تحفة الحبيب على شرح الخطيب = حاشية البجيرمي على الخطيب

كِتَابُ الْحَجِّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ قُرِئَ بِهِمَا فِي السَّبْعِ وَهُوَ لُغَةً الْقَصْدُ وَشَرْعًا قَصْدُ الْكَعْبَةِ لِلنُّسُكِ الْآتِي بَيَانُهُ كَمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
[كِتَابُ الْحَجِّ]
ِّ أَيْ وَالْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ تَرْجَمَ شَيْئًا وَزَادَ عَلَيْهِ وَلَا يُعَدُّ عَيْبًا ع ش. وَأَعْمَالُهُ كُلُّهَا تَعَبُّدِيَّةٌ، وَقَدْ يَذْكُرُ لَهَا بَعْضَ حُكْمٍ. وَاخْتَصَّ وُجُودُهُ بِأَفْضَلَ الْبِلَادِ ق ل. وَهُوَ آخِرُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، وَأَخَّرَهُ عَنْ الصَّوْمِ نَظَرًا لِلْقَوْلِ بِأَنَّ الصَّوْمَ أَفْضَلُ وَلِكَثْرَةِ أَفْرَادِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَاقْتِدَاءً بِالْحَدِيثِ. وَأَرْكَانُ الْإِسْلَامِ تَنْقَسِمُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: بَدَنِيٌّ مَحْضٌ كَالشَّهَادَتَيْنِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، وَمَالِيٌّ مَحْضٌ كَالزَّكَاةِ، وَمَرْكَبٌ مِنْهُمَا وَهُوَ الْحَجُّ. وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ الْمَالَ خَارِجٌ عَنْ الْحَجِّ لِأَنَّ الْحَجَّ كُلَّهُ أَعْمَالٌ. وَاعْتَرَضَ أَيْضًا كَوْنُ الزَّكَاةِ مَالِيًّا مَحْضًا لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ لِلنِّيَّةِ. وَالْحَجُّ يُكَفِّرُ الصَّغَائِرَ وَالْكَبَائِرَ حَتَّى التَّبَعَاتِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ إنْ مَاتَ فِي حَجِّهِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ أَدَائِهَا كَمَا قَالَهُ ز ي، قَالَ ع ش: وَتَكْفِيرُهُ لِمَا ذُكِرَ إنَّمَا هُوَ لِإِثْمِ الْإِقْدَامِ لَا لِسُقُوطِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا غَصَبَ مَالًا أَوْ قَتَلَ نَفْسًا ظُلْمًا وَعُدْوَانًا غُفِرَ لَهُ إثْمُ الْإِقْدَامِ عَلَى مَا ذَكَرَ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ وَرَدُّ الْمَغْصُوبِ إنْ تَمَكَّنَ، وَإِلَّا فَأَمْرُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي الْآخِرَةِ، وَمِثْلُهُ سَائِرُ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ. وَهُوَ بَعِيدٌ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ ز ي، وَكَلَامُ الزِّيَادِيِّ هُوَ الْمَشْهُورُ. وَسَأَلَ م ر عَنْ مُرْتَكِبِ الْكَبَائِرِ الَّذِي لَمْ يَتُبْ مِنْهَا إذَا حَجَّ: هَلْ يَسْقُطُ وَصْفُ الْفِسْقِ وَأَثَرُهُ كَرَدِّ الشَّهَادَةِ أَوْ يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى تَوْبَةٍ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّوْبَةِ مِمَّا فَسَقَ بِهِ اهـ. وَعِبَارَةُ الرَّحْمَانِيِّ: وَلَوْ قُلْنَا بِتَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ وَالْكَبَائِرِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِأُمُورِ الْآخِرَةِ حَتَّى لَوْ أَرَادَ شَهَادَةً بَعْدَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ سَنَةً اهـ. قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ: وَحِكْمَةُ تَرَكُّبِ الْحَجِّ مِنْ الْحَاءِ وَالْجِيمِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْحَاءَ مِنْ الْحِلْمِ وَالْجِيمُ مِنْ الْجُرْمِ، فَكَأَنَّ الْعَبْدَ يَقُولُ: يَا رَبِّ جِئْتُك بِجُرْمِي أَيْ ذَنْبِي لِتَغْفِرَهُ بِحِلْمِك اهـ. وَلِلْحَجِّ فَضَائِلُ لَا تُحْصَى: مِنْهَا خَبَرُ: «مَنْ جَاءَ حَاجًّا يُرِيدُ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُشَفَّعُ فِيمَنْ دَعَا لَهُ» وَخَبَرُ «مَنْ قَضَى نُسُكَهُ وَسَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ» وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إنَّ الْحَاجَّ حِينَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا حَسَنَةً وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً، فَإِذَا وَقَفُوا بِعَرَفَاتٍ بَاهَى اللَّهُ بِهِمْ مَلَائِكَتَهُ يَقُولُ: اُنْظُرُوا إلَى عِبَادِي أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي غَفَرْت ذُنُوبَهُمْ وَإِنْ كَانَتْ عَدَدَ قَطْرِ السَّمَاءِ وَرَمْلٍ عَالِجٍ، وَإِذَا رَمَى الْجِمَارَ لَمْ يَدْرِ أَحَدٌ مَالَهُ حَتَّى يَتَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِذَا حَلَقَ شَعْرَهُ فَلَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَقَطَتْ مِنْ رَأْسِهِ نُورٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَإِذَا قَضَى آخِرَ طَوَافِهِ بِالْبَيْتِ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» اهـ.
قَوْلُهُ: (قَصْدُ الْكَعْبَةِ إلَخْ) أَيْ مَعَ فِعْلِ أَفْعَالِ الْحَجِّ ع ش. فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّ كَلَامَهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْحَجَّ الشَّرْعِيَّ قَصْدُ الْكَعْبَةِ لِلنُّسُكِ الْآتِي وَإِنْ لَمْ يَأْتِي الْقَاصِدُ بِالْأَرْكَانِ. وَعِبَارَةُ م ر بَعْدَ قَوْلِهِ " قَصْدُ الْكَعْبَةِ إلَخْ ": وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّهُ نَفْسُ الْأَفْعَالِ، وَاسْتَدَلَّ بِخَبَرِ: «الْحَجُّ عَرَفَةَ» وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُوَافِقَ لِلْغَالِبِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَصْدُ الْكَعْبَةِ إلَخْ، مِنْ أَنَّ الْمَعْنَى الشَّرْعِيَّ يَكُونُ مُشْتَمِلًا عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَزِيَادَةً وَلَا دَلَالَةَ لَهُ فِي الْخَبَرِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ مُعْظَمُ الْمَقْصُودِ مِنْهُ عَرَفَةُ، لَكِنْ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ أَرْكَانُ الْحَجِّ خَمْسَةُ أَوْ سِتَّةُ. وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذِهِ أَرْكَانٌ لِلْمَقْصُودِ لَا لِلْقَصْدِ الَّذِي هُوَ الْحَجُّ، فَتَسْمِيَتُهَا. أَرْكَانُ الْحَجِّ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ أَيْ أَرْكَانُ الْمَقْصُودِ مِنْهُ وَهُوَ الْأَفْعَالُ. وَوَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّا يَقَعُ كَثِيرًا فِي مُخَاطَبَاتِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ مِنْ قَوْلِهِمْ لِمَنْ لَمْ يَحُجَّ يَا حَاجُّ فُلَانٍ تَعْظِيمًا لَهُ هَلْ هُوَ حَرَامٌ أَوْ لَا؟ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الظَّاهِرَ الْحُرْمَةُ لِأَنَّهُ كَذِبٌ،. فَإِنَّ مَعْنَى يَا حَاجُّ، يَا

(2/419)


قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَهُوَ فَرْضٌ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] الْآيَةَ وَلِحَدِيثِ: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» وَلِحَدِيثِ: «حُجُّوا قَبْلَ أَنْ لَا تَحُجُّوا قَالُوا: كَيْفَ نَحُجُّ قَبْلَ أَنْ لَا نَحُجَّ؟ قَالَ: أَنْ تَقْعُدَ الْعَرَبُ عَلَى بُطُونِ الْأَوْدِيَةِ فَيَمْنَعُونَ النَّاسَ السَّبِيلَ» . وَهُوَ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ. يَكْفُرُ جَاحِدُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ رُوِيَ أَنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا حَجَّ قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: إنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانُوا يَطُوفُونَ قَبْلَك بِهَذَا الْبَيْتِ بِسَبْعَةِ آلَافِ سَنَةٍ. وَقَالَ صَاحِبُ التَّعْجِيزِ: إنَّ أَوَّلَ مَنْ حَجَّ آدَم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
مَنْ أَتَى بِالنُّسُكِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَخْصُوصِ. نَعَمْ إنْ أَرَادَ بِيَا حَاجُّ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ وَقَصَدَ بِهِ مَعْنًى صَحِيحًا كَأَنْ أَرَادَ بِ " يَا حَاجُّ " يَا قَاصِدَ التَّوَجُّهِ إلَى كَذَا كَالْجَمَاعَةِ أَوْ غَيْرِهَا فَلَا حُرْمَةَ، ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] لَمْ يُسْتَدَلَّ بِهَا أَيْ وَحْدَهَا عَلَى وُجُوبِهِ لِلِاخْتِلَافِ فِي الْإِعْرَابِ، فَقِيلَ " حَجٌّ " مُبْتَدَأٌ وَ " لِلَّهِ " خَبَرُهُ، وَ " مَنْ " فَاعِلٌ بِالْمَصْدَرِ. وَرُدَّ بِأَنَّ مَعْنَاهُ: وَلِلَّهِ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ أَنْ يَحُجَّ الْمُسْتَطِيعُ مِنْهُمْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ الْإِنْسَانُ، لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُ غَيْرِهِ إذْ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ. وَقِيلَ " مَنْ " مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْهُمْ فَعَلَيْهِ ذَلِكَ. وَقِيلَ شَرْطِيَّةٌ، وَجَوَابُهَا مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: فَلْيَحُجَّ. وَالرَّاجِحُ أَنَّ " مَنْ " بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ " النَّاسِ " مُخَصَّصٌ وَالرَّابِطُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: " مِنْهُمْ " لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ الْفَصْلُ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ مِنْهُ بِأَجْنَبِيٍّ وَهُوَ حَجُّ الْوَاقِعِ مُبْتَدَأٌ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ حَقَّهُ التَّقْدِيمُ لِأَنَّهُ مُبْتَدَأٌ اهـ رَحْمَانِيٌّ م د. وَقَوْلُهُ {حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] حِجُّ الْبَيْتِ عِبَارَةٌ عَنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ، وَخُصَّ الْبَيْتُ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ وَالطَّوَافُ بِهِ أَفْضَلُ الْأَرْكَانِ وَغَيْرُهُ تَبَعٌ لَهُ.
قَوْلُهُ: (حَجُّ الْبَيْتِ) فَإِنْ قُلْت: لِمَ قَصَرَ الْحَجَّ عَلَى الْبَيْتِ فَقَطْ مَعَ أَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ كَالْوُقُوفِ وَالسَّعْيِ؟ وَأَيْضًا وَرَدَ «الْحَجُّ عَرَفَةَ» ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْبَيْتَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ لِشَرَفِهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَغَيْرُهُ إنَّمَا هُوَ مَقْصُودٌ تَبَعًا لَهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ الْحَجُّ عَرَفَةَ فَمَعْنَاهُ أَنَّ مُعْظَمَ تَوَابِعِ هَذَا الْمَقْصُودِ بِالذَّاتِ إنَّمَا هُوَ عَرَفَةُ. وَيَنْدُبُ لِلْحَاجِّ الدُّعَاءُ لِغَيْرِهِ بِالْمَغْفِرَةِ وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْ وَلِغَيْرِهِ سُؤَالُ الدُّعَاءِ مِنْهُ بِهَا وَذَكَرَ أَنَّهُ أَيْ الدُّعَاءَ يَمْتَدُّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا مِنْ قُدُومِهِ، ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ.
قَوْلُهُ: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» أَيْ مِنْ خَمْسٍ فَ " عَلَى " بِمَعْنَى " مِنْ ". وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَمَّا يُقَالُ أَنَّ هَذِهِ الْخَمْسَ هِيَ الْإِسْلَامُ، فَكَيْفَ يَكُونُ الْإِسْلَامُ مَبْنِيًّا عَلَيْهَا وَالْمَبْنِيُّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ؟ وَلَا حَاجَةَ إلَى جَوَابِ الْكَرْمَانِيِّ بِأَنَّ الْإِسْلَامَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَجْمُوعِ وَالْمَجْمُوعُ غَيْرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَرْكَانِهِ اهـ ذَكَرَهُ الشُّمُنِّيُّ عَلَى الْمُغْنِي.
قَوْلُهُ: (حُجُّوا) أَيْ ائْتُوا بِالْحَجِّ وَقَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ لَا تَحُجُّوا، أَيْ قَبْلَ أَنْ تُمْنَعُوا مِنْ الْحَجِّ. وَقَوْلُهُ " أَنْ تَقْعُدَ " تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ " أَنْ لَا تَحُجُّوا ". وَقَوْلُهُ " الْأَوْدِيَةِ " جَمْعُ وَادٍ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ، وَالْمُرَادُ هُنَا مَا هُوَ أَعَمُّ. وَقَوْلُهُ " السَّبِيلَ " أَيْ الْمُرُورَ فِي الطَّرِيقِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا بِمَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ، أَمَّا بِهَذِهِ الْهَيْئَةِ الْمَخْصُوصَةِ فَمِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا يَدُلُّ لَهُ مَا بَعْدَهُ ق ل. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ " وَهُوَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ " أَيْ بِالنَّظَرِ لِلْمَعْنَى الَّذِي يُذْكَرُ بَعْدُ وَهُوَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَعِبَارَةُ الْإِطْفِيحِيِّ عَلَى الْمَنْهَجِ: وَالْحَجُّ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ، أَيْ فَلَيْسَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، بَلْ الْقَوْلُ بِذَلِكَ غَرِيبٌ، بَلْ وَجَبَ عَلَى غَيْرِهَا أَيْضًا لِمَا وَرَدَ: " مَا مِنْ نَبِيٍّ إلَّا وَحَجَّ " لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ مَا وَجَبَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ يَجِبُ عَلَى أُمَمِهِمْ خِلَافًا لِمَا اسْتَثْنَى مِنْ الْأَنْبِيَاءِ هُودًا وَصَالِحًا كَصَاحِبِ الْمَوَاهِبِ، فَهِيَ مَقَالَةٌ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهَا. وَدَخَلَ فِي عُمُومِ الْأَنْبِيَاءِ عِيسَى وَلَعَلَّ حِكْمَةَ اسْتِثْنَائِهِ هُودًا وَصَالِحًا عَلَى الْقَوْلِ بِهِ اشْتِغَالُهُمَا بِأَمْرِ قَوْمِهِمَا. قَوْلُهُ: «أَنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانُوا يَطُوفُونَ» هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطَّوَافَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ اهـ م ر، إلَّا أَنْ يُقَالَ مَحَلُّ الِاسْتِدْلَالِ قَوْلُهُ: لَمَّا حَجَّ آدَم.

(2/420)


وَإِنَّهُ حَجَّ أَرْبَعِينَ سَنَةً مِنْ الْهِنْدِ مَاشِيًا. وَقِيلَ: مَا مِنْ نَبِيٍّ إلَّا حَجَّهُ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: لَمْ يَبْعَثْ اللَّهُ نَبِيًّا بَعْدَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (إنَّ أَوَّلَ مَنْ حَجَّ) أَيْ مِنْ الْبَشَرِ، فَلَا يُنَافِي قَوْلَ جِبْرِيلِ الْمَارَّ. وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِمْ يَحُجُّونَ بَلْ يَطُوفُونَ.
قَوْلُهُ: (وَأَنَّهُ حَجَّ أَرْبَعِينَ سَنَةً مِنْ الْهِنْدِ مَاشِيًا) عَلَى رِجْلَيْهِ، قِيلَ لِمُجَاهِدٍ: أَفَلَا كَانَ يَرْكَبُ؟ قَالَ: وَأَيُّ شَيْءٍ كَانَ يَحْمِلُهُ؟ وَقَوْلُهُ بَعْدَ إبْرَاهِيمَ لَيْسَ قَيْدًا أَخْذًا مِمَّا قَبْلَهُ، أَوْ الْمُرَادُ بَعْدَ طَلَبِهِ لِقَوْلِهِ: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27] ق ل. وَقَوْلُهُ " طَلَبُهُ " أَيْ لِخَفَائِهِ بِسَبَبِ الطُّوفَانِ فَعِنْدَ ذَلِكَ أَرْسَلَ اللَّهُ سَحَابَةً بِقَدْرِ الْبَيْتِ فَبَنَى عَلَيْهَا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَقَوْلُهُ " بَعْدَ إبْرَاهِيمَ " لَعَلَّهُ اسْتَنَدَ فِي ذَلِكَ لِظَاهِرٍ قَوْله تَعَالَى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27] إلَخْ، وَإِلَّا فَالْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ وَهُوَ قَوْلُهُ: «مَا مِنْ نَبِيٍّ إلَّا وَحَجَّ» شَامِلٌ لِمَا قَبْلَ إبْرَاهِيمَ ع ش. وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ مَا نَصُّهُ: وَأَمَّا سَبَبُ بِنَاءِ الْخَلِيلِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ -، فَعَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ مَوْضِعَ الْبَيْتِ قَدْ خَفِيَ وَدَرَسَ مِنْ الْغَرَقِ أَيَّامَ الطُّوفَانِ فَصَارَ مَوْضِعُهُ أَكَمَةً حَمْرَاءَ مَدَرَةً لَا تَعْلُوهَا السُّيُولُ، غَيْرَ أَنَّ النَّاسَ يَعْلَمُونَ أَنَّ مَوْضِعَ الْبَيْتِ فِيمَا هُنَاكَ وَلَا يُعَيِّنُونَهُ؛ وَكَانَ الْمَظْلُومُ يَأْتِيهِ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ وَيَدْعُو عِنْدَهُ فَقَلَّ مَنْ دَعَا هُنَاكَ إلَّا اُسْتُجِيبَ لَهُ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَحُجُّونَهُ وَلَا يَعْلَمُونَ مَكَانَهُ حَتَّى بَوَّأَهُ اللَّهُ لِخَلِيلِهِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَعْلَمَهُ مَكَانَهُ. وَيُرْوَى أَنَّهُ لَمَّا بَوَّأَ اللَّهُ تَعَالَى لِخَلِيلِهِ مَكَانَ الْبَيْتِ وَأَمَرَهُ بِبِنَائِهِ أَقْبَلَ مِنْ الشَّامِ وَسِنُّهُ يَوْمَئِذٍ مِائَةُ سَنَةٍ وَسِنُّ ابْنِهِ إسْمَاعِيلَ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ، وَأَرْسَلَ اللَّهُ مَعَهُ السَّكِينَةَ لَهَا رَأْسٌ كَرَأْسِ الْهِرَّةِ وَجَنَاحَانِ وَفِي رِوَايَةٍ: كَأَنَّهَا غَمَامَةٌ فِي وَسَطِهَا مِنْ أَعْلَى كَهَيْئَةِ الرَّأْسِ تَتَكَلَّمُ وَكَانَتْ بِمِقْدَارِ الْبَيْتِ فَلَمَّا انْتَهَى الْخَلِيلُ إلَى مَكَّةَ وَقَفَتْ فِي مَوْضِعِ الْبَيْتِ وَنَادَتْ: يَا إبْرَاهِيمَ ابْنِ عَلَى مِقْدَارِ ظِلِّي لَا تَزِدْ وَلَا تَنْقُصْ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّهَا تَطَوَّقَتْ بِالْأَسَاسِ كَأَنَّهَا حَيَّةٌ. ثُمَّ إنَّ الْخَلِيلَ لَمَّا انْتَهَى فِي الْبِنَاءِ إلَى مَوْضِعِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ طَلَبَ مِنْ إسْمَاعِيلَ حَجَرًا يَضَعُهُ لِيَكُونَ عَلَمًا عَلَى بَدْءِ الطَّوَافِ، فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ مِنْ جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اسْتَوْدَعَهُ إيَّاهُ لَمَّا غَرِقَتْ الْأَرْضُ؛ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ الْحَجَرَ نَفْسَهُ نَادَى الْخَلِيلَ مِنْ أَبِي قُبَيْسٍ: هَا أَنَا ذَا، فَرَقَى إلَيْهِ فَأَخَذَهُ فَوَضَعَهُ فِي مَوْضِعِهِ، وَقِيلَ: إنَّ الْجَبَلَ نَادَاهُ فَقَالَ لَهُ: يَا إبْرَاهِيمُ لَك عِنْدِي أَمَانَةٌ فَخُذْهَا، وَجَعَلَ الْخَلِيلُ طُولَ الْبَيْتِ فِي السَّمَاءِ تِسْعَةَ أَذْرُعٍ بِتَقْدِيمِ التَّاءِ، وَلَعَلَّهُ بِمِقْدَارِ مَا بَنَى وَإِلَّا فَطُولُهُ الْآنَ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا، وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ أَذْرُعُ سَيِّدِنَا إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - طَوِيلَةً، وَعَرْضُهُ عَلَى أَسَاسِ آدَمَ مِنْ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ إلَى الرُّكْنِ الشَّامِيِّ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ ذِرَاعًا، وَمِنْ الشَّامِيِّ إلَى الْغَرْبِيِّ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا، وَمِنْ الْغَرْبِيِّ إلَى الْيَمَانِيِّ أَحَدٌ وَثَلَاثُونَ ذِرَاعًا، وَمِنْ الْيَمَانِيِّ إلَى الْأَسْوَدِ عِشْرُونَ. وَجَعَلَ بَابَهُ بِالْأَرْضِ غَيْرَ مُبَوَّبٍ لَنَا، حَتَّى كَانَ تُبَّعُ الْحِمْيَرِيُّ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَهُ بَابًا وَغَلْقًا فَارِسِيًّا. «وَلَمَّا فَرَغَ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، فَقَالَ: يَا رَبِّ وَمَا يُبَلِّغُ صَوْتِي؟ فَقَالَ: أَذِّنْ وَعَلَيَّ الْبَلَاغُ، فَنَادَى إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى الْمَقَامِ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا، فَسَمِعَهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ، حَتَّى مَنْ فِي الْأَصْلَابِ وَالْأَرْحَامِ، فَمَنْ أَجَابَ مَرَّةً حَجًّ مَرَّةً، وَمَنْ أَجَابَ مَرَّتَيْنِ حَجَّ مَرَّتَيْنِ، وَمَنْ أَجَابَ ثَلَاثًا حَجَّ ثَلَاثًا، وَمَنْ أَجَابَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ حَجَّ بِعَدَدِهِ» . وَقَدْ نَظَّمَ بَعْضُهُمْ جُمْلَةً مِنْ بَنِي الْبَيْتِ فَقَالَ:
بَنَى بَيْتَ رَبِّ الْعَرْشِ عَشَرٌ فَخُذْهُمْ ... مَلَائِكَةُ اللَّهِ الْكِرَامِ وَآدَمُ
فَشِيثُ فَإِبْرَاهِيمُ ثُمَّ عَمَالِقٌ ... قَصِيُّ قُرَيْشٍ قَبْلَ هَذَيْنِ جُرْهُمُ
وَعَبْدُ الْإِلَهِ بْنُ الزُّبَيْرِ بَنَى كَذَا ... بِنَاءٌ لِحُجَّاجٍ وَهَذَا مُتَمِّمُ
وَقَوْلُهُ " بِنَاءً لِحُجَّاجٍ " أَيْ بِجَانِبِ الْحَجَرِ فَقَطْ بِأَمْرِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، وَبَعْضُ الْبِنَاءِ كَانَ تَرْمِيمًا.

(2/421)


إبْرَاهِيمَ إلَّا وَقَدْ حَجَّ الْبَيْتَ وَادَّعَى بَعْضُ مَنْ أَلَّفَ فِي الْمَنَاسِكِ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ إلَّا عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَاخْتَلَفُوا مَتَى فُرِضَ، فَقِيلَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ حَكَاهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ بَعْدَهَا وَعَلَيْهِ قِيلَ فُرِضَ فِي السُّنَّةِ الْخَامِسَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ وَجَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي. وَقِيلَ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ وَصَحَّحَاهُ فِي كِتَابِ السِّيَرِ، وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَلَا يَجِبُ بِأَصْلِ الشَّرْعِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَحُجَّ بَعْدَ فَرْضِ الْحَجِّ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَهِيَ حَجَّةُ الْوَدَاعِ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «أَحَجُّنَا هَذَا لِعَامِنَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟ قَالَ: بَلْ لِلْأَبَدِ» وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَيْهَقِيّ الْآمِرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ إلَّا عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ) قَالَ م ر بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ: لَكِنْ قَالَ جَمْعٌ إنَّهُ غَرِيبٌ بَلْ وَجَبَ عَلَى غَيْرِهَا أَيْضًا اهـ أج، فَسَقَطَ قَوْلُ ق ل؛ وَلَمْ يَرِدْ مَا يُنَاقِضُ تِلْكَ الدَّعْوَةَ.
قَوْلُهُ: (وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ بَعْدَهَا) هُوَ الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّ سَائِرَ الْعِبَادَاتِ شُرِعَتْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ إلَّا الصَّلَاةَ كَمَا ذَكَرَهُ م د قَالَ ح ل فِي السِّيرَةِ، وَفِي كَلَامِ ابْنِ الْأَثِيرِ: «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحُجُّ كُلَّ سَنَةٍ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ» . وَفِي كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ «حَجَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَبَعْدَهَا حِجَجًا لَا يُعْلَمُ عَدَدُهَا وَكَانَتْ تَطَوُّعًا» .
قَوْلُهُ: (أَنَّ الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي) وَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ إلَى أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ، وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَلَيْسَ لَهُ نَصٌّ فِي ذَلِكَ؛ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ فِيهِ صَاحِبَاهُ فَذَهَبَ مُحَمَّدٌ إلَى أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي كَالشَّافِعِيِّ وَأَبُو يُوسُفَ إلَى أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ كَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ. اهـ. إطْفِيحِيٌّ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ حَيْثُ تَحَقَّقَ الْوُجُوبُ بِأَنْ اجْتَمَعَتْ شَرَائِطُهُ الْمَذْكُورَةُ فَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي؛ لَكِنْ يُسَنُّ تَعْجِيلُهُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَ الْفَوْرَ، لَكِنْ لَوْ مَاتَ قَبْلَ أَدَائِهِ تَبَيَّنَ عِصْيَانُهُ مِنْ السَّنَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ سِنِي الْإِمْكَانِ حَتَّى لَوْ شَهِدَ شَهَادَةً وَلَمْ يَحْكُمْ بِهَا حَتَّى مَاتَ لَمْ يَحْكُمْ بِهَا كَمَا لَوْ بَانَ فِسْقُهُ وَإِنْ اسْتَشْكَلَ بِأَنَّهُ فِسْقٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَلَوْ كَانَ حَكَمَ بِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ الْحُكْمُ بِهَا قَبْلَ آخِرِ سِنِي الْإِمْكَانِ لَمْ يُنْقَضْ أَوْ بَعْدَهُ نُقِضَ لِتَبَيُّنِ فِسْقِهِ عِنْدَ الشَّهَادَةِ. وَهَلْ الْمُرَادُ بِالسَّنَةِ الْأَخِيرَةِ أَوَّلُهَا أَوْ آخِرُهَا أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَيُتَّجَهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا زَمَنُ إمْكَانِ الْحَجِّ عَلَى عَادَةِ بَلَدِهِ وَكَمَوْتِهِ فِيمَا ذَكَرَ غَضَبَهُ، فَيَتَبَيَّنُ بَعْدَهُ فِسْقُهُ فِي آخِرِ سِنِي الْإِمْكَانِ وَفِيمَا بَعْدَهَا إلَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِنَابَةُ فَوْرًا؛ وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَوْنِهِ عَلَى التَّرَاخِي مَا لَوْ خَشِيَ الْغَضَبَ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ أَوْ الْمَوْتِ كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ، أَوْ هَلَاكُ مَالِهِ؛ سم مَعَ بَعْضِ تَصَرُّفٍ.
قَوْلُهُ: (وَقِيلَ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ) وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْفَرْضَ وَقَعَ سَنَةَ خَمْسٍ وَالطَّلَبَ إنَّمَا تَوَجَّهَ سَنَةَ سِتٍّ أج، أَيْ دَلِيلُ الْفَرْضِ نَزَلَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتَوَجَّهَ الطَّلَبُ سَنَةَ سِتٍّ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجِبُ بِأَصْلِ الشَّرْعِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً) فَإِنْ قُلْت: فَلِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ تَجِبْ الْعُمْرَةُ وَالْحَجُّ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْعُمْرِ؟ وَلِمَ لَمْ يَتَكَرَّرْ كَالصَّلَوَاتِ وَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالطَّهَارَةِ؟ فَالْجَوَابُ: إنَّمَا فَعَلَ الْحَقُّ ذَلِكَ رَحْمَةً بِخَلْقِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ رَحْمَتَهُ سَبَقَتْ غَضَبَهُ، فَخَفَّفَ فِيهِمَا لِعِظَمِ الْمَشَقَّةِ فِي فِعْلِهِمَا غَالِبًا، لَا سِيَّمَا مَنْ أَتَى مِنْ مَسِيرَةِ سَنَةٍ؛ بِخِلَافِ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَغَيْرِهَا. وَإِنَّمَا قَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ بِاسْتِحْبَابِ الْعُمْرَةِ لَا وُجُوبِهَا لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي أَفْعَالِ الْحَجِّ فَكَانَتْ كَالنَّوَافِلِ مَعَ الْفَرَائِضِ، ثُمَّ إنَّ فِي ذَلِكَ بِشَارَةً عَظِيمَةً لَنَا بِغُفْرَانِ ذُنُوبِنَا السَّابِقَةِ وَاللَّاحِقَةِ إذَا حَجَجْنَا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْعُمْرِ وَلَوْلَا هَذِهِ الْمَغْفِرَةُ لَكَرَّرَ الْحَقُّ تَعَالَى عَلَيْنَا الْحَجَّ كُلَّ سَنَةٍ مَثَلًا لِيَغْفِرَ لَنَا ذُنُوبَ كُلِّ سَنَةٍ بِذَلِكَ الْحَجِّ، فَافْهَمْ؛ ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الشَّعْرَانِيُّ. وَقَوْلُ الشَّارِحِ: " وَلَا يَجِبُ " أَيْ عَيْنًا، وَإِلَّا فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ كُلَّ عَامٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ النُّسُكَ إمَّا فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى مَنْ لَمْ يَحُجَّ بِشَرْطِهِ، أَوْ فَرْضُ كِفَايَةٍ لِإِحْيَاءِ الْكَعْبَةِ، أَوْ تَطَوَّعَ وَيُتَصَوَّرُ فِي الْأَرِقَّاءِ وَالصِّبْيَانِ؛ إذْ فَرْضُ الْكِفَايَةِ لَا يُتَوَجَّهُ إلَيْهِمْ شَرْحُ م ر.
قَوْلُهُ: (لَمْ يَحُجَّ بَعْدَ فَرْضِ الْحَجِّ إلَخْ) وَهَذَا أَدُلُّ دَلِيلٍ عَلَى عَدَمِ الْفَوْرِيَّةِ أج. فَإِنْ قُلْت: قَدْ يَكُونُ تَأْخِيرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا كَانَ لِعُذْرِ الْخِلَافَةِ وَاشْتِغَالِهِ بِأَمْرِهَا؟ قُلْت: قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: كَانَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَيَاسِيرُ لَا عُذْرَ لَهُمْ.
قَوْلُهُ: (حَجَّةُ الْوَدَاعِ) وَيُقَالُ لَهَا حَجَّةُ الْبَلَاغِ وَحَجَّةُ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَّعَ النَّاسَ فِيهَا وَلَمْ يَحُجَّ بَعْدَهَا، وَلِأَنَّهُ ذَكَرَ لَهُمْ مَا يَحِلُّ وَمَا يَحْرُمُ وَقَالَ لَهُمْ: " هَلْ بَلَّغْت؟ " قَالُوا: نَعَمْ. وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَحُجَّ مِنْ الْمَدِينَةِ غَيْرَهَا وَكَانَتْ فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ

(2/422)


بِالْحَجِّ فِي كُلِّ خَمْسَةِ أَعْوَامٍ فَمَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَجَّ حَجَّةً أَدَّى فَرْضَهُ، وَمَنْ حَجَّ ثَانِيَةً دَايَنَ رَبَّهُ، وَمَنْ حَجَّ ثَلَاثَ حِجَجٍ حَرَّمَ اللَّهُ شَعْرَهُ وَبَشَرَهُ عَلَى النَّارِ» . وَقَدْ يَجِبُ أَكْثَرُ مِنْ مَرَّةٍ لِعَارِضٍ كَنَذْرٍ وَقَضَاءٍ عِنْدَ إفْسَادِ التَّطَوُّعِ وَالْعُمْرَةِ فَرْضٌ فِي الْأَظْهَرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] أَيْ ائْتُوا بِهِمَا تَامِّينَ. «وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ؟ قَالَ: نَعَمْ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ، الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ» وَأَمَّا خَبَرُ التِّرْمِذِيِّ «عَنْ جَابِرٍ: سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ؟ قَالَ: لَا وَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ» قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى ضَعْفِهِ وَلَا تَجِبُ فِي الْعُمْرِ إلَّا مَرَّةً.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
مِنْ الْهِجْرَةِ. قَوْلُهُ: (لِعَامِنَا) أَيْ هَذَا فَقَطْ.
قَوْلُهُ: (الْآمِرُ) بِالْمَدِّ وَالرَّفْعِ صِفَةٌ لِحَدِيثٍ.
قَوْلُهُ: (لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فِيهِ أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى مَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ بِكَوْنِ الثَّلَاثَةِ مُتَوَالِيَةً.
قَوْلُهُ: (دَايَنَ رَبَّهُ) أَيْ جَعَلَ لِنَفْسِهِ دَيْنًا عَلَى رَبِّهِ. وَالْمُرَادُ أَنَّهُ ادَّخَرَ ثَوَابًا عِنْدَ رَبِّهِ زَائِدًا عَلَى مَا أَعَدَّ لَهُ فَكَانَ كَالدَّيْنِ.
قَوْلُهُ: «حَرَّمَ اللَّهُ شَعْرَهُ وَبَشَرَهُ عَلَى النَّارِ» أَيْ إنْ اسْتَمَرَّ عَلَى تَوْبَتِهِ، وَمَعَ كَوْنِهِ كَذَلِكَ فَالصَّلَاةُ أَفْضَلُ مِنْهُ خِلَافًا لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ حَيْثُ قَالَ: إنَّهُ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْمَالِ وَالْبَدَنِ؛ وَلِأَنَّا دُعِينَا إلَيْهِ وَنَحْنُ فِي أَصْلَابِ الْآبَاءِ كَالْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ اهـ م د.
قَوْلُهُ: (وَقَدْ يَجِبُ أَكْثَرُ مِنْ مَرَّةٍ) مَفْهُومُ قَوْلِهِ " بِأَصْلِ الشَّرْعِ ".
قَوْلُهُ: (وَقَضَاءٍ عِنْدَ إفْسَادِ التَّطَوُّعِ) وَأَمَّا عِنْدَ إفْسَادِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَالْوَاجِبُ هُوَ بَدَلُ مَا أَفْسَدَهُ، فَكَأَنَّهُ مَا وَجَبَ إلَّا مَرَّةً. قَوْلُهُ: (وَالْعُمْرَةُ) سُمِّيَتْ عُمْرَةً لِأَنَّهَا تُفْعَلُ فِي الْعُمْرِ كُلِّهِ مَرَّةً م ر. قَوْلُهُ: (فَرْضٌ) أَيْ اسْتِقْلَالًا.
قَوْلُهُ: (فِي الْأَظْهَرِ) وَمُقَابِلُهُ أَنَّهَا تَدْخُلُ فِي الْحَجِّ كَالْوُضُوءِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْغُسْلِ. وَرَدَّ بِأَنَّهُمَا أَصْلَانِ فَلَا يُغْنِي الْحَجُّ عَنْهَا وَإِنْ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا أَغْنَى الْغُسْلُ عَنْ الْوُضُوءِ لِأَنَّ الْوُضُوءَ بَدَلٌ عَنْ الْغُسْلِ لِأَنَّ الْغُسْلَ كَانَ وَاجِبًا لِكُلِّ صَلَاةٍ؛ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] إنَّمَا أَتَى بِلَفْظِ " لِلَّهِ " مَعَ أَنَّ كُلَّ الْأَعْمَالِ مِنْ حَجٍّ وَغَيْرِهِ لِلَّهِ، إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُطْلَبُ فِيهِمَا إخْلَاصُ النِّيَّةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِمَا الرِّيَاءُ وَالسُّمْعَةُ، وَمِنْ الرِّيَاءِ فِيهِ ذِكْرُ مَوَاضِعِهِ وَمَا يَقَعُ فِيهِ وَذَلِكَ يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: يُسْتَحَبُّ لِقَاصِدِ الْحَجِّ أَنْ يَكُونَ خَلِيًّا مِنْ التِّجَارَةِ فِي الطَّرِيقِ، فَإِنْ خَرَجَ بِقَصْدِ التِّجَارَةِ وَالْحَجِّ صَحَّ حَجُّهُ لَكِنْ ثَوَابُهُ دُونَ ثَوَابِ الْخَلِيِّ عَنْ التِّجَارَةِ اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ إنْ غَلَبَ الْبَاعِثُ الْأُخْرَوِيُّ أُثِيبَ بِقَدْرِهِ، وَإِلَّا فَلَا يُثَابُ أَصْلًا. ثُمَّ قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَيَجِبُ عَلَيْهِ تَصْحِيحُ النِّيَّةِ فِيهِمَا، وَهُوَ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ. رَوَى الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَحُجُّ أَغْنِيَاؤُهُمْ لِلنُّزْهَةِ وَأَوْسَاطُهُمْ لِلتِّجَارَةِ وَأَغْلَبُهُمْ لِلرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَفُقَرَاؤُهُمْ لِلْمَسْأَلَةِ» وَلِهَذَا كَانَ عُمَرُ يَقُولُ: الْوَفْدُ كَثِيرٌ وَالْحَاجُّ قَلِيلٌ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ غُفِرَ لِلْحَاجِّ الْمُخْلِصِ، فَإِذَا كَانَ لَيْلَةُ الْمُزْدَلِفَةِ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لِلتُّجَّارِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ مِنًى غَفَرَ اللَّهُ لِلْحَمَّالِينَ، فَإِذَا كَانَ عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ غَفَرَ اللَّهُ لِلسُّؤَالِ» وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى مَالٍ حَلَالٍ لِيُنْفِقَهُ فِي سَفَرِهِ فَإِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إلَّا طَيِّبًا؛ وَفِي الْخَبَرِ: «مَنْ حَجَّ بِمَالٍ حَرَامٍ إذَا لَبَّى قِيلَ لَهُ لَا لَبَّيْكَ وَلَا سَعْدَيْكَ وَحَجُّك مَرْدُودٌ عَلَيْك» . وَمَنْ حَجَّ بِمَالٍ مَغْصُوبٍ أَجْزَأَهُ الْحَجُّ وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا بِالْغَصْبِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يُجْزِئُهُ. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ.
قَوْلُهُ: (أَيْ ائْتُوا بِهِمَا تَامَّيْنِ) لَمَّا كَانَ ظَاهِرُ الْآيَةِ يُوهِمُ أَنَّ الشُّرُوعَ لَيْسَ وَاجِبًا، وَإِنَّ الْإِتْمَامَ وَاجِبٌ فَقَطْ؛ دُفِعَ هَذَا الْإِيهَامُ بِقَوْلِهِ " أَيْ ائْتُوا بِهِمَا تَامَّيْنِ " أَيْ حَالَ كَوْنِهِمَا تَامَّيْنِ، فَالْمُرَادُ بِالْإِتْمَامِ ابْتِدَاءُ الْفَرْضِ وَإِكْمَالُهُ. وَيُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ عَلْقَمَةَ وَمَسْرُوقٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: " وَأُقِيمُوا الْحَجَّ " بِالْقَافِ. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ.
قَوْلُهُ: (وَأَنْ تَعْتَمِرَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، أَيْ وَاعْتِمَارُك خَيْرٌ لَك.
قَوْلُهُ: (اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ أَيْضًا، وَلَا تَغْتَرَّ بِقَوْلِ التِّرْمِذِيِّ فِيهِ حَسَنٌ صَحِيحٌ شَرْحُ م ر، بَلْ قِيلَ إنَّهُ كَذِبٌ عَنْهُ. وَالْحُفَّاظُ جَمْعُ حَافِظٍ وَهُوَ مَنْ حَفِظَ مِائَةَ أَلْفِ حَدِيثٍ.

(2/423)


(وَشَرَائِطُ وُجُوبِ الْحَجِّ) أَيْ وَالْعُمْرَةِ (سَبْعَةٌ) بَلْ ثَمَانِيَةٌ كَمَا سَتَعْرِفُهُ: الْأَوَّلُ (الْإِسْلَامُ) فَلَا يَجِبَانِ عَلَى كَافِرٍ أَصْلِيٍّ وُجُوبَ مُطَالَبَةٍ كَمَا فِي الصَّلَاةِ، أَمَّا الْمُرْتَدُّ بَعْدَ الِاسْتِطَاعَةِ فَلَا يَسْقُطَانِ عَنْهُ، فَإِنْ أَسْلَمَ مُعْسِرًا اسْتَقَرَّ فِي ذِمَّتِهِ بِتِلْكَ الِاسْتِطَاعَةِ أَوْ مُوسِرًا وَمَاتَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ حَجَّ وَاعْتُمِرَ عَنْهُ مَنْ تَرِكَتِهِ، وَلَوْ ارْتَدَّ فِي أَثْنَاءِ نُسُكِهِ بَطَلَ فِي الْأَصَحِّ فَلَا يَمْضِي فِي فَاسِدِهِ.

(وَ) الثَّانِي وَالثَّالِثُ (الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ) فَلَا يَجِبَانِ عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمَا كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ.

(وَ) الرَّابِعُ (الْحُرِّيَّةُ) فَلَا يَجِبَانِ عَلَى مَنْ فِيهِ رِقٌّ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ مُسْتَحَقَّةٌ لِسَيِّدِهِ، وَفِي إيجَابِ ذَلِكَ عَلَيْهِ إضْرَارٌ لِلسَّيِّدِ.

(وَ) الْخَامِسُ الِاسْتِطَاعَةُ كَمَا يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِ فَلَا يَجِبَانِ عَلَى غَيْرِ مُسْتَطِيعٍ لِمَفْهُومِ الْآيَةِ. وَالِاسْتِطَاعَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (وَشَرَائِطُ وُجُوبِ الْحَجِّ سَبْعَةٌ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَعْدُودَ فِي كَلَامِهِ ثَمَانِيَةٌ. وَأَيْضًا جَعَلَ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ وَمَا بَعْدَهُمَا شُرُوطًا لِلْوُجُوبِ مَعَ أَنَّهَا شُرُوطٌ لِلِاسْتِطَاعَةِ. وَيُجَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ عَدَّ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ وَاحِدًا؛ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ تَجَوَّزَ وَجَعَلَ شَرْطَ الشَّرْطِ شَرْطًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ شُرُوطَ الْوُجُوبِ فِي الْحَقِيقَةِ خَمْسَةٌ: الْأَرْبَعَةُ الْأَوَّلُ وَالِاسْتِطَاعَةُ؛ وَقَوْلُ الْمَتْنِ ". وَوُجُوبُ الزَّادِ إلَخْ " فِي الْحَقِيقَةِ شُرُوطٌ لِلشَّرْطِ الْخَامِسِ وَهُوَ الِاسْتِطَاعَةُ، فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (بَلْ ثَمَانِيَةٌ) وَالثَّامِنُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ.
قَوْلُهُ: (أَمَّا الْمُرْتَدُّ بَعْدَ الِاسْتِطَاعَةِ) وَكَذَا لَوْ اسْتَطَاعَ فِي حَالِ رِدَّتِهِ ق ل. وَقَرَّرَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ مَا نَصُّهُ: وَأَمَّا لَوْ اسْتَطَاعَ فِي الرِّدَّةِ فَإِنَّ النُّسُكَ يَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّتِهِ بِاسْتِطَاعَتِهِ فِي الرِّدَّةِ، فَإِذَا مَاتَ مَاتَ عَاصِيًا بِعِصْيَانٍ آخَرَ غَيْرَ عِصْيَانِ الرِّدَّةِ وَلَا يَقْضِي عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَنْ الْمَيِّتِ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ أَهْلًا لِلْمُبَاشَرَةِ بِنَفْسِهِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَسْلَمَ مُعْسِرًا) خَرَجَ مَا لَوْ مَاتَ مُرْتَدًّا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ وَلَا يُمْكِنُ وُقُوعُهَا عَنْهُ، وَبِذَلِكَ فَارَقَ نَحْوَ الزَّكَاةِ ق ل.
قَوْلُهُ: (وَمَاتَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ) لَيْسَ قَيْدًا، بَلْ بَعْدَهُ بِالْأُولَى.
قَوْلُهُ: (فَلَا يَمْضِي) أَيْ إذَا أَسْلَمَ أَمَّا إذَا بَقِيَ عَلَى رِدَّتِهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ ذَلِكَ، فَقَوْلُهُ " فَلَا يَمْضِي فِي فَاسِدِهِ " أَيْ لَا فِي حَالِ الرِّدَّةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ وَلَا إذَا أَسْلَمَ لِبُطْلَانٍ إحْرَامِهِ، وَقَوْلُهُ " فِي فَاسِدِهِ " الثَّوَابُ فِي بَاطِلِهِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي بَاطِلِهِ.

قَوْلُهُ: (الْبُلُوغُ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَيْ صَبِيٌّ حَجَّ وَبَلَغَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى " وَيُكْتَبُ لِلصَّبِيِّ ثَوَابُ مَا عَمِلَهُ أَوْ عَمِلَهُ لَهُ وَلِيُّهُ مِنْ الطَّاعَاتِ، وَلَا يُكْتَبُ عَلَيْهِ مَعْصِيَةٌ إجْمَاعًا؛ بِرْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (وَمَجْنُونٌ) أَيْ لَمْ يَسْتَطِعْ قَبْلَ جُنُونِهِ وَإِنْ جَنَّ بَعْدَ إحْرَامِهِ.

قَوْلُهُ: (عَلَى مَنْ فِيهِ رِقٌّ) وَمِنْهُ الْمُبْعِضُ وَإِنْ اسْتَطَاعَ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ أَوْ كَانَتْ مُهَايَأَةً قِ ل لِنَقْصِهِ بِالرِّقِّ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَإِنْ وَقَعَتْ فِي نَوْبَتِهِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ مَنَافِعَهُ) فِيهِ أَنَّ الْمُبَعَّضَ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ وَوَقَعَ الْحَجُّ فِي نَوْبَتِهِ لَا تَكُونُ مَنَافِعُهُ مُسْتَحَقَّةً لِسَيِّدِهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ لَهُ بِالْقُوَّةِ؛ لِأَنَّ لِلسَّيِّدِ فَسْخَ الْمُهَايَأَةِ لِكَوْنِ عَقْدِهَا جَائِزًا.

قَوْلُهُ: (وَالْخَامِسُ الِاسْتِطَاعَةُ) جَعَلَ الْمُصَنِّفُ الشَّرْطَ الْخَامِسَ لِلْوُجُوبِ وُجُودَ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ مَعًا، وَالشَّارِحُ عَدَلَ عَنْ ذَلِكَ وَجَعَلَ الشَّرْطَ هُوَ الِاسْتِطَاعَةُ وَأَنَّ وُجُودَ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ شَرْطَانِ لِلِاسْتِطَاعَةِ، وَعَبَّرَ عَنْهُمَا بِشُرُوطٍ بِلَفْظِ الْجَمْعِ؛ وَهَذَا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فَلَوْ أَبْقَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ أَوْ جَعَلَ تَخْلِيَةَ الطَّرِيقِ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ شُرُوطِ الِاسْتِطَاعَةِ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ وَيَكُونُ الْمُصَنِّفُ تَجَوَّزَ فِي عَدِّ شَرْطِ الشَّرْطِ شَرْطًا لَكَانَ أَوْلَى ق ل. وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَلَى الشَّارِحِ مُسَامَحَةً مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ ذَكَرَ الِاسْتِطَاعَةَ وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَذْكُرْهَا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ جَعَلَ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ شَرْطَيْنِ لِلِاسْتِطَاعَةِ وَالْمُصَنِّفُ جَعَلَهُمَا شَرْطَيْنِ لِلْوُجُوبِ. وَالثَّالِثُ: قَالَ: وَلَهَا شُرُوطٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ إلَّا اثْنَيْنِ. وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ جَعَلَ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ شَرْطَيْنِ لِلِاسْتِطَاعَةِ وَجَعَلَ تَخْلِيَةَ الطَّرِيقِ وَإِمْكَانَ الْمَسِيرِ شَرْطَيْنِ لِلْوُجُوبِ كَالْمَتْنِ مَعَ أَنَّهُمَا شَرْطَانِ لِلِاسْتِطَاعَةِ أَيْضًا.
وَيُجَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ لَمْ يَزِدْ الِاسْتِطَاعَةَ بَلْ هِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ ذِكْرِ الزَّادِ وَمَا بَعْدَهُ، فَكَأَنَّ الْمَتْنَ ذَكَرَهَا بِالْقُوَّةِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ عُذْرَهُ مُوَافَقَةُ الْوَاقِعِ مِنْ أَنَّهُمَا شَرْطَانِ لِلِاسْتِطَاعَةِ لَا لِلْوُجُوبِ فَخَالَفَ الْمَتْنَ لِذَلِكَ. وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّ مُرَادَهُ وَلَهَا شُرُوطٌ أَيْ فِي الْوَاقِعِ فَصَحَّ الْجَمْعُ. وَعَنْ

(2/424)


نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا اسْتِطَاعَةُ مُبَاشَرَةٍ، وَلَهَا شُرُوطٌ: أَحَدُهَا (وُجُودُ الزَّادِ) الَّذِي يَكْفِيهِ، وَأَوْعِيَتُهُ حَتَّى السُّفْرَةُ وَكُلْفَةُ ذَهَابِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
الرَّابِعِ بِأَنَّ عُذْرَهُ فِي ذَلِكَ تَصْحِيحُ الْعَدَدِ لِلْمَتْنِ إذْ لَوْ جَعَلَهُمَا شُرُوطًا لِلِاسْتِطَاعَةِ كَاَللَّذَيْنِ قَبْلَهُمَا لَزِمَ كَوْنُ الشُّرُوطِ خَمْسَةً بِالنَّظَرِ لِلِاسْتِطَاعَةِ أَوْ أَرْبَعَةً بِغَيْرِهَا، وَكَانَ الْأَظْهَرُ لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ: وَبَقِيَ خَامِسٌ وَهُوَ الِاسْتِطَاعَةُ وَلَهَا شُرُوطٌ سَبْعَةٌ ذَكَرَ الْمَاتِنُ مِنْهَا أَرْبَعَةً أَحَدُهَا وُجُودُ إلَخْ؛ وَذَكَرَ الشَّارِحُ ثَلَاثَةً ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَقُولُ وَبَقِيَ أَيْ مِنْ شُرُوطِ الِاسْتِطَاعَةِ خَامِسٌ وَسَادِسٌ وَسَابِعٌ وَالسَّابِعُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الثَّامِنُ لِشُرُوطِ الْوُجُوبِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ، فَتَأَمَّلْ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ كِتَابَةُ الِاسْتِطَاعَةِ مَتْنًا بِقَلَمِ الْحُمْرَةِ، وَهِيَ غَيْرُ مُنَاسِبَةٍ لِكَلَامِ الشَّارِحِ؛ فَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَجْعَلَ تَخْلِيَةَ الطَّرِيقِ وَإِمْكَانِ الْمَسِيرِ مِنْ شُرُوطِ الِاسْتِطَاعَةِ لَا مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ. وَقَوْلُهُ " الِاسْتِطَاعَةُ " وَيُعْتَبَرُ فِيهَا وُجُودُ شُرُوطِهَا فِي حَقِّ كُلِّ إنْسَانٍ مِنْ وَقْتِ خُرُوجِ أَهْلِ حَجِّ بَلَدِهِ إلَى عَوْدِهِمْ إلَيْهِ فَمَتَى أَعْسَرَ فِي جُزْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلَا اسْتِطَاعَةَ ق ل. وَهَذَا فِي الْحَيِّ، أَمَّا مَنْ مَاتَ بَعْدَ الِاسْتِطَاعَةِ وَبَعْدَ مُضِيِّ أَعْمَالِ الْحَجِّ وَإِنْ لَمْ يَعِشْ إلَى عَوْدِهِمْ إلَى الْبَلَدِ فَإِنَّهُ يَحُجُّ مِنْ تَرِكَتِهِ. وَعِبَارَةُ م ر: فَمَنْ مَاتَ غَيْرَ مُرْتَدٍّ وَفِي ذِمَّتِهِ حَجٌّ وَاجِبٌ مُسْتَقَرٌّ وَلَوْ بِنَحْوِ نَذْرٍ بِأَنْ تَمَكَّنَ بَعْدَ قُدْرَتِهِ عَلَى فِعْلِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ وَذَلِكَ بَعْدَ انْتِصَافِ لَيْلَةِ النَّحْرِ وَمُضِيِّ إمْكَانِ الرَّمْيِ وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ إنْ دَخَلَ الْحَاجُّ بَعْدَ الْوُقُوفِ ثُمَّ مَاتَ أَثِمَ وَلَوْ شَابًّا وَإِنْ لَمْ تَرْجِعْ الْقَافِلَةُ وَوَجَبَ الْإِحْجَاجُ عَنْهُ مِنْ تَرِكَتِهِ اهـ. وَقَوْلُهُ " وَذَلِكَ " أَيْ التَّمَكُّنُ، وَقَوْلُهُ " بَعْدَ انْتِصَافِ " مُتَعَلِّقٌ بِأَنْ يَمُوتَ الْمُقَدَّرُ، وَجُمْلَةُ قَوْلِهِ " ثُمَّ مَاتَ " مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ " تَمَكَّنَ "، وَقَوْلُهُ " وَذَلِكَ إلَخْ " مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ لِبَيَانِ التَّمَكُّنِ، وَقَوْلُهُ " إنْ دَخَلَ " قَيْدٌ فِي السَّعْيِ، وَقَوْلُهُ " إنْ دَخَلَ الْحَاجُّ " أَيْ أَهْلُ بَلَدِهِ، فَإِنْ كَانَ عَادَتُهُمْ الدُّخُولَ قَبْلَ الْوُقُوفِ فَلَا يُعْتَبَرُ مُضِيُّ زَمَنٍ لِأَنَّهُ يَفْعَلُ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ غَالِبًا.
قَوْلُهُ: (كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ " وُجُودُ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ " فَفِي كَلَامِهِ تَجُوزُ حَيْثُ عَدَّ شَرْطَ الشَّرْطِ شَرْطًا.
قَوْلُهُ: (فَلَا يَجِبَانِ عَلَى غَيْرِ مُسْتَطِيعٍ) صَرِيحُ كَلَامِهِ كَسَائِرِ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِقُدْرَةِ وَلِيٍّ عَلَى الْوُصُولِ إلَى مَكَّةَ وَعَرَفَةَ فِي لَحْظَةِ كَرَامَةٍ، وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ بِالْأَمْرِ الْعَادِي فَلَا يُخَاطَبُ ذَلِكَ الْوَلِيُّ بِالْوُجُوبِ إلَّا إنْ قَدَرَ كَالْعَادَةِ أَيْ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ كَغَيْرِهِ اهـ. شَرْحُ حَجّ عَلَى الْمِنْهَاجِ، وَمِثْلُهُ سم فِي شَرْحِ الْمَتْنِ؛ وَنَقَلَ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمَنْهَجِ عَنْ شَيْخِهِ الطَّبَلَاوِيَّ اخْتِيَارَ الْوُجُوبِ، وَالْأَقْرَبُ مَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ كَمَا ذَكَرَهُ ع ش عَلَى م ر. قَالَ سم: تَنْبِيهٌ: قِيَاسُ مَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا الشِّهَابُ م ر مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَدِينِ النُّزُولُ عَنْ وَظَائِفِهِ بِعِوَضٍ إذَا أَمْكَنَهُ ذَلِكَ لِغَرَضِ وَفَاءِ الدَّيْنِ وُجُوبُ الْحَجِّ عَلَى مَنْ بِيَدِهِ وَظَائِفُ أَمْكَنَهُ النُّزُولُ عَنْهَا بِمَا يَكْفِيهِ لِلْحَجِّ بَعْدَ مُؤْنَةِ عِيَالِهِ ذَهَابًا وَإِيَابًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا هِيَ، وَلَوْ أَمْكَنَهُ الْحَجُّ بِمَوْقُوفٍ لِمَنْ يَحُجُّ وَجَبَ؛ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّهُ حَيْثُ لَا تَلْحَقُهُ مِنْهُ مَشَقَّةٌ فِي تَحْصِيلِهِ مِنْ نَحْوِ نَاظِرِ الْوَقْفِ وَإِلَّا فَلَا وُجُوبَ م ر. وَفِي فَتَاوَى السُّيُوطِيّ: رَجُلٌ لَا مَالَ لَهُ وَلَهُ وَظَائِفُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ النُّزُولُ عَنْهَا بِمَالٍ لِيَحُجَّ؟ الْجَوَابُ: لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ هُوَ مِثْلُ بَيْعِ الضَّيْعَةِ الْمُعَدَّةِ لِلنَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُعَاوَضَةً مَالِيَّةً وَالنُّزُولُ عَنْ الْوَظَائِفِ إنْ صَحَّحْنَاهُ مِثْلُ التَّبَرُّعَاتِ اهـ. لَكِنْ اسْتَقْرَبَ ع ش مَا قَالَهُ الشِّهَابُ م ر دُونَ مَا أَفْتَى بِهِ السُّيُوطِيّ. وَمِثْلُ الْوَظَائِفِ الْجَوَامِكُ وَالْمَحَلَّاتُ الْمَوْقُوفَةُ عَلَيْهِ إذَا انْحَصَرَ الْوَقْفُ فِيهِ وَكَانَ لَهُ وِلَايَةٌ لِإِيجَارِهِ، فَيُكَلَّفُ إيجَارُهُ مُدَّةً تَفِي بِمُؤَنِ الْحَجِّ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِي شَرْطِ الْوَاقِفِ مَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِجَارَةِ وَظَاهِرُهُ فِي النُّزُولِ عَنْ الْوَظَائِفِ وَلَوْ تَعَطَّلَتْ الشَّعَائِرُ بِنُزُولِهِ عَنْهَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَصْحِيحُ عِبَادَةِ غَيْرِهِ اهـ اط ف مَعَ زِيَادَةٍ.
قَوْلُهُ: (اسْتِطَاعَةُ مُبَاشَرَةٍ) وَيُقَالُ لَهَا اسْتِطَاعَةٌ بِالنَّفْسِ.
قَوْلُهُ: (وَلَهَا شُرُوطٌ) أَيْ أُمُورٌ لَا تَتَحَقَّقُ الِاسْتِطَاعَةُ إلَّا بِهَا، فَفِي الْعِبَارَةِ مُسَامَحَةٌ إذْ تَقْتَضِي أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ تَتَحَقَّقُ وَتُوجَدُ خَارِجًا بِدُونِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوط يَتَحَقَّقُ بِدُونِ شَرْطِهِ وَالِاسْتِطَاعَةُ لَا تُوجَدُ إلَّا بِهَا.
قَوْلُهُ: (وُجُودُ الزَّادِ) أَيْ وُجُودُ مَا يَصْرِفُهُ فِي الزَّادِ بِأَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى ثَمَنِهِ، فَهَذَا شَرْطٌ

(2/425)


لِمَكَّةَ وَرُجُوعِهِ مِنْهَا إلَى وَطَنِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَهْلٌ وَعَشِيرَةٌ، فَلَوْ لَمْ يَجِدْ مَا ذُكِرَ وَلَكِنْ كَانَ يَكْسِبُ فِي سَفَرِهِ مَا يَفِي بِزَادِهِ وَبَاقِي مُؤَنِهِ وَسَفَرِهِ طَوِيلٌ مَرْحَلَتَانِ فَأَكْثَرُ لَمْ يُكَلِّفْ النُّسُكَ، وَلَوْ كَانَ يَكْسِبُ فِي يَوْمٍ كِفَايَةَ أَيَّامٍ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْقَطِعُ عَنْ الْكَسْبِ لِعَارِضٍ، وَبِتَقْدِيرِ عَدَمِ الِانْقِطَاعِ فَالْجَمْعُ بَيْنَ تَعَبِ السَّفَرِ وَالْكَسْبِ فِيهِ مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ، وَإِنْ قَصُرَ سَفَرُهُ وَكَانَ يَكْسِبُ فِي يَوْمٍ كِفَايَةَ أَيَّامِ الْحَجِّ كُلِّفَ الْحَجَّ بِأَنْ يَخْرُجَ لَهُ لِقِلَّةِ الْمَشَقَّةِ حِينَئِذٍ، وَقَدَّرَ فِي الْمَجْمُوعِ أَيَّامَ الْحَجِّ بِمَا بَيْنَ زَوَالِ سَابِعِ ذِي الْحِجَّةِ وَزَوَالِ ثَالِثِ عَشْرَةَ، وَهُوَ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَنْفِرْ النَّفْرَ الْأَوَّلَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ زَادًا وَاحْتَاجَ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ كُرِهَ لَهُ اعْتِمَادًا عَلَى السُّؤَالِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ وَإِلَّا مُنِعَ بِنَاءً عَلَى تَحْرِيمِ الْمَسْأَلَةِ لِلْمُكْتَسِبِ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ.
(وَ) الثَّانِي مِنْ شُرُوطِ الِاسْتِطَاعَةِ وُجُودُ (الرَّاحِلَةِ) الصَّالِحَةِ لِمِثْلِهِ بِشِرَاءٍ أَوْ اسْتِئْجَارٍ بِثَمَنٍ أَوْ أُجْرَةٍ، مِثْلُ لِمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَانِ فَأَكْثَرُ، قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ أَمْ لَا، لَكِنْ يَنْدُبُ لِلْقَادِرِ عَلَى الْمَشْيِ الْحَجُّ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ، وَمَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
لِوُجُودِ الزَّادِ مِنْ حَيْثُ الثَّمَنِ الَّذِي يُحَصِّلُهُ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ قَوْلِهِ " وَإِمْكَانُ السَّيْرِ " مِنْ قَوْلِهِ " وَيُشْتَرَطُ وُجُودُ مَاءٍ وَزَادٍ بِمُحَالٍ إلَخْ " شَرْطٌ لِوُجُوبِهِ مِنْ حَيْثُ الْمَحَلِّ، فَلَا تَكْرَارَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. فَالْمُرَادُ بِالْوُجُودِ فِيمَا يَأْتِي مُقَابِلُ الْعَدَمِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَجِدْهَا بِالْمُحَالِ الْمَذْكُورَةِ وَوَجَدَ الثَّمَنَ لَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ. قَوْلُهُ: (وَأَوْعِيَتِهِ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الزَّادِ.
وَقَوْلُهُ " وَكُلْفَةٍ " مَعْطُوفٌ عَلَى الزَّادِ؛ وَلَعَلَّهُ مِنْ عَطْفِ الْعَامِ، وَانْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِهَا ق ل، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهَا الْمُؤْنَةُ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى السُّفْرَةُ) فِي عَطْفِهَا عَلَى الْأَوْعِيَةِ بِحَتَّى الْمُقْتَضَى أَنَّهُ يُقَالُ لَهَا وِعَاءٌ نَظَرٌ، فَرَاجِعْهُ ق ل. وَيُمْكِنُ أَنَّهَا وِعَاءٌ حُكْمًا لِأَنَّهَا تُفْرَشُ لِأَجْلِ وَضْعِ الطَّعَامِ عَلَيْهَا.
قَوْلُهُ: (أَهْلُ) الْمُرَادُ بِهِمْ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ. وَالْوَاوُ فِي " وَعَشِيرَةٍ " بِمَعْنَى " أَوْ ".
قَوْلُهُ: (لَمْ يُكَلَّفْ) جَوَابُ " لَوْ ". وَقَوْلُهُ " وَلَوْ كَانَ إلَخْ " غَايَةٌ لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ. وَقَوْلُهُ " كِفَايَةُ أَيَّامٍ " أَيْ وَلَوْ جَمِيعُ أَيَّامِ سَفَرِهِ. وَقَوْلُهُ " وَإِنْ قَصُرَ سَفَرُهُ " بِأَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ. وَقَوْلُهُ " فِي يَوْمٍ " مُرَادُهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ أَيَّامِ سَفَرِهِ وَلَا عِبْرَةَ فِيمَا بَعْدَهُ ق ل؛ أَيْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. فَعَلَيْهِ لَوْ كَانَ يَكْسِبُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ كِفَايَةَ يَوْمٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ، وَلَا عِبْرَةَ بِكَسْبِهِ فِي الْحَضَرِ أَيْضًا لِأَنَّ تَحْصِيلَ سَبَبِ الْوُجُوبِ لَا يَجِبُ اهـ أج.
قَوْلُهُ: (وَقَدَّرَ فِي الْمَجْمُوعِ إلَخْ) وَجْهُ اعْتِبَارِ مَا بَعْدَ زَوَالِ السَّابِعِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَأْخُذُ فِي أَسْبَابِ تَوَجُّهِهِ مِنْ الْغَدِ إلَى مِنًى، وَالثَّالِثَ عَشَرَ أَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ الْأَفْضَلَ وَهُوَ إقَامَتُهُ بِمَعْنَى ثَلَاثِ لَيَالٍ؛ ز ي.
قَوْلُهُ: (زَوَالُ إلَخْ) قَضِيَّةٌ تَحْدِيدُهَا بِالزِّوَالَيْنِ أَنَّهَا سِتَّةٌ، لَكِنْ اعْتَبَرَ بَعْضُهُمْ فِيهَا تَمَامُ الطَّرَفَيْنِ أَيْ أَوَّلَ نَهَارِ السَّابِعِ وَأَوَّلَ نَهَارِ الثَّالِثَ عَشَرَ تَغْلِيبًا، فَعَدَّهَا سَبْعَةً. وَظَاهِرُ أَنَّ مَا ذَكَرَ فِيمَنْ بِمَكَّةَ، أَمَّا غَيْرُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ فِي حَقِّهِ مَعَ الْأَيَّامِ الْمَذْكُورَةِ قَدْرُ الْمَسَافَةِ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ ذَهَابًا وَإِيَابًا سم عَنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. وَيَظْهَرُ فِي الْعُمْرَةِ الِاكْتِفَاءُ بِمَا يَسَعُ أَفْعَالُهَا غَالِبًا وَهُوَ نَحْوُ ثُلْثَيْ يَوْمٍ شَرْحُ م ر. وَقَالَ ز ي: وَهُوَ نِصْفُ يَوْمٍ مَعَ مُؤْنَةِ سَفَرِهِ.
قَوْلُهُ: (مَنْ لَمْ يَنْفِرْ إلَخْ) أَمَّا هُوَ فَإِنَّهَا فِي حَقِّهِ خَمْسَةُ أَيَّامٍ مَا بَيْنَ زَوَالِ سَابِعِ ذِي الْحِجَّةِ وَثَانِي عَشْرَةَ.
قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) أَيْ كَأَنْ كَانَ لَهُ كَسْبٌ. وَقَوْلُهُ " مُنِعَ " أَيْ الْحَجُّ، أَيْ حُرِّمَ عَلَيْهِ أَوْ الْمَعْنَى مُنِعَ مِنْهُ، فَالضَّمِيرُ لِلشَّخْصِ. قَوْلُهُ: (بِنَاءً عَلَى تَحْرِيمِ الْمَسْأَلَةِ لِلْمُكْتَسِبِ) أَيْ لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ وَلَمْ يَكْتَسِبْ بِالْفِعْلِ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَهُوَ الرَّاجِحُ ق ل. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ. قَوْلُهُ: (وُجُودُ الرَّاحِلَةِ) وَهِيَ النَّاقَةُ الَّتِي تَصْلُحُ لَأَنْ تَرْحَلَ. وَأَرَادُوا بِهَا هُنَا كُلَّ مَا يَصْلُحُ لِلرُّكُوبِ بِالنِّسْبَةِ لِطَرِيقِهِ الَّذِي يَسْلُكُهُ وَلَوْ نَحْوَ بَغْلٍ وَحِمَارٍ وَإِنْ لَمْ يَلْقَ بِهِ رُكُوبَهُ وَبَقَرٌ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ جَوَازِ رُكُوبِهِ ز ي. وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَلْقَ إلَخْ) قَدْ يَتَوَقَّفُ فِيهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ الْحَجُّ لَا بَدَلَ لَهُ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ، وَيُفَرِّقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْمُعَادِلِ الْآتِي حَيْثُ اُشْتُرِطَتْ فِيهِ اللِّيَاقَةُ بِأَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الضَّرَرُ بِمُجَالَسَتِهِ بِخِلَافِ الدَّابَّةِ ع ش عَلَى م ر. وَقَالَ ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ: الْمُرَادُ بِالرَّاحِلَةِ الْمَرْكُوبُ وَلَوْ آدَمِيًّا حَيْثُ لَاقَ بِهِ رُكُوبَهُ اهـ. وَالْمُرَادُ بِوُجُودِهَا الْقُدْرَةُ عَلَيْهَا بِشِرَاءٍ أَوْ نَحْوِهِ.
قَوْلُهُ: (بِثَمَنٍ إلَخْ) عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتِّبِ. وَقَوْلُهُ " أَوْ أُجْرَةُ مِثْلٍ " لَا بِزِيَادَةِ، وَإِنْ قُلْت وَقَدَرَ عَلَيْهَا.
قَوْلُهُ: (لِمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ إلَخْ) سَوَاءٌ كَانَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً أَوْ خُنْثَى قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ أَمْ لَا.
قَوْلُهُ: (يَنْدُبُ لِلْقَادِرِ) رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً م ر.

(2/426)


بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ وَهُوَ قَوِيٌّ عَلَى الْمَشْيِ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ وُجُودِ الرَّاحِلَةِ، فَإِنْ ضَعُفَ عَنْ الْمَشْيِ بِأَنْ عَجَزَ أَوْ لَحِقَهُ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ فَكَالْبَعِيدِ عَنْ مَكَّةَ فَيُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ وُجُودُ الرَّاحِلَةِ، فَإِنْ لَحِقَهُ بِالرَّاحِلَةِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ اُشْتُرِطَ مَحْمَلٌ وَهُوَ الْخَشَبَةُ الَّتِي يَرْكَبُ فِيهَا بِبَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ بِعِوَضِ مِثْلِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ، وَلِأَنَّهُ أَسْتَرُ لِلْأُنْثَى وَأَحْوَطُ لِلْخُنْثَى، وَاشْتَرَطَ شَرِيكٌ أَيْضًا مَعَ وُجُودِ الْمَحْمَلِ يَجْلِسُ فِي الشِّقِّ الْآخَرِ لِتَعَذُّرِ رُكُوبِ شِقٍّ لَا يُعَادِلُهُ شَيْءٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ النُّسُكُ، وَإِنْ وَجَدَ مُؤْنَةَ الْمَحْمَلِ بِتَمَامِهِ أَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ جَارِيَةً فِي مِثْلِهِ بِالْمُعَادَلَةِ بِالْأَثْقَالِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ مَا ذُكِرَ مِنْ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَالْمَحْمَلِ وَالشَّرِيكِ فَاضِلِينَ عَنْ دَيْنِهِ حَالًا كَانَ أَوْ مُؤَجَّلًا وَعَنْ كُلْفَةِ مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ مُدَّةَ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ، وَعَنْ مَسْكَنِهِ اللَّائِقِ بِهِ الْمُسْتَغْرِقِ لِحَاجَتِهِ، وَعَنْ عَبْدٍ يَلِيقُ بِهِ وَيَحْتَاجُ إلَيْهِ لِخِدْمَتِهِ، وَيَلْزَمُ صَرْفُ مَالِ تِجَارَتِهِ إلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَرَفَةَ مَرْحَلَتَانِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ. وَمُقْتَضَاهُ أَيْضًا لَوْ قَرُبَ مِنْ عَرَفَةَ وَبَعُدَ مِنْ مَكَّةَ لَمْ يُعْتَبَرْ، ز ي. قَوْلُهُ: (يَلْزَمُهُ الْحَجُّ) وَإِنْ كَانَ مِنْ ذَوِي الْهَيْئَاتِ أَوْ كَانَ امْرَأَةً عَلَى مَا قَالَهُ سم، وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا لِأَنَّ شَأْنَهَا الضَّعْفُ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَحِقَهُ بِالرَّاحِلَةِ مَشَقَّةٌ) أَيْ الذَّكَرَ، أَمَّا الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى فَيُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِمَا وُجُودُ الْمَحْمَلِ مُطْلَقًا وَإِنْ لَمْ يَتَضَرَّرَا؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهُمَا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. فَهَذَا التَّفْصِيلُ إنَّمَا هُوَ فِي الرَّجُلِ وَإِنْ كَانَ كَلَامُ الشَّارِحِ خِلَافُ ذَلِكَ. وَقَدْ يُجَابُ عَنْ الشَّارِحِ بِأَنَّ قَوْلَهُ " فِي حَقِّ الرَّجُلِ " مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ وَمَحَلُّ اشْتِرَاطِ الْمَحْمَلِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ إذَا تَضَرَّرَ. وَقَوْلُهُ " وَلِأَنَّهُ إلَخْ " تَعْلِيلٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: وَأَمَّا الْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى فَيُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِمَا الْمَحْمَلُ مُطْلَقًا وَإِنْ لَمْ يَتَضَرَّرَا لِأَنَّهُ أَسْتَرُ إلَخْ. فَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ حِينَئِذٍ ضَعْفٌ، فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ) وَهِيَ فِي هَذَا الْبَابِ مَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ. اهـ. م ر.
أَوْ يَحْصُلُ بِهِ ضَرَرٌ لَا يُحْتَمَلُ عَادَةً، شَرْحُ حَجّ.
قَوْلُهُ: (مَحْمِلٌ) بِوَزْنِ مَسْجِدٍ أَوْ مِنْبَرٍ فَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ أَوْ بِالْعَكْسِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْخَشَبَةُ) أَلْ لِلْجِنْسِ فَتَصْدُقُ بِالْمُتَعَدِّدِ. وَعِبَارَةُ م ر: وَهُوَ خَشَبٌ أَوْ نَحْوُهُ يُجْعَلُ فِي جَانِبِ الْبَعِيرِ لِلرُّكُوبِ فِيهِ. قَالَ ق ل: وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِالشُّقْدُفِ.
قَوْلُهُ: (وَاشْتَرَطَ شَرِيكٌ) أَيْ وُجُودَهُ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ الشَّرِيكُ فَاسِقًا وَلَا مَشْهُورًا بِنَحْوِ جُنُونٍ أَوْ خَلَاعَةٍ وَلَا شَدِيدَ الْعَدَاوَةِ لَهُ فِيمَا يَظْهَرُ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي فِي الْوَلِيمَةِ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ هُنَا أَعْظَمُ لِطُولِ مُصَاحَبَتِهِ. وَاشْتَرَطَ أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ نَحْوُ بَرَصٍ وَأَنْ يُوَافِقَهُ عَلَى الرُّكُوبِ بَيْنَ الْمَحْمِلَيْنِ إذَا نَزَلَ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ. ز ي.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ وَجَدَ مُؤْنَةً الْمَحْمِلِ) غَايَةٌ.
قَوْلُهُ: (أَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ جَارِيَةً فِي مِثْلِهِ بِالْمُعَادَلَةِ) فِي شَرْحِ شَيْخِنَا كحج أَنَّهُ إنْ سَهُلَتْ الْمُعَادَلَةُ بِالْأَثْقَالِ مِنْ زَادٍ وَغَيْرِهِ بِحَيْثُ لَمْ يَخْشَ مَيْلًا وَرَأَى مِنْ يُمْسِكُهَا لَهُ لَوْ مَالَتْ عِنْدَ نُزُولِهِ لِنَحْوِ قَضَاءِ حَاجَةٍ اكْتَفَى بِذَلِكَ، وَإِلَّا فَالْأَقْرَبُ تَعَيَّنَ الشَّرِيكُ. اهـ. ق ل.
قَوْلُهُ: (فَاضِلِينَ) بِصِيغَةِ الْجَمْعِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَرْبَعَةً، وَلَوْ قَالَ فَاضِلَاتٌ أَوْ فَاضِلَةٌ لَكَانَ صَحِيحًا؛ وَلَعَلَّهُ غَلَبَ الشَّرِيكُ لِكَوْنِهِ مِنْ الْعُقَلَاءِ عَلَى غَيْرِهِ ق ل.
قَوْلُهُ: (عَنْ دَيْنِهِ) سَوَاءٌ كَانَ لِآدَمِيٍّ أَمْ لِلَّهِ كَنَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ. وَقَوْلُهُ " حَالًا كَانَ أَوْ مُؤَجَّلًا " أَيْ وَلَوْ أَمْهَلَ بِهِ، وَبِهِ قَالَ الْمُحَقِّقُ الْمَحَلِّيُّ لِأَنَّهُ إذَا صَرَفَ مَا مَعَهُ إلَى الْحَجِّ فَقَدْ يَحِلُّ الْأَجَلُ وَلَا يَجِدُ مَا يَقْضِي بِهِ، وَقَدْ تَخْتَرِمُهُ الْمَنِيَّةُ فَتَبْقَى ذِمَّتُهُ مَرْهُونَةً. قَالَ شَيْخُنَا ع ش: وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ " لِأَنَّهُ إذَا صَرَفَ إلَخْ " أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ جِهَةٌ يَرْجُو الْوَفَاءُ مِنْهَا عِنْدَ حُلُولِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. اهـ اط ف.
قَوْلُهُ: (مُدَّةَ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ) لِأَنَّهُ إذَا لَمْ تَفْضُلْ عِنْدَ ذَلِكَ كَانَ مُضَيَّعًا لَهُمْ فَلَا يَجُوزُ لَهُ السَّفَرُ بِدُونِ دَفْعِ ذَلِكَ لَهُمْ، فَقَدْ قَالَ: «كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُهُ» إلَّا أَنَّ مَا هُنَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرُوهُ فِي الْجِهَادِ نَقْلًا عَنْ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ أَنَّ الْمُتَّجَهَ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ لَهُمْ نَفَقَةً يَوْمَ الْخُرُوجِ جَازَ سَفَرُهُ لِأَنَّهَا تَجِبُ يَوْمًا بِيَوْمٍ، وَفِي كَلَامِ ز ي أَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَمَّا فِي ظَاهِرِ الشَّرْعِ فَلَا يُكَلَّفُ بِدَفْعِهَا حَالًا لِأَنَّهَا تَجِبُ يَوْمًا بِيَوْمٍ أَوْ فَصْلًا بِفَصْلٍ اهـ. وَعَلَيْهِ فَمَا هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ بَاطِنًا، وَمَا فِي الْجِهَادِ عَنْ الْبُلْقِينِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى الْجَوَازِ ظَاهِرًا ع ش.
قَوْلُهُ: (الْمُسْتَغْرِقُ لِحَاجَتِهِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، فَخَرَجَ مَا زَادَ عَلَى حَاجَتِهِ فَيُبَاعُ الزَّائِدُ وَيَحُجُّ بِثَمَنِهِ.
قَوْلُهُ:

(2/427)


(وَ) الشَّرْطُ السَّادِسُ لِلْوُجُوبِ (تَخْلِيَةُ الطَّرِيقِ) أَيْ أَمْنُهُ وَلَوْ ظَنًّا فِي كُلِّ مَكَان بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِ، فَلَوْ خَافَ فِي طَرِيقِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عُضْوِهِ أَوْ نَفْسٍ مُحْتَرَمَةٍ مَعَهُ أَوْ عُضْوِهَا أَوْ مَالِهِ وَلَوْ يَسِيرًا سَبُعًا أَوْ عَدُوًّا أَوْ رَصَدِيًّا وَلَا طَرِيقَ لَهُ سِوَاهُ لَمْ يَجِبْ النُّسُكُ عَلَيْهِ لِحُصُولِ الضَّرَرِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَمْنِ الْأَمْنُ الْعَامُ حَتَّى لَوْ كَانَ الْخَوْفُ فِي حَقِّهِ وَحْدَهُ قَضَى مِنْ تَرِكَتِهِ كَمَا نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ النَّصِّ. وَيَجِبُ رُكُوبُ الْبَحْرِ إنْ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ فِي رُكُوبِهِ وَتَعَيَّنَ طَرِيقًا كَسُلُوكِ طَرِيقِ الْبَرِّ عِنْدَ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ، فَإِنْ غَلَبَ الْهَلَاكُ أَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ لَمْ يَجِبْ بَلْ يَحْرُمُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَطَرِ.

(وَ) السَّابِعُ (إمْكَانُ الْمَسِيرِ) إلَى مَكَّةَ بِأَنْ يَكُونَ قَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ السَّيْرِ الْمُعْتَادِ لِأَدَاءِ النُّسُكِ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَئِمَّةِ وَإِنْ اعْتَرَضَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ يَشْتَرِطُ لِاسْتِقْرَارِهِ لَا لِوُجُوبِهِ، فَقَدْ صَوَّبَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
مَا تِجَارَتُهُ) أَيْ وَثَمَنُ ضَيْعَتِهِ الَّتِي يَسْتَغِلُّهَا وَإِنْ بَطَلَتْ تِجَارَتُهُ وَمُسْتَغِلَّاتُهُ كَمَا يَلْزَمُهُ صَرْفُهَا فِي دَيْنِهِ. وَفَارَقَ الْمَسْكَنَ وَالْخَادِمَ بِأَنَّهُ. يَحْتَاجُ إلَيْهِمَا فِي الْحَالِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ يَتَّخِذُهُ ذَخِيرَةٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ شَرْحُ الرَّوْضِ، وَلَوْ اسْتَغْنَى بِسُكْنَى الرَّبْطِ وَجَبَ بَيْعُ مَسْكَنِهِ. وَلَا يَلْزَمُ بَيْعُ آلَةِ مُحْتَرَفٍ وَلَا كُتُبِ فَقِيهٍ وَلَا بَهَائِمَ زُرَّاعٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالْأَفْضَلُ لِخَائِفِ الْعَنَتِ تَقْدِيمُ النِّكَاحِ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهِ نَاجِزَةٌ. وَالْحَجُّ عَلَى التَّرَاخِي، وَقَدْ صَرَّحَ كَثِيرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرُهُمْ بِوُجُوبِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَعَلَيْهِ فَلَوْ مَاتَ لَمْ يَكُنْ عَاصِيًا، فَإِنْ لَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ فَتَقْدِيمُ الْحَجِّ أَوْلَى، وَإِذَا قَدَّمَ النِّكَاحَ عَلَى الْحَجِّ وَمَاتَ كَانَ عَاصِيًا؛ بِرْمَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: (أَمْنُهُ) أَيْ أَمْنٌ فِيهِ لَائِقٌ بِالسَّفَرِ وَإِنْ لَمْ يَلْقَ بِالْحَضَرِ.
قَوْلُهُ: (بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِ) أَيْ بِالطَّرِيقِ، وَيُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ أَمْنَ السَّفَرِ دُونَ أَمْنِ الْحَضَرِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ مَالُهُ) أَيْ الَّذِي يَحْتَاجُ لِاسْتِصْحَابِهِ مَعَهُ لَا مَا مَعَهُ مِنْ مَالِ تِجَارَةٍ أَمِنَ عَلَيْهِ فِي بَلَدِهِ، ز ي، قَوْلُهُ: (سَبْعًا) مَفْعُولُ " خَافَ ".
قَوْلُهُ: (أَوْ رَصَدِيًّا) بِالْمُهْمَلَاتِ مَفْتُوحُ الْأَوَّلِينَ، وَهُوَ مَنْ يَقِفُ فِي الطَّرِيقِ يَرْصُدُ مَنْ يَمُرُّ بِهَا لِيَأْخُذَ مَالَهُ وَمَا مَعَهُ وَلَوْ بِغَيْرِ قَتْلِهِ وَإِنْ قَلَّ الْمَالُ الَّذِي يَطْلُبُهُ، وَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْخَفِيرُ أُجْرَةَ الْخِفَارَةِ ق ل مَعَ زِيَادَةٍ. وَقَوْلُهُ " وَلَوْ بِغَيْرِ قَتْلِهِ " بِهِ فَارَقَ الْعَدُوَّ، نَعَمْ إنْ كَانَ مَا يَأْخُذُهُ الرَّصَدِيُّ مِنْ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبُهُ بِأَنْ جَعَلَهُ لَهُ وَجَبَ الْحَجُّ.
قَوْلُهُ: (لَمْ يَجِبْ النُّسُكُ) بَلْ وَلَا يُسْتَحَبُّ، بَلْ رُبَّمَا حَرُمَ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الضَّرَرُ. قَوْلُهُ: (قَضَى مِنْ تَرِكَتِهِ) أَيْ إنْ لَمْ يَحُجَّ وَمَاتَ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ مَعَ خَوْفِهِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْخَوْفِ الْعَامِ وَالْخَاصِّ فَيُشْتَرَطُ عَدَمُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْأَمْنِ الْعَامِ وَالْخَاصِّ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ رُكُوبُ الْبَحْرِ) أَيْ عَلَى الرَّجُلِ، وَكَذَا عَلَى الْمَرْأَةِ إنْ وُجِدَتْ لَهَا مَحَلًّا تَنْعَزِلُ فِيهِ عَنْ الرِّجَالِ. وَخَرَجَ بِالْبَحْرِ أَيْ الْمِلْحِ الْأَنْهَارُ الْعَظِيمَةُ كَسِيحُونَ وَالنِّيلِ فَيَجِبُ رُكُوبُهَا قَطْعًا؛ لِأَنَّ الْمَقَامَ فِيهَا لَا يَطُولُ وَالْخَوْفُ لَا يَعْظُمُ، خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ حَيْثُ قَالَ: مَحَلُّهُ إذَا كَانَ يَقْطَعُهُ عَرْضًا وَإِلَّا فَهِيَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ كَالْبَحْرِ وَأَخْطَرُ. وَيُرَدُّ بِأَنَّ الْبَرَّ فِيهَا قَرِيبٌ يَسْهُلُ الْوُصُولُ إلَيْهِ، ز ي. قَوْلُهُ: (أَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ) أَيْ اسْتِوَاءً عُرْفِيًّا لَا حَقِيقِيًّا، فَالْمُرَادُ الِاسْتِوَاءُ وَمَا قَارَبَهُ، فَلَا يَلْزَمُ رُكُوبُهُ فِيمَا إذَا كَانَ يَغْرَقُ فِيهِ تِسْعَةٌ وَيَسْلَمُ عَشْرَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ حَجّ.

قَوْلُهُ: (قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ) الصَّوَابُ حَذْفُ " عَلَيْهِ " لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لَهَا، مَرْحُومِيٌّ قَوْلُهُ: (وَهَذَا) أَيْ عَدُّ إمْكَانِ الْمَسِيرِ مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ اعْتَرَضَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ) أَيْ إمْكَانُ الْمَسِيرِ يُشْتَرَطُ لِاسْتِقْرَارِهِ، أَيْ الْحَجِّ فِي ذِمَّتِهِ لَيَجِبَ قَضَاؤُهُ مِنْ تَرِكَتِهِ لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْحَجِّ لَا لِوُجُوبِهِ أَيْ الْحَجِّ، أَيْ لَيْسَ شَرْطًا لِأَصْلِ الْوُجُوبِ. قَالَ سم: وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْوُجُوبِ إذَا لَمْ يَبْقَ زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ السَّفَرُ بَيْنَ أَنْ يَقْطَعَ بِعَدَمِ الْوُصُولِ فِيهِ أَوْ لَا؛ لَكِنْ قَالَ السُّبْكِيُّ: وَأَوْهَمَتْ عِبَارَةُ ابْنُ الصَّلَاحِ أَنَّ مَنْ اسْتَطَاعَ الْحَجَّ قَبْلَ عَرَفَةَ بِيَوْمٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ شَهْرٌ وَمَاتَ تِلْكَ السَّنَةَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ ثُمَّ سَقَطَ، وَلَا يَقُولُهُ أَحَدٌ. وَرُدَّ بِأَنَّ السَّرَخْسِيَّ وَالسِّنْجِيَّ قَالَاهُ.
قَوْلُهُ: (لِاسْتِقْرَارِهِ) فَإِنْ لَمْ يَبْقَ زَمَنٌ يَسَعُ السَّيْرَ بَعْدَ وُجُودِ الِاسْتِطَاعَةِ بِأَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ إلَّا بَعْدَ ذَهَابِ الْحَاجِّ فَابْنُ الصَّلَاحِ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ: إنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ، لَكِنْ لَمْ يَسْتَقِرَّ وُجُوبُهُ

(2/428)


النَّوَوِيُّ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: إنَّ نَصَّ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا يَشْهَدُ لَهُ وَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ رُفْقَةٍ يَخْرُجُ مَعَهُمْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ بَلَدِهِ بِالْخُرُوجِ فِيهِ، وَأَنْ يَسِيرُوا السَّيْرَ الْمُعْتَادَ، فَإِنْ خَرَجُوا قَبْلَهُ أَوْ أَخَّرُوا الْخُرُوجَ بِحَيْثُ لَا يَصِلُونَ مَكَّةَ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ مَرْحَلَةٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ، أَوْ كَانُوا يَسِيرُونَ فَوْقَ الْعَادَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْخُرُوجُ هَذَا إنْ اُحْتِيجَ إلَى الرُّفْقَةِ لِدَفْعِ الْخَوْفِ، فَإِنْ أَمِنَ الطَّرِيقَ بِحَيْثُ لَا يَخَافُ الْوَاحِدُ فِيهَا لَزِمَهُ، وَلَا حَاجَةَ لِلرُّفْقَةِ وَلَا نَظَرَ إلَى الْوَحْشَةِ بِخِلَافِهَا فِيمَا مَرَّ فِي التَّيَمُّمِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِمَا هُنَا بِخِلَافِهِ ثُمَّ.

وَالثَّامِنُ مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ وَهُوَ مِنْ شُرُوطِ الِاسْتِطَاعَةِ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَوْ فِي مَحْمَلٍ وَنَحْوِهِ بِلَا مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهَا أَصْلًا أَوْ ثَبَتَ فِي مَحْمَلٍ عَلَيْهَا لَكِنْ بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ لِكِبَرٍ أَوْ نَحْوِهِ انْتَفَى عَنْهُ اسْتِطَاعَةُ الْمُبَاشَرَةِ وَلَا تَضُرُّ مَشَقَّةٌ تُحْتَمَلُ فِي الْعَادَةِ. وَيُشْتَرَطُ وُجُودُ مَاءٍ وَزَادٍ بِمَحَالٍّ يَعْتَادُ حَمْلُهَا مِنْهَا بِثَمَنٍ مِثْلٍ زَمَانًا وَمَكَانًا، وَوُجُودُ عَلَفِ دَابَّةٍ كُلَّ مَرْحَلَةٍ، وَخُرُوجُ نَحْوِ زَوْجِ امْرَأَةٍ كَمُحْرِمِهَا وَعَبْدِهَا أَوْ نِسْوَةٍ ثِقَاتٍ مَعَهَا لِتَأْمَنَ عَلَى نَفْسِهَا وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ يَوْمَيْنِ إلَّا وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ مَحْرَمٌ» وَيَكْفِي فِي الْجَوَازِ لِفَرْضِهَا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ وَسَفَرُهَا وَحْدَهَا إنْ أَمِنَتْ، وَلَوْ كَانَ خُرُوجُ مَنْ ذُكِرَ بِأُجْرَةٍ فَيَلْزَمُهَا أُجْرَتُهُ إذَا لَمْ يَخْرُجْ إلَّا بِهَا، فَيُشْتَرَطُ فِي لُزُومِ النُّسُكِ لَهَا قُدْرَتُهَا عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
عَلَيْهِ؛ بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا مَاتَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَإِنْ كَانَ يُوصَفُ بِالْإِيجَابِ وَيَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَنْهُ قَطْعًا كَمَا قَالَ ح ل. وَعَلَى كَلَامِ غَيْرِ ابْنِ الصَّلَاحِ لَمْ يَجِبْ الْحَجُّ مِنْ أَصْلِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَعَلَيْهِ فَلَا يُوصَفُ بِالْوُجُوبِ وَيَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَنْهُ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ نَفْلٌ أَيْ وَالنَّفَلُ فِي جَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَنْهُ خِلَافُ الْأَصَحِّ الْجَوَازُ.
قَوْلُهُ: (فَقَدْ صَوَّبَ) مُفَرَّعٌ عَلَى مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: " وَاعْتِرَاضُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ فَقَدْ. . . إلَخْ ". قَوْلُهُ: (أَيْضًا) أَيْ كَمَا أَنَّ النَّوَوِيَّ صَوَّبَهُ.
قَوْلُهُ: (أَوْ كَانُوا إلَخْ) أَيْ أَوْ لَمْ يُؤَخِّرُوا الْخُرُوجَ لَكِنْ كَانُوا يَسِيرُونَ إلَخْ، فَهُوَ مُغَايِرٌ لِمَا قَبْلَهُ؛ وَهَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ " السَّيْرُ الْمُعْتَادُ ". قَوْلُهُ: (بِخِلَافِهَا) أَيْ الْوَحْشَةُ فِي التَّيَمُّمِ بِأَنْ كَانَ يَلْزَمُ عَلَى تَخَلُّفِهِ لِتَحْصِيلِ مَاءِ الْوُضُوءِ الْوَحْشَةِ.

قَوْلُهُ: (بِمَشَقَّةِ) أَيْ تُبِيحُ التَّيَمُّمَ أَوْ يَحْصُلُ بِهَا ضَرَرٌ لَا يُحْتَمَلُ عَادَةً حَجّ.
قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ وُجُودُ مَاءٍ) أَيْ وُجُودُ ذَلِكَ بِالْفِعْلِ، فَالْمُرَادُ هُنَا حُصُولُ ذَلِكَ بِالْفِعْلِ وَفِيمَا مَرَّ الْقُدْرَةُ عَلَى ثَمَنِهِ فَلَا تَكْرَارَ قَوْلُهُ: (بِثَمَنِ مِثْلٍ) نَعَمْ تُغْتَفَرُ الزِّيَادَةُ الْيَسِيرَةُ، وَلَا يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ وَهُوَ الْقَدْرُ اللَّائِقُ بِهِ فِي شِرَاءِ مَاءِ الطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّ لَهَا بَدَلًا بِخِلَافِ الْحَجِّ م ر قَوْلُهُ: (كُلُّ مَرْحَلَةٍ) ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنْ يُعْتَبَرَ وُجُودُ الْعَلَفِ فِي الْمُحَالِ الْمُعْتَادِ حَمْلُهَا مِنْهَا نَظِيرُ مَا قَبْلَهُ كَالْبَنَادِرِ قَوْلُهُ: (زَوْجٍ) وَلَوْ غَيْرَ ثِقَةٍ وَكَذَا الْمُحْرِمُ؛ لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا غَيْرَةٌ تَمْنَعُهُ مِنْ رِضَاهُ بِالزِّنَا بِهَا. وَهَذَا هُوَ الشَّرْطُ السَّابِعُ مِنْ شُرُوطِهِ الِاسْتِطَاعَةُ.
قَوْلُهُ: (أَوْ نِسْوَةٍ) أَيْ اثْنَتَانِ فَأَكْثَرَ ق ل، أَيْ مُتَّصِفَاتٌ بِالْعَدَالَةِ وَلَوْ إمَاءً. وَيَتَّجِهُ الِاكْتِفَاءُ بِالْمُرَاهِقَاتِ لَكِنْ بِشَرْطِ كَوْنِهِنَّ ذَوَاتِ فِطْنَةٍ، وَلَا فَرْقَ فِي النِّسْوَةِ بَيْنَ الْأَجَانِبِ وَالْمَحَارِمِ لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَحَارِمِ الْعَدَالَةُ لِأَنَّ لَهُنَّ الْغَيْرَةَ عَلَيْهَا وَإِنْ كُنَّ غَيْرَ عُدُولٍ. قَالَ م د: وَكَالْمَرْأَةِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرَ الْخُنْثَى، وَإِنَّمَا اكْتَفَى فِي حَقِّهِ بِالنِّسْوَةِ الثِّقَاتِ وَإِنْ احْتَمَلَ أَنَّهُ رَجُلٌ لِجَوَازِ خَلْوَةِ الرَّجُلِ بِامْرَأَتَيْنِ وَإِنْ وَقَعَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مَا يُخَالِفُهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَمْرَدُ الْجَمِيلُ كَذَلِكَ أَيْ كَالْمَرْأَةِ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ وَأَنْ لَا يَكْتَفِيَ فِيهِ بِمِثْلِهِ وَإِنْ كَثُرَ لِحُرْمَةِ نَظَرِ كُلٍّ إلَى الْآخَرِ وَالْخَلْوَةِ بِهِ، بَلْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ مَحْرَمٍ أَوْ سَيِّدٍ اهـ. وَقَوْلُهُ " لِحُرْمَةِ نَظَرِ كُلٍّ إلَخْ " أَيْ وَلَا كَذَلِكَ الْمَرْأَةُ؛ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَسْتَحِي بِحَضْرَةِ مِثْلِهَا مَا لَمْ يَسْتَحِيهِ الذَّكَرُ بِحَضْرَةِ مِثْلِهِ، وَمِنْ ثَمَّ يَحْرُمُ فِيمَا يَظْهَرُ الْخَلْوَةُ بِأَمْرَدَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ اهـ أج لَا بِامْرَأَتَيْنِ قَوْلُهُ: (يَوْمَيْنِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ قَوْلُهُ: (لِفَرْضِهَا) خَرَجَ بِهِ النَّفَلُ، فَلَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ لَهُ مَعَ النِّسْوَةِ وَإِنْ كَثُرْنَ وَكَذَا لِسَائِرِ الْأَسْفَارِ غَيْرِ الْوَاجِبَةِ. قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِفَرْضِ الْحَجِّ هُنَا حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَالنَّذْرِ وَالْقَضَاءِ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي جَوَازِ خُرُوجِهَا مَعَ الْوَاحِدَةِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مُسْتَطِيعَةً أَوْ

(2/429)


أُجْرَتِهِ، وَيَلْزَمُهَا أُجْرَةُ الْمَحْرَمِ كَقَائِدِ أَعْمَى وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ كَغَيْرِهِ فِي وُجُوبِ النُّسُكِ عَلَيْهِ فَيَصِحُّ إحْرَامُهُ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ لَكِنْ لَا يَدْفَعُ لَهُ الْمَالَ لِئَلَّا يُبَذِّرَهُ بَلْ يَخْرُجُ مَعَهُ الْوَلِيُّ بِنَفْسِهِ إنْ شَاءَ لِيُنْفِقَ عَلَيْهِ فِي الطَّرِيقِ بِالْمَعْرُوفِ، أَوْ يُنَصِّبُ شَخْصًا لَهُ ثِقَةً يَنُوبُ عَنْ الْوَلِيِّ وَلَوْ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ إنْ لَمْ يَجِدْ مُتَبَرِّعًا لِيُنْفِقَ عَلَيْهِ فِي الطَّرِيقِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ أُجْرَتَهُ كَأُجْرَةِ مَنْ يَخْرُجُ مَعَ الْمَرْأَةِ. وَالنَّوْعُ الثَّانِي اسْتِطَاعَةٌ بِغَيْرِهِ فَتَجِبُ إنَابَةً عَنْ مَيِّتٍ غَيْرِ مُرْتَدٍّ عَلَيْهِ نُسُكٌ مِنْ تَرِكَتِهِ كَمَا يَقْضِي مِنْهَا دُيُونَهُ، وَلَوْ فَعَلَهُ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ جَازَ وَلَوْ بِلَا إذْنٍ كَمَا يَقْضِي دُيُونَهُ بِلَا إذْنٍ، وَعَنْ مَعْضُوبٍ بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ أَيْ عَاجِزٍ عَنْ النُّسُكِ بِنَفْسِهِ لِكِبَرٍ أَوْ غَيْرِهِ كَمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَانِ فَأَكْثَرُ، إمَّا بِأُجْرَةٍ مِثْلٍ فَضَلْت عَمَّا مَرَّ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ غَيْرَ مُؤْنَةِ عِيَالِهِ سَفَرًا لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُفَارِقْهُمْ يُمْكِنُهُ تَحْصِيلُ مُؤْنَتِهِمْ، أَوْ بِوُجُودِ مُطِيعٍ بِنُسُكٍ سَوَاءٌ كَانَ أَصْلُهُ أَمْ فَرْعُهُ أَمْ أَجْنَبِيًّا بِشَرْطِ كَوْنِهِ غَيْرَ مَعْضُوبٍ مَوْثُوقًا بِهِ أَدَّى فَرْضَهُ، وَكَوْنُ بَعْضِهِ غَيْرَ مَاشٍ وَلَا مَعُولًا عَلَى الْكَسْبِ أَوْ السُّؤَالِ إلَّا أَنْ يَكْتَسِبَ فِي يَوْمٍ كِفَايَةَ أَيَّامٍ وَسَفَرِهِ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إنَابَةُ مُطِيعٍ بِمَالٍ لِلْأُجْرَةِ لِعِظَمِ الْمِنَّةِ، بِخِلَافِ الْمِنَّةِ فِي بَذْلِ الطَّاعَةِ بِنُسُكٍ بِدَلِيلِ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَسْتَنْكِفُ عَنْ الِاسْتِعَانَةِ بِمَالِ غَيْرِهِ وَلَا يَسْتَنْكِفُ عَنْ الِاسْتِعَانَةِ بِبَدَنِهِ فِي الْأَشْغَالِ.

تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ شُرُوطِ صِحَّةِ النُّسُكِ، فَيَشْتَرِطُ لِصِحَّتِهِ الْإِسْلَامَ فَلَا يَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ أَصْلِيٍّ أَوْ مُرْتَدٍّ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْعِبَادَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ تَكْلِيفٌ، فَلِوَلِيِّ مَالٍ وَلَوْ بِمَأْذُونِهِ إحْرَامٌ عَنْ صَغِيرٍ وَلَوْ مُمَيِّزًا؛ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
لَا بِخِلَافِ التَّطَوُّعِ وَإِنْ كَانَ يَقَعُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، فَلَوْ أَحْرَمَتْ بِهِ مَعَ مُحْرِمٍ فَمَاتَ قَبْلَ إتْمَامِهِ أَتَمَّتْهُ مَعَ فَقْدِهِ كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ قَوْلُهُ: (مِنْ ذَكَرٍ) أَيْ غَيْرِ عَبْدِهَا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا أُجْرَةٌ لَهُ قَوْلُهُ: (وَيَلْزَمُهَا) مُكَرَّرٌ مَعَ مَا قَبْلَهُ.
قَوْلُهُ: (كَقَائِدِ أَعْمَى) فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ إلَّا إذَا وَجَدَ قَائِدًا لَائِقًا بِهِ وَقَدَرَ عَلَى أُجْرَتِهِ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ؛ بَلْ أَوْلَى.
قَوْلُهُ: (شَخْصًا لَهُ) لَوْ قَدِمَ لَهُ عَلَى شَخْصٍ لَكَانَ أَظْهَرَ قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِلَا إذْنٍ) وَيُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَوَقُّفِ الصَّوْمِ عَنْهُ عَلَى إذْنِ الْقَرِيبِ بِأَنَّ هَذَا أَشْبَهُ بِالدُّيُونِ، فَأُعْطِيَ حُكْمُهَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ قَوْلُهُ: (وَعَنْ مَعْضُوبٍ) مِنْ الْعَضْبِ وَهُوَ الْقَطْعُ، كَأَنَّهُ قَطَعَ عَنْ كَمَالِ الْحَرَكَةِ. وَيُقَالُ بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ كَأَنَّهُ قَطَعَ عَصَبَهُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. فَلَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ فَحَجَّ عَنْهُ ثُمَّ شَفَى لَمْ يَجُزْهُ وَلَمْ يَقَعْ عَنْهُ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجِيرُ أُجْرَةً كَمَا رَجَّحَاهُ هُنَا، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ؛ شَرْحُ م ر؛ أَيْ يَقَعُ نَفْلًا لِلْأَجِيرِ، وَلَوْ حَضَرَ مَكَّةَ أَوْ عَرَفَةَ فِي سَنَةِ حَجِّ الْأَجِيرِ لَمْ يَقَعْ عَنْهُ لِتَعَيُّنِ مُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ وَيَلْزَمُهُ لِلْأَجِيرِ الْأُجْرَةُ. وَفَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا شُفِيَ بَعْدَ حَجِّ الْأَجِيرِ بِأَنَّهُ لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ فِي حَقِّ الْأَجِيرِ بِالشِّفَاءِ، بِخِلَافِ الْحُضُورِ فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ وَرَّطَ الْأَجِيرَ مُقَصِّرٌ بِهِ فَلَزِمَتْهُ أُجْرَتُهُ، سم عَنْ شَرْحِ الْعُبَابِ. وَقَوْلُهُ " وَيَقَعُ نَفْلًا " لَعَلَّ مُرَادَهُ بِالنَّفْلِ عَدَمُ كَوْنِهِ فَرْضُ عَيْنٍ، وَإِلَّا فَهُوَ لَا يَكُونُ نَفْلًا إلَّا مِنْ الصَّبِيِّ وَالرَّقِيقِ أَوْ يُصَوِّرُ بِمَا إذَا كَانَ الْأَجِيرُ أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ: (مَرْحَلَتَانِ) أَمَّا لَوْ كَانَ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ أَوْ كَانَ بِمَكَّةَ لَزِمَهُ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ لِقِلَّةِ الْمَشَقَّةِ، إلَّا إنْ أَنْهَاهُ الضَّنَى إلَى حَالَةِ لَا يَحْتَمِل الْحَرَكَة مَعَهَا بِحَالِ فَتَجُوزُ الْإِنَابَةُ حِينَئِذٍ، م ر مُلَخَّصًا قَوْله: (بِأُجْرَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِالْإِنَابَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ قَوْلُهُ: (عَمَّا مَرَّ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ) أَيْ مِنْ مَلْبَسِ وَمَسْكَنٍ وَخَادِمٍ وَدَيْنِهِ وَمُؤْنَةٍ يَوْمَ الِاسْتِئْجَارِ كَمَا فِي م ر. وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَعْضُوبِ لَا لِلْمَيِّتِ قَوْلُهُ: (وَكَوْنُ بَعْضُهُ غَيْرُ مَاشٍ) شَرْطٌ لِوُجُوبِ إنَابَتِهِ مَجَّانًا كَمَا فِي م ر، أَيْ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ. وَعِبَارَةُ م ر: وَلَوْ لَمْ يَجِدْ الْمَعْضُوبُ سِوَى أُجْرَةِ مَاشٍ، وَالسَّفَرُ طَوِيلٌ لَزِمَهُ اسْتِئْجَارُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَيْ الْمَعْضُوبُ مُكَلَّفًا بِالْمَشْيِ لَوْ فَعَلَهُ لِنَفْسِهِ إذْ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي مَشْيِ غَيْرِهِ مَا لَمْ يَكُنْ أَصْلًا أَوْ فَرْعًا، فَلَا يَلْزَمُهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي فِي الْمُطِيعِ. قَوْلُهُ: (لِلْأُجْرَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ، أَيْ يَدْفَعُهُ لِلْأُجْرَةِ قَوْلُهُ: (يَسْتَنْكِفُ) أَيْ يَمْتَنِعُ.

قَوْله: (فَلِوَلِيِّ مَالٍ) وَوَلِيُّ الْمَالُ هُوَ الْأَبُ وَالْجَدُّ وَالْحَاكِمُ وَالْوَصِيُّ وَالْقَيِّمُ. وَخَرَجَ بِهِ غَيْرُ وَلِيِّ الْمَالِ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ وَالْأُمِّ، فَلَا يُحْرِمُ عَمَّنْ ذَكَرَ شَرْحُ م ر. وَأَجَابُوا عَنْ ذِكْرِ الْأُمِّ فِي الْحَدِيثِ بِاحْتِمَالِ أَنَّهَا وَصِيَّةٌ أَوْ أَنَّ وَلِيَّهُ أَذِنَ لَهَا أَنْ تُحْرِمَ

(2/430)


«أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقِيَ رَكْبًا بِالرَّوْحَاءِ فَفَزِعَتْ امْرَأَةٌ فَأَخَذَتْ بِعَضُدِ صَبِيٍّ صَغِيرٍ فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ مِحَفَّتِهَا فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَك أَجْرٌ» . وَعَنْ مَجْنُونٍ قِيَاسًا عَلَى الصَّغِيرِ، وَيُشْتَرَطُ لِلْمُبَاشَرَةِ مَعَ الْإِسْلَامِ التَّمْيِيزُ وَلَوْ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ رَقِيقٍ كَمَا فِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ، فَلِلْمُمَيِّزِ أَنْ يُحْرِمَ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ مِنْ أَبٍ ثُمَّ جَدٍّ ثُمَّ وَصِيٍّ ثُمَّ حَاكِمٍ أَوْ قَيِّمِهِ. وَيُشْتَرَطُ لِوُقُوعِهِ عَنْ فَرْضِ الْإِسْلَامِ مَعَ الْإِسْلَامِ التَّمْيِيزُ وَالْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ وَلَوْ غَيْرَ مُسْتَطِيعٍ فَيُجْزِئُ ذَلِكَ مِنْ فَقِيرٍ لِكَمَالِ حَالِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ تَكَلَّفَ الْمَرِيضُ الْمَشَقَّةَ وَحَضَرَ الْجُمُعَةَ، لَا مِنْ صَغِيرٍ وَرَقِيقٍ إنْ كَمُلَا بَعْدَهُ لِخَبَرِ: «أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ ثُمَّ بَلَغَ فَعَلَيْهِ حِجَّةٌ أُخْرَى، وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ ثُمَّ عَتَقَ فَعَلَيْهِ حِجَّةٌ أُخْرَى» فَالْمَرَاتِبُ الْمَذْكُورَةُ لِلصِّحَّةِ وَالْوُجُوبِ أَرْبَعُ: الْوُجُوبُ وَالصِّحَّةُ الْمُطْلَقَةُ وَصِحَّةُ الْمُبَاشَرَةِ وَالْوُقُوعُ عَنْ فَرْضِ الْإِسْلَامِ.

وَأَرْكَانُ الْحَجِّ أَرْبَعَةٌ بَلْ سِتَّةٌ كَمَا سَتَعْرِفُهُ: الْأَوَّلُ (الْإِحْرَامُ) بِهِ (مَعَ النِّيَّةِ) أَيْ نِيَّةِ الدُّخُولِ فِي الْحَجِّ لِخَبَرِ: «إنَّمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
عَنْهُ، أَوْ أَنَّ الْحَاصِلَ لَهَا أَجْرُ الْحَمْلِ وَالنَّفَقَةِ وَالتَّرْبِيَةِ لَا الْإِحْرَامِ إذَا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ أَنَّهَا أَحْرَمَتْ عَنْهُ. اهـ. س ل قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِمَأْذُونِهِ) كَأَنْ أَذِنَ الْوَلِيُّ لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يُحْرِمَ عَنْهُ؛ وَإِذَا ارْتَكَبَ الصَّبِيُّ مَحْظُورًا مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، وَإِذَا فَعَلَ الْوَلِيُّ أَوْ غَيْرُهُ بِهِ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ ق ل قَوْلُهُ: (عَنْ صَغِيرٍ) أَيْ مُسْلِمٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَلَوْ رَقِيقًا مَعَ سَيِّدِهِ ق ل قَوْلُهُ: (بِالرَّوْحَاءِ) اسْمٌ لِوَادٍ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ عَلَى نَحْوِ خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ مِيلًا مِنْهَا ق ل قَوْلُهُ: (فَفَزِعَتْ) بِفَاءِ مَفْتُوحَةٍ فَزَايٌ مُعْجَمَةٌ مَكْسُورَةٌ فَمُهْمَلَةٌ، أَيْ أَسْرَعَتْ. وَلَعَلَّهَا كَانَتْ وَصِيَّةً حَتَّى تَكُونَ وَلِيَّ مَالٍ وَعَلِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ، أَوْ كَانَ الْمُحْرِمُ عَنْهُ وَلِيَّ غَيْرِهَا. وَالْوَاقِعُ مِنْهَا مُجَرَّدُ الِاسْتِفْتَاءِ وَيَكُونُ لَهَا الْأَجْرُ عَلَى الِاسْتِفْتَاءِ لَا عَلَى الْإِحْرَامِ قَوْلُهُ: (بِعَضُدِ صَبِيٍّ) أَيْ غَيْرِ مُمَيِّزٍ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فِيمَنْ يُؤْخَذُ بِعَضُدِهِ اهـ ح ل قَوْلُهُ: (مِنْ مِحَفَّتِهَا) بِكَسْرِ الْمِيمِ. اهـ. مِصْبَاحٌ. وَهِيَ الَّتِي تُوضَعُ عَلَى الرَّاحِلَةِ عَرْضًا كَاَلَّتِي يَضَعُهَا الْمَغَارِبَةُ وَالصَّعَايِدَةُ، وَالْهَوْدَجُ مَا يَضَعُهُ أَهْلُ مَكَّةَ وَنَحْوُهُ مَا عَلَى الْجَمَلِ الْمُغَطَّى بِهَا قَوْلُهُ: (وَلَك أَجْرٌ) أَيْ ثَوَابٌ بِإِحْرَامِهَا عَنْهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ، وَأَمَّا ثَوَابُ الْأَعْمَالِ فَهِيَ لَهُ ق ل. وَصِفَةُ إحْرَامِهِ أَنْ يَنْوِيَ جَعْلَهُ مُحْرِمًا فَيَصِيرُ مَنْ أَحْرَمَ عَنْهُ مُحْرِمًا بِذَلِكَ، وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُهُ وَمُوَاجِهَتُهُ وَيَطُوفُ الْوَلِيُّ بِغَيْرِ الْمُمَيِّزِ، وَيُصَلِّي عَنْهُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَيَسْعَى بِهِ وَيُحْضِرُهُ الْمَوَاقِفَ، وَلَا يَكْفِي حُضُورُ الْوَلِيِّ بِدُونِهِ. وَيُنَاوِلُهُ الْأَحْجَارَ فَيَرْمِيهَا إنْ قَدَرَ وَإِلَّا رَمَى عَنْهُ مَنْ لَا رَمْيَ عَلَيْهِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَعِبَارَةُ م ر: وَصُورَةُ إحْرَامِهِ عَنْ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ مِنْ طِفْلٍ أَوْ مَجْنُونٍ أَنْ يَقُولَ الْوَلِيُّ: أَحْرَمْت عَنْ هَذَا أَوْ فُلَانٍ أَوْ جَعَلْته مُحْرِمًا، سَوَاءٌ كَانَ الْوَلِيُّ مُحْرِمًا أَوْ أَحْرَمَ بَعْدَهُ، بِخِلَافِ الْأَفْعَالِ كَالرَّمْيِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَرْمِيَ الْوَلِيُّ عَنْ نَفْسِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ عَنْ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ. وَقَوْلُهُ: وَيَطُوفُ الْوَلِيُّ بِغَيْرِ الْمُمَيِّزِ بِشَرْطِ طَهَارَتِهِمَا وَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِمَا، وَيُشْتَرَطُ فِي طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ عَنْهُ تَقَدُّمُ طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَيَرْمِي عَنْهُ الْوَلِيُّ بَعْدَ رَمْيِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِفَرَاغِهِ مِنْ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ. وَيُمْتَنَعُ الْإِحْرَامُ عَنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ لِأَنَّ لَهُ أَمَدًا يُنْتَظَرُ، فَإِنْ زَادَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَكَالْمَجْنُونِ قَوْلُهُ: (إنْ كَمُلَا بَعْدَهُ) فَإِنْ كَمُلَا قَبْلَ الْوُقُوفِ أَوْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ أَجْزَأَهُمَا وَأَعَادَ السَّعْيَ، مَنْهَجٌ. وَقَوْلُهُ " وَأَجْزَأَهُمَا إلَخْ " وَلَا بُدَّ فِي الْإِجْزَاءِ مِنْ إعَادَةِ مَا فَعَلَاهُ مِنْ الطَّوَافِ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ سم.

قَوْلُهُ: (وَأَرْكَانُ الْحَجِّ) التَّغَايُرُ بَيْنَ الْمُتَضَايِفَيْنِ بِالْإِجْمَالِ وَالتَّفْصِيلِ، أَيْ فَالْحَجُّ مُجْمَلٌ وَالْأَرْكَانُ مُفَصَّلَةٌ؛ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي بَيَانُهَا فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّ الْحَجَّ نَفْسُ الْأَرْكَانِ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ إضَافَةُ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ. قَالَ الشِّهَابِ الْعَبَّادِيُّ، فِي حَوَاشِي التُّحْفَةِ: هَلْ يَأْتِي فِيمَنْ لَمْ يُمَيِّزْ الْفُرُوضَ مِنْ السُّنَنِ مَا تَقَرَّرَ فِي نَحْوِ الصَّلَاةِ حَتَّى لَوْ اعْتَقَدَ بِفَرْضٍ مُعَيَّنٍ نَفْلًا لَمْ يَصِحَّ؟ أَوْ يُفَرِّقُ بِأَنَّ النُّسُكَ شَدِيدُ التَّعَلُّقِ؛ وَلِهَذَا لَوْ نَوَى بِهِ النَّفَلَ وَقَعَ عَنْ نُسُكِ الْإِسْلَامِ وَقَدْ يَتَّجِهُ الْفَرْقُ فَيَصِحُّ مُطْلَقًا وَإِنْ لَمْ يُمَيِّزْ وَاعْتَقَدَ بِفَرْضٍ مُعَيَّنٍ نَفْلًا؟ فَلْيُتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (الْإِحْرَامُ مَعَ النِّيَّةِ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ مَقْلُوبَةٌ، أَيْ النِّيَّةُ مَعَ الْإِحْرَامِ، أَيْ النِّيَّةُ الْمُصَاحَبَةُ لِلْإِحْرَامِ أَيْ الدُّخُولُ فِي

(2/431)


الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ» (وَ) الثَّانِي (الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ) لِخَبَرِ «الْحَجُّ عَرَفَةَ» . (وَ) الثَّالِثُ (الطَّوَافُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
النُّسُكِ وَالشُّرُوعِ فِي أَعْمَالِهِ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الشَّارِحُ بِتَفْسِيرِهِ. فَالْمُرَادُ بِالْإِحْرَامِ هُنَا الدُّخُولُ فِي النُّسُكِ، وَهُوَ الَّذِي يُفْسِدُهُ الْجِمَاعُ وَتُبْطِلُهُ الرِّدَّةُ. وَيُطْلَقُ الْإِحْرَامُ عَلَى نِيَّةِ الدُّخُولِ فِي النُّسُكِ، وَبِهَذَا الْمَعْنَى يُعَدُّ رُكْنًا ح ل. وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ بِهِ الثَّانِيَ لَكَانَ الْمَعْنَى نِيَّةَ الدُّخُولِ فِي النُّسُكِ مَعَ النِّيَّةِ، وَالْمُرَادُ الثَّانِي فِي قَوْلِهِ أَرْكَانُ الْعُمْرَةِ الْإِحْرَامُ. وَسُمِّيَ إحْرَامًا لِأَنَّهُ يَقْتَضِي دُخُولَ الْحَرَمِ، أَوْ لِأَنَّ بِهِ تَحْرُمُ الْأَنْوَاعُ الْآتِيَةِ ح ل. وَلَوْ شَكَّ فِي نِيَّةِ الْإِحْرَامِ بَعْدَ أَنْ أَتَى بِجَمِيعِ أَفْعَالِ الْحَجِّ هَلْ كَانَ نَوَى أَوْ لَا فَالْقِيَاسُ عَدَمُ صِحَّتِهِ كَمَا فِي صَلَاةٍ، وَفَرَّقَ بَعْضُ النَّاسِ بِأَنَّ قَضَاءَ الْحَجِّ يَشُقُّ لَا أَثَرَ لَهُ بَلْ هُوَ وَهْمٌ اهـ سم عَلَى حَجّ. أَقُولُ: وَقَدْ يُقَالُ الْأَقْرَبُ عَدَمُ الْقَضَاءِ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ شَكَّ فِي النِّيَّةِ بَعْدَ فَرَاغِ الصَّوْمِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ بِأَنَّهُمْ تَوَسَّعُوا فِي نِيَّةِ الْحَجِّ مَا لَمْ يَتَوَسَّعُوا فِي نِيَّةِ الصَّلَاةِ فَقَالُوا: لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فِي رَمَضَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ انْعَقَدَ عُمْرَةً، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى الظُّهْرَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهِ عَالِمًا بِذَلِكَ لَمْ يَنْعَقِدْ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا، قَالُوا: لَوْ نَوَى الْحَجَّ ظَانًّا بَقَاءَ رَمَضَانَ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ أَحْرَمَ فِي شَوَّالٍ اعْتَدَّ بِنِيَّتِهِ عَمَلًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَقَالُوا: لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ أَحْرَمَ وَتَرَدَّدَ فِي وَقْتِ إحْرَامِهِ هَلْ هُوَ قَبْلَ شَوَّالٍ أَوْ فِيهِ اعْتَدَّ بِنِيَّتِهِ وَيَبْرَأُ مِنْ الْحَجِّ إذَا أَتَى بِأَعْمَالِهِ. اهـ. ع ش.
قَوْلُهُ: (الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ) أَيْ بِأَيِّ جُزْءٍ مِنْهَا بِأَرْضِهَا أَوْ عَلَى مُتَّصِلٍ بِهَا فِي هَوَائِهَا، كَأَنْ وَقَفَ عَلَى غُصْنٍ فِي هَوَائِهَا وَأَصْلُهُ فِي أَرْضِهَا فَلَا يَكْفِي كَوْنُهُ طَائِرًا فِي هَوَائِهَا، أَوْ عَلَى غُصْنِ شَجَرَةٍ أَصْلُهَا فِيهِ دُونَ الْغُصْنِ أَوْ عَكْسُهُ، أَوْ عَلَى قِطْعَةٍ نُقِلَتْ مِنْهَا إلَى غَيْرِهَا، ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ وَالشَّارِحُ. وَصَرَّحَ ابْنُ شَرَفٍ بِأَنَّهُ يَكْفِي الْوُقُوفَ عَلَى الْقِطْعَةِ الْمَنْقُولَةِ مِنْهَا إلَى غَيْرِهَا. وَصَرَّحَ الشَّوْبَرِيُّ وسم عَلَى حَجّ بِصِحَّةِ الْوُقُوفِ عَلَى غُصْنِ شَجَرَةٍ فِيهِ وَأَصْلُهَا خَارِجَةٌ قِيَاسًا عَلَى الِاعْتِكَافِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ فَلَا يُجْزِئُ إلَّا إذَا كَانَ الْأَصْلُ فِيهَا وَالْغُصْنُ فِي هَوَائِهَا. قَالَ الزِّيَادِيُّ: قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفْضَلُ الْأَيَّامِ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَإِذَا وَافَقَ يَوْمَ جُمُعَةٍ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ حَجَّةٍ فِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ» أَخْرَجَهُ رَزِينٌ. «وَعَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذَا كَانَ يَوْمُ جُمُعَةٍ غَفَرَ اللَّهُ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْمَوْقِفِ» . قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ جَمَاعَةَ: سُئِلَ وَالِدِي عَنْ وَقْفَةِ الْجُمُعَةِ هَلْ لَهَا مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ لَهَا مَزِيَّةً عَلَى غَيْرِهَا مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ وَالثَّانِي: مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ. الثَّالِثُ: الْعَمَلُ يَشْرُفُ بِشَرَفِ الْأَزْمِنَةِ كَمَا يَشْرُفُ بِشَرَفِ الْأَمْكِنَةِ وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ فِيهِ أَفْضَلَ. الرَّابِعُ: فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ وَلَيْسَتْ فِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَهِيَ مِنْ حِينِ جُلُوسِ الْخَطِيبِ عَلَى الْمِنْبَرِ إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ. الْخَامِسُ: مُوَافَقَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّ وَقْفَتَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ كَانَتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَإِنَّمَا يَخْتَارُ اللَّهُ لَهُ الْأَفْضَلَ. قَالَ وَالِدِي: أَمَّا مِنْ حَيْثُ إسْقَاطِ الْفَرْضِ فَلَا مَزِيَّةَ لَهَا عَلَى غَيْرِهَا. وَسَأَلَهُ بَعْضُ الطَّلَبَةِ فَقَالَ: قَدْ جَاءَ أَنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْمَوْقِفِ فَمَا وَجْهُ تَخْصِيصِ ذَلِكَ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي الْحَدِيثِ؟ يَعْنِي الْمُتَقَدِّمِ. فَأَجَابَهُ بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ وَفِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ يَهَبُ قَوْمًا اهـ. قَالَ بَعْضُهُمْ: الْحِكْمَةُ بِوُقُوفِ جَبَلِ عَرَفَاتٍ مَا فِيهِ مِنْ الْمَعَانِي الْبَدِيعَةِ الصِّفَاتِ، فَإِنَّ فِيهِ تَشْبِيهًا وَتَذْكِيرًا بِالْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً مَكْشُوفِينَ الرُّءُوسِ وَاقِفِينَ عَلَى أَقْدَامِ الْحَسْرَةِ وَالنَّدَامَةِ يَضِجُّونَ بِالْبُكَاءِ وَالْعَوِيلِ وَيَدْعُونَ مَوْلَاهُمْ فِي اللَّيْلِ الطَّوِيلِ دُعَاءَ عَبْدٍ ذَلِيلٍ. وَقَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ تِلْمِيذُ النَّوَوِيِّ فِي مَنَاسِكِهِ: وَإِنَّمَا اخْتَصَّتْ عَرَفَاتُ بِمَوْضِعِ الْوُقُوفِ لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهَا كَالْمَيْدَانِ عَلَى فِنَاءِ حَرَمِهِ، قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ} [الأعراف: 172] الْآيَةَ، كَانَ ذَلِكَ بِعَرَفَاتٍ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَخَذَ اللَّهُ الْمِيثَاقَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِنُعْمَانِ، يَعْنِي عَرَفَةَ، فَأَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ كُلَّ ذُرِّيَّةٍ ذَرَأَهَا فَنَشَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالذَّرِّ ثُمَّ كَلَّمَهُمْ. فَتَلَا قَوْله تَعَالَى قَالَ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} [الأعراف: 172] » أَخْرَجَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي مُثِيرِ الْعَزْمِ السَّاكِنِ إلَى

(2/432)


(وَ) الرَّابِعُ (السَّعْيُ) لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فِي الْمَسْعَى وَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اسْعَوْا فَإِنَّ السَّعْيَ قَدْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ» . وَالْخَامِسُ الْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ لِتَوَقُّفِ التَّحَلُّلِ عَلَيْهِ مَعَ عَدَمِ جَبْرِهِ بِدَمٍ كَالطَّوَافِ. وَالسَّادِسُ تَرْتِيبُ الْمُعَظِّمِ بِأَنْ يُقَدِّمَ الْإِحْرَامَ عَلَى الْجَمِيعِ، وَالْوُقُوفَ عَلَى طَوَافِ الرُّكْنِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
أَشْرَفِ الْأَمَاكِنِ. قَالَ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَيْ جَبَلَ عَرَفَاتٍ أَوَّلُ وَطَنٍ وَالنَّفْسُ أَبَدًا تُنَازِعُ أَيْ تَمِيلُ إلَى الْوَطَنِ. فَإِنْ قُلْت: فَلِمَ كَانَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ. أَوَّلَ أَرْكَانِ الْحَجِّ بَعْدَ الْإِحْرَامِ لِلْآتِي مِنْ طَرِيقِ مِصْرَ دُونَ الطَّوَافِ أَوْ السَّعْيِ مَثَلًا؟ فَالْجَوَابُ: إنَّمَا كَانَ أَوَّلُ الْأَرْكَانِ الْوُقُوفَ اقْتِدَاءً بِأَبِينَا آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -؛ لِأَنَّهُ جَاءَ مِنْ بِلَادِ الْهِنْدِ بَعْدَ هُبُوطِهِ مِنْ الْجَنَّةِ عَلَى رَأْسِ جَبَلِ الْيَاقُوتِ إلَى مَكَّةَ، فَكَانَ أَوَّلُ مَا لَاقَاهُ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ لِأَنَّهَا الْبَابُ الْأَوَّلُ لِلْمَلِكِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى، وَيَلِيهِ مُزْدَلِفَةُ وَهِيَ كَالْبَابِ الثَّانِي لِازْدِلَافِهَا وَقُرْبِهَا مِنْ مَكَّةَ. فَإِنْ قُلْت: فَلِمَ سُومِحَ الْحَجُّ الْمِصْرِيُّ وَغَيْرُهُ بِالدُّخُولِ إلَى مَكَّةَ قَبْلَ الْوُقُوفِ؟ فَالْجَوَابُ: إنَّمَا سَامَحَهُمْ الْحَقُّ تَعَالَى بِالدُّخُولِ رَحْمَةً بِالْخَلْقِ لِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ شِدَّةِ الشَّوْقِ إلَى رُؤْيَةِ بَيْتِ رَبِّهِمْ الْخَاصِّ، فَكَانَ حُكْمُهُمْ حُكْمَ مَنْ هَاجَرَ إلَى دَارِ سَيِّدِهِ فَمَكَثَ بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَنْظُرَ مَا يَأْمُرُهُ بِهِ السَّيِّدُ مِنْ الْأَعْمَالِ، فَلَمَّا قَالَ لَهُ اذْهَبْ إلَى عَرَفَاتٍ الَّتِي مِنْهَا سَعَى آدَم - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا وَسِعَهُ إلَّا امْتِثَالُ أَمْرِ رَبِّهِ فِي ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ الْقُطْبُ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْمِيزَانِ. وَسُمِّيَتْ عَرَفَةُ لِأَنَّ آدَمَ وَحَوَّاءَ تَعَارَفَا فِيهَا حِينَ هَبَطَا مِنْ الْجَنَّةِ وَنَزَلَ بِالْهِنْدِ وَنَزَلَتْ بِجُدَّةِ، وَقِيلَ: إنَّ جِبْرِيلَ لَمَّا عَرَّفَ إبْرَاهِيمَ مَنَاسِكَ الْحَجِّ وَبَلَغَ الشِّعْبَ الْأَوْسَطَ الَّذِي هُوَ مَوْقِفُ الْإِمَامِ قَالَ لَهُ: أَعَرَفَتْ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَسُمِّيَتْ عَرَفَاتٌ.
وَقِيلَ: إنَّمَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ: عَرَفْت الْمَكَانَ، إذَا طَيَّبْته؛ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} [محمد: 6] عَبْدُ الْبَرِّ.
قَوْلُهُ: (الْحَجُّ عَرَفَةَ) جُمْلَةٌ مُعَرَّفَةُ الطَّرَفَيْنِ فَتُفِيدُ الْحَصْرَ، أَيْ الْحَجُّ مُنْحَصِرٌ فِي عَرَفَةَ أَيْ فِي الْوُقُوفِ لَا بِتَجَاوُزِهِ إلَى غَيْرِهِ؛ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ أَنَّهَا مُعْظَمُهُ، وَخُصَّتْ بِالذِّكْرِ مَعَ أَنَّ الطَّوَافَ أَفْضَلُ مِنْهَا كَمَا يَأْتِي لِكَوْنِهِ يَفُوتُ الْحَجُّ بِفَوَاتِهَا دُونَهُ اهـ.
قَوْلُهُ: (الطَّوَافُ) وَهُوَ أَفْضَلُ الْأَرْكَانِ ثُمَّ الْوُقُوفُ ثُمَّ السَّعْيُ ثُمَّ الْحَلْقُ، أَمَّا النِّيَّةُ فَهِيَ وَسِيلَةٌ لِلْعِبَادَةِ وَإِنْ كَانَتْ رُكْنًا؛ شَرْحُ الرَّوْضِ. وَسُئِلَ الْإِمَامُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ الْحِكْمَةِ فِي أَنَّ رَبَّنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَنْزِلُ عَلَى بَيْتِهِ الْحَرَامِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ رَحْمَةً مِنْ ذَلِكَ لِلطَّائِفِينَ سِتُّونَ وَلِلْمُصَلِّينَ أَرْبَعُونَ وَلِلنَّاظِرِينَ لِلْبَيْتِ عِشْرُونَ. فَأَجَابَ: الطَّائِفُونَ يَجْمَعُونَ بَيْنَ ثَلَاثٍ: طَوَافٍ وَصَلَاةٍ وَنَظَرٍ، فَصَارَ لَهُمْ بِذَلِكَ سِتُّونَ؛ وَالْمُصَلُّونَ فَاتَهُمْ الطَّوَافُ فَصَارَ لَهُمْ أَرْبَعُونَ، وَالنَّاظِرُونَ فَاتَهُمْ الصَّلَاةُ وَالطَّوَافُ فَصَارَ لَهُمْ عِشْرُونَ، اهـ أج قَوْلُهُ: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى إلَخْ) هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رُكْنٌ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي الدَّلِيلِ مَعَ عَدَمِ جَبْرِهِ بِالدَّمِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي دَلِيلِ السَّعْيِ اهـ قَوْلُهُ: (وَالسَّعْيُ) وَلَهُ شُرُوطٌ سَبْعَةٌ: كَوْنُهُ بَعْدَ طَوَافٍ صَحِيحٍ أَيْ طَوَافِ قُدُومٍ أَوْ إفَاضَةٍ، وَلَا يَتَأَتَّى بَعْدَ طَوَافِ الْوَدَاعِ، وَقَطْعِ جَمِيعِ الْمَسَافَةِ بَيْنَ الصَّفَّا وَالْمَرْوَةِ، وَكَوْنُهُ سَبْعًا، وَكَوْنُهُ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي؛ وَالتَّرْتِيبُ بِأَنْ يَبْدَأَ بِالصَّفَا فِي الْأَوْتَارِ وَبِالْمَرْوَةِ فِي الْأَشْفَاعِ وَأَنْ لَا يَكُونَ مَنْكُوسًا وَلَا مُعْتَرَضًا كَالطَّوَافِ وَعَدَمِ الصَّارِفِ عَنْهُ كَمَا يَفْعَلُهُ جَهَلَةُ الْعَوَامّ مِنْ الْمُسَابِقَةِ. وَقَدْ نَظَّمَهَا م د فَقَالَ:
شُرُوطُ سَعْيٍ سَبْعَةٌ وُقُوعُهُ ... بَعْدَ طَوَافٍ صَحَّ ثُمَّ قَطْعُهُ
مَسَافَةٍ سَبْعًا بِبَطْنِ الْوَادِي ... مَعَ فَقْدِ صَارِفٍ عَنْ الْمُرَادِ
وَلَيْسَ مَنْكُوسًا وَلَا مُعْتَرِضًا ... وَالْبَدْءُ بِالصَّفَا كَمَا قَدْ فُرِضَا
قَوْلُهُ: (اسْعَوْا) بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَصْلُهُ: اسْعَيُوا قَوْلُهُ: (مَعَ عَدَمِ جَبْرِهِ بِدَمٍ) إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِيَخْرُجَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ

(2/433)


وَالْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ وَالطَّوَافُ عَلَى السَّعْيِ إنْ لَمْ يَفْعَلْ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ، وَدَلِيلُهُ الِاتِّبَاعُ مَعَ خَبَرِ «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» وَقَدْ عَدَّهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا رُكْنًا وَفِي الْمَجْمُوعِ شَرْطًا وَالْأَوَّلُ أَنْسَبُ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا دَخْلَ لِلْجَبْرِ فِي الْأَرْكَانِ.

وَأَرْكَانُ الْعُمْرَةِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ بَلْ خَمْسَةُ كَمَا سَتَعْرِفُهُ: الْأَوَّلُ (الْإِحْرَامُ وَ) الثَّانِي (الطَّوَافُ وَ) الثَّالِثُ (السَّعْيُ وَ) الرَّابِعُ (الْحَلْقُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ) الْقَائِلُ بِأَنَّهُ نُسُكٌ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَمِثْلُهُ التَّقْصِيرُ وَالْخَامِسُ التَّرْتِيبُ فِي جَمِيعِ أَرْكَانِهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.

تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ الْأَفْضَلُ أَنْ يُعَيَّنَ فِي إحْرَامِهِ النُّسُكَ الَّذِي يُحْرِمُ بِهِ بِأَنْ يَنْوِيَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً أَوْ كِلَيْهِمَا، فَلَوْ أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ انْعَقَدَتْ وَاحِدَةٌ، فَإِنْ أَحْرَمَ وَأَطْلَقَ بِأَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى نَفْسِ الْإِحْرَامِ فَإِنْ كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ صَرَفَهُ إلَى مَا شَاءَ بِالنِّيَّةِ مِنْ النُّسُكَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا إنْ صَلَحَ الْوَقْتُ لَهُمَا، ثُمَّ بَعْدَ النِّيَّةِ يَأْتِي بِمَا شَاءَ فَلَا يُجْزِئُ الْعَمَلُ قَبْلَ النِّيَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ الْوَقْتُ لَهُمَا بِأَنْ فَاتَ وَقْتُ الْحَجِّ صَرَفَهُ لِلْعُمْرَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ انْعَقَدَتْ عُمْرَةٌ فَلَا يَصْرِفُهُ إلَى الْحَجِّ فِي أَشْهُرِهِ لِأَنَّ الْوَقْتَ لَا يَقْبَلُ غَيْرَ الْعُمْرَةِ وَيُسَنُّ النُّطْقُ بِنِيَّةٍ وَتَلْبِيَةٍ فَيَقُولُ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ: نَوَيْتُ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ أَوْ هُمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
النَّحْرِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ تَوَقَّفَ التَّحَلُّلُ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ يُجْبَرُ بِدَمٍ، شَيْخُنَا عَشْمَاوِيٌّ قَوْلُهُ: (تَرْتِيبُ الْمُعْظَمِ) مَحَلُّ تَرْتِيبِ الْمُعْظَمِ إنْ لَمْ يَكُنْ سَعْيٌ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ، فَإِنْ كَانَ سَعْيٌ بَعْدَهُ فَلَيْسَ فِيهَا تَرْتِيبُ الْمُعْظَمِ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ حِينَئِذٍ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوُقُوفِ نَعَمْ النِّيَّةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْجَمِيعِ وَالْوُقُوفُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْحَلْقِ وَالطَّوَافِ قَوْلُهُ: (بِأَنْ يُقَدَّمَ الْإِحْرَامُ) الْمُرَادُ بِهِ هُنَا نِيَّةُ الدُّخُولِ فِي النُّسُكِ قَوْلُهُ: (الْوُقُوفُ) أَيْ وَيُقَدَّمُ الْوُقُوفُ قَوْلُهُ: (وَالْحَلْقُ) أَيْ وَعَلَى الْحَلْقِ، وَيَجُوزُ تَقْدِيمُ الْحَلْقِ عَلَى الطَّوَافِ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ فِي مَنَاسِكِهِ قَوْلُهُ: (وَالطَّوَافُ) أَيْ وَيُقَدَّمُ الطَّوَافِ عَلَى السَّعْيِ إنْ لَمْ يُفْعَلْ، أَيْ السَّعْيُ.

قَوْلُهُ: (عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ، أَيْ: مُشْتَمِلًا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَقْدِيمِ الْإِحْرَامِ عَلَى جَمِيعِ الْأَرْكَانِ، إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ فَتَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (فَلَوْ أَحْرَمَ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ: وَلَوْ أَحْرَمَ كَمَا فِي م ر، إذْ لَا يَظْهَرُ تَفْرِيعُهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ بِأَنْ يَنْوِيَ حَجًّا وَاحِدًا أَوْ عُمْرَةً وَاحِدَةً قَوْلُهُ: (انْعَقَدَتْ وَاحِدَةٌ) فَاعِلُ قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَحْرَمَ وَأَطْلَقَ) أَيْ قَالَ: نَوَيْت الْإِحْرَامَ، فَقَطْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِيهِ صُورَتَانِ: هَذِهِ، وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَقُولَ: نَوَيْت الْإِحْرَامَ بِالنُّسُكِ قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ) أَيْ الْإِطْلَاقُ الْمَفْهُومُ مِنْ أَطْلَقَ.
قَوْلُهُ: (مِنْ النُّسُكَيْنِ) أَيْ أَحَدُهُمَا، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ " أَوْ كِلَيْهِمَا " قَوْلُهُ: (إنْ صَلَحَ الْوَقْتُ لَهُمَا) شَرْطٌ لِقَوْلِهِ " صَرَفَهُ إلَخْ " وَالْفَرْضُ أَنَّهُ كَانَ نَوَى الْإِحْرَامَ الْمُطْلَقَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ صَلَاحِيَّةِ الْوَقْتِ لَهُمَا عِنْدَ الْإِحْرَامِ صَلَاحِيَّتُهُ عِنْدَ الصَّرْفِ قَوْلُهُ: (ثُمَّ بَعْدَ النِّيَّةِ) أَيْ نِيَّةِ الصَّرْفِ قَوْلُهُ: (بِمَا شَاءَ) أَيْ بِعَمَلِ مَا شَاءَهُ أَيْ أَرَادَهُ بِالنِّيَّةِ الصَّارِفَةِ قَوْلُهُ: (قَبْلَ النِّيَّةِ) أَيْ نِيَّةِ الصَّرْفِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَوْلَى.
قَوْلُهُ: (بِأَنْ فَاتَ وَقْتُ الْحَجِّ) أَيْ عِنْدَ الصَّرْفِ وَالْحَالُ أَنَّهُ كَانَ أَحْرَمَ فِي وَقْتٍ يَتَأَتَّى لَهُ فِيهِ صَرْفُهُ لِلْحَجِّ كَمَا هُوَ فَرْضُ الْكَلَامِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَ: " فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ " قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ) أَيْ الْإِحْرَامُ الْمُطْلَقُ، وَهَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ: فَإِنْ كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ إلَخْ قَوْلُهُ: (فَلَا يَصْرِفُهُ إلَى الْحَجِّ فِي أَشْهُرِهِ) أَيْ لَوْ فَرَضَ أَنَّهُ صَابَرَ الْإِحْرَامَ إلَى أَشْهُرٍ وَالْحَجَّ وَصَرَفَهُ إلَيْهِ لَا يَصِحُّ لِانْعِقَادِهِ وَالْحَالَةُ مَا ذَكَرَ عُمْرَةً م د.
قَوْلُهُ: (وَتَلْبِيَةٌ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى النُّطْقِ، وَالْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْفَاءِ لِلتَّرْتِيبِ.
قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ لِلْغُسْلِ) وَلَوْ لِحَائِضٍ قَوْلُهُ: (وَلِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ) وَوَقْتُ غُسْلِهِ مِنْ الْفَجْرِ، وَلَكِنْ تَقْرِيبُهُ مِنْ وُقُوفِهِ أَفْضَلُ كَتَقْرِيبِهِ مِنْ ذَهَابِهِ فِي غُسْلِ الْجُمُعَةِ قَوْلُهُ: (غَدَاةَ النَّحْرِ) ظَرْفٌ لِلْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ. وَمَا ذَكَرَهُ فِي نَدْبِ الْغُسْلِ ضَعِيفٌ، وَإِنَّمَا يُسَنُّ الْوُقُوفُ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ؛ وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الشَّارِحِ ق ل، فَفِي قَوْلِهِ " وَبِمُزْدَلِفَةَ " مُسَامَحَةً، إذَا الْوُقُوفُ غَدَاةَ النَّحْرِ إنَّمَا هُوَ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، فَلَعَلَّهُ سَمَّاهُ مُزْدَلِفَةً لِمَجَازِ الْمُجَاوِرَةِ، أَوْ لِكَوْنِ بَعْضُهُ مِنْهَا. وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ: قَوْلُهُ " وَبِمُزْدَلِفَةَ غَدَاةَ النَّحْرِ "

(2/434)


لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ إلَى آخِرِهِ كَمَا سَيَأْتِي. وَلَا تُسَنُّ التَّلْبِيَةُ فِي طَوَافٍ وَلَا سَعْيٍ لِأَنَّ فِيهِمَا أَذْكَارًا خَاصَّةً، وَيُسَنُّ الْغُسْلُ لِلْإِحْرَامِ وَلِدُخُولِ مَكَّةَ وَلِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَبِمُزْدَلِفَةَ غَدَاةَ النَّحْرِ وَفِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِلرَّمْيِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْغُسْلِ تَيَمَّمَ، وَيُسَنُّ أَنْ يُطَيِّبُ مَرِيدُ الْإِحْرَامِ بَدَنَهُ لِلْإِحْرَامِ، وَلَا بَأْسَ بِاسْتِدَامَتِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَلَا يُسَنُّ تَطْيِيبُ ثَوْبِهِ خِلَافًا لِمَا فِي الْمِنْهَاجِ. وَيُسَنُّ خَضْبُ يَدَيْ امْرَأَةٍ لِلْإِحْرَامِ إلَى الْكُوعَيْنِ بِالْحِنَّاءِ لِأَنَّهُمَا قَدْ يَنْكَشِفَانِ، وَمَسْحُ وَجْهِهَا بِشَيْءٍ مِنْهُ. وَيُسَنُّ أَنْ يُصَلِّيَ مُرِيدُ الْإِحْرَامِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ رَكْعَتَيْنِ لِلْإِحْرَامِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ الشَّخْصُ إذَا تَوَجَّهَ لِطَرِيقِهِ. وَيُسَنُّ لِلْمُحْرِمِ إكْثَارُ التَّلْبِيَةِ فِي دَوَامِ إحْرَامِهِ وَيَرْفَعُ بِالذِّكْرِ صَوْتَهُ بِهَا، وَتَتَأَكَّدُ عِنْدَ تَغَيُّرِ الْأَحْوَالِ كَرُكُوبٍ وَصُعُودٍ وَهُبُوطٍ وَاخْتِلَاطٍ رُفْقَةً وَإِقْبَالِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ وَوَقْتَ سَحَرٍ. وَلَفْظُهَا: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
الْمُرَادُ مِنْهُ الْوُقُوفُ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، وَهُوَ يُسَنُّ لَهُ الْغُسْلُ إنْ لَمْ يَغْتَسِلْ لِلْعِيدِ، فَسَقَطَ مَا لِلْمُحَشَّيْ قَوْلُهُ: (وَفِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) أَيْ: بَعْدَ الزَّوَالِ م ر قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْغُسْلِ تَيَمَّمَ) أَيْ لِأَنَّ الْغُسْلَ يُرَادُ لِلْقُرْبَةِ وَالنَّظَافَةِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ أَحَدُهُمَا بَقِيَ الْآخَرُ؛ وَلِأَنَّهُ يَنُوبُ عَنْ الْغُسْلِ الْوَاجِبِ فَعَنْ الْمَنْدُوبِ أَوْلَى شَرْحِ م ر. قَالَ السُّيُوطِيّ: فَائِدَةٌ: لِمَ أَمَرَك بِالْمَاءِ وَالتُّرَابِ؟ قِيلَ: لِأَنَّ أَصْلَ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ التُّرَابِ وَالْمَاءِ لِأَنَّ التُّرَابَ عُجِنَ بِالْمَاءِ وَإِنَّهُمَا أَوْسَعُ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وُجُودًا، فَأَمَرَك بِالتَّطْهِيرِ بِهِمَا لِئَلَّا تَعْتَذِرَ بِفِقْدَانِهِمَا، فَالْآنَ لَيْسَ لَك عُذْرٌ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُسَنُّ تَطْيِيبُ ثَوْبِهِ) أَيْ إزَارِهِ وَرِدَائِهِ قَوْلُهُ: (خَضْبُ يَدَيْ امْرَأَةٍ) أَيْ غَيْرِ مُحِدَّةٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْعَدَدِ. وَيُسَنُّ الْخَضْبُ لِغَيْرِ الْمُحْرِمَةِ أَيْضًا إنْ كَانَتْ خَلِيَّةً وَإِلَّا كُرِهَ، وَلَا يُسَنُّ لَهَا نَقْشٌ وَتَسْوِيدٌ وَتَطْرِيفٌ وَتَحْمِيرُ وَجَنَّةٍ بَلْ يَحْرُمُ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ عَلَى خَلِيَّةٍ وَمَنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهَا حَلِيلُهَا. وَقَوْلُهُ " عَلَى خَلِيَّةٍ " أَيْ وَلَوْ غَيْرَ شَابَّةٍ، شَرْحُ حَجّ. وَخَرَجَ الرَّجُلُ وَالْخُنْثَى، فَلَا يُسَنُّ لَهُمَا الْخَضْبُ بَلْ يَحْرُمُ كَمَا فِي الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ: (بِشَيْءٍ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْخِضَابِ الَّذِي هُوَ الْحِنَّاءُ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا تَكْشِفُهُمَا فَيَرَوْنَهُمَا فَالْمَقْصُودُ تَغْيِيرُ اللَّوْنِ الْأَصْلِيِّ. وَسُمِّيَتْ حِنَّاءً لِأَنَّهَا حَنَّتْ عَلَى آدَمَ حِينَ سَتَرَ عَوْرَتَهُ بِوَرِقِ أَشْجَارِ الْجَنَّةِ فَصَارَتْ تَطِيرُ مِنْ عَلَى بَدَنِهِ إلَّا وَرِقَ الْحِنَّاءِ فَاسْتَمَرَّ عَلَى بَدَنِهِ قَوْلُهُ: (فِي غَيْرِ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ) أَمَّا فِي وَقْتِهَا فَلَا يُصَلِّي لِتَأْخِيرِ السَّبَبِ مَا لَمْ يُحْرِمْ بِالْحَرَمِ الْمَكِّيِّ قَوْلُهُ: (فِي دَوَامِ إحْرَامِهِ) خَرَجَ ابْتِدَاؤُهُ فَلَا يُسَنُّ الرَّفْعُ بَلْ يُسْمِعُ نَفْسَهُ فَقَطْ؛ مَنْهَجٌ قَوْلُهُ: (وَيَرْفَعَ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى (إكْثَارَ) عَلَى حَدِّ: وَلُبْسِ عَبَاءَةٍ وَتَقَرَّ عَيْنِي قَوْلُهُ: (الذَّكَرُ) بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى فَيُكْرَهُ لَهُمَا الرَّفْعُ. وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَذَانِهِمَا حَيْثُ حُرِّمَ فِيهِ ذَلِكَ بِالْإِصْغَاءِ إلَى الْأَذَانِ وَاشْتِغَالِ كُلِّ أَحَدٍ بِتَلْبِيَتِهِ عَنْ سَمَاعِ تَلْبِيَةِ غَيْرِهِ، مَنْهَجٌ.
قَوْلُهُ: (لَبَّيْكَ إلَخْ) أَيْ أَنَا مُقِيمٌ عَلَى طَاعَتِك إقَامَةً بَعْدَ إقَامَةٍ وَإِجَابَةً بَعْدَ إجَابَةٍ، وَهُوَ مُثَنًّى، أَيْ عَلَى صُورَتِهِ، أُرِيدَ بِهِ التَّكْثِيرُ، وَسَقَطَتْ نُونُهُ لِلْإِضَافَةِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ " وَإِجَابَةً بَعْدَ إجَابَةٍ " أَيْ لِدَعْوَةِ إبْرَاهِيمَ، لَمَّا قَالَ اللَّهُ لَهُ: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27] إلَخْ، فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ حُجُّوا» . وَقَوْلُهُ: وَسَقَطَتْ نُونُهُ لِلْإِضَافَةِ، وَأَصْلُهُ " لِبَيْنٍ لَك " بِكَسْرِ النُّونِ حُذِفَتْ نُونُهُ لِلْإِضَافَةِ، وَاللَّامُ لِلتَّخْفِيفِ وَالْعَامِلُ فِيهِ مَحْذُوفٌ أَيْ: أُلَبِّي لِبَيْنٍ لَك، وَلَبَّيْكَ الثَّانِيَةُ تَأْكِيدٌ، وَكَذَا الثَّالِثَةُ. وَسَنَّ وَقْفَةً لَطِيفَةً عَلَى الثَّالِثَةِ وَعَلَى " لَبَّيْكَ " بَعْدَ " لَا شَرِيكَ لَك " وَوَقْفَةً عَلَى الْمُلْكِ وَقَبْلَ " لَا شَرِيكَ لَك ". وَلَا يَتَكَلَّمُ أَثْنَاءَ تَلْبِيَةٍ، نَعَمْ يَنْدُبُ رَدُّ السَّلَامِ وَإِنْ كَرِهَ التَّسْلِيمَ عَلَيْهِ. وَيَتَّجِهُ جَوَازُهَا بِالْعَجَمِيَّةِ وَلَوْ لِمَنْ قَدَرَ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ، وَقَدْ يَجِبُ الْكَلَامُ فِي أَثْنَائِهَا لِعَارِضٍ كَإِنْقَاذِ نَحْوِ أَعْمَى يَقَعُ فِي مَهْلَكٍ. اهـ. ز ي وم ر وَيُكْرَهُ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ عِنْدَ السَّادَةِ الْمَالِكِيَّةِ الْإِجَابَةُ بِقَوْلِهِ " لَبَّيْكَ " فِي غَيْرِ الْحَاجِّ جَوَابًا لِمَنْ خَاطَبَهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ ذَلِكَ فِي

(2/435)


وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك، وَاذَا رَأَى مَا يُعْجِبُهُ أَوْ يَكْرَهُهُ نَدَبَ أَنْ يَقُولَ لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ، وَإِذَا فَرَغَ مِنْ تَلْبِيَتِهِ صَلَّى وَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى الْجَنَّةَ وَرِضْوَانَهُ، وَاسْتَعَاذَ بِهِ مِنْ النَّارِ. وَالْأَفْضَلُ دُخُولُ مَكَّةَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَالْأَفْضَلُ دُخُولُهَا مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءَ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ، وَهِيَ الْعُلْيَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِطَرِيقِهِ، وَيَخْرُجُ مِنْ ثَنِيَّةِ كُدًا بِالضَّمِّ وَالْقَصْرِ وَهِيَ السُّفْلَى وَالثَّنِيَّةُ الطَّرِيقُ الضَّيِّقُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ، وَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ وَرَأَى الْكَعْبَةَ أَوْ وَصَلَ مَحَلَّ رُؤْيَتِهَا وَلَمْ يَرَهَا لِعَمًى أَوْ ظُلْمَةٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ قَالَ نَدْبًا رَافِعًا يَدَيْهِ: اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً، وَزِدْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
غَيْرِ إجَابَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيَحْرُمُ أَنْ يُجِيبَ بِهَا كَافِرًا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّعْظِيمِ اهـ خ ض. وَلْيَحْذَرْ الْمُلَبِّي فِي حَالِ تَلْبِيَتِهِ مِنْ أُمُورٍ يَفْعَلُهَا بَعْضُ الْغَافِلِينَ مِنْ الضَّحِكِ وَاللَّعِبِ، وَلِيَكُنْ مُقْبِلًا عَلَى مَا هُوَ بِصَدَدِهِ مِنْ سَكِينَةٍ وَوَقَارٍ، وَلْيُشْعِرْ نَفْسَهُ أَنَّهُ يُجِيبُ الْبَارِيَ؛ فَإِنْ أَقْبَلَ عَلَى اللَّهِ بِقَلْبِهِ أَقْبَلَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَعْرَضَ أَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ.
قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ) مُنَادَى مَبْنِيٌّ عَلَى ضَمِّهِ الْهَاءَ لِعِلْمِيَّتِهِ، وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ بَدَلُ حَرْفِ النِّدَاءِ أَوْ مُقَدَّرَةٌ عَلَى الْمِيمِ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ كَالْإِعْرَابِ مَحَلُّهُ الْآخَرُ؛ رَحْمَانِيٌّ قَوْلُهُ: (إنَّ الْحَمْدَ) يَجُوزُ كَسْرِ هَمْزَةِ " إنَّ " اسْتِئْنَافًا وَفَتْحُهَا تَعْلِيلًا، وَالْكَسْرُ أَجْوَدُ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ إيهَامِ التَّعْلِيلِ مِنْ الْفَتْحِ لِاسْتِحْقَاقِهِ تَعَالَى التَّلْبِيَةَ وُجِدَ حَمْدٌ أَمْ لَا، وَلِصَيْرُورَةِ الْكَلَامِ جُمْلَتَيْنِ. قَالَ م ر: وَيُسَنُّ بَعْدَ لَفْظِ الْمُلْكَ سَكْتَةٌ لَطِيفَةٌ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ مَنْفِيٌّ بِالنَّفْيِ الَّذِي بَعْدَهُ قَوْلُهُ: (وَالنِّعْمَةَ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الْحَمْدِ، وَبِالرَّفْعِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، أَوْ خَبَرُهُ " لَك " وَخَبَرُ " إنَّ " مَحْذُوفٌ. اهـ. م د قَوْلُهُ: (لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ) أَيْ إنْ كَانَ مُحْرِمًا، فَإِنْ كَانَ حَلَالًا لَمْ يَذْكُرْ التَّلْبِيَةَ بَلْ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنَّ الْعَيْشَ إلَخْ، لِمَا جَاءَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ؛ وَمَعْنَاهُ إنَّ الْحَيَاةَ الْهَنِيئَةَ الدَّائِمَةَ هِيَ حَيَاةُ الدَّارِ الْآخِرَةِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ وحج. وَمِنْ كَلَامِ بَعْضِهِمْ:
لَا تَرْغَبَنَّ إلَى الثِّيَابِ الْفَاخِرَهْ ... وَاذْكُرْ عِظَامَك حِينَ تُمْسِي نَاخِرَهْ
وَإِذَا رَأَيْت زَخَارِفَ الدُّنْيَا فَقُلْ ... لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَة
قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِطَرِيقِهِ) كَأَهْلِ الطَّائِفِ وَالْيَمَنِ. وَفِي سِيرَةِ ح ل: وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْفَتْحِ مِنْ كَدَاءٍ بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْمَدِّ وَالتَّنْوِينِ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ» وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إنَّهُ دَخَلَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ وَهِيَ ثَنِيَّةُ كُدًا بِضَمِّ الْكَافِ وَالْقَصْرِ وَالتَّنْوِينِ، وَعِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْهَا خَرَجَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ هَذِهِ. وَبِهَذَا اسْتَدَلَّ أَئِمَّتُنَا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ دُخُولُ مَكَّةَ فِي الْأُولَى وَالْخُرُوجُ مِنْ الثَّانِيَةِ. وَاخْتَصَّتْ الْعُلْيَا بِالدُّخُولِ وَالسُّفْلَى بِالْخُرُوجِ؛ لِأَنَّ الدَّاخِلَ يَقْصِدُ مَحَلًّا عَالِيَ الْمِقْدَارِ، وَالْخَارِجَ عَكْسُهُ؛ وَقَضِيَّتُهُ التَّسْوِيَةُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُحْرِمِ وَغَيْرِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا) أَيْ تَرَفُّعًا وَعُلُوًّا وَتَعْظِيمًا، أَيْ تَبْجِيلًا وَتَكْرِيمًا، أَيْ تَفْضِيلًا وَمَهَابَةً، أَيْ تَوْقِيرًا وَإِجْلَالًا. وَقَوْلُهُ " وَبِرًّا " الْبِرُّ هُوَ الِاتِّسَاعُ فِي الْإِحْسَانِ وَالزِّيَادَةِ فِيهِ. وَقَوْلُهُ " فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ " أَيْ سَلِّمْنَا بِتَحِيَّتِك مِنْ جَمِيعِ الْآفَاتِ؛ وَيَدْعُو بَعْدَ ذَلِكَ بِمَا أَحَبَّ مِنْ الْمُهِمَّاتِ وَأَهُمُّهَا الْمَغْفِرَةُ وَأَنْ يَدْعُوَ وَاقِفًا. وَالْبَيْتُ كَانَ الدَّاخِلُ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا يَرَاهُ مِنْ رَأْسِ الرَّدْمِ وَالْآنَ لَا يُرَى إلَّا مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ، فَالسُّنَّةُ الْوُقُوفُ فِيهِ لَا فِي رَأْسِ الرَّدْمِ لِذَلِكَ بَلْ لِكَوْنِهِ مَوْقِفَ الْأَخْيَارِ شَرْحُ م ر. وَرَأْسُ الرَّدْمِ هُوَ الْمَشْهُورُ الْآنَ بِالْمُدَّعِي. وَكَأَنَّ حِكْمَةَ تَقْدِيمِ التَّعْظِيمِ عَلَى التَّكْرِيمِ فِي الْبَيْتِ، وَعَكْسُهُ فِي قَاصِدِهِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالذَّاتِ فِي الْبَيْتِ إظْهَارُ عَظَمَتِهِ فِي النُّفُوسِ حَتَّى تَخْضَعَ لِشَرَفِهِ وَتَقُومَ بِحُقُوقِهِ، ثُمَّ كَرَامَتِهِ بِإِكْرَامِ زَائِرِيهِ بِإِعْطَائِهِمْ مَا طَلَبُوهُ. وَإِنْجَازِهِمْ مَا أَمَّلُوهُ، وَفِي زَائِرِهِ وُجُودُ كَرَامَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى بِإِسْبَاغِ رِضَاهُ عَلَيْهِ وَعَفْوِهِ عَمَّا جَنَاهُ وَاقْتَرَفَهُ، ثُمَّ عَظَمَتِهِ بَيْنَ أَبْنَاءِ جِنْسِهِ بِظُهُورِ تَقْوَاهُ وَهِدَايَته؛ وَيُرْشِدُ إلَى هَذَا خَتْمُ دُعَاءِ الْبَيْتِ بِالْمَهَابَةِ النَّاشِئَةِ عَنْ تِلْكَ الْعَظَمَةِ إذْ هِيَ التَّوْقِيرُ وَالْإِجْلَالُ وَدُعَاءُ الزَّائِرِ بِالْبِرِّ النَّاشِئِ عَنْ ذَلِكَ التَّكْرِيمِ إذْ هُوَ الِاتِّسَاعُ فِي الْإِحْسَانِ، فَتَأَمَّلْ حَجّ ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ: (تَشْرِيفًا) التَّشْرِيفُ الْعُلُوُّ. وَلَمَّا كَانَ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَعْلِهِ عَالِيًا رَفِيعًا أَنْ يُعَظَّمَ وَيُبَجَّلَ قِيلَ " وَتَعْظِيمًا " وَلَا يَلْزَمُ مِنْ أَنْ يُعَظَّمَ أَيْ

(2/436)


مَنْ شَرَّفَهُ وَكَرَّمَهُ مِمَّنْ حَجَّهُ أَوْ اعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَتَعْظِيمًا وَبِرًّا. اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ فَأَحْيِنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ وَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِطَرِيقِهِ، وَيَبْدَأُ بِطَوَافِ الْقُدُومِ إلَّا لِعُذْرٍ كَإِقَامَةِ جَمَاعَةٍ وَضِيقِ وَقْتِ صَلَاةٍ، وَيَخْتَصُّ بِطَوَافِ الْقُدُومِ حَلَالٌ وَحَاجٌّ دَخَلَ مَكَّةَ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَمَنْ دَخَلَ الْحَرَمَ لَا لِنُسُكِ بَلْ. لِنَحْوِ تِجَارَةٍ سُنَّ لَهُ إحْرَامٌ بِنُسُكٍ.

التَّنْبِيهُ الثَّانِي: وَاجِبَاتُ الطَّوَافِ بِأَنْوَاعِهِ ثَمَانِيَةٌ: الْأَوَّلُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ. وَالثَّانِي طُهْرٌ عَنْ حَدَثٍ أَصْغَرَ وَأَكْبَرَ وَعَنْ نَجَسٍ كَمَا فِي الصَّلَاةِ، فَلَوْ زَالَا فِي الطَّوَافِ جَدَّدَ السَّتْرَ وَالطُّهْرَ وَبَنَى عَلَى طَوَافِهِ، وَالثَّالِثُ جَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ مَارًّا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
فِي نَفْسِهِ أَنْ يَفْضُلَ، عَلَى غَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْبُيُوتِ؛ قِيلَ: وَتَكْرِيمًا أَيْ تَفْضِيلًا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ أَنْ يَفْضُلَ عَلَى غَيْرِهِ أَنْ يَهَابَ قِيلَ وَمَهَابَةً، فَلْيُتَأَمَّلْ ق ل. وَالتَّعْظِيمُ: التَّبْجِيلُ، وَالتَّكْرِيمُ: التَّفْضِيلُ، وَالْمَهَابَةُ: التَّوْقِيرُ وَالْبِرُّ الْإِحْسَانُ قَوْلُهُ: (أَنْتَ السَّلَامُ) أَيْ ذُو سَلَامَةٍ مِنْ النَّقَائِصِ فِي الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا قَوْلُهُ: (وَمِنْك السَّلَامُ) أَيْ السَّلَامَةُ مِنْ الْآفَاتِ، فَحَيِّنَا رَبَّنَا أَيْ يَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ أَيْ بِالسَّلَامَةِ مِنْ الْآفَاتِ؛ فَالثَّانِي وَالثَّالِثُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. فَائِدَةٌ: وَرَدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَ الْبَيْتَ بِأَنْ يَحُجُّهُ فِي كُلِّ عَامٍ سِتُّمِائَةِ أَلْفٍ فَإِنْ نَقَصُوا كَمُلُوا بِمَلَائِكَةٍ، وَأَنَّ الْكَعْبَةَ تُحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَالْعَرُوسِ الْمَزْفُوفِ فَكُلُّ مَنْ حَجَّهَا يَتَعَلَّقُ بِأَسْتَارِهَا وَيَسْعَوْنَ حَوْلَهَا حَتَّى تَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَيَدْخُلُونَ مَعَهَا، ق ل عَلَى الْجَلَالِ.
قَوْلُهُ: (وَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ) الْأَوْلَى: فَيَدْخُلُ، كَمَا فِي الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ: (مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ) الْمُسَمَّى بِبَابِ السَّلَامِ؛ لِأَنَّ الْبُيُوتَ تُؤْتَى مِنْ أَبْوَابِهَا. وَشَيْبَةُ اسْمُ رَجُلٍ، مِفْتَاحُ الْكَعْبَةِ فِي يَدِ وَلَدِهِ، وَهُوَ ابْنُ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ قَوْلُهُ: (قَبْلَ الْوُقُوفِ) أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ انْتِصَافِ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ يَدْخُلُ بِنِصْفِ اللَّيْلِ، وَلَا يَطْلُبُ طَوَافُ الْقُدُومِ حِينَئِذٍ ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (بِأَنْوَاعِهِ) أَيْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَطَوَافِ الْقُدُومِ وَطَوَافِ الْوَدَاعِ وَالطَّوَافِ الْمَنْذُورِ وَطَوَافِ التَّحَلُّلِ. وَالْمُرَادُ بِوَاجِبَاتِهِ شُرُوطُهُ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهَا لَكَانَ أَوْلَى قَوْلُهُ: (فَلَوْ زَالَا إلَخْ) فَإِنْ كَانَ فَاقِدًا لِلسَّتْرِ جَازَ الطَّوَافُ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ بِهِ نَجَاسَةٌ أَوْ كَانَ فَاقِدَ الطَّهُورَيْنِ لَمْ يَجُزْ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ فَاقِدًا لِلْمَاءِ جَازَ الطَّوَافُ مُطْلَقًا بِالتَّيَمُّمِ؛ وَلَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ فِي طَوَافِ الرُّكْنِ إلَّا إذَا كَانَ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ. وَهَذَا هُوَ حَاصِلُ الْمُعْتَمَدِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا السِّجِّينِيُّ. وَمِنْ الْحَدَثِ الْحَيْضُ، فَيُمْتَنَعُ أَنْ تَطُوفَ حَتَّى تَطْهُرَ، فَإِنْ رَحَلَ الْحَاجُّ وَخَافَتْ مِنْ التَّخَلُّفِ فَلَهَا الرَّحِيلُ بِلَا طَوَافٍ. وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا مُحْرِمَاتُ الْإِحْرَامِ وَيَسْتَمِرُّ فِي ذِمَّتِهَا، فَإِذَا قَدَرَتْ عَلَيْهِ وَلَوْ بَعْدَ سِنِينَ طَافَتْ بِلَا نِيَّةٍ لِأَنَّ إحْرَامَهَا بَاقٍ بِالنِّسْبَةِ لَهُ ق ل. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَسَيَأْتِي أَنْ مَنْ حَاضَتْ قَبْلَ طَوَافِ الرُّكْنِ وَلَمْ يُمَكِّنْهَا الْإِقَامَةُ حَتَّى تَطْهُرَ لَهَا أَنْ تَرْحَلَ، فَإِذَا وَصَلَتْ إلَى مَحَلٍّ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهَا الرُّجُوعُ مِنْهُ إلَى مَكَّةَ جَازَ لَهَا حِينَئِذٍ أَنْ تَتَحَلَّلَ بِذَبْحٍ فَحَلْقٍ أَوْ تَقْصِيرٍ مَعَ نِيَّةِ التَّحَلُّلِ كَالْمَحْصِرِ، وَتَحِلُّ حِينَئِذٍ مِنْ إحْرَامِهَا وَيَبْقَى الطَّوَافُ فِي ذِمَّتِهَا إلَى أَنْ تَعُودَ؛ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي وَأَنَّهَا تَحْتَاجُ عِنْدَ فِعْلِهِ إلَى إحْرَامٍ لِخُرُوجِهَا مِنْ الْحَجِّ بِالتَّحَلُّلِ. وَقَوْلُهُ " إنَّهَا تَحْتَاجُ عِنْدَ فِعْلِهِ إلَى إحْرَامٍ " أَيْ لِلْإِتْيَانِ بِالطَّوَافِ دُونَ مَا فَعَلَتْهُ قَبْلُ كَالْوُقُوفِ. اهـ. ع ش.
قَوْلُهُ: (وَبَنَى) وَإِنْ تَعَمَّدَ وَطَالَ الْفَصْلُ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْوَلَاءِ. وَالْأَوْلَى الِاسْتِئْنَافُ، فَلَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ جُنَّ اسْتَأْنَفَ وَإِنْ قَصُرَ الزَّمَنُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحَدَثِ وَبَيْنَ الْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ أَنَّ الْحَدَثَ لَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْعِبَادَةِ، وَأَمَّا الْإِغْمَاءُ وَالْجُنُونُ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ بِهِمَا عَنْهَا. اهـ. عَنَانِيٌّ قَوْلُهُ: (جَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ) فَيَجِبُ كَوْنُهُ خَارِجًا بِكُلِّ بَدَنِهِ عَنْهُ، فَلَوْ مَسَّ الْبَيْتَ مَثَلًا أَوْ أَدْخَلَ جُزْءًا مِنْهُ فِي هَوَاءِ الشَّاذَرْوَانِ أَوْ هَوَاءِ غَيْرِهِ مِنْ أَجْزَاءِ الْبَيْتِ لَمْ يَصِحَّ بَعْضُ طَوْفَتِهِ كَمَا قَالَهُ م ر فِي شَرْحِهِ. قَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ فِي مَنَاسِكِهِ: لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَقَوْلُهُ: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» وَذَلِكَ لِمُخَالَفَةِ الْمُشْرِكِينَ، فَإِنَّ. الْعَرَبَ كَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ وَيَجْعَلُونَهُ عَنْ يَمِينِهِمْ، رَوَاهُ الْأَزْرَقِيُّ اهـ وَقَوْلُهُ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَخْ " بِهَذَا يُجَابُ عَمَّا يُقَالُ هَلَّا جَعَلَ

(2/437)


تِلْقَاءَ وَجْهِهِ. وَالرَّابِعُ بَدْؤُهُ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ مُحَاذِيًا لَهُ أَوْ لِجُزْئِهِ فِي مُرُورِهِ بِبَدَنِهِ، فَلَوْ بَدَأَ بِغَيْرِهِ لَمْ يَحْسِبْ مَا طَافَهُ، فَإِذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
الْبَيْتَ عَنْ الْيَمِينِ مُوَافَقَةً لِلْقَاعِدَةِ الْمَشْهُورَةِ وَهِيَ مَا كَانَ مِنْ بَابِ التَّكْرِيمِ يَكُونُ بِالْيَمِينِ وَمَا كَانَ مِنْ غَيْرِ التَّكْرِيمِ يَكُونُ بِالْيَسَارِ، وَقَدْ خَطَرَ ذَلِكَ بِي حَالَةَ الطَّوَافِ وَصِرْت أَتَرَدَّدُ فِي ذَلِكَ كَثِيرًا وَأَسْأَلُ عَنْهُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَلَمْ يُوفِ أَحَدٌ بِالْمُرَادِ؛ حَتَّى اطَّلَعْت عَلَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ فَاسْتَرَاحَ مِنَى الْفُؤَادُ؛ ثُمَّ رَأَيْت مَا هُوَ أَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ، وَنَصُّهُ: فَائِدَةٌ: مَا الْحِكْمَةُ فِي أَنَّ الْبَيْتَ يُجْعَلُ عَلَى يَسَارِ الطَّائِفِ؟ قِيلَ: لِأَنَّ الْقَلْبَ فِي جِهَةِ الْيَسَارِ فَيَكُونُ مِمَّا يَلِيهِ، وَقِيلَ: إنَّ مَنْ طَافَهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُتَعَلِّقًا بِهِ كَمَا طَافُوهُ بِشِمَالِهِمْ وَأَيْمَانِهِمْ الصُّحُفَ قَوْلُهُ: (مَارًّا تِلْقَاءَ وَجْهِهِ) وَلَوْ مُنَكَّسًا حَيْثُ جَعَلَهُ عَلَى يَسَارِهِ وَمَرَّ جِهَةَ الْبَابِ.
قَوْلُهُ: (بَدْؤُهُ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ) وَجَاءَ أَنَّ آدَمَ نَزَلَ مِنْ الْجَنَّةِ وَمَعَهُ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ مُتَأَبِّطُهُ أَيْ تَحْتَ إبْطِهِ، وَهُوَ يَاقُوتَةٌ مِنْ يَوَاقِيتِ الْجَنَّةِ؛ وَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى طَمَسَ ضَوْأَهُ مَا اسْتَطَاعَ أَحَدٌ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ. وَرُوِيَ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبَّهٍ: أَنَّ آدَمَ لَمَّا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْخُرُوجِ مِنْ الْجَنَّةِ أَخَذَ جَوْهَرَةً مِنْ الْجَنَّةِ الَّتِي هِيَ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ مَسَحَ بِهَا دُمُوعَهُ، فَلَمَّا نَزَلَ إلَى الْأَرْضِ لَمْ يَزَلْ يَبْكِي وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَمْسَحُ دُمُوعَهُ بِتِلْكَ الْجَوْهَرَةِ حَتَّى اسْوَدَّتْ دُمُوعُهُ، ثُمَّ لَمَّا بَنَى الْبَيْتَ أَمَرَهُ جِبْرِيلُ أَنْ يَجْعَلَ تِلْكَ الْجَوْهَرَةَ فِي الرُّكْنِ فَفَعَلَ.
وَفِي بَهْجَةِ الْأَنْوَارِ: أَنَّ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ مَلَكًا صَالِحًا، وَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَأَبَاحَ لَهُ الْجَنَّةَ كُلَّهَا إلَّا الشَّجَرَةَ الَّتِي نَهَاهُ عَنْهَا ثُمَّ جَعَلَ ذَلِكَ الْمَلَكَ مُوَكَّلًا عَلَى آدَمَ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْ تِلْكَ الشَّجَرَةِ، فَلَمَّا قَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ آدَمَ يَأْكُلُ مِنْ تِلْكَ الشَّجَرَةِ غَابَ عَنْهُ ذَلِكَ الْمَلَكُ فَنَظَرَ اللَّهُ تَعَالَى إلَى ذَلِكَ الْمَلَكِ بِالْهَيْبَةِ فَصَارَ جَوْهَرًا؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ: «الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَهُ يَدٌ وَلِسَانٌ وَأُذُنٌ وَعَيْنٌ» لِأَنَّهُ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ مَلَكًا. وَرَأَيْت فِي تَرْجَمَةِ الشَّيْخِ كَمَالِ الدِّينِ الْإِخْمِيمِيِّ: أَنَّهُ لَمَّا جَاوَزَ بِمَكَّةَ رَأَى الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَقَدْ خَرَجَ مِنْ مَكَانِهِ فَصَارَ لَهُ يَدَانِ وَرَجُلَانِ وَوَجْهٌ وَمَشَى سَاعَةً ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَكَانِهِ. وَقَدْ جَاءَ: «أَكْثِرُوا مِنْ اسْتِلَامِ هَذَا الْحَجَرِ فَإِنَّكُمْ تُوشِكُونَ أَنْ تَفْقِدُوهُ، بَيْنَمَا النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ ذَاتَ لَيْلَةٍ إذْ أَصْبَحُوا وَقَدْ فَقَدُوهُ» حَتَّى إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُنَزِّلُ شَيْئًا مِنْ الْجَنَّةِ فِي الْأَرْضِ إلَّا أَعَادَهُ فِيهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَدْ جَاءَ: «لَيْسَ فِي الْأَرْضِ مِنْ الْجَنَّةِ إلَّا الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ وَالْمَقَامُ، فَإِنَّهُمَا جَوْهَرَتَانِ مِنْ جَوَاهِرِ الْجَنَّةِ مَا مَسَّهُمَا ذُو عَاهَةٍ إلَّا شَفَاهُ اللَّهُ» وَعِبَارَةُ الرَّحْمَانِيُّ: تَنْبِيهٌ: خَمْسَةُ أَشْيَاءَ خَرَجَتْ مِنْ الْجَنَّةِ مَعَ آدَمَ: عُودُ الْبَخُورِ، وَعَصَا مُوسَى مِنْ شَجَرِ الْآسِ، وَأَوْرَاقُ التِّينِ الَّتِي كَانَ يَسْتَتِرُ بِهَا آدَم، وَالْحَجَرُ الْأَسْوَدُ، وَخَاتَمُ سُلَيْمَانَ.
قَالَ شَيْخُنَا أج:
وَآدَمُ مَعَهُ أُهْبِطَ الْعُودُ وَالْعَصَا ... لِمُوسَى مِنْ الْآسِ النَّبَاتِ الْمُكَرَّمِ
وَأَوْرَاقِ تِينٍ وَالْيَمِينُ بِمَكَّةَ ... وَخَتْمُ سُلَيْمَانَ النَّبِيِّ الْمُعَظَّمِ
زَادَ شَيْخُنَا: الْحَجَرُ الَّذِي رَبَطَهُ نَبِيُّنَا عَلَى بَطْنِهِ وَمَقَامَ إبْرَاهِيمَ، وَهُوَ الْحَجَرُ الَّذِي كَانَ يَقِفُ عَلَيْهِ لِبِنَاءِ الْبَيْتِ فَيَرْتَفِعُ بِهِ حَتَّى يَضَعَ الْحَجَرَ وَيَهْبِطَ حَتَّى يَتَنَاوَلَهُ مِنْ إسْمَاعِيلَ وَفِيهِ أَثَرُ قَدَمَيْهِ، نَادَى عَلَيْهِ: أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ بَنَى لَكُمْ بَيْتًا فَحُجُّوهُ، فَأَجَابَتْهُ النُّطَفُ وَالْأَجِنَّةُ بِلَبَّيْكَ، أَوْ عَلَى الْحَجُونِ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْجِيمِ جَبَلٌ بِمُعَلَّاةِ مَكَّةَ، وَجُمِعَ بِتَعَدُّدِ النِّدَاءِ. وَمِنْ آيَاتِهِ الْبَاهِرَةِ بَقَاؤُهُ مَعَ كَثْرَةِ الْمُعَانِدِينَ جَاهِلِيَّةً وَإِسْلَامًا عَلَى حَالِهِ وَمَعَ كَثْرَةِ السُّيُولِ الْمُحَرِّكَةِ لِأَكْبَرَ مِنْهُ، وَقِيلَ: إنَّهُ كَانَ مُلَاصِقًا الْبَيْتَ فَرَدَّهُ عُمَرُ بِاجْتِهَادِهِ؛ وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ. اهـ. حَجّ.
قَوْلُهُ: (مُحَاذِيًا لَهُ أَوْ لِجُزْئِهِ) أَيْ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ شِقُّهُ الْأَيْسَرُ أَيْ جَمِيعُهُ؛ فَلَوْ تَقَدَّمَ جُزْءٌ مِنْ شِقِّهِ الْأَيْسَرِ عَلَى الْحَجَرِ لَمْ يَكْفِ، فَقَوْلُهُ " أَوْ جُزْئِهِ " أَيْ بِأَنْ كَانَ نَحِيفًا وَحَاذَى بِجَمِيعِ بَدَنِهِ بَعْضَ الْحَجَرِ كَمَا فِي ز ي. وَقَالَ ع ش فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى م ر: وَالْمُرَادُ بِالشِّقِّ الْأَيْسَرِ أَعْلَاهُ الْمُحَاذِي لِلصَّدْرِ وَهُوَ الْمَنْكِبُ، فَلَوْ انْحَرَفَ عَنْهُ بِهَذَا أَوْ حَاذَاهُ بِمَا تَحْتَهُ مِنْ

(2/438)


انْتَهَى إلَيْهِ ابْتَدَأَ مِنْهُ، وَلَوْ أُزِيلَ الْحَجَرُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَجَبَ مُحَاذَاةُ مَحَلِّهِ، وَلَوْ مَشَى عَلَى الشَّاذَرْوَانِ الْخَارِجِ عَنْ عَرْضِ جِدَارِ الْبَيْتِ أَوْ مَسِّ الْجِدَارِ فِي مُوَازَاتِهِ أَوْ دَخَلَ مِنْ إحْدَى فَتْحَتَيْ الْحَجَرِ الْمَحُوطِ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيِّينَ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ. وَالْخَامِسُ كَوْنِهِ سَبْعًا. وَالسَّادِسُ كَوْنُهُ فِي الْمَسْجِدِ. وَالسَّابِعُ نِيَّةُ الطَّوَافِ إنْ اسْتَقَلَّ بِأَنْ لَمْ يَشْمَلْهُ نُسُكٌ وَالثَّامِنُ عَدَمُ صَرْفِهِ لِغَيْرِهِ كَطَلَبِ غَرِيمٍ.

وَسُنَنُهُ أَنْ يَمْشِيَ فِي كُلِّهِ إلَّا لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ وَأَنْ يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ أَوَّلَ طَوَافِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
الشِّقِّ الْأَيْسَرِ لَمْ يَكْفِ؛ شَرْحِ حَجّ بِحُرُوفِهِ قَوْلُهُ: (وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى) أَيْ مِنْ الْحَيَاةِ إلَى زَمَنِ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَهُوَ وَاقِعٌ قَطْعًا فَلَا تُفِيدُ الِاسْتِعَاذَةُ مِنْهُ قَوْلُهُ: (الْخَارِجِ) تَفْسِيرٌ لِلشَّاذَرْوَانِ بِفَتْحِ الذَّالِ: وَهُوَ مُرْتَفَعٌ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ قَدْرَ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ، تَرَكَتْهُ قُرَيْشٌ مِنْ عَرْضِ الْأَسَاسِ عِنْدَ بِنَائِهِمْ لِضِيقِ النَّفَقَةِ م ر؛ أَيْ لِقِلَّةِ الدَّرَاهِمِ الْحَلَالُ الَّتِي يَصْرِفُونَهَا فِي الْبِنَاءِ. وَعِبَارَةُ ق ل: وَالشَّاذَرْوَانُ هُوَ الَّذِي فِي وُجْهَة الْبَابِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ حَادِثٌ فَلَا يَضُرُّ الْمَشْيُ عَلَيْهِ، وَيُسَمَّى تَأْزِيرًا لِأَنَّهُ كَالْإِزَارِ لِلْبَيْتِ. اهـ. مِصْبَاحٌ قَوْلُهُ: (أَوْ مَسِّ الْجِدَارِ) أَيْ أَوْ مَسِّ الْجِدَارِ الْكَائِنِ فِي مُوَازَاةِ الشَّاذَرْوَانِ كَمَا فِي م ر، أَيْ فِي مُحَاذَاتِهِ؛ بِخِلَافِ مَا فِي الْحَاشِيَةِ مِنْ قَوْلِهِ " أَيْ مُرُورِهِ ".
قَوْلُهُ: (فَتَحْتِي الْحِجْرِ إلَخْ) وَهُوَ بِكَسْرِ الْحَاءِ: عَرْصَةٌ مُرَخَّمَةٌ عَلَيْهَا جِدَارٌ عَلَى صُورَةِ نِصْفِ دَائِرَةٍ. وَأَوَّلُ مَنْ رَخَّمَهُ الْمَنْصُورُ الْعَبَّاسِيُّ فِي سَنَةِ أَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ ثُمَّ جُدِّدَ بَعْدَهُ مِرَارًا. رُوِيَ «عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: وَكُنْت أُحِبُّ أَنْ أَدْخَلَ الْبَيْتَ فَأُصَلِّي فِيهِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدَيْ فَأَدْخَلَنِي الْحِجْرَ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلِّ فِيهِ: إنْ أَرَدْت دُخُولَ الْبَيْتِ فَإِنَّمَا هُوَ قِطْعَةٌ مِنْ الْبَيْتِ» وَالصَّحِيحُ أَنَّ الَّذِي فِيهِ مِنْ الْبَيْتِ سِتَّةَ أَذْرُعٍ كَمَا فِي حَدِيثٍ آخَرَ عَنْهَا أَيْضًا.
وَأَخْرَجَ الْحَسَنُ «إنَّ إسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شَكَا إلَى رَبِّهِ حَرَّ مَكَّةَ، فَأَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ أَنْ افْتَحْ لَك بَابًا مِنْ الْجَنَّةِ فِي الْحِجْرِ يَخْرُجُ عَلَيْك الرَّوْحُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَالرَّوْحُ بِالْفَتْحِ نَسِيمُ الرِّيحِ. وَمِنْ فَضَائِلِهِ أَنَّ فِيهِ قَبْرَ إسْمَاعِيلَ وَأُمِّهِ هَاجَرَ وَقَبْرُهُ الْبَلَاطَةُ الْخَضْرَاءُ قَوْلُهُ: (الشَّامِيِّينَ) فِيهِ تَغْلِيبٌ وَإِلَّا فَأَحَدُهُمَا عِرَاقِيٌّ قَوْلُهُ: (لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ) أَيْ بَعْضُهُ.
قَوْلُهُ: (كَوْنُهُ فِي الْمَسْجِدِ) زَادَ فِي الْمَنْهَجِ: وَإِنْ وَسِعَ. قَالَ ز ي: دَخَلَ فِي عُمُومِ كَلَامِهِ مَسْأَلَةٌ تُذْكَرُ عَلَى سَبِيلِ الِامْتِحَانِ وَالْفَرْضِ، وَهُوَ أَنَّ الْمَسْجِدَ لَوْ وُسِّعَ حَتَّى انْتَهَى إلَى الْحِلِّ وَطَافَ فِي الْحَاشِيَةِ الَّتِي مِنْ الْحِلِّ صَحَّ فِيهَا نَظَرٌ. اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الصِّحَّةِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْحَرَمِ مَعَ الْمَسْجِدِ، فَقَوْلُهُ " وَإِنْ وُسِّعَ " أَيْ وَلَمْ يَخْرُجْ إلَى الْحِلِّ. وَأَوَّلُ مَنْ وَسَّعَ الْمَسْجِدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاِتَّخَذَ لَهُ جِدَارًا، ثُمَّ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِدُورٍ اشْتَرَاهَا وَزَادَهَا فِيهِ، وَاِتَّخَذَ لَهُ جِدَارًا دُونَ الْقَامَةِ، ثُمَّ وَسَّعَهُ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاِتَّخَذَ لَهُ الْأَرْوِقَةَ، ثُمَّ وَسَّعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ثُمَّ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثُمَّ الْمَنْصُورُ ثُمَّ الْمَهْدِيُّ، وَعَلَيْهِ اسْتَقَرَّ بِنَاؤُهُ إلَى وَقْتِنَا؛ كَذَا فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا. وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ وَسَّعَهُ قَبْلَ وَلَدِهِ وَبِأَنَّ الْمَأْمُونَ زَادَ بَعْدَ الْمَهْدِيِّ، شَرْحُ م ر. تَنْبِيهٌ: هَلْ يَصِحُّ الطَّوَافُ فِي الْهَوَاءِ حَوْلَ الْبَيْتِ أَوْ لَا يَصِحُّ كَمَا فِي الْوُقُوفِ؟ رَاجَعَهُ ق ل. وَذَكَرَ الْعَنَانِيُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، اهـ م د عَلَى التَّحْرِيرِ
قَوْلُهُ: (بِأَنْ لَمْ يَشْمَلْهُ نُسُكٌ) أَمَّا لَوْ شَمَلَهُ نُسُكٌ بِأَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ دُخُولِ مَكَّةَ أَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْحِلِّ فَلَا يَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ؛ لِأَنَّ النُّسُكَ يَشْمَلُهُ. وَأَمَّا طَوَافُ الْوَدَاعِ فَيَنْوِيهِ لِأَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ قَوْلُهُ: (عَدَمُ صَرْفِهِ لِغَيْرِهِ) أَيْ فَقَطْ ح ل فَلَا يَضُرُّ التَّشْرِيكُ.
وَقَدْ نَظَّمَ م د وَاجِبَاتِ الطَّوَافِ بِقَوْلِهِ:
وَاجِبَاتُ الطَّوَافِ سِتْرٌ وَطُهْرٌ ... جَعْلُهُ الْبَيْتَ يَا فَتَى عَنْ يَسَارِ
فِي مُرُورٍ تِلْقَاءَ وَجْهٍ وَبِالْأَسْوَدِ ... يَبْدَا مُحَاذِيًا وَهُوَ سَارِي
مَعَ سَبْعٍ بِمَسْجِدٍ ثُمَّ قَصْدٍ ... لِطَوَافٍ فِي النُّسُكِ لَيْسَ بِجَارِي

(2/439)


وَأَنْ يُقَبِّلَهُ وَيَسْجُدَ عَلَيْهِ وَيَفْعَلَ بِمَحَلِّهِ إذَا أُزِيلَ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى كَذَلِكَ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ التَّقْبِيلِ اسْتَلَمَ بِيَدِهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ اسْتِلَامِهِ أَشَارَ إلَيْهِ. وَيُرَاعِي ذَلِكَ الِاسْتِلَامُ وَمَا بَعْدَهُ فِي كُلِّ طَوْفَةٍ، وَلَا يُسَنُّ تَقْبِيلُ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيِّينَ وَلَا اسْتِلَامُهُمَا، وَيُسَنُّ اسْتِلَامُ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَلَا يُسَنُّ تَقْبِيلُهُ، وَلِلطَّوَافِ سُنَنٌ أُخَرُ وَأَدْعِيَةٌ ذَكَرْتهَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَغَيْرِهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
فَقَدْ صَرَفَ لِغَيْرِهِ ذِي ثَمَانٍ ... قَدْ حَكَى نَظْمَهَا نَظَّامُ الدَّرَارِي
قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ) أَيْ كُلٌّ مِنْ الرَّجُلِ وَغَيْرِهِ. وَإِنَّمَا تُسَنُّ الثَّلَاثَةُ لِلْمَرْأَةِ إذَا خَلَا الْمَطَافُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، وَإِنْ خَصَّهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِاللَّيْلِ وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ؛ مَنْهَجٌ. وَقَدْ ثَبَتَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبَّلَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ، وَثَبَتَ أَنَّهُ اسْتَلَمَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ قَبَّلَهَا، وَثَبَتَ أَنَّهُ اسْتَلَمَهُ بِمِحْجَنِهِ فَقِيلَ الْمِحْجَنُ» وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبَّلَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ وَلَا قَبَّلَ يَدَهُ حِينَ اسْتَلَمَهُ. وَرَوَى إمَامُنَا الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ: «اسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَجَرَ فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ وَضَعَ شَفَتَيْهِ عَلَيْهِ طَوِيلًا: وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، وَقَالَ بَيْنَهُمَا أَيْ بَيْنَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَالْحَجَرِ: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً} [البقرة: 201] » إلَخْ. وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ مِنْ الْأَذْكَارِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ حَوْلَ الْكَعْبَةِ، وَلَمْ يَسْتَلِمْ الرُّكْنَيْنِ الْمُقَابِلِينَ لِلْحَجَرِ أَيْ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا عَلَى قَوَاعِدِ سَيِّدِنَا إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «إنَّك رَجُلٌ قَوِيٌّ لَا تُزَاحِمْ عَلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ تُؤْذِي الضَّعِيفَ، إنْ وَجَدَتْ خَلْوَةً فَاسْتَقْبِلْهُ وَهَلِّلْ وَكَبِّرْ» . وَأَخَذَ مِنْهُ بَعْضُ فُقَهَائِنَا أَنَّ مَنْ شُقَّ عَلَيْهِ اسْتِلَامُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ سُنَّ لَهُ أَنْ يُهَلَّلَ وَيُكَبِّرَ، ذَكَرَهُ ح ل فِي السِّيرَةِ.
قَوْلُهُ: (وَأَنْ يُقَبِّلَهُ) قَالَ ز ي: وَيَلْزَمُ مَنْ قَبَّلَ الْحَجَرَ أَنْ يُقِرَّ قَدَمَيْهِ فِي مَحَلٍّ حَتَّى يَعْتَدِلَ قَائِمًا، فَإِنْ مَسَّ بِرَأْسِهِ حَالَ التَّقْبِيلِ جُزْءًا مِنْ الْبَيْتِ أَعَادَهُ؛ وَبِهِ يُقَاسُ مَنْ يَسْتَلِمُهُ، وَيَسْتَلِمُ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ أَيْضًا اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُخَفِّفَ الْقُبْلَةَ لِلْحَجَرِ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَهُ فِي ذَلِكَ مَا طَلَبَ تَقْبِيلَهُ مِنْ يَدِ عَالِمٍ وَوَلِيٌّ وَوَالِدٌ وَأَضْرِحَةٍ. تَنْبِيهٌ: قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ يُسَنَّ تَقْبِيلُ يَدِ الصَّالِحِ بَلْ وَرِجْلُهُ، فَلَوْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ فَهَلْ يَأْتِي فِيهِ مَا يُمْكِنُ مِنْ نَظِيرِ مَا هُنَا حَتَّى يَسْتَلِمَ الْيَدَ أَوْ الرِّجْلَ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ تَقْبِيلِهَا ثُمَّ يُقَبِّلُ مَا اسْتَلَمَ بِهِ وَحَتَّى يُشِيرَ إلَيْهَا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ اسْتِلَامِهَا أَيْضًا ثُمَّ يُقَبِّلُ مَا أَشَارَ بِهِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، سم عَلَى حَجّ. أَقُولُ: الْأَقْرَبُ عَدَمُ سَنِّ ذَلِكَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ أَعْمَالَ الْحَجِّ يَغْلِبُ عَلَيْهَا الِاتِّبَاعُ فِي طَلَبِ مَا وَرَدَ فِعْلُهُ عَنْ الشَّارِعِ وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِغَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ، وَلَا كَذَلِكَ يَدُ الصَّالِحِ فَإِنَّ تَقْبِيلَهَا شُرِعَ تَعْظِيمًا لَهُ وَتَبَرُّكًا بِهَا فَلَا يَتَعَدَّاهَا إلَى غَيْرِهَا ع ش عَلَى م ر. فَائِدَةٌ: اسْتَنْبَطَ بَعْضُهُمْ مِنْ تَقْبِيلِ الْحَجَرِ تَقْبِيلَ الْمُصْحَفِ وَالْقَبْرِ النَّبَوِيِّ وَالْقُبُورِ الشَّرِيفَةِ وَقُبُورِ الصُّلَحَاءِ، وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ ابْنُ أَبِي الصَّيْفِ الْيَمَنِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (وَيَسْجُدُ عَلَيْهِ) أَيْ يَضَعُ جَبْهَتَهُ عَلَيْهِ بِقَصْدِ التَّعْظِيمِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَجَزَ عَنْ التَّقْبِيلِ) عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْأَخِيرَيْنِ أَوْ الْأَخِيرِ اسْتَلَمَ بِلَا تَقْبِيلٍ فِي الْأُولَى وَبِهِ فِي الثَّانِيَةِ.
قَوْلُهُ: (أَشَارَ إلَيْهِ بِيَدِهِ) أَيْ الْيُمْنَى، فَإِنْ عَجَزَ فَبِالْيُسْرَى.
قَوْلُهُ: (وَيُرَاعِي ذَلِكَ الِاسْتِلَامَ) كَالتَّقْبِيلِ وَالسُّجُودِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُسَنُّ تَقْبِيلُ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيِّينَ) قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِ الْأَرْكَانِ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ أَنَّ رُكْنَ الْحَجَرِ فِيهِ فَضِيلَتَانِ: كَوْنُ الْحَجَرِ فِيهِ، وَكَوْنُهُ عَلَى قَوَاعِدِ أَبِينَا إبْرَاهِيمَ؛ وَالْيَمَانِيُّ فِيهِ فَضِيلَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ كَوْنُهُ عَلَى قَوَاعِدِ أَبِينَا إبْرَاهِيمَ، وَأَمَّا الشَّامِيَّانِ فَلَيْسَ لَهُمَا شَيْءٌ مِنْ الْفَضِيلَتَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ اسْتِلَامُ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ) وَمِمَّا وَرَدَ فِي فَضْلِ الْيَمَانِيِّ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا مَرَرْت بِالرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ إلَّا وَعِنْدَهُ مَلَكٍ يُنَادِي آمِينَ آمِينَ فَإِذَا مَرَرْتُمْ بِهِ فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وُكِّلَ بِالرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ سَبْعُونَ مَلَكًا، مَنْ قَالَ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً قَالُوا آمِينَ» . قَالَ الْعِزُّ بْنُ جَمَاعَةَ: وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ إذْ يَحْتَمِلُ أَنَّ السَّبْعِينَ مُوَكَّلُونَ بِهِ لَمْ يُكَلَّفُوا التَّأْمِينَ، وَإِنَّمَا يُؤَمِّنُونَ

(2/440)


التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ: وَاجِبَاتُ السَّعْيِ ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ يَبْدَأُ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ. وَالثَّانِي أَنْ يَسْعَى سَبْعًا ذَهَابُهُ مِنْ الصَّفَّا إلَى الْمَرْوَةِ مَرَّةً وَعَوْدُهُ مِنْهَا إلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَسْعَى بَعْدَ طَوَافِ رُكْنٍ أَوْ قُدُومٍ بِحَيْثُ لَا يَتَخَلَّلُ بَيْنَ السَّعْيِ وَطَوَافِ الْقُدُومِ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، وَمَنْ سَعَى بَعْدَ طَوَافِ قُدُومٍ لَمْ تُسَنُّ لَهُ إعَادَتُهُ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَلَهُ سُنَنٌ ذَكَرْتهَا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ.

التَّنْبِيهُ الرَّابِعُ: وَاجِبُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ حُضُورُهُ بِجُزْءٍ مِنْ أَرْضِهَا وَإِنْ كَانَ مَارًّا فِي طَلَبِ آبِقٍ بِشَرْطِ كَوْنِهِ مُحْرِمًا أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ لَا مُغْمًى عَلَيْهِ جَمِيعُ وَقْتِ الْوُقُوفِ وَلَا بَأْسَ بِالنَّوْمِ، وَوَقْتُ الْوُقُوفِ مِنْ وَقْتِ زَوَالِ الشَّمْسِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلَى فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَلَوْ وَقَفُوا الْيَوْمَ الْعَاشِرَ غَلَطًا وَلَمْ يَقِلُّوا عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ أَجْزَأَهُمْ وُقُوفُهُمْ، فَإِنْ قَلُّوا عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ وَجَبَ الْقَضَاءُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
عِنْدَ سَمَاعِ الدُّعَاءِ وَالْمَلَكُ كُلِّفَ قَوْلَ آمِينَ؛ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ عِنْدَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَالرُّكْنُ الْأَسْوَدُ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَمَا مِنْ أَحَدٍ يَدْعُو عِنْدَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ إلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ وَكَذَلِكَ عِنْدَ الْمِيزَابِ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا بَيْنَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ» وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ: «قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُكْثِرُ مِنْ اسْتِلَامِ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ: قَالَ: مَا أَتَيْت عَلَيْهِ قَطُّ إلَّا وَجِبْرِيلُ قَائِمٌ عِنْدَهُ يَسْتَغْفِرُ لِمَنْ يَسْتَلِمُهُ» وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: " مَا مِنْ إنْسَانٍ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَيَدْعُو إلَّا اُسْتُجِيبَ لَهُ. وَإِنَّ بَيْنَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَالرُّكْنِ الْأَسْوَدِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ لَا يُفَارِقُونَهُ هُمْ هُنَالِكَ مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ الْبَيْتَ ". قَالَ م ر: وَالطَّوَافُ أَفْضَلُ أَعْمَالِ الْحَجِّ حَتَّى الْوُقُوفُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الزَّرْكَشِيّ بِأَنَّ أَفْضَلَهَا الْوُقُوفُ لِخَبَرِ: «الْحَجُّ عَرَفَةَ» وَلِهَذَا لَا يَفُوتُ الْحَجُّ إلَّا بِفَوَاتِهِ، وَلَمْ يَرِدْ غُفْرَانٌ فِي شَيْءٍ مَا وَرَدَ فِي الْوُقُوفِ، فَالصَّوَابُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ الْأَرْكَانِ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الطَّوَافَ أَفْضَلُ مِنْ حَيْثُ ذَاتِهِ لِأَنَّهُ مُشَبَّهٌ بِالصَّلَاةِ وَقُرْبَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، وَالْوُقُوفُ أَفْضَلُ مِنْ حَيْثُ كَوْنِ الْحَجِّ يَفُوتُ بِفَوَاتِهِ وَالطَّوَافُ لَا آخِرَ لِوَقْتِهِ. وَيُحْمَلُ كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى الْأَوَّلِ وَالزَّرْكَشِيِّ عَلَى الثَّانِي اهـ.
وَقَوْلُهُ " مُشَبَّهٌ بِالصَّلَاةِ " أَيْ وَلِذَا لَمْ تُشْتَرَطْ الطَّهَارَةُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ حَتَّى الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ إلَّا فِيهِ.

قَوْلُهُ: (بِالصَّفَا) بِالْقَصْرِ طَرَفُ جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ، وَالْمَرْوَةُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّفَا لِأَنَّ الصَّفَا وَسِيلَةٌ وَالْمَرْوَةُ مَقْصِدٌ وَالْمَقَاصِدُ أَفْضَلُ مِنْ الْوَسَائِلِ وَلِأَنَّهَا مُرُورُ الْحَاجِّ أَرْبَعُ مَرَّاتٍ وَالصَّفَا مُرُورُهُ ثَلَاثًا، أَيْ يَرْجِعُ إلَيْهَا ثَلَاثُ مَرَّاتٍ اهـ خ ض.
قَوْلُهُ: (بِحَيْثُ لَا يَتَخَلَّلُ) فَإِنْ تَخَلَّلَهُمَا الْوُقُوفُ امْتَنَعَ السَّعْيُ إلَّا بَعْدَ طَوَافِ الْفَرْضِ، فَيُمْتَنَعُ أَنْ يَسْعَى بَعْدَ طَوَافِ نَفْلِ مَعَ إمْكَانِهِ بَعْدَ طَوَافِ فَرْضِ مَنْهَجٍ. قَوْلُهُ (وَلَهُ سُنَنٌ) مِنْهَا الْمَشْيُ.

قَوْلُهُ: (بِجُزْءٍ مِنْ أَرْضِهَا) وَلَوْ كَانَ رَاكِبًا عَلَى دَابَّةٍ فِي أَرْضِهَا، بَلْ وُقُوفُهُ رَاكِبًا أَفْضَلُ أَوْ كَانَ عَائِمًا فِي الْمَاءِ فِي أَرْضِهَا أَوْ عَلَى شَجَرَةٍ بِعَرَفَةَ، بِخِلَافِ مَا إذَا رَكِبَ عَلَى طَيْرٍ طَائِرٍ فِي هَوَاءِ عَرَفَاتٍ أَوْ رَكِبَ عَلَى السَّحَابِ فَلَا يَكْفِي فَلَيْسَ لِهَوَائِهَا حُكْمُهَا، فَلَوْ طَارَ فِيهِ لَمْ يَجُزْهُ؛ وَكَذَلِكَ لَوْ سَعَى طَائِرًا أَوْ طَافَ طَائِرًا فَإِنَّهُ لَا يَعْتَدُّ بِهِمَا، عَنَانِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ مَارًّا فِي طَلَبِ آبِقٍ) وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا عَرَفَةُ وَعَلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ صَرَفَ الْوُقُوفَ إلَى غَيْرِهِ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ، بَلْ وَإِنْ نَفَاهُ فِيمَا يَظْهَرُ، فَرَاجَعَهُ ق ل. وَفَارَقَ مَا مَرَّ فِي الطَّوَافِ: بِأَنَّهُ قُرْبَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ أَشْبَهَتْ الصَّلَاةَ بِخِلَافِ الْوُقُوفِ. وَأَلْحَقَ السَّعْيَ وَالرَّمْيَ بِالطَّوَافِ لِأَنَّهُ عَهْدُ التَّطَوُّعِ بِنَظِيرِهِمَا، وَلَا كَذَلِكَ الْوُقُوفُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ كَالسَّعْيِ لِلْمَسَاجِدِ وَرَمْيِ الْعَدُوِّ بِالْأَحْجَارِ. قَالَ سم: وَقَدْ يَدُلُّ اقْتِصَارُهُ عَلَيْهِمَا عَلَى أَنَّ الْحَلْقَ كَالْوُقُوفِ فَلْيُرَاجَعْ.
قَوْلُهُ: (بِشَرْطِ كَوْنِهِ مُحَرَّمًا) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (غَلَطًا) أَيْ لِأَجْلِ الْغَلَطِ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى حَالَ كَوْنِهِمْ غَالِطِينَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَبَيَّنَ لَهُمْ أَثْنَاءَ الْوُقُوفِ أَنَّهُ الْعَاشِرُ لَا يَضُرُّ م د. وَفِيهِ أَنَّهُ إنْ تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْعَاشِرُ أَثْنَاءَ الْوُقُوفِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ حَالَ مُقَارَنَتِهِ لِلْوُقُوفِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ لَحْظَةٌ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنْ تَبَيَّنَ لَهُمْ الْغَلَطُ قَبْلَ الْوُقُوفِ أَوْ بَعْدَهُ لَا يَضُرُّ. وَعِبَارَةُ ق ل: قَوْلُهُ " غَلَطًا " أَيْ لِأَجْلِ الْغَلَطِ فِي الرُّؤْيَةِ وَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُمْ قَبْلَهُ أَوْ

(2/441)


وَوَاجِبَاتُ الْحَجِّ غَيْرُ الْأَرْكَانِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ بَلْ خَمْسَةُ كَمَا سَتَعْرِفُهُ، وَغَايَرَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْوَاجِبِ وَهُمَا مُتَرَادِفَانِ إلَّا فِي هَذَا الْبَابِ فَقَطْ، فَالْفَرْضُ مَا لَا تُوجَدُ مَاهِيَّةُ الْحَجِّ إلَّا بِهِ. وَالْوَاجِبُ مَا يُجْبَرُ تَرْكُهُ بِدَمٍ وَلَا يَتَوَقَّفُ وُجُودُ الْحَجِّ عَلَى فِعْلِهِ: الْأَوَّلُ (الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَلَوْ مِنْ آخِرِهِ وَالْأَفْضَلُ مِنْ أَوَّلِهِ) وَالْمِيقَاتُ فِي اللُّغَةِ الْحَدُّ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا زَمَنُ الْعِبَادَةِ وَمَكَانُهَا؛ فَالْمِيقَاتُ الزَّمَانِيُّ لِلْحَجِّ، شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرِ لَيَالٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، فَلَوْ أَحْرَمَ بِهِ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ انْعَقَدَ عُمْرَةً وَجَمِيعُ السَّنَةِ وَقْتٌ لِإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ، وَقَدْ يَمْتَنِعُ الْإِحْرَامُ بِهَا لِعَوَارِضَ: مِنْهَا مَا لَوْ كَانَ مُحْرِمًا بِحَجٍّ، فَإِنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَدْخُلُ عَلَيْهِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ نَفْرِهِ لِاشْتِغَالِهِ بِالرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ فَإِنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَدْخُلُ عَلَى أُخْرَى، وَأَمَّا الْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ لِلْحَجِّ فِي حَقِّ مَنْ بِمَكَّةَ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا أَمْ لَا نَفْسَ مَكَّةَ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَمِيقَاتُ الْمُتَوَجِّهِ مِنْ الْمَدِينَةِ ذُو الْحُلَيْفَةِ وَهِيَ عَلَى نَحْوِ عَشَرِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ، وَالْمُتَوَجِّهُ مِنْ الشَّامِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
بَعْدَهُ أَنَّهُ الْعَاشِرُ، وَيَجْرِي عَلَى الْعَاشِرِ جَمِيعُ أَحْكَامِ التَّاسِعِ مِنْ كَوْنِ مَا بَعْدَهُ يَوْمَ الْعِيدِ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْعِيدِ لِلتَّشْرِيقِ، وَحُرْمَةِ صَوْمِهَا وَجَوَازِ الْأُضْحِيَّةِ فِيهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَاقْتِصَارُهُ عَلَى الْعَاشِرِ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ لَوْ وَقَفُوا لَيْلَةَ الْحَادِيَ. عَشَرَ لَا يُجْزِئُ، وَالْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَهُ ز ي تَبَعًا لِلرَّمْلِيِّ الْإِجْزَاءُ لِأَنَّهَا مِنْ تَتِمَّةِ الْعَاشِرِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَقِلُّوا عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ إلَخْ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْغَلَطَ إنْ كَانَ فِي الْمَكَانِ وَجَبَ الْقَضَاءُ إنْ قَلُّوا أَوْ كَثُرُوا أَوْ فِي الزَّمَانِ، فَإِنْ وَقَفُوا فِي الْحَادِيَ عَشَرَ وَجَبَ الْقَضَاءُ أَوْ فِي الْعَاشِرِ وَكَانُوا قَلِيلًا كَذَلِكَ وَإِلَّا أَجْزَأَهُمْ الْوُقُوفُ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ فِي الثَّامِنِ وَعَلِمُوا الْخَطَأَ وَالْوَقْتُ بَاقٍ وَتَمَكَّنُوا مِنْ الْوُقُوفِ فِيهِ لَزِمَهُمْ وَإِلَّا وَجَبَ الْقَضَاءُ،. اهـ. رَحْمَانِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَوَاجِبَاتُ الْحَجِّ) وَأَمَّا وَاجِبَاتُ الْعُمْرَةِ فَشَيْئَانِ: الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَاجْتِنَابُ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ. قَوْلُهُ: (وَهُمَا مُتَرَادِفَانِ) الْأُولَى أَنَّ بَيْنَهُمَا الْعُمُومَ وَالْخُصُوصَ الْمُطْلَقَ، فَكُلُّ رُكْنٍ وَاجِبٌ وَلَيْسَ كُلُّ وَاجِبٍ رُكْنًا لِأَنَّ الْوَاجِبَ قَدْ لَا يَكُونُ رُكْنًا بِأَنْ يَكُونَ شَرْطًا.
قَوْلُهُ: (فَالْفَرْضُ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فَالرُّكْنُ لِأَنَّهُ الْمُتَقَدِّمُ.
قَوْلُهُ: (الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ) أَيْ كَوْنُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَإِلَّا فَهُوَ رُكْنٌ. وَأَصْلُهُ مِوْقَاتٌ قُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً لِوُقُوعِهَا إثْرَ كَسْرَةٍ.
قَوْلُهُ: (مِنْ أَوَّلِهِ) إلَّا ذَا الْحُلَيْفَةِ، فَالْإِحْرَامُ مِنْ مَسْجِدِهَا أَفْضَلُ.
قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ إطْلَاقَهُ عَلَى الْمَكَانِ مِنْ غَيْرِ تَوَسُّعٍ، وَقَوْلُ ح ل: الْمِيقَاتُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْوَقْتِ وَهُوَ الزَّمَانُ ثُمَّ أَطْلَقَ عَلَى الْمَكَانِ تَوَسُّعًا بِالنَّظَرِ لِأَصْلِ اللُّغَةِ، وَإِلَّا فَقَدْ صَارَتْ الْمَوَاقِيتُ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً فِي كُلٍّ مِنْ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْحِفْنِيُّ.
قَوْلُهُ: (شَوَّالٌ) سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْإِبِلَ كَانَتْ تَشُولُ أَذْنَابَهَا لِلسِّفَاحِ أَيْ نَطُّ الذُّكُورِ فِيهِ عَلَى الْإِنَاثِ فِي هَذَا الشَّهْرِ وَيُجْمَعُ عَلَى شَوَاوِيلَ وَشَوَّالَاتٍ. وَهُوَ الَّذِي عَقَدَ النَّبِيُّ فِيهِ عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَتَزَوَّجَ بِهَا فِيهِ، وَكَانَ يُسْتَحَبُّ عَقْدُ النِّكَاحِ فِيهِ. وَسُمِّيَ الْقَعْدَةُ لِقُعُودِهِمْ فِيهِ عَنْ الْقِتَالِ وَالْحِجَّةِ لِوُقُوعِ الْحَجِّ فِيهِ، وَجَمْعُهُمَا ذَوَاتُ الْقَعْدَةِ وَذَوَاتُ الْحِجَّةِ. اهـ. سُيُوطِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَعَشْرَ لَيَالٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ) وَهِيَ الْمُرَادَةُ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] فَغَلَبَ شَهْرَيْنِ عَلَى الْعَشَرَةِ وَسَمَّاهَا كُلَّهَا أَشْهُرًا اهـ.
قَوْلُهُ: (انْعَقَدَ عُمْرَةً) لِأَنَّ الْإِحْرَامَ شَدِيدُ التَّعَلُّقِ وَاللُّزُومِ. وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَلَبُّسٌ بِعِبَادَةٍ فَاسِدَةٍ بِوَجْهٍ، حَجّ ز ي.
قَوْلُهُ: (قَبْلَ نَفْرِهِ) فِيهِ أَنَّهُ دَاخِلٌ فَمَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُحْرِمٌ بِالْحَجِّ، وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ: قَوْلُهُ " قَبْلَ نَفْرِهِ " لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى أَنْ يَبْقَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِمَا قَبْلَ النَّفْرِ مَا قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِمِنًى.
قَوْلُهُ: (نَفْسُ مَكَّةَ) أَيْ فَيَنْدُبُ أَنْ يَغْتَسِلَ وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَذْهَبَ إلَى بَيْتِهِ إنْ كَانَ فَيُحْرِمُ مِنْهُ ق ل. قَوْلُهُ: (ذُو الْحُلَيْفَةِ) تَصْغِيرُ الْحَلْفَةِ بِفَتْحِ أَوَّلَيْهِ، وَاحِدَةُ الْحُلَفَاءِ نَبَاتٌ مَعْرُوفٌ، شَرْحُ حَجّ.
قَوْلُهُ: (عَشَرُ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ) أَيْ وَسِتَّةُ أَمْيَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ الْآنَ بِأَبْيَارِ عَلِيٍّ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ، أَيْ لِزَعْمِ الْعَامَّةِ أَنَّهُ قَاتَلَ الْجِنَّ فِيهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ق ل.
قَوْلُهُ: (مِنْ الشَّامِ) أَيْ الَّذِينَ لَا يَمُرُّونَ عَلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ وَهُمْ الْآنَ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا؛ وَلِذَا قَالَ ق ل: أَيْ فِيمَا كَانَ وَالْآنَ مِيقَاتُهُمْ مِيقَاتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ. وَهِيَ بِالْهَمْزِ وَتَرَكَهُ، سَمَّيْت بِذَلِكَ لِأَنَّ أَوَّلَ مَنْ سَكَنَهَا سَامُ بْنُ نُوحٍ،

(2/442)


وَمِنْ مِصْرَ وَمِنْ الْمَغْرِبِ الْجُحْفَةُ، وَهِيَ قَرْيَةٌ كَبِيرَةٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: عَلَى نَحْوِ ثَلَاثِ مَرَاحِلَ، مِنْ مَكَّةَ. وَمِيقَاتُ الْمُتَوَجِّهِ مِنْ تِهَامَةِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ، وَهُوَ مَوْضِعٌ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ. وَمِيقَاتُ الْمُتَوَجِّهِ مِنْ نَجْدِ الْيَمَنِ وَنَجْدِ الْحِجَازِ قَرْنٌ، وَهُوَ جَبَلٌ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ. وَمِيقَاتُ الْمُتَوَجِّهِ مِنْ الْمَشْرِقِ الْعِرَاقُ وَغَيْرُ ذَاتِ عِرْقٍ وَهِيَ قَرْيَةٌ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ. وَالْأَصْلُ فِي الْمَوَاقِيتِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ وَقَالَ هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
وَالْعَجَمُ تَقْلِبُ السِّينَ شِينًا أج. وَذَهَبَ النَّوَوِيُّ إلَى أَنَّهُ أَيْ الشَّامُ أَفْضَلُ مِنْ مِصْرَ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْحَشْرِ وَمَقَرُّ الْأَنْبِيَاءِ وَجَنَّةُ الدُّنْيَا. وَذَهَبَ غَيْرُهُ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْمِعْوَلُ إلَى تَفْضِيلِ مِصْرَ لِكَثْرَةِ ذِكْرِهَا فِي الْقُرْآنِ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِهِ، وَأَيْضًا قَدْ يُوجَدُ فِي الْمَفْضُولِ مَزَايَا لَا تُوجَدُ فِي الْفَاضِلِ.
فَائِدَةٌ: مَا اُشْتُهِرَ عَلَى الْأَلْسِنَةِ مِنْ أَنَّ أَسْمَاءَ الْبِلَادِ وَالْقَبَائِلِ يَجُوزُ تَذْكِيرُهَا عَلَى إرَادَةِ الْمَكَانِ وَالْحَيِّ وَتَأْنِيثُهَا عَلَى إرَادَةِ الْبُقْعَةِ: وَالْقَبِيلَةُ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمَذْكُورَةِ مَا لَمْ يُسْمَعْ فِيهِ إلَّا التَّذْكِيرُ فَيُتَعَيَّنُ صَرْفُهُ، وَمَا لَمْ يُسْمَعْ فِيهِ إلَّا التَّأْنِيثُ فَيُتَعَيَّنُ عَدَمُ صَرْفِهِ، وَمِنْهَا مَا سُمِعَ فِيهِ الْأَمْرَانِ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ فَيَئُولُ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ السَّابِقَيْنِ؛ وَمِنْ ثَمَّ تَرَاهُمْ كَثِيرًا يَخْتَلِفُونَ كَثِيرًا فِي أَسْمَاءَ هَلْ هِيَ مَصْرُوفَةٌ أَوْ لَا؟ فَلَوْ كَانَ الِاعْتِبَارَانِ جَارِيَيْنِ فِي كُلِّ اسْمٍ مِنْ ذَلِكَ لَمَا تَأَتَّى لَهُمْ الِاخْتِلَافُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا اط ف.
قَوْلُهُ: (وَمِنْ مِصْرَ) تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ، سَمَّيْت بِاسْمِ مَنْ سَكَنَهَا أَوَّلًا وَهُوَ مِصْرُ بْنُ بِيُصِر بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ ز ي. قَوْلُهُ: (الْجُحْفَةُ) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ السُّيُولَ أَجْحَفَتْهَا؛ وَهِيَ عَلَى سِتِّ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ، وَقَوْلُ الْمَجْمُوعِ عَلَى ثَلَاثَةٍ لَعَلَّهُ بِسَيْرِ الْبِغَالِ النَّفِيسَةِ شَرْحُ م ر. وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ الْآنَ بِرَابِغٍ كَمَا قَالَهُ ق ل وخ ض عَلَى التَّحْرِيرِ. وَفِي حَجّ أَنَّ رَابِغَ قَبْلَ الْجُحْفَةِ، وَإِحْرَامُهُمْ مِنْهَا لِانْبِهَامِ الْجُحْفَةِ عَلَى أَكْثَرِ الْحُجَّاجِ وَلِعَدَمِ مَاءٍ بِهَا يَغْتَسِلُونَ بِهِ لِلْإِحْرَامِ، تَأَمَّلْ. وَرَابِغُ الَّذِي يُحْرِمُ مِنْهُ الْآنَ الْحَاجُّ الْمِصْرِيُّ يُحَاذِيهَا وَصَحَّ الْإِحْرَامُ مِنْهُ لِمُحَاذَاتِهِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ عَلَى نَحْوِ ثَلَاثٍ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَالْمَعْرُوفُ الْمُشَاهَدُ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهَا عَلَى خَمْسِينَ فَرْسَخًا مِنْهَا وَهِيَ الْآنَ خَرَابٌ اهـ. أَيْ فَتَكُونُ عَلَى سِتَّةِ مَرَاحِلَ وَرُبُعُ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَرْحَلَةٍ ثَمَانِيَةُ فَرَاسِخَ. اهـ. سم. وَلَعَلَّ مَنْ عَبَّرَ بِالثَّلَاثِ أَرَادَ سَيْرَ الْبِغَالِ بِسُرْعَةٍ وَمَنْ عَبَّرَ بِخَمْسِينَ فَرْسَخًا أَرَادَ سَيْرَ الْإِبِلِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا مُنَافَاةَ.
قَوْلُهُ: (مِنْ تِهَامَةَ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ) وَيُقَالُ أَلَمْلَمُ، وَهُوَ أَصْلُهُ، قُلِبَتْ الْهَمْزَةُ يَاءً. وَيُقَالُ أَيْضًا يَرَمْرَمُ بِرَاءَيْنِ أج. وَلِبَعْضِهِمْ. قَرْنُ يَلَمْلَمَ ذَاتُ عِرْقٍ كُلُّهَا فِي الْبُعْدِ مَرْحَلَتَانِ مِنْ أُمِّ الْقُرَى وَلِذِي الْحُلَيْفَةِ بِالْمَرَاحِلِ عَشَرَةٌ وَبِهَا لِجُحْفَةَ سِتَّةٌ فَأَخْبِرْ تَرَى قَوْلُهُ: (قَرْنٌ) بِسُكُونِ الرَّاءِ، وَيُقَالُ قَرْنُ الْمَنَازِلِ كَمَا يَأْتِي.
قَوْلُهُ: (الْعِرَاقِ) بِالْجَرِّ بَدَلٌ.
قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ فِي الْمَوَاقِيتِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي ذَكَرَهُ لَيْسَ فِيهِ جَمِيعُ الْمَوَاقِيتِ، فَلَوْ ذَكَرَ الرِّوَايَةَ الَّتِي فِيهَا مِصْرُ وَالْمَغْرِبُ وَالْمَشْرِقُ لَوَفَى بِالْمُرَادِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ بَعْدَ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ: وَرَوَى الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبَ الْجُحْفَةَ» . وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ» .
قَوْلُهُ: (وَلِأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ الْجُحْفَةَ) لَمْ يَذْكُرْ أَهْلَ الْمَغْرِبِ. لِأَنَّهُمْ مُلْحَقُونَ بِأَهْلِ مِصْرَ لِسَفَرِهِمْ مِنْهَا، فَهُمْ يَمُرُّونَ عَلَى مِيقَاتِهَا كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ: «وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ» .
قَوْلُهُ: (هُنَّ) أَيْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتُ، وَقَوْلُهُ " لَهُنَّ " أَيْ لِهَذِهِ النَّوَاحِي أَيْ لِأَهْلِهَا، فَهُوَ عَلَى

(2/443)


الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ» . فَائِدَةٌ: قَالَ بَعْضُهُمْ: سَأَلْت الْإِمَامَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ فِي أَيِّ سَنَةٍ أَقَّتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَوَاقِيتَ الْإِحْرَامِ؟ فَقَالَ: سُنَّةُ عَامَ حَجَّ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا لَا تَنْتَهِي إلَى مِيقَاتٍ أَحْرَمَ مِنْ مُحَاذَاتِهِ، فَإِنْ حَاذَى مِيقَاتَيْنِ أَحْرَمَ مِنْ مُحَاذَاةِ أَقْرَبِهِمَا إلَيْهِ، فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ إلَيْهِ أَحْرَمَ مِنْ مُحَاذَاةِ أَبْعَدِهِمَا مِنْ مَكَّةَ، وَإِنْ لَمْ يُحَاذِ مِيقَاتًا أَحْرَمَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ، وَمَنْ مَسْكَنُهُ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمِيقَاتِ فَمِيقَاتُهُ مَسْكَنُهُ وَمَنْ جَاوَزَ مِيقَاتًا غَيْرَ مُرِيدٍ نُسُكًا ثُمَّ أَرَادَهُ فَمِيقَاتُهُ مَوْضِعُهُ، وَمَنْ وَصَلَ إلَيْهِ مُرِيدًا نُسُكًا لَمْ تَجُزْ مُجَاوَزَتُهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنْ جَاوَزَهُ لَزِمَهُ الْعَوْدُ لِيُحْرِمَ مِنْهُ إلَّا إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ أَوْ كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا، فَإِنْ لَمْ يَعُدْ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ لَزِمَهُ دَمٌ، وَإِنْ أَحْرَمَ ثُمَّ عَادَ قَبْلَ تَلَبُّسِهِ بِنُسُكٍ سَقَطَ الدَّمُ عَنْهُ وَإِلَّا فَلَا. وَمِيقَاتُ الْعُمْرَةِ الْمَكَانِيِّ لِمَنْ هُوَ خَارِجُ الْحَرَمِ مِيقَاتُ الْحَجِّ، وَمَنْ بِالْحَرَمِ يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ إلَى أَدْنَى الْحِلِّ وَلَوْ بِأَقَلَّ مِنْ خُطْوَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ وَأَتَى بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ أَجْزَأَهُ فِي الْأَظْهَرِ وَلَكِنْ عَلَيْهِ دَمٌ، فَلَوْ خَرَجَ إلَى أَدْنَى الْحِلِّ بَعْدَ إحْرَامِهِ وَقَبْلَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ، وَأَفْضَلُ بِقَاعِ الْحِلِّ الْجِعْرَانَةُ ثُمَّ التَّنْعِيمُ ثُمَّ الْحُدَيْبِيَةُ.

(وَ) الْوَاجِبُ الثَّانِي (رَمْيُ الْجِمَارِ الثَّلَاثِ) كُلَّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثِ، وَيَدْخُلُ رَمْيُ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِزَوَالِ شَمْسِهِ، وَيَخْرُجُ وَقْتُ اخْتِيَارِهِ بِغُرُوبِهَا، وَأَمَّا وَقْتُ جَوَازِهِ فَإِلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَإِنْ نَفَرَ وَلَوْ انْفَصَلَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
حَذْفِ مُضَافٍ، وَالْقَرِينَةُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَقَّتَ لِأَهْلِ إلَخْ. أَنَّثَهُ لِمُشَاكَلَةِ مَا قَبْلَهُ. وَلِأَبِي دَاوُد: " هُنَّ لَهُمْ " وَهُوَ الْوَجْهُ، قَالَهُ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ؛ إطْفِيحِيٌّ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ) مَحَلُّهُ فِي الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ كَمَا هُوَ الْفَرْضُ؛ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّ مَكَانَ الْعُمْرَةِ لِمَنْ يُحْرِمُ الْخُرُوجُ لِأَدْنَى الْحِلِّ. " وَأَهْلُ " بِالرَّفْعِ مُبْتَدَأٌ، " وَمِنْ مَكَّةَ " خَبَرُهُ، وَالتَّقْدِيرُ: يُحْرِمُونَ مِنْ مَكَّةَ، فَفِي الْحَقِيقَةِ الْخَبَرُ مُتَعَلِّقُ الْجَارِ وَالْمَجْرُورِ، " وَحَتَّى " ابْتِدَائِيَّةٌ.
قَوْلُهُ: (سَنَةَ عَامٍ) الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ. وَعِبَارَةُ الْمَرْحُومِيِّ " سَنَّهُ " بِسِينِ مُهْمَلِهِ وَنُونٍ مُشَدَّدَةٍ وَهَاءٍ مَضْمُومَةٍ. قَالَ ابْنُ الْجَوَالِيقِيِّ: وَلَا تُفَرِّقُ عَوَامُّ النَّاسِ بَيْنَ الْعَامِ وَالسَّنَةِ وَيَجْعَلُونَهُ بِمَعْنًى، وَالصَّوَابُ أَنَّ السَّنَةَ مِنْ أَيِّ يَوْمٍ عَدَدْته إلَى مِثْلِهِ وَالْعَامُ لَا يَكُونُ إلَّا شِتَاءً وَصَيْفًا. وَفِي التَّهْذِيبِ وَالْبَارِعِ أَيْضًا: الْعَامُ حَوْلٌ يَأْتِي عَلَى شَتْوَةٍ وَصَيْفٍ، وَعَلَى هَذَا فَكُلُّ عَامٍ سَنَةٌ وَلَا عَكْسَ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ حَاذَى مِيقَاتَيْنِ) بِأَنْ كَانَ طَرِيقُهُ بَيْنَهُمَا وَالْمُرَادُ حَاذَاهُمَا مَعًا، فَإِنْ حَاذَاهُمَا عَلَى التَّرْتِيبِ أَحْرَمَ مِنْ أَوَّلِهِمَا. وَعِبَارَةُ م ر: أَوْ حَاذَى مِيقَاتَيْنِ عَلَى التَّرْتِيبِ أَحْرَمَ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ مَعًا أَحْرَمَ مِنْ أَقْرَبِهِمَا إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ أَبْعَدَ مِنْ مَكَّةَ بِأَنْ كَانَ فِي طَرِيقِهِ انْعِطَافٌ إذْ لَوْ كَانَ أَمَامَهُ مِيقَاتٌ فَإِنَّهُ مِيقَاتُهُ، وَإِنْ حَاذَى مِيقَاتًا أَبْعَدَ فَكَذَا مَا هُوَ بِقُرْبِهِ. قَوْلُهُ: (أَبْعَدِهِمَا مِنْ مَكَّةَ) أَيْ وَإِنْ حَاذَى الْأَقْرَبَ إلَيْهَا أَوَّلًا، كَأَنْ كَانَ الْأَبْعَدُ مُنْحَرِفًا أَوْ وَعْرًا شَرْحُ م ر.
قَوْلُهُ: (سَقَطَ الدَّمُ عَنْهُ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فَلَا دَمَ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي مَتْنِ الْمَنْهَجِ، وَقَالَ فِي شَرْحِهِ إنَّهُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ " سَقَطَ الدَّمُ " لِإِيهَامِهِ أَنَّهُ وَجَبَ ثُمَّ سَقَطَ، وَهُوَ وَجْهٌ مَرْجُوحٌ. وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ.
قَوْلُهُ: (وَأَفْضَلُ بِقَاعِ إلَخْ) أَيْ لِلْإِحْرَامِ مِنْهُ بِالْعُمْرَةِ.
قَوْلُهُ: (الْجِعْرَانَةُ) بِسُكُونِ الْعَيْنِ عَلَى الْأَفْصَحِ، وَقِيلَ بِكَسْرِهَا وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ؛ سُمِّيَتْ بِاسْمِ امْرَأَةٍ هُنَاكَ. وَالتَّنْعِيمُ اسْمٌ لِجَبَلٍ نَاعِمٍ.

قَوْلُهُ: (مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثِ) وَهِيَ الْمَعْدُودَاتُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] وَالْمَعْلُومَاتُ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28] هِيَ الْعَشْرُ الْأُوَلُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، شَرْحُ م ر.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ نَفَرَ إلَخْ) قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: نَفَرَتْ الدَّابَّةُ تَنْفُرُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا نِفَارًا وَنُفُورًا، وَيُقَالُ فِي الْحَجِيجِ: نَفَرَ يَنْفِرُ نَفْرًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ. وَالْمُرَادُ بِالنَّفْرِ التَّهَيُّؤُ لِحَمْلِ الْأَثْقَالِ مَعَ شَدِّ الرِّحَالِ، وَالْمَعْنَى: فَإِنْ تَهَيَّأَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي بَعْدَ رَمْيِهِ وَلَوْ لَمْ

(2/444)


مِنْ مِنًى بَعْدَ الْغُرُوبِ أَوْ عَادَ لِشُغْلٍ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي بَعْدَ رَمْيِهِ جَازَ وَسَقَطَ مَبِيتُ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ وَرَمَى يَوْمَهَا. وَشَرَطَ لِصِحَّةِ الرَّمْيِ تَرْتِيبَ الْجَمَرَاتِ بِأَنْ يَرْمِيَ أَوَّلًا إلَى الْجَمْرَةِ الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ، ثُمَّ إلَى الْوُسْطَى ثُمَّ إلَى جَمْرَةِ الْعُقْبَةِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالرَّمْيُ لَكَانَ أَخَصْرَ وَأَجْوَدَ لِيَشْمَلَ رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةَ يَوْمَ النَّحْرِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ يُجْبَرُ تَرْكُهُ بِدَمٍ، وَيَدْخُلُ وَقْتُهُ بِنِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ، وَيَبْقَى وَقْتُ اخْتِيَارِهِ إلَى غُرُوبِ شَمْسِ يَوْمِهِ، وَأَمَّا وَقْتُ الْجَوَازِ فَإِلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. وَيُشْتَرَطُ فِي رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ وَغَيْرِهِ كَوْنُهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَكَوْنُهُ بِيَدٍ لِأَنَّهُ الْوَارِدُ، وَكَوْنُهُ بِحَجَرٍ فَيُجْزِئُ بِأَنْوَاعِهِ، وَقَصْدُ الْمَرْمَى وَتَحَقُّقُ إصَابَتِهِ بِالْحَجَرِ. قَالَ الطَّبَرِيُّ: وَلَمْ يَذْكُرُوا فِي الْمَرْمَى حَدًّا مَعْلُومًا غَيْرَ أَنَّ كُلَّ جَمْرَةٍ عَلَيْهَا عَلَمٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
يَنْفَصِلُ مِنْ مِنًى إلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ، أَوْ نَفَرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي بَعْدَ رَمْيِهِ ثُمَّ عَادَ لِمِنًى لِشُغْلٍ أَوْ لَا بِقَصْدِ شَيْءٍ وَلَوْ بَعْدَ الْغُرُوبِ، نَعَمْ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ تَقْيِيدُ مَسْأَلَةِ الْعَوْدِ بِمَنْ لَمْ يَعْزِمْ حَالَ نَفْرِهِ عَلَى الْعَوْدِ، أج مُلَخَّصًا وَقَوْلُهُ: " فَإِنْ تَهَيَّأَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي " أَيْ وَشَرَعَ فِي السَّفَرِ قَبْلَ الْغُرُوبِ كَمَا قَالَهُ ع ش وَغُرُوبُهَا وَهُوَ فِي شُغْلِ الِارْتِحَالِ يَلْزَمُهُ الْمَبِيتُ فَيُمْتَنَعُ النَّفْرُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر، وَاعْتَمَدَهُ ع ش خِلَافًا لحج.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ انْفَصَلَ مِنْ مِنًى بَعْدَ الْغُرُوبِ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ قَدْ حَمَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ عَادَ إلَخْ) لَيْسَ مَعْطُوفًا عَلَى " انْفَصَلَ " لِأَنَّ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ أَوْ لَمْ يَنْفَصِلْ ثُمَّ عَادَ، وَلَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّ الْعَوْدَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الِانْفِصَالِ. نَعَمْ يَصِحُّ عَطْفُهُ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقٍ بَعْدَ الْغُرُوبِ بِهِ، إذْ الْمَعْنَى أَوْ لَمْ يَنْفَصِلْ بَعْدَ الْغُرُوبِ، أَيْ بِأَنْ انْفَصَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ ثُمَّ عَادَ لِشُغْلٍ. يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَلَامُهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، عَنَانِيٌّ عَلَى الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (فِي الْيَوْمِ الثَّانِي) مُتَعَلِّقٌ بِ " نَفَرَ ".
قَوْلُهُ: (بَعْدَ رَمْيِهِ) أَيْ وَبَاتَ اللَّيْلَتَيْنِ قَبْلَهُ، أَوْ تَرَكَ مَبِيتَهُمَا لِعُذْرٍ؛ مَنْهَجٌ.
قَوْلُهُ: (تَرْتِيبُ الْجَمَرَاتِ) وَقَدْ نَظَّمَ شَيْخُنَا م د الشُّرُوطَ بِقَوْلِهِ:
شُرُوطُ رَمْيٍ لِلْجِمَارِ سِتَّةٌ ... سَبْعٌ بِتَرْتِيبِ وَكَفٍّ وَحَجَرْ
وَقَصْدُ مَرْمًى يَا فَتَى وَسَادِسٌ ... تَحَقَّقَ لَأَنْ يُصِيبَهُ الْحَجَرْ
قَوْلُهُ: (ثُمَّ إلَى جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ) وَلَيْسَتْ مِنْ مِنًى بَلْ مِنًى تَنْتَهِي إلَيْهَا، شَرْحُ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (لِيَشْمَلَ رَمْيَ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ تَقْيِيدَ الْجِمَارِ بِالثَّلَاثِ يُخْرِجُهَا. قَوْلُهُ (سَبْعَ مَرَّاتٍ) فَلَوْ رَمَى سَبْعَ حَصَيَاتٍ مَرَّةً وَاحِدَةً أَوْ حَصَاتَيْنِ كَذَلِكَ إحْدَاهُمَا بِيَمِينِهِ وَالْأُخْرَى بِيَسَارِهِ لَمْ يُحْسَبْ إلَّا وَاحِدَةً وَلَوْ رَمَى حَصَاةً وَاحِدَةً سَبْعَ مَرَّاتٍ كَفَى؛ وَلَا يَكْفِي وَضْعُ الْحَصَاةِ فِي الْمَرْمَى لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى رَمْيًا وَلِأَنَّهُ خِلَافُ الْوَارِدِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (وَكَوْنُهُ بِيَدٍ) فَلَا يَكْفِي بِرَجُلٍ وَلَا بِفَمٍ وَلَا رَمَى بِمِقْلَاعٍ، شَرْحُ م ر.
قَوْلُهُ: (فَيُجْزِئُ بِأَنْوَاعِهِ) أَيْ الْحَجَرِ، وَمِنْهُ الذَّهَبُ وَنَحْوُهُ كَالْحَدِيدِ وَالْفِضَّةِ وَالنُّحَاسِ قَبْلَ تَصْفِيَتِهِمَا، وَالزَّبَرْجَدُ وَالْعَقِيقُ وَالْكَذَّانُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ الْبَلَاطُ الْمَعْرُوفُ، وَلَيْسَ مِنْهُ اللُّؤْلُؤُ وَالْمَعْدِنُ وَلَا الْخَزَفُ كَالطُّوبِ الْمُحْرَقِ وَلَا النُّورَةِ وَهُوَ الْمَحْرُوقُ مِنْ الْكَذَّانِ الْمَذْكُورِ؛ فَلَا يُجْزِئُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: لَوْ رَمَى بِخَاتَمِ فِضَّةٍ مَثَلًا وَفَصَّهُ مِنْ نَحْوِ عَقِيقٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ، رَجَّحَ مِنْهُمَا الْعَبَّادِيُّ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ؛ وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ، لِأَنَّ فِيهِ وُجُودَ مُقْتَضٍ وَغَيْرِ مَانِعٍ ق ل. وَكَتَبَ ز ي عَلَى قَوْلِ الْمَنْهَجِ " وَلَوْ مِمَّا يُتَّخَذُ مِنْهُ الْفُصُوصُ " مَا نَصُّهُ: وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْإِجْزَاءِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْجَوَازِ فَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَى الرَّمْيِ بِالْيَاقُوتِ وَنَحْوِهِ كَسْرٍ أَوْ إضَاعَةِ مَالٍ حُرِّمَ وَإِنْ أَجْزَأَ اهـ م ر. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا حُرْمَةَ لِأَنَّهُ لِغَرَضٍ شَرْعِيٍّ كَمَا قِيلَ فِي رَشِّ الْقَبْرِ بِمَاءِ الْوَرْدِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ بِنَفَاسَةِ هَذَا وَتَفَاهَةِ ذَلِكَ؛ وَأَيْضًا مَاءُ الْوَرْدِ لَهُ رَائِحَةٌ يُنْتَفَعُ بِهَا، فَالْمُتَّجَهُ حُرْمَةُ الرَّمْيِ بِالْفَصِّ إذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْكَسْرُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ سَرَقَهُ أَوْ غَصَبَهُ وَرَمَى بِهِ كَفَى كَالصَّلَاةِ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ؛ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حَجَرِ الرَّمْيِ طَهَارَتُهُ عَنَانِيٌّ وخ ض.
قَوْلُهُ: (وَقَصَدَ الْمَرْمَى) فَلَوْ رَمَى شَخْصًا فَأَصَابَ الْمَرْمَى لَمْ يُحْسَبْ، أَيْ فَلَوْ قَصَدَ الشَّاخِصَ لَمْ يَكْفِ وَإِنْ وَقَعَ فِي

(2/445)


فَيَنْبَغِي أَنْ يَرْمِيَ تَحْتَهُ عَلَى الْأَرْضِ وَلَا يَبْعُدُ عَنْهُ احْتِيَاطًا. وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْجَمْرَةُ مُجْتَمَعُ الْحَصَى لَا مَا سَالَ مِنْ الْحَصَى. وَحَدَّهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ مِنْ سَائِرِ الْجَوَانِبِ إلَّا فِي جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا وَجْهٌ وَاحِدٌ وَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا تَقَدَّمَ.

(وَ) الْوَاجِبُ الثَّالِثُ (الْحَلْقُ) عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ اسْتِبَاحَةُ مَحْظُورٍ وَهُوَ مَرْجُوحٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ رُكْنٌ عَلَى الْقَوْلِ الْأَظْهَرِ أَنَّهُ نُسُكٌ كَمَا مَرَّ بَلْ نَقَلَ الْإِمَامُ الِاتِّفَاقَ عَلَى رُكْنِيَّتِهِ، وَحِينَئِذٍ يُصَحِّحُ لِلْمُصَنِّفِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْعَدَدِ بِإِبْدَالِ هَذَا الْمَرْجُوحِ بِالْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَيُجْبَرُ تَرْكُهُ بِدَمٍ، وَالْوَاجِبُ فِيهِ سَاعَةٌ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ اللَّيْلِ، فَإِنَّ دَفَعَ قَبْلَ النِّصْفِ الثَّانِي لَزِمَهُ الْعَوْدُ، فَإِنْ لَمْ يَعُدْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ لَزِمَهُ دَمٌ، وَيُسَنُّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا حَصَى الرَّمْيِ وَهُوَ سَبْعُونَ حَصَاةً مِنْهَا سَبْعٌ لِرَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ وَالْبَاقِي وَهُوَ ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ حَصَاةً لِأَيَّامِ التَّشْرِيقِ كُلُّ وَاحِدٍ إحْدَى وَعِشْرُونَ حَصَاةٍ لِكُلِّ جَمْرَةٍ سَبْعُ حَصَيَاتٍ، وَسُنَّ أَنْ يَرْمِيَ بِقَدْرِ حَصَى الْخَذْفِ هُوَ دُونَ الْأُنْمُلَةِ طُولًا وَعَرْضًا بِقَدْرِ الْبَاقِلَا، وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الرَّمْيِ أَنَابَ مَنْ يَرْمِي عَنْهُ، وَلَوْ تَرَكَ رَمْيًا مِنْ رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ تَدَارَكَهُ فِي بَاقِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَدَاءً
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
الْمَرْمَى، وَإِنْ قَصَدَ الْمَرْمَى كَفَاهُ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ رَمَى الشَّاخِصُ أَوْ لَا إنْ وَقَعَ فِي الْمَرْمَى وَإِلَّا فَلَا ق ل. وَقَوْلُهُ " وَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَرْمَى " ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنْ يَكْفِيَ إنْ وَقَعَ فِيهِ كَمَا اعْتَمَدَهُ م ر، وَعِبَارَتُهُ: وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ رَمَى إلَى الْعَلَمِ الْمَنْصُوبِ فِي الْجَمْرَةِ أَوْ الْحَائِطِ الَّتِي لِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَأَصَابَهُ ثُمَّ وَقَعَ فِي الْمَرْمَى لَا يُجْزِئُ، قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي؛ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ حَصَلَ فِيهِ بِفِعْلِهِ مَعَ قَصْدِ الرَّمْيِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي مِنْ احْتِمَالَيْهِ أَقْرَبُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. فَرْعٌ: لَوْ أُزِيلَ الْعَلَمُ الَّذِي هُوَ الْبِنَاءُ الَّذِي فِي وَسَطِ الْجَمْرَةِ فَإِنَّهُ يَكْفِي الرَّمْيُ إلَى مَحَلِّهِ بِلَا شَكٍّ لِأَنَّ الْعَلَمَ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ رَمَى هُوَ وَأَصْحَابُهُ إلَى الْجَمْرَةِ وَلَمْ يُنْقَلُ أَنَّهُمْ تَحَرَّوْا مَوْضِعًا مِنْهَا دُونَ آخَرَ؛ وَتَرَكَ النَّقْلَ مَعَ تَقْدِيرِ تَحْرِيمِهِمْ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ ح ف.
قَوْلُهُ: (عَلَمٌ) أَيْ عَلَامَةُ بِنَاءٍ كَالْعَمُودِ. قَوْلُهُ: (لَا مَا سَالَ) أَيْ عَنْ الْحَدِّ الْمَعْلُومِ.
قَوْلُهُ: (فَلَيْسَ لَهَا إلَّا وَجْهٌ) لِأَنَّهَا مُلْتَصِقَةٌ بِالْجَبَلِ؛ قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْعِمَادِ: وَالْحِكْمَةُ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ أَنَّ إبْرَاهِيمَ لَمَّا قَصَدَ ذَبْحَ إسْمَاعِيلَ تَعَرَّضَ لَهُ الشَّيْطَانُ بِعَدَمِ الذَّبْحِ فَقَالَ إنَّ هَذَا وَسْوَسَةٌ مِنْ الشَّيْطَانِ، فَأُمِرَ بِالرَّمْيِ إلَى الشَّيْطَانِ، فَصَارَ سُنَّةً لِأَوْلَادِهِ.

قَوْلُهُ: (بِالْمَبِيتِ) أَيْ الْمُكْثِ فِيهَا وَلَوْ لَحْظَةً، بَلْ يَكْفِي الْمُرُورُ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَبِيتِ لَمْ يَرِدْ فِيهَا. وَانْظُرْ مَا الْحِكْمَةُ فِي تَعْبِيرِهِ بِالْمَبِيتِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ لَهُ، وَأَيْضًا لَمْ يَرِدْ الْأَمْرُ بِهِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ عَبَّرَ بِهِ لِمُشَاكَلَةِ الْمَبِيتِ بِمِنًى.
قَوْلُهُ: (وَالْوَاجِبُ فِيهِ سَاعَةٌ) أَيْ لَحْظَةٌ كَمَا فِي مَتْنِ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ دَفَعَ) أَيْ فَارَقَ الْمُزْدَلِفَةَ. قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا إلَّا حَصْيَ رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَيُؤْخَذُ الْبَاقِي مِنْ بَطْنِ مُحَسِّرٍ. وَسُمِّيَ مُحَسِّرًا لِأَنَّ الْفِيلَ حَسِرَ فِيهِ أَيْ أَعْيَا أَوْ مِنْ مِنًى، فَتَحْصُلُ السُّنَّةُ بِالْأَخْذِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَيُكْرَهُ أَخْذُ الْحَصَى مِنْ الْمَرْمَى لِمَا قِيلَ إنَّ الْمَقْبُولَ يُرْفَعُ وَالْمَرْدُودَ يُتْرَكُ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَسُدَّ مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ؛ شَرْحُ م ر.
قَوْلُهُ: (بِقَدْرِ حَصَى الْخَذْفِ) وَهَيْئَةُ الْخَذْفِ أَنْ يَضَعَ الْحَصَى عَلَى بَطْنِ إبْهَامِهِ وَيَرْمِيَهُ بِرَأْسِ السَّبَّابَة، شَرْحِ م ر. فَهُوَ حَذْفٌ بِهَيْئَةٍ مَخْصُوصَةٍ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الرَّمْيِ) أَيْ لِمَرَضٍ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ فِي هَذَا الزَّمَنِ، عَشْمَاوِيٌّ.
قَوْلُهُ: (أَنَابَ) أَيْ وُجُوبًا مَنْ يَرْمِي عَنْهُ بِأَنْ يَرْمِيَ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ أَوَّلًا عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ يَرْمِيَهَا عَنْ الْمُسْتَنِيبِ، فَلَوْ رَمَى عَنْهُ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ عَنْهُ نَفْسَهُ وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ كَمَا قَالَهُ م ر، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَمَى الْجَمْرَةَ الْأُولَى عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ رَمَاهَا عَنْ الْمُسْتَنِيبِ فَإِنَّهُ يُمْتَنَعُ لِأَنَّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ كَالْيَوْمِ الْوَاحِدِ، ز ي. قَالَ م ر: وَلَوْ زَالَ عُذْرُ الْمُسْتَنِيبِ بَعْدَ رَمْيِ النَّائِبِ وَالْوَقْتُ بَاقٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَةُ الرَّمْيِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ تَرَكَ رَمْيًا إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يُحْسَبُ مَا بَعْدَ الْمَتْرُوكِ مُطْلَقًا، أَيْ سَوَاءٌ قَصَدَهُ عَنْ

(2/446)


وَإِلَّا لَزِمَهُ دَمٌ بِتَرْكِ رَمْيٍ ثَلَاثَ رَمَيَاتٍ فَأَكْثَرَ.

وَالْوَاجِبُ الرَّابِعُ الْمَبِيتُ بِمِنًى لَيَالِي أَيَّامَ التَّشْرِيقِ مُعْظَمَ اللَّيْلِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيتُ بِمَكَانٍ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِمَبِيتٍ مُعْظَمَ اللَّيْلِ فَإِنْ تَرَكَهُ لَزِمَهُ دَمٌ، وَمَحَلُّ وُجُوبِ مَبِيتِ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ لِمَنْ لَمْ يَنْفِرْ النَّفَرَ الْأَوَّلَ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ.

وَالْوَاجِبُ الْخَامِسُ التَّحَرُّزُ عَنْ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ، وَأَمَّا طَوَافُ الْوَدَاعِ فَهُوَ وَاجِبٌ مُسْتَقِلٌّ لَيْسَ مِنْ الْمَنَاسِكِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، فَيَجِبُ عَلَى غَيْرِ نَحْوِ حَائِضٍ كَنُفَسَاءَ بِفِرَاقِ مَكَّةَ وَلَوْ مَكِّيًّا أَوْ غَيْرَ حَاجٍّ وَمُعْتَمِرٍ، أَوْ فَارَقَهَا لِسَفَرٍ قَصِيرٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَيُجْبَرُ تَرْكُهُ بِدَمٍ فَإِنْ عَادَ بَعْدَ فِرَاقِهِ بِلَا طَوَافٍ قَبْلَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَطَافَ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَإِنْ مَكَثَ بَعْدَ الطَّوَافِ لَا لِصَلَاةِ أُقِيمَتْ أَوْ شُغْلِ سَفَرٍ كَشِرَاءِ زَادٍ أَعَادَ الطَّوَافَ

تَنْبِيهٌ: يُسَنُّ دُخُولُ الْبَيْتِ وَالصَّلَاةِ فِيهِ وَشُرْبُ مَاءِ زَمْزَمَ وَزِيَارَةُ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ لِغَيْرِ حَاجٍّ وَمُعْتَمِرٍ، وَسُنَّ لِمَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
الْأَدَاءِ أَوْ لَا، وَيُحْسَبُ الْمَعَادُ عَنْ الْمَتْرُوكِ فَلَوْ تَرَكَ رَمْيَةً مِنْ سَبْعَةٍ يَوْمَ النَّحْرِ وَرَمَى الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ فِي أَوَّلِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ حَسَبَ رَمْيِهِ مِنْ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ عَنْ الْمَتْرُوكَةِ وَيَلْغُو الْبَاقِي وَيُعِيدُ الثَّلَاثَ ق ل.
قَوْلُهُ: (فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) لَوْ حَذَفَ أَيَّامَ لِيَشْمَلَهَا وَاللَّيَالِي لَكَانَ أَوْلَى كَمَا فِي الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (فَأَكْثَرَ) وَلَوْ فِي الْأَيَّامِ الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ فِيهَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ، وَإِنْ كَانَ رَمَى كُلَّ يَوْمٍ عِبَادَةً بِرَأْسِهَا. اهـ. الْمَنْهَجُ.

قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيتُ بِمَكَانٍ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِمَبِيتِ مُعْظَمِ اللَّيْلِ) هَذَا كُلُّهُ إذَا قَالَ: لَا أَبِيت بِهَذَا الْمَكَانِ فَقَطْ، فَإِذَا زَادَ: لَا أَبِيت هَذِهِ اللَّيْلَةَ؛ فَإِذَا فَارَقَ الْمَكَانَ مَثَلًا قُبَيْلَ الْفَجْرِ لَا يَحْنَثُ إذْ لَا حِنْثَ فِي هَذِهِ إلَّا بِمَبِيتِ جَمِيعٍ اللَّيْلِ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِأَكْلِ جَمِيعِهِ لَا بِأَكْلِ مُعْظَمِهِ وَغَالِبُهُ اهـ بِخَطِّ خ ض الشَّوْبَرِيُّ بِهَامِشِ شَرْحِ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَرَكَهُ لَزِمَهُ دَمٌ) وَفِي تَرْكِهِ لَيْلَةَ مُدٍّ وَلَيْلَتَيْنِ مُدَّانِ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمَعْذُورِينَ كَأَهْلِ السِّقَايَةِ وَالرِّعَاءِ أَمَّا هُمْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ اِ هـ أج. وَقَوْلُهُ: " وَفِي تَرْكِهِ لَيْلَةً مُدٌّ " فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ صَامَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا ثُلُثُ الْعَشَرَةِ الْوَاجِبَةِ بَدَلَ الدَّمِ الْوَاجِبُ ثُلُثُهَا فِي اللَّيْلَةِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَثُلُثٌ فَيَكْمُلُ يَوْمٌ، فَيَصِيرُ جُمْلَةُ ذَلِكَ أَرْبَعًا؛ وَذَلِكَ أَنَّا نَجْعَلُ الثَّلَاثَةَ مِنْ جِنْسِ الْكَسْرِ أَيْ تِسْعَةَ أَثْلَاثٍ وَمَعَنَا ثُلُثٌ فَيَصِيرُ جُمْلَةُ ذَلِكَ عَشْرَةُ أَثْلَاثٍ يَصُومُ فِي الْحَجِّ ثَلَاثَةً وَذَلِكَ بِيَوْمٍ كَامِلٍ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ وَذَلِكَ يَوْمَانِ وَثُلُثٌ فَيَكْمُلُ الثَّالِثُ فَيَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ اهـ عَنَانِيٌّ عَلَى الْمَنْهَجِ.

قَوْلُهُ: (لِسَفَرٍ قَصِيرٍ) أَيْ بِغَيْرِ قَصْدِ الرُّجُوعِ. أَيْ بِأَنْ كَانَ لِوَطَنِهِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا وَدَاعَ عَلَى مَنْ خَرَجَ لِغَيْرِ مَنْزِلِهِ بِقَصْدِ الرُّجُوعِ وَكَانَ سَفَرُهُ قَصِيرًا كَمَنْ خَرَجَ لِلْعُمْرَةِ، وَلَا عَلَى مُحْرِمٍ خَرَجَ إلَى مِنًى، وَأَنَّ الْحَاجَّ إذَا أَرَادَ الِانْصِرَافَ مِنْ مِنًى فَعَلَيْهِ الْوَدَاعُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ.
قَوْلُهُ: (فَلَا دَمَ عَلَيْهِ) مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَلَغَ مَنْزِلَهُ الَّذِي هُوَ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ وَإِلَّا اسْتَقَرَّ بِبُلُوغِهِ، وَلَا يَسْقُطُ بِالْعَوْدِ كَمَا بَحْثه السَّيِّدُ السَّمْهُودِيُّ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ مَكَثَ بَعْدَ الطَّوَافِ) وَلَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا، مَنْهَجٌ.

قَوْلُهُ: (يُسَنُّ دُخُولُ الْبَيْتِ) أَيْ الْكَعْبَةِ، أَيْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُؤْذِيَ غَيْرَهُ وَلَا يُؤْذَى. أَمَّا إذَا لَزِمَ عَلَى الدُّخُولِ الْإِيذَاءُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ كَمَا فِي الْإِيضَاحِ وَبِهِ يُعْلَمْ مَا يَقَعُ الْآنَ فِي دُخُولِهِ يَوْمَ النَّحْرِ عِنْدَ كِسْوَةِ الْبَيْتِ مِنْ الْإِيذَاءِ الشَّدِيدِ فَإِنَّهُ مِنْ أَقْبَحِ الْمُحَرَّمَاتِ أج. قَوْلُهُ: (وَشَرِبَ مَاءَ زَمْزَمَ) وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ عِنْدَ شُرْبِهِ وَيَتَضَلَّعُ مِنْهُ، وَيُسَنُّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَشْرَبَهُ لِمَطْلُوبِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» شَرْحُ م ر. وَقَوْلُهُ: «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» هُوَ شَامِلٌ لِمَا لَوْ شُرِبَ بِغَيْرِ مَحَلِّهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالشَّارِبِ نَفْسِهِ فَلَا يَتَعَدَّاهُ إلَى غَيْرِهِ، وَيُحْتَمَلُ تَعَدِّي ذَلِكَ إلَى الْغَيْرِ، فَإِذَا شَرِبَهُ إنْسَانٌ بِقَصْدِ نَفْعِ وَلَدِهِ وَأَخِيهِ مَثَلًا حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ الْمَطْلُوبُ، وَلَا مَانِعَ مِنْهُ إذَا شَرِبَ بِنِيَّةٍ صَادِقَةٍ. وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ الشَّوْبَرِيِّ مَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرْنَاهُ فَلْيُرَاجَعْ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ شُرْبِهِ: اللَّهُمَّ إنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْ نَبِيِّك أَنَّهُ قَالَ مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ، وَأَنَا أَشْرَبُهُ لِسَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اللَّهُمَّ، فَافْعَلْ " ثُمَّ يُسَمِّي اللَّهَ تَعَالَى وَيَشْرَبُ وَيَتَنَفَّسُ ثَلَاثًا. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ

(2/447)


قَصَدَ الْمَدِينَةَ الشَّرِيفَةَ لِزِيَارَتِهِ أَنْ يُكْثِرَ فِي طَرِيقِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ، فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَصَدَ الرَّوْضَةَ وَهِيَ بَيْنَ قَبْرِهِ وَمِنْبَرِهِ وَصَلَّى تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ بِجَانِبِ الْمِنْبَرِ، ثُمَّ وَقَفَ مُسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةِ مُسْتَقْبِلَ رَأْسِ الْقَبْرِ الشَّرِيفِ وَيَبْعُدُ عَنْهُ نَحْوَ أَرْبَعَةَ أَذْرُعٍ فَارِغَ الْقَلْبِ مِنْ عَلَقِ الدُّنْيَا، وَيُسَلِّمُ بِلَا رَفْعِ صَوْتٍ وَأَقَلُّهُ السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ يَتَأَخَّرُ صَوْبَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
إذَا شَرِبَ يَقُولُ: " اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك عِلْمًا نَافِعًا وَرِزْقًا وَاسِعًا وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ " فَقَدْ شَرِبَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَنَالُوا مَطْلُوبَهُمْ. وَيُسَنُّ الدُّخُولُ إلَى الْبِئْرِ وَالنَّظَرُ فِيهَا، وَيَنْضَحُ مِنْهَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَصَدْرِهِ وَأَنْ يَتَزَوَّدَ مِنْ مَائِهَا وَيُسْتَصْحَبُ مِنْهُ مَا أَمْكَنَهُ شَرْحُ م ر.
قَوْلُهُ: (وَصَلَّى تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ) وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ التَّحِيَّةُ عَلَى زِيَارَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ «عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَدِمْت مِنْ سَفَرٍ، فَجِئْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: أَدَخَلْتَ الْمَسْجِدَ وَصَلَّيْت فِيهِ؟ فَقُلْت: لَا، قَالَ: فَاذْهَبْ فَادْخُلْ الْمَسْجِدَ صَلِّ فِيهِ ثُمَّ ائْتِ سَلِّمْ عَلَيَّ» وَبِهِ يُعْلَمُ رَدُّ قَوْلِ بَعْضِهِمْ مَحَلَّ الْبُدَاءَةِ بِالتَّحِيَّةِ لَمْ يَمُرَّ أَمَامَ الْوَجْهِ الشَّرِيفِ وَإِلَّا بَدَأَ بِالزِّيَارَةِ، بَلْ الْأَكْمَلُ الْبُدَاءَةُ بِالتَّحِيَّةِ مُطْلَقًا. وَعِنْدَ الْمُرُورِ أَمَامَ الْوَجْهِ الشَّرِيفِ يَنْبَغِي أَنْ يَقِفَ وَقْفَةً لَطِيفَةً وَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَتَنَحَّى وَيُصَلِّي ثُمَّ يَأْتِي لِلزِّيَارَةِ الْكَامِلَةِ، هَذَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ فَخِلَافُهُ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ اهـ مِنْ الْجَوْهَرِ الْمُنَظَّمِ.
قَوْلُهُ: (مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ) أَيْ فَيَكُونُ وُقُوفُهُ عِنْدَ الشُّبَّاكِ الْكَائِنِ فِي الْمَحَلِّ الْخَالِي مِنْ الْفُرُشِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ مُسْتَقْبِلَ الرَّأْسِ الشَّرِيفِ الْمُكَرَّمِ الَّذِي عِنْدَهُ الْكَوْكَبُ الْمُنِيرُ الْمُفَخَّمُ وَهُوَ بِهَذِهِ الْحَالَةِ مُسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ بِالْحِسِّ. وَقَدْ عَايَنَتْ ذَلِكَ مَنَّ اللَّهِ عَلَيَّ بِالْعَوْدِ إلَى مَا هُنَالِكَ عَلَى أَحْسَنِ حَالٍ وَأَتَمِّ مِنْوَالٍ أَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ وَغَيْرِهِ قَدِيرٌ فَعَّالٌ وَمُعْطِي النَّوَالِ قَبْلَ السُّؤَالِ أج.
قَوْلُهُ: (وَيَبْعُدُ عَنْهُ نَحْوُ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ) وَاَلَّذِي فِي كُتُبِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ: الْقُرْبُ أَوْلَى؛ وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَنَا الْبُعْدُ أَوْلَى. وَقَدْ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي إيضَاحِهِ أَنَّ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ الصَّوَابِ الَّذِي أَطْبَقَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ كَمَا يَبْعُدُ عَنْهُ لَوْ حَضَرَ فِي حَيَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ أَئِمَّتِنَا: وَيَقْرُبُ زَائِرُ الْمَيِّتِ مِنْهُ كَقُرْبِهِ مِنْهُ حَيًّا؛ وَحِينَئِذٍ فَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ، فَقَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّ الْبُعْدَ بِأَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ أَيْ مِنْ النَّاسِ كَانُوا يُصَلُّونَ لِجِدَارِ الْقَبْرِ الشَّرِيفِ، وَأَمَّا الْآنَ فَقَدْ جُعِلَ عَلَيْهِ مَقْصُورَةٌ بَعِيدَةٌ عَنْهُ مَنَعَتْ النَّاسَ مِنْ الْوُصُولِ إلَيْهِ أَوْ إلَى قَرِيبٍ مِنْهُ فَإِنَّمَا يَقِفُ خَلْفَ الشُّبَّاكِ الْحَدِيدِ الَّذِي فِي الْمَقْصُورَةِ الدَّائِرَةِ حَوْلَ الْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ، فَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ دُخُولِ الْمَقْصُورَةِ فَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّهُ مَوْقِفُ السَّلَفِ سَوَاءٌ قُلْنَا يَبْعُدُ بِنَحْوِ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ أَوْ أَرْبَعَةِ يَرِدُ بِمَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ الْبُعْدَ كُلَّمَا زَادَ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ اللَّائِقُ بِالْأَدَبِ، وَلِأَنَّهُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ الْمَذْكُورُ اهـ مِنْ الْجَوْهَرِ الْمُنَظَّمِ فِي زِيَارَةِ الْقَبْرِ الْمُكَرَّمِ.
قَوْلُهُ: عُلَقُ الدُّنْيَا جَمْعُ عَلْقَةٍ كَغَرْفَةٍ وَغُرَفٍ أَيْ تَعَلُّقَاتُهَا وَالْعَلْقَةُ لُغَةً مَا يَبْتَلِعُ مِنْ الْعَيْشِ وَمِنْهُ إنَّمَا يَأْكُلْنَ الْعَلَقَةَ مِنْ الطَّعَامِ أَيْ الْقَلِيلَ كَمَا فِي التَّقْرِيبِ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَعَمُّ.
قَوْلُهُ: (وَيُسَلِّمُ بِلَا رَفْعِ صَوْتٍ) قَالَ الْعَلَّامَةُ حَجّ فِي الْجَوْهَرِ الْمُنَظَّمِ: يُسَنُّ لَهُ إذَا أَوْصَاهُ أَحَدٌ بِالسَّلَامِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقُولَ: السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ فُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ أَوْ فُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ يُسَلِّمُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَوْ نَحْوَ هَذَا مِنْ الْعِبَارَاتِ. فَإِنْ قُلْت: يَشْكُلُ عَلَى تَصْرِيحِهِمْ بِسُنَّةِ هَذَا قَوْلُهُمْ: لَوْ أُمِرَ إنْسَانٌ آخَرُ بِالسَّلَامِ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ، أَيْ إنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِعَدَمِ الْقَوْلِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ عَنْهُ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ عَلَيْهِ الرَّدُّ بِلِسَانِهِ فَوْرًا كَمَا لَوْ كَانَ الْمُسْلِمُ حَاضِرًا، وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيٌّ فِي قَبْرِهِ فَلِمَ لَمْ يَجِبْ عَلَى مَنْ حَمَلَ سَلَامًا عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ نَظِيرَ مَا تَقَرَّرَ فِي الْحَيِّ. قُلْت: يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْقَصْدَ بِالسَّلَامِ ابْتِدَاءً وَرَدَا مِنْ الْأَحْيَاءِ التَّوَاصُلُ وَعَدَمُ التَّقَاطُعِ الَّذِي يَغْلِبُ وُقُوعُهُ بَيْنَ الْأَحْيَاءِ، وَحِينَئِذٍ فَإِرْسَالُ السَّلَامِ لِلْغَائِبِ الْقَصْدُ بِهِ مُوَاصَلَتُهُ وَعَدَمُ مُقَاطَعَتِهِ: وَإِذَا كَانَ هَذَا

(2/448)


يَمِينِهِ قَدْرَ ذِرَاعٍ فَيُسَلِّمُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ يَتَأَخَّرُ قَدْرَ ذِرَاعٍ فَيُسَلِّمُ عَلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى مَوْقِفِهِ الْأَوَّلِ قُبَالَةَ وَجْهِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَتَوَسَّلُ بِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَيَسْتَشْفِعُ بِهِ إلَى رَبِّهِ، وَإِذَا أَرَادَ السَّفَرَ وَدَّعَ الْمَسْجِدَ بِرَكْعَتَيْنِ وَأَتَى الْقَبْرَ الشَّرِيفَ وَأَعَادَ نَحْوَ السَّلَامِ الْأَوَّلِ.

(وَسُنَنُ الْحَجِّ) كَثِيرَةٌ الْمَذْكُورُ مِنْهَا هُنَا سَبْعٌ، بِتَقْدِيمِ السِّينِ عَلَى الْمُوَحَّدَةِ وَمَشَى الْمُصَنِّفُ فِي بَعْضِهَا عَلَى ضَعِيفٍ كَمَا سَتَعْرِفُهُ. الْأَوَّلُ: (الْإِفْرَادُ) فِي عَامٍ وَاحِدٍ (وَهُوَ) (تَقْدِيمُ) أَعْمَالِ (الْحَجِّ عَلَى) أَعْمَالِ (الْعُمْرَةِ) فَإِنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ يُؤَدَّيَانِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ هَذَا الْإِفْرَادُ وَالثَّانِي التَّمَتُّعُ وَعَكْسُهُ، وَالثَّالِثُ الْقِرَانُ بِأَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مَعًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ ثُمَّ يَحُجُّ قَبْلَ شُرُوعٍ فِي طَوَافٍ ثُمَّ يَعْمَلُ عَمَلَ الْحَجِّ فِيهِمَا، وَأَفْضَلُهَا الْإِفْرَادُ إنْ اعْتَمَرَ عَامَهُ، ثُمَّ التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَانِ، وَعَلَى كُلٍّ مِنْ الْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ دَمٌ إنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ مِنْهُ. (وَ) الثَّانِيَةُ (التَّلْبِيَةُ) إلَّا عِنْدَ الرَّمْيِ فَيُسْتَحَبُّ التَّكْبِيرُ فِيهِ دُونَهَا وَتَقَدَّمَ صِيغَتُهَا، وَمَنْ لَا يُحْسِنُهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
هُوَ الْقَصْدُ بِهِ كَانَ تَرَكَهُ مَعَ تَحَمُّلِهِ سَبَبًا أَوْ وَسِيلَةً إلَى الْمُقَاطَعَةِ الْمُحَرَّمَةِ، أَيْ مِنْ شَأْنِهِ ذَلِكَ، وَلِلْوَسَائِلِ حُكْمُ الْمَقَاصِدِ، فَاتُّجِهَ تَحْرِيمُ تَرْكِ إبْلَاغِ السَّلَامِ. وَأَمَّا إرْسَالُ السَّلَامِ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالْقَصْدُ مِنْهُ الِامْتِدَادُ مِنْهُ وَعَوْدُ الْبَرَكَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ، فَتَرْكُهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا عَدَمُ اكْتِسَابِ فَضِيلَةٍ لِلْغَيْرِ، فَلَمْ يَكُنْ لِتَحْرِيمِهِ سَبَبٌ يَقْتَضِيهِ، فَاتُّجِهَ أَنَّ ذَلِكَ التَّبْلِيغَ سُنَّةٌ لَا وَاجِبٌ. فَإِنْ قُلْت: صَرَّحُوا بِأَنَّ تَفْوِيتَ الْفَضَائِلِ عَلَى الْغَيْرِ حَرَامٌ كَإِزَالَةِ دَمِ الشَّهِيدِ. قُلْت: هَذَا اشْتِبَاهٌ، إذْ فَرْقٌ وَاضِحٌ بَيْنَ عَدَمِ اكْتِسَابِ الْفَضِيلَةِ لِلْغَيْرِ وَتَفْوِيتِ الْفَضِيلَةِ الْحَاصِلَةِ عَلَى الْغَيْرِ، فَمِنْ ثَمَّ حُرِّمَ هَذَا التَّفْوِيتُ وَلَمْ يَحْرُمُ تَرْكُ ذَلِكَ الِاكْتِسَابِ، فَافْهَمْ.

قَوْلُهُ: (الْإِفْرَادُ) سُمِّيَ بِذَلِكَ لِإِفْرَادِ كُلِّ نُسُكٍ بِإِحْرَامٍ وَعَمِلَ.
قَوْلُهُ: (فِي عَامٍ وَاحِدٍ) لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ يَحْصُلُ الْإِفْرَادُ بِوُجُودِ الْعُمْرَةِ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ؛ نَعَمْ يُشْتَرَطُ لِأَفْضَلِيَّةِ الْإِفْرَادِ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي عَامَّةِ كَمَا يَأْتِي.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ عَكْسُهُ) وَسُمِّيَ الْآتِي بِذَلِكَ مُتَمَتِّعًا لِتَمَتُّعِهِ بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ وَلِتَمَتُّعِهِ بِسُقُوطِ الْعَوْدِ لِلْمِيقَاتِ عَنْهُ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ لِلْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ كَأَهْلِ مَكَّةَ. وَقَوْلُهُ " بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ " أَيْ بِفِعْلِهَا، وَفِيهِ أَنَّ هَذَا يَأْتِي فِي الْإِفْرَادِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ وَجْهَ التَّسْمِيَةِ لَا يُوجِبُ التَّسْمِيَةَ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف.
قَوْلُهُ: (قَبْلَ شُرُوعٍ فِي طَوَافٍ) أَمَّا إذَا شَرَعَ فِيهِ فَلَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ لِاتِّصَالِ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ بِمَقْصُودِهِ وَهُوَ أَعْظَمُ أَفْعَالِهَا فَيَقَعُ عَنْهَا وَلَا يَنْصَرِفُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى غَيْرِهَا، شَرْحُ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَعْمَلُ عَمَلَ الْحَجِّ فِيهِمَا) أَيْ فَيَحْصُلَانِ انْدِرَاجًا لِلْأَصْغَرِ فِي الْأَكْبَرِ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ: «مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَجْزَأَهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ عَنْهُمَا حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا» شَرْحُ حَجّ؛ وَعِبَارَةُ ح ل: وَتِلْكَ الْأَعْمَالُ لَهُمَا مَعًا، وَقِيلَ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مُنْدَرِجَةٌ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (وَأَفْضَلُهَا الْإِفْرَادُ إنْ اعْتَمَرَ إلَخْ) فَإِنْ أَخَّرَهَا عَنْهُ كَانَ مَكْرُوهًا وَالْمُرَادُ بِالْعَامِ مَا بَقِيَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ الَّذِي أَوْقَعَ حَجَّهُ فِيهِ. وَشَمَلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ اعْتَمَرَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَيُسَمَّى إفْرَادًا أَيْضًا، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ التَّمَتُّعِ الْمُوجِبِ لِلدَّمِ وَإِلَّا فَمُطْلَقُ التَّمَتُّعِ يَشْمَلُ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ أج.
قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يَكُونَا إلَخْ) وَالْمَعْنَى فِيهِ أَيْ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الدَّمِ عَلَى حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنَّهُمْ لَمْ يَرْبَحُوا مِيقَاتًا، شَرْحُ الْمَنْهَجِ؛ أَيْ لَمْ يَسْتَفِيدُوا تَرْكَ مِيقَاتِ عَامٍ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ، بِخِلَافِ الْمُتَمَتِّعِ فَإِنَّهُ اسْتَفَادَ تَرْكُ مِيقَاتِ الْحَجِّ لِأَنَّهُ صَارَ يُحْرِمُ مِنْ مَكَّةَ، وَالْقَارِنُ اسْتَفَادَ تَرْكُ مِيقَاتِ الْعُمْرَةِ وَهُوَ الْخُرُوجُ لِأَدْنَى الْحِلِّ. وَعِبَارَةُ سم: كَيْفَ عُدِمَ الرِّيحُ مَعَ وُجُوبِ الْإِحْرَامِ عَلَيْهِمْ مِنْ أَمَاكِنِهِمْ؛ ثُمَّ رَأَيْته فِي شَرْحِ الرَّوْضِ اعْتَذَرَ بِأَنَّ الْمُرَادَ لَمْ يَرْبَحُوا مِيقَاتًا عَامًا لِأَهْلِهِ وَلَمَنْ يَمُرُّ بِهِ اهـ بِحُرُوفِهِ.
قَوْلُهُ: (وَالتَّلْبِيَةُ) رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ مَرْفُوعًا: «مَا مِنْ مُسْلِم يُلَبِّي إلَّا لَبَّى مَا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ حَتَّى تَنْقَطِعَ الْأَرْضُ مِنْ هَهُنَا وَهَهُنَا» أَيْ مِنْ مُنْتَهَى الْأَرْض مِنْ جَانِبِ الشَّرْقِ وَإِلَى مُنْتَهَى الْأَرْضِ مِنْ جَانِبِ الْغَرْبِ، يَعْنِي يُوَافِقُهُ فِي التَّلْبِيَةِ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ فِي جَمِيعِ الْأَرْضِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَفِيهِ تَفْضِيلٌ

(2/449)


بِالْعَرَبِيَّةِ يَأْتِي بِهَا بِلِسَانِهِ (وَ) الثَّالِثَةُ (طَوَافُ الْقُدُومِ) وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِحَلَالٍ وَبِحَاجٍّ دَخَلَ مَكَّةَ قَبْلَ الْوُقُوفِ، فَلَوْ دَخَلَ بَعْدَ الْوُقُوفِ تَعَيَّنَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ لِدُخُولِ وَقْتِهِ. (وَ) الرَّابِعَةُ (الْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ) عَلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ وَاجِبٌ كَمَا مَرَّ. (وَ) الْخَامِسَةُ (رَكْعَتَا الطَّوَافِ) خَلْفَ الْمَقَامِ فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ فَفِي الْحِجْرِ، فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ فَفِي الْمَسْجِدِ، فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ فَحَيْثُ شَاءَ مِنْ الْحَرَمِ. (وَ) السَّادِسَةُ (الْمَبِيتُ بِمِنًى) لَيْلَةَ عَرَفَةَ لِأَنَّهُ لِلِاسْتِرَاحَةِ لَا لِلنُّسُكِ، وَخَرَجَ بِقَيْدِ عَرَفَةَ الْمَبِيتُ بِهَا لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ. (و) السَّابِعَةُ (طَوَافُ الْوَدَاعِ) عَلَى قَوْلٍ مَرْجُوحٍ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ وَاجِبٌ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ. وَقَدْ بَقِيَ لِلْحَجِّ سُنَنٌ كَثِيرَةٌ ذَكَرْت مِنْهَا جُمْلَةً فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ وَغَيْرِهِ. (وَيَتَجَرَّدُ) الرَّجُلُ (عِنْدَ الْإِحْرَامِ عَنْ الْمَخِيطِ) وُجُوبًا كَمَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ خَالَفَ فِي مَنَاسِكِهِ الْكُبْرَى فَقَالَ بِالِاسْتِحْبَابِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْمُحِيطِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ بَدَلَ الْمَخِيطِ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْخُفَّ وَاللُّبَدَ وَالْمَنْسُوجَ (وَيَلْبَسُ) نَدْبًا (إزَارًا وَرِدَاءً أَبْيَضَيْنِ) جَدِيدَيْنِ وَإِلَّا فَمَغْسُولَيْنِ وَنَعْلَيْنِ، وَخَرَجَ بِالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى إذْ لَا نَزْعَ عَلَيْهِمَا فِي غَيْرِ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
لِهَذِهِ الْأُمَّةِ لِحُرْمَةِ نَبِيِّهَا، فَإِنَّ اللَّهَ أَعْطَاهَا تَسْبِيحَ الْجَمَادِ وَالْحَيَوَانِ مَعَهَا كَمَا كَانَتْ تُسَبِّحُ مَعَ دَاوُد، وَخُصَّ دَاوُد بِالْمَنْزِلَةِ الْعُلْيَا لِأَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُهَا وَيَدْعُوهَا فَتُجِيبُهُ وَتُسَاعِدُهُ. اهـ. مُنَاوِيٌّ عَلَى الْخَصَائِصِ.
قَوْلُهُ: (بِلِسَانِهِ) أَيْ بِلُغَتِهِ.
قَوْلُهُ: (فَلَوْ دَخَلَ بَعْدَ الْوُقُوفِ) أَيْ وَبَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ، فَلَوْ دَخَلَ قَبْلَ النِّصْفِ طَافَ طَوَافَ الْقُدُومِ أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ.
قَوْلُهُ: (الْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ) أَيْ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ عَرَفَةَ.
قَوْلُهُ: (خَلْفَ الْمَقَامِ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمُصَلَّى وَالْكَعْبَةِ؛ وَالْأُولَى: وَخَلْفُ الْمَقَامِ بِالْوَاوِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ أُخْرَى.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ) أَيْ لَمْ يَرِدْ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (فَحَيْثُ شَاءَ) وَلَا يَفُوتَانِ إلَّا بِالْمَوْتِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ شَرَفٍ. فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ هَذَا مَعَ أَنَّهُ يُغْنِي عَنْهُمَا فَرِيضَةٌ وَنَافِلَةٌ؟ قُلْت لَا يَضُرُّ هَذِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ بَعْدَ الطَّوَافِ أَصْلًا أَوْ صَلَّى لَكِنَّهُ نَفَى سُنَّةَ الطَّوَافِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (مِنْ الْحَرَمِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ أج.
قَوْلُهُ: (الْمَبِيتُ بِمِنًى) فِي حَالِ ذَهَابِهِمْ إلَى عَرَفَةَ، وَقَوْلُهُ " لَيْلَةَ عَرَفَةَ " أَيْ لَيْلَةَ التَّاسِعِ. قَوْلُهُ: (لَيْلَةَ عَرَفَةَ) وَهِيَ لَيْلَةُ التَّاسِعِ. وَقَدْ تَرَكَ النَّاسُ الْيَوْمَ هَذِهِ السُّنَّةَ وَابْتَدَعُوا الْمَبِيتَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ بِعَرَفَةَ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ كَمَا قَرَّرَهُ النُّورُ الزِّيَادِيُّ.
قَوْلُهُ: (وَيَتَجَرَّدُ الرَّجُلُ) أَيْ الذَّكَرُ وَلَوْ صَبِيًّا وَمَجْنُونًا؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ يُقَالُ عَلَى مَا يُقَابِلُ الْأُنْثَى. فَإِنْ قُلْت: فَلِأَيِّ شَيْءٍ أُمِرَ الْمُحْرِمُ بِالتَّجَرُّدِ مِنْ لُبْسِ الْمِخْيَطِ مَعَ أَنَّ مِنْ الْأَدَبِ عِنْدَ مُلَاقَاةِ الْأَكَابِرِ لُبْسِ أَفْخَرِ الثِّيَابِ عَادَةً؟ فَالْجَوَابُ: إنَّمَا أُمِرَ الْعَبْدُ بِمِثْلِ ذَلِكَ إشَارَةً إلَى أَنَّ مِنْ الْأَدَبِ مِنْ كُلِّ مُذْنِبٍ أَنْ يَأْتِيَ رَبَّهُ خَاشِعًا ذَلِيلًا مُتَجَرِّدًا مِنْ جَمِيعِ الْعَلَائِقِ الدُّنْيَوِيَّةِ لِيَقْبَلَهُ السَّيِّدُ وَيَخْلَعَ عَلَيْهِ خُلَعَ الرِّضَا، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] الْآيَةَ، إذْ الْغَنِيُّ اللَّابِسُ لِثِيَابِ الزِّينَةِ لَا يَسْتَحِقُّ صَدَقَةً مِنْ الْحَقِّ تَعَالَى فِي الْعَادَةِ، وَقَدْ يَتَفَضَّلُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْأَغْنِيَاءِ بِالصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ زِيَادَةً عَلَى مَا عِنْدَهُمْ كَالْفَقِيرِ بِحَسَبِ مَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ. اهـ. شَعْرَانِيُّ.
وَقَوْلُهُ " عِنْدَ الْإِحْرَامِ " أَيْ إرَادَتِهِ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ بِالِاسْتِحْبَابِ) وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِحَمْلِ الْوُجُوبِ عَلَى مَا بَعْدَهُ الْإِحْرَامُ وَمَا مَعَهُ وَالِاسْتِحْبَابُ عَلَى مَا قَبْلَهُ، ذَكَرَهُ م د. قَالَ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ: وَفِيهِ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا قَبْلَ الْإِحْرَامِ لَا بَعْدَهُ، إذْ لَا خِلَافَ فِيمَا بَعْدَهُ فَالْخِلَافُ مَعْنَوِيٌّ وَهَذَا الْجَمْعُ يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَمَا ذَكَرَهُ الْمُحَشِّي مِنْ الْجَمْعِ غَيْرُ ظَاهِرٍ، فَقَوْلُهُ فَقَالَ فِيهِ بِالِاسْتِحْبَابِ وَعَلَيْهِ لَا يَجِبُ التَّجَرُّدُ إلَّا بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ وَاجِبٌ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ وَمَعَهُ. قَوْلُهُ: (لِيَشْمَلَ الْخُفَّ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ غَيْرُ الْمَخِيطِ، وَإِلَّا فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْمَخِيطِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَالَ ز ي: وَالضَّابِطُ لِمَا يُحْرِمُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ إحَاطَةٌ لِلْبَدَنِ أَوْ لِبَعْضِ الْأَعْضَاءِ كَجَعْلِ لِحْيَتِهِ فِي خَرِيطَةٍ.
قَوْلُهُ: (نَدْبًا) لَوْ ذَكَرَهُ بَعْدَ أَبْيَضَ كَغَيْرِهِ لَكَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (وَنَعْلَيْنِ) الْمُرَادُ بِهِمَا مَا لَا

(2/450)