَيْنِ) أَيْ بِاعْتِبَارِ حَالِهَا فِي
التَّشَهُّدِ وَحَالِهَا مَعَ الْقُعُودِ ق ل. فَهِيَ مُرَتَّبَةٌ أَيْ
بِاعْتِبَارِ وُقُوعِهَا بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَغَيْرُ مُرَتَّبَةٍ
بِاعْتِبَارِ مُقَارَنَتِهَا لِجُلُوسِهَا قَوْلُهُ: (بِمَعْنَى
الْفُرُوضِ) إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِلْخِلَافِ الْوَاقِعِ فِي التَّرْتِيبِ
مِنْ أَنَّهُ رُكْنٌ أَوْ شَرْطٌ، فَعَلَى الرُّكْنِيَّةِ لَا إشْكَالَ،
وَعَلَى الْفَرْضِيَّةِ فَالْمُرَادُ بِهَا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ
فَيَشْمَلُ الشَّرْطَ اهـ إطْفِيحِيٌّ قَوْلُهُ: (صَحِيحٌ) لِأَنَّ
الْمُرَادَ بِالْفَرْضِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَالتَّرْتِيبُ لَا بُدَّ
مِنْهُ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى وَجْهِ الْحَقِيقَةِ وَإِلَّا
فَمُطْلَقُ الصِّحَّةِ ثَابِتٌ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهَا أَيْ
الْأَرْكَانِ بِمَعْنَى الْأَجْزَاءِ ع ش.
إلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى وَجْهِ الْحَقِيقَةِ بَلْ فِيهِ تَغْلِيبٌ
لِأَنَّ الْجُزْءَ الْحَقِيقِيَّ إنَّمَا هُوَ الْقَوْلُ أَوْ الْفِعْلُ
الظَّاهِرُ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ فِعْلًا أَيْ جُعِلَ هَذَا بَعْدَ هَذَا
لَكِنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ. وَفِيهِ أَنَّ النِّيَّةَ كَذَلِكَ أَيْ فِعْلٌ
غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ مَحَلَّهَا الْقَلْبُ وَالنُّطْقُ سُنَّةٌ إلَّا
أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْجُزْءَ الْحَقِيقِيَّ الْفِعْلُ
الظَّاهِرُ بَلْ الْأَعَمُّ، فَيَشْمَلُ الْقَلْبِيَّ كَالنِّيَّةِ
حَلَبِيٌّ. قَالَ سم: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي كَلَامِ الْأَئِمَّةِ
إنَّ صُورَةَ الْمُرَكَّبِ وَهِيَ الْهَيْئَةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى
الْأَرْكَانِ جُزْءٌ مِنْهُ، فَمَا الْمَانِعُ أَنْ يُرَادَ بِالتَّرْتِيبِ
التَّرْتِيبُ الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ إشَارَةً إلَى صُورَةِ الصَّلَاةِ
وَأَنَّهَا جُزْءٌ لَهَا حَقِيقَةً فَلَا تَغْلِيبَ اهـ. وَقَالَ ق ل: لَا
يَخْفَى أَنَّ التَّرْتِيبَ هُوَ جَعْلُ كُلِّ شَيْءٍ فِي مَرْتَبَتِهِ،
وَهُوَ مِنْ الْأَفْعَالِ قَطْعًا فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّغْلِيبِ،
وَجَعْلُهُ بِمَعْنَى التَّرْتِيبِ الَّذِي هُوَ وُقُوعُ كُلِّ شَيْءٍ فِي
مَرْتَبَتِهِ الْمُحْوِجِ إلَى مَا ذَكَرَهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ،
وَنَاقَشَ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ صَحِيحٌ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ
الصَّحِيحَ إنَّمَا يُقَابِلُهُ الْفَاسِدُ، وَالشَّارِحُ جَعَلَ
مُقَابِلَهُ التَّغْلِيبَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّغْلِيبَ صَحِيحٌ
أَيْضًا لَا فَاسِدٌ فَلَا تَحْسُنُ هَذِهِ الْمُقَابَلَةُ بَلْ الَّذِي
يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ عَدُّ التَّرْتِيبَ مِنْ الْأَرْكَانِ بِمَعْنَى
الْفُرُوضِ حَقِيقَةً وَبِمَعْنَى الْأَجْزَاءِ فِيهِ تَغْلِيبٌ قَوْلُهُ:
(فِيهِ تَغْلِيبٌ) أَيْ غَلَّبَ مَا هُوَ جُزْءٌ عَلَى مَا لَيْسَ
بِجُزْءٍ، وَأَطْلَقَ عَلَى الْكُلِّ أَجْزَاءً تَغْلِيبًا انْتَهَى ز ي.
قَوْلُهُ: (وَصَوَّرَهُ الرَّافِعِيُّ) أَيْ فَسَّرَهُ قَوْلُهُ:
(وَالْوَلَاءِ شَرْطًا) وَجْهُهُ أَنَّ الْأَرْكَانَ وُجُودِيَّةٌ
وَمَفْهُومَ الْوَلَاءِ عَدَمِيٌّ قَوْلُهُ: (عَلَى الْفَرَائِضِ) أَيْ
مَعَ الْفَرَائِضِ بِأَنْ يُؤَخِّرَ السُّورَةَ عَنْ الْفَاتِحَةِ
قَوْلُهُ: (شَرْطٌ فِي الِاعْتِدَادِ بِهَا سُنَّةً) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ
إذَا قَدَّمَ مُؤَخَّرًا
(2/45)
رُكْنٍ فِعْلِيٍّ أَوْ سَلَامٍ كَأَنْ
رَكَعَ قَبْلَ قِرَاءَتِهِ أَوْ سَجَدَ أَوْ سَلَّمَ قَبْلَ رُكُوعِهِ
بَطَلَتْ صَلَاتُهُ أَوْ سَهَا، فَمَا فَعَلَهُ بَعْدَ مَتْرُوكِهِ لَغْوٌ
لِوُقُوعِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، فَإِنْ تَذَكَّرَ مَتْرُوكَهُ قَبْلَ
فِعْلِ مِثْلِهِ فَعَلَهُ وَإِلَّا أَجْزَأَهُ عَنْ مَتْرُوكِهِ
وَتَدَارَكَ الْبَاقِيَ. نَعَمْ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمِثْلُ مِنْ الصَّلَاةِ
كَسُجُودِ تِلَاوَةٍ لَمْ يُجْزِهِ، فَلَوْ عَلِمَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ
تَرْكَ سَجْدَةٍ مِنْ رَكْعَةٍ أَخِيرَةٍ سَجَدَ ثُمَّ تَشَهَّدَ، أَوْ
مِنْ غَيْرِهَا أَوْ شَكَّ لَزِمَهُ رَكْعَةٌ فِيهِمَا، أَوْ عَلِمَ فِي
قِيَامِ ثَانِيَةٍ مَثَلًا تَرْكَ سَجْدَةٍ مِنْ الْأُولَى فَإِنْ كَانَ
جَلَسَ بَعْدَ سَجْدَتِهِ الَّتِي فَعَلَهَا سَجَدَ مِنْ قِيَامِهِ
وَإِلَّا فَلْيَجْلِسْ مُطْمَئِنًّا ثُمَّ يَسْجُدْ، أَوْ عَلِمَ فِي آخِرِ
رُبَاعِيَّةٍ تَرْكَ سَجْدَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ جَهِلَ مَحَلَّ الْخَمْسِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
لَمْ يُعْتَدَّ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ
شَرْطٌ فِيمَا بَيْنَ سُنَّتَيْنِ لِلِاعْتِدَادِ بِمَا لَهُ التَّقْدِيمُ
حَتَّى لَوْ قَدَّمَ مُؤَخَّرًا اعْتَدَّ بِهِ.
وَفَاتَ مَا لَهُ التَّقْدِيمُ حَتَّى لَوْ أَتَى بِهِ بَعْدَهُ أَوْ
أَعَادَهُمَا لَا يَحْصُلُ لَكِنَّ هَذَا خَاصٌّ بِغَيْرِ السُّورَةِ مَعَ
الْفَاتِحَةِ، فَلَوْ قَدَّمَهَا عَلَيْهَا أَتَى بِهَا بَعْدَهَا لِأَنَّ
هَذَا بَيْنَ وَاجِبٍ وَمَنْدُوبٍ وَسُنَّةِ تَمْيِيزٍ اهـ م د. قَالَ
الرَّحْمَانِيُّ: وَتَرْتِيبُ السُّنَنِ شَرْطٌ لِلِاعْتِدَادِ بِهَا
كَالِاسْتِفْتَاحِ ثُمَّ التَّعَوُّذُ وَالسُّورَةُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ
قَوْلُهُ: (بِتَقْدِيمِ رُكْنٍ فِعْلِيٍّ) أَيْ عَلَى قَوْلِيٍّ أَوْ
فِعْلِيٍّ فَحَذَفَ الْمُتَعَلِّقَ إيذَانًا بِالْعُمُومِ اهـ شَوْبَرِيٌّ
قَوْلُهُ: (فَعَلَهُ) أَيْ وُجُوبًا فَوْرًا، فَإِنْ تَأَخَّرَ بَطَلَتْ
صَلَاتُهُ، فَلَوْ تَذَكَّرَ فِي سُجُودِهِ تَرْكَ الرُّكُوعِ فَعَلَهُ
بِأَنْ يَعُودَ لِلْقِيَامِ وَيَرْكَعَ، وَلَا يَكْفِيهِ أَنْ يَقُومَ
رَاكِعًا لِأَنَّهُ صَرَفَ الْهَوِيَّ لِلسُّجُودِ. وَلَوْ شَكَّ أَيْ
الْإِمَامُ أَوْ الْمُنْفَرِدُ فِي رُكُوعِهِ هَلْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ
أَوْ فِي سُجُودِهِ هَلْ رَكَعَ لَزِمَهُ الْقِيَامُ حَالًا، فَإِنْ مَكَثَ
قَلِيلًا لِيَتَذَكَّرَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ح ل. وَالْمَأْمُومُ يَجْرِي
عَلَى صَلَاةِ إمَامِهِ وَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ بَعْدَ السَّلَامِ ح ف.
فَقَوْلُ الشَّارِحِ فَعَلَهُ أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ مَأْمُومًا،
وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فَعَلَهُ أَيْ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ مَا تَوَقَّفَ
عَلَيْهِ كَتَذَكُّرِهِ فِي السُّجُودِ تَرْكَ الرُّكُوعِ أَوْ شَكَّ
فِيهِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ وَيَرْكَعَ فَفِي هَذِهِ
الصُّورَةِ فِعْلُهُ وَمَا تَوَقَّفَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْقِيَامُ.
قَوْلُهُ: (نَعَمْ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمِثْلُ مِنْ الصَّلَاةِ إلَخْ)
كَأَنْ صَلَّى رَكْعَةً مِنْ صُبْحِ الْجُمُعَةِ وَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا
سُجُودَ التِّلَاوَةِ إذْ لَا يُشْتَرَطُ سُجُودُهُ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ،
ثُمَّ لَمَّا قَامَ لِلرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ
وَسَجَدَ سُجُودَ التِّلَاوَةِ ثُمَّ تَذَكَّرَ فِيهِ تَرْكَ سَجْدَةٍ مِنْ
الرَّكْعَةِ الْأُولَى، فَإِنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ لَا يَكْفِيهِ عَمَّا
تَرَكَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى. وَيُصَوَّرُ ذَلِكَ أَيْضًا
بِسُجُودِ الْمُتَابَعَةِ خِلَافًا لِلشَّوْبَرِيِّ، وَصُورَتُهَا أَنَّهُ
بَعْدَ أَنْ صَلَّى رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ مَثَلًا وَقَامَ
وَجَدَ إمَامًا مُعْتَدِلًا مِنْ الرُّكُوعِ مَثَلًا فَاقْتَدَى بِهِ
وَسَجَدَ السَّجْدَتَيْنِ مَعَهُ لِلْمُتَابَعَةِ، فَتَذَكَّرَ أَنَّهُ
تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ الْأُولَى الَّتِي صَلَّاهَا مُنْفَرِدًا فَإِنَّهُ
لَا يُجْزِيهِ عَنْهَا سَجْدَةٌ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ اللَّتَيْنِ
سَجَدَهُمَا مَعَ الْإِمَامِ لِلْمُتَابَعَةِ كَمَا قَالَهُ ع ش خِلَافًا
لِشَيْخِهِ الشَّوْبَرِيِّ.
قَوْلُهُ: (لَمْ يُجْزِهِ) لِعَدَمِ شُمُولِ نِيَّتِهِ لَهُ شَوْبَرِيٌّ
لِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ فِيهَا لَا مِنْهَا، وَبِذَلِكَ فَارَقَ حُسْبَانَ
جُلُوسِ الِاسْتِرَاحَةِ عَنْ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ق ل
قَوْلُهُ: (فَلَوْ عَلِمَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ إلَخْ) هَذَا مُفَرَّعٌ
عَلَى قَوْلِهِ، فَإِنْ تَذَكَّرَ مَتْرُوكَهُ قَبْلَ فِعْلِ مِثْلِهِ،
وَقَوْلُهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا أَوْ شَكَّ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ
وَإِلَّا أَجْزَأَهُ. وَقَوْلُهُ أَوْ عَلِمَ إلَخْ مُفَرَّعٌ عَلَى
قَوْلِهِ فَإِنْ تَذَكَّرَ مَتْرُوكَهُ قَبْلَ فِعْلِ مِثْلِهِ، وَقَوْلُهُ
أَوْ عَلِمَ فِي آخِرِ رُبَاعِيَّةٍ إلَخْ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ
وَإِلَّا أَجْزَأَهُ تَأَمَّلْ أَفَادَهُ شَيْخُنَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ
الشَّارِحَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَرَّعَ تَفْرِيعَاتٍ أَرْبَعَةً عَلَى
الْعِبَارَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ، أَعْنِي قَوْلَهُ فَإِنْ تَذَكَّرَ
إلَخْ وَقَوْلَهُ. وَإِلَّا إلَخْ وَالتَّفَارِيعُ عَلَى سَبِيلِ اللَّفِّ
وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ فَتَأَمَّلْ قَوْلُهُ: (أَوْ عَلِمَ فِي قِيَامِ
ثَانِيَةٍ مَثَلًا إلَخْ) مَثَلًا رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ " قِيَامِ "
فَيَشْمَلُ الْجُلُوسَ الْقَائِمَ مَقَامَ الْقِيَامِ فِي حَقِّ مَنْ
يُصَلِّي مِنْ جُلُوسٍ، وَرَاجِعٌ أَيْضًا لِقَوْلِهِ ثَانِيَةٍ فَيَشْمَلُ
غَيْرَهَا شَيْخُنَا ح ف.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ جَلَسَ بَعْدَ سَجْدَتِهِ الَّتِي فَعَلَهَا) أَيْ
وَلَوْ جِلْسَةَ اسْتِرَاحَةٍ، وَقَوْلُهُ سَجَدَ مِنْ قِيَامِهِ أَيْ
اكْتِفَاءً بِجُلُوسِهِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ وَفِيهِ أَنَّ الْجُلُوسَ إذَا
كَانَ بِنِيَّةِ جُلُوسِ الِاسْتِرَاحَةِ كَيْفَ يَقُومُ مَقَامَ
الْجُلُوسِ الْوَاجِبِ مَعَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا
يَقْصِدَ بِالرُّكْنِ غَيْرَهُ فَقَطْ. وَهُنَا قَدْ قَصَدَ الْغَيْرَ
فَقَطْ وَهُوَ جُلُوسُ الِاسْتِرَاحَةِ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الشَّرْطَ
الْمَذْكُورَ فِي غَيْرِ الْمَعْذُورِ، وَنَظِيرُهُ مَا ذَكَرُوهُ فِيمَنْ
تَشَهَّدَ التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ الْأَوَّلُ
فَإِنَّهُ يَكْفِيهِ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ فِي قَصْدِهِ، وَقَدْ شَمَلَتْ
نِيَّةُ الصَّلَاةِ مَا فَعَلَهُ بِخِلَافِ مَنْ رَكَعَ وَرَفَعَ فَزِعًا
مِنْ شَيْءٍ أَوْ سَجَدَ لِلتِّلَاوَةِ فَلَمْ تَشْمَلْهُ نِيَّتُهُ
شَيْخُنَا. وَقَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَكْفِيهِ أَيْ بَعْدَ أَنْ
(2/46)
فِيهِمَا وَجَبَ رَكْعَتَانِ، أَوْ أَرْبَعٌ جَهِلَ مَحَلَّهَا وَجَبَ
سَجْدَةٌ ثُمَّ رَكْعَتَانِ، أَوْ خَمْسٌ أَوْ سِتٌّ جَهِلَ مَحَلَّهَا
فَثَلَاثٌ، أَوْ سَبْعٌ جَهِلَ مَحَلَّهَا فَسَجْدَةٌ ثُمَّ ثَلَاثٌ، وَفِي
ثَمَانِ سَجَدَاتٍ سَجْدَتَانِ وَثَلَاثِ رَكَعَاتٍ، وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ
بِتَرْكِ طُمَأْنِينَةٍ وَسُجُودٍ عَلَى عِمَامَةٍ، وَكَالْعِلْمِ بِتَرْكِ
مَا ذُكِرَ الشَّكُّ فِيهِ.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْأَرْكَانِ شَرَعَ فِي ذِكْرِ السُّنَنِ فَقَالَ:
(وَسُنَنُهَا) أَيْ الْمَكْتُوبَةِ (قَبْلَ الدُّخُولِ فِيهَا) أَيْ قَبْلَ
التَّلَبُّسِ بِهَا (شَيْئَانِ) : الْأَوَّلُ (الْأَذَانُ) وَهُوَ
بِالْمُعْجَمَةِ لُغَةً الْإِعْلَامُ قَالَ تَعَالَى {وَأَذِّنْ فِي
النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27] أَيْ أَعْلِمْهُمْ بِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
تَذَكَّرَ أَنَّهُ الْأَخِيرُ وَإِلَّا بَنَى عَلَى الْيَقِينِ وَهُوَ
الْأَقَلُّ وَكَمَّلَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ: (رُبَاعِيَّةٍ)
بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ نِسْبَةً إلَى رُبَاعِ الْمَعْدُولِ عَنْ أَرْبَعٍ،
وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالرُّبَاعِيَّةِ لِأَنَّ الْأَحْوَالَ الْآتِيَةَ لَا
تَأْتِي فِي غَيْرِهَا اهـ م د.
قَوْلُهُ: (مَحَلَّ الْخَمْسِ) أَيْ عَلَى التَّوْزِيعِ قَوْلُهُ: (وَجَبَ
رَكْعَتَانِ) أَخْذًا بِالْأَسْوَأِ وَهُوَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى
تَرْكُ سَجْدَةٍ مِنْ الْأُولَى وَسَجْدَةٍ مِنْ الثَّالِثَةِ،
فَتُجْبَرَانِ بِالثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ وَيَلْغُو بَاقِيهِمَا. وَفِي
الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ تَرَكَ ذَلِكَ وَسَجْدَةً مِنْ رَكْعَةٍ
أُخْرَى، وَقَوْلُهُ وَجَبَ سَجْدَةٌ ثُمَّ رَكْعَتَانِ لِاحْتِمَالِ
أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ مِنْ الْأُولَى وَسَجْدَةً مِنْ الثَّانِيَةِ
وَسَجْدَةً مِنْ الرَّابِعَةِ. فَالْحَاصِلُ لَهُ رَكْعَتَانِ إلَّا
سَجْدَةً إذْ الْأُولَى تَتِمُّ بِسَجْدَتَيْنِ مِنْ الثَّانِيَةِ
وَالثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةُ نَاقِصَةٌ سَجْدَةً فَيُتِمُّهَا، وَيَأْتِي
بِرَكْعَتَيْنِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ: (فَثَلَاثٌ) أَيْ فَثَلَاثُ
رَكَعَاتٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ فِي الْخَمْسِ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ مِنْ
الْأُولَى وَسَجْدَتَيْنِ مِنْ الثَّانِيَةِ وَسَجْدَةً مِنْ الثَّالِثَةِ،
فَتَتِمُّ الْأُولَى بِسَجْدَتَيْنِ مِنْ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ
وَأَنَّهُ فِي السِّتِّ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ مِنْ كُلٍّ مِنْ ثَلَاثِ
رَكَعَاتٍ شَرْحُ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ (جَهِلَ مَحَلَّهَا) لَيْسَ بِقَيْدٍ مَرْحُومِيٌّ قَوْلُهُ:
(وَفِي ثَمَانِ سَجَدَاتٍ) لَمْ يَقُلْ جَهِلَ مَحَلَّهَا لِعَدَمِ
تَأَتِّيه، وَفِيهِ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْجَهْلُ فِيهَا أَيْضًا كَأَنْ
اقْتَدَى بِالْإِمَامِ وَهُوَ فِي الِاعْتِدَالِ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ مَعَهُ
سَجْدَتَيْنِ وَلَا يُحْسَبَانِ لَهُ، فَيُمْكِنُ أَنْ تُبْهَمَ
الثَّمَانِيَةُ فِي الْعَشَرَةِ وَيَجْهَلَ مَحَلَّهَا شَيْخُنَا
الْعَشْمَاوِيُّ. وَفِي ع ش عَلَى م ر مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ: وَفِي ثَمَانِ
سَجَدَاتٍ إلَخْ لَمْ يَقُلْ هُنَا جَهِلَ مَوْضِعَهَا مَعَ إمْكَانِهِ
كَأَنْ اقْتَدَى مَسْبُوقٌ فِي اعْتِدَالٍ، فَأَتَى مَعَ الْإِمَامِ
بِسَجْدَتَيْنِ وَسَجَدَ إمَامُهُ لِلسَّهْوِ سَجْدَتَيْنِ، وَقَرَأَ
إمَامُهُ آيَةَ سَجْدَةٍ فِي ثَانِيَةٍ مَثَلًا فَسَجَدَ وَسَجَدَ هُوَ فِي
آخِرِ صَلَاتِهِ لِسَهْوِ إمَامِهِ، ثُمَّ شَكَّ بَعْدَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ
تَرَكَ ثَمَانِ سَجَدَاتٍ لِكَوْنِهَا عَلَى عِمَامَتِهِ فِي أَنَّهَا
سَجَدَاتُ صَلَاتِهِ أَوْ مَا أَتَى بِهِ لِلسَّهْوِ وَالتِّلَاوَةِ
وَالْمُتَابَعَةِ، أَوْ أَنَّ بَعْضَهُ مِنْ أَرْكَانِ صَلَاتِهِ
وَبَعْضَهُ مِنْ غَيْرِهَا، فَيُحْمَلُ الْمَتْرُوكُ عَلَى أَنَّهَا
سَجَدَاتُ صَلَاتِهِ لِأَنَّ غَيْرَهَا بِتَقْدِيرِ الْإِتْيَانِ بِهِ لَا
يَقُومُ مَقَامَ سُجُودِ صَلَاتِهِ لِعَدَمِ شُمُولِ النِّيَّةِ لَهُ
قَوْلُهُ: (وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ إلَخْ) دَفَعَ بِهِ مَا قَدْ يُقَالُ لَا
تُتَصَوَّرُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِ السُّجُودِ، فَنَبَّهَ عَلَيْهِ
لِكَوْنِهِ خَفِيًّا اهـ اط ف. وَقَالَ ق ل: دَفْعٌ لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ
أَنَّهُ إذْ لَمْ يَسْجُدْ لَمْ يُتَصَوَّرْ الشَّكُّ أَوْ الْجَهْلُ
فَتَأَمَّلْ. |