تحفة الحبيب على شرح الخطيب = حاشية البجيرمي على الخطيب

كِتَابُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ الْأَيْمَانُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ يَمِينٍ وَأَصْلُهَا فِي اللُّغَةِ الْيَدُ الْيُمْنَى وَأُطْلِقَتْ عَلَى الْحَلِفِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا إذَا تَحَالَفُوا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِيَدِ صَاحِبِهِ وَفِي الِاصْطِلَاحِ تَحْقِيقُ أَمْرٍ غَيْرِ ثَابِتٍ مَاضِيًا كَانَ أَوْ مُسْتَقْبَلًا نَفْيًا أَوْ إثْبَاتًا مُمْكِنًا كَحَلِفِهِ لَيَدْخُلَن الدَّارَ أَوْ مُمْتَنِعًا كَحَلِفِهِ لَيَقْتُلَن الْمَيِّتَ صَادِقَةً كَانَتْ أَوْ كَاذِبَةً مَعَ الْعِلْمِ بِالْحَالِ أَوْ الْجَهْلِ بِهِ وَخَرَجَ بِالتَّحْقِيقِ لَغْوُ الْيَمِينِ فَلَيْسَتْ يَمِينًا وَبِغَيْرِ ثَابِتٍ الثَّالِثُ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَأَمُوتَن لِتَحَقُّقِهِ فِي نَفْسِهِ فَلَا مَعْنَى لِتَحْقِيقِهِ وَلِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْحِنْثُ وَفَارَقَ انْعِقَادُهَا بِمَا لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْبِرُّ كَحَلِفِهِ لَيَقْتُلَن الْمَيِّتَ فَإِنَّ امْتِنَاعَ الْحِنْثِ لَا يُخِلُّ بِتَعْظِيمِ اللَّهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
[كِتَابُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ]
ِ قَدَّمَهُمَا عَلَى الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى الْيَمِينِ مِنْ الْخُصُومِ وَجَمَعَ النُّذُورَ مَعَهَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَقْدٌ يَعْقِدُهُ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ. وَلِأَنَّ بَعْضَ أَقْسَامِ النَّذْرِ فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَهُوَ نَذْرُ اللَّجَاجِ. وَلَا يُقَالُ: كَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَ الْأَيْمَانِ عَقِبَ الْقَضَاءِ لِأَنَّهَا لَا تُوجَدُ إلَّا بَعْدَ حُصُولِ الدَّعْوَى. لِأَنَّا نَقُولُ: ذَكَرَهَا هُنَا لِتَكُونَ مَعْلُومَةَ الثُّبُوتِ فَيَصِحُّ الْحُكْمُ بِهَا عَلَى مَنْ هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (الْأَيْمَانُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَمِنْ الْحِكَمِ إيمَانُ الْمَرْءِ يُعْرَفُ بِأَيْمَانِهِ، وَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْحَلِفِ عَلَى تَصْدِيقِ مَا أُمِرَ بِهِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ مِنْ الْقُرْآنِ، فِي يُونُسَ فِي قَوْله تَعَالَى: {قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} [يونس: 53] وَفِي سَبَأٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [سبأ: 3] وَفِي التَّغَابُنِ فِي قَوْله تَعَالَى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن: 7] .
قَوْلُهُ: (جَمْعُ يَمِينٍ) وَأَرْكَانُ الْيَمِينِ ثَلَاثَةٌ: حَالِفٌ وَمَحْلُوفٌ عَلَيْهِ وَمَحْلُوفٌ بِهِ. فَيُشْتَرَطُ فِي الْحَالِفِ التَّكْلِيفُ وَالِاخْتِيَارُ وَالْقَصْدُ وَفِي الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ وَاجِبٍ بِأَنْ كَانَ مُحْتَمَلًا أَوْ مُسْتَحِيلًا، وَفِي الْمَحْلُوفِ بِهِ أَنْ يَكُونَ اسْمًا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى إلَخْ.
قَوْلُهُ: (وَأُطْلِقَتْ عَلَى الْحَلِفِ) أَيْ فَيَكُونُ مَجَازًا مُرْسَلًا عَلَاقَتُهُ الْمُجَاوَرَةُ أَوْ أَنَّهُ مَجَازٌ بِالِاسْتِعَارَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِأَنَّ شَبَهَ الْيَمِينِ بِالْعُضْوِ الْمَعْرُوفِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا يَحْفَظُ الشَّيْءَ فَالْيَمِينُ تَحْفَظُ الشَّيْءَ الْمَحْلُوفَ بِهِ عَلَى الْحَالِفِ وَالْيَدُ تَحْفَظُ الشَّيْءَ عَلَى صَاحِبِهَا ثُمَّ صَارَ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً فِيمَا ذُكِرَ.
قَوْلُهُ: (يَأْخُذُ) عِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ كَانُوا إذَا تَحَالَفُوا ضَرَبَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَمِينَهُ عَلَى يَمِينِ صَاحِبِهِ فَسُمِّيَ الْحَلِفُ يَمِينًا مَجَازًا قَالَ سم: وَسُمِّيَ الْعُضْوُ يَمِينًا لِوُفُورِ قُوَّتِهِ. وَمِنْهُ: {لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} أَيْ بِالْقُوَّةِ. قَوْلُهُ: (تَحْقِيقُ أَمْرٍ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْيَمِينَ الشَّرْعِيَّةَ وَهِيَ اللَّفْظُ الْمَخْصُوصُ، لَا التَّحْقِيقُ الْمَذْكُورُ لِأَنَّهُ يَتَسَبَّبُ عَنْهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ هَذَا اصْطِلَاحٌ وَالْمُرَادُ جَعْلُهُ مُحَقَّقًا أَيْ الْتِزَامُ تَحْقِيقِهِ، وَإِنْ كَانَ تَحْقِيقُهُ مُسْتَحِيلًا فَيَشْمَلُ الْمُسْتَحِيلَ كَمَا فِي سم. وَقَوْلُهُ: تَحْقِيقُ أَمْرٍ أَيْ أَوْ تَوْكِيدُهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الْآتِي وَيَكُونُ الْيَمِينُ أَيْضًا لِلتَّأْكِيدِ. وَقَوْلُهُ: تَحْقِيقُ أَمْرٍ أَيْ بِاسْمٍ مَخْصُوصٍ.
قَوْلُهُ: (مَاضِيًا) كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ مَا دَخَلْت الدَّارَ قَوْلُهُ: (نَفْيًا) تَمْيِيزٌ مِنْ قَوْلِهِ: مَاضِيًا أَوْ مُسْتَقْبَلًا.
قَوْلُهُ: (مُمْكِنًا) حَالٌ مِنْ أَمْرٍ.
قَوْلُهُ: (لَيَقْتُلَن الْمَيِّتَ) أَوْ لَيَصْعَدَن السَّمَاءَ فَإِنَّهُ يَمِينٌ تَلْزَمُ بِهِ الْكَفَّارَةُ حَالًا وَإِنْ صَعِدَ السَّمَاءَ. لِأَنَّ ذَلِكَ يُخِلُّ بِتَعْظِيمِ الِاسْمِ وَحُرْمَتِهِ، شَوْبَرِيٌّ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إذَا صَعِدَ السَّمَاءَ كَمَا قَالَهُ ع ش.

(4/355)


وَامْتِنَاعُ الْبِرِّ يُخِلُّ بِهِ فَيُحْوِجُ إلَى التَّكْفِيرِ وَتَكُونُ الْيَمِينُ أَيْضًا لِلتَّأْكِيدِ، وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 225] الْآيَةَ وَأَخْبَارٌ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَن قُرَيْشًا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: إنْ شَاءَ اللَّهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَضَابِطُ الْحَالِفِ مُكَلَّفٌ مُخْتَارٌ قَاصِدٌ فَلَا تَنْعَقِدُ يَمِينُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَلَا الْمُكْرَهِ وَلَا يَمِينُ اللَّغْوِ.

ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِهِ فَقَالَ: (وَلَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ إلَّا بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ بِمَا يُفْهَمُ مِنْهُ ذَاتُ الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُرَادُ بِهَا الْحَقِيقَةُ مِنْ غَيْرِ احْتِمَالِ غَيْرِهِ. أَوْ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى الْمُخْتَصَّةِ بِهِ وَلَوْ مُشْتَقًّا أَوْ مِنْ غَيْرِ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى. سَوَاءٌ كَانَ اسْمًا مُفْرَدًا كَقَوْلِهِ: " رَبِّ الْعَالَمِينَ وَمَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ " أَوْ لَمْ يَكُنْ كَقَوْلِهِ: وَاَلَّذِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ مُنْحَصِرٌ فِي شَيْئَيْنِ الْمُحْتَمَلُ كَوَاللَّهِ لَأَضْرِبَن زَيْدًا وَالْمُسْتَحِيلُ كَوَاللَّهِ لَأَقْتُلَن الْمَيِّتَ. أَمَّا الْوَاجِبُ فَلَا يَكُونُ مَحْلُوفًا عَلَيْهِ كَوَاللَّهِ لَأَمُوتَن لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ إلَّا الْبِرُّ وَهُوَ لَا يُخِلُّ بِتَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ الْمُسْتَحِيلِ، فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ إلَّا الْحِنْثُ وَهُوَ يُخِلُّ بِتَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ أَحْيَا اللَّهُ الْمَيِّتَ وَقَتَلَهُ أَوْ صَعِدَ السَّمَاءَ. سَقَطَتْ الْكَفَّارَةُ فَيَسْتَرِدُّهَا إنْ كَانَ دَفَعَهَا. قَوْلُهُ: (وَفَارَقَ) أَيْ عَدَمُ انْعِقَادِهَا فِي الْوَاجِبِ. قَوْلُهُ: (وَضَابِطُ الْحَالِفِ) سَكَتَ عَنْ اشْتِرَاطِ النُّطْقِ فَقِيلَ: يُشْتَرَطُ وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ فَيَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ. بِأَنْ حَلَفَ بِالْإِشَارَةِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الدَّارَ أَوْ لَا يَلْبَسُ الثَّوْبَ مَثَلًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ إشَارَةُ الْأَخْرَسِ مُعْتَدٌّ بِهَا فِي جَمِيعِ الْأَبْوَابِ إلَّا ثَلَاثَةً لَا يُعْتَدُّ بِإِشَارَتِهِ فِيهَا وَلَيْسَ الْحَلِفُ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْهَا. نَعَمْ إنْ حَلَفَ بِالْإِشَارَةِ عَلَى عَدَمِ الْكَلَامِ فَتَكَلَّمَ بِالْإِشَارَةِ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ كَانَ يَمِينُهُ مُنْعَقِدَةً سَوَاءٌ حَلَفَ وَهُوَ نَاطِقٌ ثُمَّ خَرِسَ أَوْ حَلَفَ بَعْدَ الْخَرَسِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَيَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِأَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ أَيْ بِوَاحِدٍ مِنْهَا وَهُوَ مَا اخْتَصَّ بِاَللَّهِ أَوْ مَا هُوَ فِيهِ أَغْلَبُ إنْ أَرَادَهُ أَوْ أَطْلَقَ أَوْ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ. وَعَلَى غَيْرِهِ سَوَاءٌ وَقَصَدَ هُوَ بِهِ وَقَوْلُهُ: هُوَ أَيْ اللَّهُ وَقَوْلُهُ بِهِ أَيْ بِالْيَمِينِ أَوْ صِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةِ. قَوْلُهُ: (إلَّا بِذَاتِ اللَّهِ) فِي نُسْخَةٍ سم الْعَبَّادِيُّ إلَّا بِاَللَّهِ قَالَ: أَيْ بِهَذَا الِاسْمِ الشَّرِيفِ الدَّالِّ عَلَى الذَّاتِ الْعَلِيَّةِ. وَقَوْلُهُ: أَوْ بِاسْمٍ إلَخْ قَالَ كَالرَّحْمَنِ أَوْ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَالْإِلَهِ وَقَوْلُهُ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] اهـ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ قَوْلَهُ: وَلَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ إلَّا بِذَاتِ اللَّهِ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ حَلَفَ بِعِنْوَانِ الذَّاتِ. بِأَنْ قَالَ: بِذَاتِ اللَّهِ لَأَفْعَلَن كَذَا وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْعَطْفُ بَعْدَهُ مِنْ عَطْفِ الْمُغَايِرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِذَاتِ اللَّهِ مَا يُفْهَمُ مِنْ الذَّاتِ مُجَرَّدَةً عَنْ الصِّفَاتِ وَهُوَ لَفْظُ اللَّهِ وَيَكُونُ الْمَتْنُ كَأَنَّهُ قَالَ: لَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ إلَّا بِهَذَا الِاسْمِ الْكَرِيمِ وَيَكُونُ عَطْفُ مَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ.
قَوْلُهُ: (أَيْ بِمَا يُفْهَمُ) أَيْ بِاسْمٍ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى كَصَانِعِ الْمَوْجُودَاتِ قَالَ شَيْخُنَا م ر. وَمِنْهُ الْجَنَابُ الرَّفِيعُ وَالِاسْمُ الْأَعْظَمُ، وَمُقْسِمُ الْأَدْيَانِ، وَفِي شَرْحِهِ عَدَمُ الِانْعِقَادِ بِالْجَنَابِ الرَّفِيعِ وَأَنَّهُ لَيْسَ كِنَايَةً ق ل. وَنَصُّهُ: وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ الْحَلِفُ مِنْ الْعَوَامّ بِالْجَنَابِ الرَّفِيعِ وَيُرِيدُونَ بِهِ الْبَارِي جَلَّ وَعَلَا مِنْ اسْتِحَالَةِ ذَلِكَ عَلَيْهِ إذْ جَنَابُ الْإِنْسَانِ فِنَاءُ دَارِهِ فَلَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ كَمَا قَالَهُ أَبُو زُرْعَةَ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَا تُؤَثِّرُ مَعَ الِاسْتِحَالَةِ اهـ. قَالَ ع ش: وَيَحْرُمُ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِ تَعَالَى سَوَاءٌ قَصَدَهُ أَوْ أَطْلَقَ وَإِنْ كَانَ عَامِّيًّا لَكِنَّهُ إذَا صَدَرَ مِنْهُ يُعْرَفُ فَإِنْ عَادَ إلَيْهَا عُزِّرَ، وَمِثْلُهُ فِي امْتِنَاعِ الْإِطْلَاقِ عَلَيْهِ تَعَالَى مَا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ قَوْلِ الْعَوَامّ اتَّكَلْت عَلَى جَانِبِ اللَّهِ أَوْ الْحَمْلَةُ عَلَى اللَّهِ اهـ. قَوْلُهُ: (الْمُرَادُ بِهَا الْحَقِيقَةُ) صِفَةٌ لِلذَّاتِ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُشْتَقًّا) يُتَأَمَّلُ هَذَا مَعَ أَنَّ سَائِرَ أَسْمَائِهِ مُشْتَقَّةٌ وَتَأَمَّلْنَاهُ فَوَجَدْنَا لَفْظَ الْجَلَالَةِ غَيْرَ مُشْتَقٍّ.
قَوْلُهُ: (رَبِّ الْعَالَمِينَ) وَلَوْ قَالَ: وَرَبِّ الْعَالَمِ وَقَالَ أَرَدْت بِالْعَالَمِ كَذَا مِنْ الْمَالِ وَبِرَبِّهِ مَالِكَهُ قُبِلَ لِأَنَّ مَا قَالَهُ غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (أَوْ لَمْ يَكُنْ) مُرَادُهُ بِهِ الْمَوْصُولَ أَوْ الْمَوْصُوفَ كَمَا مَثَّلَ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُفْرَدًا اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الَّذِي أَعْبُدُهُ مِنْ أَسْمَائِهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا لَا الْمَوْصُولُ وَحْدَهُ وَلَا مَعَ الصِّلَةِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْحَيَّ غَيْرُ مُشْتَقٍّ مَعَ أَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْحَيَاةِ تَأَمَّلْ.

(4/356)


أَعْبُدُهُ أَوْ أَسْجُدُ لَهُ أَوْ نَفْسِي بِيَدِهِ أَيْ بِقُدْرَتِهِ يُصَرِّفُهَا كَيْفَ يَشَاءُ أَوْ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ غَيْرَ الْيَمِينِ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ. فَيُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْإِيلَاءِ ظَاهِرًا لِتَعَلُّقِ حَقِّ غَيْرِهِ بِهِ أَمَّا إذَا أَرَادَ بِذَلِكَ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إرَادَتُهُ لَا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا لِأَنَّ الْيَمِينَ بِذَلِكَ لَا تَحْتَمِلُ غَيْرَهُ تَعَالَى: فَقَوْلُ الْمِنْهَاجِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: لَمْ أُرِدْ بِهِ الْيَمِينَ. مُؤَوَّلٌ بِذَلِكَ أَوْ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ، الْغَالِبِ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَعَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ) أَيْ بِهَذَا الْقَسَمِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ قَالَ: ق ل وَهَذِهِ الْإِرَادَةُ تَجْرِي فِي جَمِيعِ الْأَقْسَامِ فَلَوْ أَخَّرَهُ كَانَ أَوْلَى.
قَوْلُهُ: (غَيْرَ الْيَمِينِ) كَأَنْ جَعَلَهُ مُبْتَدَأً أَوْ أَضْمَرَ لَهُ خَبَرًا كَأَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ: وَاَلَّذِي أَعْبُدُهُ لَأَفْعَلَن وَاَلَّذِي أَعْبُدُهُ أَسْتَعِينُ بِهِ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ بِقَوْلِهِ لَأَفْعَلَن. وَكَأَنْ قَالَ: بِاَللَّهِ لَأَضْرِبَن زَيْدًا ثُمَّ قَالَ: لَمْ أُرِدْ بِهِ الْيَمِينَ بَلْ أَرَدْت اسْتَعَنْتَ بِاَللَّهِ مَثَلًا وَلَأَضْرِبَن مُسْتَأْنَفٌ قَالَ: الَأُجْهُورِيُّ وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ حَاكِمٍ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِقَصْدِ الْحَاكِمِ لَا بِقَصْدِ الْحَالِفِ وَفِي الرَّحْمَانِيِّ وَلَا تَنْفَعُ التَّوْرِيَةُ فِي الْيَمِينِ عِنْدَ الْقَاضِي إلَّا إذَا حَلَّفَهُ بِالطَّلَاقِ اهـ.
فَائِدَةٌ: التَّوْرِيَةُ فِي الْأَيْمَانِ نَافِعَةٌ وَالْعِبْرَةُ فِيهَا بِنِيَّةِ الْحَالِفِ إلَّا إذَا اسْتَحْلَفَ الْقَاضِي بِغَيْرِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لِمَا سَيَأْتِي فِي الدَّعَاوَى وَهِيَ وَإِنْ كَانَ لَا يَحْنَثُ بِهَا لَا يَجُوزُ فِعْلُهَا حَيْثُ يَبْطُلُ بِهَا حَقُّ الْمُسْتَحِقِّ بِالْإِجْمَاعِ فَمِنْ التَّوْرِيَةِ، أَنْ يَنْوِيَ بِاللِّبَاسِ اللَّيْلَ وَبِالْفِرَاشِ وَالْبِسَاطِ الْأَرْضَ، وَبِالْأَوْتَادِ الْجِبَالَ وَبِالسَّقْفِ وَالْبِنَاءِ السَّمَاءَ، وَبِالْأُخُوَّةِ أُخُوَّةَ الْإِسْلَامِ. اهـ. دَمِيرِيٌّ. وَعِبَارَةُ ق ل قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ غَيْرَهُ ظَاهِرُهُ وَلَوْ مَعَهُ فَلَيْسَ يَمِينًا وَهُوَ مُحْتَمَلٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ) أَيْ إرَادَةُ غَيْرِ الْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ أَيْ فِيمَا لَوْ قَالَ: إنْ حَلَفْتُ بِاَللَّهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ فَعِنْدِي حُرٌّ أَوْ لَا أَطَؤُكِ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَأَتَى بِصِيغَةٍ مِمَّا تَقَدَّمَ كَأَنْ قَالَ: بَعْدَ قَوْلِهِ السَّابِقِ بِاَللَّهِ لَأَضْرِبَن زَيْدًا ثُمَّ قَالَ لَمْ أُرِدْ بِهِ الْيَمِينَ، بَلْ أَرَدْتُ اسْتَعَنْتُ بِاَللَّهِ مَثَلًا فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ فَيَقَعُ مَا عَلَّقَهُ عَلَى الْحَلِفِ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَالْإِيلَاءِ فَإِرَادَة غَيْرَ الْيَمِينِ تَارَةً تُقْبَلُ وَتَارَةً لَا تُقْبَلُ اهـ. ح ل لَكِنْ فِي الرَّوْضِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ صُورَتَهُ: أَنْ يَحْلِفَ بِالطَّلَاقِ ثُمَّ يَقُولُ لَمْ أُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ بَلْ أَرَدْت بِهِ حَلَّ الْوَثَاقِ مَثَلًا أَوْ يَقُولُ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ يَقُولُ: لَمْ أُرِدْ بِهِ الْعِتْقَ بَلْ أَرَدْت بِهِ أَنْتَ كَالْحُرِّ فِي الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ مَثَلًا أَوْ آلَى مِنْ زَوْجَتِهِ وَقَالَ: لَمْ أُرِدْ بِهِ الْإِيلَاءَ أَيْ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ وَلَوْ أَتَى بِصِيغَةِ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ إيلَاءٍ وَقَالَ: لَمْ أُرِدْ بِهَا الطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ وَالْإِيلَاءَ لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَصِحُّ كُلٌّ مِنْ التَّصْوِيرَيْنِ لَكِنْ مَا فِي الرَّوْضِ أَقْرَبُ لِمَا فِيهِ مِنْ حَمْلِ الْكَلَامِ عَلَى ظَاهِرِهِ. اهـ. شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (لِتَعَلُّقِ حَقِّ غَيْرِهِ بِهِ) وَهُوَ الزَّوْجَةُ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ وَالْعَبْدُ فِي الثَّانِي وَقَوْلُهُ: وَغَيْرُهُ أَنَّ غَيْرَ اللَّهِ بِهِ.
قَوْلُهُ: (أَمَّا إذَا أَرَادَ بِذَلِكَ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى) تَفْصِيلٌ آخَرُ غَيْرَ الَّذِي قَبْلَهُ، وَحَاصِلُ ذَلِكَ: أَنَّ الِاسْمَ إمَّا مُخْتَصٌّ أَوْ غَالِبٌ أَوْ مُسْتَوٍ وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ اللَّهَ أَوْ غَيْرَهُ. أَوْ يُطْلِقَ فَتُضْرَبُ ثَلَاثَةٌ فِي مِثْلِهَا تَبْلُغُ تِسْعَةً ثُمَّ تُضْرَبُ أَحْوَالُ قَصْدِ الْيَمِينِ أَوْ عَدَمِهِ أَوْ الْإِطْلَاقِ فِي التِّسْعَةِ تَبْلُغُ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ فِي الِاسْمِ الْمُخْتَصِّ تِسْعَةٌ وَفِي الْغَالِبِ كَذَلِكَ وَفِي الْمُسَاوِي كَذَلِكَ وَأَحْكَامُهَا أَنَّهُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ فِي سِتَّةٍ دُونَ ثَلَاثَةٍ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ الْيَمِينَ أَوْ أَطْلَقَ انْعَقَدَتْ سَوَاءٌ أَرَادَ بِالِاسْمِ اللَّهَ أَوْ غَيْرَهُ أَوْ أَطْلَقَ وَإِنْ أَرَادَ غَيْرَ الْيَمِينِ لَمْ تَنْعَقِدْ سَوَاءٌ أَرَادَ بِالِاسْمِ اللَّهَ أَوْ غَيْرَهُ أَوْ أَطْلَقَ.
قَوْلُهُ: (بِذَلِكَ) أَيْ بِإِرَادَةِ غَيْرِ الْيَمِينِ وَقَوْلُهُ: مُؤَوَّلٌ بِذَلِكَ أَيْ بِإِرَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ بِهِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ) عَطْفٌ عَلَى بِاسْمِ الْأَوَّلِ عَطْفٌ مُغَايِرٌ لِأَنَّ الْأَوَّلَ خَاصٌّ وَهَذَا غَالِبٌ وَفِيهِ تِسْعَةٌ كَمَا مَرَّ. وَبَيَانُ حُكْمِهَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ فِي أَرْبَعَةٍ دُونَ خَمْسَةٍ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ الْيَمِينَ أَوْ أَطْلَقَ وَأَرَادَ بِالِاسْمِ اللَّهَ، أَوْ أَطْلَقَ انْعَقَدَتْ، وَإِنْ أَرَادَ غَيْرَ الْيَمِينِ لَمْ تَنْعَقِدْ سَوَاءٌ أَرَادَ بِالِاسْمِ اللَّهَ أَوْ أَرَادَ غَيْرَهُ أَوْ أَطْلَقَ وَإِنْ أَرَادَ بِاسْمٍ غَيْرَ اللَّهِ وَأَرَادَ الْيَمِينَ أَوْ أَطْلَقَ لَمْ تَنْعَقِدْ. وَوَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّا يَقَعُ مِنْ قَوْلِ الْعَوَامّ وَالِاسْمُ الْأَعْظَمُ هَلْ هُوَ يَمِينٌ أَمْ لَا وَنُقِلَ بِالدَّرْسِ عَنْ م ر انْعِقَادُ الْيَمِينِ بِهِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر وَصَرَّحَ بِهِ الزِّيَادِيُّ وَنَصُّهُ. وَإِذَا قَالَ: وَالِاسْمُ الْأَعْظَمُ أَوْ الْقَسَمُ الْأَعْظَمُ لَا أَفْعَلُ كَذَا أَوْ لَأَفْعَلَنهُ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ الْأَعْظَمَ إمَّا اللَّهُ تَعَالَى أَوْ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ اهـ.
قَوْلُهُ:

(4/357)


غَيْرِهِ. كَقَوْلِهِ: وَالرَّحِيمِ وَالْخَالِقِ وَالرَّازِقِ وَالرَّبِّ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ مَا لَمْ يُرِدْ بِهَا غَيْرَهُ تَعَالَى. بِأَنْ أَرَادَهُ تَعَالَى أَوْ أَطْلَقَ بِخِلَافِ مَا إذَا أَرَادَ بِهَا غَيْرَهُ لِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ مُقَيَّدًا كَرَحِيمِ الْقَلْبِ وَخَالِقِ الْإِفْكِ وَرَازِقِ الْجَيْشِ وَرَبِّ الْإِبِلِ. وَأَمَّا الَّذِي يُطْلَقُ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ سَوَاءٌ كَالْمَوْجُودِ وَالْعَالِمِ وَالْحَيِّ، فَإِنْ أَرَادَهُ تَعَالَى بِهِ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَرَادَ بِهَا غَيْرَهُ أَوْ أَطْلَقَ لِأَنَّهَا لَمَّا أُطْلِقَتْ عَلَيْهِمَا سَوَاءٌ أَشْبَهَتْ الْكِنَايَاتِ (أَوْ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةِ) كَوَعَظَمَتِهِ وَعِزَّتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
الْغَالِبِ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَعَلَى غَيْرِهِ) مُشَارَكَةُ الْغَيْرِ لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، إنَّمَا هِيَ فِي الْإِطْلَاقِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْأَغْلَبِيَّةِ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ صَنِيعُهُ، وَصَوَابُهُ أَنْ يُقَالَ: وَيُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهِ لَا غَالِبًا، وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَى غَيْرِهِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ وَيَقِلُّ إطْلَاقُهُ عَلَى غَيْرِهِ. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَبِمَا هُوَ فِيهِ تَعَالَى عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَغْلَبُ كَالرَّحِيمِ إلَخْ. وَعِبَارَةُ الْمَرْحُومِيِّ قَوْلُهُ وَعَلَى غَيْرِهِ كَذَا فِي خَطِّ الْمُؤَلِّفِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ حِينَئِذٍ يَصِيرُ مَعْنَاهُ الْغَالِبُ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِ وَالْغَالِبُ إطْلَاقُهُ عَلَى غَيْرِهِ اهـ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ وَعَلَى غَيْرِهِ. الْمُنَاسِبُ دُونَ غَيْرِهِ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي.
قَوْلُهُ: (وَالرَّبِّ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ مِنْ الْخَاصِّ بِاَللَّهِ. وَعِبَارَةُ ز ي: وَاسْتُشْكِلَ الرَّبُّ بِأَلْ بِأَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَنْبَغِي إلْحَاقُهُ بِالْأَوَّلِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَدَّ ذَلِكَ بِأَنَّ أَصْلَ مَعْنَاهُ يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ فَصَحَّ قَصْدُهُ وَأَلْ قَرِينَةٌ ضَعِيفَةٌ لَا قُوَّةَ لَهَا عَلَى إلْغَاءِ ذَلِكَ الْقَصْدِ وَصَرَّحَ فِي الْمِصْبَاحِ بِأَنَّ الرَّبَّ تُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ تَعَالَى، وَأَنْشَدَ عَلَى ذَلِكَ شَاهِدًا مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ فَعَلَيْهِ يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا فِي اللَّهِ وَفِي غَيْرِهِ لُغَةً وَإِنْ كَانَ شَرْعًا لَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى اللَّهِ وَحْدَهُ فَلَا حَاجَةَ لِمَا قِيلَ هُنَا مِنْ التَّكَلُّفِ.
قَوْلُهُ: (انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ) الْأَوْلَى إسْقَاطُهُ لِعِلْمِهِ مِمَّا قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: (الذَّاتِيَّةِ) بِخِلَافِ الْفِعْلِيَّةِ كَخَلْقِهِ وَرِزْقِهِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِيَمِينٍ وَظَاهِرُهُ لَا صَرِيحَ وَلَا كِنَايَةَ س ل. وَأَخْرَجَ السَّلْبِيَّةَ كَكَوْنِهِ لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا جَوْهَرٍ وَلَا عَرَضٍ، لَكِنْ بَحَثَ الزَّرْكَشِيّ الِانْعِقَادَ بِهَذِهِ لِأَنَّهَا قَدِيمَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ تَعَالَى رَشِيدِيٌّ عَلَى م ر. وَعِبَارَةُ ق ل تَنْبِيهٌ هَذَا الَّذِي تَقَدَّمَ فِي صِفَاتِ الذَّاتِ الثُّبُوتِيَّةِ الْقَائِمَةِ بِهِ فِي الْأَزَلِ أَمَّا صِفَاتُهُ السَّلْبِيَّةُ، وَهِيَ الْقَائِمَةُ بِهِ كَعَدَمِ جِسْمِيَّتِهِ وَعَرْضِيَّتِهِ وَصِفَاتِهِ الْفِعْلِيَّةِ كَرِزْقِهِ وَخَلْقِهِ وَرَحْمَتِهِ وَهِيَ الثَّابِتَةُ لَهُ فِيمَا لَا يَزَالُ فَتَرَدَّدَ شَيْخُنَا فِي الْأُولَى. وَقَالَ الْقَاضِي تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِهَا وَجَرَى عَلَيْهِ الْعَبَّادِيُّ وَجَزَمَ بِعَدَمِ انْعِقَادِ الْيَمِينِ بِالثَّانِيَةِ تَبَعًا لِلْإِمَامِ الرَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورُ خِلَافًا لِلْخَفَّافِ فَرَاجِعْهُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ صِفَتَيْ الذَّاتِ وَالْفِعْلِ أَنَّ الْأُولَى مَا اسْتَحَقَّهُ فِي الْأَزَلِ وَالثَّانِيَةَ مَا اسْتَحَقَّهُ فِيمَا يَزَالُ دُونَ الْأَزَلِ يُقَالُ: عِلْمٌ فِي الْأَزَلِ وَلَا يُقَالُ رِزْقٌ فِي الْأَزَلِ إلَّا تَوَسُّعًا اهـ. شَرْحُ الرَّوْضِ قَالَ سم: وَلَا يَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِصِفَاتِ الْأَفْعَالِ كَالْخَلْقِ وَالرِّزْقِ وَإِنْ نَوَى خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَفِي حَاشِيَةِ الشبراملسي لِلْغَزِّيِّ الِانْعِقَادُ بِهَا.
فَرْعٌ لَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَيْمَانُ الْبَيْعَةِ لَازِمَةٌ لِي أَوْ فَأَيْمَانُ الْمُسْلِمِينَ لَازِمَةٌ لِي فَإِنْ أَرَادَ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ أَوْ أَطْلَقَ لَمْ تَنْعَقِدْ وَإِنْ أَرَادَ بَيْعَةَ الْحَجَّاجِ انْعَقَدَتْ لِأَنَّ «الْبَيْعَةَ كَانَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمُصَافَحَةِ» فَلَمَّا تَوَلَّى الْحَجَّاجُ رَتَّبَهَا أَيْمَانًا تَشْتَمِلُ عَلَى ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى الطَّلَاقِ وَالْحَجِّ وَالْإِعْتَاقِ وَصَدَقَةِ الْمَالِ وَانْظُرْ مَاذَا يَلْزَمُهُ مِنْهَا. وَلَوْ شَرِكَ فِي يَمِينِهِ بَيْنَ مَا يَنْعَقِدُ بِهِ وَمَا لَا يَنْعَقِدُ بِهِ كَوَاللَّهِ وَالْكَعْبَةِ فَقَالَ الْعَبَّادِيُّ: الْمُتَّجَهُ عِنْدِي الِانْعِقَادُ، سَوَاءٌ قَصَدَ الْحَلِفَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ أَطْلَقَ أَوْ بِالْمَجْمُوعِ فَرَاجِعْهُ. وَنَصَّ سم عَلَى حَجّ: شَرِكَ فِي حَلِفِهِ بَيْنَ مَا يَصِحُّ الْحَلِفُ بِهِ وَغَيْرِهِ كَوَاللَّهِ وَالْكَعْبَةِ فَالْوَجْهُ انْعِقَادُ الْيَمِينِ وَهُوَ وَاضِحٌ إنْ قَصَدَ الْحَلِفَ بِكُلٍّ، أَوْ أَطْلَقَ فَإِنْ قَصَدَ الْحَلِفَ بِالْمَجْمُوعِ، فَفِيهِ تَأَمُّلٌ وَالْوَجْهُ الِانْعِقَادُ لِأَنَّ جُزْءَ هَذَا الْمَجْمُوعِ يَصِحُّ الْحَلِفُ بِهِ. وَالْمَجْمُوعُ الَّذِي جُزْؤُهُ كَذَلِكَ يَصِحُّ الْحَلِفُ بِهِ وَإِنْ حَلَفَ رَجُلٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ آخَرُ يَمِينِي فِي يَمِينِك أَوْ يَلْزَمُنِي مِثْلُ مَا يَلْزَمُك لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ وَنَوَى لَزِمَهُ مَا لَزِمَ الْحَالِفَ. اهـ. سم.
قَوْلُهُ: (كَوَعَظَمَتِهِ) مَا جَزَمَ بِهِ مِنْ أَنَّ عَظَمَةَ اللَّهِ تَعَالَى صِفَةٌ هُوَ الْمَعْرُوفُ وَبَنَى عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ مَنْعَ قَوْلِهِمْ: سُبْحَانَ مَنْ تَوَاضَعَ كُلُّ

(4/358)


وَكَلَامِهِ، وَمَشِيئَتِهِ، وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَحَقِّهِ. إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْحَقِّ الْعِبَادَاتِ وَبِاَللَّذَيْنِ قَبْلَهُ الْمَعْلُومَ وَالْمَقْدُورَ وَبِالْبَقِيَّةِ ظُهُورَ آثَارِهَا فَلَيْسَتْ يَمِينًا لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ وَقَوْلُهُ: وَكِتَابِ اللَّهِ يَمِينٌ وَكَذَا وَالْقُرْآنِ وَالْمُصْحَفِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْقُرْآنِ الْخُطْبَةَ وَالصَّلَاةَ وَبِالْمُصْحَفِ الْوَرَقَ وَالْجِلْدَ.

وَحُرُوفُ الْقَسَمِ الْمَشْهُورَةُ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ وَوَاوٌ وَتَاءٌ، فَوْقِيَّةٌ، كَبِاللَّهِ وَوَاللَّهِ وَتَاللَّهِ لَأَفْعَلَن كَذَا، وَيَخْتَصُّ لَفْظُ اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْمُظْهَرُ مُطْلَقًا بِالْوَاوِ وَسُمِعَ شَاذًّا تَرَبِّ الْكَعْبَةِ وَتَالرَّحْمَنِ وَتَدْخُلُ الْمُوَحَّدَةُ عَلَيْهِ وَعَلَى الْمُضْمَرِ فَهِيَ الْأَصْلُ. وَتَلِيهَا الْوَاوُ ثُمَّ التَّاءُ وَلَوْ قَالَ: اللَّهُ مَثَلًا بِتَثْلِيثِ الْهَاءِ أَوْ تَسْكِينِهَا لَأَفْعَلَن كَذَا فَكِنَايَةٌ كَقَوْلِهِ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ، أَوْ لَعَمْرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
شَيْءٍ لِعَظَمَتِهِ. قَالَ: لِأَنَّ التَّوَاضُعَ لِلصِّفَةِ عِبَادَةٌ لَهَا، وَلَا يُعْبَدُ إلَّا الذَّاتُ وَمَنَعَ الْقَرَافِيُّ ذَلِكَ. وَقَالَ: الصَّحِيحُ أَنَّ عَظَمَةَ اللَّهِ الْمَجْمُوعُ مِنْ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ فَالْمَعْبُودُ مَجْمُوعُهَا اهـ س ل قَالَ م ر: فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ هَذَا فَصَحِيحٌ أَوْ مُجَرَّدُ الصِّفَةِ فَمُمْتَنِعٌ. وَلَمْ يُبَيِّنُوا حُكْمَ الْإِطْلَاقِ أَيْ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَ مَنْ تَوَاضَعَ كُلُّ شَيْءٍ لِعَظَمَتِهِ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا مَنْعَ مِنْهُ اهـ. وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ الْعَظَمَةُ صِفَةٌ مُخْتَصَّةٌ بِهِ تَعَالَى بِحَسَبِ الْوَضْعِ فَقَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّهَا لِمَجْمُوعِ الذَّاتِ وَالصِّفَةِ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ هُوَ فَاسِدٌ إذْ لَوْ كَانَ كَمَا قَالَ لَمْ تَصِحَّ إضَافَتُهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَمَا لَا يُقَالُ: خَالِقٌ اللَّهُ وَلَا رَازِقٌ اللَّهُ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (وَحَقُّهُ) أَيْ اسْتِحْقَاقُهُ لِلْعِبَادَةِ وَالْأُلُوهِيَّةِ فَهُوَ صِفَةٌ لَهُ تَعَالَى. وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ س ل قَوْلُهُ: وَحَقُّهُ أَيْ مُطْلَقًا نَوَى بِهِ الْيَمِينَ أَوْ أَطْلَقَ فِي الْأَصَحِّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَمَعْنَاهُ حَقِيقَةُ الْأُلُوهِيَّةِ لِأَنَّ الْحَقَّ هُوَ مَا لَا يُمْكِنُ جُحُودُهُ فَهَلْ فِي الْحَقِيقَةِ اسْمٌ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى. وَقَالَ غَيْرُهُ: حَقُّ اللَّهِ هُوَ الْقُرْآنُ قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ} [الحاقة: 51] وَالْحَلِفُ بِالْقُرْآنِ يَمِينٌ فِي صُورَةِ الْإِطْلَاقِ. وَكَذَا مَا نَحْنُ فِيهِ هَذَا إنْ جَرَّ الْحَقُّ فَإِنْ رَفَعَهُ أَوْ نَصَبَهُ فَكِنَايَةٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ اسْتِحْقَاقِ الطَّاعَةِ وَالْأُلُوهِيَّةِ، فَلَيْسَ بِيَمِينٍ إلَّا بِنِيَّتِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (ظُهُورُ آثَارِهَا) أَيْ آثَارِهَا الظَّاهِرَةِ فَآثَارُ الْعَظَمَةِ وَالْعِزَّةِ وَالْكِبْرِيَاءِ الذِّلَّةُ وَالتَّوَاضُعُ وَأَثَرُ الْكَلَامِ الْأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ عَلَيْهِ وَأَثَرُ الْمَشِيئَةِ، التَّخْصِيصُ أَيْ تَخْصِيصُ الْمُمْكِنَاتِ، بِمَا يَعْرِضُ لَهَا وَأَثَرُ الْعَظَمَةِ: إهْلَاكُ الْجَبَابِرَةِ وَأَثَرُ الْعِزَّةِ عَدَمُ إيصَالِ مَكْرُوهٍ إلَيْهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (وَكِتَابُ اللَّهِ) بِأَنْ قَصَدَ الصِّفَةَ الْقَدِيمَةَ أَوْ أَطْلَقَ بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ الْأَلْفَاظَ. قَوْلُهُ: (الْخُطْبَةَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} [الأعراف: 204] . وَقَوْلُهُ وَالصَّلَاةَ الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ لِقَوْلِهِ: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} [الإسراء: 78] فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ صَلَاتُهُ وَقَالَ ع ش قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْقُرْآنِ الْخُطْبَةَ أَيْ أَوْ الْأَلْفَاظَ أَوْ الْحُرُوفَ.
قَوْلُهُ: (الْوَرَقَ) أَيْ أَوْ اللَّفْظَ كَمَا ذَكَرَهُ حَجّ فَإِنْ أَرَادَ لَفْظَ الْقُرْآنِ لَا الْمَعْنَى النَّفْسِيَّ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا وَقَالَ ع ش: لِأَنَّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَا يَنْصَرِفُ عُرْفًا إلَّا لِمَا فِيهِ الْقُرْآنُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ قَوْلِهِ: وَالْمُصْحَفُ وَحَقُّ الْمُصْحَفِ اهـ وَلَعَلَّهُ أَنَّ حَقَّ الْمُصْحَفِ يَنْصَرِفُ عُرْفًا إلَى ثَمَنِهِ الَّذِي يُصْرَفُ فِيهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْمُصْحَفُ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَنْصَرِفُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْقُرْآنِ اهـ. وَلَوْ أَقْسَمَ بِآيَةٍ مَنْسُوخَةِ التِّلَاوَةِ دُونَ الْحُكْمِ انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ قِيَاسًا أَوْلَوِيًّا عَلَى انْعِقَادِهَا بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مَعَ نَسْخِ الْأَمْرَيْنِ مَعًا وَلَا يَخْرُجُ عَلَى تَحْرِيمِ الْمَسِّ وَالْحَمْلِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقِيَاسِ الْأَوْلَوِيِّ اهـ. وَأَمَّا الْآيَةُ الْمَنْسُوخَةُ التِّلَاوَةِ وَالْحُكْمِ مَعًا فَكَانَ مُقْتَضَى قِيَاسِهِ أَنْ تُقَاسَ أَيْضًا عَلَى التَّوْرَاةِ بِقِيَاسِ الْمُسَاوَاةِ. فَإِنْ قَالَ: إنَّهَا لَا يُطْلَقُ عَلَيْهَا كِتَابُ اللَّهِ. قُلْنَا لَهُ: يَلْزَمُك فِي مَنْسُوخِ التِّلَاوَةِ دُونَ الْحُكْمِ اهـ.

قَوْلُهُ: (الْمَشْهُورَةِ) وَغَيْرُ الْمَشْهُورَةِ كَالْأَلِفِ وَهَاءِ التَّنْبِيهِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ: (بِالتَّاءِ) الْبَاءُ دَاخِلَةٌ عَلَى الْمَقْصُورِ قَوْلُهُ: (فَهِيَ الْأَصْلُ) عَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ التَّاءَ الْفَوْقِيَّةَ مُبْدَلَةٌ مِنْ الْوَاوِ وَالْوَاوُ مِنْ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ قَالَ النُّحَاةُ: أَبْدِلُوا مِنْ الْبَاءِ وَاوًا لِقُرْبِ الْمَخْرَجِ ثُمَّ مِنْ الْوَاوِ تَاءً لِقُرْبِ الْمَخْرَجِ كَمَا فِي تُرَاثٍ. وَإِنَّمَا اخْتَصَّتْ التَّاءُ بِلَفْظِ اللَّهِ لِأَنَّهَا بَدَلٌ مِنْ بَدَلٍ فَضَاقَ التَّصَرُّفُ فِيهَا وَهِيَ وَإِنْ ضَاقَ تَصَرُّفُهَا قَدْ بُورِكَ فِيهَا لِلِاخْتِصَاصِ بِأَشْرَفِ الْأَسْمَاءِ وَأَجَلِّهَا اهـ ز ي. وَخَرَجَ بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْفَاءُ وَالْأَلِفُ الْمَمْدُودَةُ وَالتَّحْتِيَّةُ نَحْوُ فَاَللَّهُ وَاَللَّهِ وَيَاللَّهِ. قَالَ م ر: فَهِيَ كِنَايَةٌ وَكَذَا بِلَّهْ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ وَحَذْفِ الْأَلْفِ يَمِينٌ إنْ نَوَاهَا عَلَى الرَّاجِحِ خِلَافًا لِجَمْعٍ ذَهَبُوا إلَى

(4/359)


اللَّهِ أَوْ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ وَذِمَّتُهُ وَأَمَانَتُهُ وَكَفَالَتُهُ لَأَفْعَلَن كَذَا إنْ نَوَى بِهَا الْيَمِينَ فَيَمِينٌ وَإِلَّا فَلَا. وَاللَّحْنُ وَإِنْ قِيلَ بِهِ فِي الرَّفْعِ لَا يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ عَلَى أَنَّهُ لَا لَحْنَ فِي ذَلِكَ فَالرَّفْعُ بِالِابْتِدَاءِ أَيْ اللَّهُ أَحْلِفُ بِهِ لَأَفْعَلَن وَالنَّصْبُ بِنَزْعِ الْخَافِضِ وَالْجَرُّ بِحَذْفِهِ وَإِبْقَاءِ عَمَلِهِ. وَالتَّسْكِينُ بِإِجْرَاءِ الْوَصْلِ مَجْرَى الْوَقْفِ وَقَوْلُهُ: أَقْسَمْت أَوْ أُقْسِمُ أَوْ حَلَفْت أَوْ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ لَأَفْعَلَن كَذَا يَمِينٌ إلَّا إنْ نَوَى خَبَرًا مَاضِيًا فِي صِيغَةِ الْمَاضِي أَوْ مُسْتَقْبَلًا فِي الْمُضَارِعِ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا لِاحْتِمَالِ مَا نَوَاهُ وَقَوْلُهُ لِغَيْرِهِ: أُقْسِمُ عَلَيْك بِاَللَّهِ أَوْ أَسْأَلُك بِاَللَّهِ لَتَفْعَلَن كَذَا يَمِينٌ إنْ أَرَادَ بِهِ يَمِينَ نَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُرِدْهَا. وَيُحْمَلُ عَلَى الشَّفَاعَةِ وَعُلِمَ مِنْ حَصْرِ الِانْعِقَادِ فِيمَا ذُكِرَ عَدَمُ انْعِقَادِ الْيَمِينِ بِمَخْلُوقٍ كَالنَّبِيِّ وَجِبْرِيلَ وَالْكَعْبَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَوْ مَعَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
أَنَّهَا لَغْوٌ، وَبَقِيَ مَا لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ بِحَذْفِ الْأَلِفِ بَعْدَ اللَّامِ هَلْ يَتَوَقَّفُ الِانْعِقَادُ عَلَى نِيَّتِهَا أَوْ لَا؟ وَيَظْهَرُ الْآنَ الثَّانِي لِعَدَمِ الِاشْتِرَاكِ فِي هَذَا اللَّفْظِ بَيْنَ الِاسْمِ الْكَرِيمِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْبِلَّهْ. فَإِنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ وَبِلَّةِ الرُّطُوبَةِ وَبَقِيَ أَيْضًا مَا لَوْ حَذَفَ الْهَاءَ مِنْ لَفْظِ الْجَلَالَةِ وَقَالَ بَالَّا أَوْ وَلَا هَلْ هِيَ يَمِينٌ أَوْ لَا فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي لِأَنَّهَا بِدُونِ الْهَاءِ لَيْسَتْ مِنْ أَسْمَائِهِ وَلَا صِفَاتِهِ. وَيَحْتَمِلُ الِانْعِقَادُ عِنْدَ نِيَّةِ الْيَمِينِ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ حَذَفَ الْهَاءَ تَرْخِيمًا وَالتَّرْخِيمُ جَائِزٌ فِي غَيْرِ الْمُنَادَى عَلَى قِلَّةٍ اهـ شَرْحُ م ر وع ش عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (لَأَفْعَلَن كَذَا) رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ فَلَوْ تَرَكَهُ لَا يَكُونُ صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً وَمِثْلُ تَاللَّهِ مَا فِي مَعْنَاهُ ز ي.
قَوْلُهُ: (لَعَمْرُ اللَّهِ) الْمُرَادُ مِنْهُ الْبَقَاءُ وَالْحَيَاةُ وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا لِأَنَّهُ يُطْلَقُ مَعَ ذَلِكَ عَلَى الْعِبَادَاتِ وَالْمَفْرُوضَاتِ.
شَرْحُ الرَّوْضِ وَهَذَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ أَمَّا عِنْدَ النُّحَاةِ فَلَعَمْرُ اللَّهِ صَرِيحٌ فِي الْقَسَمِ. قَوْلُهُ: (عَهْدُ اللَّهِ) وَالْمُرَادُ بِعَهْدِ اللَّهِ إذَا نَوَى بِهِ الْيَمِينَ اسْتِحْقَاقُهُ لِإِيجَابِ مَا أَوْجَبَهُ عَلَيْنَا وَتَعَبَّدَنَا بِهِ وَإِذَا نَوَى بِهِ غَيْرَهَا فَالْمُرَادُ الْعِبَادَاتُ الَّتِي أُمِرْنَا بِهَا وَقَدْ فَسَّرَ بِهَا أَيْ الْعِبَادَاتِ الْأَمَانَةَ فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ} [الأحزاب: 72] شَرْحُ الرَّوْضِ.
قَوْلُهُ: (وَذِمَّتُهُ) مُرَادِفٌ لِمَا قَبْلَهُ.
قَوْلُهُ: (أَوْ حَلَفْت) وَسُمِّيَ الْقَسَمُ حَلِفًا لِأَنَّهُ يَكُونُ عِنْدَ انْقِسَامِ النَّاسِ إلَى مُصَدَّقٍ وَمُكَذَّبٍ اهـ أَبُو حَيَّانَ.
قَوْلُهُ: (إلَّا إنْ نَوَى خَيْرًا) أَيْ فَهُوَ يَمِينٌ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ شَوْبَرِيٌّ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ جَرَى لَنَا وَجْهٌ أَيْضًا لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِيَمِينٍ مُطْلَقًا قَالَ الْإِمَامُ: جَعَلْتُمْ قَوْلَهُ بِاَللَّهِ لَأَفْعَلَن يَمِينًا صَرِيحًا وَفِيهِ إضْمَارٌ مَعْنَى أُقْسِمُ فَكَيْفَ تَنْحَطُّ رُتْبَتُهُ إذَا صَرَّحَ بِالْمُضْمَرِ. وَالْجَوَابُ: أَنَّ التَّصْرِيحَ بِهِ يُزِيلُ الصَّرَاحَةَ لِاحْتِمَالِهِ الْمَاضِيَ وَالْمُسْتَقْبَلَ، فَكَمْ مِنْ مُضْمَرٍ يُقَدِّرُهُ النَّحْوِيُّ وَاللَّفْظُ بِدُونِهِ أَوْقَعُ فِي النَّفْسِ أَلَا تَرَى إلَى أَنَّ مَعْنَى التَّعَجُّبِ فِيمَا أَحْسَنَ زَيْدًا يَزُولُ إذَا قُلْت شَيْءٌ حَسَنٌ زَيْدًا مَعَ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِهِ سم.
قَوْلُهُ: (وَقَوْلُهُ لِغَيْرِهِ أُقْسِمُ عَلَيْك بِاَللَّهِ) : وَكَذَا لَوْ قَالَ: بِاَللَّهِ لَتَفْعَلَن كَذَا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْمُتَعَلِّقِ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (أُقْسِمُ عَلَيْك) أَمَّا بِدُونِ عَلَيْك فَيَمِينٌ لَا يَجْرِي فِيهَا تَفْصِيلٌ بِرْمَاوِيٌّ وَقِ ل.
قَوْلُهُ: (أَوْ أَسْأَلُك بِاَللَّهِ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ تَفْعَلُ كَذَا، أَوْ لَا تَفْعَلْ كَذَا، وَأَطْلَقَ كَانَ يَمِينًا وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ لَا تُسْتَعْمَلُ لِطَلَبِ الشَّفَاعَةِ، بِخِلَافِ أَسْأَلُك بِاَللَّهِ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (إنْ أَرَادَ بِهِ يَمِينَ نَفْسِهِ) أَيْ فَقَطْ بِأَنْ أَرَادَ تَحْقِيقَ هَذَا الْأَمْرِ الْمُحْتَمَلِ فَإِذَا حَلَفَ شَخْصٌ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ يَأْكُلُ. فَالْأَكْلُ أَمْرٌ مُحْتَمَلٌ فَإِذَا أَرَادَ تَحْقِيقَهُ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْأَكْلِ كَانَ يَمِينًا وَإِنْ أَرَادَ أَتَشَفَّعُ عِنْدَك بِاَللَّهِ أَنَّك تَأْكُلُ أَوْ أَرَادَ يَمِينَ الْمُخَاطَبِ كَأَنْ قَصَدَ جَعَلَهُ حَالِفًا بِاَللَّهِ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ هُوَ، وَلَا الْمُخَاطَبُ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُرِدْهَا) بِأَنْ أَرَادَ يَمِينَ الْمُخَاطَبِ كَأَنْ قَصَدَ جَعَلْتُك حَالِفًا بِاَللَّهِ أَوْ الشَّفَاعَةِ أَوْ أَطْلَقَ ز ي وَشَرْحُ م ر.
قَوْلُهُ: (وَيُحْمَلُ) أَيْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى الشَّفَاعَةِ أَيْ جَعَلْت اللَّهَ شَفِيعًا عِنْدَك فِي فِعْلِ كَذَا ع ش وَيُكْرَهُ رَدُّ السَّائِلِ بِاَللَّهِ أَوْ بِوَجْهِهِ سُبْحَانَهُ تَعَالَى كَأَسْأَلُكَ بِوَجْهِ اللَّهِ فِي غَيْرِ الْمَكْرُوهِ وَالسُّؤَالُ بِذَلِكَ شَرْحُ م ر. وَقَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ إعْطَائِهِ تَعْظِيمُ مَا سَأَلَ بِهِ. اهـ. ع ش.
قَوْلُهُ: (عَدَمُ انْعِقَادِ الْيَمِينِ بِمَخْلُوقٍ) أَيْ فَلَا كَفَّارَةَ بِالْحِنْثِ فِيهِ خِلَافًا لِأَحْمَدَ فِي الْحَلِفِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً لِأَنَّهُ قَالَ: تَنْعَقِدُ لِأَنَّهُ أَحَدُ رُكْنَيْ الشَّهَادَةِ كَاسْمِ اللَّهِ. اهـ. دَمِيرِيٌّ. وَقَالَ ع ش: يَنْبَغِي لِلْحَالِفِ أَنْ لَا يَتَسَاهَلَ فِي الْحَلِفِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكَوْنِهِ غَيْرَ

(4/360)


قَصْدِهِ بَلْ يُكْرَهُ الْحَلِفُ بِهِ إلَّا أَنْ يَسْبِقَ إلَيْهِ لِسَانُهُ، وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَأَنَا يَهُودِيٌّ أَوْ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ، أَوْ مِنْ اللَّهِ أَوْ مِنْ رَسُولِهِ، فَلَيْسَ بِيَمِينٍ وَلَا يُكَفِّرُ بِهِ إنْ أَرَادَ تَبْعِيدَ نَفْسِهِ عَنْ الْفِعْلِ أَوْ أَطْلَقَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَذْكَارِ وَلِيَقُلْ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى وَإِنْ قَصَدَ الرِّضَا بِذَلِكَ إذَا فَعَلَهُ فَهُوَ كَافِرٌ فِي الْحَالِ.

تَنْبِيهٌ: تَصِحُّ الْيَمِينُ عَلَى مَاضٍ وَغَيْرِهِ وَتُكْرَهُ إلَّا فِي طَاعَةٍ وَفِي دَعْوَى مَعَ صِدْقٍ عِنْدَ حَاكِمٍ وَفِي حَاجَةٍ كَتَوْكِيدِ كَلَامٍ فَإِنْ حَلَفَ عَلَى ارْتِكَابِ مَعْصِيَةٍ عَصَى بِحَلِفِهِ، وَلَزِمَهُ حِنْثٌ وَكَفَّارَةٌ. أَوْ عَلَى تَرْكِ أَوْ فِعْلِ مُبَاحٍ سُنَّ تَرْكُ حِنْثِهِ أَوْ عَلَى تَرْكِ مَنْدُوبٍ أَوْ فِعْلِ مَكْرُوهٍ سُنَّ حِنْثُهُ وَعَلَيْهِ بِالْحِنْثِ كَفَّارَةٌ أَوْ عَلَى فِعْلِ مَنْدُوبٍ أَوْ تَرْكِ مَكْرُوهٍ، كُرِهَ حِنْثُهُ وَلَهُ تَقْدِيمُ كَفَّارَةٍ بِلَا صَوْمٍ عَلَى أَحَدِ سَبَبَيْهَا كَمَنْذُورٍ مَالِيٍّ.

(وَمَنْ حَلَفَ بِصَدَقَةِ مَالِهِ) كَقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمَالِي إنْ فَعَلْت كَذَا أَوْ أُعْتِقَ عَبْدِي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
مُوجِبٍ لِلْكَفَّارَةِ لَا سِيَّمَا إذَا حَلَفَ عَلَى نِيَّةِ أَنْ لَا يَفْعَلَ فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ يَجُرُّ إلَى الْكُفْرِ لِعَدَمِ تَعْظِيمِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالِاسْتِخْفَافِ بِهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُكَفِّرُ) : وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ حَتَّى فِي حَالِ الْإِطْلَاقِ رَوْضٌ، وَيُعَزَّرُ عَلَى ذَلِكَ مُطْلَقًا وَلَا يَنْعَقِدُ يَمِينُهُ مُطْلَقًا.
وَإِنْ قَصَدَ الْيَمِينَ وَالتَّفْصِيلَ إنَّمَا هُوَ فِي الْكُفْرِ وَلَوْ مَاتَ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ قَصْدٌ حُكِمَ بِكُفْرِهِ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ تَحْمِلُهُ عَلَى غَيْرِهِ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ الْإِسْنَوِيُّ لِأَنَّ اللَّفْظَ بِوَضْعِهِ يَقْتَضِيهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَذْكَارِ خِلَافُهُ وَهُوَ الصَّوَابُ الْمُعْتَمَدُ.
تَنْبِيهٌ: مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْعَوَامّ مِنْ طَلَبِ الْخَصْمِ لِيَحْلِفَ عِنْدَ قَبْرِ وَلِيٍّ لَا أَصْلَ لَهُ وَلَا يُعَدُّ بِامْتِنَاعِهِ نَاكِلًا بَلْ الظَّاهِرُ حُرْمَةُ ذَلِكَ. رَحْمَانِيٌّ قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي: وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ الْقَسَمِ بِغَيْرِ اللَّهِ فَعَنْهُ جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ فِيهِ حَذْفًا وَالتَّقْدِيرُ وَرَبِّ الشَّمْسِ وَنَحْوِهِ، وَالثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِاَللَّهِ فَإِذَا أَرَادَ تَعْظِيمَ شَيْءٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ أَقْسَمَ بِهِ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ ذَلِكَ اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ.
قَوْلُهُ: (وَلْيَقُلْ) أَيْ نَدْبًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي نُكَتِهِ وَأَوْجَبَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ ذَلِكَ. اهـ. ز ي.
قَوْلُهُ: (لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ) وَالْأَوْلَى الْإِتْيَانُ بِأَشْهَدُ بَلْ يَتَعَيَّنُ إنْ كَانَ كُفْرًا ق ل وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر. وَإِذَا لَمْ يُكَفِّرْ نُدِبَ لَهُ الِاسْتِغْفَارُ وَيَقُولُ كَذَلِكَ: " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ " وَحَذْفُهُمْ أَشْهَدُ هُنَا لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ فِي الْإِسْلَامِ الْحَقِيقِيِّ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِيمَا هُوَ لِلِاحْتِيَاطِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهِ أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِتْيَانِ بِأَشْهَدُ كَمَا فِي رِوَايَةِ " أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ".
قَوْلُهُ: (وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ) أَيْ كَأَنْ يَقُولَ: " أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ إلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إلَيْهِ " وَهِيَ أَكْمَلُ مِنْ غَيْرِهَا. اهـ. ع ش عَلَى م ر

قَوْلُهُ: (وَتُكْرَهُ) أَيْ الْيَمِينُ أَيْ فِي الْحَرَامِ وَالْمَكْرُوهِ صَادِقًا كَانَ أَوْ كَاذِبًا مَاضِيًا كَانَ أَوْ مُسْتَقْبَلًا فِعْلًا أَوْ تَرْكًا وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُمْ: الْيَمِينُ الْغَمُوسُ كَبِيرَةٌ هُوَ مِنْ حَيْثُ اقْتِطَاعُ الْمَالِ بِهَا لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا فَرَاجِعْ ذَلِكَ. وَإِنَّمَا كُرِهَتْ الْيَمِينُ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَعْجِزُ عَنْ الْوَفَاءِ بِهَا وَلِكَثْرَةِ تَوَلُّعِ الشَّيْطَانِ بِهِ الْمُوقِعِ لَهُ فِي النَّدَمِ كَمَا فِي حَدِيثِ «الْحَلِفُ حِنْثٌ أَوْ نَدَمٌ» قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا حَلَفْت بِاَللَّهِ صَادِقًا وَلَا كَاذِبًا قَطُّ أَيْ لَا قَبْلَ الْبُلُوغِ وَلَا بَعْدَهُ ق ل وع ش.
قَوْلُهُ: (وَلَهُ تَقْدِيمُ كَفَّارَةٍ) أَفْهَمَ قَوْلُهُ: وَلَهُ أَنَّ الْأَوْلَى التَّأْخِيرُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ، سم أَمَّا تَقْدِيمُهَا عَلَى الْيَمِينِ فَيَمْتَنِعُ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا مُقَارَنَتُهَا لِلْيَمِينِ كَمَا لَوْ وَكَّلَ مَنْ يُعْتِقُ عَنْهَا مَعَ شُرُوعِهِ فِي الْيَمِينِ وَإِذَا قَدَّمَهَا عَلَى الْحِنْثِ وَلَمْ يَحْنَثْ اسْتَرْجَعَ كَالزَّكَاةِ أَيْ إنْ شَرَطَهُ، أَوْ عَلِمَ الْقَابِضُ أَنَّهَا مُعَجَّلَةٌ، وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ أَعْتَقَ ثُمَّ مَاتَ مَثَلًا قَبْلَ حِنْثِهِ وَقَعَ تَطَوُّعًا كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ، لِتَعَذُّرِ الِاسْتِرْجَاعِ فِيهِ م ر وع ن. وَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَ ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي فِي الْكَفَّارَةِ إذْ التَّقْدِيمُ وَصْفٌ مِنْ أَوْصَافِهَا كَمَا لَا يَخْفَى.
قَوْلُهُ: (عَلَى أَحَدِ سَبَبَيْهَا) أَيْ إنْ كَانَ لَهَا سَبَبَانِ فَإِنْ كَانَ لَهَا سَبَبٌ وَاحِدٌ كَكَفَّارَةِ الْجِمَاعِ لَمْ يَجُزْ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ سم.
قَوْلُهُ: (كَمَنْذُورٍ مَالِيٍّ) فَالنَّذْرُ سَبَبٌ أَوَّلُ وَالشِّفَاءُ سَبَبٌ ثَانٍ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَمَنْ حَلَفَ بِصَدَقَةٍ) الْمُرَادُ بِهِ النَّذْرُ الَّذِي لَهُ حُكْمُ الْحَلِفِ وَهُوَ نَذْرُ اللَّجَاجِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّارِحِ، فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَذْكُرَ هَذَا فِي فَصْلِ النَّذْرِ.

(4/361)


وَيُسَمَّى نَذْرُ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ، وَمِنْ صُوَرِهِ مَا إذَا قَالَ: الْعِتْقُ يَلْزَمُنِي مَا أَفْعَلُ كَذَا. (فَهُوَ مُخَيَّرٌ) عَلَى أَظْهَرْ الْأَقْوَالِ (بَيْنَ) فِعْلِ (الصَّدَقَةِ) الَّتِي الْتَزَمَهَا أَوْ الْعِتْقِ الَّذِي الْتَزَمَهُ. (وَ) بَيْنَ فِعْلِ (الْكَفَّارَةِ) عَنْ الْيَمِينِ الْآتِي بَيَانُهُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» وَهِيَ لَا تَكْفِي فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ بِالِاتِّفَاقِ فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى نَذْرِ اللَّجَاجِ. وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوْ كَفَّارَةُ نَذْرٍ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ وُجُودِ الصِّفَةِ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْيَمِينِ فِي الْأُولَى وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ فِي الثَّانِيَةِ وَلَوْ قَالَ: فَعَلَيَّ يَمِينٌ فَلَغْوٌ أَوْ فَعَلَيَّ نَذْرٌ صَحَّ وَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ قُرْبَةٍ وَكَفَّارَةِ يَمِينٍ.

(وَلَا شَيْءَ فِي لَغْوِ الْيَمِينِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: 89] أَيْ قَصَدْتُمْ بِدَلِيلِ الْآيَةِ الْأُخْرَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225] ، وَلَغْوُ الْيَمِينِ هُوَ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: " قَوْلُ الرَّجُلِ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، كَأَنْ قَالَ ذَلِكَ فِي حَالِ غَضَبٍ أَوْ لَجَاجٍ أَوْ صِلَةِ كَلَامٍ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَالْمُرَادُ بِتَفْسِيرِ لَغْوِ الْيَمِينِ بِلَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ عَلَى الْبَلَدِ لَا عَلَى الْجَمْعِ. أَمَّا لَوْ قَالَ: لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: كَانَتْ الْأُولَى لَغْوًا وَالثَّانِيَةُ مُنْعَقِدَةً لِأَنَّهَا اسْتِدْرَاكٌ فَصَارَتْ مَقْصُودَةً. وَلَوْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ فَسَبَقَ لِسَانُهُ إلَى غَيْرِهِ كَانَ مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ وَجَعَلَ صَاحِبُ الْكَافِي مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ مَا إذَا دَخَلَ عَلَى صَاحِبِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَقُومَ لَهُ فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا تَقُومُ لِي وَهُوَ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى.

(وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا) مُعَيَّنًا كَأَنْ لَا يَبِيعَ أَوْ لَا يَشْتَرِيَ (فَفَعَلَ) شَيْئًا (غَيْرَهُ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ. أَمَّا إذَا فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بِأَنْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى بِنَفْسِهِ بِوِلَايَةٍ أَوْ وَكَالَةٍ فَإِنْ كَانَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (وَيُسَمَّى نَذْرَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ) وَضَابِطُهُ: أَنْ يُعَلِّقَ الْقُرْبَةَ بِحَثٍّ أَوْ مَنْعٍ أَوْ تَحْقِيقِ خَبَرٍ كَقَوْلِهِ فِي الْحَثِّ: إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَعَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ وَفِي الْمَنْعِ إنْ فَعَلْتُهُ فَعَلَيَّ ذَلِكَ وَفِي تَحْقِيقِ الْخَبَرِ: إنْ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ كَمَا قُلْتُهُ فَعَلَيَّ عِتْقٌ بِخِلَافِ نَذْرِ التَّبَرُّرِ. فَإِنَّهُ الْتِزَامُ قُرْبَةٍ بِلَا تَعْلِيقٍ أَوْ مُعَلَّقَةٍ عَلَى تَجْدِيدِ نِعْمَةٍ أَوْ انْدِفَاعِ نِقْمَةٍ كَقَوْلِهِ: إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ فَالْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ مَحْبُوبٌ وَالْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ مَبْغُوضٌ. اهـ. م د. قَوْلُهُ: (لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ) أَيْ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ فِي الصُّورَتَيْنِ.

قَوْلُهُ: (قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ) ضَعِيفٌ.
قَوْلُهُ: (وَالثَّانِيَةُ مُنْعَقِدَةٌ) وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الِانْعِقَادِ مُطْلَقًا.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ حَلَفَ) أَيْ أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ فَسَبَقَ إلَخْ كَأَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا فَسَبَقَ لِسَانُهُ إلَى عَمْرٍو وَيُصَدَّقُ مُدَّعِي عَدَمِ قَصْدِهَا حَيْثُ لَا قَرِينَةَ بِكَذِبِهِ وَإِلَّا لَمْ يُصَدَّقْ ظَاهِرًا كَمَا لَا يُصَدَّقُ ظَاهِرًا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْإِيلَاءِ مُطْلَقًا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ ابْنُ حَجَرٍ سم. قَوْلُهُ: (وَجَعَلَ صَاحِبُ الْكَافِي) ضَعَّفَهُ م ر ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ إنْ أَرَادَ بِهِ غَيْرَ الْيَمِينِ قُبِلَ مِنْهُ ذَلِكَ وَعِبَارَتُهُ وَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَافِي مِنْ أَنَّ مِنْ ذَلِكَ أَيْ مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ مَا لَوْ دَخَلَ عَلَى صَاحِبِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَقُومَ لَهُ فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا تَقُومُ لِي فَقَامَ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّهُ إنْ قَصَدَ بِهِ الْيَمِينَ فَوَاضِحٌ حِنْثُهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْيَمِينَ فَعَلَى مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ: لَمْ أُرِدْ بِهِ الْيَمِينَ بَلْ الشَّفَاعَةَ.

قَوْلُهُ: (وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا) اُنْظُرْ حِكْمَةَ التَّنْبِيهِ عَلَى هَذِهِ مَعَ أَنَّهَا مَعْلُومَةٌ لَا تَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ. وَقَدْ يُقَالُ: ذَكَرَهَا تَوْطِئَةً لِمَفْهُومِهَا فَإِنَّ حُكْمَهُ فِيهِ تَفْصِيلٌ بَيْنَ الْفِعْلِ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا فَيَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ.
قَوْلُهُ: (بِوِلَايَةٍ أَوْ وَكَالَةٍ) الْمُرَادُ أَنَّهُ بَاعَ مَالَ مُوَلِّيهِ أَوْ مُوَكِّلِهِ أَوْ اشْتَرَى بِهِ.
قَوْلُهُ: (لَمْ يَحْنَثْ) وَحُكْمُ الْيَمِينِ بَاقٍ حَتَّى لَوْ أَتَى بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ عَامِدًا حَنِثَ وَإِنْ قَالَ لَا أُفَارِقُ غَرِيمِي أَيْ حَتَّى يُوفِيَنِي فَهَرَبَ مِنْهُ أَيْ قَبْلَ الْوَفَاءِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَارِقْهُ وَسَوَاءٌ أَمْكَنَهُ اتِّبَاعُهُ أَوْ إمْسَاكُهُ فَلَمْ يَفْعَلْ أَمْ لَا فِي الْأَصَحِّ وَكَذَا لَوْ فَارَقَهُ بِإِذْنِهِ عَلَى الْأَصَحِّ خِلَافًا لِابْنِ كَجٍّ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ الشَّيْخِ وَالْمَاوَرْدِيِّ حَيْثُ قَيَّدَ الْمَسْأَلَةَ بِالْهَرَبِ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا صَوَّرَهَا بِالْفِرَارِ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ وَالْمُرَادُ بِالْمُفَارَقَةِ هُنَا مَا يَقْطَعُ خِيَارَ الْمَجْلِسِ. اهـ. شَرْحُ التَّنْبِيهِ لِابْنِ الْمُلَقِّنِ.

(4/362)


عَالِمًا مُخْتَارًا حَنِثَ أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ مُكْرَهًا لَمْ يَحْنَثْ؛ وَمِنْ صُوَرِ الْفِعْلِ جَاهِلًا أَنْ يَدْخُلَ دَارًا لَا يَعْرِفُ أَنَّهَا الْمَحْلُوفُ عَلَيْهَا، أَوْ حَلَفَ لَا يُسَلِّمُ عَلَى زَيْدٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فِي ظُلْمَةٍ وَلَا يَعْرِفُ أَنَّهُ زَيْدٌ قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ.

تَنْبِيهٌ: مُطْلَقُ الْحَلِفِ عَلَى الْعُقُودِ يُنَزَّلُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْهَا فَلَا يَحْنَثُ بِالْفَاسِدِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَمْ يُخَالِفْ الشَّافِعِيُّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ مَا إذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي النِّكَاحِ فَنَكَحَ فَاسِدًا فَإِنَّهُ أَوْجَبَ فِيهَا الْمَهْرَ، كَمَا يَجِبُ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَكَذَا الْعِبَادَاتُ لَا يُسْتَثْنَى مِنْهَا إلَّا الْحَجُّ الْفَاسِدُ. فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِهِ وَلَوْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى مَا لَا يَقْبَلُهُ كَأَنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ الْخَمْرَ وَلَا الْمُسْتَوْلَدَةَ ثُمَّ أَتَى بِصُورَةِ الْبَيْعِ، فَإِنْ قَصَدَ التَّلَفُّظَ بِلَفْظِ الْعَقْدِ مُضَافًا إلَى مَا ذَكَرَهُ حَنِثَ وَإِنْ أَطْلَقَ فَلَا. (وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا) كَأَنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُ مُوَلِّيَتَهُ أَوْ لَا يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ أَوْ لَا يُعْتِقُ عَبْدَهُ أَوْ لَا يَضْرِبُ غُلَامَهُ. (فَأَمَرَ غَيْرَهُ) بِفِعْلِهِ (فَفَعَلَهُ) وَكِيلُهُ. وَلَوْ مَعَ حُضُورِهِ (لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ وَلَمْ يَفْعَلْ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْحَالِفُ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، وَهُوَ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ فَيَحْنَثُ بِفِعْلِ وَكِيلِهِ فِيمَا ذُكِرَ عَمَلًا بِإِرَادَتِهِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ وَلَا يُوَكِّلُ وَكَانَ وَكَّلَ قَبْلَ ذَلِكَ بِبَيْعِ مَالِهِ فَبَاعَ الْوَكِيلُ بَعْدَ يَمِينِهِ بِالْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ فَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْيَمِينِ لَمْ يُبَاشِرْ وَلَمْ يُوَكِّلْ وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ أَنْ لَا تَخْرُجَ إلَّا بِإِذْنِهِ. وَكَانَ أَذِنَ لَهَا قَبْلَ ذَلِكَ فِي الْخُرُوجِ إلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ فَخَرَجَتْ إلَيْهِ بَعْدَ الْيَمِينِ لَمْ يَحْنَثْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُعْتِقُ عَبْدَهُ فَكَاتَبَهُ وَعَتَقَ بِالْأَدَاءِ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ. وَأَقَرَّاهُ وَإِنْ صَوَّبَ فِي الْمُهِمَّاتِ الْحِنْثَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَنْكِحُ حَنِثَ بِعَقْدِ وَكِيلِهِ لَهُ لَا بِقَبُولِ الْحَالِفِ النِّكَاحَ لِغَيْرِهِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي النِّكَاحِ سَفِيرٌ مَحْضٌ، وَلِهَذَا يَجِبُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
فَرْعٌ: حَلَفَ بِاَللَّهِ لَا يَأْكُلُ كَذَا فَابْتَلَعَهُ حَنِثَ سَوَاءٌ مَضَغَهُ أَمْ لَا وَهَذَا بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ بِالْبَلْعِ مِنْ غَيْرِ مَضْغٍ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعُرْفُ يَعُدُّ الْبَالِعَ آكِلًا وَلِهَذَا يُقَالُ فُلَانٌ يَأْكُلُ الْحَشِيشَةَ وَالْبَرْشَ مَعَ أَنَّهُ يَبْلَعُهُمَا ابْتِدَاءً وَالطَّلَاقُ مَبْنِيٌّ عَلَى اتِّبَاعِ اللَّفْظِ. اهـ. ز ي وَلَوْ حَلَفَ لَا يُسَافِرُ بَحْرًا شَمِلَ ذَلِكَ النَّهْرَ الْعَظِيمَ. كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ فَقَدْ صَرَّحَ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ. بِأَنَّهُ يُسَمَّى بَحْرًا فَإِنْ حَلَفَ لَيُسَافِرَنَّ بَرًّا بِقَصِيرِ السَّفَرِ وَالْأَقْرَبُ الِاكْتِفَاءُ بِوُصُولِهِ مَحَلًّا يَتَرَخَّصُ مِنْهُ الْمُسَافِرُ وَإِنَّمَا قَيَّدُوا ذَلِكَ بِمَا يَتَنَقَّلُ فِيهِ الْمُسَافِرُ عَلَى الدَّابَّةِ بِأَنَّ ذَلِكَ رُخْصَةٌ تُجَوِّزُهَا الْحَاجَةُ وَلَا حَاجَةَ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ اهـ م ر.

قَوْلُهُ: (هَذِهِ الْقَاعِدَةُ) وَهِيَ أَنَّ مُطْلَقَ الْعُقُودِ يُنَزَّلُ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهَا الشَّارِحُ بِعِنْوَانِ الْقَاعِدَةِ شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (إلَّا فِي الْمَسْأَلَةِ) فِيهِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الْحَلِفِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ وَقَالَ ق ل قَوْلُهُ: إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الْحَلِفِ وَالْمَهْرُ وَجَبَ بِالْوَطْءِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أُذِنَ مِنْ السَّيِّدِ اهـ فَهِيَ دَخِيلَةٌ هُنَا.
قَوْلُهُ: (أَوْجَبَ فِيهَا الْمَهْرَ) أَيْ فِي كَسْبِهِ.
قَوْلُهُ: (الْعِبَادَاتُ) بِأَنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُصَلِّي أَوْ لَا أَحُجُّ.
قَوْلُهُ: (الْفَاسِدُ) أَيْ ابْتِدَاءً أَوْ دَوَامًا م ر.
قَوْلُهُ: (لَمْ يَحْنَثْ) ضَعِيفٌ فِي الْأُولَى وَهِيَ مَا إذَا حَلَفَ أَنْ لَا يُزَوِّجَ مُوَلِّيَتَهُ إلَخْ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ يَمْنَعُ مِنْ الْحِنْثِ إلَّا التَّوْكِيلُ فِي الزَّوَاجِ.
قَوْلُهُ: (لَمْ يَحْنَثْ) اعْتَمَدَ م ر الْحِنْثَ وَاعْتَمَدَ فِيمَا قَبْلَهَا عَدَمَ الْحِنْثِ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْإِذْنَ فِي قَوْلِهِ: لَا تَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِ مَعْنَاهُ الْإِذْنُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَصَارَ مَانِعًا لَهَا مِنْ الْخُرُوجِ بِدُونِ إذْنٍ جَدِيدٍ كَمَا أَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ لَا يَبِيعُ وَلَا يُوَكِّلُ لَا يَحْنَثُ بِبَيْعِ وَكِيلِهِ بِوَكَالَةٍ سَابِقَةٍ لِعَدَمِ وَكَالَةٍ جَدِيدَةٍ لِأَنَّهَا الْمَحْلُوفُ عَلَيْهَا دُونَ السَّابِقَةِ م د.
قَوْلُهُ: (فَكَاتَبَهُ) أَيْ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ حَلَفَ لَا يَنْكِحُ) هَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِ الْمَتْنِ: وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَفَعَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ فَكَأَنَّهُ قَالَ: فِعْلُ الْغَيْرِ لَا يَحْنَثُ بِهِ إلَّا فِي النِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِيهِمَا.
قَوْلُهُ: (حَنِثَ بِعَقْدِ وَكِيلِهِ) أَيْ مَا لَمْ يَقْصِدْ أَنَّهُ يَتَعَاطَى الْعَقْدَ بِنَفْسِهِ فَإِنْ قَصَدَ ذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ بِفِعْلِ وَكِيلِهِ نَعَمْ إنْ نَوَى بِالنِّكَاحِ الْوَطْءَ لَمْ يَحْنَثْ بِعَقْدِ وَكِيلِهِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمَجَازَ يَتَقَوَّى بِالنِّيَّةِ شَرْحُ م ر أج. فَرْعٌ: حَلَفَ لَا يَطَأُ فُلَانَةَ فَوَطِئَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ لَمْ يَحْنَثْ عَلَى الْأَوْجَهِ لِابْنِ الْمُلَقِّنِ

(4/363)


تَسْمِيَةُ الْمُوَكِّلِ وَهَذَا مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمِنْهَاجِ تَبَعًا لِأَصْلِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَصَحَّحَ فِي التَّنْبِيهِ عَدَمَ الْحِنْثِ وَأَقَرَّهُ النَّوَوِيُّ عَلَيْهِ فِي تَصْحِيحِهِ. وَصَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ فِي تَصْحِيحِ الْمِنْهَاجِ نَاقِلًا لَهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ، وَقَالَ: إنَّ مَا فِي الْمِنْهَاجِ مِنْ الْحِنْثِ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَلِقَاعِدَتِهِ وَلِلدَّلِيلِ وَلِمَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ. وَيَجْرِي هَذَا الْخِلَافُ فِي التَّوْكِيلِ فِي الرَّجْعَةِ فِيمَا إذَا حَلَفَ أَنَّهُ لَا يُرَاجِعُهَا فَوَكَّلَ مَنْ يُرَاجِعُهَا.

فُرُوعٌ: لَوْ حَلَفَتْ الْمَرْأَةُ بِأَنْ لَا تَتَزَوَّجَ فَعَقَدَ عَلَيْهَا وَلِيُّهَا نُظِرَ إنْ كَانَتْ مُجْبَرَةً فَعَلَى قَوْلَيْ الْمُكْرَهِ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُجْبَرَةٍ وَأَذِنَتْ فِي التَّزْوِيجِ فَزَوَّجَهَا الْوَلِيُّ، فَهُوَ كَمَا لَوْ أَذِنَ الزَّوْجُ، لِمَنْ يُزَوِّجُهُ وَلَوْ حَلَفَ الْأَمِيرُ لَا يَضْرِبُ زَيْدًا فَأَمَرَ الْجَلَّادَ بِضَرْبِهِ فَضَرَبَهُ لَمْ يَحْنَثْ أَوْ حَلَفَ لَا يَبْنِي بَيْتَهُ فَأَمَرَ الْبَنَّاءَ بِبِنَائِهِ فَبَنَاهُ. فَكَذَلِكَ أَوْ لَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ، فَأَمَرَ حَلَّاقًا فَحَلَقَهُ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي لِعَدَمِ فِعْلِهِ وَقِيلَ: يَحْنَثُ لِلْعُرْفِ وَجَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ مِنْ شَرْحَيْهِ وَصَحَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ، أَوْ لَا يَبِيعُ مَالَ زَيْدٍ فَبَاعَهُ بَيْعًا صَحِيحًا بِأَنْ بَاعَهُ بِإِذْنِهِ أَوْ لِظَفَرٍ بِهِ أَوْ إذْنَ حَاكِمٍ، لِحَجْرٍ أَوْ امْتِنَاعٍ أَوْ إذْنِ وَلِيٍّ لِصِغَرٍ أَوْ لِحَجْرٍ أَوْ جُنُونٍ حَنِثَ لِصِدْقِ اسْمِ الْبَيْعِ بِمَا ذُكِرَ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ لِي زَيْدٌ مَالًا فَبَاعَهُ زَيْدٌ حَنِثَ الْحَالِفُ سَوَاءٌ أَعَلِمَ زَيْدٌ أَنَّهُ مَالُ الْحَالِفِ أَمْ لَا لِأَنَّ الْيَمِينَ مُنْعَقِدَةٌ عَلَى نَفْيِ فِعْلِ زَيْدٍ وَقَدْ فَعَلَ بِاخْتِيَارِهِ، وَالْجَهْلُ أَوْ النِّسْيَانُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الْمُبَاشِرِ لِلْفِعْلِ لَا فِي غَيْرِهِ، وَوَقْتُ الْغَدَاءِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الزَّوَالِ، وَوَقْتُ الْعِشَاءِ مِنْ الزَّوَالِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ وَقَدْرُهُمَا أَنْ يَأْكُلَ فَوْقَ نِصْفِ الشِّبَعِ، وَوَقْتُ السُّحُورِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ

وَلَوْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
فَرْعٌ: حَلَفَ لَا يَكْتُبُ بِهَذَا الْقَلَمِ فَكَسَرَهُ ثُمَّ بَرَاهُ وَكَتَبَ بِهِ لَمْ يَحْنَثْ قَالَهُ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَادَّعَى الرَّافِعِيُّ أَنَّ أُصُولَنَا تُخَالِفُهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ لِأَنَّ الْقَلَمَ اسْمٌ لِلْمَبْرِيِّ دُونَ الْقَصَبَةِ وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ الْقَصَبَةُ قَبْلَ الْبَرْيِ قَلَمًا مَجَازًا لَا حَقِيقَةً.
فَرْعٌ: قَالَ الدَّمِيرِيُّ: فِي رَجُلٍ لَهُ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ فَقَالَ: إنْ لَمْ أَقْبِضْ مِنْك الْيَوْمَ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، فَقَالَ صَاحِبُهُ: إنْ أَعْطَيْتُك الْيَوْمَ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ. طَرِيقُهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ صَاحِبُهُ جَبْرًا عَلَيْهِ فَلَا يَحْنَثَانِ اهـ خ ض.
قَوْلُهُ: (سَفِيرٌ) أَيْ وَاسِطَةٌ وَقَوْلُهُ: مَحْضٌ أَيْ خَالِصٌ لَا يَقَعُ الْعَقْدُ لَهُ أَصْلًا.
قَوْلُهُ: (لِمُقْتَضَى نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ) أَيْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يَحْنَثُ بِعَقْدِ وَكِيلِهِ أَخْذًا بِعُمُومِ كَوْنِ الْحَلِفِ لَا يَشْمَلُ فِعْلَ الْغَيْرِ. وَقَوْلُهُ: وَلِقَاعِدَتِهِ أَيْ الَّتِي فِي الْمَتْنِ وَقَوْلُهُ: وَلِلدَّلِيلِ هُوَ قَوْلُ الشَّارِحِ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَلَمْ يَفْعَلْ.
قَوْلُهُ: (فَوَكَّلَ مَنْ يُرَاجِعُهَا) أَيْ سَوَاءٌ قُلْنَا الرَّجْعَةُ ابْتِدَاءُ نِكَاحٍ أَمْ اسْتِدَامَةٌ. فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَحْنَثُ.

قَوْلُهُ: (فُرُوعٌ) أَيْ أَحَدَ عَشَرَ وَغَالِبُهَا مِنْ قَبِيلِ مَنْطُوقِ كَلَامِ الْمَتْنِ.
قَوْلُهُ: (فَعَلَى قَوْلَيْ الْمُكْرَهِ) أَيْ فَالْحِنْثُ وَعَدَمُهُ مَبْنِيَّانِ عَلَى قَوْلَيْ الْمُكْرَهِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْمُكْرَهِ إذَا أُكْرِهَ، عَلَى الْحِنْثِ أَمَّا إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْحَلِفِ ثُمَّ فَعَلَ لَا يَحْنَثُ قَوْلًا وَاحِدًا لِعَدَمِ انْعِقَادِ الْيَمِينِ وَهَذَا هُوَ الْفَرْعُ الْأَوَّلُ وَقَوْلُهُ: وَلَوْ حَلَفَ الْأَمِيرُ هُوَ الثَّانِي وَقَوْلُهُ: وَلَوْ حَلَفَ لَا يَبْنِي هُوَ الثَّالِثُ وَقَوْلُهُ: أَوْ لَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ هُوَ الرَّابِعُ. وَقَوْلُهُ: أَوْ لَا يَبِيعُ هُوَ الْخَامِسُ. وَقَوْلُهُ: وَلَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ مَالَ زَيْدٍ هُوَ السَّادِسُ. وَقَوْلُهُ: وَوَقْتُ الْغَدَاءِ سَابِعٌ. وَوَقْتُ الْعِشَاءِ ثَامِنٌ. وَقَدْرُهُمَا أَنْ لَا يَأْكُلَ تَاسِعٌ. وَقَوْلُهُ: وَوَقْتُ السُّحُورِ عَاشِرٌ. وَقَوْلُهُ: وَلَوْ حَلَفَ إلَخْ الْحَادِيَ عَشَرَ.
قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ أَذِنَ الزَّوْجُ) أَيْ فَيَحْنَثُ. قَوْلُهُ: (فَأَمَرَ الْبَنَّاءَ بِبِنَائِهِ إلَخْ) كُلُّ هَذَا دَاخِلٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.
قَوْلُهُ: (لِي) صِفَةٌ لَمَالًا أَيْ لَا يَبِيعُ زَيْدٌ مَالًا كَائِنًا لِي.
قَوْلُهُ: (إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الْمُبَاشِرِ إلَخْ) أَيْ فِي الْحَالِفِ الْمُبَاشِرِ إلَخْ وَفِيهِ: أَنَّهُمَا اعْتَبَرَا فِي الَّذِي يُبَالِي بِتَعْلِيقِهِ كَمَا ذَكَرَهُ: فِي الطَّلَاقِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. قَالَ: وَمَحَلُّ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَقْصِدْ مَنْعَ زَيْدٍ فَإِنْ قَصَدَ مَنْعَهُ فَيَأْتِي فِيهِ التَّفْصِيلُ الْمَارُّ فِي الطَّلَاقِ اهـ. أَيْ مِنْ كَوْنِ زَيْدٍ يُبَالِي بِحِنْثِهِ وَكَوْنِهِ قَصَدَ إعْلَامَهُ أَوْ لَا.
قَوْلُهُ: (وَوَقْتُ

(4/364)


حَلَفَ لَيُثْنِيَنَّ عَلَى اللَّهِ أَحْسَنَ الثَّنَاءِ وَأَعْظَمَهُ أَوْ أَجَلَّهُ. فَلْيَقُلْ: " لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك " أَوْ لَيَحْمَدَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بِمَجَامِعِ الْحَمْدِ أَوْ بِأَجَلِّ التَّحَامِيدِ فَلْيَقُلْ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ " وَهُنَا فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ ذَكَرْتهَا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ لَا يَحْتَمِلُهَا هَذَا الْمُخْتَصَرُ وَفِيمَا ذَكَرْته كِفَايَةً لِأُولِي الْأَلْبَابِ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي صِفَةِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَاخْتَصَّتْ مِنْ بَيْنِ الْكَفَّارَاتِ بِكَوْنِهَا مُخَيَّرَةً فِي الِابْتِدَاءِ مُرَتَّبَةً فِي الِانْتِهَاءِ وَالصَّحِيحُ فِي سَبَبِ وُجُوبِهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ الْحِنْثُ وَالْيَمِينُ مَعًا فَقَالَ: (وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ هُوَ) أَيْ الْمُكَفِّرُ الْحُرُّ الرَّشِيدُ وَلَوْ كَافِرًا (مُخَيَّرٌ فِيهَا) ابْتِدَاءً (بَيْنَ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
الْغَدَاءِ إلَخْ) أَيْ فِيمَا لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَتَغَدَّى بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا إذَا شَبِعَ قَبْلَ الزَّوَالِ.

قَوْلُهُ: (لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك) أَيْ لَا أَقْدِرُ عَلَى إحْصَائِهِ. وَقَوْلُهُ أَنْتَ تَوْكِيدٌ لِلْكَافِ فَيَكُونُ فِي مَحَلِّ جَرٍّ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ:
وَمُضْمَرُ الرَّفْعِ الَّذِي قَدْ انْفَصَلْ ... أَكِّدْ بِهِ كُلَّ ضَمِيرٍ اتَّصَلْ
فَقَوْلُهُ: كَمَا أَثْنَيْت الْكَافَ بِمَعْنَى مِثْلُ وَهِيَ صِفَةٌ لِثَنَاءٍ وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ مُؤَوَّلَةٌ مَعَ مَدْخُولِهَا بِمَصْدَرٍ أَيْ مِثْلُ ثَنَائِك عَلَى نَفْسِك وَإِذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى إحْصَائِهِ فَلَا يُطِيقُهُ وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ: لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَيْ لَا أُطِيقُ ثَنَاءً وَلَا أَضْبِطُ ثَنَاءً عَلَيْك بِمَعْنَى لَا أَقْدِرُ عَلَى ثَنَاءٍ عَلَيْك وَالتَّنْوِينُ فِي ثَنَاءً لِلتَّنْوِيعِ أَيْ نَوْعًا مَخْصُوصًا مِنْ الثَّنَاءِ وَهُوَ الَّذِي يَلِيقُ بِك وَمَا فِي كَمَا مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ لِثَنَائِك عَلَى نَفْسِك أَوْ مَوْصُولَةٌ أَيْ ثَنَاءً بِمَعْنَى الْمَثْنِيِّ بِهِ أَيْ كَاَلَّذِي أَثْنَيْت بِهِ عَلَى نَفْسِك فِي كَوْنِهِ قَطْعِيًّا تَفْصِيلِيًّا غَيْرَ مُتَنَاهٍ أَوْ مَوْصُوفَةٌ أَيْ مِثْلُ ثَنَاءٍ أَثْنَيْت بِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (فَلْيَقُلْ) : رُوِيَ " أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَّمَهُ لِآدَمَ وَقَالَ عَلَّمْتُك مَجَامِعَ الْحَمْدِ " قَوْلُهُ: (حَمْدًا) : مَعْمُولٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ حَمِدْتُ حَمْدًا وَلَيْسَ مَعْمُولًا لِلْحَمْدِ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ لَا يُخْبَرُ عَنْهُ قَبْلَ مَعْمُولِهِ. وَقَوْلُهُ: يُوَافِي نِعَمَهُ أَيْ يُقَابِلُهَا بِحَيْثُ يَكُونُ بِقَدْرِهَا فَلَا تَقَعُ نِعْمَةٌ إلَّا مُقَابِلَةً لِهَذَا الْحَمْدِ بِحَيْثُ يَكُونُ الْحَمْدُ بِإِزَاءِ جَمِيعِ النِّعَمِ. وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ. بِحَسَبِ مَا تَرَجَّاهُ وَإِلَّا فَكُلُّ نِعْمَةٍ تَحْتَاجُ إلَى حَمْدٍ مُسْتَقِلٍّ أَوْ يَجْعَلُ التَّنْوِينَ فِي حَمْدًا لِلتَّكْثِيرِ وَقَوْلُهُ: وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ أَيْ يُسَاوِي النِّعَمَ الزَّائِدَةَ مِنْ اللَّهِ. وَالْمَزِيدُ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ مِنْ زَادَهُ اللَّهُ النِّعَمَ وَالضَّمِيرُ لِلَّهِ أَيْ مَزِيدُ اللَّهِ لِلنِّعَمِ؛ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَتَرَجَّى أَنْ يَكُونَ الْحَمْدُ الَّذِي أَتَى بِهِ مُوفِيًا بِحَقِّ النِّعَمِ الْحَاصِلَةِ بِالْفِعْلِ وَمُسَاوِيًا لِمَا يَزِيدُ مِنْهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِأَنَّ الْمُكَافَأَةَ الْمُسَاوَاةُ اهـ وَلَوْ حَلَفَ لِيُصَلِّيَن عَلَيْهِ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ بَرَّ بِالصِّيغَةِ الَّتِي فِي الصَّلَاةِ الْإِبْرَاهِيمِيَّة. وَاسْتُشْكِلَ بِعَدَمِ اشْتِمَالِهَا عَلَى السَّلَامِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا الْتَزَمَ الصَّلَاةَ م د.
فَرْعٌ: مَنْ صَلَّى فِي فَضَاءٍ مِنْ الْأَرْضِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَكَانَ مُنْفَرِدًا وَحَلَفَ أَنَّهُ صَلَّى بِالْجَمَاعَةِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «مَنْ أَذَّنَ وَأَقَامَ فِي فَضَاءٍ مِنْ الْأَرْضِ وَصَلَّى وَحْدَهُ صَلَّتْ الْمَلَائِكَةُ خَلْفَهُ صُفُوفًا» فَإِذَا حَلَفَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى لَا يَحْنَثُ.
فَرْعٌ: حَلَفَ لَا يُصَلِّي لَا يَحْنَثُ بِالْجِنَازَةِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَعْهُودَةٍ قَالَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ شَرْحِ التَّنْبِيهِ.
فَرْعٌ: وَلَوْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ مَثَلًا كَأَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ الدَّارَ فَسَأَلَ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ فَقَالَ لَهُ: إذَا طَلَعْت مِنْ الْحَائِطِ لَا تَحْنَثُ، لِجَهْلِ الْمَسْئُولِ فَتَسَوَّرَ مِنْ الْحَائِطِ لَمْ يَحْنَثْ بِمَا فَعَلَهُ قَبْلَ الْعِلْمِ لِاعْتِمَادِهِ عَلَى قَوْلِ الْمُخْبِرِ. اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ وَفِي الْمَنْهَجِ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الدَّارَ حَنِثَ بِدُخُولِهِ، دَاخِلَ بَابِهَا حَتَّى دِهْلِيزِهَا. وَلَوْ بِرِجْلِهِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهَا فَقَطْ لَا بِصُعُودِ سَطْحٍ مِنْ خَارِجِ الدَّارِ وَلَوْ مَحُوطًا لَمْ يُسَقَّفْ اهـ وَصُورَةُ السَّطْحِ أَنْ يَكُونَ لَهُ دَرَجٌ يَصْعَدُ عَلَيْهَا لَهُ خَارِجَ الدَّارِ. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ.

قَوْلُهُ: (وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ) مِنْ الْكَفْرِ بِفَتْحِ الْكَافِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَهُوَ السَّتْرُ وَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ لَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى سَتْرِ جِسْمٍ بِجِسْمٍ آخَرَ فَمَا هُنَا مَجَازٌ أَوْ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَتَقَدَّمَ: أَنَّهَا جَابِرَةٌ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَزَاجِرَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِلْأَغْلَبِ. إذْ لَا إثْمَ فِي نَحْوِ الْمُبَاحِ الْمَنْدُوبِ، ثُمَّ إنْ كَانَ عَقْدَ الْيَمِينِ طَاعَةٌ فَحَلَّهَا مَعْصِيَةٌ كَأَنْ لَا يَزْنِيَ ثُمَّ زَنَى.
قَوْلُهُ:

(4/365)


فِعْلٍ وَاحِدٍ مِنْ (ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ) وَهِيَ (عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) بِلَا عَيْبٍ يُخِلُّ بِعَمَلٍ أَوْ كَسْبٍ (أَوْ إطْعَامٍ) أَيْ تَمْلِيكٍ (عَشَرَةَ مَسَاكِينَ كُلُّ مِسْكِينٍ مُدٌّ) مِنْ جِنْسِ الْفِطْرَةِ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ فِيهَا، (أَوْ كِسْوَتُهُمْ) بِمَا يُسَمَّى كِسْوَةً مِمَّا يُعْتَادُ لُبْسُهُ وَلَوْ ثَوْبًا أَوْ عِمَامَةً أَوْ إزَارًا أَوْ طَيْلَسَانًا، أَوْ مِنْدِيلًا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَعْرُوفُ الَّذِي يُحْمَلُ فِي الْيَدِ أَوْ مِقْنَعَةً أَوْ دِرْعًا مِنْ صُوفٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
الْحُرُّ) أَيْ كُلُّهُ لِأَنَّ الْمُبَعَّضَ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْخَصْلَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ فَقَطْ.
قَوْلُهُ: (مُخَيَّرٌ فِيهَا ابْتِدَاءً) قَالَ الْعَلَّامَةُ خَالِدٌ فِي شَرْحِ الْأَزْهَرِيَّةِ: وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْجَمِيعِ عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّ الْجَمِيعَ هُوَ الْوَاجِبُ فِي الْكَفَّارَةِ اهـ. وَكَتَبَ عَلَيْهِ الشَّنَوَانِيُّ قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ فِيهِ نَظَرٌ وَمَا الْمَانِعُ مِنْ جَوَازِ الْجَمْعِ وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ إذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا مَعَ الِاعْتِقَادِ الْمَذْكُورِ أَوْ عَدَمِهِ وَقَعَ وَاحِدٌ مِنْهَا كَفَّارَةً فَقَطْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي التَّمْهِيدِ: لَوْ أَتَى بِخِصَالِ الْكَفَّارَةِ كُلِّهَا أُثِيبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا لَكِنَّ ثَوَابَ الْوَاجِبِ: أَكْثَرُ مِنْ ثَوَابِ التَّطَوُّعِ. وَلَا يَحْصُلُ ثَوَابُ الْوَاجِبِ إلَّا عَلَى أَعْلَاهَا إنْ تَفَاوَتَتْ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ يَحْصُلُ لَهُ ذَلِكَ. فَإِضَافَةُ غَيْرِهِ إلَيْهِ لَا تَنْقُصُهُ، وَإِنْ تَسَاوَتْ فَعَلَى أَحَدِهَا وَإِنْ تَرَكَ الْجَمِيعَ عُوقِبَ عَلَى أَقَلِّهَا. لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لَأَجْزَأَ ذَكَرَهُ ابْنُ التِّلِمْسَانِيِّ فِي شَرْحِ الْمَعَالِمِ وَهُوَ حَسَنٌ اهـ. أَقُولُ: وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ وُقُوعِ وَاحِدٍ مِنْهَا كَفَّارَةً هُوَ مُسَلَّمٌ. وَلَيْسَ هُوَ مَحَلُّ الْكَلَامِ فِيمَا لَوْ أَخْرَجَهَا مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّ الْجَمِيعَ كَفَّارَةٌ وَاجِبَةٌ. وَهُوَ حَرَامٌ لِاعْتِقَادِ مَا لَيْسَ وَاجِبًا وَاجِبًا كَمَا لَوْ صَلَّى زِيَادَةً عَلَى الرَّوَاتِبِ مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّهَا مَطْلُوبَةٌ لِلشَّارِعِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (فِعْلٍ وَاحِدٍ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ وَإِبْقَاءُ الْمَتْنِ عَلَى حَالِهِ لِأَنَّ بَيْنَ لَا تُضَافُ إلَّا إلَى مُتَعَدِّدٍ.
قَوْلُهُ: (عِتْقُ رَقَبَةٍ) وَهُوَ أَفْضَلُهَا وَلَوْ فِي زَمَنِ الْغَلَاءِ وَبَحَثَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الْإِطْعَامَ فِي زَمَنِ الْغَلَاءِ أَفْضَلُ. ز ي وَشَرْحُ م ر. وَكَانَ الْأَوْلَى: أَنْ يُعَبِّرَ بِإِعْتَاقٍ بَدَلَ عِتْقٍ كَمَا عَبَّرَ بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي الْمَنْهَجِ قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: وَلَمْ يَقُلْ عَتَقَ لِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ فَنَوَاهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ لَمْ يَجُزْ اهـ.
قَوْلُهُ: (كُلَّ مِسْكِينٍ) أَيْ نَصِيبُ كُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ.
قَوْلُهُ: (مِنْ جِنْسِ الْفِطْرَةِ) أَيْ وَيَكُونُ مِنْ غَالِبِ قُوتِ بَلَدِ الْحَالِفِ وَإِنْ كَانَ الْمُكَفِّرُ غَيْرَهُ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ. وَالْمُرَادُ غَالِبُ قُوتِ السَّنَةِ ز ي. وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْمُكَفِّرُ غَيْرَهُ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ أَيْ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِقُوتِ بَلَدِ الْمُؤَدَّى عَنْهُ حَجّ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَوْطِنًا بِبَلَدٍ فَأَيُّ بَلَدٍ أَخْرَجَ مِنْ قُوتِهَا أَجْزَأَ ز ي وَعِبَارَةُ م ر مِنْ غَالِبِ قُوتِ بَلَدِهِ أَيْ الْمُكَفِّرِ فَلَوْ أُذِنَ لِأَجْنَبِيٍّ فِي أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ اُعْتُبِرَ بَلَدُ الْمَأْذُونِ لَهُ لَا الْآذِنِ فِيمَا يَظْهَرُ وَلَا يُنَافِيهِ أَنَّ قِيَاسَ مَا فِي الْفِطْرَةِ اعْتِبَارُ بَلَدِ الْمُكَفَّرِ عَنْهُ لِأَنَّ تِلْكَ طُهْرَةٌ لِلْبَدَنِ فَاعْتُبِرَ بَلَدُهُ وَلَا كَذَلِكَ هَذَا وَالْأَوْجَهُ اعْتِبَارُ بَلَدِ الْآذِنِ كَالْفِطْرَةِ.
قَوْلُهُ: (بِمَا يُسَمَّى كِسْوَةً) وَلَوْ مُتَنَجِّسًا أَوْ مِنْ جِلْدٍ أَوْ لِبَدٍ أَوْ فَرْوَةٍ حَيْثُ اُعْتِيدَ لُبْسُهُ بِأَنْ يُعْطِيَهُمْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ وَإِنْ فَاوَتَ بَيْنَهُمْ فِي الْكِسْوَةِ شَرْحُ م ر.
وَأَوْجَبَ الْإِمَامُ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، سَاتِرَ الْعَوْرَةِ ق ل، وَقَوْلُهُ: وَلَوْ مُتَنَجِّسًا لَكِنْ يَلْزَمُهُ إعْلَامُهُمْ بِهِ لِئَلَّا يُصَلُّوا فِيهِ. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ أَعْطَى غَيْرَهُ مِلْكًا أَوْ عَارِيَّةً مَثَلًا ثَوْبًا مَثَلًا بِهِ نَجَاسَةٌ خَفِيَّةٌ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهَا بِالنِّسْبَةِ لِاعْتِقَادِ الْآخِذِ عَلَيْهِ إعْلَامُهُ بِهَا حَذَرًا مِنْ أَنْ يُوقِعَهُ فِي صَلَاةٍ فَاسِدَةٍ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ: مَنْ رَأَى مُصَلِّيًا بِهِ نَجَسٌ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهُ أَيْ عِنْدَهُ لَزِمَهُ إعْلَامُهُ بِهِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ طَيْلَسَانًا) : وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا يُغَطَّى بِهِ الرَّأْسُ مَعَ أَكْثَرِ الْوَجْهِ إنْ كَانَ مَعَهُ تَحْنِيكٌ أَيْ إدَارَةٌ عَلَى الْعُنُقِ قِيلَ لَهُ طَيْلَسَانٌ وَرُبَّمَا قِيلَ لَهُ: رِدَاءٌ مَجَازًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ تَحْنِيكٌ قِيلَ لَهُ: رِدَاءٌ وَقِنَاعٌ وَرُبَّمَا قِيلَ لَهُ مَجَازًا طَيْلَسَانٌ وَهُوَ مَا كَانَ شِعَارًا فِي الْقَدِيمِ لِقَاضِي الْقُضَاةِ الشَّافِعِيِّ خَاصَّةً قَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ صَارَ شِعَارًا لِلْعُلَمَاءِ وَمِنْ ثَمَّ صَارَ لُبْسُهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ مِنْ الْمَشَايِخِ كَالْإِفْتَاءِ وَالتَّدْرِيسِ فَكَانَ الشَّيْخُ يَكْتُبُ فِي إجَازَتِهِ وَقَدْ أَذِنْت لَهُ فِي لُبْسِ الطَّيْلَسَانِ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ بِالْأَهْلِيَّةِ وَمَا يُجْعَلُ عَلَى الْأَكْتَافِ دُونَ الرَّأْسِ يُقَالُ لَهُ: رِدَاءٌ فَقَطْ وَرُبَّمَا قِيلَ لَهُ: طَيْلَسَانٌ أَيْضًا مَجَازًا وَصَحَّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ «التَّقَنُّعُ مِنْ أَخْلَاقِ الْأَنْبِيَاءِ» . وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الطَّيْلَسَانَ الْخَلْوَةُ الصُّغْرَى وَفِي حَدِيثٍ «لَا يُقَنَّعُ إلَّا مَنْ اسْتَكْمَلَ الْحِكْمَةَ فِي قَوْلِهِ وَفَعَلَهُ» وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ عَادَةِ فُرْسَانِ الْعَرَبِ فِي الْمَوَاسِمِ وَالْجُمُوعِ كَالْأَسْوَاقِ. وَأَوَّلُ مَنْ لَبِسَ الطَّيْلَسَانَ بِالْمَدِينَةِ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ

(4/366)


أَوْ غَيْرِهِ. وَهُوَ قَمِيصٌ لَا كُمَّ لَهُ أَوْ مَلْبُوسًا لَمْ تَذْهَبْ قُوَّتُهُ، أَوْ لَمْ يَصْلُحْ لِلْمَدْفُوعِ لَهُ، كَقَمِيصِ صَغِيرٍ لِكَبِيرٍ لَا يَصْلُحُ لَهُ وَيَجُوزُ قُطْنٌ وَكَتَّانٌ وَحَرِيرٌ وَشَعْرٌ وَصُوفٌ مَنْسُوجٌ كُلٌّ مِنْهَا لِامْرَأَةٍ وَرَجُلٍ لِوُقُوعِ اسْمِ الْكِسْوَةِ عَلَى ذَلِكَ. وَلَا يُجْزِئُ جَدِيدٌ مُهَلْهَلُ النَّسْجِ إذَا كَانَ لُبْسُهُ لَا يَدُومُ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَدُومُ لُبْسُ الثَّوْبِ الْبَالِي لِضَعْفِ النَّفْعِ بِهِ وَلَا خُفٌّ وَلَا قُفَّازَانِ وَلَا مُكَعَّبٌ وَلَا مِنْطَقَةٌ وَلَا قَلَنْسُوَةٌ وَهِيَ مَا يُغَطَّى بِهَا الرَّأْسُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُسَمَّى كِسْوَةً كَدِرْعٍ مِنْ حَدِيدٍ. وَتُجْزِئُ فَرْوَةٌ وَلَبَدٌ اُعْتِيدَ فِي الْبَلَدِ لُبْسُهُمَا وَلَا يُجْزِئُ التُّبَّانُ وَهُوَ سَرَاوِيلُ قَصِيرٌ لَا يَبْلُغُ الرُّكْبَةَ وَلَا الْخَاتَمُ وَلَا التِّكَّةُ وَالْعَرْقِيَّةُ. وَوَقَعَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ أَنَّهَا تَكْفِي وَرُدَّ بِأَنَّ الْقَلَنْسُوَةَ لَا تَكْفِي كَمَا مَرَّ وَهِيَ شَامِلَةٌ لَهَا وَيُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَى الَّتِي تُجْعَلُ تَحْتَ الْبَرْذَعَةِ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا فَهُوَ أَوْلَى مِنْ مُخَالَفَتِهِ لِلْأَصْحَابِ وَلَا يُجْزِئُ نَجِسُ الْعَيْنِ.
وَيُجْزِئُ الْمُتَنَجِّسُ وَعَلَيْهِ أَنْ يُعْلِمَهُمْ بِنَجَاسَتِهِ وَيُجْزِئُ مَا غُسِلَ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الصَّلَاحِيَّةِ، كَالطَّعَامِ الْعَتِيقِ لِانْطِلَاقِ اسْمِ الْكِسْوَةِ عَلَيْهِ وَكَوْنِهِ يُرَدُّ فِي الْبَيْعِ لَا يُؤَثِّرُ فِي مَقْصُودِهَا كَالْعَيْبِ الَّذِي لَا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ فِي الرَّقِيقِ وَيُنْدَبُ أَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ جَدِيدًا خَامًا كَانَ أَوْ مَقْصُورًا. الْآيَةَ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] وَلَوْ أَعْطَى عَشَرَةً ثَوْبًا طَوِيلًا لَمْ يُجْزِئْهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَطَعَهُ قِطَعًا قِطَعًا ثُمَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
وَعَنْ الْكِفَايَةِ لِابْنِ الرِّفْعَةِ أَنَّ تَرْكَ الطَّيْلَسَانِ لِلْفَقِيهِ مُخِلٌّ بِالْمُرُوءَةِ أَيْ وَهُوَ بِحَسَبِ مَا كَانَ فِي زَمَنِهِ اهـ مِنْ السِّيرَةِ الْحَلَبِيَّةِ وَفِي الْمُنَاوِيِّ عَلَى الْخَصَائِصِ رَوَى التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «لَيْسَ مِنَّا أَيْ مِنْ الْعَامِلِينَ بِهَدْيِنَا. وَالْجَارِينَ عَلَى مِنْهَاجِ سُنَّتِنَا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا» أَيْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي نَحْوِ مَلْبَسٍ وَهَيْئَةٍ وَمَأْكَلٍ وَمَشْرَبٍ وَكَلَامٍ وَسَلَامٍ وَتَكَهُّنٍ وَتَبَتُّلٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. «لَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَلَا بِالنَّصَارَى. فَإِنَّ تَسْلِيمَ الْيَهُودِ إشَارَةٌ بِالْأَصَابِعِ وَتَسْلِيمَ النَّصَارَى الْإِشَارَةُ بِالْأَكُفِّ» . وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذَا الْخَبَرِ وَبَيْنَ خَبَرِ «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» وَخَبَرِ «سَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً» لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا أَنَّ جِنْسَ مُخَالَفَتِهِمْ وَتَجَنُّبَ مُشَابَهَتِهِمْ أَمْرٌ مَشْرُوعٌ. وَأَنَّ الْإِنْسَانَ كُلَّمَا بَعُدَ عَنْ مُشَابَهَتِهِمْ فِيمَا لَمْ يُشْرَعْ لَنَا.
كَانَ أَبْعَدَ عَنْ الْوُقُوعِ فِي نَفْسِ الْمُشَابَهَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا قَالَ السَّمْهُودِيُّ: وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْخَبَرِ عَلَى كَرَاهَةِ لُبْسِ الطَّيْلَسَانِ لِأَنَّهُ مِنْ مَلَابِسِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَفِي مُسْلِمٍ «إنَّ الدَّجَّالَ يَتْبَعُهُ الْيَهُودُ عَلَيْهِمْ الطَّيَالِسَةُ» وَعُورِضَ بِمَا خَرَّجَهُ ابْنُ سَعْدٍ «أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الطَّيْلَسَانِ فَقَالَ هَذَا ثَوْبٌ لَا يُؤَدَّى شُكْرُهُ» وَبِأَنَّ الطَّيَالِسَةَ الْآنَ لَيْسَتْ مِنْ شِعَارِهِمْ بَلْ ارْتَفَعَ فِي زَمَانِنَا وَصَارَ دَاخِلًا فِي عُمُومِ الْمُبَاحِ وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْبِدَعِ الْمُبَاحَةِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَقَدْ يَصِيرُ مِنْ شِعَارِ قَوْمٍ فَيَصِيرُ تَرْكُهُ مُخِلًّا بِالْمُرُوءَةِ اهـ.
قَوْلُهُ: (أَوْ مِنْدِيلًا) اُنْظُرْ وَجْهَ إجْزَائِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى كِسْوَةً. وَعِبَارَةُ ح ل قَوْلُهُ: أَوْ مِنْدِيلًا أَيْ مِنْدِيلَ الْفَقِيهِ.
وَهُوَ شَدُّهُ الَّذِي يُوضَعُ عَلَى الْكَتِفِ أَوْ مَا يُجْعَلُ فِي الْيَدِ وَهُوَ الْمِنْشَفَةُ الْكَبِيرَةُ اهـ. فَقَوْلُ الشَّارِحِ: أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَيْ وَلَوْ لِبَعْضِ الْبَدَنِ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: (أَوْ مَلْبُوسًا) وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُتَخَرِّقٍ اهـ س ل، قَوْلُهُ: (التُّبَّانُ) : بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ سِرْوَالٌ قَصِيرٌ يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ الْمُغَلَّظَةَ يَلْبَسُهُ الْمَلَّاحُونَ وَنَحْوُهُمْ اهـ. قَسْطَلَّانِيٌّ وَعِبَارَةُ الْمُخْتَارِ وَالتُّبَّانُ بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ سِرْوَالٌ صَغِيرٌ مِقْدَارُ شِبْرٍ يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ الْمُغَلَّظَةَ أَيْ السَّوْأَتَيْنِ فَقَطْ فَيَكُونُ لِلْمَلَّاحِينَ اهـ. قَوْلُهُ: (سَرَاوِيلُ) هُوَ مُفْرَدٌ بِدَلِيلِ وَصْفِهِ بِقَصِيرٍ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ:
وَلِسَرَاوِيلَ بِهَذَا الْجَمْعِ ... شَبَهٌ اقْتَضَى عُمُومَ الْمَنْعِ
قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا) أَيْ لِأَنَّ الْوَاجِبَ كِسْوَةُ الْمَسَاكِينِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: أَوْ كِسْوَتُهُمْ لَا كِسْوَةُ دَوَابِّهِمْ اهـ. وَلَا تَكْفِي عَرْقَيَّةُ الرَّأْسِ وَانْظُرْ مَا الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمِنْدِيلِ مَعَ أَنَّهَا تُسَمَّى كِسْوَةَ رَأْسٍ تَأَمَّلْ شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (كَالطَّعَامِ الْعَتِيقِ) فَإِنَّهُ يُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ وَزَكَاةِ الْفِطْرِ، وَنَسَخَهُ كَالْخَامِ الْعَتِيقِ وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْكِسْوَةِ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يُنَاسِبُ إلَّا أَنْ نَجْعَلَ الْكَافَ لِلتَّنْظِيرِ.
قَوْلُهُ: (وَكَوْنُهُ يُرَدُّ) أَيْ إذَا اشْتَرَى قَمْحًا فَوَجَدَهُ عَتِيقًا مُسَوَّسًا فَلَهُ رَدُّهُ لِأَنَّ

(4/367)


دَفَعَهُ إلَيْهِمْ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى قِطْعَةٍ تُسَمَّى كِسْوَةً وَخَرَجَ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ عَشَرَةُ مَسَاكِينَ مَا إذَا أَطْعَمَ خَمْسَةً وَكَسَا خَمْسَةً لَا يُجْزِئُ كَمَا لَا يُجْزِئُ إعْتَاقُ نِصْفِ رَقَبَةٍ وَإِطْعَامُ خَمْسَةٍ. (فَإِنْ لَمْ) يَكُنْ الْمُكَفِّرُ رَشِيدًا أَوْ لَمْ (يَجِدْ) شَيْئًا مِنْ الثَّلَاثَةِ لِعَجْزِهِ عَنْ كُلٍّ مِنْهَا بِغَيْرِ غَيْبَةِ مَالِهِ بِرِقٍّ أَوْ غَيْرِهِ (فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89] الْآيَةَ وَالرَّقِيقُ لَا يَمْلِكُ أَوْ يَمْلِكُ مِلْكًا ضَعِيفًا فَلَوْ كَفَّرَ عَنْهُ سَيِّدُهُ بِغَيْرِ صَوْمٍ لَمْ يَجُزْ وَيُجْزِئُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ، لِأَنَّهُ لَا رِقَّ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَلَهُ فِي الْمُكَاتَبِ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ بِهِمَا بِإِذْنِهِ وَلِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُكَفِّرَ بِهِمَا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَمَّا الْعَاجِزُ بِغَيْبَةِ مَالِهِ فَكَغَيْرِ الْعَاجِزِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ فَيَنْتَظِرُ حُضُورَ مَالِهِ بِخِلَافِ فَاقِدِ الْمَاءِ مَعَ غَيْبَةِ مَالِهِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ لِضِيقِ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَبِخِلَافِ الْمُتَمَتِّعِ الْمُعْسِرِ بِمَكَّةَ الْمُوسِرِ بِبَلَدِهِ فَإِنَّهُ يَصُومُ لِأَنَّ مَكَانَ الدَّمِ بِمَكَّةَ فَاعْتُبِرَ يَسَارُهُ وَعَدَمُهُ بِهَا، وَمَكَانُ الْكَفَّارَةِ مُطْلَقٌ فَاعْتُبِرَ مُطْلَقًا فَإِنْ كَانَ لَهُ هُنَا رَقِيقٌ غَائِبٌ تُعْلَمُ حَيَاتُهُ فَلَهُ إعْتَاقُهُ فِي الْحَالِ.
تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالْعَجْزِ أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى الْمَالِ الَّذِي يَصْرِفُهُ فِي الْكَفَّارَةِ عَمَّنْ يَجِدُ كِفَايَتَهُ وَكِفَايَةَ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ فَقَطْ وَلَا يَجِدُ مَا يَفْضُلُ عَنْ ذَلِكَ قَالَ الشَّيْخَانِ وَمَنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ سَهْمَ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ مِنْ الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ لَهُ أَنْ يُكَفِّرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
ذَلِكَ يُخِلُّ بِالْمَالِيَّةِ. وَمَعَ ذَلِكَ يُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ وَفِي زَكَاةِ الْفِطْرَةِ إذَا كَانَ هُوَ غَالِبُ قُوتِ الْبَلَدِ وَلَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ مَأْكُولًا. قَوْلُهُ: (ثَوْبًا) أَيْ كَالْمُقَطَّعِ الْقُمَاشِ لِأَنَّهُ كُلَّهُ يُسَمَّى شَيْئًا وَاحِدًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ دَفَعَ الْأَمْدَادَ لَهُمْ دَفْعَةً وَاحِدَةً.
قَوْلُهُ: (أَوْ لَمْ يَجِدْ) أَيْ شَيْئًا كَامِلًا فَاضِلًا عَنْ كِفَايَةِ الْعُمْرِ الْغَالِبِ. بِأَنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا أَصْلًا أَوْ وَجَدَ بَعْضًا مِنْ الثَّلَاثَةِ أَوْ وَجَدَ كَامِلًا مِنْهَا لَكِنْ لَمْ يَكُنْ فَاضِلًا عَنْ كِفَايَتِهِ فَيُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ.
فَرْعٌ: لَوْ قَالَ: كُلُّ مَا أَمْلِكُهُ حَرَامٌ عَلَيَّ وَلَهُ زَوْجَاتٌ، وَإِمَاءٌ كَفَاهُ كَفَّارَةٌ عَنْ الْجَمِيعِ عَلَى الْأَصَحِّ شَرْحُ ابْنِ الْمُلَقِّنِ.
قَوْلُهُ: (بِرِقٍّ) مُتَعَلِّقٌ بِعَجْزٍ وَقَوْلُهُ: بِغَيْرِ غَيْبَةِ مَالِهِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ حَالَةَ كَوْنِ الْعَجْزِ كَائِنًا بِغَيْرِ غَيْبَةِ مَالِهِ.
قَوْلُهُ: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [البقرة: 196] أَيْ فَالْوَاجِبُ صِيَامُ ثَلَاثَةٍ، وَلَوْ مُتَفَرِّقَةً كَمَا فِي الْمَنْهَجِ. فَالْغَايَةُ لِلرَّدِّ عَلَى الْقَائِلِ بِوُجُوبِ التَّتَابُعِ لِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مُتَتَابِعَاتٍ وَالْقِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ كَخَبَرِ الْآحَادِ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا نُسِخَتْ حُكْمًا وَتِلَاوَةً كَمَا يَأْتِي فِي الشَّرْحِ.
قَوْلُهُ: (بِغَيْرِ صَوْمٍ) وَأَمَّا الصَّوْمُ فَوَاضِحٌ عَدَمُ إجْزَائِهِ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ وَهِيَ لَا تَقْبَلُ النِّيَابَةَ اهـ. سم وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى غَيْرِ الصَّوْمِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ تَوَهُّمٍ، وَكَذَلِكَ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْإِعْتَاقُ عَنْهُ. لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوَلَاءِ.
قَوْلُهُ: (بِالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ) أَيْ لَا بِالْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ يَسْتَعْقِبُ الْوَلَاءَ، لِمَنْ عَتَقَ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهِ م ر. قَالَ سم: هَلَّا جَازَ أَيْضًا لِزَوَالِ الرِّقِّ بِالْمَوْتِ وَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي الْإِعْتَاقِ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ فَوَلَاؤُهُ يَكُونُ لِمَنْ؟ تَأَمَّلْ وَحَرِّرْ.
قَوْلُهُ: (بِغَيْبَةِ مَالِهِ) وَلَوْ فَوْقَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَغَيْرِهَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَبَحَثَ الْبُلْقِينِيُّ تَقْيِيدَهَا بِدُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ قِيَاسًا عَلَى الْإِعْسَارِ فِي الزَّكَاةِ وَفَسْخُ الزَّوْجَةِ وَالْبَائِعِ مَرْدُودٌ ح ل.
قَوْلُهُ: (فَيُنْتَظَرُ حُضُورُ مَالِهِ) وَلَوْ فَوْقَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَإِنَّمَا عُدَّ مُعْسِرًا فِي الزَّكَاةِ وَفَسْخُ الزَّوْجَةِ وَالْبَائِعِ لِلضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ بَلْ وَلَا حَاجَةَ هُنَا إلَى التَّعْجِيلِ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى التَّرَاخِي أَيْ أَصَالَةً حَيْثُ لَمْ يَأْثَمْ بِالْحَلِفِ وَإِلَّا لَزِمَهُ الْحِنْثُ وَالْكَفَّارَةُ فَوْرًا س ل. قَوْلُهُ: (وَمَكَانُ الْكَفَّارَةِ مُطْلَقٌ) أَيْ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى فُقَرَاءِ مَحَلِّ الْحِنْثِ ح ل.
قَوْلُهُ: (فَاعْتُبِرَ) أَيْ الْيَسَارُ وَعَدَمُهُ وَقَوْلُهُ: مُطْلَقًا أَيْ بِأَيِّ مَحَلٍّ كَانَ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ رَقِيقٌ غَائِبٌ إلَخْ) هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ: فَيُنْتَظَرُ حُضُورُ مَالِهِ وَقَوْلُهُ: يَعْلَمُ حَيَاتَهُ أَيْ حَالًا أَوْ مَآلًا كَمَا لَوْ بَانَتْ حَيَاتُهُ بِأَنْ أَعْتَقَهُ عَلَى ظَنِّ مَوْتِهِ فَبَانَ حَيًّا فَيُجْزِئُ اعْتِبَارًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ فِي الْكَفَّارَةِ مَا لَا يُظَنُّ أَنَّهُ مِلْكُ غَيْرِهِ فَبَانَ مِلْكُهُ أَوْ دَفَعَ لِطَائِفَةٍ يَظُنُّهَا غَيْرَ مُسْتَحَقَّةٍ لِلْكَفَّارَةِ فَبَانَ خِلَافُهُ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ كَمَا نَصَّ: عَلَيْهِ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجِدُ مَا

(4/368)


بِالصَّوْمِ لِأَنَّهُ فَقِيرٌ فِي الْأَخْذِ فَكَذَا فِي الْإِعْطَاءِ وَقَدْ يَمْلِكُ نِصَابًا وَلَا يَفِي دَخْلُهُ بِخَرْجِهِ فَتَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ وَلَهُ أَخْذُهَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَنَّا لَوْ أَسْقَطْنَا الزَّكَاةَ خَلَا النِّصَابَ عَنْهَا بِلَا بَدَلٍ وَالتَّكْفِيرُ لَهُ بَدَلٌ وَهُوَ الصَّوْمُ وَلَا يَجِبُ تَتَابُعٌ فِي الصَّوْمِ لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ.
فَإِنْ قِيلَ: قَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ وَالْقِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ، كَمَا أَوْجَبْنَا قَطْعَ يَدِ السَّارِقِ الْيُمْنَى بِالْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا} أُجِيبَ بِأَنَّ آيَةَ الْيَمِينِ نَسَخَتْ مُتَتَابِعَاتٍ تِلَاوَةً وَحُكْمًا فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهَا بِخِلَافِ آيَةِ السَّرِقَةِ فَإِنَّهَا نُسِخَتْ تِلَاوَةً لَا حُكْمًا.
تَتِمَّةٌ: إنْ كَانَ الْعَاجِزُ أَمَةً تَحِلُّ لِسَيِّدِهَا لَمْ تَصُمْ إلَّا بِإِذْنِهِ كَغَيْرِهَا مِنْ أَمَةٍ لَا تَحِلُّ لَهُ وَعَبْدٍ وَالصَّوْمُ يَضُرُّ غَيْرَهَا فِي الْخِدْمَةِ وَقَدْ حَنِثَ بِلَا إذْنٍ مِنْ السَّيِّدِ فَإِنَّهُ لَا يَصُومُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْحَلِفِ لِحَقِّ الْخِدْمَةِ. فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْحِنْثِ صَامَ بِلَا إذْنٍ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فِي الْحَلِفِ فَالْعِبْرَةُ فِي الصَّوْمِ بِلَا إذْنٍ فِيمَا إذَا أَذِنَ فِي أَحَدِهِمَا بِالْحِنْثِ وَوَقَعَ فِي الْمِنْهَاجِ تَرْجِيحُ اعْتِبَارِ الْحَلِفِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ فِي الرَّوْضَةِ كَالشَّرْحَيْنِ. فَإِنْ لَمْ يَضُرَّهُ الصَّوْمُ فِي الْخِدْمَةِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى إذْنٍ فِيهِ وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَلَهُ مَالٌ يُكَفِّرُ بِطَعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ وَلَا يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ لِيَسَارِهِ لَا عِتْقَ لِأَنَّهُ يَسْتَعْقِبُ مِنْك الْوَلَاءَ الْمُتَضَمِّنَ لِلْوِلَايَةِ وَالْإِرْثِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهِمَا وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ لَهُ مَالِكٌ بَعْضِهِ إذَا عَتَقْت عَنْ كَفَّارَتِك فَنَصِيبِي مِنْك حُرٌّ قَبْلَ إعْتَاقِك عَنْ الْكَفَّارَةِ أَوْ مَعَهُ فَيَصِحُّ إعْتَاقُهُ عَنْ كَفَّارَةِ نَفْسِهِ فِي الْأُولَى قَطْعًا وَفِي الثَّانِيَةِ عَلَى الْأَصَحِّ.

فَصْلٌ: فِي النُّذُورِ جَمْعُ نَذْرٍ وَهُوَ بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ وَحُكِيَ فَتْحُهَا لُغَةً الْوَعْدُ بِخَيْرٍ أَوْ شَرٍّ وَشَرْعًا الْوَعْدُ بِخَيْرٍ خَاصَّةً قَالَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
يَفْضُلُ عَنْ ذَلِكَ) أَيْ عَنْ كِفَايَةِ بَقِيَّةِ الْعُمْرِ الْغَالِبِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَلَوْ كَانَ يَمْلِكُ نِصَابًا أَوْ أَكْثَرَ.
قَوْلُهُ: (وَلَهُ أَخْذُهَا) أَيْ وَيُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ.
قَوْلُهُ: (وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ) أَيْ بَابِ الزَّكَاةِ حَيْثُ قُلْتُمْ بِإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِي النِّصَابِ الَّذِي عِنْدَهُ وَبَابُ الْكَفَّارَةِ حَيْثُ قُلْتُمْ يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ لَا بِالْمَالِ وَمُقْتَضَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُكَفِّرُ الْمَالَ.
قَوْلُهُ: (نُسِخَتْ) أَيْ نُسِخَ مِنْهَا مُتَتَابِعَاتٍ فَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ.
قَوْلُهُ: (مِنْ أَمَةٍ لَا تَحِلُّ) بِأَنْ كَانَتْ مَحْرَمًا أَوْ مُشْتَرَكَةً.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْأَمَةَ إنْ كَانَتْ تَحِلُّ لَا يَجُوزُ الصَّوْمُ مُطْلَقًا إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِلُّ أَوْ كَانَ مَنْ يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ ذَكَرًا تَوَقَّفَ الصَّوْمُ، عَلَى الْإِذْنِ بِشَرْطَيْنِ أَنْ يَضُرَّ السَّيِّدَ فِي الْخِدْمَةِ، وَأَنْ يَكُونَ الْحِنْثُ مِنْ غَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ. وَأَخْذُ الشَّارِحِ، مُحْتَرَزُ الْقَيْدَيْنِ عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُشَوَّشِ.
قَوْلُهُ: (وَالصَّوْمُ) أَيْ وَالْحَالُ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَالصَّوْمُ يَضُرُّهُ أَيْ غَيْرُهَا فِي الْخِدْمَةِ فَأَشَارَ إلَى أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ لِلْغَيْرِ. فَفِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ إيهَامٌ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ) غَايَةٌ.
قَوْلُهُ: (لِلْوِلَايَةِ) أَيْ وِلَايَةِ التَّزْوِيجِ.

[فَصْلٌ فِي النُّذُورِ]
ِ جَمَعَهَا لِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا. قَوْلُهُ: (وَحُكِيَ فَتْحُهَا) وَيَكُونُ مَصْدَرًا سَمَاعِيًّا بِخِلَافِ السُّكُونِ يَكُونُ مَصْدَرًا قِيَاسِيًّا وَهُوَ مِنْ نَذَرَ يَنْذُرُ بِضَمِّ عَيْنِ الْمُضَارِعِ وَكَسْرِهَا مِنْ بَابِ نَصَرَ وَضَرَبَ ز ي.
قَوْلُهُ: (الْوَعْدُ بِخَيْرٍ أَوْ شَرٍّ) وَاسْتِعْمَالُ الْوَعْدِ فِي الشَّرِّ لَعَلَّهُ مِنْ بَابِ الْمُشَاكَلَةِ فَلَا يُنَافِيهِ أَنَّ الْوَعْدَ فِي الْخَيْرِ وَالْإِيعَادَ فِي الشَّرِّ كَمَا فِي قَوْلِهِ:
وَإِنِّي وَإِنْ أَوْعَدْته أَوْ وَعَدْته ... لَمُخْلِفُ إيعَادِي وَمُنْجِزُ مَوْعِدِي
وَصَرَّحَ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ بِأَنَّ الْوَعْدَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ مُقَيَّدًا فَيُقَالُ: وَعَدَهُ خَيْرًا وَوَعَدَهُ شَرًّا وَأَمَّا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَيُسْتَعْمَلُ الْوَعْدُ فِي الْخَيْرِ وَالْإِيعَادُ فِي الشَّرِّ. وَكَلَامُ الشَّارِحِ يُحْمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ فَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْمُشَاكَلَةِ.
قَوْلُهُ: (وَشَرْعًا)

(4/369)


الرُّويَانِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَقَالَ غَيْرُهُمَا الْتِزَامُ قُرْبَةٍ لَمْ تَتَعَيَّنْ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَقِبَ الْأَيْمَانِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَقْدٌ يَعْقِدُهُ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ تَأْكِيدًا لِمَا الْتَزَمَهُ. وَالْأَصْلُ فِيهِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الْبُخَارِيِّ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» وَفِي كَوْنِهِ قُرْبَةً أَوْ مَكْرُوهًا خِلَافٌ وَاَلَّذِي رَجَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّهُ قُرْبَةٌ فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ دُونَ غَيْرِهِ وَهَذَا أَوْلَى مَا قِيلَ فِيهِ. وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ: صِيغَةٌ وَمَنْذُورٌ، وَنَاذِرٌ.

(وَ) وَشُرِطَ فِي النَّاذِرِ إسْلَامٌ وَاخْتِيَارٌ وَنُفُوذٌ يُصْرَفُ فِيمَا يَنْذُرُهُ فَلَا يَصِحُّ (النَّذْر) مِنْ كَافِرٍ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْقُرْبَةِ وَلَا مِنْ مُكْرَهٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
أَيْ فَيَكُونُ لِلنَّذْرِ مَعْنَيَانِ شَرْعِيَّانِ. وَالثَّانِي أَوْلَى لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَشْمَلُ مَا كَانَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الطَّاعَةَ امْتِثَالُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ. وَالْقُرْبَةُ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ بِشَرْطِ مَعْرِفَةِ الْمُتَقَرَّبِ إلَيْهِ وَالْعِبَادَةُ مَا تَعَبَّدَ بِهِ بِشَرْطِ النِّيَّةِ وَمَعْرِفَةُ الْمَعْبُودِ فَالطَّاعَةُ تُوجَدُ بِدُونِهِمَا فِي النَّظَرِ الْمُؤَدِّي إلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى، إذْ مَعْرِفَتُهُ إنَّمَا تَحْصُلُ بِتَمَامِ النَّظَرِ، وَالْقُرْبَةُ تُوجَدُ بِدُونِ الْعِبَادَةِ فِي الْقُرَبِ الَّتِي لَا تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ كَالْعِتْقِ، وَالْوَقْفِ.
قَوْلُهُ: (تَأْكِيدًا) أَيْ تَحْقِيقًا وَقَوْلُهُ: لِمَا الْتَزَمَهُ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الِالْتِزَامَ سَابِقٌ عَلَى الْيَمِينِ وَالنَّذْرِ. وَلَكِنْ يَتَأَكَّدُ بِهِمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَا حَصَلَ الِالْتِزَامُ إلَّا بِهِمَا فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: لِأَنَّ بَعْضَ أَفْرَادِ النَّذْرِ فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوْ يُقَالُ إنَّ الْمَعْنَى تَأْكِيدٌ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَلْتَزِمَهُ وَعِبَارَةُ ع ش قَوْلُهُ: تَأْكِيدًا لِمَا الْتَزَمَهُ لَعَلَّ الْأَوْلَى تَأْكِيدًا لِمَا وَعَدَ بِهِ إذْ الِالْتِزَامُ لَمْ يَأْتِ إلَّا مِنْ النَّذْرِ إذْ الْوُجُوبُ إنَّمَا جَاءَ مِنْ جِهَتِهِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ) وَتَسْمِيَةُ هَذَا نَذْرًا عَلَى سَبِيلِ الْمُشَاكَلَةِ وَهِيَ ذِكْرُ الشَّيْءِ بِلَفْظِ غَيْرِهِ لِوُقُوعِهِ فِي صُحْبَتِهِ عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116] وَقِيلَ: إنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَيْسَتْ مِنْ بَابِ الْمُشَاكَلَةِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 54] وَالْمُرَادُ بِالنَّفْسِ الذَّاتُ أَوْ عَلَى قَوْلِ: مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْأَسْمَاءَ الشَّرْعِيَّةَ تَعُمُّ الصَّحِيحَةَ وَالْفَاسِدَةَ.
قَوْلُهُ: (وَفِي كَوْنِهِ قُرْبَةً أَوْ مَكْرُوهًا خِلَافٌ) فَقَالَ الرَّافِعِيُّ: قُرْبَةٌ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ النَّوَوِيِّ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَالنَّهْيُ عَنْهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ عَدَمَ الْقِيَامِ بِمَا الْتَزَمَهُ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَقِيلَ مَكْرُوهٌ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَحَكَاهُ السِّنْجِيُّ عَنْ النَّصِّ هَذَا وَاَلَّذِي قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ: هُوَ الْمُعْتَمَدُ م ر وَعِبَارَةُ س ل وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ مَكْرُوهٌ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ خَبَرُ إنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ وَفِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ مَنْدُوبٌ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَنُفُوذُ تَصَرُّفٍ إلَخْ) وَزِيدَ إمْكَانُ الْفِعْلِ فَلَا يَصِحُّ نَذْرُهُ صَوْمًا لَا يُطِيقُهُ وَلَا نَذْرٌ بَعِيدٌ عَنْ مَكَّةَ حَجَّ هَذِهِ السَّنَةَ س ل وَكَانَ الْوَقْتُ لَا يَسَعُ السَّيْرَ إلَى مَكَّةَ. قَوْلُهُ: (يَنْذُرُهُ) بِضَمِّ الذَّالِ وَكَسْرِهَا مَعَ فَتْحِ الْيَاءِ فِيهِمَا فَبَابُهُ ضَرَبَ وَنَصَرَ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ.
قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ النَّذْرُ مِنْ كَافِرٍ) لَا يَخْفَى أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ النَّذْرُ يَلْزَمُ فِي الْمُجَازَاةِ فَهِيَ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ جُمْلَةٌ وَفَاعِلُ يَلْزَمُ ضَمِيرٌ عَائِدٌ عَلَى النَّذْرِ وَالشَّارِحُ جَعَلَ لَفْظَ النَّذْرِ فَاعِلًا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ مَنْفِيٍّ وَجَعَلَ جُمْلَةَ يَلْزَمُ مُسْتَأْنَفَةً وَجَعَلَ فَاعِلَ الْفِعْلِ مَحْذُوفًا وَجَعَلَ الظَّرْفَ مُتَعَلِّقًا بِهِ وَلَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّشْتِيتِ وَمُخَالَفَةِ الْوَضْعِ الْعَرَبِيِّ فَرَاجِعْهُ ق ل. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فَلَا يَصِحُّ إلَخْ أَيْ نَذْرَ التَّبَرُّرِ دُونَ نَذْرِ اللَّجَاجِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ مِنْهُ وَكَانَ قِيَاسُهُ صِحَّةَ نَذْرِ التَّبَرُّرِ مِنْهُ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِيهِ مُنَاجَاةٌ أَشْبَهَ الْعِبَادَةَ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُبْطِلْ الصَّلَاةَ بِخِلَافِ نَذْرِ اللَّجَاجِ خِلَافًا لِلشَّارِحِ حَيْثُ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي عَدَمِ الْإِبْطَالِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّذْرِ وَالْوَقْفِ حَيْثُ صَحَّ مِنْ الْكَافِرِ مَعَ أَنَّهُ قُرْبَةٌ أَنَّ الْوَقْفَ وَإِنْ كَانَ قُرْبَةً لَيْسَتْ مُتَمَحِّضَةً لِأَنَّ فِيهِ نَقْلَ الْحَقِّ إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ النَّذْرِ فَإِنَّهُ قُرْبَةٌ مَحْضَةٌ اهـ. أج وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ وَإِنَّمَا صَحَّ وَقْفُهُ وَعِتْقُهُ وَوَصِيَّتُهُ وَصَدَقَتُهُ. مِنْ حَيْثُ إنَّهَا عُقُودٌ مَالِيَّةٌ لَا قُرْبَةُ أَيْ لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا قُرْبَةً وَإِنْ كَانَتْ حَاصِلَةً فَلَا يُنْظَرُ لَهَا.
قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْقُرْبَةِ) يَرِدُ عَلَيْهِ صِحَّةُ عِتْقِهِ وَصَدَقَتِهِ قَالَ ح ل: لَمَّا كَانَ نَذْرُ التَّبَرُّرِ فِيهِ مُنَاجَاةٌ أَشْبَهَ الْعِبَادَةَ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُبْطِلْ الصَّلَاةَ بِخِلَافِ نَذْرِ اللَّجَاجِ خِلَافًا لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي عَدَمِ الْإِبْطَالِ فَلَا يُنَافِي صِحَّةَ نَحْوِ عِتْقِهِ

(4/370)


لِخَبَرِ: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ» وَلَا مِمَّنْ لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيمَا يَنْذُرُهُ كَمَحْجُورِ سَفَهٍ، أَوْ فَلَسٍ فِي الْقُرَبِ الْمَالِيَّةِ الْعَيْنِيَّةِ وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَشُرِطَ فِي الصِّيغَةِ لَفْظٌ يُشْعِرُ بِالْتِزَامٍ، وَفِي مَعْنَاهُ مَا مَرَّ فِي الضَّمَانِ كَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا أَوْ عَلَيَّ كَذَا كَسَائِرِ الْعُقُودِ. وَ (يَلْزَمُ) ذَلِكَ بِالنَّذْرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ، وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ هُنَا وَوَقَعَ لَهُمَا فِيهِ اخْتِلَافُ تَرْجِيحٍ وَبَيَّنَ الْمُصَنِّفُ مُتَعَلَّقَ اللُّزُومِ بِقَوْلِهِ: (فِي الْمُجَازَاةِ) أَيْ الْمُكَافَأَةِ (عَلَى) نَذْرِ فِعْلٍ (مُبَاحٍ) لَمْ يَرِدْ فِيهِ تَرْغِيبٌ كَأَكْلٍ وَشُرْبٍ وَقُعُودٍ، وَقِيَامٍ أَوْ تَرْكِ ذَلِكَ وَهَذَا مِنْ الْمُصَنِّفِ لَعَلَّهُ سَهْوٌ أَوْ سَبْقُ قَلَمٍ إذْ النَّذْرُ عَلَى فِعْلٍ مُبَاحٍ أَوْ تَرْكِهِ لَا يَنْعَقِدُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ فَضْلًا عَنْ لُزُومِهِ. وَلَكِنْ هَلْ يَكُونُ يَمِينًا تَلْزَمُهُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ أَوْ لَا اخْتَلَفَ فِيهِ تَرْجِيحُ الشَّيْخَيْنِ فَاَلَّذِي رَجَّحَاهُ فِي الْمِنْهَاجِ وَالْمُحَرَّرِ اللُّزُومَ؛ لِأَنَّهُ نَذْرٌ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَاَلَّذِي رَجَّحَاهُ فِي الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحَيْنِ. وَصَوَّبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِعَدَمِ انْعِقَادِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: يُوَافِقُ الْأَوَّلَ مَا فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
مِنْ كُلِّ مَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةٍ.
قَوْلُهُ: (فِي الْقُرَبِ) مُتَعَلِّقٌ بِيَصِحُّ الْمُقَدَّرُ أَيْ وَلَا يَصِحُّ مِمَّنْ إلَخْ. قَوْلُهُ: (الْمَالِيَّةِ) كَهَذَا الثَّوْبِ خَرَجَ الْبَدَنِيَّةُ وَقَوْلُهُ: الْعَيْنِيَّةِ خَرَجَ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالذِّمَّةِ أَيْ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ فَيَصِحُّ مِنْ الْمُفْلِسِ دُونَ السَّفِيهِ لِأَنَّ السَّفِيهَ، لَا ذِمَّةَ لَهُ ح ل وَبَحَثَ بَعْضُهُمْ أَنَّ نَذْرَ الْعَبْدِ مَالًا فِي ذِمَّتِهِ كَضَمَانِهِ وَسَبَقَ فِي كِتَابِ الضَّمَانِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَهُ ز ي: وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ م ر وَيَصِحُّ بِإِذْنِهِ وَيُؤَيِّدُهُ مِنْ كَسْبِهِ الْحَاصِلِ بَعْدَ النَّذْرِ. اهـ. ع ش وَعِبَارَتُهُ عَلَى م ر.
وَقَوْلُهُ: الْعَيْنِيَّةِ خَرَجَ الَّتِي فِي الذِّمَّةِ فَيَصِحُّ نَذْرُ الْمَحْجُورِ لَهَا كَمَا اعْتَمَدَهُ سم وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ حَجْرِ الْفَلَسِ وَالسَّفَهِ ثُمَّ اُنْظُرْ بَعْدَ الصِّحَّةِ مِنْ أَيْنَ يُؤَدِّي السَّفِيهُ هَلْ بَعْدَ رُشْدِهِ أَوْ يُؤَدِّي الْوَلِيُّ مِنْ مَالِ السَّفِيهِ مَا الْتَزَمَهُ ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ الرَّوْضِ أَنَّ السَّفِيهَ يُؤَدِّي بَعْدَ رُشْدِهِ فَلَوْ مَاتَ وَلَمْ يُؤَدِّ أُخْرِجَ مِنْ تَرِكَتِهِ قِيَاسًا عَلَى تَنْفِيذِ وَصِيَّتِهِ اهـ. قَوْلُهُ: (يُشْعِرُ بِالْتِزَامٍ) فَنَحْوُ مَالِي صَدَقَةٌ لَيْسَ بِنَذْرٍ لِعَدَمِ الِالْتِزَامِ وَكَذَا نَذَرْت لِلَّهِ لَأَفْعَلَن كَذَا لِذَلِكَ. فَإِنْ نَوَى بِهِ الْيَمِينَ كَانَ يَمِينًا وَنَذَرْت لِزَيْدٍ كَذَا كَذَلِكَ لَكِنْ لَوْ نَوَى بِهِ الْإِقْرَارَ لَزِمَ بِهِ ح ل.
قَوْلُهُ: (مَا مَرَّ فِي الضَّمَانِ) مِنْ إشَارَةِ الْأَخْرَسِ وَكِتَابَةٍ وَلَوْ مِنْ نَاطِقٍ.
قَوْلُهُ: (وَيَلْزَمُ ذَلِكَ) أَيْ كَذَا الْمَذْكُورُ فِي الصِّيغَةِ السَّابِقَةِ.
قَوْلُهُ: (بِنَاءً إلَخْ) يَقْتَضِي أَنَّا لَوْ لَمْ نَبْنِ عَلَى مَا ذُكِرَ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بِالنَّذْرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا الْتَزَمَهُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ بَنَيْنَا عَلَى مَا ذُكِرَ أَوْ لَا وَلَا يَصْلُحُ قَوْلُهُ: بِنَاءً إلَخْ تَعْلِيلًا إلَّا فِيمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ أَوْ يَصُومَ فَيَجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ مِنْ قِيَامٍ وَيَجِبُ عَلَيْهِ تَبْيِيتُ النِّيَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَسْلُكُ بِهِ إلَخْ فَاشْتَبَهَ عَلَى الشَّارِحِ الْأَمْرُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: بِنَاءً عِلَّةً لِمَحْذُوفٍ. أَيْ وَيَتْبَعُ فِيهِ الْوَاجِبَ بِالشَّرْعِ بِنَاءً إلَخْ تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (كَأَكْلٍ وَشُرْبٍ) كَلَامُهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُبَاحَ هُوَ الْمَنْذُورُ بِأَنْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ أَكْلُ كَذَا أَوْ شُرْبُ كَذَا إلَخْ. فَلِذَلِكَ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ: إنَّهُ سَهْوٌ وَالتَّصْوِيرُ بِذَلِكَ يَرُدُّهُ قَوْلُ الْمَتْنِ الْآتِي. لَا يَلْزَمُ النَّذْرُ عَلَى تَرْكِ أَوْ فِعْلِ مُبَاحٍ كَقَوْلِهِ: لَا آكُلُ لَحْمًا إلَخْ قَالَ ق ل: إنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَى الشَّارِحِ الْمُلْتَزَمُ بِالْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَاَلَّذِي يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ قُرْبَةً هُوَ الْمُلْتَزَمُ لَا الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ فَلَوْ قَالَ: إنْ قَامَ زَيْدٌ أَوْ قَعَدَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا صَحَّ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْمُجَازَاةِ فَالْمُجَازَاةُ وَاقِعَةٌ بِمَطْلُوبٍ عَلَى فِعْلٍ مُبَاحٍ فَكَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ أَنْ يُسْقِطَ لَفْظَةَ نَذْرِ فِي قَوْلِهِ عَلَى نَذْرِ فِعْلٍ إلَخْ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَنْذُورُ مَعْصِيَةً أَوْ مُبَاحًا لَمْ يَنْعَقِدْ وَإِنْ كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ مَعْصِيَةً أَوْ مُبَاحًا فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ حَثٌّ أَوْ مَنْعٌ أَوْ تَحْقِيقُ خَبَرٍ أَوْ كَانَ فِيهِ إضَافَةٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَانَ يَمِينًا لَا نَذْرًا فَتَجِبُ فِيهِ بِالْحِنْثِ كَفَّارَةٌ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (عَلَى فِعْلٍ مُبَاحٍ) يَقْتَضِي أَنَّ النَّذْرَ الْمُعَلَّقَ عَلَى مُبَاحٍ لَا يَنْعَقِدُ مَعَ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ وَأَيْضًا هَذَا يُخَالِفُ قَوْلَهُ أَوَّلًا عَلَى نَذْرِ فِعْلٍ مُبَاحٍ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَنْذُورَ هُوَ الْمُبَاحُ نَفْسُهُ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ عَلَيْهِ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ مَحَلَّ كَوْنِ الْمُبَاحِ لَا يَنْعَقِدُ يَمِينًا إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَلَّقًا وَلَا مُضَافًا لِلَّهِ أَمَّا إذَا كَانَ مُعَلَّقًا فَإِنْ كَانَ نَذْرَ لَجَاجٍ بِأَنْ قُصِدَ بِهِ حَثٌّ أَوْ مَنْعٌ أَوْ تَحْقِيقُ خَبَرٍ فَفِيهِ بِالْمُخَالَفَةِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لِانْعِقَادِهِ يَمِينًا وَإِنْ كَانَ مُضَافًا لِلَّهِ فَإِنْ قَصَدَ بِهِ الْيَمِينَ كَأَنْ قَصَدَ بِهِ الْحَثَّ عَلَى الْفِعْلِ لَزِمَهُ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ ذَلِكَ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمُعَلَّقِ نَذْرُ لَجَاجٍ بَلْ تَبَرُّرٍ فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْحَثَّ فِي الْمُضَافِ إلَى اللَّهِ فَلَا شَيْءَ فِي الْمُخَالَفَةِ. اهـ. شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (اللُّزُومُ) أَيْ لُزُومُ الْكَفَّارَةِ قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ نَذْرٌ) الْمُنَاسِبُ لِأَنَّهُ يَمِينٌ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ) أَيْ إنْ خَلَا عَنْ الْحَثِّ وَالْمَنْعِ وَتَحْقِيقِ الْخَبَرِ وَالْإِضَافَةِ إلَى اللَّهِ

(4/371)


الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُطَلِّقَك. أَوْ أَنْ آكُلَ الْخُبْزَ أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَدْخُلَ الدَّارَ فَإِنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةً فِي ذَلِكَ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ. أُجِيبَ: بِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ وَأَمَّا الْأَخِيرَةُ فَلُزُومُ الْكَفَّارَةِ فِيهَا مِنْ حَيْثُ الْيَمِينُ لَا مِنْ حَيْثُ النَّذْرُ.

(وَ) يَلْزَمُ النَّذْرُ عَلَى فِعْلِ (طَاعَةٍ) مَقْصُودَةٍ لَمْ تَتَعَيَّنْ كَعِتْقٍ وَعِيَادَةِ مَرِيضٍ، وَسَلَامٍ وَتَشْيِيعِ جِنَازَةٍ. وَقِرَاءَةِ سُورَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَطُولِ قِرَاءَةِ صَلَاةٍ وَصَلَاةِ جَمَاعَةٍ. وَلَا فَرْقَ فِي صِحَّةِ نَذْرِ الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ بَيْنَ كَوْنِهَا فِي فَرْضٍ أَمْ لَا. فَالْقَوْلُ بِأَنَّ صِحَّتَهَا مُقَيَّدَةٌ بِكَوْنِهَا فِي الْفَرْضِ أَخْذًا مِنْ تَقْيِيدِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا بِذَلِكَ وَهْمٌ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا قَيَّدَا بِذَلِكَ لِلْخِلَافِ فِيهِ فَلَوْ نَذَرَ غَيْرَ الْقُرْبَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ وَاجِبٍ عَيْنِيٍّ كَصَلَاةِ الظُّهْرِ أَوْ مُخَيَّرٍ كَأَحَدِ خِصَالِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَلَوْ مُعَيَّنَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَوْ مَعْصِيَةٍ كَمَا سَيَأْتِي كَشُرْبِ خَمْرٍ وَصَلَاةٍ، بِحَدَثٍ أَوْ مَكْرُوهٍ كَصَوْمِ الدَّهْرِ لِمَنْ خَافَ بِهِ ضَرَرًا أَوْ فَوْتَ حَقٍّ لَمْ يَصِحَّ نَذْرُهُ، أَمَّا الْوَاجِبُ الْمَذْكُورُ فَلِأَنَّهُ لَزِمَ عَيْنًا بِإِلْزَامِ الشَّرْعِ قَبْلَ النَّذْرِ فَلَا مَعْنَى لِالْتِزَامِهِ. وَأَمَّا الْمَكْرُوهُ فَلِأَنَّهُ لَا يُتَقَرَّبُ بِهِ وَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُد: «لَا نَذْرَ إلَّا فِيمَا اُبْتُغِيَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ» وَلَمْ يَلْزَمْهُ بِمُخَالَفَةِ ذَلِكَ كَفَّارَةٌ.

ثُمَّ بَيَّنَ الْمُصَنِّفَ نَذْرَ الْمُجَازَاةِ. وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ التَّبَرُّرِ وَهُوَ الْمُعَلَّقُ بِشَيْءٍ بِقَوْلِهِ (كَقَوْلِهِ إنْ شَفَى اللَّهُ) تَعَالَى (مَرِيضِي) أَوْ قَدِمَ غَائِبِي أَوْ نَجَوْت مِنْ الْغَرَقِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. (فَلِلَّهِ) تَعَالَى (عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ أَوْ أَصُومَ أَوْ أَتَصَدَّقَ) وَأَوْ فِي كَلَامِهِ تَنْوِيعِيَّةٌ (وَيَلْزَمُهُ) بَعْدَ حُصُولِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ (مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ الْتَزَمَهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (مَا يَقَعُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
وَإِلَّا انْعَقَدَ نَذْرُهُ فَيَكُونُ فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ مَنْ قَالَ: يَنْعَقِدُ وَبَيْنَ مَنْ قَالَ: لَا يَنْعَقِدُ م ر وَاعْتَمَدَ ق ل أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ ثُمَّ قَالَ وَقَوْلُ شَيْخِنَا م ر: يُحْمَلُ عَدَمُ الْكَفَّارَةِ إذَا خَلَا عَنْ حَثٍّ أَوْ مَنْعٍ أَوْ تَحْقِيقِ خَبَرٍ وَإِضَافَتِهِ إلَى اللَّهِ وَإِلَّا فَفِيهِ الْكَفَّارَةُ وَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ اهـ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ صُورَةٍ خَالِيَةٍ عَمَّا ذُكِرَ فَيَلْزَمُ إحَالَةُ مَا لَا كَفَّارَةَ فِيهِ فَيَبْطُلُ الْجَمْعُ الْمَذْكُورُ مَعَ أَنَّ فِي صِحَّةِ النَّذْرِ مَعَ الْحَثِّ وَنَحْوِهِ نَظَرًا وَأَيْضًا فِي جَعْلِ مَا ذُكِرَ مِنْ نَذْرِ الْمُبَاحِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ قُرْبَةٍ عَلَى تَرْكِ مُبَاحٍ أَوْ فِعْلِهِ فَهُوَ مِنْ نَذْرِ اللَّجَاجِ وَإِنَّمَا نَذْرُ الْمُبَاحِ أَنْ يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَقُومَ مَثَلًا أَوْ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَقُومَ. وَهَذَا لَا كَفَّارَةَ فِيهِ وَكَذَا يُقَالُ فِي الْمَعْصِيَةِ وَالْوَاجِبِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَحَرِّرْهُ فَإِنَّهُ مِمَّا لَا وَجْهَ لِلْعُدُولِ عَنْهُ اهـ. وَلَوْ جَمَعَ فِي نَذْرَيْنِ مَا يَصِحُّ وَمَا لَا يَصِحُّ كَقَوْلِهِ: إنْ سَلِمَ مَالِي وَهَلَكَ مَالُ زَيْدٍ أَعْتَقْت عَبْدِي وَطَلَّقْت زَوْجَتِي فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ وَيَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ فِي عِتْقِ الْعَبْدِ لَا طَلَاقَ الزَّوْجَةِ ق ل. قَوْلُهُ: (أَوْ لِلَّهِ إلَخْ) هَذِهِ صِيغَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَلَيْسَ مُعَلَّقًا عَلَى مَا قَبْلَهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الرَّوْضِ وَيَدُلُّ لَهُ إفْرَادُهَا بِجَوَابٍ مُسْتَقِلٍّ.
قَوْلُهُ: (مِنْ حَيْثُ الْيَمِينُ) أَيْ لِأَنَّ قَوْلَهُ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَدْخُلَ الدَّارَ فِيهِ حَثٌّ عَلَى دُخُولِ الدَّارِ؛ وَالْقَاعِدَةُ: أَنَّ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَثٌّ أَوْ مَنْعٌ أَوْ تَحْقِيقُ خَبَرٍ كَانَ يَمِينًا. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ نَذْرَ الْمُبَاحِ تَارَةً يَكُونُ حَثًّا كَإِرَادَتِهِ إلْزَامَ نَفْسِهِ بِالْفِعْلِ فَقَطْ. فَهَذَا لَا يَنْعَقِدُ نَذْرًا لَكِنْ تَلْزَمُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ يَمِينٌ لِتَعَلُّقِ الْحَثِّ بِهِ وَتَارَةً لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ. كَأَنْ يُطْلَقَ فِي الصِّيغَةِ فَهَذَا لَا يَنْعَقِدُ وَلَا يَلْزَمُ فِيهِ كَفَّارَةٌ. اهـ. م ر.

قَوْلُهُ: (عَلَى فِعْلِ طَاعَةٍ إلَخْ) هَذَا مِنْ الشَّارِحِ سَهْوٌ لِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَالشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةُ مَعَ الْأَمْثِلَةِ إنَّمَا هِيَ فِي الْمَنْذُورِ نَفْسِهِ كَمَا فِي مَتْنِ الْمَنْهَجِ لَا فِي الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ إذَا عَلَّقَ النَّذْرَ عَلَى فَرْضٍ عَيْنِيٍّ مَثَلًا صَحَّ كَقَوْلِهِ: إنْ صَلَّيْت الظُّهْرَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ أَوْ أُعْتِقَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ مَا الْتَزَمَهُ وَعَلَى كَلَامِ الشَّارِحِ يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرٍ يُنَاسِبُ كَلِمَةَ عَلَيَّ أَيْ الْمُشْتَمِلُ عَلَى فِعْلِ طَاعَةٍ إلَخْ. اهـ. شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (وَطُولِ قِرَاءَةِ صَلَاتِهِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ إمَامٍ لِقَوْمٍ لَا يَرْضَوْنَ بِالتَّطْوِيلِ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ إمَامًا لِقَوْمٍ يَرْضَوْنَ بِالتَّطْوِيلِ كَانَ مَكْرُوهًا لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الطَّلَبِ وَعَدَمِهِ بِحَالِ النَّاذِرِ. اهـ. م ر. وَالْأَوْجَهُ ضَبْطُ التَّطْوِيلِ الْمُلْتَزَمِ هُنَا بِأَدْنَى زِيَادَةٍ عَلَى مَا يُنْدَبُ لِإِمَامٍ غَيْرِ مَحْصُورِينَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ م ر س ل. قَوْلُهُ: (وَصَلَاةِ جَمَاعَةٍ) وَيَخْرُجُ مِنْ عُهْدَةِ ذَلِكَ بِالِاقْتِدَاءِ فِي جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ لِانْسِحَابِ حُكْمِ الْجَمَاعَةِ عَلَى جَمِيعِهَا. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (بِأَنَّ صِحَّتَهَا) أَيْ الثَّلَاثَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُعَيَّنَةً) وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ إنْ عَيَّنَ أَعْلَاهَا صَحَّ نَذْرُهُ أَوْ أَدْنَاهَا فَلَا كَمَا أَفْتَى بِهِ م ر. اهـ. ز ي.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ التَّبَرُّرِ) : نَذْرِ التَّبَرُّرِ بِأَنْ يَلْتَزِمَ قُرْبَةً بِلَا تَعْلِيقٍ كَعَلَيَّ كَذَا أَوْ بِتَعْلِيقٍ بِحُدُوثِ نِعْمَةٍ أَوْ ذَهَابِ نِقْمَةٍ وَلَوْ قَالَ: إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ أَنْ

(4/372)


عَلَيْهِ الِاسْمُ) مِنْهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ رَكْعَتَانِ عَلَى الْأَظْهَرِ بِالْقِيَامِ مَعَ الْقُدْرَةِ حَمْلًا عَلَى أَقَلِّ وَاجِبِ الشَّرْعِ وَفِي الصَّوْمِ يَوْمٌ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ فَلَا يَلْزَمُهُ زِيَادَةٌ عَلَيْهِ وَفِي الصَّدَقَةِ مَا يُتَمَوَّلُ شَرْعًا، وَلَا يَتَقَدَّرُ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَلَا بِنِصْفِ دِينَارٍ، وَإِنَّمَا حَمَلْنَا الْمُطْلَقَ عَلَى أَقَلِّ وَاجِبٍ مِنْ جِنْسِهِ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَلْزَمُهُ فِي الشَّرِكَةِ.

فَرْعٌ: لَوْ نَذَرَ شَيْئًا كَقَوْلِهِ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَشُفِيَ ثُمَّ شَكَّ هَلْ نَذَرَ صَدَقَةً أَوْ عِتْقًا أَوْ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا. قَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِجَمِيعِهَا كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَال: يَجْتَهِدُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّ الْجَمِيعَ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ. وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَاشْتَبَهَ فَيَجْتَهِدُ كَالْأَوَانِي وَالْقِبْلَةِ اهـ. وَهَذَا أَوْجَهُ وَإِنْ لَمْ يُعَلِّقْ النَّذْرَ بِشَيْءٍ وَهُوَ النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ نَوْعَيْ التَّبَرُّرِ كَقَوْلِهِ ابْتِدَاءً لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ أَوْ حَجٌّ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ. لَزِمَهُ مَا الْتَزَمَهُ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَلَوْ عَلَّقَ النَّذْرَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ مَشِيئَةِ زَيْدٍ لَمْ يَصِحَّ. وَإِنْ شَاءَ زَيْدٌ لِعَدَمِ الْجَزْمِ اللَّائِقِ بِالْقُرَبِ نَعَمْ، إنْ قَصَدَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى التَّبَرُّكَ أَوْ وُقُوعَ حُدُوثِ مَشِيئَةِ زَيْدٍ نِعْمَةً مَقْصُودَةً كَقُدُومِ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَعَلَيَّ كَذَا. فَالْوَجْهُ الصِّحَّةُ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ

(وَلَا) يَصِحُّ (نَذْرٌ فِي) فِعْلِ (مَعْصِيَةٍ كَقَوْلِهِ إنْ قَتَلْت فُلَانًا فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا) لِحَدِيثِ: «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ الْمَارِّ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
أَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ فَشُفِيَ جَازَ دَفْعُهُ إلَيْهِ إذَا كَانَ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَكَانَ فَقِيرًا ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَتَقَدَّرُ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُقَالُ: كَمَا حَمَلْنَا الصَّلَاةَ عَلَى أَقَلَّ مَا يَجِبُ وَهُوَ رَكْعَتَانِ كَذَلِكَ نَحْمِلُ الصَّدَقَةَ عَلَى أَقَلَّ مَا وَجَبَتْ وَهُوَ إمَّا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ أَوْ نِصْفُ دِينَارٍ. لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْوَاجِبِ فِي الزَّكَاةِ لِأَنَّ النَّظَرَ لِأَقَلَّ مَا يَجِبُ لَا يَنْحَصِرُ فِيمَا ذُكِرَ بَلْ قَدْ يَكُونُ أَقَلَّ مُتَمَوِّلٍ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ أَقَلَّ مُتَمَوِّلٍ قَدْ يَلْزَمُهُ فِي الشَّرِكَةِ كَمَا إذَا كَانَ نِصَابًا مُشْتَرَكًا بَيْنَ مِائَتَيْنِ مَثَلًا وَوَجَبَ فِيهِ رُبْعُ الْعُشْرِ فَالْوَاجِبُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ أَقَلُّ مُتَمَوِّلٍ.

قَوْلُهُ: (فَشُفِيَ) وَيَحْصُلُ الشِّفَاءُ بِأَنْ يَذْهَبَ أَصْلُ الْمَرَضِ وَيُوجَدَ فِي الْمَرِيضِ بَعْضُ قُوَّةٍ وَعِبَارَةُ س ل وَيَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشِّفَاءِ زَوَالُ الْعِلَّةِ مِنْ أَصْلِهَا وَأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ قَوْلِ عَدْلَيْ طِبٍّ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي الْمَرَضِ الْمَخُوفِ أَوْ مَعْرِفَةِ الْمَرِيضِ وَلَوْ بِالتَّجْرِبَةِ وَأَنَّهُ لَا يَضُرُّ بَقَاءُ أَثَرِهِ مِنْ ضَعْفِ الْحَرَكَةِ وَنَحْوِهِ. اهـ وَفِي ق ل مَا نَصُّهُ وَيُعْلَمُ الشِّفَاءُ بِقَوْلِ عَدْلٍ رِوَايَةً وَفِي التَّجْرِبَةِ مَا مَرَّ فِي التَّيَمُّمِ وَلَا يَصِحُّ إنْ عَلَّقَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ اهـ. وَلَوْ قَالَ: إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي عَمَّرْت مَسْجِدَ كَذَا أَوْ دَارَ زَيْدٍ أَوْ فَعَلَيَّ أَلْفُ دِينَارٍ فَلَغْوٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: الْعِتْقُ يَلْزَمُنِي مَا فَعَلْت كَذَا أَوْ فَعَلْته أَوْ لَا أَفْعَلُهُ أَوْ لَا فَعَلْته إذْ لَا تَعْلِيقَ وَلَا الْتِزَامَ وَالْعِتْقُ لَا يُحْلَفُ بِهِ لَكِنْ قَالَ شَيْخُنَا م ر: إنْ نَوَى الِالْتِزَامَ تَخَيَّرَ كَنَذْرِ اللَّجَاجِ. وَلَوْ قَالَ: مَالِي صَدَقَةٌ فَلَغْوٌ وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَمَالِي صَدَقَةٌ فَكَنَذْرِ اللَّجَاجِ أَوْ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَمَالِي صَدَقَةٌ فَتَبَرُّرٍ فَيَلْزَمُهُ صَرْفُ جَمِيعِ مَالِهِ لِلْفُقَرَاءِ وَلَوْ قَالَ: مَالِي طَالِقٌ فَإِنْ نَوَى النَّذْرَ فَكَاللَّجَاجِ وَإِلَّا فَلَغْوٌ وَلَوْ قَالَ: جَعَلْت هَذَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَحَّ وَصُرِفَ فِي
مَصَالِحِ
الْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ مِنْ بِنَاءٍ وَتَرْمِيمٍ وَإِنْ قَالَ: إنْ حَصَلَ لِي كَذَا جِئْت لَهُ بِكَذَا فَلَغْوٌ ق ل اهـ وَقَوْلُهُ: عَمَّرْت مَسْجِدَ كَذَا إلَخْ خَرَجَ بِهِ. مَا لَوْ قَالَ: عَلَيَّ عِمَارَةُ مَسْجِدِ كَذَا فَتَلْزَمُهُ عِمَارَتُهُ. وَيَخْرُجُ مِنْ عُهْدَةِ ذَلِكَ بِمَا يُسَمَّى عِمَارَةً لِمِثْلِ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ عُرْفًا. اهـ. ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (كَقَوْلِهِ) أَيْ لَا عَلَى وَجْهِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ. قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ الْجَزْمِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ جَمِيعَ النُّذُورِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى التَّعْلِيقِ لَيْسَ فِيهِ جَزْمٌ بِالْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: اللَّائِقُ بِالْقُرَبِ صِفَةً لِلْجَزْمِ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ الْقُرَبَ الْمُعَلَّقَةَ عَلَى شَيْءٍ لَيْسَ فِيهَا جَزْمٌ.
قَوْلُهُ: (نِعْمَةً مَقْصُودَةً) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَفْعُولٌ لِقَوْلِهِ: مَشِيئَةً أَيْ قَصْدَ أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ نِعْمَةً مَقْصُودَةً كَأَنْ يَشَاءَ الْعَفْوَ عَنْهُ أَوْ إكْرَامَهُ مَثَلًا كَإِنْ شَاءَ زَيْدٌ فَعَلَيَّ كَذَا وَقَصَدَ التَّعْلِيقَ عَلَى وُقُوعِ حُدُوثِ مَشِيئَةِ زَيْدٍ نِعْمَةً لَهُ.
قَوْلُهُ: (كَقُدُومِ زَيْدٍ) تَنْظِيرٌ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَصِحُّ نَذْرُ إلَخْ) فِيهِ تَغْيِيرُ إعْرَابِ الْمَتْنِ لِأَنَّ نَذْرَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ اسْمُ لَا النَّافِيَةِ لِلْجِنْسِ فَجَعَلَهُ الشَّارِحُ فَاعِلًا لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ. فَلَوْ قَالَ كَمَا قَالَ ابْنُ سم الْعَبَّادِيُّ: وَلَا نَذْرَ يَنْعَقِدُ فِي فِعْلِ مَعْصِيَةٍ إلَخْ لَسَلِمَ مِنْ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (إنْ قَتَلْت فُلَانًا) : مَا لَمْ يَكُنْ قَتْلُهُ قُرْبَةً فَإِنْ كَانَ كَالْحَرْبِيِّ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا الْتَزَمَ وَهَذَا ظَاهِرٌ.
قَوْلُهُ: (أَوْرَدَ فِي التَّوْشِيحِ) أَيْ عَلَى

(4/373)


اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» وَلَا تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ إنْ حَنِثَ. وَأَجَابَ النَّوَوِيُّ عَنْ خَبَرِ: «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ وَغَيْرُهُ يَحْمِلُهُ عَلَى نَذْرِ اللَّجَاجِ وَمَحَلُّ عَدَمِ لُزُومِهَا بِذَلِكَ. كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ: إذَا لَمْ يَنْوِ بِهِ الْيَمِينَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ آخِرًا. فَإِنْ نَوَى بِهِ الْيَمِينَ لَزِمْته الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ.
تَنْبِيهٌ: أَوْرَدَ فِي التَّوْشِيحِ إعْتَاقَ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ فَإِنَّ الرَّافِعِيَّ حَكَى عَنْ التَّتِمَّةِ أَنَّ نَذْرَهُ مُنْعَقِدٌ إنْ نَفَّذْنَا عِتْقَهُ فِي الْحَالِ أَوْ عِنْدَ أَدَاءِ الْمَالِ. وَذَكَرُوا فِي الرَّهْنِ أَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى عِتْقِ الْمَرْهُونِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ تَمَّ الْكَلَامَانِ كَانَ نَذْرًا فِي مَعْصِيَةٍ مُنْعَقِدًا، وَاسْتَثْنَى غَيْرُهُ مَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ، صَحَّ النَّذْرُ وَيُصَلِّي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ كَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي تَهْذِيبِهِ وَصَرَّحَ بِاسْتِثْنَائِهِ الْجُرْجَانِيِّ فِي إيضَاحِهِ. وَلَكِنْ جَزَمَ الْمَحَامِلِيُّ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ. وَرَجَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَكَذَا الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ الْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ: إنَّهُ الْأَقْرَبُ وَيَتَأَيَّدُ بِالنَّذْرِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ عَلَى الصَّحِيحِ.

(وَلَا يَلْزَمُ النَّذْرُ) بِمَعْنًى لَا يَنْعَقِدُ. (عَلَى تَرْكِ) فِعْلٍ (مُبَاحٍ أَوْ فِعْلِهِ كَقَوْلِهِ: لَا آكُلُ لَحْمًا وَلَا أَشْرَبُ لَبَنًا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «بَيْنَمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ إذْ رَأَى رَجُلًا قَائِمًا فِي الشَّمْسِ فَسَأَلَ عَنْهُ. فَقَالُوا: هَذَا أَبُو إسْرَائِيلَ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ وَلَا يَقْعُدَ وَلَا يَسْتَظِلَّ. وَلَا يَتَكَلَّمَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مُرُوهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ» . وَفَسَّرَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا الْمُبَاحَ بِمَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ تَرْغِيبٌ وَلَا تَرْهِيبٌ وَزَادَ فِي الْمَجْمُوعِ عَلَى ذَلِكَ وَاسْتَوَى فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ شَرْعًا كَنَوْمٍ وَأَكْلٍ وَسَوَاءٌ أَقَصَدَ بِالنَّوْمِ النَّشَاطَ عَلَى التَّهَجُّدِ وَبِالْأَكْلِ التَّقَوِّي عَلَى الْعِبَادَةِ أَمْ لَا. وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ كَمَا اخْتَارَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ فَالثَّوَابُ عَلَى الْقَصْدِ لَا الْفِعْلِ.
تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ التَّعْبِيرَ هُنَا بِنَفْيِ الِانْعِقَادِ الْمَعْلُومِ مِنْهُ. بِالْأَوْلَى مَا ذُكِرَ وَيُؤْخَذُ مِنْ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ أَنَّ النَّذْرَ بِتَرْكِ كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ لَا يَنْعَقِدُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الزَّوَائِدِ وَالْمَجْمُوعِ وَلَا يَلْزَمُ عَقْدُ النِّكَاحِ بِالنَّذْرِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلِهِمْ لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَعِبَارَةُ م ر وَلَا يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ صِحَّةُ إعْتَاقِ الرَّاهِنِ الْمُوسِرِ لِأَنَّهُ جَائِزٌ اهـ. وَعَلَيْهِ فَيَنْعَقِدُ نَذْرُهُ. قَوْلُهُ: (فِي الْحَالِ) بِأَنْ كَانَ مُوسِرًا عِنْدَ النَّذْرِ وَقَوْلُهُ: أَوْ عِنْدَ أَدَاءِ الْمَالِ أَيْ إنْ كَانَ مُعْسِرًا عِنْدَ النَّذْرِ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَلْغُو النَّذْرُ حِينَئِذٍ وَأَمَّا الْمُوسِرُ فَإِعْتَاقُهُ جَائِزٌ فَيَنْعَقِدُ نَذْرُهُ فَلَا إيرَادَ.
قَوْلُهُ: (لَا يَجُوزُ) أَيْ فِي الْمُعْسِرِ أَمَّا الْمُوسِرُ فَيَجُوزُ لَهُ الْعِتْقُ وَيَكُونُ قِيمَةُ الْعَبْدِ رَهْنًا مَكَانَهُ فَلَمْ يَتِمَّ الْكَلَامَانِ لِعَدَمِ تَوَارُدِهِمَا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ انْعِقَادَ النَّذْرِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُوسِرِ وَعَدَمُ جَوَازِهِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُعْسِرِ قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَمَّ) : أَيْ سَلِمَ الْكَلَامَانِ أَيْ قَوْلُهُ: إنَّ نَذْرَهُ مُنْعَقِدٌ إلَخْ وَقَوْلُهُ: وَذَكَرُوا إلَخْ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُمَا لَمْ يَتِمَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّ إعْتَاقَ الرَّاهِنِ الْمُوسِرِ جَائِزٌ وَيَنْعَقِدُ نَذْرُهُ فَقَوْلُهُ: وَذَكَرُوا فِي الرَّهْنِ أَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى عِتْقِ الْمَرْهُونِ لَا يَجُوزُ غَيْرُ تَامٍّ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ النَّذْرُ فِي الْمَعْصِيَةِ مُنْعَقِدًا. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (مُنْعَقِدًا) بِالنَّصْبِ فِي صِحَاحِ النُّسَخِ وَلَا وَجْهَ لِلرَّفْعِ الْمَوْجُودِ فِي نُسَخٍ إلَّا عَلَى جَعْلِهِ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ. قَوْلُهُ: (وَاسْتَثْنَى غَيْرُهُ) أَيْ عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ اسْتِثْنَائِهِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ.
قَوْلُهُ: (وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ) مُعْتَمَدٌ.
قَوْلُهُ: (وَيَتَأَيَّدُ) أَيْ وَيَتَقَوَّى.

قَوْلُهُ: (أَبُو إسْرَائِيلَ) وَاسْمُهُ قَيْصَرُ الْعَامِرِيُّ قَالَهُ الْحَافِظُ عَبْدُ الْعَظِيمِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ: اسْمُهُ قُشَيْرٌ وَقِيلَ بَشِيرٌ:. اهـ. دَمِيرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَسَوَاءٌ أَقَصَدَ بِالنَّوْمِ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ مَا وَصْفُهُ الْإِبَاحَةُ لَا يَكْفِي فِي صِحَّةِ نَذْرِهِ عُرُوضُ الطَّلَبِ لَهُ. قَوْلُهُ: (وَزَادَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ قَوْلَهُ: لَمْ يَرِدْ فِيهِ إلَخْ يُغْنِي عَنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ عَشْمَاوِيٌّ.
قَوْلُهُ: (فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ) هُوَ قَصْدُ الْعِبَادَةِ بِالْمُبَاحِ نَحْوُ النَّشَاطِ عَلَى التَّهَجُّدِ بِالنَّوْمِ. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ) أَيْ النَّذْرُ.
قَوْلُهُ: (كَمَا اخْتَارَهُ) رَاجِعٌ لِلْمَنْفِيِّ.
قَوْلُهُ: (بِنَفْيِ الِانْعِقَادِ) لِاقْتِضَاءِ نَفْيِ اللُّزُومِ الَّذِي عَبَّرَ بِهِ التَّخْيِيرَ بَيْنَ مَا الْتَزَمَهُ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَلَيْسَ مُرَادًا. قَوْلُهُ: (الْمَعْلُومُ مِنْهُ بِالْأَوْلَى مَا ذُكِرَ) أَيْ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ نَفْيِ اللُّزُومِ وَفِي نُسَخٍ مَا ذَكَرَهُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَلْزَمُ عَقْدُ النِّكَاحِ بِالنَّذْرِ) أَيْ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ مَا وَضْعُهُ الْإِبَاحَةُ لَا يَنْعَقِدُ

(4/374)


ابْنُ الْمُقْرِي هُنَا، وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، إنْ كَانَ مَنْدُوبًا وَفِي فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ أَنَّ قَوْلَ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي إنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَهَبَك أَلْفًا لَغْوٌ. لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ وَإِنْ كَانَتْ قُرْبَةً فِي نَفْسِهَا إلَّا أَنَّهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَيْسَتْ قُرْبَةً وَلَا مُحَرَّمَةً. فَكَانَتْ مُبَاحَةً كَذَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي وَالْأَوْجَهُ انْعِقَادُ النَّذْرِ كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ. وَفِي فَتَاوَى بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ يَصِحُّ نَذْرُ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا بِمَا وَجَبَ لَهَا عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ. وَيَبْرَأُ الزَّوْجُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَالِمَةً بِالْمِقْدَارِ قِيَاسًا مَا إذَا قَالَ: نَذَرْت لِزَيْدٍ ثَمَرَةَ بُسْتَانِي مُدَّةَ حَيَاتِهِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ وَقِيَاسًا عَلَى صِحَّةِ وَقْفِ مَا لَمْ يَرَهُ كَمَا اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ وَتُوبِعَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مُعَيَّنًا أَوْ جِهَةً عَامَّةً.

خَاتِمَةٌ فِيهَا مَسَائِلُ مُهِمَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِالنَّذْرِ: مَنْ نَذَرَ إتْمَامَ نَفْلٍ لَزِمَهُ إتْمَامُهُ أَوْ نَذَرَ صَوْمَ بَعْضِ يَوْمٍ لَمْ يَنْعَقِدْ أَوْ نَذَرَ إتْيَانَ الْحَرَمِ أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ لَزِمَهُ نُسُكٌ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ. أَوْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَيْهِ لَزِمَهُ مَعَ نُسُكٍ مَشْيٌ مِنْ مَسْكَنِهِ، أَوْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ أَوْ يَعْتَمِرَ مَاشِيًا أَوْ عَكْسُهُ لَزِمَهُ مَعَ ذَلِكَ مَشْيٌ مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ، فَإِنْ رَكِبَ وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ أَجْزَأَهُ وَلَزِمَهُ دَمٌ وَإِنْ رَكِبَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
نَذْرُهُ إذَا عَرَضَ طَلَبُهُ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ) هُوَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ حَيْثُ قَالَ: يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ عِنْدَ التَّوَقَانِ وَوُجُوهِ الْأُهْبَةِ اهـ أج.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ مَنْدُوبًا) بِأَنْ كَانَ تَائِقًا وَوَجَدَ أُهْبَتَهُ. قَوْلُهُ: (لَغْوٌ) ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ الصِّحَّةُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمُبَاحَ) كَالْهِبَةِ هُنَا.
قَوْلُهُ: (وَالْأَوْجَهُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَهُوَ مِنْ نَذْرِ اللَّجَاجِ وَقِيلَ: مِنْ نَذْرِ التَّبَرُّرِ.
قَوْلُهُ: (نَذْرُ الْمَرْأَةِ) كَنَذَرْتُ لِزَوْجِي مَا وَجَبَ لِي عَلَيْهِ مِنْ الْحُقُوقِ وَكَأَنَّهَا أَبْرَأَتْهُ مِنْ ذَلِكَ فَيَبْرَأُ الزَّوْجُ وَيَكُونُ ذَلِكَ حِيلَةً فِي صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمُبْرَأِ وَيُغْتَفَرُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ مَعْدُومًا وَمَجْهُولًا وَوَجْهُ ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يُبَاحُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتْرُكَ لِزَوْجِهَا حَقَّهَا فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ نَذْرُهُ أَيْ التَّرْكُ لِإِبَاحَتِهِ فِي حَقِّهَا. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمَوْقُوفُ) أَيْ وَإِذَا كَانَ مُعَيَّنًا فَهُوَ نَظِيرُ مَسْأَلَتِنَا أَيْ فَيَكُونُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنُ الَّذِي لَمْ يَرَ الْمَوْقُوفُ نَظِيرَ الزَّوْجِ الَّذِي لَمْ يَرَ الْمُبْرَأَ مِنْهُ.

[خَاتِمَةٌ فِيهَا مَسَائِلُ مُهِمَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِالنَّذْرِ]
قَوْلُهُ: (خَاتِمَةٌ) جُمْلَتُهَا سِتَّ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً. قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ) أَيْ لَزِمَهُ إتْمَامُهُ إذَا شَرَعَ فِيهِ أَمَّا نَفْسُ النَّفْلِ فَلَا يَلْزَمُهُ بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى نَفْلِيَّتِهِ وَفَائِدَةُ نَذْرِ إتْمَامِهِ حُرْمَةُ إبْطَالِهِ فَيُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ النَّفْلِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْحَرَمِ وَكَذَا مِنْ غَيْرِهِ مِنْ أَجْزَاءِ مَكَّةَ كَدَارِ الْعَبَّاسِ. اهـ. ق ل قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: لِأَنَّ مُطْلَقَ كَلَامِ النَّاذِرِينَ يُحْمَلُ عَلَى مَا ثَبَتَ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ كَمَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ يُحْمَلُ عَلَى الصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّةِ لَا الدُّعَاءِ، وَالْمَعْهُودُ فِي الشَّرْعِ قَصْدُ الْكَعْبَةِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَحُمِلَ النَّذْرُ عَلَيْهِ سم.
وَقَالَ الزِّيَادِيُّ: لِأَنَّ ذِكْرَ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ أَوْ جُزْءٍ مِنْ الْحَرَمِ صَارَ مَوْضُوعًا شَرْعًا عَلَى الْتِزَامِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ اهـ. وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَزِمَهُ نُسُكٌ وَإِنْ نَفَى ذَلِكَ فِي نَذْرِهِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر بِأَنْ قَالَ: بِلَا حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَيَلْغُو النَّفْيُ قَالَ ع ش عَلَى م ر وَقَوْلُهُ: وَإِنْ نَفَى ذَلِكَ فِي نَذْرِهِ بِخِلَافِ مَنْ نَذَرَ التَّضْحِيَةَ بِشَاةٍ مُعَيَّنَةٍ عَلَى أَنْ لَا يُفَرِّقَ لَحْمَهَا فَإِنَّ النَّذْرَ يَلْغُو وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ النَّذْرَ وَالشَّرْطَ هُنَا تَضَادَّا فِي مُعَيَّنٍ وَاحِدٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِاقْتِضَاءِ الْأَوَّلِ خُرُوجَهَا عَنْ مِلْكِهِ بِمُجَرَّدِ النَّذْرِ وَالثَّانِي بَقَاءَهَا فِي مِلْكِهِ بَعْدَ النَّذْرِ بِخِلَافِهِمَا ثَمَّ فَإِنَّهُمَا لَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى شَيْءٍ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِتْيَانَ غَيْرُ النُّسُكِ فَلَمْ يُضَادَّ نَفْيُهُ الْإِتْيَانَ. اهـ. حَجّ بِحُرُوفِهِ وَمِثْلُهُ. وَفِي ق ل قَالَ ز ي: وَمَنْ نَذَرَ إتْيَانَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهُوَ دَاخِلَ الْحَرَمِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَمَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَلَهُ احْتِمَالٌ بِاللُّزُومِ وَهُوَ الْمُتَّجِهُ لِأَنَّ ذِكْرَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ أَوْ جُزْءٍ مِنْ الْحَرَمِ فِي النَّذْرِ صَارَ مَوْضُوعًا شَرْعًا عَلَى الْتِزَامِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ. وَمَنْ بِالْحَرَمِ يَصِحُّ نَذْرُهُ لَهُمَا فَيَلْزَمُهُ هُنَا أَحَدُهُمَا وَإِنْ نَذَرَ ذَلِكَ وَهُوَ فِي الْكَعْبَةِ أَوْ الْمَسْجِدِ حَوْلَهَا اهـ. وَلَوْ نَذَرَ الْمَشْيَ مَثَلًا إلَى عَرَفَاتٍ فَإِنْ نَوَى الْحَجَّ مَثَلًا لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. ق ل. لِأَنَّ عَرَفَاتٍ: لَيْسَتْ مِنْ الْحَرَمِ.
قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ مَعَ نُسُكٍ مَشْيٌ) وَالثَّانِي لَهُ الرُّكُوبُ كَمَا لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ قَاعِدًا فَلَهُ الْقِيَامُ. وَفُرِّقَ بِأَنَّ مَا هُنَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ بِالْمَالِ وَبِأَنَّ الْمَنْذُورَ هُنَا وَصْفٌ وَذَاكَ جُزْءٌ فَهُوَ كَإِجْزَائِهِ عَنْ شَاةٍ مَنْذُورَةٍ ق ل.
قَوْلُهُ: (مِنْ مَسْكَنِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْمَشْيِ لَا بِالنُّسُكِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ أَوْ يَعْتَمِرَ) كَذَا فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَسَقَطَ مِنْهُ لَفْظُ مَاشِيًا سَهْوًا وَقَوْلُهُ: أَوْ عَكْسُهُ أَيْ نَذَرَ يَمْشِي حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا كَذَا فِي

(4/375)


بِعُذْرٍ وَلَوْ نَذَرَ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا فِي وَقْتٍ فَفَاتَهُ وَلَوْ بِعُذْرٍ. وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ وَلَوْ نَذَرَ إهْدَاءَ شَيْءٍ إلَى الْحَرَمِ لَزِمَهُ حَمْلُهُ إلَيْهِ إنْ سَهُلَ. وَلَزِمَهُ صَرْفُهُ بَعْدَ ذَبْحِ مَا يُذْبَحُ مِنْهُ لِمَسَاكِينِهِ. أَمَّا إذَا لَمْ يَسْهُلْ حَمْلُهُ كَعَقَارٍ فَيَلْزَمُهُ حَمْلُ ثَمَنِهِ إلَى الْحَرَمِ.

وَلَوْ نَذَرَ تَصَدُّقًا بِشَيْءٍ عَلَى أَهْلِ بَلَدٍ مُعَيَّنٍ لَزِمَهُ صَرْفُهُ لِمَسَاكِينِهِ الْمُسْلِمِينَ. وَلَوْ نَذَرَ صَلَاةً قَاعِدًا جَازَ فِعْلُهَا قَائِمًا لِإِتْيَانِهِ بِالْأَفْضَلِ لَا عَكْسُهُ وَلَوْ نَذَرَ عِتْقًا أَجْزَأَهُ رَقَبَةٌ وَلَوْ نَاقِصَةً بِكُفْرٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ نَذَرَ عِتْقَ نَاقِصَةٍ أَجْزَأَهُ رَقَبَةٌ كَامِلَةٌ، فَإِنْ عَيَّنَ نَاقِصَةً كَأَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ هَذَا الرَّقِيقِ الْكَافِرِ. تَعَيَّنَتْ وَلَوْ نَذَرَ زَيْتًا أَوْ شَمْعًا لِإِسْرَاجِ مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ وَقَفَ مَا يَشْتَرِيَانِ بِهِ مِنْ غَلَّتِهِ صَحَّ كُلٌّ مِنْ النَّذْرِ وَالْوَقْفِ، وَإِنْ كَانَ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ أَوْ غَيْرَهُ مَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ مِنْ نَحْوِ مُصَلٍّ أَوْ نَائِمٍ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ. وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَفْضَلِ الْأَوْقَاتِ، فَقِيَاسُ مَا قَالُوهُ فِي الطَّلَاقِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ أَوْ فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ رَكِبَ) أَيْ حَيْثُ لَزِمَهُ الْمَشْيُ وَالْمُرَادُ بِهِ فِي غَيْرِ وَقْتِ نُزُولِهِ أَوْ ذَهَابِهِ لِنَحْوِ اسْتِقَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ الرُّكُوبُ يَسِيرًا وَالْمُرَادُ لَمْ يَمْشِ وَلَوْ كَانَ فِي سَفِينَةٍ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُقَلْ لَهُ أَنَّهُ رَاكِبٌ لَكِنَّهُ غَيْرُ مَاشٍ وَهُوَ مُرَادُهُ بِالرُّكُوبِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَمْشِ فَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَوْلَى ح ل بِزِيَادَةٍ فِي ق ل فَرْعٌ هَلْ مِنْ الرُّكُوبِ السَّفِينَةُ؟ تَرَدَّدَ فِيهِ شَيْخُنَا. وَمَالَ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى رُكُوبًا عُرْفًا إذْ لَا يَحْنَثُ بِهِ مَنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ وَفِيهِ نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْمَنْذُورَ هُنَا الْمَشْيُ وَهَذَا لَا يُسَمَّى مَشْيًا اتِّفَاقًا وَأَمَّا ثَانِيًا فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالرُّكُوبِ هُنَا مَا يُقَابِلُ الْمَشْيَ وَهَذَا مِمَّا يُقَابِلُهُ قَطْعًا مَعَ أَنَّ كَوْنَ رُكُوبِ السَّفِينَةِ لَا يُسَمَّى رُكُوبًا عُرْفًا فِيهِ مَنْعٌ ظَاهِرٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا} [هود: 41] فَإِنْ قِيلَ: لَا يَتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ، قُلْنَا: يُشَارِكُهُ فِي ذَلِكَ رُكُوبُ نَحْوِ غَزَالٍ وَقِرْدٍ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (وَلَزِمَ دَمٌ) وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَكَرَّرَ الدَّمُ بِتَكَرُّرِ الرُّكُوبِ قِيَاسًا عَلَى اللُّبْسِ بِأَنْ يَتَخَلَّلَ بَيْنَ الرُّكُوبَيْنِ مَشْيٌ قَالَهُ ع ش عَلَى م ر وَفِي ق ل مَا نَصُّهُ: وَلَا يَتَعَدَّدُ الدَّمُ بِتَعَدُّدِ الرُّكُوبِ. إلَّا إنْ تَخَلَّلَهُ مَشْيٌ لَا فِي نَحْوِ حَطٍّ وَتَرْحَالٍ وَنُزُولٍ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ وَهَكَذَا وَمَتَى فَسَدَ نُسُكُهُ سَقَطَ عَنْهُ وُجُوبُ الْمَشْيِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ الْمُجْزِئُ عَنْ النَّذْرِ قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ فِي الْقَضَاءِ فِي مَحَلٍّ رَكِبَ فِيهِ فِي الْأَصْلِ وَإِلَّا فَلَا وَفِيهِ نَظَرٌ فَرَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ رَكِبَ بِعُذْرٍ) غَايَةً وَمَحَلُّ لُزُومِ الدَّمِ إنْ عَرَضَ الْعَجْزُ بَعْدَ النَّذْرِ وَإِلَّا كَأَنْ نَذَرَهُ وَهُوَ عَاجِزٌ فَإِنَّهُ وَإِنْ صَحَّ نَذْرُهُ لَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ وَلَا الدَّمُ إذَا رَكِبَ وَفَائِدَةُ انْعِقَادِ نَذْرِهِ احْتِمَالُ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْمَشْيِ بَعْدَ ذَلِكَ. اهـ. س ل مَعَ زِيَادَةِ قَوْلِهِ: (صَلَاةً أَوْ صَوْمًا) أَيْ أَوْ غَيْرَهُمَا.

[فَرْعٌ النَّذْرُ لِلْكَعْبَةِ]
ِ إنْ نَوَى النَّاذِرُ شَيْئًا اُتُّبِعَ كَسَتْرٍ وَطِيبٍ وَإِلَّا صُرِفَ لِمَصَالِحِهَا، مِنْ كِسْوَةٍ وَنَحْوِهَا. حَتَّى نَحْوِ الشَّمْعِ وَالزَّيْتِ فَيُصْرَفُ لِمَصَالِحِهَا إنْ لَمْ يُحْتَجْ لِلْإِسْرَاجِ بِهِ قَوْلُهُ: (أَوْ شَمْعًا) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا. قَوْلُهُ: (مَا) أَيْ شَيْئًا كَعَقَارٍ وَقَوْلُهُ: يَشْتَرِيَانِ أَيْ الزَّيْتَ وَالشَّمْعَ بِهِ أَيْ بِذَلِكَ الشَّيْءِ أَيْ بِغَلَّتِهِ فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: مِنْ غَلَّتِهِ وَلَوْ قَالَ الشَّارِحُ: بِغَلَّتِهِ لِيَكُونَ بَدَلًا مِنْ الضَّمِيرِ فِي بِهِ لَكَانَ أَوْلَى إلَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ بِمَعْنَى الْبَاءِ وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ بَدَلٌ مِنْ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ قَبْلَهُ.
قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ إلَخْ) وَإِنْ قَصَدَ بِهِ وَهُوَ الْغَالِبُ مِنْ الْعَامَّةِ تَعْظِيمُ الْبُقْعَةِ وَالْقَبْرِ وَالتَّقَرُّبُ إلَى مَنْ دُفِنَ فِيهَا أَوْ نُسِبَ إلَيْهِ فَهَذَا نَذْرٌ بَاطِلٌ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ فَإِنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ لِهَذِهِ الْأَمَاكِنِ خُصُوصِيَّاتٍ لِأَنْفُسِهِمْ وَيَرَوْنَ أَنَّ النَّذْرَ لَهَا مِمَّا يَنْدَفِعُ بِهِ الْبَلَاءُ. اهـ. شَرْحُ الرَّوْضِ.
قَوْلُهُ: (وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ) فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ مَالِكِهِ لَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ مَنْ دَفَعَهُ لَهُ فَإِنْ مَاتَ دَفَعَ لِوَارِثِهِ إنْ عَلِمَ وَإِلَّا صَارَ لِلْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ إنْ لَمْ يَتَوَقَّعْ مَعْرِفَتُهُ وَإِلَّا وَجَبَ حِفْظُهُ حَتَّى يُدْفَعَ لَهُ.
قَوْلُهُ: (فَقِيَاسُ) مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَبَرٌ أَيْ فَيُصَلِّي فِي لَيَالِي الْعَشْرِ كُلِّهَا حَتَّى يَبْرَأَ بِيَقِينٍ. وَصُورَةُ الطَّلَاقِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي أَفْضَلِ الْأَوْقَاتِ فَتَطْلُقُ بِمُضِيِّ رَمَضَانَ وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مُنْفَرِدًا قَالَ م ر: صَحَّ نَذْرُهُ لِأَنَّ صَوْمَهُ عِبَادَةٌ وَإِنَّمَا الْكَرَاهَةُ فِي إفْرَادِهِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ مِنْ أُسْبُوعٍ ثُمَّ نَسِيَهُ صَامَ آخِرَ يَوْمٍ وَهُوَ: الْجُمُعَةُ فَإِنْ كَانَ هُوَ الْمَنْذُورُ وَقَعَ أَدَاءً

(4/376)


أَحَبِّ الْأَوْقَاتِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى قَالَ الزَّرْكَشِيّ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ نَذْرُهُ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي الصِّحَّةُ وَيَكُونُ كَنَذْرِهِ فِي أَفْضَلِ الْأَوْقَاتِ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْبُدَ اللَّهَ بِعِبَادَةٍ لَا يُشْرِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ. فَقِيلَ: يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَحْدَهُ، وَقِيلَ يُصَلِّي دَاخِلَ الْبَيْتِ وَحْدَهُ، وَقِيلَ يَتَوَلَّى الْإِمَامَةَ الْعُظْمَى وَيَنْبَغِي أَنْ يَكْفِيَ وَاحِدٌ مِنْ ذَلِكَ وَمَا وَرَدَ بِهِ مِنْ أَنَّ الْبَيْتَ لَا يَخْلُو عَنْ طَائِفٍ مِنْ مَلَكٍ أَوْ غَيْرِهِ مَرْدُودٌ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَا فِي ظَاهِرِ الْحَالِ، وَذَكَرْت فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ هُنَا فُرُوعًا مُهِمَّةً لَا يَحْتَمِلُهَا هَذَا الْمُخْتَصَرُ فَمَنْ أَرَادَهَا فَلْيُرَاجِعْهَا فِي ذَلِكَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية البجيرمي]
وَإِلَّا فَقَضَاءً وَالْكَرَاهَةُ خَاصَّةً بِالنَّفْلِ وَهَذَا فَرْضٌ. اهـ. ز ي.
قَوْلُهُ: (وَقِيلَ يَتَوَلَّى الْإِمَامَةَ الْعُظْمَى) أَيْ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يَكُونُ إلَّا وَاحِدًا فَإِذَا قَامَ بِهِ وَاحِدٌ فَقَدْ انْفَرَدَ بِعِبَادَةٍ هِيَ أَعْظَمُ الْعِبَادَاتِ وَعَلَيْهِ قَوْلُ سُلَيْمَانَ: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص: 35] فَإِنَّهُ انْفَرَدَ بِهَذِهِ الْعِبَادَةِ وَهِيَ الْقِيَامُ بِمَصَالِحِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَغَيْرِهِمَا اهـ تَجْرِيدٌ اهـ خ ض.
فَائِدَةٌ: قَدْ اخْتَلَفَ مَنْ أَدْرَكْنَاهُ مِنْ الْعُلَمَاء فِي نَذْرِ مَنْ اقْتَرَضَ شَيْئًا لِمُقْرِضِهِ كُلَّ يَوْمٍ كَذَا مَا دَامَ دَيْنُهُ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ فِي ذِمَّتِهِ فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْخَاصِّ غَيْرَ قُرْبَةٍ بَلْ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى رِبَا النَّسِيئَةِ. وَهُوَ تَأْخِيرُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ، إلَى صِحَّتِهِ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ نِعْمَةِ رِبْحِ الْمُقْرِضِ أَوْ انْدِفَاعِ نِقْمَةِ الْمُطَالَبَةِ إنْ احْتَاجَ لِبَقَائِهِ فِي ذِمَّتِهِ لِارْتِفَاقٍ وَنَحْوِهِ وَلِأَنَّهُ يُسَنُّ لِلْمُقْتَرِضِ رَدُّ زِيَادَةٍ مِمَّا اقْتَرَضَهُ فَإِذَا الْتَزَمَهَا ابْتِدَاءً بِالنَّذْرِ لَزِمَتْهُ فَهُوَ حِينَئِذٍ مُكَافَأَةُ إحْسَانٍ لَا وَصْلَةٌ لِلرِّبَا إذْ هُوَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي عَقْدٍ كَبَيْعٍ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ النَّذْرَ فِي عَقْدِ الْقَرْضِ كَانَ رِبًا وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ مَالِ الْيَتِيمِ وَغَيْرِهِ وَلَا وَجْهَ لَهُ شَرْحُ م ر. قَالَ ع ش: عَلَيْهِ مَحَلُّ الصِّحَّةِ حَيْثُ نَذَرَ لِمَنْ يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ لَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَذَرَ لِأَحَدِ بَنِي هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ فَلَا يَنْعَقِدُ لِحُرْمَةِ الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ كَالزَّكَاةِ وَالنَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ عَلَيْهِمْ اهـ. وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: مَا دَامَ مَبْلَغُ الْقَرْضِ فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ دَفَعَ الْمُقْتَرِضُ شَيْئًا مِنْهُ بَطَلَ حُكْمُ النَّذْرِ لِانْقِطَاعِ الدَّيْمُومَةِ شَرْحُ م ر. وَمَرَّ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ شَيْئًا لِذِمِّيٍّ أَوْ مُبْتَدِعٍ وَمِثْلُهُ مُرْتَكِبُ كَبِيرَةٍ جَازَ صَرْفُهُ لِمُسْلِمٍ أَوْ سُنِّيٍّ وَعَلَيْهِ فَلَوْ اقْتَرَضَ مِنْ ذِمِّيٍّ وَنَذَرَ لَهُ شَيْئًا مَا دَامَ دَيْنُهُ فِي ذِمَّتِهِ انْعَقَدَ نَذْرُهُ لَكِنْ يَجُوزُ دَفْعُهُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَتَفَطَّنْ لَهُ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ اقْتَرَضَ الذِّمِّيُّ مِنْ مُسْلِمٍ وَنَذَرَ لَهُ شَيْئًا مَا دَامَ الدَّيْنُ عَلَيْهِ. فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ نَذْرُهُ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ شَرْطَ النَّاذِرِ الْإِسْلَامُ اهـ. قَالَ الشَّيْخُ س ل: فَإِذَا دَفَعَ النَّاذِرُ مُدَّةً ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ الذِّمِّيَّ دَفَعَهُ مِنْ أَصْلِ الْمَالِ الْمُقْرَضِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَبَقِيَ النَّذْرُ بِذِمَّتِهِ اهـ. وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر وَلَوْ دَفَعَ لِلْمُقْرِضِ مَالًا مُدَّةً وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ حَالَ الْإِعْطَاءِ أَنَّهُ عَنْ الْقَرْضِ وَلَا عَنْ النَّذْرِ ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ ادَّعَى أَنَّهُ نَوَى دَفْعَهُ عَنْ الْقَرْضِ قُبِلَ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ الْمَدْفُوعُ يَسْتَغْرِقُ الْقَرْضَ سَقَطَ حُكْمُ النَّذْرِ مِنْ حِينَئِذٍ وَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِمُقْتَضَى النَّذْرِ إلَى بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ ذَكَرَ حَالَ الدَّفْعِ أَنَّهُ عَنْ النَّذْرِ فَلَا يُقْبَلُ دَعْوَاهُ بَعْدَ أَنَّهُ قَصَدَ غَيْرَهُ وَكَاعْتِرَافِهِ بِأَنَّهُ عَنْ نَذْرِ الْقَرْضِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ كِتَابَةِ الْوُصُولَاتِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى أَنَّ الْمَأْخُوذَ عَنْ نَذْرِ الْقَرْضِ حَيْثُ اعْتَرَفَ حَالَ كِتَابَتِهَا أَوْ بَعْدَهَا بِمَا فِيهَا فَافْهَمْ اهـ.

(4/377)