تحفة الحبيب على شرح الخطيب = حاشية البجيرمي على الخطيب

فَصْلٌ
فِي الْعَارِيَّةِ وَهِيَ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَقَدْ تُخَفَّفُ اسْمٌ لِمَا يُعَارُ وَلِعَقْدِهَا مِنْ عَارَ إذَا ذَهَبَ وَجَاءَ بِسُرْعَةٍ وَمِنْهُ قِيلَ لِلْغُلَامِ الْخَفِيفِ عَيَّارٌ لِكَثْرَةِ ذَهَابِهِ وَمَجِيئِهِ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] وَفَسَّرَ جُمْهُورُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
إقْرَارُهُ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِحِرْمَانِ بَاقِيهِمْ، قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَاخْتَارَ جَمْعٌ عَدَمَ قَبُولِهِ إنْ اُتُّهِمَ لِفَسَادِ الزَّمَانِ، بَلْ قَدْ تَقْطَعُ الْقَرَائِنُ بِكَذِبِهِ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: فَلَا يَنْبَغِي لِمَنْ يَخْشَى اللَّهَ أَنْ يَقْضِيَ أَوْ يُفْتِيَ بِالصِّحَّةِ وَلَا شَكَّ فِيهِ إذَا عَلِمَ أَنَّ قَصْدَهُ الْحِرْمَانُ وَقَدْ صَرَّحَ جَمْعٌ بِالْحُرْمَةِ حِينَئِذٍ وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُقَرِّ لَهُ أَخْذُهُ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي إقْرَارِ الزَّوْجَةِ بِقَبْضِ صَدَاقِهَا مِنْ زَوْجِهَا، اهـ فَافْهَمْ ذَلِكَ فَهُوَ حَسَنٌ اهـ. قَوْلُهُ: (وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي إقْرَارِ الزَّوْجَةِ بِقَبْضِ صَدَاقِهَا مِنْ زَوْجِهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهَا) هَذِهِ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِهِ: " وَيَصِحُّ إقْرَارُهُ فِي مَرَضِهِ لِوَارِثِهِ " فَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِهَا، وَيُمْكِنُ أَنَّهُ نَبَّهَ عَلَيْهَا اهْتِمَامًا بِهَا لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا، وَقَدْ يُقَالُ: مَا مَرَّ فِي إقْرَارِهِ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ لِوَارِثِهِ وَهَذَا إقْرَارٌ بِقَبْضِ مَا عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (فِي الصِّحَّةِ) أَيْ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ. قَوْلُهُ: (لَا يَحِلُّ لِلْمُقَرِّ لَهُ أَخْذُهُ) يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا عَلِمَ الْمُقَرُّ لَهُ أَنَّهُ قَصَدَ الْمُقِرُّ بِذَلِكَ حِرْمَانَ الْوَرَثَةِ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عِنْدَهُ الْمُقَرَّ بِهِ. قَوْلُهُ: (وَالْخِلَافُ فِي الْإِقْرَارِ) أَيْ إقْرَارِ الْمَرِيضِ. قَوْلُهُ: (بِنِكَاحٍ) أَيْ بِأَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ تَزَوَّجَ فُلَانَةَ مَثَلًا. قَوْلُهُ: (أَوْ عُقُوبَةً) أَيْ مُوجِبُ عُقُوبَةٍ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَفْضَى إلَى الْمَالِ بِالْعَفْوِ إلَخْ) عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُشَوَّشِ، فَالْعَفْوُ رَاجِعٌ لِلْعُقُوبَةِ، وَالْمَوْتُ رَاجِعٌ لِلنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ وَإِنْ وَجَبَ بِالْعَقْدِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَقَرَّرُ إلَّا بِالْمَوْتِ أَوْ الدُّخُولِ، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ فَلَمْ يُوجَدْ دُخُولٌ فَيَكُونُ تَقَرُّرُهُ بِالْمَوْتِ.
قَوْلُهُ: (قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ) رَاجِعٌ لِلْمَوْتِ أَيْ مَاتَ الزَّوْجُ مَثَلًا قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الزَّوْجَةِ الْمَهْرَ.

[فَصْلٌ فِي الْعَارِيَّةِ]
ِ ذَكَرَهَا عَقِبَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهَا تُشْبِهُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِي كُلِّ إزَالَةٍ مَا هُوَ تَحْتَ يَدِهِ لِغَيْرِهِ، لَكِنْ فِي الْإِقْرَارِ لَا عَوْدَ وَفِي الْعَارِيَّةِ عَوْدٌ وَذَكَرَهَا فِي التَّحْرِيرِ عَقِبَ الْإِجَارَةِ وَهُوَ أَنْسَبُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا اسْتِيفَاءُ مَنْفَعَةٍ، لَكِنَّ الْإِجَارَةَ اسْتِيفَاءُ مَنْفَعَةٍ بِمُقَابِلٍ وَالْعَارِيَّةُ اسْتِيفَاءُ مَنْفَعَةٍ بِلَا مُقَابِلٍ، وَلِاتِّحَادِ شَرْطِ مَا يُؤَجَّرُ وَمَا يُعَارُ دَائِمًا أَوْ غَالِبًا؛ وَلِذَا قَالَ الرُّويَانِيُّ: كُلُّ مَا جَازَتْ إجَارَتُهُ جَازَتْ إعَارَتُهُ وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ بَعْضُ فُرُوعٍ.
قَوْلُهُ: (وَقَدْ تُخَفَّفُ) وَفِيهَا لُغَةٌ ثَالِثَةٌ: بِوَزْنِ نَاقَةٍ م ر عَارَةٌ ع ش. قَوْلُهُ؛ (اسْمٌ لِمَا يُعَارُ) أَيْ شَرْعًا، وَلِعَقْدِهَا أَيْ فَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا ع ش. وَعِبَارَةُ ح ل: قَوْلُهُ " اسْمٌ لِمَا يُعَارُ " أَيْ لُغَةً وَشَرْعًا أَوْ لُغَةً فَقَطْ أَوْ لُغَةً لِمَا يُعَارُ وَشَرْعًا لِلْعَقْدِ، لَكِنْ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ مَا يُفِيدُ أَنَّ إطْلَاقَهَا عَلَى كُلٍّ مِنْ الْعَقْدِ وَمَا يُعَارُ لُغَوِيٌّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَحَقِيقَتُهَا الشَّرْعِيَّةُ إبَاحَةُ مَنْفَعَةِ مَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ.
قَوْلُهُ: (إذَا ذَهَبَ وَجَاءَ بِسُرْعَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهَا تُرَدُّ لِصَاحِبِهَا بِالسُّرْعَةِ، وَقِيلَ مِنْ التَّعَاوُرِ وَهُوَ التَّنَاوُبُ لِتَنَاوُبِ الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ فِي الْمَنْفَعَةِ، وَقِيلَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْعَارِ أَيْ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ طَلَبَهَا عَارٌ وَعَيْبٌ. وَرُدَّ بِأَنَّ عَيْنَ الْعَارِيَّةِ وَاوٌ وَعَيْنَ الْعَارِ يَاءٌ وَبِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعَارَ فَرَسًا اهـ قَوْلُهُ: (عَيَّارٌ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ.
قَوْلُهُ: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2]

(3/154)


الْمُفَسِّرِينَ قَوْله تَعَالَى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 7] مَا يَسْتَعِيرُهُ الْجِيرَانُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ كَالدَّلْوِ وَالْفَأْسِ وَالْإِبْرَةِ، وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعَارَ فَرَسًا مِنْ أَبِي طَلْحَةَ فَرَكِبَهُ» وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ، وَقَدْ تَجِبُ كَإِعَارَةِ الثَّوْبِ لِدَفْعِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ، وَقَدْ تَحْرُمُ كَإِعَارَةِ الْأَمَةِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، وَقَدْ تُكْرَهُ كَإِعَارَةِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ مِنْ كَافِرٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
الْبِرُّ فِعْلُ الْخَيْرِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ فِي الْعَارِيَّةِ فِعْلُ الْخَيْرِ وَالتَّقْوَى امْتِثَالُ الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابُ النَّوَاهِي. وَسُمِّيَتْ تَقْوًى؛ لِأَنَّهَا تَقِي أَيْ تَحْفَظُ صَاحِبَهَا مِنْ الْمَهَالِكِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (وَفَسَّرَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ) أَيْ فَسَرُّوا الْمَاعُونَ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 7] وَغَيْرُ الْجُمْهُورِ فَسَّرَهُ بِالزَّكَاةِ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: هُوَ كُلُّ مَعْرُوفٍ. اهـ. سَمِّ. وَحَكَى الْبَيْضَاوِيُّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ بِقِيلَ وَقَدَّمَ عَلَيْهِ تَفْسِيرَهُ بِالزَّكَاةِ اهـ. وَكَانَتْ وَاجِبَةً فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ لِلْوَعِيدِ عَلَيْهَا فِي الْآيَةِ ثُمَّ نُسِخَ وُجُوبُهَا. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. فَلَا حَاجَةَ لِمَا يُقَالُ إنَّ الْوَعِيدَ فِي الْآيَةِ عَلَى مَجْمُوعِ مَا فِيهَا أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يَمْنَعُ الْمَاعُونَ إذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ إعَارَتُهُ. قَوْله: (كَإِعَارَةِ الثَّوْبِ إلَخْ) مَعَ وُجُوبِ الْأُجْرَةِ حَيْثُ كَانَ لِمِثْلِهِ أُجْرَةٌ ز ي وَهَلْ وَإِنْ لَمْ يُعْقَدْ بِذَلِكَ أَوْ حَيْثُ عُقِدَ بِهِ. وَفِيهِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِعَارِيَّةٍ بَلْ إجَارَةٍ، وَكَذَا تَجِبُ إعَارَةُ كُلِّ مَا فِيهِ إحْيَاءُ مُهْجَةٍ مُحْتَرَمَةٍ، وَكَذَا إعَارَةُ سِكِّينٍ لِذَبْحِ مَأْكُولٍ يُخْشَى مَوْتُهُ ح ل. وَلَا يُنَافِي وُجُوبَ الْإِعَارَةِ هُنَا أَنَّ الْمَالِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَبْحُهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ إضَاعَةُ مَالٍ؛ لِأَنَّهَا بِالتَّرْكِ هُنَا، وَهُوَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ لَا يُنَافِي وُجُوبَ إسْعَافِهِ إذَا أَرَادَ حِفْظَ مَالِهِ كَمَا يَجِبُ الِاسْتِيدَاعُ إنْ تَعَيَّنَ وَإِنْ جَازَ لِلْمَالِكِ الْإِعْرَاضُ عَنْهُ إلَى التَّلَفِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَإِنْ تَوَهَّمَ بَعْضُ الطَّلَبَةِ الْمُنَافَاةَ. اهـ. عِ ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ؛ (وَقَدْ تَحْرُمُ) وَلَا تَصِحُّ، وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ سم.
قَوْلُهُ: (كَإِعَارَةِ الْأَمَةِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْعَارِيَّةَ حِينَئِذٍ فَاسِدَةٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعَقْدَ شَامِلٌ لِلْفَاسِدِ كَالصَّحِيحِ، تَدَبَّرْ. وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ اعْتِرَاضِ الْقَلْيُوبِيِّ. قَوْلُهُ: (مِنْ أَجْنَبِيٍّ) أَيْ لَهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ بِأَنْ مَرِضَ الْأَجْنَبِيُّ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَخْدُمُهُ إلَّا أَمَةً فَاسْتَعَارَهَا لِذَلِكَ فَتَصِحُّ لِلضَّرُورَةِ. وَقَوْلُهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَكَالصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ وَالْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ لِلْحَرْبِيِّ وَقَاطِعِ الطَّرِيقِ وَالْبَاغِي إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ عِصْيَانُهُمْ بِذَلِكَ اهـ ز ي.
قَوْلُهُ: (مِنْ كَافِرٍ) وَوَجْهُ الْكَرَاهَةِ مِنْ حَيْثُ الْعَقْدُ وَإِلَّا فَخِدْمَةُ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ حَرَامٌ قَطْعًا وَلَوْ بِأُجْرَةٍ وَلَوْ فِي حَمَّامٍ أَوْ حَلْقِ رَأْسِهِ فَلَا يُمْكِنُ مِنْ اسْتِخْدَامِهِ كَمَا قَالَهُ قِ ل. وَانْظُرْ مَا فَائِدَةُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعِيرُهُ وَلَا يُؤَجِّرُهُ، وَلَعَلَّ فَائِدَةَ ذَلِكَ تَظْهَرُ فِي الْأَيْمَانِ وَالتَّعَالِيقِ. اهـ. م د. أَقُولُ: فَائِدَةُ ذَلِكَ إذَا اسْتَعَارَهُ لِيَرْهَنَهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَا تَعْتَرِيهَا الْإِبَاحَةُ؛ لِأَنَّ أَصْلَ وَضْعِهَا السُّنَّةُ، قَالَ ع ش: وَيُمْكِنُ تَصْوِيرُهَا فِي إعَارَةِ شَيْءٍ لِغَيْرِ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ عَبْدِ الْبَرِّ وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ أَصَالَةً إجْمَاعًا، وَكَانَتْ وَاجِبَةً فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ لِقَوْلِهِ: (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) ثُمَّ نُسِخَ وُجُوبُهَا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَأْخُذَ مَالَ أَخِيهِ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ " وَقَدْ تَجِبُ كَإِعَارَةِ الثَّوْبِ لِدَفْعِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ، وَكَإِعَارَةِ الْحَبْلِ لِإِنْقَاذِ غَرِيقٍ وَالسِّكِّينِ لِذَبْحِ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ يُخْشَى مَوْتُهُ. وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ إضَاعَةَ الْمَالِ إذَا كَانَ سَبَبُهَا تَرْكًا لَا تَحْرُمُ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْحَيَوَانَ قَدْ يَكُونُ لِمَحْجُورٍ بِحَضْرَةِ وَلِيِّهِ اهـ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا تَجِبُ إعَارَةُ السِّكِّينِ لِذَبْحِ الْحَيَوَانِ الْمَذْكُورِ إلَّا إذَا كَانَ لِمَحْجُورٍ إلَخْ رَاجِعْهُ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَهِيَ سُنَّةٌ، وَقَدْ تَكُونُ وَاجِبَةً كَإِعَارَةِ ثَوْبٍ لِدَفْعِ نَحْوِ مُؤْذٍ كَحَرٍّ وَمُصْحَفٍ لِمَنْ لَمْ يَحْفَظْ الْفَاتِحَةَ وَهُوَ يَعْرِفُ الْمُطَالَعَةَ عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْعُبَابِ تَبَعًا لِلْكِفَايَةِ، أَوْ ثَوْبٍ تَوَقَّفَتْ صِحَّةُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ. وَالظَّاهِرُ مِنْ حَيْثُ الْفِقْهُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وُجُوبُ إعَارَةِ كُلِّ مَا فِيهِ إحْيَاءُ مُهْجَةٍ مُحْتَرَمَةٍ وَلَا أُجْرَةَ لِمِثْلِهِ، وَكَذَا إعَارَةُ سِكِّينٍ لِذَبْحِ مَأْكُولٍ يُخْشَى مَوْتُهُ، وَكَإِعَارَةِ مَا كَتَبَ بِنَفْسِهِ أَوْ مَأْذُونِهِ فِيهِ سَمَاعُ غَيْرِهِ أَوْ رِوَايَتُهُ لِيَنْسَخَهُ مِنْهُ تَحْرُمُ كَإِعَارَةِ غَيْرِ صَغِيرَةٍ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، وَتُكْرَهُ كَإِعَارَةِ مُسْلِمٍ لِكَافِرٍ اهـ. وَتَعْتَرِيهَا الْإِبَاحَةُ بِأَنْ أَعَارَ لِغَنِيٍّ غَيْرِ مُحْتَاجٍ، كَمَا إذَا

(3/155)


وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ: مُعِيرٌ وَمُسْتَعِيرٌ وَمُعَارٌ وَصِيغَةٌ. وَقَدْ بَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِالْمُسْتَعَارِ فَقَالَ وَكُلُّ مَا أَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ كَالْعَبْدِ وَالثَّوْبِ، فَخَرَجَ بِالْقَيْدِ الْأَوَّلِ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فَلَا يُعَارُ مَا لَا نَفْعَ فِيهِ كَالْحِمَارِ الزَّمِنِ، وَأَمَّا مَا يُتَوَقَّعُ نَفْعُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَالْجَحْشِ الصَّغِيرِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِيهِ أَنَّ الْعَارِيَّةَ إنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً أَوْ مُؤَقَّتَةً بِزَمَنٍ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ صَحَّتْ وَإِلَّا فَلَا، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ ذَلِكَ، وَخَرَجَ بِالْقَيْدِ الثَّانِي مَا لَوْ كَانَتْ مَنْفَعَتُهُ مُحَرَّمَةً، فَلَا يُعَارُ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ انْتِفَاعًا مُحَرَّمًا كَآلَاتِ الْمَلَاهِي، وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَنْفَعَتُهُ قَوِيَّةً فَلَا يُعَارُ النَّقْدَانِ لِلتَّزَيُّنِ إذْ مَنْفَعَتُهُ بِهِمَا، أَوْ الضَّرْبُ عَلَى طَبْعِهِمَا مَنْفَعَةٌ ضَعِيفَةٌ قَلَّمَا تُقْصَدُ، وَمُعْظَمُ مَنْفَعَتِهِمَا فِي الْإِنْفَاقِ وَالْإِخْرَاجِ، نَعَمْ إنْ صَرَّحَ بِالتَّزَيُّنِ أَوْ الضَّرْبِ عَلَى طَبْعِهِمَا أَوْ نَوَى ذَلِكَ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ صَحَّتْ لِاِتِّخَاذِهِ هَذِهِ الْمَنْفَعَةَ مَقْصِدًا وَإِنْ ضَعُفَتْ، وَيَنْبَغِي مَجِيءُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
كَانَ عِنْدَ شَخْصٍ ثِيَابٌ كَثِيرَةٌ مَثَلًا وَعِنْدَ آخَرَ ثَوْبٌ وَاحِدٌ فَقَطْ وَهُوَ مُسْتَغْنٍ بِهِ فَاسْتَعَارَ صَاحِبُ الثَّوْبِ الْوَاحِدِ مِنْ صَاحِبِ الثِّيَابِ ثَوْبًا، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ بِالْإِبَاحَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.

قَوْلُهُ: (بِالْمُسْتَعَارِ) الْمُنَاسِبِ " بِالْمُعَارِ ". قَوْلُهُ: (وَكُلُّ مَا أَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَخْ) حَاصِلُ مَا فِي الْمَتْنِ شُرُوطٌ ثَلَاثَةٌ، وَزَادَ الشَّارِحُ رَابِعًا وَخَامِسًا.
قَوْلُهُ: (فَخَرَجَ بِالْقَيْدِ الْأَوَّلِ) فِي هَذَا الْإِخْرَاجِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْحُكْمِ بِالْجَوَازِ، فَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمُ قَوْلِهِ " جَازَتْ إعَارَتُهُ " عَلَى قَوْلِهِ " فَخَرَجَ إلَخْ " إلَّا أَنْ يُقَالَ لَاحَظَ الْإِخْبَارَ أَوَّلًا ثُمَّ أَخْرَجَ أَوْ اتَّكَلَ عَلَى الْمُعَلِّمِ. قَوْلُهُ: (مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ) الْمُنَاسِبُ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: مَا لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ إدْخَالُ مَا تَوَقَّعَ نَفْعَهُ، كَالْجَحْشِ الصَّغِيرِ إذَا كَانَتْ إعَارَتُهُ مُقَيَّدَةً فِي زَمَنٍ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (الزَّمِنِ) بِفَتْحِ الزَّاي وَكَسْرِ الْمِيمِ قَالَ فِي الْمِصْبَاح زَمِنَ الشَّخْصُ زَمِنًا وَزَمَانَةً فَهُوَ زَمِنٌ مِنْ بَابِ تَعِبَ وَهُوَ مَرَضٌ يَدُومُ زَمَانًا طَوِيلًا. قَوْلُهُ: (كَآلَاتِ الْمَلَاهِي) قَضِيَّةُ التَّمْثِيلِ بِمَا ذَكَرَ لِلْمُحَرَّمِ أَنَّ مَا يُبَاحُ اسْتِعْمَالُهُ مِنْ الطُّبُولِ وَنَحْوِهَا لَا يُسَمَّى آلَةَ لَهْوٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَعَلَيْهِ فَالشِّطْرَنْجُ تُبَاحُ إعَارَتُهُ بَلْ إجَازَتُهُ. اهـ. عِ ش.
قَوْلُهُ: (قَوِيَّةً) عِبَارَةُ م ر: " مَقْصُودَةً " بَدَلَ " قَوِيَّةً " وَهِيَ أَوْلَى، وَيَدُلُّ عَلَيْهَا قَوْلُهُ بَعْدُ: " قَلَّمَا تُقْصَدُ اهـ " وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَلَا بُدَّ إلَى قَيْدٍ آخَرَ. قَوْلُهُ: (لِلتَّزَيُّنِ) أَيْ أَوْ لِلضَّرْبِ عَلَى طَبْعِهِمَا، أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ وَالِاسْتِدْرَاكِ الْآتِي وَإِنْ لَمْ يُقَدِّرْ مَا ذَكَرَ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ أَوْ الضَّرْبِ عِلَّةً بِلَا مُعَلِّلٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ " أَوْ الضَّرْبِ " بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى " لِلتَّزَيُّنِ " فَهُوَ مُؤَخَّرٌ مِنْ تَقْدِيمٍ، وَقَوْلُهُ " إذْ مَنْفَعَتُهُ " عِلَّةٌ لِذَلِكَ، وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ " لِلتَّزَيُّنِ " هِيَ لَامُ الْعَاقِبَةِ بِأَنْ اسْتَعَارَ النَّقْدَ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ لِجِهَةِ الِانْتِفَاعِ لِيُوَافِقَ مَا سَيَأْتِي أَنَّهُ إنْ صَرَّحَ بِالتَّزَيُّنِ أَوْ الضَّرْبِ عَلَى طَبْعِهِمَا صَحَّ لِجَعْلِهِ هَذِهِ الْمَنْفَعَةَ مَقْصُودَةً؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ ضَعِيفَةً تَتَقَوَّى بِالْقَصْدِ. وَعِبَارَةُ الْمَرْحُومِيِّ: لَعَلَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ " لِلتَّزَيُّنِ " أَيْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ حَتَّى لَا يُنَافِي الِاسْتِدْرَاكَ الْآتِي، وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: فَلَا يُعَارُ النَّقْدَانِ فَقَطْ، وَيُحْذَفُ قَوْلُهُ " لِلتَّزَيُّنِ " ثُمَّ يَسْتَدْرِكُ بَعْدَ ذَلِكَ قَوْلُهُ: (إذْ مَنْفَعَتُهُ) أَيْ الْمُسْتَعِيرِ بِهِمَا، أَيْ بِالنَّقْدَيْنِ، أَيْ لِلتَّزَيُّنِ كَمَا هُوَ الْفَرْضُ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ ضَمِيرَ مَنْفَعَتِهِ لِلتَّزَيُّنِ وَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ. وَقَوْلُهُ " أَوْ الضَّرْبُ " الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِالرَّفْعِ مَعْطُوفٌ عَلَى " مَنْفَعَتُهُ " مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، وَيَكُونُ " أَوْ " بِمَعْنَى الْوَاوِ، وَجَرُّهُ مَعْطُوفًا عَلَى " التَّزَيُّنِ " مِنْ بَابِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ الْفَصْلُ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِالْمُبْتَدَإِ وَهُوَ " مَنْفَعَتُهُ " وَالْفَصْلُ بَيْنَ الْمُبْتَدَإِ وَخَبَرِهِ بِقَوْلِهِ " أَوْ الضَّرْبُ " تَأَمَّلْ. نَعَمْ يَجُوزُ عَطْفُهُ عَلَى ضَمِيرِ مَنْفَعَتِهِ إذَا كَانَ رَاجِعًا لِلتَّزَيُّنِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ مَالِكٍ الْمُجَوِّزِ لِلْعَطْفِ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَخْفُوضِ بِدُونِ إعَادَةِ الْخَافِضِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ " أَوْ الضَّرْبُ " مَعْطُوفًا عَلَى " التَّزَيُّنِ " فَهُوَ مُؤَخَّرٌ مِنْ تَقْدِيمٍ وَحَقُّهُ أَنْ يُذْكَرَ بِجَنْبِهِ، وَيَكُونُ الضَّمِيرُ فِي مَنْفَعَتِهِ لِلْمُسْتَعَارِ وَفِي بِهِمَا لِلتَّزَيُّنِ وَالضَّرْبِ، وَفِيهِ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى مُتَأَخِّرٍ لَفْظًا لَكِنَّهُ مُتَقَدِّمٌ رُتْبَةً، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ مُسَامَحَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْفَصْلِ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِالْمُبْتَدَإِ وَالْفَصْلُ بَيْنَ الْمُبْتَدَإِ وَالْخَبَرِ بِالْمَعْطُوفِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الضَّمِيرَ فِي " مَنْفَعَتُهُ " عَائِدٌ عَلَى " التَّزَيُّنِ " وَقَوْلُهُ " أَوْ الضَّرْبِ " بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى ضَمِيرِ " التَّزَيُّنِ " وَلَكِنْ يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الضَّرْبَ لَمْ يَتَقَدَّمْ فِي الدَّعْوَى وَإِنَّمَا تَقَدَّمَ فِيهَا التَّزَيُّنُ. وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الضَّرْبَ مُقَدَّرٌ أَيْضًا، وَالتَّقْدِيرُ: فَلَا يُعَارُ النَّقْدَانِ لِلتَّزَيُّنِ أَوْ الضَّرْبِ، فَحُذِفَ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي.

(3/156)


فِي الْمَطْعُومِ الْآتِي. وَخَرَجَ بِالْقَيْدِ الثَّالِثِ مَا لَوْ كَانَتْ مَنْفَعَتُهُ فِي إذْهَابِ عَيْنِهِ، فَلَا يُعَارُ الْمَطْعُومُ وَنَحْوُهُ فَإِنَّ الِانْتِفَاعَ بِهِ إنَّمَا هُوَ بِالِاسْتِهْلَاكِ، فَانْتَفَى الْمَقْصُودُ مِنْ الْإِعَارَةِ. فَإِنْ اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ فِي الْمُعَارِ (جَازَتْ إعَارَتُهُ إذَا كَانَتْ مَنَافِعُهُ آثَارًا) بِالْقَصْرِ أَيْ بَاقِيَةً كَالثَّوْبِ وَالْعَبْدِ كَمَا مَرَّ، فَخَرَجَ بِالْمَنَافِعِ الْأَعْيَانُ، فَلَوْ أَعَارَهُ شَاةً لِلَبَنِهَا أَوْ شَجَرَةً لِثَمَرَتِهَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ أَعَارَهُ شَاةً أَوْ دَفَعَهَا لَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (وَالْإِخْرَاجِ) أَيْ فِي الْمَصَالِحِ وَهُوَ عَطْفُ مُرَادِفٍ. قَوْلُهُ: (عَلَى طَبْعِهِمَا) أَيْ صُورَتِهِمَا.
قَوْلُهُ: (فِي الْمَطْعُومِ الْآتِي) أَيْ فَإِذَا اسْتَعَارَ طَعَامًا لِيَطْبُخَ مِثْلَهُ صَحَّ.
قَوْلُهُ: (فَلَا يُعَارُ الْمَطْعُومُ وَنَحْوُهُ) أَيْ كَالشَّمْعِ وَالصَّابُونِ. وَهَلْ يُنَزَّلُ الِاسْتِقْذَارُ مَنْزِلَةَ إذْهَابِ الْعَيْنِ فَلَا تَصِحُّ إعَارَةُ الْمَاءِ لِلْغُسْلِ أَوْ الْوُضُوءِ وَإِنْ لَمْ يَتَنَجَّسْ أَوْ تَصِحَّ نَظَرًا لِبَقَاءِ عَيْنِهِ مَعَ طَهَارَتِهِ؟ مَحَلُّ نَظَرٍ، وَجَرَى ق ل عَلَى صِحَّةِ إعَارَةِ ذَلِكَ لَكِنْ تَبَعًا لِلظَّرْفِ، وَمَشَى الرَّمْلِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى جَوَازِ إعَارَةِ الْمَاءِ لِلْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ وَالتَّبَرُّدِ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى فِي ظَرْفِهِ وَالْأَجْزَاءُ الذَّاهِبَةُ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ مَا يَذْهَبُ مِنْ الثَّوْبِ الْمُعَارِ بِالِانْمِحَاقِ. اهـ. م د؛ وَعِبَارَتُهُ عَلَى التَّحْرِيرِ: وَلَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ مِنْ الْمُعَارِ أَيْ مِنْ ذَاتِهِ أَوْ وَصْفِهِ، فَلَوْ أَعَارَهُ ثَوْبًا لِلُبْسِهِ فَلَا يَضْمَنُ مَا انْسَحَقَ مِنْهُ أَوْ انْمَحَقَ وَإِنْ ذَهَبَ جَمِيعُهُ، أَوْ أَعَارَهُ مَاءً لِوُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ فَلَا يَضْمَنُ مَا تَشَرَّبَتْهُ الْأَعْضَاءُ مِنْهُ وَلَا نَقَصَ قِيمَتُهُ بِالِاسْتِعْمَالِ، وَلَوْ أَعَارَهُ دَوَاةً لِلْكِتَابَةِ مِنْهَا أَوْ دَابَّةً لِأَخْذِ لَبَنِهَا أَوْ شَجَرَةً لِأَخْذِ ثَمَرَتِهَا لَمْ يَضْمَنْ تِلْكَ الْأَعْيَانَ الْمَأْخُوذَةَ. نَعَمْ لَوْ قَالَ شَيْخُنَا: الْحَقُّ أَنَّ تِلْكَ الْأَعْيَانَ مَأْخُوذَةٌ بِالْإِبَاحَةِ وَأَنَّ الْمُعَارَ مَحَالُّهَا فَقَطْ لِأَخْذِهَا مِنْهَا ق ل. وَعِبَارَةُ م ر: وَحَقَّقَ الْأُشْمُونِيُّ فَقَالَ: إنَّ الدَّرَّ وَالنَّسْلَ لَيْسَا مُسْتَفَادَيْنِ بِالْعَارِيَّةِ بَلْ الْإِبَاحَةُ وَالْمُسْتَعَارُ هُوَ الشَّاةُ لِمَنْفَعَةٍ هُوَ التَّوَصُّلُ لِمَا أُبِيحَ وَكَذَا الْبَاقِي اهـ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ فِي الْمُعَارِ إلَخْ) فِيهِ تَغْيِيرُ إعْرَابِ الْمَتْنِ؛ لِأَنَّ جُمْلَةَ جَازَتْ إعَارَتُهُ خَبَرُ كُلٍّ مِنْ قَوْلِهِ وَكُلُّ مَا أَمْكَنَ وَقَدْ جَعَلَهَا الشَّارِحُ جَوَابَ الشَّرْطِ، وَيَلْزَمُ عَلَى كَلَامِهِ خُلُوُّ الْمُبْتَدَإِ عَنْ الْخَبَرِ تَأَمَّلْ. وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ حَلَّ مَعْنًى.
قَوْلُهُ: (جَازَتْ إعَارَتُهُ) أَيْ وَاسْتِعَارَتُهُ، وَمُرَادُهُ بِالْجَوَازِ مَا قَابَلَ الْحُرْمَةَ فَيُصَدَّقُ بِالنَّدْبِ وَالْوُجُوبِ.
قَوْلُهُ: (إذَا كَانَتْ مَنَافِعُهُ) هَذَا الشَّرْطُ يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ: مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ. قَوْلُهُ: (بِالْقَصْرِ) فِيهِ نَظَرٌ، فَفِي الْمِصْبَاحِ: وَأَثَرُ الدَّارِ بَقِيَّتُهَا وَالْجَمْعُ آثَارٌ كَسَبَبٍ وَأَسْبَابٍ اهـ فَالْقَصْرُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُفْرَدِ دُونَ الْجَمْعِ، فَلَعَلَّهُ اشْتَبَهَ عَلَى الشَّارِحِ. وَفِي نُسْخَةٍ " أَثَرًا " بِالْإِفْرَادِ، وَلَا إشْكَالَ عَلَيْهَا فَيُمْكِنُ أَنَّ الشَّارِحَ شَرَحَ عَلَيْهَا؛ لَكِنْ يَرِدُ عَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ عَدَمُ الْمُطَابِقَةِ بَيْنَ اسْمِ كَانَ وَخَبَرِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ ذَوَاتَ أَثَرٍ. قَوْلُهُ: (أَيْ بَاقِيَةً) فِيهِ مُسَامَحَةً؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الْآثَارِ بِبَقَاءِ الْعَيْنِ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ قَالَ: مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ، وَهَذَا قَدْ تَقَدَّمَ، فَيَكُونُ مُسْتَدْرَكًا، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَيْ مَنَافِعَ غَيْرَ أَعْيَانٍ كَمَا قَالَ غَيْرُهُ. وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ التَّكْرَارُ أَيْضًا وَاتِّحَادُ اسْمِ كَانَ وَخَبَرِهَا، فَكَأَنَّهُ قَالَ: إذَا كَانَتْ مَنَافِعُهُ مَنَافِعَ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمَنَافِعَ فِي الْأَوَّلِ الْمُرَادُ بِهَا مَا يُنْتَفَعُ بِهِ أَعَمُّ مِنْ الْأَعْيَانِ وَالْآثَارِ وَالثَّانِي الْمُرَادُ بِهِ الْآثَارُ فَقَطْ فَيَكُونُ الثَّانِي أَخَصَّ سم.
قَوْلُهُ: (فَخَرَجَ بِالْمَنَافِعِ إلَخْ) فِيهِ مُسَامَحَةٌ، فَإِنَّ الْمَنَافِعَ الَّتِي فِي الْمَتْنِ لَمْ تُجْعَلْ شَرْطًا وَقَيْدًا. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ، أَيْ قَيَّدَ الْمَنَافِعَ وَهُوَ قَوْلُهُ آثَارًا، وَهَذَا الْإِخْرَاجُ ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْعَارِيَّةَ صَحِيحَةٌ وَالْمُسْتَفَادُ مِنْهَا مَنَافِعُ وَهِيَ تُوَصِّلُك لِحَقِّك مِنْ اللَّبَنِ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا اللَّبَنُ فَهُوَ مَأْخُوذٌ بِالْإِبَاحَةِ لَا الْعَارِيَّةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ ق ل: لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُعَارَ فِي ذَلِكَ هُوَ الشَّاةُ لِتُوَصِّلَك إلَى مَا أُبِيحَ لَك وَأَنَّ اللَّبَنَ مَأْخُوذٌ بِالْإِبَاحَةِ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ فَقَوْلُهُ لَمْ يَصِحَّ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ إلَّا إنْ كَانَ مُرَادُهُ إعَارَةَ نَفْسِ اللَّبَنِ أَوْ نَفْسِ الثَّمَرَةِ؛ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ. وَعِبَارَةُ ز ي: الْحَقُّ أَنَّ الدَّرَّ وَالنَّسْلَ لَيْسَا مُسْتَفَادَيْنِ بِالْعَارِيَّةِ بَلْ بِالْإِبَاحَةِ وَالْمُسْتَعَارُ هُوَ الشَّاةُ لِمَنْفَعَةٍ وَهِيَ إيصَالُك إلَى مَا أُبِيحَ لَك، فَهُوَ كَمَا لَوْ اسْتَعَرْت مَجْرًى فِي أَرْضِ غَيْرِك لِتُوَصِّلَ مَاءَك إلَى أَرْضِك.
قَوْلُهُ: (أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ) كَإِعَارَةِ دَوَاةٍ لِلْكِتَابَةِ مِنْهَا وَمَاءٍ لِلْوُضُوءِ بِهِ مَثَلًا أَوْ لِإِزَالَةِ نَجَاسَةٍ بِهِ وَإِنْ تَنَجَّسَ أَوْ بُسْتَانٍ لِأَخْذِ ثَمَرِهِ، فَكُلُّ ذَلِكَ صَحِيحٌ، وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ ق ل. وَقَوْلُهُ " وَكُلُّ ذَلِكَ صَحِيحٌ " أَيْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِلشَّارِحِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ " لَمْ يَصِحَّ " ضَعِيفٌ، وَقَوْلُهُ " وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ " وَهُوَ أَنَّ الْحِبْرَ وَالْمَاءَ وَالثَّمَرَةَ مَأْخُوذَةٌ بِالْإِبَاحَةِ وَالْمُسْتَعَارُ إنَّمَا هُوَ ظَرْفُ الْحِبْرِ وَظَرْفُ

(3/157)


وَمَلَّكَهُ دَرَّهَا وَنَسْلَهَا لَمْ يَصِحَّ، وَلَمْ يَضْمَنْ آخُذُهَا الدَّرَّ وَالنَّسْلَ لِأَنَّهُ أَخَذَهُمَا بِهِبَةٍ، فَاسِدَةٍ وَيَضْمَنُ الشَّاةَ بِحُكْمِ الْعَارِيَّةِ الْفَاسِدَةِ.

(وَتَجُوزُ) إعَارَةُ جَارِيَةٍ لِخِدْمَةِ امْرَأَةٍ أَوْ ذَكَرٍ مُحَرَّمٍ لِلْجَارِيَةِ لِعَدَمِ الْمَحْذُورِ فِي ذَلِكَ. وَفِي مَعْنَى الْمَرْأَةِ وَالْمُحَرَّمِ الْمَمْسُوحُ وَزَوْجُ الْجَارِيَةِ وَمَالِكُهَا كَأَنْ يَسْتَعِيرَهَا مِنْ مُسْتَأْجِرِهَا أَوْ الْمُوصَى لَهُ بِمَنْفَعَتِهَا. وَيَلْحَقُ بِالْجَارِيَةِ الْأَمْرَدُ الْجَمِيلُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ، لَا سِيَّمَا مِمَّنْ عُرِفَ بِالْفُجُورِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَسَكَتُوا عَنْ إعَارَةِ الْعَبْدِ لِلْمَرْأَةِ وَهُوَ كَعَكْسِهِ بِلَا شَكٍّ، وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَعِيرُ أَوْ الْمُعَارُ خُنْثَى امْتَنَعَ احْتِيَاطًا وَيُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ اسْتِعَارَةُ وَإِعَارَةُ فَرْعِ أَصْلِهِ لِخِدْمَةٍ وَاسْتِعَارَةُ، وَإِعَارَةُ كَافِرٍ مُسْلِمًا صِيَانَةً لَهُمَا عَنْ الْإِذْلَالِ.

تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ شُرُوطِ بَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ، فَيُشْتَرَطُ فِي الْمُعِيرِ صِحَّةُ تَبَرُّعِهِ وَلِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ بِإِبَاحَةِ الْمَنْفَعَةِ فَلَا تَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمُكَاتَبٍ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَمَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ وَفَلَسٍ أَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا فَلَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
الْمَاءِ لِمَنْفَعَةٍ وَهِيَ إيصَالك لِمَا أُبِيحَ لَك، وَكَذَا الْبُسْتَانُ مُعَارٌ لِإِيصَالِك لِلثَّمَرِ تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (بِحُكْمِ الْعَارِيَّةِ الْفَاسِدَةِ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى حِينَئِذٍ أَعْيَانٌ لَا مَنَافِعُ. اهـ. م د.

قَوْلُهُ: (الْمَمْسُوحُ) أَيْ إذَا كَانَ عَفِيفًا، وَمِثْلُهُ الْمَرْأَةُ.
قَوْلُهُ: (وَزَوْجُ الْجَارِيَةِ) أَيْ بِأَنْ يَسْتَعِيرَهَا مِنْ سَيِّدِهَا وَلَا نَفَقَةَ عَلَى الزَّوْجِ وَإِنْ سَلِمَتْ لَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا؛ لِأَنَّ تَسَلُّمَهُ لَهَا إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ الْعَارِيَّةِ وَالْمُعَارُ نَفَقَتُهُ عَلَى مَالِكِهِ. اهـ. م د. وَيُلْغِزُ بِهَا وَيُقَالُ: لَنَا زَوْجَةٌ مُسْلِمَةٌ لِزَوْجِهَا لَيْلًا وَنَهَارًا وَلَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (كَأَنْ يَسْتَعِيرَهَا) يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ وَمَالِكُهَا. قَوْلُهُ: (وَيَلْحَقُ بِالْجَارِيَةِ إلَخْ) ذَكَرَ م ر هَذَا بَعْدَ أَنْ قَالَ بِخِلَافِ إعَارَتِهَا لِأَجْنَبِيٍّ وَلَوْ شَيْخَاهُمَا أَوْ مُرَاهِقًا أَوْ خَصِيًّا. وَقَدْ تَضَمَّنَتْ نَظَرًا أَوْ خَلْوَةً مُحَرَّمَةً وَلَوْ بِاعْتِبَارِ الْمَظِنَّةِ فِيمَا يَظْهَرُ لِحُرْمَتِهِ اهـ. وَهُوَ أَصْنَعُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْإِلْحَاقُ فِي الْحُرْمَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: لَا سِيَّمَا إلَخْ، وَقَوْلُهُ: وَيَلْحَقُ إلَخْ؛ أَيْ فِي صِحَّةِ إعَارَتِهِ لِلْمُحْرِمِ دُونَ الْأَجْنَبِيِّ وَهَذَا مَأْخُوذٌ بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ مِمَّا ذَكَرَ فِي الْجَارِيَةِ. وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ: قَوْلُهُ " وَيَلْحَقُ إلَخْ " يَقْتَضِي حُرْمَةَ ذَلِكَ وَلَوْ لِعَدْلٍ، وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَدْلِ وَلَا يُقَالُ لَوْ نَظَرَ لِلْعَدَالَةِ لَجَازَتْ إعَارَةُ الْأَمَةِ لِغَيْرِ الْمُحَرَّمِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِالْجِنْسِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ كَعَكْسِهِ) وَهُوَ إعَارَةُ الْجَارِيَةِ لِلرَّجُلِ أَيْ الْأَجْنَبِيِّ وَالْعَكْسُ وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ فِي كَلَامِهِ، لَكِنْ مُلَاحَظٌ فِيهِ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (امْتَنَعَ احْتِيَاطًا) فَلَا يُعَارُ لِرَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ وَلَا لِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ وَلَا يَسْتَعِيرُ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً. قَوْلُهُ: (اسْتِعَارَةٍ إلَخْ) هَذَا مُصَوَّرٌ بِمَا إذَا كَانَ الْأَصْلُ رَقِيقًا فَيُكْرَهُ لِمَالِكِهِ إعَارَتُهُ لِفَرْعِهِ وَيُكْرَهُ لِلْفَرْعِ اسْتِعَارَتُهُ اهـ. فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلِاسْتِعَارَةِ مُضَافٌ لِلْفَاعِلِ وَبِالنِّسْبَةِ لِلْإِعَارَةِ مُضَافٌ لِلْمَفْعُولِ، أَيْ إعَارَةُ الْمَالِكِ الْكَافِرِ مُسْلِمًا وَصَوَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنْ يَكُونَ الْفَرْعُ مُسْتَأْجِرًا لِلْأَصْلِ فَتُكْرَهُ لَهُ إعَارَتُهُ اهـ وَصَوَّرَهُ أج بِأَنْ يَشْتَرِيَ الْمُكَاتَبُ أَصْلَهُ فَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ لِضَعْفِ مِلْكِهِ وَتُكْرَهُ لَهُ إعَارَتُهُ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا خِلَافُ مَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَإِنَّمَا الْكَرَاهَةُ فِي جَانِبِ الْوَلَدِ لِمَكَانِ الْوِلَادَةِ فَلَمْ يَتَعَدَّ لِغَيْرِهِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْأَصْلَ لَوْ أَعَارَ نَفْسَهُ لِفَرْعِهِ بِأَنْ كَانَ حُرًّا لَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ إعَانَةٌ عَلَى مَكْرُوهٍ وَهِيَ اسْتِعَارَتُهُ إيَّاهُ.
قَوْلُهُ: (لِخِدْمَةٍ) أَفْهَمَ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ لِلِاسْتِرَاحَةِ جَازَتْ. قَوْلُهُ: (وَاسْتِعَارَةِ وَإِعَارَةِ كَافِرٍ مُسْلِمًا) أَيْ يُكْرَهُ عَقْدُ الِاسْتِعَارَةِ، وَأَمَّا خِدْمَةُ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ فَحَرَامٌ فَلَا يُمْكِنُ مِنْهَا الْكَافِرُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِذْلَالِ. وَانْظُرْ أَيَّ فَائِدَةٍ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّهُمَا مَصْدَرَانِ مُضَافَانِ لِلْفَاعِلِ فَيَقْتَضِي أَنَّ الْكَافِرَ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يُعِيرَ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ وَلَوْ لِمُسْلِمٍ وَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ. وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ لِلِاسْتِعَارَةِ مُضَافٌ لِلْفَاعِلِ وَبِالنِّسْبَةِ لِلْإِعَارَةِ مُضَافٌ لِلْمَفْعُولِ وَمُسْلِمًا مَفْعُولٌ ثَانٍ وَعَلَيْهِ فَلَا يَقْتَضِي مَا ذَكَرَ شَوْبَرِيٌّ. وَقَوْلُهُ " مُضَافٌ لِلْمَفْعُولِ " أَيْ يُكْرَهُ لِلْمَالِكِ أَنْ يُعِيرَ الْكَافِرَ الْمُسْلِمَ وَلَا يُوضَعُ عِنْدَهُ.

قَوْلُهُ: (فَلَا تَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ) أَيْ إلَّا إعَارَةَ نَفْسِهِ لِخِدْمَةِ نَحْوِ مُعَلِّمِهِ مِنْ وَلِيِّهِ، وَمِثْلُهُ الْمَجْنُونُ وَالسَّفِيهُ ق ل. أَوْ لِمَا لَا يُقْصَدُ مِنْ مَنَافِعِهِ بِأَنْ لَمْ يُقَابَلْ بِأُجْرَةٍ؛ وَلِذَلِكَ سُئِلَ م ر عَمَّنْ قَالَ لِوَلَدِ غَيْرِهِ: اقْضِ لِي هَذِهِ الْحَاجَةَ مَثَلًا، هَلْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ

(3/158)


يَصِحُّ مِنْ مُكْرَهٍ، وَأَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِمَنْفَعَةِ الْمُعَارِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لِلْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ إنَّمَا تَرِدُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ دُونَ الْعَيْنِ، فَتَصِحُّ مِنْ مُكْتِرٍ لَا مِنْ مُسْتَعِيرٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ لِلْمَنْفَعَةِ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الِانْتِفَاعُ فَلَا يَمْلِكُ نَقْلَ الْإِبَاحَةِ.

وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُسْتَعِيرِ تَعْيِينٌ وَإِطْلَاقُ تَصَرُّفٍ، فَلَا تَصِحُّ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ كَأَنْ قَالَ: أَعَرْت أَحَدَكُمَا. وَلَا لِصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَسَفِيهٍ إلَّا بِعَقْدِ وَلِيِّهِمْ إذَا لَمْ تَكُنْ الْعَارِيَّةُ مُضَمَّنَةً، كَأَنْ اسْتَعَارَ مِنْ مُسْتَأْجِرٍ. وَلِلْمُسْتَعِيرِ إنَابَةُ مَنْ يَسْتَوْفِي لَهُ الْمَنْفَعَةَ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ رَاجِعٌ إلَيْهِ.

وَيُشْتَرَطُ فِي الصِّيغَةِ لَفْظٌ يُشْعِرُ بِالْإِذْنِ فِي الِانْتِفَاعِ كَأَعَرْتُكَ، أَوْ بِطَلَبِهِ كَأَعِرْنِي مَعَ لَفْظِ الْآخَرِ أَوْ فِعْلِهِ وَإِنْ تَأَخَّرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
أَوْ لَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ لَا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ وَعَلِمَ رِضَا وَلِيِّهِ جَازَ. وَفِي م د عَلَى التَّحْرِيرِ: وَلَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يُعِيرَ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ فِي خِدْمَةٍ لَهَا أُجْرَةٌ أَوْ تَضُرُّ بِهِ الْخِدْمَةُ كَمَا لَا يُعِيرُ مَالَهُمَا بِخِلَافِ خِدْمَةٍ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، كَأَنْ يُعِيرَهُ لِخِدْمَةِ مَنْ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَجْنُونُ وَالْبَالِغُ السَّفِيهُ كَذَلِكَ،. اهـ. رَوْضٌ وَشَرْحُهُ. فَرْعٌ: لَوْ أَرْسَلَ بَالِغٌ صَبِيًّا لِيَسْتَعِيرَ لَهُ شَيْئًا لَمْ يَصِحَّ، فَلَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ أَوْ أَتْلَفَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ هُوَ وَلَا مُرْسِلُهُ؛ كَذَا فِي الْجَوَاهِرِ، أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي يَدِهِ أَيْ الْمُرْسِلِ وَنَظَرَ غَيْرُهُ فِي قَوْلِهِ أَوْ أَتْلَفَهُ وَالنَّظَرُ وَاضِحٌ إذْ الْإِعَارَةُ مِمَّنْ عُلِمَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ تَقْتَضِي تَسْلِيطَهُ عَلَى الْإِتْلَافِ، فَلْيُحْمَلْ ذَلِكَ أَيْ عَدَمُ الضَّمَانِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ رَسُولٌ. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ وَكَتَبَ ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى قَوْلِهِ " فَلْيُحْمَلْ ذَلِكَ إلَخْ ". أَقُولُ فِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ لَا تَقْتَضِي تَسْلِيطَ الْمُسْتَعِيرِ عَلَى الْإِتْلَافِ أَيْ فَيَضْمَنُ فِيهِ لَا فِي التَّلَفِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهَا تَقْتَضِي الْمُسَامَحَةَ بِوَاسِطَةِ الِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (وَفَلَسٍ) أَيْ إلَّا زَمَنًا لَا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ ق ل، كَإِعَارَةِ شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِ زَمَنًا يَسِيرًا. وَعِبَارَةُ الزِّيَادِيِّ: وَلَوْ لِنَحْوِ دَارِهِ يَوْمًا فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ إطْلَاقِهِمْ، خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّبَرُّعِ مُطْلَقًا وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ حَيْثُ لَا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ.
قَوْلُهُ: (مَالِكًا لِمَنْفَعَةِ الْمُعَارِ) الْمُرَادُ بِالْمِلْكِ مَا يَشْمَلُ الِاخْتِصَاصَ بِهَا لِتَصْحِيحِهِمْ إعَارَةَ كَلْبٍ لِصَيْدٍ وَإِعَارَةِ أُضْحِيَّةٍ وَهَدْيٍ وَلَوْ مَنْذُورَيْنِ، وَإِعَارَةِ الْإِمَامِ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ ز ي أج. وَإِذَا أَعَارَ الْأُضْحِيَّةَ وَتَلِفَتْ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا وَالْقَرَارُ عَلَى مَنْ تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ. وَيُلْغَزُ بِهَذَا فَيُقَالُ: لَنَا مُعِيرٌ يَضْمَنُ سم.
قَوْلُهُ: (لَا مِنْ مُسْتَعِيرٍ) هَذَا مَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْمَالِكُ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْمَالِكُ صَحَّتْ الْإِعَارَةُ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: ثُمَّ إنْ لَمْ يُسَمِّ الْمَالِكُ مَنْ يُعِيرُ لَهُ فَالْأَوَّلُ عَلَى عَارِيَّتِهِ وَهُوَ الْمُعِيرُ لِلثَّانِي وَالضَّمَانُ بَاقٍ عَلَيْهِ وَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا وَإِنْ رَدَّهَا الثَّانِي عَلَيْهِ بَرِيءَ أَيْ الثَّانِي، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَبَاقٍ عَلَى الضَّمَانِ، وَإِنْ سَمَّاهُ انْعَكَسَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ اهـ خ ض وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ: وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلْمَنْفَعَةِ وَلَوْ بِوَصِيَّةٍ أَوْ وَقْفٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لِلْعَيْنِ؛ وَقَيَّدَ ابْنُ الرِّفْعَةِ جَوَازَ الْإِعَارَةِ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِمَا إذَا كَانَ نَاظِرًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ. اهـ. .

قَوْلُهُ: (تَعْيِينٌ) سَكَتَ عَنْ هَذَا فِي الْمُعِيرِ. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعْيِينُ كَالْمُعَارِ، فَلَوْ قَالَ لِاثْنَيْنِ: لِيُعِرْنِي أَحَدُكُمَا كَذَا فَدَفَعَهُ أَحَدُهُمَا لَهُ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ صَحَّ، وَعَلَيْهِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْتَعِيرِ بِأَنَّ الدَّفْعَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رِضًا بِإِتْلَافِ مَنْفَعَةِ مَتَاعِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَالْمُسْتَعِيرِ فَلَا يَصِحُّ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ ع ش. قَوْلُهُ: (وَلَا لِصَبِيٍّ إلَخْ) وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ إنْ أَخَذُوا مِنْ رَشِيدٍ وَإِلَّا ضَمِنُوا. وَأَمَّا قَوْلُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ: فَلَا تَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ إلَخْ فَيَضْمَنُهَا مِنْ أَخْذِهَا مِنْهُ مُطْلَقًا.
قَوْلُهُ: (إذَا لَمْ تَكُنْ الْعَارِيَّةُ مُضَمَّنَةً) أَيْ فَتَصِحُّ حِينَئِذٍ، إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمَحْجُورِ فِيهَا بِخِلَافِ الْمُضَمَّنَةِ كَالَّتِي مِنْ غَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ، فَيَمْتَنِعُ عَلَى الْوَلِيِّ لِمَا فِيهَا مِنْ ضَمَانِ الْمَحْجُورِ لَوْ تَلِفَتْ. مَسْأَلَةٌ: فِي جَمَاعَةٍ مُشْتَرِكِينَ فِي سَاقِيَّةٍ أَوْ دِرَاسٍ أَوْ حَرْثٍ، فَهَلْ إذَا مَاتَتْ بَهِيمَةُ أَحَدِهِمْ فِي شُغْلِ ذَلِكَ تَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَى بَقِيَّةِ الشُّرَكَاءِ؟ وَهَلْ إذَا كَانَ لِكُلِّ شَرِيكٍ حَيَوَانٌ يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ أَمْ لَا؟ أَجَابَ إذَا أَخَذَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ثَوْرَ الْآخَرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَهُوَ غَاصِبٌ لَهُ يَضْمَنُهُ ضَمَانَ الْمَغْصُوبِ وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ لَا فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ ضَمِنَهُ ضَمَانَ الْعَارِيَّةِ وَإِنْ كَانَ فِي مُقَابَلَةِ ثَوْرِهِ كَانَتْ إجَارَةً فَاسِدَةً يَجِبُ عَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ وَإِذَا مَاتَ لَا يَضْمَنُهُ.

(3/159)


أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ كَمَا فِي الْإِبَاحَةِ، وَفِي مَعْنَى اللَّفْظِ الْكِتَابَةُ مَعَ نِيَّةِ وَإِشَارَةِ أَخْرَسَ مُفْهِمَةٍ. وَلَوْ قَالَ: أَعَرْتُك فَرَسِي مَثَلًا لِتَعْلِفَهُ بِعَلَفِك أَوْ لِتُعِيرَنِي فَرَسَك فَهُوَ إجَارَةٌ لَا إعَارَةٌ نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى فَاسِدَةٌ لِجَهَالَةِ الْمُدَّةِ وَالْعِوَضِ تُوجِبُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ وَمُؤْنَةَ رَدِّ الْمُعَارِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ مِنْ مَالِكٍ أَوْ مِنْ نَحْوِ مُكْتَرٍ إنْ رَدَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ رَدَّ عَلَى الْمَالِكِ فَالْمُؤْنَةُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ رَدَّ عَلَى الْمُكْتَرِي. وَخَرَجَ بِمُؤْنَةِ رَدِّهِ مُؤْنَتُهُ فَتَلْزَمُ الْمَالِكَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ وَإِنْ خَالَفَ الْقَاضِي، وَقَالَ: إنَّهَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ.

وَتَصِحُّ (الْعَارِيَّةُ مُطْلَقَةً) مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِزَمَنٍ (وَمُقَيَّدَةً بِمُدَّةٍ) كَشَهْرٍ فَلَا يُفْتَرَقُ الْحَالُ بَيْنَهُمَا. نَعَمْ الْمُؤَقَّتَةُ يَجُوزُ فِيهَا تَكْرِيرُ الْمُسْتَعِيرِ مَا اسْتَعَارَ لَهُ، فَإِذَا اسْتَعَارَ أَرْضًا لِبِنَاءٍ أَوْ غِرَاسٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ أَوْ يَغْرِسَ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْأُخْرَى مَا لَمْ تَنْقَضِ الْمُدَّةُ أَوْ يَرْجِعْ الْمُعِيرُ، وَفِي الْمُطْلَقَةِ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، فَإِنْ قَلَعَ مَا بَنَاهُ أَوْ غَرَسَهُ لَمْ تَكُنْ لَهُ إعَادَتُهُ إلَّا بِإِذْنٍ جَدِيدٍ إلَّا إنْ صَرَّحَ لَهُ بِالتَّجْدِيدِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ الْإِعَارَةُ مُطْلَقَةً أَمْ مُؤَقَّتَةً لِكُلٍّ مِنْ الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ رُجُوعٌ فِي الْعَارِيَّةِ مَتَى شَاءَ؛ لِأَنَّهَا جَائِزَةٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، فَتَنْفَسِخُ بِمَا تَنْفَسِخُ بِهِ الْوَكَالَةُ وَنَحْوُهَا مِنْ مَوْتِ أَحَدِهِمَا وَغَيْرِهِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ رُجُوعِ الْمُعِيرِ مَا إذَا أَعَارَ أَرْضًا لِدَفْنِ مَيِّتٍ مُحْتَرَمٍ، فَلَا يَرْجِعُ الْمُعِيرُ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي دُفِنَ فِيهِ وَامْتَنَعَ أَيْضًا عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (لَفْظٌ يُشْعِرُ إلَخْ) يُسْتَثْنَى مِنْ اشْتِرَاطِ اللَّفْظِ مَا إذَا اشْتَرَى شَيْئًا وَسَلَّمَهُ لَهُ الْبَائِعُ فِي ظَرْفٍ فَالظَّرْفُ مُعَارٌ فِي الْأَصَحِّ، وَمَا لَوْ أَكَلَ الْمُهْدَى إلَيْهِ الْهَدِيَّةَ فِي ظَرْفِهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ إنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَكْلِهَا مِنْهُ كَأَكْلِ الطَّعَامِ مِنْ الْقَصْعَةِ الْمَبْعُوثِ فِيهَا، وَهُوَ مُعَارٌ، فَيَضْمَنُهُ بِحُكْمِ الْعَارِيَّةِ إلَّا إذَا كَانَ لِلْهَدِيَّةِ عِوَضٌ وَجَرَتْ الْعَادَةُ بِالْأَكْلِ مِنْهُ فَلَا يَضْمَنُهُ بِحُكْمِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، فَإِنْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِمَا ذَكَرَ ضَمَّنَهُ فِي الصُّورَتَيْنِ بِحُكْمِ الْغَصْبِ سُلْطَانٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الظَّرْفَ أَمَانَةٌ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ مُطْلَقًا، وَمَغْصُوبٌ بِالِاسْتِعْمَالِ الْغَيْرِ الْمُعْتَادِ مُطْلَقًا، وَعَارِيَّةٌ بِالِاسْتِعْمَالِ الْمُعْتَادِ إنْ لَمْ يَكُنْ عِوَضٌ وَإِلَّا فَمُؤَجَّرٌ إجَارَةً فَاسِدَةً اهـ وَيُؤْخَذ مِنْ هَذَا حُكْمُ مَا يَقَعُ كَثِيرًا أَنَّ مُرِيدَ الشِّرَاءِ يَدْفَعُ ظَرْفَهُ لِزَيَّاتٍ مَثَلًا فَيَتْلَفُ مِنْهُ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ التَّلَفُ قَبْلَ وَضْعِ الْمَبِيعِ فِيهِ فَلَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ وَضْعِ الْمَبِيعِ فِيهِ ضَمَّنَهُ؛ لِأَنَّهُ عَارِيَّةٌ اهـ ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَأَخَّرَ أَحَدُهُمَا) أَيْ وَإِنْ تَرَاخَى وَإِلَّا فَالتَّأَخُّرُ مَوْجُودٌ قَطْعًا. قَوْلُهُ: (كَمَا فِي الْإِبَاحَةِ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ لَا تَتَوَقَّفُ مِنْ الطَّرَفِ الْآخَرِ عَلَى لَفْظٍ وَلَا فِعْلٍ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ م ر.
قَوْلُهُ: (نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى) رَاجِعٌ لِلْإِجَارَةِ الْمُثْبَتَةِ وَالْإِعَارَةُ الْمَنْفِيَّةُ، وَقَوْلُهُ " فَاسِدَةٌ " صِفَةٌ لِ " إجَارَةٌ ". وَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يُقَدِّمَ قَوْلَهُ " فَاسِدَةٌ " عَلَى قَوْلِهِ " لَا إعَارَةٌ ".
قَوْلُهُ: (لِجَهَالَةِ الْمُدَّةِ) عِبَارَةُ م ر لِجَهَالَةِ الْعِوَضِ مَعَ التَّعْلِيقِ فِي الثَّانِيَةِ، وَقَوْلُهُ " وَالْعِوَضِ " أَيْ فِي الْأَوْلَى. قَوْلُهُ: (تُوجِبُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ) وَلَا تُضْمَنُ الْعَيْنُ وَيَرْجِعُ بِالْعَلَفِ عَلَى صَاحِبِ الْفَرَسِ لِعَدَمِ تَبَرُّعِهِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
قَوْلُهُ: (مِنْ مَالِكٍ) أَيْ اسْتَعَارَ مِنْ مَالِكٍ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (أَوْ مِنْ نَحْوِ مُكْتِرٍ) نَحْوَ الْمُكْتَرِي الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ. قَوْلُهُ " إنْ رَدَّ عَلَيْهِ " أَيْ عَلَى نَحْوِ الْمُكْتَرِي، وَقَوْلُهُ " فَالْمُؤْنَةُ عَلَيْهِ " أَيْ الْمَالِكِ، وَقَوْلُهُ " كَمَا لَوْ وَرَدَ عَلَى الْمُكْتَرِي " أَيْ فَإِنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ، أَيْ وَالْمُسْتَعِيرُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُسْتَأْجِرِ، أَيْ وَالْمُسْتَأْجِرُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ. وَفِي ق ل عَلَى الْغَزِّيِّ: وَلَا ضَمَانَ فِي الدَّابَّةِ أَيْ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ إنْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَقْصِيرٍ وَلَوْ بِغَيْرِ الْمَأْذُونِ فِيهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهَا وَلَا مُؤْنَةُ رَدِّهَا. فَرْعٌ: وَقَعَ السُّؤَالُ أَيْضًا عَمَّا يَقَعُ كَثِيرًا أَنَّ مُسْتَعِيرَ الدَّابَّةِ إذَا نَزَلَ عَنْهَا بَعْدَ رُكُوبِهِ لَهَا يُرْسِلُهَا مَعَ تَابِعِهِ فَيَرْكَبُهَا التَّابِعُ فِي الْعَوْدِ ثُمَّ تَتْلَفُ بِغَيْرِ الِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ، فَهَلْ يَضْمَنُهَا الْمُسْتَعِيرُ أَمْ التَّابِعُ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّ التَّابِعَ وَإِنْ رَكِبَهَا فَهُوَ فِي حَاجَةِ الْمُسْتَعِيرِ مِنْ إيصَالِهَا إلَى مَحَلِّ الْحِفْظِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ أُجْرَةَ الْمُعَدِّيَةِ أَوْ مَنْ يَسُوقُهَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ دُونَ الْمُعِيرِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ اهـ ع ش.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ خَالَفَ الْقَاضِي وَقَالَ إلَخْ) قَوْلُ الْقَاضِي ضَعِيفٌ فَلَوْ عَلَفَهَا الْمُسْتَعِيرُ لَمْ يَرْجِعْ إلَّا إنْ عَلَفَ بِإِذْنِ حَاكِمٍ أَوْ إشْهَادٍ ق ل.

قَوْلُهُ: (وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ الْإِعَارَةُ إلَخْ) اسْتِئْنَافٌ. قَوْلُهُ: (مَيِّتٍ مُحْتَرَمٍ) وَهُوَ كُلُّ مَنْ وَجَبَ دَفْنُهُ فَيَدْخُلُ فِيهِ

(3/160)


الْمُسْتَعِيرِ رَدُّهَا فَهِيَ لَازِمَةٌ مِنْ جِهَتِهِمَا حَتَّى يَنْدَرِسَ أَثَرُ الْمَدْفُونِ إلَّا عَجْبَ الذَّنَبِ وَهُوَ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ فِي طَرَفِ الْعُصْعُصِ لَا يَكَادُ يَتَحَقَّقُ بِالْمُشَاهَدَةِ مُحَافَظَةً عَلَى حُرْمَةِ الْمَيِّتِ، وَلَهُمَا الرُّجُوعُ قَبْلَ وَضْعِهِ فِي الْقَبْرِ لَا بَعْدَ وَضْعِهِ وَإِنْ لَمْ يُوَارَ بِالتُّرَابِ كَمَا رَجَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ خِلَافًا لِلْمُتَوَلِّي. وَذَكَرْت فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ مَسَائِلَ كَثِيرَةً مُسْتَثْنَاةً مِنْ الرُّجُوعِ فَلَا نُطِيلُ بِذِكْرِهَا، فَمَنْ أَرَادَهَا فَلْيُرَاجِعْهَا مِنْ تِلْكَ الْكُتُبِ. وَلَكِنَّ الْهِمَمَ قَدْ قَصُرَتْ وَإِنْ أَعَارَ لِبِنَاءٍ أَوْ غِرَاسٍ وَلَوْ إلَى مُدَّةٍ ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ بَنَى الْمُسْتَعِيرُ أَوْ غَرَسَ، فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ قَلْعَ ذَلِكَ لَزِمَهُ قَلْعُهُ، فَإِنْ امْتَنَعَ قَلَعَهُ الْمُعِيرُ وَإِنْ لَمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
الزَّانِي الْمُحْصَنُ وَتَارِكُ الصَّلَاةِ وَالذِّمِّيُّ ع ش.
قَوْلُهُ: (حَتَّى يَنْدَرِسَ) فَلَوْ أَقَّتَ الْعَارِيَّةَ بِمُدَّةٍ لَا يَبْلَى فِيهَا الْمَيِّتُ عَادَةً فَسَدَتْ، وَإِذَا أَعَارَ أَرْضًا لِلدَّفْنِ لَا يَجِبُ تَعْيِينُ كَوْنِ الْمَيِّتِ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا. نَعَمْ إنْ كَانَ شَهِيدًا فَيَنْبَغِي تَعْيِينُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْلَى. وَهَلْ يَجُوزُ زِيَارَةُ الْمَيِّتِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُعِيرِ؟ قَرَّرَ شَيْخُنَا أَنَّ الْمَرْجِعَ فِي ذَلِكَ لِلْعَادَةِ. اهـ. ح ل. وَعُلِمَ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالِانْدِرَاسِ لُزُومُهَا فِي دَفْنِ النَّبِيِّ وَالشَّهِيدِ لِعَدَمِ بِلَائِهِمَا فَلَا يَرِدَانِ، اهـ شَرْحُ م ر وَجُمْلَةُ مَنْ لَا تَأْكُلُ الْأَرْضُ جَسَدَهُ نَظَمَهُمْ التَّتَّائِيُّ فَقَالَ:
لَا تَأْكُلْ الْأَرْضُ جِسْمًا لِلنَّبِيِّ وَلَا ... لِعَالِمٍ وَشَهِيدٍ قُتِلَ مُعْتَرِكْ
وَلَا لِقَارِئِ قُرْآنٍ وَمُحْتَسِبٍ ... أَذَانَهُ لِإِلَهٍ مُجْرِي الْفُلْك
وَنَظَمَهُمْ الشَّمْسُ الْبُرُلُّسِيُّ بِقَوْلِهِ:
أَبَتْ الْأَرْضُ أَنْ تُمَزِّقَ لَحْمًا ... لِشَهِيدٍ وَعَالِمٍ وَنَبِيٍّ
وَكَذَا قَارِئُ الْقُرْآنِ وَمَنْ ... أَذَّنَ لِلَّهِ حِسْبَةً دُونَ شَيْءٍ
قَوْلُهُ: (أَثَرُ الْمَدْفُونِ) فَيَرْجِعُ حِينَ الِانْدِرَاسِ بِأَنْ يَكُونَ قَدْ أَذِنَ لَهُ فِي تَكْرِيرِ الدَّفْنِ وَإِلَّا فَالْعَارِيَّةُ انْتَهَتْ، شَرْحُ م ر.
قَوْلُهُ: (عَجْبَ الذَّنَبِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِسُكُونِ الْجِيمِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ آخِرُهُ وَإِبْدَالُهَا مِيمًا لُغَةً كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَقَوْلُهُ: الْعُصْعُصُ بِضَمِّ الْأَوَّلِ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَيُضَمُّ وَقَدْ يُفْتَحُ تَخْفِيفًا مِثْلَ طُحْلُبٍ وَطُحْلَبٍ وَالْجَمْعُ عَصَاعِصُ. اهـ. مِصْبَاحٌ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ وَضْعِهِ فِي الْقَبْرِ) أَيْ قَبْلَ إدْلَائِهِ فِي الْقَبْرِ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى أَسْفَلِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَإِلَّا امْتَنَعَ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّ فِي عَوْدِهِ إزْرَاءٌ بِهِ ق ل. وَإِذَا رَجَعَ قَبْلَ الْإِدْلَاءِ غَرِمَ لِوَلِيِّ الْمَيِّتِ مُؤْنَةَ حَفْرِهِ وَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرُ رَدْمُ مَا حَفَرَهُ لِلْإِذْنِ فِيهِ. اهـ. م ر، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعَارَهُ أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ فَحَرَثَهَا ثُمَّ رَجَعَ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ الْحَرْثِ؛ لِأَنَّ الدَّفْنَ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِالْحَفْرِ فَهُوَ مُوَرِّطٌ لَهُ فِيهِ، بِخِلَافِ زَرْعِ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ بِدُونِ حَرْثٍ حَتَّى لَوْ لَمْ يُمْكِنْ زَرْعُهَا إلَّا بِالْحَرْثِ كَانَ حُكْمُهَا حُكْمَ الدَّفْنِ ز ي، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَفَرَ لِلْمَيِّتِ قَبْلَ مَوْتِهِ لَا غُرْمَ إذَا رَجَعَ الْمُعِيرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْحَفْرَ إلَّا عِنْدَ مَوْتِهِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ امْتَنَعَ قَلَعَهُ) أَيْ وَإِذَا احْتَاجَ الْقَلْعُ إلَى مُؤْنَةٍ صَرَفَهَا الْمُعِيرُ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ صَرَفَ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ. اهـ. ع ش.
قَوْلُهُ:

(3/161)


يَشْرِطْ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَإِنْ اخْتَارَهُ الْمُسْتَعِيرُ قَلَعَ مَجَّانًا وَلَزِمَهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ. وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ قَلْعَهُ خُيِّرَ الْمُعِيرُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ وَهِيَ تَمَلُّكُهُ بِعَقْدٍ بِقِيمَتِهِ مُسْتَحَقِّ الْقَلْعِ حِينَ التَّمَلُّكِ، أَوْ قَلْعِهِ بِضَمَانِ أَرْشِ نَقْصِهِ أَوْ تَبْقِيَتِهِ بِأُجْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ الْمُعِيرُ شَيْئًا تُرِكَا حَتَّى يَخْتَارَ أَحَدُهُمَا مَا لَهُ اخْتِيَارُهُ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا بَيْعُ مِلْكِهِ مِمَّنْ شَاءَ، وَإِذَا رَجَعَ الْمُعِيرُ قَبْلَ إدْرَاكِ زَرْعٍ لَمْ يُعْتَدْ قَلْعُهُ لَزِمَهُ تَبْقِيَتُهُ إلَى قَلْعِهِ، وَلَوْ عَيَّنَ مُدَّةً وَلَمْ يُدْرِكْ فِيهَا لِتَقْصِيرٍ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ قَلَعَهُ الْمُعِيرُ مَجَّانًا كَمَا لَوْ حَمَلَ نَحْوُ سَيْلٍ كَهَوَاءٍ بَذْرًا إلَى أَرْضِهِ فَنَبَتَ فِيهَا فَإِنَّ لَهُ قَلْعَهُ مَجَّانًا.

(وَهِيَ) أَيْ الْعَيْنُ الْمُسْتَعَارَةُ (مَضْمُونَةٌ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ) إذَا تَلِفَتْ بِغَيْرِ الِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ كَتَلَفِهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
قَلَعَ مَجَّانًا) أَيْ فَلَا يَغْرَمُ لَهُ الْمُعِيرُ أَرْشَ مَا نَقَصَ مِنْ الْبِنَاءِ أَوْ الْغِرَاسِ. قَوْلُهُ: (تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ) أَيْ الْحَفْرُ الْحَاصِلَةُ بِالْقَلْعِ دُونَ الْحَاصِلَةِ بِالْبِنَاءِ أَوْ الْغِرَاسِ لِحُدُوثِهَا بِالِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ قَلَعَهُ بِضَمَانٍ) أَيْ مَعَهُ. قَوْلُهُ: (أَرْشِ نَقْصِهِ) وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ قَائِمًا مُسْتَحَقَّ الْقَلْعِ وَمَقْلُوعًا، فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مُسْتَحَقَّ الْإِبْقَاءِ عَشَرَةً وَمُسْتَحَقَّ الْقَلْعِ تِسْعَةً وَمَقْلُوعًا ثَمَانِيَةً لَزِمَهُ وَاحِدٌ، فَإِذَا تَمَلَّكَهُ لَزِمَهُ تِسْعَةٌ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَأُجْرَةُ الْقَلْعِ عَلَى الْمُعِيرِ وَأُجْرَةُ نَقْلِ النَّقْضِ عَلَى مَالِكِهِ س ل، وَكَذَا أُجْرَةُ نَقْلِ الْمَغْرُوسِ. وَإِذَا اخْتَارَ مَا لَهُ اخْتِيَارُهُ لَزِمَ الْمُسْتَعِيرَ مُوَافَقَتُهُ، فَإِنْ امْتَنَعَ كُلِّفَ تَفْرِيغَ الْأَرْضِ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى يَخْتَارَ أَحَدُهُمَا مَا لَهُ اخْتِيَارُهُ) فِيهِ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَيْسَ لَهُ إلَّا خَصْلَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ الْقَلْعُ، فَكَيْفَ يَكُونُ مُخَيَّرًا؟ قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ تَبْقِيَتُهُ) أَيْ بِالْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ انْقَطَعَتْ بِالرُّجُوعِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَهَلْ يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى عَقْدِ إيجَارٍ مِنْ إيجَابٍ وَقَبُولٍ أَمْ يَكْفِي مُجَرَّدُ اخْتِيَارِ الْمُعِيرِ فَتَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ بِمُجَرَّدِهِ؟ الْوَجْهُ الْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ عَقْدِ إيجَارٍ، ثُمَّ رَأَيْت الشَّارِحَ بَسَطَ الْكَلَامَ فِي فَتْوَى وَاسْتَدَلَّ مِنْ كَلَامِهِمْ بِمَا هُوَ ظَاهِرٌ فِيهِ، وَقَدْ يُقَالُ إنْ عَقَدَ فَلَا كَلَامَ وَإِلَّا وَجَبَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. اهـ. سم عَلَى حَجّ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ عَيَّنَ مُدَّةً) أَيْ قَبْلَ إدْرَاكِهِ.
قَوْلُهُ: (قَلَعَهُ الْمُعِيرُ مَجَّانًا) ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ حَقِّهِ حِينَئِذٍ أَنْ لَا يَزْرَعَ.
قَوْلُهُ: (بَذْرًا) اسْمٌ لِمَا يَشْمَلُ الْحَبَّ وَالنَّوَى وَأَصْلُهُ مَصْدَرٌ سُمِّيَ بِهِ الْمَبْذُورُ؛ لِأَنَّهُ سَيَصِيرُ مَبْذُورًا، فَفِيهِ مَجَازٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: إطْلَاقُ الْمَصْدَرِ عَلَى اسْمِ الْمَفْعُولِ، وَتَسْمِيَةُ الشَّيْءِ بِمَا سَيَصِيرُ إلَيْهِ زي.
قَوْلُهُ: (أَيْ الْعَيْنُ) هَذَا تَفْسِيرٌ مُرَادٌ، وَإِلَّا فَالضَّمِيرُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَائِدٌ عَلَى الْإِعَارَةِ بِذَلِكَ الْمَعْنَى؛ فَفِي كَلَامِهِ اسْتِخْدَامٌ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلًا الْعَارِيَّةَ بِمَعْنَى الْعَقْدِ وَأَعَادَ عَلَيْهَا الضَّمِيرَ بِمَعْنَى الشَّيْءِ الْمُعَارِ قَوْلُهُ: (مَضْمُونَةٌ) بَدَلًا وَأَرْشًا وَإِنْ شَرَطَا عَدَمَ ضَمَانِهَا. قَالَ الْقَفَّالُ: وَلَوْ أَخَذَ الْكُوزَ مِنْ السِّقَاءِ لِيَشْرَبَ فَانْكَسَرَ قَبْلَ أَنْ يَشْرَبَ الْمَاءَ فَإِنْ كَانَ أَخَذَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَالْمَاءُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ فِي يَدِهِ بِحُكْمِ الْإِبَاحَةِ وَالْكُوزُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَارِيَّةٌ فِي يَدِهِ، وَأَمَّا إذَا شَرَطَ عِوَضًا فَالْمَاءُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ وَالْكُوزُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ بِالْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَالْعُرْفُ يَقْتَضِي الْبَدَلَ لِجَرَيَانِهِ بِهِ، فَإِنْ انْكَسَرَ الْكُوزُ بَعْدَ الشُّرْبِ فَإِنْ كَانَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ لَمْ يَضْمَنْ الْكُوزَ وَلَا بَقِيَّةَ الْمَاءِ الْفَاضِلَةِ فِي الْكُوزِ؛ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ عَلَى سَبِيلِ الْعِوَضِ الْقَدْرُ الَّذِي شَرِبَهُ دُونَ الْبَاقِي فَيَكُونُ الْبَاقِي أَمَانَةً فِي يَدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ الْعِوَضَ فَالْكُوزُ مَضْمُونٌ وَالْمَاءُ غَيْرُ مَضْمُونٍ؛ وَيَجْرِي هَذَا التَّفْصِيلُ فِي فِنْجَانِ الْقَهْوَةِ؛ اهـ ابْنُ الْعِمَادِ فِي أَحْكَامِ الْأَوَانِي وَالظُّرُوفِ وَمَا فِيهَا مِنْ الْمَظْرُوفِ. فَرْعٌ: لَوْ اسْتَعَارَ قِنْدِيلًا لِلِاسْتِضَاءَةِ بِزِينَتِهِ فَالْقِنْدِيلُ مَضْمُونٌ بِالْعَارِيَّةِ الْفَاسِدَةِ وَالزَّيْتُ غَيْرُ مَضْمُونٍ؛ لِأَنَّهُ هِبَةٌ فَاسِدَةٌ، فَإِنْ اسْتَعَارَهُ لِيَقْضِيَ بِهِ حَاجَتَهُ وَيَرُدَّهُ فَالْقَدْرُ الزَّائِدُ مِنْ الزَّيْتِ عَلَى مِقْدَارِ الْحَاجَةِ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ يَضْمَنُهُ إذَا فَرَّطَ، وَإِنْ اسْتَعَارَهُ لِيَقْضِيَ بِجَمِيعِ الزَّيْتِ فَتَلِفَ الزَّيْتُ قَبْلَ الِاسْتِضَاءَةِ أَوْ بَعْدَهَا لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ هِبَةٌ فَاسِدَةٌ،. اهـ. ابْنُ الْعِمَادِ.

قَوْلُهُ: (إذَا تَلِفَتْ) خَرَجَ بِهِ الْإِتْلَافُ، فَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ لَزِمَهُ الْبَدَلُ الشَّرْعِيُّ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ كَانَ لِلْمَالِكِ مُطَالَبَةُ كُلٍّ، فَإِنْ غَرِمَ الْمُتْلِفُ بَرِئَ الْمُسْتَعِيرُ وَإِنْ غَرِمَ الْمُسْتَعِيرُ الْقِيمَةَ لِلْحَيْلُولَةِ رَجَعَ عَلَى الْمُتْلِفِ.
قَوْلُهُ: (بِغَيْرِ الِاسْتِعْمَالِ

(3/162)


بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لِخَبَرِ: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» وَحِينَئِذٍ يَضْمَنُهَا (بِقِيمَتِهَا) مُتَقَوِّمَةً كَانَتْ أَوْ مِثْلِيَّةً (يَوْمَ تَلَفِهَا) هَذَا مَا جَزَمَ بِهِ. فِي الْأَنْوَار وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ جَمْعٍ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ: يَضْمَنُ الْمِثْلِيَّ بِالْمِثْلِ وَجَرَى عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ، وَهَذَا هُوَ الْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَلَوْ اسْتَعَارَ عَبْدًا عَلَيْهِ ثِيَابٌ لَمْ تَكُنْ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهَا لِيَسْتَعْمِلَهَا بِخِلَافِ إكَافِ الدَّابَّةِ قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ.

تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ ضَمَانِ الْعَارِيَّةِ مَسَائِلُ مِنْهَا: جِلْدُ الْأُضْحِيَّةِ الْمَنْذُورَةِ، فَإِنَّ إعَارَتَهُ جَائِزَةٌ وَلَا يَضْمَنُهُ الْمُسْتَعِيرُ إذَا تَلِفَ فِي يَدِهِ. وَمِنْهَا الْمُسْتَعَارُ لِلرَّهْنِ إذَا تَلِفَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ اسْتَعَارَ صَيْدًا مِنْ مُحَرَّمٍ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ فِي الْأَصَحِّ. وَمِنْهَا مَا لَوْ أَعَارَ الْإِمَامُ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِمَنْ لَهُ حَقٌّ فِيهِ فَتَلِفَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
الْمَأْذُونِ فِيهِ) حَاصِلُهُ أَنْ يُقَالَ إنْ تَلِفَتْ بِالِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ لَا ضَمَانَ وَلَوْ بِالتَّعَثُّرِ مِنْ ثِقَلِ حَمْلٍ مَأْذُونٍ فِيهِ وَمَوْتٍ بِهِ وَانْمِحَاقِ ثَوْبِ بِلُبْسِهِ لَا نَوْمِهِ فِيهِ حَيْثُ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِذَلِكَ، بِخِلَافِ تَعَثُّرِهِ بِانْزِعَاجٍ أَوْ عُثُورِهِ فِي وَهْدَةٍ أَوْ رَبْوَةٍ أَوْ تَعَثُّرِهِ لَا فِي الِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ فِي هَذَا الْأُمُورِ، وَمِثْلُهُ سُقُوطُهَا فِي بِئْرٍ حَالَ السَّيْرِ كَمَا قَالَهُ م ر. وَمِنْهُ مَا لَوْ اسْتَعَارَ ثَوْرًا لِاسْتِعْمَالِهِ فِي سَاقِيَّةٍ فَسَقَطَ فِي بِئْرِهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ بِغَيْرِهِ لَا بِهِ، وَمَنْ عَدَمِ الضَّمَانِ تَزَايُدُ مَرَضٍ تَوَلَّدَ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَا يَنْمَحِقُ أَيْ يَتْلَفُ مِنْ ثَوْبٍ أَوْ نَحْوِهِ، أَوْ يَنْسَحِقُ أَيْ يَنْقُصُ بِاسْتِعْمَالٍ مَأْذُونٍ فِيهِ لِحُدُوثِهِ بِإِذْنِ الْمَالِكِ؛ وَمَوْتِ الدَّابَّةِ كَالِانْمِحَاقِ، وَتَقَرُّحِ ظَهْرِهَا وَعَرَجِهَا بِاسْتِعْمَالٍ مَأْذُونٍ فِيهِ وَكَسْرِهِ سَيْفًا أَعَارَهُ لِيُقَاتِلَ بِهِ كَالِانْمِحَاقِ كَمَا قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ فِي الْأَخِيرَةِ شَرْحُ م ر. وَقَوْلُهُ " وَمَوْتُ الدَّابَّةِ " أَيْ بِالِاسْتِعْمَالِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشِّهَابُ سم، وَلَعَلَّ صُورَتَهُ أَنَّهُ حَمَلَهَا حَمْلًا ثَقِيلًا بِالْإِذْنِ فَمَاتَتْ بِسَبَبِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ خَفِيفًا لَا تَمُوتُ بِمِثْلِهِ فِي الْعَادَةِ فَاتَّفَقَ مَوْتُهَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ مَا إذَا مَاتَتْ بِالِاسْتِعْمَالِ وَمَا إذَا مَاتَتْ فِي الِاسْتِعْمَالِ. وَلَا يُشْتَرَطُ فِي ضَمَانِ الْمُسْتَعِيرِ كَوْنُ الْعَيْنِ فِي يَدِهِ بَلْ يُضَمَّنُ وَلَوْ كَانَتْ بِيَدِ الْمَالِكِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ، كَمَا لَوْ وَضَعَ مَتَاعَهُ عَلَيْهَا وَمَعَهَا مَالِكُهَا. وَلَوْ سَخَّرَ شَخْصٌ رَجُلًا وَدَابَّتَهُ فَتَلِفَتْ الدَّابَّةُ فِي يَدِ صَاحِبِهَا لَمْ يَضْمَنْهَا الْمُسَخَّرُ؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِ صَاحِبِهَا شَرْحُ م ر؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْغَصْبِ اسْتِيلَاءُ الْغَاصِبِ وَلَمْ يُوجَدْ بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى الْمُعَارِ كَمَا فِي م ر.
قَوْلُهُ: (أَوْ مِثْلِيَّةً) كَالْخَشَبِ وَالْحَجَرِ، سم.
قَوْلُهُ: (هَذَا مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْمُعْتَمَدِ ضَعِيفٌ وَاقْتَصَرَ م ر فِي شَرْحِهِ عَلَى الضَّمَانِ فَقَطْ، وَفِي فَتَاوِيهِ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ الثَّانِيَ وَهُوَ الضَّمَانُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ التَّلَفِ وَالْقَلْبُ إلَيْهِ أَمْيَلُ كَمَا فِي م د عَلَى التَّحْرِيرِ اهـ. فَرْعٌ: اسْتَامَ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ مِنْ سُوسِيَّةٍ مَثَلًا وَأَخَذَهَا لِيَقْلِبَهَا ثُمَّ تَلِفَتْ ضَمِنَ الْعَشَرَةَ فَقَطْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَامَ عَشَرَةً ظُهُورًا لِيَأْخُذَ مِنْهَا وَاحِدًا فَتَلِفَتْ بِيَدِهِ حَيْثُ يَضْمَنُ الْجَمِيعَ؛ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَوَّلَ الْمُسْتَامُ فِيهِ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ وَهُنَا الْمُسْتَامُ الْجَمِيعُ. اهـ. عَنَانِيٌّ، وَلِبَعْضِهِمْ:
ضَمَانُ عَيْبٍ أَوْ مَبِيعٍ فَسَدَا ... أَقْصَاهُ قِيمَةً وَمِثْلًا وُجِدَا
فِي السَّوْمِ قِيمَةً كَذَا الْعَوَارِيُّ ... زَمَانَ إتْلَافٍ عَلَى الْمُخْتَارِ
وَاحْكُمْ لَدَى الْإِتْلَافِ بِالْإِبْدَالِ ... شَرْعًا بِقِيمَةٍ أَوْ الْأَمْثَالِ
قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ إكَافِ الدَّابَّةِ) أَيْ سَرْجِهَا وَوَلَدِ الدَّابَّةِ، وَلَوْ وَلَدَتْ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ كَثِيَابِ الْعَبْدِ فَهُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَإِنْ تَبِعَهَا ق ل.

قَوْلُهُ: (صَيْدًا) أَيْ حَرَمِيًّا أَوْ لَا بِأَنْ أَخَذَهُ مَعَهُ مِنْ بَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُ بِإِحْرَامِهِ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ. فَتَسْمِيَةُ هَذَا اسْتِعَارَةٌ فِيهَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا مَالِكَ هُنَا، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهَا اسْتِعَارَةٌ صُورِيَّةٌ. هَذَا إذَا اسْتَعَارَ الْحَلَالُ مِنْ الْمُحْرِمِ أَمَّا عَكْسُهُ بِأَنْ اسْتَعَارَ الْمُحْرِمُ مِنْ الْحَلَالِ صَيْدًا بَرِّيًّا وَحْشِيًّا مَأْكُولًا فَتَلِفَ فِي يَدِهِ ضَمِنَ الْجَزَاءَ لِلَّهِ تَعَالَى وَالْقِيمَةَ لِلْحَلَالِ، وَعَلَيْهِ قَوْلُ ابْنِ الْوَرْدِيِّ:

(3/163)


فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ لَمْ يَضْمَنْهُ. وَمِنْهَا مَا لَوْ اسْتَعَارَ الْفَقِيهُ كِتَابًا مَوْقُوفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، أَمَّا مَا تَلِفَ بِالِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ لِلْإِذْنِ فِيهِ. تَتِمَّةٌ: لَوْ قَالَ مَنْ فِي يَدِهِ عَيْنٌ كَدَابَّةٍ وَأَرْضٍ لِمَالِكِهَا. أَعَرْتَنِي ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ مَالِكُهَا: بَلْ أَجَرْتُك أَوْ غَصَبْتنِي. وَمَضَتْ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ صُدِّقَ الْمَالِكُ كَمَا لَوْ أَكَلَ طَعَامَ غَيْرِهِ وَقَالَ كُنْت أَبَحْته لِي وَأَنْكَرَ الْمَالِكُ، إذَا لَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ وَالْعَيْنُ بَاقِيَةٌ فَيُصَدَّقُ مَنْ بِيَدِهِ الْعَيْنُ بِيَمِينِهِ فِي الْأُولَى، وَلَا مَعْنَى لِهَذَا الِاخْتِلَافِ فِي الثَّانِيَةِ وَلَوْ ادَّعَى الْمَالِكُ الْإِعَارَةَ وَذُو الْيَدِ الْغَصْبَ فَلَا مَعْنَى لِلنِّزَاعِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ بَاقِيَةً وَلَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ، فَإِنْ مَضَتْ فَذُو الْيَدِ مُقِرٌّ بِالْأُجْرَةِ لِمُنْكَرِهَا؛ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ فِي رَدِّ الْعَارِيَّةِ صُدِّقَ الْمُعِيرُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرَّدِّ، وَلَوْ اسْتَعْمَلَ الْمُسْتَعِيرُ الْعَارِيَّةَ جَاهِلًا بِرُجُوعِ الْمُعِيرِ لَمْ تَلْزَمْهُ أُجْرَةٌ. فَإِنْ قِيلَ: الضَّمَانُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْجَهْلِ وَعَدَمِهِ أُجِيبَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
عِنْدِي سُؤَالٌ حَسَنٌ مُسْتَظْرَفٌ ... فَرْعٌ عَلَى أَصْلَيْنِ قَدْ تَفَرَّعَا
قَابِضُ شَيْءٍ بِرِضَا مَالِكِهِ ... وَيَضْمَنُ الْقِيمَةَ وَالْمِثْلَ مَعَا
قَوْله: (لَمْ يَضْمَنْهُ) ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ وَعَلَى الْمُحْرِمِ الْجَزَاءُ لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْإِعَارَةِ. قَوْلُهُ: (فَتَلِفَ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ لَمْ يَضْمَنْهُ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ وَهُوَ جَوَازُ الْعَارِيَّةِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ إنْ كَانَ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ فَهَذِهِ لَيْسَتْ عَارِيَّةً؛ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ يَمْلِكُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ امْتَنَعَتْ الْعَارِيَّةُ فَقَوْلُهُ لِمَنْ لَهُ فِيهِ حَقٌّ فِيهِ نَظَرٌ؛ تَأَمَّلْ شَيْخَنَا.
قَوْلُهُ: (أَمَّا مَا تَلِفَ بِالِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ) وَلَوْ بِدَعْوَى الْمُسْتَعِيرِ فَيُصَدَّقُ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ كَمَا قَالَهُ ح ل وز ي، أَيْ وَلِعُسْرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا لَوْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهَا نَاقِلَةٌ وَالْأُخْرَى مُسْتَصْحَبَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْبِرْمَاوِيُّ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَلَوْ اخْتَلَفَ فِي حُصُولِ التَّلَفِ بِالِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ أَوْ لَا صُدِّقَ الْمُسْتَعِيرُ بِيَمِينِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، لِعُسْرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ خِلَافًا لِمَا عُزِيَ لِلْجَلَالِ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ تَصْدِيقِ الْمُعِيرِ اهـ.
قَوْلُهُ: (لَوْ قَالَ مَنْ فِي يَدِهِ عَيْنٌ إلَخْ) يَحْصُلُ مِنْ هُنَا صُوَرٌ ثَمَانِيَةٌ؛ لِأَنَّ مَالِكَ الْعَيْنِ إمَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْإِجَارَةَ أَوْ الْغَصْبَ، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ تَمْضِيَ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ أَوْ لَا، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ بَاقِيَةً أَوْ تَالِفَةً وَوَاضِعُ الْيَدِ يَدَّعِي الْإِعَادَةَ.
قَوْلُهُ: (أَوْ غَصَبَتْنِي) قَالَ فِي الْمُخْتَارِ تَقُولُ غَصَبَهُ مِنْهُ وَغَصَبَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ إنَّمَا يُقَالُ غَصَبْته مِنِّي لَا غَصَبْتنِي اهـ ع ش.
قَوْلُهُ: (صُدِّقَ الْمَالِكُ) أَيْ بِيَمِينِهِ إنْ تَعَيَّنَتْ الْعَيْنُ فَيَحْلِفُ إنَّهُ مَا أَعَارَهُ وَأَنَّهُ أَجَرَهُ أَوْ غَصَبَهُ وَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، أَيْ فَيَجْمَعُ فِي يَمِينِهِ إثْبَاتًا وَنَفْيًا بِأَنْ يَنْفِيَ الْإِعَارَةَ وَيُثْبِتَ دَعْوَاهُ، فَإِذَا حَلَفَ أَخَذَ الْعَيْنَ فِي الصُّورَتَيْنِ وَيَأْخُذُ الْأُجْرَةَ أَيْضًا، فَإِنْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَخَذَ الْأُجْرَةَ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَأَمَّا الْقِيمَةُ فَهُوَ يَدَّعِي أَقْصَى الْقِيَمِ فِي الْغَصْبِ وَوَاضِعُ الْيَدِ يَدَّعِي الْقِيمَةَ إذَا تَلِفَتْ بِغَيْرِ الِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى الْقِيمَةِ فَيَأْخُذُهَا وَيَتْرُكُ الزَّائِدَ إلَى الْبَيَانِ.
قَوْلُهُ: (وَالْعَيْنُ بَاقِيَةٌ) فَإِنْ كَانَتْ تَالِفَةً فِي الْأُولَى فَهُوَ مُقِرٌّ بِالْقِيمَةِ لِمُنْكَرِهَا فَتُتْرَكُ فِي يَده، شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (بِيَمِينِهِ فِي الْأُولَى) اُنْظُرْ أَيَّ فَائِدَةٍ فِي يَمِينِهِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ وَعَدَمِ مُدَّةٍ لَهَا أُجْرَةٌ وَتَمَكَّنَ صَاحِبُهَا مِنْ أَخْذِهَا.
قَوْلُهُ: (وَلَا مَعْنَى إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ مَضْمُونَةٌ أَيْضًا وَالْعَيْنُ بَاقِيَةٌ فَيَأْخُذُهَا الْمَالِكُ وَلَا أُجْرَةَ، فَإِنْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ فَهُوَ يَدَّعِي أَقْصَى الْقِيَمِ وَالْمُسْتَعِيرُ يَدَّعِي الْقِيمَةَ فَاتَّفَقَا عَلَى الْقِيمَةِ فَيَأْخُذُهَا الْمَالِكُ وَيَتْرُكُ الزَّائِدَ إلَى الْبَيَانِ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ ادَّعَى الْمَالِكُ إلَخْ) هَذَا عَكْسُ مَا تَقَدَّمَ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْعَيْنُ بَاقِيَةً وَلَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ فَيَأْخُذُ الْعَيْنَ صَاحِبُهَا، وَإِنْ تَلِفَتْ فَالْمَالِكُ يَدَّعِي الْقِيمَةَ وَالْغَاصِبُ يَدَّعِي أَقْصَى الْقِيَمِ فَيَأْخُذُ الْمَالِكُ الْقِيمَةَ وَيَتْرُكُ الزَّائِدَ إلَى الْبَيَانِ، وَأَمَّا إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ وَالْعَيْنُ بَاقِيَةٌ فَيَأْخُذُ الْعَيْنَ صَاحِبُهَا وَيَتْرُكُ الْأُجْرَةَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ إلَى الْبَيَانِ، وَإِنْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ فَيَأْخُذُ الْمَالِكُ الْقِيمَةَ وَيَتْرُكُ الزَّائِدَ عَنْ الْقِيمَةِ إلَى الْبَيَانِ.
قَوْلُهُ: (جَاهِلًا بِرُجُوعِ

(3/164)


بِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ تَسْلِيطِ الْمَالِكِ وَهُنَا بِخِلَافِهِ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ السَّلْطَنَةِ وَبِأَنَّ الْمَالِكَ مُقَصِّرٌ بِتَرْكِ الْإِعْلَامِ