تحفة
الحبيب على شرح الخطيب = حاشية البجيرمي على الخطيب فَصْلٌ: فِي الْقَسَامَةِ وَهِيَ بِفَتْحِ
الْقَافِ اسْمٌ لِلْأَيْمَانِ الَّتِي تُقْسَمُ عَلَى أَوْلِيَاءِ الدَّمِ
مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْقَسَمِ وَهُوَ الْيَمِينُ
وَقِيلَ اسْمٌ لِلْأَوْلِيَاءِ وَتَرْجَمَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ -
رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَالْأَكْثَرُونَ بِبَابِ دَعْوَى
الدَّمِ وَالْقَسَامَةِ وَالشَّهَادَةِ عَلَى الدَّمِ وَاقْتَصَرَ
الْمُصَنِّفُ عَلَى إيرَادِ وَاحِدٍ مِنْهَا وَهُوَ الْقَسَامَةُ طَلَبًا
لِلِاخْتِصَارِ وَأَدْرَجَ فِيهِ الْكَلَامَ عَلَى الْكَفَّارَةِ فَقَالَ
(وَإِذَا اقْتَرَنَ بِدَعْوَى الْقَتْلِ) عِنْدَ حَاكِمٍ لَوْثٌ وَهُوَ
بِإِسْكَانِ الْوَاوِ وَبِالْمُثَلَّثَةِ مُشْتَقٌّ مِنْ التَّلْوِيثِ أَيْ
التَّلْطِيخِ (يَقَعُ بِهِ) أَيْ اللَّوْثِ (فِي النَّفْسِ صِدْقُ
الْمُدَّعِي) بِأَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ بِقَرِينَةٍ كَأَنْ
وُجِدَ قَتِيلٌ، أَوْ بَعْضُهُ كَرَأْسِهِ، إذَا تَحَقَّقَ مَوْتُهُ فِي
مَحَلَّةٍ مُنْفَصِلَةٍ عَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهُ لَا عَمْدَ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْجَنِينِ إذْ
لَا يَتَحَقَّقُ وُجُودُهُ وَلَا حَيَاتُهُ حَتَّى يُقْصَدَ شَرْحَ
الْمَنْهَجِ وَانْظُرْ هَلْ هِيَ حَالَّةٌ، أَوْ مُؤَجَّلَةٌ وَمَا
كَيْفِيَّةُ تَأْجِيلِهَا، وَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا تُؤَجَّلُ
سَنَةً، لِأَنَّهَا أَقَلُّ مِنْ ثُلُثِ دِيَةِ الْكَامِلِ وَقَوْلُهُ:
لِأَنَّهُ لَا عَمْدَ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْجَنِينِ: وَإِنْ كَانَتْ
الْجِنَايَةُ عَلَى أُمِّهِ عَمْدًا إذْ تَعَمُّدُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا
لَا يَسْتَلْزِمُ تَعَمُّدَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ إذْ لَا يَتَحَقَّقُ
وُجُودُهُ وَلَا حَيَاتُهُ فَيُقْصَدُ. اهـ. ز ي.
[فَصْلٌ فِي الْقَسَامَةِ]
ِ ذَكَرَهَا عَقِبَ الْقَتْلِ لِتَعَلُّقِهَا بِهِ أَيْ فَلَمَّا كَانَ
الْغَالِبُ مِنْ أَحْوَالِ الْقَاتِلِ إنْكَارَ الْقَتْلِ اسْتَدْعَى
ذَلِكَ بَعْدَ بَيَانِ مُوجَبَاتِهِ بَيَانَ الْحُجَّةِ فِيهِ وَهِيَ
بَعْدَ الدَّعْوَى إمَّا يَمِينٌ وَإِمَّا شَهَادَةٌ وَأَوَّلُ مَنْ قَضَى
بِهَا أَيْ بِالْيَمِينِ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ
وَأَقَرَّهَا الشَّارِعُ فِي الْإِسْلَامِ اهـ أج
قَوْلُهُ اسْمٌ لِلْأَيْمَانِ عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَهِيَ لُغَةً اسْمٌ
لِأَوْلِيَاءِ الدَّمِ وَلِأَيْمَانِهِمْ وَاصْطِلَاحًا اسْمٌ
لِأَيْمَانِهِمْ وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى الْأَيْمَانِ مُطْلَقًا إذْ
الْقَسَمُ الْيَمِينُ قَوْلُهُ وَقِيلَ اسْمٌ لِلْأَوْلِيَاءِ تَعْبِيرُهُ
بِقِيلَ يَقْتَضِي أَنَّهُ ضَعِيفٌ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي
الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ
وَإِلَّا فَمَعْنَاهَا اصْطِلَاحًا هُوَ الْأَيْمَانُ الَّتِي تُقْسَمُ
عَلَى الْأَوْلِيَاءِ خَاصَّةً قَوْلُهُ عَلَى إيرَادِ وَاحِدٍ مِنْهَا
. وَذَكَرَ دَعْوَى الدَّمِ بِقَوْلِهِ: " وَإِذَا اقْتَرَنَ بِدَعْوَى
الْقَتْلِ " تَوْطِئَةً لِلْقَسَامَةِ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ شُرُوطَ
الدَّعْوَى كَمَا فَعَلَ غَيْرُهُ.
قَوْلُهُ: (وَأَدْرَجَ) أَيْ ذَكَرَ فِيهِ أَيْ فِي فَصْلِ الْقَسَامَةِ
أَيْ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِطْرَادِ لِأَنَّ حَقَّ الْكَفَّارَةِ أَنْ
تُذْكَرَ مَعَ الْقِصَاصِ، أَوْ الدِّيَةِ فَذِكْرُهَا مَعَ الْقَسَامَةِ
فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا لِمُنَاسَبَةٍ وَهِيَ أَنَّ كُلًّا مِنْ
الْكَفَّارَةِ وَالْقَسَامَةِ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَتْلِ.
قَوْلُهُ: (عِنْدَ حَاكِمٍ) هُوَ بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ لِأَنَّهَا لَا
يُقَالُ: لَهَا دَعْوَى إلَّا عِنْدَهُ وَمِثْلُ الْحَاكِمُ الْمُحَكَّمُ.
قَوْلُهُ: (لَوْثٌ) أَيْ قَرِينَةٌ تُوقِعُ فِي الْقَلْبِ صِدْقَ
الْمُدَّعِي، وَاللَّوْثُ لُغَةً بِمَعْنَى الْقُوَّةِ لِقُوَّتِهِ
بِتَحْوِيلِهِ الْيَمِينَ لِجَانِبِ الْمُدَّعِي أَوْ الضَّعْفِ لِأَنَّ
الْأَيْمَانَ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ شَرْحَ م ر. قَوْلُهُ: (أَيْ التَّلْطِيخِ)
كَأَنَّ عِرْضَ الْمُتَّهَمِ تَلَوَّثَ بِنِسْبَتِهِ إلَى الْقَتْلِ.
قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَغْلِبَ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: يَقَعُ.
قَوْلُهُ: (بِقَرِينَةٍ) هِيَ نَفْسُ اللَّوْثِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ:
بِأَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ بِهِ أَيْ بِاللَّوْثِ،
وَالْقَرِينَةُ إمَّا حَالِيَّةٌ، أَوْ مَقَالِيَّةٌ فَالْأُولَى كَأَنْ
وُجِدَ قَتِيلٌ إلَخْ وَالثَّانِيَةُ كَأَنْ أَخْبَرَ بِقَتْلِهِ عَدْلٌ،
أَوْ عَبْدٌ أَوْ امْرَأَةٌ، أَوْ صِبْيَةٌ، أَوْ كُفَّارٌ أَوْ فَسَقَةٌ م
د.
قَوْلُهُ: (كَرَأْسِهِ) الظَّاهِرُ: أَنَّهُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ
فَيُفِيدُ اشْتِرَاطَ كَوْنِ الْمَوْجُودِ مِمَّا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ
صِدْقُ الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ الْقَتْلَ لَا كَنَحْوِ يَدٍ. اهـ. ع ش
وَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَهُ أَيْ الرَّأْسِ عَنْ قَوْلِهِ: إذَا
تَحَقَّقَ مَوْتُهُ.
تَنْبِيهٌ: مِنْ اللَّوْثِ الشُّيُوعُ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَامِّ
وَالْخَاصِّ، بِأَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ، وَنَحْوُ تَلَطُّخِ ثَوْبِهِ،
أَوْ نَحْوِ سَيْفِهِ بِدَمٍ، وَتَحَرُّكِ يَدِهِ بِنَحْوِ سَيْفٍ وَلَيْسَ
هُنَاكَ نَحْوُ سَبُعٍ، وَوُجُودِ عَدُوٍّ وَلَيْسَ ثَمَّ رَجُلٌ آخَرُ،
لَا وُجُودُ رَجُلٍ عِنْدَهُ سِلَاحٌ وَلَا تَلَطُّخُ يَدٍ وَلَوْ
لِعَدُوٍّ وَلَا
(4/158)
بَلَدٍ كَبِيرٍ وَلَا يُعْرَفُ قَاتِلُهُ،
وَلَا بَيِّنَةَ بِقَتْلِهِ، أَوْ فِي قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ لِأَعْدَائِهِ
سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْعَدَاوَةُ الدِّينِيَّةُ وَالدُّنْيَوِيَّةُ، إذَا
كَانَتْ تَبْعَثُ عَلَى الِانْتِقَامِ بِالْقَتْلِ، أَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ
وَقَدْ تَفَرَّقَ عَنْهُ جَمْعٌ، كَأَنْ ازْدَحَمُوا عَلَى بِئْرٍ، أَوْ
بَابِ الْكَعْبَةِ ثُمَّ تَفَرَّقُوا عَنْ قَتِيلٍ.
(حُلِّفَ الْمُدَّعِي) بِكَسْرِ الْعَيْنِ عَلَى قَتْلٍ ادَّعَاهُ لِنَفْسٍ
وَلَوْ نَاقِصَةً كَامْرَأَةٍ وَذِمِّيٍّ. (خَمْسِينَ يَمِينًا) لِثُبُوتِ
ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: قَتَلَنِي فُلَانٌ، أَوْ جَرَحَنِي أَوْ دَمِي عِنْدَهُ
لِاحْتِمَالِ إرَادَةِ ضَرَرِهِ لِعَدَاوَةٍ مَعَ خَطَرِ الْقَتْلِ،
وَبِذَلِكَ فَارَقَ صِحَّةَ إقْرَارِهِ بِالْمَالِ وَنَحْوِهِ وَلَوْ
لِوَارِثٍ، ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَقَوْلُهُ: قَتَلَنِي فُلَانٌ إلَخْ
خِلَافًا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ قَالَ: لِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْحَالَةِ لَا
يُكْذَبُ فِيهَا وَفِي ع ش عَلَى م ر وَلَيْسَ مِنْ اللَّوْثِ مَا لَوْ
وُجِدَ مَعَهُ ثِيَابُ الْقَتِيلِ وَلَوْ كَانَتْ مُلَطَّخَةً بِالدَّمِ
اهـ.
قَوْلُهُ: (إذَا تَحَقَّقَ مَوْتُهُ) قَيْدٌ فِي الْبَعْضِ ق ل فَهُوَ فِي
مَعْنَى التَّقْيِيدِ بِكَوْنِ ذَلِكَ الْبَعْضِ مِمَّا لَا يَعِيشُ
بِدُونِهِ كَالرَّأْسِ كَمَا أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ وَهَذَا بِقَطْعِ
النَّظَرِ عَنْ قَوْلِ الشَّارِحِ كَرَأْسِهِ وَإِلَّا فَوُجُودُ الرَّأْسِ
تَحْقِيقٌ لِلْقَتْلِ وَلَوْ وُجِدَ بَعْضُهُ فِي مَحَلَّةٍ وَبَعْضُهُ فِي
أُخْرَى فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يُعَيِّنَ وَيُقْسِمَ زي.
قَوْلُهُ: (فِي مَحَلَّةٍ) أَيْ حَارَةٍ مُنْفَصِلَةٍ أَيْ فَيَكُونُ
لَوْثًا فِي حَقِّ أَهْلِ هَذِهِ الْمَحَلَّةِ فَقَطْ وَكَذَا قَوْلُهُ،
أَوْ فِي قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ تَكُونُ لَوْثًا فِي حَقِّ أَهْلِ الْقَرْيَةِ
كُلِّهِمْ وَقَوْلُهُ: " مُنْفَصِلَةٍ " قَيْدٌ مُعْتَبَرٌ قَيَّدَ بِهِ
لِيَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَحْصُورًا.
قَوْلُهُ: (عَنْ بَلَدٍ كَبِيرٍ) الْمُرَادُ بِالْكَبِيرِ مَا لَيْسَ
أَهْلُهَا مَحْصُورِينَ وَالصَّغِيرَةِ مَا أَهْلُهَا مَحْصُورُونَ
وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ: كَبِيرًا لِيُلَائِمَ قَوْلَهُ " مُنْفَصِلَةٍ ".
قَوْلُهُ: (أَوْ فِي قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ) أَيْ وَلَمْ يُسَاكِنْهُمْ
غَيْرُهُمْ كَمَا صَحَّحَهُ. فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ
شَرْحُ م ر.
قَوْلُهُ: (لِأَعْدَائِهِ) رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ أَيْ لِمَحَلَّةٍ أَوْ
قَرْيَةٍ وَهَذَا يَقْتَضِي اعْتِبَارُ عَدَاوَتِهِمْ لِلْقَتِيلِ وَلَيْسَ
بِشَرْطٍ بَلْ يَكْفِي أَنْ يَكُونُوا أَعْدَاءً لِقَبِيلَتِهِ قَالَ: ع ش.
وَكَأَعْدَائِهِ أَعْدَاءٌ لِأَوْلِيَائِهِ.
قَوْلُهُ: (إذَا كَانَتْ) يَرْجِعُ لِكُلٍّ مِنْ الدِّينِيَّةِ
وَالدُّنْيَوِيَّةِ وَاحْتَرَزَ بِهِ فِي الدِّينِيَّةِ عَنْ مُجَرَّدِ
فِسْقٍ. قَوْلُهُ: (جَمْعٌ) أَيْ مَحْصُورُونَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.
وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ الْمِثَالُ الَّذِي ذَكَرَهُ ق ل فَإِنْ كَانُوا
غَيْرَ مَحْصُورِينَ فَلَا قَسَامَةَ نَعَمْ إنْ ادَّعَى عَلَى عَدَدٍ
مِنْهُمْ مَحْصُورِينَ مُكِّنَ مِنْ الدَّعْوَى وَالْقَسَامَةِ وَفِي ع ش
عَلَى م ر: وَالْمُرَادُ بِالْمَحْصُورِينَ مَنْ يَسْهُلُ عَدُّهُمْ
وَالْإِحَاطَةُ بِهِمْ إذَا وَقَفُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ بِمُجَرَّدِ
النَّظَرِ وَبِغَيْرِ الْمَحْصُورِينَ مَنْ يَعْسُرُ عَدُّهُمْ كَذَلِكَ
اهـ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ نَاقِصَةً) أَيْ مِنْ جِهَةِ الدِّيَةِ لَا مِنْ جِهَةِ
الْقِصَاصِ فِي الْمَرْأَةِ، وَأَمَّا الذِّمِّيُّ فَإِنَّهُ نَاقِصٌ مِنْ
الْجِهَتَيْنِ.
قَوْلُهُ: (خَمْسِينَ يَمِينًا) وَلَوْ فِي قَتْلِ نَحْوِ امْرَأَةٍ، أَوْ
ذِمِّيٍّ أَوْ جَنِينٍ وَيُبَيِّنُ فِي كُلِّ يَمِينٍ مِنْهَا صِفَةَ
الْقَتْلِ. وَيُشِيرُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ حُضُورِهِ فَيَقُولُ:
وَاَللَّهِ إنَّ هَذَا قَتَلَ ابْنِي مَثَلًا عَمْدًا أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ،
أَوْ خَطَأً مُنْفَرِدًا، أَوْ مَعَ غَيْرِهِ، وَيَرْفَعُ نَسَبُ
الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ غَيْبَتِهِ، أَوْ يُعَرِّفُهُ بِمَا يَمْتَازُ
بِهِ مِنْ قَبِيلَةٍ، أَوْ حِرْفَةٍ أَوْ لَقَبٍ اهـ. ز ي.
قَالَ: م ر: وَلَعَلَّ حِكْمَةَ الْخَمْسِينَ أَنَّ الدِّيَةَ تُقَوَّمُ
بِأَلْفِ دِينَارٍ غَالِبًا وَلِذَا أَوْجَبَهَا الْقَدِيمُ وَالْقَصْدُ
مِنْ تَعَدُّدِ الْأَيْمَانِ التَّغْلِيظُ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ فِي
عِشْرِينَ دِينَارًا فَاقْتَضَى الِاحْتِيَاطُ لِلنَّفْسِ أَنْ يُقَابَلَ
كُلُّ عِشْرِينَ مِنْ الْأَلْفِ بِيَمِينٍ مُنْفَرِدَةٍ كَمَا يَقْتَضِيهِ
التَّغْلِيظُ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَفِي هَذِهِ الْحِكْمَةِ نَظَرٌ مِنْ
وُجُوهٍ لِأَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنَّ
دِيَةَ الْكَافِرِ عَلَى الثُّلُثِ مِنْهُ، أَوْ أَقَلَّ، وَأَنَّ دِيَةَ
الْمَرْأَةِ الْكَافِرَةِ عَلَى قَدْرِ السُّدُسِ مِنْهُ، أَوْ أَقَلَّ
وَأَنَّ الْغُرَّةَ عَلَى نِصْفِ الْعُشْرِ مِنْهُ، وَقِيمَةُ الرَّقِيقِ
قَدْ لَا تَفِي بِهِ، أَوْ أَنَّهَا تَزِيدُ عَلَى الدِّيَةِ وَأَنَّ
الْأَيْمَانَ هُنَا وَاجِبَةٌ، وَأَنَّ التَّغْلِيظَ يَكُونُ بِأَيْمَانٍ
مُسْتَقِلَّةٍ لِغِلَظِ أَمْرِ الْقَتْلِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ
الْحِكْمَةَ بِالنِّسْبَةِ لِدِيَةِ الْكَامِلِ اهـ.
قَوْلُهُ: (لِثُبُوتِ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ) لَفْظُهُ كَمَا فِي
الدَّمِيرِيِّ. وَالْأَصْلُ فِيهَا مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ سَهْلِ
بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ قَالَ: «انْطَلَقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ
وَمُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ إلَى خَيْبَرَ وَهِيَ يَوْمَئِذٍ صُلْحٌ
فَتَفَرَّقَا فَأَتَى مُحَيِّصَةُ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ وَهُوَ
يَشْخَبُ دَمُهُ قَتِيلًا فَدَفَنَهُ، ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ
فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَحُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ
ابْنَا مَسْعُودٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَتَكَلَّمُ فَقَالَ لَهُ:
كَبِّرْ كَبِّرْ وَهُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ ثُمَّ سَكَتَ فَتَكَلَّمَا
فَقَالَ أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ؟ قَالُوا: كَيْفَ
نَحْلِفُ وَلَمْ نَشْهَدْ وَلَمْ نَرَ قَالَ فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ
خَيْبَرَ بِخَمْسِينَ يَمِينًا؟ قَالُوا كَيْفَ نَأْخُذُ بِأَيْمَانِ
قَوْمٍ كُفَّارٍ؟ فَعَقَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - مِنْ عِنْدِهِ» اهـ.
وَقَوْلُهُ: فَتُبْرِئُكُمْ أَيْ مِنْ دَعْوَاكُمْ، وَإِلَّا فَالْحَقُّ
لَيْسَ فِي جِهَتِهِمْ مَعَ كُفْرِهِمْ الْمُؤَيِّدِ لِكَذِبِهِمْ، وَلَمْ
(4/159)
وَلَا يُشْتَرَطُ مُوَالَاتُهَا فَلَوْ
حَلَّفَهُ الْقَاضِي خَمْسِينَ يَمِينًا فِي خَمْسِينَ يَوْمًا صَحَّ؛
لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مِنْ جِنْسِ الْحُجَجِ وَالْحُجَجُ يَجُوزُ
تَفْرِيقُهَا كَمَا إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ مُتَفَرِّقِينَ، وَلَوْ
تَخَلَّلَ الْأَيْمَانَ جُنُونٌ، أَوْ إغْمَاءٌ بَنَى إذَا أَفَاقَ عَلَى
مَا مَضَى.
وَلَوْ مَاتَ الْوَلِيُّ الْمُقْسِمُ فِي أَثْنَاءِ الْأَيْمَانِ لَمْ
يَبْنِ وَارِثُهُ بَلْ يَسْتَأْنِفُ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ كَالْحُجَّةِ
الْوَاحِدَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ أَحَدٌ شَيْئًا بِيَمِينِ
غَيْرِهِ، وَلَيْسَ كَمَا لَوْ أَقَامَ شَطْرَ الْبَيِّنَةِ ثُمَّ مَاتَ
حَيْثُ يَضُمُّ وَارِثُهُ إلَيْهِ الشَّطْرَ الثَّانِيَ وَلَا
يَسْتَأْنِفُ، لِأَنَّ شَهَادَةَ كُلِّ شَاهِدٍ مُسْتَقِلَّةٌ. أَمَّا إذَا
تَمَّتْ أَيْمَانُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ فَلَا يَسْتَأْنِفُ وَارِثُهُ بَلْ
يُحْكَمُ لَهُ كَمَا لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً، ثُمَّ مَاتَ. وَأَمَّا
وَارِثُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَبْنِي عَلَى أَيْمَانِهِ إذَا تَخَلَّلَ
مَوْتُهُ الْأَيْمَانَ، وَكَذَا يَبْنِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَوْ عُزِلَ
الْقَاضِي، أَوْ مَاتَ فِي خِلَالِهَا وَوُلِّيَ غَيْرُهُ. وَالْفَرْقُ
بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ يَمِينَ الْمُدَّعَى
عَلَيْهِ لِلنَّفْيِ فَتَنْفُذُ بِنَفْسِهَا وَيَمِينَ الْمُدَّعِي
لِلْإِثْبَاتِ فَتَتَوَقَّفُ عَلَى حُكْمِ الْقَاضِي، وَالْقَاضِي
الثَّانِي لَا يَحْكُمُ بِحُجَّةٍ أُقِيمَتْ عِنْدَ الْأَوَّلِ.
وَلَوْ كَانَ لِلْقَتِيلِ وَرَثَةٌ خَاصَّةٌ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ وُزِّعَتْ
الْأَيْمَانُ الْخَمْسُونَ عَلَيْهِمْ بِحَسَبِ الْإِرْثِ، لِأَنَّ مَا
ثَبَتَ بِأَيْمَانِهِمْ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ
تَعَالَى، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْأَيْمَانُ كَذَلِكَ. وَخَرَجَ
بِقَوْلِنَا، خَاصَّةٌ مَا لَوْ كَانَ هُنَاكَ وَارِثٌ غَيْرُ حَائِزٍ
وَشَرِيكُهُ بَيْتُ الْمَالِ فَإِنَّ الْأَيْمَانَ لَمْ تُوَزَّعْ بَلْ
يُحَلَّفُ الْخَاصُّ خَمْسِينَ يَمِينًا كَمَا لَوْ نَكَلَ بَعْضُ
الْوَرَثَةِ أَوْ غَابَ يُحَلَّفُ الْحَاضِرُ خَمْسِينَ يَمِينًا. وَهَلْ
تُقْسَمُ الْأَيْمَانُ بَيْنَهُمْ عَلَى أَصْلِ الْفَرِيضَةِ، أَوْ عَلَى
الْفَرِيضَةِ وَعَوْلِهَا.؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا كَمَا فِي الْحَاوِي
الثَّانِي، فَفِي زَوْجٍ وَأَمٍّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
يُبَيِّنْهَا النَّبِيُّ لَهُمْ اتِّكَالًا عَلَى وُضُوحِ الْأَمْرِ
فِيهَا:. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ
: (وَلَا يُشْتَرَطُ مُوَالَاتُهَا) بِخِلَافِ اللِّعَانِ، لِأَنَّهُ
يُحْتَاطُ لَهُ أَكْثَرَ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْعُقُوبَةِ
الْبَدَنِيَّةِ وَاخْتِلَالِ النَّسَبِ وَشُيُوعِ الْفَاحِشَةِ، وَهَتْكِ
الْعِرْضِ. اهـ. حَجّ س ل قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَيُسْتَحَبُّ
تَغْلِيظُهَا كَاللِّعَانِ.
قَوْلُهُ: (جُنُونٌ أَوْ إغْمَاءٌ بَنَى) وَكَذَا لَوْ عُزِلَ الْقَاضِي،
ثُمَّ وُلِّيَ بِخِلَافِ مَا لَوْ وُلِّيَ غَيْرُهُ، أَوْ مَاتَ أَيْ
الْقَاضِي وَلَوْ بَعْدَ تَمَامِهَا فَيَسْتَأْنِفُ الْحَالِفُ، سم.
لِأَنَّ الْقَاضِيَ الَّذِي وُلِّيَ بَعْدَ الْأَوَّلِ لَا يَحْكُمُ
بِأَيْمَانِ الْحَالِفِينَ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْأَيْمَانَ كَالْحُجَّةِ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ
لِعَدَمِ ظُهُورِهِ وَعِبَارَةُ التَّحْرِيرِ: فَيَسْتَأْنِفُ الْوَارِثُ؛
إذْ لَا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ بِيَمِينِ غَيْرِهِ أَيْ غَالِبًا، وَإِلَّا
فَسَيَأْتِي أَنَّ السَّيِّدَ يَسْتَحِقُّ بِيَمِينِ الْمُكَاتَبِ، إذَا
عَجَّزَ نَفْسَهُ، وَبَيْتُ الْمَالِ يَسْتَحِقُّ بِيَمِينِ الْوَارِثِ
الْخَاصِّ. قَوْلُهُ: (شَطْرَ) : أَيْ نِصْفَ.
قَوْلُهُ: (بَلْ يُحْكَمُ لَهُ) أَيْ بِالدِّيَةِ مِنْ غَيْرِ حَلِفٍ
وَكَأَنَّهُ تَلَقَّاهَا مِنْ مُوَرِّثِهِ حَتَّى لَا يَخْدِشَهُ
التَّعْلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ. اهـ. رَحْمَانِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الْوَارِثُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) كَأَنْ رُدَّتْ
الْأَيْمَانُ عَلَيْهِ كَمَا يَأْتِي. وَحَاصِلُ الْفَرْقِ بَيْنَ
الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ
أَنَّ وَارِثَ الْمُدَّعِي لَا يَبْنِي بِخِلَافِ وَارِثِ الْمُدَّعَى
عَلَيْهِ. الثَّانِي أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يَبْنِي إذَا عُزِلَ الْقَاضِي
وَوُلِّيَ قَاضٍ آخَرُ بِخِلَافِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَبْنِي.
الثَّالِثُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ تُوَزَّعُ الْأَيْمَانُ عَلَيْهِ لَوْ
تَعَدَّدَ بِخِلَافِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُ يُحَلَّفُ كُلُّ
وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسِينَ يَمِينًا كَمَا يَأْتِي.
قَوْلُهُ: (يَبْنِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) أَيْ بِخِلَافِ الْمُدَّعِي
فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ
إلَخْ.
قَوْلُهُ: (فِي خِلَالِهَا) : أَيْ فِي أَثْنَائِهَا.
قَوْلُهُ: (وَالْفَرْقُ إلَخْ) أَيْ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثَةِ وَهَذَا
الْفَرْقُ خَاصٌّ بِصُورَةِ الْعَزْلِ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْفَرْقَ فِي
صُورَةِ الْمَوْتِ وَقَدْ يُقَالُ: كَلَامُهُ شَامِلٌ لِلْمَوْتِ، لِأَنَّ
قَوْلَهُ: لَا يُحْكَمُ بِحُجَّةٍ أُقِيمَتْ عِنْدَ الْأَوَّلِ يَصْدُقُ
بِعَزْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، أَوْ مَوْتِهِ.
قَوْلُهُ: (بِحَسَبِ الْإِرْثِ) وَيُفْرَضُ الْخُنْثَى ذَكَرًا وَيُفْرَضُ
فِي حَقِّ غَيْرِهِ أُنْثَى بِاعْتِبَارِ أَيْمَانِ الْغَيْرِ وَيُفْرَضُ
فِي أَخْذِهِ مِنْ الدِّيَةِ أُنْثَى لِأَنَّهُ أَسْوَأُ فِي الْجَمِيعِ
فَإِذَا كَانَ مَعَهُ أَيْ الْخُنْثَى ابْنٌ حُلِّفَ النِّصْفَ
لِاحْتِمَالِ ذُكُورَتِهِ وَأَخَذَ الثُّلُثَ لِاحْتِمَالِ أُنُوثَتِهِ
وَحُلِّفَ الِابْنُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ، لِأَنَّهَا ثُلُثَا
الْخَمْسِينَ مَعَ جَبْرِ الْكَسْرِ وَأَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ النِّصْفَ
وَوُقِفَ لِلْخُنْثَى مَا بَقِيَ مِنْ الدِّيَةِ وَهُوَ السُّدُسُ إلَى
الصُّلْحِ، أَوْ الْبَيَانِ. اهـ. زي. قَوْلُهُ: (بَلْ يُحَلَّفُ الْخَاصُّ
خَمْسِينَ يَمِينًا) أَيْ وَيَأْخُذُ نَصِيبَهُ فَقَطْ.
قَوْلُهُ: (وَجْهَانِ) وَانْظُرْ مَا تَفْصِيلُ الْوَجْهِ الْمَرْجُوحِ
هَلْ يُحَلَّفُ بِنِسْبَةِ نَصِيبِهِ مِنْ السِّتَّةِ فَتَزِيدَ
الْأَيْمَانُ عَلَى الْخَمْسِينَ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِ
الشَّارِحِ عَلَى أَصْلِ قَدْرِ الْفَرِيضَةِ الَّذِي هُوَ الْأَوَّلُ مِنْ
شِقَّيْ التَّرْدِيدِ وَحِينَئِذٍ فَتَبْلُغُ الْأَيْمَانُ خَمْسًا
وَثَمَانِينَ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ هَذَا مَا ظَهَرَ
فَلْيُرَاجَعْ شَيْخُنَا. فَيُحَلَّفُ الزَّوْجُ نِصْفَ الْأَيْمَانِ
بِقَدْرِ نَصِيبِهِ الْأَصْلِيِّ وَتُحَلَّفُ الْأُخْتَانِ لِلْأَبِ
ثُلُثَيْهَا، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ وَثَلَاثُونَ بِجَبْرِ الْمُنْكَسِرِ
وَتُحَلَّفُ الْأُخْتَانِ لِلْأُمِّ ثُلُثَهَا
(4/160)
وَأُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ،
أَصْلُهَا سِتَّةٌ وَتَعُولُ إلَى الْعَشَرَةِ: فَيُحَلَّفُ الزَّوْجُ
خَمْسَ عَشْرَةَ. وَكُلُّ أُخْتٍ لِأَبٍ عَشَرَةً وَكُلُّ أُخْتٍ لِأُمٍّ
خَمْسَةً وَالْأُمُّ خَمْسَةً وَيُجْبَرُ الْمُنْكَسِرُ إنْ لَمْ
تَنْقَسِمْ صَحِيحَةً. لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا تَتَبَعَّضُ وَلَا يَجُوزُ
إسْقَاطُهُ لِئَلَّا يَنْقُصَ نِصَابُ الْقَسَامَةِ. فَلَوْ كَانَ
ثَلَاثَةَ بَنِينَ حُلِّفَ كُلٌّ مِنْهُمْ سَبْعَةَ عَشَرَ، أَوْ تِسْعَةً
وَأَرْبَعِينَ حُلِّفَ كُلٌّ يَمِينَيْنِ، وَلَوْ نَكَلَ أَحَدُ
الْوَارِثِينَ حُلِّفَ الْوَارِثُ الْآخَرُ خَمْسِينَ وَأَخَذَ حِصَّتَهُ،
لِأَنَّ الدِّيَةَ لَا تُسْتَحَقُّ بِأَقَلَّ مِنْهَا، وَلَوْ غَابَ
أَحَدُهُمَا حُلِّفَ الْآخَرُ خَمْسِينَ وَأَخَذَ حِصَّتَهُ لِمَا مَرَّ.
تَنْبِيهٌ: يَمِينُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَتْلٌ بِلَا لَوْثٍ،
وَالْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْمُدَّعِي
إنْ لَمْ يَكُنْ لَوْثٌ، أَوْ كَانَ وَنَكَلَ الْمُدَّعِي عَنْ
الْقَسَامَةِ فَرُدَّتْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَنَكَلَ فَرُدَّتْ
عَلَى الْمُدَّعِي مَرَّةً ثَانِيَةً، وَالْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ عَلَى
الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِسَبَبِ نُكُولِ الْمُدَّعِي مَعَ لَوْثٍ،
وَالْيَمِينُ أَيْضًا مَعَ شَاهِدٍ؛ خَمْسُونَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ
الصُّوَرِ، لِأَنَّهَا فِيمَا ذُكِرَ يَمِينُ دَمٍ حَتَّى لَوْ تَعَدَّدَ
الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حُلِّفَ كُلٌّ خَمْسِينَ يَمِينًا وَلَا تُوَزَّعُ
عَلَيْهِمْ عَلَى الْأَظْهَرِ بِخِلَافِ تَعَدُّدِ الْمُدَّعِي.
وَالْفَرْقُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ يَنْفِي عَنْ
نَفْسِهِ الْقَتْلَ. كَمَا يَنْفِيهِ مَنْ انْفَرَدَ وَكُلٌّ مِنْ
الْمُدَّعِيِينَ لَا يُثْبِتُ لِنَفْسِهِ مَا يُثْبِتُهُ الْوَاحِدُ
الْمُنْفَرِدُ بَلْ يُثْبِتُ بَعْضَ الْأَرْشِ فَيُحَلَّفُ بِقَدْرِ
الْحِصَّةِ.
(وَاسْتَحَقَّ) الْوَارِثُ بِالْقَسَامَةِ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ أَوْ
قَتْلِ شِبْهِ الْعَمْدِ عَلَى الْعَاقِلَةِ مُخَفَّفَةً فِي الْأَوَّلِ
مُغَلَّظَةً فِي الثَّانِي لِقِيَامِ الْحُجَّةِ بِذَلِكَ كَمَا لَوْ
قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ. وَفِي قَتْلِ الْعَمْدِ دِيَةً حَالَّةً عَلَى
الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ وَلَا قِصَاصَ فِي الْجَدِيدِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ
الْحُكْمِ بِالدِّيَةِ. وَلَمْ يُفَصِّلْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَلَوْ صَلَحَتْ الْأَيْمَانُ لِلْقِصَاصِ لَذَكَرَهُ،
وَلِأَنَّ الْقَسَامَةَ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ فَلَا تُوجِبُ الْقِصَاصَ
احْتِيَاطًا لِأَمْرِ الدِّمَاءِ كَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
سَبْعَةَ عَشَرَ بِجَبْرِ الْمُنْكَسِرِ وَتُحَلَّفُ الْأُمُّ سُدُسَهَا
وَهِيَ تِسْعَةٌ بِجَبْرِ الْمُنْكَسِرِ.
قَوْلُهُ: (إلَى الْعَشَرَةِ) . أَيْ لِلزَّوْجِ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ هِيَ
خَمْسٌ وَعَشْرٌ وَلِكُلِّ أُخْتٍ لِأَبٍ اثْنَانِ هُمَا خَمْسٌ وَلِكُلٍّ
مِنْ الْبَاقِينَ وَاحِدٌ وَهُوَ عَشْرٌ فَحَلِفُهُمْ مِنْ الْخَمْسِينَ
عَلَى هَذِهِ ق ل.
قَوْلُهُ: (فَيُحَلَّفُ الزَّوْجُ خَمْسَ عَشْرَةَ) لِأَنَّ لَهُ ثَلَاثَةَ
أَعْشَارِ الْعَشَرَةِ فَيَخُصُّهُ ثَلَاثَةُ أَعْشَارِ الْخَمْسِينَ.
قَوْلُهُ: (وَكُلُّ أُخْتٍ لِأَبٍ عَشَرَةً) لِأَنَّ حِصَّتَهَا خُمُسُ
الْعَشَرَةِ فَتُحَلَّفُ خُمُسَ الْخَمْسِينَ.
قَوْلُهُ: (وَكُلُّ أُخْتٍ لِأُمٍّ خَمْسَةً) لِأَنَّ نَصِيبَهَا عُشْرُ
الْعَشَرَةِ فَتُحَلَّفُ عُشْرَ الْخَمْسِينَ وَمِثْلُهَا الْأُمُّ فَكُلُّ
قِيرَاطٍ يَخُصُّهُ خَمْسَةُ أَيْمَانٍ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُهُ) أَيْ الْكَسْرِ لِئَلَّا يَنْقُصَ
نِصَابُ الْقَسَامَةِ أَيْ عَنْ الْخَمْسِينَ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ كَانَ
ثَلَاثَةُ بَنِينَ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّ " كَانَ " تَامَّةٌ
وَبِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهَا نَاقِصَةٌ أَيْ فَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ
ثَلَاثَةَ بَنِينَ وَعَلَى الْأَوَّلِ نُسْخَةٌ: " أَوْ تِسْعَةٌ
وَأَرْبَعُونَ " وَعَلَى الثَّانِي نُسْخَةٌ: " أَوْ تِسْعَةً
وَأَرْبَعِينَ " أَيْ، أَوْ كَانَ الْوَارِثُ تِسْعَةً وَأَرْبَعِينَ
وَيَخُصُّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ الْيَمِينِ الْبَاقِي جُزْءٌ مِنْ
تِسْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ الْيَمِينِ فَيَكْمُلُ فَيُحَلَّفُ
كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَمِينَيْنِ.
قَوْلُهُ: (وَأَخَذَ حِصَّتَهُ) أَيْ حِصَّةَ نَفْسِهِ.
فَرْعٌ: لَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْغَائِبِينَ مَاتُوا قَبْلَ الْحَلِفِ
وَحُلِّفَ الْخَمْسِينَ أَخَذَ حِصَصَ الْغَائِبِينَ إنْ كَانَ وَارِثًا
لَهُمْ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ وَإِنْ كَانَ مَوْتُهُمْ بَعْدَ الْحَلِفِ لَا
يَأْخُذُ حِصَصَهُمْ إلَّا بَعْدَ حَلِفِهِ مَا كَانُوا يَحْلِفُونَهُ لَوْ
أَرَادُوا ق ل.
قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ، لِأَنَّ الدِّيَةَ لَا
تُسْتَحَقُّ بِأَقَلَّ مِنْهَا.
قَوْلُهُ: (يَمِينُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ " خَمْسُونَ " وَقَوْلُهُ: "
قَتْلٌ " نَائِبُ فَاعِلِ الْمُدَّعَى.
قَوْلُهُ: (وَالْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ) وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَجِبُ
الْقِصَاصُ إنْ كَانَتْ الدَّعْوَى بِقَتْلٍ عَمْدٍ، لِأَنَّ الْيَمِينَ
الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ أَوْ كَالْبَيِّنَةِ، وَالْقِصَاصُ يَجِبُ
بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَكَذَا يُقَالُ فِي كُلِّ يَمِينٍ مَرْدُودَةٍ، وَكَانَ
يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (مَرَّةً ثَانِيَةً) وَلَيْسَ لَنَا يَمِينٌ تُرَدُّ مَرَّتَيْنِ
إلَّا هَذِهِ ق ل.
قَوْلُهُ: (وَاسْتَحَقَّ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: حُلِّفَ خَمْسِينَ
يَمِينًا وَعَبَّرَ بِالْوَارِثِ وَفِيمَا تَقَدَّمَ بِالْمُدَّعِي
تَفَنُّنًا.
قَوْلُهُ: (وَفِي قَتْلِ الْعَمْدِ) أَيْ وَاسْتَحَقَّ فِي قَتْلِ
الْعَمْدِ إلَخْ فَقَوْلُهُ: دِيَةً بِالنَّصْبِ. قَوْلُهُ: (الْحُكْمِ
بِالدِّيَةِ) بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ خَبَرِ، لِأَنَّ خَبَرَ الْبُخَارِيِّ
«إمَّا أَنْ تَدُوا صَاحِبَكُمْ، أَوْ تُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ»
مُشْتَمِلٌ عَلَى الْحُكْمِ، أَوْ أَنَّهُ بِمَعْنَى الْحَاكِمِ
(4/161)
تَنْبِيهٌ: كُلُّ مَنْ اسْتَحَقَّ بَدَلَ
الدَّمِ مِنْ سَيِّدٍ، أَوْ وَارِثٍ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُسْلِمًا أَمْ
كَافِرًا، عَدْلًا أَمْ فَاسِقًا، مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَمْ
غَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ مُكَاتَبًا لِقَتْلِ عَبْدِهِ أَقْسَمَ، لِأَنَّهُ
الْمُسْتَحِقُّ لِبَدَلِهِ، وَلَا يُقْسِمُ سَيِّدُهُ بِخِلَافِ الْعَبْدِ
الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ إنْ قَتَلَ الْعَبْدَ الَّذِي تَحْتَ
يَدِهِ فَإِنَّ السَّيِّدَ يُقْسِمُ دُونَ الْمَأْذُونِ لَهُ لِأَنَّهُ لَا
حَقَّ لَهُ، وَلَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ بَعْدَ مَا أَقْسَمَ أَخَذَ
السَّيِّدُ الْقِيمَةَ كَمَا لَوْ مَاتَ الْوَلِيُّ بَعْدَمَا أَقْسَمَ،
أَوْ قَبْلَهُ وَقَبْلَ نُكُولِهِ حُلِّفَ السَّيِّدُ، أَوْ بَعْدَ
نُكُولِهِ فَلَا لِبُطْلَانِ الْحَقِّ بِالنُّكُولِ. كَمَا حَكَاهُ
الْإِمَامُ عَنْ الْأَصْحَابِ.
(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ) أَيْ عِنْدَ الْقَتْلِ (لَوْثٌ) بِأَنْ
تَعَذَّرَ إثْبَاتُهُ، أَوْ ظَهَرَ فِي أَصْلِ الْقَتْلِ بِدُونِ كَوْنِهِ
عَمْدًا، أَوْ خَطَأً أَوْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اللَّوْثَ فِي
حَقِّهِ، أَوْ شَهِدَ بِهِ عَدْلٌ، أَوْ عَدْلَانِ، أَنَّ زَيْدًا قَتَلَ
أَحَدَ هَذَيْنِ الْقَتِيلَيْنِ أَوْ كَذَّبَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ فَهَذِهِ
خَمْسُ صُوَرٍ يَسْقُطُ فِيهَا اللَّوْثُ. كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ.
(فَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) لِسُقُوطِ اللَّوْثِ فِي
حَقِّهِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ.
تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ تَعْبِيرِهِ بِالْيَمِينِ أَنَّهُ لَا يُغَلَّظُ فِي
حَقِّهِ بِالْعَدَدِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ،
وَأَظْهَرُهُمَا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
فَيَكُونُ صِفَةً، وَالْمَجَازُ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: التَّعْبِيرِ
بِالْمَصْدَرِ وَنِسْبَةِ الْحُكْمِ إلَى الْخَبَرِ.
قَوْلُهُ: (كُلُّ مَنْ اسْتَحَقَّ إلَخْ) مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ: "
أَقْسَمَ " خَبَرٌ.
قَوْلُهُ: (لِقَتْلِ عَبْدِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ يُحَلَّفُ
لِأَجْلِ قَتْلِ عَبْدِهِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: فَلَوْ قُتِلَ وَهُنَاكَ
لَوْثٌ فَادَّعَى السَّيِّدُ عَلَى عَبْدٍ، أَوْ حُرٍّ أَنَّهُ قَتَلَهُ
فَهَلْ يُقْسِمُ السَّيِّدُ؟ فِيهِ طَرِيقَانِ: أَشْهَرُهُمَا بِنَاؤُهُ
عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي أَنَّ بَدَلَ الْعَمْدِ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ؟
إنْ قُلْنَا: نَعَمْ وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَقْسَمَ السَّيِّدُ وَهُوَ
الْمَنْصُوصُ لِأَنَّ الْقَسَامَةَ لِحِفْظِ الدِّمَاءِ وَهَذِهِ
الْحَاجَةُ تَشْمَلُ الْقِصَاصَ وَالْكَفَّارَةَ وَالْمُدَّبَّرَ
وَالْمُكَاتَبَ، وَأَمُّ الْوَلَدِ فِي هَذَا كَالْقِنِّ فَإِذَا أَقْسَمَ
السَّيِّدُ فَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى عَلَى حُرٍّ أَخَذَ الدِّيَةَ مِنْ
مَالِهِ فِي الْحَالِ إنْ ادَّعَى عَمْدًا مَحْضًا، وَإِلَّا فَمِنْ
عَاقِلَتِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى عَبْدٍ تَعَلَّقَتْ
الْقِيمَةُ بِرَقَبَتِهِ مُطْلَقًا، هَذَا حَاصِلُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ.
اهـ. شَرْحُ الْمَنُوفِيِّ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُقْسِمُ سَيِّدُهُ) أَيْ الْمُكَاتَبِ. قَوْلُهُ:
(تَحْتَ يَدِهِ) أَيْ يَدِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ
وَكَذَا الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ رَاجِعٌ لَهُ
أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ) أَيْ وَفَسَخَ السَّيِّدُ
الْكِتَابَةَ.
قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ مَاتَ الْوَلِيُّ) أَيْ فَإِنَّ الدِّيَةَ
لِلْوَارِثِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ قَبْلَهُ) أَيْ عَجَزَ قَبْلَ مَا أَقْسَمَ.
قَوْلُهُ: (أَوْ بَعْدَ نُكُولِهِ) أَيْ عَجَزَ بَعْدَ نُكُولِهِ
وَقَوْلُهُ فَلَا أَيْ فَلَا يُحَلَّفُ السَّيِّدُ وَقَوْلُهُ: لِبُطْلَانِ
الْحَقِّ بِالنُّكُولِ أَيْ فَيُحَلَّفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا شَيْءَ
عَلَيْهِ
قَوْلُهُ: (أَيْ عِنْدَ الْقَتْلِ) أَيْ عِنْدَ دَعْوَى الْقَتْلِ كَمَا
يَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ قَبْلُ " وَإِذَا اقْتَرَنَ بِدَعْوَى الْقَتْلِ
إلَخْ ".
قَوْلُهُ: (بِأَنْ تَعَذَّرَ إثْبَاتُهُ) بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ لَوْثٌ
أَصْلًا.
قَوْلُهُ: (أَوْ ظَهَرَ) بِأَنْ ادَّعَى الدَّمَ تَفْصِيلًا حَتَّى
تُسْمَعَ الدَّعْوَى فَيَشْهَدَ عَدْلٌ بِأَصْلِ الْقَتْلِ بِأَنْ أَخْبَرَ
أَنَّ فُلَانًا قَتَلَ فُلَانًا وَلَمْ يَقُلْ عَمْدًا، أَوْ غَيْرَهُ،
شَيْخُنَا. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَلَوْ ظَهَرَ لَوْثٌ يُقْتَلُ
مُطْلَقًا عَنْ التَّقْيِيدِ بِعَمْدٍ، أَوْ غَيْرِهِ أَخْبَرَ عَدْلٌ بِهِ
بَعْدَ دَعْوَى مُفَصِّلَةٍ فَلَا قَسَامَةَ، لِأَنَّهَا لَا تُفِيدُ
مُطَالَبَةَ الْقَاتِلِ وَلَا الْعَاقِلَةِ. اهـ، وَكَتَبَ ح ل عَلَى
قَوْلِهِ: " بَعْدَ دَعْوَى مُفَصِّلَةٍ " فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ:
الدَّعْوَى لَا تُسْمَعُ إلَّا مُفَصِّلَةً فَكَيْفَ يَقُولُ يُقْتَلُ
مُطْلَقًا عَنْ التَّقْيِيدِ بِعَمْدٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَيْ فَصُورَةُ
الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَدَّعِيَ الْوَلِيُّ وَيُفَصِّلُ، ثُمَّ تَظْهَرُ
الْأَمَارَةُ فِي أَصْلِ الْقَتْلِ، دُونَ صِفَتِهِ بِأَنْ يُخْبِرَ
بِذَلِكَ عَدْلٌ. قَوْلُهُ: (أَوْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اللَّوْثَ
فِي حَقِّهِ) كَأَنْ قَالَ لَسْتُ أَنَا الَّذِي كَانَ مَعَهُ السِّكِّينُ
الْمُلَطَّخَةُ مَثَلًا، أَوْ لَسْتُ أَنَا الَّذِي كَانَ خَارِجًا مِنْ
عِنْدِ الْمَقْتُولِ، أَوْ كُنْتُ غَائِبًا وَقْتَ الْقَتْلِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ شَهِدَ بِهِ) الصَّوَابُ حَذْفُ بِهِ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ
قَوْلُهُ: " أَنَّ زَيْدًا إلَخْ " بَدَلًا مِنْ الْهَاءِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ كَذَّبَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ) أَيْ كَذَّبَ بَعْضُ
الْوَرَثَةِ الْبَعْضَ الْمُدَّعِيَ لِلْقَتْلِ كَأَنْ قَالَ أَحَدُ
ابْنَيْ الْقَتِيلِ قَتَلَهُ فُلَانٌ وَكَذَّبَهُ الِابْنُ الْآخَرُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا قَسَامَةَ فِي سِتِّ صُوَرٍ: الْأُولَى تَكَاذُبُ
الْوَرَثَةِ. الثَّانِيَةُ تَعَذُّرُ إثْبَاتِ اللَّوْثِ. الثَّالِثَةُ
إنْكَارُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. الرَّابِعَةُ اللَّوْثُ فِي أَصْلِ
الْقَتْلِ بِدُونِ كَوْنِهِ عَمْدًا، أَوْ خَطَأً، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ،
وَصُورَتُهُ: أَنْ يَقُولَ الْوَارِثُ: أَدَّعِي عَلَى هَذَا أَنَّهُ
قَتَلَ أَبِي، ثُمَّ يُخْبِرُ الْعَدْلُ بِأَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ قَتَلَ
مُوَرِّثَ الْمُدَّعِي وَلَمْ يَقُلْ عَمْدًا وَلَا غَيْرَهُ فَلَا
قَسَامَةَ. الْخَامِسَةُ الشَّهَادَةُ مِنْ عَدْلٍ، أَوْ عَدْلَيْنِ أَنَّ
زَيْدًا قَتَلَ أَحَدَ هَذَيْنِ الْقَتِيلَيْنِ لِانْبِهَامِهَا أَيْ
الشَّهَادَةِ، فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ الْأَيْمَانُ عَلَى الْمُدَّعَى
عَلَيْهِ. السَّادِسَةُ عَدَمُ الْوَارِثِ الْخَاصِّ وَسَيَأْتِي
حُكْمُهَا.
قَوْلُهُ: (وَأَظْهَرُهُمَا) مُعْتَمَدٌ وَهُوَ مُسْتَأْنَفٌ وَقَوْلُهُ:
كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ أَيْ فِي قَوْلِهِ: " تَنْبِيهٌ "
(4/162)
يُغَلَّظُ عَلَيْهِ بِالْعَدَدِ
الْمَذْكُورِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. لِأَنَّهَا يَمِينُ
دَمٍ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: فَالْأَيْمَانُ إلَى آخِرِهِ.
تَتِمَّةٌ: مَنْ ارْتَدَّ بَعْدَ اسْتِحْقَاقِهِ بَدَلَ الدَّمِ بِأَنْ
يَمُوتَ الْمَجْرُوحُ ثُمَّ يَرْتَدَّ وَلِيُّهُ قَبْلَ أَنْ يُقْسِمَ:
فَالْأَوْلَى تَأْخِيرُ إقْسَامِهِ لِيُسْلِمَ. لِأَنَّهُ لَا يَتَوَرَّعُ
فِي حَالِ رِدَّتِهِ عَنْ الْأَيْمَانِ الْكَاذِبَةِ فَإِذَا عَادَ إلَى
الْإِسْلَامِ أَقْسَمَ: أَمَّا إذَا ارْتَدَّ قَبْلَ مَوْتِهِ ثُمَّ مَاتَ
الْمَجْرُوحُ وَهُوَ مُرْتَدٌّ، فَلَا يُقْسِمُ، لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ
بِخِلَافِ مَا إذَا قُتِلَ الْعَبْدُ وَارْتَدَّ سَيِّدُهُ فَإِنَّهُ لَا
فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَرْتَدَّ قَبْلَ مَوْتِ الْعَبْدِ، أَوْ بَعْدَهُ.
لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ بِالْمِلْكِ لَا بِالْإِرْثِ. فَإِنْ أَقْسَمَ
الْوَارِثُ فِي الرِّدَّةِ صَحَّ إقْسَامُهُ وَاسْتَحَقَّ الدِّيَةَ.
لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اعْتَدَّ بِأَيْمَانِ
الْيَهُودِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ أَيْمَانَ الْكَافِرِ صَحِيحَةٌ.
وَالْقَسَامَةُ نَوْعُ اكْتِسَابٍ لِلْمَالِ فَلَا تَمْنَعُ مِنْهُ
الرِّدَّةُ كَالِاحْتِطَابِ وَمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ خَاصٌّ لَا قَسَامَةَ
فِيهِ، وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ لَوْثٌ لِعَدَمِ الْمُسْتَحِقِّ الْمُعَيَّنِ
لِأَنَّ دِيَتَهُ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَتَحْلِيفُهُمْ غَيْرُ
مُمْكِنٍ لَكِنْ يَنْصِبُ الْقَاضِي مَنْ يَدَّعِي عَلَى مَنْ نُسِبَ
الْقَتْلُ إلَيْهِ وَيُحَلِّفُهُ. فَإِنْ نَكَلَ فَهَلْ يُقْضَى عَلَيْهِ
بِالنُّكُولِ أَوْ لَا؟ وَجْهَانِ: وَجَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ بِالْأَوَّلِ
وَمُقْتَضَى مَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ فِيمَنْ مَاتَ بِلَا وَارِثٍ
فَادَّعَى الْقَاضِي، أَوْ مَنْصُوبُهُ دَيْنًا لَهُ عَلَى آخَرَ
فَأَنْكَرَ وَنَكَلَ أَنَّهُ لَا يُقْضَى لَهُ بِالنُّكُولِ بَلْ يُحْبَسُ
لِيَحْلِفَ أَوْ يُقِرَّ، تَرْجِيحُ الثَّانِي هُوَ أَوْجَهُ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ الَّتِي هِيَ مِنْ مُوجَبَاتِهِ
فَقَالَ: (وَعَلَى قَاتِلِ النَّفْسِ الْمُحَرَّمَةِ) سَوَاءٌ أَكَانَ
الْقَتْلُ عَمْدًا أَمْ شِبْهَ عَمْدٍ أَمْ خَطَأً (كَفَّارَةٌ) لِقَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ
مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] وقَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ}
[النساء: 92] أَيْ فِي قَوْمٍ. {عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] وقَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ
كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ
إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92]
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
يَمِينُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَتْلٌ بِلَا لَوْثٍ إلَخْ م د.
قَوْلُهُ: (فَكَانَ الْأَوْلَى) يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْأَلِفَ
وَاللَّامَ لِلْعَهْدِ وَالْيَمِينُ الْمَعْهُودَةُ فِي الْقَسَامَةِ
خَمْسُونَ.
قَوْلُهُ: (بَعْدَ اسْتِحْقَاقِهِ بَدَلَ الدَّمِ) أَيْ بَعْدَ وُجُودِ
سَبَبِ اسْتِحْقَاقِهِ بَدَلَ الدَّمِ وَهُوَ مَوْتُ مُوَرِّثِهِ،
وَإِنَّمَا قَدَّرْنَا ذَلِكَ، لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لَا يَكُونُ إلَّا
بِالْأَيْمَانِ وَكَانَ الْأَظْهَرُ أَنْ يَقُولَ: بَعْدَ قَتْلِ
مُوَرِّثِهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (أَقْسَمَ) أَيْ إنْ اخْتَارَ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ.
قَوْلُهُ: (فَلَا يُقْسِمُ) أَيْ بَلْ يُحَلَّفُ غَيْرُهُ مِنْ
الْوَرَثَةِ، فَإِنْ فُقِدُوا نَصَبَ الْحَاكِمُ مَنْ يَدَّعِي
وَيُحَلَّفُ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ) أَيْ لِعَدَمِ إرْثِ الْكَافِرِ مِنْ
الْمُسْلِمِ بِخِلَافِ الصُّورَةِ السَّابِقَةِ فَإِنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا
عِنْدَ مَوْتِ الْمَجْرُوحِ الْمُسْلِمِ فَيَرِثُهُ، وَلَا يَمْنَعُهُ
مِنْهُ الرِّدَّةُ بَعْدُ، م د. وَبَعْدَ ذَلِكَ إنْ كَانَ هُنَاكَ
وَرَثَةٌ مُسْلِمُونَ حُلِّفُوا، وَإِلَّا انْتَقَلَ لِبَيْتِ الْمَالِ
فَيَأْتِي فِيهِ مَا فِي الْمَيِّتِ الَّذِي لَا وَارِثَ لَهُ.
قَوْلُهُ: (اسْتَحَقَّ الدِّيَةَ) أَيْ إنْ عَادَ لِلْإِسْلَامِ. فَإِنْ
مَاتَ مُرْتَدًّا كَانَتْ الدِّيَةُ لِبَيْتِ الْمَالِ فَيْئًا كَبَقِيَّةِ
مَالِهِ. قَوْلُهُ (: لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
اعْتَدَّ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ: إنْ هَذَا لَا يُفِيدُ الْمُدَّعِيَ،
لِأَنَّ اعْتِدَادَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَيْمَانِ
الْيَهُودِ لِأَجْلِ ذِمَّتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ لَيْسَ هَذَا مَوْجُودًا فِي
الْمُرْتَدِّ. اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَالْقَسَامَةُ نَوْعُ
اكْتِسَابٍ) مِنْ تَمَامِ الْعِلَّةِ. قَوْلُهُ: (خَاصٌّ) صِفَةٌ "
لِوَارِثَ " عَلَى مَحَلِّهِ قَبْلَ دُخُولِ " لَا " وَيَجُوزُ نَصْبُهُ
نَعْتًا لَهُ عَلَى مَحَلِّهِ بَعْدَ دُخُولِهَا.
قَوْلُهُ: (يَنْصِبُ) أَيْ وُجُوبًا.
قَوْلُهُ: (جَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ بِالْأَوَّلِ) ضَعِيفٌ وَعَلَيْهِ
فَتَكُونُ الدِّيَةُ الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ لِبَيْتِ الْمَالِ.
قَوْلُهُ: (لِيَحْلِفَ أَوْ يُقِرَّ) فَإِنْ حَلَفَ تُرِكَ، وَإِنْ أَقَرَّ
أُخِذَ مِنْهُ الدِّيَةُ وَيَجْرِي مِثْلُهُ هُنَا إذَا نَكَلَ مَنْ
يُنْسَبُ إلَيْهِ الْقَتْلُ فَيُحْبَسُ لِيَحْلِفَ، أَوْ يُقِرَّ فَإِنْ
حَلَفَ خُلِّيَ سَبِيلُهُ، وَإِنْ أَقَرَّ أَخَذَ مِنْهُ الدِّيَةَ إمَامٌ
أَوْ نَائِبُهُ وَانْظُرْ مَا الْمَانِعُ مِنْ قَتْلِهِ بِإِقْرَارِهِ
وَقِيَاسُ مَا قَالُوا: مِنْ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَوْ رَدَّ
الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي ثَبَتَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ، لِأَنَّ رَدَّ
الْيَمِينِ كَالْإِقْرَارِ أَنْ تَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (الْمُحَرَّمَةِ) أَيْ الْمُحَرَّمِ قَتْلُهَا أَوْ الْمُرَادُ
الْمُحْتَرَمَةُ الْمَعْصُومَةُ الَّتِي يُحَرَّمُ قَتْلُهَا وَهِيَ
الْمَعْصُومَةُ بِإِيمَانٍ، أَوْ أَمَانٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَيَدْخُلُ
فِي ذَلِكَ الْجَنِينُ الْمَضْمُونُ بِالْغُرَّةِ.
قَوْلُهُ: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ} [النساء: 92]
يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ " مِنْ " بِمَعْنَى فِي أَيْ أَنَّ الْمَقْتُولَ
مُؤْمِنٌ وَاقِفٌ فِي صَفِّ الْكُفَّارِ، أَوْ دَارِهِمْ
(4/163)
وَخَبَرِ «وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ
قَالَ: أَتَيْنَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي
صَاحِبٍ لَنَا قَدْ اسْتَوْجَبَ النَّارَ بِالْقَتْلِ فَقَالَ أَعْتِقُوا
عَنْهُ رَقَبَةً يُعْتِقُ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ
مِنْ النَّارِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ.
وَخَرَجَ بِالْقَتْلِ الْأَطْرَافُ وَالْجُرُوحُ فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِمَا
لِعَدَمِ وُرُودِهِ.
وَلَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ تَكْلِيفٌ بَلْ تَجِبُ، وَإِنْ
كَانَ الْقَاتِلُ صَبِيًّا، أَوْ مَجْنُونًا، لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مِنْ
بَابِ الضَّمَانِ، فَتَجِبُ فِي مَالِهِمَا فَيُعْتِقُ الْوَلِيُّ
عَنْهُمَا مِنْ مَالِهِمَا وَلَا يَصُومُ عَنْهُمَا بِحَالٍ.
فَإِنْ صَامَ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ أَجْزَأَهُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي
وُجُوبِهَا أَيْضًا الْحُرِّيَّةُ بَلْ تَجِبُ وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ
عَبْدًا كَمَا يَتَعَلَّقُ بِقَتْلِهِ الْقِصَاصُ وَالضَّمَانُ لَكِنْ
يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ لِعَدَمِ مِلْكِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِهَا
الْمُبَاشَرَةُ بَلْ تَجِبُ، وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ مُتَسَبِّبًا
كَالْمُكْرِهِ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَشَاهِدِ الزُّورِ وَحَافِرِ بِئْرٍ
عُدْوَانًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
وَظَنَّهُ الْقَاتِلُ حَرْبِيًّا فَإِنَّهُ مُهْدَرٌ لَا ضَمَانَ فِيهِ
لَكِنَّ فِيهِ الْكَفَّارَةَ وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ
إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ " مِنْ " عَلَى
بَابِهَا وَهُوَ أَنَّ الْمَقْتُولَ مِنْ الْعَدُوَّيْنِ الْحَرْبِيَّيْنِ
لَكِنْ أَسْلَمَ وَقَتَلَهُ شَخْصٌ يَعْلَمُ أَنَّهُ مُسْلِمٌ فَإِنَّهُ
مَضْمُونٌ وَتَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ وَلَمْ يَقُلْ: {وَدِيَةٌ
مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] ، لِأَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَهُ
وَحُكْمُ الدِّيَةِ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ مُسْلِمُونَ
أَخَذُوهَا، وَإِلَّا كَانَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَعِبَارَةُ الْجَلَالِ
قَوْلُهُ عَدُوٍّ أَيْ أَهْلِ حَرْبٍ وَقَوْلُهُ: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ
مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] عَلَى قَاتِلِهِ كَفَّارَةً وَلَا دِيَةَ
تُسَلَّمُ إلَى أَهْلِهِ لِحِرَابَتِهِمْ وَفِي تَفْسِيرِ الْبَيْضَاوِيِّ:
{فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ
رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] أَيْ فَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ مِنْ
قَوْمٍ كُفَّارٍ مُحَارَبِينَ أَيْ فِي تَضَاعِيفِهِمْ وَلَمْ يُعْلَمْ
أَيْمَانُهُ فَعَلَى قَاتِلِهِ الْكَفَّارَةُ دُونَ الدِّيَةِ لِأَهْلِهِ؛
إذْ لَا وِرَاثَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، لِأَنَّهُمْ مُحَارَبُونَ
{وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ
مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92]
أَيْ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ كَفَرَةٍ مُعَاهَدِينَ، أَوْ أَهْلِ ذِمَّةٍ
فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَالدِّيَةِ
وَقَدَّمَ هُنَا الدِّيَةَ عَلَى الْكَفَّارَةِ عَكْسَ مَا قَبْلَهُ
لِاعْتِنَائِهِمْ هُنَا بِالدِّيَةِ بِكُفْرِهِمْ وَفِي تَفْسِيرِ
الشَّارِحِ وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ أَيْ وَهُوَ كَافِرٌ مِنْ قَوْمٍ
أَيْ كُفَّارٍ عَدُوٍّ لَكُمْ أَيْضًا وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَمَا
قَبْلَهُ أَنَّ الْقَوْمَ فِي الَّذِي قَبْلَهُ كُفَّارٌ حَرْبِيُّونَ
وَفِي هَذَا كُفَّارٌ أَهْلُ ذِمَّةٍ وَالْمَقْتُولُ فِي هَذَا كَافِرٌ
وَفِي الَّذِي قَبْلَهُ مُؤْمِنٌ اهـ قَوْلُهُ: (قَدْ اسْتَوْجَبَ
النَّارَ) يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْقَتْلَ عَمْدٌ وَيُفْهَمُ مِنْ
قَوْلِهِ: أَعْتِقُوا عَنْهُ أَنَّهُ مَاتَ، وَإِنَّمَا اعْتَقَدُوا
اسْتِحْقَاقَهُ لِلنَّارِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ: {وَمَنْ يَقْتُلْ
مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} [النساء: 93] إلَخْ. وَيُرَدُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ
عَلَى مَنْ قَالَ: إنَّ الْعَمْدَ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ. قَوْلُهُ:
(لِعَدَمِ وُرُودِهِ) أَيْ وُرُودِ التَّكْفِيرِ.
قَوْلُهُ: (لَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ تَكْلِيفٌ)
وَالضَّابِطُ أَنْ يُقَالَ: تَجِبُ عَلَى غَيْرِ حَرْبِيٍّ بَقَتْلِ
مَعْصُومٍ عَلَيْهِ،. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (لَكِنْ يُكَفِّرُ بِصَوْمٍ) أَيْ بِإِذْنِ السَّيِّدِ، أَوْ
بَعْدَ الْعِتْقِ أَمَّا قَبْلَهُ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْقَتْلِ صَامَ
بِلَا إذْنٍ وَإِلَّا تَوَقَّفَ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (كَالْمُكْرِهِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ.
فَرْعٌ: مَنْ قَتَلَ رَجُلًا بِأَمْرِ الْإِمَامِ فَظَنَّهُ بِحَقٍّ
فَبَانَ ظُلْمًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بَلْ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يُكَفِّرَ
وَعَلَى الْآمِرِ الْقَوَدُ، أَوْ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ. وَإِنْ
عَلِمَ ظُلْمَهُ وَلَمْ يَخَفْ سَطْوَتَهُ فَذَلِكَ عَلَى الْمَأْمُورِ
فَقَطْ وَيَأْثَمُ الْآمِرُ، وَإِنْ خَافَهَا فَعَلَيْهِمَا
كَالْإِكْرَاهِ،. اهـ. عب قَالَ: وَهَلْ كَتْبُهُ إلَى مَنْ يَقْتُلُهُ
كَأَمْرِهِ لَفْظًا؟ فِيهِ تَرَدُّدٌ،. اهـ. وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ مِثْلُهُ
نَظَرًا لِلْعُرْفِ. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (وَحَافِرِ بِئْرٍ عُدْوَانًا) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ حَفْرَ
الْبِئْرِ مِنْ قَبِيلِ السَّبَبِ مَعَ أَنَّهُ شَرْطٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ
السَّبَبَ اللُّغَوِيَّ وَهُوَ مَا كَانَ وَصْلَةً لِلشَّيْءِ فَيَشْمَلُ
السَّبَبَ وَالشَّرْطَ لَا الِاصْطِلَاحِيَّ فَكَأَنَّهُ أَرَادَ
بِالسَّبَبِ مَا يَشْمَلُ الشَّرْطَ م ر. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّذِي لَهُ
مَدْخَلٌ فِي الْقَتْلِ ثَلَاثَةٌ: مُبَاشَرَةٌ وَسَبَبٌ وَشَرْطٌ؛
فَالْمُبَاشَرَةُ هِيَ الَّتِي تُؤَثِّرُ وَتُحَصِّلُ، وَالسَّبَبُ هُوَ
الَّذِي يُؤَثِّرُ وَلَا يُحَصِّلُ كَالسُّمِّ وَالْإِكْرَاهِ فَإِنَّهُ
يُؤَثِّرُ وَلَا يُحَصِّلُ، وَالشَّرْطُ مَا لَا يُؤَثِّرُ وَلَا يُحَصِّلُ
كَحَفْرِ الْبِئْرِ.
وَالسَّبَبُ إمَّا حِسِّيٌّ، وَإِمَّا عَادِيٌّ، وَإِمَّا شَرْعِيٌّ؛
فَالْأَوَّلُ كَالْإِكْرَاهِ، وَالثَّانِي كَتَقْدِيمِ
(4/164)
تَنْبِيهٌ: دَخَلَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ
النَّفْسِ الْمُحَرَّمَةِ الْمُسْلِمُ وَلَوْ كَانَ بِدَارِ الْحَرْبِ
وَالذِّمِّيُّ وَالْمُسْتَأْمَنُ وَالْجَنِينُ الْمَضْمُونُ بِالْغُرَّةِ
وَعَبْدُ الشَّخْصِ نَفْسِهِ وَنَفْسُهُ، لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا
مَعْصُومَةً، وَخَرَجَ بِذَلِكَ قَتْلُ الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ
الْحَرْبِيَّيْنِ فَلَا كَفَّارَةَ فِي قَتْلِهِمَا وَإِنْ كَانَ حَرَامًا.
لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ قَتْلِهِمَا لَيْسَ لِحُرْمَتِهِمَا بَلْ
لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ، لِئَلَّا يَفُوتَهُمْ الِارْتِفَاقُ بِهِمَا
وَقَتْلُ مُبَاحِ الدَّمِ كَقَتْلِ بَاغٍ وَصَائِلٍ، لِأَنَّهُمَا لَا
يُضْمَنَانِ، فَأَشْبَهَا الْحَرْبِيَّ، وَمُرْتَدٍّ وَزَانٍ مُحْصَنٍ
بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْمُسَاوِي وَحَرْبِيٍّ وَلَوْ قَتَلَهُ مِثْلُهُ
وَمُقْتَصٍّ مِنْهُ يَقْتُلُهُ الْمُسْتَحِقُّ لَهُ، لِأَنَّهُ مُبَاحُ
الدَّمِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ، وَعَلَى كُلٍّ مِنْ الشُّرَكَاءِ فِي
الْقَتْلِ كَفَّارَةٌ فِي الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ، لِأَنَّهُ حَقٌّ
يَتَعَلَّقُ بِالْقَتْلِ فَلَا يَتَبَعَّضُ كَالْقِصَاصِ وَالْكَفَّارَةِ.
(عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) بِالْإِجْمَاعِ الْمُسْتَنِدِ إلَى قَوْله
تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ
مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] (سَلِيمَةٍ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُضِرَّةِ)
بِالْعَمَلِ إضْرَارًا بَيِّنًا كَامِلَةِ الرِّقِّ خَالِيَةٍ عَنْ عِوَضٍ
كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ مَبْسُوطًا فِي الظِّهَارِ فَهِيَ
كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ فِي التَّرْتِيبِ فَيُعْتِقُ أَوَّلًا (فَإِنْ
لَمْ يَجِدْ) رَقَبَةً بِشُرُوطِهَا أَوْ وَجَدَهَا وَعَجَزَ عَنْ
ثَمَنِهَا، أَوْ وَجَدَهَا وَهِيَ تُبَاعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ
مِثْلِهَا (صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ
بَيَانُهُ فِي الظِّهَارِ.
تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ اقْتِصَارِهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ لَا
إطْعَامَ هُنَا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الصَّوْمِ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى
الْأَظْهَرِ اقْتِصَارًا عَلَى الْوَارِدِ فِيهَا؛ إذْ الْمُتَّبَعُ فِي
الْكَفَّارَاتِ النَّصُّ لَا الْقِيَاسُ وَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهُ تَعَالَى
فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ غَيْرَ الْعِتْقِ وَالصِّيَامِ. فَإِنْ قِيلَ:
لِمَ لَا يُحْمَلُ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الظِّهَارِ كَمَا
فَعَلُوا فِي قَيْدِ الْأَيْمَانِ حَيْثُ اعْتَبَرُوهُ، ثُمَّ حَمَلَ عَلَى
الْمُقَيَّدِ هُنَا. أُجِيبَ: بِأَنَّ ذَاكَ إلْحَاقٌ فِي وَصْفٍ وَهَذَا
إلْحَاقٌ فِي أَصْلٍ، وَأَحَدُ الْأَصْلَيْنِ لَا يَلْحَقُ بِالْآخَرِ،
بِدَلِيلِ أَنَّ الْيَدَ الْمُطْلَقَةَ فِي التَّيَمُّمِ حُمِلَتْ عَلَى
الْمُقَيَّدَةِ بِالْمَرَافِقِ فِي الْوُضُوءِ، وَلَمْ يُحْمَلْ إهْمَالُ
الرَّأْسِ وَالرِّجْلَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ عَلَى ذِكْرِهِمَا فِي
الْوُضُوءِ. وَعَلَى هَذَا لَوْ مَاتَ قَبْلَ الصَّوْمِ أُطْعِمَ مِنْ
تَرِكَتِهِ كَفَائِتِ صَوْمِ رَمَضَانَ.
خَاتِمَةٌ: لَا كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ أَصَابَ غَيْرَهُ بِالْعَيْنِ
وَاعْتَرَفَ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ حَقًّا،
لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُفْضِي إلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
الطَّعَامِ الْمَسْمُومِ، وَالثَّالِثُ كَشَهَادَةِ الزُّورِ وَعِبَارَةُ
شَرْحِ الْبَهْجَةِ الْكَبِيرِ: فَالْمُبَاشَرَةُ وَتُسَمَّى عِلَّةً مَا
يُؤَثِّرُ فِي التَّلَفِ وَيُحَصِّلُهُ كَالْحَزِّ وَالْجَرْحِ،
وَالسَّبَبُ مَا يُؤَثِّرُ فِيهِ، وَلَا يُحَصِّلُهُ كَشَهَادَةِ الزُّورِ،
وَالْإِكْرَاهِ، وَالشَّرْطُ مَا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ، وَلَا يُحَصِّلُهُ
بَلْ يَحْصُلُ التَّلَفُ عِنْدَهُ بِغَيْرِهِ، وَيَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ
تَأْثِيرُ ذَلِكَ الْغَيْرِ فِي التَّلَفِ كَحَفْرِ الْبِئْرِ عُدْوَانًا
فَإِنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي التَّلَفِ وَلَا يُحَصِّلُهُ، وَإِنَّمَا
الْمُؤَثِّرُ التَّخَطِّي فِي صَوْبِ الْبِئْرِ وَالْمُحَصِّلُ لِلتَّلَفِ
التَّرَدِّي فِيهَا لَكِنْ لَوْلَا الْحَفْرُ مَا حَصَلَ التَّلَفُ
وَلِهَذَا سُمِّيَ شَرْطًا اهـ.
قَوْلُهُ: (وَنَفْسُهُ) فَتُخْرَجُ مِنْ تَرِكَتِهِ، لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ
حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَمِنْ ثَمَّ لَوْ هُدِرَ كَالزَّانِي الْمُحْصَنِ
لَمْ تَجِبْ فِيهِ. وَإِنْ أَثِمَ بِقَتْلِ نَفْسِهِ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ
غَيْرُهُ افْتِيَاتًا عَلَى الْإِمَامِ اهـ م ر. وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ
ابْنِ حَجَرٍ وَنَظَرَ فِيهِ سم بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ فِي
التَّيَمُّمِ مِنْ أَنَّ الزَّانِيَ الْمُحْصَنَ مَعْصُومٌ عَلَى نَفْسِهِ
وَهُوَ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ وَأَقَرَّ النَّظَرَ ع ش
عَلَى م ر. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ مُجَرَّدُ بَحْثٍ، وَالْحُكْمُ
مُسَلَّمٌ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ بِذَلِكَ) أَيْ بِتَقْيِيدِ النَّفْسِ
بِالْمُحَرَّمَةِ أَيْ لِذَاتِهَا.
قَوْلُهُ: (قَتْلُ الْمَرْأَةِ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ،
وَمِثْلُهُ مَا بَعْدَهُ.
قَوْلُهُ: (الِارْتِفَاقُ) أَيْ الِانْتِفَاعُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُمَا
لَا يُضْمَنَانِ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ.
قَوْلُهُ: (بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْمُسَاوِي) أَمَّا بِالنِّسْبَةِ
لِلْمُسَاوِي بِأَنْ قَتَلَ مُرْتَدٌّ مِثْلَهُ، أَوْ زَانٍ مُحْصَنٌ
مِثْلَهُ فَعَلَيْهِمَا الْكَفَّارَةُ قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ
التَّكْفِيرَ الْمَأْخُوذَ مِنْ الْكَفَّارَةِ، أَوْ أَنَّهُ ذُكِرَ
بِالنَّظَرِ لِلْخَبَرِ.
قَوْلُهُ: (وَعَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى الْأَظْهَرِ مِنْ أَنَّهُ لَا
إطْعَامَ هُنَا.
قَوْلُهُ: (لَا كَفَّارَةَ) أَيْ وَلَا دِيَةَ عَلَى مَنْ أَصَابَ غَيْرَهُ
بِالْعَيْنِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ حَقًّا) لِمَا وَرَدَ «إنَّهَا
تُدْخِلُ الرَّجُلَ الْقَبْرَ وَالْجَمَلَ الْقِدْرَ» قَالَ: م ر فِي
شَرْحِهِ: لِأَنَّهَا لَا تُعَدُّ مُهْلِكًا عَادَةً عَلَى أَنَّ
التَّأْثِيرَ يَقَعُ عِنْدَهَا لَا بِهَا، وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ: إنَّهَا
تَنْبَثُّ مِنْهَا جَوَاهِرُ
(4/165)
الْقَتْلِ غَالِبًا وَلَا يُعَدُّ
مُهْلِكًا؛ وَيُنْدَبُ لِلْعَائِنِ أَنْ يَدْعُوَ بِالْبَرَكَةِ فَيَقُولَ:
" اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهِ وَلَا تَضُرَّهُ ". وَأَنْ يَقُولَ: " مَا
شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ ".
قِيلَ: وَيَنْبَغِي لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ عُرِفَ بِذَلِكَ مِنْ
مُخَالَطَةِ النَّاسِ وَيَأْمُرَهُ بِلُزُومِ بَيْتِهِ وَيَرْزُقَهُ مَا
يَكْفِيهِ إنْ كَانَ فَقِيرًا، فَإِنَّ ضَرَرَهُ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ
الْمَجْذُومِ. الَّذِي مَنَعَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -
مِنْ مُخَالَطَةِ النَّاسِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ «أَنَّ نَبِيًّا
مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اسْتَكْثَرَ
قَوْمَهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَمَاتَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُمْ مِائَةَ
أَلْفٍ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَمَّا أَصْبَحَ شَكَا ذَلِكَ إلَى
اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: اسْتَكْثَرْتَهُمْ
فَعِنْتَهُمْ فَهَلَّا حَصَّنْتَهُمْ حِينَ اسْتَكْثَرْتَهُمْ فَقَالَ: يَا
رَبِّ كَيْفَ أُحَصِّنُهُمْ فَقَالَ تَعَالَى: تَقُولُ: حَصَّنْتُكُمْ
بِالْحَيِّ الْقَيُّومِ الَّذِي لَا يَمُوتُ أَبَدًا وَدَفَعْتُ عَنْكُمْ
السُّوءَ بِأَلْفِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ
الْعَظِيمِ» . قَالَ الْقَاضِي: وَهَكَذَا السُّنَّةُ فِي الرَّجُلِ إذَا
رَأَى نَفْسَهُ سَلِيمَةً وَأَحْوَالَهُ مُعْتَدِلَةً يَقُولُ: فِي
نَفْسِهِ ذَلِكَ، وَكَانَ الْقَاضِي يُحَصِّنُ تَلَامِذَتَهُ بِذَلِكَ إذَا
اسْتَكْثَرَهُمْ، وَسَكَتُوا عَنْ الْقَتْلِ بِالْحَالِ. وَأَفْتَى بَعْضُ
الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّهُ يُقْتَلُ إذَا قَتَلَ بِهِ، لِأَنَّ لَهُ
فِيهِ اخْتِيَارًا كَالسَّاحِرِ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِهِ
وَلَا بِالدُّعَاءِ عَلَيْهِ، كَمَا نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ
السَّلَفِ. قَالَ مِهْرَانُ بْنُ مَيْمُونٍ حَدَّثَنَا غَيْلَانُ بْنُ
جَرِيرٍ أَنَّ مُطَرِّفَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ كَانَ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ كَلَامٌ وَكَذَبَ عَلَيْهِ فَقَالَ مُطَرِّفٌ:
اللَّهُمَّ إنْ كَانَ كَاذِبًا فَأَمِتْهُ. فَخَرَّ مَيِّتًا فَرُفِعَ
ذَلِكَ إلَى زِيَادٍ فَقَالَ: قَتَلْتَ الرَّجُلَ قَالَ: لَا وَلَكِنَّهَا
دَعْوَةٌ وَافَقَتْ أَجَلًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
لَطِيفَةٌ غَيْرُ مَرْئِيَّةٍ فَتَتَخَلَّلُ الْمَسَامَّ فَيَخْلُقُ
اللَّهُ تَعَالَى الْهَلَاكَ عِنْدَهَا. وَمِنْ أَدْوِيَتِهَا
الْمُجَرَّبَةِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- أَنْ يَتَوَضَّأَ الْعَائِنُ أَيْ يَغْسِلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ
وَمَرْفِقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَ إزَارِهِ
أَيْ مَا يَلِي جَسَدَهُ مِنْ الْإِزَارِ، وَقَوْلُهُ: وَرُكْبَتَيْهِ،
وَقِيلَ: مَذَاكِيرَهُ، وَيَصُبَّهُ عَلَى رَأْسِ الْمَعْيُونِ اهـ.
وَأَوْجَبَ ذَلِكَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَرَجَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَفِي
شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ: وَإِذَا طُلِبَ مِنْ الْعَائِنِ فِعْلُ
ذَلِكَ لَزِمَهُ لِخَبَرِ: «وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا» اهـ.
شَرْحُ الْمِنْهَاجِ لحج قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الذَّكَرُ الْفَرْجُ مِنْ
الْحَيَوَانِ جَمْعُهُ ذِكَرَةٌ مِثْلُ عِنَبَةٍ وَمَذَاكِيرُ عَلَى غَيْرِ
قِيَاسٍ.
قَوْلُهُ: (وَيُنْدَبُ لِلْعَائِنِ) أَيْ الَّذِي يُصِيبُ بِعَيْنِهِ
لِأَنَّهُ إذَا قَالَ مَا ذُكِرَ لَمْ تَضُرَّ عَيْنُهُ شَيْئًا. قَوْلُهُ:
(قِيلَ) ذِكْرُهُ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ السُّنَّةُ
لَهُ ذَلِكَ قَالَ زي وَالرَّمْلِيُّ: يُنْدَبُ لِلْحَاكِمِ حَبْسُ مَنْ
فِيهِ مَا يُؤْذِي بِهِ النَّاسَ كَأَجْذَمَ وَمِعْيَانٍ وَلَوْ أَبَدًا
بَلْ إنْ رَأَى قَلْعَ عَيْنِهِ فَعَلَ بِهِ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَنْ
يُفْتَتَنُ بِهِ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ قَوْلُهُ: (فَعِنْتَهُمْ) أَيْ
أَصَبْتَهُمْ بِالْعَيْنِ وَهَذَا يَجِبُ تَأْوِيلُهُ لِعِصْمَةِ
الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَوَّلَهُ
بَعْضُهُمْ، بِأَنَّ مَعْنَى فَعِنْتَهُمْ أَيْ لَمْ تُحَصِّنْهُمْ
بِذِكْرِي وَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ لَا يَذْكُرَ هَذِهِ
الْحِكَايَةَ، لِأَنَّ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الْحَسَدِ وَهُوَ مُحَالٌ عَلَى
الْأَنْبِيَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّأْوِيلِ بِأَنْ يُقَالَ:
فَعِنْتَهُمْ أَيْ اتِّفَاقًا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَلَكِنَّ الْمُعَوَّلَ
عَلَيْهِ فِي الْجَوَابِ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ أَنَّ الْحِكَايَاتِ لَا
يُعْتَمَدُ عَلَى مَا يَقَعُ فِيهَا لِلتَّسَاهُلِ فِيهَا بِالزِّيَادَةِ
وَالنَّقْصِ، وَبَعْضُهُمْ قَالَ: إنَّ ذَلِكَ لَا أَصْلَ لَهُ، وَقَالَ
بَعْضُهُمْ: وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ عَدَّ الشَّيْءِ كَثِيرًا لَيْسَ
إعَانَةً فَقَوْلُهُ تَعَالَى عِنْتَهُمْ مَعْنَاهُ فَعَلْتَ مَعَهُمْ
فِعْلَ الْعَائِنِ.
فَائِدَةٌ: قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ فِي كُتُبِ
وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: مَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ،
فَلْيَأْخُذْ سَبْعَ وَرَقَاتِ سِدْرٍ أَخْضَرَ، فَيَدُقُّهُ بَيْنَ
حَجَرَيْنِ ثُمَّ يَضْرِبُهُ بِالْمَاءِ وَيَقْرَأُ آيَةَ الْكُرْسِيِّ،
وَذَوَاتَ " قُلْ "، ثُمَّ يَحْسُو مِنْهُ ثَلَاثَ حَسَوَاتٍ، ثُمَّ
يَغْتَسِلُ بِهِ فَإِنَّهُ يُذْهِبُ عَنْهُ مَا كَانَ بِهِ وَهُوَ جَيِّدٌ
لِلرَّجُلِ الْمَحْبُوسِ عَنْ أَهْلِهِ. قَوْلُهُ: (يَقُولُهُ فِي نَفْسِهِ
ذَلِكَ) أَيْ يَقُولُ عَلَى نَفْسِهِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ
يَقُولُ ذَلِكَ قَوْلًا نَفْسِيًّا. اهـ. شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِهِ) مُعْتَمَدٌ أَيْ
لِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ إلَّا مَنْ يَسْتَحِقُّ الْقَتْلَ لَكِنْ يُحَرَّمُ
عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (ابْنَ الشِّخِّيرِ) كَانَ مِنْ الْأَبْدَالِ، وَأَبُوهُ
صَحَابِيٌّ مَرْحُومِيٌّ.
قَوْلُهُ: (إلَى زِيَادٍ) كَانَ أَمِيرًا مِنْ جِهَةِ يَزِيدَ بْنِ
مُعَاوِيَةَ، وَقِيلَ كَانَ قَاضِيًا اهـ.
(4/166)
|