فتوحات
الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب المعروف بحاشية الجمل (بَابُ صِفَةِ النُّسُكِ)
(الْأَفْضَلُ) لِمُحْرِمٍ بِحَجٍّ وَلَوْ قَارِنًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
تَعَلَّقَ بِأَسْتَارِهَا يَسْعَوْنَ خَلْفَهَا حَتَّى تَدْخُلَ الْجَنَّةَ
فَيَدْخُلُونَ مَعَهَا اهـ. ح ف نَقْلًا عَنْ الْأُجْهُورِيِّ، وَقَوْلُهُ
وَكَانُوا ثَمَانِينَ أَلْفًا فِيهِ قُصُورٌ، وَاَلَّذِي فِي الْمَوَاهِبِ
اللَّدُنِّيَّةِ أَنَّ الَّذِينَ خَرَجُوا مَعَهُ مِنْ الْمَدِينَةِ فِي
حَجَّةِ الْوَدَاعِ كَانُوا مِائَةَ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفًا
وَقِيلَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ شَارِحُهُ: وَهَذَا غَيْرُ مَنْ
اجْتَمَعَ عَلَيْهِ فِي عَرَفَةَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَقَبَائِلِ
الْعَرَبِ وَوُفُودِ أَهْلِ الْيَمَنِ وَغَيْرِهِمْ فَهَذَا عَدَدٌ كَثِيرٌ
تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: عَنْ مُجَاهِدٍ) هُوَ أَبُو الْحَجَّاجِ مُجَاهِدُ بْنُ خَيْرٍ
الْمَخْزُومِيُّ التَّابِعِيُّ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ وَغَيْرَهُ وَرَوَى
عَنْهُ طَاوُسٌ وَغَيْرُهُ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ مِائَةٍ أَوْ إحْدَى أَوْ
اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ وَمِائَةٍ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ
سَنَةٍ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ قَالَ لَبَّيْكَ
إنَّ الْعَيْشَ إلَخْ.
وَعِبَارَةُ زي قَوْلُهُ لَبَّيْكَ إلَخْ وَيَظْهَرُ تَأْيِيدُ
الْإِتْيَانِ بِلَبَّيْكَ بِالْمُحْرِمِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيَقُولُ
اللَّهُمَّ إنَّ الْعَيْشَ إلَخْ كَمَا جَاءَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخَنْدَقِ اهـ. حَجّ انْتَهَتْ اهـ. ع ش عَلَى
م ر.
وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ مَعَ شَرْحِ م ر كَعِبَارَتِهِ هُنَا مَتْنًا
وَشَرْحًا.
وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ قَوْلُهُ: لَبَّيْكَ أَيْ إنْ كَانَ مُحْرِمًا
وَإِلَّا قَالَ اللَّهُمَّ إنَّ الْعَيْشَ إلَخْ كَمَا جَاءَ عَنْهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْخَنْدَقِ كَمَا يَأْتِي فِي
الشَّارِحِ وَلَا يَقُولُ لَبَّيْكَ فَإِنْ قَالَهَا هَلْ يُكْرَهُ أَوْ
لَا؟ حَرِّرْهُ وَلَا بَأْسَ بِالْجَوَابِ بِلَبَّيْكَ بَلْ هُوَ
مَنْدُوبٌ، وَقَدْ ضَمَّنَ بَعْضُهُمْ مَعْنَى ذَلِكَ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ
فِي قَوْلِهِ:
لَا تَرْغَبَنَّ إلَى الثِّيَابِ الْفَاخِرَهْ ... وَاذْكُرْ عِظَامَك
حِينَ تُمْسِي نَاخِرَهْ
وَإِذَا رَأَيْت زَخَارِفَ الدُّنْيَا فَقُلْ ... اللَّهُمَّ إنَّ
الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَهْ
انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ يُصَلِّي) عَطْفٌ عَلَى الْمَصْدَرِ قَبْلَهُ فَهُوَ
عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ وَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وَتَقَرَّ عَيْنِي فَيُفِيدُ
سَنَّ الْمَذْكُورَاتِ اهـ. شَيْخُنَا (تَنْبِيهٌ)
ظَاهِرُ الْمَتْنِ أَنَّ الْمُرَادَ بِتَلْبِيَتِهِ الَّتِي أَرَادَهَا
فَلَوْ أَرَادَهَا مَرَّاتٍ كَثِيرَةٍ لَمْ تُسَنَّ الصَّلَاةُ ثُمَّ
الدُّعَاءُ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الْكُلِّ وَهُوَ ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ
لِأَصْلِ السُّنَّةِ، وَأَمَّا كَمَالُهَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْصُلَ
إلَّا بِأَنْ يُصَلِّيَ ثُمَّ يَدْعُوَ عَقِبَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثَ
مَرَّاتٍ فَيَأْتِي بِالتَّلْبِيَةِ ثَلَاثًا ثُمَّ الدُّعَاءِ ثُمَّ
الصَّلَاةِ ثَلَاثًا وَهَكَذَا، ثُمَّ رَأَيْت عِبَارَةَ إيضَاحِ
الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ وَظَاهِرُهُ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ. اهـ. حَجّ اهـ. ع
ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: عَلَى النَّبِيِّ) أَيْ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ كَذَلِكَ
وَيُكَرِّرُهَا ثَلَاثًا وَتَحْصُلُ بِأَيِّ صِيغَةٍ كَانَتْ لَكِنَّ
الْإِبْرَاهِيمِيَّة أَفْضَلُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَيَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ) بِأَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ
إنِّي أَسْأَلُك رِضَاك وَالْجَنَّةَ وَأَعُوذُ بِك مِنْ سَخَطِك
وَالنَّارِ وَيُسَنُّ أَنْ يَدْعُوَ بِمَا شَاءَ دِينًا وَدُنْيَا وَمِنْهُ
اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لَك وَلِرَسُولِك
وَآمَنُوا بِك وَوَثِقُوا بِوَعْدِك وَوَفَّوْا بِعَهْدِك وَاتَّبَعُوا
أَمْرَك اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ وَفْدِك الَّذِينَ رَضِيت وَارْتَضَيْت
اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي أَدَاءَ مَا نَوَيْت وَتَقَبَّلْ مِنِّي مَا
أَدَّيْت يَا كَرِيمُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَيَسْتَعِيذُ مِنْ النَّارِ) أَيْ بِأَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ
إنِّي أَسْأَلُك رِضَاك وَالْجَنَّةَ وَأَعُوذُ بِك مِنْ النَّارِ. اهـ. ع
ش عَلَى م ر ثُمَّ يَدْعُو بِمَا أَحَبَّ لِنَفْسِهِ وَمَنْ أَحَبَّهُ اهـ.
إيضَاحٌ.
(قَوْلُهُ: وَضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ) أَيْ مِنْ حَيْثُ دَلِيلُهُ وَإِلَّا
فَالْحُكْمُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ اهـ. شَيْخُنَا.
وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ قَوْلُهُ وَضَعَّفَهُ أَيْ هَذَا الْحَدِيثَ
الَّذِي فِيهِ السُّؤَالُ، وَلَيْسَ التَّضْعِيفُ رَاجِعًا لِلصَّلَاةِ
عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خِلَافًا لِمَا
يُوهِمُهُ كَلَامُ الشَّارِحِ انْتَهَتْ.
[بَابُ صِفَةِ النُّسُكِ]
(بَابُ صِفَةِ النُّسُكِ) أَيْ الْكَيْفِيَّةِ الْمَطْلُوبَةِ فِيهِ مِنْ
حِينِ الْإِحْرَامِ بِهِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. أَيْ إلَى حِينِ التَّحَلُّلِ،
بَلْ وَبَعْدَ التَّحَلُّلِ لِيَدْخُلَ الْكَلَامُ عَلَى طَوَافِ
الْوَدَاعِ، وَهَذَا الْبَابُ يَنْتَهِي إلَى بَابِ مُحَرَّمَاتِ
الْإِحْرَامِ وَقَدْ ذُكِرَ فِيهِ خَمْسَةُ فُصُولٍ: فَصْلُ وَاجِبَاتِ
الطَّوَافِ، فَصْلُ سُنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَخْطُبَ بِمَكَّةَ، فَصْلٌ فِي
الْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ، فَصْلٌ فِي الْمَبِيتِ بِمِنًى، فَصْلٌ فِي
أَرْكَانِ الْحَجِّ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: الْأَفْضَلُ لِمُحْرِمٍ إلَخْ) التَّقْيِيدُ بِهِ مُحْتَاجٌ
إلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ لِلسَّنَةِ الْأُولَى وَهِيَ قَوْلُهُ قَبْلَ
الْوُقُوفِ إذْ الْوُقُوفُ لَا يَكُونُ إلَّا لِمُحْرِمٍ بِالْحَجِّ
وَحْدَهُ أَوْ قِرَانًا وَغَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ، بَلْ لَا يَنْبَغِي
بِالنَّظَرِ لِلسُّنَنِ الْآتِيَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ وَمِنْ ثَنِيَّةِ
كَذَا، وَقَوْلُهُ وَأَنْ يَقُولَ إلَخْ، وَقَوْلُهُ وَيَدْخُلُ
الْمَسْجِدَ إلَخْ، وَقَوْلُهُ وَيَبْدَأُ بِطَوَافِ قُدُومٍ إلَخْ
فَهَذِهِ السُّنَنُ الْأَرْبَعُ لَا تَتَقَيَّدُ بِالْمُحْرِمِ فَضْلًا
عَنْ كَوْنِهِ بِحَجٍّ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ صَنِيعِ الشَّارِحِ فِيمَا
يَأْتِي.
(قَوْلُهُ: الْأَفْضَلُ دُخُولُ مَكَّةَ) بِالْمِيمِ وَيُقَالُ بَكَّةَ
بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ بَدَلَ الْمِيمِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ
وَهُمَا اسْمَانِ لِلْبَلَدِ وَقِيلَ مَكَّةُ اسْمٌ لِلْحَرَمِ وَبَكَّةُ
اسْمٌ لِلْمَسْجِدِ وَقِيلَ مَكَّةُ لِلْبَلَدِ
(2/419)
(دُخُولُهُ مَكَّةَ قَبْلَ وُقُوفٍ)
بِعَرَفَةَ اقْتِدَاءً بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَبِأَصْحَابِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
وَبَكَّةُ لِلْبَيْتِ وَالْمَطَافِ وَقِيلَ كَالْأَخِيرِ بِإِسْقَاطِ
الْمَطَافِ سُمِّيَتْ مَكَّةَ مِنْ الْمَكِّ وَهُوَ الْمَصُّ، يُقَالُ
امْتَكَّ الْفَصِيلُ ضَرْعَ أُمِّهِ إذَا امْتَصَّهُ لِقِلَّةِ مَائِهَا
وَبَكَّةُ مِنْ الْبَكِّ وَهُوَ الْإِخْرَاجُ وَالتَّدَافُعُ
لِإِخْرَاجِهَا الْجَبَابِرَةَ مِنْهَا وَلِتَدَافُعِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ
بَعْضًا فِي الْمَطَافِ لِكَثْرَةِ الزِّحَامِ وَلَهَا أَسْمَاءٌ كَثِيرَةٌ
نَحْوُ الثَّلَاثِينَ اسْمًا، وَكَثْرَةُ الْأَسْمَاءِ تَدُلُّ عَلَى
شَرَفِ الْمُسَمَّى غَالِبًا، وَلِذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ لَا أَعْلَمُ
بَلَدًا أَكْثَرَ اسْمًا مِنْ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ لِكَوْنِهِمَا
أَفْضَلَ الْأَرْضِ، وَمَكَّةُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَدِينَةِ خِلَافًا
لِلْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَجَعَلَ ابْنُ حَزْمٍ
ذَلِكَ التَّفْضِيلَ ثَابِتًا لِلْحَرَمِ وَعَرَفَاتٍ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ
الْحِلِّ وَأَفْضَلُ بِقَاعِهَا الْكَعْبَةُ ثُمَّ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ
ثُمَّ بَيْتُ خَدِيجَةَ الْمَشْهُورُ الْآنَ بِزُقَاقِ الْحَجَرِ
الْمُسْتَفِيضِ بَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ أَنَّ ذَلِكَ
الْحَجَرَ الْبَارِزَ فِيهِ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ
بِمَكَّةَ» نَعَمْ التُّرْبَةُ الَّتِي ضَمَّتْ أَعْضَاءَهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ حَتَّى مِنْ الْعَرْشِ
وَالْكُرْسِيِّ.
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ وَمِنْ خَوَاصِّ اسْمِ مَكَّةَ أَنَّهُ إذَا
كُتِبَ عَلَى جَبِينِ الْمَرْعُوفِ بِدَمِ رُعَافِهِ مَكَّةُ وَسَطُ
الْبِلَادِ وَاَللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ انْقَطَعَ دَمُهُ وَأَوَّلُ
مَنْ بَنَى الْبَيْتَ الْمَلَائِكَةُ قَبْلَ خَلْقِ آدَمَ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَلْفَيْ عَامٍ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى
لَهُمْ وَطَافُوا بِهِ ثُمَّ آدَم ثُمَّ وَلَدُهُ شِيثُ ثُمَّ إبْرَاهِيمُ
وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ ثَابِتَةٌ بِالنَّصِّ ثُمَّ الْعَمَالِقَةُ ثُمَّ
جُرْهُمٌ ثُمَّ قُصَيٌّ، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ لَيْسَ فِيهَا نَصٌّ ثُمَّ
قُرَيْشٌ ثُمَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى قَوَاعِدِ
إبْرَاهِيمَ ثُمَّ الْحَجَّاجُ لِجِهَةِ الْحَجَرِ فَقَطْ بَعْدَ أَنْ
هَدَمَهَا بِأَمْرِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَأَخْرَجَ مِنْ
بِنَاءِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ سِتَّةَ أَذْرُعٍ وَشِبْرًا فِي
الْحَجَرِ وَأَبْقَاهُ عَلَى الِارْتِفَاعِ الَّذِي صَنَعَهُ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَهُوَ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا وَكَانَتْ
فِي بِنَاءِ قُرَيْشٍ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا ثُمَّ انْهَدَمَتْ
جِهَةُ الْحَجَرِ فِي السَّيْلِ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَأَلْفٍ فِي
زَمَنِ السُّلْطَانِ مُرَادٍ فَأَمَرَ بِبِنَائِهَا فَبُنِيَتْ، وَمَنْ
أَرَادَ كَيْفِيَّةَ ذَلِكَ وَأَصْلَهُ وَمَا وَرَدَ فِيهِ فَلْيُرَاجِعْهُ
مِنْ مَحَلِّهِ وَمِنْهُ مَا أَلَّفَهُ شَيْخُنَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ
بِالْحَرَمَيْنِ وَتُنْدَبُ الْمُجَاوَزَةُ بِمَكَّةَ إلَّا لِخَوْفِ
انْحِطَاطِ رُتْبَةٍ أَوْ مَحْذُورٍ مِنْ نَحْوِ مَعْصِيَةٍ اهـ.
بِرْمَاوِيٌّ، فَتَلَخَّصَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْبَيْتَ بُنِيَ عَشْرَ
مَرَّاتٍ، وَقَدْ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ:
بَنَى بَيْتَ رَبِّ الْعَرْشِ عَشْرٌ فَخُذْهُمْ ... مَلَائِكَةُ اللَّهِ
الْكِرَامُ وَآدَمُ
وَشِيثُ وَإِبْرَاهِيمُ ثُمَّ عَمَالِقُ قُصَيٌّ ... قُرَيْشٌ قَبْلَ
هَذَيْنِ جُرْهُمُ
وَعَبْدُ الْإِلَهِ بْنُ الزُّبَيْرِ بَنَى كَذَا ... بِنَاءُ الْحَجَّاجِ
وَهَذَا مُتَمِّمُ
اهـ. شَيْخُنَا مَدَابِغِيٌّ فِي قِرَاءَتِهِ لِلْبُخَارِيِّ فِي
الْإِيضَاحِ مَا نَصُّهُ: قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ: لَمَّا
بَنَى إبْرَاهِيمُ الْكَعْبَةَ جَعَلَ طُولَهَا فِي الْأَرْضِ ثَلَاثِينَ
ذِرَاعًا وَعَرْضَهَا فِي الْأَرْضِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ ذِرَاعًا،
وَأَمَّا الظَّاهِرُ مِنْهَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَجَعْلُ طُولِهَا فِي
السَّمَاءِ تِسْعَةَ أَذْرُعٍ وَأَمَّا عَرْضُهَا فَبَيْنَ رُكْنِ
الْحَجَرِ وَالرُّكْنِ الْعِرَاقِيِّ الْمُقَابِلِ لِلْمِنْبَرِ خَمْسٌ
وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا بَيْنَ الْعِرَاقِيِّ وَالشَّامِيِّ وَهُوَ الَّذِي
جِهَةُ بَابِ الْعُمْرَةِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا وَبَيْنَ
الشَّامِيِّ وَالْيَمَانِيِّ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا وَبَيْنَ
الْيَمَانِيَّيْنِ عِشْرُونَ ذِرَاعًا وَكَانَتْ غَيْرَ مُسَقَّفَةٍ
فَبَنَتْهَا قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَزَادَتْ فِي طُولِهَا فِي
السَّمَاءِ تِسْعَةَ أَذْرُعٍ فَصَارَ طُولُهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ
ذِرَاعًا وَنَقَصُوا مِنْ طُولِهَا فِي الْأَرْضِ سِتَّةَ أَذْرُعٍ
وَشِبْرًا تَرَكُوهَا فِي الْحَجَرِ فَلَمْ تَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى
كَانَ زَمَانُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَهَدَمَهَا وَبَنَاهَا
عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ وَزَادَ فِي طُولِهَا فِي السَّمَاءِ تِسْعَةَ
أَذْرُعٍ أُخْرَى، فَصَارَ طُولُهَا فِي السَّمَاءِ سَبْعًا وَعِشْرِينَ
ثُمَّ بَنَاهَا الْحَجَّاجُ فَلَمْ يُغَيِّرْ طُولَهَا فِي السَّمَاءِ.
قَالَ الْعُلَمَاءُ وَكَانَتْ الْكَعْبَةُ بَعْدَ إبْرَاهِيمَ مَعَ
الْعَمَالِقَةِ وَجُرْهُمٍ إلَى أَنْ انْقَرَضُوا وَخَلَفَهُمْ فِيهَا
قُرَيْشٌ بَعْدَ اسْتِيلَائِهِمْ عَلَى الْحَرَمِ لِكَثْرَتِهِمْ بَعْدَ
الْقِلَّةِ وَعِزِّهِمْ بَعْد الذِّلَّةِ فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ جَدَّدَ
بِنَاءَهَا بَعْدَ إبْرَاهِيمَ قُصَيُّ بْنُ كِلَابٍ وَسَقَّفَهَا بِخَشَبِ
الدَّوْمِ وَجَرِيدِ النَّخْلِ وَكَانَ بَابُهَا لَاصِقًا بِالْأَرْضِ
ثُمَّ بَنَتْهَا قُرَيْشٌ بَعْدَهُ وَرَسُولُ اللَّهِ ابْنُ خَمْسٍ
وَعِشْرِينَ سَنَةً، فَقَالَ لَهُمْ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ الْمُغِيرَةِ
يَا قَوْمِ ارْفَعُوا بَابَ الْكَعْبَةِ حَتَّى لَا تُدْخَلَ إلَّا
بِسُلَّمٍ فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُهَا حِينَئِذٍ إلَّا مَنْ أَرَدْتُمْ
فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ مِمَّا تَكْرَهُونَهُ رَمَيْتُمْ بِهِ فَسَقَطَ
وَصَارَ نَكَالًا لِمَنْ رَآهُ فَفَعَلَتْ قُرَيْشٌ مَا قَالَ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ: دُخُولُهُ مَكَّةَ إلَخْ) وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ
دُخُولِهَا مَا رَوَاهُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ
«أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ
عِنْدَ دُخُولِهِ اللَّهُمَّ الْبَلَدُ بَلَدُك وَالْبَيْتُ بَيْتُك جِئْت
أَطْلُبُ رَحْمَتَك وَأَؤُمُّ طَاعَتَك مُتَّبِعًا لِأَمْرِك رَاضِيًا
بِقَدَرِكَ
(2/420)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
مُسَلِّمًا لِأَمْرِك أَسْأَلُك مَسْأَلَةَ الْمُضْطَرِّ إلَيْك
الْمُشْفِقِ مِنْ عَذَابِك أَنْ تَسْتَقْبِلَنِي بِعَفْوِك وَأَنْ
تَتَجَاوَزَ عَنِّي بِرَحْمَتِك وَأَنْ تُدْخِلَنِي جَنَّتَك» قَالَ
الزَّعْفَرَانِيُّ وَيَقُولُ «آيِبُونَ تَائِبُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَقْدَمَنِيهَا سَالِمًا مُعَافًى فَالْحَمْدُ
لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كَثِيرًا عَلَى تَيْسِيرِهِ وَحُسْنِ
بَلَاغِهِ، اللَّهُمَّ هَذَا حَرَمُك وَأَمْنُك فَحَرِّمْ لَحْمِي وَدَمِي
وَشَعْرِي وَبَشَرِي عَلَى النَّارِ وَأَمِّنِّي مِنْ عَذَابِك يَوْمَ
تَبْعَثُ عِبَادَك وَاجْعَلْنِي مِنْ أَوْلِيَائِك وَأَحْبَابِك وَأَهْلِ
طَاعَتِك، اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُك وَالْبَلَدُ بَلَدُك
وَالْحَرَمُ حَرَمُك وَالْأَمْنُ أَمْنُك جِئْت هَارِبًا وَعَنْ الذُّنُوبِ
مُقْلِعًا وَلِفَضْلِك رَاجِيًا وَلِرَحْمَتِك طَالِبًا وَلِفَرَائِضِك
مُؤَدِّيًا وَلِرِضَاك مُبْتَغِيًا وَلِعَفْوِك سَائِلًا فَلَا تَرُدَّنِي
خَائِبًا وَأَدْخِلْنِي فِي رَحْمَتِك الْوَاسِعَةِ وَأَعِذْنِي مِنْ
الشَّيْطَانِ وَجُنْدِهِ وَشَرِّ أَوْلِيَائِهِ» وَحِزْبِهِ وَصَلَّى
اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ اهـ. شَرْحُ الرَّوْضِ.
وَفِي الْإِيضَاحِ مَا نَصُّهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَمْ تَكُنْ مَكَّةُ
ذَاتَ مَنَازِلَ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ بَعْدَ جُرْهُمٍ وَالْعَمَالِقَةِ
يَنْتَجِعُونَ جِبَالَهَا وَأَوْدِيَتَهَا وَلَا يَخْرُجُونَ مِنْ
حَرَمِهَا انْتِسَابًا لِلْكَعْبَةِ لِاسْتِيلَائِهِمْ عَلَيْهَا
وَتَخَصُّصًا بِالْحَرَمِ لِحُلُولِهِمْ فِيهَا وَيَرَوْنَ أَنَّهُمْ
سَيَكُونُ لَهُمْ بِذَلِكَ شَأْنٌ وَكُلَّمَا كَثُرَ فِيهِمْ الْعَدَدُ
وَنَشَأَتْ فِيهِمْ الرِّيَاسَةُ قَوِيَ أَمَلُهُمْ وَعَلِمُوا أَنَّهُمْ
سَيَقْدَمُونَ عَلَى الْعَرَبِ وَكَانَتْ فُضَلَاؤُهُمْ يَتَخَيَّلُونَ
أَنَّ ذَلِكَ رِيَاسَةٌ فِي الدِّينِ وَتَأْسِيسٌ لِنُبُوَّةٍ سَتَكُونُ
فِيهِمْ فَأَوَّلُ مَنْ أُلْهِمَ ذَلِكَ مِنْهُمْ كَعْبُ بْنُ لُؤَيِّ بْنِ
غَالِبٍ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَجْتَمِعُ إلَيْهِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ
وَكَانَ يَخْطُبُ لَهُمْ فِيهِ وَيَذْكُرُ لَهُمْ أَمْرَ نَبِيِّنَا
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ انْتَقَلَتْ
الرِّيَاسَةُ إلَى قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ فَبَنَى بِمَكَّةَ دَارَ
النَّدْوَةِ لِيَحْكُمَ فِيهَا بَيْنَ قُرَيْشٍ ثُمَّ صَارَتْ
لِتَشَاوُرِهِمْ وَعَقْدِ أَلْوِيَةِ حُرُوبِهِمْ، قَالَ الْكَلْبِيُّ
وَكَانَتْ أَوَّلَ دَارٍ بُنِيَتْ بِمَكَّةَ ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ
فَبَنَوْا الدُّورَ وَكُلَّمَا قَرُبُوا مِنْ الْإِسْلَامِ ازْدَادُوا
قُوَّةً وَكَثْرَةَ عَدَدٍ حَتَّى دَانَتْ لَهُمْ الْعَرَبُ إلَى أَنْ
قَالَ السَّادِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ أَيْ مِنْ الْمَسَائِلِ فِي كِسْوَةِ
الْكَعْبَةِ قَالَ الْأَزْرَقِيُّ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: كَانَ تُبَّعٌ
أَوَّلَ مَنْ كَسَا الْبَيْتَ كِسْوَةً كَامِلَةً أُرِيَ فِي الْمَنَامِ
أَنْ يَكْسُوَهَا فَكَسَاهَا الْأَنْطَاعَ ثُمَّ أُرِيَ أَنْ يَكْسُوَهَا
الْوَصَائِلَ وَهِيَ ثِيَابٌ حَبِرَةٌ مِنْ عَصِيبِ الْيَمَنِ ثُمَّ
كَسَاهَا النَّاسُ بَعْدَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
ثُمَّ رَوَى الْأَزْرَقِيُّ فِي رِوَايَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ حَاصِلُهَا أَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَسَا الْكَعْبَةَ ثُمَّ
كَسَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَمُعَاوِيَةُ وَابْنُ
الزُّبَيْرِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
كَانَ يَكْسُوهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَكَسَاهَا الْقَبَاطِيَّ
وَكَسَاهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ وَمُعَاوِيَةُ الدِّيبَاجَ، وَكَانَتْ
تُكْسَى يَوْمَ عَاشُورَاءَ ثُمَّ صَارَ مُعَاوِيَةُ يَكْسُوهَا
مَرَّتَيْنِ ثُمَّ كَانَ الْمَأْمُونُ يَكْسُوهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
فَيَكْسُوهَا الدِّيبَاجَ الْأَحْمَرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ
وَالْقَبَاطِيَّ يَوْمَ هِلَالِ رَجَبٍ وَالدِّيبَاجَ الْأَبْيَضَ يَوْمَ
سَبْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ، وَهَذَا الْأَبْيَضُ ابْتَدَأَهُ
الْمَأْمُونُ سَنَةَ سِتٍّ وَمِائَتَيْنِ حِينَ قَالُوا لَهُ الدِّيبَاجُ
الْأَحْمَرُ يَتَخَرَّقُ قَبْلَ الْكِسْوَةِ الثَّانِيَةِ فَسَأَلَ عَنْ
أَحْسَنِ مَا تَكُونُ فِيهِ الْكَعْبَةُ فَقِيلَ الدِّيبَاجُ الْأَبْيَضُ
فَفَعَلَهُ. السَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ فِي تَزْيِينِ الْكَعْبَةِ
بِالذَّهَبِ وَكَيْفَ كَانَ ابْتِدَاؤُهُ، نَقَلَ الْأَزْرَقِيُّ أَنَّ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ حِينَ أَرَادَ هَدْمَ الْكَعْبَةِ
وَبِنَاءَهَا اسْتَشَارَ النَّاسَ فِي ذَلِكَ فَأَشَارَ جَابِرُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ وَآخَرُونَ بِهَدْمِهَا
وَبِنَائِهَا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ قَدْ انْهَدَمَتْ وَأَشَارَ ابْنُ
عَبَّاسٍ وَآخَرُونَ بِتَرْكِهَا بِحَالِهَا فَعَزَمَ ابْنُ الزُّبَيْرِ
عَلَى هَدْمِهَا، فَخَرَجَ أَهْلُ مَكَّةَ إلَى مِنًى فَأَقَامُوا بِهَا
ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِمْ عَذَابٌ
لِهَدْمِهَا فَأَمَرَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِهَدْمِهَا فَمَا اجْتَرَأَ عَلَى
ذَلِكَ أَحَدٌ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَلَاهَا بِنَفْسِهِ وَأَخَذَ
الْمِعْوَلَ وَجَعَلَ يَهْدِمُهَا وَيَرْمِي أَحْجَارَهَا فَلَمَّا رَأَوْا
أَنَّهُ لَا يُصِيبُهُ شَيْءٌ اجْتَرَءُوا فَصَعِدُوا وَهَدَمُوا فَلَمَّا
فَرَغَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ بِنَاءِ الْكَعْبَةِ خَلَّقَهَا مِنْ
دَاخِلِهَا وَخَارِجِهَا مِنْ أَعْلَاهَا إلَى أَسْفَلِهَا وَكَسَاهَا
الْقَبَاطِيَّ.
وَقَالَ مَنْ كَانَتْ لِي عَلَيْهِ طَاعَةٌ فَلْيَخْرُجْ فَلْيَعْتَمِرْ
مِنْ التَّنْعِيمِ وَمَنْ قَدَرَ أَنْ يَنْحَرَ بَدَنَةً فَلْيَفْعَلْ
وَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ فَلْيَذْبَحْ شَاةً وَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا
فَلْيَتَصَدَّقْ بِوُسْعِهِ، وَخَرَجَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مَاشِيًا
وَالنَّاسُ مَعَهُ مُشَاةً حَتَّى اعْتَمَرُوا مِنْ التَّنْعِيمِ شُكْرًا
لِلَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يُرَ يَوْمٌ أَكْثَرَ عِتْقًا وَبَدَنَةً
مَنْحُورَةً وَشِيَاهًا مَذْبُوحَةً وَصَدَقَةً مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ
وَنَحَرَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِائَةَ بَدَنَةٍ، وَأَمَّا تَذْهِيبُ
الْكَعْبَةِ فَإِنَّ الْوَلِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بَعَثَ إلَى
وَالِيهِ عَلَى مَكَّةَ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السُّرِّيِّ بِسِتَّةٍ
وَثَلَاثِينَ أَلْفِ دِينَارٍ فَضَرَبَ مِنْهَا عَلَى بَابِ الْكَعْبَةِ
صَفَائِحَ الذَّهَبِ وَعَلَى مِيزَابِ الْكَعْبَةِ وَعَلَى الْأَسَاطِينِ
الَّتِي فِي بَطْنِهَا وَعَلَى الْأَرْكَانِ فِي جَوْفِهَا وَكُلُّ مَا
عَلَى الْأَرْكَانِ وَالْمِيزَابِ مِنْ الذَّهَبِ فَهُوَ مِنْ عَمَلِ
الْوَلِيدِ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ ذَهَّبَ الْبَيْتَ فِي الْإِسْلَامِ
فَأَمَّا مَا كَانَ عَلَى الْبَابِ
(2/421)
وَلِكَثْرَةِ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ
السُّنَنِ الْآتِيَةِ (وَ) الْأَفْضَلُ دُخُولُهَا (مِنْ ثَنْيَةِ كَدَاءٍ)
وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِطَرِيقِهِ خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ
عَنْ الْأَصْحَابِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ
مُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ «كَانَ يَدْخُلُ مَكَّةَ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا
وَيَخْرُجُ مِنْ السُّفْلَى وَالْعُلْيَا» تُسَمَّى ثَنْيَةَ كَدَاءٍ
بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ وَالتَّنْوِينِ وَالسُّفْلَى ثَنْيَةَ كُدًى
بِالضَّمِّ وَالْقَصْرِ وَالتَّنْوِينِ وَهِيَ عِنْدَ جَبَلِ قُعَيْقِعَانَ
وَالثَّنْيَةُ الطَّرِيقُ الضَّيِّقُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ وَاخْتَصَّتْ
الْعُلْيَا بِالدُّخُولِ وَالسُّفْلَى بِالْخُرُوجِ؛ لِأَنَّ الدَّاخِلَ
يَقْصِدُ مَكَانًا عَالِيَ الْمِقْدَارِ وَالْخَارِجَ عَكْسَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
مِنْ الذَّهَبِ مِنْ عَمَلِ الْوَلِيدِ فَرَقَّ فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى
أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مُحَمَّدِ بْنِ الرَّشِيدِ فِي خِلَافَتِهِ
فَأَرْسَلَ إلَى سَالِمِ بْنِ الْجَرَّاحِ عَامِلِهِ عَلَى ضَوَاحِي
مَكَّةَ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفِ دِينَارٍ لِيَضْرِبَ بِهَا صَفَائِحَ
الذَّهَبِ عَلَى بَابِ الْكَعْبَةِ فَقَلَعَ مَا كَانَ عَلَى الْبَابِ مِنْ
الصَّفَائِحِ وَزَادَ عَلَيْهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ دِينَارٍ
فَضَرَبَ عَلَيْهَا الصَّفَائِحَ الَّتِي هِيَ عَلَيْهِ الْيَوْمَ
وَالْمَسَامِيرَ وَحَلْقَتَيْ الْبَابِ وَالْعَتَبَةَ فَاَلَّذِي عَلَى
الْبَابِ مِنْ الذَّهَبِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ أَلْفَ مِثْقَالٍ وَعَمِلَ
الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الرُّخَامَ الْأَحْمَرَ وَالْأَخْضَرَ
وَالْأَبْيَضَ فِي بَطْنِهَا مُوزَرٌ بِهِ جُدْرَانَهَا وَفَرَشَهَا
بِالرُّخَامِ فَجَمِيعُ مَا فِي الْكَعْبَةِ مِنْ الرُّخَامِ هُوَ مِنْ
عَمَلِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ فَرَشَهَا
بِالرُّخَامِ وَأَزَّرَ بِهِ جُدْرَانَهَا وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ زَخْرَفَ
الْمَسَاجِدَ الثَّامِنَةُ وَالثَّلَاثُونَ فِي تَطْيِيبِ الْكَعْبَةِ
رَوَى الْأَزْرَقِيُّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ
يُجَمِّرُ الْكَعْبَةَ كُلَّ يَوْمٍ بِرَطْلٍ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ
يُجَمِّرُهَا بِرَطْلَيْنِ وَأَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ خَلَّقَ جَوْفَ
الْكَعْبَةِ كُلَّهُ وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ طَيِّبُوا الْبَيْتَ فَإِنَّ
ذَلِكَ مِنْ تَطْهِيرِهِ تَعْنِي قَوْله تَعَالَى {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ}
[الحج: 26] وَأَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لَطِيبُ الْكَعْبَةِ أَحَبُّ إلَيَّ
مِنْ أَنْ أُهْدِيَ لَهَا ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً وَأَنَّ مُعَاوِيَةَ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَجْرَى لِلْكَعْبَةِ الطِّيبَ لِكُلِّ صَلَاةٍ
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ كَانَ مُعَاوِيَةُ أَوَّلَ مَنْ طَيَّبَ الْكَعْبَةَ
بِالْخَلُوقِ وَالْمِجْمَرِ وَأَجْرَى الزَّيْتَ لِقَنَادِيلِ الْمَسْجِدِ
فِي بَيْتِ الْمَالِ انْتَهَى.
وَفِي الْمِصْبَاحِ الْخَلُوقُ مِثْلُ رَسُولٍ مَا يُتَخَلَّقُ بِهِ مِنْ
الطِّيبِ، قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ مَائِعٌ فِيهِ صُفْرَةٌ
وَالْخِلَاقُ مِثْلُ كِتَابٍ مِثْلُهُ وَخَلَقَتْ الْمَرْأَةُ بِالْخَلُوقِ
تَخْلِيقًا فَتَخَلَّقَتْ هِيَ بِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلِكَثْرَةِ مَا يَحْصُلُ لَهُ إلَخْ) وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ
حَجِيجُ الْعِرَاقِ فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنْ عُدُولِهِمْ إلَى عَرَفَاتٍ
قَبْلَ دُخُولِ مَكَّةَ لِضِيقِ وَقْتِهِمْ فَفِيهِ تَفْوِيتُ سُنَنٍ
كَثِيرَةٍ مِنْهَا دُخُولُ مَكَّةَ وَطَوَافُ الْقُدُومِ وَتَعْجِيلُ
السَّعْيِ وَزِيَارَةُ الْبَيْتِ وَكَثْرَةُ الصَّلَاةِ بِالْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ، وَحُضُورُ خُطْبَةِ الْإِمَامِ يَوْمَ السَّابِعِ بِمَكَّةَ
وَالْمَبِيتُ بِمِنًى لَيْلَةَ عَرَفَةَ وَالصَّلَاةُ بِهَا وَحُضُورُ
تِلْكَ الْمَشَاهِدِ وَغَيْرُ ذَلِكَ اهـ. إيضَاحٌ.
(قَوْلُهُ: مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ) وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ الدُّخُولُ
نَهَارًا وَبَعْدَ الْفَجْرِ وَيُنْدَبُ أَنْ يَكُونَ مَاشِيًا وَحَافِيًا
إلَّا لِعُذْرٍ وَأَنْ يَكُونَ دَاعِيًا مُتَضَرِّعًا خَاشِعًا
مُتَذَلِّلًا بِخُضُوعِ قَلْبٍ وَجَوَارِحَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا
مُتَذَكِّرًا جَلَالَةَ الْحَرَمِ وَمَزِيَّتَهُ عَلَى غَيْرِهِ
مُتَجَنِّبًا لِلْمُزَاحَمَةِ وَالْإِيذَاءِ مُتَلَطِّفًا بِمَنْ
يُزَاحِمُهُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
وَفَارَقَ الْمَشْيُ هُنَا الْمَشْيَ فِي بَقِيَّةِ الطَّرِيقِ بِأَنَّهُ
هُنَا أَشْبَهُ بِالتَّوَاضُعِ وَالْأَدَبِ، وَلَيْسَ فِيهِ فَوَاتُ
مُهِمٍّ؛ وَلِأَنَّ الرَّاكِبَ يَتَعَرَّضُ فِي الدُّخُولِ بِالْإِيذَاءِ
بِدَابَّتِهِ فِي الزَّحْمَةِ وَالْأَفْضَلُ لِلْمَرْأَةِ وَمِثْلُهَا
الْخُنْثَى دُخُولُهَا فِي هَوْدَجِهَا وَنَحْوِهِ. اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِطَرِيقِهِ) وَفَارَقَ مَا مَرَّ فِي
الْغُسْلِ بِذِي طَوًى بِأَنَّ حِكْمَةَ الدُّخُولِ مِنْ كَدَاءٍ غَيْرُ
حَاصِلَةٍ بِسُلُوكِ غَيْرِهَا وَحِكْمَةَ الْغُسْلِ النَّظَافَةُ وَهِيَ
حَاصِلَةٌ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ اهـ. شَرْحُ م ر.
1 -
(قَوْلُهُ: بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ) وَدَالُهُ مُهْمَلَةٌ خِلَافًا لِمَنْ
أَعْجَمَهَا لِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى الْإِهْمَالِ وَيَجُوزُ
فِيهَا وَفِي كُدًى الصَّرْفُ وَعَدَمُهُ بِاعْتِبَارِ إرَادَةِ الْمَكَانِ
يَعْنِي الْجَبَلَ وَالْبُقْعَةَ وَبِمَكَّةَ مَوْضِعٌ ثَالِثٌ يُقَالُ
لَهُ كَدِيٌّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ عَلَى طَرِيقِ الْيَمَنِ اهـ.
بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ) عِبَارَةُ حَجّ بِفَتْحِ
الْكَافِ وَالْمَدِّ وَالتَّنْوِينِ وَعَدَمِهِ وَتُسَمَّى عَلَى نِزَاعِ
فِيهِ الْحَجُونُ الثَّانِي الْمُشْرِفُ عَلَى الْمَقْبَرَةِ الْمُسَمَّاةِ
بِالْمُعَلَّاةِ، وَزَعْمُ أَنَّ دُخُولَهُ مِنْ الْعَلْيَاءِ
اتِّفَاقِيٌّ؛ لِأَنَّهَا بِطَرِيقِهِ تَرُدُّهُ الْمُشَاهَدَةُ
الْقَاضِيَةُ بِأَنَّهُ تَرَكَ طَرِيقَهُ الْوَاصِلَةَ إلَى الشُّبَيْكَةِ
وَعَرَجَ عَنْهَا إلَى تِلْكَ الَّتِي لَيْسَتْ بِطَرِيقِهِ قَصْدًا مَعَ
صُعُوبَتِهَا وَسُهُولَةِ تِلْكَ وَلَا يُنَافِي طَلَبُ التَّعْرِيجِ
إلَيْهَا السَّابِقُ أَنَّهُ لَمْ يُحْفَظْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ مَجِيئِهِ مِنْ الْجِعْرَانَةِ مُحْرِمًا
بِالْعُمْرَةِ وَلَا مِنْ مِنًى عِنْدَ نَفْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ
مِنْ عَدَمِ النَّفْلِ عَدَمُ الْوُقُوعِ فَهُوَ مَشْكُوكٌ فِيهِ
وَتَعْرِيجُهُ إلَيْهَا قَصْدًا أَوْ لَا مَعْلُومٌ فَقُدِّمَ وَمَا قِيسَ
بِهِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: قُعَيْقِعَانَ) بِضَمِّ الْقَافِ الْأُولَى وَفَتْحِ الْعَيْنِ
وَكَسْرِ الْقَافِ الثَّانِيَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِالتَّضْبِيبِ اهـ.
ح ل وَهُوَ عَلَى يَسَارِ الدَّاخِلِ مِنْ بَابِ شُبَيْكَةَ.
(قَوْلُهُ: وَاخْتَصَّتْ الْعَلْيَاءُ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر
وَالْمَعْنَى فِيهِ وَفِي الدُّخُولِ مِمَّا مَرَّ الذَّهَابُ مِنْ طَرِيقٍ
وَالْخُرُوجُ مِنْ أُخْرَى كَمَا فِي الْعِيدِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَصَّتْ
الْعَلْيَاءُ بِالدُّخُولِ لِقَصْدِ الدَّاخِلِ مَكَانًا عَالِيَ
الْمِقْدَارِ وَالْخَارِجِ عَكْسَهُ؛ وَلِأَنَّ الْعَلْيَاءَ مَحَلُّ
دُعَاءِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِقَوْلِهِ
اجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إلَيْهِمْ كَمَا رُوِيَ عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ فَكَانَ الدُّخُولُ مِنْهَا أَبْلَغَ مِنْ تَحْقِيقِ
اسْتِجَابَةِ دُعَاءِ إبْرَاهِيمَ؛ وَلِأَنَّ الدَّاخِلَ مِنْهَا يَكُونُ
مُوَاجِهًا لِبَابِ الْكَعْبَةِ وَجِهَتُهُ أَفْضَلُ الْجِهَاتِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: وَالسُّفْلَى بِالْخُرُوجِ) عِبَارَةُ حَجّ وَيَخْرُجُ
(2/422)
وَقَضِيَّتُهُ التَّسْوِيَةُ فِي ذَلِكَ
بَيْنَ الْمُحْرِمِ وَغَيْرِهِ (وَأَنْ يَقُولَ عِنْدَ لِقَاءِ الْكَعْبَةِ
رَافِعًا يَدَيْهِ وَاقِفًا اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ) أَيْ
الْكَعْبَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى طَرِيقِهِ، وَلَوْ إلَى عَرَفَاتٍ عَلَى مَا فِيهِ
مِنْ ثَنِيَّةِ كُدًى بِالضَّمِّ وَالْقَصْرِ وَالتَّنْوِينِ وَعَدَمِهِ
وَهُوَ الْمَشْهُورُ الْآنَ بِبَابِ الشُّبَيْكَةِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: وَقَضِيَّةُ التَّسْوِيَةِ فِي ذَلِكَ إلَخْ) وَهُوَ كَذَلِكَ
كَمَا فِي شَرْحِ م ر.
(قَوْلُهُ: وَأَنْ يَقُولَ عِنْدَ لِقَاءِ الْكَعْبَةِ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ
حَلَالًا اهـ. حَجّ وَهَلْ الْمُقِيمُ بِمَكَّةَ كَذَلِكَ حَتَّى
يُسْتَحَبَّ لَهُ ذَلِكَ الْقَوْلُ كُلَّمَا أَبْصَرَ الْبَيْتَ لَا
يَبْعُدُ أَنَّهُ كَذَلِكَ اهـ. م ر اهـ. سم عَلَى حَجّ قَالَ فِي
الْإِيضَاحِ الرَّابِعَةُ مِنْ الْمَسَائِلِ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ جَلَسَ فِي
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ يَكُونَ وَجْهُهُ إلَى الْكَعْبَةِ وَيَقْرُبُ
مِنْهَا وَيَنْطُرُ إلَيْهَا إيمَانًا وَاحْتِسَابًا فَإِنَّ النَّظَرَ
إلَيْهَا عِبَادَةٌ وَقَدْ جَاءَتْ آثَارٌ كَثِيرَةٌ فِي فَضْلِ النَّظَرِ
إلَيْهَا، الْخَامِسَةُ يُسْتَحَبُّ دُخُولُ الْبَيْتِ حَافِيًا وَأَنْ
يُصَلِّيَ فِيهِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقْصِدَ مُصَلَّى رَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا دَخَلَ مِنْ الْبَابِ حَتَّى
يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ الَّذِي قِبَلَ وَجْهِهِ قَرِيبٌ
مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ فَيُصَلِّي ثَبَتَ ذَلِكَ فِي صَحِيحِ
الْبُخَارِيِّ وَيَدْعُو فِي جَوَانِبِهِ بِحَيْثُ لَا يُؤْذِي أَحَدًا
وَلَا يَتَأَذَّى هُوَ فَإِنْ تَأَذَّى أَوْ آذَى لَمْ يَدْخُلْ، وَهَذَا
مِمَّا يَغْلُطُ فِيهِ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَيَتَزَاحَمُونَ زَحْمَةً
شَدِيدَةً بِحَيْثُ يُؤْذِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَرُبَّمَا انْكَشَفَتْ
عَوْرَةُ بَعْضِهِمْ أَوْ كَثِيرٍ مِنْهُمْ وَرُبَّمَا زَاحَمَ الرَّجُلُ
الْمَرْأَةَ وَهِيَ مَكْشُوفَةُ الْوَجْهِ وَالْيَدِ، وَهَذَا كُلُّهُ
خَطَأٌ يَفْعَلُهُ جَهَلَةُ النَّاسِ وَيَغْتَرُّ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ
وَكَيْفَ يَنْبَغِي لِعَاقِلٍ أَنْ يَرْتَكِبَ الْأَذَى الْمُحَرَّمَ
لِتَحْصِيلِ أَمْرٍ، وَلَوْ سَلِمَ مِنْ الْأَذَى لَكَانَ سُنَّةً،
وَأَمَّا مَعَ الْأَذَى فَلَيْسَ بِسُنَّةٍ، بَلْ حَرَامٌ وَاَللَّهُ
الْمُسْتَعَانُ، السَّادِسَةُ إذَا دَخَلَ الْبَيْتَ فَلْيَكُنْ شَأْنُهُ
الدُّعَاءَ وَالتَّضَرُّعَ بِحُضُورِ قَلْبٍ وَخُشُوعٍ وَلْيُكْثِرْ مِنْ
الدَّعَوَاتِ الْمُهِمَّةِ وَلَا يَتَعَمَّدُ الِاشْتِغَالَ بِالنَّظَرِ
لِمَا يُلْهِيهِ، بَلْ يَلْزَمُ الْأَدَبَ وَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ فِي
أَفْضَلِ الْأَرْضِ.
وَقَدْ رَوَيْنَا «عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ
عَجَبًا لِلْمَرْءِ الْمُسْلِمِ إذَا دَخَلَ الْكَعْبَةَ كَيْفَ يَرْفَعُ
بَصَرَهُ قِبَلَ السَّقْفِ لِيَدَعْ ذَلِكَ إجْلَالًا لِلَّهِ تَعَالَى
وَإِعْظَامًا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- الْكَعْبَةَ مَا خَلَفَ بَصَرُهُ مَوْضِعَ سُجُودِهِ حَتَّى خَرَجَ
مِنْهَا» إلَى أَنْ قَالَ: الثَّامِنَةُ يُسْتَحَبُّ صَلَاةُ النَّافِلَةِ
فِي الْبَيْتِ وَأَمَّا الْفَرِيضَةُ فَإِنْ كَانَ يَرْجُو جَمَاعَةً
كَثِيرَةً فَهِيَ خَارِجُ الْبَيْتِ أَفْضَلُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَرْجُوهَا
فَدَاخِلُ الْبَيْتِ أَفْضَلُ إلَى أَنْ قَالَ: التَّاسِعَةُ يُسْتَحَبُّ
الْإِكْثَارُ مِنْ دُخُولِ الْحِجْرِ فَإِنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ وَدُخُولُهُ
سَهْلٌ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الدُّعَاءَ فِيهِ تَحْتَ الْمِيزَابِ
مُسْتَجَابٌ إلَى أَنْ قَالَ: الثَّانِيَةَ عَشَرَ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ
دَخَلَ مَكَّةَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا أَنْ يَخْتِمَ الْقُرْآنَ فِيهَا
قَبْلَ رُجُوعِهِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ الْأَفْضَلُ فِي
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الِاشْتِغَالُ بِالطَّوَافِ أَوْ الصَّلَاةِ
فَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ ذَهَبُوا إلَى
أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالصَّلَاةِ لِأَهْلِ مَكَّةَ أَفْضَلُ وَأَنَّ
الْغُرَبَاءَ الْأَفْضَلُ لَهُمْ الِاشْتِغَالُ بِالطَّوَافِ إلَى أَنْ
قَالَ: الرَّابِعَةَ عَشَرَ يُسْتَحَبُّ زِيَارَةُ الْمَوَاضِعِ
الْمَشْهُورَةِ بِالْفَضْلِ فِي مَكَّةَ وَالْحَرَمِ.
وَقَدْ قِيلَ إنَّهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا مِنْهَا الْبَيْتُ
الَّذِي وُلِدَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- وَهُوَ الْيَوْمُ فِي مَسْجِدٍ فِي زُقَاقٍ يُقَالُ لَهُ زُقَاقُ
الْمَوْلِدِ، وَذَكَرَ الْأَزْرَقِيُّ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَمِنْهُ
بَيْتُ خَدِيجَةَ الَّذِي كَانَ يَسْكُنُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَخَدِيجَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - فِيهِ
وَلَدَتْ أَوْلَادَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَفِيهِ تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهَا
وَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مُقِيمًا بِهِ حَتَّى هَاجَرَ، قَالَهُ الْأَزْرَقِيُّ قَالَ ثُمَّ
اشْتَرَاهُ مُعَاوِيَةُ وَهُوَ خَلِيفَةٌ مِنْ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
فَجَعَلَهُ مَسْجِدًا وَمِنْهَا مَسْجِدٌ فِي دَارِ الْأَرْقَمِ وَهِيَ
الَّتِي يُقَالُ لَهَا دَارُ الْخَيْزُرَانِ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْتَتِرًا يَتَعَبَّدُ فِيهِ فِي أَوَّلِ
الْإِسْلَامِ، قَالَ الْأَزْرَقِيُّ هُوَ عِنْدَ الصَّفَّا، قَالَ وَفِيهِ
أَسْلَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَمِنْهَا الْغَارُ الَّذِي بِجَبَلِ
حِرَاءٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يَتَعَبَّدُ فِيهِ وَالْغَارُ الَّذِي بِجَبَلِ ثَوْرٍ وَهُوَ الْمَذْكُورُ
فِي الْقُرْآنِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ}
[التوبة: 40] ، الْآيَةَ. إلَى أَنْ قَالَ الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ لَا
يَجُوزُ أَخْذٌ شَيْءٍ مِنْ طِيبِ الْكَعْبَةِ لَا لِلتَّبَرُّكِ وَلَا
لِغَيْرِهِ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَزِمَهُ رَدُّهُ إلَيْهَا
فَإِنْ أَرَادَ التَّبَرُّكَ أَتَى بِطِيبٍ مِنْ عِنْدِهِ فَمَسَحَهَا بِهِ
ثُمَّ أَخَذَهُ، الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو
الْفَضْلِ بْنُ عَبْدَانَ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا يَجُوزُ قَطْعُ شَيْءٍ
مِنْ سُتْرَةِ الْكَعْبَةِ وَلَا نَقْلُهُ وَلَا بَيْعُهُ وَلَا شِرَاؤُهُ
وَلَا وَضْعُهُ بَيْنَ أَوْرَاقِ الْمُصْحَفِ وَمَنْ حَمَلَ مِنْ ذَلِكَ
شَيْئًا لَزِمَهُ رَدُّهُ خِلَافَ مَا يَتَوَهَّمُهُ الْعَامَّةُ
يَشْتَرُونَهُ مِنْ بَنِي شَيْبَةَ هَذَا كَلَامُ ابْنِ عَبْدَانَ،
وَحَكَاهُ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ الرَّافِعِيُّ وَلَمْ يَعْتَرِضَ
عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ وَافَقَهُ عَلَيْهِ، وَكَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيُّ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ كِسْوَةِ
الْكَعْبَةِ شَيْءٌ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ الْقَاضِي مِنْ أَصْحَابِنَا لَا يَجُوزُ
بَيْعُ كِسْوَةِ الْكَعْبَةِ قَالَ الشَّيْخُ
(2/423)
(تَشْرِيفًا إلَى آخِرِهِ) أَيْ
وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً وَزِدْ مَنْ شَرَّفَهُ وَكَرَّمَهُ
مِمَّنْ حَجَّهُ أَوْ اعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَتَعْظِيمًا
وَبِرًّا لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ
إنَّهُ مُنْقَطِعٌ (اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ
وَمِنْك السَّلَامُ فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ قَالَهُ عُمَرُ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَوَاهُ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ فِي
الْمَجْمُوعِ: وَإِسْنَادُهُ لَيْسَ بِقَوِيٍّ
وَمَعْنَى السَّلَامِ الْأَوَّلِ ذُو السَّلَامَةِ مِنْ النَّقَائِصِ
وَالثَّانِي وَالثَّالِثِ السَّلَامَةُ مِنْ الْآفَاتِ، وَقَوْلِي عِنْدَ
لِقَاءِ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ إذَا أَبْصَرَ وَقَوْلِي رَافِعًا يَدَيْهِ
وَاقِفًا مِنْ زِيَادَتِي (فَيَدْخُلُ) هُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ
يَدْخُلُ (الْمَسْجِدَ) الْحَرَامَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَمْرُ فِيهَا
لِلْإِمَامِ يَصْرِفُهَا فِي بَعْضِ مَصَارِفِ بَيْتِ الْمَالِ بَيْعًا
وَعَطَاءً وَاحْتَجَّ بِمَا رَوَاهُ الْأَزْرَقِيُّ فِي كِتَابِ مَكَّةَ
أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَنْتَزِعُ
كُلَّ سَنَةٍ كِسْوَةَ الْبَيْتِ فَيَقْسِمُهَا عَلَى الْحَاجِّ، وَهَذَا
الَّذِي قَالَهُ الشَّيْخُ حَسَنٌ، وَقَدْ رَوَى الْأَزْرَقِيُّ عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا قَالَا تُبَاعُ
كِسْوَتُهَا وَيُجْعَلُ ثَمَنُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسَاكِينِ
وَابْنِ السَّبِيلِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ
وَلَا بَأْسَ أَنْ يَلْبَسَ كِسْوَتَهَا مَنْ صَارَتْ إلَيْهِ مِنْ حَائِضٍ
وَجُنُبٍ وَغَيْرِهِمَا إلَى أَنْ قَالَ: السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ
مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ دُورِ مَكَّةَ وَشِرَاؤُهَا
وَإِجَارَتُهَا كَمَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي غَيْرِهَا، وَدَلَائِلُ
الْمَسْأَلَةِ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَالْخِلَافُ مَشْهُورٌ إلَى أَنْ
قَالَ: الثَّانِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ يُكْرَهُ حَمْلُ السِّلَاحِ بِمَكَّةَ
مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ لَا يَحِلُّ لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَحْمِلَ السِّلَاحَ بِمَكَّةَ» اهـ.
(قَوْلُهُ: تَشْرِيفًا) أَيْ تَرَفُّعًا وَعُلُوًّا، وَقَوْلُهُ
وَتَعْظِيمًا أَيْ تَبْجِيلًا، وَقَوْلُهُ وَتَكْرِيمًا أَيْ تَفْضِيلًا،
وَقَوْلُهُ مَهَابَةً أَيْ تَوْقِيرًا وَإِجْلَالًا اهـ شَرْحُ م ر.
وَكَانَ حِكْمَةُ تَقْدِيمِ التَّعْظِيمِ عَلَى التَّكْرِيمِ فِي الْبَيْتِ
وَعَكْسِهِ فِي قَاصِدِهِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالذَّاتِ فِي الْبَيْتِ
إظْهَارُ عَظَمَتِهِ فِي النُّفُوسِ حَتَّى تَخْضَعَ لِشَرَفِهِ وَتَقُومَ
بِحُقُوقِهِ ثُمَّ كَرَامَتُهُ بِإِكْرَامِ زَائِرِهِ بِإِعْطَائِهِمْ مَا
طَلَبُوهُ وَإِنْجَازِهِمْ مَا أَمَّلُوهُ وَفِي زَائِرِهِ وُجُودُ
كَرَامَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى بِإِسْبَاغِ رِضَاهُ عَلَيْهِ
وَعَفْوِهِ عَمَّا جَنَاهُ وَاقْتَرَفَهُ، ثُمَّ عَظَمَتُهُ بَيْنَ
أَبْنَاءِ جِنْسِهِ بِظُهُورِ تَقْوَاهُ وَهِدَايَتِهِ وَيُرْشِدُ إلَى
هَذَا خَتْمُ دُعَاءِ الْبَيْتِ بِالْمَهَابَةِ النَّاشِئَةِ عَنْ تِلْكَ
الْعَظَمَةِ إذْ هِيَ التَّوْقِيرُ وَالْإِجْلَالُ وَدُعَاءُ الزَّائِرِ
بِالْبِرِّ النَّاشِئ عَنْ ذَلِكَ التَّكْرِيمِ إذْ هُوَ الِاتِّسَاعُ فِي
الْإِحْسَانِ فَتَأَمَّلْهُ اهـ. حَجّ اهـ. ع ش عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَمِنْك السَّلَامُ) أَيْ ابْتِدَاؤُهُ مِنْك وَمَنْ أَكْرَمْته
بِالسَّلَامِ فَقَدْ سَلِمَ اهـ شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ) وَيُسَنُّ أَنْ يَدْعُوَ
بَعْدَ ذَلِكَ بِمَا أَحَبَّ مِنْ الْمُهِمَّاتِ وَأَهَمُّهَا
الْمَغْفِرَةُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَمَعْنَى السَّلَامِ الْأَوَّلِ إلَخْ) عِبَارَةُ حَجّ أَنْتَ
السَّلَامُ أَيْ السَّالِمُ مِنْ كُلِّ مَا لَا يَلِيقُ بِجَلَالِ
الرُّبُوبِيَّةِ وَكَمَالِ الْأُلُوهِيَّةِ أَوْ الْمُسَلِّمُ لِعَبْدِك
مِنْ الْآفَاتِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: فَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ) بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى " دُخُولُ "
فَيُفِيدُ سُنَّتَيْنِ فَوْرِيَّةَ الدُّخُولِ وَكَوْنَهُ مِنْ بَابِ بَنِي
شَيْبَةَ وَالْفَوْرِيَّةُ صَرَّحَ بِهَا حَجّ وَفِي الْإِيضَاحِ مَا
نَصُّهُ: الْعَاشِرَةُ أَيْ مِنْ الْمَسَائِلِ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا
يُعَرِّجَ أَوَّلَ دُخُولِهِ عَلَى اسْتِئْجَارِ مَنْزِلٍ وَحَطِّ قُمَاشٍ
وَتَغْيِيرِ ثِيَابٍ وَلَا شَيْءٍ آخَرَ غَيْرَ الطَّوَافِ وَيَقِفُ بَعْضُ
الرُّفْقَةِ عِنْدَ مَتَاعِهِمْ وَرَوَاحِلِهِمْ حَتَّى يَطُوفُوا ثُمَّ
يَرْجِعُوا إلَى رَوَاحِلِهِمْ وَمَتَاعِهِمْ وَيَسْتَأْجِرُونَ
الْمَنْزِلَ، بَلْ إذَا فَرَغَ مِنْ الدُّعَاءِ عِنْدَ رَأْسِ الرَّدْمِ
قَصَدَ الْمَسْجِدَ وَدَخَلَهُ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ، وَالدُّخُولُ
مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ مُسْتَحَبٌّ لِكُلِّ قَادِمٍ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ
كَانَ بِلَا خِلَافٍ اهـ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا فَيَدْخُلَ الْمَسْجِدَ إلَخْ) وَيُقَدِّمُ رِجْلَهُ
الْيُمْنَى فِي الدُّخُولِ وَيَقُولُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ
وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَبِسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ
الرَّجِيمِ بِسْمِ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى
مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَسَلِّمْ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي
ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك، وَإِذَا خَرَجَ قَدَّمَ
رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَقَالَ هَذَا إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ وَافْتَحْ لِي
أَبْوَابَ فَضْلِك، وَهَذَا الذِّكْرُ وَالدُّعَاءُ مُسْتَحَبٌّ فِي كُلِّ
مَسْجِدٍ وَقَدْ وَرَدَتْ فِيهِ أَحَادِيثُ فِي الصَّحِيحِ وَغَيْرِهِ
يُلَفَّقُ مِنْهَا مَا ذَكَرْته، وَقَدْ أَوْضَحْتهَا فِي كِتَابِ
الْأَذْكَارِ الَّذِي لَا يَسْتَغْنِي طَالِبُ الْآخِرَةِ عَنْ مِثْلِهِ
إلَى أَنْ قَالَ الثَّلَاثُونَ فِي أُمُورٍ تَتَعَلَّقُ بِالْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ، قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ وَالْإِمَامُ أَقْضَى
الْقُضَاةِ أَبُو الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيُّ الْبَصْرِيُّ فِي كِتَابِهِ
الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَئِمَّةِ
الْمُعْتَمَدِينَ وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ زِيَادَةٌ عَلَى بَعْضٍ، أَمَّا
الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ فَكَانَ فِنَاءً حَوْلَ الْكَعْبَةِ وَفَضَاءً
لِلطَّائِفِينَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
جِدَارٌ يُحِيطُ بِهِ وَكَانَتْ الدُّورُ مُحْدِقَةٌ بِهِ وَبَيْنَ
الدُّورِ أَبْوَابٌ تَدْخُلُهُ النَّاسُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ فَلَمَّا
اُسْتُخْلِفَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَثُرَ
النَّاسُ وَسَّعَ الْمَسْجِدَ وَاشْتَرَى الدُّورَ وَهَدَمَهَا وَزَادَهَا
فِيهِ وَاِتَّخَذَ لِلْمَسْجِدِ جِدَارًا قَصِيرًا دُونَ الْقَامَةِ
وَكَانَتْ الْمَصَابِيحُ تُوضَعُ عَلَيْهِ وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - أَوَّلَ مَنْ اتَّخَذَ الْجِدَارَ لِلْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
فَلَمَّا اُسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ ابْتَاعَ مَنَازِلَ وَوَسَّعَهُ بِهَا
أَيْضًا وَهِيَ الْمَسْجِدُ وَالْأَرْوِقَةُ فَكَانَ عُثْمَانُ أَوَّلَ
مِنْ اتَّخَذَ لِلْمَسْجِدِ الْأَرْوِقَةَ ثُمَّ ابْنُ الزُّبَيْرِ زَادَ
فِي الْمَسْجِدِ زِيَادَةً كَثِيرَةً وَاشْتَرَى دُورًا مِنْ جُمْلَتِهَا
بَعْضُ دَارِ الْأَزْرَقِيِّ اشْتَرَى ذَلِكَ الْبَعْضَ بِبِضْعَةَ عَشَرَ
أَلْفَ دِينَارٍ ثُمَّ
(2/424)
(مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ) وَإِنْ لَمْ
يَكُنْ بِطَرِيقِهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ
صَحِيحٍ؛ وَلِأَنَّ بَابَ بَنِي شَيْبَةَ مِنْ جِهَةِ بَابِ الْكَعْبَةِ
وَالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَأَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَابِ بَنِي سَهْمٍ إذَا
خَرَجَ إلَى بَلَدِهِ وَيُسَمَّى الْيَوْمَ بِبَابِ الْعُمْرَةِ (وَ) أَنْ
(يَبْدَأَ بِطَوَافِ قُدُومٍ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ،
وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الطَّوَافَ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ فَيُسَنُّ أَنْ
يَبْدَأَ بِهِ بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي (إلَّا لِعُذْرٍ) كَإِقَامَةِ
جَمَاعَةٍ وَضِيقِ وَقْتِ صَلَاةٍ وَتَذَكُّرِ فَائِتَةٍ فَيُقَدَّمُ عَلَى
الطَّوَافِ وَلَوْ كَانَ فِي أَثْنَائِهِ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ وَالطَّوَافُ
لَا يَفُوتُ وَلَا يَفُوتُ بِالْجُلُوسِ وَلَا بِالتَّأْخِيرِ نَعَمْ
يَفُوتُ بِالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي وَكَمَا
يُسَمَّى طَوَافَ الْقُدُومِ يُسَمَّى طَوَافَ الْقَادِمِ وَطَوَافَ
الْوُرُودِ وَطَوَافَ الْوَارِدِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
عَمَّرَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ وَلَمْ يَزِدْ فِيهِ لَكِنْ
رَفَعَ جِدَارَهُ وَسَقْفَهُ بِالسَّاجِ وَعَمَّرَهُ عِمَارَةً حَسَنَةً
ثُمَّ إنَّ الْوَلِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ وَسَّعَ الْمَسْجِدَ وَحَمَلَ
إلَيْهِ أَعْمِدَةَ الْحِجَارَةِ وَالرُّخَامِ ثُمَّ إنَّ الْمَنْصُورَ
زَادَ فِي الْمَسْجِدِ وَبَنَاهُ وَجَعَلَ فِيهِ عُمَدَ الرُّخَامِ وَزَادَ
فِيهِ الْمَهْدِيُّ بَعْدَهُ مَرَّتَيْنِ إحْدَاهُمَا بَعْدَ سَنَةِ
سِتِّينَ وَمِائَةٍ وَالثَّانِيَةَ بَعْدَ سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّينَ
وَمِائَةٍ إلَى سَنَةِ تِسْعٍ وَسِتِّينَ، وَفِيهَا تُوُفِّيَ الْمَهْدِيُّ
وَاسْتَقَرَّ عَلَى ذَلِكَ بِنَاؤُهُ إلَى وَقْتِنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ،
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ يَجُوزُ الطَّوَافُ فِي جَمِيعِ أَرْوِقَتِهِ،
وَلَوْ وُسِّعَ جَازَ الطَّوَافُ فِي جَمِيعِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
انْتَهَى.
(قَوْلُهُ: مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ) وَهُوَ بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ ابْنُ
عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ الْحَجَبِيُّ سَادِنُ الْكَعْبَةِ أَيْ خَادِمُهَا
وَلَمْ يَزَلْ مِفْتَاحُهَا فِي يَدِ وَلَدِهِ إلَى الْآنَ وَالْبُيُوتُ
تُؤْتَى مِنْ أَبْوَابِهَا وَهُوَ الْمُسَمَّى الْآنَ بِبَابِ السَّلَامِ
وَهُوَ ثَلَاثُ طَاقَاتٍ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: لِلِاتِّبَاعِ) عِبَارَةُ حَجّ لِمَا صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ مِنْهُ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ،
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى طَرِيقِهِ وَإِنَّمَا الَّذِي
كَانَ عَلَيْهَا بَابُ إبْرَاهِيمَ، كَذَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ
وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهُ عَرَجَ لِلدُّخُولِ مِنْ الثَّنْيَةِ الْعُلْيَا
فَيَلْزَمُ أَنَّهُ عَلَى طَرِيقِهِ وَيُرَدُّ بِإِمْكَانِ الْجَمْعِ
بِأَنَّ التَّعْرِيجَ إنَّمَا كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَلَا يُنَافِي
مَا فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ؛ وَلِأَنَّ الدَّوَرَانَ إلَيْهِ لَا يَشُقُّ،
وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَجُزْ هُنَا خِلَافٌ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي
التَّعْرِيجِ لِلثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا؛ وَلِأَنَّهُ جِهَةُ بَابِ
الْكَعْبَةِ وَالْبُيُوتُ تُؤْتَى مِنْ أَبْوَابِهَا، وَمِنْ ثَمَّ جِهَةُ
بَابِ الْكَعْبَةِ أَشْرَفُ جِهَاتِهَا الْأَرْبَعِ وَصَحَّ «الْحَجَرُ
الْأَسْوَدُ يَمِينُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ» أَيْ يُمْنُهُ وَبَرَكَتُهُ
أَوْ مِنْ بَابِ الِاسْتِعَارَةِ التَّمْثِيلِيَّةِ، إذْ مَنْ قَصَدَ
مَلِكًا أَمَّ بَابَهُ وَقَبَّلَ يَمِينَهُ لِيَعُمَّهُ مَعْرُوفُهُ
وَيَزُولُ رَوْعُهُ وَخَوْفُهُ انْتَهَتْ (وَقَوْلُهُ وَأَنْ يَخْرُجَ مِنْ
بَابِ بَنِي سَهْمٍ) مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْ
بَابِ الْحَزْوَرَةِ وَإِلَّا فَيُقَدِّمُ الْخُرُوجَ مِنْهُ عَلَى
الْخُرُوجِ مِنْ بَابِ الْعُمْرَةِ، وَبَابُ الْحَزْوَرَةِ هُوَ
الْمَعْرُوفُ الْآنَ بِبَابِ الْوَدَاعِ اهـ. حَجّ وَسَهْمٌ بِفَتْحٍ
فَسُكُونٍ ابْنُ عَمْرِو بْنِ صُهَيْبِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ اهـ.
بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: بِبَابِ الْعُمْرَةِ) وَهُوَ طَاقٌ وَاحِدَةٌ اهـ.
بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَأَنْ يَبْدَأَ بِطَوَافِ قُدُومٍ) وَهُوَ سُنَّةٌ وَقِيلَ
وَاجِبٌ، وَمِنْ ثَمَّ كُرِهَ تَرْكُهُ اهـ. حَجّ. قَالَ فِي الْعُبَابِ
وَلَا يَبْدَأُ بِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ إذْ تَحْصُلُ بِرَكْعَتَيْهِ،
قَالَ فِي شَرْحِهِ غَالِبًا قَالَ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يُصَلِّ
رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ لَا تَحْصُلْ لَهُ التَّحِيَّةُ وَهُوَ كَذَلِكَ
بِالنِّسْبَةِ لِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ أَمَّا تَحِيَّةُ الْبَيْتِ فَهِيَ
الطَّوَافُ، ثُمَّ قَالَ فِي عِبَارَةٍ عَنْ بَعْضِهِمْ وَتَقُومُ
رَكْعَتَا الطَّوَافِ مَقَامَهَا أَيْ التَّحِيَّةِ، صَرَّحَ بِهِ
الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الرِّفْعَةِ، قَالَ فِي الْمُهِّمَّاتِ
وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَهُمَا فَقَدْ فَوَّتَ هَذِهِ
التَّحِيَّةَ، وَلَوْ اشْتَغَلَ قَبْلَ الطَّوَافِ بِصَلَاةٍ لِنَحْوِ
خَوْفِ فَوْتٍ لَمْ يُخَاطَبْ بِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لِانْدِرَاجِهَا
فِيهِ اهـ. سم عَلَى حَجّ.
(قَوْلُهُ: تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ) قَالَ الْمَحَلِّيُّ أَيْ الْبُقْعَةِ
وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ فَتَنَبَّهْ لَهُ قَالَ حَجّ فِي حَاشِيَةِ
الْإِيضَاحِ أَيْ الْكَعْبَةُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَأَمَّا تَحِيَّةُ
الْمَسْجِدِ فَتَنْدَرِجُ فِي رَكْعَتَيْهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا نَوَى
بِهِمَا مَعَ الطَّوَافِ التَّحِيَّةَ أُثِيبَ عَلَيْهَا وَإِلَّا سَقَطَ
عَنْهُ الطَّلَبُ بِفِعْلِهِمَا فَإِنْ تَرَكَهُمَا وَخَرَجَ أَوْ جَلَسَ
لَمْ يَسْقُطْ طَلَبُ التَّحِيَّةِ أَوْ بَدَأَ بِالصَّلَاةِ لِنَحْوِ
ضِيقِ وَقْتٍ انْدَرَجَتْ التَّحِيَّةُ فِيهَا اهـ. ثُمَّ ذَكَرَ مَا
يَتَعَيَّنُ اسْتِفَادَتُهُ فَلْيُرَاجَعْ اهـ. سم اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ مَحَلَّ طَلَبِ الطَّوَافِ مِنْ الدَّاخِلِ إذَا
أَرَادَهُ فَإِنْ لَمْ يُرِدْهُ فَالْمَطْلُوبُ مِنْهُ صَلَاةُ
رَكْعَتَيْنِ كَسَائِرِ الْمَسْجِدِ، وَقَدْ أَشَارَ لِهَذَا فِي
التُّحْفَةِ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ مَنَعَهُ النَّاسُ صَلَّى التَّحِيَّةَ
كَمَا لَوْ دَخَلَ وَلَمْ يُرِدْهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: كَإِقَامَةِ جَمَاعَةٍ) أَيْ وَلَوْ فِي جِنَازَةٍ أَوْ
نَافِلَةٍ تُسَنُّ فِيهَا الْجَمَاعَةُ عَلَى الظَّاهِرِ فِي شَرْحِ
الْعُبَابِ اهـ. سم عَلَى حَجّ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا كَإِقَامَةِ جَمَاعَةٍ) أَيْ وَكَكَوْنِ الدَّاخِلِ
امْرَأَةً ذَاتَ جَمَالٍ أَوْ شَرَفٍ وَهِيَ الَّتِي لَا تَبْرُزُ
لِلرِّجَالِ فَيُسَنُّ لَهَا أَنْ تُؤَخِّرَهُ إلَى اللَّيْلِ وَهُوَ
مُقَيَّدٌ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا أَمِنَتْ حَيْضًا بِطُولِ
زَمَنِهِ اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: وَتَذَكُّرِ فَائِتَةٍ) أَيْ يَجِبُ قَضَاؤُهَا فَوْرًا لَكِنْ
فِي كَلَامِ شَيْخِنَا حَجّ مُوَافَقَةُ ظَاهِرِ كَلَامِ الشَّرْحِ فِي
تَقْدِيمِ الْفَائِتَةِ وَإِنْ فَاتَتْ بِعُذْرٍ اهـ. ح ل.
(قَوْلُهُ: فَيُقَدَّمُ عَلَى الطَّوَافِ) أَيْ ثُمَّ يَطُوفُ. اهـ.
إيضَاحٌ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَذْكُورَ مِنْ الْأَعْذَارِ لَكِنْ هَذَا
التَّعْلِيلُ لَا يَظْهَرُ فِي الْفَائِتَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ
بِتَقْدِيمِ الطَّوَافِ اهـ. شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَفُوتُ بِالْجُلُوسِ) وَلَوْ جَلَسَ عَمْدًا بَعْدَ
الطَّوَافِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْهِ فَاتَتْ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ؛
لِأَنَّهَا تَفُوتُ بِالْجُلُوسِ عَمْدًا وَإِنْ قَصَرَ وَقِيَاسُ ذَلِكَ
أَنَّهُ لَوْ تَعَمَّدَ عِنْدَ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ تَأْخِيرَ الطَّوَافِ
حَتَّى طَالَ الْفَصْلُ، وَإِنْ لَمْ يَجْلِسْ فَاتَتْ تَحِيَّةُ
الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهَا تَفُوتُ بِطُولِ الْفَصْلِ، وَلَوْ مَعَ
الْقِيَامِ غَيْرَ أَنَّهُ اُغْتُفِرَ اشْتِغَالُهُ عَنْهَا بِالطَّوَافِ
فَإِذَا أَخَّرَ الِاشْتِغَالَ بِهِ حَتَّى
(2/425)
وَطَوَافَ التَّحِيَّةِ (وَيَخْتَصُّ بِهِ)
أَيْ بِطَوَافِ الْقُدُومِ (حَلَالٌ) هُوَ مِنْ زِيَادَتِي (وَحَاجٌّ
دَخَلَ مَكَّةَ قَبْلَ وُقُوفٍ) فَلَا يَطْلُبُ مِنْ الدَّاخِلِ بَعْدَهُ
وَلَا مِنْ الْمُعْتَمِرِ لِدُخُولِ وَقْتِ الطَّوَافِ الْمَفْرُوضِ
عَلَيْهِمَا فَلَا يَصِحُّ قَبْلَ أَدَائِهِ أَنْ يَتَطَوَّعَا بِطَوَافِهِ
قِيَاسًا عَلَى أَصْلِ النُّسُكِ (وَمَنْ قَصَدَ الْحَرَمَ) هُوَ أَعَمُّ
مِنْ قَوْلِهِ مَكَّةَ (لَا لِنُسُكٍ) بَلْ لِنَحْوِ زِيَارَةٍ أَوْ
تِجَارَةٍ (سُنَّ) لَهُ (إحْرَامٌ بِهِ) أَيْ بِنُسُكٍ كَتَحِيَّةِ
الْمَسْجِدِ لِدَاخِلِهِ سَوَاءٌ أَتَكَرَّرَ دُخُولُهُ كَحَطَّابٍ أَمْ
لَا كَرَسُولٍ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
طَالَ الْفَصْلُ فَاتَتْ اهـ. م ر، وَكَذَا تَفُوتُ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ
فَلَا يُثَابُ عَلَيْهَا إذَا صَرَفَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ عَنْهَا بِأَنْ
نَوَى بِهِمَا رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ دُونَ التَّحِيَّةِ بِخِلَافِ مَا
إذَا نَوَاهَا أَيْضًا أَوْ أَطْلَقَ فَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ هُنَا حُصُولُ
ثَوَابِ التَّحِيَّةِ بِرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ إذَا أَطْلَقَ، وَإِنْ
قُلْنَا بِخِلَافِ ذَلِكَ إذَا أَطْلَقَ فَصَلَّى فَرْضًا أَوْ نَفْلًا
آخَرَ غَيْرَ ذَلِكَ اهـ. م ر. اهـ. سم عَلَى حَجّ.
(قَوْلُهُ: وَطَوَافُ التَّحِيَّةِ) وَيُسَمَّى أَيْضًا طَوَافَ الصَّدَرِ
وَطَوَافَ الصَّادِرِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ صَدَرَ الْقَوْلُ صُدُورًا مِنْ بَابِ قَعَدَ
وَأَصْدَرْته بِالْأَلِفِ وَأَصْلُهُ الِانْصِرَافُ يُقَالُ صَدَرَ
الْقَوْمُ وَأَصْدَرْنَاهُمْ إذَا صَرَفْتهمْ وَصَدَرْت عَنْ الْمَوْضِعِ
صَدْرًا مِنْ بَابِ قَتَلَ رَجَعْت وَالصَّدَرُ بِفَتْحَتَيْنِ. اهـ.
فَيَدُورُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ الِانْصِرَافِ وَالرُّجُوعِ وَطَافَ
الرُّكْنَ انْصَرَفَ مِنْ عَرَفَةَ وَمِنًى إلَى مَكَّةَ لِلطَّوَافِ
وَرَجَعَ إلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: فَلَا يُطْلَبُ مِنْ الدَّاخِلِ بَعْدَهُ) أَيْ لَا يُطْلَبُ
مُسْتَقِلًّا فَلَا يُنَافِي كَوْنَهُ يَحْصُلُ بِطَوَافِ الرُّكْنِ اهـ.
شَوْبَرِيٌّ.
وَعِبَارَةُ حَجّ وَبِطَوَافِ الْفَرْضِ يُثَابُ عَلَى طَوَافِ الْقُدُومِ،
وَإِنْ قَصَدَهُ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ انْتَهَتْ، وَقَوْلُهُ إنْ
قَصَدَهُ ظَاهِرُهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ طَوَافَ الْفَرْضِ فَإِنَّهُ لَا
يُشْتَرَطُ قَصْدُهُ لِشُمُولِ نِيَّةِ النُّسُكِ لَهُ وَلَا يَضُرُّ
الِاقْتِصَارُ عَلَى قَصْدِ طَوَافِ الْقُدُومِ فِي حُصُولِ طَوَافِ
الْفَرْضِ، بَلْ قَالُوا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ طَوَافُ إفَاضَةٍ مَثَلًا
فَصَرَفَهُ لِغَيْرِهِ لَمْ يَنْصَرِفْ وَيَقَعُ عَنْ الْإِفَاضَةِ إلَّا
أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ يَزِيدُ بِحُصُولِ مَا قَصَدَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ
مَطْلُوبٌ فِي ضِمْنِ ذَلِكَ الْفَرْضِ فَلْيُتَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْته فِي
شَرْحِ الْعُبَابِ أَطَالَ هُنَا بِمَا مِنْهُ مَا نَصُّهُ، وَيُؤَيِّدُهُ
قَوْلُ الْقَمُولِيِّ إذَا نَوَى بِطَوَافِ الْعُمْرَةِ طَوَافَ الْقُدُومِ
وَقَعَ عَنْ التَّحِيَّةِ أَيْ تَحِيَّةِ الْكَعْبَةِ حَتَّى يُثَابَ
عَلَيْهَا فَهُوَ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ فِي تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ
مِنْ أَنَّ مَعْنَى حُصُولِهَا بِغَيْرِهَا أَنَّهَا إنْ نُوِيَتْ مَعَهُ
حَصَلَ ثَوَابُهَا وَإِلَّا سَقَطَ طَلَبُهَا وَلَا يُتَوَهَّمُ مِنْ
كَلَامِ الْقَمُولِيِّ خِلَافًا لِمَنْ ظَنَّهُ أَنَّ الطَّوَافَ انْصَرَفَ
بِهَذِهِ النِّيَّةِ عَنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا مَعْلُومٌ
مِمَّا يَأْتِي أَنَّ طَوَافَ الْفَرْضِ لَا يَنْصَرِفُ بِطَوَافِ غَيْرِهِ
وَحِينَئِذٍ فَمَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّهُ وَقَعَ عَنْ التَّحِيَّةِ مَعَ
وُقُوعِهِ عَنْ الْفَرْضِ أَيْضًا وَعِبَارَتُهُ ظَاهِرَةٌ فِي ذَلِكَ
فَلْيُتَأَمَّلْ، وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْعُمْرَةِ
طَوَافَ قُدُومٍ إلَّا أَنَّهُ مُنْدَرِجٌ فِي طَوَافِهَا، وَقِيَاسُ
التَّشْبِيهِ بِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ أَنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهِ، وَإِنْ
لَمْ يَقْصِدْهُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِذَلِكَ فِي تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ
إذَا صَلَّى فَرْضًا أَوْ نَفْلًا، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْبَهْجَةِ،
وَاعْتَمَدَهُ الرَّمْلِيُّ وَوَلَدُهُ. اهـ. سم عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: الدُّخُولُ وَقْتَ الطَّوَافِ الْمَفْرُوضِ عَلَيْهِمَا) وَمِنْ
ثَمَّ لَوْ دَخَلَ بَعْدَ الْوَقْتِ وَقَبْلَ انْتِصَافِ اللَّيْلِ سُنَّ
لَهُ طَوَافُ الْقُدُومِ أَيْ لِلدُّخُولِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ
يَدْخُلْ وَقْتَ طَوَافِهِ لَا لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِالْوَقْتِ
وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُمَا؛ لِأَنَّ
الْأَوَّلَ لَا يَفُوتُ إلَّا إنْ دَخَلَ وَقْتُ طَوَافِ الْفَرْضِ وَلَا
يَدْخُلُ إلَّا بِنِصْفِ اللَّيْلِ فِيهِ نَظَرٌ اهـ ح ل.
(قَوْلُهُ: قِيَاسًا عَلَى أَصْلِ النُّسُكِ) قَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ
التَّطَوُّعَ فِي أَصْلِ النُّسُكِ يُفَوِّتُ الْوَاجِبَ بِالْكُلِّيَّةِ
بِخِلَافِهِ هُنَا لَا يَحْصُلُ بِهِ الْفَوَاتُ تَأَمَّلْ اهـ.
شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ قَصَدَ الْحَرَمَ) أَيْ وَلَوْ مَكِّيًّا أَوْ عَبْدًا
أَوْ أُنْثَى لَمْ يَأْذَنْ لَهُمَا سَيِّدٌ أَوْ زَوْجٌ فِي دُخُولِ
الْحَرَمِ إذْ الْحُرْمَةُ مِنْ جِهَتِهِ لَا تُنَافِي النَّدْبَ مِنْ
جِهَةٍ أُخْرَى اهـ. شَرْحُ م ر قَالَ فِي الْإِيضَاحِ: الْمَسْأَلَةُ
الثَّانِيَةُ إذَا بَلَغَ الْحَرَمَ فَقَدْ اسْتَحَبَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا
أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ هَذَا حَرَمُك وَأَمْنُك فَحَرِّمْنِي عَلَى
النَّارِ وَآمِنِّي مِنْ عَذَابِك يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَك وَاجْعَلْنِي
مِنْ أَوْلِيَائِك وَأَهْلِ طَاعَتِك وَيَسْتَحْضِرُ فِي نَفْسِهِ مِنْ
الْخُضُوعِ وَالْخُشُوعِ فِي قَلْبِهِ وَجَسَدِهِ مَا أَمْكَنَهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: سُنَّ إحْرَامٌ بِهِ) هَلْ يُسْتَحَبُّ لِلْوَلِيِّ أَنْ
يُحْرِمَ عَنْ الصَّبِيِّ الَّذِي دَخَلَ بِهِ. اهـ. سم عَلَى حَجّ.
(قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ) أَيْ لِلْخِلَافِ فِي وُجُوبِهِ قَالَ فِي
الْإِيضَاحِ: الثَّامِنَةُ مِنْ الْمَسَائِلِ يَنْبَغِي لِمَنْ يَأْتِي
مِنْ غَيْرِ الْحَرَمِ أَنْ لَا يَدْخُلَ مَكَّةَ إلَّا مُحْرِمًا بِحَجٍّ
أَوْ عُمْرَةٍ وَهَلْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ أَوْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ فِيهِ
خِلَافٌ مُنْتَشِرٌ يَجْمَعُهُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَصَحُّهَا أَنَّهُ
مُسْتَحَبٌّ، وَالثَّانِي أَنَّهُ وَاجِبٌ، وَالثَّالِثُ إنْ كَانَ مِمَّنْ
يَتَكَرَّرُ دُخُولُهُ كَالْحَطَّابِينَ وَالسَّقَّايِينَ وَالصَّيَّادِينَ
وَنَحْوِهِمْ لَمْ يَجِبْ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَتَكَرَّرُ
كَالتَّاجِرِ وَالزَّائِرِ وَالرَّسُولِ وَالْمَكِّيِّ إذَا رَجَعَ مِنْ
سَفَرِهِ وَجَبَ، فَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ فَلَهُ شُرُوطٌ أَحَدُهُمَا أَنْ
يَكُونَ حُرًّا فَإِنْ كَانَ عَبْدًا لَمْ يَجِبْ بِلَا خِلَافٍ، وَلَوْ
أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي الدُّخُولِ مُحْرِمًا لَمْ يَلْزَمْهُ،
وَالثَّانِي أَنْ يَجِيءَ مِنْ خَارِجِ الْحَرَمِ أَمَّا أَهْلُ الْحَرَمِ
فَلَا إحْرَامَ عَلَيْهِمْ بِلَا خِلَافٍ، وَالثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ
آمِنًا فِي دُخُولِهِ وَأَنْ لَا يَدْخُلَ لِقِتَالٍ فَأَمَّا إنْ
دَخَلَهَا خَائِفًا مِنْ ظَالِمٍ أَوْ غَرِيمٍ يَحْبِسُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ
أَوْ نَحْوِهِمَا وَلَا يُمْكِنُهُ الظُّهُورُ لِأَدَاءِ النُّسُكِ أَوْ
دَخَلَهَا لِقِتَالِ بَاغٍ أَوْ قَاطِعِ طَرِيقٍ فَلَا
(2/426)
(فَصْلٌ) فِيمَا يُطْلَبُ فِي الطَّوَافِ
مِنْ وَاجِبَاتٍ وَسُنَنٍ (وَاجِبَاتُ الطَّوَافِ) بِأَنْوَاعِهِ
ثَمَانِيَةٌ أَحَدُهَا وَثَانِيهَا (سِتْرٌ) لِعَوْرَةٍ (وَطُهْرٌ) عَنْ
حَدَثٍ أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ وَعَنْ نَجَسٍ كَمَا فِي الصَّلَاةِ
وَلِخَبَرِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ (فَلَوْ زَالَا) بِأَنْ عَرِيَ
أَوْ أَحْدَثَ أَوْ تَنَجَّسَ ثَوْبُهُ أَوْ بَدَنُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ بِلَا خِلَافٍ وَإِذَا قُلْنَا يَجِبُ الدُّخُولُ
مُحْرِمًا فَدَخَلَ غَيْرَ مُحْرِمٍ عَصَى وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ
لِفَوَاتِهِ كَمَا لَا يَقْضِي تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ إذَا جَلَسَ قَبْلَ
أَنْ يُصَلِّيَهَا وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ حُكْمَ
دُخُولِ الْحَرَمِ حُكْمُ دُخُولِ مَكَّةَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ
لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْحُرْمَةِ اهـ.
[فَصْلٌ فِيمَا يُطْلَبُ فِي الطَّوَافِ مِنْ وَاجِبَاتٍ وَسُنَنٍ]
أَيْ وَفِيمَا يُذْكَرُ مَعَهُ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَوْ حَمَلَ شَخْصٌ
مُحْرِمًا إلَى آخِرِ الْفَصْلِ اهـ. شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: وَاجِبَاتُ الطَّوَافِ) أَيْ الْأُمُورُ الَّتِي تَتَوَقَّفُ
صِحَّةُ الطَّوَافِ عَلَيْهَا فَهَذِهِ الْعِبَارَةُ عَلَى الْقَاعِدَةِ
مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ وَالْفَرْضَ بِمَعْنًى وَقَوْلُهُمْ فِي
تَخْصِيصِهَا إلَّا فِي الْحَجِّ مُرَادُهُمْ بِقَوْلِهِمْ إلَّا فِي
الْحَجِّ خُصُوصُ إضَافَةِ الْوَاجِبَاتِ لِلْحَجِّ كَمَا لَوْ قَالُوا
وَاجِبَاتُ الْحَجِّ كَذَا فَيَكُونُ الْوَاجِبُ فِيهَا مَا يُجْبَرُ
بِالدَّمِ وَلَا تَتَوَقَّفُ الصِّحَّةُ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا الْمُرَادِ
تَعْبِيرُ م ر وحج هُنَا بِقَوْلِهِمَا: وَاللَّفْظُ الْأَوَّلُ
لِلطَّوَافِ وَاجِبَاتٌ لَا يَصِحُّ إلَّا بِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ
أَرْكَانًا أَمْ شُرُوطًا اهـ. لَكِنْ لَمْ يُبَيِّنَاهُمَا وَلَا
حَوَاشِيَهُمَا، الْبَعْضُ مِنْ هَذِهِ الْوَاجِبَاتِ الَّذِي هُوَ رُكْنٌ
وَاَلَّذِي هُوَ شَرْطٌ تَأَمَّلْ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ
الطَّوَافُ أَفْضَلُ أَرْكَانِ الْحَجِّ حَتَّى الْوُقُوفَ اهـ، وَهُوَ
الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ أَفْضَلَهَا
الْوُقُوفُ لِخَبَرِ: «الْحَجُّ عَرَفَةَ» وَلِهَذَا لَا يَفُوتُ الْحَجُّ
إلَّا بِفَوَاتِهِ وَلَمْ يَرِدْ غُفْرَانٌ فِي شَيْءٍ مَا وَرَدَ فِي
الْوُقُوفِ فَالصَّوَابُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ الْأَرْكَانِ،
وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الطَّوَافَ أَفْضَلُ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ
مُشَبَّهٌ بِالصَّلَاةِ وَقُرْبَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَالْوُقُوفُ أَفْضَلُ
مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ رُكْنًا لِلْحَجِّ لِفَوَاتِهِ بِهِ وَتَوَقُّفِ
صِحَّتِهِ عَلَيْهِ وَاخْتِصَاصِهِ بِهِ وَيُحْمَلُ كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ
السَّلَامِ عَلَى الْأَوَّلِ وَالزَّرْكَشِيِّ عَلَى الثَّانِي اهـ. شَرْحُ
م ر فِي مَبْحَثِ السَّعْيِ.
(قَوْلُهُ: بِأَنْوَاعِهِ) أَيْ السِّتَّةِ مِنْ قُدُومٍ وَرُكْنٍ
وَوَدَائِعَ وَمَا يَتَحَلَّلُ بِهِ فِي الْفَوَاتِ وَطَوَافِ نَذْرٍ
وَتَطَوُّعٍ اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ أَيْضًا بِأَنْوَاعِهِ) شَمِلَ طَوَافَ التَّطَوُّعِ
وَقَضِيَّتُهُ مَعَ قَوْلِهِ الْآتِي وَكَوْنُهُ سَبْعًا أَنَّهُ لَا
تَطَوُّعَ فِيهِ بِشَوْطٍ أَوْ أَكْثَرَ أَيْ أَقَلَّ مِنْ السَّبْعِ
وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ وَنُقِلَ عَنْ الْخَادِمِ أَنَّ لَهُ التَّطَوُّعَ
بِذَلِكَ فَلْيُحَرَّرْ، ثُمَّ رَأَيْت فِي الْإِيعَابِ وَفِي حَدِيثٍ
غَرِيبٍ «مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ خَمْسِينَ مَرَّةً خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ
كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» ، وَالْمُرَادُ بِالْمَرَّةِ الْأُسْبُوعُ
وَإِلَّا لَاقْتَضَى جَوَازَ التَّطَوُّعِ بِطَوْفَةٍ وَاحِدَةٍ
وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ إلَى آخِرِ مَا أَطَالَ بِهِ وَقَالَ
الزَّرْكَشِيُّ إنَّهُ ضَعِيفٌ اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: أَحَدُهَا وَثَانِيهَا إلَخْ) جَمَعَهُمَا؛ لِأَنَّ
دَلِيلَهُمَا وَاحِدٌ وَلِأَجْلِ التَّفْرِيعِ بِقَوْلِهِ فَلَوْ زَالَا
إلَخْ وَلَا يُشْتَرَطَانِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ إلَّا فِي
الطَّوَافِ اهـ. شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: كَمَا فِي الصَّلَاةِ) رَاجِعٌ لِلسِّتْرِ وَالطُّهْرِ وَعِنْدَ
الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَصِحُّ طَوَافُ
الْمُحْدِثِ وَيَجِبُ مَعَ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ بَدَنَةٌ وَمَعَ
الْحَدَثِ شَاةٌ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: فَلَوْ زَالَا فِيهِ إلَخْ) هَذَا لَا يَصْلُحُ تَفْرِيعًا
عَلَى مَا قَبْلَهُ وَإِنَّمَا هُوَ فِي جَوَابِ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ أَيْ
إذَا عَلِمْت أَنَّ مِنْ وَاجِبَاتِ الطَّوَافِ السِّتْرَ وَالطُّهْرَ
فَإِذَا زَالَا فَحُكْمُهُ التَّجْدِيدُ اهـ.
بِرْمَاوِيٌّ. وَانْظُرْ لَوْ تَعَمَّدَ زَوَالَهُمَا هَلْ يَحْرُمُ
عَلَيْهِ إنْ قُلْنَا يَبْنِي أَوْ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ لِتَمَكُّنِهِ
مِنْ الْبِنَاءِ وَبِهِ يُفَارِقُ غَيْرَهُ مِنْ الْعِبَادَاتِ الَّتِي
تَبْطُلُ بِعُرُوضِ الْمَانِعِ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَلَعَلَّ الْوَجْهَ هُوَ
الثَّانِي فَلْيُحَرَّرْ اهـ، شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: بِأَنْ عَرِيَ) يُقَالُ عَرِيَ مِنْ ثِيَابِهِ بِالْكَسْرِ
عُرْيًا بِالضَّمِّ فَهُوَ عَارٍ وَعُرْيَانُ وَالْمَرْأَةُ عُرْيَانَةُ
اهـ. مُخْتَارٌ اهـ. ع ش.
(قَوْلُهُ أَيْضًا بِأَنْ عَرِيَ) أَيْ انْكَشَفَ شَيْءٌ مِنْ عَوْرَتِهِ
كَأَنْ بَدَا شَيْءٌ مِنْ شَعْرِ رَأْسِ الْحُرَّةِ أَوْ ظُفْرٌ مِنْ
يَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا اهـ. شَرْحُ م ر. (مَسْأَلَةٌ)
قَالَ الشَّيْخُ مَنْصُورٌ الطَّبَلَاوِيُّ سُئِلَ شَيْخُنَا سم عَنْ
امْرَأَةٍ شَافِعِيَّةِ الْمَذْهَبِ طَافَتْ لِلْإِفَاضَةِ بِغَيْرِ
سُتْرَةٍ مُعْتَبَرَةٍ جَاهِلَةً بِذَلِكَ أَوْ نَاسِيَةً ثُمَّ
تَوَجَّهَتْ إلَى بِلَادِ الْيَمَنِ فَنَكَحَتْ شَخْصًا ثُمَّ تَبَيَّنَ
لَهَا فَسَادُ الطَّوَافِ فَأَرَادَتْ أَنْ تُقَلِّدَ أَبَا حَنِيفَةَ فِي
صِحَّتِهِ لِتَصِيرَ بِهِ حَلَالًا وَتَتَبَيَّنَ صِحَّةَ النِّكَاحِ
وَحِينَئِذٍ فَهَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ وَتَتَضَمَّنُ صِحَّةَ التَّقْلِيدِ
بَعْدَ الْعَمَلِ فَأَفْتَى بِالصِّحَّةِ وَأَنَّهُ لَا مَحْذُورَ مِنْ
ذَلِكَ وَلَمَّا سَمِعْت عَنْهُ ذَلِكَ اجْتَمَعْت بِهِ فَإِنِّي كُنْت
أَحْفَظُ عَنْهُ خِلَافَهُ فِي الْعَامِ قَبْلَهُ، فَقَالَ هَذَا هُوَ
الَّذِي اعْتَقَدَهُ مِنْ الصِّحَّةِ وَأَفْتَى بِهِ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ
أَيْضًا تَبَعًا لَهُ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ
وَأَشْبَاهُهَا كَثِيرَةٌ وَمُرَادُهُ بِأَشْبَاهِهَا كُلُّ مَا كَانَ
مُخَالِفًا لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ مَثَلًا وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى بَعْضِ
الْمَذَاهِبِ الْمُعْتَبَرَةِ فَإِذَا فَعَلَهُ عَلَى وَجْهٍ فَاسِدٍ
عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَصَحِيحٍ عِنْدَ غَيْرِهِ ثُمَّ عَلِمَ بِالْحَالِ
جَازَ أَنْ يُقَلِّدَ الْقَائِلَ بِصِحَّتِهِ فِيمَا مَضَى وَفِيمَا
يَأْتِي فَيُرَتِّبَ عَلَيْهِ أَحْكَامَهُ فَتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ
مُهِمٌّ جِدًّا وَيَنْبَغِي أَنَّ إثْمَ الْإِقْدَامِ بَاقٍ حَيْثُ
فَعَلَهُ عَالِمًا اهـ.
(2/427)
أَوْ مَطَافُهُ بِنَجِسٍ غَيْرِ مَعْفُوٍّ
عَنْهُ (فِيهِ) أَيْ فِي طَوَافِهِ (جَدَّدَ) السِّتْرَ وَالطُّهْرَ
(وَبَنَى) عَلَى طَوَافِهِ وَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ
إذْ يُحْتَمَلُ فِيهِ مَا لَا يُحْتَمَلُ فِيهَا كَكَثِيرِ الْفِعْلِ
وَالْكَلَامِ سَوَاءٌ أَطَالَ الْفَصْلَ أَمْ قَصُرَ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ
الْوَلَاءِ فِيهِ كَالْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِبَادَةٌ
يَجُوزُ أَنْ يَتَخَلَّلَهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ
لَكِنْ يُسَنُّ الِاسْتِئْنَافُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ،
وَمَحَلُّ اشْتِرَاطِ السِّتْرِ وَالطُّهْرِ مَعَ الْقُدْرَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
ع ش عَلَى م ر فِيمَا يَأْتِي فِي مَبْحَثِ طَوَافِ الْوَدَاعِ، وَلَوْ
انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ بِنَحْوِ رِيحٍ فَسَتَرَهَا فِي الْحَالِ لَكِنَّهُ
قَطَعَ جُزْءًا مِنْ الطَّوَافِ حَالَ انْكِشَافِهَا فَهَلْ يُحْسَبُ لَهُ؛
لِأَنَّ ذَلِكَ مُغْتَفَرٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ
فِيهِ نَظَرٌ وَيُتَّجَهُ أَنَّهُ كَذَلِكَ اهـ. سم عَلَى حَجّ.
(قَوْلُهُ: أَوْ مَطَافُهُ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَلَبَتُهَا مِمَّا
عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى فِي الْمَطَافِ وَقَدْ اخْتَارَ جَمَاعَةٌ مِنْ
أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُحَقِّقِينَ الْعَفْوَ عَنْهَا
وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ يُعْفَى عَمَّا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ
مِنْ ذَلِكَ أَيْ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَكُونَ رَطْبَةً وَلَا يَتَعَمَّدَ
الْمَشْيَ عَلَيْهَا كَمَا مَرَّ، وَقَدْ عَدَّ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ
مِنْ الْبِدَعِ غَسْلَ بَعْضِ النَّاسِ الْمَطَافَ اهـ. شَرْحُ م ر.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ التُّحْفَةِ لحج نَعَمْ يُعْفَى أَيَّامَ الْمَوْسِمِ
عَمَّا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فِي الْمَطَافِ مِنْ نَجَاسَةِ
الطُّيُورِ وَغَيْرِهَا إنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْمَشْيَ عَلَيْهَا وَلَمْ
تَكُنْ رُطُوبَةٌ فِيهَا أَوْ فِي مُمَاسِّهَا كَمَا مَرَّ قُبَيْلَ صِفَةِ
الصَّلَاةِ وَمِنْ ثَمَّ عَدَّ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ غَسْلَ الْمَطَافِ
مِنْ الْبِدَعِ (تَنْبِيهٌ)
لَا يُنَافِي مَا ذُكِرَ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ ذَرْقِ الطُّيُورِ
وَغَيْرِهِ قَوْلَ جَمْعٍ مُتَأَخِّرِينَ الْغَرَضُ غَلَبَةُ النَّجَاسَةِ
بِذَرْقِ الطَّيْرِ مُطْلَقًا وَبِغَيْرِهِ فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ اهـ.؛
لِأَنَّ هَذَا الْغَرَضَ مُجَرَّدُ تَصْوِيرٍ لَا غَيْرُ وَإِنَّمَا
الْمَدَارُ عَلَى النَّظَرِ لِمَا أَصَابَهُ فَإِنْ غَلَبَ عُفِيَ عَنْهُ
مُطْلَقًا وَإِلَّا فَلَا مُطْلَقًا انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: جَدَّدَ وَبَنَى) مَحَلُّ الْبِنَاءِ فِي زَوَالِ الطُّهْرِ
إذَا زَالَ بِغَيْرِ الْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ وَالسُّكْرِ فَإِنْ زَالَ
بِوَاحِدٍ مِنْهَا فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ سَوَاءٌ تَعَدَّى أَوْ لَا،
وَسَوَاءٌ طَالَ الْفَصْلُ أَوْ قَصَدَ بِخُرُوجِ الثَّلَاثَةِ عَنْ
أَهْلِيَّةِ الْعِبَادَةِ بِالْكُلِّيَّةِ وَبَقِيَ مَا لَوْ ارْتَدَّ هَلْ
يَنْقَطِعُ طَوَافُهُ أَمْ لَا فِيهِ نَظَرٌ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ عَدَمُ
بُطْلَانِ مَا مَضَى مِنْهُ سَوَاءٌ طَالَ أَوْ قَصُرَ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ
فِيهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى تَكْلِيفِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ
أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ فِي زَمَنِ الرِّدَّةِ فَإِذَا أَسْلَمَ بَنَى عَلَى
مَا فَعَلَهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ بِنِيَّةٍ جَدِيدَةٍ لِبُطْلَانِ
النِّيَّةِ الْأُولَى بِالرِّدَّةِ لَكِنْ سَيَأْتِي كَلَامُ الشَّارِحِ
فِي مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَكَذَا
يَفْسُدُ الْحَجُّ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ إلَخْ يَبْطُلُ
بِالرِّدَّةِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَفَرَّقَ ثُمَّ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ مَا لَوْ ارْتَدَّ فِي أَثْنَاءِ وُضُوئِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ
فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى مَا مَضَى بِأَنَّ النِّيَّةَ فِي الْوُضُوءِ
يُمْكِنُ تَوْزِيعُهَا عَلَى أَعْضَائِهِ فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ بُطْلَانِ
بَعْضِهَا بُطْلَانُ كُلِّهَا بِخِلَافِهَا فِي الْحَجِّ فَإِنَّهُ لَا
يُمْكِنُ تَوْزِيعُهَا عَلَى أَجْزَائِهِ اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ
الطَّوَافَ يَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ لِشُمُولِ قَوْلِهِ كَغَيْرِهِ لَمْ
يَصِحَّ مِنْ الْعِبَادَاتِ لَهُ؛ وَلِأَنَّ نِيَّتَهُ لَا يُمْكِنُ
تَوْزِيعُهَا عَلَى أَجْزَائِهِ؛ لِأَنَّ الْأُسْبُوعَ كَالرَّكْعَةِ
وَهُوَ لَوْ نَوَى بَعْضَ رَكْعَةٍ لَمْ يَصِحَّ فَكَذَا الطَّوَافُ
فَلْيُرَاجَعْ اهـ. ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: وَبَنَى) الظَّاهِرُ أَنَّ الْبِنَاءَ كَأَصْلِ الطَّوَافِ
فَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ نِيَّةٌ حَيْثُ لَمْ تُشْتَرَطْ لِأَصْلِهِ اهـ. سم
عَلَى حَجّ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ) الْمُرَادُ بِالتَّعَمُّدِ
الِاخْتِيَارُ هَذِهِ الْغَايَةُ لِلرَّدِّ عَلَى قَوْلِ إنَّهُ
يَسْتَأْنِفُ حِينَئِذٍ كَالصَّلَاةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِاخْتِيَارِهِ
بِأَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَخِلَافٌ مُرَتَّبٌ عَلَى التَّعَمُّدِ أَيْ
إنْ قُلْنَا فِي التَّعَمُّدِ يَبْنِي وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ هُنَا أَوْلَى،
وَإِنْ قُلْنَا لَا يَبْنِي وَهُوَ الضَّعِيفُ فَقَوْلَانِ أَرْجَحُهُمَا
الْبِنَاءُ عِبَارَةُ أَصْلِهِ مَعَ شَرْحِهَا لِلْمَحَلِّيِّ وَفِي قَوْلٍ
يَسْتَأْنِفُ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ
الطَّوَافَ يُحْتَمَلُ فِيهِ مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي الصَّلَاةِ
كَالْفِعْلِ الْكَثِيرِ وَالْكَلَامِ، وَلَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَإِنْ
قُلْنَا فِي التَّعَمُّدِ يَبْنِي فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَقَوْلَانِ
أَرْجَحُهُمَا الْبِنَاءُ، وَسَوَاءٌ عَلَى الْبِنَاءِ طَالَ الْفَصْلُ
أَوْ لَا بِنَاءً عَلَى مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ مِنْ سُنَنِ الطَّوَافِ
مُوَالَاتُهُ وَفِي قَوْلٍ إنَّهَا وَاجِبَةٌ فَيَسْتَأْنِفُ فِي
الطَّوَافِ بِلَا عُذْرٍ عَلَى هَذَا وَحَيْثُ لَا نُوجِبُ الِاسْتِئْنَافَ
نَسْتَحِبُّهُ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الصَّلَاةِ إلَخْ) غَرَضُهُ الرَّدُّ عَلَى
الضَّعِيفِ.
وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ مَعَ شَرْحِ م ر وَفِي قَوْلٍ يَسْتَأْنِفُ كَمَا فِي
الصَّلَاةِ وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ فِيهِ مَا لَا
يُحْتَمَلُ فِي الصَّلَاةِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْوَلَاءِ فِيهِ كَالْوُضُوءِ) أُخِذَ
مِنْهُ أَنَّ صَاحِبَ الضَّرُورَةِ يَجِبُ أَنْ يُوَالِيَ نَفْسَهُ وَفِيهِ
نَظَرٌ بَلْ يَنْبَغِي نَدْبُهُ لِتَوَسُّعِهِمْ فِيهِ. اهـ. ح ل.
(قَوْلُهُ: لَكِنْ يُسَنُّ الِاسْتِئْنَافُ إلَخْ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ
وَبَنَى وَيَصِحُّ رُجُوعُهُ أَيْضًا لِلتَّعْمِيمِ فِي قَوْلِهِ سَوَاءٌ
طَالَ الْفَصْلُ أَمْ قَصُرَ بِالنِّسْبَةِ لِشِقِّهِ الْأَوَّلِ لِمَا
عَلِمْت مِنْ عِبَارَةِ الْمَحَلِّيِّ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا وَأَنَّهُ
يُسَنُّ فِيهِ الِاسْتِئْنَافُ أَيْضًا خُرُوجًا مِنْ ذَلِكَ الْخِلَافِ
تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: مَعَ الْقُدْرَةِ) فَلَوْ عَجَزَ عَنْ السِّتْرِ طَافَ
عُرْيَانًا، وَلَوْ لِلرُّكْنِ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ أَوْ عَنْ
الطَّهَارَةِ حِسًّا أَوْ شَرْعًا فَفِيهِ اضْطِرَابٌ حَرَّرْته فِي
الْحَاشِيَةِ، وَحَاصِلُ الْمُعْتَمَدِ مِنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ
عَزَمَ عَلَى الرَّحِيلِ أَنْ يَطُوفَ وَلَوْ لِلرُّكْنِ، وَإِنْ اتَّسَعَ
وَقْتُهُ لِمَشَقَّةِ مُصَابَرَةِ الْإِحْرَامِ بِالتَّيَمُّمِ
وَيَتَحَلَّلُ بِهِ وَإِذَا جَاءَ مَكَّةَ لَزِمَهُ إعَادَتُهُ وَلَا
يَلْزَمُهُ عِنْدَ فِعْلِهِ تَجَرُّدٌ وَلَا غَيْرُهُ فَإِذَا مَاتَ وَجَبَ
الْإِحْجَاجُ عَنْهُ بِشَرْطِهِ
(2/428)
أَمَّا مَعَ الْعَجْزِ فَفِي
الْمُهِّمَّاتِ جَوَازُ الطَّوَافِ بِدُونِهِمَا إلَّا طَوَافَ الرُّكْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
وَلَا يَجُوزُ طَوَافُ الرُّكْنِ وَلَا غَيْرُهُ لِفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ،
بَلْ الْأَوْجَهُ أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ طَوَافُ الْوَدَاعِ، وَلَوْ طَرَأَ
حَيْضُهَا قَبْلَ طَوَافِ الرُّكْنِ وَلَمْ يُمْكِنْهَا التَّخَلُّفُ
لِنَحْوِ فَقْدِ نَفَقَةٍ أَوْ رُفْقَةٍ أَوْ خَوْفٍ عَلَى نَفْسِهَا
رَحَلَتْ إنْ شَاءَتْ ثُمَّ إذَا وَصَلَتْ لِمَحَلٍّ يَتَعَذَّرُ
الرُّجُوعُ عَلَيْهَا مِنْهُ إلَى مَكَّةَ تَتَحَلَّلُ كَالْمُحْصَرِ
وَيَبْقَى الطَّوَافُ فِي ذِمَّتِهَا فَيَأْتِي فِيهِ مَا تَقَرَّرَ وَفِي
هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَزِيدُ بَسْطٍ بَيَّنْته فِي الْحَاشِيَةِ وَأَنَّ
الْأَحْوَطَ لَهَا أَنْ تُقَلِّدَ مَا يَرَى بَرَاءَةَ ذِمَّتِهَا
بِطَوَافِهَا قَبْلَ رَحِيلِهَا. اهـ. حَجّ، وَقَوْلُهُ تَتَحَلَّلُ
كَالْمُحْصَرِ قَضِيَّةُ هَذَا التَّشْبِيهِ أَنَّهُ بِالتَّحَلُّلِ
تَخْرُجُ مِنْ النُّسُكِ وَيَبْقَى بِتَمَامِهِ فِي ذِمَّتِهَا لَكِنْ
قَوْلُهُ وَيَبْقَى الطَّوَافُ فِي ذِمَّتِهَا إلَخْ مُصَرَّحٌ بِخِلَافِهِ
وَأَنَّ الْبَاقِيَ فِي ذِمَّتِهَا مُجَرَّدُ الطَّوَافِ فَيَكُونُ
التَّشْبِيهُ فِي قَوْلِهِ كَالْمُحْصَرِ بِالنِّسْبَةِ لِمُجَرَّدِ مَا
تَتَحَلَّلُ بِهِ لَكِنْ الْأَوْجَهُ هُوَ الْأَوَّلُ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ
مِنْ الْإِحْرَامِ وَالْإِتْيَانِ بِتَمَامِ النُّسُكِ؛ لِأَنَّ
التَّحَلُّلَ يَقْطَعُ النُّسُكَ وَيَخْرُجُ مِنْهُ اهـ. سم عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: أَمَّا مَعَ الْعَجْزِ فَفِي الْمُهِّمَّاتِ إلَخْ) حَاصِلُ
الْمُعْتَمَدِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْعَارِيَ يَصِحُّ
طَوَافُهُ مُطْلَقًا فِي أَنْوَاعِ الطَّوَافِ السِّتَّةِ وَلَا إعَادَةَ
عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا وَأَنَّ الْمُتَنَجِّسَ وَفَاقِدَ
الطَّهُورَيْنِ لَا يَصِحُّ طَوَافُهُمَا مُطْلَقًا وَأَنَّ الْمُتَيَمِّمَ
يَصِحُّ طَوَافُهُ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا التَّفْصِيلُ فِي وُجُوبِ
الْإِعَادَةِ عَلَيْهِ أَيْ الْمُتَيَمِّمِ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ الرُّكْنِ
لَا يُعِيدُهُ، وَإِنْ كَانَ الرُّكْنَ أَعَادَهُ إنْ غَلَبَ وُجُودُ
الْمَاءِ اهـ. شَيْخُنَا لِلشَّيْخِ عَبْدِ رَبِّهِ حَاصِلٌ آخَرُ قَالَ
فِيهِ: وَحَاصِلُ الْمُعْتَمَدِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ طَوَافَ
الرُّكْنِ يَفْعَلُهُ بِالتَّيَمُّمِ حَيْثُ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ
رَحِيلِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَحَلُّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ أَوْ
لَا، ثُمَّ إذَا عَادَ إلَى مَكَّةَ يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهُ إنْ كَانَ
الْمَحَلُّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا غَلَبَ
الْفَقْدُ أَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ فَلَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ لَكِنْ
ظَاهِرُ عِبَارَةِ م ر وُجُوبُهَا مُطْلَقًا وَإِذَا عَادَ لَا يَحْتَاجُ
إلَى تَجْدِيدِ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ انْصِرَافِهِ مِنْ مَكَّةَ
يَصِيرُ حَلَالًا بِالنِّسْبَةِ لِمُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ وَمُحْرِمًا
بِالنِّسْبَةِ لِبَقَاءِ طَوَافٍ فِي ذِمَّتِهِ، وَأَمَّا غَيْرُ طَوَافِ
الرُّكْنِ فَيَفْعَلُهُ بِالتَّيَمُّمِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ
الْمَحَلُّ لَا يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ اهـ. م ر بِالْمَعْنَى،
وَأَمَّا ذُو النَّجَاسَةِ فَلَا يَطُوفُ أَصْلًا لَا رُكْنًا وَلَا
غَيْرَهُ، وَأَمَّا فَاقِدُ السِّتْرِ فَإِنَّهُ يَطُوفُ مُطْلَقًا وَلَا
إعَادَةَ عَلَيْهِ. اهـ.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَبَحَثَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّ الْقِيَاسَ مَنْعُ
الْمُتَيَمِّمِ وَالْمُتَنَجِّسِ وَالْعَاجِزِ عَنْ الْمَاءِ مِنْ طَوَافِ
الرُّكْنِ لِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ فَلَا فَائِدَةَ فِي فِعْلِهِ؛ وَلِأَنَّ
وَقْتَهُ لَيْسَ مَحْدُودًا كَالصَّلَاةِ وَقَطَعَ فِي طَوَافِ النَّفْلِ
وَالْوَدَاعِ بِأَنَّ لَهُ فِعْلَهُمَا مَعَ ذَلِكَ، وَحَاصِلُ مَا فِي
الْمَقَامِ أَنَّ الْأَوْجَهَ الَّذِي يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ الْإِمَامِ
وَغَيْرِهِ أَنَّ لَهُ فِعْلَ طَوَافِ الرُّكْنِ بِالتَّيَمُّمِ لِفَقْدِ
مَاءٍ أَوْ لِجُرْحٍ عَلَيْهِ جَبِيرَةٌ فِي أَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ
وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَجِبُ مَعَهُ الْإِعَادَةُ حَيْثُ لَمْ يُرْجَ
الْبُرْءُ أَوْ الْمَاءُ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ فِعْلِهِ عَلَى وَجْهٍ
مُجْزٍ عَنْ الْإِعَادَةِ لِشِدَّةِ الْمَشَقَّةِ فِي بَقَائِهِ مُحْرِمًا
مَعَ عَوْدِهِ إلَى وَطَنِهِ وَتَجِبُ إعَادَتُهُ إذَا تَمَكَّنَ بِأَنْ
عَادَ إلَى مَكَّةَ، وَلَوْ بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ لِزَوَالِ
الضَّرُورَةِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ حَلَالًا بِالنِّسْبَةِ
لِإِبَاحَةِ الْمَحْظُورَاتِ لَهُ قَبْلَ الْعَوْدِ لِلضَّرُورَةِ إلَّا
أَنَّهُ مُحْرِمٌ بِالنِّسْبَةِ لِبَقَاءِ الطَّوَافِ فِي ذِمَّتِهِ
وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يُعِيدُ بَعْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْ
الطَّوَافِ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ إحْرَامٍ وَلَمْ أَرَ تَصْرِيحًا بِذَلِكَ
وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ فِي
طَوَافِ النَّفْلِ صَحِيحٌ أَمَّا طَوَافُ الْوَدَاعِ فَالْأَقْرَبُ فِيهِ
جَوَازُهُ بِالتَّيَمُّمِ أَيْضًا نَعَمْ يَمْتَنِعَانِ عَلَى فَاقِدِ
الطَّهُورَيْنِ كَطَوَافِ الرُّكْنِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ -
رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ عَلَيْهِ مَعَ
النُّدْرَةِ فَلَا فَائِدَةَ فِي فِعْلِهِ وَإِنَّمَا فَعَلَ الصَّلَاةَ
الْمَكْتُوبَةَ مَعَ فَقْدِ الطَّهُورَيْنِ لِحُرْمَةِ وَقْتِهَا،
وَالطَّوَافُ لَا آخِرَ لِوَقْتِهِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ إذَا صَلَّى
ثُمَّ قَدَرَ عَلَى التَّيَمُّمِ بَعْدَ الْوَقْتِ لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ
فِي الْحَضَرِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ مَعَ أَنَّ حُرْمَةَ الصَّلَاةِ
أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَتِهِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ طَوَافُ الْوَدَاعِ بِذَلِكَ
أَيْ بِفَقْدِ الطَّهُورَيْنِ وَبِالنَّجَاسَةِ الَّتِي لَا يَقْدِرُ عَلَى
طُهْرِهَا وَلَا دَمَ عَلَيْهِ كَالْحَائِضِ، وَسَيَأْتِي أَيْضًا أَنَّ
مَنْ حَاضَتْ قَبْلَ طَوَافِ الرُّكْنِ وَلَمْ يُمْكِنْهَا الْإِقَامَةُ
حَتَّى تَطْهُرَ لَهَا أَنْ تَرْحَلَ فَإِذَا وَصَلَتْ إلَى مَحَلٍّ
يَتَعَذَّرُ عَلَيْهَا الرُّجُوعُ مِنْهُ إلَى مَكَّةَ جَازَ لَهَا
حِينَئِذٍ أَنْ تَتَحَلَّلَ كَالْمُحْصَرِ وَتُحِلُّ حِينَئِذٍ مِنْ
إحْرَامِهَا وَيَبْقَى الطَّوَافُ فِي ذِمَّتِهَا إلَى أَنْ تَعُودَ
وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ أَيْ الْعَوْدَ عَلَى التَّرَاخِي وَأَنَّهَا
تَحْتَاجُ عِنْدَ فِعْلِهِ إلَى إحْرَامٍ لِخُرُوجِهَا مِنْ نُسُكِهَا
بِالتَّحَلُّلِ بِخِلَافِ مَنْ طَافَ بِتَيَمُّمٍ تَجِبُ مَعَهُ
الْإِعَادَةُ أَيْ إعَادَةُ الطَّوَافِ لِعَدَمِ تَحَلُّلِهِ حَقِيقَةً.
وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُسَافِرَ حَتَّى تَطُوفَ، قَالَ
غَيْرُهُ إنَّهُ غَلَطٌ مِنْهُ انْتَهَتْ، وَقَوْلُهُ لِبَقَاءِ الطَّوَافِ
فِي ذِمَّتِهِ أَيْ فَإِذَا مَاتَ وَجَبَ الْإِحْجَاجُ عَنْهُ بِشَرْطِهِ
اهـ. حَجّ أَيْ
(2/429)
فَالْقِيَاسُ مَنْعُهُ لِلْمُتَيَمِّمِ
وَالْمُتَنَجِّسِ وَإِنَّمَا فُعِلَتْ الصَّلَاةُ كَذَلِكَ لِحُرْمَةِ
الْوَقْتِ وَهُوَ مَفْقُودٌ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ لَا آخِرَ لِوَقْتِهِ
انْتَهَى، وَفِي جَوَازِ فِعْلِهِ فِيمَا ذُكِرَ بِدُونِهِمَا مُطْلَقًا
نَظَرٌ وَقَوْلِي فَلَوْ زَالَا إلَى آخِرِهِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ
الْأَصْلِ فَلَوْ أَحْدَثَ فِيهِ تَوَضَّأَ وَبَنَى (وَ) ثَالِثُهَا
(جَعْلُهُ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ) بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي (مَارًّا
تِلْقَاءَ وَجْهِهِ) فَيَجِبُ كَوْنُهُ خَارِجًا بِكُلِّ بَدَنِهِ عَنْهُ
حَتَّى عَنْ شَاذَرْوَانِهِ وَحِجْرِهِ لِلِاتِّبَاعِ مَعَ خَبَرِ مُسْلِمٍ
«خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» فَإِنْ خَالَفَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ كَأَنْ
اسْتَقْبَلَ الْبَيْتَ أَوْ اسْتَدْبَرَهُ أَوْ جَعَلَهُ عَنْ يَمِينِهِ
أَوْ عَنْ يَسَارِهِ وَرَجَعَ الْقَهْقَرَى نَحْوَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ
لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ لِمُنَابَذَتِهِ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ بِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
وَهُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ الْعَوْدِ وَلَمْ يَعُدْ وَأَنْ يُوجَدَ فِي
تَرِكَتِهِ مَا يَفِي بِأُجْرَةِ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ اهـ. ع ش عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: فَالْقِيَاسُ) أَيْ عَلَى الصَّلَاةِ الْفَائِتَةِ الَّتِي
عَلَيْهِ وَأَرَادَ فِعْلَهَا بِالتَّيَمُّمِ بِجَامِعِ عَدَمِ الْوَقْتِ
اهـ. شَوْبَرِيٌّ، وَقَوْلُهُ مَنْعُهُ لِلْمُتَيَمِّمِ فِيهِ أَنَّ
الْمُتَيَمِّمَ مُتَطَهِّرٌ مَعَ أَنَّ الْفَرْضَ عَدَمُ الطُّهْرِ
وَالسِّتْرِ إلَّا أَنْ يُرَادَ الطَّهَارَةُ الْكَامِلَةُ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَالْمُتَنَجِّسِ) وَحِينَئِذٍ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ
كَالْحَائِضِ فَيَخْرُجُ مَعَ رُفْقَتِهِ إلَى حَيْثُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ
الْعَوْدُ فَيَتَحَلَّلُ كَالْمُحْصَرِ فَإِذَا عَادَ إلَى مَكَّةَ
أَحْرَمَ وَطَافَ اهـ. ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا فُعِلَتْ الصَّلَاةُ إلَخْ) قَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ
الْجَوَازُ فِي طَوَافِ الْوَدَاعِ لِحُرْمَةِ مُفَارَقَتِهِ مَكَّةَ
بِدُونِهِ حُرِّرَ اهـ. سم.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الطَّوَافَ لَا آخِرَ لِوَقْتِهِ) إشَارَةٌ إلَى
جَامِعِ الْقِيَاسِ.
(قَوْلُهُ: وَفِي جَوَازِ فِعْلِهِ إلَخْ) مُرَادُهُ بِهَذَا الِاعْتِرَاضُ
عَلَى الْإِسْنَوِيِّ حَيْثُ أَطْلَقَ مَا عَدَا الرُّكْنِ فَمُقْتَضَى
إطْلَاقِهِ جَوَازُهُ بِفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَالْمُتَنَجِّسِ، وَقَدْ
عَلِمْت أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ أَيْ لَا يَجُوزُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا
شَيْءٌ مِنْ أَنْوَاعِ الطَّوَافِ فَعَلَى الْإِسْنَوِيِّ اعْتِرَاضَانِ
أَحَدُهُمَا فِي الْمُسْتَثْنَى حَيْثُ قَالَ: فَالْقِيَاسُ مَنْعُهُ
لِلْمُتَيَمِّمِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ لَهُ وَإِنَّمَا
التَّفْصِيلُ فِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ، وَهَذَا لَيْسَ فِي الشَّارِحِ
وَالْآخَرُ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ
الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ فِيمَا ذَكَرَ أَيْ فِي حَالَةِ الْعَجْزِ،
وَقَوْلُهُ مُطْلَقًا أَيْ فِي أَقْسَامِ مَا عَدَا الرُّكْنِ فَيَكُونُ
مَعْمُولًا لِلْجَوَازِ أَيْ بَلْ الْحَقُّ التَّفْصِيلُ كَمَا عَلِمْته،
وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَجْعَلَ مُطْلَقًا صِفَةً لِلدُّونِ أَيْ دُونًا
مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ كَوْنِهِ تَنَجُّسًا أَوْ فَقْدَ
طَهُورَيْنِ أَوْ تَيَمُّمًا، بَلْ الْحَقُّ التَّفْصِيلُ، وَهَذَا
الْوَجْهُ فِي تَفْسِيرِ الْإِطْلَاقِ أَنْسَبُ بِالتَّفْصِيلِ، وَأَمَّا
الْوَجْهُ السَّابِقُ فَلَا يُقَابِلُ التَّفْصِيلَ إذْ التَّفْصِيلُ فِي
الْفَاعِلِ وَالْإِطْلَاقُ فِي الْمَفْعُولِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ طَوَافَ قُدُومٍ أَوْ وَدَاعٍ
أَوْ غَيْرِهِمَا مَا عَدَا طَوَافِ الرُّكْنِ؛ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ
اسْتِثْنَاؤُهُ وَهَكَذَا ظَهَرَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَعْنَى الْإِطْلَاقِ
سَوَاءٌ كَانَ بِطَهَارَةِ حَدَثٍ أَوْ خُبْثٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَفِيهِ
نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُقْسَمَ أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الطُّهْرِ
فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. شَوْبَرِيٌّ وَقَالَ ح ل قَوْلُهُ فِيمَا ذُكِرَ أَيْ
طَوَافُ غَيْرِ الرُّكْنِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَجَعْلُهُ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ) أَيْ بِحَيْثُ لَا
يَسْتَقْبِلُ شَيْئًا مِمَّا بَعْدَ الْحَجَرِ مِنْ جِهَةِ الْبَابِ اهـ.
سم قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ أَنَّهُ مَتَى كَانَ
الْبَيْتُ عَنْ يَسَارِهِ صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يَطُفْ عَلَى الْوَجْهِ
الْمَعْهُودِ كَأَنْ جَعَلَ رَأْسَهُ لِأَسْفَلَ وَرِجْلَيْهِ لِأَعْلَى
أَوْ وَجْهَهُ لِلْأَرْضِ وَظَهْرَهُ لِلسَّمَاءِ وَبَحَثَ الْإِسْنَوِيُّ
أَنَّ الْمُتَّجَهَ عَدَمُ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ مُنَابِذٌ لِلشَّرْعِ
وَقَيَّدَهُ الْجَوْجَرِيُّ تَبَعًا لِابْنِ النَّقِيبِ بِمَا إذَا قَدَرَ
عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَشْرُوعَةِ، وَلَوْ قِيلَ بِالْجَوَازِ مُطْلَقًا
لَمْ يَبْعُدْ كَمَا لَوْ طَافَ زَحْفًا أَوْ حَبْوًا مَعَ قُدْرَتِهِ
عَلَى الْمَشْيِ وَلِوُجُودِ جَعْلِ الْبَيْتِ عَنْ يَسَارِهِ مَعَ وُجُودِ
أَصْلِ الْهَيْئَةِ الْوَارِدَةِ اهـ. ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ أَيْضًا وَجَعْلُهُ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ) شَمِلَ ذَلِكَ مَا
لَوْ طَافَ بِصَغِيرٍ حَامِلٍ لَهُ فَيَجْعَلُ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِ
الطِّفْلِ وَيَدُورُ بِهِ وَفِي حَجّ أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا لَمْ يَتَأَتَّ
حَمْلُهُ إلَّا وَوَجْهُهُ أَوْ ظَهْرُهُ لِلْبَيْتِ صَحَّ طَوَافُهُ
لِلضَّرُورَةِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إلَّا
التَّقَلُّبُ عَلَى جَنْبَيْهِ يَجُوزُ طَوَافُهُ كَذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ
رَأْسُهُ لِلْبَيْتِ أَوْ رِجْلَاهُ وَهُوَ كَذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ هُنَا
وَمَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَحْمِلُهُ وَيَجْعَلُ يَسَارَهُ
لِلْبَيْتِ وَإِلَّا لَزِمَهُ، وَلَوْ بِأُجْرَةِ مِثْلٍ فَاضِلَةٍ عَمَّا
مَرَّ فِي نَحْوِ قَائِدِ الْأَعْمَى كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. اهـ. وَيَأْتِي
مِثْلُهُ فِي الطِّفْلِ الْمَحْمُولِ اهـ. ع ش عَلَى م ر وَفِي فَتَاوَى
السُّيُوطِيّ مَسْأَلَةُ الطَّوَافِ يَمِينٌ أَوْ يَسَارٌ الْجَوَابُ
يَسْرِي إلَى ذِهْنِ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ مِنْ اشْتِرَاطِنَا جَعْلَ
الْبَيْتِ عَنْ يَسَارِ الطَّائِفِ أَنَّ الطَّوَافَ يَسَارٌ، وَلَيْسَ
كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ يَمِينٌ وَبَيَانُ ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا
أَنَّ الطَّائِفَ عَنْ يَمِينِ الْبَيْتِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ عَنْ
يَسَارِ شَيْءٍ فَذَلِكَ الشَّيْءُ عَنْ يَمِينِهِ الثَّانِي أَنَّ مَنْ
اسْتَقْبَلَ شَيْئًا ثُمَّ أَرَادَ الْمَشْيَ بِجِهَةِ يَمِينِهِ فَإِنَّهُ
يَجْعَلُ ذَلِكَ الشَّيْءَ عَنْ يَسَارِهِ قَطْعًا وَقَدْ ثَبَتَ فِي
حَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَتَى الْبَيْتَ فَاسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ ثُمَّ مَشَى عَنْ
يَمِينِهِ» اهـ. سم عَلَى حَجّ.
(قَوْلُهُ: حَتَّى مِنْ شَاذَرْوَانِهِ وَحَجَرِهِ) الشَّاذَرْوَانُ
بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ الْخَارِجُ عَنْ عَرْضِ جِدَارِ
الْبَيْتِ قَدْرَ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ تَرَكَتْهُ قُرَيْشٌ لِضِيقِ
النَّفَقَةِ وَهُوَ كَمَا فِي الْمَنَاسِكِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَصْحَابِ
ظَاهِرٌ فِي جَوَانِبِ الْبَيْتِ لَكِنْ لَا يَظْهَرُ عِنْدَ الْحَجَرِ
الْأَسْوَدِ وَكَأَنَّهُمْ تَرَكُوا رَفْعَهُ لِتَهْوِينِ الِاسْتِلَامِ
وَقَدْ أُحْدِثَ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ عِنْدَهُ شَاذَرْوَانُ وَفِي
الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ عَائِشَةَ «سَأَلَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْجِدَارِ - وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ - عَنْ
الْحِجْرِ أَمِنَ الْبَيْتِ هُوَ؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَتْ فَمَا بَالُهُمْ
لَمْ يُدْخِلُوهُ مِنْ الْبَيْتِ قَالَ إنَّ قَوْمَك قَصُرَتْ بِهِمْ
النَّفَقَةُ قَالَتْ فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا قَالَ فَعَلَ
(2/430)
وَالْحِجْرُ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَيُسَمَّى
حَطِيمًا الْمُحَوَّطُ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيَّيْنِ بِجِدَارٍ
قَصِيرٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كُلٍّ مِنْ الرُّكْنَيْنِ فَتْحَةٌ.
(وَ) رَابِعُهَا (بَدْؤُهُ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
ذَلِكَ قَوْمُك لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاءُوا،
وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمَك حَدِيثُو عَهْدٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَخَافُ
أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ أَنْ أُدْخِلَ الْجِدَارَ فِي الْبَيْتِ وَأَنْ
أَلْصَقَ بَابَهُ فِي الْأَرْضِ لَفَعَلْت» ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ جَمِيعَ
الْحِجْرِ مِنْ الْبَيْتِ، قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَهُوَ قَضِيَّةُ
كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَظَاهِرُ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ، لَكِنْ
الصَّحِيحُ أَنَّ الَّذِي فِيهِ مِنْ الْبَيْتِ قَدْرُ سِتَّةِ أَذْرُعٍ
تَتَّصِلُ بِالْبَيْتِ وَقِيلَ سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ وَلَفْظُ
الْمُخْتَصَرِ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا وَمَعَ ذَلِكَ يَجِبُ الطَّوَافُ
خَارِجَهُ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا طَافَ
خَارِجَ الْحِجْرِ اهـ. شَرْحُ م ر، وَقَوْلُهُ فِي جَوَانِبِ الْبَيْتِ
مُعْتَمَدٌ وَظَاهِرُهُ أَنَّ فِي جَمِيعِ جَوَانِبِ الْبَيْتِ وَبِذَلِكَ
صَرَّحَ حَجّ وَعِبَارَتُهُ وَهُوَ مِنْ الْجِهَةِ الْغَرْبِيَّةِ
وَالْيَمَانِيَّةِ، وَكَذَا مِنْ جِهَةِ الْبَابِ، كَمَا حَرَّرْته فِي
الْحَاشِيَةِ فَفِي مُوَازَاتِهِ الْآتِيَةِ بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ
وَاسْتِثْنَاءُ مَا عِنْدَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ
عَلَى الْقَوَاعِدِ يُرَدُّ بِأَنَّ كَوْنَهُ كَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ
النَّقْصَ مِنْ عَرْضِهِ عِنْدَ ارْتِفَاعِ الْبِنَاءِ، وَهَذَا هُوَ
الْمُرَادُ بِالشَّاذَرْوَانِ فِي الْجَمِيعِ فَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّهَا
عِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ عِنْدَ الْيَمَانِيِّ انْتَهَتْ اهـ. ع ش
عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا حَتَّى عَنْ شَاذَرْوَانِهِ) هُوَ بَعْضُ جِدَارِ
الْبَيْتِ نَقَصَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مِنْ
عَرْضِ الْأَسَاسِ لَمَّا وَصَلَ أَرْضَ الْمَطَافِ لِمَصْلَحَةِ
الْبِنَاءِ ثُمَّ سُنِّمَ بِالرُّخَامِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْعَامَّةِ
كَانَ يَطُوفُ عَلَيْهِ اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: وَالْحِجْرُ بِكَسْرِ الْحَاءِ) أَيْ لَا غَيْرُ، وَكَذَا
حِجْرُ الثَّوْبِ وَأَمَّا الْحَجْرُ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْمَنْعِ
فَمُثَلَّثُ الْحَاءِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْحَجْرِ وَتَقَدَّمَ
فِيهِ كَلَامٌ فِي بَابِ النَّجَاسَةِ فَرَاجِعْهُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ
وَلِلْحِجْرِ بِكَسْرِ الْحَاءِ سَبْعُ مَعَانٍ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ
فَقَالَ:
رَكِبْت حِجْرًا وَطُفْت الْبَيْتَ خَلْفَ الْحِجْرِ ... وَحُزْت حِجْرًا
عَظِيمًا مَا دَخَلْت الْحِجْرَ
لِلَّهِ حِجْرٌ مَنَعَنِي مِنْ دُخُولِ الْحِجْرِ ... مَا قُلْت حِجْرًا
وَلَوْ أُعْطِيت مِلْءَ الْحِجْرِ
فَقَوْلُهُ رَكِبْت حِجْرًا أَيْ فَرَسًا، وَقَوْلُهُ خَلْفَ الْحِجْرِ
أَيْ حِجْرِ إسْمَاعِيلَ، وَقَوْلُهُ وَحُزْت حِجْرًا أَيْ عَقْلًا،
وَقَوْلُهُ مَا دَخَلْت الْحِجْرَ أَيْ حِجْرَ ثَمُودَ، وَقَوْلُهُ لِلَّهِ
حِجْرٌ أَيْ مَنْعٌ، وَقَوْلُهُ مِنْ دُخُولِ الْحِجْرِ أَيْ حِجْرِ
ثَمُودَ، وَقَوْلُهُ مَا قُلْت حِجْرًا أَيْ كَذِبًا، وَقَوْلُهُ مِلْءَ
الْحِجْرِ أَيْ حِجْرِ الثَّوْبِ اهـ. ش خ.
(قَوْلُهُ: وَيُسَمَّى حَطِيمًا) وَكَانَ زَرِيبَةً لِغَنَمِ إسْمَاعِيلَ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرُوِيَ أَنَّهُ دُفِنَ فِيهِ،
لَكِنْ الْأَشْهَرُ أَنَّ الْحَطِيمَ مَا بَيْنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ
وَمَقَامِ إبْرَاهِيمَ وَهُوَ كَمَا يَأْتِي فِي اللِّعَانِ أَفْضَلُ
مَحَلٍّ بِالْمَسْجِدِ بَعْدَ الْكَعْبَةِ. اهـ. حَجّ، وَقَوْلُهُ وَكَانَ
زَرِيبَةً لِغَنَمِ إسْمَاعِيلَ قَدْ يُشْكِلُ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُ مِنْ
الْبَيْتِ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ مَسْجِدٌ وَيَمْتَنِعُ إيوَاءُ الدَّوَابِّ
فِيهِ الْمُسْتَلْزِمُ لِتَنْجِيسِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَعَلَّ هَذَا
الْحُكْمَ فِيهِ ثَابِتٌ فِي شَرْعِ إسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - أَوْ لَعَلَّ الْإِيوَاءَ كَانَ فِي بَعْضِهِ اهـ. سم
عَلَيْهِ وَيُجَابُ بِمَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ وَهُوَ أَنَّ
جَعْلَ إسْمَاعِيلَ هَذَا الْمَوْضِعَ زَرِيبَةً إنَّمَا كَانَ قَبْلَ
بِنَاءِ الْبَيْتِ، وَأَمَّا بَعْدَ بِنَائِهِ فَكَانَ دَاخِلًا فِيهِ
وَجُزْءًا مِنْهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ جَعْلُهُ زَرِيبَةً كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ كَانَ الْمَحَلُّ فَضَاءً كَسَائِرِ
الْبِقَاعِ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ بَيْتُ اللَّهِ تَأَمَّلْ.
(تَنْبِيهٌ)
الظَّاهِرُ فِي وَضْعِ الْحِجْرِ الْمَوْجُودِ الْآنَ أَنَّهُ عَلَى
الْوَضْعِ الْقَدِيمِ فَتَجِبُ مُرَاعَاتُهُ وَلَا نَظَرَ لِاحْتِمَالِ
زِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ نَعَمْ فِي كُلٍّ مِنْ فَتْحَتَيْهِ فَجْوَةٌ نَحْوُ
ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ ذِرَاعٍ بِالْحَدِيدِ خَارِجَةٌ عَنْ سَمْتِ رُكْنِ
الْبَيْتِ بِشَاذَرْوَانِهِ وَدَاخِلَةٌ فِي سَمْتِ حَائِطِ الْحِجْرِ
فَهَلْ تُغَلَّبُ الْأُولَى فَيَجُوزُ الطَّوَافُ فِيهَا أَوْ الثَّانِيَةُ
فَلَا؟ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ، وَالِاحْتِيَاطُ الثَّانِي وَيَتَرَدَّدُ
النَّظَرُ فِي الرَّفْرَفِ الَّذِي بِحَائِطِ الْحِجْرِ هَلْ هُوَ مِنْهُ
أَوْ لَا؟ ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ جَمَاعَةَ حَرَّرَ عَرْضَ جِدَارِ الْحِجْرِ
بِمَا لَا يُطَابِقُ الْخَارِجَ الْآنَ إلَّا بِدُخُولِ ذَلِكَ الرَّفْرَفِ
فَلَا يَصِحُّ طَوَافُ مَنْ جَعَلَ أُصْبُعَهُ عَلَيْهِ وَلَا مَنْ مَسَّ
جِدَارَ الْحِجْرِ الَّذِي تَحْتَ ذَلِكَ الرَّفْرَفِ، وَقَدْ أَطْلَقَ فِي
الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ وُجُوبَ الْخُرُوجِ عَنْ جِدَارِ الْحِجْرِ وَهُوَ
يُؤَيِّدُ ذَلِكَ وَرَأَيْته يُخَالِفُ ابْنَ جَمَاعَةَ وَالْأَزْرَقِيَّ
وَغَيْرَهُمَا فِي أُمُورٍ أُخْرَى تَتَعَلَّقُ بِالْحِجْرِ لَا حَاجَةَ
بِنَا الْآنَ إلَى تَحْرِيرِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا ارْتِبَاطَ لَهَا
بِصِحَّةِ الطَّوَافِ بَعْدَ تَمْهِيدِ وُجُوبِ الْخُرُوجِ عَنْ كُلِّ
الْحِجْرِ وَحَائِطِهِ اهـ. حَجّ
(قَوْلُهُ: وَبَدْؤُهُ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ) وَارْتِفَاعُهُ عَنْ
أَرْضِ الْمَسْجِدِ فِي الْمَطَافِ ذَرِعَانِ وَنِصْفٌ تَقْرِيبًا وَهُوَ
يَاقُوتَةٌ بَيْضَاءُ مِنْ يَوَاقِيتِ الْجَنَّةِ وَكَانَ أَشَدَّ بَيَاضًا
مِنْ اللَّبَنِ فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَم وَرُوِيَ أَنَّ آدَمَ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا أُهْبِطَ مِنْ الْجَنَّةِ
هَبَطَ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ كَانَ أَشَدَّ بَيَاضًا مِنْ الثَّلْجِ
فَوَضَعَهُ عَلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ فَكَانَ يُضِيءُ بِاللَّيْلِ
كَأَنَّهُ الْقَمَرُ فَحَيْثُ بَلَغَ
(2/431)
مُحَاذِيًا لَهُ أَوْ لِجُزْئِهِ فِي
مُرُورِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
ضَوْءُهُ كَانَ مِنْ الْحَرَمِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: مُحَاذِيًا لَهُ أَوْ لِجُزْئِهِ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر
مُحَاذِيًا لَهُ أَوْ لِبَعْضِهِ فِي مُرُورِهِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً
بِجَمِيعِ بَدَنِهِ أَيْ بِجَمِيعِ الشِّقِّ الْأَيْسَرِ كَمَا قَالَهُ
الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ بِأَنْ لَا يُقَدِّمَ جُزْءًا مِنْ بَدَنِهِ
عَلَى جُزْءٍ مِنْ الْحَجَرِ وَاكْتَفَى بِمُحَاذَاتِهِ بَعْضَهُ كَمَا
يَكْتَفِي بِتَوَجُّهِهِ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ لِجُزْءٍ مِنْ الْكَعْبَةِ فِي
الصَّلَاةِ، وَصِفَةُ الْمُحَاذَاةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ
أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْبَيْتَ وَيَقِفَ بِجَانِبِ الْحَجَرِ مِنْ جِهَةِ
الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ بِحَيْثُ يَصِيرُ جَمِيعُ الْحَجَرِ عَنْ
يَمِينِهِ وَمَنْكِبُهُ الْأَيْمَنُ عِنْدَ طَرَفِهِ ثُمَّ يَنْوِي
الطَّوَافَ ثُمَّ يَمْشِي مُسْتَقْبِلَ الْحَجَرِ مَارًّا إلَى جِهَةِ
يَمِينِهِ حَتَّى يُجَاوِزَهُ فَإِذَا جَاوَزَهُ انْفَتَلَ وَجَعَلَ
يَسَارَهُ إلَى الْبَيْتِ، وَلَوْ فَعَلَ هَذَا مِنْ الْأَوَّلِ وَتَرَكَ
اسْتِقْبَالَ الْحَجَرِ جَازَ لَكِنْ فَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ، قَالَ:
وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الطَّوَافِ يَجُوزُ مَعَ اسْتِقْبَالِ الْبَيْتِ
إلَّا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ مُرُورِهِ فِي الِابْتِدَاءِ وَذَلِكَ سُنَّةٌ
فِي الطَّوْفَةِ الْأُولَى لَا غَيْرُ، بَلْ هُوَ مَمْنُوعٌ فِي غَيْرِهَا،
وَهَذَا غَيْرُ الِاسْتِقْبَالِ الْمُسْتَحَبِّ عِنْدَ لِقَاءِ الْحَجَرِ
قَبْلَ أَنْ يَبْدَأَ بِالطَّوَافِ فَإِنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ قَطْعًا
وَسُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَإِذَا اسْتَقَلَّ لِنَحْوِ دُعَاءٍ
فَلْيَحْتَرِزْ عَنْ أَنْ يَمُرَّ مِنْهُ أَدْنَى جُزْءٍ قَبْلَ عَوْدِهِ
إلَى جَعْلِ الْبَيْتِ عَنْ يَسَارِهِ وَيُقَاسُ بِالْحَجَرِ فِيمَا
تَقَرَّرَ مَنْ يَسْتَلِمُ الْيَمَانِيَّ، وَلَوْ أُزِيلَ الْحَجَرُ
وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَجَبَ لِمَحَلِّهِ مَا وَجَبَ لَهُ
قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَقَالَ غَيْرُهُ الْمُرَادُ
الرُّكْنُ بِدَلِيلِ صِحَّةِ طَوَافِ الرَّاكِبِ وَمَنْ فِي السَّطْحِ
وَلَا بُدَّ مِنْ مُقَارَنَةِ النِّيَّةِ حَيْثُ وَجَبَتْ لِمَا تَجِبُ
مُحَاذَاتُهُ مِنْ الْحَجَرِ ثُمَّ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ
مِنْ إجْزَاءِ الِانْفِتَالِ بَعْدَ مُفَارَقَةِ جَمِيعِ الْحَجَرِ هُوَ
الْمُعْتَمَدُ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ أَبِي الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيِّ
وَغَيْرِهِمَا، وَإِنْ بَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ وَابْنُ الرِّفْعَةِ
خِلَافَهُ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ قَبْلَ مُفَارَقَةِ جَمِيعِهِ؛
لِأَنَّهُمْ تَوَسَّعُوا فِي ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ مَا لَوْ يَتَوَسَّعُوا
فِي دَوَامِهِ، وَلَوْ حَاذَى بِجَمِيعِ الْبَدَنِ بَعْضَ الْحَجَرِ دُونَ
بَعْضٍ أَجْزَأَهُ، وَلَوْ حَاذَاهُ بِبَعْضِ بَدَنِهِ وَبَعْضُهُ
مُجَاوِزٌ إلَى جَانِبِ الْبَابِ لَمْ يُعْتَدُّ بِطَوْفَتِهِ كَمَا فِي
الرَّوْضَةِ فِيهِمَا عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَفِي الْمَجْمُوعِ فِي
الْأَوَّلِ إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ وَظَاهِرٌ كَمَا أَفَادَ الشَّارِحُ أَنَّ
الْمُرَادَ بِمُحَاذَاةِ الْحَجَرِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ اسْتِقْبَالُهُ،
وَإِنْ عَدِمَ الصِّحَّةَ فِي الثَّانِيَةِ لِعَدَمِ الْمُرُورِ بِجَمِيعِ
الْبَدَنِ عَلَى الْحَجَرِ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِقْبَالِهِ الْمُقَيَّدِ
بِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُقَدِّمُ جُزْءًا مِنْ بَدَنِهِ
عَلَى جُزْءٍ مِنْ الْحَجَرِ الْمَذْكُورِ اهـ. شَرْحُ م ر.
وَفِي حَجّ مَا نَصُّهُ وَيَنْبَغِي لِمُقَبِّلِ الْحَجَرِ أَنْ يُقِرَّ
قَدَمَيْهِ حَتَّى يَعْتَدِلَ قَائِمًا؛ لِأَنَّهُ حَالَ التَّقْبِيلِ فِي
هَوَاءِ الْبَيْتِ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ إنْ ثَمَّ شَاذَرْوَنًا
فَمَتَى زَالَتْ قَدَمُهُ عَنْ مَحَلِّهَا قَبْلَ اعْتِدَالِهِ كَانَ قَدْ
قَطَعَ جُزْءًا مِنْ الْبَيْتِ وَهُوَ فِي هَوَائِهِ فَلَا يُحْسَبُ لَهُ،
وَكَذَا يُقَالُ فِي مُسْتَلِمِ الْيَمَانِيِّ اهـ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا مُحَاذِيًا لَهُ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ قَالَ فِي
الْمَجْمُوعِ وَصِفَةُ الْمُحَاذَاةِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْبَيْتَ وَيَقِفَ
بِجَانِبِ الْحَجَرِ الَّذِي إلَى جِهَةِ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ بِحَيْثُ
يَصِيرُ جَمِيعُ الْحَجَرِ عَنْ يَمِينِهِ وَمَنْكِبُهُ الْأَيْمَنُ عِنْدَ
طَرَفِهِ ثُمَّ يَنْوِي الطَّوَافَ ثُمَّ يَمْشِي مُسْتَقْبِلَ الْحَجَرِ
مَارًّا إلَى جِهَةِ يَمِينِهِ حَتَّى يُجَاوِزَهُ فَإِذَا جَاوَزَهُ
انْفَتَلَ وَجَعَلَ يَسَارَهُ إلَى الْبَيْتِ، وَلَوْ فَعَلَ هَذَا مِنْ
الْأَوَّلِ وَتَرَكَ اسْتِقْبَالَ الْحَجَرِ جَازَ لَكِنْ فَاتَتْهُ
الْفَضِيلَةُ، قَالَ فِي مَنَاسِكِهِ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الطَّوَافِ
يَجُوزُ مَعَ اسْتِقْبَالِ الْبَيْتِ إلَّا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ مُرُورِهِ
فِي ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ عَلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إلَخْ انْتَهَتْ،
فَقَوْلُهُ إذَا جَاوَزَهُ انْفَتَلَ إلَخْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
الِانْفِتَالَ بَعْدَ الْمُجَاوَزَةِ وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ عِنْدَ
الِانْفِتَالِ أَنْ يُحَاذِيَ يَسَارَهُ جُزْءًا مِنْ الْحَجَرِ
الْأَسْوَدِ، بَلْ يَكْفِي مُحَاذَاتُهُ حِينَئِذٍ لِأَوَّلِ مَا يُجَاوِزُ
الْحَجَرَ مِنْ جِهَةِ الْبَابِ، وَقَدْ فَهِمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ
هَذَا مُرَادُهُ حَيْثُ نَظَرَ فِيهِ بِأَنَّ فِيهِ تَخَلُّفَ جَعْلِ
الْبَيْتِ عَنْ يَسَارِهِ فِي بَعْضِ الطَّوَافِ انْتَهَى، وَهَذَا هُوَ
الْمُوَافِقُ لِقَوْلِهِ فِي مَنَاسِكِهِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الطَّوَافِ
إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ فِي عِبَارَةِ شَرْحِ الرَّوْضِ، وَأَمَّا
جَوَابُهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ عَنْ نَظَرِ ابْنِ الرِّفْعَةِ بِأَنَّ
حَقِيقَةَ الطَّوَافِ إنَّمَا تُوجَدُ عِنْدَ الِانْحِرَافِ عَنْ
مُحَاذَاةِ طَرَفِ الْحَجَرِ وَهُوَ حِينَئِذٍ قَدْ حَاذَاهُ يَسَارُهُ
فَانْدَفَعَ مَا قَالَهُ مِنْ التَّخَلُّفِ اهـ. فَهُوَ لَا يُوَافِقُ مَا
ذُكِرَ عَنْ الْمَنَاسِكِ الْمُصَرِّحَ كَمَا لَا يَخْفَى بِأَنَّ مَا
قَبْلَ الِانْحِرَافِ مَحْسُوبٌ مِنْ الطَّوَافِ وَالظَّاهِرُ جِدًّا فِي
أَنَّ الِانْفِتَالَ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الْحَجَرِ نَعَمْ قَدْ يُؤَيِّدُهُ
مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ الْمَجْمُوعِ، وَلَوْ فَعَلَ هَذَا مِنْ
الْأَوَّلِ إلَخْ إذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّ الِانْفِتَالَ بَعْدَ
الْمُجَاوَزَةِ بِحَيْثُ لَا يَصِيرُ الْيَسَارُ مُحَاذِيًا لِشَيْءٍ مِنْ
الْحَجَرِ لَمْ يَصِحَّ هَذَا إذْ لَا يَصِحُّ ابْتِدَاؤُهُ أَوَّلًا
بِجَعْلِ الْمُجَاوَزَةِ لِلْحَجَرِ فَقَطْ عَنْ يَسَارِهِ إلَّا أَنْ
يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ، وَلَوْ فَعَلَ هَذَا إلَخْ أَنَّهُ
لَوْ جَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ أَيْ بِشَرْطِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ
مُرَادَهُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الِاسْتِقْبَالَ وَاقْتَصَرَ
عَلَى جَعْلِ الْبَيْتِ عَنْ يَسَارِهِ بِشَرْطِهِ فَلَيْسَتْ الْإِشَارَةُ
إلَى جَمِيعِ مَا فِي قَوْلِهِ فَإِذَا جَاوَزَهُ انْفَتَلَ إلَخْ وَمِمَّا
يُصَرِّحُ بِأَنَّ مُرَادَهُ ذَلِكَ تَعْبِيرُ ابْنِ النَّقِيبِ عَنْهُ فِي
(2/432)
(بِبَدَنِهِ) لِلِاتِّبَاعِ وَيُسَنُّ
كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ أَنْ يَتَوَجَّهَ الْبَيْتَ أَوَّلَ طَوَافِهِ
وَيَقِفَ عَلَى جَانِبِ الْحَجَرِ الَّذِي لِجِهَةِ الرُّكْنِ
الْيَمَانِيِّ بِحَيْثُ يَصِيرُ كُلُّ الْحَجَرِ عَنْ يَمِينِهِ
وَمَنْكِبُهُ الْأَيْمَنُ عِنْدَ طَرَفِ الْحَجَرِ ثُمَّ يَمُرُّ
مُتَوَجِّهًا لَهُ فَإِذَا جَاوَزَهُ انْفَتَلَ وَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ
يَسَارِهِ وَهَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ وُجُوبِ جَعْلِ الْبَيْتِ عَنْ
يَسَارِهِ (فَلَوْ بَدَأَ بِغَيْرِهِ) كَأَنْ بَدَأَ بِالْبَابِ (لَمْ
يُحْسَبْ) مَا طَافَهُ فَإِذَا انْتَهَى إلَيْهِ ابْتَدَأَ مِنْهُ وَلَوْ
أُزِيلَ الْحَجَرُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَجَبَ مُحَاذَاةُ
مَحَلِّهِ وَيُسَنُّ حِينَئِذٍ اسْتِلَامُ مَحَلِّهِ وَتَقْبِيلُهُ
وَالسُّجُودُ عَلَيْهِ وَقَوْلِي أَوْ لِجُزْئِهِ مِنْ زِيَادَتِي (وَ)
خَامِسُهَا (كَوْنُهُ سَبْعًا) وَلَوْ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْ
الصَّلَاةِ فِيهَا مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا أَوْ زَاحِفًا بِعُذْرٍ أَوْ
غَيْرِهِ فَلَوْ تَرَكَ مِنْ السَّبْعِ شَيْئًا وَإِنْ قَلَّ لَمْ يُجْزِهِ
(وَ) سَادِسُهَا كَوْنُهُ (فِي الْمَسْجِدِ) وَإِنْ وَسِعَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
مُخْتَصَرِ الْكِفَايَةِ بِقَوْلِهِ، وَلَوْ جَعَلَهُ عَنْ يَسَارِهِ
أَوَّلًا وَتَرَكَ الِاسْتِقْبَالَ جَازَ اهـ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا يَخْفَى عَلَى مُنْصِفٍ مُتَأَمِّلٍ أَنَّ عِبَارَةَ
الْمَجْمُوعِ ظَاهِرَةٌ جِدًّا إنْ لَمْ تَكُنْ صَرِيحَةً فِي أَنَّ
الِانْفِتَالَ بَعْدَ الْمُجَاوَزَةِ وَأَنَّ عِبَارَةَ الْمَنَاسِكِ
صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ مَا قَبْلَ الِانْفِتَالِ مَحْسُوبٌ مِنْ الطَّوَافِ
عَلَى وَفْقِ مَا فَهِمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْهُ وَأَنَّ قَوْلَ
الْمَجْمُوعِ، وَلَوْ فَعَلَ هَذَا إلَخْ لَا يَدُلُّ دَلَالَةً مُعْتَدًّا
بِهَا عَلَى مَا يُعَارِضُ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِهِ وَقُرْبِ حَمْلِهِ عَلَى
مَا ذَكَرَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ ثُمَّ لَا يَخْفَى عَلَيْك مُخَالَفَةُ مَا
فِي هَذَا الشَّرْحِ لِمَا تَقَرَّرَ عَنْ شَرْحِ الْعُبَابِ مِنْ أَنَّ
أَوَّلَ الطَّوَافِ إنَّمَا هُوَ الِانْحِرَافُ دُونَ مَا قَبْلَهُ فَإِنَّ
قَوْلَهُ هُنَا وَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ الطَّوَافِ إلَخْ صَرِيحٌ فِي
الِاعْتِدَادِ بِمَا قَبْلَ الِانْحِرَافِ أَيْضًا اهـ. سم عَلَى حَجّ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا مُحَاذِيًا لَهُ) أَيْ إنْ كَانَ مَنْكِبُهُ الْأَيْسَرُ
عَرِيضًا، وَقَوْلُهُ أَوْ لِجُزْئِهِ أَيْ إنْ كَانَ مَنْكِبُهُ هَزِيلًا
جِدًّا اهـ. شَيْخُنَا.
وَعِبَارَةُ الزِّيَادِيِّ قَوْلُهُ أَوْ لِجُزْئِهِ أَيْ بِأَنْ كَانَ
نَحِيفًا وَحَاذَى بِجَمِيعِ بَدَنِهِ بَعْضَ الْحَجَرِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا مُحَاذِيًا لَهُ) أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا
فَيَشْمَلُ الزَّاحِفَ وَالرَّاكِبَ اهـ. قَلْيُوبِيٌّ عَلَى التَّحْرِيرِ.
(قَوْلُهُ: بِبَدَنِهِ) أَيْ بِجَمِيعِ الشِّقِّ الْأَيْسَرِ كَمَا قَالَهُ
الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ بِأَنْ لَا يُقَدِّمَ جُزْءًا مِنْ بَدَنِهِ
عَلَى جُزْءٍ مِنْ الْحَجَرِ اهـ شَرْحُ م ر وَخَالَفَهُ حَجّ فَقَالَ
(تَنْبِيهٌ)
يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشِّقِّ الْأَيْسَرِ أَعْلَاهُ الْمُحَاذِي
لِلصَّدْرِ وَهُوَ الْمَنْكِبُ فَلَوْ انْحَرَفَ عَنْهُ بِهَذَا وَحَاذَاهُ
بِمَا تَحْتَهُ مِنْ الشِّقِّ الْأَيْسَرِ لَمْ يَكْفِ اهـ. ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: انْفَتَلَ) أَيْ انْصَرَفَ وَانْحَرَفَ جَاعِلًا الْبَيْتَ عَنْ
يَسَارِهِ اهـ. شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: فَإِذَا انْتَهَى إلَيْهِ) أَيْ وَهُوَ مُسْتَحْضِرٌ
لِلنِّيَّةِ حَيْثُ وَجَبَتْ حَجّ.
(قَوْلُهُ: وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى) أَيْ مِنْ إدْرَاكِ ذَلِكَ
الزَّمَنِ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ سَيَزُولُ قَطْعًا
بِحَسَبِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ فَيَكُونُ وَاجِبًا فَلَا
مَعْنَى لِلِاسْتِعَاذَةِ مِنْهُ اهـ. شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: وَكَوْنُهُ سَبْعًا) أَيْ يَقِينًا فَلَوْ شَكَّ فِي الْعَدَدِ
بَنَى عَلَى الْأَقَلِّ كَعَدَدِ الصَّلَاةِ فَإِذَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ
طَافَ سَبْعًا فَأَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِأَنَّهُ سِتٌّ سُنَّ لَهُ الْعَمَلُ
بِقَوْلِهِ كَمَا فِي الْأَنْوَارِ وَجَزَمَ بِهِ السُّبْكِيُّ وَيُفَارِقُ
عَدَدَ رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ بِأَنَّ زِيَادَةَ الرَّكَعَاتِ مُبْطِلٌ
بِخِلَافِ الطَّوَافِ وَلَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ مُحَاذَاتِهِ شَيْئًا مِنْ
الْحَجَرِ بَعْدَ الطَّوْفَةِ السَّابِقَةِ مِمَّا حَاذَاهُ أَوَّلًا اهـ.
شَرْحُ م ر، وَقَوْلُهُ فَلَوْ شَكَّ أَيْ قِبَلَ الْفَرَاغِ فِي الْعَدَدِ
أَخَذَ بِالْأَقَلِّ عِبَارَةُ الْعُبَابِ وَشَرْحِهِ، وَلَوْ شَكَّ فِي
الْعَدَدِ قَبْلَ تَمَامِهِ أَخَذَ بِالْأَقَلِّ إجْمَاعًا، وَإِنْ ظَنَّ
خِلَافَهُ أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ فَرَاغِهِ لَمْ
يُؤَثِّرْ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِيمَا لَوْ شَكَّ فِي الْفَاتِحَةِ مِنْ
أَنَّهُ إنْ كَانَ قَبْلَ تَمَامِهَا أَثَّرَ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ
الرُّكُوعِ لَمْ يُؤَثِّرْ اهـ. وَقَوْلُهُ سُنَّ لَهُ الْعَمَلُ
بِقَوْلِهِ عِبَارَةُ الْعُبَابِ وَشَرْحِهِ، وَلَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ
بِالْإِتْمَامِ وَعِنْدَهُ أَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ لَمْ يَجُزْ أَنْ
يَلْتَفِتَ إلَى إخْبَارِهِمَا، بَلْ وَلَا إلَى إخْبَارِ مَا زَادَ
عَلَيْهِمَا، وَإِنْ كَثُرُوا وَنَظِيرُ مَا مَرَّ فِي الصَّلَاةِ أَوْ
أَخْبَرَاهُ أَوْ عَدْلٌ وَاحِدٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، ثُمَّ رَأَيْته فِي
الْمَجْمُوعِ جَزَمَ بِهِ وَتَبِعُوهُ بِالنَّقْصِ عَنْ السَّبْعِ
وَعِنْدَهُ أَنَّهُ أَتَمَّهَا نُدِبَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ
الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ قَبُولُهُمَا بِخِلَافِهِ فِي الصَّلَاةِ
فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ إلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ هُنَا
غَيْرُ مُبْطِلَةٍ فَلَا مَحْذُورَ فِي الْأَخْذِ بِقَوْلِهِمَا مُطْلَقًا
بِخِلَافِهِ فِي الصَّلَاةِ انْتَهَى وَمِنْهُ يَظْهَرُ تَصْوِيرُ
الْمَسْأَلَةِ بِالْإِخْبَارِ بَعْدَ الْفَرَاغِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ
وَحَصَلَ بِهِ شَكٌّ دَخَلَ فِي قَوْلِهِ السَّابِقِ فَلَوْ شَكَّ إلَخْ
لَكِنْ هَذَا لَا يُنَاسِبُ قَوْلَ الشَّارِحِ إلَّا إنْ أَوْرَثَهُ إلَخْ؛
لِأَنَّ الشَّكَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ لَا يُؤَثِّرُ فَلْيُتَأَمَّلْ
انْتَهَى ابْنُ قَاسِمِ عَلَى ابْنِ حَجَرٍ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا)
كَذَا عَبَّرَ م ر وَهَذِهِ الْغَايَةُ لِلتَّعْمِيمِ لَكِنْ لَا مَوْقِعَ
لَهَا هُنَا إذْ لَا عَلَاقَةَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْعَدَدِ حَتَّى
يُعَمَّمَ بِهَا فِيهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِلْمُتَأَمِّلِ وَابْنُ حَجَرٍ
ذَكَرَ هَذَا الْحُكْمَ مُسْتَقِلًّا لَا عَلَى سَبِيلِ الْغَايَةِ،
فَقَالَ وَلَا يُكْرَهُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا إلَخْ
لَكِنْ عَلَيْهِ الْمُؤَاخَذَةُ مِنْ حَيْثُ ذَكَرَ هَذَا الْحُكْمَ هُنَا
أَيْ فِي مَقَامِ بَيَانِ اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ فَتَأَمَّلْ،
وَقَوْلُهُ بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ تَعْمِيمٌ فِي الرَّاكِبِ وَالزَّاحِفِ.
(قَوْلُهُ: وَفِي الْمَسْجِدِ) أَلْ فِي كَلَامِهِ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ
أَيْ فِي الْمَسْجِدِ الْمَوْجُودِ الْآنَ أَوْ حَالَ الطَّوَافِ لَا مَا
كَانَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَطْ اهـ.
شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ وَسِعَ) وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِالْحَرَمِ فَلَوْ
وَسِعَ الْمَسْجِدُ حَتَّى بَلَغَ الْحِلَّ وَصَارَتْ حَاشِيَتُهُ فِي
الْحِلِّ وَطَافَ بِهَا لَمْ يَصِحَّ فَلَا بُدَّ مِنْ الْحَرَمِ مَعَ
الْمَسْجِدِ اهـ. ح ل وَفِي الْبِرْمَاوِيِّ مَا نَصُّهُ قَالَ شَيْخُنَا
فِي مِعْرَاجِهِ وَلَمْ نَعْلَمْ ابْتِدَاءَ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ حَوْلَ
الْكَعْبَةِ وَلَا وَاقِفَهُ وَلَا مَسْجِدِيَّتَهُ إلَّا بِإِخْبَارِهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ وَكَانَ
مِقْدَارُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَوَّلِ الْإِسْلَامِ بِقَدْرِ
الْمَطَافِ الْآنَ ثُمَّ وُسِّعَ وَأَوَّلُ مَنْ وَسَّعَهُ النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاِتَّخَذَ لَهُ جِدَارًا ثُمَّ
أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
(2/433)
أَوْ كَانَ الطَّوَافُ عَلَى السَّطْحِ
وَلَوْ مُرْتَفِعًا عَنْ الْبَيْتِ أَوْ حَالَ حَائِلٌ بَيْنَ الطَّائِفِ
وَالْبَيْتِ كَالسِّقَايَةِ وَالسَّوَارِي (وَ) سَابِعُهَا (نِيَّتُهُ)
أَيْ الطَّوَافِ (إنْ اسْتَقَلَّ) بِأَنْ لَمْ يَشْمَلْهُ نُسُكٌ كَسَائِرِ
الْعِبَادَاتِ (وَ) ثَامِنُهَا (عَدَمُ صَرْفِهِ) لِغَيْرِهِ كَطَلَبِ
غَرِيمٍ كَمَا فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ صَرَفَهُ انْقَطَعَ لَا إنْ نَامَ
فِيهِ عَلَى هَيْئَةٍ لَا تُنْقِضُ الْوُضُوءَ وَهَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ
مِنْ زِيَادَتِي.
(وَسُنَنُهُ أَنْ يَمْشِيَ فِي كُلِّهِ) وَلَوْ امْرَأَةً لَا لِعُذْرٍ
كَمَرَضٍ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ؛ وَلِأَنَّ الْمَشْيَ أَشْبُهُ
بِالتَّوَاضُعِ وَالْأَدَبِ وَيُكْرَهُ بِلَا عُذْرٍ الزَّحْفُ لَا
الرُّكُوبُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
عَنْهُ ثُمَّ عُمَرُ سَنَةَ سَبْعَ عَشَرَةَ اشْتَرَى دُورًا وَزَادَهَا
فِيهِ وَاِتَّخَذَ لَهُ جِدَارًا قَصِيرًا دُونَ الْقَامَةِ ثُمَّ
عُثْمَانُ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَاِتَّخَذَ لَهُ الْأَرْوِقَةَ ثُمَّ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ ثُمَّ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ
ثُمَّ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثُمَّ الْمَنْصُورُ سَنَةَ سِتٍّ
وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ ثُمَّ الْمَهْدِيُّ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ
وَمِائَةٍ وَلَمْ يُتِمَّهُ فَتَمَّمَهُ بَعْدَهُ وَلَدُهُ الْهَادِي
وَزَادَ فِي بَعْضِ جِهَاتِهِ بِحَيْثُ جَعَلَهُ مُرَبَّعًا بَيْنَ
جِدَارِهِ وَجِدَارِ الْكَعْبَةِ تِسْعُونَ ذِرَاعًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ
ثُمَّ زَادَ فِيهِ الْمَأْمُونُ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَمِائَتَيْنِ بَعْدَ
الْمَهْدِيِّ بِاثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً وَأَتْقَنَ بُنْيَانَهُ
وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ إلَى الْآنَ وَبِنَاءُ السَّلَاطِينِ
بَعْدَهُ إمَّا تَجْدِيدٌ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فِيهِ أَوْ إصْلَاحٌ،
وَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ فِيهِ الْمِنْبَرَ مُوسَى بْنُ عِيسَى عَامِلُ
هَارُونَ الرَّشِيدِ وَأَوَّلُ مَنْ كَسَا الْكَعْبَةَ مِنْ دَاخِلِهَا
قُصَيٌّ جَدُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ
بَنَاهَا ثُمَّ كَسَاهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ بِالْقَبَاطِيِّ
مِنْ خَارِجِهَا ثُمَّ أَبْدَلَهَا السُّلْطَانُ فَرَجُ بْنُ بَرْقُوقٍ فِي
خِلَافَتِهِ بِالْكِسْوَةِ السَّوْدَاءِ مِنْ خَارِجِهَا وَاسْتَمَرَّتْ
إلَى الْآنَ.
(قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ الطَّوَافُ عَلَى السَّطْحِ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر
أَوْ كَانَ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ وَإِنْ ارْتَفَعَ عَنْ الْبَيْتِ
كَالصَّلَاةِ عَلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ مَعَ ارْتِفَاعِهِ عَنْ
الْبَيْتِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ فُرِّقَ بِأَنَّ
الْمَقْصُودَ فِي الصَّلَاةِ جِهَةُ بِنَائِهَا فَإِذَا عَلَا كَانَ
مُسْتَقْبِلًا وَالْمَقْصُودَ فِي الطَّوَافِ نَفْسُ بِنَائِهَا فَإِذَا
عَلَا لَمْ يَكُنْ طَائِفًا بِهِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: كَالسِّقَايَةِ وَالسَّوَارِي) لَكِنْ يُكْرَهُ الطَّوَافُ
حِينَئِذٍ، بَلْ يُكْرَهُ خَارِجَ الْمَطَافِ، وَلَوْ بِدُونِ حَائِلٍ؛
لِأَنَّ بَعْضَ الْمَذَاهِبِ يَرَى بُطْلَانَهُ وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ
إلَّا فِي الْمَطَافِ هـ حَجّ بِتَصَرُّفٍ.
(قَوْلُهُ: وَسَابِعُهَا نِيَّتُهُ إلَخْ) يَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ نَوَى
أَسَابِيعَ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ أَجْزَأَهُ أَيْ فِي التَّطَوُّعِ
وَأَنَّهُ لَوْ نَوَى قَدْرًا وَأَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى أَقَلَّ
مِنْهُ أَوْ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ بِالنِّيَّةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ
كَالنَّفْلِ الْمُطْلَقِ فَلْيُحَرَّرْ، وَفِي فَتَاوَى الشِّهَابِ م ر مَا
نَصُّهُ هَلْ لَهُ أَنْ يَطُوفَ أُسْبُوعَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ بِنِيَّةٍ
وَاحِدَةٍ فِي النَّفْلِ؟ الْجَوَابُ أَنَّ مُطْلَقَ النِّيَّةِ إنَّمَا
يَكْفِي لِأُسْبُوعٍ وَاحِدٍ اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَنِيَّتُهُ إنْ اسْتَقَلَّ) النِّيَّةُ الَّتِي يَفْصِلُ
فِيهَا بَيْنَ الِاسْتِقْلَالِ وَعَدَمِهِ مَعْنَاهَا قَصْدُ الْفِعْلِ
عَنْ الطَّوَافِ أَمَّا مُطْلَقُ قَصْدِ أَصْلِ الْفِعْلِ فَلَا بُدَّ
مِنْهُ حَتَّى فِي طَوَافِ النُّسُكِ اهـ. حَجّ فَتَلَخَّصَ مِنْ هَذَا
أَنَّ كُلَّ طَوَافٍ يُشْتَرَطُ فِيهِ قَصْدُ أَصْلِ الْفِعْلِ الَّذِي
هُوَ الدَّوَرَانُ وَأَنَّ الطَّوَافَ الَّذِي لَمْ يَشْمَلْهُ نُسُكٌ
يُشْتَرَطُ فِيهِ قَصْدُ الْفِعْلِ عَنْهُ أَيْ مِنْ الطَّوَافِ فَلَا
يَكْفِي مُطْلَقُ الدَّوَرَانِ مَعَ الْغَفْلَةِ عَنْ كَوْنِهِ طَوَافًا
أَوْ غَيْرَهُ، وَإِنْ كَانَ قَاصِدًا لِلْفِعْلِ مِنْ أَصْلِهِ وَلَا مَعَ
الْغَفْلَةِ عَنْ أَصْلِ الْفِعْلِ تَأَمَّلْ وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم فَقَالَ
قَوْلُهُ قَصْدُ الْفِعْلِ عَنْ الطَّوَافِ قَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا
يَجِبُ زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ كَالنَّذْرِ أَوْ الْفَرْضِيَّةِ فِي
النَّذْرِ وَكَكَوْنِهِ وَدَاعًا فِي الْوَدَاعِ وَعَلَى هَذَا يُفَرَّقُ
بَيْنَ الطَّوَافِ وَنَظَائِرِهِ كَالِاعْتِكَافِ بِأَنَّ الطَّوَافَ
أَوْسَعُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَدْ يَنْوِي غَيْرَ مَا عَلَيْهِ وَيَقَعُ
عَمَّا عَلَيْهِ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ فَلْيُرَاجَعْ اهـ.
(قَوْلُهُ: بِأَنْ لَمْ يَشْمَلْهُ نُسُكٌ) وَهُوَ مَا عَدَا الرُّكْنِ
وَالْقُدُومِ مِنْ جُمْلَتِهِ الْوَدَاعُ فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّتِهِ كَمَا
قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ لِوُقُوعِهِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ؛ وَلِأَنَّهُ
لَيْسَ مِنْ الْمَنَاسِكِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ بِخِلَافِ مَا شَمِلَهُ
نُسُكٌ وَهُوَ طَوَافُ الرُّكْنِ وَالْقُدُومِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى
نِيَّةٍ لِشُمُولِ نِيَّةِ النُّسُكِ لَهُ. اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: وَعَدَمُ صَرْفِهِ لِغَيْرِهِ) يَدْخُلُ فِيهِ مَا إذَا قَصَدَ
عَدَمَ الطَّوَافِ وَمَا إذَا قَصَدَ إدْرَاكَ غَرِيمٍ بِخِلَافِ مَا إذَا
قَصَدَ الطَّوَافَ لِمَحْمُولِهِ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ طَوَافٌ دَخَلَ
وَقْتُهُ لَمْ يَنْصَرِفْ وَوَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ وَإِلَّا انْصَرَفَ
وَوَقَعَ عَنْ الْغَيْرِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الدَّوَرَانَ حَوْلَ
الْبَيْتِ يَنْصَرِفُ عَنْ الطَّوَافِ مُطْلَقًا فِيمَا إذَا قَصَدَ عَدَمَ
الطَّوَافِ أَوْ قَصَدَ غَيْرَ الطَّوَافِ مُطْلَقًا كَإِدْرَاكِ غَرِيمٍ
وَعَنْ طَوَافِ نَفْسِهِ لِمَحْمُولِهِ إذَا قَصَدَ الطَّوَافَ
لِمَحْمُولِهِ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ طَوَافٌ دَخَلَ وَقْتُهُ،
وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ طَوَافٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ
دَخَلَ وَقْتُهُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي اهـ. م ر، وَلَوْ قَصَدَ
الطَّوَافَ وَالْغَرِيمَ يَنْبَغِي الصِّحَّةُ كَمَا لَوْ قَصَدَ
بِالرُّكُوعِ مَثَلًا الرُّكُوعَ وَشَيْئًا آخَرَ فَإِنَّ الَّذِي دَلَّ
عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ الصِّحَّةُ كَمَا حَرَّرْنَاهُ فِي كِتَابِ
الصَّلَاةِ اهـ. سم، فَقَوْلُهُ لِغَيْرِهِ أَيْ فَقَطْ اهـ. ح ل.
(قَوْلُهُ: عَلَى هَيْئَةٍ لَا تُنْقِضُ الْوُضُوءَ) كَأَنْ كَانَ رَاكِبًا
مُتَمَكِّنًا أَوْ قَعَدَ فِي أَثْنَائِهِ وَنَامَ اهـ. شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: وَسُنَنُهُ إلَخْ) أَيْ سُنَنُهُ ثَمَانِيَةٌ كَمَا عَبَّرَ
بِذَلِكَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَكَذَا عَبَّرَ م ر فِي شَرْحِهِ
وَعَدَّهَا، فَقَالَ إحْدَاهَا أَنْ يَمْشِيَ فِي كُلِّهِ، وَالثَّانِيَةُ
أَنْ يَسْتَلِمَ إلَخْ، وَالثَّالِثَةُ أَنْ يَقُولَ أَوَّلَ طَوَافِهِ
إلَخْ، وَالرَّابِعَةُ أَنْ يَرْمُلَ ذَكَرٌ إلَخْ، وَالْخَامِسَةُ أَنْ
يَضْطَبِعَ إلَخْ، وَالسَّادِسَةُ أَنْ يَقْرُبَ مِنْ الْبَيْتِ إلَخْ،
وَالسَّابِعَةُ أَنْ يُوَالِيَ بَيْنَ أَشْوَاطِهِ، وَالثَّامِنَةُ أَنْ
يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ الْمَقَامِ اهـ. فَجَعَلَ الْأَدْعِيَةَ
الْمَذْكُورَةَ هُنَا سُنَّةً وَاحِدَةً مَعَ أَنَّهُ
(2/434)
لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى كَمَا
نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْجُمْهُورِ وَفِي غَيْرِهِ عَنْ
الْأَصْحَابِ وَصَحَّحَهُ وَنَصُّهُ فِي الْأُمِّ عَلَى الْكَرَاهَةِ
يُحْمَلُ عَلَى الْكَرَاهَةِ غَيْرِ الشَّدِيدَةِ الَّتِي عَبَّرَ عَنْهَا
الْمُتَأَخِّرُونَ بِخِلَافِ الْأَوْلَى (وَ) أَنْ (يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ)
الْأَسْوَدَ بِيَدِهِ (أَوَّلَ طَوَافِهِ وَ) أَنْ (يُقَبِّلَهُ وَيَسْجُدَ
عَلَيْهِ) لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ فِي الْأَوَّلَيْنِ الشَّيْخَانِ وَفِي
الثَّالِثِ الْبَيْهَقِيُّ وَإِنَّمَا تُسَنُّ الثَّلَاثَةُ لِلْمَرْأَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
يُمْكِنُ عَدُّ كُلِّ دُعَاءٍ سُنَّةً، بَلْ وَعَدُّ الِاسْتِلَامِ سُنَّةً
وَالتَّقْبِيلِ سُنَّةً وَالسُّجُودِ سُنَّةً وَاسْتِلَامِ الْيَمَانِيِّ
سُنَّةً لَكِنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ سَهْلٌ، تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى) فِي شَرْحِ م ر مَا نَصُّهُ
فَالرُّكُوبُ بِلَا عُذْرٍ، وَلَوْ عَلَى أَكْتَافِ الرِّجَالِ خِلَافُ
الْأَوْلَى كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَمُنَازَعَةُ
الْإِسْنَوِيِّ فِيهِ وَغَيْرِهِ مَرْدُودَةٌ، لَا مَكْرُوهٌ كَمَا
نَقَلَاهُ عَنْ الْجُمْهُورِ. نَعَمْ إنْ كَانَ بِهِ عُذْرٌ كَمَرَضٍ أَوْ
احْتَاجَ إلَى ظُهُورِهِ لِيُسْتَفْتَى فَلَا بَأْسَ بِهِ لِمَا فِي
الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ
لِأُمِّ سَلَمَةَ وَكَانَتْ مَرِيضَةً طُوفِي وَرَاءَ النَّاسِ وَأَنْتِ
رَاكِبَةٌ وَأَنَّهُ طَافَ رَاكِبًا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ لِيَظْهَرَ
فَيُسْتَفْتَى» ثُمَّ مَحَلُّ جَوَازِ إدْخَالِ الْبَهِيمَةِ الْمَسْجِدَ
عِنْدَ أَمْنِ تَلْوِيثِهَا وَإِلَّا كَانَ حَرَامًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ
وَقَوْلُ الْإِمَامِ وَفِي الْقَلْبِ مِنْ إدْخَالِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي
لَا يُؤْمَنُ تَلْوِيثُهَا الْمَسْجِدَ شَيْءٌ فَإِنْ أَمْكَنَ
الِاسْتِيثَاقُ فَذَاكَ أَيْ خِلَافُ الْأَوْلَى وَإِلَّا فَإِدْخَالُهَا
مَكْرُوهٌ وَمَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ لِمَا سَيَأْتِي فِي
الشَّهَادَاتِ أَنَّ إدْخَالَ الْبَهَائِمِ الَّتِي لَا يُؤْمَنُ
تَلْوِيثُهَا الْمَسْجِدَ حَرَامٌ وَمَا فَرَّقَ بِهِ مِنْ أَنَّ إدْخَالَ
الْبَهِيمَةِ إنَّمَا هُوَ لِحَاجَةِ إقَامَةِ السُّنَّةِ كَمَا فَعَلَهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إطْلَاقُهُ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ
إذَا لَمْ يُخَفْ تَلْوِيثُهَا، وَلَا يُقَاسُ إدْخَالُ الصِّبْيَانِ
الْمُحْرِمِينَ الْمَسْجِدَ مَعَ الْأَمْنِ عَلَى الْبَهَائِمِ مَعَ ذَلِكَ
لِإِمْكَانِ الْفَرْقِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ضَرُورِيٌّ وَأَيْضًا
فَالِاحْتِرَازُ فِيهِمْ بِالتَّحَفُّظِ وَنَحْوِهِ أَكْثَرُ وَلَا
كَذَلِكَ الْبَهِيمَةُ. هَذَا وَالْأَوْجَهُ حَمْلُ الْكَرَاهَةِ مَعَ
أَمْنِ التَّلْوِيثِ عَلَى الْإِدْخَالِ فِيهَا بِدُونِ حَاجَةٍ
وَعَدَمِهَا عَلَى الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَطَوَافُ الْمَعْذُورِ مَحْمُولًا
أَوْلَى مِنْهُ رَاكِبًا صِيَانَةً لِلْمَسْجِدِ مِنْ الدَّابَّةِ
وَرُكُوبُ الْإِبِلِ أَيْسَرُ حَالًا مِنْ رُكُوبِ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ
وَيُكْرَهُ الزَّحْفُ لِقَادِرٍ عَلَى الْمَشْيِ، وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ
يَنْبَغِي عَدَمُ الْإِجْزَاءِ فِي الْفَرْضِ لِلِاتِّبَاعِ وَكَأَدَاءِ
الْمَكْتُوبَةِ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ صَلَاةٌ يُرَدُّ بِأَنَّ حَقِيقَةَ
الطَّوَافِ قَطْعُ الْمَسَافَةِ بِالسَّيْرِ فَلَا يُقَاسُ بِالصَّلَاةِ
فِي ذَلِكَ، وَقَدْ ثَبَتَ جَوَازُ الرُّكُوبِ بِلَا حَاجَةٍ فَالزَّحْفُ
مِثْلُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْغَرَضِ
مِنْهُ فَنُسِيَتْ فِي التَّعْظِيمِ وَيُسْتَحَبُّ الْحَفَاءُ فِي
الطَّوَافِ مَا لَمْ يَتَأَذَّ بِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَأَنْ يُقْصِرَ
فِي الْمَشْيِ لِتَكْثِيرِ خُطَاهُ رَجَاءَ كَثْرَةِ الْأَجْرِ لَهُ اهـ.
وَفِي الْقَسْطَلَّانِيِّ عَلَى الْبُخَارِيِّ أَنَّ الْبَعِيرَ الَّذِي
طَافَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ
مُذَلَّلًا أَيْ مُرَوَّضًا وَمُعَلَّمًا عَلَى عَدَمِ الْبَوْلِ
وَنَحْوِهِ بِدُونِ إشَارَةِ رَاكِبِهِ قَالَ وَلَعَلَّ بَعِيرَ أُمِّ
سَلَمَةَ كَانَ كَذَلِكَ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَأَنْ يَسْتَلِمَ) أَيْ يَلْمِسَ مِنْ الِاسْتِلَامِ وَهُوَ
افْتِعَالٌ مِنْ السَّلَامِ وَهِيَ التَّحِيَّةُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَفِي
الْمُخْتَارِ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ لَمَسَهُ إمَّا بِالْقُبْلَةِ أَوْ
بِالْيَدِ وَلَا يُهْمَزُ وَبَعْضُهُمْ يَهْمِزُهُ اهـ. وَفِي رِسَالَةِ
ابْنِ عَلَّانَ الِاسْتِلَامُ افْتِعَالٌ مِنْ السَّلِمَةِ بِفَتْحٍ
فَكَسْرٍ وَهِيَ الْحِجَارَةُ لِوَضْعِ الْيَدِ عَلَى الْحَجَرِ وَقِيلَ
مِنْ السَّلَامِ بِفَتْحِ السِّينِ وَهُوَ التَّحِيَّةُ؛ لِأَنَّ هَذَا
الْفِعْلَ سَلَامٌ عَلَى الْحَجَرِ وَتَحِيَّةٌ لَهُ وَأَهْلُ الْيَمَنِ
يُسَمُّونَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ الْمُحَيَّا اهـ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا وَأَنْ يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ) أَيْ بَعْدَ
اسْتِقْبَالِهِ اهـ. شَرْحُ م ر، وَقَوْلُهُ بِيَدِهِ وَلَا يُقَبِّلُهَا
مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى تَقْبِيلِ الْحَجَرِ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُمَا
كَالْأَصْحَابِ لَكِنْ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ
الصَّلَاحِ وَتَبِعَهُ جَمْعٌ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ
الْأَخْبَارُ أَنَّهُ يُقَبِّلُهَا مُطْلَقًا فَإِنْ شَقَّ فَبِنَحْوِ
خَشَبَةٍ أَيْ فِي الْيُمْنَى ثُمَّ الْيُسْرَى نَظِيرُ مَا يَأْتِي اهـ.
حَجّ. وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ م ر نَقْلًا عَنْ الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ
الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يُقَبِّلُ يَدَهُ إلَّا إنْ تَعَذَّرَ تَقْبِيلُ
الْحَجَرِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَيَسْجُدُ عَلَيْهِ) أَيْ يَضَعُ جَبْهَتَهُ عَلَيْهِ بِلَا
حَائِلٍ كَمَا فِي سُجُودِ الصَّلَاةِ أَيْ الْأَكْمَلُ ذَلِكَ.
(فَرْعٌ)
لَوْ تَعَارَضَ التَّقْبِيلُ وَوَضْعُ الْجَبْهَةِ بِأَنْ أَمْكَنَ
أَحَدُهُمَا دُونَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا كَأَنْ خَافَ هَلَاكًا
بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا دُونَ أَحَدِهِمَا فَهَلْ يُؤْثِرُ التَّقْبِيلَ
لِسَبْقِهِ أَوْ وَضْعَ الْجَبْهَةِ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْخُضُوعِ؟
فِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكْفِيَ وَضْعُ الْجَبْهَةِ، وَلَوْ
بِحَائِلٍ لَكِنْ الْأَكْمَلُ الْوَضْعُ بِلَا حَائِلٍ اهـ. سم عَلَى حَجّ
اهـ. ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: وَفِي الثَّالِثِ الْبَيْهَقِيُّ) وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَبَّلَهُ وَسَجَدَ عَلَيْهِ وَقَالَ
رَأَيْت عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَبَّلَهُ وَسَجَدَ عَلَيْهِ،
وَقَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يَفْعَلُ هَكَذَا فَفَعَلْت» وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا قَبَّلَهُ قَالَ إنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ
لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَبِّلُك مَا قَبَّلْتُك فَسَمِعَهُ
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَقَالَ بَلَى يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّهُ يَضُرُّ وَيَنْفَعُ بِكِتَابِ اللَّهِ
تَعَالَى، فَقَالَ وَأَيْنَ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ
فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ
ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ
بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} [الأعراف: 172] وَذَلِكَ أَنَّهُ
لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى آدَمَ مَسَحَ عَلَى ظَهْرِهِ وَأَخْرَجَ
مِنْهُ ذُرِّيَّتَهُ وَقَرَّرَهُمْ بِأَنَّهُ الرَّبُّ وَأَنَّهُمْ
الْعَبِيدُ وَأَخَذَ عَلَيْهِمْ عُهُودَهُمْ
(2/435)
إذَا خَلَا الْمَطَافُ لَيْلًا أَوْ
نَهَارًا وَإِنْ خَصَّهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِاللَّيْلِ وَالْخُنْثَى
كَالْمَرْأَةِ (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ الْأَخِيرَيْنِ أَوْ الْأَخِيرِ
(اسْتَلَمَ) بِلَا تَقْبِيلٍ فِي الْأُولَى وَبِهِ فِي الثَّانِيَةِ
(بِيَدِهِ) الْيُمْنَى فَإِنْ عَجَزَ فَبِالْيُسْرَى عَلَى الْأَقْرَبِ
كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ (فَ) إنْ عَجَزَ عَنْ اسْتِلَامِهِ بِيَدِهِ
اسْتَلَمَهُ (بِنَحْوِ عُودٍ) كَخَشَبَةٍ وَتَعْبِيرِي بِذَلِكَ أَوْلَى
مِنْ اقْتِصَارِهِ عَلَى اسْتَلَمَ (ثُمَّ قَبَّلَ) مَا اسْتَلَمَهُ بِهِ
وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِي (فَ) إنْ عَجَزَ عَنْ اسْتِلَامِهِ بِيَدِهِ
وَبِغَيْرِهَا (أَشَارَ) إلَيْهِ (بِيَدِهِ) الْيُمْنَى (فَبِمَا فِيهَا)
مِنْ زِيَادَتِي ثُمَّ قَبَّلَ مَا أَشَارَ بِهِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ
«أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَافَ عَلَى بَعِيرٍ
فَكُلَّمَا أَتَى الرُّكْنَ أَشَارَ إلَيْهِ بِشَيْءٍ عِنْدَهُ وَكَبَّرَ»
وَلَا يُشِيرُ بِالْفَمِ إلَى التَّقْبِيلِ وَيُسَنُّ تَثْلِيثُ مَا ذُكِرَ
مِنْ الِاسْتِلَامِ وَمَا بَعْدَهُ فِي كُلِّ طَوْفَةٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
وَمَوَاثِيقَهُمْ وَكَتَبَ ذَلِكَ فِي رَقٍّ وَقَالَ لِلْحَجَرِ افْتَحْ
فَاكَ فَفَتَحَهُ فَأَلْقَمَهُ ذَلِكَ الرَّقَّ، وَقَالَ لَهُ اشْهَدْ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِمَنْ وَافَاك بِالْوَفَاءِ وَأَنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَلَهُ لِسَانٌ ذَلْقٌ يَشْهَدُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِالْوَفَاءِ
وَعَلَى الْكَافِرِينَ بِالْجُحُودِ وَأَنَّهُ يَشْهَدُ لِمَنْ اسْتَلَمَهُ
أَوْ قَبَّلَهُ بِحَقٍّ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ نِعْمَ مَا قُلْت وَخَابَ
مَنْ لَمْ تَكُنْ جَلِيسَهُ يَا أَبَا الْحَسَنِ وَقِيلَ إنَّ اسْتِخْرَاجَ
الذُّرِّيَّةِ كَانَ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ وَعَلَيْهِ اُخْتُلِفَ
فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أُخِذَ فِيهِ الْمِيثَاقُ عَلَى أَرْبَعَةِ
أَقْوَالٍ فَقِيلَ بِعَطْفِ نَعْمَانَ وَادٍ بِجَنْبِ عَرَفَةَ، وَقِيلَ
بِأَرْضِ الْهِنْدِ حِينَ أُهْبِطَ آدَم فِيهَا وَقِيلَ بَيْنَ مَكَّةَ
وَالطَّائِفِ وَقِيلَ فِي سَمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ أُخْرِجَ مِنْ
الْجَنَّةِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ
وَفِي ع ش عَلَى م ر مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ اسْتَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ
ذُرِّيَّتَهُ ظَاهِرُهُ أَنَّ جُمْلَةَ الذُّرِّيَّةِ خَرَجَتْ مِنْ نَفْسِ
صُلْبِ آدَمَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَإِذْ أَخَذَ
رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الأعراف: 172]
وَفِي تَفْسِيرِ الْخَطِيبِ مَا نَصُّهُ أَيْ بِأَنْ أَخْرَجَ بَعْضَهُمْ
مِنْ صُلْبِ بَعْضٍ نَسْلًا بَعْدَ نَسْلٍ كَنَحْوِ مَا يَتَوَالَدُونَ
كَالذَّرِّ وَنَصَبَ لَهُمْ دَلَائِلَ عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ وَرَكَّبَ
فِيهِمْ عُقُولًا عَرَفُوهُ بِهَا كَمَا جَعَلَ لِلْجِبَالِ عُقُولًا
حَتَّى خُوطِبُوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ
وَالطَّيْرَ} [سبأ: 10] ، وَكَمَا جَعَلَ لِلْبَعِيرِ عَقْلًا حَتَّى
سَجَدَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَ
وَرَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ:
«قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا
خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَسَقَطَ مِنْ ظَهْرِهِ كُلُّ
نَسَمَةٍ هُوَ خَالِقُهَا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
ثُمَّ جَعَلَ بَيْنَ عَيْنَيْ كُلِّ إنْسَانٍ وَبِيصًا مِنْ نُورٍ
وَعَرَضَهُمْ عَلَى آدَمَ قَالَ أَيْ رَبِّ مَنْ هَؤُلَاءِ قَالَ
ذُرِّيَّتُك فَرَأَى رَجُلًا مِنْهُمْ فَأَعْجَبَهُ وَبِيصُ مَا بَيْنَ
عَيْنَيْهِ، فَقَالَ يَا رَبِّ مَنْ هَذَا قَالَ دَاوُد قَالَ كَمْ جَعَلْت
عُمُرَهُ قَالَ سِتِّينَ سَنَةً قَالَ يَا رَبِّ زِدْهُ مِنْ عُمُرِي
أَرْبَعِينَ سَنَةً، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَلَمَّا انْقَضَى عُمُرُ آدَمَ إلَّا أَرْبَعِينَ سَنَةً
جَاءَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ، فَقَالَ آدَم أَوَ لَمْ يَبْقَ مِنْ عُمُرِي
أَرْبَعُونَ سَنَةً قَالَ أَوَ لَمْ تُعْطِهَا ابْنَك دَاوُد فَجَحَدَ آدَم
فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُهُ وَنَسِيَ آدَم فَأَكَلَ مِنْ الشَّجَرَةِ
فَنَسِيَتْ ذُرِّيَّتُهُ وَخَطِئَ فَخَطِئَتْ ذُرِّيَّتُهُ» ، أَخْرَجَهُ
التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. اهـ.
(قَوْلُهُ: إذَا خَلَا الْمَطَافُ) وَيَظْهَرُ أَنَّهُ يَكْفِي خُلُوُّهُ
مِنْ جِهَةِ الْحَجَرِ فَقَطْ بِأَنْ تَأْمَنَ مَجِيءَ وَنَظَرَ رَجُلٍ
غَيْرِ مُحْرِمٍ حَالَةَ فِعْلِهَا ذَلِكَ اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ عَجَزَ اسْتَلَمَ بِيَدِهِ إلَخْ) لَيْسَ هَذَا
مُغَايِرٌ لِمَا قَبْلَهُ حَتَّى يَجْعَلَهُ تَقْيِيدًا لَهُ إلَّا بِمَا
أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ بِلَا تَقْبِيلٍ كَأَنَّهُ قَالَ السُّنَّةُ
فِعْلُ الثَّلَاثَةِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ مَجْمُوعِهَا فَعَلَ مَا
أَمْكَنَهُ مِنْهُ اهـ. شَيْخُنَا، وَقَوْلُهُ عَنْ الْأَخِيرَيْنِ
أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ اسْتَلَمَ بِيَدِهِ. اهـ. شَيْخُنَا وَيَظْهَرُ
ضَبْطُ الْعَجْزِ هُنَا بِمَا يُخِلُّ بِالْخُشُوعِ مِنْ أَصْلِهِ لَهُ
أَوْ لِغَيْرِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ مُرَادُهُمْ بِقَوْلِهِمْ لَا يُسَنُّ
اسْتِلَامٌ وَلَا مَا بَعْدَهُ فِي مَرَّةٍ مِنْ مَرَّاتِ الطَّوَافِ إنْ
كَانَ بِحَيْثُ يُؤْذِي أَوْ يَتَأَذَّى، وَرَوَى الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
«أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ يَا
عُمَرُ إنَّك رَجُلٌ قَوِيٌّ لَا تُزَاحِمْ عَلَى الْحَجَرِ فَتُؤْذِيَ
الضَّعِيفَ إنْ وَجَدْت خَلْوَةً وَإِلَّا فَهَلِّلْ وَكَبِّرْ» وَمِنْهُ
يُؤْخَذُ أَنَّهُ يُنْدَبُ لِمَنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ الِاسْتِلَامُ
خُصُوصُ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَهُوَ وَاضِحٌ، وَإِنْ لَمْ
يُصَرِّحُوا بِهِ، بَلْ هَذَا أَوْلَى مِنْ كَثِيرٍ مِنْ أَذْكَارٍ
اسْتَحَبُّوهَا مَعَ عَدَمِ وُرُودِهَا عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: أَشَارَ إلَيْهِ بِيَدِهِ الْيُمْنَى) عِبَارَةُ حَجّ أَشَارَ
إلَيْهِ بِيَدِهِ الْيُمْنَى فَالْيُسْرَى فَمَا فِي الْيُمْنَى فَمَا فِي
الْيُسْرَى لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ثُمَّ قَبَّلَ مَا
أَشَارَ بِهِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: فِيمَا فِيهَا) قَدْ يُقَالُ الْإِشَارَةُ بِمَا فِي الْيَدِ
تَسْتَتْبِعُ الْإِشَارَةَ بِالْيَدِ فَلَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِ
الْإِشَارَةِ بِمَا فِيهَا قُلْت قَدْ يُتَصَوَّرُ الِانْفِكَاكُ
بَيْنَهُمَا بِمَا لَوْ كَانَ بِالْيَدِ آفَةٌ تَمْنَعُ رَفْعَهَا نَحْوَ
الْحَجَرِ وَلَا تَمْنَعُ تَحْرِيكَ مَا فِيهَا وَرَفْعَهُ نَحْوَ
الْحَجَرِ. اهـ. سم اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يُشِيرُ بِالْفَمِ إلَى التَّقْبِيلِ) عِبَارَةُ حَجّ
وَخَرَجَ بِيَدِهِ فَمُهُ فَتُكْرَهُ الْإِشَارَةُ بِهِ لِلتَّقْبِيلِ
لِقُبْحِهِ وَيَظْهَرُ فِي الْإِشَارَةِ بِالرَّأْسِ أَنَّهُ خِلَافُ
الْأَوْلَى مَا لَمْ يَعْجِزْ عَنْ الْإِشَارَةِ بِيَدِهِ وَمَا فِيهَا
فَيُسَنُّ بِهِ ثُمَّ الطَّرَفُ كَالْإِيمَاءِ فِي الصَّلَاةِ وَيَنْبَغِي
كَرَاهَتُهَا بِالرِّجْلِ، بَلْ صَرَّحَ الزَّرْكَشِيُّ بِحُرْمَةِ مَدِّ
الرِّجْلِ لِلْمُصْحَفِ، فَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْكَعْبَةَ مِثْلُهُ لَكِنْ
الْفَرْقُ أَوْجَهُ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا وَلَا يُشِيرُ بِالْفَمِ إلَى التَّقْبِيلِ) أَيْ وَلَا
بِالْجَبْهَةِ إلَى السُّجُودِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَتَأَتَّى الْإِشَارَةُ
بِهَا بِدُونِ الرَّأْسِ، وَقَدْ قَالَ حَجّ إنَّ الْإِشَارَةَ بِالرَّأْسِ
خِلَافُ الْأَوْلَى اهـ. ع ش.
(قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ تَثْلِيثُ مَا ذَكَرَ) بِأَنْ يَسْتَلِمَهُ ثُمَّ
يُقَبِّلَهُ ثُمَّ يَسْجُدَ عَلَيْهِ وَهَكَذَا ثَانِيًا وَثَالِثًا أَوْ
يَسْتَلِمُهُ ثَلَاثًا ثُمَّ يُقَبِّلُهُ ثَلَاثًا ثُمَّ يَسْجُدُ عَلَيْهِ
ثَلَاثًا فَتَحْصُلُ السُّنَّةُ بِكُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ، لَكِنْ الثَّانِي
أَقْرَبُ إلَى كَلَامِهِمْ فَهُوَ أَوْلَى اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَفِي حَجّ
مَا نَصُّهُ وَيُسَنُّ تَكْرِيرُ كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ ثَلَاثًا
وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَسْتَلِمَ ثَلَاثًا مُتَوَالِيَةً
(2/436)
وَتَخْفِيفُ الْقُبْلَةِ بِحَيْثُ لَا
يَظْهَرُ لَهَا صَوْتٌ (وَ) أَنْ (يَسْتَلِمَ) الرُّكْنَ (الْيَمَانِيَّ)
وَيُقَبِّلَ يَدَهُ بَعْدَ اسْتِلَامِهِ بِهَا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ
الشَّيْخَانِ
فَإِنْ عَجَزَ عَنْ اسْتِلَامِهِ أَشَارَ إلَيْهِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا
يُسَنُّ اسْتِلَامُ غَيْرِ مَا ذُكِرَ وَلَا تَقْبِيلُ غَيْرِ الْحَجَرِ
مِنْ الْأَرْكَانِ فَإِنْ خَالَفَ لَمْ يُكْرَهْ بَلْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ
عَلَى أَنَّ التَّقْبِيلَ حَسَنٌ (وَ) أَنْ (يَقُولَ) عِنْدَ اسْتِلَامِهِ
(أَوَّلَ طَوَافِهِ بِاسْمِ اللَّهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
ثُمَّ يُقَبِّلَ كَذَلِكَ ثُمَّ يَسْجُدَ كَذَلِكَ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ تَثْلِيثُ مَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ الِاسْتِلَامِ
وَالتَّقْبِيلِ وَالسُّجُودِ وَالْإِشَارَةِ بِالْيَدِ وَبِمَا فِيهَا
وَتَقْبِيلِ الْمُشَارِ بِهِ، وَظَاهِرُ صَنِيعِهِ حَيْثُ ذَكَرَ هَذَا
قَبْلَ مَا يَأْتِي مِنْ الْأَدْعِيَةِ وَمِنْ اسْتِلَامِ الْيَمَانِيِّ
وَتَقْبِيلِ مَا اسْتَلَمَ بِهِ وَالْإِشَارَةِ إلَيْهِ وَتَقْبِيلِ مَا
أَشَارَ بِهِ لَهُ لَا يُسَنُّ فِيهِ تَثْلِيثٌ.
وَعِبَارَةُ حَجّ تَقْتَضِي سَنَّ جَمِيعِ مَا ذُكِرَ وَنَصُّهَا
وَيُرَاعَى ذَلِكَ الْمَذْكُورُ كُلُّهُ مَعَ تَكْرِيرِهِ ثَلَاثًا،
وَكَذَا مَا يَأْتِي فِي الْيَمَانِيِّ، وَكَذَا الدُّعَاءُ الْآتِي اهـ.
فَعَلَى مُقْتَضَاهَا كَانَ عَلَى الشَّارِحِ تَأْخِيرُ قَوْلِهِ وَيُسَنُّ
تَثْلِيثُ مَا ذُكِرَ إلَى قَوْلِ الْمَتْنِ وَيُرَاعِي ذَلِكَ كُلَّ
طَوْفَةٍ لِيَعُودَ لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ.
(قَوْلُهُ: وَتَخْفِيفُ الْقُبْلَةِ) أَيْ لِلْحَجَرِ وَيَنْبَغِي أَنَّ
مِثْلَهُ فِي ذَلِكَ مَا طُلِبَ تَقْبِيلُهُ مِنْ يَدِ عَالِمٍ وَوَلِيٍّ
وَوَالِدٍ وَأَضْرِحَةٍ اهـ. ع ش عَلَى م ر وَفِيهِ أَيْضًا (تَنْبِيهٌ)
قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ يُسَنُّ تَقْبِيلُ يَدِ الصَّالِحِ، بَلْ
وَرِجْلِهِ فَلَوْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ فَهَلْ يَأْتِي فِيهِ مَا يُمْكِنُ
مِنْ نَظِيرِهِ هُنَا حَتَّى يَسْتَلِمَ الْيَدَ أَوْ الرِّجْلَ عِنْدَ
الْعَجْزِ عَنْ تَقْبِيلِهَا ثُمَّ يُقَبِّلَ مَا اسْتَلَمَ بِهِ وَحَتَّى
يُشِيرَ إلَيْهَا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ اسْتِلَامِهَا أَيْضًا ثُمَّ
يُقَبِّلَ مَا أَشَارَ بِهِ فِيهِ نَظَرٌ اهـ. سم عَلَى حَجّ. أَقُولُ
الْأَقْرَبُ عَدَمُ سَنِّ ذَلِكَ وَالْفَرْقُ أَنَّ أَعْمَالَ الْحَجِّ
يَغْلِبُ فِيهَا الِاتِّبَاعُ فِي طَلَبِ مَا وَرَدَ فِعْلُهُ عَنْ
الشَّارِعِ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِغَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَلَا
كَذَلِكَ يَدُ الصَّالِحِ فَإِنَّ تَقْبِيلَهَا شُرِعَ تَعْظِيمًا لَهُ
وَتَبَرُّكًا بِهَا فَلَا يَتَعَدَّاهَا إلَى غَيْرِهَا اهـ. قَالَ
بَعْضُهُمْ يُؤْخَذُ مِنْ هُنَا أَيْ مِنْ سَنِّ تَقْبِيلِ الْحَجَرِ
الْأَسْوَدِ سَنُّ تَقْبِيلِ الْمُصْحَفِ وَالْمِنْبَرِ الشَّرِيفِ
وَالْقَبْرِ الشَّرِيفِ أَيْضًا وَمِثْلُهُ قُبُورُ بَقِيَّةِ
الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَأَجْزَاءُ الْحَدِيثِ أَفْتَى بِذَلِكَ
ابْنُ أَبِي الصَّيْفِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ اهـ. تَوْشِيحٌ عَلَى
الْجَامِعِ الصَّحِيحِ هَكَذَا وَجَدْته بِهَامِشِ حَاشِيَةِ
الزِّيَادِيِّ.
(قَوْلُهُ: بِحَيْثُ لَا يَظْهَرُ لَهَا صَوْتٌ) عِبَارَةُ حَجّ وَيُكْرَهُ
إظْهَارُ صَوْتٍ لِقُبْلَتِهِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: الْيَمَانِيِّ) نِسْبَةً إلَى الْيَمَنِ وَتَخْفِيفُ يَائِهِ
لِكَوْنِ الْأَلِفِ بَدَلًا مِنْ إحْدَى يَاءَيْ النَّسَبِ أَكْثَرُ مِنْ
تَشْدِيدِهَا الْمَبْنِيِّ عَلَى زِيَادَةِ الْأَلِفِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: أَشَارَ إلَيْهِ) أَيْ بِيَدِهِ فَبِنَحْوِ عُودٍ ثُمَّ قَبَّلَ
مَا أَشَارَ بِهِ.
وَعِبَارَةُ حَجّ وَيَسْتَلِمَ الْيَمَانِيَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى
فَالْيُسْرَى فَمَا فِي الْيُمْنَى فَمَا فِي الْيُسْرَى ثُمَّ يُقَبِّلُ
مَا اسْتَلَمَ بِهِ فَإِنْ عَجَزَ أَشَارَ إلَيْهِ بِمَا ذُكِرَ
بِتَرْتِيبِهِ ثُمَّ قَبَّلَ مَا أَشَارَ بِهِ عَلَى الْأَوْجَهِ انْتَهَتْ
وَمِثْلُهُ شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: وَلَا تَقْبِيلُ غَيْرِ الْحَجَرِ مِنْ الْأَرْكَانِ) وَخُصَّ
رُكْنُ الْحَجَرِ بِالتَّقْبِيلِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ فَضِيلَتَيْ
كَوْنِ الْحَجَرِ فِيهِ وَكَوْنِهِ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَالْيَمَانِيُّ لَيْسَ فِيهِ إلَّا الثَّانِيَةُ أَيْ بِاعْتِبَارِ
رَأْسِهِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ عِنْدَهُ شَاذَرْوَانَ كَمَا مَرَّ،
وَأَمَّا الشَّامِيَّانِ فَلَيْسَ لَهُمَا شَيْءٌ مِنْ الْفَضِيلَتَيْنِ؛
لِأَنَّ أُسَّهُمَا لَيْسَ عَلَى الْقَوَاعِدِ فَلَمْ يُسَنَّ
تَقْبِيلُهُمَا وَلَا اسْتِلَامُهُمَا اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ:، بَلْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ إلَخْ) أَيْ بِقَوْلِهِ وَأَيُّ
أَجْزَاءِ الْبَيْتِ قَبَّلَ فَحَسَنٌ، غَيْرَ أَنَّا نُؤْمَرُ
بِالِاتِّبَاعِ وَالْمُرَادُ بِالْحُسْنِ فِيهِ الْمُبَاحُ فَلَا
يُنَافِيهِ قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّا نُؤْمَرُ بِالِاتِّبَاعِ. اهـ. شَرْحُ م
ر.
(قَوْلُهُ: عِنْدَ اسْتِلَامِهِ) أَيْ يَبْتَدِئُ الْقَوْلَ الْمَذْكُورَ
عِنْدَ اسْتِلَامِهِ أَيْ مُقَارِنًا لَهُ بِحَالِهِ ثُمَّ يَخْتِمُهُ
وَهُوَ مَاشٍ بِحَيْثُ يَكُونُ آخِرُهُ عِنْدَ مُحَاذَاةِ الْبَابِ
فَحِينَئِذٍ يَشْرَعُ فِي الدُّعَاءِ الْآتِي وَيَمْشِي بِحَيْثُ يَكُونُ
آخِرُهُ عِنْدَ مُحَاذَاةِ الْمَقَامِ اهـ. حَجّ بِتَصَرُّفٍ، وَفِي شَرْحِ
الرَّوْضِ مَا نَصُّهُ وَعِنْدَ الِانْتِهَاءِ إلَى الرُّكْنِ
الْعِرَاقِيِّ يَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الشَّكِّ
وَالشِّرْكِ وَالنِّفَاقِ وَالشِّقَاقِ وَسُوءِ الْأَخْلَاقِ وَسُوءِ
الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ وَعِنْدَ الِانْتِهَاءِ
إلَى تَحْتِ الْمِيزَابِ اللَّهُمَّ أَظِلَّنِي فِي ظِلِّك يَوْمَ لَا
ظِلَّ إلَّا ظِلُّك وَاسْقِنِي بِكَأْسِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرَابًا هَنِيئًا لَا أَظْمَأُ بَعْدَهُ أَبَدًا يَا
ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ وَبَيْنَ الرُّكْنِ الشَّامِيِّ
وَالْيَمَانِيِّ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَذَنْبًا
مَغْفُورًا وَسَعْيًا مَشْكُورًا وَعَمَلًا مَقْبُولًا وَتِجَارَةً لَنْ
تَبُورَ أَيْ وَاجْعَلْ ذَنْبِي ذَنْبًا مَغْفُورًا وَقِيسَ بِهِ الْبَاقِي
وَالْمُنَاسِبُ لِلْمُعْتَمِرِ أَنْ يَقُولَ عُمْرَةً مَبْرُورَةً
وَيُحْتَمَلُ اسْتِحْبَابُ التَّعْبِيرِ بِالْحَجِّ مُرَاعَاةً لِلْخَبَرِ
وَيُقْصَدُ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ وَهُوَ الْقَصْدُ نَبَّهَ عَلَيْهِ
الْإِسْنَوِيُّ فِي الدُّعَاءِ الْآتِي فِي الرَّمَلِ وَمَحَلُّ الدُّعَاءِ
بِهَذَا إذَا كَانَ الطَّوَافُ فِي ضِمْنِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَبَيْنَ
الْيَمَانِيَيْنِ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي
الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وَلْيَدْعُ بِمَا شَاءَ مِنْ
الْخَيْرِ فِي جَمِيعِ طَوَافِهِ فَهُوَ سُنَّةٌ مَأْثُورًا كَانَ أَوْ
غَيْرَهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَأْثُورُ أَفْضَلَ وَمِنْ الْمَأْثُورِ مَا
رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ
اللَّهُمَّ قَنِّعْنِي بِمَا رَزَقْتنِي وَبَارِكْ لِي فِيهِ وَاخْلُفْ
عَلَيَّ كُلَّ غَائِبَةٍ لِي بِخَيْرٍ» ، وَمَا رَوَاهُ الْأَزْرَقِيُّ
عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ
الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ
إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ وَالذُّلِّ وَمَوَاقِفِ
الْخِزْيِ فِي الدُّنْيَا
(2/437)
وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ) أَطُوفُ
(إيمَانًا بِك إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِك وَوَفَاءً
بِعَهْدِك وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتِّبَاعًا لِلسَّلَفِ وَالْخَلَفِ (وَ) أَنْ يَقُولَ
(قُبَالَةَ الْبَابِ اللَّهُمَّ الْبَيْتُ بَيْتُك إلَى آخِرِهِ) أَيْ
وَالْحَرَمُ حَرَمُك وَالْأَمْنُ أَمْنُك وَهَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِك
مِنْ النَّارِ وَيُشِيرُ إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ (وَبَيْنَ
الْيَمَانِيَيْنِ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً الْآيَةَ)
لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَوَقَعَ فِي الْمِنْهَاجِ
كَالرَّوْضَةِ اللَّهُمَّ بَدَلَ رَبَّنَا (وَ) أَنْ (يَدْعُوَ بِمَا شَاءَ
وَمَأْثُورُهُ) أَيْ الدُّعَاءِ فِيهِ أَيْ مَنْقُولِهِ (أَفْضَلُ
فَقِرَاءَةٌ) فِيهِ (فَغَيْرُ مَأْثُورِهِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
وَالْآخِرَةِ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ
حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. اهـ.
1 -
(قَوْلُهُ: وَاَللَّهُ أَكْبَرُ) أَيْ مِنْ كُلِّ مَنْ هُوَ بِصُورَةِ
مَعْبُودٍ مِنْ حَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَمِنْ ثَمَّ نَاسَبَ مَا بَعْدَهُ
وَهُوَ اللَّهُمَّ إيمَانًا بِك إلَخْ اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: إيمَانًا بِك) حَالٌ مِنْ فَاعِلِ أَطُوفُ بِتَأْوِيلِهِ
بِاسْمِ الْفَاعِلِ أَيْ أَطُوفُ حَالَ كَوْنِي مُؤْمِنًا بِك. اهـ.
شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: اتِّبَاعًا لِلسَّلَفِ وَالْخَلَفِ) لَمْ يَقُلْ لِلِاتِّبَاعِ؛
لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهَذَا الذِّكْرِ.
وَعِبَارَةُ حَجّ نَصُّهَا وَرُوِيَ ذَلِكَ حَدِيثًا وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا
يُعْرَفُ لَكِنْ جَاءَ فِي خَبَرٍ مُنْقَطِعٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ
نَقُولُ إذَا اسْتَلَمْنَا؟ قَالَ قُولُوا بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ
أَكْبَرُ إيمَانًا بِاَللَّهِ وَتَصْدِيقًا بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي
الْأُمِّ قَالَ هَكَذَا أُحِبُّ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ
الطَّوَافِ وَفِي الرَّوْنَقِ يُسَنُّ رَفْعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ
فِي الِابْتِدَاءِ كَالصَّلَاةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَإِنْ وَافَقَهُ بَحْثُ
الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ افْتِتَاحُ الطَّوَافِ
بِالتَّكْبِيرِ كَالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا بَلْ شَاذٌّ،
وَإِنْ تَبِعَهُ بَعْضُهُمْ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: قُبَالَةَ الْبَابِ) أَيْ تِلْقَاءَ الْبَابِ وَالْمُرَادُ
أَنَّهُ يَبْتَدِئُ هَذَا الدُّعَاءَ مِنْ تِلْقَاءِ الْبَابِ وَيُكْمِلُهُ
بَعْدَهُ وَإِلَّا فَهُوَ لَا يَقِفُ حَتَّى يُكْمِلَ الدُّعَاءَ قُبَالَةَ
الْبَابِ؛ لِأَنَّ الْوُقُوفَ فِي الْمَطَافِ يَضُرُّ بِالنَّاسِ اهـ.
شَيْخُنَا وَمِثْلُهُ حَجّ وَقُبَالَةَ بِضَمِّ الْقَافِ أَيْ الْجِهَةُ
الَّتِي تُقَابِلُهُ وَارْتِفَاعُ الْبَابِ فَوْقَ خَمْسَةِ أَذْرُعٍ
وَعَرْضُ عَتَبَتِهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ ذِرَاعٍ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: الْبَيْتُ) أَيْ الْكَامِلُ الْوَاصِلُ لِغَايَةِ الْكَمَالِ
اللَّائِقُ بِهِ مِنْ بَيْنِ الْبُيُوتِ هُوَ بَيْتُك هَذَا لَا غَيْرُ،
وَكَذَا مَا بَعْدَهُ اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا اللَّهُمَّ الْبَيْتُ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ
اللَّهُمَّ إنَّ الْبَيْتَ بِزِيَادَةِ إنَّ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَهَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِك مِنْ النَّارِ) أَيْ مَقَامُ
إبْرَاهِيمَ كَمَا قَالَهُ الْجُوَيْنِيُّ وَقَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ
إنَّهُ غَلَطٌ فَاحِشٌ، بَلْ يَعْنِي بِهِ الطَّائِفَ نَفْسَهُ لَيْسَ فِي
مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَنْسَبُ وَأَلِيقُ إذْ مَنْ اسْتَحْضَرَ
أَنَّ الْخَلِيلَ اسْتَعَاذَ مِنْ النَّارِ أَيْ بِنَحْوِ {وَلا تُخْزِنِي
يَوْمَ يُبْعَثُونَ} [الشعراء: 87] أَوْجَبَ لَهُ ذَلِكَ مِنْ الْخَوْفِ
وَالْخُشُوعِ وَالتَّضَرُّعِ مَا لَا يُوجِبُ لَهُ الثَّانِي بَعْضَ
مِعْشَارِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُرِدْ الْأَوَّلَ لَكَانَ ذِكْرُهُ
فِي هَذَا الْمَحَلِّ بِخُصُوصِهِ عَرِيًّا عَنْ الْحِكْمَةِ اهـ. حَجّ
اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَيُشِيرُ) أَيْ بِكَلِمَةِ هَذَا بِقَلْبِهِ لَا بِيَدِهِ،
وَقَوْلُهُ إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ أَيْ الْحَجَرِ الَّذِي نُزِّلَ مِنْ
الْجَنَّةِ كَالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَامَ
عَلَيْهِ حِينَ نَادِي بِالْحَجِّ أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ يَقُومُ عَلَيْهِ
عِنْدَ بِنَاءِ الْبَيْتِ فَيَرْتَفِعُ بِهِ حَتَّى يَضَعَ الْحَجَرَ ثُمَّ
يَهْبِطُ بِهِ حَتَّى يَأْخُذَ مَا يَبْنِي بِهِ وَهَكَذَا اهـ.
بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً) هِيَ كُلُّ خَيْرٍ
يُقْصَدُ تَحْصِيلُهُ فِيهَا وَمَا أَعَانَ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ وَفِي
الْآخِرَةِ حَسَنَةً هِيَ كُلُّ مَا فِيهَا مِنْ الرَّاحَةِ وَالنَّعِيمِ
الْمُقِيمِ وَالشُّهُودِ اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ لِلِاتِّبَاعِ) ظَاهِرُ صَنِيعِهِ كَمَا هُوَ عَادَتُهُ مِنْ
الِاسْتِدْلَالِ عَلَى كُلِّ مَسْأَلَةٍ مِنْ مَسَائِلِ الْمَتْنِ أَنَّ
هَذَا دَلِيلٌ لِلدُّعَاءَيْنِ قَبْلَهُ أَيْ الدُّعَاءِ الَّذِي قُبَالَةَ
الْبَابِ وَاَلَّذِي بَيْنَ الْيَمَانِيَيْنِ، لَكِنْ قَالَ حَجّ فِي
الَّذِي قُبَالَةَ الْبَابِ قِيلَ لَا يُعْرَفُ هَذَا خَبَرًا وَلَا
أَثَرًا اهـ.
(قَوْلُهُ: وَوَقَعَ فِي الْمِنْهَاجِ إلَخْ) عِبَارَتُهُ مَعَ شَرْحِ حَجّ
وَبَيْنَ الْيَمَانِيَيْنِ اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً
وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ سَنَدُهُ صَحِيحٌ،
لَكِنْ بِلَفْظِ رَبَّنَا وَبِهِ عَبَّرَ فِي الْمَجْمُوعِ وَفِي رِوَايَةٍ
اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَهِيَ أَفْضَلُ وَمِنْ ثَمَّ عَبَّرَ بِهَا
الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قِيلَ وَلَفْظُ اللَّهُمَّ
وَحْدَهُ كَمَا وَقَعَ فِي الْمَتْنِ أَيْ وَالرَّوْضَةِ خِلَافًا لِمَنْ
زَعَمَ أَنَّ عِبَارَتَهَا كَعِبَارَةِ الشَّافِعِيِّ لَمْ يُرِدْ
انْتَهَتْ فَغَرَضُ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ وَوَقَعَ فِي الْمِنْهَاجِ
التَّعْرِيضُ بِالِاعْتِرَاضِ عَلَى الْأَصْلِ.
(قَوْلُهُ: بِمَا شَاءَ) أَيْ لَهُ وَلِغَيْرِهِ مِنْ كُلِّ دُعَاءٍ
جَائِزٍ، وَالْأَفْضَلُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأُخْرَوِيِّ اهـ. حَجّ
وَقَدْ جَاءَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ إنَّ الدُّعَاءَ
مُسْتَجَابٌ هُنَاكَ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا فِي الْمَطَافِ
وَعِنْدَ الْمُلْتَزَمِ وَتَحْتَ الْمِيزَابِ وَفِي الْبَيْتِ وَعِنْدَ
زَمْزَمَ وَعَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَفِي الْمَسْعَى وَخَلْفَ
الْمَقَامِ وَفِي عَرَفَاتٍ وَفِي الْمُزْدَلِفَةِ، وَفِي مِنًى وَعِنْدَ
الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ اهـ. إيضَاحٌ.
(قَوْلُهُ: وَمَأْثُورُهُ) أَيْ الدُّعَاءِ فِيهِ أَيْ الشَّامِلِ
لِلذِّكْرِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَدْ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ مَا
يَعُمُّ الْآخَرَ، وَقَوْلُهُ أَيْ مَنْقُولِهِ أَيْ عَنْ النَّبِيِّ أَوْ
أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ اهـ. حَجّ وَمِنْهُ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ
اهـ.
(قَوْلُهُ: أَفْضَلُ) أَيْ مِنْ الْقِرَاءَةِ أَيْ الِاشْتِغَالُ بِهِ
أَفْضَلُ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِهَا، وَلَوْ بِنَحْوِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ
أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] عَلَى مَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ خِلَافًا لِمَنْ
فَصَّلَ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهَا لَمْ تُحْفَظْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحُفِظَ عَنْهُ غَيْرُهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ
لَيْسَ مَحَلَّهَا بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ، بَلْ مَنَعَهَا فِيهِ
بَعْضُهُمْ فَمِنْ ثَمَّ اكْتَفَى فِي تَفْضِيلِ الِاشْتِغَالِ بِغَيْرِهَا
عَلَيْهَا بِالنِّسْبَةِ لِهَذَا الْمَحَلِّ بِخُصُوصِهِ بِأَدْنَى
مُرَجِّحٍ كَوُرُودِهِ عَنْ صَحَابِيٍّ، وَلَوْ مِنْ طَرِيقٍ ضَعِيفٍ عَلَى
مَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ، وَقَوْلُهُ
(2/438)
وَيُسَنُّ لَهُ الْإِسْرَارُ بِذَلِكَ؛
لِأَنَّهُ أَجْمَعُ لِلْخُشُوعِ (وَ) أَنْ (يُرَاعِيَ ذَلِكَ) أَيْ
الِاسْتِلَامَ وَمَا بَعْدَهُ (كُلَّ طَوْفَةٍ) اغْتِنَامًا لِلثَّوَابِ
لَكِنَّهُ فِي الْأُولَى آكَدُ وَشُمُولُ ذَلِكَ لِاسْتِلَامِ
الْيَمَانِيِّ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ زِيَادَتِي (وَ) أَنْ (يَرْمُلَ ذَكَرٌ
فِي) الطَّوْفَاتِ (الثَّلَاثِ الْأُوَلِ مِنْ طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ)
بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي (مَطْلُوبٌ) بِأَنْ يَكُونَ بَعْدَ طَوَافِ
قُدُومٍ أَوْ رُكْنٍ وَلَمْ يَسْعَ بَعْدَ الْأَوَّلِ فَلَوْ سَعَى
بَعْدَهُ لَمْ يَرْمُلْ فِي طَوَافِ إفَاضَةٍ، وَالرَّمَلُ يُسَمَّى
خَبَبًا (بِأَنْ يُسْرِعَ مَشْيَهُ مُقَارِبًا خُطَاهُ) وَيَمْشِي فِي
الْبَقِيَّةِ عَلَى هِينَتِهِ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ
فَإِنْ طَافَ رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا حَرَّكَ الدَّابَّةَ وَرَمَلَ بِهِ
الْحَامِلُ وَلَوْ تَرَكَ الرَّمَلَ فِي الثَّلَاثِ لَا يَقْضِيهِ فِي
الْأَرْبَعِ الْبَاقِيَةِ لِأَنَّ هَيْئَتَهَا السَّكَنِيَّةُ فَلَا
تُغَيَّرُ (وَ) أَنْ (يَقُولَ فِيهِ) أَيْ فِي الرَّمَلِ (اللَّهُمَّ
اجْعَلْهُ) أَيْ مَا أَنَا فِيهِ مِنْ الْعَمَلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
فَقِرَاءَةٌ أَيْ هِيَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِ مَأْثُورِهِ؛ لِأَنَّهَا
أَفْضَلُ الذِّكْرِ وَجَاءَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ «مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرَيْ عَنْ
مَسْأَلَتِي أَعْطَيْته أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ» وَفَضْلُ
كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ اللَّهِ
تَعَالَى عَلَى سَائِرِ خَلْقِهِ اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ لَهُ الْإِسْرَارُ بِذَلِكَ) أَيْ بِجَمِيعِ مَا
تَقَدَّمَ مِنْ أَدْعِيَةِ الطَّوَافِ الْمَأْثُورَةِ وَغَيْرِهَا
وَالْقِرَاءَةِ فِيهِ.
وَعِبَارَةُ حَجّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَأَنْ يَقُولَ أَوَّلَ طَوَافِهِ بِسْمِ
اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ إلَخْ وَيُسِرُّ بِذَلِكَ وَبِمَا يَأْتِي؛
لِأَنَّهُ أَجْمَعُ لِلْخُشُوعِ نَعَمْ يُسَنُّ الْجَهْرُ لِتَعْلِيمِ
الْغَيْرِ حَيْثُ لَا يَتَأَذَّى بِهِ أَحَدٌ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ فِي الْأَوَّلِ آكَدُ) عِبَارَةُ حَجّ وَهُوَ فِي
الْأَوْتَارِ آكَدُ وَآكَدُهَا الْأُولَى وَالْأَخِيرَةُ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: وَشُمُولُ ذَلِكَ) أَيْ لَفْظُ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ وَمَا
بَعْدَهُ أَيْ مِنْ قَوْلِهِ وَيَقُولُ أَوَّلَ طَوَافِهِ إلَخْ،
وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِي أَيْ حَيْثُ أَوْقَعَ اسْمَ الْإِشَارَةِ
بَعْدَ جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ، وَالْأَصْلُ إنَّمَا ذَكَرَهُ بَعْدَ
اسْتِلَامِ الْحَجَرِ وَتَقْبِيلِهِ وَالْإِشَارَةِ إلَيْهِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَأَنْ يَرْمُلَ) ذَكَرَ فِي الْمُخْتَارِ الرَّمَلُ
بِفَتْحَتَيْنِ الْهَرْوَلَةُ وَرَمَلَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ
وَيَرْمُلُ رَمَلًا وَرَمَلَانًا بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمِيمِ مِنْهُمَا
اهـ.
(قَوْلُهُ: فِي الطَّوْفَاتِ الثَّلَاثِ إلَخْ) وَالصَّحِيحُ مِنْ
الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ يَسْتَوْعِبُ الْبَيْتَ بِالرَّمَلِ وَفِي قَوْلٍ
ضَعِيفٍ لَا يَرْمُلُ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ اهـ. إيضَاحٌ
وَعَدَلَ عَنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْأَشْوَاطِ إلَى الطَّوْفَاتِ؛
لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَصَّ عَلَى كَرَاهَةِ
تَسْمِيَةِ الطَّوَافِ شَوْطًا أَوْ دَوْرًا وَتَبِعَهُ الْأَصْحَابُ
وَاخْتَارَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ عَدَمَ
الْكَرَاهَةِ وَشَدَّدَ النَّكِيرَ عَلَى مَنْ قَالَ بِالْكَرَاهَةِ اهـ.
بِرْمَاوِيٌّ.
وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ مَعَ شَرْحِ حَجّ وَأَنْ يَرْمُلَ فِي جَمِيعِ
الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ، الْأَوَّلُ لَا يُنَافِيهِ كَرَاهَةُ
الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ تَسْمِيَةَ الْمَرَّةِ شَوْطًا؛ لِأَنَّهُ
كَرَاهَةٌ أَدَبِيَّةٌ إذْ الشَّوْطُ الْهَلَاكُ كَمَا كَرِهَ تَسْمِيَةَ
مَا يُذْبَحُ عَنْ الْمَوْلُودِ عَقِيقَةً لِإِشْعَارِهَا بِالْعُقُوقِ
فَلَيْسَتْ شَرْعِيَّةً لِصِحَّةِ ذِكْرِ الْعَقِيقَةِ فِي الْأَحَادِيثِ
وَالشَّوْطِ فِي كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ وَحِينَئِذٍ لَا
يَحْتَاجُ إلَى اخْتِيَارِ الْمَجْمُوعِ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ عَلَى أَنَّهُ
يُوهِمُ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْكَرَاهَةُ وَلَكِنَّهَا خِلَافُ الْمُخْتَارِ
وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا عَلِمْت أَنَّهَا كَرَاهَةٌ أَدَبِيَّةٌ لَا
غَيْرُ فَإِنْ قُلْت يُؤَيِّدُهُ كَرَاهَةُ تَسْمِيَةِ الْعِشَاءِ عَتَمَةً
شَرْعًا قُلْت يُفَرَّقُ بِأَنَّ ذَاكَ فِيهِ تَغْيِيرٌ لِلَفْظِ
الشَّارِعِ هَذَا اهـ. وَانْحَطَّ كَلَامُ م ر فِي شَرْحِهِ عَلَى
الْكَرَاهَةِ الشَّرْعِيَّةِ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَلَوْ سَعَى بَعْدَهُ إلَخْ) عِبَارَةُ حَجّ وَلَوْ أَرَادَ
السَّعْيَ عَقِبَ طَوَافِ الْقُدُومِ ثُمَّ سَعَى وَلَمْ يَرْمُلْ لَمْ
يَقْضِهِ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، وَإِنْ لَمْ يَسْعَ رَمَلَ فِيهِ،
وَإِنْ كَانَ قَدْ رَمَلَ فِي الْقُدُومِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: بِأَنْ يُسْرِعَ مَشْيَهُ إلَخْ) أَيْ وَبِأَنْ لَا يَكُونَ
فِيهِ وَثْبٌ وَلَا عَدْوٌ مَعَ هَزِّ كَتِفَيْهِ اهـ. حَجّ وَيُكْرَهُ
تَرْكُ الرَّمَلِ كَمَا نُقِلَ عَنْ النَّصِّ وَالْمُبَالَغَةُ فِي
الْإِسْرَاعِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَسَبَبُ
مَشْرُوعِيَّتِهِ قَوْلُ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا دَخَلَ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَصْحَابِهِ مُعْتَمِرًا سَنَةَ سَبْعٍ قَبْلَ
فَتْحِ مَكَّةَ بِسَنَةٍ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ أَيْ فَلَمْ يَبْقَ
لَهُمْ طَاقَةٌ بِقِتَالِنَا فَأَمَرَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - بِهِ لِيُرِيَ الْمُشْرِكِينَ بَقَاءَ قُوَّتِهِمْ
وَجَلَدَهُمْ فَلَمَّا رَآهُمْ الْمُشْرِكُونَ قَالُوا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ
زَعَمْتُمْ أَنَّ الْحُمَّى قَدْ وَهَنَتْهُمْ هَؤُلَاءِ أَجْلَدُ مِنْ
كَذَا وَمِنْ كَذَا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ
يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ كُلَّهَا إلَّا الشَّفَقَةُ
عَلَيْهِمْ وَشُرِعَ مِنْ زَوَالِ سَبَبِهِ لِيُتَذَكَّرَ بِهِ مَا كَانَ
الْمُسْلِمُونَ فِيهِ مِنْ الضَّعْفِ بِمَكَّةَ ثُمَّ نِعْمَةُ ظُهُورِ
الْإِسْلَامِ وَإِعْزَازُهُ وَتَطْهِيرُ مَكَّةَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَلَى
مَمَرِّ الْأَعْوَامِ وَالسِّنِينَ. اهـ. حَجّ وَشَرْحُ الرَّوْضِ.
(قَوْلُهُ: مُقَارِبًا خُطَاهُ) بِضَمِّ الْخَاءِ جَمْعُ خُطْوَةٍ
بِضَمِّهَا اسْمٌ لِمَا بَيْنَ الْقَدَمَيْنِ، وَأَمَّا بِالْفَتْحِ
فَاسْمٌ لِنَقْلِ الْقَدَمِ وَجَمْعُهُ خِطَاءٌ بِكَسْرِ الْخَاءِ
وَالْمَدِّ كَرَكْوَةٍ وَرِكَاءٍ اهـ. شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَرَكَ
الرَّمَلَ فِي الثَّلَاثِ إلَخْ) وَلَوْ تَرَكَهُ فِي بَعْضِ الثَّلَاثِ
أَتَى بِهِ فِي بَاقِيهَا أَيْ بَاقِي الثَّلَاثِ اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: وَأَنْ يَقُولَ فِيهِ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ إلَخْ) أَيْ يَقُولَ
ذَلِكَ فِي الْمَحَالِّ الَّتِي لَمْ يَرِدْ لَهَا ذِكْرٌ مَخْصُوصٌ عَلَى
كَلَامٍ فِيهِ فِي الْحَاشِيَةِ. اهـ. حَجّ وَاعْتَرَضَهُ ح ل بِمَا
حَاصِلُهُ أَنَّ كُلَّ مَحَلٍّ مِنْ الطَّوَافِ وَرَدَ فِيهِ ذِكْرٌ
مَخْصُوصٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَتَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّ هَذَا
الذِّكْرَ وَهُوَ قَوْلُهُ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا إلَخْ
يُطْلَبُ فِي كُلِّ طَوَافٍ بَيْنَ الرُّكْنِ الشَّامِيِّ وَالْيَمَانِيِّ
وَحِينَئِذٍ فَلَمْ يَبْقَ فِي الْمَطَافِ مَحَلٌّ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرٌ
مَخْصُوصٌ حَتَّى يَأْتِيَ فِي حَالَةِ الرَّمَلِ بِهَذَا الذِّكْرِ
وَلَعَلَّ هَذَا الْإِشْكَالَ هُوَ الَّذِي أَشَارَ لَهُ حَجّ بِقَوْلِهِ
عَلَى كَلَامٍ فِيهِ فِي الْحَاشِيَةِ وَأَجَابَ أَيْ الْحَلَبِيُّ عَلَى
سَبِيلِ الِاسْتِرْوَاحِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْأَذْكَارَ
الْمُتَقَدِّمَ بَيَانُهَا إنَّمَا هِيَ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَرْمُلْ
أَمَّا هُوَ فَيَقُولُ هَذَا الذِّكْرَ فِي جَمِيعِ طَوَافِهِ اهـ.
وَأَنْتَ تَرَى جَوَابَهُ مُنَاقِضًا لِعِبَارَةِ حَجّ الْمَذْكُورَةِ
حَيْثُ قَالَ أَيْ فِي الْمَحَالِّ الَّتِي لَمْ يَرِدْ لَهَا ذِكْرٌ
(2/439)
(حَجًّا مَبْرُورًا) أَيْ لَمْ يُخَالِطْهُ
ذَنْبٌ (إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَذَنْبًا مَغْفُورًا وَسَعْيًا مَشْكُورًا
لِلِاتِّبَاعِ وَيَقُولُ فِي الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ كَمَا فِي
التَّنْبِيهِ وَغَيْرِهِ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا
تَعْلَمْ إنَّكَ أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ رَبَّنَا آتِنَا فِي
الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ،
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَالْمُنَاسِبُ لِلْمُعْتَمِرِ أَنْ يَقُولَ عُمْرَةً
مَبْرُورَةً وَيُحْتَمَلُ الْإِطْلَاقُ مُرَاعَاةً لِلْحَدِيثِ وَيَقْصِدُ
الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ وَهُوَ الْقَصْدُ (وَ) أَنْ (يَضْطَبِعَ) أَيْ
الذَّكَرُ (فِي طَوَافٍ فِيهِ رَمَلٌ) لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ (وَفِي سَعْيٍ) قِيَاسًا عَلَى
الطَّوَافِ بِجَامِعِ قَطْعِ مَسَافَةٍ مَأْمُورٍ بِتَكْرِيرِهَا سَبْعًا
وَذَلِكَ (بِأَنْ يَجْعَلَ وَسَطَ رِدَائِهِ تَحْتَ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ
وَطَرَفَيْهِ عَلَى) مَنْكِبِهِ (الْأَيْسَرِ) كَدَأْبِ أَهْلِ
الشَّطَارَةِ وَالِاضْطِبَاعُ مَأْخُوذٌ مِنْ الضَّبُعِ بِسُكُونِ
الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ الْعَضُدُ وَخَرَجَ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ
رَكْعَتَا الطَّوَافِ فَلَا يُسَنُّ فِيهِمَا الِاضْطِبَاعُ بَلْ يُكْرَهُ
(وَ) أَنْ (يَقْرُبَ) الذَّكَرُ فِي طَوَافِهِ (مِنْ الْبَيْتِ)
تَبَرُّكًا؛ وَلِأَنَّهُ أَيْسَرُ فِي الِاسْتِلَامِ وَالتَّقْبِيلِ،
نَعَمْ إنْ تَأَذَّى أَوْ آذَى غَيْرَهُ بِنَحْوِ زَحْمَةٍ فَالْبُعْدُ
أَوْلَى
(فَلَوْ فَاتَ رَمَلٌ بِقُرْبٍ) لِنَحْوِ زَحْمَةٍ (وَأَمْنِ لَمْسِ
نِسَاءٍ وَلَمْ يَرْجُ فُرْجَةً) يَرْمُلُ فِيهَا لَوْ انْتَظَرَ (بَعْدُ)
لِلرَّمَلِ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْعِبَادَةِ وَالْقُرْبُ
يَتَعَلَّقُ بِمَكَانِهَا فَإِنْ خَافَ لَمْسَ نِسَاءٍ فَالْقُرْبُ بِلَا
رَمَلٍ أَوْلَى مِنْ الْبُعْدِ مَعَ الرَّمَلِ تَحَرُّزًا عَنْ
مُلَامَسَتِهِنَّ الْمُؤَدِّيَةِ إلَى انْتِقَاضِ الطُّهْرِ وَلَوْ خَافَ
مَعَ الْقُرْبِ أَيْضًا لَمْسَهُنَّ فَتَرْكُ الرَّمَلِ أَوْلَى وَإِذَا
تَرَكَهُ سُنَّ أَنْ يَتَحَرَّكَ فِي مَشْيِهِ وَيَرَى أَنَّهُ لَوْ
أَمْكَنَهُ لَرَمَلَ وَكَذَا فِي الْعَدْوِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
مَخْصُوصٌ أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ لَمْ يَرْمُلْ كَغَيْرِهِ فِي
الْأَذْكَارِ الْمَخْصُوصَةِ وَأَنَّهُ يَقُولُ هَذَا الذِّكْرَ فِي بَعْضِ
الْمَحَالِّ الَّتِي لَمْ يَرِدْ لَهَا ذِكْرٌ مَخْصُوصٌ.
وَفِي سم عَلَى حَجّ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ خِلَافِيَّةٌ
وَأَنَّ مَا ذَكَرَهُ حَجّ أَحَدُ قَوْلَيْنِ وَالْآخَرُ وَهُوَ
الْمُعْتَمَدُ أَنَّ مَنْ يَرْمُلُ يَقُولُ هَذَا الذِّكْرَ فِي جَمِيعِ
رَمَلِهِ فَيَكُونُ الَّذِي اسْتَرْوَحَهُ الْحَلَبِيُّ مَبْنِيًّا عَلَى
الْقَوْلِ الثَّانِي.
وَعِبَارَةُ سم قَوْلُهُ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ إلَخْ عِبَارَةُ الْعُبَابِ
وَأَنْ يَقُولَ فِي رَمَلِهِ بَعْدَ تَكْبِيرِهِ مُحَاذِيًا لِلْحَجَرِ
الْأَسْوَدِ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ إلَخْ، قَالَ فِي شَرْحِهِ عَقِبَ
قَوْلِهِ مُحَاذِيًا لِلْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إلَخْ مَا نَصُّهُ كَمَا فِي
الْإِسْنَوِيِّ وَغَيْرِهِ لَكِنْ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ
وَالْمَجْمُوعِ أَنَّهُ يُنْدَبُ فِي جَمِيعِ رَمَلِهِ، وَعِبَارَتُهُ
يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ فِي رَمَلِهِ بِمَا أَحَبَّ مِنْ أَمْرِ
الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَآكَدُ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا
مَبْرُورًا إلَخْ نَصَّ عَلَيْهِ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ انْتَهَتْ وَمَا
ذَكَرَهُ مِنْ النَّصِّ ظَاهِرٌ فِيمَا قَالَهُ. اهـ. انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: حَجًّا مَبْرُورًا) الْحَجُّ الْمَبْرُورُ قَالَ ابْنُ
خَالَوَيْهِ الْمَقْبُولُ وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُ
شَيْءٌ مِنْ الْإِثْمِ وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ
الْأَقْوَالُ فِي تَفْسِيرِهِ مُتَقَارِبَةُ الْمَعْنَى وَحَاصِلُهُ أَنَّ
الْحَجَّ الَّذِي وُفِّيَتْ أَحْكَامُهُ وَوَقَعَ مَوْقِعًا لِمَا طُلِبَ
مِنْ الْمُكَلَّفِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ اهـ. وَقَالَ حَجّ فِي
الزَّوَاجِرِ الْمَبْرُورُ هُوَ الَّذِي لَا مَعْصِيَةَ فِيهِ وَلَا
صَغِيرَةَ مِنْ حِينِ الْإِحْرَامِ إلَى التَّحَلُّلِ الثَّانِي اهـ.
وَعِبَارَتُهُ فِي الْإِيعَابِ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُخَالِطْهُ
مَعْصِيَةٌ، وَلَوْ صَغِيرَةً، وَإِنْ تَابَ مِنْهَا فَوْرًا مِنْ حِينِ
الْإِحْرَامِ إلَى التَّحَلُّلِ كَمَا بَيَّنْته مَعَ فَوَائِدَ
تَتَعَلَّقُ بِهِ أَوَّلَ الْحَاشِيَةِ انْتَهَتْ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَذَنْبًا مَغْفُورًا) أَيْ وَاجْعَلْ ذَنْبِي ذَنْبًا
مَغْفُورًا، قَالَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ قَالَ الْعُلَمَاء تَقْدِيرُهُ
اجْعَلْ ذَنْبِي مَغْفُورًا وَسَعْيِي سَعْيًا مَشْكُورًا أَيْ عَمَلًا
مُتَقَبَّلًا يَزْكُو لِصَاحِبِهِ وَمَسَاعِي الرَّجُلِ أَعْمَالُهُ
وَاحِدُهُ مَسْعَاةٌ اهـ. سم عَلَى حَجّ.
(قَوْلُهُ: وَيَقُولُ فِي الْأَرْبَعِ الْبَاقِيَةِ إلَخْ) أَيْ وَيَقُولُ
ذَلِكَ فِي الْحَالِ الَّتِي لَمْ يَرِدْ لَهَا ذِكْرٌ مَخْصُوصٌ اهـ.
حَجّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَأْتِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْإِشْكَالِ
وَالْجَوَابِ لَكِنْ لَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَأَنْ يَضْطَبِعَ إلَخْ) وَيُكْرَهُ تَرْكُ الِاضْطِبَاعِ،
وَلَوْ تَرَكَهُ فِي بَعْضِهِ أَتَى بِهِ فِي بَاقِيهِ وَيُسَنُّ حَتَّى
فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَتَجَرَّدْ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيُسَنُّ لَهُ
حَسْرُ ثِيَابِهِ عَنْ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ فَتَعْبِيرُهُمْ بِجَعْلِ
وَسَطِ الرِّدَاءِ تَحْتَ الْمَنْكِبِ الْأَيْمَنِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ
مِنْ كَوْنِ الْمُحْرِمِ مُتَجَرِّدًا اهـ. مِنْ حَجّ وَالشَّوْبَرِيِّ.
(قَوْلُهُ: أَيْ الذَّكَرُ) وَلَوْ صَبِيًّا فَيُسَنُّ لِلْوَلِيِّ
فِعْلُهُ اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: فِي طَوَافٍ فِيهِ رَمَلٌ) أَيْ فِي السَّبْعِ طَوْفَاتٍ لَا
فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ فَقَطْ فَهُوَ يُخَالِفُ الرَّمَلَ مِنْ هَذِهِ
الْجِهَةِ وَالْمُرَادُ فِيهِ رَمَلٌ مَشْرُوعٌ، وَإِنْ لَمْ يَرْمُلْ
فِيهِ بِالْفِعْلِ كَمَا ذَكَرَهُ حَجّ اهـ. شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: وَسَطَ رِدَائِهِ) بِفَتْحِ السِّينِ عَلَى الْأَفْصَحِ اهـ.
شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: أَهْلِ الشَّطَارَةِ) الشَّاطِرُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الَّذِي
أَعْيَا أَهْلَهُ خُبْثًا أَيْ أَتْعَبَهُمْ مِنْ خُبْثِهِ، لَكِنْ
الْمُرَادُ هُنَا مَنْ عِنْدَهُ نَشَاطٌ وَفِي الْمُخْتَارِ شَطَرَ
يَشْطُرُ بِضَمِّ الطَّاءِ شَطَارَةً وَشَطُرَ أَيْضًا مِنْ بَابِ ظَرُفَ
انْتَهَى.
(قَوْلُهُ: بَلْ يُكْرَهُ) أَيْ فَيُزِيلُهُ عِنْدَ إرَادَتِهِمَا
وَيُعِيدُهُ عِنْدَ إرَادَةِ السَّعْيِ اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: وَأَنْ يَقْرُبَ مِنْ الْبَيْتِ) بِضَمِّ الرَّاءِ مِنْ قَرُبَ
مِنْ كَذَا وَبِفَتْحِهَا مِنْ قَرِبَهُ كَعَلِمَ مُتَعَدِّيًا اهـ. ع ش
عَلَى م ر وَالْمُنَاسِبُ هُنَا فِي الْأَوَّلِ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا وَأَنْ يَقْرُبَ مِنْ الْبَيْتِ) لَكِنْ قَالَ
الزَّعْفَرَانِيُّ الْأَفْضَلُ أَنْ يَبْعُدَ مِنْهُ ثَلَاثَ خُطُوَاتٍ
لِيَأْمَنَ مِنْ الطَّوَافِ عَلَى الشَّاذَرْوَانِ وَلَعَلَّهُ
بِاعْتِبَارِ زَمَنِهِ لَمَّا كَانَ الشَّاذَرْوَانُ مُسَطَّحًا يَطُوفُ
عَلَيْهِ الْعَوَامُّ وَكَانَ عَرْضُهُ دُونَ ذِرَاعٍ، وَأَمَّا الْآنَ
فَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ الْمُحِبَّ الطَّبَرِيَّ
جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا اجْتَهَدَ فِي تَسْنِيمِهِ وَتَتْمِيمِهِ ذِرَاعًا
وَبَقِيَ إلَى الْآنَ عَمَلًا بِقَوْلِ الْأَزْرَقِيِّ، وَصَنَّفَ فِي
ذَلِكَ جُزْءًا حَسَنًا رَأَيْته بِخَطِّهِ وَفِي آخِرِهِ أَنَّهُ
اسْتَنْتَجَ مِنْ خَبَرِ عَائِشَةَ «لَوْلَا قَوْمُك حَدِيثُو عَهْدٍ
بِكُفْرٍ لَهَدَمْت الْبَيْتَ» الْحَدِيثَ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّغْيِيرُ
فِيهِ لِمَصْلَحَةٍ ضَرُورِيَّةٍ أَوْ حَاجِيَّةٍ أَوْ مُسْتَحْسَنَةٍ
وَقَدْ أَلَّفْت فِي ذَلِكَ كِتَابًا حَافِلًا سَمَّيْته الْمَنَاهِلَ
الْعَذْبَةَ فِي إصْلَاحِ مَا وَهَى مِنْ الْكَعْبَةِ دَعَى إلَيْهِ خَبْطُ
جَمْعٍ جَمٍّ فِيهِ لَمَّا وَرَدَتْ الْمَرَاسِيمُ بِعِمَارَةِ سَقْفِهَا
سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ لَمَّا أَنْهَاهُ سَدَنَتُهَا مِنْ خَرَابِهِ
اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: وَأَمْنِ لَمْسِ نِسَاءٍ) أَيْ فِي بُعْدِهِ لِيَرْمُلَ اهـ.
شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: بَعْدَ الرَّمَلِ) أَيْ بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْمَطَافِ
لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ يَقُولُ بِبُطْلَانِهِ
إذَا كَانَ خَارِجَ الْمَطَافِ اهـ. حَجّ فَالْبُعْدُ الْمُوجِبُ
لِلطَّوَافِ مِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ وَالْمَقَامِ مَكْرُوهٌ فَتَرْكُ
الرَّمَلِ أَوْلَى مِنْ ارْتِكَابِهِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ خَافَ مَعَ الْقُرْبِ أَيْضًا)
(2/440)
فِي السَّعْيِ الْآتِي بَيَانُهُ وَإِنْ
رَجَى الْفُرْجَةَ الْمَذْكُورَةَ سُنَّ لَهُ انْتِظَارُهَا، وَخَرَجَ
بِالذَّكَرِ الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى فَلَا يُسَنُّ لَهُمَا شَيْءٌ مِنْ
الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ بَلْ يُسَنُّ لَهُمَا فِي الْأَخِيرَةِ
حَاشِيَةُ الْمَطَافِ بِحَيْثُ لَا يَخْتَلِطَانِ بِالرِّجَالِ إلَّا
عِنْدَ خُلُوِّ الْمَطَافِ فَيُسِنُّ لَهُمَا الْقُرْبُ وَذِكْرُ حُكْمِ
الْخُنْثَى مَعَ قَوْلِي وَلَمْ يَرْجُ فُرْجَةً مِنْ زِيَادَتِي (وَ) أَنْ
(يُوَالِيَ كُلٌّ) مِنْ الذَّكَرِ وَغَيْرِهِ (طَوَافَهُ) خُرُوجًا مِنْ
الْخِلَافِ فِي وُجُوبِهِ (وَ) أَنْ (يُصَلِّيَ بَعْدَهُ رَكْعَتَيْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
مَعْطُوفٌ عَلَى فَإِنْ خَافَ السَّابِقَ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ
الْمَفْهُومِ فَمَتَى خَافَ اللَّمْسَ فِي الْبُعْدِ فَالْقُرْبُ أَوْلَى
مِنْ اللَّمْسِ فِيهِ أَوْ خَافَهُ.
(قَوْلُهُ: فَلَا يُسَنُّ لَهُمَا شَيْءٌ إلَخْ) أَيْ بَلْ يُكْرَهُ
لَهُمَا الرَّمَلُ وَالِاضْطِبَاعُ، بَلْ يَحْرُمَانِ إنْ قَصَدَ
التَّشَبُّهَ بِالرِّجَالِ عَلَى الْأَوْجَهِ خِلَافًا لِمَنْ أَطْلَقَ
الْحُرْمَةَ وَلِمَنْ أَطْلَقَ عَدَمَهَا اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: وَيُوَالِي كُلٌّ طَوَافَهُ) وَيُسَنُّ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ
الطَّوَافِ وَصَلَاةِ رَكْعَتَيْهِ وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الِاسْتِلَامِ
بَعْدَهُمَا وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّعْيِ بَعْدَهُ اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: وَأَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهُ رَكْعَتَيْنِ) وَالْأَفْضَلُ لِمَنْ
طَافَ أَسَابِيعَ فِعْلُ الصَّلَاةِ عَقِبَ كُلٍّ وَيَلِيهِ مَا لَوْ
أَخَّرَهَا إلَى بَعْدِ الْكُلِّ ثُمَّ صَلَّى لِكُلٍّ رَكْعَتَيْنِ
وَيَلِيهِ مَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ لِلْكُلِّ (فَرْعٌ)
مِنْ سُنَنِ الطَّوَافِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ وَعَدَمُ الْكَلَامِ
إلَّا فِي خَيْرٍ كَتَعَلُّمِ جَاهِلٍ بِرِفْقٍ إنْ قَلَّ وَسَجْدَةِ
التِّلَاوَةِ لَا الشُّكْرِ عَلَى الْأَوْجَهِ؛ لِأَنَّهُ صَلَاةٌ وَهِيَ
تَحْرُمُ فِيهَا فَلَا تُطْلَبُ فِيمَا يُشْبِهُهَا وَرَفْعُ الْيَدَيْنِ
فِي الدُّعَاءِ كَمَا فِي الْخِصَالِ وَمِنْهُ مَعَ تَشَبُّهِهِمْ
الطَّوَافَ بِالصَّلَاةِ فِي كَثِيرٍ مِنْ وَاجِبَاتِهِ وَسُنَنِهِ
الظَّاهِرُ فِي أَنَّهُ يُسَنُّ وَيُكْرَهُ فِيهِ كُلُّ مَا يُتَصَوَّرُ
مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ وَمَكْرُوهَاتِهَا يُؤْخَذُ أَنَّ السُّنَّةَ فِي
يَدَيْ الطَّائِفِ إنْ دَعَا رَفَعَهُمَا وَإِلَّا فَجَعَلَهُمَا تَحْتَ
صَدْرِهِ بِكَيْفِيَّتِهِمَا ثَمَّ وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّ
الطَّوَافَ بَعْدَ الصُّبْحِ أَفْضَلُ مِنْ الْجُلُوسِ ذَاكِرًا إلَى
طُلُوعِ الشَّمْسِ وَصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، بَلْ
الصَّوَابُ أَنَّ هَذَا الثَّانِيَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ صَحَّ فِي
الْأَخْبَارِ أَنَّ لِفَاعِلِهِ ثَوَابُ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ تَامَّتَيْنِ
وَلَمْ يَرِدْ فِي الطَّوَافِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مَا
يُقَارِبُ ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ كَرِهَ الطَّوَافَ بَعْدَ
الصُّبْحِ وَلَمْ يَكْرَهْ أَحَدٌ تِلْكَ الْجِلْسَةَ، بَلْ أَجْمَعُوا
عَلَى نَدْبِهَا وَعَظِيمِ فَضْلِهَا وَالِاشْتِغَالُ بِالْعُمْرَةِ
أَفْضَلُ مِنْهُ بِالطَّوَافِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ إذَا اسْتَوَى
زَمَانُهُمَا كَمَا مَرَّ وَالْوُقُوفُ أَفْضَلُ مِنْهُ عَلَى الْأَوْجَهِ
لِخَبَرِ «الْحَجُّ عَرَفَةَ» أَيْ مُعْظَمُهُ كَمَا قَالُوهُ
وَلِتَوَقُّفِ صِحَّةِ الْحَجِّ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ جَاءَ فِيهِ مِنْ
حَقَائِقِ الْقُرْبِ وَعُمُومِ الْمَغْفِرَةِ وَسَعَةِ الْإِحْسَانِ مَا
لَمْ يَرِدْ فِي الطَّوَافِ وَاغْتِفَارِ الصَّارِفِ فِيهِ مِمَّا يَدُلُّ
عَلَى أَفْضَلِيَّتِهِ لِكَوْنِهِ لِعَظِيمِ الْعِنَايَةِ بِحُصُولِهِ
رِفْقًا بِالنَّاسِ لِصُعُوبَةِ قَضَاءِ الْحَجِّ لَا لِكَوْنِهِ قُرْبَةً
مُسْتَقِلَّةً، بَلْ عَدَمُ اسْتِقْلَالِهِ مِمَّا يَدُلُّ لِذَلِكَ
أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لِعِزَّتِهِ لَا يُوجَدُ إلَّا مُقَوِّمًا لِلْحَجِّ
الَّذِي هُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْعِبَادَاتِ، بَلْ أَفْضَلُهَا عِنْدَ
جَمَاعَةٍ فَانْدَفَعَ ادِّعَاءُ أَفْضَلِيَّةِ الطَّوَافِ مُطْلَقًا أَوْ
مِنْ حَيْثُ تَوَقُّفُهُ عَلَى شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَمِنْ حَيْثُ شُرُوعُ
التَّطَوُّعِ بِهِ فَتَأَمَّلْ حَجّ
وَفِي الْإِيضَاحِ مَا نَصُّهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ فِي حَالِ الطَّوَافِ
أَنْ يَصُونَ نَظَرَهُ عَمَّا لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ
امْرَأَةٍ وَأَمْرَدَ حَسَنِ الصُّورَةِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى
الْأَمْرَدِ الْحَسَنِ بِكُلِّ حَالٍ لَا لِحَاجَةٍ شَرْعِيَّةٍ كَحَالِ
الْمُعَامَلَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَنْظُرُ فِيهَا إلَى الْمَرْأَةِ
لِلْحَاجَةِ فَلْيَحْذَرْ ذَلِكَ لَا سِيَّمَا فِي هَذَا الْمَوْطِنِ
الشَّرِيفِ وَيَصُونُ نَظَرَهُ وَقَلْبَهُ عَنْ احْتِقَارِ مَنْ يَرَاهُ
مِنْ ضُعَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ كَمَنْ فِي بَدَنِهِ نَقْصٌ
أَوْ جَهِلَ شَيْئًا مِنْ الْمَنَاسِكِ أَوْ غَلِطَ فِيهِ فَيَنْبَغِي أَنْ
يُعَلِّمَهُ ذَلِكَ بِرِفْقٍ، وَقَدْ جَاءَتْ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ فِي
تَعْجِيلِ عُقُوبَةِ كَثِيرِينَ أَسَاءُوا الْأَدَبَ فِي الطَّوَافِ كَمَنْ
نَظَرَ امْرَأَةً فِي الطَّوَافِ وَنَحْوِهِ، وَهَذَا الْأَمْرُ مِمَّا
يَتَأَكَّدُ الِاعْتِنَاءُ بِهِ فَإِنَّهُ مِنْ أَشَدِّ الْقَبَائِحِ فِي
أَشْرَفِ الْأَمَاكِنِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَالْعِصْمَةُ
اهـ.
وَفِي شَرْحِ م ر مَا نَصُّهُ وَيُكْرَهُ الْبَصْقُ فِي الطَّوَافِ بِلَا
عُذْرٍ وَجَعْلُ يَدَيْهِ خَلْفَ ظَهْرِهِ مُتَكَتِّفًا وَوَضْعُ يَدَيْهِ
عَلَى فِيهِ إلَّا فِي حَالَةِ تَثَاؤُبِهِ فَيُسْتَحَبُّ وَتَشْبِيكُ
أَصَابِعِهِ أَوْ تَفَرْقُعُهَا وَكَوْنُهُ حَاقِبًا أَوْ حَاقِنًا أَوْ
بِحَضْرَةِ طَعَامٍ تَتُوقُ نَفْسُهُ لَهُ وَكَوْنُ الْمَرْأَةِ
مُتَنَقِّبَةً وَلَيْسَتْ مُحْرِمَةً وَيَظْهَرُ حَمْلُهُ عَلَى تَنَقُّبٍ
بِلَا حَاجَةٍ بِخِلَافِهِ لَهَا كَوُجُودِ مَنْ يَحْرُمُ نَظَرُهُ
إلَيْهَا وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ فِيهِ وَكَرَاهَةُ الشُّرْبِ أَخَفُّ
وَتَطَوُّعُهُ فِي الْمَسْجِدِ بِالصَّلَاةِ أَفْضَلُ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ
مِنْ الطَّوَافِ اهـ.
قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ الْبَصْقُ فِي الطَّوَافِ وَإِذَا فَعَلَهُ فَلْيَكُنْ
بِطَرَفِ ثَوْبِهِ أَمَّا إلْقَاؤُهُ فِي أَرْضِ الْمَطَافِ فَحَرَامٌ،
وَقَوْلُهُ وَجَعْلُ يَدَيْهِ خَلْفَ ظَهْرِهِ إلَخْ وَهَلْ يُكْرَهُ
ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ أَمْ لَا فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ؛
لِأَنَّ فِيهِ مُنَافَاةً لِمَا كَانَ عَلَيْهِ هَيْئَةُ
الْمُتَقَدِّمِينَ، وَقَوْلُهُ وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ أَيْ مَا لَمْ
تَدْعُ إلَيْهِ الضَّرُورَةُ اهـ. ع ش عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا وَأَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهُ رَكْعَتَيْنِ) وَيُنْدَبُ
قَبْلَ الصَّلَاةِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُلْتَزَمَ بِفَتْحِ الزَّايِ
الْمُعْجَمَةِ سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - الْتَزَمَهُ وَأَخْبَرَ أَنَّ هُنَاكَ مَلَكًا مُؤَمِّنٌ عَلَى
الدُّعَاءِ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَمُحَاذَاةِ الْبَابِ
مِنْ أَسْفَلِهِ وَعَرْضُهُ أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ وَيُلْصِقُ صَدْرَهُ
وَوَجْهَهُ بِجِدَارِ الْبَيْتِ وَيَضَعُ خَدَّهُ الْأَيْمَنَ عَلَيْهِ
وَيَبْسُطُ يَدَهُ الْيُمْنَى إلَى الْبَابِ وَالْيُسْرَى إلَى الرُّكْنِ
وَيَتَعَلَّقُ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذَا
الْبَيْتِ الْعَتِيقِ أَعْتِقْ رَقَبَتِي مِنْ النَّارِ وَأَعِذْنِي مِنْ
الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَوَسَاوِسِهِ وَيَدْعُو
(2/441)
وَ) فِعْلُهُمَا (خَلْفَ الْمَقَامِ
أَوْلَى) لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَذِكْرُ الْأَوْلَوِيَّةِ
مِنْ زِيَادَتِي وَكَذَا قَوْلِي (فَ) إنْ لَمْ يَفْعَلْهُمَا خَلْفَ
الْمَقَامِ فَعَلَهُمَا (فِي الْحِجْرِ فَفِي الْمَسْجِدِ فَفِي الْحَرَمِ
فَحَيْثُ شَاءَ) مَتَى شَاءَ وَلَا يَفُوتَانِ إلَّا بِمَوْتِهِ وَيَقْرَأُ
فِيهِمَا (بِسُورَتَيْ الْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصِ) لِلِاتِّبَاعِ،
رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِمَا فِي قِرَاءَتِهِمَا مِنْ الْإِخْلَاصِ
الْمُنَاسِبِ لِمَا هُنَا؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ
الْأَصْنَامَ ثَمَّ (وَ) أَنْ (يَجْهَرَ) بِهِمَا (لَيْلًا) مَعَ مَا
أُلْحِقَ بِهِ مِنْ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَيُسِرُّ فِيمَا
عَدَا ذَلِكَ كَالْكُسُوفِ وَيُجْزِئُ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ فَرِيضَةٌ
وَنَافِلَةٌ أُخْرَى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
بِمَا شَاءَ ثُمَّ يَنْصَرِفُ إلَى الصَّلَاةِ وَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ
فِيهَا إنْ اسْتَقَلَّتْ بِخِلَافِ الطَّوَافِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ
أَفْعَالِ الْحَجِّ وَيُنْدَبُ إذَا وَالَى بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ طَوَافٍ
أَنْ يُصَلِّيَ لِكُلِّ طَوَافٍ رَكْعَتَيْنِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ تَكُونَ
صَلَاةُ كُلِّ طَوَافٍ عَقِبَهُ، وَلَوْ قَصَدَ كَوْنَ الرَّكْعَتَيْنِ
عَنْ الْكُلِّ كَفَى بِلَا كَرَاهَةٍ، وَقِيَاسُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ أَنْ
يَكُونَ الْإِطْلَاقُ كَذَلِكَ وَانْظُرْ هَلْ يَجُوزُ إحْرَامُهُ
بِأَرْبَعٍ أَوْ أَكْثَرَ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةُ الطَّوَافِ كَمَا فِي
التَّحِيَّةِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الْجَوَازُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَخَلْفَ الْمَقَامِ) الْمُرَادُ بِهِ كَوْنُ الْمَقَامِ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ؛ لِأَنَّ وَجْهَهُ كَانَ مِنْ جِهَتِهَا
فَغَيَّرَ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَفِي حَجّ مَا نَصُّهُ وَخَلْفَ الْمَقَامِ
أَيْ الْحَجَرِ الَّذِي أُنْزِلَ مِنْ الْجَنَّةِ لِيَقُومَ عَلَيْهِ
إبْرَاهِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ
بِنَاءِ الْكَعْبَةِ لَمَّا أُمِرَ بِهِ وَأُرِيَ مَحَلَّهَا بِسَحَابَةٍ
عَلَى قَدْرِهَا فَكَانَ الْحَجَرُ يَقْصُرُ بِهِ إلَى أَنْ يَتَنَاوَلَ
الْآلَةَ مِنْ إسْمَاعِيلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ
يَطُولُ إلَى أَنْ يَضَعَهَا ثُمَّ بَقِيَ مَعَ طُولِ الزَّمَنِ وَكَثْرَةِ
الْأَعْدَادِ بِجَنْبِ بَابِ الْكَعْبَةِ حَتَّى وَضَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَحَلِّهِ الْآنَ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ اضْطِرَابٍ
فِي ذَلِكَ وَلَمَّا صَلَّى خَلْفَهُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ قَرَأَ
{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] ، كَمَا
قَرَأَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّفَا وَالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ عِنْدَ
الْوُصُولِ إلَيْهِمَا إعْلَامًا لِلْأُمَّةِ بِشَرَفِهَا وَإِحْيَاءً
لِذِكْرِ إبْرَاهِيمَ كَمَا أَحْيَا ذِكْرَهُ بِكَمَا صَلَّيْت عَلَى
إبْرَاهِيمَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ؛ لِأَنَّهُ الْأَبُ الرَّحِيمُ الدَّاعِي
بِبَعْثَةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُحَمَّدٍ
فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ لِهِدَايَتِهِمْ وَتَكْمِيلِهِمْ وَالْمُرَادُ
بِخَلْفِهِ كُلَّمَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ ذَلِكَ عُرْفًا وَحَدَثَ الْآنَ فِي
الْمُسَقَّفِ خَلْفَهُ زِينَةٌ عَظِيمَةٌ بِذَهَبٍ وَغَيْرِهِ فَيَنْبَغِي
عَدَمُ الصَّلَاةِ تَحْتَهَا وَيَلِيهَا فِي الْفَضْلِ دَاخِلُ الْكَعْبَةِ
فَتَحْتُ الْمِيزَابِ فَبَقِيَّةُ الْحَرَمِ فَالْحَطِيمُ فَوَجْهُ
الْكَعْبَةِ فَبَيْنَ الْيَمَانِيَيْنِ فَبَقِيَّةُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
فَدَارُ خَدِيجَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَمَكَّةُ فَالْحَرَمُ كَمَا
بَيَّنْتُهُ فِي الْحَاشِيَةِ وَغَيْرِهَا وَتَوَقُّفُ الْإِسْنَوِيِّ فِي
دَاخِلِ الْكَعْبَةِ رَدُّوهُ بِأَنَّ فِعْلَهُمَا خَلْفَهُ هُوَ
الثَّابِتُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُ لَا
خِلَافَ بَيْنَ الْأُمَّةِ فِي أَفْضَلِيَّةِ ذَلِكَ بَلْ قَالَ
الثَّوْرِيُّ لَا يَجُوزُ فِعْلُهُمَا لَا خَلْفَهُ وَمَالِكٌ إنَّ
أَدَاءَهُمَا يَخْتَصُّ بِهِ وَيُرَدُّ أَيْضًا بِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ
النَّافِلَةَ فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ مِنْهَا بِالْكَعْبَةِ لِلِاتِّبَاعِ
اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَفُوتَانِ إلَّا بِمَوْتِهِ) هَلْ الْمُرَادُ مَا لَمْ
يَأْتِ بَعْدَ الطَّوَافِ بِفَرِيضَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ أُخْرَى بِدَلِيلِ
قَوْلِهِ الْآتِي وَيَجْزِي عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ إلَخْ أَوْ أَعَمُّ
فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْآتِي وَيَجْزِي عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ إلَخْ
الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ ذَلِكَ يُسْقِطُ أَصْلَ الطَّلَبِ فَلَا يُنَافِي
خُصُوصَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ اهـ. سم.
وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ وَلَا يَفُوتَانِ إلَّا بِمَوْتِهِ
فَإِنْ قُلْت كَيْفَ هَذَا مَعَ أَنَّهُ يُغْنِي عَنْهُمَا فَرِيضَةٌ
وَنَافِلَةٌ قُلْت لَا يَضُرُّ هَذَا الِاحْتِمَالُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ
يُصَلِّ بَعْدَ الطَّوَافِ أَصْلًا أَوْ صَلَّى لَكِنَّهُ نَفَى سُنَّةَ
الطَّوَافِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا وَلَا يَفُوتَانِ إلَّا بِمَوْتِهِ) وَيُسَنُّ لِمَنْ
أَخَّرَهُمَا إرَاقَةُ دَمٍ، وَإِنْ صَلَّاهُمَا فِي الْحَرَمِ بَعْدَ
ذَلِكَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا يَظْهَرُ أَنَّهُ
كَدَمِ التَّمَتُّعِ وَيُصَلِّيهِمَا الْوَلِيُّ عَنْ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ،
وَالْأَجِيرُ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ، وَلَوْ مَغْصُوبًا وَفَارَقَ صَلَاةَ
الْمُمَيِّزِ لَهُمَا وَإِنْ أَحْرَمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ بِأَنَّهُ مُحْرِمٌ
حَقِيقَةً بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ اهـ. شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ وَيَظْهَرُ
أَنَّهُ كَدَمِ التَّمَتُّعِ أَيْ فَيَكُونُ فِي حَقِّ الْقَادِرِ بِشَاةٍ
وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ بِصِيَامِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ ثَلَاثَةٍ فِي الْحَجِّ
وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: إلَّا بِمَوْتِهِ) وَتَمْتَازُ هَذِهِ الصَّلَاةُ عَنْ
غَيْرِهَا بِدُخُولِ النِّيَابَةِ فِيهَا فَإِنَّ الْأَجِيرَ فِي الْحَجِّ
يُصَلِّيهِمَا وَتَقَعُ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: بِسُورَتَيْ الْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصُ) وَيُسَنُّ أَنْ
يَقُولَ بَعْدَهُمَا اللَّهُمَّ أَنَا عَبْدُك وَابْنُ عَبْدَيْك أَتَيْتُك
بِذُنُوبٍ كَثِيرَةٍ وَأَعْمَالٍ سَيِّئَةٍ، وَهَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ
بِك مِنْ النَّارِ فَاغْفِرْ لِي إنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ اهـ.
مِنْ هَامِشِ الْإِيضَاحِ.
(قَوْلُهُ: وَيَجْهَرُ بِهِمَا لَيْلًا) أَيْ وَلَوْ بِحَضْرَةِ النَّاسِ
وَبَعْدَ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا يُعَارِضُهُ خِلَافًا
لِمَا ظَنَّهُ قَوْلُهُمْ يُسَنُّ التَّوَسُّطُ فِي نَافِلَةِ اللَّيْلِ
بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ؛ وَلِأَنَّ مَحَلَّهُ فِي النَّافِلَةِ
الْمُطْلَقَةِ، وَلَوْ نَوَاهَا مَعَ مَا سُنَّ الْإِسْرَارُ فِيهِ
كَرَاتِبَةِ الْعِشَاءِ احْتَمَلَ نَدْبَ الْجَهْرِ مُرَاعَاةً لَهَا
لِتَمَيُّزِهَا بِالْخِلَافِ الشَّهِيرِ فِي وُجُوبِهَا وَالسِّرِّ
مُرَاعَاةً لِلرَّاتِبَةِ؛ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْهَا كَمَا صَرَّحُوا
بِهِ، وَهَذَا أَقْرَبُ ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ بَحَثَ أَنَّهُ
يَتَوَسَّطُ بَيْنَ الْإِسْرَارِ وَالْجَهْرِ مُرَاعَاةً لِلصَّلَاتَيْنِ
وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ التَّوَسُّطَ بَيْنَهُمَا بِفَرْضِ تَصَوُّرِهِ
وَأَنَّهُ وَاسِطَةٌ بَيْنَهُمَا لَيْسَ فِيهِ مُرَاعَاةٌ لِوَاحِدٍ
مِنْهُمَا عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا بِهِ إلَّا فِي النَّافِلَةِ
الْمُطْلَقَةِ كَمَا تَقَرَّرَ اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: لَيْلًا) بِخِلَافِ رَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ فَإِنَّ السُّنَّةَ
فِيهِمَا الْإِسْرَارُ، وَلَوْ لَيْلًا خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ الْجَهْرَ
لَيْلًا وَكَأَنَّ الْفَرْقَ الِاتِّبَاعُ؛ لِأَنَّ الْبَابَ بَابُ
اتِّبَاعٍ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَيُجْزِي عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ إلَخْ) أَيْ يُجْزِي فِي
سُقُوطِ الطَّلَبِ مُطْلَقًا
(2/442)
(وَلَوْ حَمَلَ شَخْصٌ حَلَالٌ أَوْ
مُحْرِمٌ) طَافَ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ لَمْ يَطُفْ (مُحْرِمًا) بِقَيْدٍ
زِدْته بِقَوْلِي (لَمْ يَطُفْ عَنْ نَفْسِهِ) (وَدَخَلَ وَقْتُ طَوَافِهِ
وَطَافَ بِهِ) بِقَيْدٍ زِدْته فِي الْأَوَّلِيَّيْنِ بِقَوْلِي (وَلَمْ
يَنْوِهِ لِنَفْسِهِ أَوْ لَهُمَا) بِأَنْ نَوَاهُ لِلْمَحْمُولِ أَوْ
أَطْلَقَ (وَقَعَ) الطَّوَافُ (لِلْمَحْمُولِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
وَفِي حُصُولِ الثَّوَابِ أَنْ يَنْوِيَ سُنَّةَ الطَّوَافِ.
وَعِبَارَةُ حَجّ ثُمَّ إنْ نُوِيَتْ أُثِيبَ عَلَيْهِمَا وَإِلَّا سَقَطَ
الطَّلَبُ فَقَطْ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهَا
انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ حَمَلَ شَخْصٌ إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَ هَذَا
الْمَبْحَثِ فِي الْكَلَامِ عَلَى النِّيَّةِ كَمَا صَنَعَ فِي الرَّوْضِ،
وَقَدْ أَشَارَ م ر فِي شَرْحِهِ إلَى رَبْطِهِ بِمَا قَبْلَهُ بِقَوْلِهِ
وَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُحْرِمِ أَنْ يَطُوفَ بِنَفْسِهِ وَلِهَذَا
لَوْ حَمَلَ شَخْصٌ مُحْرِمًا إلَخْ. اهـ. وَمَعَ هَذَا صَنِيعُ الرَّوْضِ
أَحْسَنُ كَمَا لَا يَخْفَى.
(قَوْلُهُ أَيْضًا: وَلَوْ حَمَلَ شَخْصٌ مُحْرِمًا إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ
كَانَ الْمَحْمُولُ بِهِ عُذْرٌ مِنْ صِغَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ لَا
وَسَوَاءٌ فِي الصَّغِيرِ أَحَمَلَهُ وَلِيُّهُ الَّذِي أَحْرَمَ عَنْهُ
أَمْ غَيْرُهُ لَكِنْ يَنْبَغِي كَمَا أَفَادَهُ الشَّيْخُ فِي حَمْلِ
غَيْرِ الْوَلِيِّ أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ
إذَا طَافَ رَاكِبًا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ وَلِيُّهُ أَوْ نَائِبُهُ
سَائِقًا أَوْ قَائِدًا اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: أَوْ لَمْ يَطُفْ) أَيْ سَوَاءٌ دَخَلَ وَقْتُ طَوَافِهِ أَوْ
لَمْ يَدْخُلْ وَفِي نُسْخَةٍ لَكِنْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ طَوَافِهِ ثُمَّ
ضَرَبَ عَلَيْهَا، وَقَوْلُهُ وَدَخَلَ وَقْتُ طَوَافِهِ أَيْ
الْمَحْمُولِ، وَقَوْلُهُ بِقَيْدٍ زِدْته فِي الْأَوَّلَيْنِ بِقَوْلِي
إلَخْ وَهُمَا قَوْلُهُ حَلَالٌ أَوْ مُحْرِمٌ طَافَ عَنْ نَفْسِهِ أَيْ
وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَهَذَا الْقَيْدُ مَذْكُورٌ فِيهَا فِي الْأَصْلِ،
وَقَوْلُهُ بِأَنْ نَوَاهُ لِلْمَحْمُولِ فِي نُسْخَةٍ فَقَطْ، وَقَوْلُهُ
وَإِنَّمَا لَمْ يَقَعْ إلَخْ هَذَا رُبَّمَا يُعَيِّنُ الضَّرْبَ عَلَى
تِلْكَ النُّسْخَةِ، وَقَوْلُهُ فَإِنْ طَافَ الْمَحْمُولُ عَنْ نَفْسِهِ
إلَخْ هَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ لَمْ يَطُفْ عَنْ نَفْسِهِ، وَقَوْلُهُ
لَمْ يَقَعْ لَهُ أَيْ لِلْمَحْمُولِ أَيْ؛ لِأَنَّهُ تَطَوُّعٌ وَلَا
بُدَّ لَهُ مِنْ النِّيَّةِ، وَقَوْلُهُ إنْ لَمْ يَنْوِهِ أَيْ
الْمَحْمُولُ لِنَفْسِهِ، وَلَوْ مَعَ الْحَامِلِ بِأَنْ أَطْلَقَ
النِّيَّةَ، وَقَوْلُهُ وَإِلَّا بِأَنْ نَوَاهُ لِنَفْسِهِ، وَلَوْ مَعَ
الْحَامِلِ فَكَمَا لَوْ لَمْ يَطُفْ إلَخْ فَإِنَّهُ يَقَعُ لَهُ،
وَقَوْلُهُ وَإِنْ نَوَاهُ الْحَامِلُ إلَخْ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ وَلَمْ
يَنْوِهِ لِنَفْسِهِ أَوْ لَهُمَا اهـ. ح ل وَحَاصِلُ صُوَرِ هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ بِالِاخْتِصَارِ سِتَّةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّ أَحْوَالَ
الْحَامِلِ أَرْبَعَةٌ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ حَلَالٌ أَوْ مُحْرِمٌ
إلَخْ وَأَحْوَالَ نِيَّتِهِ أَرْبَعَةٌ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ
وَلَمْ يَنْوِهِ لِنَفْسِهِ أَوْ لَهُمَا تُضْرَبُ فِي الْأَرْبَعَةِ
السَّابِقَةِ بِسِتَّةَ عَشَرَ فَيَقَعُ الطَّوَافُ لِلْمَحْمُولِ فِي
ثَمَانِيَةٍ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ بِأَنْ نَوَاهُ لِلْمَحْمُولِ
أَوْ أَطْلَقَ هَاتَانِ صُورَتَانِ فِي أَحْوَالِ الْحَامِلِ الْأَرْبَعِ
أَخْرَجَ مِنْهَا وَاحِدَةً بِقَوْلِهِ إلَّا إنْ أَطْلَقَ إلَخْ تُضَمُّ
إلَى الثَّمَانِيَةِ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ، وَإِنْ نَوَاهُ
الْحَامِلُ لِنَفْسِهِ أَوْ لَهُمَا هَاتَانِ صُورَتَانِ فِي أَحْوَالِ
الْحَامِلِ الْأَرْبَعِ بِثَمَانِيَةٍ، فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَقَعُ
لِلْمَحْمُولِ فِي سَبْعَةٍ وَلِلْحَامِلِ فِي تِسْعَةٍ هَذَا، وَإِنْ
اعْتَبَرْت لِلْمَحْمُولِ أَحْوَالًا أَرْبَعَةً كَالْحَامِلِ بَلَغَتْ
أَرْبَعًا وَسِتِّينَ، وَإِنْ اعْتَبَرْت أَحْوَالَ النِّيَّةِ الْأَرْبَعَ
فِي الْمَحْمُولِ بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ وَسِتَّةً وَخَمْسِينَ اهـ.
شَيْخُنَا وَقَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْحِفْنِيُّ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ، فَقَالَ
الْحَاصِلُ أَنَّ الْحَامِلَ وَالْمَحْمُولَ إمَّا أَنْ يَكُونَ
حَلَالَيْنِ أَوْ مُحْرِمَيْنِ أَوْ الْأَوَّلُ حَلَالٌ وَالثَّانِي
مُحْرِمٌ أَوْ بِالْعَكْسِ فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ
يَكُونَ الْحَامِلُ طَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ لَمْ يَطُفْ دَخَلَ وَقْتُ
طَوَافِهِ أَوْ لَا وَمِثْلُهُ الْمَحْمُولُ، وَالْحَاصِلُ مِنْ ضَرْبِ
أَرْبَعَةِ الْحَامِلِ فِي أَرْبَعَةِ الْمَحْمُولِ سِتَّةَ عَشَرَ
تُضْرَبُ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأُولَى بِأَرْبَعَةٍ وَسِتِّينَ وَعَلَى
كُلٍّ إمَّا أَنْ يَنْوِيَ الْحَامِلُ الطَّوَافَ عَنْ نَفْسِهِ فَقَطْ
أَوْ عَنْ الْمَحْمُولِ أَوْ عَنْهُمَا أَوْ يُطْلِقَ وَمِثْلُهَا فِي
الْمَحْمُولِ فَتُضْرَبُ أَرْبَعَةٌ فِي أَرْبَعَةٍ بِسِتَّةَ عَشَرَ
وَهِيَ صُوَرُ النِّيَّةِ تُضْرَبُ فِي الْأَرْبَعَةِ وَالسِّتِّينَ
تَبْلُغُ أَلْفًا وَأَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ صُورَةً اهـ. وَيَجْرِي هَذَا
التَّفْصِيلُ فِي السَّعْيِ بِنَاءً عَلَى الْمُعْتَمَدِ أَنَّهُ
يُشْتَرَطُ فِيهِ قَصْدُ الصَّارِفِ كَالطَّوَافِ، وَقَوْلُهُ مُحْرِمًا
أَيْ وَلَوْ صَغِيرًا لَمْ يُمَيِّزْ لَكِنْ إنْ كَانَ حَامِلُهُ
الْوَلِيَّ أَوْ مَأْذُونَهُ لِتَوَقُّفِ صِحَّةِ طَوَافِهِ عَلَى
مُبَاشَرَةِ الْوَلِيِّ أَوْ مَأْذُونِهِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ حَمَلَ مَا
لَوْ جَذَبَ مَا هُوَ عَلَيْهِ كَخَشَبَةٍ أَوْ سَفِينَةٍ فَإِنَّهُ لَا
تَعَلُّقَ لِكُلٍّ بِطَوَافِ الْآخَرِ لَكِنْ بَحَثَ جَرَيَانَ تِلْكَ
الْأَحْكَامِ هُنَا أَيْضًا وَلَهُ وَجْهٌ نَعَمْ إنْ قَصَدَ الْجَاذِبُ
الْمَشْيَ لِأَجْلِ الْجَذْبِ بَطَلَ طَوَافُهُ؛ لِأَنَّهُ صَرَفَهُ
وَخَرَجَ أَيْضًا حَامِلٌ مُحْدِثٌ أَوْ نَحْوُهُ كَالْبَهِيمَةِ فَلَا
أَثَرَ لِنِيَّتِهِ اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: وَقَعَ لِلْمَحْمُولِ) اُسْتُشْكِلَ وُقُوعُ الطَّوَافِ عَنْ
الْمَحْمُولِ بِشَرْطِهِ بِقَوْلِهِمْ فِيمَا لَوْ قَالُوا عَلَيْهِ
طَوَافُ إفَاضَةٍ أَوْ مَنْذُورٍ مُعَيَّنَ الْوَقْتِ أَوَّلًا فَنَوَى
غَيْرَهُ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ غَيْرِهِ وَقَعَ لِلْإِفَاضَةِ أَوْ
الْمَنْذُورِ فِي وَقْتِهِ لَا عَنْ غَيْرِهِ وَأَجَابَ ابْنُ الْمُقْرِي،
فَقَالَ لَعَلَّ الشَّرْطَ فِي الصَّرْفِ أَنْ يَصْرِفَهُ عَنْ نَفْسِهِ
أَوْ إلَى غَيْرِ طَوَافٍ أَمَّا إذَا صَرَفَهُ إلَى طَوَافٍ آخَرَ فَلَا
يَنْصَرِفُ سَوَاءٌ قَصَدَ بِهِ نَفْسَهُ أَمْ غَيْرَهُ قَالَ شَيْخُ
الْإِسْلَامِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْحَامِلَ جَعَلَ نَفْسَهُ آلَةً
لِمَحْمُولِهِ فَانْصَرَفَ فِعْلُهُ عَنْ الطَّوَافِ وَالْوَاقِعُ
لِمَحْمُولِهِ طَوَافُهُ لَا طَوَافُ الْحَامِلِ كَمَا فِي رَاكِبِ
الدَّابَّةِ بِخِلَافِ النَّاوِي فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ فَإِنَّهُ أَتَى
بِطَوَافٍ لَكِنَّهُ صَرَفَهُ لِطَوَافٍ آخَرَ فَلَمْ يَنْصَرِفْ،
وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْأَوَّلَ خَاصٌّ بِالْمَحْمُولِ وَالثَّانِيَ
بِغَيْرِهِ مَعَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَقَوْلُهُ وَالْوَاقِعُ
لِمَحْمُولِهِ طَوَافُهُ
(2/443)
لِأَنَّهُ كَرَاكِبِ دَابَّةٍ وَعُمِلَ
بِنِيَّةِ الْحَامِلِ وَإِنَّمَا لَمْ يَقَعْ لِلْحَامِلِ الْمُحْرِمِ إذَا
دَخَلَ وَقْتُ طَوَافِهِ وَنَوَى الْمَحْمُولُ؛ لِأَنَّهُ صَرَفَهُ عَنْ
نَفْسِهِ (إلَّا إنْ أَطْلَقَ وَكَانَ كَالْمَحْمُولِ) فِي كَوْنِهِ
مُحْرِمًا مَا لَمْ يَطُفْ عَنْ نَفْسِهِ وَدَخَلَ وَقْتُ طَوَافِهِ (فَ)
يَقَعُ (لَهُ) لِأَنَّهُ الطَّائِفُ وَلَمْ يَصْرِفْهُ عَنْ نَفْسِهِ
فَإِنْ طَافَ الْمَحْمُولُ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ
طَوَافِهِ لَمْ يَقَعْ لَهُ إنْ لَمْ يَنْوِهِ لِنَفْسِهِ وَإِلَّا فَكَمَا
لَوْ لَمْ يَطُفْ وَدَخَلَ وَقْتُ طَوَافِهِ، وَإِنْ نَوَاهُ الْحَامِلُ
لِنَفْسِهِ أَوْ لَهُمَا وَقَعَ لَهُ، وَإِنْ نَوَاهُ مَحْمُولُهُ
لِنَفْسِهِ أَوْ لَمْ يَطُفْ عَنْهَا عَمَلًا بِنِيَّتِهِ فِي الْجَمِيعِ؛
وَلِأَنَّهُ الطَّائِفُ وَلَمْ يَصْرِفْهُ عَنْ نَفْسِهِ فِيمَا إذَا لَمْ
يَطُفْ وَدَخَلَ وَقْتُ طَوَافِهِ وَإِفَادَةُ حُكْمِ الْإِطْلَاقِ فِي
مَنْ لَمْ يَطُفْ مِنْ زِيَادَتِي (وَسُنَّ) لِكُلٍّ بِشَرْطِهِ فِي
الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى (أَنْ يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ بَعْدَ طَوَافِهِ
وَصَلَاتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ بَابِ الصَّفَا) وَهُوَ الْبَابُ الَّذِي
بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ (لِلسَّعْيِ) بَيْنَ الصَّفَا
وَالْمَرْوَةِ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
أَيْ بِنِيَّةِ الْحَامِلِ إذْ لَا فِعْلَ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَلَمْ
يَصْدُرْ مِنْهُ مَا يُنَافِي الْآلِيَّةَ فَلَا يُنَافِي مَا بَحَثْنَاهُ
فِيمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ إذَا قَصَدَ الْحَامِلُ غَيْرَ الطَّوَافِ
يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْصُلَ لِلْمَحْمُولِ، وَإِنْ نَوَى؛ لِأَنَّ قَصْدَ
غَيْرِ الطَّوَافِ يُنَافِي آلِيَّةَ فِعْلِهِ لِلْمَحْمُولِ
فَلْيُتَأَمَّلْ وَلْيُرَاجَعْ اهـ. سم.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ كَرَاكِبِ دَابَّةٍ) بِهَذَا يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ
الْمَذْكُورُ هُنَا.
وَعِبَارَةُ سم عَلَى حَجّ قَوْلُهُ وَقَعَ لِلْمَحْمُولِ قَدْ يُشْكِلُ
بِمَا لَوْ اسْتَنَابَ الْعَاجِزُ عَنْ الرَّمْيِ مَنْ لَمْ يَرْمِ عَنْ
نَفْسِهِ حِينَ يَقَعُ رَمْيُ النَّائِبِ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ قَصَدَ
بِهِ الْمُسْتَنِيبَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الرَّمْيَ مَحْضُ
فِعْلِ النَّائِبِ فَلَمْ يَنْصَرِفْ عَنْهُ مَعَ كَوْنِهِ عَلَيْهِ
بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الطَّوَافِ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ لِلْمَحْمُولِ
طَوَافٌ وَالْحَامِلُ كَالدَّابَّةِ كَمَا قَرَّرُوهُ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ طَافَ الْمَحْمُولُ عَنْ نَفْسِهِ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ
لَمْ يَطُفْ، وَقَوْلُهُ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ وَدَخَلَ
فَالْمُرَادُ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ أَيْ لَمْ يَطُفْ وَلَمْ يَدْخُلْ،
وَقَوْلُهُ لَمْ يَقَعْ لَهُ اُنْظُرْ هَلْ يَقَعُ لِلْحَامِلِ أَوْ لَا
وَمُقْتَضَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ إنَّ الْغَرَضَ أَنَّ الْحَامِلَ نَوَاهُ
لِلْمَحْمُولِ أَوْ أَطْلَقَ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ لَهُ فَيَكُونُ غَيْرَ
وَاقِعٍ لَهُمَا، وَقَوْلُهُ وَإِلَّا فَكَمَا إلَخْ أَيْ فَيَقَعُ
لِلْمَحْمُولِ فَتَكُونُ نِيَّةُ الْمَحْمُولِ فِي الطَّوَافِ لِنَفْسِهِ
قَائِمَةً مَقَامَ دُخُولِ وَقْتِ طَوَافِهِ اهـ. شَيْخُنَا مُلَخَّصًا.
(قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَنْوِهِ لِنَفْسِهِ إلَخْ) قَدْ اعْتَبَرَ الشَّرْحُ
فِي الْمَحْمُولِ أَحْوَالَ النِّيَّةِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهَا
أَرْبَعَةٌ وَأَشَارَ الْمَتْنُ إلَى اعْتِبَارِ أَحْوَالِهِ الْأَرْبَعَةِ
الْأُخْرَى بِقَوْلِهِ مُحْرِمًا لَمْ يَطُفْ إلَخْ فَيَجِبُ أَنْ
يُعْتَبَرَ أَحْوَالُ الْمَحْمُولِ السِّتَّةَ عَشَرَ كَمَا اُعْتُبِرَتْ
أَحْوَالُ الْحَامِلِ كَذَلِكَ، وَمَنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحْوَالِ
الْحَامِلِ لَمْ يُوفِ بِكَلَامِ الْمَتْنِ مَعَ الشَّرْحِ إذْ عَلَى
اعْتِبَارِ أَحْوَالِ الْحَامِلِ السِّتَّةَ عَشَرَ وَالسُّكُوتِ عَنْ
أَحْوَالِ الْمَحْمُولِ يَكُونُ الْقَائِلُ بِذَلِكَ سَاكِتًا عَنْ قَوْلِ
الشَّرْحِ فَإِنْ طَافَ الْمَحْمُولُ عَنْ نَفْسِهِ إلَى قَوْلِهِ، وَإِنْ
نَوَاهُ الْحَامِلُ إلَخْ مَعَ أَنَّ هَذَا يَجْرِي فِيهِ صُوَرٌ كَثِيرَةٌ
لَمْ يُعْلَمْ حُكْمُهَا تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ نَوَاهُ لِنَفْسِهِ فَكَمَا لَوْ لَمْ
يَطُفْ إلَخْ أَيْ فَإِنَّهُ يَقَعُ لِلْمَحْمُولِ أَيْ وَفَرْضُ
الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْحَامِلَ نَوَى الْمَحْمُولَ أَوْ أَطْلَقَ
تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ نَوَاهُ مَحْمُولُهُ لِنَفْسِهِ) أَيْ سَوَاءٌ نَوَاهُ
أَوْ لَا فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِنِيَّةِ الْمَحْمُولِ إذَا نَوَاهُ
الْحَامِلُ لِنَفْسِهِ أَوْ لَهُمَا وَيَبْقَى مَا إذَا قَصَدَ الْحَامِلُ
عَدَمَ الطَّوَافِ أَوْ إدْرَاكَ غَرِيمٍ وَنَوَى الْمَحْمُولُ الطَّوَافَ
لِنَفْسِهِ فَهَلْ يَحْصُلُ الطَّوَافُ لِلْمَحْمُولِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ
الْحَامِلَ هُوَ الدَّائِرُ، وَقَدْ صُرِفَ الدَّوَرَانُ عَنْ الطَّوَافِ
فَلَا أَثَرَ لِنِيَّةِ الْمَحْمُولِ مَعَ ذَلِكَ إذْ لَوْ أَثَّرَتْ
لَأَثَّرَتْ فِيمَا إذَا نَوَاهُ الْحَامِلُ لِنَفْسِهِ بِجَامِعِ صَرْفِهِ
عَنْ الْمَحْمُولِ وَيُوَضِّحُهُ أَنَّ الطَّوَافَ فِعْلٌ وَلَمْ يَحْصُلْ
مِنْ الْمَحْمُولِ فِعْلٌ إلَّا بِوَاسِطَةِ فِعْلِ الْحَامِلِ فَإِذَا
صَرَفَهُ عَنْ الطَّوَافِ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَحْصُلَ الطَّوَافُ
لِلْمَحْمُولِ إذْ لَا فِعْلَ مِنْهُ بِنَفْسِهِ وَلَعَلَّ الثَّانِيَ
أَقْرَبُ وَيُفَارِقُ حِينَئِذٍ الدَّابَّةُ بِأَنَّ فِعْلَهَا غَيْرُ
مَصْرُوفٍ فَأَمْكَنَ كَوْنُهَا آلَةً وَلَا تُمْكِنُ الْآلِيَّةُ هُنَا
مَعَ الصَّرْفِ عَنْ الطَّوَافِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ سم.
(قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ الطَّائِفُ إلَخْ) تَعْلِيلٌ خَاصٌّ بِهَذِهِ
الصُّورَةِ بَعْدَ دُخُولِهَا فِي ضِمْنِ التَّعْلِيلِ الْعَامِّ وَانْظُرْ
لِمَ أَفْرَدَهَا بِالتَّعْلِيلِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: أَنْ يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ) اقْتِصَارُهُ عَلَى اسْتِلَامِ
الْحَجَرِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُسَنُّ التَّقْبِيلُ وَلَا السُّجُودُ.
وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ فَصْلٌ ثُمَّ يَعُودُ نَدْبًا بَعْدَ
فَرَاغِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ فَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ
لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِيَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ مَا ابْتَدَأَ
بِهِ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ حِينَئِذٍ تَقْبِيلُ الْحَجَرِ
وَلَا السُّجُودُ عَلَيْهِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ
فَلَعَلَّ سَبَبَهُ الْمُبَادَرَةُ لِلسَّعْيِ اهـ. . وَالظَّاهِرُ سَنُّ
ذَلِكَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ.
وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ تُشِيرُ إلَيْهِ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي
صَحِيحِهِ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَرَّحَ
بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي التَّقْبِيلِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ
وَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ أَنَّهُ يَأْتِي الْمُلْتَزَمَ
وَالْمِيزَابَ بَعْدَ اسْتِلَامِهِ وَيَدْعُو شَاذٌّ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: بِشَرْطِهِ فِي الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى) الشَّرْطُ خُلُوُّ
الْمَطَافِ اهـ. رَشِيدِيٌّ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ يَخْرُجُ) أَيْ عَقِبَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْتِيَ
الْمِيزَابَ وَالْمُلْتَزَمَ مُبَادَرَةً لِلسَّعْيِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ
فَمَا تَقَدَّمَ مِنْ سَنِّ إتْيَانِ الْمُلْتَزَمِ عَقِبَ الطَّوَافِ
وَقَبْلَ الصَّلَاةِ إنَّمَا هُوَ فِي طَوَافٍ لَمْ يَكُنْ بَعْدَهُ سَعْيٌ
اهـ. ح ل.
وَعِبَارَةُ حَجّ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يَأْتِي الْمُلْتَزَمَ
وَلَا الْمِيزَابَ قَبْلَ صَلَاةِ الرَّكْعَتَيْنِ وَلَا بَعْدَهُمَا
وَهُوَ كَذَلِكَ مُبَادَرَةٌ لِلسَّعْيِ لِعَدَمِ وُرُودِهِ، وَمُخَالَفَةُ
الْمَاوَرْدِيِّ وَغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ شَاذَّةٌ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ،
قَالَ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ ثُمَّ صَوَّبَ مَا هُوَ
الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَشْتَغِلُ عَقِبَ الرَّكْعَتَيْنِ لَا
بِالِاسْتِلَامِ ثُمَّ الْخُرُوجِ إلَى الصَّفَا انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: الَّذِي بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ) أَيْ
الْمُحَاذِي لِمَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ وَالْمُرَادُ
بِهِ الطَّاقُ الْأَوْسَطُ مِنْ الطَّاقَاتِ الْخَمْسِ الَّتِي تُحَاذِي
مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ
(2/444)
(وَشَرْطُهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالصَّفَا)
بِالْقَصْرِ طَرَفُ جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ (وَيَخْتِمَ بِالْمَرْوَةِ)
وَالتَّصْرِيحُ بِهِ مِنْ زِيَادَتِي فَلَوْ عَكَسَ لَمْ تُحْسَبْ
الْمَرَّةُ الْأُولَى (وَ) أَنْ (يَسْعَى سَبْعًا ذَهَابُهُ مِنْ كُلِّ
مَرَّةٍ) مِنْهُمَا (لِلْآخَرِ فِي الْمَسْعَى مَرَّةٌ) لِلِاتِّبَاعِ،
«وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ
اللَّهُ بِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ بِلَفْظِ
«فَابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» (وَ) أَنْ يَسْعَى (بَعْدَ
طَوَافِ رُكْنٍ أَوْ قُدُومٍ وَ) أَنْ (لَا يَتَخَلَّلَهُمَا) أَيْ
السَّعْيَ وَطَوَافَ الْقُدُومِ (الْوُقُوفُ) بِعَرَفَةَ بِأَنْ يَسْعَى
قَبْلَهُ لِلِاتِّبَاعِ مَعَ خَبَرِ «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» فَإِنْ
تَخَلَّلَهُمَا الْوُقُوفُ امْتَنَعَ السَّعْيُ إلَّا بَعْدَ طَوَافِ
الْفَرْضِ فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَسْعَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
أَهْلِ مَكَّةَ مَشْهُورٌ اهـ. تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَشَرْطُهُ) أَيْ شَرْطُ وُقُوعِهِ عَنْ الرُّكْنِ. اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: أَنْ يَبْدَأَ بِالصَّفَا) أَيْ فِي الْأُولَى وَمَا بَعْدَهَا
مِنْ الْأَوْتَارِ وَيَبْدَأَ بِالْمَرْوَةِ فِي الثَّانِيَةِ وَمَا
بَعْدَهَا مِنْ الْأَشْفَاعِ اهـ. حَجّ فَالْأُولَى لَا تُحْسَبُ أُولَى
إلَّا إذَا كَانَتْ مَبْدُوءَةً مِنْ الصَّفَا، وَكَذَا الثَّالِثَةُ
وَالْخَامِسَةُ وَالسَّابِعَةُ، وَكَذَا الثَّانِيَةُ لَا تُحْسَبُ إلَّا
إذَا كَانَتْ مَبْدُوءَةً مِنْ الْمَرْوَةِ، وَكَذَا الرَّابِعَةُ
وَالسَّادِسَةُ فَلِذَلِكَ فَرَّعَ حَجّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، فَقَالَ لَوْ
تَرَكَ خَامِسَةً مَثَلًا جَعَلَ السَّابِعَةَ خَامِسَةً وَأَتَى
بِسَادِسَةٍ وَسَابِعَةٍ اهـ. وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ
فَلَوْ تَرَكَ خَامِسَةً إلَخْ أَقُولُ صُورَةُ ذَلِكَ أَنْ يَذْهَبَ
بَعْدَ الرَّابِعَةِ الَّتِي انْتِهَاؤُهَا بِالصَّفَا مِنْ غَيْرِ
الْمَسْعَى إلَى الْمَرْوَةِ ثُمَّ يَعُودَ مِنْ الْمَرْوَةِ فِي
الْمَسْعَى إلَى الصَّفَا ثُمَّ يَعُودَ فِي الْمَسْعَى مِنْ الصَّفَا إلَى
الْمَرْوَةِ، فَقَدْ تَرَكَ الْخَامِسَةَ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ
لَمْ يَذْهَبْ فِي الْمَسْعَى إلَى الْمَرْوَةِ، بَلْ ذَهَبَ فِي غَيْرِهَا
فَلَا يُحْسَبُ لَهُ ذَلِكَ خَامِسَةً وَيَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ حُسْبَانِهِ
خَامِسَةً إلْغَاءُ السَّادِسَةِ الَّتِي هِيَ عَوْدُهُ بَعْدَ هَذَا
الذَّهَابِ مِنْ الْمَرْوَةِ إلَى الصَّفَا؛ لِأَنَّهَا مَشْرُوطَةٌ
بِتَقَدُّمِ الْخَامِسَةِ عَلَيْهَا وَلَمْ يُوجَدْ، وَأَمَّا السَّابِعَةُ
الَّتِي هِيَ ذَهَابُهُ بَعْدَ هَذِهِ السَّادِسَةِ مِنْ الصَّفَا إلَى
الْمَرْوَةِ فَقَدْ وَقَعَتْ خَامِسَةً إذْ لَمْ يَتَقَدَّمْهَا مِمَّا
يُعْتَدُّ بِهِ إلَّا أَرْبَعٌ؛ لِأَنَّ الْخَامِسَةَ مَتْرُوكَةٌ
وَالسَّادِسَةَ لَغْوٌ كَمَا تَقَرَّرَ فَصَارَتْ السَّابِعَةُ خَامِسَةً
وَاحْتَاجَ لِعَدِّهَا إلَى سَادِسَةٍ وَسَابِعَةٍ اهـ.
(قَوْلُهُ: بِالْقَصْرِ) وَأَصْلُهُ الْحِجَارَةُ الْمُلْسُ وَاحِدَتُهَا
صَفَاةٌ كَحَصَاةٍ أَوْ الْحَجَرُ الْأَمْلَسُ فَهُوَ يُسْتَعْمَلُ فِي
الْجَمْعِ وَالْمُفْرَدِ فَإِذَا اُسْتُعْمِلَ فِي الْجَمْعِ فَهُوَ
الْحِجَارَةُ أَوْ فِي الْمُفْرَدِ فَالْحَجَرُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ) فِي كِتَابِ مُحَاضَرَاتِ الْأَبْرَارِ
وَلِابْنِ عَرَبِيٍّ مَا لَفْظُهُ قُلْت أَذْكُرُ الْجَبَلَ الْأَمِينَ
هُوَ أَبُو قُبَيْسٍ وَكَانَ اسْمُهُ أَوَّلًا الْأَمِينُ فَإِنَّهُ
أَوْدَعَهُ اللَّهُ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ إلَى زَمَنِ إبْرَاهِيمَ -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا بَنِي الْبَيْتَ فَنَادَاهُ الْجَبَلُ لَك
عِنْدِي وَدِيعَةٌ مَخْبُوءَةٌ مِنْ زَمَنِ الطُّوفَانِ فَأَعْطَاهُ
الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَإِنَّمَا حَدَثَ لَهُ اسْمُ أَبِي قُبَيْسٍ
بِرَجُلٍ بَنَى دَارًا يُسَمَّى أَبَا قُبَيْسٍ وَكَانَ اسْمُهُ الْأَمِينَ
فَغَلَبَ عَلَيْهِ اسْمُ أَبِي قُبَيْسٍ اهـ. مِنْ رِسَالَةِ ابْنِ
عَلَّانَ.
(قَوْلُهُ: وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ
الرَّاءِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَهِيَ طَرَفُ جَبَلِ قَيْنُقَاعَ اهـ. "
بِرْمَاوِيٌّ وَالْآنَ عَلَيْهَا عَقْدٌ وَاسِعٌ عَلَامَةً عَلَى
أَوَّلِهَا اهـ. حَجّ وَقَدْرُ الْمَسَافَةِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ
بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ سَبْعُمِائَةٍ وَسَبْعَةٌ وَسَبْعُونَ ذِرَاعًا
وَكَانَ عَرْضُ الْمَسْعَى خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ ذِرَاعًا فَأَدْخَلُوا
بَعْضَهُ فِي الْمَسْجِدِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ) وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ
الصَّفَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ؛ لِأَنَّ فِي الْوُصُولِ
إلَيْهَا مُرُورَ السَّاعِي فِي سَعْيِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَالصَّفَا
مُرُورُهُ فِيهِ ثَلَاثًا فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَا يَبْدَأُ بِاسْتِقْبَالِ
الْمَرْوَةِ ثُمَّ يَخْتِمُ بِهِ وَمَا أَمَرَ اللَّهُ بِمُبَاشَرَتِهِ فِي
الْقُرْبَةِ أَكْثَرَ هُوَ أَفْضَلُ وَبُدَاءَتُهُ بِالصَّفَا وَسِيلَةُ
اسْتِقْبَالِ الْمَرْوَةِ وَالْبُدَاءَةُ بِالصَّفَا لِبَيَانِ
التَّرْتِيبِ وَضَرُورَتِهِ فَلَا إشْعَارَ فِي تَقْدِيمِهَا
بِأَفْضَلِيَّتِهَا وَالْبُدَاءَةُ بِالشَّيْءِ لَا تَسْتَلْزِمُ
أَفْضَلِيَّةَ الْمَبْدَأِ عَلَى الْآخِرِ كَصَوْمِ رَمَضَانَ آخِرُهُ
أَفْضَلُ مِنْ أَوَّلِهِ اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: أَبْدَأُ) بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ وَضَمِيرُهُ عَائِدٌ إلَى
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ جَوَابٌ
لِقَوْلِهِمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِمَاذَا تَبْدَأُ إذَا طُفْت،
وَقَوْلُهُ فَابْدَءُوا بِلَفْظِ الْأَمْرِ وَضَمِيرُهُ عَائِدٌ
لِلْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّهُ جَوَابٌ لِقَوْلِهِمْ بِمَاذَا نَبْدَأُ إذَا
طُفْنَا، قَالَ شَيْخُنَا وَلَعَلَّ السُّؤَالَ تَعَدَّدَ اهـ.
بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: أَوْ قُدُومٍ) وَهُوَ أَيْ السَّعْيُ بَعْدَ الْقُدُومِ
أَفْضَلُ مِنْهُ بَعْدَ الرُّكْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ حَجّ، فَقَالَ
وَإِذَا أَرَادَ السَّعْيَ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ كَمَا هُوَ
الْأَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي صَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لَمْ يَلْزَمْهُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَهُمَا إلَخْ اهـ.
وَعِبَارَةُ مَنَاسِكِ النَّوَوِيِّ الْوُسْطَى وَالْأَفْضَلُ تَقْدِيمُ
السَّعْيِ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ انْتَهَتْ. وَأَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ
بِقَوْلِهِ لِلِاتِّبَاعِ وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِلنَّفْيِ وَفِي شَرْحِ م ر
مَا نَصُّهُ: وَلَوْ دَخَلَ حَلَالٌ مَكَّةَ فَطَافَ لِلْقُدُومِ ثُمَّ
أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَهَلْ لَهُ السَّعْيُ حِينَئِذٍ كَمَا اقْتَضَاهُ
إطْلَاقُهُمْ أَوْ لَا، وَيُحْمَلُ كَلَامُهُمْ عَلَى مَا إذَا صَدَرَ
طَوَافُ الْقُدُومِ حَالَ الْإِحْرَامِ لِشُمُولِ نِيَّةِ الْحَجِّ لَهُمَا
حِينَئِذٍ فَكَانَتْ التَّبَعِيَّةُ صَحِيحَةً لِوُجُودِ الْمُجَانَسَةِ
بِخِلَافِهِ فِي تِلْكَ، فَالْمُجَانَسَةُ مُنْتَفِيَةٌ بَيْنَهُمَا كُلٌّ
مُحْتَمَلٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ الْآتِي فِي طَوَافِ الْوَدَاعِ يُؤَيِّدُ
الثَّانِيَ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَلَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ فَهَلْ لَهُ أَنْ
يَسْعَى بَعْدَهُ بَعْضَ السَّعْيِ وَيُكْمِلَهُ بَعْدَ الْوُقُوفِ
وَطَوَافِ الرُّكْنِ؟ فِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا وَالْأَقْرَبُ لِكَلَامِهِمْ
الْمَنْعُ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَسْعَى إلَخْ) هَذِهِ الْجُمْلَةُ فِي
الْمَعْنَى تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ امْتَنَعَ السَّعْيُ إلَخْ،.
وَعِبَارَةُ حَجّ فَلَا يَجُوزُ بَعْدَ طَوَافِ نَفْلٍ كَأَنْ أَحْرَمَ
مِنْ مَكَّةَ بِحَجٍّ مِنْهَا ثُمَّ تَنَفَّلَ بِطَوَافٍ وَأَرَادَ
السَّعْيَ بَعْدَهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَقَوْلُ جَمْعٍ بِجَوَازِهِ
(2/445)
بَعْدَ طَوَافِ نَفْلٍ مَعَ إمْكَانِهِ
بَعْدَ طَوَافِ فَرْضٍ.
(وَلَا تُسَنُّ إعَادَةُ سَعْيٍ) لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ وَتَعْبِيرِي
بِذَلِكَ أَوْلَى مِمَّا ذَكَرَهُ (وَسُنَّ لِلذَّاكِرِ أَنْ يَرْقَى عَلَى
الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَامَةً) أَيْ قَدْرَهَا؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَقَى عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا حَتَّى رَأَى
الْبَيْتَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي الذَّكَرَ الْأُنْثَى
وَالْخُنْثَى فَلَا يُسَنُّ لَهُمَا الرُّقِيُّ إلَّا إنْ خَلَا الْمَحَلُّ
عَنْ الرِّجَالِ غَيْرِ الْمَحَارِمِ فِيمَا يَظْهَرُ كَمَا نَبَّهَ
عَلَيْهِ وَعَلَى الْخُنْثَى الْإِسْنَوِيُّ وَالْوَاجِبُ عَلَى مَنْ لَمْ
يَرْقَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
حِينَئِذٍ ضَعِيفٌ كَقَوْلِ الْأَذْرَعِيِّ فِي تَوَسُّطِهِ الَّذِي
تَبَيَّنَ لِي بَعْدَ التَّوَقُّفِ أَنَّ الرَّاجِحَ مَذْهَبًا صِحَّتُهُ
بَعْدَ كُلِّ طَوَافٍ صَحِيحٍ بِأَيِّ وَصْفٍ كَانَ وَلَا يَجُوزُ أَيْضًا
بَعْدَ طَوَافِ وَدَاعٍ، بَلْ لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ بَعْدَهُ كَمَا
قَالَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى طَوَافَ وَدَاعٍ إلَّا إنْ كَانَ بَعْدَ
الْإِتْيَانِ بِجَمِيعِ الْمَنَاسِكِ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ بَقِيَ عَلَيْهِ
شَيْءٌ مِنْهَا جَازَ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْ مَكَّةَ بِلَا وَدَاعٍ لِعَدَمِ
تَصَوُّرِهِ فِي حَقِّهِ حِينَئِذٍ، وَتَصَوُّرِهِ فِيمَنْ أَحْرَمَ
بِحَجٍّ مِنْ مَكَّةَ ثُمَّ أَرَادَ خُرُوجًا قَبْلَ الْوُقُوفِ فَإِنَّهُ
يُسَنُّ لَهُ طَوَافُ الْوَدَاعِ لَا نَظَرَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا
مِنْهُمَا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِي طَوَافِ الْوَدَاعِ
الْمَشْرُوعِ بَعْدَ فَرَاغِ الْمَنَاسِكِ لَا فِي كُلِّ وَدَاعٍ، وَقَوْلُ
جَمْعٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّ لَهُ السَّعْيَ بَعْدَهُ إذَا عَادَ
ضَعِيفٌ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ (تَنْبِيهٌ)
أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ ثُمَّ خَرَجَ ثُمَّ عَادَ لَهَا قَبْلَ
الْوُقُوفِ فَهَلْ يُسَنُّ لَهُ طَوَافُ الْقُدُومِ نَظَرًا لِدُخُولِهِ
أَوْ لَا نَظَرًا لِعَدَمِ انْقِطَاعِ نِسْبَتِهِ عَنْهَا أَوْ يُفَرَّقُ
بَيْنَ أَنْ يَنْوِيَ الْعَوْدَ إلَيْهَا قَبْلَ الْوُقُوفِ أَوْ لَا؟
كُلٌّ مُحْتَمَلٌ، وَلَوْ قِيلَ بِالثَّالِثِ لَمْ يَبْعُدْ إلَّا أَنَّ
إطْلَاقَهُمْ نَدْبَهُ لِلْحَلَالِ الشَّامِلِ لِمَا إذَا فَارَقَ عَازِمًا
عَلَى الْعَوْدِ ثُمَّ عَادَ يُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ ثُمَّ رَأَيْت فِي
كَلَامِ الطَّبَرِيِّ مَا يُصَرِّحُ بِالْأَوَّلِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ عَدَمِ وُجُوبِ طَوَافِ الْوَدَاعِ عَلَى الْخَارِجِ الْمَذْكُورِ
بِأَنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ فَرَاغِ الْمَنَاسِكِ
كُلِّهَا وَلَا كَذَلِكَ طَوَافُ الْقُدُومِ وَعَلَيْهِ فَيُجْزِي
السَّعْيُ بَعْدَهُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ عَادَ لِمَكَّةَ
بَعْدَ الْوَقْفِ وَقَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ يُسَنُّ لَهُ
الْقُدُومُ وَلَا يُجْزِيهِ السَّعْيُ حِينَئِذٍ بِأَنَّ السَّعْيَ مَتَى
أُخِّرَ عَنْ الْوُقُوفِ وَجَبَ وُقُوعُهُ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ
انْتَهَتْ وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم قَوْلُهُ ثُمَّ أَرَادَ خُرُوجًا قَبْلَ
الْوُقُوفِ أَيْ وَلَوْ إلَى مِنًى يَوْمَ الثَّامِنِ لِلْمَبِيتِ بِهَا
لَيْلَةَ التَّاسِعِ ثُمَّ الذَّهَابِ لِلْوُقُوفِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ
لَا فَرْقَ فِي الْخُرُوجِ لِغَيْرِ مِنًى بَيْنَ الْخُرُوجِ لِمَسَافَةِ
الْقَصْرِ وَمَا دُونَهَا فَلْيُرَاجَعْ، وَقَوْلُهُ تَنْبِيهٌ أَحْرَمَ
بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ إلَخْ الَّذِي فِي شَرْحِ الْعُبَابِ مَا نَصُّهُ:
وَقَدْ يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِمْ أَوْ قُدُومٍ مَا لَوْ أَحْرَمَ
الْمَكِّيُّ مَثَلًا بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ ثُمَّ خَرَجَ لِحَاجَةٍ ثُمَّ
عَادَ قَبْلَ الْوُقُوفِ فَإِنَّهُ الْآنَ يُسَنُّ لَهُ طَوَافُ الْقُدُومِ
فَيَنْبَغِي إجْزَاءُ السَّعْيِ بَعْدَهُ كَمَا شَمِلَهُ كَلَامُهُمْ اهـ.
فَجَزَمَ بِسَنِّ طَوَافِ الْقُدُومِ وَاقْتَصَرَ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي
إجْزَاءُ السَّعْيِ بَعْدَهُ اهـ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَسْعَى بَعْدَ طَوَافِ نَفْلٍ)
وَذَلِكَ فِيمَا لَوْ دَخَلَ مَكَّةَ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَقَبْلَ نِصْفِ
اللَّيْلِ فَتَنَفَّلَ بِطَوَافٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْعَى بَعْدَ ذَلِكَ
الطَّوَافِ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَخِّرَهُ حَتَّى يُوقِعَهُ بَعْدَ
طَوَافِ الرُّكْنِ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ بِنِصْفِ اللَّيْلِ هَذَا
مُرَادُهُ فَتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: وَلَا تُسَنُّ إعَادَةُ سَعْيٍ) بَلْ تُكْرَهُ فَإِنْ أَعَادَهُ
لَمْ يَحْرُمْ وَيُسْتَثْنَى الْقَارِنُ فَيُسَنُّ لَهُ أَنْ يَطُوفَ
طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ خِلَافًا لِلْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلَوْ سَعَى صَبِيٌّ أَوْ عَبْدٌ بَعْدَ طَوَافِ
قُدُومٍ ثُمَّ بَلَغَ أَوْ عَتَقَ بِعَرَفَةَ أَوْ قَبْلَ الْوُقُوفِ ثُمَّ
عَادَ لِعَرَفَةَ فِي الْوَقْتِ وَجَبَ عَلَيْهِ إعَادَةُ السَّعْيِ عَلَى
الصَّحِيحِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: أَوْلَى مِمَّا ذَكَرَهُ) أَيْ حَيْثُ قَالَ وَمَنْ سَعَى
بَعْدَ طَوَافِ قُدُومٍ لَمْ يُعِدْهُ اهـ. فَقَيَّدَ عَدَمَ الْإِعَادَةِ
بِكَوْنِهِ سَعَى بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ مَعَ أَنَّ الْمَقْصُودَ إنْ
سَعَى لَا تُسَنُّ إعَادَتُهُ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ فَعَلَ بَعْدَ
طَوَافِ الْقُدُومِ أَوْ الرُّكْنِ.
وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ وَإِذَا سَعَى وَلَوْ بَعْدَ طَوَافِ
الْقُدُومِ لَمْ يُعِدْهُ، وَلَوْ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ؛ لِأَنَّهَا
بِدْعَةٌ وَانْتَهَتْ، وَالْمُرَادُ أَنَّ الْإِعَادَةَ مَكْرُوهَةٌ كَمَا
صَرَّحَ بِهِ م ر وحج.
(قَوْلُهُ: أَنْ يَرْقَى) يُقَالُ رَقِيَ بِكَسْرِ الْقَافِ يَرْقَى
بِفَتْحِهَا اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَالرُّقِيُّ الْآنَ بِالْمَرْوَةِ
مُتَعَذِّرٌ لَكِنْ بِآخِرِ دَكَّةٍ فَيَنْبَغِي رُقِيُّهَا عَمَلًا
بِالْوَارِدِ مَا أَمْكَنَ اهـ. حَجّ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ وَرَقِيت فِي السُّلَّمِ وَغَيْرِهِ أَرْقَى مِنْ بَابِ
تَعِبَ رُقِيًّا عَلَى فُعُولٍ وَرَقْيًا مِثْلُ فَلْسٍ أَيْضًا
وَارْتَقَيْت وَتَرَقَّيْت مِثْلُهُ وَرَقِيت السَّطْحَ وَالْجَبَلَ
عَلَوْته يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ وَالْمَرْقَى وَالْمُرْتَقَى مَوْضِعُ
الرُّقِيِّ وَالْمِرْقَاةُ مِثْلُهُ وَيَجُوزُ فِيهَا فَتْحُ الْمِيمِ
عَلَى أَنَّهُ مَوْضِعُ الِارْتِقَاءِ وَيَجُوزُ الْكَسْرُ تَشْبِيهًا
بِاسْمِ الْآلَةِ وَرَقَيْته أَرْقِيهِ مِنْ بَابِ رَمَى رَقْيًا عَوَّذْته
بِاَللَّهِ وَالِاسْمُ الرُّقْيَا عَلَى فُعْلَى وَالْمَرَّةُ رُقْيَةٌ
وَالْجَمْعُ رُقًى مِثْلُ مُدْيَةٍ وَمُدًى اهـ. وَبَقِيَ مَعْنًى ثَالِثٌ
وَهُوَ الرُّقِيُّ فِي الْمَعَانِي أَيْ التَّنَقُّلُ فِي صِفَاتِ
الْكَمَالِ وَيُقَالُ فِيهِ رَقَى بِالْفَتْحِ يَرْقَى فَالْفَارِقُ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرُّقِيِّ فِي السُّلَّمِ فَتْحُ الْقَافِ فِي
الْأُولَى وَكَسْرُهَا فِي الثَّانِيَةِ وَمُضَارِعُهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ
يَرْقَى كَيَرْضَى تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: إلَّا إنْ خَلَى الْمَحَلُّ إلَخْ) خَالَفَهُ حَجّ، فَقَالَ
أَمَّا الْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى فَلَا يُسَنُّ لَهُمَا رُقِيٌّ، وَلَوْ
فِي خَلْوَةٍ عَلَى الْأَوْجَهِ الَّذِي اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ خِلَافًا
لِلْإِسْنَوِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ اللَّهُمَّ إلَّا إذَا كَانَ يَقَعَانِ
فِي شَكٍّ لَوْلَا الرُّقِيُّ فَيُسَنُّ لَهُمَا حِينَئِذٍ عَلَى
الْأَوْجَهِ احْتِيَاطًا اهـ. لَكِنْ الَّذِي فِي شَرْحِ م ر كَالشَّارِحِ
حَرْفًا بِحَرْفٍ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَالْوَاجِبُ عَلَى مَنْ لَمْ يَرْقَ إلَخْ) عِبَارَةُ حَجّ
وَيَجِبُ اسْتِيعَابُ الْمَسَافَةِ فِي كُلٍّ بِأَنْ يُلْصِقَ عَقِبَهُ
أَوْ عَقِبَ
(2/446)
أَنْ يُلْصِقَ عَقِبَهُ بِأَصْلِ مَا
يَذْهَبُ مِنْهُ وَرُءُوسَ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ بِمَا يَذْهَبُ إلَيْهِ
مِنْ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ (وَ) أَنْ (يَقُولَ كُلٌّ) مِنْ الذَّاكِرِ
وَالرَّاقِي وَغَيْرِهِمَا (اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ
إلَى آخِرِهِ) أَيْ اللَّهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا هَدَانَا وَالْحَمْدُ
لِلَّهِ عَلَى مَا أَوْلَانَا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا
شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ بِيَدِهِ
الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (ثُمَّ يَدْعُو بِمَا شَاءَ)
دِينًا وَدُنْيَا (وَ) أَنْ (يُثَلِّثَ الذِّكْرَ وَالدُّعَاءَ)
لِلِاتِّبَاعِ فِي ذَلِكَ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِزِيَادَةِ بَعْضِ أَلْفَاظٍ
وَنَقْصِ بَعْضِهَا، وَتَعْبِيرِي بِكُلٍّ إلَى آخِرِهِ أَعَمُّ مِنْ
قَوْلِهِ فَإِذَا رَقَى إلَى آخِرِهِ (وَ) أَنْ (يَمْشِيَ) عَلَى هِينَتِهِ
(أَوَّلَ السَّعْيِ وَآخِرَهُ وَ) أَنْ (يَعْدُوَ الذَّكَرُ) أَيْ يَسْعَى
سَعْيًا شَدِيدًا (فِي الْوَسَطِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(وَمَحَلُّهُمَا) أَيْ الْمَشْيِ وَالْعَدْوِ (مَعْرُوفٌ) ثَمَّ فَيَمْشِي
حَتَّى يَبْقَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِيلِ الْأَخْضَرِ الْمُعَلَّقِ
بِرُكْنِ الْمَسْجِدِ عَلَى يَسَارِهِ قَدْرُ سِتَّةِ أَذْرُعٍ فَيَعْدُو
حَتَّى يَتَوَسَّطَ بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ اللَّذَيْنِ
أَحَدُهُمَا فِي رُكْنِ الْمَسْجِدِ وَالْآخَرُ مُتَّصِلٌ بِجِدَارِ
الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَيَمْشِي حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى
الْمَرْوَةِ فَإِذَا عَادَ مِنْهَا إلَى الصَّفَا مَشَى فِي مَحَلِّ
مَشْيِهِ وَسَعَى فِي مَحَلِّ سَعْيِهِ أَوَّلًا وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
حَافِرِ مَرْكُوبِهِ بِأَصْلِ مَا يَذْهَبُ مِنْهُ وَرَأْسَ أُصْبُعِ
رِجْلَيْهِ أَوْ رِجْلٍ أَوْ حَافِرِ مَرْكُوبِهِ بِمَا يَذْهَبُ إلَيْهِ
وَبَعْضُ دَرَجِ الصَّفَا مُحْدَثٌ فَلْيُحْتَطْ فِيهِ بِالرُّقِيِّ حَتَّى
يَتَيَقَّنَ وُصُولَهُ لِلدَّرَجِ الْقَدِيمِ، كَذَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ
أَيْ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ هَذَا بِاعْتِبَارِ
زَمَنِهِمْ، وَأَمَّا الْآنَ فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مُحْدَثٌ لِعُلُوِّ
الْأَرْضِ حَتَّى غَطَّتْ دَرَجَاتٍ كَثِيرَةً انْتَهَتْ، وَقَوْلُهُ
وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ هَذَا بِاعْتِبَارِ زَمَنِهِمْ، وَأَمَّا الْآنَ
إلَخْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ وَمَا ذَكَرُوهُ فِيهِمَا بِاعْتِبَارِ
مَا كَانَ، وَأَمَّا الْآنَ فَمِنْ أَصْلِهَا دَرَجٌ مَدْفُونٌ فَيَكْفِي
إلْصَاقُ الْعَقِبِ أَوْ الْأَصَابِعِ بِآخِرِ دَرَجِهِمَا، وَأَمَّا
الْمَرْوَةُ فَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ دَخَلَ تَحْتَ الْعَقْدِ
الْمُشْرِفِ ثَمَّ يَكُونُ قَدْ وَصَلَهَا، وَقَدْ بَيَّنْت ذَلِكَ كُلَّهُ
بِأَدِلَّةٍ فِي الْحَاشِيَةِ اهـ. سم عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: أَنْ يُلْصِقَ عَقِبَهُ) بِضَمِّ الْيَاءِ اهـ. شَرْحُ
الرَّوْضِ.
(قَوْلُهُ: وَأَنْ يَقُولَ كُلٌّ) أَيْ حَالَةَ كَوْنِهِ وَاقِفًا عَلَى
كُلٍّ مِنْ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مُسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةِ اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: اللَّهُ أَكْبَرُ) أَيْ أُثْنِي عَلَيْهِ تَعَالَى
لِهِدَايَتِهِ إيَّانَا فَالتَّكْبِيرُ هُنَا كَالْحَمْدِ فَلَا وَقْفَةَ
اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا اللَّهُ أَكْبَرُ) أَيْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلِلَّهِ
الْحَمْدُ أَيْ عَلَى كُلِّ حَالٍ لَا لِغَيْرِهِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ
تَقْدِيمُ الظَّرْفِ، وَقَوْلُهُ عَلَى مَا هَدَانَا أَيْ عَلَى
هِدَايَتِنَا فَهُوَ مَصْدَرٌ وَالْمُرَادُ دَلَّنَا عَلَى طَاعَتِهِ
وَأَوْصَلَنَا بِالْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ عَلَى مَا أَوْلَانَا
أَيْ مِنْ نِعَمِهِ الَّتِي لَا تُحْصَى وَلَا تُحْصَرُ، وَقَوْلُهُ لَهُ
الْمُلْكُ أَيْ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا لِغَيْرِهِ،
وَقَوْلُهُ بِيَدِهِ أَيْ قُدْرَتِهِ وَقُوَّتِهِ، وَقَوْلُهُ الْخَيْرُ
زَادَ فِي رِوَايَةٍ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ، وَقَوْلُهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ أَيْ مُمَكِّنٌ وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ لَا إلَهَ إلَّا
اللَّهُ وَحْدَهُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ
الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَا نَعْبُدُ إلَّا
إيَّاهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدَّيْنَ، وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ اهـ.
بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: بِمَا شَاءَ) وَمِنْهُ كَمَا قَالَ الْأَصْحَابُ اللَّهُمَّ
إنَّك قُلْت اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ وَأَنْتَ لَا تُخْلِفُ
الْمِيعَادَ وَإِنِّي أَسْأَلُك كَمَا هَدَيْتنِي إلَى الْإِسْلَامِ أَنْ
لَا تَنْزِعَهُ مِنِّي حَتَّى تَتَوَفَّانِي وَأَنَا مُسْلِمٌ اهـ.
بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَأَنْ يَمْشِيَ عَلَى هِينَتِهِ أَوَّلَ الْمَسْعَى إلَخْ)
عِبَارَةُ حَجّ وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ مَاشِيًا وَحَافِيًا إنْ أَمِنَ
تَنَجُّسَ رِجْلَيْهِ وَسَهُلَ عَلَيْهِ وَمُتَطَهِّرًا وَمَسْتُورًا
وَالْأَوْلَى تَحَرِّي خُلُوِّ الْمَسْعَى إلَّا إنْ فَاتَتْ الْمُوَالَاةُ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّوَافِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِلْخِلَافِ فِي
وُجُوبِهَا وَقِيَاسُهُ نَدْبُ تَحَرِّي خُلُوِّ الْمَطَافِ حَيْثُ لَمْ
يُؤْمَرْ بِالْمُبَادَرَةِ بِهِ وَلَا يُكْرَهُ الرُّكُوبُ اتِّفَاقًا
عَلَى مَا فِي الْمَجْمُوعِ لَكِنْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ
الشَّافِعِيِّ كَرَاهَتَهُ إلَّا لِعُذْرٍ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ جَمْعًا
مُجْتَهِدِينَ قَائِلُونَ بِامْتِنَاعِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ إلَّا أَنْ
يُجَابَ بِأَنَّهُمْ خَالَفُوا مَا صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكِبَ فِيهِ وَأَنْ يُوَالِيَ بَيْنَ مَرَّاتِهِ
بَلْ يُكْرَهُ الْوُقُوفُ فِيهِ لِحَدِيثٍ أَوْ غَيْرِهِ وَبَيْنَهُ
وَبَيْنَ الطَّوَافِ وَمَرَّ أَنَّهُ يَضُرُّ صَرْفُهُ كَالطَّوَافِ لَكِنْ
لَا يُشْتَرَطُ لَهُ كَيْفِيَّةُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ هُنَا قَطْعُ
الْمَسَافَةِ وَأَنْ يَمْشِيَ أَوَّلَ الْمَسْعَى وَآخِرَهُ. انْتَهَتْ
قَالَ فِي الْعُبَابِ وَيَجِبُ أَنْ يَسْعَى فِي بَطْنِ الْوَادِي، وَلَوْ
الْتَوَى فِيهِ يَسِيرًا لَمْ يَضُرَّ اهـ.
قَالَ فِي شَرْحِهِ بِخِلَافِهِ كَثِيرًا بِحَيْثُ يَخْرُجُ عَنْهُ
وَضَبَطْت ذَلِكَ فِي الْحَاشِيَةِ بِأَنْ يَخْرُجَ عَنْ سَمْتِ الْعَقْدِ
الْمُشْرِفِ عَلَى الْمَرْوَةِ إذْ هُوَ مُقَارِنٌ لِعَرْضِ الْمَسْعَى
مِمَّا بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الَّذِي ذَكَرَ الْفَارِسِيُّ أَنَّهُ عَرْضُهُ
ثُمَّ مَا ذَكَرَ هُوَ مَا فِي الْمَجْمُوعِ حَيْثُ قَالَ: قَالَ
الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا يَجُوزُ السَّعْيُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ
السَّعْيِ فَلَوْ مَرَّ وَرَاءَ مَوْضِعِهِ فِي زُقَاقِ الْعَطَّارِينَ
أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَصِحَّ سَعْيُهُ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ مُخْتَصٌّ بِهِ
فَلَا يَجُوزُ فِعْلُهُ فِي غَيْرِهِ كَالطَّوَافِ إلَى أَنْ قَالَ:
وَكَذَا قَالَ الدَّارِمِيُّ إنْ الْتَوَى فِي سَعْيِهِ يَسِيرًا جَازَ،
وَإِنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَوْ زُقَاقَ الْعَطَّارِينَ فَلَا اهـ. وَبِهِ
تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ الْعُبَابِ وَلَوْ الْتَوَى فِيهِ يَسِيرًا
الْمُرَادُ بِالْيَسِيرِ فِيهِ مَا لَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْهُ فَتَأَمَّلْهُ
اهـ. سم عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَأَنْ يَعْدُوَ الذَّكَرُ إلَخْ) وَيُلَاحِظُ بِقَلْبِهِ
عِنْدَ ذَلِكَ إقَامَةَ السُّنَّةِ وَالْحَذَرَ أَنْ يَفْعَلَهُ عَلَى
عَادَةِ الْعَوَامّ مِنْ الْمُسَابَقَةِ فِيهِ فَيَصِيرُ لَعِبًا
وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى اهـ. سم.
(قَوْلُهُ: فِي الْوَسَطِ) الْمُرَادُ بِالْوَسَطِ هُنَا الْأَمْرُ
التَّقْرِيبِيُّ إذْ مَحَلُّ الْعَدْوِ أَقْرَبُ إلَى الصِّفَةِ مِنْهُ
إلَى الْمَرْوَةِ بِكَثِيرٍ اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: قَدْرَ سِتَّةِ أَذْرُعٍ) أَيْ لِأَنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ كَانَ
مَحَلَّ ذَلِكَ الْمِيلِ فَلَمَّا رَمَاهُ السَّيْلُ أَلْصَقُوهُ بِجِدَارِ
الْمَسْجِدِ فَتَقَدَّمَ عَنْ مُحَاذَاةِ مَحَلِّهِ بِذَلِكَ الْقَدْرِ
اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: اللَّذَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي رُكْنِ الْمَسْجِدِ) هَذَا
التَّعْبِيرُ فِيهِ مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَسْعَى لَا يَمُرُّ
إلَّا عَلَى رُكْنٍ وَاحِدٍ مِنْ أَرْكَانِ الْمَسْجِدِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ
بَابَ السَّلَامِ كَمَا يَعْرِفُ ذَلِكَ مَنْ رَآهُ وَهُوَ الَّذِي
ذَكَرَهُ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ الْمُعَلَّقِ بِرُكْنِ الْمَسْجِدِ، وَأَمَّا
الثَّانِي الْمُقَابِلُ لِرِبَاطِ الْعَبَّاسِ فَلَيْسَ فِي رُكْنِ
الْمَسْجِدِ وَلِذَلِكَ عَبَّرَ حَجّ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا بِجِدَارِ
الْمَسْجِدِ وَكَذَلِكَ عَبَّرَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ.
(قَوْلُهُ: بِجِدَارِ الْعَبَّاسِ)
(2/447)
الذَّكَرَ الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى فَلَا
يَعْدُوَانِ وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ كُلٌّ مِنْهُمْ فِي سَعْيِهِ رَبِّ
اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ إنَّكَ أَنْتَ الْأَعَزُّ
الْأَكْرَمُ وَأَنْ يُوَالِيَ بَيْنَ مَرَّاتِ السَّعْيِ وَبَيْنَهُ
وَبَيْنَ الطَّوَافِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ طُهْرٌ وَلَا سِتْرٌ وَيَجُوزُ
فِعْلُهُ رَاكِبًا وَيُكْرَهُ لِلسَّاعِي أَنْ يَقِفَ فِي سَعْيِهِ
لِحَدِيثٍ أَوْ غَيْرِهِ..
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
الْمَشْهُورِ الْآنَ بِرِبَاطِهِ وَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا قِنْدِيلٌ
مُعَلَّقٌ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: إنَّك أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ) ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَهُ
اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا وَسَعْيًا
مَشْكُورًا وَتِجَارَةً لَنْ تَبُورَ يَا عَزِيزُ يَا غَفُورُ اهـ.
بِرْمَاوِيٌّ، وَلَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ كَانَ أَفْضَلَ اهـ. إيضَاحٌ.
(قَوْلُهُ: وَلَا سِتْرٌ) بَلْ يُنْدَبُ فِيهِ كُلُّ مَا طُلِبَ فِي
الطَّوَافِ مِنْ شَرْطٍ أَوْ مَنْدُوبٍ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ فِعْلُهُ رَاكِبًا) أَيْ لَكِنَّهُ خِلَافُ
الْأَوْلَى لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَوْلَى الْمَشْيُ فِيهِ. اهـ. ع ش
عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ لِلسَّاعِي إلَخْ) وَيُكْرَهُ لَهُ أَيْضًا أَنْ
يُصَلِّيَ بَعْدَهُ رَكْعَتَيْنِ اهـ. شَرْحُ م ر وَفِي الْإِيضَاحِ مَا
نَصُّهُ السَّابِعَةُ أَيْ مِنْ سُنَنِ السَّعْيِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو
مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رَأَيْت النَّاسَ
إذَا فَرَغُوا مِنْ السَّعْيِ صَلَّوْا رَكْعَتَيْنِ عَلَى الْمَرْوَةِ
وَذَلِكَ حَسَنٌ وَزِيَادَةُ طَاعَةٍ لَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الشَّيْخُ
أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ يَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ
ابْتِدَاعُ شِعَارٍ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
لَيْسَ فِي السَّعْيِ صَلَاةٌ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (خَاتِمَةٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ ذَكَرَهَا الْإِمَامُ
الْفَاضِلُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلَّانَ الصِّدِّيقِيُّ الْبَكْرِيُّ سَبْطُ
الْحَسَنِ خَادِمُ الْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ وَالتَّفْسِيرِ بِالْحَرَمِ
الشَّرِيفِ الْمَكِّيِّ فِي رِسَالَةٍ أَلَّفَهَا فِي الْحَجَرِ
الْأَسْوَدِ وَمَا جَاءَ فِيهِ مِنْ الْفَضَائِلِ وَالْأَخْبَارِ وَمَا
نَابَهُ مِنْ حَوَادِثِ الزَّمَانِ وَذَكَرَ فِيهَا أَنَّهُ انْفَرَدَ
بِهَذَا التَّأْلِيفِ وَلَمْ يَرَ أَحَدًا قَبْلَهُ سَبَقَهُ إلَى
التَّأْلِيفِ فِي الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، فَقَالَ رَوَيْنَا بِالسَّنَدِ
عَنْ الْجَدِّ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ عَلَّانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ أُنْزِلَ الرُّكْنُ أَيْ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ
وَالْمَقَامُ أَيْ الْحَجَرُ الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ إبْرَاهِيمُ عِنْدَ
بِنَاءِ الْبَيْتِ مَعَ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَيْلَةَ نَزَلَ
فَلَمَّا أَصْبَحَ رَأَى الرُّكْنَ وَالْمَقَامَ فَعَرَفَهُمَا
فَضَمَّهُمَا إلَيْهِ وَأَنِسَ بِهِمَا وَعَنْهُ أَيْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ
نَزَلَ آدَم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ الْجَنَّةِ مَعَهُ الْحَجَرُ
الْأَسْوَدُ مُتَأَبِّطُهُ وَهُوَ يَاقُوتَةٌ مِنْ يَوَاقِيتِ الْجَنَّةِ
لَوْلَا أَنْ طَمَسَ اللَّهُ نُورَهُ مَا اسْتَطَاعَ أَحَدٌ أَنْ يَنْظُرَ
إلَيْهِ وَنَزَلَ بِنَخْلِ الْعَجْوَةِ وَبِآلَاتِ الصِّنَاعَةِ
وَرَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ الْبَيْتُ الَّذِي بَوَّأَهُ
اللَّهُ لِ آدَمَ يَوْمَ أُنْزِلَ إلَى الْأَرْضِ يَاقُوتَةً مِنْ
يَوَاقِيتِ الْجَنَّةِ حَمْرَاءَ تَلْتَهِبُ لَهَا بَابَانِ أَحَدُهُمَا
شَرْقِيٌّ وَالْآخَرُ غَرْبِيٌّ وَكَانَ فِيهَا قَنَادِيلُ مِنْ نُورِ
الْجَنَّةِ أَسَاسُهَا مِنْ ذَهَبٍ وَهُوَ مَنْظُومٌ بِنُجُومٍ مِنْ
يَاقُوتٍ أَبْيَضَ وَالْحَجَرُ نَجْمٌ مِنْ نُجُومِهِ وَعَنْ عَائِشَةَ -
رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْثِرُوا مِنْ اسْتِلَامِ هَذَا
الْحَجَرِ فَإِنَّكُمْ يُوشِكُ أَنْ تَفْقِدُوهُ بَيْنَمَا النَّاسُ ذَاتَ
لَيْلَةٍ يَطُوفُونَ بِهِ إذَا صَبَّحُوا وَقَدْ فَقَدُوهُ إنَّ اللَّهَ
لَا يَتْرُكُ شَيْئًا مِنْ الْجَنَّةِ فِي الْأَرْضِ إلَّا أَعَادَهُ
إلَيْهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ» .
وَرَوَى الْأَزْرَقِيُّ أَنَّ الْحَجَرَ سَيَعُودُ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِثْلَ جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ فِي الْعِظَمِ لَهُ
عَيْنَانِ وَلِسَانٌ وَشَفَتَانِ يَشْهَدُ لِمَنْ اسْتَلَمَهُ بِحَقٍّ
وَيَشْهَدُ عَلَى مَنْ اسْتَلَمَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَفِي مُثِيرِ شَوْقِ
الْأَنَامِ قِيلَ لَمَّا انْتَهَى بُنْيَانُ الْكَعْبَةِ إلَى مَوْضِعِ
الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ إبْرَاهِيمُ لِإِسْمَاعِيلَ ابْغِ لِي حَجَرًا
فَرَجَعَ، وَقَدْ جَاءَ جِبْرِيلُ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَكَانَ اللَّهُ
اسْتَوْدَعَ الرُّكْنَ أَبَا قُبَيْسٍ حِينَ غَرِقَتْ الْأَرْضُ زَمَنَ
نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَبِي
قُبَيْسٍ إذَا رَأَيْت خَلِيلِي يَبْنِي بَيْتِي فَأَخْرِجْهُ لَهُ قَالَ
إسْمَاعِيلُ يَا أَبَتِ مِنْ أَيْنَ لَك هَذَا قَالَ جَاءَ بِهِ مَنْ لَمْ
يَكِلْنِي إلَى حَجَرِك جَاءَ بِهِ جِبْرِيلُ وَفِي كِتَابِ بَهْجَةِ
الْأَنْوَارِ أَنَّ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ مَلَكًا
صَالِحًا وَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى آدَمَ وَأَسْكَنَهُ الْجَنَّةَ
وَأَبَاحَ لَهُ الْجَنَّةَ كُلَّهَا إلَّا الشَّجَرَةَ الَّتِي نَهَاهُ
عَنْهَا وَشَرَطَ ذَلِكَ مَعَهُ وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ مَلَكًا وَذَلِكَ
قَوْله تَعَالَى {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ
وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: 115] ثُمَّ جَعَلَ ذَلِكَ الْمَلَكَ
مُوَكَّلًا عَلَى آدَمَ حَتَّى لَا يَنْسَى عَهْدَ رَبِّهِ كُلَّمَا خَطَرَ
بِبَالِهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ الشَّجَرَةِ نَهَاهُ الْمَلَكُ فَلَمَّا
قَدَّرَ اللَّهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا آدَم غَابَ هَذَا الْمَلَكُ
فَأَكَلَ مِنْهَا فَطَارَتْ عَنْهُ الْحُلَلُ فَأُخْرِجَ مِنْ الْجَنَّةِ
فَلَمَّا رَجَعَ الْمَلَكُ وَجَدَهُ قَدْ نَقَضَ عَهْدَ رَبِّهِ فَنَظَرَ
اللَّهُ إلَى ذَلِكَ الْمَلَكِ بِالْهَيْبَةِ فَصَارَ جَوْهَرًا وَذَلِكَ
أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَرْضَ عَنْ الْمَلَكِ غِيبَتَهُ وَقَالَ لَهُ أَنْتَ
هَتَكْت سِرَّ آدَمَ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأَجْعَلَنَّك لِلْبَشَرِ
أَلَا تَرَى أَنَّهُ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ
يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَهُ يَدٌ وَلِسَانٌ وَأُذُنٌ وَعَيْنٌ؛
لِأَنَّهُ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ مَلَكًا صَالِحًا اهـ.
وَفِي مُثِيرِ شَوْقِ الْأَنَامِ عَنْ أَنَسٍ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَجَرُ يَمِينُ اللَّهِ فِي
أَرْضِهِ فَمَنْ مَسَحَهُ فَقَدْ بَايَعَ اللَّهَ» رَوَاهُ الدَّيْلَمِيُّ
الْأَزْرَقِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ «أَنَّ الْحَجَرَ
يَمِينُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ بَيْعَةَ رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَسَحَ الرُّكْنَ فَقَدْ
بَايَعَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» وَبِهَذَا اللَّفْظِ رَوَاهُ أَبُو طَاهِرٍ
الْمُخْلِصُ فِي فَوَائِدِهِ
(2/448)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
وَأَخْرَجَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فِي رِسَالَتِهِ بِلَفْظِ «الْحَجَرُ
الْأَسْوَدُ يَمِينُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ يُصَافِحُ بِهَا عِبَادَهُ
كَمَا يُصَافِحُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ بَيْعَةَ رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ أَدْرَكَ الْحَجَرَ
وَمَسَحَهُ فَقَدْ بَايَعَ اللَّهَ» رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ
فِي تَهْذِيبِ الْأَمَانِ بِلَفْظِ: «الْحَجَرُ يَدُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ
فَمَنْ مَسَّهُ فَإِنَّمَا يُبَايِعُ اللَّهَ» ، وَعَنْهُ «قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَجَرُ يَمِينُ اللَّهِ
فَمَنْ مَسَحَ يَدَهُ عَلَى الْحَجَرِ فَقَدْ بَايَعَ اللَّهَ أَنْ لَا
يَعْصِيَهُ» رَوَاهُ الدَّيْلَمِيُّ وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَجَرُ يَمِينُ اللَّهِ
فِي الْأَرْضِ يُصَافِحُ بِهَا عِبَادَهُ» رَوَاهُ الْخَطِيبُ فِي
التَّارِيخِ وَابْنُ عَسَاكِرَ قَالَ الْخَطِيبُ مَعْنَى أَنَّهُ يَمِينُ
اللَّهِ فِي الْأَرْضِ أَنَّ مَنْ صَافَحَهُ فِي الْأَرْضِ كَانَ لَهُ
عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ وَجَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّ الْعَقْدَ يَعْقِدُهُ
الْمَلِكُ بِالْمُصَافَحَةِ لِمَنْ يُرِيدُ مُوَالَاتَهُ وَالِاخْتِصَاصَ
بِهِ فَخَاطَبَهُمْ بِمَا يَعْهَدُونَهُ قَالَ الطَّبَرِيُّ مَعْنَاهُ
أَنَّ كُلَّ مَلِكٍ إذَا قَدِمَ عَلَيْهِ الْوَافِدُ قَبَّلَ يَمِينَهُ
فَلَمَّا كَانَ الْحَاجُّ أَوَّلَ مَا يَقْدَمُ يُسَنُّ لَهُ تَقْبِيلُهُ
نُزِّلَ مَنْزِلَةَ يَمِينِ الْمَلِكِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ فِي الْإِيعَابِ قَوْلُهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ يَمِينُ اللَّهِ فِي
أَرْضِهِ» هُوَ مِنْ مَجَازِ التَّمْثِيلِ الْمُقَرَّرِ فِي عِلْمِ
الْبَيَانِ شَبَّهَ إنْعَامَهُ عَلَى عِبَادِهِ عِنْدَ امْتِثَالِهِمْ
أَمْرَهُ بِاسْتِلَامِهِمْ مَا أَمَرَهُمْ بِاسْتِلَامِهِ تَبَرُّكًا بِهِ
وَخُضُوعًا لِأَوَامِرِهِ بِإِنْعَامِ مَلِكٍ أَقْبَلَ عَلَى رَعِيَّتِهِ
وَمَدّ لَهُمْ يَدَهُ لَيُقَبِّلُوهَا لِيَعُمَّهُمْ مَعْرُوفُهُ
فَفَعَلُوا فَعَمَّهُمْ ذَلِكَ اهـ. قَالَ السَّيِّدُ الْإِيجِي فِي
مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ تَسْمِيَةُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ بِيَمَنِ اللَّهِ
تَعَالَى إنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ التَّمْثِيلِ تَرْغِيبًا لِلنَّاسِ
وَتَقْرِيبًا إلَى أَذْهَانِهِمْ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَبَيَانُ
ذَلِكَ أَنَّهَا تَشْبِيهٌ لِحَالِ مَنْ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ
بِحَالِ مَنْ يُبَايِعُ مَلِكًا مُطَاعًا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ
وَالِاسْتِسْلَامِ وَالِانْقِيَادِ بِحَسَبِ الِاسْتِطَاعَةِ فَإِنَّ
الْعَادَةَ جَارِيَةٌ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُبَايَعَةِ بِالْمُصَافَحَةِ
بِالْيَمِينِ وَلَمَّا كَانَ الْمَلِكُ الْحَقُّ جَلَّ جَلَالُهُ
مُنَزَّهًا عَنْ الْيَدِ الْجَارِحَةِ وَالْيَمَنِ الْمَعْهُودَةِ نُزِّلَ
الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ مَنْزِلَةَ يَمِينِ الْمَلِكِ الْمُبَايِعِ
وَأَضَافَهَا إلَى ذَاتِهِ الْأَشْرَفِ تَشْرِيفًا لَهُ وَتَعْرِيفًا لَهَا
بِجَلَالَةِ مَنْزِلَتِهِ لَدَيْهِ سُبْحَانَهُ وَنُزِّلَ الْمُسْتَلِمُ
لَهُ مَنْزِلَةَ الْمُصَافِحِ لِلْمَلِكِ فِي مُبَايَعَتِهِ لِيَعْلَمَ
بِذَلِكَ تَأْكِيدَ هَذِهِ الْمُبَايَعَةِ وَتَشْدِيدَ هَذِهِ
الْمُعَاهَدَةِ وَأَنَّ كُلَّ مَنْ اسْتَلَمَهُ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا
كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ عَهْدٌ بِحُسْنِ الْقَبُولِ
وَحُصُولِ الْمَأْمُولِ وَإِجْزَالِ الثَّوَابِ بِأَنْوَاعِ الْفَضَائِلِ
فِي الْمَآبِ.
1 -
قَالَ الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ الطَّبَرِيُّ فِي كِتَابِ التَّشْوِيقِ
لِيُلْحَظَ فِي الْحَجَرِ عِنْدَ تَقْبِيلِهِ مَعَانِي الْأَوَّلُ مَا
رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ
قَالَ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ يَمِينُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ يُصَافِحُ
بِهَا عِبَادَهُ كَمَا يُصَافِحُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ» ثُمَّ نَقَلَ فِي
مَعْنَاهُ مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ عَنْ
الطَّبَرِيِّ وَقَالَ بَعْدَ تَمَامِهِ فَلْيَنْظُرْ الْعَبْدُ كَيْفَ
يُقَبِّلُهُ وَعَلَى أَيِّ حَالٍ يَكُونُ عِنْدَ اسْتِلَامِهِ الثَّانِي
كَوْنُهُ يَاقُوتَةٌ مِنْ يَوَاقِيتِ الْجَنَّةِ عَلَى مَا نَطَقَتْ بِهِ
شَوَاهِدُ صَحِيحِ السُّنَّةِ فَلْيَقُمْ مُسْتَلِمُهُ بِمَا يَجِبُ لَهُ
مِنْ حَقِّ التَّعْظِيمِ وَالِاحْتِرَامِ وَيُقَابِلُ نِعْمَةَ اللَّهِ
بِهَذَا الْإِنْعَامِ بِشُكْرِ أَدَبِ التَّقْبِيلِ وَالْوَفَاءِ بِحَقِّ
الِاسْتِلَامِ، الثَّالِثُ مُقَبِّلُهُ وَمُسْتَلِمُهُ يَضَعُ شَفَتَيْهِ
عَلَى مَوْضِعٍ وَضَعَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ وَالْمَلَائِكَةِ
الْمُقَرَّبِينَ شِفَاهَهُمْ وَيُبَاشِرُ مَحَلًّا بَاشَرُوهُ
بِأَكُفِّهِمْ، وَهَذَا أَمْرٌ قَطْعِيٌّ لَا شَكَّ فِيهِ وَرُبَّمَا كَانَ
أَيْضًا فِي حَالِهِ ذَلِكَ مُخَالِطًا لِزُمَرٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ
الَّذِينَ لَا تَكَادُ تَخْلُو مِنْ وُرُودِهِمْ تِلْكَ الْبُقْعَةُ وَلَا
تَفْقِدُ مِنْ تَرَدُّدِهِمْ تِلْكَ الْحَضْرَةُ فَيَتَصَوَّرُ
لِاسْتِحْضَارِ ذَلِكَ هَيْبَتَهُمْ وَأَحْوَالَهُمْ وَيَجْمَعُ فِي
الِاقْتِدَاءِ بِهِمْ فِي التَّقْبِيلِ بَيْنَ الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى
وَيُطَهِّرُ ذَلِكَ الْمَحَلَّ الْمُقَدَّسَ مِنْ أَنْ يُقَبِّلَهُ مِنْ
غَيْرِ إخْلَاصٍ وَحُضُورِ قَلْبٍ حَذَرًا مِنْ مَقْتِ اللَّهِ
وَمَلَائِكَتِهِ وَخَوْفًا مِنْ أَنْ يُحْرَمَ مَثُوبَةَ ذَلِكَ
وَيَفُوتَهُ عَمِيمُ بَرَكَتِهِ، الرَّابِعُ يُرْوَى أَنَّ اللَّهَ
تَعَالَى لَمَّا أَخَذَ مِيثَاقَ بَنِي آدَمَ حِينَ اسْتَخْرَجَهُمْ مِنْ
ظَهْرِ آدَمَ كَتَبَهُ فِي رَقٍّ وَأَلْقَمَهُ هَذَا الْحَجَرَ مِنْ أَجْلِ
ذَلِكَ يَقُولُ الْعَبْدُ عِنْدَ مُوَافَاتِهِ إيمَانًا بِك وَوَفَاءً
بِعَهْدِك فَلْيُطَابِقْ قَوْلُهُ هَذَا مَعْنَاهُ وَلْيَسْتَحْضِرْ
بِمَحْضِ الْإِيمَانِ فِي ذِهْنِهِ ذَلِكَ الْمَشْهَدَ حَتَّى كَأَنَّهُ
يُشَاهِدُهُ وَيَرَاهُ لِيَعْلَمَ أَنَّ مَنْ رَجَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ
وَنَكَثَ بَعْدَ الْعَهْدِ فَقَدْ اسْتَحَقَّ الْمَقْتَ عَلَى ذَلِكَ
بِالصَّدِّ وَالطَّرْدِ.
الْخَامِسُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ
بَيْعَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَسَحَ
الْحَجَرَ فَقَدْ بَايَعَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَلْيَعْلَمْ عِنْدَ
اسْتِلَامِهِ أَنَّهُ مُبَايِعٌ لِلَّهِ عَلَى طَاعَتِهِ فَيُصَمِّمُ عَلَى
الْوَفَاءِ بِمُبَايَعَتِهِ، السَّادِسُ وَرَدَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ نَزَلَ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ
مِنْ الْجَنَّةِ وَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ فَسَوَّدَتْهُ
خَطَايَا بَنِي آدَمَ وَمُصَافَحَةُ أَهْلِ الشِّرْكِ» وَفِي هَذَا مِنْ
الْعِبْرَةِ وَالْعِظَةِ مَا لَا يَخْفَى وَلِذَلِكَ أَبْقَاهُ اللَّهُ
تَعَالَى عَلَى صِفَةِ السَّوَادِ أَبَدًا وَإِلَّا فَقَدْ مَسَّهُ بَعْدَ
ذَلِكَ مِنْ أَيْدِي الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ
(2/449)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
وَالْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ مَا يُوجِبُ تَبْيِيضَهُ لَكِنْ أَرَادَ
اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ عِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ
وَوَعْظًا لِكُلِّ مَنْ وَافَاهُ مِنْ ذَوِي الْأَفْكَارِ وَإِرَادَةً
لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الْخَطَايَا إذَا كَانَتْ تُؤَثِّرُ فِي
الْحَجَرِ هَذَا الْأَثَرَ فَمَا ظَنُّكُمْ بِتَأْثِيرِهَا فِي الْقَلْبِ
فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا بَاعِثًا عَلَى مُبَايَنَةِ الزَّلَّاتِ
وَمُجَانَبَةِ الذُّنُوبِ فَلَا يَغْفُلَنَّ مُسْتَلِمُهُ عَنْ الْفِكْرَةِ
فِي هَذَا الْمَعْنَى وَلَا يُهْمِلَنَّ حَظَّهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ
بِهَذِهِ الْمَوْعِظَةِ الْعُظْمَى، السَّابِعُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبَّلَ الْحَجَرَ وَوَضَعَ شَفَتَيْهِ
عَلَيْهِ طَوِيلًا يَبْكِي ثُمَّ الْتَفَتَ فَإِذَا عُمَرُ خَلْفَهُ،
فَقَالَ يَا عُمَرُ هُنَا تُسْكَبُ الْعَبَرَاتُ لَيَبْعَثَنَّ اللَّهُ
هَذَا الْحَجَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُ عَيْنَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا
وَلِسَانٌ يَنْطِقُ بِهِ يَشْهَدُ لِمَنْ اسْتَلَمَهُ بِحَقٍّ
فَلْيَجْتَهِدْ مُسْتَلِمُهُ فِي الْإِخْلَاصِ وَلْيُخْلِصْ فِي الطَّاعَةِ
وَيَجْتَهِدْ فِي أَنْ يَثْبُتَ لَهُ هَذَا الْوَصْفُ بِحَسَبِ
الِاسْتِطَاعَةِ» اهـ. كَلَامُهُ.
وَفِي كِتَابِ الدِّيارْبَكْرِي وَفِي الْخَبَرِ «الرُّكْنُ وَالْمَقَامُ
يَاقُوتُتَانِ مِنْ يَوَاقِيتِ الْجَنَّةِ أُنْزِلَا فَوُضِعَا عَلَى
الصَّفَا فَأَضَاءَ نُورُهُمَا لِأَهْلِ الْأَرْضِ جَانِبَيْ الْمَشْرِقِ
وَالْمَغْرِبِ كَمَا يُضِيءُ الْمِصْبَاحُ فِي اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ
يُؤَمِّنُ الرَّوْعَةَ وَيُسْتَأْنَسُ بِهِ، وَيُبْعَثَانِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَهُمَا فِي الْعِظَمِ مِثْلُ أَبِي قُبَيْسٍ يَشْهَدَانِ
لِمَنْ وَافَاهُمَا بِالْوَفَاءِ وَرَفَعَ النُّورَ عَنْهُمَا وَغَيَّرَ
وَصْفَهُمَا وَحُسْنَهُمَا حَيْثُ هُمَا فِيهِ» اهـ. قَالَ ابْنُ
الْجَوْزِيِّ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَرْفُوعِ «نَزَلَ
الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ مِنْ الْجَنَّةِ أَشَدَّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ
فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ مَا لَفْظُهُ قَدْ اعْتَرَضَ
الْمُلْحِدُونَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالُوا مَا سَوَّدَتْهُ خَطَايَا
الْمُشْرِكِينَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُبَيِّضَهُ تَوْحِيدُ الْمُؤْمِنِينَ
وَاَلَّذِي أَرَاهُ مِنْ الْجَوَابِ أَنَّ بَقَاءَ أَثَرِ الْخَطَايَا
فِيهِ وَهُوَ السَّوَادُ أَبْلَغُ مِنْ بَابِ الْعِبْرَةِ وَالْعِظَةِ مِنْ
تَغَيُّرِ ذَلِكَ لِيُعْلَمَ أَنَّ الْخَطَايَا إذَا أَثَّرَتْ فِي
الْحَجَرِ فَتَأْثِيرُهَا فِي الْقُلُوبِ أَعْظَمُ فَوَجَبَ لِذَلِكَ أَنْ
تُجْتَنَبَ» اهـ. وَالْحِكْمَةُ فِي أَنَّ الذُّنُوبَ سَوَّدَتْهُ دُونَ
غَيْرِهِ مِنْ أَحْجَارِ الْبَيْتِ أَنَّ فِيهِ صَكَّ الْعَهْدِ الَّذِي
هُوَ بِالْفِطْرَةِ الَّتِي فُطِرَ النَّاسُ عَلَيْهَا مِنْ تَوْحِيدِ
اللَّهِ فَكُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ لَوْلَا أَنَّ
أَبَوَيْهِ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ حَتَّى
يَسْوَدَّ قَلْبُهُ بِالشِّرْكِ لِمَا حَالَ عَنْ الْعَهْدِ فَصَارَ قَلْبُ
الْمُؤْمِنِ مَحَلًّا لِذَلِكَ الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ وَصَارَ الْحَجَرُ
مَحَلًّا لِمَا كُتِبَ فِيهِ مِنْ الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ فَتَنَاسَبَا
فَاسْوَدَّ الْقَلْبُ مِنْ خَطَايَا بَنِي آدَمَ بَعْدَمَا كَانَ وُلِدَ
عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ الْعَهْدِ وَاسْوَدَّ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ بَعْدَ
ابْيِضَاضِهِ وَكَانَتْ الْخَطَايَا سَبَبًا فِي ذَلِكَ حِكْمَةً مِنْ
اللَّهِ تَعَالَى.
قَالَ السُّهَيْلِيُّ قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ رَأَيْت الْحَجَرَ سَنَةَ
ثَمَانٍ وَسَبْعِمِائَةٍ وَبِهِ نُقْطَةٌ بَيْضَاءُ ظَاهِرَةٌ لِكُلِّ
أَحَدٍ ثُمَّ رَأَيْت الْبَيَاضَ بَعْدَ ذَلِكَ نَقَصَ نَقْصًا بَيِّنًا
بِحَيْثُ لَمْ نَرَهَا إلَّا بَعْدَ جَهْدٍ اهـ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو
الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ بْنُ خَلِيلٍ الْمَكِّيُّ الشَّافِعِيُّ شَيْخُ
الشَّيْخِ مُحِبِّ الدِّينِ الطَّبَرِيِّ فِي مَنَاسِكِهِ الْكُبْرَى
وَلَقَدْ أَدْرَكْت فِي الْحَجَرِ ثَلَاثَ مَوَاضِعَ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً
مِنْ نَاحِيَةِ بَابِ الْكَعْبَةِ أَكْبَرُهُنَّ فِي قَدْرِ حَبَّةِ
الذُّرَةِ الْكَبِيرَةِ وَالثَّانِيَةُ دُونَهَا وَالثَّالِثَةُ إلَى
جَنْبِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ أَصْغَرُ مِنْ الثَّانِيَةِ قَدْرَ حَبَّةِ
الدُّخْنِ قَالَ ثُمَّ إنِّي أَتَلَمَّحُ تِلْكَ النُّقْطَةَ فَإِذَا هِيَ
فِي كُلِّ وَقْتٍ فِي نَقْصٍ اهـ.
وَذَكَرَ التَّقِيُّ الْفَاسِيُّ أَنَّهُ ذَاكَرَ بِهَذَا الْأَمْرِ بَعْضَ
مَشَايِخِهِ بَعْدَ نَحْوِ خَمْسَةَ عَشَرَ سَنَةً فَذَكَرَ لَهُ أَنَّ فِي
الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ نُقْطَةً بَيْضَاءَ خَفِيَّةً جِدًّا اهـ وَلَمْ
يَذْكُرْ لَهُ مَوْضِعَهَا مِنْ الْحَجَرِ قَالَ وَلَعَلَّهَا النُّقْطَةُ
الْمَوْجُودَةُ فِيهِ الْآنَ فَإِنَّ فِي جَانِبِهِ مِمَّا يَلِي بَابَ
الْكَعْبَةِ مِنْ أَعْلَاهُ نُقْطَةً بَيْضَاءَ قَدْرَ حَبَّةِ سِمْسِمَةٍ
عَلَى مَا أَخْبَرَنِي بِهِ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِمْ مِنْ
أَصْحَابِنَا الْمَكِّيِّينَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ خَامِسَ عَشَرَ
جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ ثَمَانِي عَشَرَةَ وَثَمَانِمِائَةٍ اهـ. قَالَ
الْمُحِبُّ بْنُ فَهْدٍ وَشَاهَدْت بِخَطِّ وَالِدِي الْعِزِّ مِمَّا
نَقَلَهُ مِنْ خَطِّ جَدِّهِ التَّقِيِّ قَالَ أَنَا رَأَيْت هَذِهِ
النُّقْطَةَ بَعْدَ السِّتِّينَ وَثَمَانِمِائَةٍ بِسِنِينَ ثُمَّ
انْطَمَسَتْ مِنْ نَحْوِ سَنَةِ سَبْعِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ اهـ. ثُمَّ
نَقَلَ الْمُحِبُّ عَنْ أَشْيَاخِهِ أَنَّهُ رَآهَا فِي حُدُودِ
السَّبْعِينَ وَلَا يَتَفَطَّنُ لَهَا إلَّا حَادُّ النَّظَرِ مَعَ
الْإِشَارَةِ إلَيْهَا وَأَنَّهُ قَدْ رَآهَا بِإِشَارَةِ التَّقِيِّ بْنِ
فَهْدٍ وَمَعَهُمْ مُحَدِّثُ الْيَمَنِ الشَّيْخُ يَحْيَى الْعَامِرِيُّ
صَاحِبُ كِتَابِ بَهْجَةِ الْمَحَافِلِ وَإِنَّهُمْ لَمْ يَرَوْهَا بَعْدُ
اهـ. مُلَخَّصًا.
وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ «أَنَّ الْحَجَرَ أُلْقِمَ الصَّكَّ
الَّذِي كُتِبَ فِيهِ إقْرَارُ بَنِي آدَمَ بِالتَّوْحِيدِ
وَأَسْمَاؤُهُمْ» قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْوَهَّابِ الشَّعْرَانِيُّ فِي
الْقَوَاعِدِ الْكَشْفِيَّةِ الْمُوضِحَةِ لِمَعَانِي الصِّفَاتِ
الْإِلَهِيَّةِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ هَذَا غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فِي
الْعَقْلِ فَالْجَوَابُ أَنَّ كُلَّ مَا عَسُرَ عَلَى الْعَقْلِ
تَصَوُّرُهُ يَكْفِينَا فِيهِ الْإِيمَانُ بِهِ وَرَدُّ مَعْنَاهُ إلَى
اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ فِي أَوَّلِ
الْبَابِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ الثَّلَاثِمِائَةِ مَا يُؤَيِّدُ
الْإِيمَانَ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
وَغَيْرُهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
خَرَجَ يَوْمًا عَلَى أَصْحَابِهِ وَفِي
(2/450)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
يَدِهِ كِتَابَانِ مَطْوِيَّانِ وَهُوَ قَابِضٌ يَدَهُ عَلَى كِتَابٍ،
فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ أَتَدْرُونَ مَا هَذَانِ الْكِتَابَانِ
فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ فِي الْكِتَابِ الَّذِي فِي يَدِهِ الْيُمْنَى
أَسْمَاءَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَسْمَاءَ آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ
وَعَشَائِرِهِمْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَأَنَّ الَّذِي فِي يَدِهِ
الْيُسْرَى فِيهِ أَسْمَاءُ أَهْلِ النَّارِ وَأَسْمَاءُ آبَائِهِمْ
وَقَبَائِلِهِمْ وَعَشَائِرِهِمْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» اهـ. فَلَوْ
أَنَّ الْإِنْسَانَ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ عَلَى مَا
هِيَ عَلَيْهِ فِي هَذَيْنِ الْكِتَابَيْنِ لَمَا قَامَ بِذَلِكَ وَرَقُ
الدُّنْيَا وَمِنْ هُنَا نُفَرِّقُ كِتَابَةَ اللَّهِ مِنْ كِتَابَةِ
الْمَخْلُوقَاتِ.
قَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ، وَهَذَا عِلْمٌ غَرِيبٌ عَجِيبٌ، وَقَدْ
ذُقْنَاهُ وَشَاهَدْنَاهُ وَحَكَى أَنَّ فَقِيرًا كَانَ طَائِفًا
بِالْبَيْتِ، فَقَالَ لَهُ إنْسَانٌ هَلْ نَزَلَتْ لَك وَرَقَةٌ مِنْ
السَّمَاءِ بِعِتْقِك مِنْ النَّارِ، فَقَالَ لَا وَهَلْ يَنْزِلُ
لِلنَّاسِ أَوْرَاقٌ، فَقَالَ الْحَاضِرُونَ نَعَمْ وَهُمْ يَمْزَحُونَ
مَعَهُ فَلَا زَالَ يَطُوفُ وَيَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُنْزِلَ لَهُ
بَرَاءَةً مِنْ النَّارِ فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ وَرَقَةٌ مِنْ نَاحِيَةِ
الْمِنْبَرِ الشَّرِيفِ مَكْتُوبٌ فِيهَا عِتْقُهُ مِنْ النَّارِ فَفَرِحَ
بِهَا وَأَطْلَعَ النَّاسَ عَلَيْهَا وَكَانَ مِنْ شَأْنِ ذَلِكَ
الْكِتَابِ أَنْ يُقْرَأَ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ عَلَى السَّوَاءِ لَا
يَتَغَيَّرُ كُلَّمَا قَلَبْت الْوَرَقَةَ انْقَلَبَتْ الْكِتَابَةُ
بِانْقِلَابِهَا فَعَلِمَ النَّاسُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِلَا
شَكٍّ، قَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ وَاتَّفَقَ فِي زَمَانِنَا أَنَّ
امْرَأَةً رَأَتْ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ الْقِيَامَةَ قَدْ قَامَتْ
فَأَعْطَاهَا اللَّهُ وَرَقَةً مِنْ شَجَرَةٍ مَكْتُوبٌ فِيهَا عِتْقُهَا
مِنْ النَّارِ فَمَسَكَتْهَا فِي يَدِهَا ثُمَّ اسْتَيْقَظَتْ
وَالْوَرَقَةُ قَدْ انْقَبَضَتْ عَلَيْهَا يَدُهَا فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى
فَتْحِ يَدِهَا بِحِيلَةٍ فَأَرْسَلُوهَا إلَيَّ فَأَلْهَمَنِي اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ أَنْ قُلْت لَهَا انْوِ بِقَلْبِك مَعَ اللَّهِ أَنَّك
تَبْلَعِينَ الْوَرَقَةَ إذَا فُتِحَ كَفُّك فَقَرَّبَتْ يَدَهَا إلَى
فَمِهَا وَنَوَتْ ذَلِكَ فَابْتَلَعَتْهَا وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى
أَرَادَ مِنْهَا أَنْ لَا يَطَّلِعَ عَلَيْهَا أَحَدٌ فَاعْلَمْ ذَلِكَ يَا
أَخِي وَآمِنْ بِأَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَالْحَمْدُ
لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ اهـ.
وَمِنْ آيَاتِ الْحَجَرِ وَخَوَاصِّهِ حِفْظُ اللَّهِ لَهُ مِنْ الضَّيَاعِ
مُنْذُ أُهْبِطَ إلَى آدَمَ، وَقَدْ وَقَعَ لَهُ أُمُورٌ تَقْتَضِي
ذَهَابَهُ كَالطُّوفَانِ وَدَفْنِ أَبِي إيَادٍ وَذَكَرَ ابْنُ جَمَاعَةَ
أَنَّ الْحَجَرَ أُزِيلَ مِنْ مَوْضِعِهِ غَيْرَ مَرَّةٍ ثُمَّ رَدَّهُ
اللَّهُ إلَيْهِ قَالَ وَقَعَ ذَلِكَ مِنْ جُرْهُمٍ وَإِيَادٍ
وَالْعَمَالِقَةِ وَالْقَرَامِطَةُ قَالَ التَّقِيُّ الْفَاسِيُّ وَمَا
ذَكَرَهُ عَنْ الْعَمَالِيقِ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ اهـ. وَفِي سَنَةِ
بِضْعٍ وَثَلَاثِينَ وَأَلْفٍ سَقَطَ مِنْ الْبَيْتِ الْحَرَامِ الْجِدَارُ
الشَّامِيُّ وَبَعْضٌ مِنْ الشَّرْقِيِّ وَالْغَرْبِيِّ وَبَقِيَ
الْجِدَارُ الْيَمَانِيُّ صَحِيحًا فَاقْتَضَى رَأْيُ الْمُعَلِّمِ
بِالْبَلَدِ عَلِيِّ بْنِ شَمْسِ الدِّينِ هَدْمَ ذَلِكَ كُلِّهِ
فَمَنَعْته مِنْ هَدْمِ الْجِدَارِ الْيَمَانِيِّ وَأَلَّفْت فِيهِ
مُؤَلَّفًا سَمَّيْته إيضَاحُ تَلْخِيصِ بَدِيعِ الْمَعَانِي فِي بَيَانِ
مَنْعِ هَدْمِ جِدَارِ الْكَعْبَةِ الْيَمَانِيِ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ
قَوْمٌ آخَرُونَ فَشَرَعُوا فِي بِنَاءِ الْبَيْتِ وَكَانَ النَّاظِرُ
عَلَى الْعِمَارَةِ مِنْ قِبَلِ مَوْلَانَا السُّلْطَانِ مرادخان نَصَرَهُ
اللَّهُ، وَقَدْ كَانَ الْحَجَرُ الَّذِي فَوْقَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ
قَدْ اخْتَلَّ وَبَرَزَ إلَى خَارِجٍ فَأَخْرَجُوهُ وَأَخَذَ الْمُهَنْدَسُ
يُزِيلُ مَا عَلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْجِبْسِ وَالْفِضَّةِ
فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إذْ قَرَصَ بِالْمِعْوَلِ مِنْ غَيْرِ تَأَنٍّ
فَإِذَا بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ قَدْ تَشَطَّأَ مِنْهُ أَرْبَعُ شَطَيَاتٍ
مِنْ وَجْهِهِ وَكَادَتْ أَنْ تَسْقُطَ عَنْهُ إلَّا أَنَّهَا بَقِيَتْ فِي
مَكَانِهَا فَعَظُمَ هَذَا الْأَمْرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَشَرَعَ بَعْضُ
الْحَاضِرِينَ يَقُولُ لَا يَتِمُّ إصْلَاحُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إلَّا
إنْ رُفِعَ مِنْ مَكَانِهِ لِيَصْلُحَ الَّذِي تَحْتَهُ فَلَمْ يُسَلِّمْ
لَهُ الْحَاضِرُونَ هَذَا الرَّأْيَ وَأَبْقَوْهُ بِمَحَلِّهِ ثُمَّ
شَرَعُوا فِي طَبْخِ آلَاتٍ يُلْصَقُ بِهَا مَا كَانَ تَشَطَّرَ مِنْهُ
فَفَعَلُوا وَأَلْصَقُوهَا فَتَمَّ إحْكَامُهَا ثُمَّ أَعَادُوا الْحَجَرَ
الَّذِي كَانَ فَوْقَهُ فَوَضَعُوهُ مَكَانَهُ وَأَحْكَمُوا اللِّحَامَ
بَيْنَهُمَا بِالْجِبْسِ وَالْفِضَّةِ الْمُذَابَةِ وَقَدْ رَأَيْت
الْحَجَرَ يَوْمَئِذٍ وَطُولُهُ نِصْفُ ذِرَاعٍ بِذِرَاعِ الْعَمَلِ
وَعَرْضُهُ مِنْ جِهَةِ الْبَابِ إلَى جِهَةِ الْيَمَانِيِ ثَمَانُ
قَرَارِيطَ وَسُمْكُهُ أَرْبَعُ قَرَارِيطَ.
وَذَكَرَ الْمُؤَرِّخُونَ أَنَّ أَبَا طَاهِرٍ الْقَرْمَطِيَّ نِسْبَةً
إلَى قِرْمِطَ إحْدَى قُرَى وَاسِطَ وَهُوَ كَافِرٌ كَمَا فِي شَرْحِ
الْمُشْكَاةِ لحج جَاءَ مَكَّةَ سَابِعَ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ
ثَلَاثِمِائَةٍ وَسَبْعَ عَشْرَةَ فَسَفَكَ الدِّمَاءَ بِمَكَّةَ حَتَّى
مَلَأَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَبِئْرَ زَمْزَمَ مِنْ الْقَتْلَى وَقَلَعَ
الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَذَهَبَ بِهَا إلَى بِلَادِ هَجَرَ وَعَلَّقَهُ فِي
مَسْجِدِ الْكُوفَةِ عَلَى الْأُسْطُوَانَةِ السَّابِعَةِ لِزَعْمِهِ
الْفَاسِدِ أَنَّ الْحَجَّ يُنْقَلُ إلَيْهِ وَبَقِيَ مَوْضِعُهُ خَالِيًا
يَضَعُ النَّاسُ فِيهِ أَيْدِيَهُمْ لِلتَّبَرُّكِ إلَى حِينِ رَدَّهُ إلَى
مَوْضِعِهِ وَذَلِكَ عَامَ تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ،
فَمُدَّةُ إقَامَتِهِ عِنْدَ الْقَرَامِطَةِ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ سَنَةً
فَافْتَدَاهُ أَيْ اشْتَرَاهُ مِنْهُمْ الْخَلِيفَةُ الْعَبَّاسِيُّ
بِثَلَاثِينَ أَلْفِ دِينَارٍ وَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ
عُكَيْمٍ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ فَالْكَافِ بِوَزْنِ عُلَيْمٍ
الْمُحَدِّثَ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ لِيَتَعَرَّفَهُ وَيَأْتِي بِهِ فَذَهَبَ
هُوَ وَمَنْ مَعَهُ إلَى الْقَرَامِطَةِ فَأَحْضَرُوا لَهُمْ حَجَرًا،
فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَنَا فِي حَجَرِنَا عَلَامَتَانِ لَا يَسْخُنُ
بِالنَّارِ وَلَا يَغُوصُ فِي الْمَاءِ فَأَحْضَرُوا نَارًا وَمَاءً
فَأُلْقِيَ فِي الْمَاءِ فَغَاصَ ثُمَّ فِي النَّارِ فَحَمِيَ وَكَادَ
يَتَشَقَّقُ، فَقَالَ
(2/451)
(فَصْلٌ) فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ مَعَ
مَا يُذْكَرُ مَعَهُ (سُنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَخْطُبَ) وَلَوْ بِنَائِبِهِ
(بِمَكَّةَ سَابِعَ) ذِي (الْحِجَّةِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ أَفْصَحُ مِنْ
فَتْحِهَا الْمُسَمَّى بِيَوْمِ الزِّينَةِ لِتَزْيِينِهِمْ فِيهِ
هَوَادِجَهُمْ (بَعْدَ) صَلَاةِ (ظُهْرٍ أَوْ جُمُعَةٍ) إنْ كَانَ
يَوْمُهَا (خُطْبَةً) فَرْدَةً (يَأْمُرُ) هُمْ (فِيهَا بِالْغُدُوِّ)
يَوْمَ الثَّامِنِ الْمُسَمَّى بِيَوْمِ التَّرْوِيَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
عَبْدُ اللَّهِ لَيْسَ هَذَا بِحَجَرِنَا ثُمَّ أُتِيَ بِحَجَرٍ مُضَمَّخٍ
بِالطِّيبِ فَفَعَلَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ كَذَلِكَ فَجَرَى لَهُ مَا جَرَى
لِذَلِكَ فَأُحْضِرَ إلَيْهِمْ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ فَوُضِعَ فِي
الْمَاءِ فَطَفَى وَلَمْ يَغُصْ وَفِي النَّارِ فَلَمْ يَحْمِ فَعَجِبَ
أَبُو طَاهِرٍ وَسَأَلَهُ عَنْ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ فَأَسْنَدَ عَنْ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ
«الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ يَمِينُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ خَلَقَهُ اللَّهُ
مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ مِنْ الْجَنَّةِ وَإِنَّمَا اسْوَدَّ مِنْ ذُنُوبِ
النَّاسِ يُحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَهُ عَيْنَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا
وَلِسَانٌ يَتَكَلَّمُ بِهِ يَشْهَدُ لِكُلِّ مَنْ اسْتَلَمَهُ وَقَبَّلَهُ
بِالْإِيمَانِ وَأَنَّهُ حَجَرٌ يَطْفُو عَلَى الْمَاءِ وَلَا يَسْخُنُ
بِالنَّارِ إذَا أُوقِدَتْ عَلَيْهِ» .
قَالَ أَبُو طَاهِرٍ هَذَا دِينٌ مَضْبُوطٌ بِالنَّقْلِ وَمِنْ آيَتِهِ
أَنْ تَفَسَّخَ تَحْتَهُ وَهُمْ ذَاهِبُونَ بِهِ قِيلَ أَرْبَعُونَ جَمَلًا
وَقِيلَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَقِيلَ خَمْسُمِائَةٍ وَلَمَّا أُعِيدَ لِمَكَّةَ
أُعِيدَ عَلَى جَمَلٍ أَعْجَفَ هَزِيلٍ فَسَمِنَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَحْكَامَ الْفِقْهِيَّةَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِهِ مِنْ
التَّقْبِيلِ وَغَيْرِهِ فِي مَذْهَبِنَا مَعْلُومَةٌ، وَأَمَّا عِنْدَ
الْحَنَفِيَّةِ فَيُسَنُّ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْحَجَرَ بِوَجْهِهِ رَافِعًا
يَدَيْهِ إلَى مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ يُرْسِلُهَا ثُمَّ يَسْتَلِمُهُ فَيَضَعُ
كَفَّهُ عَلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَيُقَبِّلُهُ وَيَسْجُدُ عَلَيْهِ
إنْ أَمْكَنَ مِنْ غَيْرِ إيذَاءٍ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ وَضَعَ يَدَيْهِ
عَلَيْهِ وَقَبَّلَهُمَا فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ وَضَعَ عَلَيْهِ نَحْوَ
عَصًا فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ رَفَعَ يَدَيْهِ إلَى مَنْكِبَيْهِ وَجَعَلَ
بَاطِنَهُمَا نَحْوَ الْحَجَرِ مُشِيرًا إلَيْهِ كَأَنَّهُ وَاضِعٌ
يَدَيْهِ عَلَيْهِ وَظَاهِرُهُمَا نَحْوَ وَجْهِهِ وَيُقَبِّلُهُمَا
وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَنَّ التَّقْبِيلَ مَسْنُونٌ فِي أَوَّلِ
الطَّوَافِ وَآخِرِهِ وَفِيمَا بَيْنَهُمَا أَدَبٌ وَعِنْدَ
الْمَالِكِيَّةِ مِنْ سُنَنِ الطَّوَافِ اسْتِلَامُ الْحَجَرِ بِالْفَمِ
تَقْبِيلًا أَوَّلَ كُلِّ طَوْفَةٍ فَإِنْ زُوحِمَ لَمَسَ بِيَدِهِ أَوْ
بِعُودٍ ثُمَّ وَضَعَهُ عَلَى فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلٍ فَإِنْ لَمْ
يَصِلْ إلَيْهِ كَبَّرَ إذَا حَاذَاهُ وَمَضَى وَلَا يُشِيرُ بِيَدِهِ.
وَقَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ يَكُونُ تَقْبِيلُ الْحَجَرِ بِغَيْرِ صَوْتٍ قَالَ
مَالِكٌ وَيُزَاحِمُ عَلَى الْحَجَرِ مَا لَمْ يُؤْذِ أَحَدًا وَأَنْكَرَ
مَالِكٌ وَضْعَ الْخَدَّيْنِ وَالْجَبْهَةِ عَلَيْهِ وَقَالَ إنَّهُ
بِدْعَةٌ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَنْكَرَ ذَلِكَ
غَيْرَ مَالِكٍ وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ فَيَمْسَحُهُ
بِيَدِهِ وَيُقَبِّلُهُ إنْ أَمْكَنَ كُلَّ طَوْفَةٍ وَإِلَّا اسْتَلَمَهُ
وَقَبَّلَ يَدَهُ فَإِنْ عَجَزَ اسْتَلَمَهُ بِشَيْءٍ مَعَهُ وَقَبَّلَهُ
فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ أَشَارَ إلَيْهِ بِيَدِهِ كَمَا قَالَهُ
أَحْمَدُ وَلَمْ يَقُلْ يُقَبِّلُ يَدَهُ وَحَسُنَ السُّجُودُ عَلَيْهِ فِي
ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ، وَكَذَا يُقَبَّلُ عِنْدَهُمْ الرُّكْنُ
الْيَمَانِيُّ وَلَا يُسْتَحَبُّ رَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ نِيَّةِ
الطَّوَافِ قَبْلَ اسْتِقْبَالِ الْحَجَرِ عِنْدَ الْأَرْبَعَةِ وَلَا
عِنْدَ اسْتِقْبَالِهِ إلَّا عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ
قَالَ الْعِزُّ بْنُ جَمَاعَةَ وَإِنَّمَا نَبَّهْت عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّ
كَثِيرًا مِنْ الْعَوَامّ يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ عِنْدَ نِيَّةِ
الطَّوَافِ وَالْحَجَرُ عَنْ يَمِينِهِمْ بِكَثِيرٍ اهـ.
حَاصِلُ وَمُلَخَّصُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ الْفَاضِلُ ابْنُ عَلَّانَ فِي
رِسَالَتِهِ الْمَذْكُورَةِ نَقَلْته مَعَ طُولِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ
الْفَوَائِدِ الْمُسْتَغْرَبَةِ الَّتِي لَمْ تُذْكَرْ إلَّا فِي هَذِهِ
الرِّسَالَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[فَصْلٌ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ]
(فَصْلٌ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ إلَخْ) جَعَلَ الْوُقُوفَ مَقْصُودًا
بِالتَّرْجَمَةِ لِكَوْنِهِ رُكْنًا وَأَخَّرَهُ فِي الذِّكْرِ لِتَقَدُّمِ
غَيْرِهِ عَلَيْهِ فِي الْفِعْلِ اهـ. ع ش.
(قَوْلُهُ: أَنْ يَخْطُبَ بِمَكَّةَ إلَخْ) وَكَوْنُ الْخُطْبَةِ عِنْدَ
الْكَعْبَةِ أَوْ بِبَابِهَا حَيْثُ لَا مِنْبَرَ أَفْضَلُ اهـ. حَجّ
وَلَوْ تَوَجَّهُوا لِلْوُقُوفِ قَبْلَ دُخُولِ مَكَّةَ اُسْتُحِبَّ
لِإِمَامِهِمْ أَنْ يَفْعَلَ كَمَا يَفْعَلُ إمَامُ مَكَّةَ قَالَهُ
الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ
اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: لِتَزْيِينِهِمْ فِيهِ هَوَادِجَهُمْ) أَيْ لِلسَّيْرِ فِي غَدٍ
اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
وَعِبَارَةُ حَجّ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُزَيِّنُونَ فِيهِ هَوَادِجَهُمْ
انْتَهَتْ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ قَدْ انْقَطَعَ وَهُوَ
كَذَلِكَ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ الْآنَ.
(قَوْلُهُ: أَوْ جُمُعَةٍ) وَلَا يَكْفِي عَنْهَا خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ
وَإِنْ تَعَرَّضَ لَهَا فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهَا اهـ.
بِرْمَاوِيٌّ؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ.
(قَوْلُهُ: خُطْبَةً فَرْدَةً) اُنْظُرْ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ
يَتَعَرَّضَ لِأَرْكَانِ خُطْبَتَيْ الْجُمُعَةِ أَوْ لَا، تَوَقَّفَ
شَيْخُنَا فِي ذَلِكَ وَمَالَ إلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ
لِكُلِّ الْأَرْكَانِ، بَلْ يَكْفِي أَرْكَانُ الْخُطْبَةِ الْأُولَى
فَلْيُحَرَّرْ، ثُمَّ اسْتَظْهَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ يَأْتِي
بِالْأَرْكَانِ الْمُشْتَرَكَةِ لَا غَيْرُ وَهِيَ: حَمْدُ اللَّهِ
تَعَالَى وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَالْوَصِيَّةُ بِالتَّقْوَى،
وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْآيَةِ وَالدُّعَاءُ لِلْمُؤْمِنِينَ فَلَا
يُشْتَرَطُ اهـ بِخَطِّ الشَّيْخِ خَضِرٍ الشَّوْبَرِيِّ.
وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ قَوْلُهُ فَرْدَةً وَيَفْتَتِحُهَا
الْمُحْرِمُ بِالتَّلْبِيَةِ وَالْحَلَالُ بِالتَّكْبِيرِ وَيُسْتَحَبُّ
لَهُ إنْ كَانَ فَقِيهًا أَنْ يَقُولَ هَلْ مِنْ سَائِلٍ وَيَجِبُ أَنْ
يَأْتِيَ فِيهَا بِالْأَرْكَانِ الْخَمْسَةِ، وَهَذِهِ أَوَّلُ خُطَبِ
الْحَجِّ الْأَرْبَعِ وَثَانِيهَا يَوْمُ عَرَفَةَ بِمَسْجِدِ إبْرَاهِيمَ
وَثَالِثُهَا يَوْمُ الْعِيدِ وَالرَّابِعَةُ ثَانِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ
وَكُلُّهَا فُرَادَى وَبَعْدَ الصَّلَاةِ إلَّا الثَّانِيَةَ فَثِنْتَانِ
وَقَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَكُلُّهَا بَعْدَ الزَّوَالِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: يَأْمُرُهُمْ فِيهَا بِالْغُدُوِّ) أَيْ السَّيْرِ قَبْلَ
الزَّوَالِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ غَدَا يَوْمَهُ أَيْ ذَهَبَ قَبْلَ
الزَّوَالِ وَرَاحَ إذَا ذَهَبَ بَعْدَهُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ (تَنْبِيهٌ)
مَرَّ وُجُوبُ
(2/452)
لِأَنَّهُمْ يَتَرَوَّوْنَ فِيهِ الْمَاءَ
(إلَى مِنًى) وَيُسَمَّى التَّاسِعُ يَوْمَ عَرَفَةَ وَالْعَاشِرُ يَوْمَ
النَّحْرِ وَالْحَادِيَ عَشَرَ يَوْمَ الْمَقَرِّ لِاسْتِقْرَارِهِمْ فِيهِ
بِمِنًى وَالثَّانِي عَشَرَ يَوْمَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثَ
عَشَرَ يَوْمَ النَّفْرِ الثَّانِي (وَيُعَلِّمُهُمْ) فِيهَا
(الْمَنَاسِكَ) إلَى الْخُطْبَةِ الْآتِيَة فِي مَسْجِدِ إبْرَاهِيمَ
وَيَأْمُرُ فِيهَا أَيْضًا الْمُتَمَتِّعِينَ وَالْمَكِّيِّينَ بِطَوَافِ
الْوَدَاعِ قَبْلَ خُرُوجِهِمْ وَبَعْدَ إحْرَامِهِمْ، وَهَذَا الطَّوَافُ
مَسْنُونٌ وَقَوْلِي أَوْ جُمُعَةً مِنْ زِيَادَتِي (وَ) أَنْ (يَخْرُجَ
بِهِمْ مِنْ غَدٍ) بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي (بَعْدَ صُبْحٍ) أَيْ
صَلَاتِهِ نَعَمْ إنْ كَانَ يَوْمَ جُمُعَةٍ خَرَجَ بِهِمْ قَبْلَ
الْفَجْرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
صَوْمِ الِاسْتِسْقَاءِ بِأَمْرِ الْإِمَامِ أَوْ مَنْصُوبِهِ وَقِيَاسُهُ
وُجُوبُ مَا يَأْمُرُ بِهِ أَحَدُهُمَا بِجَامِعِ أَنَّهُ مَسْنُونٌ أَمَرَ
بِهِ فِيهِمَا وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ فِي الصَّوْمِ ثَمَّ عَوْدُ
مَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ
عَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ السَّبَبَ فِي الْغَيْثِ
بِخِلَافِهِ هُنَا نَعَمْ مَرَّ ثَمَّ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ مَا فِيهِ
مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ يَصِيرُ بِأَمْرِهِ وَاجِبًا بَاطِنًا أَيْضًا
بِخِلَافِ مَا لَيْسَ فِيهِ تِلْكَ الْمَصْلَحَةُ لَا يَجِبُ إلَّا
ظَاهِرًا فَقَطْ فَكَذَا يُقَالُ هُنَا لَا يَجِبُ إلَّا ظَاهِرًا وَمَرَّ
ثَمَّ أَيْضًا مَا يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ وِلَايَةَ الْقَضَاءِ تَشْمَلُ
ذَلِكَ وَحِينَئِذٍ فَهَلْ الْخَطِيبُ الَّذِي وَلَّاهُ الْإِمَامُ
الْخَطَابَةَ لَا غَيْرُ كَذَلِكَ أَوْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ مِنْ شَأْنِ
الْقَضَاءِ النَّظَرَ فِي الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ بِخِلَافِ الْخَطَابَةِ
اهـ ابْنُ حَجَرٍ، وَقَوْلُهُ وَقِيَاسُهُ وُجُوبُ مَا يَأْمُرُ بِهِ
أَحَدُهُمَا إلَخْ يَحْتَمِلُ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْأَمْرِ فِي هَذَا
الْمَقَامِ الْإِخْبَارُ بِأَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِذَلِكَ مِنْ جِهَةِ
الشَّرْعِ فَإِنْ فُرِضَ أَنَّهُ أَمْرٌ فَيُتَّجَهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ
لِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ وَجَبَ الِامْتِثَالُ كَمَا فِي الِاسْتِسْقَاءِ
وَإِلَّا فَلَا فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ. سم عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمْ يَتَرَوَّوْنَ فِيهِ الْمَاءَ) أَيْ يَحْمِلُونَهُ
مَعَهُمْ مِنْ مَكَّةَ لِيَسْتَعْمِلُوهُ فِي عَرَفَاتٍ وَغَيْرِهَا
شُرْبًا وَغَيْرَهُ لِقِلَّتِهِ إذْ ذَاكَ بِتِلْكَ الْأَمَاكِنِ وَقِيلَ
لِرُؤْيَا إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَبْحَ
وَلَدِهِ فِي لَيْلَتِهِ، وَقِيلَ لِأَنَّهُ تَرَوَّى أَيْ تَفَكَّرَ فِي
رُؤْيَاهُ الَّتِي رَآهَا، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: إلَى مِنًى) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ عَلَى
الْأَفْصَحِ وَيَجُوزُ تَشْدِيدُهَا وَضَمُّ الْمِيمِ خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ
جَمْعُ مُنْيَةٍ أَيْ مَا يُتَمَنَّى وَهِيَ بِالْقَصْرِ وَتَذْكِيرُهَا
أَغْلَبُ وَقَدْ تُؤَنَّثُ وَيَجُوزُ فِيهَا الصَّرْفُ وَعَدَمُهُ عَلَى
إرَادَةِ الْمَكَانِ أَوْ الْبُقْعَةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ مَا
يُمْنَى أَيْ يُرَاقُ فِيهَا مِنْ الدِّمَاءِ، وَهِيَ مَا بَيْنَ وَادِي
مُحَسِّرٍ وَأَسْفَلِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ؛ لِأَنَّ الْجَمْرَةَ لَيْسَتْ
مِنْهَا وَذَلِكَ سَبْعَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَمِائَتَا ذِرَاعٍ بِذِرَاعِ
الْيَدِ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ فَرْسَخٌ وَكَذَا مِنْهَا إلَى
مُزْدَلِفَةَ وَمِنْ مُزْدَلِفَةَ إلَى عَرَفَاتٍ كَذَلِكَ اهـ.
بِرْمَاوِيٌّ.
(فَائِدَةٌ) فِي مِنًى أَرْبَعُ آيَاتٍ مَا يُقْبَلُ مِنْ أَحْجَارِهَا
رُفِعَ وَمَا لَمْ يُقْبَلْ تُرِكَ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَسُدَّ مَا بَيْنَ
الْجَبَلَيْنِ وَأَنَّ الْحَدَأَةَ تَحُومُ بِمِنًى حَوْلَ اللَّحْمِ وَلَا
تَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا وَأَنَّ الذُّبَابَ لَا يُرَى فِيهَا فِي أَيَّامِ
التَّشْرِيقِ وَأَنَّهَا تَتَّسِعُ بِأَهْلِهَا كَاتِّسَاعِ بَطْنِ
الْمَرْأَةِ الْحَامِلِ وَكُلُّ ذَلِكَ مُشَاهَدٌ اهـ. مِنْ هَوَامِشِ
بَعْضِ نُسَخِ شَرْحِ م ر.
(قَوْلُهُ: وَيُسَمَّى التَّاسِعُ يَوْمَ عَرَفَةَ) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفْضَلُ الْأَيَّامِ يَوْمُ عَرَفَةَ وَإِذَا
وَافَقَ يَوْمَ جُمُعَةٍ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ حَجَّةً فِي
غَيْرِ يَوْمِ جُمُعَةٍ» ، أَخْرَجَهُ رَزِينٌ وَعَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا كَانَ يَوْمُ جُمُعَةٍ غَفَرَ اللَّهُ
لِجَمِيعِ أَهْلِ الْمَوْقِفِ» قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ
جَمَاعَةَ: سُئِلَ وَالِدِي عَنْ وَقْفَةِ الْجُمُعَةِ هَلْ لَهَا
مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهَا فَأَجَابَ بِأَنَّ لَهَا مَزِيَّةً عَلَى
غَيْرِهَا مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ وَالثَّانِي مَا ذَكَرْنَاهُ
مِنْ الْحَدِيثَيْنِ، وَالثَّالِثُ الْعَمَلُ يَشْرُفُ بِشَرَفِ
الْأَزْمِنَةِ كَمَا يَشْرُفُ بِشَرَفِ الْأَمْكِنَةِ وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ
أَفْضَلُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ فِيهِ
أَفْضَلَ، الرَّابِعُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا
عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ
وَلَيْسَتْ فِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، الْخَامِسِ مُوَافَقَةُ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ وَقْفَتَهُ فِي
حَجَّةِ الْوَدَاعِ كَانَتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَإِنَّمَا يَخْتَارُ
اللَّهُ لَهُ الْأَفْضَلَ، قَالَ وَالِدِي أَمَّا مِنْ حَيْثُ إسْقَاطُ
الْفَرْضِ فَلَا مَزِيَّةَ لَهَا عَلَى غَيْرِهَا وَسَأَلَهُ بَعْضُ
الطَّلَبَةِ فَقَالَ قَدْ جَاءَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَغْفِرُ لِجَمِيعِ
أَهْلِ الْمَوْقِفِ فَمَا وَجْهُ تَخْصِيصِهِ ذَلِكَ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ
فِي الْحَدِيثِ يَعْنِي الْمُتَقَدِّمَ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ
أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَغْفِرُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِغَيْرِ
وَاسِطَةٍ وَفِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ يَهَبُ قَوْمًا لِقَوْمٍ اهـ. ز
ي.
(قَوْلُهُ: إلَى الْخُطْبَةِ الْآتِيَةِ) هَذَا بَيَانٌ لِأَصْلِ
السُّنَّةِ وَالْأَكْمَلُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ فِي كُلِّ
خُطْبَةٍ جَمِيعَ مَا أَمَامَهُمْ مِنْ الْمَنَاسِكِ إلَى آخِرِهَا؛
لِأَنَّهُ أَرْسَخُ فِي أَذْهَانِهِمْ وَرُبَّمَا لَمْ يَحْضُرْ بَعْضُهُمْ
بَعْضَ الْخُطَبِ فَيَسْتَفِيدُ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا مِمَّا حَضَرَهُ
اهـ. شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: الْمُتَمَتِّعِينَ) بِخِلَافِ الْمُفْرِدِ وَالْقَارِنِ
الْآفَاقِيَّيْنِ لَا يُؤْمَرَانِ بِطَوَافِ وَدَاعٍ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ
يَتَحَلَّلَا مِنْ مَنَاسِكِهِمَا وَلَيْسَتْ مَكَّةُ مَحَلَّ
إقَامَتِهِمَا اهـ. م ر.
وَعِبَارَةُ حَجّ يَأْمُرُ فِيهَا الْمُتَمَتِّعِينَ وَالْمَكِّيِّينَ
بِطَوَافِ الْوَدَاعِ بَعْدَ إحْرَامِهِمْ وَقَبْلَ خُرُوجِهِمْ؛ لِأَنَّهُ
مَنْدُوبٌ لَهُمْ لِتَوَجُّهِهِمْ لِابْتِدَاءِ النُّسُكِ دُونَ
الْمُفْرِدِينَ وَالْقَارِنِينَ لِتَوَجُّهِهِمْ لِإِتْمَامِهِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: أَيْ صَلَاتِهِ) وَالْأَوْلَى عِنْدَ الضُّحَى كَمَا فَعَلَهُ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: خَرَجَ بِهِمْ قَبْلَ الْفَجْرِ) أَيْ نَدْبًا. اهـ. شَرْحُ م ر
فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ هَذَا الْمَنْدُوبَ وَتَخَلَّفَ إلَى مَا بَعْدَ
الْفَجْرِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْمُكْثُ إلَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ إنْ لَمْ
تَتَأَتَّ لَهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ نَدْبِ
الْخُرُوجِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَبَيْنَ حُرْمَةِ السَّفَرِ بَعْدَهُ كَمَا
لَا يَخْفَى اهـ. رَشِيدِيٌّ.
(قَوْلُهُ: أَيْضًا خَرَجَ بِهِمْ قَبْلَ الْفَجْرِ) أَيْ مَا لَمْ
تَتَعَطَّلْ الْجُمُعَةُ بِمَكَّةَ اهـ. حَجّ، وَقَوْلُهُ مَا لَمْ
تَتَعَطَّلْ الْجُمُعَةُ بِمَكَّةَ فِيهِ أَمْرَانِ الْأَوَّلُ أَنَّ
التَّعْطِيلَ إنَّمَا يَكُونُ بِذَهَابِ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِ بِخِلَافِ
ذَهَابِ مَنْ تَلْزَمُهُ وَلَا تَنْعَقِدُ بِهِ كَالْمُقِيمِ غَيْرِ
الْمُسْتَوْطِنِ
(2/453)
إنْ لَزِمَتْهُمْ الْجُمُعَةُ وَلَمْ
يُمْكِنْهُمْ إقَامَتُهَا بِمِنًى كَمَا عُرِفَ فِي بَابِهَا (إلَى مِنًى)
فَيُصَلُّونَ بِهَا الظُّهْرَ وَمَا بَعْدَهَا لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ
مُسْلِمٌ
(وَ) أَنْ (يَبِيتُوا بِهَا وَ) أَنْ (يَقْصِدُوا عَرَفَةَ إذَا
أَشْرَقَتْ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
فَقَوْلُهُ مَا لَمْ تَتَعَطَّلْ بِمَكَّةَ أَيْ بِأَنْ كَانَ تَمَامَ مَنْ
تَنْعَقِدُ بِهِ أَوْ جَمِيعَ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِ الثَّانِي أَنَّهُ
قَدَّمَ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ قَوْلَهُ بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ أَيْ
أَهْلِ الْقَرْيَةِ تَعْطِيلُ مَحِلِّهِمْ مِنْ إقَامَتِهَا وَالذَّهَابِ
إلَيْهَا فِي بَلَدٍ آخَرَ ثُمَّ قَوْلُهُ وَقَيَّدَهُ أَيْ جَوَازَ سَفَرِ
مَنْ لَزِمَتْهُ إذَا أَمْكَنَتْهُ فِي طَرِيقِهِ أَوْ مَقْصِدِهِ صَاحِبِ
التَّعْجِيزِ بَحْثًا بِمَا إذَا لَمْ تَبْطُلْ جُمُعَةُ بَلَدِهِ بِأَنْ
كَانَ تَمَامَ الْأَرْبَعِينَ وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِمَّا مَرَّ آنِفًا
مِنْ حُرْمَةِ تَعْطِيلِ بَلَدِهِمْ عَنْهَا لَكِنَّ الْفَرْقَ وَاضِحٌ
فَإِنَّ هَؤُلَاءِ مُعَطِّلُونَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ
فَإِنْ فُرِضَ أَنَّ سَفَرَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ اتَّجَهَ مَا قَالَهُ
وَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْهَا فِي طَرِيقِهِ اهـ. وَقَضِيَّةُ فَرْقِهِ
أَنَّهُمْ لَوْ عَطَّلُوا لِحَاجَةٍ جَازَ وَحِينَئِذٍ فَالْحَاصِلُ
جَوَازُ كُلٍّ مِنْ التَّعْطِيلِ وَالسَّفَرِ لِحَاجَةٍ إذَا تَضَرَّرَ
بِتَخَلُّفِهِ عَنْ الرُّفْقَةِ فِيمَا يَظْهَرُ أَوْ أَمْكَنَتْهُ فِي
مَحَلٍّ آخَرَ وَإِنْ خَرَجَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَقِيَاسُ ذَلِكَ جَوَازُ
التَّعْطِيلِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ إذَا أَمْكَنَتْهُمْ فِي مِنًى مَثَلًا
وَإِنْ خَرَجُوا بَعْدَ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ لِحَاجَةٍ، بَلْ قَدْ
يُتَّجَهُ هُنَاكَ وَهُنَا جَوَازُ الْخُرُوجِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَإِنْ
لَزِمَ التَّعْطِيلُ وَعَدَمُ إدْرَاكِهَا فِي مَحَلٍّ لِعَدَمِ
التَّكْلِيفِ حِينَئِذٍ فَيُتَأَمَّلُ، بِخِلَافِهِ بَعْدَ الْفَجْرِ
فَمَنْ لَزِمَ مِنْ خُرُوجِهِ التَّعْطِيلُ امْتَنَعَ وَإِنْ أَدْرَكَهَا
بِمَحِلٍّ آخَرَ وَمَنْ لَا فَإِنْ لَزِمَتْهُ امْتَنَعَ أَيْضًا إلَّا إنْ
أَدْرَكَهَا بِآخَرَ.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ عَقِبَ قَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ الثَّامِنُ
جُمُعَةً خَرَجَ مَنْ تَلْزَمُهُ قَبْلَ الْفَجْرِ فَإِنْ خَرَجُوا بَعْدَ
الْفَجْرِ وَأَمْكَنَ فِعْلُهَا بِمِنًى جَازَ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَخَلَّفَ بِمَكَّةَ مَنْ
يُقِيمُ الْجُمُعَةَ وَإِنْ لَا وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الظَّاهِرُ كَمَا
قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ
الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُمْ مُسِيئُونَ بِتَعْطِيلِ الْجُمُعَةِ بِمَكَّةَ اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْهُ تَعَلُّقُ بَحْثِ
الْأَذْرَعِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ بِالْخُرُوجِ بَعْدَ الْفَجْرِ لَا
قَبْلَهُ كَمَا هُنَا وَلَمْ يَذْكُرْ فِي حَاشِيَةِ الْإِيضَاحِ بَحْثَ
الْأَذْرَعِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ إلَّا فِي قَوْلِ الْإِيضَاحِ، قَالَ
الشَّافِعِيُّ فَإِنْ بَنَى بِهَا أَيْ بِمِنًى قَرْيَةً وَاسْتَوْطَنَهَا
أَرْبَعُونَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ أَقَامُوا الْجُمُعَةَ هُمْ وَالنَّاسُ
مَعَهُمْ اهـ.
وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ فِي قَوْلِ الْإِيضَاحِ قَبْلَ مَا ذُكِرَ مَا
نَصُّهُ فَإِنْ كَانَ الْيَوْمُ الثَّامِنُ يَوْمَ جُمُعَةٍ خَرَجُوا
قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ اهـ. سم عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: إنْ لَزِمَتْهُمْ الْجُمُعَةُ) أَيْ كَالْمَكِّيِّينَ
وَالْمُقِيمِينَ إقَامَةً مُؤَثِّرَةً فَإِنْ لَمْ يُقِيمُوا كَذَلِكَ
فَلَهُمْ الْخُرُوجُ بَعْدَ الْفَجْرِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يُمْكِنْهُمْ إقَامَتُهَا) فَإِنْ أَمْكَنَهُمْ بِأَنْ
أُحْدِثَ ثَمَّ قَرْيَةٌ وَاسْتَوْطَنَهَا أَرْبَعُونَ كَامِلُونَ جَازَ
خُرُوجُهُ بَعْدَ الْفَجْرِ لِيُصَلِّيَ مَعَهُمْ وَإِنْ حَرُمَ الْبِنَاءُ
ثَمَّ اهـ. شَرْحُ م ر. وَقَوْلُهُ وَإِنْ حَرُمَ الْبِنَاءُ ثَمَّ
يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا صِحَّةُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي السَّنِينِيَّةِ
الْكَائِنَةِ بِبُولَاقَ وَإِنْ كَانَتْ بِحَرِيمِ الْبَحْرِ؛ لِأَنَّهُ
لَا تَلَازُمَ بَيْنَ الْحُرْمَةِ وَصِحَّةِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَهُوَ
ظَاهِرٌ اهـ. ع ش عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَأَنْ يَبِيتُوا بِهَا) عَطْفٌ عَلَى يَخْطُبَ، وَكَذَا
يُقَالُ فِيمَا سَيَأْتِي لَكِنْ يَكُونُ حِينَئِذٍ فِي الْعِبَارَةِ
قَلَاقَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ مُقَيَّدٌ بِالْإِمَامِ أَوْ
نَائِبِهِ فَيَصِيرُ التَّقْدِيرُ يُسَنُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَخْطُبَ
وَأَنْ يَبِيتُوا وَيَقْصِدُوا وَيُقِيمُوا إلَخْ مَا سَيَأْتِي
وَتَرْكِيبُ أَصْلِهِ كَتَرْكِيبِهِ، فَلِذَلِكَ قَالَ حَجّ مَا نَصُّهُ
قِيلَ فِي تَرْكِيبِهِ نَظَرٌ إذْ تَقْدِيرُهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ
أَنْ يَبِيتُوا إلَخْ فَلَوْ قَطَعَ هَذَا وَمَا بَعْدَهُ عَنْ الْعَطْفِ،
فَقَالَ وَيُسَنُّ أَنْ يَبِيتُوا إلَخْ لَكَانَ أَوْلَى وَيُجَابُ
بِأَنَّهُ خَصَّ الْإِمَامَ بِمَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنْ نَحْوِ يَخْطُبُ
وَيَخْرُجُ بِهِمْ ثُمَّ عَمَّمَهُ وَغَيَّرَهُ بِمَا لَا يَخْتَصُّ بِهِ
بِنَحْوِ يَبِيتُوا إلَخْ مُرَاعَاةً لِلْمَعْنَى اهـ. بِنَوْعِ تَصَرُّفٍ.
1 -
(قَوْلُهُ: أَيْضًا وَأَنْ يَبِيتُوا بِهَا) أَيْ لِلِاسْتِرَاحَةِ
لِأَجْلِ الْمَسِيرِ مِنْ الْغَدِ إلَى عَرَفَاتٍ مِنْ غَيْرِ تَعَبٍ
وَمِنْ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ مَا اعْتَادَهُ النَّاسُ مِنْ إيقَادِ
الشُّمُوعِ وَغَيْرِهَا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى
مُنْكَرَاتٍ، قَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ يُسَنُّ الْمَشْيُ مِنْ مَكَّةَ إلَى
الْمَنَاسِكِ كُلِّهَا إلَى انْقِضَاءِ الْحَجِّ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ
وَأَنْ يَقْصِدَ مَسْجِدَ الْخَيْفِ فَيُصَلِّيَ فِيهِ رَكِّعِينِ
وَيُكْثِرَ التَّلْبِيَةَ قَبْلَهُمَا وَبَعْدَهُمَا وَيُصَلِّيَ فِيهِ
مَكْتُوبَاتِ يَوْمِهِ وَصُبْحَ غَدِهِ اهـ. م ر.
وَعِبَارَةُ حَجّ وَيُسْتَحَبُّ لِلْحُجَّاجِ كُلِّهِمْ حَتَّى مَنْ كَانَ
مُقِيمًا بِمِنًى وَمَنْ لَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ أَنْ يَبِيتُوا بِهَا
وَأَنْ يُصَلُّوا بِهَا الْعَصْرَيْنِ وَالْعِشَاءَيْنِ وَالصُّبْحَ
لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْأَوْلَى صَلَاتُهَا بِمَسْجِدِ
الْخَيْفِ وَالنُّزُولُ بِمَنْزِلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- أَوْ قَرِيبٍ مِنْهُ وَهُوَ بَيْنَ مَنْحَرِهِ وَقِبْلَةِ مَسْجِدِ
الْخَيْفِ وَهُوَ إلَيْهَا أَقْرَبُ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: وَأَنْ يَقْصِدُوا عَرَفَةَ) أَيْ مُكْثِرِينَ فِي سَيْرِهِمْ
التَّلْبِيَةَ وَالدُّعَاءَ وَمِنْهُ اللَّهُمَّ إلَيْك تَوَجَّهْت وَإِلَى
وَجْهِك الْكَرِيمِ أَرَدْت فَاجْعَلْ ذَنْبِي مَغْفُورًا وَحَجِّي
مَبْرُورًا وَارْحَمْنِي وَلَا تُخَيِّبْنِي إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ، وَسُمِّيَ الْمَوْقِفُ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّهُ نُعِتَ لِإِبْرَاهِيمَ
فَلَمَّا رَآهُ عَرَفَهُ، وَقِيلَ لِأَنَّ جِبْرِيلَ عَرَّفَهُ
الْمَنَاسِكَ فِيهِ، وَقِيلَ لِأَنَّهُ كَانَ يَدُورُ فِي الْمَشَاعِرِ
فَلَمَّا رَآهُ قَالَ عَرَفْت، وَقِيلَ لِأَنَّ آدَمَ وَحَوَّاءَ لَمَّا
نَزَلَا مِنْ الْجَنَّةِ مُتَفَرِّقَيْنِ آدَم بِالْهِنْدِ بِجَبَلِ
سَرَنْدِيبَ وَحَوَّاءُ
(2/454)
هُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ طَلَعَتْ
(الشَّمْسُ) بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي (عَلَى ثَبِيرَ) وَهُوَ جَبَلٌ
كَبِيرٌ بِمُزْدَلِفَةَ عَلَى يَمِينِ الذَّاهِبِ إلَى عَرَفَةَ مَارِّينَ
بِطَرِيقِ ضَبٍّ وَهُوَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ (وَ) أَنْ (يُقِيمُوا
بِقُرْبِهَا بِنَمِرَةَ إلَى الزَّوَالِ) ، وَقَوْلِي (ثُمَّ يَذْهَبُ
بِهِمْ إلَى مَسْجِدِ إبْرَاهِيمَ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مِنْ زِيَادَتِي وَصَدْرُهُ مِنْ عُرَنَةَ وَآخِرُهُ مِنْ عَرَفَةَ
وَيُمَيِّزُ بَيْنَهُمَا صَخَرَاتٌ كِبَارٌ فُرِشَتْ هُنَاكَ (فَيَخْطُبُ)
بِهِمْ فِيهِ (خُطْبَتَيْنِ) يُبَيِّنُ لَهُمْ فِي أُولَاهُمَا مَا
أَمَامَهُمْ مِنْ الْمَنَاسِكِ إلَى خُطْبَةِ يَوْمِ النَّحْرِ
وَيُحَرِّضُهُمْ عَلَى إكْثَارِ الدُّعَاءِ وَالتَّهْلِيلِ فِي
الْمَوَاقِفِ وَيُخَفِّفُهَا وَيَجْلِسُ بَعْدَ فَرَاغِهَا بِقَدْرِ
سُورَةِ الْإِخْلَاصِ ثُمَّ يَقُومُ إلَى الثَّانِيَةِ وَيَأْخُذُ
الْمُؤَذِّنُ فِي الْأَذَانِ وَيُخَفِّفُهَا بِحَيْثُ يَفْرُغُ مِنْهَا
مَعَ فَرَاغِ الْمُؤَذِّنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
بِجُدَّةِ الْتَقَيَا فِيهِ فَتَعَارَفَا، وَقِيلَ لِأَنَّ النَّاسَ
يَتَعَارَفُونَ فِيهِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَعَلَامَتُهَا مِنْ جِهَةِ
مَكَّةَ الْعَلَمَانِ الْمَشْهُورَانِ وَمَا يَزْعُمُهُ الْعَوَامُّ
فِيهِمَا مِنْ نُزُولِ حَوَّاءَ عَلَيْهِمَا وَمِنْ فَضِيلَةِ الدُّخُولِ
بَيْنَهُمَا فَمِنْ خُرَافَاتِهِمْ وَمَسَافَتُهُمَا مِنْ بَابِ السَّلَامِ
ثَلَاثُمِائَةِ أَلْفِ ذِرَاعٍ وَأَرْبَعُونَ أَلْفَ ذِرَاعٍ وَاثْنَانِ
وَثَمَانُونَ ذِرَاعًا بِذِرَاعِ الْيَدِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: هُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ إذَا طَلَعْت) وَجْهُ
الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ الْإِشْرَاقَ هُوَ الْإِضَاءَةُ وَهُوَ لَا
يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الطُّلُوعِ اهـ. ع ش.
(قَوْلُهُ: جَبَلٌ كَبِيرٌ بِمُزْدَلِفَةَ) كَذَا عَبَّرَ م ر فِي شَرْحِهِ
وَكَأَنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ؛ لِأَنَّ ثَبِيرًا بِمِنًى كَمَا هُوَ
ضَرُورِيٌّ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ.
وَعِبَارَةُ حَجّ وَهُوَ الْمُطِلُّ عَلَى مَسْجِدِ الْخَيْفِ قَالَهُ
الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَإِنْ اعْتَرَضَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ
وَقَالَ بَلْ هُوَ مُقَابِلُهُ الَّذِي عَلَى يَسَارِ الذَّاهِبِ
لِعَرَفَةَ وَجُمِعَ بِأَنَّ كُلًّا يُسَمَّى بِذَلِكَ وَمَعَ تَسْلِيمِهِ
فَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ أَيْضًا انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: بِطَرِيقِ ضَبٍّ) بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ وَهُوَ جَبَلٌ مُطِلٌّ
عَلَى مُزْدَلِفَةَ وَيُسَنُّ أَنْ يَعُودُوا مِنْ طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ
وَهُمَا جَبَلَانِ بَيْنَ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ
ضَيِّقٌ وَهِيَ الْمَأْزِمُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَفِي الْمُخْتَارِ
الْمَأْزِمُ الطَّرِيقُ الضَّيِّقُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ اهـ. قَالَ حَجّ
فِي حَاشِيَةِ الْإِيضَاحِ وَإِطْلَاقُهُ عَلَى الْجَبَلِ نَفْسِهِ مَجَازٌ
عَلَاقَتُهُ الْمُجَاوَرَةُ فَسُمِّيَ الْجَبَلُ بِاسْمِ الطَّرِيقِ
الَّذِي بِجِوَارِهِ فَقَوْلُ الْمُحَشِّي وَيُسَنُّ أَنْ يَعُودَ مِنْ
طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ مِنْ قَبِيلِ الْمَجَازِ إذْ مُرَادُهُ
بِالْمَأْزِمَيْنِ الْجَبَلَانِ الْمُكْتَنِفَانِ لِلْمُلَازِمِ الَّذِي
هُوَ الطَّرِيقُ الضَّيِّقُ بَيْنَهُمَا اهـ.
(قَوْلُهُ: أَيْضًا بِطَرِيقِ ضَبٍّ) وَكَأَنَّهُ الَّذِي يَنْعَطِفُ عَلَى
الْيَمِينِ قُرْبَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، وَمَا حَدَثَ الْآنَ مِنْ
مَبِيتِ أَكْثَرِ النَّاسِ هَذِهِ اللَّيْلَةَ بِعَرَفَةَ بِدْعَةٌ
قَبِيحَةٌ اللَّهُمَّ إلَّا مَنْ خَافَ زَحْمَةً أَوْ عَلَى مُحْتَرَمٍ
لَوْ بَاتَ بِمِنًى أَوْ وَقَعَ شَكٌّ فِي الْهِلَالِ يَقْتَضِي فَوْتَ
الْحَجِّ بِفَرْضِ الْحَجِّ بِفَرْضِ الْمَبِيتِ فَلَا بِدْعَةَ فِي
حَقِّهِ، وَمَنْ أَطْلَقَ نَدْبَ الْمَبِيتِ بِهَا عِنْدَ الشَّكِّ فَقَدْ
تَسَاهَلَ إذْ كَيْفَ يَتْرُكُ السُّنَّةَ وَحَجُّهُ مُجْزِئٌ بِتَقْدِيرِ
الْغَلَطِ إجْمَاعًا فَالْوَجْهُ التَّقْيِيدُ بِمَا ذَكَرْته اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: بِقُرْبِهَا) الضَّمِيرُ فِيهِ رَاجِعٌ لِعَرَفَةَ اهـ.
بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: بِنَمِرَةَ) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَيَجُوزُ
إسْكَانُ الْمِيمِ مَعَ فَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا مَوْضِعٌ يُنْدَبُ
فِيهِ الْغُسْلُ لِلْوُقُوفِ كَمَا مَرَّ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: إلَى مَسْجِدِ إبْرَاهِيم) أَيْ الْخَلِيلِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَعِبَارَةُ حَجّ بَعْدَ قَوْلِهِ خِلَافًا لِمَنْ نَازَعَ فِي هَذِهِ
النِّسْبَةِ وَزَعَمَ أَنَّهُ مَنْسُوبٌ لِإِبْرَاهِيمَ أَحَدِ أُمَرَاءِ
بَنِي الْعَبَّاسِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهِ بَابُ إبْرَاهِيمَ بِالْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: وَصَدْرُهُ مِنْ عَرَفَةَ) قَالَ الْبَغَوِيّ وَصَدْرُهُ
مَحَلُّ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ. اهـ. شَرْحُ م ر وَهُوَ الْمَحِلُّ
الَّذِي سُقِفَ الْآنَ بِالْعَقْدِ وَهُوَ أَرْبَعُ بَوَائِكَ وَبَقِيَّةُ
الْمَسْجِدِ فَضَاءٌ يَدُورُ بِهِ حَائِطٌ مُرْتَفِعٌ نَحْوُ ثَلَاثِ
قَامَاتٍ، وَكَذَلِكَ وَضْعُ مَسْجِدِ الْخَيْفِ بِمِنًى اهـ.
(قَوْلُهُ: مِنْ عُرَنَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ
الرَّاءِ وَلَيْسَتْ نَمِرَةَ وَلَا عَرَفَةَ مِنْ عَرَفَاتٍ وَلَا مِنْ
الْحَرَمِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَبَيْنَ الْحَرَمِ وَعَرَفَةَ نَحْوُ أَلْفِ
ذِرَاعٍ اهـ. حَجّ، وَقَوْلُهُ وَآخِرُهُ مِنْ عَرَفَةَ عِبَارَةُ
الْإِيضَاحِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَرَفَاتٍ وَادِي عُرَنَةَ
وَلَا نَمِرَةَ وَلَا الْمَسْجِدُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الْإِمَامُ
الْمُسَمَّى مَسْجِدَ إبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا مَسْجِدُ عُرَنَةَ، بَلْ هَذِهِ الْمَوَاضِعُ
خَارِجَ عَرَفَاتٍ عَلَى طَرَفِهَا الْغَرْبِيِّ مِمَّا يَلِي مُزْدَلِفَةَ
وَمِنًى وَمَكَّةَ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ كَوْنِ الْمَسْجِدِ
لَيْسَ مِنْ عَرَفَاتٍ هُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ
تَعَالَى -، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ مُقَدَّمُ
هَذَا الْمَسْجِدِ فِي طَرَفِ وَادِي عُرَنَةَ لَا فِي عَرَفَاتٍ وَآخِرُهُ
فِي عَرَفَاتٍ فَمَنْ وَقَفَ فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ لَمْ يَصِحَّ
وُقُوفُهُ، وَمَنْ وَقَفَ فِي آخِرِهِ صَحَّ وَبِهَذَا جَزَمَ الْإِمَامُ
أَبُو الْقَاسِمِ الرَّافِعِيُّ مَعَ شِدَّةِ تَحْقِيقِهِ وَاطِّلَاعِهِ
فَلَعَلَّهُ زِيدَ فِيهِ بَعْدَ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَرْضِ عَرَفَاتٍ هَذَا
الْمِقْدَارُ الْمَذْكُورُ فِي آخِرِهِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: وَيُمَيِّزُ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ صَدْرِهِ وَآخِرِهِ
وَقَوْلُهُ فُرِشَتْ هُنَاكَ أَيْ فِي الْمَسْجِدِ اهـ. مِنْ الْإِيضَاحِ
لَكِنَّهَا لَيْسَتْ ظَاهِرَةً الْآنَ، بَلْ أَخْفَاهَا التُّرَابُ لِمَا
حَدَثَ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ الْعِمَارَاتِ الْمُتَكَرِّرَةِ.
(قَوْلُهُ: مَا أَمَامَهُمْ مِنْ الْمَنَاسِكِ) كَكَيْفِيَّةِ الْوُقُوفِ
وَشَرْطِهِ وَالدَّفْعِ إلَى مُزْدَلِفَةَ وَالْمَبِيتِ بِهَا وَالدَّفْعِ
إلَى مِنًى وَالرَّمْيِ وَجَمِيعِ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ اهـ. شَرْحُ م
ر وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ مَا أَمَامَهُمْ أَنَّهُ لَا يَتَعَرَّضُ لِمَا
قَبْلَ الْخُطْبَةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا وَلَوْ قِيلَ يَنْبَغِي
التَّعَرُّضُ لَهُ أَيْضًا لِيَعْرِفَهُ أَوْ يَتَذَكَّرَهُ مَنْ أَخَلَّ
بِهِ لَمْ يَبْعُدْ اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: إلَى خُطْبَةِ يَوْمِ النَّحْرِ) قَدْ عَرَفْت مَا فِيهِ.
(قَوْلُهُ: وَيَأْخُذُ الْمُؤَذِّنُ فِي الْأَذَانِ) أَيْ حَقِيقَةً لَا
الْإِقَامَةِ فَعَلَيْهِ يُؤَخَّرُ الْأَذَانُ عَنْ الزَّوَالِ إلَى
الْفَرَاغِ مِنْ الْخُطْبَةِ الْأُولَى اهـ. ح ل.
وَعِبَارَةُ حَجّ فَإِذَا قَامَ إلَى
(2/455)
مِنْ الْأَذَانِ (ثُمَّ يَجْمَعُ بِهِمْ)
بَعْدَ الْخُطْبَتَيْنِ (الْعَصْرَيْنِ تَقْدِيمًا) لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ
مُسْلِمٌ وَالتَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ جَمْعُ تَقْدِيمٍ مِنْ زِيَادَتِي،
وَالْجَمْعُ لِلسَّفَرِ لَا لِلنُّسُكِ وَيَقْصُرُهُمَا أَيْضًا
الْمُسَافِرُ بِخِلَافِ الْمَكِّيِّ (وَ) أَنْ (يَقِفُوا بِعَرَفَةَ) إلَى
الْغُرُوبِ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْأَذَانِ لَا
الْإِقَامَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَيُخَفِّفُهَا بِحَيْثُ يَفْرَغُ
مِنْهَا مَعَ فَرَاغِ الْأَذَانِ ثُمَّ يُقِيمُ وَيُصَلِّي بِهِمْ
انْتَهَتْ.
وَعِبَارَةُ الْإِيضَاحِ وَيَكُونُ جَمْعُهُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ
انْتَهَتْ وَلَمَّا كَانَ الْقَصْدُ مِنْ الثَّانِيَةِ إنَّمَا هُوَ
مُجَرَّدُ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالتَّعْلِيمِ إنَّمَا هُوَ فِي
الْأُولَى شُرِعَتْ مَعَ الْأَذَانِ وَإِنْ مَنَعَ سَمَاعَهَا قَصْدًا
لِلْمُبَادَرَةِ بِالصَّلَاةِ اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: مِنْ الْأَذَانِ) أَيْ أَذَانِ الظُّهْرِ اهـ. ع ش.
(قَوْلُهُ: الْعَصْرَيْنِ) أَيْ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَيُسِرُّ فِيهِمَا
خِلَافًا لِلْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَالْجَمْعُ لِلسَّفَرِ لَا لِلنُّسُكِ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر
وَالْجَمْعُ وَالْقَصْرُ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي بِالْمُزْدَلِفَةِ
لِلسَّفَرِ لَا لِلنُّسُكِ فَيَخْتَصَّانِ بِسَفَرِ الْقَصْرِ
فَالْمَكِّيُّونَ وَمَنْ سَفَرُهُ قَصِيرٌ يَقُولُ لَهُ الْإِمَامُ بَعْدَ
سَلَامِهِ أَتِمُّوا وَلَا تَجْمَعُوا مَعَنَا فَإِنَّا قَوْمُ سَفَرٍ،
وَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ أَنَّ الْحُجَّاجَ
إذَا دَخَلُوا مَكَّةَ وَنَوَوْا أَنْ يُقِيمُوا بِهَا أَرْبَعًا
لَزِمَهُمْ الْإِتْمَامُ فَإِذَا خَرَجُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ إلَى مِنًى
وَنَوَوْا الذَّهَابَ إلَى أَوْطَانِهِمْ عِنْدَ فَرَاغِ نُسُكِهِمْ كَانَ
لَهُمْ الْقَصْرُ مِنْ حِينِ خَرَجُوا؛ لِأَنَّهُمْ أَنْشَئُوا سَفَرًا
تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ اهـ.
وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ فِيمَا كَانَ مَعْهُودًا فِي الزَّمَنِ
الْقَدِيمِ مِنْ سَفَرِهِمْ مِنْ بَعْدِ نَفْرِهِمْ مِنْ مِنًى بِيَوْمٍ
وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا الْآنَ فَاطَّرَدَتْ عَادَةُ أَكْثَرِهِمْ
بِإِقَامَةِ أَمِيرِهِمْ بَعْدَ النَّفْرِ فَوْقَ أَرْبَعٍ كَوَامِلَ فَلَا
يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِمَّنْ عَزَمَ عَلَى السَّفَرِ مِنْهُمْ قَصْرٌ وَلَا
جَمْعٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُنْشِئُوا حِينَئِذٍ سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ
الصَّلَاةُ انْتَهَتْ، وَقَوْلُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ فِيمَا
كَانَ مَعْهُودًا إلَخْ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُمْ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ
يَقْصُرُونَ وَيَجْمَعُونَ فِي مَكَّةَ إذَا دَخَلُوهَا وَبَعْدَ
خُرُوجِهِمْ مِنْهَا إلَى عَرَفَاتٍ حَتَّى يَرْجِعُوا إلَيْهَا بَعْدَ
أَيَّامِ مِنًى؛ لِأَنَّ بِدُخُولِهِمْ إلَى مَكَّةَ قَبْلَ الْوُقُوفِ لَا
يَنْقَطِعُ سَفَرُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَنْوُوا الْإِقَامَةَ بِهَا فِي
هَذَا الدُّخُولِ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ صِحَاحٍ؛ لِأَنَّ دُخُولَهُمْ
إلَيْهَا الْآنَ فِي الْغَالِبِ إمَّا فِي الْخَامِسِ أَوْ الرَّابِعِ أَوْ
نَحْوِ ذَلِكَ، ثُمَّ يَخْرُجُوا إلَى عَرَفَاتٍ فِي الثَّامِنِ اهـ.
رَشِيدِيٌّ.
وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ.
(فَرْعٌ)
يَقَعُ لِكَثِيرٍ مِنْ الْحُجَّاجِ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ مَكَّةَ قَبْلَ
الْوُقُوفِ بِنَحْوِ يَوْمَيْنِ نَاوِينَ الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ بَعْدَ
رُجُوعِهِمْ مِنْ مِنًى أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ فَهَلْ يَنْقَطِعُ
سَفَرُهُمْ بِمُجَرَّدِ وُصُولِهِمْ مَكَّةَ نَظَرًا لِنِيَّةِ
الْإِقَامَةِ بِهَا وَلَوْ فِي الْأَثْنَاءِ أَوْ يَسْتَمِرُّ سَفَرُهُمْ
إلَى عَوْدِهِمْ إلَيْهَا مِنْ مِنًى؛ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ
مَقْصِدِهِمْ فَلَمْ تُؤَثِّرْ نِيَّتُهُمْ الْإِقَامَةَ الْقَصِيرَةَ
قَبْلَهُ وَلَا الطَّوِيلَةَ إلَّا عِنْدَ الشُّرُوعِ فِيهَا وَهِيَ
إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ رُجُوعِهِمْ مِنْ مِنًى، لِلنَّظَرِ فِي ذَلِكَ
مَجَالٌ وَكَلَامُهُمْ مُحْتَمَلٌ، وَالثَّانِي أَقْرَبُ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: لَا لِلنُّسُكِ) أَيْ خِلَافًا لِمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ
فِي مَنَاسِكِهِ مِنْ كَوْنِهِ لِلنُّسُكِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَأَنْ يَقِفُوا بِعَرَفَةَ) الظَّاهِرُ أَنَّ أَصْلَ
الْوُقُوفِ وَاجِبٌ مَعَ أَنَّهُ بِالنَّصْبِ فِي كَلَامِهِ لِعَطْفِهِ
لَهُ عَلَى يَخْطُبُ الْمُقْتَضِي لِاسْتِحْبَابِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ مِنْ
حَيْثُ طَلَبُ اسْتِمْرَارِهِ إلَى الْغُرُوبِ إذْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ
حِينَئِذٍ اهـ. شَرْحُ م ر فَلِذَلِكَ صَحَّحَ الشَّارِحُ الْعَطْفَ
بِقَوْلِهِ إلَى الْغُرُوبِ أَخْذًا لَهُ مِنْ كَلَامِ الْمَتْنِ، إذْ
قَوْلُهُ إلَى الْغُرُوبِ رَاجِعٌ إلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ قَبْلَهُ.
وَعِبَارَةُ حَجّ وَإِذَا فَرَغُوا مِنْ الصَّلَاةِ سُنَّ لَهُمْ أَنْ
يُبَادِرُوا إلَى عَرَفَةَ إلَخْ انْتَهَتْ.
وَعِبَارَةُ الْإِيضَاحِ وَإِذَا فَرَغُوا مِنْ الصَّلَاةِ سَارُوا إلَى
الْمَوْقِفِ وَعَرَفَاتٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ فَفِي أَيِّ مَوْضِعٍ مِنْهَا
وَقَفَ أَجْزَأَهُ، لَكِنَّ أَفْضَلَهَا مَوْقِفُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ الْكِبَارِ
الْمَفْرُوشَةِ فِي أَسْفَلِ جَبَلِ الرَّحْمَةِ وَهُوَ الْجَبَلُ الَّذِي
بِوَسَطِ أَرْضِ عَرَفَاتٍ وَيُقَالُ لَهُ إلَالٌ عَلَى وَزْنِ هِلَالٍ
وَذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ
وَالْمَعْرُوفُ كَسْرُهَا اهـ. وَقَوْلُهُ الْمَفْرُوشَةُ إلَخْ أَيْ
الْمَجْعُولَةُ وَالْمَخْلُوقَةُ لَا أَنَّهَا مَفْرُوشَةٌ بِوَضْعِ
الْخَلْقِ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ وَهِيَ فِي هَذَا الزَّمَانِ قَدْ حُوِّطَ
عَلَيْهَا بِحَائِطٍ صَغِيرٍ عُلْوُهُ نِصْفُ قَامَةٍ وَفِيهِ مِحْرَابٌ
عَلَى هَيْئَةِ الْمَسَاجِدِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْإِيضَاحِ، وَأَمَّا
حُدُودُ عَرَفَةَ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -
هِيَ مَا جَاوَزَ وَادِي عُرَنَةَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الرَّاءِ
وَبَعْدَهَا نُونٌ إلَى الْجِبَالِ الْمُقَابِلَةِ مِمَّا يَلِي بَسَاتِينَ
ابْنِ عَامِرٍ وَنَقَلَ الْأَزْرَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ حَدُّ
عَرَفَاتٍ مِنْ الْجَبَلِ الْمُشْرِفِ عَلَى بَطْنِ عُرَنَةَ إلَى جِبَالِ
عَرَفَةَ إلَى وَضِيقٍ إلَى مُلْتَقَى وَضِيقٍ وَوَادِي عُرَنَةَ وَقَالَ
بَعْضُ أَصْحَابِنَا لِعَرَفَاتٍ أَرْبَعُ حُدُودٍ أَحَدُهَا يَنْتَهِي
إلَى جَادَّةِ طَرِيقِ الْمَشْرِقِ وَالثَّانِي إلَى حَافَّاتِ الْجَبَلِ
الَّذِي وَرَاءَ أَرْضِ عَرَفَاتٍ.
وَالثَّالِثُ إلَى الْبَسَاتِينِ الَّتِي تَلِي قَرْيَةَ عَرَفَاتٍ
وَالرَّابِعُ يَنْتَهِي إلَى وَادِي عُرَنَةَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ
وَيُطِيفُ بِمُنْعَرَجَاتِ عَرَفَاتٍ جِبَالٌ وُجُوهُهَا الْمُقْبِلَةُ
مِنْ عَرَفَاتٍ اهـ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ وَمُتَعَرِّجُ الْوَادِي اسْمُ فَاعِلٍ حَيْثُ يَمِيلُ
يَمْنَةً وَيَسْرَةً. اهـ.
ثُمَّ قَالَ فِي الْخَامِسَةِ أَيْ مِنْ
(2/456)
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَبَيْنَ هَذَا
الْمَسْجِدِ وَمَوْقِفِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بِالصَّخَرَاتِ نَحْوُ مِيلٍ (وَ) أَنْ (يُكْثِرُوا الذِّكْرَ) مِنْ
تَهْلِيلٍ وَغَيْرِهِ (وَالدُّعَاءَ إلَى الْغُرُوبِ) رَوَى التِّرْمِذِيُّ
خَبَرَ «أَفْضَلُ الدُّعَاءِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَأَفْضَلُ مَا قُلْت أَنَا
وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا
شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
سُنَنِ الْوُقُوفِ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى الْوُقُوفِ بِمَوْقِفِ رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ،
وَأَمَّا مَا اُشْتُهِرَ عِنْدَ الْعَوَامّ مِنْ الِاعْتِنَاءِ
بِالْوُقُوفِ عَلَى جَبَلِ الرَّحْمَةِ الَّذِي بِوَسَطِ عَرَفَاتٍ كَمَا
سَبَقَ بَيَانُهُ حَتَّى رُبَّمَا تَوَهَّمَ كَثِيرٌ مِنْ جَهَلَتِهِمْ
أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْوُقُوفُ إلَّا بِهِ فَخَطَأٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ
وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ فِي صُعُودِ هَذَا الْجَبَلِ فَضِيلَةً إلَّا أَبُو
جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ يُسْتَحَبُّ
الْوُقُوفُ عَلَيْهِ، وَلِذَا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي يُسْتَحَبُّ أَنْ
يَقْصِدَ هَذَا الْجَبَلَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ جَبَلُ الدُّعَاءِ وَهُوَ
مَوْقِفُ الْأَنْبِيَاءِ اهـ. وَهَذَا الَّذِي قَالَاهُ لَا أَصْلَ لَهُ
وَلَمْ يَرِدْ فِيهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَلَا ضَعِيفٌ فَالصَّوَابُ هُوَ
الِاعْتِنَاءُ بِمَوْقِفِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَفِيهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ
فِي وَسَطِ عَرَفَاتٍ جَبَلٌ يُسَمَّى جَبَلَ الرَّحْمَةِ لَا نُسُكَ فِي
صُعُودِهِ وَإِنْ كَانَ يَعْتَادُهُ النَّاسُ إذَا عَرَفْت مَا ذَكَرْنَا
مَنْ كَانَ رَاكِبًا فَلْيُخَالِطْ بِدَابَّتِهِ الصَّخَرَاتِ
الْمَذْكُورَةِ وَلْيُدَاخِلْهَا كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ كَانَ رَاجِلًا قَامَ عَلَى
الصَّخَرَاتِ أَوْ عِنْدَهَا عَلَى حَسَبِ الْإِمْكَانِ بِحَيْثُ لَا
يُؤْذِي أَحَدًا وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ الْمَوْقِفُ فَلْيَقْرُبْ
مِمَّا يَقْرُبُ مِنْهُ اهـ وَيَتَجَنَّبْ كُلَّ مَوْضِعٍ يُؤْذِي فِيهِ
أَوْ يَتَأَذَّى.
السَّادِسَةُ إذَا كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِ الْوُقُوفُ مَاشِيًا أَوْ كَانَ
يَضْعُفُ بِهِ عَنْ الدُّعَاءِ أَوْ كَانَ مِمَّا يُقْتَدَى بِهِ
وَيُسْتَفْتَى فَالسُّنَّةُ أَنْ يَقِفَ رَاكِبًا وَإِنْ كَانَ لَا
يَضْعُفَ بِالْمَشْيِ عَنْ الدُّعَاءِ وَلَا هُوَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ
فَفِيهِ أَقْوَالٌ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهَا الرُّكُوبُ أَفْضَلُ،
وَالثَّانِي الْمَشْيُ أَفْضَلُ وَالثَّالِثُ هُمَا سَوَاءٌ هَذَا فِي
حَقِّ الرَّجُلِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَالْأَفْضَلُ أَنْ تَكُونَ
قَاعِدَةً؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا نَحْوُ
هَوْدَجٍ فَالْأَوْلَى لَهَا الرُّكُوبُ فِيهِ وَأَنْ تَكُونَ فِي
حَاشِيَةِ الْمَوْقِفِ لَا عِنْدَ الصَّخَرَاتِ وَالزَّحْمَةِ،
السَّابِعَةُ الْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ
مُتَطَهِّرًا مَسْتُورَ الْعَوْرَةِ فَلَوْ وَقَفَ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا
أَوْ حَائِضًا أَوْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ أَوْ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ صَحَّ
وَفَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ إلَى أَنْ قَالَ التَّاسِعَةُ أَنْ يَكُونَ
حَاضِرَ الْقَلْبِ فَارِغًا مِنْ الْأُمُورِ الشَّاغِلَةِ عَنْ الدُّعَاءِ
فَيُقَدِّمُ قَضَاءَ اشْتِغَالِهِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَيَتَفَرَّغُ
بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ عَنْ جَمِيعِ الْعَلَائِقِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا
يَقِفَ فِي طُرُقِ الْقَوَافِلِ وَغَيْرِهَا لِئَلَّا يَنْزَعِجَ بِهِمْ
إلَى أَنْ قَالَ الْحَادِيَةَ عَشَرَ الْأَفْضَلُ لِلْوَاقِفِ أَنْ لَا
يَسْتَظِلَّ، بَلْ يَبْرُزُ لِلشَّمْسِ إلَّا لِعُذْرٍ بِأَنْ يَتَضَرَّرَ
أَوْ يَنْقُصَ دُعَاؤُهُ أَوْ اجْتِهَادُهُ إلَى أَنْ قَالَ الثَّالِثَةَ
عَشَرَ لِيَحْذَرْ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ الْمُخَاصَمَةِ وَالْمُشَاتَمَةِ
وَالْكَلَامِ الْقَبِيحِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَحْتَرِزَ عَنْ الْكَلَامِ
الْمُبَاحِ مَا أَمْكَنَهُ فَإِنَّهُ تَضْيِيعٌ لِلْوَقْفِ الْمُبْهَمِ
فِيمَا لَا يَعْنِي وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْتَرَزَ غَايَةَ الِاحْتِرَازِ
عَنْ احْتِقَارِ مَنْ يَرَاهُ رَثَّ الْهَيْئَةِ أَوْ مُقَصِّرًا فِي
شَيْءٍ وَيُحْتَرَزُ عَنْ انْتِهَارِ السَّائِلِ وَنَحْوِهِ وَإِنْ خَاطَبَ
ضَيْفًا تَلَطَّفَ فِي مُخَاطَبَتِهِ فَإِنْ رَأَى مُنْكَرًا مُحَقَّقًا
أَنْكَرَهُ بِلُطْفٍ اهـ.
(قَوْلُهُ: قَالَ فِي الرَّوْضَةِ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْأَوْلَى
ذِكْرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ عَقِبَ قَوْلِهِ إلَى مَسْجِدِ إبْرَاهِيمَ
وَلَعَلَّهُ ذَكَرَهَا هُنَا إشَارَةً إلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ الْوُقُوفُ
بِمَوْقِفِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ
تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي عِبَارَةِ الْإِيضَاحِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: أَفْضَلُ الدُّعَاءِ إلَخْ) وَإِذَا كَانَ هُوَ الْأَفْضَلَ
فَيَتَعَيَّنُ الْإِكْثَارُ مِنْهُ فَفِيهِ دَلِيلٌ لِلْمُدَّعَى، وَأَمَّا
دَلِيلُ إكْثَارِ الذِّكْرِ فَلَمْ يَذْكُرْهُ وَقَدْ ذَكَرَهُ حَجّ
بِقَوْلِهِ وَرَوَى الْمُسْتَغْفِرِيُّ خَبَرَ «مَنْ قَرَأَ {قُلْ هُوَ
اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] يَوْمَ عَرَفَةَ أَلْفَ مَرَّةٍ أُعْطِيَ مَا
سَأَلَ» اهـ.
(قَوْلُهُ: دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ) قَالَ الطِّيبِيُّ الْإِضَافَةُ
يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى اللَّامِ أَيْ دُعَاءٌ خُصَّ بِذَلِكَ
الْيَوْمِ، وَقَوْلُهُ أَفْضَلُ مَا قُلْت إلَخْ أَيْ أَفْضَلُ مَا دَعَوْت
بِهِ إلَخْ بَيَانٌ لِلدُّعَاءِ الَّذِي خُصَّ بِذَلِكَ الْيَوْمِ
فَالدُّعَاءُ هُوَ قَوْلُهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَيَجُوزُ أَنْ
تَكُونَ بِمَعْنَى فِي فَعَلَى هَذَا يَعُمُّ الدُّعَاءَ بِأَيِّ شَيْءٍ
دَعَا وَيَكُونُ قَوْلُهُ أَفْضَلُ مَا قُلْت إلَخْ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ
أَفْضَلُ الدُّعَاءِ إلَخْ اهـ. شَوْبَرِيٌّ بِتَصَرُّفٍ.
(قَوْلُهُ: وَأَفْضَلُ مَا قُلْت إلَخْ) أَيْ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ كَمَا فِي
رِوَايَاتٍ اهـ. رَشِيدِيٌّ.
(قَوْلُهُ: رَوَى التِّرْمِذِيُّ إلَخْ) وَرَوَى الْمُسْتَغْفِرِيُّ خَبَرَ
«مَنْ قَرَأَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] أَلْفَ مَرَّةٍ
يَوْمَ عَرَفَةَ أُعْطِيَ مَا سَأَلَ» ، وَسُنَّ أَنْ يَقْرَأَ سُورَةَ
الْحَشْرِ وَيَسْتَغْفِرَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ لِمَا صَحَّ
«اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْحَاجِّ وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ»
وَيَسْتَفْرِغُ جُهْدَهُ فِيمَا يُمْكِنُهُ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ الْخُضُوعِ
وَالذِّلَّةِ وَتَفْرِيغِ الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ مِنْ كُلِّ مَذْمُومٍ
فَإِنَّهُ مَوْقِفٌ تُسْكَبُ فِيهِ الْعَبَرَاتُ وَتُقَالُ الْعَثَرَاتُ،
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْعُو بِعَرَفَةَ يَدَاهُ إلَى
صَدْرِهِ كَاسْتِطْعَامِ الْمِسْكَيْنِ» كَيْفَ وَهُوَ أَعْظَمُ مَجَامِعِ
الدُّنْيَا وَفِيهِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ وَالْخَوَاصِّ مَا لَا يُحْصَى
وَصَحَّ «أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُبَاهِي بِالْوَاقِفِينَ الْمَلَائِكَةَ»
وَيُسَنُّ لِلذَّكَرِ كَامْرَأَةٍ فِي هَوْدَجٍ أَنْ يَقِفَ رَاكِبًا
وَمُتَطَهِّرًا وَمُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَبِمَوْقِفِ رَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ قَرِيبٍ مِنْهُ وَهُوَ مَعْرُوفٌ
(2/457)
وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» ، وَزَادَ الْبَيْهَقِيُّ «اللَّهُمَّ اجْعَلْ
فِي قَلْبِي نُورًا وَفِي سَمْعِي نُورًا وَفِي بَصَرِي نُورًا اللَّهُمَّ
اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي» ، وَذَكَرَ الْإِكْثَارَ فِي
الدُّعَاءِ، وَالذِّكْرُ غَيْرُ التَّهْلِيلِ مِنْ زِيَادَتِي (ثُمَّ)
بَعْدَ الْغُرُوبِ (يَقْصِدُوا مُزْدَلِفَةَ وَيَجْمَعُوا بِهَا
الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ تَأْخِيرًا) لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ
نَعَمْ إنْ خَشِيَ فَوْتَ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ لِلْعِشَاءِ جَمَعَ بِهِمْ
فِي الطَّرِيقِ، وَالْجَمْعُ لِلسَّفَرِ لَا لِلنُّسُكِ كَمَا مَرَّ
نَظِيرُهُ وَيَذْهَبُونَ بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ فَمَنْ وَجَدَ فُرْجَةً
أَسْرَعَ.
(وَوَاجِبُ الْوُقُوفِ) بِعَرَفَةَ (حُضُورُهُ) أَيْ الْمُحْرِمِ (وَهُوَ
أَهْلٌ لِلْعِبَادَةِ) وَلَوْ نَائِمًا أَوْ مَارًّا فِي طَلَبِ آبِقٍ أَوْ
نَحْوِهِ (بِعَرَفَةَ) أَيْ بِجُزْءٍ مِنْهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
وَأَنْ يُكْثِرَ الصَّدَقَةَ وَأَفْضَلُهَا الْعِتْقُ وَأَنْ يُحْسِنَ
ظَنَّهُ بِرَبِّهِ تَعَالَى وَمِنْ ثَمَّ لَمَّا رَأَى الْفُضَيْلُ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بُكَاءَ النَّاسِ بِعَرَفَةَ ضَرَبَ لَهُمْ
مَثَلًا لِيُرْشِدَهُمْ إلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ مَعَ كَثْرَتِهِمْ لَوْ
ذَهَبُوا لِرَجُلٍ فَسَأَلُوهُ دَانِقًا مَا خَيَّبَهُمْ فَكَيْفَ
بِأَكْرَمِ الْكُرَمَاءِ وَالْمَغْفِرَةُ عِنْدَهُ دُونَ دَانِقٍ عِنْدَنَا
وَصَحَّ خَبَرُ «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ
فِيهِ عَبِيدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ» وَلْيَحْذَرْ مِنْ
صُعُودِ جَبَلِ الرَّحْمَةِ بِوَسَطِ عَرَفَةَ فَإِنَّهُ بِدْعَةٌ خِلَافًا
لِجَمْعٍ ذَهَبُوا إلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ وَأَنَّهُ مَوْقِفُ الْأَنْبِيَاءِ
اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: وَلَهُ الْحَمْدُ) زَادَ فِي رِوَايَةٍ «يُحْيِي وَيُمِيتُ
وَهُوَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ» إلَخْ وَمِنْ
مَأْثُورِهِ «اللَّهُمَّ لَك الْحَمْدُ كَاَلَّذِي نَقُولُ وَخَيْرًا
مِمَّا نَقُولُ اللَّهُمَّ إنَّك تَسْمَعُ كَلَامِي وَتَرَى مَكَانِي
وَتَعْلَمُ سِرِّي وَعَلَانِيَتِي وَلَا يَخْفَى عَلَيْك شَيْءٌ مِنْ
أَمْرِي أَسْأَلُك مَسْأَلَةَ الْمِسْكَيْنِ وَأَبْتَهِلُ إلَيْك
ابْتِهَالَ الذَّلِيلِ وَأَدْعُوك دُعَاءَ الْخَائِفِ الْمُضْطَرِّ دُعَاءَ
مَنْ خَضَعَتْ لَك رَقَبَتُهُ وَفَاضَتْ عَبْرَتُهُ وَذَلَّ جَسَدُهُ
وَرَغِمَ لَكَ أَنْفُهُ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي بِدُعَائِك شَقِيًّا
وَكُنْ بِي رَءُوفًا رَحِيمًا يَا خَيْرَ الْمَسْئُولِينَ وَيَا خَيْرَ
الْمُعْطِينَ» وَيُنْدَبُ أَنْ يُكَرِّرَ كُلَّ ذِكْرٍ وَدُعَاءٍ ثَلَاثًا
وَأَنْ يَفْتَتِحَهُ وَيَخْتَتِمَهُ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ
وَالتَّمْجِيدِ وَالتَّهْلِيلِ وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْ يُكْثِرَ مِنْ
التَّلْبِيَةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ خُصُوصًا سُورَةُ الْحَشْرِ لِأَثَرٍ
وَرَدَ فِيهَا وَأَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ وَلَا يُجَاوِزَ بِهِمَا رَأْسَهُ
وَأَنْ لَا يُفْرِطَ فِي الْجَهْرِ بِالدُّعَاءِ وَغَيْرِهِ وَأَنْ لَا
يَسْتَظِلَّ، بَلْ يَبْرُزُ لِلشَّمْسِ إلَّا لِعُذْرٍ وَأَنْ يَكُونَ فِي
جُمْلَةِ لَك مُسْتَقْبِلًا مُتَطَهِّرًا مَسْتُورًا رَاكِبًا خَاشِعًا
بَاكِيًا مُتَبَاكِيًا فَهُنَاكَ تُسْكَبُ الْعَبَرَاتُ وَتُقَالُ
الْعَثَرَاتُ وَيَحْرِصُ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَمَا بَعْدَهُ عَلَى أَكْلِ
الْحَلَالِ الصِّرْفِ إنْ تَيَسَّرَ وَإِلَّا فَمَا قَلَّتْ شُبْهَتُهُ
وَيُفْرِغُ قَلْبَهُ مِنْ الشَّوَاغِلِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَدُخُولُ
عَرَفَةَ قَبْلَهُ بِدْعَةٌ وَإِنْ وَقَعَ شَكٌّ فِي الْهِلَالِ؛ لِأَنَّ
وُقُوفَ الْيَوْمِ الْعَاشِرِ بِشَرْطِهِ مُجْزِئٌ إجْمَاعًا وَأَنْ
يَحْذَرَ الْمُشَاتَمَةَ وَالْمُخَاصَمَةَ وَانْتِهَارَ السَّائِلِ
وَاحْتِقَارَ أَحَدٍ وَكَثْرَةَ الْكَلَامِ، وَالتَّعْرِيفُ بِغَيْرِ
عَرَفَةَ وَهُوَ جَمْعُ النَّاسِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ لِلدُّعَاءِ
وَالذِّكْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ كَمَا يَفْعَلُ أَهْلُ عَرَفَةَ فِيهِ
خِلَافٌ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا بَأْسَ
بِهِ إنْ خَلَى عَنْ نَحْوِ اخْتِلَاطِ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ وَقَدْ فَعَلَهُ
الْحَسَنُ وَجَمَاعَةٌ وَكَرِهَهُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
وَجَمَاعَةٌ وَفِي الْبُخَارِيِّ أَوَّلُ مَنْ عَرَّفَ بِالْبَصْرَةِ ابْنُ
عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ النَّوَوِيُّ وَمَنْ جَعَلَهُ
بِدْعَةً لَمْ يُلْحِقْهُ بِفَاحِشِ الْبِدَعِ، بَلْ خَفَّفَ أَمْرَهُ.
اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَفِي بَصَرِي نُورًا) أَيْ يَقُولُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ
أَعْمَى اهـ. ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: بَعْدَ الْغُرُوبِ إلَخْ) ظَاهِرُ التَّعْبِيرِ بِثُمَّ أَنَّهُ
يَطْلُبُ التَّرَاخِيَ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَنَصُّ
عِبَارَةِ م ر وَالْأَفْضَلُ بَقَاؤُهُمْ بَعْدَهُ حَتَّى تَزُولَ
الصُّفْرَةُ قَلِيلًا انْتَهَتْ، وَقَوْلُهُ يَقْصِدُوا مُزْدَلِفَةَ أَيْ
مَارِّينَ عَلَى طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ وَمُزْدَلِفَةَ كُلُّهَا مِنْ
الْحَرَمِ وَحَدُّهَا مَا بَيْنَ مَأْزِمَيْ عَرَفَةَ وَوَادِي مُحَسِّرٍ
مُشْتَقَّةٌ مِنْ الِازْدِلَافِ وَهُوَ التَّقَرُّبُ؛ لِأَنَّ الْحُجَّاجَ
يَتَقَرَّبُونَ مِنْهَا إلَى مِنًى وَالِازْدِلَافُ التَّقْرِيبُ
وَتُسَمَّى أَيْضًا جَمْعًا بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمِيمِ
سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ بِهَا اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: وَيَجْمَعُوا بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ تَأْخِيرًا) قَالَ
فِي الْمَجْمُوعِ: وَالسُّنَّةُ أَنْ يُصَلُّوا قَبْلَ حَطِّ رِحَالِهِمْ
بِأَنْ يُنِيخَ كُلٌّ جَمَلَهُ وَيَعْقِلَهُ، ثُمَّ يُصَلُّونَ
لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَيُصَلِّي كُلٌّ مِنْهُمْ رَوَاتِبَ
الصَّلَاتَيْنِ كَمَا مَرَّ فِي الْجُمُعَةِ وَلَا يَتَنَفَّلُ نَفْلًا
مُطْلَقًا وَيَتَأَكَّدُ إحْيَاءُ هَذِهِ اللَّيْلَةِ لَهُمْ كَغَيْرِهِمْ
بِالذِّكْرِ وَالْفِكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالْحِرْصِ عَلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ
بِمُزْدَلِفَةَ. اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ أَيْضًا يَجْمَعُوا بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ إلَخْ)
وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا يَكُونُ عَلَى الْأَصَحِّ بِأَذَانٍ لِلْأُولَى
وَبِإِقَامَتَيْنِ لَهُمَا اهـ. إيضَاحٌ.
(قَوْلُهُ: تَأْخِيرًا) فَائِدَةُ التَّنْصِيصِ عَلَى نَدْبِ التَّأْخِيرِ
هُنَا مَعَ مَا مَرَّ فِي الْقَصْرِ مِنْ أَنَّهُ أَفْضَلُ فِي حَقِّ
السَّائِرِ فِي وَقْتِ الْأُولَى بَيَانُ أَنَّهُ هُنَا أَفْضَلُ وَإِنْ
لَمْ يَكُنْ سَائِرًا فِي وَقْتِ الْأُولَى وَلَوْ قُلْنَا إنَّ عَدَمَ
الْجَمْعِ أَفْضَلُ وَلَوْ صَلَّى كُلًّا فِي وَقْتِهَا أَوْ جَمَعَ فِي
وَقْتِ الْغُرُوبِ أَوْ صَلَّى وَحْدَهُ أَوْ صَلَّى إحْدَاهُمَا مَعَ
الْإِمَامِ وَالْأُخْرَى وَحْدَهُ جَامِعًا أَوْ لَا أَوْ صَلَّى
بِعَرَفَةَ أَوْ الطَّرِيقِ فَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: أَسْرَعَ) أَيْ نَدْبًا.
وَعِبَارَةُ الْإِيضَاحِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُسْرِعَ وَيُحَرِّكَ دَابَّتَهُ
اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: أَوْ مَارًّا فِي طَلَبِ آبِقٍ أَوْ نَحْوِهِ) فَهُوَ لَا
يَنْصَرِفُ بِالصَّرْفِ إلَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ الطَّوَافِ فَإِنَّهُ
كَمَا تَقَدَّمَ يَنْصَرِفُ بِالصَّرْفِ إلَى غَيْرِهِ، وَمِثْلُهُ
السَّعْيُ وَالرَّمْيُ اهـ. ح ل وَكَذَا الْحَلْقُ انْتَهَى شَيْخُنَا
(قَوْلُهُ: أَيْ بِجُزْءٍ مِنْهَا) أَيْ وَلَوْ عَلَى دَابَّةٍ قَالَ
الْعَلَّامَةُ الزِّيَادِيُّ أَوْ عَلَى قِطْعَةٍ نُقِلَتْ مِنْهَا إلَى
غَيْرِهَا وَقَالَ شَيْخُنَا ع ش
(2/458)
(بَيْنَ زَوَالٍ وَفَجْرٍ) يَوْمَ (نَحْرٍ)
لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي خَبَرِهِ «وَعَرَفَةُ كُلُّهَا
مَوْقِفٌ» وَلِخَبَرِ «الْحَجُّ عَرَفَةَ مَنْ جَاءَ لَيْلَةَ جَمْعٍ
قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ» ، رَوَاهُ أَبُو
دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ،
وَلَيْلَةُ جَمْعٍ هِيَ لَيْلَةُ الْمُزْدَلِفَةِ وَخَرَجَ بِالْأَهْلِ
غَيْرُهُ كَمُغْمًى عَلَيْهِ وَسَكْرَانَ وَمَجْنُونٍ فَلَا يُجْزِئُهُمْ؛
لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ لَكِنْ يَقَعُ حَجُّهُمْ
نَفْلًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ فِي الْمَجْنُونِ كَحَجِّ
الصَّبِيِّ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي
الْمُغْمَى عَلَيْهِ فَاتَهُ الْحَجُّ لِصِحَّةِ حَمْلِهِ عَلَى فَوَاتِ
الْحَجِّ الْوَاجِبِ.
(وَلَوْ فَارَقَهَا) أَيْ عَرَفَةَ (قَبْلَ غُرُوبٍ وَلَمْ يَعُدْ)
إلَيْهَا (سُنَّ) لَهُ (دَمٌ) خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ لَا
إنْ عَادَ إلَيْهَا وَلَوْ لَيْلًا؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا يُسَنُّ لَهُ
وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي الْمَوْقِفِ.
(وَلَوْ وَقَفُوا) الْيَوْمَ (الْعَاشِرَ غَلَطًا وَلَمْ يَقِلُّوا) عَلَى
خِلَافِ الْعَادَةِ فِي الْحَجِيجِ لِظَنِّهِمْ أَنَّهُ التَّاسِعُ بِأَنْ
غُمَّ عَلَيْهِمْ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ فَأَكْمَلُوا ذَا الْقِعْدَةِ
ثَلَاثِينَ ثُمَّ بَانَ لَهُمْ أَنَّ الْهِلَالَ أَهَلَّ لَيْلَةَ
الثَّلَاثِينَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
لَا يُجْزِئُ، وَأَمَّا هَوَاهَا كَنَحْوِ سَحَابٍ أَوْ غُصْنِ شَجَرَةٍ
أَصْلُهَا خَارِجٌ عَنْهَا أَوْ عَكْسُهُ فَلَا يَكْفِي وَلَوْ كَانَ
وَلِيًّا وَمَرَّ عَلَيْهَا فِي الْهَوَاءِ فَإِنْ وَقَفَ عَلَى غُصْنٍ فِي
هَوَائِهَا وَأَصْلُهُ فِي أَرْضِهَا كَفَى؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ هُنَا
بِالْأَرْضِ وَبِذَلِكَ فَارَقَ مَا فِي الِاعْتِكَافِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ
بِذَلِكَ كُلِّهِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: بَيْنَ زَوَالٍ وَفَجْرِ نَحْرٍ) قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ
يَحْرُمُ تَأْخِيرُ الْوُقُوفِ إلَى اللَّيْلِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ
نَهَارًا، وَالرَّاجِحُ خِلَافُهُ وَعَلَى هَذَا هَلْ يُشْتَرَطُ
لِلْجَوَازِ الْعَزْمُ عَلَى الْفِعْلِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ إذَا دَخَلَ
وَقْتُهَا لَا يَبْعُدُ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ؛ لِأَنَّ تَلَبُّسَهُ
بِالْإِحْرَامِ كَافٍ إذْ هُوَ شَامِلٌ لِجَمِيعِ الْأَرْكَانِ وَبِهَذَا
فَارَقَ نَحْوَ الصَّلَاةِ وَأَيْضًا هُوَ جُزْءُ عِبَادَةٍ
فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. شَوْبَرِيٌّ وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرْ هُنَا
مُضِيُّ قَدْرِ الْخُطْبَتَيْنِ وَالصَّلَاةِ بَعْدَ الزَّوَالِ
لِلْإِجْمَاعِ عَلَى اعْتِبَارِ الزَّوَالِ، بَلْ جَوَّزَهُ أَحْمَدُ
قَبْلَهُ فَالْوَجْهُ الْقَائِلُ بِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ كَمَا فِي
الْأُضْحِيَّةِ شَاذٌّ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ التَّسْهِيلُ عَلَى الْحَاجِّ
لِكَثْرَةِ أَعْمَالِهِ فَوُسِّعَ لَهُ الْوَقْتُ وَلَمْ يُضَيَّقْ
عَلَيْهِ بِاشْتِرَاطِ تَوَقُّفِهِ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ بَعْدَ الزَّوَالِ
بِخِلَافِ الْمُضَحِّي اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: وَفِي خَبَرِهِ وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ) عِبَارَةُ شَرْحِ
م ر لِخَبَرِ «وَقَفْت هَا هُنَا وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ» رَوَاهُ
مُسْلِمٌ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: مَنْ جَاءَ لَيْلَةَ جَمْعٍ) أَيْ مَنْ جَاءَ عَرَفَةَ كَمَا
يَدُلُّ لَهُ أَوَّلُ الْحَدِيثِ اهـ.
(قَوْلُهُ: هِيَ لَيْلَةُ الْمُزْدَلِفَةِ) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ
لِاجْتِمَاعِ الْحُجَّاجِ بِهَا أَوْ لِلْجَمْعِ فِيهَا بَيْنَ
الصَّلَاتَيْنِ أَوْ لِاجْتِمَاعِ آدَمَ وَحَوَّاءَ بِهَا وَفِي
تَسْمِيَتِهَا لَيْلَةَ جَمْعٍ رَدٌّ لِمَا قِيلَ إنَّهَا تُسَمَّى
لَيْلَةَ عَرَفَةَ وَأَنَّ هَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ كَوْنِ اللَّيْلِ
يَسْبِقُ النَّهَارَ وَكَأَنَّ قَائِلَهُ تَوَهَّمَهُ مِنْ إعْطَائِهَا
حُكْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ فِي إدْرَاكِ الْوُقُوفِ وَهُوَ فَاسِدٌ كَمَا هُوَ
ظَاهِرٌ اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: لَكِنْ يَقَعُ حَجُّهُمْ نَفْلًا) الْمُعْتَمَدُ أَنَّ
الْمَجْنُونَ يَقَعُ حَجُّهُ نَفْلًا بِخِلَافِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ
وَالسَّكْرَانِ فَإِنَّ حَجَّهُمَا لَا يَقَعُ نَفْلًا وَلَا فَرْضًا
وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَهُ وَلِيٌّ يُحْرِمُ عَنْهُ وَلَا
كَذَلِكَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالسَّكْرَانُ فَإِنَّهُ لَا وَلِيَّ
لَهُمَا فَهُمَا وَإِنْ أَحْرَمَا عَنْ أَنْفُسِهِمَا قَبْلَ الْإِغْمَاءِ
وَالسُّكْرِ لَيْسَ لَهُمَا مَنْ يَأْتِي عَنْهُمَا بِأَعْمَالِ الْحَجِّ
اهـ. ز ي اهـ ع ش وَاعْتَمَدَ ح ل فِي السَّكْرَانِ تَفْصِيلًا فَقَالَ إنْ
زَالَ عَقْلُهُ فَهُوَ كَالْمَجْنُونِ وَإِنْ لَمْ يَزُلْ انْتَظَرَتْ
إفَاقَتَهُ وَيَقَعُ حَجُّهُ فَرْضًا وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الشَّيْخُ
سُلْطَانُ اهـ شَيْخُنَا وَفِي شَرْحِ م ر مَا يَقْتَضِي هَذَا
التَّفْصِيلَ.
وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ
جَمِيعَ الْوَقْتِ لَا يَقَعُ حَجَّةُ لَا فَرْضًا وَلَا نَفْلًا لِعَدَمِ
أَهْلِيَّتِهِ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ إذَا زَالَ عَقْلُهُ
فَيَقَعُ حَجُّهُمَا نَفْلًا بِخِلَافِ السَّكْرَانِ إذَا لَمْ يَزُلْ
عَقْلُهُ فَيَقَعُ حَجُّهُ فَرْضًا وَسَوَاءٌ تَعَدَّى السَّكْرَانُ
وَالْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ بِمَا فَعَلُوهُ أَوْ لَا انْتَهَتْ.
وَفِي الرَّشِيدِيِّ مَا نَصُّهُ وَصُورَتُهُ فِي الْمَجْنُونِ أَنْ
يَبْنِيَ لَهُ وَلِيُّهُ عَلَى إحْرَامِهِ السَّابِقِ فَلَا يَكْفِي
حُضُورُ الْمَجْنُونِ بِنَفْسِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: أَيْضًا لَكِنْ يَقَعُ حَجُّهُمْ نَفْلًا) هَذَا يُوجِبُ أَنْ
يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَهُوَ أَهْلٌ لِلْعِبَادَةِ فِي الْفَرْضِ
لَا مُطْلَقًا اهـ. سم.
(قَوْلُهُ: سُنَّ دَمٌ) أَيْ كَدَمِ التَّمَتُّعِ اهـ. شَرْحُ م ر وَهُوَ
دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَقْدِيرٍ اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ) وَهُوَ الْإِمَامُ
مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ لَيْلًا) غَايَةٌ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ عَوْدُهُ
فِي اللَّيْلِ لَا يُسْقِطُ وُجُوبَ الدَّمِ؛ لِأَنَّ النُّسُكَ الْوَارِدَ
الْجَمْعُ بَيْنَ آخِرِ النَّهَارِ وَأَوَّلِ اللَّيْلِ وَقَدْ فَوَّتَهُ
اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ وَقَفُوا الْعَاشِرَ إلَخْ) مُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ
لَا يَصِحُّ الْوُقُوفُ لَيْلَةَ الْحَادِيَ عَشَرَ وَهُوَ مَا مَشَى
عَلَيْهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَخَالَفَهُ ابْنُ الْمُقْرِي فِي إرْشَادِهِ
فَصَرَّحَ بِصِحَّةِ الْوُقُوفِ لَيْلَةَ الْحَادِيَ عَشَرَ حَيْثُ قَالَ
بَيْنَ زَوَالِ يَوْمٍ أَوْ ثَانِيهِ لِغَلَطِ الْجَمْعِ وَفَجْرِ غَدِهِ
وَعَلَيْهِ فَلَا يُجْزِئُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَيَكُونُ أَدَاءً وَلَا
يَصِحُّ نَحْوُ رَمْيٍ إلَّا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ وَتَقَدَّمَ
الْوُقُوفُ وَلَا ذَبْحَ إلَّا بَعْدَ طُلُوعِ شَمْسِ الْحَادِيَ عَشَرَ
وَمُضِيِّ قَدْرِ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ وَتَمْتَدُّ أَيَّامُ
التَّشْرِيقِ عَلَى حِسَابِ وُقُوفِهِمْ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ
وَأَعْرَبَ بَعْضُهُمْ غَلَطًا مَفْعُولًا لَهُ لِيَشْمَلَ مَسْأَلَةَ
الرَّافِعِيِّ وَهِيَ مَا لَوْ تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَالُ قَبْلَ
الزَّوَالِ فَوَقَفُوا عَالِمِينَ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ يُجْزِيهِمْ إذْ لَوْ
أُعْرِبَ مَصْدَرًا فِي مَوْضِعِ الْحَالِ بِمَعْنَى غَالِطِينَ خَرَجَتْ
هَذِهِ الصُّورَةُ وَدَخَلَ غَلَطُ الْحَاسِبِ الَّذِي يَعْتَمِدُ
مَنَازِلَ الْقَمَرِ وَتَقْدِيرَ سَيْرِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ،
وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ عِبَارَةِ الْأَصْلِ عَلَى الْحَالِ لِتَخَرُّجِ
هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّ فِيهَا خِلَافًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ
الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ إذْ لَوْ دَخَلَتْ فِي عِبَارَتِهِ لَزِمَ
الْقَطْعُ فِيهَا بِالْإِجْزَاءِ مَعَ أَنَّ فِيهَا خِلَافًا اهـ.
بِرْمَاوِيٌّ وَفِي سم عَلَى حَجّ مَا نَصُّهُ (فَرْعٌ)
الْوَجْهُ أَنَّهُ إذَا حَصَلَ الْغَلَطُ صَارَ الْعَاشِرُ هُوَ يَوْمُ
عَرَفَةَ شَرْعًا وَالْحَادِيَ عَشَرَ هُوَ الْعِيدُ شَرْعًا فِي حَقِّ
كُلِّ مَنْ كَانَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ أَوْ أَحْرَمَ بِهِ فِي ذَلِكَ
فَلَا تُجْزِئُ تَضْحِيَتُهُ فِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ وَلَا الْعَاشِرِ
وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ صِحَّةُ صَوْمِهِ الْعَاشِرَ
(2/459)
(أَجْزَأَهُمْ) وُقُوفُهُمْ سَوَاءٌ
أَبَانَ لَهُمْ ذَلِكَ فِي الْعَاشِرِ أَمْ بَعْدَهُ فَلَا قَضَاءَ
عَلَيْهِمْ إذْ لَوْ كُلِّفُوا بِهِ لَمْ يَأْمَنُوا وُقُوعَ مِثْلِ ذَلِكَ
فِيهِ وَلِأَنَّ فِيهِ مَشَقَّةً عَامَّةً بِخِلَافِ مَا إذَا قَلُّوا
وَلَيْسَ مِنْ الْغَلَطِ الْمُرَادِ لَهُمْ مَا إذَا وَقَعَ ذَلِكَ
بِسَبَبِ حِسَابٍ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَخَرَجَ بِالْعَاشِرِ مَا
لَوْ وَقَفُوا الْحَادِيَ عَشَرَ أَوْ الثَّامِنَ غَلَطًا فَلَا
يُجْزِيهِمْ لِنُدْرَةِ الْغَلَطِ فِيهِمَا؛ وَلِأَنَّ تَأْخِيرَ
الْعِبَادَةِ عَنْ وَقْتِهَا أَقْرَبُ إلَى الِاحْتِسَابِ مِنْ
تَقْدِيمِهَا عَلَيْهِ فِي الثَّانِي.
(فَصْلٌ) فِي الْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ وَالدَّفْعِ مِنْهَا وَفِيمَا
يُذْكَرُ مَعَهُمَا (يَجِبُ) بَعْدَ الدَّفْعِ مِنْ عَرَفَةَ (مَبِيتٌ)
أَيْ مُكْثٌ (لَحْظَةٍ) وَلَوْ بِلَا نَوْمٍ (بِمُزْدَلِفَةَ)
لِلِاتِّبَاعِ الْمَعْلُومِ مِنْ الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ وَالتَّصْرِيحُ
بِالْوُجُوبِ وَبِالِاكْتِفَاءِ بِلَحْظَةٍ مِنْ زِيَادَتِي
فَالْمُعْتَبَرُ الْحُصُولُ فِيهَا لَحْظَةً (مِنْ نِصْفٍ ثَانٍ) مِنْ
اللَّيْلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
اهـ. م ر، ثُمَّ قَالَ أَعْنِي سم وَهَلْ يَثْبُتُ كَوْنُ الْحَادِيَ
عَشَرَ هُوَ الْعِيدُ وَالثَّلَاثَةِ بَعْدَهُ هِيَ التَّشْرِيقُ فِي حَقِّ
غَيْرِ الْحَجِيجِ أَيْضًا بِالنِّسْبَةِ لِصَلَاةِ الْعِيدِ وَذَبْحِ
الْأُضْحِيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فِيهِ نَظَرٌ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي فِي
غَيْرِهِمْ أَنَّ مَنْ سَلِمَ مِنْ الْغَلَطِ وَثَبَتَتْ الرُّؤْيَةُ فِي
حَقِّهِ كَأَنْ كَانَ هُوَ الرَّائِيَ أَوْ لَا لَمْ يَثْبُتْ مَا ذُكِرَ
فِي حَقِّهِ بَلْ يَعْمَلُ بِمُقْتَضَى تِلْكَ الرُّؤْيَةِ وَمِمَّا
يُعَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ الْحَجِيجِ لَوْ انْفَرَدَ بِالرُّؤْيَةِ
لَزِمَهُ الْعَمَلُ بِالرُّؤْيَةِ وَلَمْ يَجُزْ لَهُ مُوَافَقَةُ
الْغَالِطِينَ وَإِنْ كَثُرُوا وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي بَعْضِ الْحَجِيجِ
فَفِي غَيْرِهِمْ أَوْلَى.
وَعِبَارَةُ الْعُبَابِ وَمَنْ رَأَى الْهِلَالَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ
مَرْدُودِ الشَّهَادَةِ وَقَفَ فِي التَّاسِعِ عِنْدَهُ وَإِنْ وَقَفَ
النَّاسُ بَعْدَهُ اهـ. وَمَنْ لَمْ يَسْلَمْ مِنْ الْغَلَطِ بِأَنْ لَمْ
يَرَهُ هُوَ وَلَا مَنْ يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِرُؤْيَتِهِ فَيُحْتَمَلُ
ثُبُوتُ مَا ذُكِرَ فِي حَقِّهِ تَبَعًا لِلْحَجِيجِ وَيُحْتَمَلُ
خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ خَصَائِصِ الْحَجِّ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ
لَوْ تَرَكُوا الْحَجَّ وَوَقَفُوا فِي هَذَا الْغَلَطِ لَمْ يَثْبُتْ فِي
حَقِّهِمْ هَذَا الْحُكْمُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، بَلْ الْعِبْرَةُ فِي
حَقِّهِمْ بِمَا تَبَيَّنَ وَهَذَا كُلُّهُ بِالنِّسْبَةِ لِأَهْلِ مَكَّةَ
وَمَنْ وَافَقَهُمْ فِي الْمَطْلَعِ أَمَّا مَنْ خَالَفَهُمْ فِيهِ فَلَا
تَوَقُّفَ فِي عَدَمِ ثُبُوتِ مَا ذُكِرَ فِي حَقِّهِمْ مُطْلَقًا كَمَا
هُوَ ظَاهِرٌ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ.
(قَوْلُهُ: أَجْزَأَهُمْ وُقُوفُهُمْ) وَيَكُونُ أَدَاءً لَا قَضَاءً؛
لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُهُ الْقَضَاءُ أَصْلًا وَقَدْ قَالُوا لَيْسَ يَوْمُ
الْفِطْرِ أَوَّلَ شَوَّالٍ مُطْلَقًا، بَلْ يَوْمَ يُفْطِرُ النَّاسُ،
وَكَذَا يَوْمُ النَّحْرِ يَوْمَ يُضَحِّي النَّاسُ وَيَوْمُ عَرَفَةَ
الَّذِي يَظْهَرُ لَهُمْ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ سَوَاءٌ التَّاسِعُ
وَالْعَاشِرُ لِخَبَرِ «الْفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُ النَّاسُ وَالْأَضْحَى
يَوْمَ يُضَحِّي النَّاسُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَفِي
رِوَايَةٍ لِلشَّافِعِيِّ «وَعَرَفَةُ يَوْمَ يَعْرِفُ النَّاسُ» ، وَمَنْ
رَأَى الْهِلَالَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ وَشَهِدَ بِهِ فَرُدَّتْ
شَهَادَتُهُ يَقِفُ قَبْلَهُمْ لَا مَعَهُمْ وَيُجْزِيهِ إذْ الْعِبْرَةُ
فِي دُخُولِ وَقْتِ عَرَفَةَ وَخُرُوجِهِ بِاعْتِقَادِهِ، وَهَذَا كَمَنْ
شَهِدَ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ، وَقِيَاسُهُ
وُجُوبُ الْوُقُوفِ عَلَى مَنْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ وَوَقَعَ فِي قَلْبِهِ
صِدْقُهُ اهـ. شَرْحُ م ر، وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُهُ الْقَضَاءُ
أَصْلًا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي غَيْرِ يَوْمِهِ الْمَخْصُوصِ
فِي غَيْرِ الْغَلَطِ الْمَارِّ وَإِلَّا فَهُوَ يَقْضِي بِالْإِفْسَادِ
كَمَا يَأْتِي وَقَوْلُهُ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ
فَالْمَدَارُ عَلَى أَنَّهُ رَآهُ، وَقَوْلُهُ وَقِيَاسُهُ وُجُوبُ
الْوُقُوفِ عَلَى مَنْ أَخْبَرَهُ وَانْظُرْ هَلْ يُجْزِئُ هُنَا مَا مَرَّ
فِي الصَّوْمِ مِنْ الْعَمَلِ بِالْحِسَابِ اهـ. رَشِيدِيٌّ وَلَا فَرْقَ
فِي إجْزَاءِ الْوُقُوفِ غَلَطًا فِي الْعَاشِرِ بَيْنَ وُقُوفِهِمْ فِيهِ
مَعًا أَوْ مُرَتَّبِينَ وَاحِدًا وَاحِدًا مَثَلًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ
وَإِنْ تَوَهَّمَ بَعْضُ الطَّلَبَةِ خِلَافَهُ اهـ. سم عَلَى حَجّ.
(قَوْلُهُ: مَا إذَا وَقَعَ ذَلِكَ بِسَبَبِ حِسَابٍ) أَيْ فَلَا
يُجْزِيهِمْ وَوَجْهُهُ نِسْبَتُهُمْ إلَى التَّقْصِيرِ فِي الْحِسَابِ
اهـ. رَشِيدِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِالْعَاشِرِ إلَخْ) عِبَارَةُ أَصْلِهِ مَعَ شَرْحِ م
ر وَإِنْ وَقَفُوا فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ غَلَطًا بِأَنْ شَهِدَ
شَاهِدَانِ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ
ذِي الْقِعْدَةِ ثُمَّ بَانَا كَافِرَيْنِ أَوْ فَاسِقَيْنِ وَعَلِمُوا
قَبْلَ فَوَاتِ الْوُقُوفِ وَجَبَ الْوُقُوفُ فِي الْوَقْتِ تَدَارُكًا
لَهُ وَإِنْ عَلِمُوا بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ فَوَاتِ وَقْتِ الْوُقُوفِ
وَجَبَ الْقَضَاءُ لِهَذِهِ الْحِجَّةِ فِي عَامٍ آخَرَ فِي الْأَصَحِّ
لِنُدْرَةِ الْغَلَطِ وَفَارَقَ الْعَاشِرُ بِأَنَّ تَأْخِيرَ الْعِبَادَةِ
عَنْ وَقْتِهَا أَقْرَبُ إلَى الِاحْتِسَابِ مِنْ تَقْدِيمِهَا عَلَيْهِ
وَبِأَنَّ الْغَلَطَ بِالتَّقْدِيمِ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ؛
لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقَعُ لِغَلَطٍ فِي الْحِسَابِ أَوْ خَلَلٍ فِي
الشُّهُودِ الَّذِينَ شَهِدُوا بِتَقْدِيمِ الْهِلَالِ وَالْغَلَطُ
بِالتَّأْخِيرِ قَدْ يَكُونُ بِالْغَيْمِ الَّذِي لَا حِيلَةَ فِي دَفْعِهِ
وَالثَّانِي لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَيْهِمْ قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا
غَلِطُوا بِالتَّأْخِيرِ وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِمَا مَرَّ وَلَوْ غَلِطُوا
بِيَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ أَوْ فِي الْمَكَانِ لَمْ يَصِحَّ جَزْمًا
لِنُدْرَةِ ذَلِكَ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: فَلَا يُجْزِيهِمْ) وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِإِجْزَائِهِ لَهُمْ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ
الْبَيَانِ عَنْ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
[فَصْلٌ فِي الْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ]
وَيَنْقَضِي بِقَوْلِهِ لَزِمَهُ دَمٌ وَاَلَّذِي يُذْكَرُ مَعَهُ هُوَ
قَوْلُهُ وَسُنَّ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْهَا إلَى قَوْلِهِ إلَى أَسْفَارٍ،
وَقَوْلُهُ وَالدَّفْعُ مِنْهَا هُوَ الْمَذْكُورُ بِقَوْلِهِ، ثُمَّ
يَسِيرُوا فَيَدْخُلُوا مِنًى بَعْدَ طُلُوعِ شَمْسٍ وَاَلَّذِي يُذْكَرُ
مَعَهُ هُوَ قَوْلُهُ فَيَرْمِي كُلٌّ إلَخْ الْفَصْلُ.
(قَوْلُهُ: يَجِبُ مَبِيتُ لَحْظَةٍ إلَخْ) وَقِيلَ الْمَبِيتُ سُنَّةٌ
وَرَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ، وَقِيلَ رُكْنٌ وَعَلَيْهِ كَثِيرُونَ
وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وَعَلَى كُلٍّ يَكْفِي فِيهِ لَحْظَةٌ مِنْ
النِّصْفِ الثَّانِي اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: أَيْ مُكْثُ لَحْظَةٍ) عِبَارَةُ حَجّ وَيَحْصُلُ بِلَحْظَةٍ
مِنْ النِّصْفِ الثَّانِي وَلَوْ بِالْمُرُورِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ
أَخْذًا مِنْ الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ تَعْبِيرُ
الشَّارِحِ وَغَيْرِهِ بِمُكْثِ لَحْظَةٍ انْتَهَتْ، وَعِبَارَتُهُ فِي
الْحَاشِيَةِ، بَلْ قَالَ السُّبْكِيُّ يُجْزِئُ الْمُرُورُ كَمَا فِي
عَرَفَاتٍ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ انْتَهَتْ
وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ كَمَا فِي عَرَفَاتٍ أَنَّهُ لَا يَنْصَرِفُ
بِالصَّرْفِ وَأَنَّهُ يُجْزِئُ وَإِنْ قَصَدَ آبِقًا وَلَمْ يَعْلَمْ
أَنَّهَا مُزْدَلِفَةُ
(2/460)
لَا لِكَوْنِهِ يُسَمَّى مَبِيتًا إذْ
الْأَمْرُ بِالْمَبِيتِ لَمْ يَرِدْ هُنَا، بَلْ لِأَنَّهُمْ لَا
يُصَلُّونَهَا حَتَّى يَمْضِيَ نَحْوُ رُبُعِ اللَّيْلِ وَيَجُوزُ
الدَّفْعُ مِنْهَا بَعْدَ نِصْفِهِ وَبَقِيَّةُ الْمَنَاسِكِ كَثِيرَةٌ
شَاقَّةٌ فَسُومِحَ فِي التَّخْفِيفِ لِأَجْلِهَا (فَمَنْ لَمْ يَكُنْ
بِهَا فِيهِ) أَيْ فِي النِّصْفِ الثَّانِي بِأَنْ لَمْ يَبِتْ بِهَا
(أَوْ) بَاتَ لَكِنْ (نَفَرَ قَبْلَهُ) أَيْ النِّصْفِ (وَلَمْ يَعُدْ)
إلَيْهَا (فِيهِ لَزِمَهُ دَمٌ) كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ
وَصَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ وَإِنْ
اقْتَضَى كَلَامُ الْأَصْلِ عَدَمَ لُزُومِهِ نَعَمْ إنْ تَرَكَهُ لِعُذْرٍ
كَأَنْ خَافَ أَوْ انْتَهَى إلَى عَرَفَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ وَاشْتَغَلَ
بِالْوُقُوفِ عَنْ الْمَبِيتِ أَوْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ إلَى مَكَّةَ
وَطَافَ لِلرُّكْنِ فَفَاتَهُ الْمَبِيتُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
وَيَنْبَغِي أَنْ يُجْزِئَ ذَلِكَ فِي مِنًى فَيَحْصُلُ الْمَبِيتُ بِهَا
وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا مِنًى وَقَصَدَ غَيْرَ الْوَاجِبِ اهـ. م ر
وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ مُغْمًى عَلَيْهِ جَمِيعَ النِّصْفِ
الثَّانِي كَمَا فِي وُقُوفِ عَرَفَةَ وَعَلَيْهِ فَلَوْ بَقِيَ مُغْمًى
عَلَيْهِ جَمِيعَ النِّصْفِ الثَّانِي هَلْ يَسْقُطُ الدَّمُ؛ لِأَنَّ
الْإِغْمَاءَ عُذْرٌ وَالْمَبِيتَ يَسْقُطُ بِالْعُذْرِ بِخِلَافِ
وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ مَجْنُونًا
وَعَلَيْهِ فَلَوْ بَقِيَ مَجْنُونًا فِي جَمِيعِ النِّصْفِ الثَّانِي
فَهَلْ يَسْقُطُ الدَّمُ وَيُجْعَلُ الْجُنُونُ عُذْرًا وَالْمَبِيتُ
يَسْقُطُ بِالْعُذْرِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُجْعَلَ عُذْرًا لِعَدَمِ
تَمْكِينِهِ مِنْهُ نَعَمْ إنْ كَانَ لَهُ وَلِيٌّ أَحْرَمَ عَنْهُ وَجَبَ
عَلَيْهِ إحْضَارُهُ وَإِلَّا فَعَلَى الْوَلِيِّ الدَّمُ هـ. سم عَلَى
حَجّ وَقَوْلُهُ أَحْرَمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ إلَخْ يَخْرُجُ مَا لَوْ
أَحْرَمَ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ الْجُنُونُ أَوْ الْإِغْمَاءُ
وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَى الْوَلِيِّ إذَا لَمْ يَحْضُرْهُ
وَعَلَيْهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ مَا لَوْ أَحْرَمَ عَنْهُ وَلَمْ يَحْضُرْهُ
وَبَيْنَ هَذِهِ بِأَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ عَنْهُ عَرَّضَهُ لِمُوجِبِ
الدَّمِ فَيَلْزَمُهُ إنْ قَصَّرَ فِيهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ طَرَأَ
عَلَيْهِ الْجُنُونُ فَلْيُرَاجَعْ اهـ. ع ش عَلَى م ر.
وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ وَلَوْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ جَمِيعَ
النِّصْفِ الثَّانِي لَمْ يَضُرَّ فِي حَجِّهِ وَلَيْسَ هُوَ كَعَرَفَةَ
كَمَا لَا يَخْفَى انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: لَا لِكَوْنِهِ يُسَمَّى مَبِيتًا) عِبَارَةُ حَجّ، وَقِيلَ
يُشْتَرَطُ مُعْظَمُ اللَّيْلِ وَرَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ،
ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ بِأَنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَهَا إلَّا قَرِيبًا مِنْ
رُبُعِ اللَّيْلِ مَعَ جَوَازِ الدَّفْعِ مِنْهَا عَقِبَ نِصْفِهِ وَعَلَى
الْأَوَّلِ فَارَقَ هَذَا مَا يَأْتِي فِي مَبِيتِ مِنًى بِأَنَّهُ وَرَدَ
ثَمَّ لَفْظُ الْمَبِيتِ وَهُوَ إنَّمَا يَنْصَرِفُ لِلْمُعْظَمِ وَلَمْ
يَرِدْ هُنَا مَعَ أَنَّ تَعْجِيلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- لِلضَّعَفَةِ بَعْدَ النِّصْفِ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْمُعْظَمِ
عَلَى أَنَّهُمْ ثَمَّ مُسْتَقِرُّونَ وَهُنَا عَلَيْهِمْ أَعْمَالٌ
كَثِيرَةٌ شَاقَّةٌ فَخُفِّفَ عَلَيْهِمْ لِأَجْلِهَا انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: إذْ الْأَمْرُ بِالْمَبِيتِ) أَيْ بِلَفْظِهِ لَمْ يَرِدْ هُنَا
حَتَّى يُعْتَبَرَ مُسَمَّاهُ وَهُوَ مُكْثُ غَالِبِ اللَّيْلِ اهـ. ح ل.
(قَوْلُهُ: كَثِيرَةٌ شَاقَّةٌ) أَيْ وَيَدْخُلُ وَقْتُهَا بِنِصْفِ
اللَّيْلِ هَكَذَا زَادَ م ر هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِي التَّعْلِيلِ فِيمَا
سَيَأْتِي.
(قَوْلُهُ: نَعَمْ إنْ تَرَكَهُ لِعُذْرٍ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر
وَيَسْقُطُ الْمَبِيتُ بِهَا فَلَا إثْمَ بِتَرْكِهِ وَلَا دَمَ لِعُذْرٍ
مِمَّا يَأْتِي فِي الْمَبِيتِ بِمِنًى قِيَاسًا عَلَيْهِ وَمِنْ الْعُذْرِ
هُنَا الِاشْتِغَالُ بِالْوُقُوفِ إلَخْ انْتَهَتْ.
وَعِبَارَةُ ابْنِ الْجَمَّالِ فِي شَرْحِ نَظْمِ ابْنِ الْمُقْرِي
لِلدِّمَاءِ نَصُّهَا: وَإِنَّمَا يَجِبُ هَذَا الدَّمُ عَلَى مَنْ تَرَكَ
الْحُصُولَ بِمُزْدَلِفَةَ فِي لَحْظَةٍ مِنْ النِّصْفِ الثَّانِي بِغَيْرِ
عُذْرٍ مِنْ أَعْذَارِ الْمَبِيتِ بِمِنَى وَيُرِيدُ هَذَا بِأَنَّهُ
يَسْقُطُ عَمَّنْ اشْتَغَلَ بِتَحْصِيلِ الْوُقُوفِ وَعَمَّنْ أَفَاضَ إلَى
مَكَّةَ لِيَطُوفَ لِلرُّكْنِ انْتَهَتْ وَقَالَ فِي بَحْثِ الْمَبِيتِ
بِمِنَى، أَمَّا أَصْحَابُ الْأَعْذَارِ فَلَهُمْ تَرْكُ الْمَبِيتِ وَلَا
دَمَ عَلَيْهِمْ كَرِعَاءِ الْإِبِلِ وَغَيْرِهَا وَلَوْ غَيْرَ دَوَابِّ
الْحَاجِّ أَوْ أُجَرَاءَ أَوْ مُتَبَرِّعِينَ وَكَأَهْلِ السِّقَايَةِ
سَوَاءٌ كَانَتْ السِّقَايَةُ قَدِيمَةً كَسِقَايَةِ الْعَبَّاسِ أَوْ
مُحْدَثَةً بِمَكَّةَ أَوْ بِطَرِيقِهَا وَلَوْ لِلْبَيْعِ فِيمَا يَظْهَرُ
قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا كَانَ الرِّعَاءُ أُجَرَاءَ وَكَمَنْ خَافَ عَلَى
نَحْوِ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ أَوْ ضَيَاعِ مَرِيضٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ
أَعْذَارِ الْجَمَاعَةِ مِمَّا يُمْكِنُ مَجِيئُهُ هُنَا كَمَا
اسْتَظْهَرَهُ فِي مَتْنِ مُخْتَصَرِ الْإِيضَاحِ كَخَوْفِ حَبْسِ غَرِيمٍ
وَعُقُوبَةِ مَنْ يَرْجُو بِغَيْبَتِهِ الْعَفْوَ إلَخْ اهـ. بِتَصَرُّفٍ،
وَسَيَأْتِي نَقْلُ الْعِبَارَةِ بِتَمَامِهَا فِي الْمَبِيتِ بِمِنًى
فَتَلَخَّصَ أَنَّ أَعْذَارَ الْمَبِيتِ بِمِنًى كُلُّهَا تَأْتِي هُنَا
وَيَزِيدُ مَا هُنَا بِعُذْرَيْنِ آخَرَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا
الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ أَوْ انْتَهَى إلَى عَرَفَةَ إلَخْ تَأَمَّلْ.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَمِنْ الْعُذْرِ هُنَا الِاشْتِغَالُ بِالْوُقُوفِ
بِأَنْ انْتَهَى إلَى عَرَفَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ وَاشْتَغَلَ
بِالْوُقُوفِ بِهَا لِاشْتِغَالِهِ بِالْأَهَمِّ، وَقَيَّدَهُ
الزَّرْكَشِيُّ بِمَا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الدَّفْعُ إلَى مُزْدَلِفَةَ
لَيْلًا وَالْأَوْجَبُ جَمْعًا بَيْنَ الْوَاجِبَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرٌ.
وَلَوْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ إلَى مَكَّةَ لِطَوَافِ الرُّكْنِ بَعْدَ
نِصْفِ اللَّيْلِ وَفَاتَ الْمَبِيتُ لِأَجْلِ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ
شَيْءٌ لِاشْتِغَالِهِ بِالطَّوَافِ كَاشْتِغَالِهِ بِالْوُقُوفِ وَنَظَرَ
فِيهِ الْإِمَامُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْوُقُوفِ
وَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ عَنْ الزَّرْكَشِيّ وَإِنْ رُدَّ ذَلِكَ بِأَنَّ
كَثْرَةَ الْأَعْمَالِ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَيَوْمِهَا
اقْتَضَتْ مُسَامَحَتَهُ بِذَلِكَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَظَاهِرُ ذَلِكَ
أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَمُرَّ بِطَرِيقِهِ بِمُزْدَلِفَةَ أَوْ
لَا أَيْ قَبْلَ النِّصْفِ وَإِلَّا فَمُرُورُهُ بِهَا بَعْدَهُ يَحْصُلُ
الْمَبِيتُ، وَبَحَثَ أَنَّ الْأَعْذَارَ هُنَا تُحَصِّلُ ثَوَابَ
الْحُضُورِ كَمَا مَرَّ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَاَلَّذِي مَرَّ أَنَّ
الْمَذْهَبَ عَدَمُ الْحُصُولِ، وَالْمُخْتَارُ الْحُصُولُ عَلَى أَنَّ
الْفَرْقَ أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ أَوْ السُّنَّةَ يُسَامَحُ فِيهِ مَا
لَا يُسَامَحُ فِي فَرْضِ الْعَيْنِ فَلَا قِيَاسَ، وَمِنْ ثَمَّ كَثُرَتْ
الْأَعْذَارُ ثَمَّ لَا هُنَا انْتَهَتْ. وَقَوْلُهُ وَيَأْتِي فِيهِ مَا
مَرَّ إلَخْ أَيْ فَيُقَيَّدُ مَا هُنَا مِنْ عَدَمِ لُزُومِ الدَّمِ بِمَا
إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الْعَوْدُ لِمُزْدَلِفَةَ بَعْدَ الطَّوَافِ اهـ ع ش
عَلَيْهِ.
وَعِبَارَةُ حَجّ وَمِنْ الْعُذْرِ هُنَا اشْتِغَالُهُ بِالْوُقُوفِ أَوْ
بِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ بِأَنْ وَقَفَ، ثُمَّ ذَهَبَ إلَيْهِ قَبْلَ
النِّصْفِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَمْ يَمُرَّ بِمُزْدَلِفَةَ وَإِنْ لَمْ
يُضْطَرَّ إلَيْهِ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ قَصْدَهُ تَحْصِيلَ الرُّكْنِ
يَنْفِي تَقْصِيرَهُ
(2/461)
(وَسُنَّ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْهَا حَصَى
رَمْيٍ) يَوْمَ (نَحْرٍ) قَالَ الْجُمْهُورُ لَيْلًا وَقَالَ الْبَغَوِيّ
بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ
صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ «عَنْ الْفَضْلِ
بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- قَالَ لَهُ غَدَاةَ يَوْمِ النَّحْرِ الْتَقِطْ لِي حَصًى قَالَ
الْتَقَطْت لَهُ حَصَيَاتٍ مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ» وَالتَّصْرِيحُ يُسَنُّ
أَخْذُهَا مَعَ التَّقْيِيدِ بِرَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ مِنْ زِيَادَتِي
فَالْمَأْخُوذُ سَبْعُ حَصَيَاتٍ لَا سَبْعُونَ (وَ) أَنْ (يُقَدَّمَ
نِسَاءٌ وَضَعَفَةٌ بَعْدَ نِصْفٍ) مِنْ اللَّيْلِ (إلَى مِنًى) لِيَرْمُوا
قَبْلَ الزَّحْمَةِ وَلِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ
سَوْدَةَ أَفَاضَتْ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ بِإِذْنِ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَأْمُرْهَا
بِالدَّمِ وَلَا النَّفَرَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهَا» وَفِيهِمَا عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَنَا مِمَّنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ (وَ)
أَنْ (يَبْقَى غَيْرُهُمْ حَتَّى يُصَلُّوا الصُّبْحَ بِغَلَسٍ) بِهَا
لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَيَتَأَكَّدُ طَلَبُ التَّغْلِيسِ
هُنَا عَلَى بَقِيَّةِ الْأَيَّامِ لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ «وَلِيَتَّسِعَ
الْوَقْتُ لِمَا بَيْنَ أَيْدِيهمْ مِنْ أَعْمَالِ يَوْمِ النَّحْرِ» .
(ثُمَّ يَقْصِدُوا مِنًى) وَشِعَارُهُمْ مَعَ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ
النِّسَاءِ وَالضَّعَفَةِ التَّلْبِيَةُ قَالَ الْقَفَّالُ مَعَ
التَّكْبِيرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
نَظِيرَ مَا مَرَّ فِي تَعَمُّدِ الْمَأْمُومِ تَرْكَ الْجُلُوسِ مَعَ
الْإِمَامِ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ نَعَمْ يَنْبَغِي لَهُ أَنَّهُ لَوْ
فَرَغَ مِنْهُ وَأَمْكَنَهُ الْعَوْدُ لِمُزْدَلِفَةَ قَبْلَ الْعَجْزِ
لَزِمَهُ ذَلِكَ انْتَهَتْ
. (قَوْلُهُ: وَسُنَّ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْهَا إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ بِهَا
جَبَلًا فِي أَحْجَارِهِ رَخَاوَةٌ وَلِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ لَا
يُعَرِّجَ عِنْدَ دُخُولِهِ مِنًى عَلَى غَيْرِ الرَّمْيِ فَأُمِرَ
بِذَلِكَ لِئَلَّا يَشْتَغِلَ عَنْهُ اهـ. م ر وَأَخْذُهَا مِنْ غَيْرِ
الْمُزْدَلِفَةِ مِنْ بَقِيَّةِ الْحَرَمِ خِلَافُ السُّنَّةِ وَأَخْذُهَا
مِنْ الْمَسْجِدِ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ مِنْ أَجْزَائِهِ مَكْرُوهٌ
وَيُكْرَهُ أَخْذُهَا مِنْ الْمَرْمَى وَالْحِلِّ اهـ. ح ل وَيُكْرَهُ
أَخْذُهَا مِنْ مَحَلٍّ نَجِسٍ كَالْمِرْحَاضِ مَا لَمْ يَغْسِلْهَا
وَإِنَّمَا لَمْ تَزُلْ كَرَاهَةُ الْأَكْلِ فِي إنَاءِ بَوْلٍ وَالرَّمْيِ
بِحَجَرٍ خَشِنٍ غَسْلًا لِبَقَاءِ اسْتِقْذَارِهِمَا بَعْدَ غَسْلِهِمَا
وَيُسَنُّ غَسْلُ الْحَصَى حَيْثُ قَرُبَ احْتِمَالُ تَنَجُّسِهِ اهـ. حَجّ
قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَمُقْتَضَى
إطْلَاقِهِمْ بَقَاءَ الْكَرَاهَةِ وَلَوْ غُسِلَ الْمَأْخُوذُ مِنْ
الْمَوْضِعِ النَّجِسِ قَالَهُ فِي شَرَحَ الْعُبَابِ نَعَمْ
الْمُتَنَجِّسُ الَّذِي لَمْ يُؤْخَذْ مِنْ مَحَلٍّ مُتَنَجِّسٍ تَزُولُ
كَرَاهَتُهُ بِالْغَسْلِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِنَدْبِهِ فَائِدَةٌ
بِخِلَافِ الْمَأْخُوذِ مِنْ مَحَلٍّ نَجِسٍ فَإِنَّهُ وَإِنْ زَالَتْ
كَرَاهَتُهُ مِنْ حَيْثُ النَّجَاسَةُ، لَكِنَّهَا تَبْقَى مِنْ حَيْثُ
الِاسْتِقْذَارُ كَمَا يُكْرَهُ الْأَكْلُ فِي إنَاءِ الْبَوْلِ بَعْدَ
غَسْلِهِ اهـ. سم عَلَى حَجّ.
(قَوْلُهُ: حَصَى رَمْيِ نَحْرٍ) سَكَتَ الْجُمْهُورُ عَنْ مَوْضِعِ أَخْذِ
حَصَى الْجِمَارِ لِأَيَّامِ التَّشْرِيقِ إذَا قُلْنَا بِالْأَصَحِّ
إنَّهَا لَا تُؤْخَذُ مِنْ مُزْدَلِفَةَ فَقَالَ ابْنُ كَجٍّ تُؤْخَذُ مِنْ
بَطْنِ مُحَسِّرٍ وَارْتَضَاهُ الْأَذْرَعِيُّ وَقَالَ السُّبْكِيُّ لَا
يُؤْخَذُ لِأَيَّامِ التَّشْرِيقِ إلَّا مِنْ مِنًى نَصَّ عَلَيْهِ فِي
الْإِمْلَاءِ. اهـ. وَالْأَوْجَهُ حُصُولُ السُّنَّةِ بِالْأَخْذِ مِنْ
كُلٍّ مِنْهُمَا اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: قَالَ الْجُمْهُورُ لَيْلًا) اعْتَمَدَهُ م ر وحج وَوَجَّهَاهُ
بِأَنَّهُ الَّذِي يَطَّرِدُ فِي حَقِّ كُلِّ النَّاسِ حَتَّى النِّسَاءِ
وَالضَّعَفَةِ الَّذِينَ يَسِيرُونَ مِنْهَا لَيْلًا انْتَهَى.
وَعِبَارَةُ الْإِيضَاحِ وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ لِئَلَّا يَشْتَغِلَ
بِهِ عَنْ وَظَائِفِهِ بَعْدَ الصُّبْحِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: مِثْلُ حَصَى الْخَذْفِ) أَيْ لَا أَكْبَرُ مِنْهُ وَلَا
أَصْغَرُ وَهُوَ دُونَ أُنْمُلَةٍ وَدُونَ حَبَّةِ الْبَاقِلَا، وَقِيلَ
نَحْوُ النَّوَاةِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ
وَيُكْرَهُ كَسْرُ الْحِجَارَةِ لَهُ إلَّا لِعُذْرٍ، بَلْ يَلْتَقِطُهُمَا
صِغَارًا وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ كَسْرِهَا هُنَا وَهُوَ أَيْضًا
يُفْضِي إلَى الْأَذَى اهـ. إيضَاحٌ.
(قَوْلُهُ: فَالْمَأْخُوذُ سَبْعُ حَصَيَاتٍ) وَالِاحْتِيَاطُ كَمَا فِي
الْمَجْمُوعِ أَنْ يَزِيدَ عَلَى السَّبْعِ فَرُبَّمَا سَقَطَ مِنْهَا
شَيْءٌ اهـ شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: وَأَنْ يُقَدَّمَ نِسَاءٌ إِلَخْ) وَيُسَنُّ لَهُمْ
التَّقَدُّمُ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يُؤْمَرُوا عَلَى الْأَرْجَحِ اهـ حَجّ
(قَوْلُهُ لِيَرْمُوا قَبْلَ الزَّحْمَةِ) أَيْ إنْ أَرَادُوا تَعْجِيلَ
الرَّمْيِ وَإِلَّا فَالسُّنَّةُ لَهُمْ تَأْخِيرُهُ إلَى طُلُوعِ
الشَّمْسِ كَغَيْرِهِمْ اهـ. حَجّ أَيْ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ قَبْلَ
زَحْمَةِ النَّاسِ فِي سَيْرِهِمْ مِنْ مُزْدَلِفَةَ إلَى مِنًى أَوْ أَنَّ
الْمُرَادَ أَنَّهُمْ إذَا فَعَلُوا ذَلِكَ كَانُوا مُتَمَكِّنِينَ مِنْ
الرَّمْيِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ قَبْلَ مَجِيءِ غَيْرِهِمْ
وَازْدِحَامِهِمْ مَعَهُ اهـ. ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: وَلِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ إلَخْ) عِبَارَةُ
شَرْحِ م ر لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ سَوْدَةَ
وَأُمَّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ - أَفَاضَتَا فِي النِّصْفِ
الْأَخِيرِ بِإِذْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ
يَأْمُرْهُمَا وَلَا مَنْ كَانَ مَعَهُمَا بِدَمٍ» انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ إنَّ سَوْدَةَ) هِيَ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ سَوْدَةُ بِنْتُ
زَمْعَةَ بْنِ قَيْسٍ أَسْلَمَتْ قَدِيمًا وَبَايَعَتْ وَكَانَتْ تَحْتَ
ابْنِ عَمِّهَا السَّكْرَانِ بْنِ عَمْرٍو فَلَمَّا مَاتَ تَزَوَّجَهَا
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُتَوَفَّاةُ
بِالْمَدِينَةِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ اهـ.
بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَلَا النَّفَرَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهَا) النَّفَرُ
بِفَتْحَتَيْنِ عِدَّةُ رِجَالٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ إلَى عَشَرَةٍ اهـ
مُخْتَارٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ سَوْدَةَ يَزِيدُونَ
عَلَى هَذَا، فَإِطْلَاقُ النَّفَرِ عَلَيْهِمْ مَجَازٌ اهـ. ع ش.
(قَوْلُهُ: حَتَّى يُصَلُّوا الصُّبْحَ بِغَلَسٍ) قِيلَ وَتَتَأَكَّدُ
صَلَاةُ الصُّبْحِ بِمُزْدَلِفَةَ مَعَ الْإِمَامِ لِجَرَيَانِ قَوْلٍ
بِتَوَقُّفِ صِحَّةِ الْحَجِّ عَلَى ذَلِكَ اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: بِغَلَسٍ) هُوَ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ اسْمٌ لِشِدَّةِ
الظَّلَامِ وَالْبَاءُ بِمَعْنَى فِي أَيْ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ،
وَقَوْلُهُ بِهَا مُتَعَلِّقٌ بِيُصَلُّونَ أَيْ يُصَلُّونَ بِهَا أَيْ
بِمُزْدَلِفَةَ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا بِغَلَسٍ) بِأَنْ يُصَلُّوا عَقِبَ ظُهُورِ الْفَجْرِ
فَوْرًا اهـ. ع ش عَلَى م ر
. (قَوْلُهُ: مَعَ التَّكْبِيرِ) أَيْ الَّذِي يَقُولُ الرَّامِي مِنْ
قَوْلِهِ اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ
أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ اهـ. م ر وَبِهِ تَعْلَمُ
أَنَّ مَا بِبَعْضِ الْهَوَامِشِ عَنْ ح ل نَقْلًا عَنْ ز ي أَنَّ قَوْلَ
الشَّارِحِ مَعَ التَّكْبِيرِ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ وَقْتَ التَّكْبِيرِ مِنْ
الزَّوَالِ اشْتِبَاهٌ مِنْ الْكَاتِبِ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ الَّذِي
يَدْخُلُ وَقْتُهُ بِالزَّوَالِ هُوَ التَّكْبِيرُ الَّذِي خَلْفَ
الصَّلَوَاتِ لَا هَذَا التَّكْبِيرُ. اهـ. ع ش.
وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ قَوْلُهُ مَعَ التَّكْبِيرِ أَيْ تَأَسِّيًا
بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَقَلَ الْعَلَّامَةُ ز ي
تَضْعِيفَهُ وَأَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ؛ لِأَنَّ وَقْتَ التَّكْبِيرِ مِنْ
الزَّوَالِ قَالَ شَيْخُنَا الشبراملسي وَهَذَا
(2/462)
(فَإِذَا بَلَغُوا الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ)
وَهُوَ جَبَلٌ فِي آخِرِ مُزْدَلِفَةَ يُقَالُ لَهُ قُزَحٌ (اسْتَقْبَلُوا)
الْقِبْلَةَ؛ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْجِهَاتِ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِي
(وَوَقَفُوا) عِنْدَهُ (وَهُوَ) أَيْ وُقُوفُهُمْ بِهِ (أَفْضَلُ) مِنْ
وُقُوفِهِمْ بِغَيْرِهِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ وَمِنْ مُرُورِهِمْ بِهِ بِلَا
وُقُوفٍ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِي (وَذَكَرُوا) اللَّهَ تَعَالَى (وَدَعَوْا
إلَى أَسْفَارٍ) لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَوْلِي وَذَكَرُوا
مِنْ زِيَادَتِي كَأَنْ يَقُولُوا اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا لَا إلَهَ
إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ
(ثُمَّ يَسِيرُوا) بِسَكِينَةٍ فَإِذَا وَجَدُوا فُرْجَةً أَسْرَعُوا
وَإِذَا بَلَغُوا وَادِيَ مُحَسِّرٍ أَسْرَعَ الْمَاشِي وَحَرَّكَ
الرَّاكِبُ دَابَّتَهُ وَذَلِكَ قَدْرَ رَمْيَةِ حَجَرٍ حَتَّى يَقْطَعُوا
عَرْضَ الْوَادِي (وَيَدْخُلُونَ مِنًى بَعْدَ طُلُوعِ شَمْسٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
اشْتِبَاهٌ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ الَّذِي يَتَوَقَّفُ عَلَى الزَّوَالِ
هُوَ الَّذِي يُطْلَبُ عَقِبَ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ هَذَا التَّكْبِيرِ
فَإِنَّهُ يُطْلَبُ مَعَ الرَّمْيِ وَهُوَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ
انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: فَإِذَا بَلَغُوا الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ) بِفَتْحِ الْمِيمِ
عَلَى الْمَشْهُورِ وَحُكِيَ كَسْرُهَا وَهُوَ شَاذٌّ مَأْخُوذٌ مِنْ
الشَّعِيرَةِ وَهِيَ الْعَلَامَةُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ
الشَّعَائِرِ وَهِيَ مَعَالِمُ الدِّينِ، وَالْحَرَامُ هُوَ الَّذِي
يَحْرُمُ فِيهِ الصَّيْدُ وَغَيْرُهُ فَإِنَّهُ مِنْ الْحَرَمِ وَيَجُوزُ
أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ ذَا الْحُرْمَةِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ جَبَلٌ إلَخْ) أَيْ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، وَأَمَّا
عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْمُفَسِّرِينَ فَهُوَ جَمِيعُ مُزْدَلِفَةَ
اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: أَيْضًا وَهُوَ جَبَلٌ فِي آخِرِ مُزْدَلِفَةَ) وَهُوَ الَّذِي
عَلَيْهِ الْآنَ الْبِنَاءُ وَالْمَنَارَةُ خِلَافًا لِمَنْ أَنْكَرَهُ
اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: يُقَالُ لَهُ قُزَحٌ) بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الزَّايِ
الْمُعْجَمَةِ وَآخِرُهُ حَاءٌ مُهْمَلَةٌ بِوَزْنِ عُمَرَ مَمْنُوعٌ مِنْ
الصَّرْفِ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالْعَدْلِ كَجُشَمٍ اهـ. شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: وَوَقَفُوا عِنْدَهُ) وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الْوُقُوفُ
عَلَيْهِ حَيْثُ لَا تَأَذِّي وَلَا إيذَاءَ لِلزَّحْمَةِ وَإِلَّا
فَتَحْته اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: كَأَنْ يَقُولُوا اللَّهُ أَكْبَرُ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر
وَيُكْثِرُونَ مِنْ قَوْلِهِمْ {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً
وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201]
وَيَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ دُعَائِهِمْ اللَّهُمَّ كَمَا أَوْقَفْتنَا فِيهِ
وَأَرَيْتنَا إيَّاهُ فَوَفِّقْنَا لِذِكْرِك كَمَا هَدَيْتنَا وَاغْفِرْ
لَنَا وَارْحَمْنَا كَمَا وَعَدْتنَا بِقَوْلِك وَقَوْلُك الْحَقُّ
{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ
الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198] إلَى قَوْلِهِ {وَاسْتَغْفِرُوا
اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 199] ، وَمِنْ جُمْلَةِ
ذِكْرِهِ اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ
أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ انْتَهَتْ، وَرَوَى
الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ الثَّقَفِيِّ قَالَ سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَخْطُبُ فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا، ثُمَّ قَالَ
كَانَ النَّاسُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذَا وَقَفُوا فِي الْمَشْعَرِ
الْحَرَامِ يَبْتَهِلُ أَحَدُهُمْ اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي إبِلًا
اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي غَنَمًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {فَمِنَ
النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي
الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ - وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ} [البقرة: 200 - 201]
إلَى آخِرِ الْآيَةِ اللَّهُمَّ رَبَّ الْمَشْرِقِ بَلِّغْ رُوحَ رَسُولِك
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَزْكَى تَحِيَّةٍ
وَأَفْضَلَ سَلَامٍ وَاجْمَعْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فِي دَارِ السَّلَامِ
بِرَحْمَتِك يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ اللَّهُمَّ احْفَظْ عَلَيَّ
دِينِي وَاجْعَلْ خَشْيَتَك نُصْبَ عَيْنِي وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي يَا
حَيُّ يَا قَيُّومُ يَا خَيْرَ مَقْصُودٍ يَا خَيْرَ مَرْجُوٍّ يَا خَيْرَ
مَسْئُولٍ يَا خَيْرَ مُعْطٍ اللَّهُمَّ ذَلِّلْ نَفْسِي حَتَّى تَنْقَادَ
لِطَاعَتِك وَيَسِّرْ عَلَيْهَا الْعَمَلَ بِمَا يُقَرِّبُهَا إلَى رِضَاك
وَاجْعَلْهَا مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِك وَسُكَّانِ جَنَّتِك، ثُمَّ يُصَلِّي
عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ.
بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ يَسِيرُوا) أَيْ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَيُكْرَهُ
التَّأْخِيرُ إلَى طُلُوعِهَا اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا بَلَغُوا وَادِيَ مُحَسِّرٍ إلَخْ) عِبَارَةُ حَجّ
وَإِذَا بَلَغُوا بَطْنَ مُحَسِّرٍ وَهُوَ أَعْنِي مُحَسِّرًا مَا بَيْنَ
مُزْدَلِفَةَ وَمِنًى وَبَطْنُهُ مَسِيلٌ فِيهِ أَسْرَعَ الْمَاشِي
جَهْدَهُ وَحَرَّكَ الرَّاكِبُ دَابَّتَهُ كَذَلِكَ حَيْثُ لَا ضَرَرَ
حَتَّى يَقْطَعَ عَرْضَ ذَلِكَ الْمَسِيلِ وَهُوَ قَدْرُ رِمْيَةِ حَجَرٍ
لِلِاتِّبَاعِ، وَحِكْمَتُهُ أَنَّ أَصْحَابَ الْفِيلِ أُهْلِكُوا ثَمَّ
عَلَى قَوْلٍ الْأَصَحُّ خِلَافُهُ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَدْخُلُوا الْحَرَمَ
وَإِنَّمَا أُهْلِكُوا قُرْبَ أَوَّلِهِ أَوْ أَنَّ رَجُلًا اصْطَادَ
فَنَزَلَتْ نَارٌ حَرَقَتْهُ وَمِنْ ثَمَّ تُسَمِّيهِ أَهْلُ مَكَّةَ
وَادِي النَّارِ فَهُوَ لِكَوْنِهِ مَحَلَّ نُزُولِ الْعَذَابِ كَدِيَارِ
ثَمُودَ الَّتِي صَحَّ أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
لِلْمَارِّينَ بِهَا أَنْ يُسْرِعُوا لِئَلَّا يُصِيبَهُمْ مَا أَصَابَ
أَهْلَهَا وَمِنْ ثَمَّ يَنْبَغِي الْإِسْرَاعُ فِيهِ لِغَيْرِ الْحَاجِّ
أَيْضًا أَوْ أَنَّ النَّصَارَى كَانَتْ تَقِفُ ثَمَّ فَأُمِرْنَا
بِالْمُبَالَغَةِ فِي مُخَالَفَتِهِمْ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: رِمْيَةِ حَجَرٍ) بِكَسْرِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ اهـ
بِرْمَاوِيٌّ أَيْ هَيْئَةِ رَمْيِهِ مِنْ انْتِهَاءِ بُعْدِهِ وَالْفَتْحُ
لَا يُنَاسِبُ هُنَا كَمَا لَا يَخْفَى.
(قَوْلُهُ: حَتَّى يَقْطَعُوا عَرْضَ الْوَادِي) فَإِذَا قَطَعُوهُ سَارُوا
بِسَكِينَةٍ اهـ. شَرْحُ م ر وَيَدْخُلُوا مِنًى وَحْدَهَا طُولًا مِنْ
وَادِي مُحَسِّرٍ إلَى جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَهِيَ شِعْبٌ طُولُهُ نَحْوُ
مِيلَيْنِ وَعَرْضُهُ يَسِيرٌ وَالْجِبَالُ الْمُحِيطَةُ بِهِ مَا أَقْبَلَ
مِنْهَا عَلَيْهِ فَهُوَ مِنْ مِنًى وَمَا أَدْبَرَ مِنْهَا فَلَيْسَ مِنْ
مِنًى وَمَسْجِدِ الْخَيْفِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ مِيلٍ مِمَّا يَلِي مَكَّةَ
وَجَمْرَةُ الْعَقَبَةِ فِي آخِرِ مِنًى مِمَّا يَلِي مَكَّةَ وَلَيْسَتْ
الْعَقَبَةُ الَّتِي تُنْسَبُ إلَيْهَا الْجَمْرَةُ مِنْ مِنًى وَهِيَ
الَّتِي بَايَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
الْأَنْصَارَ عِنْدَهَا قَبْلَ الْهِجْرَةِ اهـ. إيضَاحٌ، لَكِنَّ
الْمُشَاهَدَ الْآنَ خِلَافُهُ وَهُوَ أَنَّ مَسْجِدَ الْعَقَبَةِ الَّذِي
وُضِعَ فِي مَكَانِ الْمُبَايَعَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَمْرَة الْعَقَبَةِ
نَحْوُ نِصْفِ مِيلٍ.
(قَوْلُهُ: بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) أَيْ وَارْتِفَاعِهَا كَرُمْحٍ
وَهَذَا وَقْتُ فَضِيلَةٍ إلَى الزَّوَالِ وَيُنْدَبُ لِدَاخِلِهَا أَنْ
يَقُولَ اللَّهُمَّ هَذِهِ مِنًى قَدْ أَتَيْتهَا وَأَنَا عَبْدُك وَابْنُ
عَبْدِك أَسْأَلُك أَنْ تَمُنَّ عَلَيَّ بِمَا مَنَنْت بِهِ عَلَى
أَوْلِيَائِك اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْحِرْمَانِ
وَالْمُصِيبَةِ فِي دِينِي يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ اهـ.
(2/463)
فَيَرْمِي كُلٌّ) مِنْهُمْ حِينَئِذٍ
(سَبْعَ حَصَيَاتٍ إلَى جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ) لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ
مُسْلِمٌ (وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ نَحْوِ رَمْيٍ)
مِمَّا لَهُ دَخْلٌ فِي التَّحَلُّلِ لِأَخْذِهِ فِي أَسْبَابِ
التَّحَلُّلِ كَمَا أَنَّ الْمُعْتَمِرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ
طَوَافِهِ وَنَحْوُ مِنْ زِيَادَتِي (وَيُكَبِّرُ) بَدَلَ التَّلْبِيَةِ
(مَعَ كُلِّ رَمْيَةٍ) لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَهَذَا الرَّمْيُ
تَحْتَهُ مِنًى فَلَا يَبْدَأُ فِيهَا بِغَيْرِهِ وَيُبَادِرُ بِالرَّمْيِ
كَمَا أَفَادَتْهُ الْفَاءُ حَتَّى إنَّ السُّنَّةَ لِلرَّاكِبِ أَنْ لَا
يَنْزِلَ لِلرَّمْيِ، وَالسُّنَّةُ لِلرَّامِي إلَى الْجَمْرَةِ أَنْ
يَسْتَقْبِلَهَا (وَ) مَعَ (حَلْقٍ وَعَقِبَهُ) لِفِعْلِ السَّلَفِ وَهَذَا
مِنْ زِيَادَتِي (وَيَذْبَحُ مَنْ مَعَهُ هَدْيٌ) تَقَرُّبًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
بِرْمَاوِيٌّ وَمَنْ وَصَلَ قَبْلَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ هَلْ يَغْلِبُ
كَوْنُ الرَّمْيِ تَحْتَهُ فَيَرْمِي أَوْ يُرَاعِي الْوَقْتَ الْفَاضِلَ
فَيُؤَخِّرُ إلَيْهِ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَقَضِيَّةُ مَا مَرَّ فِي
الضَّعَفَةِ الثَّانِي اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: فَيَرْمِي كُلٌّ إلَخْ) السُّنَّةُ الْمُسْتَفَادَةُ مِنْ
الْعَطْفِ عَلَى الْمَنْصُوبَاتِ إنَّمَا هِيَ مِنْ حَيْثُ الْفَوْرِيَّةُ
الْمُسْتَفَادَةُ مِنْ الْفَاءِ وَإِلَّا فَالرَّمْيُ فِي حَدِّ ذَاتِهِ
وَاجِبٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ فِيمَا يَأْتِي.
(قَوْلُهُ: إلَى جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ) وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الرَّمْيُ
فِي بَطْنِ الْوَادِي وَإِنْ كَانَ الرَّامِي فِي غَيْرِهِ وَلَا يَجُوزُ
أَنْ يَقَعَ فِي أَعْلَى الْجَبَلِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْعَامَّةِ
يَفْعَلُونَهُ فَيَرْجِعُونَ بِلَا رَمْيٍ مَا لَمْ يُقَلِّدُوا الْقَائِلَ
بِهِ وَيُسَنُّ أَنْ يَجْعَلَ مَكَّةَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ
يَمِينِهِ وَيَسْتَقْبِلَهَا حَالَةَ الرَّمْيِ لِلِاتِّبَاعِ وَيَخْتَصُّ
هَذَا بِيَوْمِ النَّحْرِ لِتَمَيُّزِهَا فِيهِ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ
أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَإِنَّ السُّنَّةَ اسْتِقْبَالُهُ لِلْقِبْلَةِ فِي
رَمْيِ الْكُلِّ (تَنْبِيهٌ)
هَذِهِ الْجَمْرَةُ لَيْسَتْ مِنْ مِنًى بَلْ وَلَا عَقَبَتُهَا كَمَا
قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ خِلَافًا لِجَمْعٍ كَمَا بَيَّنْته
فِي الْحَاشِيَةِ اهـ. حَجّ وَمِثْلُهُ شَرْحُ م ر، ثُمَّ قَالَ وَلَا
يَقِفُ الرَّامِي لِلدُّعَاءِ عِنْدَ هَذِهِ الْجَمْرَةِ، ثُمَّ بَعْدَ
الرَّمْيِ يَنْصَرِفُونَ فَيَنْزِلُونَ مَوْضِعًا بِمِنًى وَالْأَفْضَلُ
مِنْهَا مَنْزِلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا
قَارَبَهُ قَالَ الْأَزْرَقِيُّ وَمَنْزِلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - بِمِنًى عَنْ يَسَارِ مُصَلَّى الْإِمَامِ اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: أَيْضًا إلَى جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ) وَتُسَمَّى الْجَمْرَةَ
الْكُبْرَى أَيْضًا اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ) أَيْ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ
لِإِجَابَةِ الدَّاعِي إلَى أَدَاءِ الْمَنَاسِكِ وَقَدْ شَرَعَ فِي
الْخُرُوجِ مِنْهَا اهـ. سم.
(قَوْلُهُ: مِمَّا لَهُ دَخْلٌ فِي التَّحَلُّلِ) أَيْ مِنْ الطَّوَافِ
وَالرَّمْيِ وَالْحَلْقِ فَإِنَّ التَّحَلُّلَ الْأَوَّلَ يَحْصُلُ
بِاثْنَيْنِ مِنْهَا اهـ. ع ش فَإِذَا قَدَّمَ الطَّوَافَ أَوْ الْحَلْقَ
عَلَى الرَّمْيِ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ عِنْدَهُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَيُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ رَمْيَةٍ) أَيْ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ
فَيَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا،
لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ
الْحَمْدُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ
عَبْدَهُ، وَأَعَزَّ جُنْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، لَا إلَهَ
إلَّا اللَّهُ، وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ
وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا،
وَذَنْبًا مَغْفُورًا، وَتِجَارَةً لَنْ تَبُورَ يَا عَزِيزُ يَا غَفُورُ
اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ تَكْرِيرِ التَّكْبِيرِ ثَلَاثًا
تَبِعَ فِيهِ م ر فِي شَرْحِهِ.
وَعِبَارَةُ حَجّ وَقَضِيَّةُ الْأَحَادِيثِ وَكَلَامُهُمْ أَنَّهُ
يَقْتَصِرُ عَلَى تَكْبِيرَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ رَادًّا بِهِ
نَقْلَ الْمَاوَرْدِيِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ تَكْرِيرَةَ ثِنْتَيْنِ أَوْ
ثَلَاثًا مَعَ تَوَالِي كَلِمَاتٍ بَيْنَهَا انْتَهَتْ.
1 -
(قَوْلُهُ: مَعَ كُلِّ رَمْيَةٍ) وَيَرْمِي بِالْيَمِينِ وَيَرْفَعُ
الرَّجُلُ يَدَهُ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إبْطِهِ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ
وَأَمَّا الْمَرْأَةُ وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى فَلَا يَرْفَعَانِ اهـ.
شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: وَمَعَ حَلْقٍ وَعَقِبَهُ) وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ أَخْطَأْت فِي حَلْقِ رَأْسِي فِي خَمْسَةِ
أَحْكَامٍ عَلَّمَنِيهَا حَجَّامٌ وَذَلِكَ أَنِّي أَتَيْت إلَى حَجَّامٍ
بِمِنًى فَقُلْت لَهُ بِكَمْ تَحْلِقُ رَأْسِي؟ فَقَالَ أَعِرَاقِيٌّ
أَنْتَ قُلْت نَعَمْ، قَالَ النُّسُكُ لَا يُشَارَطُ عَلَيْهِ قَالَ
فَجَلَسْت مُنْحَرِفًا عَنْ الْقِبْلَةِ فَقَالَ لِي حَوِّلْ وَجْهَك إلَى
الْقِبْلَةِ فَحَوَّلْته، وَأَدَرْتُهُ أَنْ يَحْلِقَ مِنْ الْجَانِبِ
الْأَيْسَرِ فَقَالَ فَأَدِرْ الْيَمِينَ فَأَدَرْته فَجَعَلَ يَحْلِقُ
وَأَنَا سَاكِتٌ فَقَالَ كَبِّرْ فَكَبَّرْت فَلَمَّا فَرَغْت قُمْت
لِأَذْهَبَ فَقَالَ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ امْضِ فَقُلْت لَهُ مِنْ
أَيْنَ مَا أَمَرْتنِي بِهِ قَالَ رَأَيْت عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ
يَفْعَلُهُ اهـ. شَرْحُ الرَّوْضِ اهـ. ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: مَنْ مَعَهُ هَدْيٌ) أَيْ نَذْرًا كَانَ أَوْ تَطَوُّعًا اهـ.
حَجّ وم ر وَهُوَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَكَسْرِهَا وَسُكُونِ الدَّالِ
وَكَسْرِهَا مَعَ تَخْفِيفِ الْيَاءِ فِي الْأُولَى وَتَشْدِيدِهَا فِي
الثَّانِيَةِ، قَالَ الرُّويَانِيُّ وَهُوَ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى لِمَكَّةَ
وَحَرَمِهَا تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ نَعَمٍ وَغَيْرِهَا
مِنْ الْأَمْوَالِ، لَكِنَّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ اسْمٌ لِلْإِبِلِ
وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ.
(فَائِدَةٌ)
قَالَ جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِائَةَ
بَدَنَةٍ ذَبَحَ بِيَدِهِ مِنْهَا ثَلَاثًا وَسِتِّينَ وَعَلِيٌّ - رَضِيَ
اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بَاقِيَهَا قَالَ بَعْضُهُمْ وَفِي ذَلِكَ
إشَارَةٌ إلَى مُدَّةِ عُمُرِهِ الشَّرِيفِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَفِي
الْإِيضَاحِ مَا نَصُّهُ وَسَوْقُ الْهَدْيِ لِمَنْ قَصَدَ مَكَّةَ حَاجًّا
أَوْ مُعْتَمِرًا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ أَعْرَضَ أَكْثَرُ النَّاسِ أَوْ
كُلُّهُمْ عَنْهَا فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ
هَدْيُهُ مَعَهُ مِنْ الْمِيقَاتِ مُشْعِرًا مُقَلِّدًا وَلَا يَجِبُ
ذَلِكَ إلَّا بِالنَّذْرِ وَإِذَا سَاقَ هَدْيًا تَطَوُّعًا أَوْ
مَنْذُورًا فَإِنْ كَانَ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً اُسْتُحِبَّ أَنْ
يُقَلِّدَهَا نَعْلَيْنِ وَلْيَكُنْ لَهُمَا قِيمَةٌ لِيَتَصَدَّقَ بِهِمَا
وَأَنْ يُشْعِرَهَا أَيْضًا وَالْإِشْعَارُ الْإِعْلَامُ وَالْمُرَادُ بِهِ
هُنَا أَنْ يَضْرِبَ صَفْحَةَ سَنَامِهَا الْيُمْنَى بِحَدِيدَةٍ فِيهَا
دَمٌ وَيُلَطِّخَهَا بِالدَّمِ لِيَعْلَمَ مَنْ رَآهَا أَنَّهَا هَدْيٌ
فَلَا يَتَعَرَّضَ لَهَا وَإِنْ سَاقَ غَنَمًا اُسْتُحِبَّ أَنْ
يُقَلِّدَهَا عُرَى الْقُرَبِ وَآذَانِهَا وَلَا يُقَلِّدُهَا وَلَا
(2/464)
(وَيَحْلِقُ) لِلْآيَةِ الْآتِيَةِ
وَلِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ (أَوْ يُقَصِّرُ) لِلْآيَةِ وَلِأَنَّهُ
فِي مَعْنَى الْحَلْقِ (وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ لِلذَّكَرِ) (
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
يُشْعِرُهَا؛ لِأَنَّهَا ضَعِيفَةٌ وَيَكُونُ تَقْلِيدُ الْجَمِيعِ
وَالْإِشْعَارُ وَهِيَ مُسْتَقْبِلَةُ الْقِبْلَةِ وَالْبَدَنَةُ بَارِكَةٌ
وَهَلْ الْأَفْضَلُ أَنْ يُقَدِّمَ الْإِشْعَارَ عَلَى التَّقْلِيدِ فِيهِ
وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يُقَدِّمُ الْإِشْعَارَ فَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي
صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالثَّانِي
وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُقَدِّمُ التَّقْلِيدَ
وَقَدْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ فِعْلِهِ وَالْأَمْرُ فِي
هَذَا قَرِيبٌ وَإِذَا قَلَّدَ النَّعَمَ وَأَشْعَرَهَا لَمْ تَصِرْ
هَدْيًا وَاجِبًا عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ كَمَا لَوْ
كَتَبَ الْوَقْفَ عَلَى بَابِ دَارِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَفْضَلَ سَوْقُ
الْهَدْيِ مِنْ بَلَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَمِنْ طَرِيقِهِ مِنْ
الْمِيقَاتِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ مَكَّةَ أَوْ مِنًى وَصِفَاتُ الْهَدْيِ
الْمُطْلَقِ كَصِفَاتِ الْأُضْحِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ وَلَا يُجْزِئُ
فِيهِمَا جَمِيعًا إلَّا الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ أَوْ الثَّنِيُّ مِنْ
الْمَعْزِ أَوْ الْإِبِلِ أَوْ الْبَقَرِ.
(فَرْعٌ)
وَيُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَوَلَّى ذَبْحَ هَدْيِهِ وَأُضْحِيَّتِهِ
بِنَفْسِهِ وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَسْتَنِيبَ رَجُلًا
لِيَذْبَحَ عَنْهَا وَيَنْوِيَ عِنْدَ ذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ أَوْ
الْهَدْيِ الْمَنْذُورَيْنِ أَنَّهَا ذَبِيحَةٌ عَنْ هَدْيِهِ الْمَنْذُورِ
أَوْ أُضْحِيَّتِهِ الْمَنْذُورَةِ وَإِنْ كَانَتْ تَطَوُّعًا نَوَى
التَّقَرُّبَ بِهَا وَلَوْ اسْتَنَابَ فِي ذَبْحِ هَدْيِهِ أَوْ
أُضْحِيَّتِهِ جَازَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَحْضُرَهَا صَاحِبُهَا عِنْدَ
الذَّبْحِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ النَّائِبُ مُسْلِمًا ذَكَرًا فَإِنْ
اسْتَنَابَ كَافِرًا كِتَابِيًّا أَوْ امْرَأَةً صَحَّ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ
أَهْلِ الزَّكَاةِ، وَالْمَرْأَةُ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ أَوْلَى مِنْ
الْكَافِرِ وَيَنْوِي صَاحِبُ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ عِنْدَ الدَّفْعِ
إلَى الْوَكِيلِ أَوْ عِنْدَ ذَبْحِهِ فَإِنْ فَوَّضَ إلَى الْوَكِيلِ
النِّيَّةَ أَيْضًا جَازَ إنْ كَانَ مُسْلِمًا فَإِنْ كَانَ كَافِرًا لَمْ
يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ النِّيَّةِ فِي الْعِبَادَاتِ، بَلْ
يَنْوِي صَاحِبُهَا عِنْدَ دَفْعِهَا إلَيْهِ أَوْ عِنْدَ ذَبْحِهِ.
(فَرْعٌ)
وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ وَلَا الْهَدْيِ سَوَاءٌ
كَانَ وَاجِبًا أَوْ تَطَوُّعًا فَيَحْرُمُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ لَحْمِهَا
وَجِلْدِهَا وَشَحْمِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَجْزَائِهَا وَإِنْ كَانَتْ
تَطَوُّعًا جَازَ الِانْتِفَاعُ بِجِلْدِهَا وَالِادِّخَارُ مِنْ شَحْمِهَا
وَبَعْضِ لَحْمِهَا لِلْأَكْلِ وَالْهَدِيَّةِ.
(فَرْعٌ)
فِي وَقْتِ ذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ الْمُتَطَوَّعِ بِهِمَا
وَالْمَنْذُورَيْنِ فَيَدْخُلُ وَقْتُهَا إذَا مَضَى قَدْرُ صَلَاةِ
الْعِيدِ وَخُطْبَتَيْنِ مُعْتَدِلَتَيْنِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ يَوْمَ
النَّحْرِ سَوَاءٌ صَلَّى الْإِمَامُ أَمْ لَمْ يُصَلِّ وَسَوَاءٌ أَصَلَّى
الْمُضَحِّي أَمْ لَمْ يُصَلِّ وَيَبْقَى إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ
آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَيَجُوزُ فِي اللَّيْلِ، لَكِنَّهُ
مَكْرُوهٌ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَذْبَحَ عَقِيبَ رَمْيِ جَمْرَةِ
الْعَقَبَةِ قَبْلَ الْحَلْقِ فَإِنْ فَاتَ الْوَقْتُ الْمَذْكُورُ فَإِنْ
كَانَتْ الْأُضْحِيَّةُ أَوْ الْهَدْيُ مَنْذُورَيْنِ لَزِمَهُ ذَبْحُهُمَا
وَإِنْ كَانَا تَطَوُّعًا فَقَدْ فَاتَ الْهَدْيُ وَالْأُضْحِيَّةُ فِي
هَذِهِ السَّنَةِ، وَأَمَّا الدِّمَاءُ الْوَاجِبَةُ فِي الْحَجِّ بِسَبَبِ
التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ أَوْ اللُّبْسِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ
مَحْظُورٍ أَوْ تَرْكِ مَأْمُورٍ فَوَقْتُهَا مِنْ حِينِ وُجُوبِهَا
بِوُجُودِ سَبَبِهَا وَلَا يَخْتَصُّ بِيَوْمِ النَّحْرِ وَلَا غَيْرِهِ،
لَكِنَّ الْأَفْضَلَ فِيمَا يَجِبُ مِنْهَا فِي الْحَجِّ أَنْ يَذْبَحَهُ
يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى فِي وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ.
(فَرْعٌ)
لَوْ عَطِبَ الْهَدْيُ فِي الطَّرِيقِ فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَعَلَ بِهِ
مَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ وَأَكْلٍ وَغَيْرِهِمَا وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا
لَزِمَهُ ذَبْحُهُ فَإِنْ تَرَكَهُ فَمَاتَ ضَمِنَهُ وَإِذَا ذَبَحَهُ
غَمَسَ النَّعْلَ الَّتِي قَلَّدَهُ فِي دَمِهِ وَضَرَبَ بِهَا سَنَامَهُ
وَتَرَكَهُ لِيَعْلَمَ مَنْ مَرَّ بِهِ أَنَّهُ هَدْيٌ فَيَأْكُلَ مِنْهُ،
وَلَا تَتَوَقَّفُ إبَاحَةُ الْأَكْلِ مِنْهُ عَلَى قَوْلِهِ أَبَحْته
عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُهْدِي وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ
رُفْقَتِهِ الْأَغْنِيَاءِ وَلَا الْفُقَرَاءِ الْأَكْلُ مِنْهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَيَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ) وَإِذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ
الْحَلْقُ صَبَرَ إلَى إمْكَانِهِ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ وَلَا تَكْفِيهِ
الْفِدْيَةُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: أَفْضَلُ لِلذَّكَرِ) وَيَنْعَقِدُ نَذْرُهُ لَهُ وَيَكْفِيهِ
عَنْ النَّذْرِ حَلْقُ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ فَأَكْثَرَ إلَّا إنْ صَرَّحَ
بِاسْتِيعَابِ رَأْسِهِ فَيَلْزَمُهُ اسْتِيعَابُهُ وَلَا يَكْفِي عَنْ
النَّذْرِ مَا لَا يُسَمَّى حَلْقًا كَقَصٍّ وَنَتْفٍ وَإِحْرَاقٍ فَإِنْ
فَعَلَ ذَلِكَ لَزِمَهُ دَمٌ كَنَذْرِ الْمَشْيِ، وَقَوْلُهُ مِنْ أُنْثَى
وَخُنْثَى وَيَنْعَقِدُ نَذْرُهُمَا لَهُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ، وَظَاهِرُ
كَلَامِهِمْ هُنَا أَنَّ الرَّجُلَ لَا يَصِحُّ نَذْرُهُ التَّقْصِيرَ
وَعَلَيْهِ فَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الدُّعَاءَ لِلْمُقَصِّرَيْنِ
يَقْتَضِي أَنَّهُ مَطْلُوبٌ مِنْهُ فَهُوَ كَنَذْرِ الْمَشْيِ اهـ. حَجّ
وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ انْضَمَّ لِكَوْنِهِ مَفْضُولًا كَوْنُهُ شِعَارَ
النِّسَاءِ عُرْفًا بِخِلَافِ نَحْوِ الْمَشْيِ اهـ حَجّ. قَالَ فِي
الرَّوْضِ فَإِنْ نَذَرَهُ وَجَبَ أَيْ وَلَمْ يَجُزْ الْقَصُّ أَيْ
وَنَحْوُهُ مِمَّا لَا يُسَمَّى حَلْقًا، قَالَ فِي شَرْحِهِ وَإِذَا
اسْتَأْصَلَهُ بِمَا لَا يُسَمَّى حَلْقًا هَلْ يَبْقَى الْحَلْقُ فِي
ذِمَّتِهِ حَتَّى يَتَعَلَّقَ بِالشَّعْرِ الْمُسْتَخْلَفِ تَدَارُكًا
الْتَزَمَهُ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ النُّسُكَ أَنَّمَا هُوَ إزَالَةُ شَعْرٍ
اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ الْمُتَّجَهُ الثَّانِي لَكِنْ لَزِمَهُ
لِفَوَاتِ الْوَصْفِ دَمٌ إلَخْ اهـ. بَقِيَ مَا لَوْ نَذَرَ نَحْوَ
الْإِحْرَاقِ أَوْ النَّتْفِ هَلْ يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ لِكَوْنِهِ
مَطْلُوبًا مِنْ حَيْثُ عُمُومُهُ وَيُجْزِيهِ نَحْوُ الْحَلْقِ وَمَا لَوْ
نَذَرَ حَلْقَ بَعْضِ الرَّأْسِ وَقَدْ يُتَّجَهُ عَدَمُ الِانْعِقَادِ؛
لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَقَدْ يُقَالُ كَرَاهَتُهُ
(2/465)
وَالتَّقْصِيرُ) أَفْضَلُ (لِغَيْرِهِ)
مِنْ أُنْثَى وَخُنْثَى، قَالَ تَعَالَى {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ
وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: 27] إذْ الْعَرَبُ تَبْدَأُ بِالْأَهَمِّ
وَالْأَفْضَلِ، وَرَوَى الشَّيْخَانِ خَبَرَ «اللَّهُمَّ ارْحَمْ
الْمُحَلِّقِينَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالْمُقَصِّرِينَ، فَقَالَ
اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ قَالَ فِي الرَّابِعَةِ
وَالْمُقَصِّرِينَ» وَرَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ كَمَا فِي
الْمَجْمُوعِ «لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ حَلْقٌ إنَّمَا عَلَى النِّسَاءِ
التَّقْصِيرُ» وَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ جَمَاعَةٍ يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ
الْحَلْقُ وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى وَذِكْرُ حُكْمِهِ مِنْ زِيَادَتِي
وَالْمُرَادُ مِنْ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ إزَالَةُ الشَّعْرِ فِي
وَقْتِهِ وَهِيَ نُسُكٌ لَا اسْتِبَاحَةُ مَحْظُورٍ كَمَا عُلِمَ مِنْ
الْأَفْضَلِيَّةِ هُنَا وَمِنْ عَدِّهِ رُكْنًا فِيمَا يَأْتِي وَيَدُلُّ
لَهُ الدُّعَاءُ لِفَاعِلِهِ بِالرَّحْمَةِ فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ
فَيُثَابُ عَلَيْهِ (تَنْبِيهٌ)
يُسْتَثْنَى مِنْ أَفْضَلِيَّةِ الْحَلْقِ مَا لَوْ اعْتَمَرَ قَبْلَ
الْحَجِّ فِي وَقْتٍ لَوْ حَلَقَ فِيهِ جَاءَ يَوْمَ النَّحْرِ وَلَمْ
يَسْوَدَّ رَأْسُهُ مِنْ الشَّعْرِ فَالتَّقْصِيرُ لَهُ أَفْضَلُ
(وَأَقَلُّهُ) أَيْ كُلٍّ مِنْ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ (ثَلَاثُ
شَعَرَاتٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
لِخَارِجٍ فَلَا تَمْنَعُ الِانْعِقَادَ فَلْيُرَاجَعْ اهـ. سم عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَالتَّقْصِيرُ لِغَيْرِهِ) فَسَّرَهُ فِي الْقَامُوسِ
بِأَنَّهُ كَفُّ الشَّعْرِ وَالْقَصُّ الْأَخْذُ مِنْ الشَّعْرِ
بِالْمِقَصِّ أَيْ الْمِقْرَاضِ فَعَطْفُهُ عَلَيْهِ مِنْ عَطْفِ
الْأَخَصِّ تَأْكِيدًا وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ التَّقْصِيرَ حَيْثُ
أُطْلِقَ فِي كَلَامِهِمْ أُرِيدَ بِهِ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ وَهُوَ
الْأَخْذُ مِنْ الشَّعْرِ بِمِقَصٍّ أَوْ غَيْرِهِ، وَالْأَوْلَى كَوْنُ
التَّقْصِيرِ بِقَدْرِ أُنْمُلَةٍ مِنْ جَمِيعِ الرَّأْسِ اهـ
بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: مِنْ أُنْثَى) أَيْ وَلَوْ صَغِيرَةً وَاسْتِثْنَاءُ
الْإِسْنَوِيِّ لَهَا غَلَّطَهُ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ إذْ لَا يُشْرَعُ
الْحَلْقُ لِأُنْثَى مُطْلَقًا إلَّا يَوْمَ سَابِعِ وِلَادَتِهَا
لِلتَّصَدُّقِ بِوَزْنِهِ وَإِلَّا لِتَدَاوٍ أَوْ اسْتِخْفَاءٍ مِنْ
فَاسِقٍ يُرِيدُ سُوءً بِهَا وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى وَيُكْرَهُ لَهُمَا
الْحَلْقُ، بَلْ بَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ الْجَزْمَ بِحُرْمَتِهِ عَلَى
زَوْجَةٍ أَوْ أَمَةٍ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ وَيُنْدَبُ لَهَا
أَنْ تَعُمَّ الرَّأْسَ بِالتَّقْصِيرِ وَأَنْ يَكُونَ بِقَدْرِ
أُنْمُلَةٍ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إلَّا الذَّوَائِبَ؛ لِأَنَّ قَطْعَ
بَعْضِهَا يَشِينُهَا اهـ. حَجّ وَقَوْلُهُ وَاسْتِثْنَاءُ الْإِسْنَوِيِّ
لَهَا غَلَّطَهُ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ إلَخْ فَلَوْ مَنَعَ السَّيِّدُ
الْأَمَةَ مِنْهُ أَيْ مِنْ الْحَلْقِ حَرُمَ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَمْنَعْ
وَلَمْ يَأْذَنْ كَمَا بَحَثَ أَيْضًا قِيلَ وَهُوَ مُتَّجَهٌ إنْ لَزِمَ
مِنْهُ فَوَاتُ تَمَتُّعٍ أَوْ نَقْصِ قِيمَةٍ وَإِلَّا فَالْإِذْنُ لَهَا
فِي النُّسُكِ إذْنٌ فِي فِعْلِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ التَّحَلُّلُ
وَإِنْ كَانَ مَفْضُولًا وَيَرِدُ بِأَنَّ الْإِذْنَ الْمُطْلَقَ يُنَزَّلُ
عَلَى حَالَةِ نَفْيِ النَّهْيِ، وَالْحَلْقُ فِي حَقِّهَا مَنْهِيٌّ
عَنْهُ وَيَحْرُمُ عَلَى الْحُرَّةِ الْمُزَوَّجَةِ إنْ مَنَعَهَا
الزَّوْجُ وَكَانَ فِيهِ فَوَاتُ اسْتِمْتَاعٍ أَيْضًا فِيمَا يَظْهَرُ
بَلْ يَنْبَغِي الْحُرْمَةُ أَيْضًا إذَا لَمْ يَمْنَعْ وَكَانَ فِيهِ
فَوَاتُ اسْتِمْتَاعٍ اهـ. ر وَبَحَثَ أَيْضًا أَنَّهُ يَمْتَنِعُ بِمَنْعِ
الْوَالِدِ لَهَا وَفِيهِ وَقْفُهُ، بَلْ الْأَوْجَهُ خِلَافُهُ إلَّا أَنْ
يَقْتَضِيَ نَهْيُهُ مَصْلَحَتَهَا اهـ. سم عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ إذْ الْعَرَبُ تَبْدَأُ بِالْأَهَمِّ) أَيْ وَالْقُرْآنُ نَزَلَ
عَلَى لُغَتِهِمْ وَبُدِئَ فِيهِ بِالْحَلْقِ اهـ. ع ش.
(قَوْلُهُ: قَالَ فِي الرَّابِعَةِ) أَيْ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي الثَّالِثَةِ
اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ اهـ. ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: وَرَوَى أَبُو دَاوُد إلَخْ) دَلِيلٌ لِقَوْلِهِ وَالتَّقْصِيرُ
أَفْضَلُ لِغَيْرِهِ اهـ. شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: انَمَا عَلَى النِّسَاءِ التَّقْصِيرُ) لَمْ يَقُلْ إنَّمَا
عَلَيْهِنَّ التَّقْصِيرُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْإِضْمَارِ إذَا كَانَ
الضَّمِيرُ وَمَرْجِعُهُ فِي جُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ
بَعْضُهُمْ بِخِلَافِ مَا هُنَا فَإِنَّ الضَّمِيرَ وَمَرْجِعَهُ فِي
جُمْلَتَيْنِ اهـ. ع ش.
(قَوْلُهُ: فِي وَقْتِهِ) نَعْتٌ لِلشَّعْرِ، وَالضَّمِيرُ لِلْإِحْرَامِ
أَيْ إزَالَةُ الشَّعْرِ الْكَائِنِ فِي وَقْتِ الْإِحْرَامِ.
وَعِبَارَةُ حَجّ أَيْ إزَالَةُ الشَّعْرِ الْمُشْتَمِلِ عَلَيْهِ
الْإِحْرَامُ بِأَنْ وُجِدَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ التَّحَلُّلِ انْتَهَتْ
وَقَوْلُهُ بِأَنْ وُجِدَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ التَّحَلُّلِ خَرَجَ مَا
وُجِدَ بَعْدَ دُخُولِهِ فَلَا أَثَرَ لَهُ قَالَ فِي الرَّوْضِ وَلَا
أَثَرَ لِمَا نَبَتَ بَعْدُ، قَالَ فِي شَرْحِهِ أَيْ بَعْدَ دُخُولِ
وَقْتِ الْحَلْقِ فَلَا يُؤْمَرُ بِحَلْقِهِ لِعَدَمِ اشْتِمَالِ
الْإِحْرَامِ عَلَيْهِ اهـ.
وَعِبَارَةُ الْعُبَابِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَيْ مَنْ لَا شَعْرَ بِرَأْسِهِ
انْتِظَارُ إنْبَاتِهِ، بَلْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَلْقُ مَا نَبَتَ إذْ
لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْإِحْرَامُ اهـ.
وَقَوْلُهُ: بَلْ لَا يَجِبُ إلَخْ قَدْ يُفْهَمُ الِاسْتِحْبَابُ وَهُوَ
مُتَّجَهٌ إذْ لَا يَنْقُصُ عَمَّنْ لَا شَعْرَ بِرَأْسِهِ حَيْثُ
يُسْتَحَبُّ إمْرَارُ الْمُوسَى عَلَيْهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بَعِيدٌ
جِدًّا فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ. سم عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَهِيَ نُسُكٌ إلَخْ) عِبَارَةُ أَصْلِهِ مَعَ شَرْحِ م ر
وَالْحَلْقُ نُسُكٌ عَلَى الْمَشْهُورِ فَيُثَابُ عَلَيْهِ إذْ هُوَ
لِلذَّكَرِ أَفْضَلُ مِنْ التَّقْصِيرِ، وَالتَّفْضِيلُ إنَّمَا يَقَعُ فِي
الْعِبَادَاتِ دُونَ الْمُبَاحَاتِ وَعَلَى هَذَا فَهُوَ رُكْنٌ كَمَا
سَيَأْتِي، وَقِيلَ وَاجِبٌ وَالثَّانِي هُوَ اسْتِبَاحَةُ مَحْظُورٍ فَلَا
يُثَابُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ فِي الْإِحْرَامِ فَلَمْ يَكُنْ
نُسُكًا كَلُبْسِ الْمَخِيطِ انْتَهَتْ وَيَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ مَا
سَيَأْتِي آخِرَ الْفَصْلِ مِنْ أَنَّهُ إنْ قُلْنَا إنَّهَا نُسُكٌ كَانَ
لَهَا دَخْلٌ فِي التَّحَلُّلِ وَيَحْصُلُ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ
بِفِعْلِ اثْنَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَهِيَ رَمْيُ يَوْمِ النَّحْرِ
وَطَوَافُ الرُّكْنِ وَإِزَالَةُ الشَّعْرِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا
اسْتِبَاحَةُ مَحْظُورٍ لَمْ يَكُنْ لَهَا دَخْلٌ فِي التَّحَلُّلِ
وَيَحْصُلُ بِوَاحِدٍ مِنْ اثْنَيْنِ وَهُمَا الرَّمْيُ وَالطَّوَافُ كَمَا
ذَكَرَهُ الْمَحَلِّيُّ هُنَاكَ اهـ. وَعِبَارَتُهُ وَإِذَا قُلْنَا
الْحَلْقُ لَيْسَ بِنُسُكٍ حَصَلَ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ بِوَاحِدٍ مِنْ
الرَّمْيِ وَالطَّوَافِ وَالتَّحَلُّلُ الثَّانِي بِالْآخَرِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: كَمَا عُلِمَ مِنْ الْأَفْضَلِيَّةِ هُنَا) أَيْ لِأَنَّ
الْأَفْضَلِيَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الْعِبَادَاتِ لَا فِي
اسْتِبَاحَةِ الْمَحْظُورَاتِ.
(قَوْلُهُ: فَيُثَابُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ الْإِزَالَةِ
وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَهِيَ نُسُكٌ اهـ. شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى إلَخْ) عِبَارَةُ حَجّ وَالْحَلْقُ
أَفْضَلُ غَالِبًا وَخَرَجَ بِغَالِبًا الْمُتَمَتِّعُ فَيُسَنُّ لَهُ أَنْ
يُقَصِّرَ فِي الْعُمْرَةِ وَيَحْلِقَ فِي الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ الْأَكْمَلُ
وَمَحَلُّهُ كَمَا فِي الْإِمْلَاءِ إنْ لَمْ يَسْوَدَّ رَأْسَهُ أَيْ لَمْ
يَكُنْ بِهِ شَعْرٌ يُزَالُ وَإِلَّا فَالْحَلْقُ وَكَذَا لَوْ قَدَّمَ
الْحَجَّ وَأَخَّرَ الْعُمْرَةَ فَإِنْ كَانَ لَا يَسْوَدُّ رَأْسَهُ
عِنْدَهَا قَصَّرَ فِي الْحَجِّ لِيَحْصُلَ لَهُ ثَوَابُ رُكْنِ
التَّقْصِيرِ فِيهِ وَالْحَلْقِ فِيهَا إذْ لَوْ عَكَسَ فَاتَهُ الرُّكْنُ
فِيهَا مِنْ أَصْلِهِ وَإِنْ كَانَ يَسْوَدُّ فِيهَا حَلَقَ فِيهِمَا
وَلَمْ يَحْلِقْ بَعْضَ الرَّأْسِ الْوَاحِدِ فِي أَحَدِهِمَا وَبَاقِيهِ
فِي الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْقَزَعِ الْمَكْرُوهِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ) أَيْ إنْ كَانَ بِرَأْسِهِ ثَلَاثٌ
فَأَكْثَرَ.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِرَأْسِهِ
شَعْرَةٌ أَوْ شَعْرَتَانِ فَقَطْ كَانَ الرُّكْنُ فِي حَقِّهِ إزَالَةَ
ذَلِكَ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ اهـ. وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ
لَا يُجْزِئُ
(2/466)
أَيْ إزَالَتُهَا (مِنْ) شَعْرِ (رَأْسٍ)
وَلَوْ مُسْتَرْسِلَةً عَنْهُ أَوْ مُتَفَرِّقَةً لِوُجُوبِ الْفِدْيَةِ
بِإِزَالَتِهَا الْمُحَرَّمَةِ وَاكْتِفَاءً بِمُسَمَّى الْجَمْعِ
الْمَأْخُوذِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ} [الفتح: 27]
أَيْ شَعْرَهَا، وَقَوْلِي مِنْ رَأْسٍ مِنْ زِيَادَتِي (وَسُنَّ لِمَنْ
لَا شَعْرَ بِرَأْسِهِ إمْرَارُ مُوسًى عَلَيْهِ) تَشْبِيهًا
بِالْحَالِقِينَ (وَيَدْخُلُ مَكَّةَ وَيَطُوفُ لِلرُّكْنِ) لِلِاتِّبَاعِ،
رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَكَمَا يُسَمَّى طَوَافَ الرُّكْنِ يُسَمَّى طَوَافَ
الْإِفَاضَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
أَخْذُ شَعْرَةٍ عَلَى ثَلَاثِ مَرَّاتٍ وَهُوَ كَذَلِكَ فَقَدْ نَقَلَ فِي
الْمَجْمُوعِ عَنْ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى
عَنْهُ - وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثِ
شَعَرَاتٍ مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ) أَيْ أَوْ ثَلَاثَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ
كُلٍّ مِنْ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ اهـ. ابْنُ حَجَرٍ.
(قَوْلُهُ: أَيْ إزَالَتُهَا) بَيَّنَ بِهِ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى هَذَا
الْإِضْمَارِ لِصِحَّةِ اللَّفْظِ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ فِعْلٌ وَلَيْسَ هُوَ
الثَّلَاثَ فَالْمُرَادُ الْإِزَالَةُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: مِنْ شَعْرِ رَأْسٍ) فَلَا يُجْزِئُ شَعْرُ غَيْرِهِ وَإِنْ
وَجَبَتْ فِيهِ الْفِدْيَةُ أَيْضًا لِوُرُودِ لَفْظِ الْحَلْقِ أَوْ
التَّقْصِيرِ فِيهِ وَاخْتِصَاصُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَادَةً بِشَعْرِ
الرَّأْسِ اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ مُسْتَرْسِلَةً إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَشَمِلَ
ذَلِكَ الْمُسْتَرْسَلَ عَنْهُ وَمَا لَوْ أَخَذَهَا مُتَفَرِّقَةً كَمَا
فِي الْمَجْمُوعِ وَالْمَنَاسِكِ وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الرَّوْضَةِ
خِلَافَهُ حَيْثُ بَنَاهُ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ عَدَمِ تَكْمِيلِ الدَّمِ
بِإِزَالَتِهَا الْمُحَرَّمَةِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْبِنَاءِ
الِاتِّحَادُ فِي التَّصْحِيحِ نَعَمْ يَزُولُ بِالتَّفْرِيقِ الْفَضِيلَةُ
وَالْأَحْوَطُ تَوَالِيهَا انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: بِمُسَمَّى الْجَمْعِ) أَيْ الْمُقَدَّرِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْدُ
وَتَسْمِيَتُهُ جَمْعًا نَظَرًا لِلْمَعْنَى وَإِلَّا فَهُوَ اصْطِلَاحًا
اسْمُ جِنْسٍ جَمْعِيٌّ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَاحِدِهِ بِالتَّاءِ.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ «- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَحْلِقُوا أَوْ
يُقَصِّرُوا» ، وَإِطْلَاقُهُ يَقْتَضِي الِاكْتِفَاءَ بِحُصُولِ أَقَلِّ
مُسَمَّى اسْمِ الْجِنْسِ الْجَمْعِيِّ الْمُقَدَّرِ فِي {مُحَلِّقِينَ
رُءُوسَكُمْ} [الفتح: 27] أَيْ شَعْرَ رُءُوسِكُمْ إذْ هِيَ لَا تُحْلَقُ
وَأَقَلُّ مُسَمَّاهُ ثَلَاثًا انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: وَسُنَّ لِمَنْ لَا شَعْرَ بِرَأْسِهِ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ
م ر وَمَنْ لَا شَعْرَ بِرَأْسِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ نَعَمْ يُسْتَحَبُّ
لَهُ إمْرَارُ إلَخْ انْتَهَتْ فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ عَدَّهُمْ أَرْكَانَ
الْحَجِّ فِيمَا سَيَأْتِي سِتَّةً مَخْصُوصٌ بِمَنْ بِرَأْسِهِ شَعْرٌ
إمَّا غَيْرُهُ فَهِيَ فِي حَقِّهِ خَمْسَةٌ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا وَسُنَّ لِمَنْ لَا شَعْرَ بِرَأْسِهِ) أَيْ أَوْ
بِبَعْضِهِ بِأَنْ حَلَقَ كَذَلِكَ أَوْ كَانَ قَدْ حَلَقَ وَاعْتَمَرَ
مِنْ سَاعَتِهِ كَمَا مَثَّلَهُ الْعِمْرَانِيُّ. اهـ. شَرْحُ م ر.
وَعِبَارَةُ حَجّ وَبَحَثَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِبَعْضِ
رَأْسِهِ شَعْرٌ سُنَّ إمْرَارُ الْمُوسَى عَلَى الْبَاقِي أَيْ سَوَاءٌ
حَلَقَ ذَلِكَ الْبَعْضَ أَمْ قَصَّرَهُ عَلَى الْأَوْجَهِ لِلتَّشْبِيهِ
الْمَذْكُورِ أَيْ إذْ هُوَ كَمَا يَكُونُ فِي الْكُلِّ يَكُونُ فِي
الْبَعْضِ وَلَيْسَ فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ أَصْلٍ وَبَدَلٍ خِلَافًا لِمَنْ
زَعَمَهُ لِاخْتِلَافِ مَحَلِّهِمَا عَلَى أَنَّ هَذَا الْإِمْرَارَ لَيْسَ
بَدَلًا وَإِلَّا لَوَجَبَ فِي الْبَعْضِ حَيْثُ لَا شَعْرَ
بِالْكُلِّيَّةِ وَلَا يَلْزَمُهُ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ أَيْضًا أَنَّهُ
لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى التَّقْصِيرِ أَنَّهُ يُمِرُّ الْمُوسَى عَلَى
بَقِيَّةِ رَأْسِهِ انْتَهَتْ، قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ
تَعَالَى عَنْهُ - وَلَوْ أَخَذَ مِنْ لِحْيَتِهِ أَوْ شَارِبِهِ شَيْئًا
كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ لِئَلَّا يَخْلُوَ عَنْ أَخْذِ الشَّعْرِ وَصَرَّحَ
الْقَاضِي أَيْضًا بِأَنَّهُ يُنْدَبُ لِلْمُقَصِّرِ مَا ذُكِرَ، قَالَ
ابْنُ الْمُنْذِرِ وَصَحَّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
لَمَّا حَلَقَ رَأْسَهُ قَصَّ أَظْفَارَهُ» أَيْ فَيُسَنُّ لِلْحَالِقِ
أَيْضًا وَإِنَّمَا وَجَبَ مَسْحُ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ عِنْدَ فَقْدِ
شَعْرِهِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ ثَمَّ تَعَلَّقَ بِالرَّأْسِ وَهُنَا
بِشَعْرِهِ وَيُسَنُّ لِلْحَالِقِ الْبُدَاءَةُ بِشِقِّهِ الْأَيْمَنِ
فَيَسْتَوْعِبُهُ بِالْحَلْقِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ وَأَنْ يَسْتَقْبِلَ
الْمَحْلُوقُ الْقِبْلَةَ وَأَنْ يُكَبِّرَ بَعْدَ فَرَاغِهِ وَأَنْ
يَدْفِنَ شَعْرَهُ لَا سِيَّمَا الْحَسَنَ لِئَلَّا يُؤْخَذَ لِلْوَصْلِ
وَأَنْ يَسْتَوْعِبَ الْحَلْقَ أَوْ التَّقْصِيرَ وَأَنْ يَكُونَ بَعْدَ
كَمَالِ الرَّمْيِ وَغَيْرُ الْمُحْرِمِ مِثْلُهُ فِيمَا ذُكِرَ غَيْرَ
التَّكْبِيرِ وَالرَّمْيِ وَأَنْ يَبْلُغَ بِالْحَلْقِ إلَى الْعَظْمَيْنِ
مِنْ الْأَصْدَاغِ؛ لِأَنَّهُمَا مَنْبَتُ شَعْرِ الرَّأْسِ وَأَنْ لَا
يُشَارِطَ عَلَيْهِ وَأَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ ظُفُرِهِ عِنْدَ
فَرَاغِهِ وَأَنْ يَقُولَ بَعْدَ فَرَاغِهِ اللَّهُمَّ آتِنِي بِكُلِّ
شَعْرَةٍ حَسَنَةً وَامْحُ عَنِّي بِهَا سَيِّئَةً وَارْفَعْ لِي بِهَا
دَرَجَةً وَاغْفِرْ لِي وَلِلْمُحَلِّقَيْنِ وَالْمُقَصِّرِينَ وَلِجَمِيعِ
الْمُسْلِمِينَ اهـ. شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ وَأَنْ لَا يُشَارِطَ عَلَيْهِ
أَيْ أَنْ لَا يُشَارِطَ عَلَيْهِ لِلْحَالِقِ أُجْرَةً مَعْلُومَةً.
وَعِبَارَةُ حَجّ كَذَا أَطْلَقُوهُ وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ
مُرَادَهُمْ أَنَّهُ يُعْطِيهِ ابْتِدَاءً مَا تَطِيبُ بِهِ نَفْسُهُ
فَإِنْ رَضِيَ وَإِلَّا زَادَهُ لَا أَنَّهُ يَسْكُتُ إلَى فَرَاغِهِ؛
لِأَنَّ ذَلِكَ رُبَّمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ نِزَاعٌ إذَا لَمْ يَرْضَ
الْحَلَّاقُ بِمَا يُعْطِيهِ لَهُ اهـ. ع ش عَلَى م ر.
(فَائِدَةٌ)
صَحَّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَلَقَ رَأْسَهُ
الْمُقَدَّسَ وَقَسَمَ شَعْرَهُ فَأَعْطَى نِصْفَهُ النَّاسَ الشَّعْرَةَ
وَالشَّعْرَتَيْنِ وَأَعْطَى نِصْفَهُ الْبَاقِيَ أَبَا طَلْحَةَ
الْأَنْصَارِيَّ» وَإِنَّمَا خَصَّهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ سَتَرَ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَأْسِهِ يَوْمَ
أُحُدٍ مِنْ النَّبْلِ وَكَانَ يَتَطَاوَلُ بِصَدْرِهِ لِيَقِيَهُ
وَيَقُولُ نَحْرِي دُونَ نَحْرِك وَنَفْسِي دُونَ نَفْسِك وَاَلَّذِي
حَلَقَ رَأْسَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ
الْحُدَيْبِيَةِ خِرَاشُ بْنُ أُمَيَّةَ الْخُزَاعِيُّ وَاَلَّذِي حَلَقَ
رَأْسَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مَعْمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الْعَدَوِيُّ وَصَحَّ أَنَّهُ «دَعَا لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا
وَلِلْمُقَصِّرِينَ مَرَّةً» اهـ.
مِنْ هَوَامِشِ بَعْضِ نُسَخِ م ر وَيَنْبَغِي اسْتِحْبَابُ إمْرَارِ آلَةِ
الْقَصِّ فِيمَنْ يُسْتَحَبُّ فِي حَقِّهِ التَّقْصِيرُ تَشْبِيهًا
بِالْمُقَصِّرِينَ، قَالَهُ الشَّيْخُ اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: إمْرَارُ مُوسًى عَلَيْهِ) مُوسًى بِالتَّنْوِينِ
(2/467)
وَطَوَافَ الزِّيَارَةِ وَطَوَافَ
الْفَرْضِ وَطَوَافَ الصَّدَرِ بِفَتْحِ الدَّالِ (فَيَسْعَى إنْ لَمْ
يَكُنْ سَعَى) بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ كَمَا مَرَّ وَسَيَأْتِي أَنَّ
السَّعْيَ رُكْنٌ وَتَعْبِيرِي بِالْفَاءِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ
بِالْوَاوِ (فَيَعُودُ إلَى مِنًى) لِيَبِيتَ بِهَا.
(وَسُنَّ تَرْتِيبُ أَعْمَالِ) يَوْمِ (نَحْرٍ) بِلَيْلَتِهِ مِنْ رَمْيٍ
وَذَبْحٍ وَحَلْقٍ أَوْ تَقْصِيرٍ وَطَوَافٍ (كَمَا ذَكَرَ) وَلَا يَجِبُ،
رَوَى مُسْلِمٌ «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي حَلَقْت قَبْلَ
أَنْ أَرْمِيَ فَقَالَ ارْمِ وَلَا حَرَجَ وَأَتَاهُ آخَرُ فَقَالَ إنِّي
أَفَضْت إلَى الْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ فَقَالَ ارْمِ وَلَا حَرَجَ»
، وَرَوَى الشَّيْخَانِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ يَوْمَئِذٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إلَّا قَالَ
افْعَلْ وَلَا حَرَجَ» (وَيَدْخُلُ وَقْتُهَا لَا الذَّبْحُ) لِلْهَدْيِ
تَقَرُّبًا (بِنِصْفِ لَيْلَةِ نَحْرٍ) بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي (لِمَنْ
وَقَفَ قَبْلَهُ) رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ
مُسْلِمٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَرْسَلَ أُمَّ سَلَمَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ فَرَمَتْ قَبْلَ
الْفَجْرِ ثُمَّ أَفَاضَتْ وَقِيسَ بِذَلِكَ الْبَاقِي مِنْهَا» (وَيَبْقَى
وَقْتُ الرَّمْيِ الِاخْتِيَارِيِّ) (إلَى آخِرِ يَوْمِهِ) أَيْ النَّحْرِ،
رَوَى الْبُخَارِيُّ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنِّي رَمَيْت بَعْدَمَا أَمْسَيْت قَالَ لَا حَرَجَ»
وَالْمَسَاءُ مِنْ بَعْدِ الزَّوَالِ وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي
الِاخْتِيَارِيَّ وَقْتُ الْجَوَازِ فَيَمْتَدُّ إلَى آخِرِ أَيَّامِ
التَّشْرِيقِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي، وَقَدْ صَرَّحَ
الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ وَقْتَ الْفَضِيلَةِ بِالرَّمْيِ يَوْمَ النَّحْرِ
يَنْتَهِي بِالزَّوَالِ فَيَكُونُ لِرَمْيِهِ ثَلَاثَةُ أَوْقَاتٍ وَقْتُ
فَضِيلَةٍ وَوَقْتُ اخْتِيَارٍ وَوَقْتُ جَوَازٍ (وَلَا آخِرَ لِوَقْتِ
الْحَلْقِ) أَوْ التَّقْصِيرِ (وَالطَّوَافُ) الْمَتْبُوعُ بِالسَّعْيِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
كَفَتًى إذَا كَانَ مِنْ الْحَدِيدِ بِخِلَافِ الْعَلَمِ فَإِنَّهُ
بِالْأَلِفِ وَيُمْنَعُ مِنْ الصَّرْفِ اهـ. شَيْخُنَا وَفِي الْمُخْتَارِ
يُقَالُ أَوْسَى رَأْسَهُ حَلَقَهُ وَالْمُوسَى مَا يُحْلَقُ بِهِ قَالَ
الْفَاءُ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ وَقَالَ الْأُمَوِيُّ هُوَ مُذَكَّرٌ لَا
غَيْرُ وَقَالَ أَبُو عَبِيدٍ لَمْ يُسْمَعْ التَّذْكِيرُ فِيهِ إلَّا مِنْ
الْأُمَوِيِّ وَمُوسَى اسْمٌ قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ وَهُوَ
مُفْعِلٌ بِدَلِيلِ انْصِرَافِهِ فِي النَّكِرَةِ وَفُعْلَى لَا يَنْصَرِفُ
عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلِأَنَّ مُفْعِلًا أَكْثَرُ مِنْ فُعْلَى؛ لِأَنَّهُ
يُبْنَى مِنْ كُلِّ أَفَعَلَتْ وَقَالَ الْكِسَائِيُّ هُوَ فُعْلَى
وَالنِّسْبَةُ إلَيْهِ مُوسَوِيُّ وَمُوسَى وَأَوْسَاهُ لُغَةٌ ضَعِيفَةٌ
فِي أَأُسَاهُ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ: وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ) أَيْ لِأَنَّهُمْ يَأْتُونَ مِنْ مِنًى
لِزِيَارَةِ الْبَيْتِ وَيَرْجِعُونَ حَالًا اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: فَيَعُودُ إلَى مِنًى) أَيْ وُجُوبًا فَهُوَ بِالرَّفْعِ اهـ.
شَيْخُنَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَصِحُّ فِيهِ النَّصْبُ وَيَكُونُ
مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ وَيَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ وَهَذَا لَا يُنَافِي
كَوْنَهُ فِي ذَاتِهِ وَاجِبًا كَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَتَكُونُ
السُّنِّيَّةُ مِنْ حَيْثُ فَوْرِيَّةُ الْعَوْدِ إلَى مِنًى
الْمَأْخُوذَةُ مِنْ الْفَاءِ.
وَعِبَارَةُ حَجّ، ثُمَّ يَعُودُ إلَى مِنًى بِحَيْثُ يُدْرِكُ أَوَّلَ
وَقْتِ الظُّهْرِ حَيْثُ يُصَلِّيهَا بِهَا لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ
الشَّيْخَانِ فَهِيَ بِهَا أَفْضَلُ مِنْهَا بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
وَإِنْ فَاتَتْهُ مُضَاعَفَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ فِي فَضِيلَةِ
الِاتِّبَاعِ مَا يَزِيدُ عَلَى الْمُضَاعَفَةِ وَرِوَايَةُ مُسْلِمٍ
أَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الظُّهْرَ
بِمَكَّةَ» مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا فِي الْمَجْمُوعِ وَفِيهِ إشْكَالٌ
بَيَّنْتُهُ فِي الْحَاشِيَةِ عَلَى أَنَّهُ صَلَّاهَا بِهَا أَوَّلَ
وَقْتِهَا، ثُمَّ ثَانِيًا بِمِنًى إمَامًا لِأَصْحَابِهِ كَمَا صَلَّى
بِهِمْ فِي بَطْنِ نَخْلٍ مَرَّتَيْنِ، وَرِوَايَةُ أَبِي دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ «أَخَّرَ طَوَافَ يَوْمِ النَّحْرِ إلَى
اللَّيْلِ» مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَخَّرَ طَوَافَ نِسَائِهِ وَذَهَبَ
مَعَهُنَّ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَجِبُ) ذِكْرُهُ وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا مِمَّا
قَبْلَهُ تَوْطِئَةً لِلِاسْتِدْلَالِ الَّذِي سَاقَهُ فَإِنَّهُ إنَّمَا
يَنْتِجُ عَدَمُ الْوُجُوبِ لَا النَّدْبُ الَّذِي هُوَ مُدَّعَى الْمَتْنِ
اهـ. بِرْمَاوِيٌّ بِالْمَعْنَى.
(قَوْلُهُ: وَيَدْخُلُ وَقْتُهَا إلَخْ) وَيُسَنُّ تَأْخِيرُهَا إلَى
بَعْدِ طُلُوعِ الشَّمْسِ اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: بِنِصْفِ لَيْلَةِ نَحْرٍ) أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَمَا
فِي الْغَلَطِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: لِمَنْ وَقَفَ) أَيْ بِعَرَفَةَ وَلَا عِبْرَةَ بِالْوُقُوفِ
بِمُزْدَلِفَةَ وَإِنْ كَانَ مَا ذَكَرَ يَتَأَخَّرُ عَنْ اللَّحْظَةِ
الَّتِي لَهَا؛ لِأَنَّهُ لِضَرُورَةِ الزَّمَنِ لَا أَنَّهُ شَرْطٌ اهـ.
بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ النِّصْفِ فَلَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ
هَذِهِ الْأُمُورِ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَلَوْ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ
وَجَبَتْ إعَادَتُهُ بَعْدُ وَلَوْ فَاتَ الْوُقُوفُ فَاتَتْ وَلِذَلِكَ
قَالَ الرَّافِعِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ التَّرْتِيبُ هُنَا رُكْنًا
كَمَا فِي الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ بِأَنْ يُقَدِّمَ الْإِحْرَامَ عَلَى
غَيْرِهِ، ثُمَّ الْوُقُوفَ، ثُمَّ الطَّوَافَ وَإِزَالَةَ الشَّعْرِ،
ثُمَّ الطَّوَافَ عَلَى السَّعْيِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَخْ) وَجْهُ
الدَّلَالَةِ مِنْ الْخَبَرِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- عَلَّقَ الرَّمْيَ بِمَا قَبْلَ الْفَجْرِ وَهُوَ صَالِحٌ لِجَمِيعِ
اللَّيْلِ وَلَا ضَابِطَ لَهُ فَجَعَلَ النِّصْفَ ضَابِطًا؛ لِأَنَّهُ
أَقْرَبُ إلَى الْحَقِيقَةِ مِمَّا قَبْلَهُ؛ وَلِأَنَّهُ وَقْتٌ
لِلدَّفْعِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ وَلِأَذَانِ الصُّبْحِ فَكَانَ وَقْتًا
لِلرَّمْيِ كَمَا بَعْدَ الْفَجْرِ اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: فَرَمَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ) أَيْ بِأَمْرٍ مِنْهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: يَنْتَهِي بِالزَّوَالِ) وَتَقَدَّمَ أَنَّ أَوَّلَهُ مِنْ
بَعْدِ طُلُوعِ الشَّمْسِ حَيْثُ قَالَ م ر وَالْأَفْضَلُ تَأْخِيرُهَا
إلَى بَعْدِ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَالَ الشَّوْبَرِيُّ وَانْظُرْ مَا
قَبْلَهُ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ هَلْ هُوَ مِنْ وَقْتِ الْفَضِيلَةِ أَوْ
لَا حَرِّرْ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَا آخِرَ لِوَقْتِ الْحَلْقِ وَالطَّوَافِ إلَخْ)
وَحِينَئِذٍ يَبْقَى مُحْرِمًا حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ وَلَوْ آخِرَ عُمُرِهِ
فَضْلًا عَنْ السَّنَةِ الْقَابِلَةِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهُوَ
مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ تَحَلَّلَ التَّحَلُّلَ الْأَوَّلَ أَمَّا غَيْرُهُ
فَلَيْسَ لَهُ تَأْخِيرُهُ إلَى السَّنَةِ الْقَابِلَةِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ
مُحْرِمًا بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ وَرَدَّهُ السُّبْكِيُّ
بِأَنَّ الْوُقُوفَ مُعْظَمُ الْحَجِّ وَمَا بَعْدَهُ تَبَعٌ لَهُ مَعَ
تَمَكُّنِهِ مِنْهُ كُلَّ وَقْتٍ فَكَأَنَّهُ غَيْرُ مُحْرِمٍ بِخِلَافِ
مَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مُصَابَرَةُ
الْإِحْرَامِ فَإِنَّ مُعْظَمَ حَجِّهِ فَاتَ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ أُحْصِرَ
بَعْدَ الْوُقُوفِ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّحَلُّلُ اهـ. ح ل.
(قَوْلُهُ: أَيْضًا وَلَا آخِرَ لِوَقْتِ الْحَلْقِ وَالطَّوَافِ
الْمَتْبُوعِ بِالسَّعْيِ) وَحِينَئِذٍ يَبْقَى مَنْ عَلَيْهِ ذَلِكَ
مُحْرِمًا حَتَّى يَأْتِيَ بِهَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، نَعَمْ
الْأَفْضَلُ فِعْلُهَا فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا عَنْ
يَوْمِهِ وَعَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَشَدُّ كَرَاهَةً وَعَنْ خُرُوجِهِ
مِنْ مَكَّةَ أَشَدُّ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي جَوَازِ تَأْخِيرِهَا عَنْ
أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَا يُقَالُ بَقَاؤُهُ عَلَى إحْرَامِهِ مُشْكِلٌ
بِقَوْلِهِمْ لَيْسَ لِصَاحِبِ الْفَوَاتِ مُصَابَرَةُ الْإِحْرَامِ إلَى
قَابِلٍ إذْ اسْتِدَامَةُ الْإِحْرَامِ كَابْتِدَائِهِ وَابْتِدَاؤُهُ
غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ غَيْرُ مُسْتَفِيدٍ فِي تِلْكَ
بِبَقَائِهِ عَلَى إحْرَامِهِ شَيْئًا سِوَى مَحْضِ تَعْذِيبِ نَفْسِهِ
لِخُرُوجِ وَقْتِ الْوُقُوفِ فَحَرُمَ بَقَاؤُهُ عَلَى إحْرَامِهِ وَأُمِرَ
بِالتَّحَلُّلِ وَأَمَّا هُنَا فَوَقْتُ مَا أَخَّرَهُ بَاقٍ فَلَا
يَحْرُمُ بَقَاؤُهُ عَلَى إحْرَامِهِ وَلَا يُؤْمَرُ بِالتَّحَلُّلِ وَهُوَ
بِمَثَابَةِ مَنْ أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا ثُمَّ مَدَّهَا
(2/468)
إنْ لَمْ يُفْعَلْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ
عَدَمُ التَّوَقُّفِ (وَسَيَأْتِي وَقْتُ الذَّبْحِ) لِلْهَدْيِ تَقَرُّبًا
وَغَيْرُهُ فِي بَابِ مَا حَرُمَ بِالْإِحْرَامِ (وَحَلَّ بِاثْنَيْنِ مِنْ
رَمْيٍ) يَوْمَ (نَحْرٍ وَحَلْقٍ) أَوْ تَقْصِيرٍ (وَطَوَافٍ) مَتْبُوعٍ
بِسَعْيٍ إنْ لَمْ يَفْعَلْ مِنْ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ (غَيْرَ
نِكَاحٍ وَوَطْءٍ وَمُقَدِّمَاتِهِ) مِنْ لُبْسٍ وَحَلْقٍ أَوْ تَقْصِيرٍ
وَقَلْمٍ وَصَيْدٍ وَطِيبٍ وَدُهْنٍ وَسَتْرِ رَأْسِ الذَّكَرِ وَوَجْهِ
غَيْرِهِ كَمَا سَيَأْتِي بِخِلَافِ الثَّلَاثَةِ لِخَبَرِ «إذَا
رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا
النِّسَاءَ» ، وَرُوِيَ «إذَا رَمَيْتُمْ وَحَلَقْتُمْ» وَلِخَبَرِ
الصَّحِيحَيْنِ «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحُ» فَتَعْبِيرِي
بِذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ وَحَلَّ بِهِ اللُّبْسُ وَالْحَلْقُ
وَالْقَلْمُ وَكَذَا الصَّيْدُ (وَ) حَلَّ (بِالثَّالِثِ الْبَاقِي) مِنْ
الْمُحَرَّمَاتِ وَهُوَ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ وَمَنْ فَاتَهُ
الرَّمْيُ وَلَزِمَهُ بَدَلُهُ مِنْ دَمٍ أَوْ صَوْمٍ تَوَقَّفَ
التَّحَلُّلُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِبَدَلِهِ هَذَا فِي تَحَلُّلِ الْحَجِّ،
وَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَلَهَا تَحَلُّلٌ وَاحِدٌ وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ
أَنَّ الْحَجَّ يَطُولُ زَمَنُهُ وَتَكْثُرُ أَفْعَالُهُ بِخِلَافِ
الْعُمْرَةِ فَأُبِيحَ بَعْضُ مُحَرَّمَاتِهِ فِي وَقْتٍ وَبَعْضُهَا فِي
آخَرَ.
(فَصْلٌ) فِي الْمَبِيتِ بِمِنًى لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ
الثَّلَاثَةِ وَهِيَ الَّتِي عَقِبَ يَوْمِ الْعِيدِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
بِالْقِرَاءَةِ إلَى خُرُوجِ وَقْتِهَا فَإِنْ كَانَ طَافَ لِلْوَدَاعِ
وَخَرَجَ وَقَعَ عَنْ طَوَافِ الْفَرْضِ وَإِنْ لَمْ يَطُفْ لِوَدَاعٍ
وَلَا غَيْرِهِ لَمْ يَسْتَبِحْ النِّسَاءَ وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ
لِبَقَائِهِ مُحْرِمًا اهـ. شَرْحُ م ر، وَقَوْلُهُ لِبَقَائِهِ مُحْرِمًا
وَهَلْ لَهُ إذَا تَعَذَّرَ عَوْدُهُ إلَى مَكَّةَ التَّحَلُّلُ
كَالْمُحْصَرِ أَوْ لَا لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ الطَّوَافِ مَعَ
تَمَكُّنِهِ مِنْهُ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَلَا يَبْعُدُ الْأَوَّلُ قِيَاسًا
عَلَى مَا مَرَّ فِي الْحَائِضِ وَإِنْ كَانَتْ مَعْذُورَةً وَتَقْصِيرُهُ
بِتَرْكِ الطَّوَافِ مَعَ الْقُدْرَةِ لَا يَمْنَعُ لِقِيَامِ الْعُذْرِ
بِهِ الْآنَ كَمَنْ كَسَرَ رِجْلَيْهِ عَمْدًا فَعَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ
حَيْثُ يُصَلِّي جَالِسًا وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لَوْ شُفِيَ بَعْدَ
ذَلِكَ اهـ. ع ش عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّوْقِيتِ) أَيْ الْأَصْلُ فِيمَا
أَمَرَنَا بِهِ الشَّارِعُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُؤَقَّتٍ فَمَا كَانَ
مُوَقَّتًا فَهُوَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ أَيْ الْكَثِيرِ اهـ. شَيْخُنَا
وَالْمُرَادُ مِنْ كَوْنِهِ غَيْرَ مُؤَقَّتٍ أَيْ بِوَقْتٍ مَحْدُودِ
الطَّرَفَيْنِ وَإِلَّا فَهَذِهِ يَدْخُلُ وَقْتُهَا بِنِصْفِ لَيْلَةِ
النَّحْرِ لَكِنْ لَا آخِرَ لَهُ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَحَلَّ بِاثْنَيْنِ إلَخْ) وَأَمَّا الذَّبْحُ فَإِنَّهُ
وَإِنْ كَانَ مِنْ أَعْمَالِ يَوْمِ النَّحْرِ كَالثَّلَاثَةِ
الْمَذْكُورَةِ لَكِنْ لَا دَخْلَ لَهُ فِي التَّحَلُّلِ وَإِنَّمَا هُوَ
سُنَّةٌ. اهـ. عَمِيرَةُ اهـ. سم.
(قَوْلُهُ: أَيْضًا وَحَلَّ بِاثْنَيْنِ إلَخْ) أَيْ إنْ كَانَ بِرَأْسِهِ
شَعْرٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا شَعْرٌ فَالتَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ
يَحْصُلُ بِوَاحِدٍ مِنْ اثْنَيْنِ الرَّمْيِ وَالطَّوَافِ اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: مِنْ لُبْسٍ وَحَلْقٍ إلَخْ) بَيَانٌ لِلْغَيْرِ وَتَنْحَلُّ
عِبَارَتُهُ إلَى هَكَذَا وَحَلَّ الْحَلْقُ بِالْحَلْقِ وَهَذَا نَظِيرُ
مَا سَبَقَ لَهُ فِي بَابِ الْحَيْضِ مِنْ قَوْلِهِ وَإِذَا انْقَطَعَ لَمْ
يَحِلَّ قَبْلَ طُهْرِ غَيْرِ صَوْمٍ وَطَلَاقٍ وَطُهْرٍ وَقَدْ أَشَارَ م
ر إلَى إصْلَاحِ الْعِبَارَةِ بِقَوْلِهِ وَحَلَّ بِهِ اللُّبْسُ
وَالْحَلْقُ إنْ لَمْ يَفْعَلْ اهـ أَيْ لَمْ يَفْعَلْ الْحَلْقَ يَعْنِي
أَنَّ حِلَّ الْحَلْقِ وَجَوَازَهُ مُتَرَتِّبٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ
الثَّلَاثَةِ يَعْنِي إذَا فَعَلَ الرَّمْيَ وَالطَّوَافَ حَلَّتْ لَهُ
الْمَحْظُورَاتُ حَتَّى الْحَلْقُ، وَأَمَّا لَوْ فَعَلَ الرَّمْيَ
وَالْحَلْقَ أَوْ الطَّوَافَ وَالْحَلْقَ فَلَا يُقَالُ حَلَّ لَهُ مَا
يَشْمَلُ الْحَلْقَ بَلْ يُقَالُ حَلَّ لَهُ مَا عَدَا الْحَلْقَ إذْ
الشَّيْءُ لَا يَحِلُّ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي الشَّوْبَرِيِّ مَا
نَصُّهُ: قَوْلُهُ وَحَلْقٌ أَوْ تَقْصِيرٌ أَيْ فِي بَاقِي الْبَدَنِ
غَيْرِ الرَّأْسِ وَإِلَّا فَحَلْقُهَا وَتَقْصِيرُهَا لَا يَتَوَقَّفُ
حِلُّهُ عَلَى تَحَلُّلٍ أَوَّلَ؛ لِأَنَّهُ يَحِلُّ بِانْتِصَافِ
اللَّيْلِ اهـ.
(قَوْلُهُ: إلَّا النِّسَاءَ) أَيْ أَمْرُهُنَّ عَقْدًا وَتَمَتُّعًا اهـ.
سم عَلَى حَجّ.
(قَوْلُهُ: لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْكَافِ
أَيْ لَا يَتَزَوَّجُ فَيَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، وَقَوْلُهُ وَلَا
يُنْكِحُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْكَافِ أَيْ لَا يُزَوِّجُ غَيْرَهُ
اهـ. ح ل.
(قَوْلُهُ: أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ وَحَلَّ بِهِ إلَخْ) الضَّمِيرُ فِي
كَلَامِ الْأَصْلِ رَاجِعٌ لِلتَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ وَعِبَارَتُهُ وَإِذَا
قُلْنَا الْحَلْقُ نُسُكٌ فَفِعْلُ اثْنَيْنِ مِنْ الرَّمْيِ لِجَمْرَةِ
الْعَقَبَةِ وَالْحَلْقِ وَالطَّوَافِ حَصَلَ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ
وَحَلَّ بِهِ اللُّبْسُ إلَخْ انْتَهَتْ، وَأَمَّا لَوْ قُلْنَا إنَّهُ
اسْتِبَاحَةُ مَحْظُورٍ فَيَحْصُلُ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ بِوَاحِدٍ مِنْ
اثْنَيْنِ الرَّمْيِ وَالطَّوَافِ اهـ. مَحَلِّيٌّ وَلَا دَخْلَ لِلْحَلْقِ
عَلَى هَذَا فِي التَّحَلُّلِ.
(قَوْلُهُ: وَحَلَّ بِالثَّالِثِ الْبَاقِي) وَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَيْهِ
الْإِتْيَانُ بِمَا بَقِيَ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ وَهُوَ الرَّمْيُ
وَالْمَبِيتُ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُحْرِمٍ كَمَا يَخْرُجُ الْمُصَلِّي
مِنْ صَلَاتِهِ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى وَيُطْلَبُ مِنْهُ الثَّانِيَةُ
وَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ هُنَا وَاجِبًا وَثَمَّ مَنْدُوبًا وَيُسَنُّ
تَأْخِيرُ الْوَطْءِ عَنْ بَاقِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِيَزُولَ عَنْهُ
أَثَرُ الْإِحْرَامِ وَلَا يُعَارِضُهُ خَبَرُ «أَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ
أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبِعَالٍ» أَيْ جِمَاعٍ لِجَوَازِ ذَلِكَ فِيهَا
وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ لِلْحَاجِّ تَرْكُ الْجِمَاعِ لِمَا ذُكِرَ اهـ.
شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ فَاتَهُ الرَّمْيُ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَمَنْ
فَاتَهُ رَمْيُ يَوْمِ النَّحْرِ بِأَنْ أَخَّرَهُ عَنْ أَيَّامِ
التَّشْرِيقِ وَلَزِمَهُ بَدَلُهُ تَوَقَّفَ التَّحَلُّلُ عَلَى الْبَدَلِ
وَلَوْ صَوْمًا لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ وَيُفَارِقُ الْمُحْصَرُ الْعَادِمُ
لِلْهَدْيِ حَيْثُ لَمْ يَتَوَقَّفْ تَحَلُّلُهُ عَلَى بَدَلِهِ وَهُوَ
الصَّوْمُ بِأَنَّ الْمُحْصَرَ لَيْسَ لَهُ إلَّا تَحَلُّلٌ وَاحِدٌ فَلَوْ
تَوَقَّفَ تَحَلُّلُهُ عَلَى الْبَدَلِ لَشَقَّ عَلَيْهِ الْمَقَامُ عَلَى
سَائِرِ مُحَرَّمَاتِ الْحَجِّ إلَى الْإِتْيَانِ بِالْبَدَلِ وَاَلَّذِي
يَفُوتُهُ الرَّمْيُ يُمْكِنُهُ الشُّرُوعُ فِي التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ
فَإِذَا أَتَى بِهِ حَلَّ لَهُ مَا عَدَا النِّكَاحَ وَمُقَدَّمَاتِهِ
وَعَقْدَهُ فَلَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي الْإِقَامَةِ عَلَى إحْرَامِهِ
حَتَّى يَأْتِيَ بِالْبَدَلِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: هَذَا) أَيْ قَوْلُ الْمَتْنِ وَحَلَّ بِاثْنَيْنِ إلَخْ أَيْ
جَعْلُهُ التَّحَلُّلَ قِسْمَيْنِ أَوَّلًا وَثَانِيًا فِي الْحَجِّ أَمَّا
الْعُمْرَةُ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا تَحَلُّلٌ وَاحِدٌ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ إلَخْ) وَنَظِيرُ ذَلِكَ الْحَيْضُ
وَالْجَنَابَةُ لَمَّا طَالَ زَمَنُ الْحَيْضِ جُعِلَ لِارْتِفَاعِ
مَحْظُورَاتِهِ مَحِلَّانِ انْقِطَاعُ الدَّمِ وَالِاغْتِسَالُ
وَالْجَنَابَةُ لَمَّا قَصُرَ زَمَنُهَا جُعِلَ لِارْتِفَاعِ
مَحْظُورَاتِهَا مَحَلٌّ وَاحِدٌ اهـ. شَرْحُ م ر.
[فَصْلٌ فِي الْمَبِيتِ بِمِنًى]
(قَوْلُهُ: أَيَّامَ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثَةَ إلَخْ) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ
لِإِشْرَاقِ نَهَارِهَا بِنُورِ الشَّمْسِ وَلَيَالِيهَا بِنُورِ الْقَمَرِ
وَحِكْمَةُ التَّسْمِيَةِ لَا يَلْزَمُ اطِّرَادُهَا اهـ. حَجّ أَوْ
لِأَنَّ النَّاسَ يُشْرِقُونَ فِيهَا لُحُومَ الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا
أَيْ
(2/469)
وَفِيمَا يُذْكَرُ مَعَهُ (يَجِبُ مَبِيتٌ
بِمِنًى لَيَالِيَ) أَيَّامِ (تَشْرِيقٍ) لِلِاتِّبَاعِ الْمَعْلُومِ مِنْ
الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ مَعَ خَبَرِ «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ»
(مُعْظَمَ لَيْلٍ) كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيتُ بِمَكَانٍ لَا يَحْنَثُ
إلَّا بِمَبِيتِ مُعْظَمِ اللَّيْلِ وَإِنَّمَا اُكْتُفِيَ بِلَحْظَةٍ مِنْ
نِصْفِهِ الثَّانِي بِمُزْدَلِفَةَ كَمَا مَرَّ لِمَا تَقَدَّمَ ثَمَّ،
وَالتَّصْرِيحُ بِمَبِيتِ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ وَبِالْوُجُوبِ مَعَ
قَوْلِي مُعْظَمَ لَيْلٍ مِنْ زِيَادَتِي (وَ) يَجِبُ (رَمْيٌ كُلَّ
يَوْمٍ) مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ (بَعْدَ زَوَالٍ إلَى الْجَمَرَاتِ
الثَّلَاثِ) وَإِنْ كَانَ الرَّامِي فِيهَا وَالْأُولَى مِنْهَا تَلِي
مَسْجِدَ الْخَيْفِ وَهِيَ الْكُبْرَى وَالثَّانِيَةُ الْوُسْطَى
وَالثَّالِثَةُ جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ وَلَيْسَتْ مِنْ مِنًى بَلْ مِنًى
تَنْتَهِي إلَيْهَا (فَإِنْ نَفَرَ) وَلَوْ انْفَصَلَ مِنْ مِنًى بَعْدَ
الْغُرُوبِ أَوْ عَادَ لِشُغْلٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
يَنْشُرُونَهَا فِي الشَّمْسِ وَيُقَدِّدُونَهَا اهـ. إيضَاحٌ وَهَذِهِ
الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ هِيَ الْمَعْدُودَاتُ فِي قَوْله تَعَالَى
{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] ، وَأَمَّا
الْمَعْلُومَاتُ الْمَذْكُورَةُ فِي سُورَةِ الْحَجِّ فِي قَوْلِهِ
{وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28] فَهِيَ
الْعَشْرُ الْأُوَلُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ. اهـ. شَرْحُ م ر فَيَوْمُ
النَّحْرِ مِنْهَا وَهُوَ آخِرُهَا وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي
يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ هُوَ أَيْ يَوْمُ
النَّحْرِ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ أَعْمَالِ النُّسُكِ يَقَعُ فِيهِ، وَقِيلَ
هُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَإِنَّمَا قِيلَ الْحَجُّ
الْأَكْبَرُ مِنْ أَجْلِ قَوْلِ النَّاسِ فِي الْعُمْرَةِ هِيَ الْحَجُّ
الْأَصْغَرُ اهـ. إيضَاحٌ.
(قَوْلُهُ: وَفِيمَا يُذْكَرُ مَعَهُ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ وَرَمَى كُلَّ
يَوْمٍ بَعْدَ زَوَالٍ إلَى آخِرِ الْفَصْلِ.
وَعِبَارَةُ حَجّ فِي الْمَبِيتِ بِمِنًى وَسُقُوطِهِ وَرَمْيِهَا
وَشُرُوطِ الرَّمْيِ وَتَوَابِعِ ذَلِكَ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: يَجِبُ مَبِيتٌ إلَخْ) أَيْ عَلَى الْأَصَحِّ، وَكَذَا قَوْلُهُ
مُعْظَمَ لَيْلٍ.
وَعِبَارَةُ الْإِيضَاحِ وَهَلْ الْمَبِيتُ وَاجِبٌ أَمْ سُنَّةٌ فِيهِ
قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ، أَظْهَرُهُمَا أَنَّهُ وَاجِبٌ وَالثَّانِي
أَنَّهُ سُنَّةٌ فَإِنْ تَرَكَهُ جَبَرَهُ بِدَمٍ فَإِنْ قُلْنَا
الْمَبِيتُ وَاجِبٌ كَانَ الدَّمُ وَاجِبًا وَإِنْ قُلْنَا سُنَّةٌ كَانَ
سُنَّةً وَفِي قَدْرِ الْوَاجِبِ مِنْ هَذَا الْمَبِيتِ قَوْلَانِ
أَصَحُّهُمَا مُعْظَمُ اللَّيْلِ وَالثَّانِي الْمُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ
حَاضِرًا بِهَا عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: لَيَالِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) فِي تَقْدِيرِ الْإِيَامِ
إشَارَةً إلَى أَنَّ اللَّيَالِيَ لَا تُسَمَّى لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ
إلَّا تَوَسُّعًا وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِمَا فِي الْإِيضَاحِ مِنْ أَنَّ
وَجْهَ تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ تَقْدِيدُ اللَّحْمِ فِيهَا بِالشَّرْقَةِ
أَيْ الشَّمْسِ إذْ ذَاكَ خَاصٌّ بِالنَّهَارِ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ.
شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: مُعْظَمِ لَيْلٍ) هَذَا يَتَحَقَّقُ بِمَا زَادَ عَلَى
النِّصْفِ وَلَوْ بِلَحْظَةٍ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ مَا يُسَمَّى
مُعْظَمًا عُرْفًا فَلَا يَكْفِي ذَلِكَ اهـ. ع ش وَالْأَوَّلُ هُوَ
الْمُعْتَمَدُ اهـ. شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ أَيْضًا مُعْظَمُ لَيْلٍ) بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ. اهـ.
شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: لَا يَبِيتُ بِمَكَانٍ) أَيْ وَأَطْلَقَ أَمَّا لَوْ قَالَ لَا
أَبِيت اللَّيْلَةَ فَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِجَمِيعِهَا لَا بِمُعْظَمِهَا
كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ز ي فَلْيُرَاجَعْ اهـ. بِشَوْبَرِيٍّ.
(قَوْلُهُ: لِمَا تَقَدَّمَ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ إذْ الْأَمْرُ
بِالْمَبِيتِ لَمْ يَرِدْ هُنَا، بَلْ لِأَنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَهَا
حَتَّى يَمْضِيَ نَحْوُ رُبُعِ اللَّيْلِ إلَخْ أَيْ وَقَدْ وَرَدَ
الْأَمْرُ بِلَفْظِ الْمَبِيتِ هُنَا فَالْفَارِقُ الْأَمْرُ بِلَفْظِهِ
هُنَا وَعَدَمُهُ هُنَاكَ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَالتَّصْرِيحُ بِمَبِيتِ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ إلَخْ)
فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَبِيتَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ مُصَرَّحٌ بِهِ
فِي الْأَصْلِ حَيْثُ قَالَ إنْ لَمْ يَنْفِرْ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ
وَجَبَ مَبِيتُهَا أَيْ الثَّالِثَةِ وَمِنْ ثَمَّ أَسْقَطَ هَذَا فِي
بَعْضِ النُّسَخِ وَقَوْلُهُ وَبِالْوُجُوبِ أَيْ فِي عُمُومِ لَيَالِيِ
التَّشْرِيقِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ صَرَّحَ بِالْوُجُوبِ فِي الثَّالِثَةِ
اهـ. ح ل.
(قَوْلُهُ: وَرَمْيٌ كُلَّ يَوْمٍ) الْأَحْسَنُ أَنْ يُقْرَأَ رَمْيٌ
بِالتَّنْوِينِ لِيَكُونَ فِيهِ الْإِخْبَارُ بِأَصْلِ الرَّمْيِ
وَبِوَقْتِهِ، وَأَمَّا عَلَى الْإِضَافَةِ فَيُفِيدُ الْإِخْبَارَ
بِوَقْتِهِ وَيُشْعِرُ بِأَنَّ الرَّمْيَ سَبَقَ لَهُ عِلْمٌ وَإِنَّمَا
الْكَلَامُ فِي وَقْتِهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ اهـ. شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: بَعْدَ زَوَالٍ إلَخْ) عِبَارَةُ أَصْلِهِ مَعَ شَرْحِ م ر
وَيَدْخُلُ رَمْيُ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِزَوَالِ
الشَّمْسِ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ لِلِاتِّبَاعِ وَيُسَنُّ كَمَا فِي
الْمَجْمُوعِ تَقْدِيمُهُ عَلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ إنْ لَمْ يَضِقْ
الْوَقْتُ وَإِلَّا قَدَّمَ الصَّلَاةَ مَا لَمْ يَكُنْ مُسَافِرًا
فَيُؤَخِّرُهَا بِنِيَّةِ الْجَمْعِ وَيَخْرُجُ أَيْ وَقْتُهُ
الِاخْتِيَارِيُّ بِغُرُوبِهَا مِنْ كُلِّ يَوْمٍ أَمَّا وَقْتُ الْجَوَازِ
فَيَبْقَى إلَى غُرُوبِ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: إلَى الْجَمَرَاتِ) حَقِيقَةُ الْجَمْرَةِ مَجْمَعُ الْحَصَى
الْمُقَدَّرِ بِثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ إلَّا جَمْرَةَ
الْعَقَبَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهَا إلَّا جَانِبٌ وَاحِدٌ وَهُوَ أَسْفَلُ
الْوَادِي فَرَمْيُ كَثِيرٍ مِنْ أَعْلَاهَا بَاطِلٌ اهـ. أُجْهُورِيٌّ
عَلَى التَّحْرِيرِ، وَمِثْلُهُ حَجّ وَيُؤْخَذُ مِنْ الْمُخْتَارِ
وَالْمِصْبَاحِ أَنَّ جَمَرَاتٍ بِفَتْحَتَيْنِ جَمْعُ جَمْرَةٍ
بِإِسْكَانِ الْمِيمِ وَأَنَّ الْجَمْرَةَ الَّتِي هِيَ الْمُفْرَدُ
تُطْلَقُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْحَصَاةِ وَمَكَانِ الرَّمْيِ وَتُجْمَعُ
أَيْضًا عَلَى جِمَارٍ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الرَّامِي فِيهَا) عِبَارَةُ أَصْلِهِ وَلَا
يُشْتَرَطُ كَوْنُ الرَّامِي خَارِجًا عَنْ الْجَمْرَةِ فَلَوْ وَقَفَ فِي
بَعْضِهَا وَرَمَى إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ مِنْهَا صَحَّ لِمَا مَرَّ
مِنْ حُصُولِ اسْمِ الرَّمْيِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: مَسْجِدَ الْخَيْفِ) نِسْبَةً إلَى مَحِلِّهِ؛ لِأَنَّ
الْخَيْفَ اسْمٌ لِمَكَانٍ ارْتَفَعَ عَنْ السَّيْلِ وَانْحَطَّ عَنْ
غِلَظِ الْجَبَلِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَهِيَ الْكُبْرَى) وَتَقَدَّمَ أَنَّ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ
تُسَمَّى الْكُبْرَى فَلَفْظُ الْكُبْرَى مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الَّتِي تَلِي
مَسْجِدَ الْخَيْفِ وَجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ اهـ. ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ نَفَرَ) أَيْ سَارَ بَعْدَ التَّحْمِيلِ فَصَحَّ
قَوْلُهُ وَلَوْ انْفَصَلَ مِنْ مِنًى بَعْدَ الْغُرُوبِ اهـ. ح ل.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَلَوْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَهُوَ فِي شُغْلِ
الِارْتِحَالِ فَلَهُ النَّفْرُ؛ لِأَنَّ فِي تَكْلِيفِهِ حَلَّ الرَّحْلِ
وَالْمَتَاعِ مَشَقَّةً عَلَيْهِ، كَذَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي
تَبَعًا لِأَصْلِ الرَّوْضَةِ وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ
الرَّافِعِيِّ وَهُوَ غَلَطٌ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ
سَبَبُهُ سُقُوطُ شَيْءٍ مِنْ نُسَخِ
(2/470)
(فِي) الْيَوْمِ (الثَّانِي بَعْدَ
رَمْيِهِ) وَبَاتَ اللَّيْلَتَيْنِ قَبْلَهُ أَوْ تَرَكَ مَبِيتَهُمَا
لِعُذْرٍ (جَازَ وَسَقَطَ مَبِيتُ) اللَّيْلَةِ (الثَّالِثَةِ وَرَمْيُ
يَوْمِهَا) قَالَ تَعَالَى {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ
عَلَيْهِ} [البقرة: 203]
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
الْعَزِيزِ وَالْمُصَحَّحِ فِيهِ وَفِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَمَنَاسِكِ
الْمُصَنِّفِ امْتِنَاعُ النَّفْرِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ ارْتَحَلَ
وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ انْفِصَالِهِ مِنْ مِنًى فَإِنَّ لَهُ
النَّفْرَ انْتَهَتْ.
وَعِبَارَةُ حَجّ وَإِذَا نَفَر أَيْ تَحَرَّكَ لِلذَّهَابِ إذْ حَقِيقَةُ
النَّفْرِ الِانْزِعَاجُ فَيَشْمَلُ مَنْ أَخَذَ فِي شُغْلِ الِارْتِحَالِ
وَيُوَافِقُ الْأَصَحَّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّ غُرُوبَهَا وَهُوَ
فِي شُغْلِ الِارْتِحَالِ لَا يَلْزَمُهُ الْمَبِيتُ وَإِنْ اعْتَرَضَهُ
كَثِيرُونَ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: أَيْضًا فَإِنْ نَفَرَ فِي الثَّانِي إلَخْ) يُقَالُ فِي
مُضَارِعِهِ يَنْفِرُ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَضَمِّهَا اهـ. مِنْ شَرْحِ م ر
وَفِي الْمُخْتَارِ نَفَرَتْ الدَّابَّةُ تَنْفِرُ بِالْكَسْرِ نِفَارًا
وَتَنْفُرُ بِالضَّمِّ نُفُورًا وَنَفَرَ الْحَاجُّ مِنْ مِنًى مِنْ بَابِ
ضَرَبَ. اهـ. وَبِهِ يُعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ كحج إلَّا أَنْ
يُقَالَ مَا ذَكَرَاهُ طَرِيقَةٌ أُخْرَى فَلْيُرَاجَعْ اهـ. ع ش عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: أَيْضًا فَإِنْ نَفَرَ فِي الثَّانِي إلَخْ) أَمَّا لَوْ نَفَرَ
فِي الثَّالِثِ قَبْلَ رَمْيِهِ كَأَنْ نَفَرَ ضَحْوَةَ النَّهَارِ فَلَا
يَجُوزُ وَتَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ بِتَرْكِ رَمْيِهِ وَالْحِيلَةُ فِي
الْجَوَازِ وَسُقُوطِ الْفِدْيَةِ أَنْ يَخْرُجَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي
بَعْدَ رَمْيِهِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ مِنْ مِنًى، ثُمَّ يَرْجِعَ إلَيْهَا
فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ مُتَبَرِّعًا بِمَبِيتِ اللَّيْلَةِ
الثَّالِثَةِ، وَالْمُتَبَرِّعُ بِهِ لَا يَلْزَمُهُ رَمْيُ يَوْمِهَا
فَيَجُوزُ لَهُ النَّفْرُ فِي يَوْمِهَا قَبْلَ الرَّمْيِ وَلَا فِدْيَةَ
عَلَيْهِ اهـ مِنْ شَرْحِ م ر وَالرَّشِيدِيُّ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: أَيْضًا فَإِنْ نَفَرَ فِي الثَّانِي إلَخْ) عِبَارَةُ أَصْلِهِ
وَإِذَا رَمَى الْيَوْمَ الثَّانِيَ فَأَرَادَ النَّفْرَ قَبْلَ غُرُوبِ
الشَّمْسِ جَازَ قَالَ حَجّ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ أَرَادَ أَنَّهُ لَا
بُدَّ مِنْ نِيَّةِ النَّفْرِ مُقَارِنَةً لَهُ وَإِلَّا لَمْ يُعْتَدَّ
بِخُرُوجِهِ فَيَلْزَمُهُ الْعَوْدُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ مَبِيتٍ
وَرَمْيِ الْكُلِّ مَا لَمْ يَتَعَجَّلْ، ثُمَّ رَأَيْت الزَّرْكَشِيَّ
قَالَ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ النَّفْرِ اهـ. وَيُوَجَّهُ بِمَا ذَكَرْته
اهـ. حَجّ، ثُمَّ قَالَ أَيْ حَجّ فِي مَحَلٍّ آخَرَ مَا مُحَصِّلُهُ إنَّ
شَرْطَ جَوَازِ النَّفْرِ أَنْ لَا يَعْزِمَ عَلَى الْعَوْدِ فَإِنْ عَزَمَ
عَلَيْهِ عِنْدَ النَّفْرِ لَمْ يَجُزْ النَّفْرُ وَيَلْزَمُهُ الْعَوْدُ
وَلَا تَنْفَعُهُ نِيَّةُ النَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ مَعَ نِيَّةِ الْعَوْدِ لَا
يُسَمَّى نَفْرًا اهـ.
(قَوْلُهُ: أَوْ عَادَ لِشُغْلٍ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَلَوْ نَفَرَ
قَبْلَ الْغُرُوبِ ثُمَّ عَادَ إلَى مِنًى لِحَاجَةٍ كَزِيَارَةٍ
فَغَرَبَتْ الشَّمْسُ أَوْ غَرَبَتْ فَعَادَ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى
فَلَهُ النَّفْرُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْمَبِيتُ وَالرَّمْيُ بَلْ لَوْ
بَاتَ هَذَا مُتَبَرِّعًا سَقَطَ عَنْهُ الرَّمْيُ وَإِنْ بَقِيَ
لِلزَّوَالِ لِحُصُولِ الرُّخْصَةِ لَهُ بِالرَّمْيِ وَلَوْ عَادَ
لِلْمَبِيتِ وَالرَّمْيِ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّا
جَعَلْنَا عَوْدَهُ لِذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِنًى
وَالثَّانِي لَا يَلْزَمُ؛ لِأَنَّا نَجْعَلُهُ كَالْمُسْتَدِيمِ
لِلْفِرَاقِ وَنَجْعَلُ عَوْدَهُ كَعَدَمِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ
الرَّمْيُ وَلَا الْمَبِيتُ انْتَهَتْ، وَهَذَا الثَّانِي هُوَ
الْمُعْتَمَدُ اهـ. ع ش عَلَى م ر وَمِنْ هَذَا يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ
الشَّارِحِ لِشُغْلٍ لَيْسَ بِقَيْدٍ. اهـ. شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: بَعْدَ رَمْيِهِ) فَإِنْ نَفَرَ فِيهِ قَبْلَ رَمْيِهِ لَمْ
يَجُزْ وَبِهِ صَرَّحَ الْعِمْرَانِيُّ عَنْ الشَّرِيفِ الْعُثْمَانِيِّ
قَالَ لِأَنَّ هَذَا النَّفْرَ غَيْرُ جَائِزٍ، قَالَ الْمُحِبُّ
الطَّبَرِيُّ وَهُوَ صَحِيحٌ مُتَّجَهٌ وَاسْتَظْهَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ،
وَقَوْلُهُ وَبَاتَ اللَّيْلَتَيْنِ قَبْلَهُ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ فَإِنْ
تَرَكَ مَبِيتَهُمَا بِلَا عُذْرٍ لَمْ يَجُزْ النَّفْرُ فِي الثَّانِي
وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ مَبِيتُ الثَّالِثَةِ وَلَا رَمْيُ يَوْمِهَا اهـ.
مِنْ شَرْحِ م ر.
وَعِبَارَةُ حَجّ أَمَّا إذَا لَمْ يَبِتْهُمَا وَلَا عُذْرَ لَهُ أَوْ
نَفَرَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الرَّمْيِ فَلَا يَجُوزُ
لَهُ النَّفْرُ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ مَبِيتُ الثَّالِثَةِ وَلَا رَمْيُ
يَوْمِهَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ نَعَمْ يَنْفَعُهُ فِي غَيْرِ الْأُولَى
الْعَوْدُ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَيَرْمِي وَيَنْفِرُ حِينَئِذٍ، وَبَحَثَ
الْإِسْنَوِيُّ طَرْدَ مَا ذُكِرَ فِي الْأُولَى فِي الرَّمْيِ فَمَنْ
تَرَكَهُ لَا لِعُذْرٍ امْتَنَعَ عَلَيْهِ النَّفْرُ أَوْ لِعُذْرٍ
يُمْكِنُ مَعَهُ تَدَارُكُهُ وَلَوْ بِالنَّائِبِ فَكَذَلِكَ أَوْ لَا
يُمْكِنُ جَازَ انْتَهَتْ. وَقَوْلُهُ أَمَّا إذَا لَمْ يَبِتْهُمَا إلَخْ
صَادِقٌ بِمَا إذَا بَاتَ إحْدَاهُمَا فَقَطْ وَهُوَ ظَاهِرٌ ثُمَّ رَأَيْت
السَّيِّدَ صَرَّحَ بِهِ فَقَالَ عَقِبَ عِبَارَةٍ سَاقَهَا عَنْ
الْمُصَنِّفِ قُلْت وَهُوَ مُقْتَضٍ لِامْتِنَاعِ التَّعْجِيلِ فِيمَنْ لَا
عُذْرَ لَهُ إذَا تَرَكَ مَبِيتَ اللَّيْلَتَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا؛
لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَبِتْ الْمُعْظَمَ وَهُوَ اللَّيْلَتَانِ اهـ.
سم عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ تَرَكَ مَبِيتَهُمَا لِعُذْرٍ) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا
كَانَ التَّرْكُ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مَبِيتُ
اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، قَالَ
الْإِسْنَوِيُّ وَيُتَّجَهُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ تَرْكُ الرَّمْيِ فِي
الْمَاضِي كَتَرْكِ الْمَبِيتِ، ثُمَّ قَالَ نَعَمْ إذَا كَانَ
الْمُتَعَدَّى بِتَرْكِهِ أَحَدَهُمَا فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ مَبِيتُ
الثَّالِثَةِ وَرَمْيُهَا أَمْ يَجِبُ نَظِيرُ مَا تَعَدَّى بِهِ فَقَطْ
أَمْ يَفْصِلُ، فَيُقَالُ إنْ كَانَ الِاخْتِلَالُ بِتَرْكِ الْمَبِيتِ
لَمْ يَلْزَمُهُ الرَّمْيُ؛ لِأَنَّ الْمَبِيتَ إنَّمَا وَجَبَ لِأَجْلِ
الرَّمْيِ فَيَكُونُ تَابِعًا وَالتَّابِعُ لَا يُوجِبُ الْمَتْبُوعَ
وَإِنْ حَصَلَ الْإِخْلَالُ بِتَرْكِ الرَّمْيِ وَجَبَ الْمَبِيتُ فِي
كُلِّ ذَلِكَ نَظَرٌ. اهـ. أَقُولُ وَلَك أَنْ تَمْنَعَ أَوَّلًا إلْحَاقَ
تَرْكِ الرَّمْيِ بِتَرْكِ الْمَبِيتِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَبِيتَ وَاجِبٌ
وَوَقْتُ الرَّمْيِ فِيمَا مَضَى اخْتِيَارِيٌّ فَمَتَى تَدَارَكَ ذَلِكَ
الْيَوْمَ الثَّانِيَ قَبْلَ الْغُرُوبِ سَاغَ لَهُ النَّفْرُ بِخِلَافِ
تَرْكِ الْمَبِيتِ فِي الْمَاضِي لَا سَبِيلَ إلَى تَدَارُكِهِ. اهـ.
عَمِيرَةُ اهـ. سم.
(قَوْلُهُ: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ} [البقرة: 203] أَيْ فِي
ثَانِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَعْدَ رَمْيِهِ اهـ. جَلَالَيْنِ وَيُشِيرُ
بِهَذَا
(2/471)
وَيَخْطُبُ الْإِمَامُ بِمِنًى بَعْدَ
صَلَاةِ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ خُطْبَةً يُعَلِّمُهُمْ فِيهَا رَمْيَ
أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَحُكْمَ الْمَبِيتِ وَغَيْرَهُمَا وَثَانِي
أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ خُطْبَةً يُعَلِّمُهُمْ
فِيهَا جَوَازَ النَّفْرِ فِيهِ وَغَيْرَ ذَلِكَ وَيُوَدِّعُهُمْ.
(وَشَرْطٌ لِلرَّمْيِ) أَيْ لِصِحَّتِهِ (تَرْتِيبٌ) لِلْجَمَرَاتِ بِأَنْ
يَرْمِيَ أَوَّلًا إلَى الْجَمْرَةِ الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ
ثُمَّ إلَى الْوُسْطَى ثُمَّ إلَى جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ لِلِاتِّبَاعِ،
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَكَوْنُهُ سَبْعًا) مِنْ الْمَرَّاتِ لِذَلِكَ
فَلَوْ رَمَى سَبْعَ حَصَيَاتٍ مَرَّةً وَاحِدَةً أَوْ حَصَاتَيْنِ
كَذَلِكَ إحْدَاهُمَا بِيَمِينِهِ وَالْأُخْرَى بِيَسَارِهِ لَمْ يُحْسَبْ
إلَّا وَاحِدَةٌ وَلَوْ رَمَى حَصَاةً وَاحِدَةً سَبْعًا كَفَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
إلَى أَنَّ الْكَلَامَ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ دَفْعًا لِمَا يُوهِمُهُ
ظَاهِرُ النَّظْمِ مِنْ أَنَّ النَّفْرَ وَاقِعٌ فِي كُلٍّ مِنْ
الْيَوْمَيْنِ وَلَيْسَ مُرَادًا. اهـ. وَقَدْ صَرَّحَتْ الْآيَةُ بِنَفْيِ
الْحَرَجِ رَدًّا عَلَى الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا فِئَتَيْنِ:
فِئَةٌ تَعْتَقِدُ أَنَّ فِي التَّأْخِيرِ إثْمًا، وَفِئَةٌ أُخْرَى
تَعْتَقِدُ أَنَّ فِي التَّقْدِيمِ إثْمًا اهـ. شَرْحُ الْمِشْكَاةِ
وَفِيهِ أَيْضًا وَلَعَلَّ وَجْهَ نَفْيِ الْأَثِمِ عَمَّنْ تَأَخَّرَ
تَطْيِيبُ قَلْبِ مَنْ تَعَجَّلَ حَيْثُ سَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ
تَأَخَّرَ فِي نَفْيِ الْأَثِمِ فَدَلَّ عَلَى تَسَاوِيهِمَا فِي
مُوَافَقَةِ فِعْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلسُّنَّةِ اهـ. شَوْبَرِيٌّ عَلَى
التَّحْرِيرِ اهـ. م ر.
(قَوْلُهُ: وَيَخْطُبُ الْإِمَامُ بِمِنًى إلَخْ) حَاصِلُ مَا قَرَّرَهُ
الْمُصَنِّفُ أَنَّ خُطَبَ الْحَجِّ أَرْبَعٌ الْأُولَى يَوْمُ السَّابِعِ
مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَتَقَدَّمَتْ فِي قَوْلِهِ سُنَّ لِلْإِمَامِ إنْ
يَخْطُبَ بِمَكَّةَ سَابِعَ ذِي الْحِجَّةِ وَالثَّانِيَةُ يَوْمَ
التَّاسِعِ بِمَسْجِدِ إبْرَاهِيمَ وَتَقَدَّمَتْ فِي قَوْلِهِ، ثُمَّ
يَذْهَبُ بِهِمْ إلَى مَسْجِدِ إبْرَاهِيمَ فَيَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ
وَالثَّالِثَةُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى، وَالرَّابِعَةُ فِي ثَانِي
أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِمِنًى وَكُلُّهَا فُرَادَى وَبَعْدَ صَلَاةِ
الظُّهْرِ إلَّا الَّتِي يَوْمَ التَّاسِعِ فَإِنَّهَا ثِنْتَانِ وَقَبْلَ
الصَّلَاةِ اهـ. ز ي.
(قَوْلُهُ: وَيُوَدِّعُهُمْ) أَيْ يُعَلِّمُهُمْ طَوَافَ الْوَدَاعِ اهـ
شَيْخُنَا، لَكِنَّ عِبَارَةَ شَرْحِ م ر يُعَلِّمُهُمْ فِيهَا جَوَازَ
النَّفْرِ فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ مِنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ وَغَيْرِهِ
وَيُوَدِّعُهُمْ وَيَأْمُرُهُمْ بِخَتْمِ الْحَجِّ بِطَاعَةِ اللَّهِ
تَعَالَى اهـ. فَقَدْ جَمَعَ فِيهَا بَيْنَ تَعْلِيمِهِمْ طَوَافَ
الْوَدَاعِ وَبَيْنَ تَوْدِيعِهِمْ فَلْيُنْظَرْ مَا مَعْنَى التَّوْدِيعِ.
(قَوْلُهُ: وَشُرِطَ لِلرَّمْيِ إلَخْ) الْأَوْجَهُ أَنَّ الرَّمْيَ
كَالطَّوَافِ فَيَقْبَلُ الصَّرْفَ وَأَنَّ السَّعْيَ كَالْوُقُوفِ فَلَا
يَقْبَلُ الصَّرْفَ، كَذَا فِي شَرْحِ م ر وَقَرَّرَهُ فِي دَرْسِهِ
وَنَازَعَ سم شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ فِي عَدَمِ قَبُولِ السَّعْيِ
لِلصَّرْفِ وَقَرَّرَ عَنْ الشَّيْخِ حَجّ أَنَّهُ يَقْبَلُ كَالطَّوَافِ
وَلَمْ يَسْتَثْنِ إلَّا الْوُقُوفَ فَقَطْ اهـ. شَوْبَرِيٌّ وَحَاصِلُ
الشُّرُوطِ سِتَّةٌ الْأَوَّلُ مِنْهَا مُخْتَصٌّ بِرَمْيِ أَيَّامِ
التَّشْرِيقِ وَالْخَمْسَةُ بَعْدَهُ تَجْرِي فِيهِ وَفِي رَمْيِ يَوْمِ
النَّحْرِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ اهـ. وَبَقِيَ سَابِعٌ وَهُوَ
فَقْدُ الصَّارِفِ.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَصَرْفُ الرَّمْيِ بِالنِّيَّةِ لِغَيْرِ الْحَجِّ
كَأَنْ رَمَى إلَى شَخْصٍ أَوْ دَابَّةٍ فِي الْجَمْرَةِ كَصَرْفِ
الطَّوَافِ بِهَا إلَى غَيْرِهِ وَإِنْ بَحَثَ فِي الْمُهِّمَّاتِ إلْحَاقَ
الرَّمْيِ بِالْوُقُوفِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ وَحْدَهُ
كَرَمْيِ الْعَدُوِّ فَأَشْبَهَ الطَّوَافَ بِخِلَافِ الْوُقُوفِ، وَأَمَّا
السَّعْيُ فَالظَّاهِرُ كَمَا أَفَادَهُ الشَّيْخُ آخِذًا مِنْ ذَلِكَ
أَنَّهُ كَالْوُقُوفِ انْتَهَتْ.
وَفِي سم عَلَى حَجّ مَا نَصُّهُ وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ طَوَافٌ
دَخَلَ وَقْتُهُ إذَا طَافَ نَاوِيًا طَوَافًا آخَرَ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ
عَنْ غَيْرِهِ وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَطُوفَ حَامِلًا مُحْرِمًا
وَيَنْوِيَهُ عَنْ ذَلِكَ الْمَحْمُولِ فَيَقَعُ لِذَلِكَ الْمَحْمُولِ
أَوْ نَاوِيًا غَيْرَ الطَّوَافِ كَلُحُوقِ غَرِيمٍ انْصَرَفَ عَنْ
الطَّوَافِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا صَرَفَ الطَّوَافَ إلَى طَوَافٍ
آخَرَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ لَمْ يَنْصَرِفْ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ
الْمَحْمُولِ فَيُصْرَفُ لَهُ أَوْ إلَى غَيْرِ طَوَافٍ انْصَرَفَ
فَالرَّمْيُ كَالطَّوَافِ فِي هَذَا التَّفْصِيلِ فَإِنْ صَرَفَهُ إلَى
رَمْيٍ آخَرَ لَمْ يَنْصَرِفْ كَأَنْ قَصَدَ بِهِ مُسْتَنِيبَهُ أَوْ إلَى
غَيْرِ الرَّمْيِ كَأَنْ قَصَدَ إصَابَةَ الدَّابَّةِ فِي الرَّمْيِ
انْصَرَفَ وَلَا يَظْهَرُ فِي الرَّمْيِ نَظِيرُ الْمَحْمُولِ فِي
الطَّوَافِ لِيَتَأَتَّى اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الشِّقِّ الْأَوَّلِ
فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ.
(قَوْلُهُ: تَرْتِيبٌ لِلْجَمَرَاتِ) جَمْعُ جَمْرَةٍ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ
لِرَمْيِ الْجَمَرَاتِ أَيْ الْحَصَيَاتِ فِيهَا وَمَسَافَةُ بُعْدِ
الْأُولَى عَنْ مَسْجِدِ الْخَيْفِ أَلْفُ ذِرَاعٍ وَمِائَتَا ذِرَاعٍ
وَأَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ ذِرَاعًا وَعَنْ الْوُسْطَى مِائَتَا ذِرَاعٍ
وَخَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ ذِرَاعًا وَبَيْنَ الْوُسْطَى وَجَمْرَةِ
الْعَقَبَةِ مِائَتَا ذِرَاعٍ وَثَمَانِيَةُ أَذْرُعٍ وَبَيْنَ هَذِهِ
وَبَابِ السَّلَامِ أَحَدَ عَشَرَ أَلْفَ ذِرَاعٍ وَمِائَتَا ذِرَاعٍ
وَأَحَدٌ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا كُلُّ ذَلِكَ بِذِرَاعِ الْيَدِ اهـ.
بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: بِأَنْ يَرْمِيَ أَوَّلًا إلَخْ) أَيْ فَلَا يَعْتَدُّ بِرَمْيِ
الثَّانِي قَبْلَ تَمَامِ الْأُولَى وَلَا بِالثَّالِثَةِ قَبْلَ تَمَامِ
الْأُولَيَيْنِ وَلَوْ تَرَكَ حَصَاةً وَشَكَّ فِي مَحَلِّهَا مِنْ
الثَّلَاثِ جَعَلَهَا مِنْ الْأُولَى احْتِيَاطًا فَيَرْمِي بِهَا إلَيْهَا
وَيُعِيدُ رَمْيَ الْجَمْرَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ إذْ الْمُوَالَاةُ
بَيْنَ الرَّمْيِ فِي الْجَمَرَاتِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَإِنَّمَا تُسَنُّ
فَقَطْ كَمَا فِي الطَّوَافِ وَلَوْ تَرَكَ حَصَاتَيْنِ وَلَمْ يَعْلَمْ
مَحَلَّهُمَا جَعَلَ وَاحِدَةً مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَوَاحِدَةً مِنْ
ثَالِثَةٍ وَهُوَ يَوْمُ النَّفْرِ الْأُولَى مِنْ أَيِّ جَمْرَةٍ كَانَتْ
أَخْذًا بِالْأَسْوَأِ وَحَصَلَ رَمْيُ يَوْمِ النَّحْرِ وَأَحَدِ أَيَّامِ
التَّشْرِيقِ اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: مِنْ الْمَرَّاتِ) أَيْ مَرَّاتِ الرَّمْيِ أَيْ لَا مِنْ
الْحَصَيَاتِ فَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهَا سَبْعًا كَمَا سَيَذْكُرُهُ
بِقَوْلِهِ وَلَوْ رَمَى حَصَاةً وَاحِدَةً إلَخْ، وَقَوْلُهُ فَلَوْ رَمَى
سَبْعَ حَصَيَاتٍ إلَخْ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ مِنْ الْمَرَّاتِ اهـ.
(قَوْلُهُ: أَوْ حَصَاتَيْنِ كَذَلِكَ) أَيْ مَرَّةً وَاحِدَةً أَيْ
دُفْعَةً وَاحِدَةً وَقَوْلُهُ لَمْ يُحْسَبْ إلَّا وَاحِدَةً أَيْ وَإِنْ
تَرَتَّبَ الْحَصَاتَانِ فِي الْوُقُوعِ أَمَّا لَوْ رَمَاهُمَا
مُتَرَتِّبَتَيْنِ فَيُحْسَبُ لَهُ ثِنْتَانِ سَوَاءٌ وَقَعَتَا مَعًا أَوْ
مَرْتَبَتَيْنِ كَمَا رَمَى أَوْ الثَّانِيَةُ قَبْلَ الْأُولَى اهـ. مِنْ
شَرْحِ م ر
(2/472)
وَلَا يَكْفِي وَضْعُ الْحَصَاةِ فِي
الْمَرْمِيِّ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى رَمْيًا؛ وَلِأَنَّهُ خِلَافُ
الْوَارِدِ (وَ) كَوْنُهُ (بِيَدٍ) لِأَنَّهُ الْوَارِدُ وَهَذَا مِنْ
زِيَادَتِي فَلَا يَكْفِي الرَّمْيُ بِغَيْرِهَا كَقَوْسٍ وَرِجْلٍ (وَ)
كَوْنُهُ (بِحَجَرٍ) لِذِكْرِ الْحَصَى فِي الْأَخْبَارِ وَهُوَ مِنْ
الْحَجَرِ فَيُجْزِئُ بِأَنْوَاعِهِ وَلَوْ مِمَّا يُتَّخَذُ مِنْهُ
الْفُصُوصُ كَيَاقُوتٍ وَعَقِيقٍ وَبَلُّورٍ لَا غَيْرُهُ كَلُؤْلُؤٍ
وَإِثْمِدٍ وَجِصٍّ وَجَوْهَرٍ مُنْطَبِعٍ كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَحَدِيدٍ
(وَقَصْدُ الْمَرْمِيِّ) مِنْ زِيَادَتِي فَلَوْ رَمَى إلَى غَيْرِهِ
كَأَنْ رَمَى فِي الْهَوَاءِ فَسَقَطَ فِي الْمَرْمِيِّ لَمْ يُحْسَبْ
(وَتَحَقُّقُ إصَابَتِهِ) بِالْحَجَرِ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ فِيهِ كَأَنْ
تَدَحْرَجَ وَخَرَجَ مِنْهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
(قَوْلُهُ: وَلَا يَكْفِي وَضْعُ الْحَصَاةِ فِي الْمَرْمِيِّ) عِبَارَةُ
أَصْلِهِ مَعَ شَرْحِ م ر وَشُرِطَ أَنْ يُسَمِّيَ رَمِيًّا فَلَا يَكْفِي
الْوَضْعُ فِي الْمَرْمِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ الرَّمْيُ فَلَا
بُدَّ مِنْ صِدْقِ الِاسْمِ عَلَيْهِ وَيُفَارِقُ مَا مَرَّ فِي الْوُضُوءِ
مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِوَضْعِ الْيَدِ مَبْلُولَةً عَلَى الرَّأْسِ بِأَنَّ
مَبْنَى الْحَجِّ عَلَى التَّعَبُّدِ وَبِأَنَّ الْوَاضِعَ هُنَا لَمْ
يَأْتِ بِشَيْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الرَّمْيِ بِخِلَافِ مَا هُنَاكَ فِيهِمَا
انْتَهَتْ.
وَعِبَارَةُ حَجّ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إجْزَاءِ وَضْعِ الْيَدِ
عَلَى الرَّأْسِ مَعَ أَنَّهُ يُسَمَّى مَسْحًا بِأَنَّ الْقَصْدَ ثَمَّ
وُصُولُ الْبَلَلِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِذَلِكَ وَهُنَا مُجَاهَدَةُ
الشَّيْطَانِ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ بِالرَّمْيِ عَلَى الَّذِي يُجَاهَدُ
بِهِ الْعَدُوُّ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ «لَمَّا
سُئِلَ عَنْ الْجِمَارِ اللَّهَ رَبَّكُمْ تُكَبِّرُونَ وَمِلَّةَ
أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ تَتْبَعُونَ وَوَجْهَ الشَّيْطَانِ تَرْمُونَ»
انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: وَبِيَدٍ) فَلَوْ عَجَزَ عَنْهُ بِيَدِهِ قَدَّمَ الْقَوْسَ،
ثُمَّ الرِّجْلَ، ثُمَّ الْفَمَ وَإِلَّا اسْتَنَابَ اهـ. حَجّ
شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: فَلَا يَكْفِي الرَّمْيُ بِغَيْرِهَا كَقَوْسٍ وَرِجْلٍ
وَمِقْلَاعٍ إلَخْ) هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْيَدِ
أَمَّا إذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْهَا فَإِنَّهُ يُجْزِئُ وَلَوْ مَعَ
الْقُدْرَةِ عَلَى الِاسْتِنَابَةِ كَمَا ذَكَرَهُ حَجّ. اهـ. ع ش.
(قَوْلُهُ: فَيُجْزِئُ بِأَنْوَاعِهِ) مِنْهُ الْكَذَّانُ بِفَتْحٍ ثُمَّ
مُعْجَمَةٍ مُشَدَّدَةٍ حِجَارَةٌ رَخْوَةٌ؛ لِأَنَّهَا مَدَرٌ نَقَلَهُ
الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الْجَوْهَرِيِّ اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ مِمَّا يُتَّخَذُ مِنْهُ الْفُصُوصُ) وَهَذَا
بِالنِّسْبَةِ لِلْإِجْزَاءِ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْجَوَازِ فَإِنْ
تَرَتَّبَ عَلَى الرَّمْيِ بِالْيَاقُوتِ وَنَحْوِهِ كَسْرٌ أَوْ إضَاعَةُ
مَالٍ حَرُمَ وَإِنْ أَجْزَأَ اهـ. رَمْلِيٌّ اهـ. زِيَادِيٌّ وَلَا
يُقَالُ هَذَا الْغَرَضُ صَحِيحٌ فَلَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا
لَهُ عَنْهُ مَنْدُوحَةً؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ غَيْرُهُ يَقُومُ
مَقَامَهُ كَانَ عُدُولُهُ إلَيْهِ حَرَامًا مِنْ حَيْثُ إضَاعَةُ الْمَالِ
أَوْ كَسْرُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا تَعَيَّنَ طَرِيقًا لَا
يَحْرُمُ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا قَالُوهُ
مِنْ أَنَّهُ يُكْرَهُ رَشُّ الْقَبْرِ بِمَاءِ الْوَرْدِ وَلَا يَحْرُمُ؛
لِأَنَّهُ لِغَرَضٍ شَرْعِيٍّ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ التَّعَيُّنِ
وَعَدَمِهِ وَأُجِيبَ عَنْ عَدَمِ التَّحْرِيمِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ
إضَاعَةُ مَالٍ بِأَنَّهُ خَلْفَنَا شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ إكْرَامُ
الْمَيِّتِ وَحُصُولُ الرَّائِحَةِ الطَّيِّبَةِ لِلْحَاضِرِينَ وَحُضُورُ
الْمَلَائِكَةِ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ لَا يُكْرَهُ
الْقَلِيلُ مِنْهُ اهـ. ع ش.
(قَوْلُهُ: وَجِصٍّ) أَيْ بَعْدَ الطَّبْخِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى
حِينَئِذٍ حَجَرًا بَلْ نَوْرَةً أَمَّا قَبْلَهُ فَيُجْزِئُ اهـ. شَرْحُ م
ر.
(قَوْلُهُ: وَجَوْهَرٌ مُنْطَبِعٌ) أَشَارَ بِهِ دُونَ تَعْبِيرِ
الْمَحَلِّيِّ بِيَنْطَبِعُ إلَيَّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ انْطِبَاعِهِ
بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْحَجَرِيَّةِ إلَّا بِذَلِكَ
بِخِلَافِ الْمُشَمَّسِ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ ثَمَّ مُطْلَقًا تَأَمَّلْ
اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ قَوْلُهُ مُنْطَبِعٌ أَيْ بِالْفِعْلِ
وَإِلَّا كَفَى؛ لِأَنَّ فِيهِ الْحَجَرَ كَامِنًا وَمِنْهُ يُعْلَمُ
صِحَّةُ رَمْيِ خَاتَمِ فِضَّةٍ فِيهِ فَصٌّ مِنْ حَجَرٍ كَيَاقُوتٍ
مَثَلًا خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: وَقَصْدُ الْمَرْمِيِّ) أَيْ أَنْ لَا يَقْصِدَ غَيْرَ
الرَّمْيِ فِيهِ وَهُوَ مُجْتَمَعُ الْحَصَاةِ الْمُقَدَّرِ بِثَلَاثَةِ
أَذْرُعٍ حَوْلَ الشَّاخِصِ الْمَشْهُورِ مِنْ سَائِرِ جِهَاتِهِ إلَّا فِي
جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ؛ لِأَنَّ لَهَا وَجْهًا وَاحِدًا فَلَوْ قَصَدَ
الشَّاخِصَ وَرَمَى لَمْ يَكْفِ وَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَرْمِيِّ وَإِنْ
قَصَدَ الْمَرْمِيَّ وَرَمَى إلَى الشَّاخِصِ فَوَقَعَ بَعْدَ إصَابَتِهِ
فِي الْمَرْمِيِّ كَفَى وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ التَّنَاقُضِ فِي
كَلَامِهِمْ وَلَوْ أَصَابَتْ الْحَصَاةُ شَيْئًا كَمَحْمَلٍ فَعَادَتْ
إلَى الْمَرْمِيِّ فَإِنْ كَانَ عَوْدُهَا بِحَرَكَةٍ مَا أَصَابَتْهُ لَمْ
يَكْفِ وَإِلَّا كَفَى كَمَا لَوْ رَدَّتْهُ الرِّيحُ وَقَدْ خَرَجَ إلَى
الْمَرْمِيِّ مِنْ الْأَرْضِ لَا مِنْ نَحْوِ ظَهْرِ بَعِيرٍ
لِاحْتِمَالِهَا بِحَرَكَتِهِ فَإِنْ تَحَقَّقَ عَدَمُ الْحَرَكَةِ كَفَى
اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: أَيْضًا وَقَصَدَ الْمَرْمِيَّ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ
النُّسُكَ اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: فَلَوْ رَمَى إلَى غَيْرِهِ إلَخْ) قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ
أَنَّهُ لَوْ رَمَى إلَى الْعَلَمِ الْمَنْصُوبِ فِي الْجَمْرَةِ أَوْ
الْحَائِطِ الَّتِي بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ
النَّاسِ فَأَصَابَهُ، ثُمَّ وَقَعَ فِي الْمَرْمِيِّ لَا يُجْزِئُ قَالَ
الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ
يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ فِيهِ بِفِعْلِهِ مَعَ قَصْدِ الرَّمْيِ
الْوَاجِبِ عَلَيْهِ اهـ. وَالثَّانِي مِنْ احْتِمَالَيْهِ أَقْرَبُ كَمَا
قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ
بَعْضُهُمْ مُدَّعِيًا أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى تَعْلِيلِ الْإِجْزَاءِ
فِيهِ كَمَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَوْ رَمَى إلَى غَيْرِ الْمَرْمِيِّ فَوَقَعَ
فِيهِ يُجْزِئُ وَقَدْ صَرَّحُوا بِخِلَافِهِ فَالْأَوْجَهُ عَدَمُ
الْإِجْزَاءِ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِي
الْمَرْمِيِّ حَدًّا مَعْلُومًا، غَيْرَ أَنَّ كُلَّ جَمْرَةٍ عَلَيْهَا
عَلَمٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَرْمِيَ تَحْتَهُ عَلَى الْأَرْضِ وَلَا يَبْعُدَ
عَنْهُ احْتِيَاطًا، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ الْجَمْرَةُ مُجْتَمَعُ
الْحَصَى لَا مَا سَالَ مِنْ الْحَصَى فَمَنْ أَصَابَ مُجْتَمَعَهُ
أَجْزَأَهُ وَمَنْ أَصَابَ سَائِلَهُ لَمْ يُجْزِهِ وَمَا حَدَّدَ بِهِ
بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَنَّ مَوْضِعَ الرَّمْيِ ثَلَاثَةُ
أَذْرُعٍ مِنْ سَائِرِ الْجَوَانِبِ إلَّا فِي جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ
فَلَيْسَ لَهَا إلَّا وَجْهٌ وَاحِدٌ، وَرَمْيُ كَثِيرٍ مِنْ أَعْلَاهَا
بَاطِلٌ قَرِيبٌ مِنْ هَذَا اهـ. شَرْحُ م ر وَفِي كَلَامِ حَجّ أَنَّ
الشَّاخِصَ لَيْسَ مِنْ الْمَرْمِيِّ فَلَوْ أُزِيلَ لَا يَجُوزُ أَنْ
يَرْمِيَ فِي مَحَلِّهِ اهـ. ح ل، وَالْوَجْهُ الْوَجِيهُ خِلَافُهُ
لِلْقَطْعِ بِحُدُوثِ الشَّاخِصِ وَأَنَّهُ لَمْ
(2/473)
فَلَوْ شَكَّ فِي إصَابَتِهِ لَمْ يُحْسَبْ
(سُنَّ أَنْ يَرْمِيَ بِقَدْرِ حَصَى الْخَذْفِ) بِمُعْجَمَتَيْنِ لِخَبَرِ
مُسْلِمٍ «عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ» وَهُوَ دُونَ الْأُنْمُلَةِ
طُولًا وَعَرْضًا بِقَدْرِ الْبَاقِلَّا (وَمَنْ عَجَزَ) عَنْ الرَّمْيِ
لِعِلَّةٍ لَا يُرْجَى زَوَالُهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
يَكُنْ فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَمِنْ
الْمَعْلُومِ أَنَّ الظَّاهِرَ ظُهُورًا تَامًّا أَنَّهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالنَّاسُ فِي زَمَنِهِ لَمْ يَكُونُوا
يَرْمُونَ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ وَيَتْرُكُونَ مَحَلَّهُ وَلَوْ وَقَعَ
ذَلِكَ لَنُقِلَ فَإِنَّهُ غَرِيبٌ اهـ. سم عَلَى حَجّ.
(قَوْلُهُ: فَلَوْ شَكَّ فِي إصَابَتِهِ لَمْ يُحْسَبْ) أَيْ وَإِنْ غَلَبَ
عَلَى الظَّنِّ إصَابَتُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُقُوعِ فِيهِ
وَبَقَاءُ الرَّمْيِ عَلَيْهِ، كَذَا فِي الْإِيعَابِ اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَسُنَّ أَنْ يَرْمِيَ بِقَدْرِ حَصَى الْخَذْفِ) وَيُكْرَهُ
بِأَكْبَرَ وَبِأَصْغَرَ مِنْهُ وَبِهَيْئَةِ الْخَذْفِ لِلنَّهْيِ
الصَّحِيحِ عَنْهَا الشَّامِلِ لِلْحَجِّ وَغَيْرِهِ اهـ. حَجّ. اهـ.
رَشِيدِيٌّ عَلَى م ر، وَهَيْئَةُ الْخَذْفِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر أَنْ
يَضَعَ الْحَصَى عَلَى بَطْنِ إبْهَامِهِ وَيَرْمِيَهُ بِرَأْسِ
السَّبَّابَةِ. اهـ.
وَفِي الْإِيضَاحِ مَا نَصُّهُ وَيَتَعَلَّقُ بِأَيَّامِ التَّشْرِيقِ
مَسَائِلُ إلَى أَنْ قَالَ الثَّانِيَةُ السُّنَّةُ أَنْ يَأْتِيَ
الْجَمْرَةَ الْأُولَى مِنْ أَسْفَلَ وَيَصْعَدَ إلَيْهَا وَيَعْلُوَهَا
حَتَّى يَكُونَ مَا عَنْ يَسَارِهِ أَقَلَّ مِمَّا عَنْ يَمِينِهِ
وَيَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ، ثُمَّ يَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ
وَاحِدَةً وَاحِدَةً يُكَبِّرُ عَقِبَ كُلِّ حَصَاةٍ كَمَا سَبَقَ فِي
رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ عَنْهَا
وَيَنْحَرِفُ قَلِيلًا وَيَجْعَلُهَا فِي قَفَاهُ وَيَقِفُ فِي مَوْضِعٍ
لَا يُصِيبُهُ الْمُتَطَايِرُ مِنْ الْحَصَى الَّذِي يُرْمَى
وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَيَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى وَيُكَبِّرُ
وَيُهَلِّلُ وَيُسَبِّحُ وَيَدْعُو مَعَ حُضُورِ الْقَلْبِ وَخُشُوعِ
الْجَوَارِحِ وَيَمْكُثُ كَذَلِكَ قَدْرَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، ثُمَّ
يَأْتِي الْجَمْرَةَ الثَّانِيَةَ وَهِيَ الْوُسْطَى وَيَصْنَعُ فِيهَا
كَمَا صَنَعَ فِي الْأُولَى وَيَقِفُ لِلدُّعَاءِ كَمَا وَقَفَ فِي
الْأُولَى إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَقَدَّمُ عَنْ يَسَارِهَا كَمَا فَعَلَ فِي
الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ فِيهَا، بَلْ يَتْرُكُهَا
بِيَمِينٍ وَيَقِفُ فِي بَطْنِ الْمَسِيلِ مُنْقَطِعًا عَنْ أَنْ يُصِيبَهُ
الْحَصَى، ثُمَّ يَأْتِي الْجَمْرَةَ الثَّالِثَةَ وَهِيَ جَمْرَةُ
الْعَقَبَةِ الَّتِي رَمَاهَا يَوْمَ النَّحْرِ فَيَرْمِيهَا مِنْ بَطْنِ
الْوَادِي وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا لِلدُّعَاءِ إلَى أَنْ قَالَ
الثَّامِنَةُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ رَمْيِ الْجَمَرَاتِ وَرَمَيَاتِ
الْجَمْرَةِ الْوَاحِدَةِ سُنَّةٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ وَاجِبَةٌ
إلَى أَنْ قَالَ الْحَادِيَةَ عَشَرَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْمِيَ فِي
الْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ مَاشِيًا وَفِي
الْيَوْمِ الثَّالِثِ رَاكِبًا؛ لِأَنَّهُ يَنْفِرُ فِي الثَّالِثِ عَقِبَ
رَمْيِهِ فَيَسْتَمِرُّ عَلَى رُكُوبِهِ، الثَّانِيَةَ عَشَرَ يُسْتَحَبُّ
لَهُ الْإِكْثَارُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ وَأَنْ
يُصَلِّيَ أَمَامَ الْمَنَارَةِ عِنْدَ الْأَحْجَارِ الَّتِي أَمَامَهَا
فَقَدْ رَوَى الْأَزْرَقِيُّ أَنَّهُ مُصَلَّى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُحَافِظَ عَلَى حُضُورِ الْجَمَاعَةِ فِيهِ مَعَ
الْإِمَامِ فِي الْفَرَائِضِ فَقَدْ رَوَى الْأَزْرَقِيُّ فِي فَضْلِ
مَسْجِدِ الْخَيْفِ وَالصَّلَاةَ فِيهِ آثَارًا إلَى أَنْ قَالَ
الْخَامِسَةَ عَشَرَ فِي حِكْمَةِ الرَّمْيِ اعْلَمْ أَنَّ أَصْلَ
الْعِبَادَةِ الطَّاعَةُ وَالْعِبَادَةُ كُلُّهَا لَهَا مَعَانٍ قَطْعًا
فَإِنَّ الشَّرْعَ لَا يَأْمُرُ بِالْعَبَثِ، ثُمَّ إنَّ مَعْنَى
الْعِبَادَةِ قَدْ يَفْهَمُهُ الْمُكَلَّفُ وَقَدْ لَا يَفْهَمُهُ،
فَالْحِكْمَةُ فِي الصَّلَاةِ التَّوَاضُعُ وَالْخُضُوعُ وَإِظْهَارُ
الِافْتِقَارِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَالْحِكْمَةُ فِي الصَّوْمِ كَسْرُ
النَّفْسِ وَفِي الزَّكَاةِ مُوَاسَاةُ الْمُحْتَاجِ وَفِي الْحَجِّ
إقْبَالُ الْعَبْدِ أَشْعَثَ أَغْبَرَ مِنْ مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ إلَى
بَيْتٍ فَضَّلَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَشَرَّفَهُ كَإِقْبَالِ الْعَبْدِ إلَى
مَوْلَاهُ ذَلِيلًا وَمِنْ الْعِبَادَاتِ الَّتِي لَا تُفْهَمُ مَعَانِيهَا
السَّعْيُ وَالرَّمْيُ فَكُلِّفَ الْعَبْدُ بِهِمَا لِيَتِمَّ انْقِيَادُهُ
فَهَذَا النَّوْعُ لَا حَظَّ لِلنَّفْسِ فِيهِ وَلَا أُنْسَ لِلْعَقْلِ
بِهِ فَلَا يَحْمِلُهُ عَلَيْهِ إلَّا مُجَرَّدُ امْتِثَالِ الْأَمْرِ
وَكَمَالُ الِانْقِيَادِ فَهَذِهِ إشَارَةٌ مُخْتَصَرَةٌ تُعْرَفُ فِيهَا
الْحِكْمَةُ فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، السَّادِسَةَ
عَشَرَ إذَا نَفَرَ مِنْ مِنًى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ
انْصَرَفَ مِنْ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ رَاكِبًا كَمَا هُوَ يُكَبِّرُ
وَيُهَلِّلُ وَلَا يُصَلِّي الظُّهْرَ بِمِنًى، بَلْ يُصَلِّيهَا
بِالْمَنْزِلِ الْمُحَصَّبِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ صَلَّاهَا بِمِنًى جَازَ
وَكَانَ تَارِكًا لِلْأَفْضَلِ وَلَيْسَ عَلَى الْحَاجِّ بَعْدَ نَفْرِهِ
مِنْ مِنًى عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ إلَّا طَوَافُ الْوَدَاعِ.
السَّابِعَةَ عَشَرَ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «أَتَى الْمُحَصَّبَ فَصَلَّى بِهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ
وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَهَجَعَ هَجْعَةً، ثُمَّ دَخَلَ مَكَّةَ
وَطَافَ» وَهَذَا التَّحْصِيبُ مُسْتَحَبٌّ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَ هُوَ مِنْ سُنَنِ الْحَجِّ
وَمَنَاسِكِهِ وَهَذَا مَعْنَى مَا صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَيْسَ
التَّحْصِيبُ سُنَّةً إنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا الْمُحَصَّبُ بِالْأَبْطَحِ
وَهُوَ مَا بَيْنَ الْجَبَلِ الَّذِي عِنْدَهُ مَقَابِرُ مَكَّةَ
وَالْجَبَلِ الَّذِي يُقَابِلُ مُصَعِّدًا فِي الشِّقِّ الْأَيْسَرِ
وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إلَى مِنًى مُرْتَفِعًا عَنْ بَطْنِ الْوَادِي وَلَيْسَتْ
الْمَقْبَرَةُ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.
(قَوْلُهُ: الْبَاقِلَاءُ) بِالتَّشْدِيدِ مَعَ الْقَصْرِ وَبِالتَّخْفِيفِ
مَعَ الْمَدِّ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ اهـ. شَيْخُنَا.
1 -
(قَوْلُهُ: وَمَنْ عَجَزَ) أَيْ وَلَوْ كَانَ أَجِيرَ عَيْنٍ عَلَى
الْأَوْجَهِ وَقَوْلُهُ أَنَابَ أَيْ وُجُوبًا فِي وَقْتِ الرَّمْيِ
وَجَوَازًا قَبْلَهُ اهـ. حَجّ وسم عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: لِعِلَّةٍ لَا يُرْجَى زَوَالُهَا إلَخْ) عِبَارَةُ حَجّ
لِنَحْوِ مَرَضٍ وَيُتَّجَهُ ضَبْطُهُ بِمَا مَرَّ فِي إسْقَاطِهِ
لِلْقِيَامِ فِي الْفَرْضِ أَوْ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ بِأَنْ أَيِسَ مِنْ
الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَقْتَهُ وَلَوْ ظَنًّا وَلَا
(2/474)
قَبْلَ فَوَاتِ وَقْتِ الرَّمْيِ (أَنَابَ)
مَنْ يَرْمِي عَنْهُ وَلَا يَمْنَعُ زَوَالُهَا بَعْدَهُ مِنْ
الِاعْتِدَادِ بِهِ وَلَا يَصِحُّ رَمْيُهُ عَنْهُ إلَّا بَعْدَ رَمْيِهِ
عَنْ نَفْسِهِ وَإِلَّا وَقَعَ عَنْهَا.
وَظَاهِرٌ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ سَبْعًا إلَى هُنَا
يَأْتِي فِي رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ (وَلَوْ تَرَكَ رَمْيًا) مِنْ رَمْيِ
يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا وَهَذَا
أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ وَإِذَا تَرَكَ رَمْيَ يَوْمٍ (تَدَارَكَهُ فِي
بَاقِي تَشْرِيقٍ) أَيْ أَيَّامِهِ وَلَيَالِيِهِ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ
تَعْبِيرِهِ بِبَاقِي الْأَيَّامِ (أَدَاءً) بِالنَّضِّ فِي الرِّعَاءِ
وَأَهْلِ السِّقَايَةِ وَبِالْقِيَاسِ فِي غَيْرِهِمْ وَقَوْلِي أَدَاءً
مِنْ زِيَادَتِي وَإِنَّمَا وَقَعَ أَدَاءً؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ قَضَاءً
لَمَا دَخَلَهُ التَّدَارُكُ كَالْوُقُوفِ بَعْدَ فَوْتِهِ وَيَجِبُ
التَّرْتِيبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَمْيِ مَا بَعْدَهُ فَإِنْ خَالَفَ فِي
رَمْيِ الْأَيَّامِ وَقَعَ عَنْ الْمَتْرُوكِ، وَيَجُوزُ رَمْيُ
الْمَتْرُوكِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَلَيْلًا كَمَا عُلِمَ فَقَوْلُ الْأَصْلِ
أَوَّلَ الْفَصْلِ وَيَدْخُلُ رَمْيُ التَّشْرِيقِ بِزَوَالِ الشَّمْسِ
وَيَخْرُجُ بِغُرُوبِهَا اقْتِصَارٌ عَلَى وَقْتِ الِاخْتِيَارِ (وَإِلَّا)
أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَدَارَكْهُ (لَزِمَهُ دَمٌ بِ) تَرْكِ رَمْيِ (ثَلَاثِ
رَمَيَاتٍ) فَأَكْثَرَ وَلَوْ فِي الْأَيَّامِ الْأَرْبَعَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
يَنْعَزِلُ النَّائِبُ بِطُرُوِّ إغْمَاءِ الْمُنِيبِ أَوْ جُنُونِهِ
بَعْدَ إذْنِهِ لِمَنْ يَرْمِي عَنْهُ وَهُوَ عَاجِزٌ آيِسٌ اهـ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا لَا يُرْجَى زَوَالُهَا) أَيْ يَقِينًا أَوْ ظَنًّا
فِيمَا يَظْهَرُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْعَجْزَ الَّذِي يَنْتَهِي إلَى
الْيَأْسِ كَمَا فِي اسْتِنَابَةِ الْحَجِّ اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: قَبْلَ فَوَاتِ) ظَرْفٌ لِلزَّوَالِ لَا لِقَوْلِهِ لَا يُرْجَى
اهـ. شَيْخُنَا، وَالْمُرَادُ بِوَقْتِ الرَّمْيِ وَقْتُ جَوَازِهِ وَهُوَ
أَيَّامُ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثُ اهـ شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: أَنَابَ) أَيْ وُجُوبًا وَلَوْ بِأُجْرَةٍ فَاضِلَةٍ عَمَّا
يُعْتَبَرُ فِي الْفِطْرَةِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَإِذَا اسْتَنَابَ عَنْهُ
مَنْ رَمَى أَوْ حَلَالًا سُنَّ لَهُ أَنْ يُنَاوِلَهُ الْحَصَى
وَيُكَبِّرَ كَذَلِكَ إنْ أَمْكَنَهُ وَإِلَّا تَنَاوَلَهَا النَّائِبُ
وَكَبَّرَ بِنَفْسِهِ وَلَوْ عَجَزَ الْأَجِيرُ عَلَى عَيْنِهِ عَنْ
الرَّمْيِ هَلْ يَسْتَنِيبُ هُنَا لِلضَّرُورَةِ أَوْ لَا كَسَائِرِ
الْأَعْمَالِ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ -
رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّ الْأَقْرَبَ
الثَّانِي وَيُرِيقُ دَمًا اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَمْنَعُ زَوَالُهَا بَعْدَهُ إلَخْ) أَيْ فَلَا
تَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ لَكِنْ تُسَنُّ وَيُفَارِقُ نَظِيرَهُ فِي الْحَجِّ
بِأَنَّ الرَّمْيَ تَابِعٌ وَيَجْبُرُ بِدَمٍ اهـ. سم عَلَى حَجّ.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَلَوْ بَرِئَ مِنْ عُذْرِهِ فِي الْوَقْتِ بَعْدَ
الرَّمْيِ لَمْ تَلْزَمْهُ إعَادَتُهُ، لَكِنَّهَا تُسَنُّ وَيُفَارِقُ
نَظِيرَهُ فِي الْحَجِّ بِأَنَّ الرَّمْيَ تَابِعٌ وَيُجْبَرُ تَرْكُهُ
بِدَمٍ بِخِلَافِ الْحَجِّ فِيهِمَا وَبِأَنَّ الرَّمْيَ عَلَى الْفَوْرِ
وَقَدْ ظَنَّ الْعَجْزَ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ وَالْحَجُّ عَلَى
التَّرَاخِي انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ رَمْيُهُ) أَيْ النَّائِبِ عَنْهُ أَيْ
الْمُنِيبِ إلَّا بَعْدَ رَمْيِهِ أَيْ النَّائِبِ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنْ
يَكُونَ قَدْ رَمَى الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثَ عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا
لَوْ رَمَى الْجَمْرَةَ الْأُولَى مَثَلًا عَنْ نَفْسِهِ، ثُمَّ أَرَادَ
أَنْ يَرْمِيَهَا عَنْ الْمُسْتَنِيبِ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ؛ لِأَنَّ
أَيَّامَ التَّشْرِيقِ كَالْيَوْمِ الْوَاحِدِ اهـ. ح ل.
(قَوْلُهُ: إلَّا بَعْدَ رَمْيِهِ عَنْ نَفْسِهِ) حَتَّى لَوْ رَمَى
النَّائِبُ الَّذِي لَمْ يَرْمِ عَنْ نَفْسِهِ وَقَصَدَ الْمُسْتَنِيبَ
فَإِنَّهُ يَقَعُ لَهُ هُوَ لَكِنْ يُخَالِفُهُ مَا مَرَّ فِي الطَّوَافِ
عَنْ الْغَيْرِ إذَا كَانَ مُحْرِمًا فَإِنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْغَيْرِ إذَا
نَوَاهُ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الطَّوَافَ لَمَّا كَانَ مِثْلَ الصَّلَاةِ
أَثَّرَتْ فِيهِ نِيَّةُ الصَّرْفِ إلَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ الرَّمْيِ
فَإِنَّهُ لَيْسَ شَبِيهًا بِالصَّلَاةِ اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ أَيْضًا إلَّا بَعْدَ رَمْيِهِ عَنْ نَفْسِهِ) أَيْ
لِلْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ وَيُعْتَبَرُ كُلُّ يَوْمٍ عَلَى حِدَتِهِ
فَإِذَا رَمَى عَنْ نَفْسِهِ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثَ أَوَّلَ يَوْمٍ رَمَى
عَنْ الْمُسْتَنِيبِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ النَّائِبُ رَمَى بَعْضَ
الْجَمَرَاتِ وَبَقِيَ عَلَيْهِ الْبَعْضُ وَلَوْ حَصَاةً وَاحِدَةً لَا
يَصِحُّ أَنْ يَرْمِيَ عَنْ الْمُنِيبِ لِذَلِكَ الْيَوْمِ اهـ. مِنْ
شَرْحِ م ر وَحَجّ، ثُمَّ قَالَ حَجّ.
(فَرْعٌ)
لَوْ أَنَابَهُ جَمَاعَةٌ فِي الرَّمْيِ عَنْهُمْ جَازَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ
لَكِنْ هَلْ يَلْزَمُهُ التَّرْتِيبُ بِأَنْ لَا يَرْمِيَ عَنْ الثَّانِي
مَثَلًا إلَّا بَعْدَ اسْتِكْمَالِ رَمْيِ الْأَوَّلِ أَوْ لَا يَلْزَمُهُ
ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَرْمِيَ إلَى الْأُولَى عَنْ الْكُلِّ، ثُمَّ
الْوُسْطَى كَذَلِكَ، ثُمَّ الْأَخِيرَةِ كَذَلِكَ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ
وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ اُسْتُنِيبَ عَنْ آخَرَ
وَعَلَيْهِ رَمْيٌ سَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْمِيَ عَنْ مُسْتَنِيبِهِ إلَّا
بَعْدَ كَمَالِ رَمْيِهِ عَنْ نَفْسِهِ كَمَا تَقَرَّرَ فَإِنْ قُلْت مَا
عَلَيْهِ لَازِمٌ لَهُ فَوَجَبَ التَّرْتِيبُ فِيهِ بِخِلَافِ مَا عَلَى
الْأَوَّلِ فِي مَسْأَلَتِنَا، قُلْت قَصْدُهُ الرَّمْيَ لَهُ صَيَّرَهُ
كَأَنَّهُ مَلْزُومٌ بِهِ فَلَزِمَهُ التَّرْتِيبُ رِعَايَةً لِذَلِكَ اهـ.
(قَوْلُهُ: بِالنَّصِّ فِي الرِّعَاءِ) بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ لَا غَيْرُ
جَمْعُ رَاعٍ وَتَجْوِيزُ الشَّوْبَرِيِّ الضَّمَّ خَطَأٌ إذْ الضَّمُّ
إنَّمَا هُوَ فِي الرُّعَاةِ بِالتَّاءِ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا
جَمْعًا لِرَاعٍ اهـ. مِنْ ابْنِ شَرَفٍ وق ل.
(قَوْلُهُ: لَمَّا دَخَلَهُ التَّدَارُكُ) كَالْوُقُوفِ بَعْدَ فَوْتِهِ؛
لِأَنَّ أَعْمَالَ الْحَجِّ إذَا فَاتَتْ لَا تُتَدَارَكُ أَيْ
وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ إنْ تَدَارَكَهُ وَاجِبٌ هَذَا
مُرَادُهُ وَمَعَ ذَلِكَ فِي الْمُلَازَمَةِ شَيْءٌ اهـ. شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: وَيَجِبُ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُ) أَيْ بَيْنَ الْمَتْرُوكِ أَيْ
بِأَنْ لَا يَنْوِيَ بِالرَّمْيِ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ مَا لَمْ يَفْعَلْهُ
اهـ. ع ش، وَقَوْلُهُ فَإِنْ خَالَفَ إلَخْ أَيْ بِأَنْ قَصَدَ أَنْ
يَرْمِيَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي عَنْهُ وَالْحَالُ أَنَّ عَلَيْهِ رَمْيَ
الْيَوْمِ الْأَوَّلِ اهـ. شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَدَارَكْهُ لَزِمَهُ دَمٌ أَيْ
وَلَوْ بِعُذْرٍ خِلَافًا لحج حَيْثُ قَاسَهُ عَلَى الْمَبِيتِ فِي أَنَّهُ
يَسْقُطُ بِالْأَعْذَارِ وَهُوَ تَابِعٌ فِي ذَلِكَ لِلْأَذْرَعِيِّ اهـ. ح
ل،
(قَوْلُهُ: وَلَوْ فِي الْأَيَّامِ الْأَرْبَعَةِ) الْغَايَةُ رَاجِعَةٌ
لِقَوْلِهِ فَأَكْثَرَ فِي بَعْضِ أَفْرَادِهِ كَتَرْكِ وَاحِدَةٍ مِنْ
الْيَوْمِ الثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ أَوْ مِنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَمَا
بَعْدَهُ أَوْ مِنْ يَوْمِ الْعِيدِ وَمَا بَعْدَهُ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ
تَرْكُ عِشْرِينَ رَمْيَةً فَأَقَلَّ فِي أَكْثَرِ مِنْ يَوْمٍ فَتَأَمَّلْ
اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: أَيْضًا وَلَوْ فِي الْأَيَّامِ الْأَرْبَعَةِ) قَدْ يَقْتَضِي
هَذَا أَنَّهُ يُمْكِنُ تَصَوُّرُ تَرْكِ أَرْبَعِ رَمَيَاتٍ مِنْ
الْأَيَّامِ الْأَرْبَعِ بِأَنْ يَتْرُكَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَاحِدَةً
فَيُعْتَدُّ لَهُ بِمَا رَمَاهُ وَيَكُونُ الدَّمُ فِي مُقَابَلَةِ
الْمَتْرُوكَةِ، لَكِنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ وُجُوبِ
التَّرْتِيبِ حَتَّى لَوْ تَرَكَ رَمْيَةً فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ
الْأُولَى مَثَلًا لَمْ يُحْسَبْ لَهُ مَا بَعْدَهَا وَتُجْبَرُ
بِوَاحِدَةٍ مِنْ الْأُولَى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَهَكَذَا فَلَعَلَّ
الْمُرَادَ أَنَّ الدَّمَ يَتَحَقَّقُ وُجُوبُهُ بِتَرْكِ ثَلَاثَةٍ وَإِنْ
لَزِمَ مِنْ تَرْكِهَا تَرْكُ كَثِيرٍ مِنْ الرَّمْيِ فَلَا تَجِبُ
(2/475)
لِأَنَّ الرَّمْيَ فِيهَا كَالشَّيْءِ
الْوَاحِدِ وَإِنْ كَانَ رَمْيُ كُلِّ يَوْمٍ عِبَادَةً بِرَأْسِهَا وَفِي
الرَّمْيَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مُدُّ طَعَامٍ وَفِي
الْأَخِيرَتَيْنِ مِنْهُ مُدَّانِ وَفِي تَرْكِ مَبِيتِ لَيَالِي
التَّشْرِيقِ كُلِّهَا دَمٌ وَاحِدٌ وَفِي لَيْلَةٍ مُدٌّ وَفِي
لَيْلَتَيْنِ مُدَّانِ إنْ لَمْ يَنْفِرْ قَبْلَ الثَّالِثَةِ وَإِلَّا
وَجَبَ دَمٌ لِتَرْكِهِ جِنْسَ الْمَبِيتِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
زِيَادَةٌ عَلَى الدَّمِ، بَلْ يَكُونُ فِي جَمِيعِ الْمَتْرُوكِ سَوَاءٌ
مَا تَرَكَهُ بِالْفِعْلِ وَمَا فَعَلَهُ وَلَمْ يُحْسَبْ لَهُ وَذَلِكَ
لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ جَمِيعَ الرَّمْيِ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا دَمٌ
وَاحِدٌ اهـ. ع ش.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الرَّمْيَ فِيهَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ) أَيْ فَلَا
يُقَالُ يَجِبُ أَرْبَعَةُ دِمَاءٍ فِي تَرْكِ الرَّمْيِ رَأْسًا كُلُّ
دَمٍ عَنْ رَمْيِ يَوْمٍ.
(قَوْلُهُ: وَفِي الرَّمْيَةِ الْأَخِيرَةِ إلَخْ) قَيَّدَ بِهَا؛
لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ تَرْكُ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ غَيْرَ
الْأَخِيرِ وَقَعَ رَمْيُ مَا بَعْدَهَا عَنْهَا وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ
لِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ اهـ. ق ل.
وَعِبَارَةُ ابْنِ الْجَمَّالِ وَفِي تَرْكِ رَمْيَةٍ مُدُّ طَعَامٍ وَفِي
اثْنَيْنِ مُدَّانِ، وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بِتَرْكِهِمَا مِنْ جَمْرَةِ
الْعَقَبَةِ آخِرَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَوْ مِمَّا قَبْلَهُ إنْ صَحَّ
نَفْرُهُ فِيهِ وَذَلِكَ لِعُسْرِ تَبْعِيضِ الدَّمِ وَبَحَثَ
الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الرَّءُوفِ إجْزَاءَ الدَّمِ الْكَامِلِ عَنْ
الْمُدِّ وَالْمُدَّيْنِ أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ إذْ هُوَ يَقْتَضِي
أَنَّ الْوَاجِبَ أَصَالَةً إنَّمَا هُوَ الدَّمُ اهـ. وَمُقْتَضَاهُ
أَيْضًا إجْزَاءُ ثُلُثِ الدَّمِ فِي الْوَاحِدَةِ وَثُلُثَيْهِ فِي
اثْنَتَيْنِ وَاعْلَمْ أَنَّ وُجُوبَ الْمُدِّ فِي الْحَصَاةِ
وَالْمُدَّيْنِ فِي الْحَصَاتَيْنِ يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِهِمْ إنَّ دَمَ
تَرْكِ الرَّمْيِ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَقْدِيرٍ وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا
إطْعَامَ فِيهِ وَجَوَابُهُ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْعَلَّامَةِ عَبْدِ
الرَّءُوفِ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْإِيضَاحِ كَانَ الْقِيَاسُ عَدَمَ
إجْزَاءِ الْمُدِّ لِلْقَادِرِ عَلَى ثُلُثِ الدَّمِ لَكِنْ لَمَّا عَسُرَ
تَبْعِيضُ الدَّمِ وَكَذَا الصَّوْمُ إذْ يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِهِ
تَكْمِيلُ الْمُنْكَسِرِ عُدِلَ إلَى جِنْسٍ آخَرَ أَخَفَّ مِنْهُمَا
قَصْدًا إلَى السُّهُولَةِ وَنُزِّلَ الْمَعْدُولُ إلَيْهِ مَنْزِلَةَ
أَصْلِ الْمَعْدُولِ عَنْهُ حَتَّى إنَّهُ لَيْسَ لِلْقَادِرِ عَلَيْهِ
بَدَلُهُ وَهُوَ صَوْمُ ثُلُثِ الْعَشَرَةِ بِخِلَافِ الْعَاجِزِ اهـ.
وَتَوْضِيحُهُ أَنْ يُقَالَ لَا شُبْهَةَ أَنَّ الْوَاجِبَ أَصَالَةً
ثُلُثُ الدَّمِ فِي الْحَصَاةِ وَثُلُثَاهُ فِي الْحَصَاتَيْنِ فَإِنْ
عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ فَمُقْتَضَى الْقِيَاسِ أَنْ يَكُونَ وَاجِبُهُ صَوْمَ
ثُلُثِ الْعَشَرَةِ فِي الْأَوَّلِ وَثُلُثَيْهَا فِي الثَّانِي لَكِنْ
أُقِيمَ الْمُدُّ أَوْ الْمُدَّانِ مَقَامَ ثُلُثِ الدَّمِ أَوْ ثُلُثَيْهِ
لِعُسْرِ تَبْعِيضِ الدَّمِ لَا أَنَّهُ جُعِلَ بَعْدَهُ فِي الرُّتْبَةِ
لِيُخَالِفَ دَمَ التَّرْتِيبِ وَالتَّعْدِيلِ الْآتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى.
فَإِذَا عَجَزَ عَنْ نَحْوِ الْمُدِّ الَّذِي هُوَ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ
الدَّمِ فَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ الدَّمِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ
حِينَئِذٍ وَلَا يُخْرِجُهُ هَذَا عَنْ كَوْنِهِ دَمَ تَرْتِيبٍ
وَتَقْدِيرٍ إذْ لَيْسَ الصَّوْمُ بَدَلًا عَنْ الْمُدِّ وَالْمُدَّيْنِ،
بَلْ عَنْ الدَّمِ الْقَائِمِ هُوَ مَقَامَهُ لِلتَّخْفِيفِ، وَأَمَّا مَا
اقْتَضَاهُ قَوْلُهُ وَكَذَا الصَّوْمُ إذْ يَلْزَمُ إلَخْ مِنْ أَنَّ
الْمُدَّ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الصَّوْمِ أَيْضًا وَأَنَّهُ عِنْدَ
الْعَجْزِ يُرْجَعُ إلَيْهِ فَلَيْسَ بِمُرَادٍ، بَلْ إنَّمَا هُوَ
مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الدَّمِ فَقَطْ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ
وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَ ثُلُثَ الدَّمِ فِي الْحَصَاةِ أَوْ
ثُلُثَيْهِ فِي الْحَصَاتَيْنِ أَجْزَأَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا
تَقَدَّمَ وَعَلَيْهِ فَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي الصَّوْمُ إذَا عَجَزَ
عَنْهُ وَلَا يُشْتَرَطُ الْعَجْزُ عَنْ الْمُدِّ وَالْمُدَّيْنِ لِمَا
تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُدَّ إنَّمَا هُوَ قَائِمٌ مَقَامَهُ سَوَاءٌ فِي
حَقِّ مُرِيدِ إخْرَاجِ نَحْوِ ثُلُثِ الدَّمِ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ
الصَّوْمُ إلَّا بَعْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْمُدِّ وَأَجْزَأَ نَحْوُ ثُلُثِ
الدَّمِ؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ أَصَالَةً فَتَأَمَّلْهُ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: مُدُّ طَعَامٍ) فَلَوْ عَجَزَ عَنْ الْمُدِّ مَثَلًا لَزِمَهُ
الصَّوْمُ الَّذِي هُوَ بَدَلٌ عَنْ الْمُدِّ وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ
وَثُلُثٌ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فَقِيلَ تُكَمَّلُ أَرْبَعَةً
جَبْرًا لِلْكَسْرِ، ثُمَّ تُفَرَّقُ الْأَرْبَعَةُ بِنِسْبَةِ
الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ لِلْعَشَرَةِ فَيَصُومُ ثَلَاثَةَ
أَعْشَارِهَا، ثُمَّ سَبْعَةَ أَعْشَارِهَا وَذَلِكَ مَعَ الْجَبْرِ
خَمْسَةٌ يَوْمَانِ ثُمَّ ثَلَاثَةٌ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ
تُبْسَطُ أَعْشَارًا بِأَرْبَعِينَ وَثَلَاثَةُ أَعْشَارِهَا اثْنَيْ
عَشَرَ عُشْرًا فَتُكَمَّلُ عِشْرِينَ عُشْرًا بِيَوْمَيْنِ وَسَبْعَةُ
أَعْشَارِهَا ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ عُشْرًا فَتُكَمَّلُ ثَلَاثِينَ
عُشْرًا بِثَلَاثَةٍ وَإِنَّمَا جُبِرَ الْكَسْرُ بِتَكْمِيلِهِ أَرْبَعَةً
قَبْلَ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْهَدْ إيجَابُ بَعْضِ الصَّوْمِ
فَيَلْزَمُهُ أَرْبَعَةٌ بِجَبْرِ الثُّلُثِ، ثُمَّ قِسْمَتِهَا وَجَبْرِ
كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ أَعْشَارِ وَالسَّبْعَةِ فَهُنَا جَبْرَانِ،
وَقِيلَ لَا يُجْبَرُ الثُّلُثُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، بَلْ يُبْسَطُ مِنْ
جِنْسِ كَسْرِهِ وَهُوَ ثُلُثٌ فَتَكُونُ عَشَرَةً بِالنِّسْبَةِ
الْمَذْكُورَةِ مَعَ جَبْرِ الْمُنْكَسِرِ فَيَصُومُ يَوْمًا؛ لِأَنَّ
ثَلَاثَةَ أَعْشَارِ الْعَشَرَةِ ثَلَاثَةُ أَثْلَاثٍ بِوَاحِدٍ ثُمَّ
ثَلَاثَةً إذَا رَجَعَ؛ لِأَنَّ سَبْعَةَ أَعْشَارِهَا سَبْعَةُ أَثْلَاثٍ
بِثُلُثَيْنِ حَتَّى تَكُونَ ثَلَاثَةً فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ جَبْرٌ
وَاحِدٌ فِي أَحَدِ الشِّقَّيْنِ وَفِي الَّذِي قَبْلَهُ جَبْرَانِ فِي
الشِّقَّيْنِ مَعًا اهـ. سم عَلَى الْغَايَةِ بِإِيضَاحٍ.
(قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَنْفِرْ قَبْلَ الثَّالِثَةِ) الضَّمِيرُ فِي "
يَنْفِرْ " رَاجِعٌ لِمَنْ تَرَكَهَا وَتَرَكَ اللَّيْلَتَيْنِ قَبْلَهَا،
وَقَوْلُهُ وَإِلَّا أَيْ بِأَنْ نَفَرَ قَبْلَ مَبِيتِ الثَّالِثَةِ
وَالْفَرْضُ أَنَّهُ تَرَكَ مَا قَبْلَهَا فَيَكُونُ تَارِكًا
لِلثَّلَاثَةِ فَيَكُونُ هَذَا الشِّقُّ مُكَرَّرًا وَأَيْضًا التَّقْيِيدُ
مِنْ أَصْلِهِ مُسْتَدْرَكٌ.
وَعِبَارَةُ ابْنِ الْجَمَّالِ، وَفِي تَرْكِ لَيْلَةٍ مُدٌّ
وَلَيْلَتَيْنِ مُدَّانِ إنْ لَمْ يَنْفِرْ النَّفْرَ الْأَوَّلَ بَلْ
بَاتَ الثَّالِثَةَ وَرَمَى يَوْمَهَا أَوْ تَرَكَ مَبِيتَهَا لِعُذْرٍ؛
لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ لِعُذْرٍ كَالْمَأْتِيِّ بِهِ فَإِنْ نَفَرَ مَعَ
تَرْكِهِمَا بِلَا عُذْرٍ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ
التَّشْرِيقِ وَإِنْ رَمَى بَعْدَ الزَّوَالِ فَنَفْرُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ
فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْعَوْدُ لِمَبِيتِ الثَّالِثَةِ حَيْثُ لَا عُذْرَ
وَرَمَى يَوْمَهَا، وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَنْ نَفَرَ فِي الْيَوْمِ
الْأَوَّلِ فَإِنْ لَمْ يَعُدْ فِي الصُّورَتَيْنِ فَدَمٌ لِتَرْكِهِ
جِنْسَ الْمَبِيتِ
(2/476)
هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْمَعْذُورِينَ
أَمَّا هُمْ كَأَهْلِ السِّقَايَةِ وَرِعَاءِ الْإِبِلِ أَوْ غَيْرِهِمَا
فَلَهُمْ تَرْكُ الْمَبِيتِ لَيَالِيَ مِنًى بِلَا دَمٍ.
(وَيَجِبُ عَلَى غَيْرِ نَحْوِ حَائِضٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
بِلَا عُذْرٍ وَوَقَعَ فِي مَتْنِ مُخْتَصَرِ الْإِيضَاحِ وَشَرْحِ
الشَّارِحِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ فِي تَرْكِ مَبِيتِ لَيْلَتَيْ
التَّشْرِيقِ إذَا نَفَرَ النَّفْرَ الْأَوَّلَ دَمًا، وَانْتَقَدَهُ
الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الرَّءُوفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّهُ
مَتَى فَوَّتَ مَبِيتَهُمَا بِلَا عُذْرٍ فَإِنْ فَوَّتَ مَبِيتَ
الثَّالِثَةِ أَيْضًا كَذَلِكَ لَزِمَهُ الدَّمُ لَكِنْ لِتَرْكِ
الثَّلَاثِ لَا لِتَفْوِيتِهِ مَبِيتَ لَيْلَتَيْنِ فَقَطْ وَإِنْ لَمْ
يُفَوِّتْ مَبِيتَ الثَّالِثَةِ فَالْوَاجِبُ مُدَّانِ لَا دَمٌ، قَالَ
فَتَلَخَّصَ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُوبُ الدَّمِ فِيهِمَا اهـ. وَهُوَ
وَاضِحٌ مُتَّجَهٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَإِنْ صُنِّفَ فِي رَدِّهِ
فَتَأَمَّلْهُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِشْكَالَ الْمَارَّ فِي وُجُوبِ
الْإِطْعَامِ فِي تَرْكِ الرَّمْيَةِ وَالرَّمْيَتَيْنِ مَعَ كَوْنِ هَذَا
الدَّمِ لَا يَدْخُلُهُ الْإِطْعَامُ وَجَوَابُهُ يَأْتِي هُنَا أَيْضًا
وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوهُ إلَّا هُنَاكَ فَإِنْ عَجَزَ صَامَ فِي تَرْكِ
اللَّيْلَةِ خَمْسَةَ أَيَّامٍ وَفِي تَرْكِ اللَّيْلَتَيْنِ ثَمَانِيَةً
بِتَفْصِيلِهِمَا السَّابِقِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: هَذَا) أَيْ قَوْلُهُ يَجِبُ مَبِيتٌ بِمِنًى لَيَالِيَ
تَشْرِيقٍ فِي غَيْرِ الْمَعْذُورِينَ إلَخْ أَمَّا هُمْ فَكَانَ
الْأَوْلَى ذِكْرُهُ هُنَاكَ كَمَا صَنَعَ شُرَّاحُ الْمِنْهَاجِ.
وَعِبَارَةُ الْإِيضَاحِ فِي بَحْثِ الْمَبِيتِ نَصُّهَا هَذَا فِيمَنْ لَا
عُذْرَ لَهُ أَمَّا مَنْ تَرَكَ مَبِيتَ مُزْدَلِفَةَ أَوْ مِنًى لِعُذْرٍ
فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَالْعُذْرُ أَقْسَامٌ أَحَدُهَا أَهْلُ سِقَايَةِ
الْعَبَّاسِ يَجُوزُ لَهُمْ تَرْكُ الْمَبِيتِ بِمِنًى وَيَسِيرُونَ إلَى
مَكَّةَ لِاشْتِغَالِهِمْ بِالسِّقَايَةِ وَسَوَاءٌ تَوَلَّى السِّقَايَةَ
بَنُو الْعَبَّاسِ أَوْ غَيْرُهُمْ وَلَوْ أُحْدِثَتْ سِقَايَةٌ لِلْحَاجِّ
فَلِلْمُقِيمِ بِشَأْنِهَا تَرْكُ الْمَبِيتِ كَسِقَايَةِ الْعَبَّاسِ،
الثَّانِي رِعَاءُ الْإِبِلِ يَجُوزُ لَهُمْ تَرْكُ الْمَبِيتِ لِعُذْرِ
الْمَرْعَى فَإِذَا رَمَى الرِّعَاءُ وَأَهْلُ السِّقَايَةِ يَوْمَ
النَّحْرِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَلَهُمْ الْخُرُوجُ إلَى الرَّعْيِ
وَالسِّقَايَةِ وَتَرْكُ الْمَبِيتِ فِي لَيَالِي مِنًى جَمِيعًا وَلَهُمْ
تَرْكُ الرَّمْيِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ التَّشْرِيقِ وَعَلَيْهِمْ
أَنْ يَأْتُوا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ
فَيَرْمُوا عَنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ عَنْ الثَّانِي ثُمَّ
يَنْفِرُوا فَيَسْقُطُ عَنْهُمْ رَمْيُ الْيَوْمِ الثَّالِثِ كَمَا
يَسْقُطُ عَنْ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَنْفِرُ وَمَتَى أَقَامَ الرِّعَاءُ
بِمِنًى حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ لَزِمَهُمْ الْمَبِيتُ بِهَا تِلْكَ
اللَّيْلَةَ وَلَوْ أَقَامَ أَهْلُ السِّقَايَةِ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ
فَلَهُمْ الذَّهَابُ إلَى السِّقَايَةِ بَعْدَ الْغُرُوبِ؛ لِأَنَّ
شُغْلَهُمْ يَكُونُ لَيْلًا وَنَهَارًا الثَّالِثُ مَنْ لَهُ عُذْرٌ
بِسَبَبٍ آخَرَ كَمَنْ لَهُ مَالٌ يَخَافُ ضَيَاعَهُ لَوْ اشْتَغَلَ
بِالْمَبِيتِ أَوْ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالٍ مَعَهُ أَوْ لَهُ
مَرِيضٌ يَحْتَاجُ إلَى تَعَهُّدِهِ أَوْ يَطْلُبُ عَبْدًا آبِقًا أَوْ
يَكُونُ بِهِ مَرَضٌ يَشُقُّ مَعَهُ الْمَبِيتُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ
فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُمْ تَرْكُ الْمَبِيتِ وَلَهُمْ أَنْ
يَنْفِرُوا بَعْدَ الْغُرُوبِ وَلَا شَيْءَ عَلِيم انْتَهَتْ.
وَعِبَارَةُ ابْنِ الْجَمَّالِ فِي شَرْحِ نَظْمِ ابْنِ الْمُقْرِي
وَإِنَّمَا يَجِبُ هَذَا أَيْ دَمُ تَرْكِ الْمَبِيتِ بِمِنًى عَلَى حَاجٍّ
تَرَكَ الْمَبِيتَ لِغَيْرِ عُذْرٍ أَمَّا أَصْحَابُ الْأَعْذَارِ فَلَهُمْ
تَرْكُ الْمَبِيتِ وَلَا دَمَ عَلَيْهِمْ كَرِعَاءِ الْإِبِلِ وَغَيْرِهَا
وَلَوْ لِغَيْرِ دَوَابِّ الْحَاجِّ وَأُجَرَاءَ وَمُتَبَرِّعِينَ قِيَاسًا
عَلَى فِطْرِ الْمُرْضِعَةِ الْمُتَبَرِّعَةِ بِالْإِرْضَاعِ فِي رَمَضَانَ
بِشَرْطِهِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُمْ ذَلِكَ وَيَسْقُطُ عَنْهُمْ الدَّمُ
إنْ عَسُرَ عَلَيْهِمْ الْإِتْيَانُ بِهَا إلَى مِنًى لَيْلًا وَخَشُوا
مِنْ تَرْكِهَا ضَيَاعًا أَوْ جُوعًا لَا صَبْرَ عَلَيْهِ عَادَةً كَمَا
اسْتَظْهَرَهُ حَجّ فِي مَتْنِ مُخْتَصَرِ الْإِيضَاحِ وَخَرَجُوا قَبْلَ
الْغُرُوبِ؛ لِأَنَّ الرَّعْيَ لَا يَكُونُ لَيْلًا بِخِلَافِ السِّقَايَةِ
قَالَ شَيْخُنَا وَمَوْلَانَا السَّيِّدُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ
- أَيْ مِنْ شَأْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا ذَلِكَ فَلَوْ فُرِضَ الِاحْتِيَاجُ
لَيْلًا إلَى الرَّعْيِ انْعَكَسَ الْحُكْمُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ
يَعْنِي الشِّهَابَ حَجّ فِي الْحَاشِيَةِ أَيْ وَصَرَّحَ بِهِ
الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الرَّءُوفِ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْإِيضَاحِ وَقَدْ
يُصَوَّرُ الِاحْتِيَاجُ إلَى الْخُرُوجِ لَيْلًا بِبُعْدِ الْمَرْعَى اهـ.
وَكَأَهْلِ السِّقَايَةِ وَإِنْ خَرَجُوا لَيْلًا وَخَالَفُوا الرِّعَاءَ
بِأَنَّ عَمَلَهُمْ فِي النَّهَارِ فَقَطْ وَفِيهِ نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ،
وَسَوَاءٌ كَانَتْ السِّقَايَةُ قَدِيمَةً أَوْ مُحْدَثَةً بِمَكَّةَ
وَبِطَرِيقِهَا كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ وَلَوْ لِلْبَيْعِ فِيمَا
يَظْهَرُ قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا كَانَ الرِّعَاءُ أُجَرَاءَ وَكَمَنْ
خَافَ وَلَوْ بَعْدَ الْغُرُوبِ عَلَى نَحْوِ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ أَوْ
ضَيَاعِ مَرِيضٍ وَلَوْ أَجْنَبِيًّا لَا مُتَعَهِّدَ لَهُ أَوْ لَهُ
مُتَعَهِّدٌ مَشْغُولٌ بِتَحْصِيلِ نَحْوِ الْأَدْوِيَةِ أَوْ لَمْ يَضَعْ،
لَكِنَّهُ يَأْنَسُ بِهِ لِنَحْوِ صَدَاقَةٍ أَوْ إشْرَافٍ عَلَى مَوْتٍ
وَإِنْ تَعَهَّدَهُ غَيْرُهُ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعْذَارِ
الْجَمَاعَةِ مِمَّا يُمْكِنُ مَجِيئُهُ هُنَا كَمَا اسْتَظْهَرَهُ فِي
مَتْنِ مُخْتَصَرِ الْإِيضَاحِ كَخَوْفِ حَبْسِ غَرِيمٍ وَلَا بَيِّنَةَ
تَشْهَدُ بِإِعْسَارِهِ أَوْ ثَمَّ قَاضٍ لَا يَسْمَعُهَا إلَّا بَعْدَ
الْحَبْسِ وَكَعُقُوبَةِ مَنْ يَرْجُو بِغَيْبَتِهِ الْعَفْوَ.
وَمِنْ الْأَعْذَارِ غَلَبَةُ النَّوْمِ لِمَنْ نَزَلَ لِطَوَافِ الرُّكْنِ
وَأَمْكَنَهُ إدْرَاكُهُ وَإِدْرَاكُ الْمُعْظَمِ بِمِنًى أَفْتَى بِهِ
الشِّهَابُ حَجّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: فَلَهُمْ تَرْكُ الْمَبِيتِ) وَأَمَّا الرَّمْيُ فَوَاجِبٌ
عَلَيْهِمْ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ بِالنَّصِّ فِي الرِّعَاءِ
وَأَهْلِ السِّقَايَةِ اهـ. ح ل، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَعْذُورِينَ
يَسْقُطُ عَنْهُمْ الْمَبِيتُ وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ تَدَارُكُ الرَّمْيِ
تَأَمَّلْ اهـ. شَيْخُنَا أَيْ بِالطَّرِيقِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي
عِبَارَةِ الْإِيضَاحِ.
(قَوْلُهُ: وَيَجِبُ عَلَى غَيْرِ نَحْوِ حَائِضٍ إلَخْ) أَيْ عَلَى
الرَّاجِحِ، وَقِيلَ إنَّهُ سُنَّةٌ وَجَبْرُ
(2/477)
كَنُفَسَاءَ (طَوَافُ وَدَاعٍ) وَيُسَمَّى
بِالصَّدَرِ أَيْضًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
تَرْكِهِ بِالدَّمِ سُنَّةٌ أَيْضًا اهـ. إيضَاحٌ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى
مَنْ أَتَى بِنُسُكٍ إذَا فَرَغَ مِنْ جَمِيعِ أَعْمَالِ نُسُكِهِ فَمَتَى
بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا وَأَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ لَا
يَجِبُ عَلَيْهِ طَوَافُ الْوَدَاعِ اهـ. شَرْحُ م ر.
(فَائِدَةٌ)
قَالَ مَوْلَانَا وَشَيْخُنَا السَّيِّدُ الْمَرْحُومُ عُمَرُ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - وَعَنَّا بِهِ يَتَرَدَّدُ النَّظَرُ فِي الصَّغِيرِ هَلْ
يَلْزَمُ وَلِيَّهُ أَنْ يَطُوفَ بِهِ طَوَافَ الْوَدَاعِ أَمْ لَا
وَاَلَّذِي يَظْهَرُ إنْ قُلْنَا إنَّهُ مِنْ الْمَنَاسِكِ أَوْ لَيْسَ
مِنْهَا وَلَكِنَّهُ خَرَجَ بِهِ إثْرَ نُسُكٍ وَجَبَ، أَمَّا الْأَوَّلُ
فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا
فَهُوَ مِنْ تَوَابِعِهَا كَالتَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ وَيُحْتَمَلُ فِي
الثَّانِيَةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ نَظَرًا لِكَوْنِهِ لَيْسَ مِنْهَا وَإِنْ
لَمْ يَخْرُجْ بِهِ إثْرَ نُسُكٍ فَلَا وُجُوبَ هَذَا مَا ظَهَرَ الْآنَ
وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَصًّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، ثُمَّ رَأَيْت
الْفَاضِلَ الْمُحَشِّيَ يَعْنِي سم - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ذَكَرَ
فِي شَرْحِهِ عَلَى الْغَايَةِ مَا نَصُّهُ قَالَ الْعِزُّ بْنُ جَمَاعَةَ
لَمْ نَرَ فِيهِ نَقْلًا وَعِنْدِي يَجِبُ إنْ قُلْنَا إنَّ طَوَافَ
الْوَدَاعِ مِنْ الْمَنَاسِكِ وَإِلَّا فَلَا اهـ. ابْنُ الْجَمَّالِ.
(قَوْلُهُ: كَنُفَسَاءَ) أَيْ وَكَمُسْتَحَاضَةٍ نَفَرَتْ فِي نَوْبَةِ
حَيْضِهَا وَذِي جُرْحٍ نَضَّاحٍ يُخْشَى مِنْهُ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ
اهـ. حَجّ وَقَوْلُهُ نَفَرَتْ فِي نَوْبَةِ حَيْضِهَا بِخِلَافِ فِي
نَوْبَةِ طُهْرِهَا قَالَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَفِي الْجَوَاهِرِ
وَغَيْرِهَا كَالْمَجْمُوعِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَجَرَى
عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ إذَا نَفَرَتْ الْمُسْتَحَاضَةُ فَإِنْ كَانَ يَوْمَ
حَيْضِهَا فَلَا طَوَافَ عَلَيْهَا، أَوْ طُهْرِهَا لَزِمَهَا وَلَوْ
رَأَتْ امْرَأَةٌ دَمًا فَانْصَرَفَتْ بِلَا وَدَاعٍ، ثُمَّ جَاوَزَ
خَمْسَةَ عَشَرَ نُظِرَ إلَى مَرَدِّهَا السَّابِقِ فِي الْحَيْضِ فَإِنْ
بَانَ أَنَّهَا تَرَكَتْهُ فِي طُهْرِهَا وَجَبَ الدَّمُ أَوْ فِي
حَيْضِهَا فَلَا دَمَ اهـ. سم عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: طَوَافُ وَدَاعٍ) وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ غَيْرِهِ مِنْ
الْأَطْوِفَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ طَوَافٍ يَخُصُّهُ حَتَّى لَوْ أَخَّرَ
طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَفَعَلَهُ بَعْدَ أَيَّامٍ وَأَرَادَ الْخُرُوجَ
عَقِبَهُ لَمْ يَكْفِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي أَثْنَاءِ
التَّعْلِيلِ اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ أَيْضًا طَوَافُ وَدَاعٍ) وَإِذَا فَرَغَ مِنْهُ صَلَّى
رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ خَلْفَ الْمَقَامِ، ثُمَّ أَتَى الْمُلْتَزَمَ
فَيَلْصَقُ بَطْنَهُ وَصَدْرَهُ بِحَائِطِ الْبَيْتِ وَيَبْسُطُ يَدَيْهِ
عَلَى الْجِدَارِ فَيَجْعَلُ الْيُمْنَى مِمَّا يَلِي الْبَابَ
وَالْيُسْرَى مِمَّا يَلِي الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ، ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ
الْبَيْتُ بَيْتُك وَالْعَبْدُ عَبْدُك وَابْنُ عَبْدِك وَابْنُ أَمَتِك
حَمَلْتنِي عَلَى مَا سَخَّرْت لِي مِنْ خَلْقِك حَتَّى سَيَّرْتنِي فِي
بِلَادِك وَبَلَّغْتنِي بِنِعْمَتِك حَتَّى أَعَنْتنِي عَلَى قَضَاءِ
مَنَاسِكِك فَإِنْ كُنْت رَضِيت عَنِّي فَازْدَدْ عَنِّي رِضًى وَإِلَّا
فَمِنْ الْآنَ قَبْلَ أَنْ تَنْأَى عَنْ بَيْتِك دَارِي وَيَبْعُدَ عَنْهُ
مَزَارِي وَهَذَا أَوَانُ انْصِرَافِي إنْ أَذِنْت لِي غَيْرَ مُسْتَبْدِلٍ
بِك وَلَا بِبَيْتِك وَلَا رَاغِبٍ عَنْك وَلَا عَنْ بَيْتِك اللَّهُمَّ
فَاصْحَبْنِي الْعَافِيَةَ فِي بَدَنِي وَالْعِصْمَةَ فِي دِينِي
وَأَحْسِنْ مُنْقَلَبِي وَارْزُقْنِي طَاعَتَك مَا أَبْقَيْتنِي وَاجْمَعْ
لِي خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إنَّك عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
وَيَأْتِي بِآدَابِ الدُّعَاءِ الَّتِي سَبَقَ ذِكْرُهَا فِي آدَابِ
عَرَفَاتٍ وَيَتَعَلَّقُ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فِي تَضَرُّعِهِ فَإِذَا
فَرَغَ مِنْ الدُّعَاءِ أَتَى إلَى زَمْزَمَ فَشَرِبَ مِنْهَا
مُتَزَوِّدًا، ثُمَّ عَادَ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَاسْتَلَمَهُ
وَقَبَّلَهُ وَمَضَى وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً حَائِضًا اُسْتُحِبَّ لَهَا
أَنْ تَأْتِيَ بِهَذَا الدُّعَاءِ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ وَتَمْضِيَ اهـ.
إيضَاحٌ وَفِي حَجّ أَنَّ الْمُكْثَ لَمَّا ذُكِرَ بَلْ وَلِلْإِطَالَةِ
فِي الدُّعَاءِ بِغَيْرِ الْوَارِدِ لَا يُوجِبُ إعَادَةَ الطَّوَافِ اهـ.
وَإِذَا فَارَقَ الْبَيْتَ مُوَدِّعًا فَقَدْ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
الزُّبَيْرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا يَخْرُجُ وَبَصَرُهُ إلَى
الْبَيْتِ لِيَكُونَ آخِرَ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ، وَقِيلَ يَلْتَفِتُ
إلَيْهِ فِي انْصِرَافِهِ كَالْمُتَحَزِّنِ عَلَى مُفَارَقَتِهِ.
وَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الَّذِي جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ
أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيُّ وَأَبُو
الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ أَنَّهُ يَخْرُجُ وَيُوَلِّي
ظَهْرَهُ إلَى الْكَعْبَةِ وَلَا يَمْشِي الْقَهْقَرَى كَمَا يَفْعَلُهُ
كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ قَالُوا، بَلْ الْمَشْيُ قَهْقَرَى مَكْرُوهٌ
فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ سُنَّةٌ مَرْوِيَّةٌ وَلَا أَثَرٌ مَحْكِيٌّ وَمَا
لَا أَصْلَ لَهُ لَا يُعَرَّجُ عَلَيْهِ وَقَدْ جَاءَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
وَمُجَاهِدٍ كَرَاهَةُ قِيَامِ الرَّجُلِ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ نَاظِرًا
إلَى الْكَعْبَةِ إذَا أَرَادَ الِانْصِرَافَ إلَى وَطَنِهِ بَلْ يَكُونُ
آخِرُ عَهْدِهِ الطَّوَافَ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
اهـ. إيضَاحٌ.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَإِذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ
الْمَتْبُوعِ بِرَكْعَتَيْهِ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ مَا
لَمْ يُؤْذِ أَوْ يَتَأَذَّ بِزِحَامٍ أَوْ غَيْرِهِ وَأَنْ يَكُونَ
حَافِيًا وَأَنْ لَا يَرْفَعَ بَصَرَهُ إلَى سَقْفِهِ وَلَا يَنْظُرَ إلَى
أَرْضِهِ تَعْظِيمًا لِلَّهِ تَعَالَى وَحَيَاءً مِنْهُ وَأَنْ يُصَلِّيَ
فِيهِ وَلَوْ رَكْعَتَيْنِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقْصِدَ مُصَلَّى رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يَمْشِيَ بَعْدَ
دُخُولِهِ الْبَابَ حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ الَّذِي
قِبَلَ وَجْهِهِ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ وَأَنْ يَدْعُوَ فِي
جَوَانِبِهِ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ الشَّافِعِيُّ
يُسَنُّ لِمَنْ فَرَغَ مِنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ أَنْ يَأْتِيَ
الْمُلْتَزَمَ إلَخْ إلَى أَنْ قَالَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَلَمْ أَرَ
لِأَصْحَابِنَا كَلَامًا فِي أَنَّ الْمُوَدِّعَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ
الْمَسْجِدِ يَخْرُجُ وَقَالَ بَعْضُ الْعَصْرِيِّينَ يُسْتَحَبُّ أَنْ
يَخْرُجَ مِنْ بَابِ بَنِي
(2/478)
(بِفِرَاقِ مَكَّةَ) وَلَوْ مَكِّيًّا أَوْ
غَيْرَ حَاجٍّ وَمُعْتَمِرٍ أَوْ فَارَقَهَا لِسَفَرٍ قَصِيرٍ كَمَا فِي
الْمَجْمُوعِ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ
«لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ» أَيْ
الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَمَا ذَكَرْته مِنْ
وُجُوبِ طَوَافِ الْوَدَاعِ عَلَى غَيْرِ الْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِ هُوَ
مَا رَجَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ
مِنْ الْمَنَاسِكِ وَالْمُعْتَمَدُ مَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الرَّوْضِ
أَنَّهُ مِنْهَا فَلَا يَجِبُ عَلَى مَنْ ذُكِرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
سَهْمٍ
وَيُسَنُّ الْإِكْثَارُ مِنْ الِاعْتِمَارِ وَالطَّوَافِ تَطَوُّعًا وَأَنْ
يَزُورَ الْأَمَاكِنَ الْمَشْهُورَةَ بِالْفَضْلِ بِمَكَّةَ وَهِيَ
ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا وَأَنْ يُكْثِرَ النَّظَرَ إلَى الْبَيْتِ
إيمَانًا وَاحْتِسَابًا لِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ
الْإِيمَانِ «أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ
عِشْرِينَ وَمِائَةَ رَحْمَةٍ تَنْزِلُ عَلَى هَذَا الْبَيْتِ سِتُّونَ
لِلطَّائِفِينَ وَأَرْبَعُونَ لِلْمُصَلِّينَ وَعِشْرُونَ لِلنَّاظِرِينَ»
، وَحِكْمَةُ ذَلِكَ كَمَا أَفَادَهُ السَّرَّاجُ الْبُلْقِينِيُّ
ظَاهِرَةٌ إذْ الطَّائِفُونَ جَمَعُوا بَيْنَ ثَلَاثٍ: طَوَافٌ وَصَلَاةٌ
وَنَظَرٌ فَصَارَ لَهُمْ بِذَلِكَ سِتُّونَ وَالْمُصَلُّونَ فَاتَهُمْ
الطَّوَافُ فَصَارَ لَهُمْ أَرْبَعُونَ وَالنَّاظِرُونَ فَاتَهُمْ
الطَّوَافُ وَالصَّلَاةُ فَصَارَ لَهُمْ عِشْرُونَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ
يُكْثِرَ مِنْ الصَّدَقَةِ وَأَنْوَاعِ الْبِرِّ وَالْقُرُبَاتِ فَإِنَّ
الْحَسَنَةَ هُنَاكَ بِمِائَةِ أَلْفِ حَسَنَةٍ وَنُقِلَ عَنْ الْحَسَنِ
الْبَصْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ يُسْتَجَابُ
الدُّعَاءُ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا بِمَكَّةَ فِي الطَّوَافِ
وَالْمُلْتَزَمِ وَتَحْتَ الْمِيزَابِ وَفِي الْبَيْتِ وَعِنْدَ زَمْزَمَ
وَعَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَفِي الْمَسْعَى وَخَلْفَ الْمَقَامِ
وَفِي عَرَفَاتٍ وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى وَعِنْدَ الْجَمَرَاتِ،
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي
فِي نُسُكٍ أَوْ لَا انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: وَيُسَمَّى بِالصَّدَرِ أَيْضًا) أَيْ كَمَا يُسَمَّى بِهِ أَيْ
بِالصَّدَرِ طَوَافُ الرُّكْنِ اهـ. ح ل وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ
يَنْصَرِفُونَ عَنْهُ إلَى مَكَّةَ وَيَرْجِعُونَ إلَى أَوْطَانِهِمْ.
(قَوْلُهُ: بِفِرَاقِ مَكَّةَ) أَيْ بِإِرَادَةِ فِرَاقِ مَكَّةَ.
وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ وَإِذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ طَافَ
لِلْوَدَاعِ قَالَ حَجّ وَأَفْهَمَ الْمَتْنُ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ مِنْ
عُمْرَانِ مَكَّةَ لِحَاجَةٍ فَطَرَأَ لَهُ السَّفَرُ لَمْ يَلْزَمْهُ
دُخُولُهَا لِأَجْلِ طَوَافِ الْوَدَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَاطَبْ بِهِ
حَالَ خُرُوجِهِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ اهـ. وَإِذَا طَافَ لِلْوَدَاعِ
وَفَارَقَهَا إلَى مَحَلٍّ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ، ثُمَّ عَادَ
إلَيْهَا لِشَيْءٍ مِنْ حَوَائِجِ السَّفَرِ أَوْ لِغَيْرِهِ، ثُمَّ خَرَجَ
فَهَلْ يَحْتَاجُ هَذَا الْخُرُوجُ لِوَدَاعٍ؛ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ جَدِيدٌ
أَوْ لِبُطْلَانِ الْوَدَاعِ السَّابِقِ بِعَوْدِهِ إلَى مَكَّةَ أَوْ
يُفْصَلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَوْدُهُ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِالسَّفَرِ
كَأَخْذِ حَاجَةٍ لِلسَّفَرِ فَلَا يَحْتَاجُ لِإِعَادَتِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي
مَعْنَى الْمَاكِثِ لِحَاجَةِ السَّفَرِ أَوْ لِغَيْرِهِ فَيَحْتَاجُ فِيهِ
نَظَرٌ فَلْيُرَاجَعْ وَأَطْلَقَ م ر فِي تَقْرِيرِهِ جَوَابَ سَائِلِ
وُجُوبِ الْإِعَادَةِ اهـ. سم عَلَيْهِ.
(فَائِدَةٌ)
هَلْ وَجَبَ طَوَافُ الْوَدَاعِ بِمُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ كَمَا أَنَّ
سَائِرَ الْوَاجِبَاتِ كَالْمَبِيتِ وَالرَّمْيِ تَجِبُ بِالْإِحْرَامِ
وَإِنْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهَا وَقْتٌ مَخْصُوصٌ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ
لَيْسَ مِنْ الْمَنَاسِكِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ فَوُجُوبُهُ تَابِعٌ
لِوُجُوبِهَا أَوْ وَجَبَ وُجُوبًا مُبْتَدَأً بِفِرَاقِ مَكَّةَ لَا
بِالْإِحْرَامِ أَوْ يُفَصَّلُ فَيُقَالُ وَجَبَ بِالْإِحْرَامِ مَعَ
فِرَاقِ مَكَّةَ إنْ كَانَ مِنْ الْمَنَاسِكِ وَبِفِرَاقِهَا فَقَطْ إنْ
لَمْ يَكُنْ مِنْهَا جَزَمَ فِي مُخْتَصَرِ الْإِيضَاحِ بِالْأَوَّلِ،
قَالَ وَقَوْلُهُمْ بَعْدَ فَرَاغِ أَعْمَالِهِ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ
قَيْدًا لِلصِّحَّةِ وَقَالَ شَارِحُهُ إنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ الثَّانِي
قَالَ وَلَا يَبْعُدُ التَّفْصِيلُ أَيْ الْقَوْلُ الثَّالِثُ وَلَا
يُنَافِي هَذَا مَا مَرَّ أَنَّ دَلِيلَ الْوُجُوبِ الْخَبَرُ؛ لِأَنَّ
الْمُرَادَ أَنَّهُ مُوجِبُهُ عِنْدَ الْفِرَاقِ سَوَاءٌ أَسُبِقَ
بِالْإِحْرَامِ أَمْ لَا اهـ وَمَحَلُّ مَا ذَكَرَ كَمَا قَالَ فِيمَنْ
دَخَلَ مَكَّةَ مُحْرِمًا، أَمَّا إذَا دَخَلَهَا غَيْرَ مُحْرِمٍ
وَأَرَادَ السَّفَرَ مِنْهَا أَوْ أَرَادَهُ مَكِّيٌّ فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ
الثَّانِي؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ حِينَئِذٍ غَيْرُ تَابِعٍ، بَلْ مُبْتَدَأٌ
بِفِرَاقِ مَكَّةَ لِلْخَبَرِ وَتَعْظِيمًا لِلْبَيْتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
اهـ. ابْنُ الْجَمَّالِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ فَارَقَهَا لِسَفَرٍ قَصِيرٍ) أَيْ سَوَاءٌ فَارَقَهَا
لِسَفَرٍ طَوِيلٍ أَوْ قَصِيرٍ لَكِنْ سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ تَقْيِيدُ
الْقَصِيرِ بِمَا إذَا لَمْ يَنْوِ الرُّجُوعَ مِنْهُ.
وَعِبَارَةُ حَجّ وَإِذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ إلَى مَسَافَةِ
الْقَصْرِ مُطْلَقًا أَوْ دُونَهَا وَهُوَ وَطَنُهُ أَوْ لِيَتَوَطَّنَهُ
وَإِلَّا فَلَا طَوَافَ عَلَيْهِ وَلَا فَرْقَ فِي الْقِسْمَيْنِ أَيْ
مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَالدُّونِ بَيْنَ مَنْ نَوَى الْعَوْدَ وَغَيْرَهُ
خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ بَعْضُ الْعِبَارَاتِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: لِلِاتِّبَاعِ إلَخْ) عِبَارَةُ حَجّ لِثُبُوتِهِ عَنْهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلًا وَفِعْلًا وَلِيَكُونَ آخِرُ
عَهْدِهِ بَيْتَ رَبِّهِ كَمَا أَنَّهُ أَوَّلُ مَقْصُودٍ لَهُ عِنْدَ
قُدُومِهِ عَلَيْهِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: آخِرُ عَهْدِهِ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا وَقَوْلُهُ أَيْ
الطَّوَافُ بَيَانٌ لِمُتَعَلِّقِ الْجَارِّ وَهُوَ إمَّا اسْمُ كَانَ أَوْ
خَبَرُهَا اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَنَاسِكِ) وَمَنْ قَالَ
إنَّهُ مِنْهَا أَرَادَ أَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِهَا كَالتَّسْلِيمَةِ
الثَّانِيَةِ مِنْ تَوَابِعِ الصَّلَاةِ وَلَيْسَتْ مِنْهَا وَمِنْ ثَمَّ
لَزِمَ الْأَجِيرَ فِعْلُهُ وَاتَّجَهَ أَنَّهُ حَيْثُ وَقَعَ إثْرَ نُسُكٍ
لَمْ تَجِبْ لَهُ نِيَّةٌ نَظَرًا لِلتَّبَعِيَّةِ وَإِلَّا وَجَبَتْ
لِانْتِفَائِهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ طَلَبِهِ فِي النُّسُكِ عَدَمُ
طَلَبِهِ فِي غَيْرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ السِّوَاكَ سُنَّةٌ فِي مَحْوِ
الْوُضُوءِ وَهُوَ سُنَّةٌ مُطْلَقًا اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: وَالْمُعْتَمَدُ مَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الرَّوْضِ إلَخْ)
هَذَا الْمُعْتَمَدُ ضَعِيفٌ عِنْدَ م ر وحج وَنَصُّ عِبَارَةِ شَرْحِ
الرَّوْضِ وَلَيْسَ طَوَافُ الْوَدَاعِ مِنْ الْمَنَاسِكِ أَيْ مَنَاسِكِ
الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، بَلْ هُوَ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فَمَنْ أَرَادَ
الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ
أَوْ دُونَهَا عَلَى الصَّحِيحِ وَدَّعَ مَكِّيًّا كَانَ أَوْ آفَاقِيًّا
تَعْظِيمًا لِلْحَرَمِ وَتَشْبِيهًا لِاقْتِضَاءِ
(2/479)
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا وَدَاعَ عَلَى مَنْ
خَرَجَ لِغَيْرِ مَنْزِلِهِ بِقَصْدِ الرُّجُوعِ وَكَانَ سَفَرُهُ قَصِيرًا
كَمَنْ خَرَجَ لِلْعُمْرَةِ وَلَا عَلَى مُحْرِمٍ خَرَجَ إلَى مِنًى
وَأَنَّ الْحَاجَّ إذَا أَرَادَ الِانْصِرَافَ مِنْ مِنًى فَعَلَيْهِ
الْوَدَاعُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
خُرُوجِهِ الْوَدَاعَ بِاقْتِضَاءِ دُخُولِهِ الْإِحْرَامَ
وَلِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ قَاصِدَ الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ لَا
يُؤْمَرُ بِهِ وَلَوْ كَانَ مِنْ الْمَنَاسِكِ لَأُمِرَ بِهِ هَذَا مَا
صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ وَنَقَلَاهُ عَنْ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ
وَالتَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِمَا وَنَقْلًا عَنْ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ
أَنَّهُ مِنْهَا وَيَخْتَصُّ بِمَنْ يُرِيدُ الْخُرُوجَ مِنْ ذَوِي
النُّسُكِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ
الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ قَالَ إنَّهُ لَيْسَ
مِنْهَا إلَّا الْمُتَوَلِّي فَجَعَلَهُ تَحِيَّةً لِلْبُقْعَةِ مَعَ
أَنَّهُ يُمْكِنُ تَأْوِيلُ كَلَامِهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا رُكْنًا،
كَمَا قَالَ غَيْرُهُ إنَّهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ وَلَا شَرْطٍ قَالَ وَأَمَّا
اسْتِدْلَالُ الشَّيْخَيْنِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْهَا لَأُمِرَ بِهِ
قَاصِدُ الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ فَمَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا شُرِعَ
لِلْمُفَارَقَةِ وَلَمْ تَحْصُلْ كَمَا أَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ لَا
يُشْرَعُ لِلْمُحْرِمِ مِنْ مَكَّةَ وَيَلْزَمُهُمَا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ
لَا يُجْبَرُ بِدَمٍ وَلَا قَائِلَ بِهِ وَذَكَرَ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ
ذَكَرْتهَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ، وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْإِسْنَوِيُّ
وَغَيْرُهُ وَهُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ وَفِي
مَجْمُوعِهِ فِي كَلَامِهِ عَلَى أَعْمَالِ الْحَجِّ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ
الْأَصْلِ آخِرَ الْبَابِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَمَا نُقِلَ عَنْ
التَّهْذِيبِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا لَمْ أَرَ التَّصْرِيحَ بِهِ
فِيهِ، بَلْ فِيهِ أَنَّهُ نُسُكٌ حَيْثُ قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ طَوَافِ الْقُدُومِ حَيْثُ لَا يَجِبُ أَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ
تَحِيَّةُ الْبَيْتِ وَهُوَ يَسْقُطُ بِطَوَافِ الْعُمْرَةِ وَطَوَافُ
الْوَدَاعِ نُسُكٌ لَا يَسْقُطُ بِطَوَافٍ آخَرَ وَاجِبٍ اهـ.
وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي أَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ
أَوَّلًا وَفِي أَنَّهُ يَلْزَمُ الْأَجِيرَ فِعْلُهُ أَوْ لَا وَفِي
أَنَّهُ يُحَطُّ شَيْءٌ مِنْ أُجْرَةِ الْأَجِيرِ عِنْدَ تَرْكِهِ أَوْ لَا
اهـ. بِحُرُوفِهِ، قَالَ ابْنُ الْجَمَّالِ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ
الْخِلَافِ فِي أَنَّهُ هَلْ يَلْزَمُ الْأَجِيرَ فِعْلُهُ أَوْ لَا
وَأَنَّهُ هَلْ يَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ أَوْ لَا، لَكِنَّ الَّذِي
اسْتَوْجَهَهُ فِي التُّحْفَةِ فِي هَذَا الْمَبْحَثِ أَنَّهُ يَلْزَمُ
الْأَجِيرَ فِعْلُهُ وَأَنَّهُ حَيْثُ وَقَعَ إثْرَ نُسُكٍ لَمْ يَحْتَجْ
لِنِيَّةٍ وَإِلَّا وَجَبَتْ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا فَهُوَ
مِنْ تَوَابِعِهَا كَالتَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ تَوَابِعِ
الصَّلَاةِ وَلَيْسَتْ مِنْهَا وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ وَزَادَ
أَنَّهُ يُحَطُّ عِنْدَ تَرْكِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ مَا يُقَابِلُهُ قَالَ
مَوْلَانَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَفِي مَبْحَثِ الطَّوَافِ مِنْ
التُّحْفَةِ مَا يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ النِّيَّةِ إذَا وَقَعَ إثْرَ نُسُكٍ
بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَنَاسِكِ وَجَرَى فِي الْحَاشِيَةِ
عَلَى اشْتِرَاطِهَا، وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ مِنْ الْمَنَاسِكِ وَعَلَّلَهُ
بِوُقُوعِهِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ التَّامِّ فَتَحَرَّرَ أَنَّ لَهُ أَيْ
لحج ثَلَاثَةَ آرَاءٍ اهـ. وَجَزَمَ بِمَا فِي الْحَاشِيَةِ فِي مَتْنِ
مُخْتَصَرِ الْإِيضَاحِ فِي مَبْحَثِ الطَّوَافِ وَاسْتَوْجَهَهُ
الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الرَّءُوفِ قَالَ وَلَيْسَ كَالتَّسْلِيمَةِ
الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى صُورَةِ الْعِبَادَةِ الْمُسْتَقِلَّةِ
وَإِنْ فُعِلَ إثْرَ الْمَنَاسِكِ فَاحْتَاجَ إلَى نِيَّةٍ لِضَعْفِ
التَّبَعِيَّةِ بِخِلَافِ التَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ
طَوَافَ الْوَدَاعِ الْمَسْنُونَ مِنْ طَوَافِ النَّفْلِ فَتَجِبُ
نِيَّتُهُ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ. اهـ. أَيْ نَظَرًا لِشَمُولِ نِيَّةِ
الْحَجِّ لَهُ إذْ هُوَ مِنْ سُنَنِهِ لِمَنْ سُنَّ فِي حَقِّهِ كَمَا
أَنَّ سَائِرَ السُّنَنِ سُنَّتْ بِمُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ فَكَذَلِكَ
هَذَا وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَنْقَدِحُ فَتَأَمَّلْ اهـ. بِحُرُوفِهِ.
(قَوْلُهُ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا وَدَاعَ إلَخْ) أَيْ لَا وَدَاعَ وَاجِبَ
وَإِلَّا فَهُوَ يُسَنُّ لِكُلِّ مَنْ خَرَجَ لِسَفَرٍ قَصِيرٍ نَاوِيًا
الْعَوْدَ اهـ. شَيْخُنَا وَفِي ع ش مَا نَصُّهُ قَوْلَهُ وَكَانَ سَفَرُهُ
قَصِيرًا قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا وَدَاعَ عَلَى مَنْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ
لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ إلَى مَسَافَةٍ قَصِيرَةٍ
بِنِيَّةِ الْعَوْدِ لَكِنْ ذَكَرَ م ر فِي شَرْحِهِ فِي بَابِ
الْمَوَاقِيتِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ
إلَخْ مَا نَصُّهُ وَالْأَفْضَلُ لِلْمَكِّيِّ أَنْ يُصَلِّيَ
بِالْمَسْجِدِ سُنَّةَ الْإِحْرَامِ، ثُمَّ يَأْتِي إلَى بَابِ دَارِهِ
وَيُحْرِمُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ عَقِبَ
الصَّلَاةِ، بَلْ عِنْدَ الْخُرُوجِ إلَى عَرَفَاتٍ، ثُمَّ يَأْتِي
الْمَسْجِدَ لِطَوَافِ الْوَدَاعِ فَانْدَفَعَ اسْتِشْكَالُ الصَّلَاةِ فِي
الْمَسْجِدِ بِالْإِحْرَامِ مِنْ بَابِ دَارِهِ وَتَقَدَّمَ لَك
التَّنْبِيهُ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ فِي قَوْلِهِ بَعْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ
وَيُعَلِّمُهُمْ الْمَنَاسِكَ إلَخْ وَيَأْمُرُ فِيهَا أَيْضًا
الْمُتَمَتِّعِينَ وَالْمَكِّيِّينَ بِطَوَافِ الْوَدَاعِ، ثُمَّ قَالَ
وَهَذَا الطَّوَافُ مَسْنُونٌ وَيُمْكِنُ حَمْلُ قَوْلِهِ هُنَا لَا
وَدَاعَ عَلَى مَنْ خَرَجَ إلَى عَرَفَةَ إلَخْ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ
فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ لَهُ مِنْ اسْتِحْبَابِهِ اهـ بِحُرُوفِهِ،
وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ فَارَقَ مَكَّةَ لِمَسَافَةِ قَصْرٍ لَزِمَهُ
طَوَافُ الْوَدَاعِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ قَصَدَ الْإِقَامَةَ أَوْ لَا
بِخِلَافِ مَنْ فَارَقَهَا لِدُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَإِنْ قَصَدَ
الْإِقَامَةَ فِيمَا خَرَجَ لَهُ لَزِمَهُ طَوَافُ الْوَدَاعِ وَإِلَّا
فَلَا وَهَذَا مُسْتَفَادٌ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ حَيْثُ أَطْلَقَ فِي
مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَفَصَّلَ فِيمَا دُونَهَا حَيْثُ قَالَ وَاعْلَمْ
أَنَّهُ لَا وَدَاعَ عَلَى مَنْ خَرَجَ لِغَيْرِ مَنْزِلِهِ بِقَصْدِ
الرُّجُوعِ وَكَانَ سَفَرُهُ قَصْرًا. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: إذَا أَرَادَ الِانْصِرَافَ مِنْ مِنًى) أَيْ أَرَادَ أَنْ
يَنْصَرِفَ إلَى بَلَدِهِ مِنْ مِنًى وَلَا يَرْجِعُ إلَى مَكَّةَ
فَعَلَيْهِ الْوَدَاعُ أَيْ وَإِنْ كَانَ طَافَ لِلْوَدَاعِ عَقِبَ طَوَافِ
الْإِفَاضَةِ عِنْدَ عَوْدِهِ إلَيْهَا كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ
وَنَقَلَهُ عَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَمَنْ أَفْتَى
بِخِلَافِهِ فَقَدْ وَهِمَ إذْ لَا يُعْتَدُّ بِهِ وَلَا يُسَمَّى طَوَافَ
وَدَاعٍ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ جَمِيعِ الْمَنَاسِكِ
(2/480)
أَمَّا نَحْوُ الْحَائِضِ فَلَا طَوَافَ
عَلَيْهَا لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ
«أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ إلَّا أَنَّهُ
خُفِّفَ عَنْ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ» وَقِيسَ بِهَا النُّفَسَاءُ فَلَوْ
طَهُرَتْ قَبْلَ مُفَارَقَةِ مَكَّةَ لَزِمَهَا الْعَوْدُ وَالطَّوَافُ
أَوْ بَعْدَهَا فَلَا وَنَحْوُ مِنْ زِيَادَتِي.
(وَيُجْبَرُ تَرْكُهُ) مِمَّنْ وَجَبَ عَلَيْهِ (بِدَمٍ) لِتَرْكِهِ
نُسُكًا وَاجِبًا وَاسْتَثْنَى مِنْهُ الْبُلْقِينِيُّ تَبَعًا
لِلرُّويَانِيِّ الْمُتَحَيِّرَةَ (فَإِنْ عَادَ) بَعْدَ فِرَاقِهِ بِلَا
طَوَافٍ (قَبْلَ مَسَافَةِ قَصْرٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
اهـ. شَرْحُ حَجّ وَقَوْلُهُ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ جَمِيعِ الْمَنَاسِكِ
لَوْ فَرَغَ مِنْ جَمِيعِ الْمَنَاسِكِ لَكِنْ فَاتَهُ الرَّمْيُ
وَلَزِمَهُ الصَّوْمُ بَدَلَهُ فَصَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عَقِبَ أَيَّامِ
التَّشْرِيقِ وَأَرَادَ السَّفَرَ إلَى بَلَدِهِ وَأَنْ يَصُومَ
السَّبْعَةَ فِيهَا يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ طَوَافُ الْوَدَاعِ وَلَا
يَضُرُّ بَقَاءُ السَّبْعَةِ الَّتِي هِيَ جُمْلَةُ الْبَدَلِ عَلَيْهِ؛
لِأَنَّ مَحَلَّهَا بَلَدُهُ وَلَوْ تَوَقَّفَ لُزُومُ الْوَدَاعِ
عَلَيْهَا لَزِمَ سُقُوطُهُ عَنْهُ وَهُوَ بَعِيدٌ فَلَوْ أَرَادَ
السَّفَرَ قَبْلَ صَوْمِ الثَّلَاثَةِ وَأَنْ يَصُومَهَا أَيْضًا
بِبَلَدِهِ أَوْ فِي سَفَرِهِ فَهَلْ يَصِحُّ طَوَافُ الْوَدَاعِ
وَيَلْزَمُهُ وَلَا يَضُرُّ بَقَاءُ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ
أَعْمَالِ الْحَجِّ وَإِنْ كَانَ بَدَلًا أَوْ لَا فِيهِ نَظَرٌ
وَالْأَوَّلُ غَيْرُ بَعِيدٍ فَلْيُرَاجَعْ وَهَلْ مِثْلُ الْفَرَاغِ
تَفْوِيتُ الْمَبِيتِ وَالرَّمْيُ مَعَ مُكْثِهِ بِمَكَّةَ أَوْ مِنًى
حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَلَا يَبْعُدُ أَنَّ الْأَمْرَ
كَذَلِكَ اهـ. سم عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: أَمَّا نَحْوُ الْحَائِضِ إلَخْ) مِثْلُ الْحَائِضِ
الْمَعْذُورِ لِخَوْفِ ظَالِمٍ أَوْ فَوْتِ رُفْقَةً عَلَى الْمُعْتَمَدِ
فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ طَوَافُ الْوَدَاعِ وَلَا تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ
اهـ. مِنْ شَرْحِ م ر.
(قَوْلُهُ: فَلَا طَوَافَ عَلَيْهَا) أَيْ وَلَا دَمَ أَيْضًا. اهـ. ع ش
وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِطَوَافِ الْوَدَاعِ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ
لِطَوَافِ الرُّكْنِ فَلَوْ حَاضَتْ قَبْلَهُ فَإِنَّهَا تَسْتَمِرُّ
مُحْرِمَةً حَتَّى تَرْجِعَ لِمَكَّةَ فَتَطُوفَ وَلَوْ طَالَ ذَلِكَ
سِنِينَ، وَبَحَثَ السَّرَّاجُ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهَا إذَا وَصَلَتْ
بَلَدَهَا وَهِيَ مُحْرِمَةٌ عَادِمَةٌ لِلنَّفَقَةِ وَلَمْ يُمْكِنْهَا
الْوُصُولُ لِلْبَيْتِ الْحَرَامِ يَكُونُ حُكْمُهَا كَالْمُحْصَرِ
فَتَتَحَلَّلُ بِذَبْحِ شَاةٍ وَحَلْقٍ وَنِيَّةِ تَحَلُّلٍ وَأَيَّدَ
ذَلِكَ بِكَلَامٍ فِي الْمَجْمُوعِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَالْكَلَامُ
مَفْرُوضٌ حَيْثُ لَمْ تَعْلَمْ بِالْحُكْمِ حَتَّى وَصَلَتْ بَلَدَهَا
فَلَوْ فُرِضَ أَنَّهَا وَصَلَتْ لِمَحَلٍّ وَعَجَزَتْ عَنْ الْوُصُولِ
لِمَكَّةَ وَهِيَ عَارِفَةٌ بِالْحُكْمِ فَتُحْلِلُ الْآنَ بِذَبْحٍ
وَتَقْصِيرٍ مَعَ نِيَّةٍ فِيهِمَا وَبَحَثَ بَعْضُهُمْ أَيْضًا أَنَّهَا
إذَا كَانَتْ شَافِعِيَّةً تُقَلِّدُ الْإِمَامَ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - أَوْ الْإِمَامَ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ فِي أَنَّهَا تَهْجُمُ وَتَطُوفُ
بِالْبَيْتِ وَيَلْزَمُهَا بَدَنَةٌ وَتَأْثَمُ بِدُخُولِهَا الْمَسْجِدَ
حَائِضًا وَيُجْزِيهَا هَذَا الطَّوَافُ عَنْ الْفَرْضِ لِمَا فِي
بَقَائِهَا عَلَى الْإِحْرَامِ مِنْ الْمَشَقَّةِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: أُمِرَ النَّاسُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالسِّينِ هَكَذَا
ضَبَطَهُ بِالْقَلَمِ اهـ شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: قَبْلَ مُفَارَقَةِ مَكَّةَ) أَيْ قَبْلَ مُفَارَقَةِ مَا لَا
يَجُوزُ قَصْرُ الصَّلَاةِ فِيهِ اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: وَيُجْبَرُ تَرْكُهُ بِدَمٍ) وَفِي طَوْفَةٍ مِنْهُ أَوْ
بَعْضِهَا دَمٌ كَامِلٌ وَغَلِطَ مَنْ قَالَ مُدٌّ كَتَرْكِ مَبِيتِ
لَيْلَةٍ أَوْ حَصَاةٍ وَعَلَى الْأَوَّلِ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الطَّوَافَ
لَمَّا أَشْبَهَ الصَّلَاةَ فِي أَكْثَرِ أَحْكَامِهِ كَانَ كَالْخَصْلَةِ
الْوَاحِدَةِ فَأُلْحِقَ تَرْكُ بَعْضِهِ بِتَرْكِ كُلِّهِ وَلَا كَذَلِكَ
ذَلِكَ هـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: لِتَرْكِهِ نُسُكًا وَاجِبًا) أَيْ عِبَادَةً وَاجِبَةً وَهَذَا
جَارٍ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَيْ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مِنْ
الْمَنَاسِكِ وَالْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْقَوْلَيْنِ
مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّهُ فِي ذَاتِهِ نُسُكٌ أَيْ عِبَادَةٌ وَكَوْنُهُ
نُسُكًا فِي ذَاتِهِ لَا يُنَافِي الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ
الْمَنَاسِكِ أَيْ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَسَقَطَ
مَا لِلْحَلَبِيِّ هُنَا.
(قَوْلُهُ: وَاسْتَثْنَى مِنْهُ) أَيْ مِنْ جَبْرِ تَرْكِهِ بِدَمٍ.
وَعِبَارَةُ حَجّ نَعَمْ الْمُتَحَيِّرَةُ لَا دَمَ عَلَيْهَا لِلشَّكِّ
فِي وُجُوبِهِ عَلَيْهَا بِاحْتِمَالِ كُلِّ زَمَنٍ يَمُرُّ عَلَيْهَا
لِلْحَيْضِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: الْبُلْقِينِيُّ) هُوَ أَبُو حَفْصٍ سِرَاجُ الدِّينِ عُمَرُ
بْنُ رَسْلَانَ الْبُلْقِينِيُّ نِسْبَةً إلَى بُلْقِينَةَ بِضَمِّ
الْبَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْقَافِ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى مِصْرَ
قُرْبَ الْمَحَلَّةِ الْكُبْرَى الْإِمَامُ الْمُجْتَهِدُ عَالِمُ عَصْرِهِ
وُلِدَ ثَانِيَ عَشَرَ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ
وَسَبْعِمِائَةٍ وَتَفَقَّهَ عَلَى التَّقِيِّ السُّبْكِيّ وَغَيْرِهِ
الْمُتَوَفَّى عَاشِرَ ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِمِائَةٍ
اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ عَادَ قَبْلَ مَسَافَةِ قَصْرٍ إلَخْ) وَالْعَوْدُ
وَاجِبٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إنْ أَمْكَنَهُ، أَمَّا إذَا عَادَ بَعْدَ
بُلُوغِهِ مَسَافَةَ الْقَصْرِ، سَوَاءٌ عَادَ مِنْهَا أَوْ بَعْدَهَا
وَإِنْ فَعَلَهُ أَيْ الطَّوَافَ فَلَا يَسْقُطُ الدَّمُ عَلَى الصَّحِيحِ
لِاسْتِقْرَارِهِ بِمَا ذُكِرَ وَالْعَوْدُ غَيْرُ وَاجِبٍ فِي هَذِهِ
الْحَالِ اهـ. حَجّ وَكَذَا إنْ عَادَ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَطَنَهُ وَلَوْ
دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ أَوْ مَا يُرِيدُ تَوَطُّنَهُ فِيهِ لَا
يَسْقُطُ الدَّمُ، وَفِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَيَظْهَرُ فِيمَنْ خَرَجَ
تَارِكًا لَهُ عَامِدًا عَالِمًا، وَقَدْ لَزِمَهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ
عَازِمًا عَلَى الْعَوْدِ لَهُ قَبْلَ مَرْحَلَتَيْنِ أَيْ قَبْلَ وُصُولِ
وَطَنِهِ لَمْ يَأْثَمْ وَإِلَّا أَثِمَ وَإِنْ عَادَ فَالْعَوْدُ مُسْقِطٌ
لِلدَّمِ لَا لِلْإِثْمِ اهـ. سم عَلَى حَجّ وَيَظْهَرُ أَيْضًا أَنَّهُ
يَأْتِي هُنَا فِي الْعَامِدِ الْعَالِمِ مَا بَحَثَهُ الْعَلَّامَةُ
عَبْدُ الرَّءُوفِ فِي تَرْكِ الْمِيقَاتِ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ
يَكُونَ قَصْدُهُ بِالْعَوْدِ التَّدَارُكَ لِأَجْلِ الْوَاجِبِ بِخِلَافِ
مَا إذَا عَادَ لِشُغْلٍ آخَرَ أَوَّلًا بِقَصْدِ شَيْءٍ بِخِلَافِ
النَّاسِي وَالْجَاهِلِ اهـ. ابْنُ الْجَمَّالِ.
(قَوْلُهُ: بَعْدَ فِرَاقِهِ بِلَا طَوَافٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ وَقْتُ
الْمُفَارَقَةِ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا بِوُجُوبِ الطَّوَافِ
اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: قَبْلَ مَسَافَةِ قَصْرٍ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ مُرَادُهُ
السَّفَرَ الطَّوِيلَ وَقَبْلَ بُلُوغِ نَحْوِ وَطَنِهِ فِيمَا إذَا كَانَ
وَطَنُهُ أَوْ الَّذِي يُرِيدُ تَوَطُّنَهُ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْ
(2/481)
وَطَافَ فَلَا دَمَ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ
فِي حُكْمِ الْمُقِيمِ وَكَمَا لَوْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ وَهُوَ غَيْرُ
مُحْرِمٍ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ وَقَوْلِي وَطَافَ مِنْ زِيَادَتِي وَقَوْلِي
فَلَا دَمَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ سَقَطَ الدَّمُ (وَإِنْ مَكَثَ بَعْدَهُ)
أَيْ بَعْدَ الطَّوَافِ وَلَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا بِقَيْدٍ زِدْته
بِقَوْلِي (لَا لِصَلَاةٍ أُقِيمَتْ أَوْ شُغْلِ سَفَرٍ) كَشِرَاءِ زَادٍ
وَشَدِّ رَحْلٍ (أَعَادَ) الطَّوَافَ بِخِلَافِ مَا إذَا مَكَثَ لِشَيْءٍ
مِنْ ذَلِكَ.
(وَسُنَّ شُرْبُ مَاءِ زَمْزَمَ) وَلَوْ لِغَيْرِ حَاجٍّ وَمُعْتَمِرٍ
لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَأَنْ يَتَضَلَّعَ مِنْهُ وَأَنْ
يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ عِنْدَ شُرْبِهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
مَكَّةَ وَتُعْتَبَرُ مَسَافَةُ الْقَصْرِ مِنْ مَكَّةَ لَا مِنْ آخِرِ
الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ الْوَدَاعَ لِلْبَيْتِ فَنَاسَبَ اعْتِبَارَ مَكَّةَ؛
لِأَنَّهَا أَقْرَبُ نِسْبَةً إلَيْهِ مِنْ الْحَرَمِ، وَقِيلَ مِنْ
الْحَرَمِ نَظِيرُ مَا يَأْتِي وَيَرُدُّهُ مَا تَقَرَّرَ مِنْ الْفَرْقِ.
اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: وَطَافَ) أَمَّا لَوْ عَادَ لِلطَّوَافِ فَمَاتَ قَبْلَ
الطَّوَافِ لَمْ يَسْقُطْ الدَّمُ عَنْهُ اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُقِيمِ) لَا يُنَافِي التَّعْلِيلَ
بِكَوْنِهِ فِي حُكْمِ الْمُقِيمِ تَسْوِيَتُهُمْ بَيْنَ السَّفَرِ
الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ فِي وُجُوبِ الْوَدَاعِ لِأَنَّ سَفَرَهُ هُنَا
لَمْ يَتِمَّ لِعَوْدِهِ بِخِلَافِ هُنَاكَ اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ مَكَثَ بَعْدَهُ) أَيْ فِي مَحَلٍّ لَا تُقْصَرُ فِيهِ
الصَّلَاةُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ نَاسِيًا) أَيْ لِوُجُوبِ الْخُرُوجِ عَقِبَ الطَّوَافِ
وَقَوْلُهُ أَوْ جَاهِلًا أَيْ بِمَا ذُكِرَ وَمِثْلُهَا الْمُكْرَهُ عَلَى
الْمُكْثِ.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَلَوْ مَكَثَ مُكْرَهًا بِأَنْ ضُبِطَ وَهُدِّدَ
بِمَا يَكُونُ إكْرَاهًا فَهَلْ الْحُكْمُ كَمَا لَوْ مَكَثَ مُخْتَارًا
فَيَبْطُلُ الْوَدَاعُ أَوْ نَقُولُ الْإِكْرَاهُ يُسْقِطُ أَثَرَ هَذَا
اللُّبْثِ فَإِذَا أُطْلِقَ وَانْصَرَفَ فِي الْحَالِ جَازَ وَلَا
يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ وَمِثْلُهُ لَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ عَقِبَ
الْوَدَاعِ أَوْ جُنَّ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ وَالْأَوْجَهُ لُزُومُ
الْإِعَادَةِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إنْ تَمَكَّنَ مِنْهَا وَإِلَّا فَلَا
انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: لَا لِصَلَاةٍ أُقِيمَتْ) أَيْ صَلَاةِ جَمَاعَةٍ كَمَا فِي
شَرْحِ حَجّ وَكَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمَتْنِ أُقِيمَتْ.
(قَوْلُهُ: أَيْضًا لَا لِصَلَاةٍ أُقِيمَتْ إلَخْ) أَيْ لِغَيْرِ صَلَاةٍ
أُقِيمَتْ وَغَيْرِ شُغْلِ سَفَرٍ وَذَلِكَ الْغَيْرُ كَعِبَادَةٍ وَإِنْ
قَلَّتْ وَقَضَاءِ دَيْنٍ وَصَلَاةِ جِنَازَةٍ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ
إطْلَاقُهُمْ، لَكِنَّ الْأَوْجَهَ بَلْ الْمَنْصُوصَ اغْتِفَارُ مَا
بِقَدْرِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَيْ أَقَلِّ مُمْكِنٍ مِنْهَا فِيمَا
يَظْهَرُ مِنْ سَائِرِ الْأَغْرَاضِ إذَا لَمْ يُعَرِّجْ لَهَا أَيْ
الْأَغْرَاضِ اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: وَسُنَّ شُرْبُ مَاءِ زَمْزَمَ) أَيْ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ؛
لِأَنَّهَا مُبَارَكَةٌ وَتُقَوِّي الْقَلْبَ وَهِيَ اسْمٌ لِلْبِئْرِ
الْمَشْهُورَةِ قَرِيبًا مِنْ الْبَيْتِ وَأَصْلُهَا مِنْ ضَرْبِ جِبْرِيلَ
الْأَرْضَ بِجَنَاحِهِ حِينَ عَطِشَتْ هَاجَرُ وَوَلَدُهَا إسْمَاعِيلُ
لَمَّا وَضَعَهَا إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
هُنَاكَ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمَّا فَاضَ مِنْهَا الْمَاءُ عَلَى
وَجْهِ الْأَرْضِ قَالَتْ لَهُ هَاجَرُ زُمَّ زُمَّ أَيْ اجْتَمِعْ يَا
مُبَارَكُ فَاجْتَمَعَ فَسُمِّيَتْ زَمْزَمَ، وَيُقَالُ لَهَا زُمَازِمُ
وَقِيلَ لِأَنَّ الْمَاءَ حِينَ خَرَجَ مِنْهَا سَاحَ يَمِينًا وَشِمَالًا
فَزُمَّ أَيْ مُنِعَ بِجَمْعِ التُّرَابِ حَوْلَهُ، وَرُوِيَ لَوْلَا
أُمُّكُمْ هَاجَرُ حَوَّطَتْ عَلَيْهَا لَمَلَأَتْ أَوْدِيَةَ مَكَّةَ،
وَقِيلَ لِأَنَّهُ سُمِعَ مِنْهَا حِينَئِذٍ صَوْتٌ يُشْبِهُ صَوْتَ
الْفَرَسِ عِنْدَ شُرْبِهَا الْمُسَمَّى بِذَلِكَ وَلَهَا أَسْمَاءٌ
كَثِيرَةٌ زَمْزَمُ وَهِزْمَةُ جِبْرِيلَ وَسُقْيَا اللَّهِ إسْمَاعِيلَ
وَبَرَكَةٌ وَسَيِّدَةٌ وَنَافِعَةٌ وَمَصُونَةٌ وَعَوْنَةٌ وَبُشْرَى
وَصَاحِبَةٌ وَبَرَّةٌ وَعِصْمَةٌ وَسَالِمَةٌ وَمَيْمُومَةٌ وَمُعْذِبَةٌ
وَكَافِيَةٌ وَطَاهِرَةٌ وَحَرَمِيَّةٌ وَمُرُورِيَّةٌ وَمُؤْنِسَةٌ
وَطَيِّبَةٌ وَشَبَّاعَةُ الْعِيَالِ وَطَعَامُ طُعْمٍ وَشِفَاءُ سَقَمٍ،
وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُغْنِي عَنْ الْمَطْعُومَاتِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ
يُشْبِعُ وَشِفَاءُ سَقَمٍ أَيْ شُرْبُ مَائِهَا يَشْفِي مِنْ السَّقَامِ
وَهُوَ مِنْ مَاءِ الْجَنَّةِ وَأَفْضَلُ الْمِيَاهِ بَعْدَمَا نَبَعَ مِنْ
بَيْنِ أَصَابِعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا تَقَدَّمَ
فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
وَعِبَارَةُ حَجّ وَسُنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ شُرْبُ مَاءِ زَمْزَمَ لِمَا فِي
خَبَرِ مُسْلِمٍ «أَنَّهَا مُبَارَكَةٌ وَأَنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ» أَيْ
فِيهَا قُوَّةُ الِاغْتِذَاءِ الْأَيَّامَ الْكَثِيرَةَ لَكِنْ مَعَ
الصِّدْقِ كَمَا وَقَعَ لِأَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -
بَلْ نَمَا لَحْمُهُ وَزَادَ سِمَنُهُ زَادَ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ
وَشِفَاءُ سَقَمٍ أَيْ حِسِّيٍّ أَوْ مَعْنَوِيٍّ، وَمِنْ ثَمَّ سُنَّ
لِكُلِّ أَحَدٍ شُرْبُهُ وَأَنْ يَقْصِدَ بِهِ نَيْلَ مَطْلُوبَاتِهِ
الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ لِخَبَرِ «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا
شُرِبَ لَهُ» سَنَدُهُ حَسَنٌ، بَلْ صَحِيحٌ كَمَا قَالَهُ أَئِمَّةٌ
وَبِهِ يُرَدُّ عَلَى مَنْ طَعَنَ فِيهِ بِمَا لَا يُجْدِي وَيُسَنُّ
عِنْدَ إرَادَةِ شُرْبِهِ الِاسْتِقْبَالُ وَالْجُلُوسُ وَقِيَامُهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبَيَانِ الْجَوَازِ، ثُمَّ
اللَّهُمَّ إنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَك مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» اللَّهُمَّ
إنِّي أَشْرَبُهُ لِكَذَا اللَّهُمَّ فَافْعَلْ بِي ذَلِكَ بِفَضْلِك،
ثُمَّ يُسَمِّي اللَّهَ تَعَالَى وَيُسِرُّ بِهِ وَيَتَنَفَّسُ ثَلَاثًا
وَأَنْ يَتَضَلَّعَ أَيْ يَمْتَلِئَ وَيُكْرَهُ تَنَفُّسُهُ عَلَيْهِ
لِخَبَرِ ابْنِ مَاجَهْ «آيَةُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُنَافِقِينَ
أَنَّهُمْ لَا يَتَضَلَّعُونَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ» وَأَنْ يَنْقُلَهُ إلَى
وَطَنِهِ اسْتِشْفَاءً وَتَبَرُّكًا لَهُ وَلِغَيْرِهِ انْتَهَتْ.
وَقَوْلُهُ لِمَا شُرِبَ لَهُ هُوَ شَامِلٌ لِمَا لَوْ شَرِبَهُ بِغَيْرِ
مَحَلِّهِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالشَّارِبِ نَفْسِهِ فَلَا
يَتَعَدَّاهُ إلَى غَيْرِهِ وَيُحْتَمَلُ تَعَدِّي ذَلِكَ إلَى الْغَيْرِ
فَإِذَا شَرِبَهُ إنْسَانٌ بِقَصْدِ وَلَدِهِ وَأَخِيهِ مَثَلًا حَصَلَ
لَهُ ذَلِكَ الْمَطْلُوبُ وَلَا مَانِعَ مِنْهُ إذَا شَرِبَ بِنِيَّةٍ
صَادِقَةٍ وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ الشَّوْبَرِيِّ مَا
يُخَالِفُ مَا ذَكَرْنَاهُ فَلْيُرَاجَعْ وَعِبَارَتُهُ فِي هَوَامِشِ
فَتَاوَى حَجّ الْفِقْهِيَّةِ الْكُبْرَى نَصُّهَا قَوْلُهُ «مَاءُ
زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» إلَخْ هَلْ وَلَوْ كَانَ طَلَبُ التَّحْصِيلِ
بِهِ لِغَيْرِ شَارِبِهِ بِأَنْ شَرِبَ لِيَحْصُلَ لِوَلَدِهِ الْعِلْمُ
أَوْ الشِّفَاءُ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَنْ يَكُونُ لَهُ وِلَايَةٌ أَوْ
وَكَالَةٌ بِأَنْ وَكَّلَ فِي ذَلِكَ وَبَيْنَ غَيْرِ مَنْ ذُكِرَ وَلَيْسَ
مُوَافِقًا لِمَا نُقِلَ عَنْهُ اهـ. ع ش عَلَى م ر.
وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ وَيُسَنُّ أَنْ يَنْوِيَ حَالَ
(2/482)
(وَزِيَارَةُ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَلَوْ لِغَيْرِ حَاجٍّ وَمُعْتَمِرٍ وَإِنْ
أَوْهَمَ كَلَامُ الْأَصْلِ فِيهِ وَفِيمَا قَبْلَهُ خِلَافَهُ وَذَلِكَ
لِخَبَرِ «مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ
الْجَنَّةِ وَمِنْبَرِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
شُرْبِهِ مَا شَاءَ مِنْ جَلْبِ نَفْعٍ أَوْ زَوَالِ مَرَضٍ وَأَنْ يَقُولَ
اللَّهُمَّ إنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ
لَهُ» وَأَنَا أَشْرَبُهُ لِكَذَا وَيَذْكُرَ مَا يُرِيدُ مِنْ أُمُورِ
الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اللَّهُمَّ فَافْعَلْ، ثُمَّ يُسَمِّي اللَّهَ
تَعَالَى وَيَشْرَبُ وَيَتَنَفَّسُ ثَلَاثًا كُلَّمَا شَرِبَ وَكَانَ ابْنُ
عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إذَا شَرِبَهُ يَقُولُ اللَّهُمَّ
إنِّي أَسْأَلُك عِلْمًا نَافِعًا وَرِزْقًا وَاسِعًا وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ
دَاءٍ وَقَدْ شَرِبَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَنَالُوا
مَطْلُوبَهُمْ وَيُسَنُّ الدُّخُولُ إلَى الْبِئْرِ وَالنَّظَرُ فِيهَا
وَأَنْ يَنْزِعَ بِالدَّلْوِ الَّذِي عَلَيْهَا وَيَشْرَبَ وَأَنْ يَنْضَحَ
مِنْهُ عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَصَدْرِهِ وَأَنْ يَتَزَوَّدَ مِنْ
مَائِهَا وَيَسْتَصْحِبَ مِنْهُ مَا أَمْكَنَهُ بَلْ يُنْدَبُ ذَلِكَ،
وَمَا قِيلَ إنَّهُ يُبَدَّلُ فَمِنْ خُرَافَاتِ الْعَوَامّ وَيُسَنُّ أَنْ
يَشْرَبَ مِنْ نَبِيذِ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ مَا لَمْ يُسْكِرْ وَأَنْ
يَخْتِمَ الْقُرْآنَ بِمَكَّةَ وَأَنْ يَنْصَرِفَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ
مُسْتَدْبِرَ الْبَيْتِ وَيُكْثِرَ الِالْتِفَاتَ إلَى أَنْ يَغِيبَ عَنْهُ
كَالْمُتَحَزِّنِ الْمُتَأَسِّفِ عَلَى فِرَاقِهِ، وَيَقُولُ عِنْدَ
خُرُوجِهِ مِنْ مَكَّةَ اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ
وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى
كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ عَابِدُونَ سَائِحُونَ لِرَبِّنَا
حَامِدُونَ صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَأَعَزَّ جُنْدَهُ
وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: وَزِيَارَةُ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -) أَيْ لِأَنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ، بَلْ قَالَ
الْعَبْدَرِيُّ الْمَالِكِيُّ إنَّ قَصْدَ زِيَارَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مِنْ قَصْدِ الْكَعْبَةِ وَمِنْ بَيْتِ
الْمَقْدِسِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَيُسَنُّ أَنْ يَأْتِيَ سَائِرَ
الْمَشَاهِدِ بِالْمَدِينَةِ وَهِيَ نَحْوُ ثَلَاثِينَ مَوْضِعًا
يَعْرِفُهَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَيُسَنُّ زِيَارَةُ الْبَقِيعِ وَقُبَاءَ
وَأَنْ يَأْتِيَ بِئْرَ أَرِيسٍ فَيَشْرَبَ مِنْهَا وَيَتَوَضَّأَ
وَكَذَلِكَ بَقِيَّةَ الْآبَارِ السَّبْعَةِ وَقَدْ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ
فَقَالَ:
أَرِيسٌ وَغَرْسٌ رُومَةٌ وَبُضَاعَةٌ ... كَذَا بَضَّهْ قُلْ بِئْرُ
جَامِعِ الْعِهْنِ
وَيَنْبَغِي الْمُحَافَظَةُ عَلَى الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِهِ الَّذِي كَانَ
فِي زَمَنِهِ فَالصَّلَاةُ فِيهِ بِأَلْفِ صَلَاةٍ وَلْيَحْذَرْ مِنْ
الطَّوَافِ بِقَبْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَمِنْ
الصَّلَاةِ دَاخِلَ الْحُجْرَةِ بِقَصْدِ تَعْظِيمِهِ وَيُكْرَهُ إلْصَاقُ
الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ بِجِدَارِ الْقَبْرِ كَرَاهَةً شَدِيدَةً وَمَسْحُهُ
بِالْيَدِ وَتَقْبِيلُهُ بَلْ الْأَدَبُ أَنْ يَبْعُدَ عَنْهُ كَمَا لَوْ
كَانَ بِحَضْرَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَيَاتِهِ
وَيُسَنُّ أَنْ يَصُومَ بِالْمَدِينَةِ مَا أَمْكَنَهُ وَأَنْ يَتَصَدَّقَ
عَلَى جِيرَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
الْمُقِيمِينَ وَالْغُرَبَاءِ بِمَا أَمْكَنَهُ اهـ. شَرْحُ م ر،
وَقَوْلُهُ وَتَقْبِيلُهُ ظَاهِرَهُ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ التَّعْظِيمَ
لَكِنْ مَرَّ فِي الْجَنَائِزِ بَعْدَ نَقْلِ كَرَاهَةِ تَقْبِيلِ
التَّابُوتِ مَا نَصُّهُ نَعَمْ إنْ قَصَدَ بِتَقْبِيلِ أَضْرِحَتِهِمْ
التَّبَرُّكَ لَمْ يُكْرَهْ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ
اللَّهُ تَعَالَى - فَيُحْتَمَلُ مَجِيءُ ذَلِكَ هُنَا وَيُحْتَمَلُ
الْفَرْقُ بِأَنَّهُمْ حَافَظُوا عَلَى التَّبَاعُدِ عَنْ التَّشَبُّهِ
بِالنَّصَارَى هُنَا حَيْثُ بَالَغُوا فِي تَعْظِيمِ عِيسَى - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - حَتَّى ادَّعَوْا فِيهِ مَا ادَّعَوْا وَمِنْ ثَمَّ حَذَّرُوا
كُلَّ التَّحْذِيرِ مِنْ الصَّلَاةِ دَاخِلَ الْحُجْرَةِ بِقَصْدِ
التَّعْظِيمِ اهـ. ع ش عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الْأَصْلِ فِيهِ) أَيْ فِي غَيْرِ
الْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِ وَفِيمَا قَبْلَهُ أَيْ قَبْلَ الْغَيْرِ
الْمَذْكُورِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ هُوَ الْحَاجُّ وَالْمُعْتَمِرُ
وَكَوْنُهُمَا قَبْلَهُ بِمُقْتَضَى الْفَهْمِ مِنْ الْغَايَةِ إذْ
تَقْدِيرُ الْكَلَامِ لِلْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِ وَغَيْرِهِمَا وَاَلَّذِي
أَوْهَمَهُ كَلَامُ الْأَصْلِ فِي الْغَيْرِ عَدَمُ سَنِّهَا لَهُ وَفِي
الْمُعْتَمِرِ عَدَمُ سَنِّهَا لَهُ أَيْضًا وَأَوْهَمَ فِي الْحَاجِّ
أَنَّهَا لَا تُسَنُّ لَهُ قَبْلَ فَرَاغِ حَجِّهِ؛ لِأَنَّهُ قَيْدٌ
فَقَالَ وَزِيَارَةُ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - بَعْدَ فَرَاغِ الْحَجِّ فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهَا لَا
تُسَنُّ قَبْلَ فَرَاغِهِ مَعَ أَنَّهَا تُسَنُّ فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ،
وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهَا لَا تُسَنُّ لِلْمُعْتَمِرِ وَلَا لِغَيْرِ
الْحَاجِّ وَالْمُعْتَمِرِ مِنْ أَنَّهَا تُسَنُّ لَهُمَا أَيْضًا.
وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَسُنَّ شُرْبُ مَاءِ زَمْزَمَ وَزِيَارَةُ قَبْرِ
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ فَرَاغِ
الْحَجِّ انْتَهَتْ وَأَجَابَ عَنْهُ حَجّ بِقَوْلِهِ وَمَا أَوْهَمَتْهُ
عِبَارَتُهُ مِنْ قَصْرِ نَدْبِ الزِّيَارَةِ وَالشُّرْبِ عَلَى الْحَاجِّ
غَيْرُ مُرَادٍ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهَا لِلْحَجِيجِ آكَدُ؛ لِأَنَّ
تَرْكَهُمْ لَهَا وَقَدْ أَتَوْا مِنْ أَقْطَارٍ بَعِيدَةٍ وَقَرُبُوا مِنْ
الْمَدِينَةِ قَبِيحٌ جِدًّا كَمَا يَدُلُّ لَهُ خَبَرُ «مَنْ حَجَّ وَلَمْ
يَزُرْنِي فَقَدْ جَفَانِي» وَإِنْ كَانَ فِي سَنَدِهِ مَقَالٌ اهـ
بِحُرُوفِهِ.
(قَوْلُهُ: مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي إلَخْ) فِي دَلَالَةِ هَذَا
وَمَا بَعْدَهُ عَلَى الْمُدَّعَى نَوْعُ خَفَاءٍ وَقَدْ اسْتَدَلَّ م ر
بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ زَارَ قَبْرِي
وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي» اهـ. شَيْخُنَا وَالْمُرَادُ مِنْ تَسْمِيَةِ
تِلْكَ الْبُقْعَةِ رَوْضَةً أَنَّ تِلْكَ الْبُقْعَةِ تُنْقَلُ إلَى
الْجَنَّةِ فَتَكُونُ مِنْ رِيَاضِهَا أَوْ أَنَّهُ عَلَى الْمَجَازِ
لِكَوْنِ الْعِبَادَةِ فِيهِ تَؤَوَّلُ إلَى دُخُولِ الْعَابِدِ رَوْضَةَ
الْجَنَّةِ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا اخْتِصَاصَ لِذَلِكَ بِتِلْكَ
الْبُقْعَةِ وَالْخَبَرُ مَسُوقٌ لِمَزِيدِ شَرَفِهَا عَلَى غَيْرِهَا،
وَقِيلَ فِيهِ تَشْبِيهٌ بِحَذْفِ الْأَدَاةِ أَيْ كَرَوْضَةٍ؛ لِأَنَّ
مَنْ يَقْعُدُ فِيهَا مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَمُؤْمِنِي الْإِنْسِ
وَالْجِنِّ يُكْثِرُونَ الذِّكْرَ وَسَائِرَ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ اهـ.
فَتْحُ الْبَارِي اهـ. شَوْبَرِيٌّ
(2/483)
عَلَى حَوْضِي» وَخَبَرِ «لَا تُشَدُّ
الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَمَسْجِدِي هَذَا» ، رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ
وَسُنَّ لِمَنْ قَصَدَ الْمَدِينَةَ الشَّرِيفَةَ لِزِيَارَتِهِ أَنْ
يُكْثِرَ فِي طَرِيقِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا رَأَى حَرَمَ الْمَدِينَةِ
وَأَشْجَارَهَا زَادَ فِي ذَلِكَ وَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ
يَنْفَعَهُ بِهَذِهِ الزِّيَارَةِ وَيَتَقَبَّلَهَا مِنْهُ، وَيَغْتَسِلُ
قَبْلَ دُخُولِهِ وَيَلْبَسُ أَنْظَفَ ثِيَابِهِ فَإِذَا دَخَلَ
الْمَسْجِدَ قَصَدَ الرَّوْضَةِ وَهِيَ بَيْنَ قَبْرِهِ وَمِنْبَرِهِ كَمَا
مَرَّ وَصَلَّى تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ بِجَانِبِ الْمِنْبَرِ وَشَكَرَ
اللَّهَ تَعَالَى بَعْدَ فَرَاغِهَا عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ ثُمَّ وَقَفَ
مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ مُسْتَقْبِلَ رَأْسِ الْقَبْرِ الشَّرِيفِ
وَيَبْعُدُ مِنْهُ نَحْوَ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ نَاظِرًا لِأَسْفَلَ مَا
يَسْتَقْبِلُهُ فَارِغَ الْقَلْبِ مِنْ عُلَقِ الدُّنْيَا وَيُسَلِّمُ
بِلَا رَفْعِ صَوْتٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ قَوْلُهُ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ أَيْ
قِطْعَةٌ مِنْ أَرْضِ الْجَنَّةِ أَوْ الْعَمَلُ فِيهَا كَالْعَمَلِ فِي
رِيَاضِ الْجَنَّةِ أَوْ مُوصِلٌ إلَى رِيَاضِ الْجَنَّةِ أَوْ أَنَّهَا
سَتَكُونُ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ أَوْ الْجَالِسُ فِيهَا يَرَى مِنْ
الرَّاحَةِ مَا يَرَاهُ الْجَالِسُ فِي رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَعَلَى كُلِّ
حَالٍ يَحْنَثُ مَنْ جَلَسَ فِيهَا وَحَلَفَ أَنَّهُ جَالِسٌ فِي
الْجَنَّةِ انْتَهَتْ وَهَذَا الْمُبَيَّنُ أَرْبَعُ أُسْطُوَانَاتٍ مِنْ
عِنْدِ الْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ وَيَنْتَهِي إلَى الْمِنْبَرِ فَيَكُونُ
قَدْرَ أُسْطُوَانَةٍ وَشَيْءٍ يَسِيرٍ فَالرَّوْضَةُ قَرِيبَةٌ مِنْ
شَكْلِ الْمُثَلَّثِ كَمَا ذَكَرَهُ السَّيِّدُ السَّمْهُودِيُّ فِي
تَارِيخِ الْمَدِينَةِ.
(قَوْلُهُ: عَلَى حَوْضِي) يَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الْآنَ
وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ يُنْقَلُ إلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ
الْكَوْثَرُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: فَإِذَا رَأَى حَرَمَ الْمَدِينَةِ إلَخْ) وَحَدُّ حَرَمِ
الْمَدِينَةِ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا
عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الْمَدِينَةُ حَرَمُ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إلَى
ثَوْرٍ» ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ وَغَيْرُهُ مِنْ
أَهْلِ الْعِلْمِ عَيْرٌ جَبَلٌ بِالْمَدِينَةِ، وَأَمَّا ثَوْرٌ فَلَا
يَعْلَمُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بِهَا جَبَلًا يُقَالُ لَهُ ثَوْرٌ
وَإِنَّمَا ثَوْرٌ بِمَكَّةَ قَالَ فَيُرَى أَنَّ أَصْلَ الْحَدِيثِ مَا
بَيْنَ عَيْرٍ إلَى أُحُدٍ، وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْحَازِمِيُّ
فِي كِتَابِهِ الْمُؤَلَّفِ فِي أَسْمَاءِ الْأَمَاكِنِ فِي الْحَدِيثِ
«حَرَمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا بَيْنَ
عَيْرٍ إلَى أُحُدٍ» قَالَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ، وَقِيلَ إلَى
ثَوْرٍ قَالَ وَلَيْسَ لَهُ مَعْنَى وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ
أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ لَوْ رَأَيْت الظِّبَاءَ بِالْمَدِينَةِ
تَرْتَعُ مَا دَعَوْتهَا قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا حَرَامٌ» وَكَذَا رَوَاهُ
جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي الصَّحِيحِ وَاللَّابَتَانِ
الْحَرَّتَانِ. اهـ. إيضَاحٌ وَقَالَ الدَّمِيرِيُّ فِي شَرْحِ
الْمِنْهَاجِ وَحَدُّ حَرَمِهَا عَرْضًا مَا بَيْنَ حَرَّتَيْهَا السُّودِ
وَطُولًا مَا بَيْنَ عَيْرٍ وَثَوْرٍ وَهُوَ جَبَلٌ صَغِيرٌ مِنْ وَرَاءِ
أُحُدٍ يَعْرِفُهُ أَهْلُهَا اهـ. بِحُرُوفِهِ.
(قَوْلُهُ: وَيَغْتَسِلُ قَبْلَ دُخُولِهِ) وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّ
هَذَا الْغُسْلَ لَا يَفُوتُ بِالدُّخُولِ، بَلْ يُنْدَبُ لَهُ تَدَارُكُهُ
بَعْدَهُ اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَيَلْبَسُ أَنْظَفَ ثِيَابِهِ) وَهَلْ الْأَوْلَى هُنَا
الْأَعْلَى قِيمَةً كَالْعِيدِ أَوْ الْأَبْيَضِ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ،
وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي إذْ هُوَ أَلْيَقُ بِالتَّوَاضُعِ الْمَطْلُوبِ
ثُمَّ رَأَيْت التَّصْرِيحَ بِأَنَّهُ يُنْدَبُ الْبَيَاضُ لِلذَّهَابِ
إلَى أَيِّ مَسْجِدٍ كَانَ وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته؛ لِأَنَّ هَذَا
اللُّبْسَ إنَّمَا طُلِبَ لِيَكُونَ دُخُولُهُ الْمَسْجِدَ الشَّرِيفَ
وَوُقُوفُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى
أَكْمَلِ الْأَحْوَالِ اهـ. حَجّ فِي الْجَوْهَرِ الْمُنَظَّمِ اهـ.
شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ وَقَفَ إلَخْ) أَيْ ثُمَّ ذَهَبَ إلَى مَحَلِّ
الْمُوَاجَهَةِ وَوَقَفَ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: وَيَبْعُدُ مِنْهُ نَحْوَ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ) وَيُكْرَهُ
إلْصَاقُ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ بِجُدْرَانِ الْقَبْرِ قَالَهُ
الْحَلِيمِيُّ وَغَيْرُهُ قَالُوا وَيُكْرَهُ مَسْحُهُ بِالْيَدِ
وَتَقْبِيلُهُ بَلْ الْأَدَبُ أَنْ يَبْعُدَ عَنْهُ كَمَا يَبْعُدُ مِنْهُ
لَوْ حَضَرَ فِي حَيَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا
هُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ الْعُلَمَاءُ وَأَطْبَقُوا
عَلَيْهِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُغْتَرَّ بِكَثِيرٍ مِنْ الْعَوَامّ فِي
مُخَالَفَتِهِمْ ذَلِكَ فَإِنَّ الِاقْتِدَاءَ وَالْعَمَلَ إنَّمَا يَكُونُ
بِأَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مُحْدَثَاتِ الْعَوَامّ
وَجَهَالَاتِهِمْ وَلَقَدْ أَحْسَنَ السَّيِّدُ الْجَلِيلُ أَبُو عَلِيٍّ
الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ فِي قَوْلِهِ مَا مَعْنَاهُ اتَّبِعْ طُرُقَ
الْهُدَى وَلَا يَضُرَّك قِلَّةُ السَّالِكِينَ وَإِيَّاكَ وَطُرُقَ
الضَّلَالَةِ وَلَا تَغْتَرَّ بِكَثْرَةِ الْهَالِكِينَ وَمَنْ خَطَرَ
بِبَالِهِ أَنَّ الْمَسْحَ بِالْيَدِ وَنَحْوِهِ أَبْلَغُ فِي الْبَرَكَةِ
فَهُوَ مِنْ جَهَالَتِهِ وَغَفْلَتِهِ؛ لِأَنَّ الْبَرَكَةَ إنَّمَا هِيَ
فِيمَا وَافَقَ الشَّرْعَ وَأَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ وَكَيْفَ يَنْبَغِي
الْفَضْلُ فِي مُخَالَفَةِ الصَّوَابِ اهـ. إيضَاحٌ.
(قَوْلُهُ: وَيُسَلِّمُ) أَيْ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لِخَبَرِ «مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إلَّا رَدَّ
اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ» وَلِخَبَرِ
«مَنْ صَلَّى عَلَيَّ عِنْدَ قَبْرِي وَكَّلَ اللَّهُ بِي مَلَكًا
يُبَلِّغُنِي وَكُفِيَ أَمْرَ دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ وَكُنْت لَهُ شَفِيعًا
أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» اهـ. شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ وَكَّلَ
اللَّهُ بِي مَلَكًا إلَخْ قَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ لَا يَسْمَعُهُ بِلَا
وَاسِطَةِ الْمَلَكِ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ
أَنَّهُ يَسْمَعُ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَبْرِ بِلَا وَاسِطَةٍ
سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ أَوْ غَيْرُهَا فَيُمْكِنُ حَمْلُ
مَا هُنَا عَلَى أَنَّهُ يُبَلَّغُ ذَلِكَ مَعَ السَّمَاعِ ثُمَّ رَأَيْت
فِي حَجّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالْجَوْهَرِ الْمُنَظَّمِ فِي
زِيَارَةِ الْقَبْرِ الْمُعَظَّمِ مَا نَصُّهُ (تَنْبِيهٌ)
يُجْمَعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الظَّاهِرَةِ التَّعَارُضِ بِبَادِئِ
الرَّأْيِ وَأَحَادِيثَ أُخَرَ وَرَدَتْ بِمَعْنَاهَا أَوْ قَرِيبٍ مِنْهُ
بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُبَلَّغُ الصَّلَاةَ
وَالسَّلَامَ إذَا صَدَرَا مِنْ بُعْدٍ وَيَسْمَعُهُمَا إذَا كَانَا عِنْدَ
قَبْرِهِ الشَّرِيفِ بِلَا وَاسِطَةٍ وَإِنْ وَرَدَ أَنَّهُ يُبَلَّغُهُمَا
هُنَا أَيْضًا كَمَا مَرَّ إذْ لَا مَانِعَ أَنَّ مَنْ عِنْدَ قَبْرِهِ
يُخَصُّ بِأَنَّ الْمَلَكَ يُبَلِّغُ صَلَاتَهُ وَسَلَامَهُ مَعَ سَمَاعِهِ
لَهُمَا إشْعَارًا بِمَزِيدِ خُصُوصِيَّتِهِ وَالِاعْتِنَاءِ بِشَأْنِهِ
وَالِاسْتِمْدَادِ لَهُ بِذَلِكَ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ لَيْلَةُ
الْجُمُعَةِ وَغَيْرُهَا إذْ الْمُقَيَّدُ يُقْضَى بِهِ عَلَى الْمُطْلَقِ
وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ الَّتِي ظَاهِرُهَا التَّعَارُضُ وَاجِبٌ
حَيْثُ أَمْكَنَ وَأَفْتَى النَّوَوِيُّ فِيمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ
الثَّلَاثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
(2/484)
وَأَقَلُّهُ السَّلَامُ عَلَيْك يَا
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْك وَسَلَّمَ ثُمَّ يَتَأَخَّرُ
صَوْبَ يَمِينِهِ قَدْرَ ذِرَاعٍ فَيُسَلِّمُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ
يَتَأَخَّرُ قَدْرَ ذِرَاعٍ فَيُسَلِّمُ عَلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا - ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى مَوْقِفِهِ الْأَوَّلِ قُبَالَةَ وَجْهِ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَتَوَسَّلُ بِهِ فِي
حَقِّ نَفْسِهِ وَيَسْتَشْفِعُ بِهِ إلَى رَبِّهِ ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ
الْقِبْلَةَ وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ لِنَفْسِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ وَإِذَا
أَرَادَ السَّفَرَ وَدَّعَ الْمَسْجِدَ بِرَكْعَتَيْنِ وَأَتَى الْقَبْرَ
الشَّرِيفَ وَأَعَادَ نَحْوَ السَّلَامِ الْأَوَّلِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
يَسْمَعُ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ هَلْ يَحْنَثُ أَوْ لَا بِأَنَّهُ لَا
يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْحِنْثِ لِلشَّكِّ فِي ذَلِكَ وَالْوَرَعُ أَنَّهُ
يَلْتَزِمُ. اهـ. وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ اهـ. ع ش عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَأَقَلُّهُ السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ)
وَأَكْمَلُهُ السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْك
يَا نَبِيَّ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْك يَا حَبِيبَ اللَّهِ، أَشْهَدُ
أَنَّكَ رَسُولَ اللَّهِ حَقًّا بَلَّغْت الرِّسَالَةَ وَأَدَّيْت
الْأَمَانَةَ وَنَصَحْت الْأُمَّةَ وَكَشَفْت الْغُمَّةَ وَجَلَوْت
الظُّلْمَةَ وَجَاهَدْت فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ جَزَاك اللَّهُ عَنَّا
أَفْضَلَ مَا جُوزِيَ نَبِيٌّ عَنْ أُمَّتِهِ وَعَلَى آلِكَ وَأَصْحَابِك
وَأَزْوَاجِك وَأَهْلِ بَيْتِك أَجْمَعِينَ وَيَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ:
السَّلَامُ عَلَيْك مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ إنْ كَانَ قَدْ حَمَّلَهُ
السَّلَامَ عَلَيْهِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ، وَلَوْ قَالَ لَهُ إنْسَانٌ
سَلِّمْ لِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ كَمَا يَجِبُ أَنْ يُسَلِّمَ
عَلَى مَنْ قَالَ لَهُ سَلِّمْ لِي عَلَى فُلَانٍ أَوْ يُفَرَّقُ،
وَالْفَرْقُ أَقْرَبُ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّلَامِ مَا
بَيْنَ النَّاسِ التَّوَدُّدُ وَالْمَحَبَّةُ وَالْمُرَادُ بِالسَّلَامِ
عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشَّفَاعَةُ وَلَا يَجِبُ
عَلَى الْمُرِيدِ أَنْ يَشْفَعَ لَهُ عِنْدَهُ اهـ. كَذَا بِهَامِشٍ عَنْ
حَجّ فِي كُتُبِهِ وَعِبَارَتُهُ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالدُّرِّ
الْمُنَظَّمِ فِي زِيَارَةِ الْقَبْرِ الْمُعَظَّمِ نَصُّهَا: وَأَمَّا
إرْسَالُ السَّلَامِ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَالْقَصْدُ مِنْهُ الِاسْتِمْدَادُ مِنْهُ وَعَوْدُ الْبَرَكَةِ عَلَى
الْمُسَلِّمِ فَتَرْكُهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا عَدَمُ اكْتِسَابِ فَضِيلَةٍ
لِلْغَيْرِ فَلَمْ يَكُنْ لِتَحْرِيمِهِ سَبَبٌ يَقْتَضِيهِ فَاتَّجَهَ
أَنَّ ذَلِكَ التَّبْلِيغَ سُنَّةٌ لَا وَاجِبٌ فَإِنْ قُلْت صَرَّحُوا
بِأَنَّ تَفْوِيتَ الْفَضَائِلِ عَلَى الْغَيْرِ حَرَامٌ كَإِزَالَةِ دَمِ
الشَّهِيدِ قُلْت هَذَا اشْتِبَاهٌ إذْ فَرْقٌ وَاضِحٌ بَيْنَ عَدَمِ
اكْتِسَابِ الْفَضِيلَةِ لِلْغَيْرِ وَتَفْوِيتِ الْفَضِيلَةِ الْحَاصِلَةِ
عَلَى الْغَيْرِ فَمِنْ ثَمَّ جَازَ هَذَا التَّفْوِيتُ وَلَمْ يَحْرُمْ
بِتَرْكِ ذَلِكَ الِاكْتِسَابِ فَافْهَمْ اهـ.
وَفِيمَا عَلَّلَ بِهِ وَقْفَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ لَيْسَ شَافِعًا،
بَلْ مَأْمُورٌ بِالتَّبْلِيغِ لِمَنْ يَشْفَعُ فَحَيْثُ الْتَزَمَ ذَلِكَ
وَلَمْ يَرُدَّهُ، فَالْقِيَاسُ وُجُوبُ التَّبْلِيغِ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ
الْتَزَمَ إيصَالَهَا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. ع ش
عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: فَيُسَلِّمُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ) أَيْ فَيَقُولُ السَّلَامُ
عَلَيْك يَا أَبَا بَكْرٍ جَزَاك اللَّهُ عَنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْرًا وَرَأْسُهُ عِنْدَ مَنْكِبِهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مُقَابَلَتِهِ مِنْ وَرَاءِ
ظَهْرِهِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: عَلَى عُمَرَ) أَيْ فَيَقُولُ مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ وَرَأْسُهُ
عِنْدَ مَنْكِبِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى مِثْلِ مَا
ذَكَرَ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَيَسْتَشْفِعُ بِهِ إلَى رَبِّهِ) وَمِنْ أَحْسَنِ مَا يَقُولُ
مَا حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ الْعُتْبِيِّ مُسْتَحْسِنِينَ لَهُ قَالَ
كُنْت جَالِسًا عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ
اللَّهِ سَمِعْت قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا
أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ
الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء: 64] ، وَقَدْ
جِئْتُك مُسْتَغْفِرًا مِنْ ذَنْبِي مُسْتَشْفِعًا بِك إلَى رَبِّي، ثُمَّ
أَنْشَأَ يَقُولُ:
يَا خَيْرَ مَنْ دُفِنْتَ فِي الْقَاعِ أَعْظَمُهُ ... فَطَابَ مِنْ
طِيبِهِنَّ الْقَاعُ وَالْأَكَمُ
نَفْسِي الْفِدَاءُ لِقَبْرٍ أَنْتَ سَاكِنُهُ ... فِيهِ الْعَفَافُ
وَفِيهِ الْجُودُ وَالْكَرْمُ
قَالَ ثُمَّ انْصَرَفَ فَحَمَلَتْنِي عَيْنَايَ فَرَأَيْت النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّوْمِ، فَقَالَ يَا عُتْبِيُّ
الْحَقْ الْأَعْرَابِيَّ فَبَشِّرْهُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ غَفَرَ
لَهُ اهـ. إيضَاحٌ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ) أَيْ بِحَيْثُ لَا يَصِيرُ
مُسْتَدْبِرًا لِلْقَبْرِ الشَّرِيفِ بِأَنْ يَبْعُدَ عَنْ الْمَقْصُورَةِ
نَحْوَ الرَّوْضَةِ مُرَاعَاةً لِلْأَدَبِ أَخْذًا مِمَّا قِيلَ فِي
الْإِمَامِ إذَا صَلَّى فِي مِحْرَابِهِ لَا يَجْعَلُ يَسَارَهُ
لِلْمِحْرَابِ لِئَلَّا يَكُونَ مُسْتَدْبِرًا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَأَعَادَ نَحْوَ السَّلَامِ الْأَوَّلِ) أَيْ ثُمَّ يَقُولُ
اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ حَرَمِ رَسُولِك وَيَسِّرْ
لَنَا لِلْعَوْدِ إلَى الْحَرَمَيْنِ سَبِيلًا سَهْلًا اُرْزُقْنَا
الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرُدَّنَا إلَى
أَهْلِنَا سَالِمِينَ غَانِمِينَ وَيَنْصَرِفُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَلَا
يَمْشِي الْقَهْقَرَى كَمَا يَفْعَلُهُ الْعَوَامُّ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ
اسْتِصْحَابُ شَيْءٍ مِنْ الْأُكَرِ الْمَعْمُولَةِ مِنْ تُرَابِ
الْحَرَمَيْنِ وَلَا مِنْ الْأَبَارِيقِ وَالْكِيزَانِ الْمَعْمُولَةِ
مِنْهُ، وَأَمَّا الْقُلَلُ الطَّبَاشِيرِيُّ وَالدَّوَارِقُ، فَقَالَ
شَيْخُنَا سَأَلْت عَنْهَا بِمَكَّةَ فَقِيلَ لِي إنَّ طِينَهَا يُؤْخَذُ
مِنْ خَارِجِ الْحَرَمِ وَمِنْ الْبِدَعِ تَقَرُّبُ الْعَوَامّ بِأَكْلِ
التَّمْرِ الصَّيْحَانِيِّ فِي الرَّوْضَةِ الشَّرِيفَةِ اهـ.
بِرْمَاوِيٌّ.
1 -
(خَاتِمَةٌ)
فِي الْإِيضَاحِ مَا نَصُّهُ الْبَابُ السَّادِسُ فِي زِيَارَةِ قَبْرِهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ اعْلَمْ
أَنَّ لِمَدِينَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أَسْمَاءً: الْمَدِينَةُ وَطَابَةُ وَطَيْبَةُ وَالدَّارُ وَيَثْرِبُ قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى {مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ} [التوبة: 120] ،
الْآيَةَ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ
النَّبِيَّ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إنَّ اللَّهَ
تَعَالَى سَمَّى الْمَدِينَةَ طَابَةَ» قِيلَ سُمِّيَتْ طَابَةَ وَطَيْبَةَ
لِخُلُوصِهَا عَنْ الشِّرْكِ وَطَهَارَتِهَا مِنْهُ، وَقِيلَ لِطِيبِهَا
لِسَاكِنِهَا لِأَمْنِهِمْ
(2/485)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
وَدِعَتِهِمْ، وَقِيلَ لِطِيبِ الْعَيْشِ بِهَا وَأَمَّا تَسْمِيَتُهَا
الدَّارَ فَلِلِاسْتِقْرَارِ بِهَا لِأَمْنِهَا، وَأَمَّا الْمَدِينَةُ
فَقَالَ كَثِيرُونَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْهُمْ قُطْرُبٌ
وَابْنُ فَارِسٍ هِيَ مِنْ دَانَ أَيْ أَطَاعَ وَالدِّينُ الطَّاعَةُ
سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُطَاعُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا، وَقِيلَ
غَيْرُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَفِي الْبَابِ مَسَائِلُ إلَى أَنْ
قَالَ الثَّانِيَةُ يُسْتَحَبُّ لِلزَّائِرِ أَنْ يَنْوِيَ مَعَ
زِيَارَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّقَرُّبَ
بِالْمُسَافَرِ إلَى مَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَالصَّلَاةِ فِيهِ إلَى أَنْ قَالَ الْخَامِسَةُ لِيَسْتَحْضِرَ فِي
قَلْبِهِ حِينَئِذٍ شَرَفَ الْمَدِينَةِ وَأَنَّهَا أَفْضَلُ الدُّنْيَا
بَعْدَ مَكَّةَ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ
أَفْضَلُهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ وَأَنَّ الَّذِي شَرُفَتْ بِهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْرُ الْخَلَائِقِ أَجْمَعِينَ وَلْيَكُنْ
مِنْ أَوَّلِ قُدُومِهِ إلَى أَنْ يَرْجِعَ مُسْتَشْعِرَ التَّعْظِيمَةِ
مُمْتَلِئَ الْقَلْبِ مِنْ هَيْبَتِهِ كَأَنَّهُ يَرَاهُ، السَّادِسَةُ
إذَا وَصَلَ بَابَ مَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَلْيَقُلْ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي دُخُولِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
وَيُقَدِّمُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى فِي الدُّخُولِ وَالْيُسْرَى فِي
الْخُرُوجِ وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ فِي جَمِيعِ الْمَسَاجِدِ فَيَقْصِدُ
الرَّوْضَةَ الْكَرِيمَةَ وَهِيَ مَا بَيْنَ الْمِنْبَرِ وَالْقَبْرِ
فَيُصَلِّي تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ تَحْتَ الْمِنْبَرِ، وَفِي إحْيَاءِ
عُلُومِ الدِّينِ أَنَّهُ يَجْعَلُ عَمُودَ الْمِنْبَرِ حِذَاءَ مَنْكِبِهِ
الْأَيْمَنِ وَيَسْتَقْبِلُ السَّارِيَةَ الَّتِي إلَى جَانِبِهَا
الصُّنْدُوقُ وَتَكُونُ الدَّائِرَةُ الَّتِي فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ
بَيْنَ عَيْنَيْهِ فَكَذَلِكَ مَوْقِفُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ وُسِّعَ الْمَسْجِدُ بَعْدَهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَفِي كِتَابِ الْمَدِينَةِ أَنَّ ذَرْعَ مَا بَيْنَ الْمِنْبَرِ وَمَقَامِ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي كَانَ يُصَلِّي
فِيهِ حَتَّى تُوُفِّيَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا وَشِبْرٌ وَأَنَّ
ذَرْعَ مَا بَيْنَ الْمِنْبَرِ وَالْقَبْرِ ثَلَاثٌ وَخَمْسُونَ ذِرَاعًا
وَشِبْرٌ، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَيَانُ سِعَةِ
الْمَسْجِدِ وَكَيْفِيَّةِ حَالِهِ فِي آخِرِ هَذَا الْكِتَابِ إنْ شَاءَ
اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَى أَنْ قَالَ الْعَاشِرَةُ
يُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْرُجَ كُلَّ يَوْمٍ إلَى الْبَقِيعِ خُصُوصًا يَوْمَ
الْجُمُعَةِ وَيَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ السَّلَامِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا انْتَهَى إلَيْهِ قَالَ
السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ
اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَهْلِ بَقِيعِ
الْفَرْقَدِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلَهُمْ وَيَزُورُ الْقُبُورَ
الظَّاهِرَةَ فِيهِ كَقَبْرِ إبْرَاهِيمَ بْنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعُثْمَانَ وَالْعَبَّاسِ وَالْحَسَنِ بْنِ
عَلِيٍّ وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَجَعْفَرِ
بْنِ مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِمْ وَيَخْتِمُ بِقَبْرِ صَفِيَّةَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا - عَمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ فِي فَضْلِ قُبُورِ الْبَقِيعِ
وَزِيَارَتِهَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ وَفِي الْمُخْتَارِ الْفَرْقَدُ
مَقْبَرَةٌ بِالْمَدِينَةِ الْحَادِيَةَ عَشَرَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ
قُبُورَ الشُّهَدَاءِ بِأُحُدٍ وَأَفْضَلُهُ يَوْمُ الْخَمِيسِ وَيَبْدَأُ
بِحَمْزَةَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَيُكَبِّرُ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ بِمَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى يَعُودَ وَيُدْرِكَ جَمَاعَةَ
الظُّهْرِ فِيهِ.
الثَّانِيَةَ عَشَرَ يُسْتَحَبُّ اسْتِحْبَابًا مُؤَكَّدًا أَنْ يَأْتِيَ
مَسْجِدَ قَبَاءَ وَهُوَ فِي يَوْمِ السَّبْتِ أَوْلَى نَاوِيًا
التَّقَرُّبَ بِزِيَارَتِهِ وَالصَّلَاةَ فِيهِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي
كِتَابِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ أُسَيْدَ بْنِ ظُهَيْرٍ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ: صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ كَعُمْرَةٍ» وَفِي
الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْتِي مَسْجِدَ
قُبَاءَ رَاكِبًا وَمَاشِيًا فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ وَفِي
رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ كَانَ يَأْتِيهِ كُلَّ سَبْتٍ» وَيُسْتَحَبُّ أَنْ
يَأْتِيَ بِئْرَ أَرِيسٍ الَّتِي رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَفَلَ فِيهَا وَهِيَ عِنْدَ مَسْجِدِ
قُبَاءَ فَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا وَيَتَوَضَّأُ مِنْهُ إلَى أَنْ قَالَ
السَّادِسَةَ عَشَرَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُلَاحِظَ بِقَلْبِهِ فِي مُدَّةِ
مُقَامِهِ بِالْمَدِينَةِ جَلَالَتَهَا وَأَنَّهَا الْبَلْدَةُ الَّتِي
اخْتَارَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِهِجْرَةِ نَبِيِّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْتِيطَانِهِ وَمَدْفِنِهِ
وَلْيَسْتَحْضِرْ تَرَدُّدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فِيهَا وَمَشْيَهُ فِي بِقَاعِهَا، السَّابِعَةَ عَشَرَ تُسْتَحَبُّ
الْمُجَاوَرَةُ بِالْمَدِينَةِ بِالشَّرْطِ الْمُتَقَدِّمِ فِي
الْمُجَاوَرَةِ بِمَكَّةَ فَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ
عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَنْ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ صَبَرَ عَلَى لَأْوَاءِ
الْمَدِينَةِ وَشِدَّتِهَا كُنْت لَهُ شَهِيدًا أَوْ شَفِيعًا يَوْمَ
الْقِيَامَةِ» إلَى أَنْ قَالَ الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ فِي أَشْيَاءَ
مُهِمَّةٍ تَتَعَلَّقُ بِمَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَيْنَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ
عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ كَانَ الْمَسْجِدُ عَلَى عَهْدِ
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَبْنِيًّا
بِاللَّبِنِ وَسَقْفُهُ الْجَرِيدُ وَعُمُدُهُ خَشَبُ النَّخْلِ فَلَمْ
يَزِدْ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - شَيْئًا
وَزَادَ فِيهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَبَنَاهُ عَلَى
بُنْيَانِهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - بِاللَّبِنِ وَالْجَرِيدِ وَأَعَادَ عُمُدَهُ خَشَبًا، ثُمَّ
غَيَّرَهُ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَزَادَ فِيهِ
زِيَادَةً كَثِيرَةً وَبَنَى جِدَارَهُ بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ
وَالْقَصَّةِ وَجَعَلَ عُمُدَهُ مِنْ حِجَارَةٍ مَنْقُوشَةٍ وَسَقْفَهُ
بِالسَّاجِ هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ.
وَقَوْلُهُ الْقَصَّةِ هِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ
(2/486)
(فَصْلٌ) : فِي أَرْكَانِ الْحَجِّ
وَالْعُمْرَةِ وَبَيَانِ أَوْجُهِ أَدَائِهِمَا مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ
بِذَلِكَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
وَتَشْدِيدِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ الْجِصُّ، وَعَنْ خَارِجَةَ
بْنِ زَيْدٍ أَحَدِ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةِ قَالَ بَنَى
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسْجِدَهُ
سَبْعِينَ ذِرَاعًا فِي سِتِّينَ ذِرَاعًا أَوْ يَزِيدُ قَالَ أَهْلُ
السِّيَرِ جَعَلَ عُثْمَانُ طُولَ الْمَسْجِدِ مِائَةً وَسِتِّينَ ذِرَاعًا
وَعَرْضَهُ مِائَةً وَخَمْسِينَ ذِرَاعًا وَجَعَلَ أَبْوَابَهُ سِتَّةً
كَمَا كَانَتْ فِي زَمَنِ عُمَرَ، ثُمَّ زَادَ فِيهِ الْوَلِيدُ بْنُ
عَبْدِ الْمَلِكِ فَجَعَلَ طُولَهُ مِائَتَيْ ذِرَاعٍ وَعَرْضَهُ فِي
مُقَدَّمِهِ مِائَتَيْنِ وَفِي مُؤَخَّرِهِ مِائَةً وَثَمَانِينَ ثُمَّ
زَادَ فِيهِ الْمَهْدِيُّ مِائَةَ ذِرَاعٍ مِنْ جِهَةِ الشَّامِ فَقَطْ
دُونَ الْجِهَاتِ الثَّلَاثِ فَإِذَا عَرَفْت حَالَ الْمَسْجِدِ
فَيَنْبَغِي أَنْ يَعْتَنِيَ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَاةِ فِيمَا
كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَإِنَّ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ الَّذِي سَبَقَ ذِكْرُهُ «صَلَاةٌ فِي
مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ
الْمَسَاجِدِ» إنَّمَا يَتَنَاوَلُ مَا كَانَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لَكِنْ إذَا صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ
فَلْيَتَقَدَّمْ إلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ، ثُمَّ مَا يَلِيهِ أَفْضَلُ
فَلْيُتَفَطَّنْ لِمَا نَبَّهْت عَلَيْهِ إلَى أَنْ قَالَ الثَّالِثَةُ
وَالْعِشْرُونَ مِنْ الْعَامَّةِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ مَنْ زَارَنِي وَزَارَ أَبِي
إبْرَاهِيمَ فِي عَامٍ وَاحِدٍ ضَمِنْت لَهُ عَلَى اللَّهِ الْجَنَّةَ
وَهَذَا بَاطِلٌ لَيْسَ هُوَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - وَلَا يُعْرَفُ فِي كِتَابٍ، بَلْ وَضَعَهُ بَعْضُ الْفَجَرَةِ
وَزِيَارَةُ الْخَلِيلِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرُ
مُنْكَرَةٍ وَإِنَّمَا الْمُنْكَرُ مَا رَوَوْهُ وَلَا تَعَلُّقَ
لِزِيَارَةِ الْخَلِيلِ بِالْحَجِّ، بَلْ تِلْكَ قُرْبَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ
وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِ الْعَامَّةِ إذَا حَجَّ أُقَدِّسُ حَجَّتِي
وَيَذْهَبُ فَيَزُورُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَيَرَى ذَلِكَ مِنْ تَمَامِ
الْحَجِّ وَهَذَا بَاطِلٌ أَيْضًا.
وَزِيَارَةُ الْقُدْسِ مُسْتَحَبَّةٌ، لَكِنَّهَا غَيْرُ مُتَعَلِّقَةٍ
بِالْحَجِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ لَوْ نَذَرَ
الذَّهَابَ إلَى مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَوْ إلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى فَفِيهِ الْقَوْلَانِ
أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الذَّهَابُ وَلَا يَجِبُ
وَالثَّانِي يَجِبُ فَعَلَى هَذَا إذَا أَتَاهُ وَجَبَ عَلَيْهِ فِعْلُ
عِبَادَةٍ فِيهِ إمَّا صَلَاةٌ وَإِمَّا اعْتِكَافٌ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ،
وَقِيلَ تَتَعَيَّنُ الصَّلَاةُ، وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ الِاعْتِكَافُ
وَالْمُرَادُ اعْتِكَافُ سَاعَةٍ وَالْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ رَكْعَتَانِ،
وَقِيلَ رَكْعَةٌ وَالْمُرَادُ نَافِلَةٌ، وَقِيلَ تَكْفِي الْفَرِيضَةُ
اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي الْبَابِ الثَّامِنِ فَصْلٌ فِي آدَابِ رُجُوعِهِ
مِنْ سَفَرِ حَجِّهِ أَحَدُهَا السُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ مَا ثَبَتَ فِي
الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -
«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا
قَفَلَ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ كَبَّرَ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ ثَلَاثَ
تَكْبِيرَاتٍ، ثُمَّ يَقُولُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ
لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَائِحُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ
لِرَبِّنَا صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ
الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ» ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي
صَحِيحَيْهِمَا.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «عَنْ أَنَسٍ قَالَ أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى إذَا كُنَّا
بِظَهْرِ الْمَدِينَةِ قَالَ آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا
حَامِدُونَ فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ ذَلِكَ حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ» ،
الثَّانِي يُسْتَحَبُّ إذَا قَرُبَ مِنْ وَطَنِهِ أَنْ يَبْعَثَ قُدَّامَهُ
مَنْ يُخْبِرُ أَهْلَهُ كَيْ لَا يَقْدُمَ عَلَيْهِمْ بَغْتَةً فَهَذَا
هُوَ السُّنَّةُ، الثَّالِثُ إذَا أَشْرَفَ عَلَى بَلْدَةٍ فَيَحْسُنُ أَنْ
يَقُولَ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك خَيْرَهَا وَخَيْرَ أَهْلِهَا وَخَيْرَ
مَا فِيهَا وَأَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ أَهْلِهَا وَشَرِّ مَا
فِيهَا، وَاسْتَحَبَّ بَعْضُهُمْ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَنَا
بِهَا قَرَارًا وَرِزْقًا حَسَنًا اللَّهُمَّ اُرْزُقْنَا حِبَاهَا
وَأَعِذْنَا مِنْ وَبَاهَا وَحَبِّبْنَا إلَى أَهْلِهَا وَحَبِّبْ صَالِحِي
أَهْلِهَا إلَيْنَا فَقَدْ رَوَيْنَا هَذَا كُلَّهُ فِي الْحَدِيثِ
الصَّحِيحِ وَقَدْ أَوْضَحْته فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ، الرَّابِعُ إذَا
قَدِمَ فَلَا يَطْرُقُ أَهْلَهُ بِاللَّيْلِ، بَلْ يَدْخُلُ الْبَلَدَ
غَدْوَةً وَإِلَّا فَفِي آخِرِ النَّهَارِ، الْخَامِسُ إذَا وَصَلَ
مَنْزِلَهُ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَيُصَلِّي فِيهِ
رَكْعَتَيْنِ وَإِذَا دَخَلَ مَنْزِلَهُ صَلَّى فِيهِ أَيْضًا رَكْعَتَيْنِ
وَدَعَا وَشَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى، السَّادِسُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ
يُسَلِّمُ عَلَى الْقَادِمِ مِنْ الْحَجِّ أَنْ يَقُولَ قَبِلَ اللَّهُ
حَجَّك وَغَفَرَ ذَنْبَك وَأَخْلَفَ نَفَقَتَك رَوَيْنَا ذَلِكَ عَنْ ابْنِ
عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ، «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْحَاجِّ
وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ» قَالَ الْحَاكِمُ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى
شَرْطِ مُسْلِمٍ، السَّابِعُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ إذَا دَخَلَ
بَيْتَهُ مَا رَوَيْنَاهُ فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ،
قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا
رَجَعَ مِنْ سَفَرِهِ فَدَخَلَ عَلَى أَهْلِهِ قَالَ تَوْبًا تَوْبًا
لِرَبِّنَا أَوْبًا لَا يُغَادِرُ حَوْبًا» قُلْت تَوْبًا تَوْبًا سُؤَالُ
التَّوْبَةِ أَيْ نَسْأَلُك تَوْبَةً كَامِلَةً وَلَا يُغَادِرُ حُوبًا
أَيْ لَا يَتْرُكُ إثْمًا، الثَّامِنُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ رُجُوعِهِ
خَيْرًا مِمَّا كَانَ فَهَذَا مِنْ عَلَامَاتِ قَبُولِ الْحَجِّ وَأَنْ
يَكُونَ خَيْرُهُ مُسْتَمِرًّا فِي ازْدِيَادٍ اهـ بِحُرُوفِهِ.
[فَصْلٌ فِي أَرْكَانِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَبَيَانِ أَوْجُهِ
أَدَائِهِمَا مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ]
(فَصْلٌ فِي أَرْكَانِ الْحَجِّ) (قَوْلُهُ: مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ
بِذَلِكَ) أَيْ بَيَانُ أَوْجُهِ أَدَائِهِمَا مِنْ قَوْلِهِ وَعَلَى
الْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ دَمٌ
(2/487)
(أَرْكَانُ الْحَجِّ) سِتَّةٌ (إحْرَامٌ)
بِهِ أَيْ نِيَّةُ الدُّخُولِ فِيهِ لِخَبَرِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ
بِالنِّيَّاتِ» (وَوُقُوفٌ) بِعَرَفَةَ لِخَبَرِ «الْحَجُّ عَرَفَةَ»
(وَطَوَافٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ
الْعَتِيقِ} [الحج: 29] (وَسَعْيٌ) لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ
وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ «- صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فِي الْمَسْعَى
وَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اسْعَوْا فَإِنَّ السَّعْيَ قَدْ كُتِبَ
عَلَيْكُمْ» (وَحَلْقٌ أَوْ تَقْصِيرٌ) لِتَوَقُّفِ التَّحَلُّلِ عَلَيْهِ
مَعَ عَدَمِ جَبْرِهِ بِدَمٍ كَالطَّوَافِ، وَالْمُرَادُ إزَالَةُ
الشَّعْرِ كَمَا مَرَّ (وَتَرْتِيبُ الْمُعَظَّمِ) بِأَنْ يُقَدِّمَ
الْإِحْرَامَ عَلَى الْجَمِيعِ وَالْوُقُوفَ عَلَى طَوَافِ الرُّكْنِ
وَالْحَلْقَ أَوْ التَّقْصِيرَ وَالطَّوَافَ عَلَى السَّعْيِ إنْ لَمْ
يَفْعَلْ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ وَدَلِيلُهُ الِاتِّبَاعُ مَعَ خَبَرِ
«خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» وَقَدْ عَدَّهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا
رُكْنًا وَفِي الْمَجْمُوعِ شَرْطًا، وَالْأَوَّلُ أَنْسَبُ بِمَا فِي
الصَّلَاةِ وَقَوْلُهُ أَوْ تَقْصِيرٌ إلَى آخِرِهِ مِنْ زِيَادَتِي (وَلَا
تُجْبَرُ) أَيْ الْأَرْكَانُ أَيْ لَا دَخْلَ لِلْجَبْرِ فِيهَا
وَتَقَدَّمَ مَا يُجْبَرُ بِدَمٍ وَيُسَمَّى بَعْضًا وَغَيْرُهُمَا
يُسَمَّى هَيْئَةً (وَغَيْرُ الْوُقُوفِ) مِنْ السِّتَّةِ (أَرْكَانُ
الْعُمْرَةِ) لِشُمُولِ الْأَدِلَّةِ لَهَا، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْحَلْقَ
أَوْ التَّقْصِيرَ يَجِبُ تَأْخِيرُهُ عَنْ سَعْيِهَا فَالتَّرْتِيبُ
فِيهَا مُطْلَقٌ.
(وَيُؤَدَّيَانِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
إلَخْ الْفَصْلِ وَانْظُرْ لِمَ أَخَّرَ الْأَرْكَانَ إلَى هُنَا مَعَ
أَنَّهُ كَانَ الْأَنْسَبُ تَقْدِيمَهَا أَوَّلَ الْبَابِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: أَرْكَانُ الْحَجِّ سِتَّةٌ) وَأَفْضَلُهَا الطَّوَافُ ثُمَّ
الْوُقُوفُ ثُمَّ السَّعْيُ ثُمَّ الْحَلْقُ، وَأَمَّا النِّيَّةُ فَهِيَ
وَسِيلَةٌ لِلْجَمِيعِ وَهَلَّا قَدَّمَ الطَّوَافَ عَلَى الْوُقُوفِ؛
لِأَنَّهُ أَفْضَلُ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ رَاعَى التَّرْتِيبَ
الْخَارِجِيَّ. اهـ. شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: أَيْ نِيَّةُ الدُّخُولِ فِيهِ) وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُطْلَقُ
أَيْضًا عَلَى الدُّخُولِ فِي النُّسُكِ بِنِيَّةٍ وَلَيْسَ مُرَادًا هُنَا
اهـ. ح ل.
(قَوْلُهُ: وَحَلْقٌ) فَإِنْ قُلْت لِمَ جُعِلَ رُكْنًا وَكَانَ لَهُ
دَخْلٌ فِي التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ، قُلْت أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ
فِيهِ وَضْعَ زِينَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى فَأَشْبَهَ الطَّوَافَ مِنْ حَيْثُ
إنَّهُ أَعْمَالُ النَّفْسِ فِي الْمَشْيِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَأَمَّا
الثَّانِي فَلِأَنَّ التَّحَلُّلَ مِنْ الْعِبَادَةِ إمَّا بِالْإِعْلَامِ
بِغَايَتِهَا كَالسَّلَامِ مِنْ الصَّلَاةِ الْمُعْلَمِ بِحُصُولِهِ أَمْنُ
الْآفَاتِ لِلْمُصَلِّي وَإِمَّا بِتَعَاطِي ضِدِّهَا كَتَعَاطِي
الْمُفْطِرِ فِي الصَّوْمِ أَوْ دُخُولِ وَقْتِهِ وَالْحَلْقُ مِنْ جِهَةِ
مَا فِيهِ مِنْ التَّرَفُّهِ ضِدُّ الْإِحْرَامِ الْمُوجِبِ لِكَوْنِ
الْمُحْرِمِ أَشْعَثَ أَغْبَرَ فَكَانَ لَهُ دَخْلٌ فِي تَحَلُّلِهِ اهـ.
حَجّ فِي مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ.
(قَوْلُهُ: مَعَ عَدَمِ جَبْرِهِ بِدَمٍ) أَخْرَجَ بِهَذَا الْقَيْدِ
رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، فَإِنَّ التَّحَلُّلَ مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهِ
لَكِنَّهُ يُجْبَرُ بِدَمٍ فَلَيْسَ رُكْنًا فَالْعِلَّةُ مُرَكَّبَةٌ اهـ.
شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: وَتَرْتِيبُ الْمُعَظَّمِ) عَدَّ التَّرْتِيبَ رُكْنًا
بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِمَا قَدَّمَهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ،
وَقَوْلُهُ بِأَنْ يُقَدَّمَ إلَخْ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ قُدِّمَ
الْحَلْقُ عَلَى الْوُقُوفِ لَا يُكْتَفَى بِذَلِكَ اهـ. ح ل، أَقُولُ لِي
هُنَا شُبْهَةٌ وَهِيَ أَنَّ شَأْنَ رُكْنِ الشَّيْءِ أَنْ يَكُونَ
بِحَيْثُ لَوْ انْعَدَمَ انْعَدَمَ ذَلِكَ الشَّيْءُ وَلَا شُبْهَةَ فِي
أَنَّهُ إذَا حَلَقَ قَبْلَ الْوُقُوفِ ثُمَّ وَقَفَ وَأَتَى بِبَقِيَّةِ
الْأَعْمَالِ حَصَلَ الْحَجُّ وَكَانَ الْحَلْقُ سَاقِطًا لِعَدَمِ
إمْكَانِهِ وَإِنْ أَثِمَ بِفِعْلِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ وَتَفْوِيتِهِ
فَقَدْ حَصَلَ لَهُ الْحَجُّ مَعَ انْتِفَاءِ التَّرْتِيبِ فَلْيُتَأَمَّلْ
اهـ. سَمِّ عَلَى الْمَنْهَجِ أَقُولُ وَيُمْكِنُ انْدِفَاعُ هَذِهِ
الشُّبْهَةِ بِأَنْ يُقَالَ الْحَلْقُ إنَّمَا سَقَطَ لِعَدَمِ شَعْرٍ
بِرَأْسِهِ لَا لِتَقْدِيمِهِ عَلَى الْوُقُوفِ؛ لِأَنَّ حَلْقَهُ قَبْلَهُ
لَمْ يَقَعْ رُكْنًا وَالْإِثْمُ إنَّمَا هُوَ لِتَرَفُّهِهِ بِإِزَالَةِ
الشَّعْرِ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَهَذَا كَمَا لَوْ اعْتَمَرَ وَحَلَقَ ثُمَّ
أَحْرَمَ بِالْحَجِّ عَقِبَهُ فَلَمْ يَكُنْ بِرَأْسِهِ شَعْرٌ بَعْدَ
دُخُولِ وَقْتِ الْحَلْقِ فَإِنَّ الْحَلْقَ سَاقِطٌ عَنْهُ وَلَيْسَ
ذَلِكَ اكْتِفَاءً بِحَلْقِ الْعُمْرَةِ بَلْ لِعَدَمِ شَعْرٍ يُزِيلُهُ
اهـ. ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: بِأَنْ يُقَدَّمَ الْإِحْرَامُ إلَخْ) اُسْتُفِيدَ مِنْ
كَلَامِهِ أَنَّ الْحَلْقَ لَا تَرْتِيبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّعْيِ
وَلَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّوَافِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي خَرَجَ
بِالْمُعَظَّمِ، فَالْمُرَادُ بِالْمُعَظَّمِ مَا عَدَا الْحَلْقَ، بَلْ
وَمَا عَدَا السَّعْيَ مَعَ الطَّوَافِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ اهـ.
شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: أَيْ لَا دَخْلَ لِلْجَبْرِ فِيهَا) أَيْ لِانْعِدَامِ
الْمَاهِيَّةِ بِانْعِدَامِهَا اهـ. حَجّ أَيْ وَلَوْ جُبِرَتْ بِالدَّمِ
مَعَ عَدَمِ فِعْلِهَا لَلَزِمَ عَلَيْهِ وُجُودُ الْمَاهِيَّةِ بِدُونِ
أَجْزَائِهَا وَأَرْكَانِهَا وَهُوَ مُحَالٌ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَتَقَدَّمَ مَا يُجْبَرُ بِدَمٍ) وَهُوَ تَرْكُ الْإِحْرَامِ
مِنْ الْمِيقَاتِ وَتَرْكُ الْمَبِيتِ بِمِنًى وَتَرْكُهُ بِمُزْدَلِفَةَ
وَتَرْكُ رَمْيِ الْجِمَارِ وَتَرْكُ طَوَافِ الْوَدَاعِ اهـ. ح ل.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَأَمَّا وَاجِبَاتُهُ فَخَمْسَةٌ أَيْضًا
الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَالرَّمْيُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ
وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَالْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ وَالْمَبِيتُ
لَيَالِيَ مِنًى وَاجْتِنَابُ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ، وَأَمَّا طَوَافُ
الْوَدَاعِ فَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَنَاسِكِ فَعَلَى هَذَا
لَا يُعَدُّ مِنْ الْوَاجِبَاتِ فَهَذِهِ تُجْبَرُ بِدَمٍ وَتُسَمَّى
بَعْضًا وَغَيْرُهَا يُسَمَّى هَيْئَةً انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُمَا يُسَمَّى هَيْئَةً) عِبَارَةُ الْإِيضَاحِ
وَأَمَّا السُّنَنُ فَجَمِيعُ مَا سَبَقَ مِمَّا يُؤْمَرُ بِهِ الْحَاجُّ
وَالْمُعْتَمِرُ سِوَى الْأَرْكَانِ وَالْوَاجِبَاتِ وَذَلِكَ كَطَوَافِ
الْقُدُومِ وَالْأَذْكَارِ وَالْأَدْعِيَةِ وَاسْتِلَامِ الْحَجَرِ
وَالرَّمَلِ وَالِاضْطِبَاعِ وَسَائِرِ مَا نُدِبَ إلَيْهِ مِنْ
الْهَيْئَاتِ السَّابِقَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ إيضَاحُ هَذَا كُلِّهِ
انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: لِشُمُولِ الْأَدِلَّةِ) أَيْ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُوبِ
النِّيَّةِ وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالْحَلْقِ، وَقَوْلُهُ: لَهَا أَيْ
لِلْعُمْرَةِ أَيْ لِوُجُوبِهَا فِيهَا اهـ. شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: فَالتَّرْتِيبُ فِيهَا) أَيْ فِي الْعُمْرَةِ مُطْلَقٌ أَيْ فِي
جَمِيعِ أَرْكَانِهَا لَا فِي مُعْظَمِهَا كَالْحَجِّ بِأَنْ يُقَدَّمَ
الْإِحْرَامُ ثُمَّ الطَّوَافُ ثُمَّ السَّعْيُ ثُمَّ الْحَلْقُ.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر نَعَمْ التَّرْتِيبُ مُعْتَبَرٌ فِي جَمِيعِ
أَرْكَانِهَا انْتَهَتْ
(قَوْلُهُ: وَيُؤَدَّيَانِ إلَخْ) احْتَرَزَ بِالتَّثْنِيَةِ عَنْ أَدَاءِ
أَحَدِهِمَا فَقَطْ وَلَهُ صُورَتَانِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ إمَّا حَجٌّ أَوْ
عُمْرَةٌ هَكَذَا أَشَارَ إلَيْهِ حَجّ وَاحْتَرَزَ بِالتَّثْنِيَةِ
أَيْضًا عَنْ أَدَاءِ النُّسُكِ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَيْ الْأَعَمُّ مِنْ
التَّثْنِيَةِ وَالْإِفْرَادِ فَأَدَاؤُهُ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِنُسُكٍ
عَلَى حِدَتِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَوْجُهِ كَمَا يُشِيرُ
إلَيْهِ قَوْلُهُ النُّسُكَانِ بِالتَّثْنِيَةِ أَمَّا أَدَاءُ النُّسُكِ
مِنْ حَيْثُ هُوَ فَعَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ
وَأَنْ يُحْرِمَ بِحَجٍّ فَقَطْ أَوْ عُمْرَةٍ فَقَطْ انْتَهَتْ،
وَقَوْلُهُ وَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِنُسُكٍ عَلَى
حِدَتِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا إلَخْ أَيْ حَقِيقَةً وَإِلَّا فَهُوَ
إفْرَادٌ مَجَازِيٌّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشِّهَابُ حَجّ كَغَيْرِهِ
وَسَيُعْلَمُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ
(2/488)
أَيْ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ عَلَى
ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مَعًا أَوْ
يَبْدَأَ بِحَجٍّ أَوْ بِعُمْرَةٍ، «قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا - خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ
وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ
وَعُمْرَةٍ» ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
أَحَدُهَا أَنْ يُؤَدَّيَا (بِإِفْرَادٍ بِأَنْ يَحُجَّ ثُمَّ يَعْتَمِرَ)
بِأَنْ يُحْرِمَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْحَجِّ بِالْعُمْرَةِ وَيَأْتِيَ
بِعَمَلِهَا (وَ) ثَانِيهَا (بِتَمَتُّعٍ بِأَنْ يَعْكِسَ) بِأَنْ
يَعْتَمِرَ، وَلَوْ مِنْ غَيْرِ مِيقَاتِ بَلَدِهِ ثُمَّ يَحُجَّ سَوَاءٌ
أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ أَمْ مِنْ مِيقَاتٍ أَحْرَمَ
بِالْعُمْرَةِ مِنْهُ أَمْ مِنْ مِثْلِ مَسَافَتِهِ أَمْ مِنْ مِيقَاتٍ
أَقْرَبَ مِنْهُ، وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الْأَصْلِ اشْتِرَاطَ كَوْنِهِ
مِنْ مَكَّةَ أَوْ مِنْ مِيقَاتِ عُمْرَتِهِ وَكَوْنُ الْعُمْرَةِ مِنْ
مِيقَاتِ بَلَدِهِ وَيُسَمَّى الْآتِي بِذَلِكَ مُتَمَتِّعًا لِتَمَتُّعِهِ
بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ أَوْ لِتَمَتُّعِهِ
بِسُقُوطِ الْعَوْدِ لِلْمِيقَاتِ عَنْهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
أَمَّا غَيْرُ الْأَفْضَلِ إلَخْ وَقَوْلُهُ: وَأَنْ يُحْرِمَ بِحَجٍّ
فَقَطْ أَوْ عُمْرَةٍ فَقَطْ أَيْ وَلَا يَأْتِي بِالْآخَرِ مِنْ عَامِهِ
اهـ. رَشِيدِيّ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مَعًا إلَخْ) فَإِنْ
قُلْت يَرِدُ عَلَى الْحَصْرِ مَا لَوْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا قُلْت هُوَ
غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ
لِصَرْفِهِ لِوَاحِدٍ مِنْهَا فَالْإِحْرَامُ مُطْلَقًا مَعَ الصَّرْفِ
إلَى وَاحِدٍ مِنْهَا فِي مَعْنَى الْإِحْرَامِ ابْتِدَاءً بِذَلِكَ
الْوَاحِدِ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ
أَشْهُرِهِ حَيْثُ يَنْعَقِدُ عُمْرَةً مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى صَرْفٍ
فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. سَمِّ.
(قَوْلُهُ: قَالَتْ عَائِشَةُ إلَخْ) اسْتِدْلَالٌ عَلَى الْأَوْجُهِ
الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْحَصْرِ وَكَانَ الْمُنَاسِبُ
تَأْخِيرَ هَذَا الدَّلِيلِ عَنْ كَلَامِ الْمَتْنِ عَلَى عَادَتِهِ
تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: بِإِفْرَادِ) الْبَاءِ لِلْمُلَابَسَةِ أَيْ حَالَ كَوْنِهِمَا
مُلَابِسَيْنِ لِوَاحِدٍ مِنْ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ أَوْ بِمَعْنَى مَعَ
اهـ. شَيْخُنَا.
وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ مَعَ شَرْحِ م ر أَحَدُهَا لِإِفْرَادِ الْأَفْضَلِ
وَيَحْصُلُ بِأَنْ يَحُجَّ أَيْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مِنْ مِيقَاتِهِ
وَيَفْرَغَ مِنْهُ ثُمَّ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ عَامِهِ كَإِحْرَامِ
الْمَكِّيِّ بِأَنْ يَخْرُجَ إلَى أَدْنَى الْحِلِّ فَيُحْرِمَ بِهَا
وَيَأْتِيَ بِعَمَلِهَا، أَمَّا غَيْرُ الْأَفْضَلِ فَلَهُ صُورَتَانِ
إحْدَاهُمَا أَنْ يَأْتِيَ بِالْحَجِّ وَحْدَهُ فِي سَنَةٍ، الثَّانِيَةُ
أَنْ يَعْتَمِرَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ يَحُجَّ مِنْ الْمِيقَاتِ
عَلَى مَا يَأْتِي ثُمَّ قَالَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَأَفْضَلُهَا إفْرَادٌ
شَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ اعْتَمَرَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ
مِنْ عَامِهِ فَيُسَمَّى إفْرَادًا أَيْضًا وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ
الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيُّ وَكَانَ مُرَادُهُمَا بِأَنَّهُ يُسَمَّى
بِذَلِكَ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ التَّمَتُّعِ الْمُوجِبِ لِلدَّمِ وَإِلَّا
فَمُطْلَقُ التَّمَتُّعِ يَشْمَلُ ذَلِكَ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ
الشَّيْخَيْنِ بَلْ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ ذَلِكَ يُسَمَّى
تَمَتُّعًا انْتَهَتْ.
وَعِبَارَةُ حَجّ وَقَدْ يُطْلَقُ الْإِفْرَادُ عَلَى الْإِتْيَانِ
بِالْحَجِّ وَحْدَهُ وَعَلَى مَا إذَا اعْتَمَرَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ
ثُمَّ حَجَّ فَحَصَرَهُ فِيمَا فِي الْمَتْنِ بِاعْتِبَارِ الْأَشْهُرِ
أَوْ الْأَصْلِ وَوَاضِحٌ أَنَّ تَسْمِيَةَ الْأَوَّلِ إفْرَادٌ الْمُرَادُ
بِهِ مُجَرَّدُ التَّسْمِيَةِ الْمَجَازِيَّةِ لَا غَيْرُ إذْ لَا دَخْلَ
لَهُ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَتَسْمِيَتُهُ إفْرَادًا
حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ فَهُوَ مِنْ صُوَرِ الْإِفْرَادِ الْأَفْضَلِ قَالَ
جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ بِلَا خِلَافٍ وَأَقَرَّهُمْ مُحَقِّقُو
الْمُتَأَخِّرِينَ وَلَا يُنَافِيهِ تَقْيِيدُ الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ
أَفْضَلِيَّتَهُ بِأَنْ يَحُجَّ ثُمَّ يَعْتَمِرَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا
هُوَ لِبَيَانِ أَنَّهُ الْأَفْضَلُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلَا يُنَافِي
ذَلِكَ أَيْضًا مَا يَأْتِي أَنَّ الشُّرُوطَ الْآتِيَةَ إنَّمَا هِيَ
شُرُوطٌ لِوُجُوبِ الدَّمِ لَا لِتَسْمِيَتِهِ تَمَتُّعًا، وَمِنْ ثَمَّ
أَطْلَقَ غَيْرُ وَاحِدٍ كَالشَّيْخَيْنِ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ تَمَتُّعٌ؛
لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يُسَمَّى تَمَتُّعًا لُغَوِيًّا أَوْ
شَرْعِيًّا لَكِنْ مَجَازًا لَا حَقِيقَةً لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ
الْإِفْرَادِ الْحَقِيقِيِّ وَالتَّمَتُّعِ الْحَقِيقِيِّ عَلَى شَيْءٍ
وَاحِدٍ فَتَأَمَّلْ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَنْبَغِي لِمَنْ بِمَكَّةَ يُرِيدُ
الْإِفْرَادَ الْأَفْضَلَ عَلَى الْإِطْلَاقِ تَرْكُ الِاعْتِمَارِ فِي
رَمَضَانَ مَثَلًا لِئَلَّا يَفُوتَهُ؛ لِأَنَّ الْفَضْلَ الْحَاضِرَ لَا
يُتْرَكُ لِمُتَرَقِّبٍ وَنَظِيرُهُ مَا يَأْتِي أَنَّهُ لَيْسَ
مُرَادُهُمْ بِنُدِبَ تَحَرِّي مَكَان أَوْ زَمَانٍ فَاضِلٍ لِلصَّدَقَةِ
تَأْخِيرُهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيُدْرِكُهُ أَوْ لَا بَلْ
الْإِكْثَارُ مِنْهَا إذَا أَدْرَكَهُ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: أَمْ مِنْ مِيقَاتٍ أَقْرَبَ مِنْهُ) أَيْ أَقْرَبَ إلَى
مَكَّةَ مِنْهُ أَيْ مِنْ الْمِيقَاتِ الَّذِي أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ
مِنْهُ وَالتَّقْيِيدُ بِالْأَقْرَبِيَّةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي حَقِيقَةِ
التَّمَتُّعِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ الْآنَ وَلَا فِي وُجُوبِ الدَّمِ
عَلَيْهِ الْآتِي ذِكْرُهُ فَإِنَّهُ إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ
الْمِيقَاتِ الْأَقْرَبِ إلَى مَكَّةَ مِنْ مِيقَاتِ عُمْرَتِهِ لَا يَجِبُ
عَلَيْهِ الدَّمُ كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَلَمْ يُعَدَّ لِإِحْرَامِ
الْحَجِّ إلَى مِيقَاتٍ وَلَوْ أَقْرَبَ لِمَكَّةَ مِنْ مِيقَاتِ
عُمْرَتِهِ فَكَانَ عَلَيْهِ تَرْكُ التَّقْيِيدِ بِالْأَقْرَبِيَّةِ
تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ) أَيْ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ مِنْ
مَكَّةَ إيهَامُ هَذَا ظَاهِرٌ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَوْ مِنْ مِيقَاتِ
عُمْرَتِهِ فَإِيهَامُ عِبَارَةِ الْأَصْلِ لَهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ، بَلْ
لَيْسَ فِيهَا تَعَرُّضٌ لَهُ أَصْلًا وَنَصُّهَا بِأَنْ يُحْرِمَ
بِالْعُمْرَةِ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ وَيَفْرَغَ مِنْهَا ثُمَّ يُنْشِئَ
حَجًّا مِنْ مَكَّةَ انْتَهَتْ، فَأَنْتَ تَرَى عِبَارَةَ الْأَصْلِ فِيهَا
تَقْيِيدُ إحْرَامِ الْحَجِّ بِكَوْنِهِ مِنْ مَكَّةَ وَلَيْسَ فِيهَا
تَعَرُّضٌ لِكَوْنِهِ مِنْ مِيقَاتِ عُمْرَتِهِ فَأَيْنَ الْإِيهَامُ
الْمَذْكُورُ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَلَعَلَّ الشَّيْخَ وَقَعَ لَهُ نُسْخَةٌ
مِنْ نُسَخِ الْمِنْهَاجِ نَصُّهَا ثُمَّ يُنْشِئُ حَجًّا مِنْ مَكَّةَ
أَوْ مِنْ مِيقَاتِ عُمْرَتِهِ لَكِنَّ الَّتِي شَرَحَ عَلَيْهَا م ر
وَالْمُحَلَّى بَلْ وَحَجَّ النُّسْخَةُ الَّتِي سَمِعْتهَا وَفِي
حَاشِيَةِ الشَّوْبَرِيِّ مَا نَصُّهُ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يُوهِمُ كَلَامُ
الْأَصْلِ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ ثُمَّ يُنْشِئُ حَجًّا مِنْ مَكَّةَ
فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْإِحْرَامِ مِنْ مَكَّةَ لَا يَحْتَمِلُ
الْإِحْرَامَ مِنْ مِيقَاتِ الْعُمْرَةِ بِوَجْهٍ قُلْت قَوْلُهُ: فِي
شُرُوطِ الدَّمِ وَأَنْ لَا يَعُودَ لِإِحْرَامِ الْحَجِّ إلَى الْمِيقَاتِ
يُفِيدُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِ الْإِحْرَامِ مِنْ
مَكَّةَ أَوْ مِنْ الْمِيقَاتِ فَأَوْهَمَ أَنَّ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ
شَرْطٌ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. سَمِّ.
(قَوْلُهُ: بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ) فِيهِ أَنَّ هَذَا مَوْجُودٌ فِي
الْإِفْرَادِ لَكِنَّ عِلَّةَ التَّسْمِيَةِ لَا تَقْتَضِي التَّسْمِيَةَ
اهـ. سَمِّ عَلَى حَجّ، وَقَوْلُهُ: أَوْ لِتَمَتُّعِهِ بِسُقُوطِ
الْعَوْدِ إلَخْ هَذَا لَا يُنَافِي وُجُوبَ الدَّمِ عَلَيْهِ اهـ.
شَيْخُنَا.
وَفِي سَمِّ مَا نَصُّهُ قَالَ الطَّبَلَاوِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّ عِلَّةَ
وُجُوبِ الدَّمِ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ كَوْنُهُ رَبِحَ مِيقَاتًا وَلِهَذَا
إذَا عَادَ
(2/489)
وَ) ثَالِثُهَا (بِقِرَانٍ بِأَنْ يُحْرِمَ
بِهِمَا مَعًا) فِي أَشْهُرِ حَجٍّ (أَوْ بِعُمْرَةٍ) وَلَوْ قَبْلَ
أَشْهُرِهِ (ثُمَّ يَحُجَّ) فِي أَشْهُرِهِ (قَبْلَ شُرُوعٍ فِي طَوَافٍ
ثُمَّ يَعْمَلَ عَمَلَهُ) أَيْ الْحَجِّ فِيهِمَا فَيَحْصُلَانِ، أَمَّا
الْأَوَّلُ فَلِخَبَرِ عَائِشَةَ السَّابِقِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِمَا
رَوَى مُسْلِمٌ أَنَّ «عَائِشَةَ أَحْرَمَتْ بِعُمْرَةٍ فَدَخَلَ عَلَيْهَا
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَجَدَهَا
تَبْكِي فَقَالَ مَا شَأْنُك؟ قَالَتْ حِضْت وَقَدْ حَلَّ النَّاسُ وَلَمْ
أَحْلُلْ وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهِلِّي بِالْحَجِّ فَفَعَلَتْ
وَوَقَفَتْ الْمَوَاقِفَ حَتَّى إذَا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالْبَيْتِ
وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ حَلَلْت مِنْ حَجَّتِك وَعُمْرَتِك
جَمِيعًا» وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي قَبْلَ الشُّرُوعِ مَا إذَا شَرَعَ فِي
الطَّوَافِ فَلَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ لِاتِّصَالِ إحْرَامِ
الْعُمْرَةِ بِمَقْصُودِهِ وَهُوَ أَعْظَمُ أَفْعَالِهَا فَيَقَعُ عَنْهَا
وَلَا يَنْصَرِفُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى غَيْرِهَا وَتَقْيِيدُ الْأَصْلِ
الْإِحْرَامَ بِهِمَا بِكَوْنِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَالْإِحْرَامِ
بِالْعُمْرَةِ بِكَوْنِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ اقْتِصَارٌ عَلَى
الْأَفْضَلِ (وَيَمْتَنِعُ عَكْسُهُ) بِأَنْ يُحْرِمَ بِحَجٍّ وَلَوْ فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
إلَى الْمِيقَاتِ يُسْقِطُ الدَّمَ لَا تَمَتُّعُهُ بَيْنَ الْحَجِّ
وَالْعُمْرَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَبِقِرَانٍ) وَيَجُوزُ الْقِرَانُ لِلْمَكِّيِّ بِأَنْ
يُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ مَكَّةَ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْحَجِّ لَا
الْعُمْرَةِ فَلَا يَلْزَمُ الْخُرُوجُ لِأَدْنَى الْحِلِّ اهـ. حَجّ وم ر.
(قَوْلُهُ: أَوْ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ بِحَجٍّ) قَدْ شَمِلَ الْمَتْنُ مَا لَوْ
أَفْسَدَ الْعُمْرَةَ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ فَيَنْعَقِدُ
إحْرَامُهُ بِهِ فَاسِدٌ أَوْ يَلْزَمُهُ الْمُضِيُّ وَقَضَاءُ
النُّسُكَيْنِ اهـ. حَجّ وَقَالَ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الرَّءُوفِ
وَيَنْبَغِي حُرْمَةُ إدْخَالِهِ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ لِجَعْلِهِ فَاسِدًا
مَعَ تَيَسُّرِ جَعْلِهِ صَحِيحًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَسَاوِي فَاسِدِ
الْحَجِّ وَصَحِيحِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ جَوَازُ جَعْلِهِ
فَاسِدًا وَيَكْفِي فِي مَنْعِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّلَبُّسُ
بِعِبَادَةٍ فَاسِدَةٍ اهـ. ابْنُ الْجَمَّالِ.
(قَوْلُهُ: قَبْلَ شُرُوعٍ فِي طَوَافٍ) أَيْ وَلَوْ احْتِمَالًا.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ
أَنَّهُ لَوْ شَكَّ هَلْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ أَوْ
بَعْدَهُ صَحَّ إحْرَامُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ جَوَازُ إدْخَالِ الْحَجِّ
عَلَى الْعُمْرَةِ حَتَّى يَتَيَقَّنَ الْمَنْعُ فَصَارَ كَمَنْ أَحْرَمَ
وَتَزَوَّجَ وَلَمْ يَدْرِ أَكَانَ إحْرَامُهُ قَبْلَ تَزَوُّجِهِ أَوْ
بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ تَزَوُّجُهُ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: فَيَحْصُلَانِ) أَيْ وَيَدْخُلُ عَمَلُ الْعُمْرَةِ فِي عَمَلِ
الْحَجِّ فَيَكْفِيهِ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ. اهـ. شَرْحِ م ر
وَهَلْ هُمَا أَيْ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعًا
أَوْ لِلْحَجِّ فَقَطْ وَالْعُمْرَةُ لَا حُكْمَ لَهَا أَيْ
لِانْغِمَارِهَا أَيْ فِي الْحَجِّ لَمْ يُصَرِّحْ الْأَصْحَابُ بِذَلِكَ
لَكِنَّ الْأَقْرَبَ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ الثَّانِي اهـ. سَمِّ اهـ. ع ش
عَلَى م ر وَفِي الْعُبَابِ يُنْدَبُ لِلْقَارِنِ أَنْ يَطُوفَ طَوَافَيْنِ
وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَدْ
تَقَدَّمَ. اهـ. ح ل.
(قَوْلُهُ: أَيْضًا فَيَحْصُلَانِ) أَيْ وَيَكْفِيَانِهِ عَنْ حَجَّةِ
الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتِهِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: مَا شَأْنُك) أَيْ أَيُّ شَيْءٍ شَأْنُك فَهُوَ مُبْتَدَأٌ
وَخَبَرٌ اهـ. ع ش.
(قَوْلُهُ: وَلَمْ أَحْلُلْ) بِضَمِّ اللَّامِ الْأُولَى وَحُكِيَ
كَسْرُهَا؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ ثُلَاثِيٌّ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ) عَطْفُ عِلَّةٍ عَلَى مَعْلُولٍ
وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ جَعْلِهِ عَطْفَ تَفْسِيرٍ.
(قَوْلُهُ: وَعُمْرَتُك) أَيْ الَّتِي أَحْرَمْت بِهَا أَوَّلًا
لِصَيْرُورَتِهَا قَارِنَةً وَعَلَيْهِ فَالْعُمْرَةُ الَّتِي أَتَتْ بِهَا
بَعْدُ مِنْ التَّنْعِيمِ تَطَوُّعٌ اهـ. ع ش وَاَلَّذِي تَلَخَّصَ مِنْ
الْبُخَارِيِّ وَشَرْحِهِ أَنَّ إحْرَامَهَا كَانَ أَوَّلًا بِحَجٍّ ثُمَّ
فَسَخَتْهُ إلَى الْعُمْرَةِ بِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَحُثُّهُمْ عَلَى الْعُمْرَةِ فِي ذَلِكَ
الْوَقْتِ لِلرَّدِّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ
امْتِنَاعَ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيَرَوْنَ أَنَّ فِعْلَهَا
فِيهَا مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ ثُمَّ لَمَّا اسْتَمَرَّ عَلَيْهَا
الْحَيْضُ وَلَمْ تَتَمَكَّنْ مِنْ أَعْمَالِ الْعُمْرَةِ إلَى لَيْلَةِ
عَرَفَةَ أَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بِأَنْ تُحْرِمَ بِالْحَجِّ إدْخَالًا لَهُ عَلَى الْعُمْرَةِ لِتَكُونَ
قَارِنَةً أَوْ إبْطَالًا لِلْعُمْرَةِ وَخُرُوجًا مِنْهَا مِنْ غَيْرِ
الْإِتْيَانِ بِأَعْمَالِهَا لِيَكُونَ حَجُّهَا إفْرَادًا فَلَمَّا
أَتَمَّتْ الْحَجَّ أَمَرَهَا بَعْدَهُ بِالْعُمْرَةِ فَاعْتَمَرَتْ مِنْ
التَّنْعِيمِ وَقَالَتْ هَذَا مَكَانُ عُمْرَتِي الَّتِي اعْتَمَرْتهَا
قَبْلُ وَيُحْمَلُ قَوْلُهَا هَذَا عَلَى أَنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ مَوْضِعُ
فَسْخِ إحْرَامِ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ وَإِلَّا فَإِحْرَامُهَا
الْأَوَّلُ كَانَ قَبْلَ التَّنْعِيمِ فَعَلَى هَذَا عُمْرَتُهَا
الثَّانِيَةُ نَفْلٌ عَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ مِنْ كَوْنِ
إحْرَامِهَا الْأَخِيرِ بِالْحَجِّ كَانَ قِرَانًا، وَأَمَّا عَلَى
كَوْنِهِ إفْرَادًا وَأَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ الْعُمْرَةِ الَّتِي فَسَخَتْ
الْحَجَّ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِ أَعْمَالٍ فَتَكُونُ عُمْرَتُهَا
الْأَخِيرَةُ وَاجِبَةً هَذَا مَا تَحَرَّرَ هُنَاكَ وَفِيهِ خُصُوصِيَّاتٌ
لِعَائِشَةَ مِنْ جِهَاتٍ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: مَا إذَا شَرَعَ فِي الطَّوَافِ) أَيْ وَلَوْ بِنَحْوِ خُطْوَةٍ
وَلَا يُؤَثِّرُ نَحْوُ اسْتِلَامِهِ الْحَجَرَ بِنِيَّةِ الطَّوَافِ؛
لِأَنَّهُ مُقَدَّمَتُهُ وَلَيْسَ مِنْهُ، ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ اهـ.
حَجّ.
(قَوْلُهُ: لِاتِّصَالِ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ إلَخْ) أَيْ وَلِأَنَّهُ
أَخَذَ فِي التَّحَلُّلِ الْمُقْتَضِي لِنُقْصَانِ الْإِحْرَامِ فَلَا
يَلِيقُ بِهِ إدْخَالُ الْإِحْرَامِ الْمُقْتَضِي لِفَوْتِهِ اهـ. شَرْحُ م
ر، وَقَوْلُهُ وَهُوَ أَعْظَمُ أَفْعَالِهَا لَعَلَّ الْمُرَادَ
بِالْأَعْظَمِ الْأَفْضَلُ اهـ.
(قَوْلُهُ: اقْتِصَارًا عَلَى الْأَفْضَلِ) أَيْ مِنْ صُوَرِ الْقِرَانِ
أَيْ فَالصُّورَتَانِ اللَّتَانِ ذَكَرَهُمَا الْأَصْلُ لِلْقِرَانِ
أَفْضَلُ مِنْ اللَّتَيْنِ لَمْ يَذْكُرْهُمَا وَهُمَا إحْرَامُهُ بِهِمَا
مِنْ دُونِ الْمِيقَاتِ وَإِحْرَامُهُ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ أَشْهُرِ
الْحَجِّ ثُمَّ بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِهِ وَالصُّورَةُ الْأُولَى مِنْ
الصُّورَتَيْنِ الْمَفْضُولَتَيْنِ فِيهَا دَمٌ لِتَرْكِ الْمِيقَاتِ
غَيْرَ دَمِ الْقِرَانِ هَذَا ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ وَاَلَّذِي يُفْهَمُ
مِنْ شُرُوحِ الْمِنْهَاجِ أَنَّ الْأَفْضَلِيَّةَ إنَّمَا هِيَ فِي إحْدَى
الصُّورَتَيْنِ وَأَنَّ الصُّورَةَ الْأُخْرَى فِيهَا خِلَافٌ.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَغَيْرُ الْأَكْمَلِ يُحْرِمُ بِهِمَا مِنْ دُونِ
الْمِيقَاتِ وَإِنْ لَزِمَهُ دَمٌ فَتَقْيِيدُهُ بِالْمِيقَاتِ لِكَوْنِهِ
الْأَكْمَلَ لَا لِكَوْنِ الثَّانِي لَا يُسَمَّى قِرَانًا انْتَهَتْ.
وَعِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ وَلَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ أَشْهُرِ
الْحَجِّ ثُمَّ أَدْخَلَهُ عَلَيْهَا فِي أَشْهُرِهِ، فَقِيلَ لَا يَصِحُّ
هَذَا الْإِدْخَالُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى صِحَّةِ الْإِحْرَامِ
بِالْحَدِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ وَقِيلَ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ
مُحْرِمًا بِالْحَجِّ وَقْتَ إدْخَالِهِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ الثَّانِي
أَصَحُّ أَيْ فَيَكُونُ قَارِنًا انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ فِي
(2/490)
أَشْهُرِهِ ثُمَّ بِعُمْرَةٍ قَبْلَ
طَوَافٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ بِهِ شَيْئًا بِخِلَافِ إدْخَالِ
الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ فَإِنَّهُ يَسْتَفِيدُ بِهِ الْوُقُوفَ
وَالرَّمْيَ وَالْبَيْتَ.
(وَأَفْضَلُهَا) أَيْ هَذِهِ الْأَوْجُهِ (إفْرَادٌ) بِقَيْدٍ زِدْته
بِقَوْلِي (إنْ اعْتَمَرَ عَامَهُ) فَلَوْ أُخِّرَتْ عَنْهُ الْعُمْرَةُ
كَانَ الْإِفْرَادُ مَفْضُولًا؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَهَا عَنْهُ مَكْرُوهٌ
(ثُمَّ تَمَتُّعٌ) أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَانِ عَلَى خِلَافٍ فِي
أَفْضَلِيَّةِ مَا ذُكِرَ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ اخْتِلَافُ الرُّوَاةِ فِي
إحْرَامِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، رَوَى الشَّيْخَانِ
أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إفْرَادُ الْحَجِّ»
وَرَوَيَا أَيْضًا أَنَّهُ «أَحْرَمَ مُتَمَتِّعًا» وَرَجَحَ الْأَوَّلُ
بِأَنَّ رُوَاتَهُ أَكْثَرُ وَبِأَنَّ جَابِرًا مِنْهُمْ أَقْدَمُ صُحْبَةً
وَأَشَدُّ عِنَايَةً بِضَبْطِ الْمَنَاسِكِ وَبِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اخْتَارَهُ أَوَّلًا كَمَا بَيَّنْته مَعَ فَوَائِدَ
فِي شَرْحِ الرَّوْضِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
أَشْهُرِهِ) كَانَ الْأَوْلَى إسْقَاطَ الْغَايَةِ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ
بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ يَنْعَقِدُ عُمْرَةً كَمَا تَقَدَّمَ
اهـ. ح ل وَجَوَابُهُ أَنَّ الْوَاوَ لِلْحَالِ كَمَا ذَكَرَهُ
الْبِرْمَاوِيُّ لَا لِلْغَايَةِ كَمَا فُهِمَ اهـ. شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ بِهِ شَيْئًا) غَرَضُهُ بِهَذَا
الرَّدِّ عَلَى الْقَدِيمِ الْقَائِلِ بِجَوَازِ الْعَكْسِ وَيَكُونُ
قِرَانًا.
وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ مِنْ شَرْحِ الْمَحَلِّيِّ وَلَا يَجُوزُ عَكْسُهُ
فِي الْجَدِيدِ وَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِهِ ثُمَّ
بِعُمْرَةٍ قَبْلَ الطَّوَافِ لِلْقُدُومِ وَجَوَّزَهُ الْقَدِيمُ قِيَاسًا
عَلَى الْعَكْسِ فَيَكُونُ قِرَانًا أَيْضًا وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ
إدْخَالَ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ يُفِيدُ زِيَادَةً عَلَى أَعْمَالِهَا
بِالْوُقُوفِ وَالرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: وَأَفْضَلُهَا إفْرَادٌ) وَبَحَثَ الْإِسْنَوِيُّ تَبَعًا
لِلْبَارِزِيِّ أَنَّ الْقَارِنَ الَّذِي اعْتَمَرَ قَبْلَ قِرَانِهِ أَوْ
بَعْدَهُ يَكُونُ قِرَانُهُ أَفْضَلَ مِنْ الْإِفْرَادِ لِاشْتِمَالِهِ
عَلَى مَقْصُودِهِ مَعَ زِيَادَةِ عُمْرَةٍ أُخْرَى كَمُتَيَمِّمٍ يَرْجُو
الْمَاءَ آخِرَ الْوَقْتِ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ أَوَّلَهُ ثُمَّ
بِالْوُضُوءِ آخِرَهُ وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا يُلَاقِي مَا نَحْنُ فِيهِ إذْ
الْكَلَامُ فِي الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ كَيْفِيَّاتِ أَدَاءِ النُّسُكَيْنِ
الْمُسْقِطِ لِطَلَبِهِمَا لَا بَيْنَ أَدَاءِ النُّسُكَيْنِ فَقَطْ أَوْ
أَدَائِهِمَا مَعَ زِيَادَةِ نُسُكٍ مُتَطَوَّعٍ بِهِ وَيُرَدُّ أَيْضًا
بِأَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ كَلَامٌ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ نَقُولُ
الْإِفْرَادُ أَفْضَلُ حَتَّى مِنْ الْقِرَانِ مَعَ الْعُمْرَةِ
الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّ فِي فَضِيلَةِ الِاتِّبَاعِ مَا يَرْبُو عَلَى
زِيَادَةِ الْعَمَلِ كَمَا لَا يَخْفَى مِنْ فُرُوعٍ ذَكَرَهَا وَبِمَا
تَقَرَّرَ يُعْلَمُ أَنَّ مَنْ اسْتَنَابَ وَاحِدًا لِلْحَجِّ وَآخَرَ
لِلْعُمْرَةِ لَا تَحْصُلُ لَهُ كَيْفِيَّةُ الْإِفْرَادِ الْفَاضِلِ؛
لِأَنَّ كَيْفِيَّةَ الْإِفْرَادِ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ اهـ شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: إنْ اعْتَمَرَ عَامَهُ) أَيْ وَهُوَ آخِرُ ذِي الْحِجَّةِ اهـ ح
ل وَهُوَ الْعِشْرُونَ يَوْمًا الْبَاقِيَةُ مِنْهُ فَلَوْ اعْتَمَرَ فِي
الْمُحَرَّمِ كَانَ مَفْضُولًا اهـ. شَيْخُنَا ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ م
ر مَا نَصُّهُ: وَالْمُرَادُ بِالْعَامِ مَا بَقِيَ مِنْ الْحَجَّةِ
الَّذِي هُوَ شَهْرُ حَجِّهِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ السُّبْكِيّ اهـ.
وَلَوْ حَجَّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ ذِي
الْحِجَّةِ وَأَتَى بِبَقِيَّةِ أَعْمَالِهَا فِي الْمُحَرَّمِ فَإِنَّهُ
يَكُونُ آتِيًا بِالْإِفْرَادِ الْأَفْضَلِ صَرَّحَ بِهِ الْعَلَّامَةُ
سَمِّ وَمَعْلُومٌ أَنَّ ثَوَابَهُ دُونَ ثَوَابِ مَنْ أَتَى بِهَا
كَامِلَةً فِي ذِي الْحِجَّةِ. اهـ. ابْنُ الْجَمَّالِ.
(قَوْلُهُ: كَانَ الْإِفْرَادُ مَفْضُولًا) أَيْ عَنْ التَّمَتُّعِ
وَالْقِرَانِ فَهُمَا الْأَفْضَلُ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ
لِلتَّعْلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمَحَلِّيُّ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ
تَأْخِيرَ الْعُمْرَةِ عَنْ سَنَةِ الْحَجِّ مَكْرُوهٌ اهـ. وَقَدْ
ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ لِأَنَّ تَأْخِيرَهَا عَنْهُ
مَكْرُوهٌ.
(قَوْلُهُ: عَلَى خِلَافٍ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَأَفْضَلُهَا
إفْرَادٌ ثُمَّ تَمَتُّعٌ فَقَوْلُهُ: مَا ذَكَرَ أَيْ مِنْ الْإِفْرَادِ
وَالتَّمَتُّعِ يَعْنِي أَنَّ أَفْضَلِيَّةَ الْإِفْرَادِ عَلَى
الْإِطْلَاقِ فِيهَا خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ مَا ذَكَرَهُ وَأَفْضَلِيَّةُ
التَّمَتُّعِ عَلَى الْقِرَانِ فِيهَا خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ مَا ذَكَرَهُ
وَبَقِيَ خِلَافٌ آخَرُ لَمْ يَذْكُرْهُ وَهُوَ أَفْضَلِيَّةُ الْقِرَانِ
عَلَى الْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ.
وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ مَعَ شَرْحِ حَجّ وَأَفْضَلُهَا الْإِفْرَادُ
وَبَعْدَهُ التَّمَتُّعُ وَفِي قَوْلِ: التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ وَهُوَ
مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ وَأَطَالُوا فِي الِانْتِصَارِ لَهُ وَفِي قَوْلٍ:
الْقِرَانُ أَفْضَلُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَاخْتَارَهُ جَمْعٌ
مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: رَوَى الشَّيْخَانِ إلَخْ) أَتَى بِدَلِيلَيْنِ الْأَوَّلُ
يُفِيدُ أَفْضَلِيَّةَ الْإِفْرَادِ وَالثَّانِي يُفِيدُ أَفْضَلِيَّةَ
التَّمَتُّعِ وَلَمْ يَذْكُرْ دَلِيلًا لِلْقَوْلِ الثَّالِثِ الَّذِي
عَلِمْته مِنْ عِبَارَةِ حَجّ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمَحَلِّيُّ بِقَوْلِهِ
رَوَى الشَّيْخَانِ «عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا»
اهـ.
(قَوْلُهُ: وَرَوَيَا أَنَّهُ أَحْرَمَ مُتَمَتِّعًا) وَعَنْ أَنَسٍ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ قَرَنَ» وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ
بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَ الْإِفْرَادُ هُوَ الْأَرْجَحَ بِأَنْ يُقَالَ
إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْرَمَ أَوَّلًا مُطْلَقًا
ثُمَّ صَرَفَهُ لِلْعُمْرَةِ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ فَمَنْ
قَالَ إنَّهُ مُطْلَقٌ نَظَرَ إلَى أَوَّلِ إحْرَامِهِ وَمَنْ قَالَ إنَّهُ
مُتَمَتِّعٌ نَظَرَ إلَى أَوَّلِ صَرْفِهِ، وَمَنْ قَالَ إنَّهُ قَارِنٌ
نَظَرَ إلَى مَا بَعْدَ إدْخَالِ الْحَجِّ، وَمَنْ قَالَ إنَّهُ مُفْرِدٌ
نَظَرَ إلَى أَنَّهُ أَتَى بِأَعْمَالِ الْحَجِّ وَمَا ذَكَرَهُ فِي
الْمَجْمُوعِ فِي الْجَمْعِ غَيْرُ مُتَّجَهٍ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: بِأَنَّ رُوَاتَهُ) بِفَتْحِ التَّاءِ؛ لِأَنَّ أَلِفَهُ
أَصْلِيَّةٌ لِانْقِلَابِهَا عَنْ أَصْلٍ كَقُضَاةٍ. اهـ. شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: بِضَبْطِ الْمَنَاسِكِ) أَيْ مِنْ لَدُنْ خُرُوجِهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى أَنْ تَحَلَّلَ اهـ.
بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: اخْتَارَهُ) أَيْ الْإِفْرَادَ أَوَّلًا أَيْ أَحْرَمَ
بِالْحَجِّ أَوَّلًا ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ، وَهَذَا وَإِنْ
لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِ لَكِنَّهُ فَعَلَهُ خُصُوصِيَّةً لَهُ لِلْحَاجَةِ
إلَى بَيَانِ جَوَازِهَا فِي هَذَا الْمَجْمَعِ الْعَظِيمِ وَإِنْ سَبَقَ
بَيَانُهَا مِنْهُ قُبِلَ مُتَعَدِّدًا. اهـ. حَجّ وَإِنَّمَا احْتَاجَ
إلَى بَيَانِ جَوَازِهَا فِي هَذَا الْمَجْمَعِ الْعَظِيمِ؛ لِأَنَّ
الْجَاهِلِيَّةَ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ فِي أَشْهُرِ
الْحَجِّ فَلَا يُزَاحِمُونَ بِهَا الْحَجَّ فِي وَقْتِ إمْكَانِهِ اهـ.
مِنْ ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: كَمَا بَيَّنْته مَعَ فَوَائِدَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ)
عِبَارَتُهُ هُنَاكَ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالصَّوَابُ الَّذِي
نَعْتَقِدُهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْرَمَ
بِالْحَجِّ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ وَخَصَّ بِجَوَازِهِ فِي
(2/491)
وَأَمَّا تَرْجِيحُ التَّمَتُّعِ عَلَى
الْقِرَانِ؛ فَلِأَنَّ أَفْعَالَ النُّسُكَيْنِ فِيهِ أَكْمَلُ مِنْهَا فِي
الْقِرَانِ.
(وَعَلَى) كُلٍّ مِنْ (الْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ دَمٌ) - رَحِمَهُ
اللَّهُ تَعَالَى - {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا
اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] ، وَرَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ
عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - ذَبَحَ عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ يَوْمَ النَّحْرِ» قَالَتْ
وَكُنَّ قَارِنَاتٍ (إنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ حَاضِرِي الْحَرَمِ)
لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْمُتَمَتِّعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
تِلْكَ السَّنَةِ لِلْحَاجَةِ وَأَمَرَ فِي قَوْلِهِ عُمْرَةً لَبَّيْكَ
وَحَجًّا وَبِهَذَا يَسْهُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ فَعُمْدَةُ
رُوَاةِ الْإِفْرَادِ وَهُوَ الْأَكْثَرُ أَوَّلَ الْإِحْرَامِ وَعُمْدَةُ
رُوَاةِ الْقِرَانِ آخِرَهُ مَنْ رَوَى التَّمَتُّعَ أَرَادَ التَّمَتُّعَ
اللُّغَوِيَّ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ وَقَدْ انْتَفَعَ بِالِاكْتِفَاءِ
بِفِعْلٍ وَاحِدٍ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لَمْ يَعْتَمِرْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ عُمْرَةً مُفْرَدَةً
وَلَوْ جُعِلَتْ حَجَّةً مُفْرَدَةً لَكَانَ غَيْرَ مُعْتَمِرٍ فِي تِلْكَ
السَّنَةِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ الْحَجَّ وَحْدَهُ أَفْضَلُ مِنْ
الْقِرَانِ فَانْتَظَمَتْ الرِّوَايَاتُ فِي حَجَّتِهِ فِي نَفْسِهِ،
وَأَمَّا الصَّحَابَةُ فَكَانُوا ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ قِسْمٌ أَحْرَمَ
بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَمَعَهُمْ هَدْيٌ وَقِسْمٌ بِعُمْرَةٍ فَفَرَغُوا
مِنْهَا ثُمَّ أَحْرَمُوا بِحَجٍّ وَقِسْمٌ بِحَجٍّ وَلَا هَدْيَ مَعَهُمْ
فَأَمَرَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقْلَبُوهُ
عُمْرَةً وَهُوَ مَعْنَى فَسْخِ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ وَهُوَ خَاصٌّ
بِالصَّحَابَةِ أَمَرَهُمْ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
لِبَيَانِ مُخَالَفَةِ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ مِنْ
تَحْرِيمِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَاعْتِقَادُهُمْ أَنَّ
إيقَاعَهَا فِيهِ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ كَمَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَدْخَلَ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ» لِذَلِكَ،
وَدَلِيلُ التَّخْصِيصِ خَبَرُ أَبِي دَاوُد عَنْ «الْحَارِثِ بْنِ بِلَالٍ
عَنْ أَبِيهِ، قَالَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت فَسْخَ الْحَجِّ
إلَى الْعُمْرَةِ لَنَا خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً، فَقَالَ بَلْ
لَكُمْ خَاصَّةً» فَانْتَظَمَتْ الرِّوَايَاتُ فِي إحْرَامِهِمْ أَيْضًا
فَمَنْ رَوَى أَنَّهُمْ كَانُوا قَارِنِينَ أَوْ مُتَمَتِّعِينَ أَوْ
مُفْرِدِينَ أَرَادَ بَعْضَهُمْ وَهُمْ الَّذِينَ عُلِمَ ذَلِكَ مِنْهُمْ
وَظَنَّ أَنَّ الْبَقِيَّةَ مِثْلُهُمْ، وَأَمَّا تَفْضِيلُ التَّمَتُّعِ
عَلَى الْقِرَانِ فَلِأَنَّهُ أَكْثَرُ عَمَلًا انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا تَرْجِيحُ التَّمَتُّعِ إلَخْ) لَعَلَّهُ مُقَابِلٌ
لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا أَيْ
الْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ عَلَى الْآخَرِ، وَأَمَّا تَرْجِيحُ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: أَكْمَلُ مِنْهَا فِي الْقِرَانِ) أَيْ لِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ
يَأْتِي بِعَمَلَيْنِ كَامِلَيْنِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُنْشِئُ لَهُمَا
مِيقَاتَيْنِ، وَأَمَّا الْقَارِنُ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِعَمَلٍ وَاحِدٍ
مِنْ مِيقَاتٍ وَاحِدٍ اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: وَعَلَى كُلٍّ مِنْ الْمُتَمَتِّعِ إلَخْ) الْمَعْنَى فِي
إيجَابِ الدَّمِ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ كَوْنُهُ رَبِحَ مِيقَاتًا إذْ لَوْ
كَانَ أَحْرَمَ أَوَّلًا بِالْحَجِّ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ لَكَانَ
يَحْتَاجُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْحَجِّ إلَى خُرُوجِهِ لِأَدْنَى
الْحِلِّ لِيُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ وَإِذَا تَمَتَّعَ اسْتَغْنَى عَنْ
الْخُرُوجِ لِكَوْنِهِ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ مِنْ جَوْفِ مَكَّةَ اهـ.
شَرْحُ م ر وَمِثْلُهُ حَجّ ثُمَّ قَالَ حَجّ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ
الْوَجْهَ فِيمَنْ كَرَّرَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَنَّهُ لَا
يَتَكَرَّرُ عَلَيْهِ وَإِنْ أَخْرَجَ الدَّمَ قَبْلَ التَّكَرُّرِ؛
لِأَنَّ رِبْحَهُ الْمِيقَاتَ بِالْمَعْنَى الَّذِي تَقَرَّرَ لَمْ
يَتَكَرَّرْ وَلَوْ تَمَتَّعَ ثُمَّ قَرَنَ مِنْ عَامِهِ لَزِمَهُ دَمَانِ
عَلَى الْمَنْقُولِ الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِجَمْعٍ لِاخْتِلَافِ
مُوجِبَيْ الدَّمَيْنِ فَلَمْ يُمْكِنْ التَّدَاخُلُ اهـ.
وَأَمَّا وُجُوبُهُ عَلَى الْقَارِنِ فَلِوُجُوبِهِ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ
بِالنَّصِّ، وَفِعْلُ الْمُتَمَتِّعِ أَكْثَرُ مِنْ فِعْلِ الْقَارِنِ
فَإِذَا لَزِمَهُ الدَّمُ فَالْقَارِنُ أَوْلَى وَيَلْزَمُ الدَّمُ
آفَاقِيًّا تَمَتَّعَ نَاوِيًا الِاسْتِيطَانَ بِمَكَّةَ وَلَوْ بَعْدَ
الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيطَانَ لَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ
وَعَلَّلَهُ فِي الذَّخَائِرِ بِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِمُجَاوَزَتِهِ
الْمِيقَاتَ، أَمَّا الْعَوْدُ أَوْ الدَّمُ فِي إحْرَامِ سَنَتِهِ فَلَا
يَسْقُطُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ أَيْضًا وَعَلَى الْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ دَمٌ إلَخْ)
وَهَذَا الدَّمُ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَقْدِيرٍ كَمَا سَيَأْتِي وَسَيَأْتِي
فِي الْمَتْنِ مَا نَصُّهُ وَدَمُ تَرْكِ مَأْمُورٍ كَدَمِ تَمَتُّعٍ،
وَكَذَا دَمُ فَوَاتٍ اهـ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَأْمُورَ أَيْ الْوَاجِبَ
فِي الْحَجِّ خَمْسَةٌ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَطَوَافُ الْوَدَاعِ
وَالرَّمْيُ وَالْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ وَالْمَبِيتُ بِمِنًى وَمِثْلُهَا
الْمَشْيُ الْمَنْذُورُ إذَا أَخْلَفَهُ فَهَذِهِ سِتَّةٌ تُضَمُّ
لِلْفَوَاتِ تَكُونُ سَبْعَةً تُضَمُّ لِلتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ تَكُونُ
تِسْعَةً،
وَقَدْ نَظَمَهَا ابْنُ الْمُقْرِي فِي قَوْلِهِ:
تَمَتُّعٌ فَوْتٌ وَحَجٌّ قَرْنًا ... وَتَرْكُ رَمْيٍ وَالْمَبِيتُ
بِمِنًى وَتَرْكُهُ الْمِيقَاتَ وَالْمُزْدَلِفَهْ ... أَوْ لَمْ يُوَدِّعْ
أَوْ كَمَشْيٍ أَخْلَفَهْ
نَاذِرُهُ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: فَمَنْ تَمَتَّعَ) أَيْ بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ
بِالْعُمْرَةِ أَيْ سَبَبِ الْعُمْرَةِ أَيْ بِسَبَبِ الْفَرَاغِ مِنْهَا
فَالْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ كَمَا عَلِمْت وَقَوْلُهُ:
إلَى الْحَجِّ أَيْ وَاسْتَمَرَّ تَمَتُّعُهُ بِالْمَحْظُورَاتِ إلَى
الْحَجِّ وَقَوْلُهُ: فَمَا اسْتَيْسَرَ السِّينُ زَائِدَةٌ أَيْ فَمَا
تَيَسَّرَ وَمَا اسْمٌ مَوْصُولٌ مُبْتَدَأٌ وَاسْتَيْسَرَ صِلَتُهُ
وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ عَلَيْهِ أَيْ فَاَلَّذِي تَيَسَّرَ
كَائِنٌ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ: مِنْ الْهَدْيِ بَيَانٌ لِمَا اهـ. مِنْ
الْجَلَالَيْنِ بِتَصَرُّفٍ.
(قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ حَاضِرِي الْحَرَمِ) أَفْهَمَ كَلَامُهُ
أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الدَّمِ نِيَّةُ التَّمَتُّعِ وَلَا
وُقُوعُ النُّسُكَيْنِ عَنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ وَلَا بَقَاؤُهُ حَيًّا وَهُوَ
كَذَلِكَ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ اثْنَانِ آخَرَانِ أَحَدُهُمَا لِحَجٍّ
وَالْآخَرُ لِعُمْرَةٍ فَتَمَتَّعَ عَنْهُمَا أَوْ اعْتَمَرَ أَجِيرٌ حَجَّ
عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ حَجَّ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ فَإِنْ كَانَ قَدْ
تَمَتَّعَ بِالْإِذْنِ مِنْ الْمُسْتَأْجَرِينَ أَوْ أَحَدِهِمَا فِي
الْأُولَى أَوْ مِنْ الْمُسْتَأْجَرِ فِي الثَّانِيَةِ فَعَلَى كُلِّ
وَاحِدٍ مِنْ الْآذِنَيْنِ أَوْ الْآذِنِ وَالْأَجِيرِ
(2/492)
{ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ
حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] ، وَقِيسَ بِهِ الْقَارِنُ
فَلَا دَمَ عَلَى حَاضِرِيهِ (وَهُمْ مِنْ) مَسَاكِنِهِمْ (دُونَ
مَرْحَلَتَيْنِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْحَرَمِ لِقُرْبِهِمْ مِنْهُ،
وَالْقَرِيبُ مِنْ الشَّيْءِ يُقَالُ إنَّهُ حَاضِرُهُ، قَالَ تَعَالَى
{وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ}
[الأعراف: 163] أَيْ قَرِيبَةً مِنْهُ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ
لَمْ يَرْبَحُوا مِيقَاتًا كَمَا أَوْضَحْته فِي شَرْحِ الرَّوْضِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
نِصْفُ الدَّمِ إنْ أَيْسَرَ وَإِنْ أَعْسَرَا أَوْ أَحَدُهُمَا فِيمَا
يَظْهَرُ فَالصَّوْمُ عَلَى الْأَجِيرِ أَوْ تَمَتَّعَ بِلَا إذْنٍ مِمَّنْ
ذُكِرَ لَزِمَهُ دَمَانِ دَمٌ لِلتَّمَتُّعِ وَدَمٌ لِأَجْلِ الْإِسَاءَةِ
لِمُجَاوَزَتِهِ الْمِيقَاتَ اهـ. شَرْحُ م ر وَقَدْ يَجِبُ الدَّمُ عَلَى
غَيْرِ مُحْرِمٍ كَمُسْتَأْجِرٍ أَمَرَ أَجِيرَهُ بِتَمَتُّعِهِ
كَالْوَلِيِّ بِسَبَبِ تَمَتُّعِ مُوَلِّيهِ أَوْ قِرَانِهِ أَوْ
إحْصَارِهِ وَارْتِكَابِ الْمُمَيِّزِ الْمُحْرِمِ مَحْظُورًا بِخِلَافِهِ
إذَا كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ فَلَا فِدْيَةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا
وَإِنْ كَانَ إتْلَافًا بِخِلَافِ إتْلَافِهِ مَالَ الْآدَمِيِّ
وَكَالْأَجْنَبِيِّ إذَا طَيَّبَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ بِخِلَافِ مَا إذَا
كَانَ مُمَيِّزًا فَفِيهِ تَفْصِيلٌ يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
اهـ. ابْنُ الْجَمَّالِ.
(قَوْلُهُ: ذَلِكَ) أَيْ الْهَدْيُ وَالصَّوْمُ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَيْ
عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَهُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ إلَخْ) عِبَارَةُ حَجّ وَحَاضِرُوهُ
مَنْ اسْتَوْطَنُوا بِالْفِعْلِ لَا بِالنِّيَّةِ حَالَةَ الْإِحْرَامِ
بِالْعُمْرَةِ مَحَلًّا دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ إلَى أَنْ قَالَ وَمَنْ لَهُ
مَسْكَنَانِ قَرِيبٌ مِنْ الْحَرَمِ وَبَعِيدٌ مِنْهُ اُعْتُبِرَ مَا
مُقَامُهُ بِهِ أَكْثَرُ ثُمَّ مَا بِهِ أَهْلُهُ وَمَالُهُ دَائِمًا
أَكْثَرُ ثُمَّ مَا بِهِ أَهْلُهُ كَذَلِكَ ثُمَّ مَا بِهِ مَالُهُ
كَذَلِكَ ثُمَّ مَا قَصَدَ الرُّجُوعَ إلَيْهِ ثُمَّ مَا خَرَجَ مِنْهُ
ثُمَّ مَا أَحْرَمَ مِنْهُ وَأَهْلُهُ حَلِيلَتُهُ وَمَحَاجِيرُهُ دُونَ
نَحْوِ أَبٍ وَأَخٍ انْتَهَتْ وَقَوْلُهُ: مَا مُقَامُهُ بِهِ أَكْثَرُ
فَإِنْ كَانَ مُقَامُهُ بِالْقَرِيبِ أَكْثَرَ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ أَيْ
وَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ الْبَعِيدِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ هَذَا الْكَلَامِ
وَوَافَقَ م ر عَلَى أَنَّ جَمِيعَ مَا ذَكَرْته قَضِيَّةُ عِبَارَتِهِمْ
فَإِنَّهُ أَخَّرَ اعْتِبَارَ رُتْبَةِ الْإِحْرَامِ عَنْ هَذِهِ
الرُّتْبَةِ وَمَا بَعْدَهَا كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ الْعِبَارَةُ
وَبِالْأَوْلَى لَا دَمَ إذَا كَانَ لَهُ مَسْكَنٌ وَاحِدٌ قَرِيبٌ
وَأَحْرَمَ مِنْ مَكَان بَعِيدٍ ذَهَبَ إلَيْهِ لِحَاجَةٍ، وَعَلَى هَذَا
فَالْمَكِّيُّ إذَا ذَهَبَ إلَى الْمَدِينَةِ لِحَاجَةٍ ثُمَّ أَحْرَمَ
بِالْعُمْرَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ لَا يَلْزَمُهُ دَمُ التَّمَتُّعِ
فَسُقُوطُ الدَّمِ عَنْ الْحَاضِرِ يَكْفِي فِيهِ اسْتِيطَانُهُ مَكَانًا
حَاضِرًا وَلَا يَقْدَحُ فِيهِ خُرُوجُهُ عَنْ الْحُضُورِ وَالْإِحْرَامِ
مِنْ مَكَان بَعِيدٍ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. سَمِّ عَلَيْهِ وَمَنْ
لِوَطَنِهِ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا عَلَى دُونِ مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ
الْحَرَمِ وَالْأُخْرَى عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْهُ فَهُوَ حَاضِرٌ كَمَا
اسْتَوْجَهَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ
فَعَلَيْهِ أَهْلُ السَّلَامَةِ مِنْ الْحَاضِرِينَ اهـ.
وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِيهِ لَكِنْ فِي التُّحْفَةِ فِي بَابِ صَلَاةِ
الْمُسَافِرُ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
الْحَرَمِ أَوْ مَكَّةَ عَلَى خِلَافِ الْمُرَجَّحِ مَرْحَلَتَانِ وَلَوْ
مِنْ إحْدَى الطُّرُقِ لَا يُعَدُّ مِنْ الْحَاضِرِينَ جَوَابًا عَنْ
عَدَمِ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ قَوْلِهِمْ فِي نَحْوِ قَرْنِ الْمَنَازِلِ
أَنَّهَا عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ مَعَ أَنَّ لَهَا طَرِيقَيْنِ
طَوِيلًا وَقَصِيرًا وَبَيْنَ مَا قَالُوهُ فِيمَا لَهُ طَرِيقَانِ طَوِيلٌ
وَقَصِيرٌ تُعْتَبَرُ الْمَسْلُوكَةُ فَلْيُتَأَمَّلْ، فَإِنَّ الْأَوْجَهَ
هُوَ الْأَوَّلُ إذْ الْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ الدَّمِ وَلَا
نَظَرَ لِكَوْنِهِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّ مَنْزِلَهُ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ
ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ الطَّرِيقِ لِمَا عَلِمْت أَنَّ الْأَصْلَ
يُرَجِّحُ الْأَوَّلَ ثُمَّ رَأَيْت عَنْ بَعْضِهِمْ تَفْصِيلًا وَهُوَ
أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مَا يَكُونُ سُلُوكُهُ بِهِ أَكْثَرَ أَخْذًا مِمَّا
إذَا كَانَ لَهُ مَسْكَنَانِ وَكَانَتْ إقَامَتُهُ بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرَ
اهـ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ اعْتِبَارِهِمْ فِيمَنْ لَهُ
مَسْكَنَانِ فِي الْحَاشِيَةِ، ثُمَّ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ حَاضِرٌ
مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ مَنْزِلَهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ عَلَى دُونِ
مَرْحَلَتَيْنِ وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِهِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ
أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ
الدَّمِ اهـ. وَهُوَ الَّذِي ذَكَرْته أَوَّلًا ثُمَّ رَأَيْت عِبَارَةَ
التُّحْفَةِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرُ وَهِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ
وَابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - نَصَّا عَلَى أَنَّ
كُلًّا مِنْ جُدَّةَ وَالطَّائِفِ وَعُسْفَانَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ
مَكَّةَ، ثُمَّ قَالَ نَعَمْ قَدْ يُعَارِضُ ذِكْرُ الطَّائِفِ قَوْلَهُمْ
فِي قَرْنِ الْمَنَازِلِ أَنَّهُ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ أَيْضًا مَعَ
كَوْنِهِ أَقْرَبَ إلَى مَكَّةَ بِنَحْوِ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ أَوْ
أَرْبَعَةٍ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّائِفِ هُوَ وَمَا
قَرُبَ إلَيْهِ فَيَشْمَلُ قَرْنًا اهـ.
وَإِذَا تَأَمَّلْت أُنْتِجَ لَك أَنَّ أَهْلَ السَّلَامَةِ مِنْ
الْحَاضِرِينَ قَطْعًا بِنَصِّ كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ
وَلَوْ مَعَ النَّظَرِ لِقَوْلِهِمْ إنَّ قَرْنًا عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ إذْ
حَدُّ الْحَرَمِ مِنْ أَيِّ طَرِيقٍ كَانَ لِلسَّلَامَةِ عَلَى أَكْثَرَ
مِنْ أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ وَحِينَئِذٍ فَالْبَحْثُ فِيمَنْ عَدَا
الْمَذْكُورِينَ مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ وَجُدَّةَ وَعُسْفَانَ وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ اهـ. ابْنُ الْجَمَّالِ.
(قَوْلُهُ: لِقُرْبِهِمْ مِنْهُ) تَعْلِيلٌ لِكَوْنِ مَنْ دُونَ
الْمَرْحَلَتَيْنِ مِنْ الْحَرَمِ يُسَمَّى حَاضِرًا.
(قَوْلُهُ: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ} [الأعراف: 163] وَهِيَ
أَيْلَةُ الَّتِي عِنْدَ عَقَبَةِ الْحَاجِّ الْمِصْرِيِّ؛ لِأَنَّ
بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْبَحْرِ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: لَمْ يَرْبَحُوا مِيقَاتًا) أَيْ لَمْ يَسْتَفِيدُوا تَرْكَ
مِيقَاتٍ أَيْ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُمْ مِيقَاتُ عَامٍ كَانَ يَلْزَمُهُمْ
الْإِحْرَامُ مِنْهُ بِخِلَافِ الْآفَاقِيِّ فَإِنَّهُ رَبِحَ مِيقَاتًا
أَيْ اكْتَسَبَ رَاحَةً بِسُقُوطِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ
وَاكْتَفَى مِنْهُ بِالْإِحْرَامِ مِنْ مَكَّةَ فَمَتَى رَبِحَ الْمِيقَاتَ
رَبِحَ الرَّاحَةَ بِتَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْهُ وَالِاكْتِفَاءُ
بِالْإِحْرَامِ مِنْ مَكَّةَ اهـ. عَزِيزِي.
(قَوْلُهُ: كَمَا أَوْضَحْته فِي شَرْحِ الرَّوْضِ) عِبَارَتُهُ هُنَاكَ
وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَرْبَحُوا مِيقَاتًا أَيْ عَامًا
لِأَهْلِهِ وَلِمَنْ مَرَّ بِهِ فَلَا يُشْكِلُ
(2/493)
فَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مِنْ
الْآفَاقِيِّينَ وَلَوْ غَيْرَ مُرِيدٍ نُسُكًا ثُمَّ بَدَا لَهُ
فَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ دُخُولِ مَكَّةَ أَوْ عَقِبَ دُخُولِهَا
لَزِمَهُ دَمُ التَّمَتُّعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْحَاضِرِينَ لِعَدَمِ
الِاسْتِيطَانِ وَقَوْلُ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي دُونِ
الْمَرْحَلَتَيْنِ مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ ثُمَّ
أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ لَا يَلْزَمُهُ دَمُ التَّمَتُّعِ مَحْمُولٌ عَلَى
مَنْ اسْتَوْطَنَ وَلَا يَضُرُّ التَّقْيِيدُ بِالْمُرِيدِ؛ لِأَنَّ
غَيْرَهُ مَفْهُومٌ بِالْمُوَافَقَةِ وَمِنْ إطْلَاقِ الْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ عَلَى جَمِيعِ الْحَرَمِ كَمَا هُنَا قَوْله تَعَالَى {فَلا
يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28]
وَعَبَّرَ فِي الْمُحَرَّرِ بَدَلَ الْحَرَمِ بِمَكَّةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
بِمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ وَالْحَرَمِ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ
إذَا عَنَّ لَهُ النُّسُكُ ثُمَّ فَاتَهُ وَإِنْ رَبِحَ مِيقَاتًا
بِتَمَتُّعِهِ لَكِنْ لَيْسَ مِيقَاتًا عَامًّا وَلَا يُشْكِلُ أَيْضًا
بِأَنَّهُمْ جَعَلُوا مَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ كَالْمَوْضِعِ
الْوَاحِدِ فِي هَذَا وَلَمْ يَجْعَلُوهُ فِي مَسْأَلَةِ الْإِسَاءَةِ
وَهُوَ إذَا كَانَ مَسْكَنُهُ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْ الْحَرَمِ
وَجَاوَزَهُ وَأَحْرَمَ كَالْمَوْضِعِ الْوَاحِدِ حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ
الدَّمُ كَالْمَكِّيِّ إذَا أَحْرَمَ مِنْ سَائِرِ بِقَاعِ مَكَّةَ بَلْ
أَلْزَمُوهُ الدَّمَ وَجَعَلُوهُ مُسِيئًا كَالْآفَاقِيِّ؛ لِأَنَّ مَا
خَرَجَ عَنْ مَكَّةَ مِمَّا ذُكِرَ تَابِعٌ لَهَا، وَالتَّابِعُ لَا
يُعْطَى حُكْمَ الْمَتْبُوعِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ وَلِأَنَّهُمْ عَمِلُوا
بِمُقْتَضَى الدَّلِيلِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَهُنَا لَا يَلْزَمُهُ دَمٌ
لِعَدَمِ إسَاءَتِهِ بِعَدَمِ عَوْدِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْحَاضِرِينَ
بِمُقْتَضَى الْآيَةِ وَهُنَاكَ يَلْزَمُهُ دَمٌ لِإِسَاءَتِهِ
بِمُجَاوَزَتِهِ مَا عَيَّنَ لَهُ بِقَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ وَمَنْ كَانَ
دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ
عَلَى أَنَّ الْمَسْكَنَ الْمَذْكُورَ كَالْقَرْيَةِ بِمَنْزِلَةِ مَكَّةَ
فِي جَوَازِ الْإِحْرَامِ مِنْ سَائِرِ بِقَاعِهِ وَعَدَمِ جَوَازِ
مُجَاوَزَتِهِ بِلَا إحْرَامٍ لِمُرِيدِ النُّسُكِ انْتَهَتْ وَذَكَرَ
سَمِّ الْإِشْكَالَ بِعِبَارَةٍ أَوْضَحَ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ
فَقَالَ، قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي نُكَتِ
التَّنْبِيهِ جَعَلُوا مَكَّةَ وَمَا جَاوَرَهَا مِنْ الْأَمْكِنَةِ
مَعْدُودَةً مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ
حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ الدَّمُ عِنْدَ عَدَمِ عَوْدِهِ
إلَى الْمِيقَاتِ وَلَمْ يَجْعَلُوا ذَلِكَ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ فِيمَا
إذَا جَاوَزَهُ الْمُرِيدُ لِلنُّسُكِ غَيْرَ مُحْرِمٍ بَلْ أَوْجَبُوا
عَلَيْهِ الدَّمَ إذَا لَمْ يَعُدُّ، وَلَوْ جَعَلُوهُ شَيْئًا وَاحِدًا
لَكَانَ يُحْرِمُ مِنْ أَيُّهَا شَاءَ كَمَا يُحْرِمُ مِنْ أَيِّ بِقَاعِ
مَكَّةَ شَاءَ مَعَ أَنَّ الدَّمَ وَجَبَ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ
بِسَبَبِ تَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ اهـ. كَلَامُ النَّوَوِيِّ،
وَأَجَابَ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ اهـ. بِحُرُوفِهِ.
(قَوْلُهُ: فَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى النَّفْيِ
فِي قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ حَاضِرِي الْحَرَمِ الَّذِي هُوَ
مَنْطُوقُ الشَّرْطِ اهـ. شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: لَزِمَهُ دَمُ التَّمَتُّعِ) أَيْ وَيَلْزَمُهُ دَمُ
الْمُجَاوَزَةِ أَيْضًا إذَا جَاوَزَهُ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ اهـ. ح ل.
(قَوْلُهُ: وَقَوْلُ الرَّوْضَةِ إلَخْ) وَارِدٌ عَلَى الصُّورَةِ
الْمَطْوِيَّةِ فِي الْغَايَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ، وَلَوْ
غَيْرَ مُرِيدٍ لِلنُّسُكِ إلَخْ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ
أَوْ غَيْرَ مُرِيدٍ لَهُ وَقَوْلُهُ: وَلَا يَضُرُّ التَّقْيِيدُ
بِالْمُرِيدِ إلَخْ أَيْ لَا يَضُرُّ فِي كَلَامِ الرَّوْضَةِ التَّقْيِيدُ
بِالْمُرِيدِ مَعَ أَنَّهُ فِيمَنْ اسْتَوْطَنَ فِي دُونِ
الْمَرْحَلَتَيْنِ وَهُوَ لَا فَرْقَ فِيهِ عِنْدَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ
قَبْلَ الِاسْتِيطَانِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ أَوْ لَا
يَكُونُ، وَحَاصِلُ دَفْعِ هَذَا الضَّرَرِ أَنَّ غَيْرَ الْمُرِيدِ
يُفْهَمُ مِمَّا فِيهَا بِالْأَوْلَى، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا انْتَفَى
الْوُجُوبُ عَنْ مُرِيدِ النُّسُكِ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ فَعَنْ غَيْرِهِ
أَوْلَى تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: كَأَصْلِهَا) وَهُوَ الْعَزِيزُ شَرْحُ الْوَجِيزِ لِلْإِمَامِ
الرَّافِعِيِّ اهـ مِنْ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ.
(قَوْلُهُ: فِي دُونِ مَرْحَلَتَيْنِ) أَيْ فِي شَأْنِ مَنْ دُونَ
مَرْحَلَتَيْنِ أَيْ فِي شَأْنِ مَنْ أَحْرَمَ مِنْ دُونِ
الْمَرْحَلَتَيْنِ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ اسْتَوْطَنَ) أَيْ بَعْدَ مُجَاوَزَتِهِ
وَقَبْلَ إحْرَامِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ عِبَارَةِ التُّحْفَةِ وَبِهِ
يُعْلَمُ مَا لِلْفَهَّامَةِ فِي الْحَاشِيَةِ اهـ. شَوْبَرِيٌّ
وَعِبَارَتُهُ فِي الْحَاشِيَةِ قَوْلُهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ
اسْتَوْطَنَ، هَذَا الْحَمْلُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ الْحَمْلَ
عَلَى آفَاقِيٍّ دَخَلَ مَكَّةَ عَلَى قَصْدِ الِاسْتِيطَانِ فَقَدْ
صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي صُورَةِ التَّمَتُّعِ الْأَصْلِيَّةِ بِأَنَّهُ
لَا عِبْرَةَ بِهَذَا الْقَصْدِ وَيَلْزَمُهُ دَمُ التَّمَتُّعِ وَإِنْ
أَرَادَ مَنْ كَانَ مُسْتَوْطِنًا بِهَا فَعَنْ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ
مَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ فَرَضَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي حُكِمَ فِيهَا
بِعَدَمِ اللُّزُومِ فِي الْآفَاقِيِّ، وَعِبَارَتُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ
تَعَالَى - تَعَالَى تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ: الثَّالِثُ وَهُوَ أَنْ
يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ إلَخْ، ثُمَّ قَالَ
وَإِنَّمَا يَجِبُ الدَّمُ بِشُرُوطٍ الْأَوَّلُ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ
حَاضِرِي الْمَسْجِدِ وَسَاقَ الْبَاقِيَ إلَى أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى
الشَّرْطِ السَّابِعِ فَذَكَرَ مَسْأَلَةَ مَنْ جَاوَزَ مُرِيدًا
لِلنُّسُكِ وَحَكَمَ فِيهَا بِعَدَمِ وُجُوبِ دَمِ التَّمَتُّعِ بِقَوْلِهِ
وَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ تَعْلَمُ
مِنْهُ قَطْعًا أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَوْطِنٍ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْآنِ
وَذَكَرَ لَهُ شُرُوطًا إلَى أَنْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي الشَّرْطِ
السَّابِعِ فَكَيْفَ يَقُولُ الشَّارِحُ إنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ
اسْتَوْطَنَ بِمَعْنَى كَانَ مُسْتَوْطِنًا بِهَا عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ
مُسْتَوْطِنًا بِمَكَّةَ وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدٍ
قَدِمَ مِنْهَا ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ لَا دَمَ عَلَيْهِ؛
لِأَنَّهَا وَطَنُهُ فَلَا يَصِحُّ الْحَمْلُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
أَيْضًا، قَالَ السُّبْكِيُّ لَوْ خَرَجَ الْمَكِّيُّ إلَى بَعْضِ
الْآفَاقِ لِحَاجَةٍ ثُمَّ رَجَعَ وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ
الْحَجِّ فِي عَامِهِ، لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ قَالَ النَّوَوِيُّ بِلَا
خِلَافٍ انْتَهَتْ اهـ. ع ش.
(قَوْلُهُ: بِالْمُوَافَقَةِ) أَيْ الْمَفْهُومُ الْأَوْلَى.
(قَوْلُهُ: وَمِنْ إطْلَاقِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَخْ) وَكَذَا جَمِيعُ
مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذِكْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الْمُرَادُ بِهِ
جَمِيعُ الْحَرَمِ إلَّا قَوْله تَعَالَى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] ، فَالْمُرَادُ بِهِ الْكَعْبَةُ
فَقَطْ، كَذَا أَطْلَقُوهُ وَالْوَجْهُ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْهُ أَيْضًا
آيَةُ لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ حَقِيقَةُ
(2/494)
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَالْفَتْوَى عَلَى
مَا فِيهِ فَقَدْ نَقَلَهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ عَنْ نَصِّ الْإِمْلَاءِ
ثُمَّ قَالَ وَأَيَّدَهُ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ اعْتِبَارَ ذَلِكَ مِنْ
الْحَرَمِ يُؤَدِّي إلَى إدْخَالِ الْبَعِيدِ عَنْ مَكَّةَ وَإِخْرَاجُ
الْقَرِيبِ لِاخْتِلَافِ الْمَوَاقِيتِ وَعَطَفْت عَلَى مَدْخُولِ إنْ
قَوْلِي (وَاعْتَمَرَ الْمُتَمَتِّعُ فِي أَشْهُرِ حَجِّ عَامِهِ) فَلَوْ
وَقَعَتْ الْعُمْرَةُ قَبْلَ أَشْهُرِهِ أَوْ فِيهَا وَالْحَجُّ فِي عَامَ
قَابِلٍ فَلَا دَمَ، وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَ بِهَا فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ
وَأَتَى بِجَمِيعِ أَفْعَالِهَا فِي أَشْهُرِهِ ثُمَّ حَجَّ (وَلَمْ يَعُدْ
لِإِحْرَامِ الْحَجِّ إلَى مِيقَاتٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
الْمَسْجِدِ فَقَطْ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: فِي دُونِ الْمَرْحَلَتَيْنِ) أَيْ فِي شَأْنِ مَنْ دُونَ
الْمَرْحَلَتَيْنِ أَيْ وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ عِبَارَتِهِمْ أَنَّهُ مِنْ
الْآفَاقِيِّينَ حَتَّى يُنَاقِضَ مَا قَبْلَهُ وَقَوْلُ الشَّارِحِ عَلَى
مَنْ اسْتَوْطَنَ أَيْ اتَّخَذَ لَهُ وَطَنًا فِي دُونِ الْمَرْحَلَتَيْنِ
فَيَكُونُ مِنْ الْحَاضِرِينَ وَالْمُرَادُ التَّوَطُّنُ أَيْ بَعْدَ
الْمُجَاوَزَةِ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ كَمَا تَقَدَّمَ
فَسَقَطَ مَا لِلْحَوَاشِي هُنَا اهـ. شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَالْفَتْوَى عَلَى مَا فِيهِ) ضَعِيفٌ
اهـ. ح ل.
(قَوْلُهُ: يُؤَدِّي إلَى إدْخَالِ الْبَعِيدِ عَنْ مَكَّةَ) أَيْ
إدْخَالُهُ فِي حَاضِرِي الْحَرَمِ، وَالْمُرَادُ الْبَعِيدُ عَنْ مَكَّةَ
الْقَرِيبُ مِنْ الْحَرَمِ كَأَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَرَمِ
سِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا وَبَيْنَ طَرَفِ الْحَرَمِ الَّذِي يَلِيهِ
وَبَيْنَ مَكَّةَ عَشْرَةُ أَمْيَالٍ فَهَذَا مِنْ حَاضِرِي الْحَرَمِ مَعَ
أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ سِتَّةً وَخَمْسُونَ مِيلًا وَقَوْلُهُ:
وَإِخْرَاجُ الْقَرِيبِ أَيْ مِنْ مَكَّةَ أَيْ إخْرَاجُهُ عَنْ كَوْنِهِ
مِنْ حَاضِرِي الْحَرَمِ كَأَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَرَمِ
ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا وَبَيْنَ طَرَفِ الْحَرَمِ الَّذِي
يَلِيهِ وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ فَجُمْلَةُ مَا بَيْنَهُ
وَبَيْنَ مَكَّةَ وَاحِدٌ وَخَمْسُونَ مِيلًا فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ مَكَّةَ
بِالنِّسْبَةِ لِلَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا سِتَّةٌ وَخَمْسُونَ مِيلًا
كَمَا عَلِمْت اهـ. سُلْطَانٌ وَقَوْلُهُ: لِاخْتِلَافِ الْمَوَاقِيتِ
كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ لِاخْتِلَافِ جِهَاتِ الْحَرَمِ إذْ لَا
عِلَاقَةَ لِخُصُوصِ الْمَوَاقِيتِ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ
لِاخْتِلَافِ حُدُودِ الْحَرَمِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: أَيْضًا يُؤَدِّي إلَى إدْخَالِ الْبَعِيدِ إلَخْ) زَادَ فِي
شَرْحِ الرَّوْضِ وَيُؤَدِّي أَيْضًا إلَى أَنَّ مَنْ بِذَاتِ عِرْقٍ مِنْ
الْحَاضِرِينَ؛ لِأَنَّهَا عَلَى دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْ الْحَرَمِ
وَلَمْ يَسْتَثْنِهَا أَحَدٌ مِنْ حُكْمِ الْمَوَاقِيتِ اهـ. سَمِّ.
(قَوْلُهُ: وَعَطَفَ عَلَى مَدْخُولِ إنْ) أَيْ لَا عَلَى مَدْخُولِ لَمْ
وَهُوَ الْمَنْفِيُّ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْمَعْنَى عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: فِي أَشْهُرِ حَجِّ عَامِهِ) لِأَنَّ الْجَاهِلِيَّةَ كَانُوا
يَعُدُّونَهَا فِيهَا مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ فَرَخَّصَ الشَّارِعُ
وُقُوعَهَا فِيهَا دَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ عَنْ نَحْوِ غَرِيبٍ قَدِمَ
قَبْلَ عَرَفَةَ بِزَمَنٍ طَوِيلٍ بِعَدَمِ اسْتِدَامَتِهِ إحْرَامَهُ بَلْ
يَتَحَلَّلُ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ مِنْ الدَّمِ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ نَوَى
الْإِحْرَامَ بِالْعُمْرَةِ مَعَ آخِرِ جُزْءٍ مِنْ رَمَضَانَ وَأَتَى
بِأَعْمَالِهَا كُلِّهَا فِي شَوَّالٍ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ مَعَ أَنَّهُ
مُتَمَتِّعٌ كَمَنْ أَتَى بِهَا كُلَّهَا قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ عَلَى
الْمَشْهُورِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: فَلَوْ وَقَعَتْ الْعُمْرَةُ إلَخْ) هَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ
فِي أَشْهُرِ حَجٍّ، وَقَوْلُهُ أَوْ فِيهَا إلَخْ مُحْتَرَزُ الْإِضَافَةِ
فِي قَوْلِهِ: حَجِّ عَامِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَ
إلَخْ فَيَبْعُدُ كَوْنُهُ مُحْتَرَزَ الْمَتْنِ وَلِذَا وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ فَصَلَهُ بِكَذَا وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُحْتَرِزًا بِجَعْلِ
الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ وَاعْتَمَرَ إلَخْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ أَحْرَمَ
بِهَا وَأَتَى بِأَعْمَالِهَا فِي أَشْهُرِ حَجِّ عَامِهِ فَيَخْرُجُ مَا
لَوْ أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ أَشْهُرِهِ وَأَتَى بِأَعْمَالِهَا فِي
أَشْهُرِهِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَعُدْ لِإِحْرَامِ الْحَجِّ إلَخْ) هَذَا الشَّرْطُ
جَارٍ فِي كُلٍّ مِنْ الْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ م ر
فِي شَرْحِهِ، وَصَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ
وَقَدَّمَهُ فِيهِ عَلَى الشَّرْطِ الَّذِي قَبْلَهُ فَكَانَ الْأَوْلَى
هُنَا تَقْدِيمَهُ أَيْضًا وَقَوْلُهُ: لِإِحْرَامِ الْحَجِّ فِيهِ قُصُورٌ
إذْ لَا يَتَأَتَّى الْعَوْدُ لِإِحْرَامِهِ إلَّا لِلْمُتَمَتِّعِ
وَالْقَارِنِ الَّذِي أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ بِالْحَجِّ، وَأَمَّا
الْقَارِنُ الَّذِي أَحْرَمَ بِهِمَا مَعًا فَلَا يَتَأَتَّى عَوْدُهُ
بِالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ بِهِ مِنْ قَبْلُ مَعَ
أَنَّهُ لَوْ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ قَبْلَ الِاشْتِغَالِ بِالْأَعْمَالِ
لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الدَّمُ كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ بَعْدُ أَوْ
دَخَلَهَا الْقَارِنُ إلَخْ فَيُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ فِي الشَّارِحِ
حَيْثُ قَالَ أَوْ أَحْرَمَ بِهِ مِنْ مَكَّةَ أَوْ دَخَلَهَا الْقَارِنُ
أَنَّ قَوْلَهُ لِإِحْرَامِ الْحَجِّ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْمَدَارُ فِي
عَدَمِ وُجُوبِ الدَّمِ عَلَى الْعَوْدِ إلَى الْمِيقَاتِ، سَوَاءٌ كَانَ
مُحْرِمًا بِالْحَجِّ أَوْ لِيُحْرِمَ بِهِ مِنْهُ فَقَوْلُهُ: فَلَوْ
عَادَ إلَيْهِ أَيْ الْمُتَمَتِّعُ وَالْقَارِنُ الَّذِي أَحْرَمَ بِهَا
أَوَّلًا وَأَرَادَ أَنْ يُدْخِلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ، وَكَذَا فِي
قَوْلِهِ أَوْ أَحْرَمَ بِهِ مِنْ مَكَّةَ أَيْ الْمُتَمَتِّعُ
وَالْقَارِنُ الْمَذْكُورُ فَقَوْلُهُ: أَوْ دَخَلَهَا الْقَارِنُ إلَخْ
أَيْ الَّذِي أَحْرَمَ بِهِمَا مَعًا وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ قَبْلَ
الْوُقُوفِ لِيَكُونَ الْعَوْدُ لِلْمِيقَاتِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي
الْأَعْمَالِ حَتَّى لَا يَجِبَ الدَّمُ تَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْت فِي
حَوَاشِي التَّحْرِيرِ لِلْقَلْيُوبِيِّ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ لِإِحْرَامِ
الْحَجِّ مِنْ الْمِيقَاتِ الْأَوْلَى إسْقَاطُ هَذَا وَيَقُولُ وَلَمْ
يَعُدْ إلَى مِيقَاتٍ لِيَشْمَلَ مَنْ أَحْرَمَ بِهِمَا مَعًا ثُمَّ عَادَ
وَمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ بَعْدَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ عَادَ أَوْ
أَدْخَلَهُ عَلَيْهَا ثُمَّ عَادَ اهـ. وَلِلشَّيْخِ عَبْدِ الْبَرِّ
أَيْضًا مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ وَلَمْ يَعُدْ إلَخْ وَصُورَتُهُ فِي
الْقَارِنِ أَنْ يُحْرِمَ أَوَّلًا بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ يُدْخِلَ عَلَيْهَا
الْحَجَّ فَهَذَا هُوَ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ، وَأَمَّا لَوْ أَحْرَمَ
بِهِمَا مَعًا فَلَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّهِ الْعَوْدُ لَكِنْ لَهُ أَنْ
يَعُودَ وَإِنْ لَمْ يُحْرِمْ بِشَيْءٍ لِسُقُوطِ الدَّمِ عَنْهُ
فَقَوْلُهُ: هُنَا لِإِحْرَامِ الْحَجِّ لَيْسَ بِقَيْدٍ فَالدَّارُ عَلَى
قَطْعِ الْمَسَافَةِ فَقَطْ انْتَهَى.
وَعِبَارَةُ الْعُبَابِ: الرَّابِعُ أَنْ لَا يَعُودَ لِلْحَجِّ إلَى
مِيقَاتِ عُمْرَتِهِ أَوْ مِثْلِ مَسَافَتِهِ أَوْ إلَى مِيقَاتٍ عَلَى
دُونِهَا كَمَنْ مِيقَاتُهُ الْجُحْفَةُ فَعَادَ لِذَاتِ عِرْقٍ أَوْ إلَى
مَرْحَلَتَيْنِ قَالَ
(2/495)
وَلَوْ أَقْرَبَ إلَى مَكَّةَ مِنْ
مِيقَاتِ عُمْرَتِهِ أَوْ إلَى مِثْلِ مَسَافَةِ مِيقَاتِهَا فَلَوْ عَادَ
إلَيْهِ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِانْتِفَاءِ
تَمَتُّعِهِ وَتَرَفُّهِهِ، وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَ بِهِ مِنْ مَكَّةَ أَوْ
دَخَلَهَا الْقَارِنُ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ ثُمَّ عَادَ كُلٌّ مِنْهُمَا
إلَى مِيقَاتِ.
(وَوَقْتِ وُجُوبِ الدَّمِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ
(إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ مُتَمَتِّعًا
بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ وَوَقْتُ جَوَازِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ
الْعُمْرَةِ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَلَا يَتَأَقَّتُ ذَبْحُهُ
كَسَائِرِ دِمَاءِ الْجُبْرَانَاتِ بِوَقْتٍ (وَ) لَكِنْ (الْأَفْضَلُ
ذَبْحُهُ يَوْمَ نَحْرٍ) لِلِاتِّبَاعِ وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ
أَوْجَبَهُ فِيهِ (فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ) حِسًّا أَوْ شَرْعًا (بِحَرَمٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
فِي شَرْحِهِ مِنْ مَكَّةَ وَزَعَمَ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى
الضَّعِيفِ السَّابِقِ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّ الْمُلْحَظَ هُنَا
غَيْرُهُ وَهُوَ عَدَمُ رِبْحِ مِيقَاتٍ وَمَنْ عَادَ لِمِثْلِ مَسَافَةِ
أَدْنَى الْمَوَاقِيتِ لَمْ يَرْبَحْ مِيقَاتًا إلَخْ اهـ. اهـ. سَمِّ
عَلَى حَجّ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَقْرَبَ إلَى مَكَّةَ مِنْ مِيقَاتِ عُمْرَتِهِ) أَيْ
الَّذِي اعْتَمَرَ مِنْهُ وَفِيهِ أَنَّهُ مُتَمَتِّعٌ الْآنَ بِمَا زَادَ
عَلَى ذَلِكَ فِي الْمَسَافَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ هُوَ الْآنَ لَمْ
يَرْبَحْ مِيقَاتًا وَقَوْلُهُ: ثُمَّ عَادَ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى مِيقَاتٍ
أَيْ مِنْ مَوَاقِيتِ الْحَجِّ كَيَلَمْلَمَ اهـ. ح ل قَالَ فِي شَرْحِ
الرَّوْضِ وَاكْتَفَى هُنَا بِالْمِيقَاتِ الْأَقْرَبِ بِخِلَافِهِ فِيمَا
مَرَّ فِي عَوْدِهِ إلَى الْمِيقَاتِ بَعْدَ مُجَاوَزَتِهِ عَلَى مَا هُوَ
ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ ثُمَّ لِأَنَّهُ هُنَاكَ قَضَاءٌ لِمَا فَوَّتَهُ
بِإِسَاءَتِهِ؛ لِأَنَّهُ دَمُ إسَاءَةٍ بِخِلَافِهِ هُنَا اهـ. سَمِّ.
(قَوْلُهُ: فَلَوْ عَادَ إلَيْهِ) أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ قَوْلِهِ إلَى
الْمِيقَاتِ، وَقَوْلُهُ أَوْ إلَى مِثْلِ مَسَافَةِ مِيقَاتِهَا.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ عَادَ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى مِيقَاتٍ) أَيْ قَبْلَ
تَلَبُّسِهِ بِنُسُكٍ فَخَرَجَ مَا إذَا عَادَ بَعْدَ تَلَبُّسِهِ بِهِ
فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ الْعَوْدُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ النُّسُكُ
وُقُوفًا وَهُوَ ظَاهِرٌ وَطَوَافَ قُدُومٍ كَأَنْ خَرَجَ الْمُتَمَتِّعُ
إلَى مَحَلٍّ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْ مَكَّةَ وَيُحْرِمُ مِنْهُ
بِالْحَجِّ ثُمَّ يَدْخُلُهَا وَيَطُوفُ لِلْقُدُومِ أَوْ كَانَ طَوَافَ
وَدَاعٍ مَسْنُونًا بِأَنْ يُحْرِمَ مِنْهَا بِالْحَجِّ ثُمَّ يَطُوفُ
لِلْوَدَاعِ عِنْدَ خُرُوجِهِ لِعَرَفَةَ وَاعْلَمْ أَنَّهُ عَبَّرَ فِي
التُّحْفَةِ بَدَلَ التَّعْبِيرِ بِنُسُكٍ بِقَبْلِ الْوُقُوفِ فَكَتَبَ
عَلَيْهِ مَوْلَانَا وَسَيِّدُنَا وَشَيْخُنَا مُحَقِّقُ عَصْرِهِ عُمَرُ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُقْتَضَاهُ نَفَعَ الْعَوْدُ قَبْلَهُ أَيْ
الْوُقُوفِ وَلَوْ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ فِيمَا لَوْ أَحْرَمَ
بِالْحَجِّ خَارِجَ مَكَّةَ أَوْ بَعْدَ طَوَافِ الْوَدَاعِ الْمَسْنُونِ
عِنْدَ الذَّهَابِ إلَى عَرَفَةَ وَقَدْ جَزَمَ فِي فَتْحِ الْجَوَّادِ
بِأَنَّ الْعَوْدَ حِينَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الْمُتَمَتِّعَ وَلَا الْقَارِنَ
وَهُوَ مُقْتَضَى مَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَخَصَّ فِي الْحَاشِيَةِ
تَعْمِيمَ النُّسُكِ الَّذِي يَمْنَعُ التَّلَبُّسَ بِهِ نَفْعَ الْعَوْدِ
بِالْمُتَمَتِّعِ، وَأَمَّا الْقَارِنُ فَيُجْزِيهِ الْعَوْدُ قَبْلَ
الْوَقْفِ وَإِنْ سَبَقَهُ نَحْوُ طَوَافِ قُدُومٍ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا
بِمَا لَا يَخْلُو عَنْ تَكَلُّفٍ وَهُوَ مُقْتَضَى مَتْنِ الرَّوْضِ
فَإِنَّهُ عَبَّرَ فِي الْمُتَمَتِّعِ بِقَبْلِ النُّسُكِ وَفِي الْقَارِنِ
بِقَبْلِ الْوُقُوفِ لَكِنْ زَادَ شَارِحُهُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ قَوْلَهُ
أَوْ نُسُكٌ آخَرُ كَمَا أَشَرْت إلَيْهِ آنِفًا، وَأَمَّا صَاحِبُ
الْمُغْنِي وَالنِّهَايَةِ فَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِهَذَا الْقَيْدِ فِي
الْمُتَمَتِّعِ وَقَيَّدَاهُ فِي الْقَارِنِ بِقَبْلِ الْوُقُوفِ تَبَعًا
لِمَتْنِ الرَّوْضِ اهـ. وَحَاصِلُ الْفَرْقِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي
الْحَاشِيَةِ أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ فَرْعٌ مِنْ تَحَلُّلِ بَعْضِ
النُّسُكَيْنِ فَأَثَّرَ فِعْلُهُ لِشَبَهِ مَا يَقَعُ بِهِ التَّحَلُّلُ
وَهُوَ الطَّوَافَانِ الْمَذْكُورَانِ، وَأَمَّا الْقَارِنُ فَلَا يَأْخُذُ
فِي أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ إلَّا بِالْوُقُوفِ قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا
الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الرَّءُوفِ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَقَدْ يُقَالُ
مِثْلُ الطَّوَافَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُتَمَتِّعِ
الْمَبِيتُ بِمِنًى لَيْلَةَ التَّاسِعِ فَلَا يَنْفَعُهُ الْعَوْدُ
بَعْدَهُ حِينَئِذٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَيْسَ الْمَبِيتُ الْمَذْكُورُ
عَلَى صُورَةِ رُكْنٍ بَلْ عَلَى صُورَةِ وَاجِبٍ وَلَا دَخْلَ لَهُ فِي
التَّحَلُّلِ فَيَنْفَعُهُ الْعَوْدُ حِينَئِذٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا
بَيَّنْته فِي حَاشِيَتِي عَلَى شَرْحِ أَبْيَاتِ الدِّمَاءِ اهـ. ابْنُ
الْجَمَّالِ.
(قَوْلُهُ: عَلَيْهِ) أَيْ الْمُتَمَتِّعِ اُنْظُرْ مَا وَقْتُ وُجُوبِهِ
عَلَى الْقَارِنِ بِصُورَتَيْهِ فَإِنِّي لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ) أَيْ فَلَا يَسْتَقِرُّ قَبْلَهُ فَلَوْ
مَاتَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: لِلِاتِّبَاعِ وَخُرُوجًا إلَخْ) وَلَوْلَا هَذَانِ لَكَانَ
الْقِيَاسُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْ وَقْتِ الْوُجُوبِ وَالْإِمْكَانِ
كَالزَّكَاةِ اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: مَنْ أَوْجَبَهُ فِيهِ) وَهُوَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - اهـ. بِرْمَاوِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
-.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ عَجَزَ إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَعَلَى كُلٍّ
مِنْ الْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ دَمٌ إلَخْ تَأَمَّلْ. اهـ. شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: أَيْضًا فَإِنْ عَجَزَ بِحَرَمٍ إلَخْ) أَيْ وَقْتَ الْأَدَاءِ
لَا وَقْتَ الْوُجُوبِ اهـ. حَجّ فَالْعِبْرَةُ فِي مَكَانِ الْعَجْزِ
بِالْحَرَمِ وَفِي زَمَانِهِ بِوَقْتِ الْأَدَاءِ أَيْ الْوَقْتِ الَّذِي
يُرِيدُ أَدَاءَ الدَّمِ فِيهِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: أَيْضًا فَإِنْ عَجَزَ بِحَرَمٍ إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ قَدَرَ
عَلَيْهِ بِبَلَدِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ أَمْ لَا بِخِلَافِ كَفَّارَةِ
الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الْهَدْيَ يَخْتَصُّ ذَبْحُهُ بِالْحَرَمِ دُونَ
الْكَفَّارَةِ فَلَوْ عَدِمَ الْهَدْيَ فِي الْحَالِ وَعَلِمَ وُجُودَهُ
قَبْلَ فَرَاغِ الصَّوْمِ فَلَهُ الصَّوْمُ فِي الْأَظْهَرِ مَعَ أَنَّهُ
لَمْ يَعْجِزْ فِي مَوْضِعِهِ وَلَوْ رُجِيَ وُجُودُهُ جَازَ لَهُ
الصَّوْمُ وَفِي اسْتِحْبَابِ انْتِظَارِهِ مَا مَرَّ فِي التَّيَمُّمِ
وَلَوْ وَجَدَ الْمُتَمَتِّعُ الْفَاقِدُ لِلْهَدْيِ الْهَدْيَ بَيْنَ
الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَالصَّوْمِ لَزِمَهُ الْهَدْيُ لَا إنْ وَجَدَهُ
بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الصَّوْمِ فَلَا يَلْزَمُهُ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ
خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ اهـ. شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ: لَا إنْ وَجَدَهُ
بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الصَّوْمِ وَإِذَا فَعَلَهُ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي
الصَّوْمِ فَهَلْ تَسْقُطُ بَقِيَّتُهُ لِفِعْلِهِ مَا هُوَ الْأَصْلُ
وَيَقَعُ مَا فَعَلَ لَهُ نَفْلًا مُطْلَقًا أَمْ لَا فِيهِ نَظَرٌ
وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ عَجَزَ عَنْ
الْإِعْتَاقِ فِي كَفَّارَةِ الْوِقَاعِ وَالظِّهَارِ وَشَرَعَ فِي
الصَّوْمِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْإِعْتَاقِ فَفَعَلَهُ فَإِنَّ مَا صَامَهُ
يَقَعُ نَفْلًا مُطْلَقًا اهـ. عِ ش عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: حِسًّا) بِأَنْ لَمْ يَجِدْهُ
(2/496)
صَامَ) بَدَلَهُ وُجُوبًا (قَبْلَ) يَوْمِ
(نَحْرٍ) مِنْ زِيَادَتِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
أَوْ شَرْعًا بِأَنْ وَجَدَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ وَلَوْ
بِمَا يُتَغَابَنُ بِهِ أَوْ بِثَمَنِ الْمِثْلِ لَكِنْ احْتَاجَ إلَيْهِ
لِمُؤَنِ سَفَرِهِ الْجَائِزِ أَوْ لِدَيْنِهِ وَلَوْ مُؤَجَّلًا كَمَا
اسْتَظْهَرَهُ فِي الْإِمْدَادِ فِي الْأَوْلَى وَجَزَمَ بِهِ فِيهَا فِي
مَتْنِ الْمُخْتَصَرِ وَقِيَاسًا عَلَى أَصْلِ النُّسُكِ فِي الثَّانِيَةِ
أَوْ غَابَ مَالُهُ قَالَ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الرَّءُوفِ وَلَوْ دُونَ
مَسَافَةِ الْقَصْرِ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْفَقْدِ حَالَ الْأَدَاءِ
بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي قِسْمِ الصَّدَقَاتِ حَيْثُ كَانَ فَقِيرًا
بِغَيْبَتِهِ مَرْحَلَتَيْنِ وَغَنِيًّا بِدُونِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا
يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ عُرْفًا إلَّا كَذَلِكَ
اهـ. وَاسْتَوْجَهَ ذَلِكَ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الشَّرْحِ لَكِنْ قَالَ
يَنْبَغِي تَقْيِيدُ مَا دُونَهُمَا بِمَا إذَا كَانَ فِي إحْضَارِهِ
مَشَقَّةٌ لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً انْتَهَى أَوْ وَمُحْتَاجٌ إلَى ثَمَنِهِ
وَاسْتَظْهَرَ فِي التُّحْفَةِ أَنَّهُ يَأْتِي هُنَا مَا ذَكَرُوهُ فِي
الْكَفَّارَةِ مِنْ ضَابِطِ الْحَاجَةِ وَمِنْ اعْتِبَارِ سِنِّهِ أَوْ
الْعُمُرِ الْغَالِبِ أَيْ وَهُوَ الْمُرَجَّحُ عِنْدَ عَامَّةِ
الْمُتَأَخِّرِينَ وَمَنْقُولُ الْجُمْهُورِ وَبِهِ جَزَمَ الْبَغَوِيّ فِي
فَتَاوِيهِ وَمِنْ اعْتِبَارِ وَقْتِ الْأَدَاءِ الْوُجُوبُ قَالَ
وَقِيَاسُ مَا تَقَرَّرَ أَنَّ مَنْ عَلَى دُونِ مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ
مَحَلٍّ يُسَمَّى حَاضِرًا فِيهِ وَمَا يَأْتِي فِي الدِّيَاتِ أَنَّهُ
يَجِبُ نَقْلُهَا مِنْ دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ أَنْ يُلْحَقَ
بِمَوْضِعِهِ هُنَا كُلُّ مَا كَانَ عَلَى دُونِ مَرْحَلَتَيْنِ مِنْهُ
وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ وَلَوْ أَمْكَنَهُ الِاقْتِرَاضُ قَبْلَ
حُضُورِ مَالِهِ الْغَائِبِ يَأْتِي هُنَا مَا يَأْتِي فِي قِسْمِ
الصَّدَقَاتِ فِيمَا يَظْهَرُ قَالَهُ فِي التُّحْفَةِ قَالَ مَوْلَانَا -
رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهَذَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الِاقْتِرَاضِ
لَكِنْ فِي فَتْحِ الْجَوَّادِ أَيْ وَأَصْلُهُ وَإِنْ وَجَدَ مَنْ
يُقْرِضُهُ فِيمَا يَظْهَرُ كَالتَّيَمُّمِ اهـ. وَيَظْهَرُ أَنَّ هَذَا
أَوْجَهُ مِمَّا فِي التُّحْفَةِ وَيُؤَيِّدُهُ تَصْرِيحُهُمْ هُنَا
بِأَنَّهُ يُقَدَّمُ الدَّيْنُ وَلَوْ مُؤَجَّلًا عَلَى الدَّمِ اهـ.
وَبِهِ جَزَمَ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الرَّءُوفِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى
شَرْحِ الشَّارِحِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى اهـ. ابْنُ الْجَمَّالِ.
(قَوْلُهُ: صَامَ بَدَلَهُ وُجُوبًا قَبْلَ يَوْمِ نَحْرٍ) هَذَانِ كَانَ
الصَّوْمُ مُتَعَلِّقًا بِالْحَجِّ كَمَا هُوَ سِيَاقُ الْكَلَامِ فَإِنْ
تَعَلَّقَ بِالْعُمْرَةِ كَأَنْ جَاوَزَ مِيقَاتَهَا بِلَا إحْرَامٍ
فَإِنَّ الثَّلَاثَةَ تَكُونُ أَدَاءً قَبْلَ التَّحَلُّلِ مِنْهَا
وَعَقِبَهُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ السَّبْعَةِ بِيَوْمٍ إنْ كَانَ
مَكِّيًّا وَبِمُدَّةِ السَّيْرِ إنْ كَانَ آفَاقِيًّا اهـ. ابْنُ
الْجَمَّالِ.
(قَوْلُهُ: أَيْضًا صَامَ بَدَلَهُ وُجُوبًا قَبْلَ يَوْمِ نَحْرٍ) هَذَا
لَا يَتَأَتَّى إلَّا فِي الصَّوْمِ الَّذِي سَبَبُهُ مُتَقَدِّمٌ عَلَى
يَوْمِ النَّحْرِ وَذَلِكَ خَمْسَةُ أَسْبَابٍ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ
وَتَرْكُ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَتَرْكُ الْمَشْيِ الْمَنْذُورِ
وَفَوَاتُ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الصَّوْمِ فِيهِ مِنْ حِينِ
الْإِحْرَامِ بِالْقَضَاءِ فَيُوقَعُ الثَّلَاثَةُ قَبْلَ يَوْمِ
النَّحْرِ، وَأَمَّا فِي الصَّوْمِ الَّذِي سَبَبُهُ مُتَأَخِّرٌ فَلَا
يَتَأَتَّى فِيهِ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَإِنَّمَا
وَقْتُ أَدَائِهَا عَقِبَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ هَكَذَا أَشَارَ حَجّ
لِهَذَا التَّفْصِيلِ.
وَعِبَارَةُ ابْنِ الْجَمَّالِ بَعْدَ قَوْلِ النَّظْمِ يَصُومُ إنْ دَمًا
فَقَدَ، أَيْ يَصُومُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّمَتُّعِ
وَالْقِرَانِ وَالْفَوَاتِ وَمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ فِي الْحَجِّ
وَالْمَشْيِ وَالرُّكُوبِ الْمَنْذُورَيْنِ وَعَقِبَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ
بِالنِّسْبَةِ لِلرَّمْيِ وَالْمَبِيتَيْنِ وَبَعْدَ اسْتِقْرَارِ الدَّمِ
عَلَيْهِ فِي طَوَافِ الْوَدَاعِ إمَّا بِوُصُولِهِ لِمَسَافَةِ الْقَصْرِ
أَوْ لِنَحْوِ وَطَنِهِ كَمَا مَرَّ وَبَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ
بِالنِّسْبَةِ لِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ فِيهَا وَالْمَشْيِ وَالرُّكُوبِ
الْمَنْذُورَيْنِ فِيهَا انْتَهَتْ وَمَحَلُّ وُجُوبِ الصَّوْمِ إنْ قَدَرَ
عَلَيْهِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الْهَدْيِ قَبْلَ فَرَاغِ
الصَّوْمِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ جَاءَ فِيهِ مَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ مِنْ
وُجُوبِ الْمُدِّ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْإِمْدَادِ
بَقِيَ الْوَاجِبُ فِي ذِمَّتِهِ فَإِذَا قَدَرَ عَلَى أَيِّ وَاحِدٍ
فَعَلَهُ وَلَا يُنَافِي هَذَا قَوْلَهُمْ إنَّ هَذَا الدَّمَ مُرَتَّبٌ
مُقَدَّرٌ؛ لِأَنَّ الْإِطْعَامَ إنَّمَا هُوَ بَدَلٌ عَنْ الصَّوْمِ
الَّذِي عَجَزَ عَنْهُ فَالتَّرْتِيبُ وَاقِعٌ بَيْنَ الدَّمِ وَبَدَلِهِ
الَّذِي هُوَ الصَّوْمُ، وَلَوْ مَاتَ الْمُتَمَتِّعُ قَبْلَ فَرَاغِ
أَعْمَالِ الْحَجِّ أَيْ أَرْكَانِهِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الدَّمُ
وَيَخْرُجْ مِنْ تَرِكَتِهِ، قَالَهُ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الرَّءُوفِ
فَإِنْ قُلْت كَيْفَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الدَّمُ مَعَ أَنَّهُ لَمْ
يَحْصُلْ لَهُ حَجٌّ، قُلْت لِأَنَّهُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ الْتَزَمَ
جَمِيعَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ أُثِيبَ عَلَى مَا فَعَلَهُ
فَاحْتَاجَ لِجَبْرِ نَقْصِهِ اهـ. أَوْ بَعْدَ فَرَاغِهِ قَطْعًا أَوْ
قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الصَّوْمِ سَقَطَ بِخِلَافِهِ بَعْدَهُ فَيُصَامُ
عَنْهُ أَوْ يُطْعَمُ مِنْ تَرِكَتِهِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ وَلَا
يَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ إلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بَدَلُ
الصَّوْمِ وَهُوَ لَا يَجِبُ إيقَاعُهُ فِي الْحَرَمِ بِخِلَافِ طَعَامِ
نَحْوِ الصَّيْدِ نَعَمْ يُسْتَحَبُّ صَرْفُهُ فِيهِ قَالَ الشَّارِحُ -
رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، قُلْت وَالظَّاهِرُ جَرَيَانُ ذَلِكَ فِي
بَقِيَّةِ الدِّمَاءِ الْمُلْحَقَةِ بِدَمِ التَّمَتُّعِ اهـ. وَإِذَا
أَطْعَمَ عَنْهُ الْوَلِيُّ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدًّا تَعَيَّنَ لِكُلِّ
مِسْكِينٍ مُدٌّ؛ لِأَنَّ كُلَّ مُدٍّ بَدَلٌ عَنْ يَوْمٍ، قَالَ فِي
التُّحْفَةِ وَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ عَنْ التَّمَتُّعِ مِمَّا يَتَعَيَّنُ
فِي طَعَامِهِ الْمُدُّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ. اهـ. اهـ ابْنُ الْجَمَّالِ.
(فَرْعٌ)
وَجَدَ الْهَدْيَ بَيْنَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَالصَّوْمِ لَزِمَهُ لَا
بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ بَلْ يُسْتَحَبُّ، وَإِذَا مَاتَ
الْمُتَمَتِّعُ قَبْلَ فَرَاغِ الْحَجِّ، وَالْوَاجِبُ هَدْيٌ لَمْ
يَسْقُطْ أَيْ بَلْ يُخْرَجُ مِنْ تَرِكَتِهِ
(2/497)
(ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ تُسَنُّ قَبْلَ)
يَوْمِ (عَرَفَةَ) ؛ لِأَنَّهُ يُسَنُّ لِلْحَاجِّ فِطْرُهُ وَلَا يَجُوزُ
صَوْمُ شَيْءٍ مِنْهَا فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَلَا فِي أَيَّامِ
التَّشْرِيقِ كَمَا مَرَّ ذَلِكَ فِي بَابِهِ وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا
عَلَى الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ فَلَا
تُقَدَّمُ عَلَى وَقْتِهَا (وَسَبْعَةً فِي وَطَنِهِ) قَالَ تَعَالَى:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
أَوْ صَوْمٌ سَقَطَ إنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ وَإِلَّا فَكَرَمَضَانَ فَيُصَامُ
عَنْهُ أَوْ يُطْعَمُ اهـ. رَوْضٌ اهـ. سم عَلَى حَجّ.
(قَوْلُهُ: ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ تُسَنُّ إلَخْ) وَيَجِبُ فِي هَذَا
الصَّوْمِ تَبْيِيتُ النِّيَّةِ وَهَلْ يَجِبُ تَعْيِينُ الصَّوْمِ كَأَنْ
يَنْوِيَ صَوْمَ التَّمَتُّعِ إنْ تَمَتَّعَ أَوْ الْقِرَانِ إنْ قَرَنَ
صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ بِالْأَوَّلِ وَجَرَى عَلَيْهِ
الشَّارِحُ، قَالَ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الرَّءُوفِ لَكِنْ يُنَافِيهِ
عَدَمُ وُجُوبِ التَّعْيِينِ فِي الْكَفَّارَاتِ بَلْ تَكْفِيهِ نِيَّةُ
الْوَاجِبِ بِلَا تَعْيِينٍ فَقِيَاسُهُ هُنَا كَذَلِكَ وَبِهِ صَرَّحَ
الْقَفَّالُ وَاسْتِظْهَارُ شَيْخِنَا الْأَوَّلَ مَحْمُولٌ عَلَى
الْأَوْلَوِيَّةِ اهـ. ابْنُ الْجَمَّالِ.
(قَوْلُهُ: تُسَنُّ قَبْلَ عَرَفَةَ) أَيْ فَالْأَوْلَى أَنْ يُحْرِمَ
قَبْلَ سَادِسِ الْحِجَّةِ وَيَصُومَهُ وَتَالِيَيْهِ وَإِذَا أَحْرَمَ فِي
زَمَنٍ يَسَعُ الثَّلَاثَةَ وَجَبَ عَلَيْهِ تَقْدِيمُهَا قَبْلَ يَوْمِ
النَّحْرِ فَإِنْ لَمْ يَسَعْ إلَّا بَعْضَهَا وَجَبَ، فَإِنْ أَخَّرَهَا
أَوْ بَعْضَهَا عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عَصَى وَصَارَتْ قَضَاءً،
وَإِنْ أَخَّرَ الطَّوَافَ وَالْحَلْقَ وَصَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ فِي
الْحَجِّ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَهُمَا عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ نَادِرٌ
فَلَا يَكُونُ مُرَادًا مِنْ الْآيَةِ وَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ فَوْرًا
كَمَا هُوَ قِيَاسُ نَظَائِرِهِ لِتَعَدِّيهِ بِالتَّأْخِيرِ وَلَيْسَ
السَّفَرُ عُذْرًا فِي تَأْخِيرِ صَوْمِهَا؛ لِأَنَّ صَوْمَهَا يَتَعَيَّنُ
إيقَاعُهُ فِي الْحَجِّ بِالنَّصِّ وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا فَلَا يَكُونُ
السَّفَرُ عُذْرًا بِخِلَافِ رَمَضَانَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ
الْإِحْرَامِ بِزَمَنٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ صَوْمِ الثَّلَاثَةِ فِيهِ قَبْلَ
يَوْمِ النَّحْرِ، إذْ لَا يَجِبُ تَحْصِيلُ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَيَجُوزُ
أَنْ لَا يَحُجَّ فِي هَذَا الْعَامِ وَيُسَنُّ لِلْمُوسِرِ الْإِحْرَامُ
بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَهُوَ ثَامِنُ ذِي الْحِجَّةِ
لِلِاتِّبَاعِ اهـ. شَرْحُ م ر وحج.
وَعِبَارَةُ ابْنِ الْجَمَّالِ. (فَائِدَةٌ)
لَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ صَوْمِ الثَّلَاثَةِ أَدَاءً بَيْنَ السَّفَرِ
وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ قَضَاءِ رَمَضَانَ وَفَرَّقَ فِي الْمَجْمُوعِ بَيْنَ
أَدَائِهَا وَأَدَاءِ رَمَضَانَ الَّذِي هُوَ عُذْرٌ فِيهِ بِأَنَّ صَوْمَ
الثَّلَاثَةِ تَعَيَّنَ إيقَاعُهُ فِي الْحَجِّ بِالنَّصِّ، قَالَ
الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الرَّءُوفِ أَقُولُ وَكَانَ حُكْمُهُ النَّصَّ عَلَى
إيقَاعِهَا فِي الْحَجِّ أَنَّ السَّفَرَ شَرْطٌ أَوْ شَطْرٌ لِحَجِّ
التَّمَتُّعِ بَلْ مُطْلَقُ السَّفَرِ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي مُطْلَقِ
الْحَجِّ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ بِخِلَافِ رَمَضَانَ فَالسَّفَرُ فِيهِ غَيْرُ
غَالِبٍ فَكَانَ عُذْرًا فِيهِ تَحْقِيقًا مَعَ أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ
بِأَنَّهُ عُذْرٌ فِيهِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {أَوْ عَلَى سَفَرٍ
فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] . اهـ. انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ) أَيْ بِخِلَافِ الدَّمِ
فَيَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ بَعْدَ الْفَرَاغِ
مِنْ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مَالِيٌّ وَهُوَ يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ
عَلَى ثَانِي سَبَبَيْهِ لَكِنْ لَوْ بَانَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنَّهُ
مِمَّنْ لَا يَلْزَمُهُ الدَّمُ فَهَلْ يَجْرِي فِيهِ تَفْصِيلُ الزَّكَاةِ
الْمُعَجَّلَةِ فَيُقَالُ إنْ شَرَطَ أَوْ قَالَ هَذَا دَمِي الْمُعَجَّلُ
أَوْ عَلِمَ الْمُسْتَحِقُّ الْقَابِضُ بِالتَّعْجِيلِ لَهُ الرُّجُوعُ
وَإِلَّا فَلَا أَوْ يَخْتَصُّ مَا ذَكَرُوهُ بِالزَّكَاةِ، قَالَ فِي
التُّحْفَةِ فِي فَصْلِ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ
وَفَرْضُهُمْ ذَلِكَ فِي الزَّكَاةِ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِغَيْرِهَا
يَمِيلُ لِلثَّانِي وَالْمُدْرِكُ يَمِيلُ لِلْأَوَّلِ فَتَأَمَّلْ اهـ.
وَفَرَّقَ قَبْلُ بِأَنَّ الزَّكَاةَ مُوَاسَاةٌ فَرَفَقَ بِمَخْرَجِهَا
بِتَوْسِيعِ طَرَفِ الرُّجُوعِ لَهُ بِخِلَافِ نَحْوِ الدَّمِ
وَالْكَفَّارَةِ فَإِنَّهُ فِي أَصْلِهِ بَدَلُ جِنَايَةٍ فَضَيَّقَ
عَلَيْهِ بِعَدَمِ رُجُوعِهِ فِي تَعْجِيلِهِ مُطْلَقًا اهـ. أَمَّا قَبْلَ
فَرَاغِ الْعُمْرَةِ فَلَا يَصِحُّ التَّقْدِيمُ وَلَا يَجُوزُ
لِامْتِنَاعِ تَقْدِيمِ الْعِبَادَةِ الْمَالِيَّةِ عَلَى سَبَبِهَا اهـ.
ابْنُ الْجَمَّالِ.
(قَوْلُهُ: وَسَبْعَةً فِي وَطَنِهِ) أَيْ أَوْ مَا يُرِيدُ تَوَطُّنَهُ
وَلَوْ مَكَّةَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَطَنٌ أَوْ أَعْرَضَ عَنْ وَطَنِهِ
وَمَحَلُّ الِاعْتِدَادِ بِصَوْمِهَا فِي وَطَنِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ
عَلَيْهِ طَوَافُ إفَاضَةٍ أَوْ سَعْيٌ أَوْ حَلْقٌ؛ لِأَنَّهُ إلَى الْآنَ
لَمْ يَفْرَغْ مِنْ الْحَجِّ نَعَمْ لَوْ وَصَلَ لِوَطَنِهِ قَبْلَ
الْحَلْقِ ثُمَّ حَلَقَ فِيهِ جَازَ لَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ صَوْمِهَا
عَقِبَ الْحَلْقِ وَلَمْ يَحْتَجْ لِاسْتِئْنَافِ مُدَّةِ الرُّجُوعِ اهـ.
حَجّ وَلَا أَثَرَ لِتَرْكِ الْوَاجِبَاتِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الرُّكْنَ
لِتَوَقُّفِ صِحَّةِ الْحَجِّ عَلَيْهِ آكَدُ مِنْهَا اهـ ابْنُ
الْجَمَّالِ وَالْوَجْهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ أَنَّهُ يَكْفِي تَفْرِيقٌ
وَاحِدٌ لِدِمَاءٍ مُتَعَدِّدَةٍ كَمَا لَوْ لَزِمَهُ دَمُ تَمَتُّعٍ
وَدَمُ إسَاءَةٍ فَصَامَ سِتَّةً مُتَوَالِيَةً فِي الْحَجِّ وَأَرْبَعَةَ
عَشَرَ مُتَوَالِيَةً إذَا رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ فَيُجْزِيهِ وَلَوْ لَمْ
يَصُمْ شَيْئًا حَتَّى رَجَعَ مَثَلًا فَقَضَى سِتًّا مُتَوَالِيَةً ثُمَّ
بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَقَدْرِ مُدَّةِ السَّيْرِ صَامَ
أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَجْزَأَ أَيْضًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَصِحُّ صَوْمُ
السَّبْعَةِ بِوُصُولِهِ وَطَنَهُ وَإِنْ أَعْرَضَ عَنْ اسْتِيطَانِهِ
قَبْلَ صَوْمِهَا وَأَرَادَ اسْتِيطَانَ مَحَلٍّ آخَرَ وَتَرَكَ
الِاسْتِيطَانَ مُطْلَقًا، وَلَوْ أَرَادَ اسْتِيطَانَ مَحَلٍّ آخَرَ
فَهَلْ يَصِحُّ صَوْمُهَا بِمُجَرَّدِ وُصُولِهِ وَإِنْ أَعْرَضَ عَنْ
اسْتِيطَانِهِ قَبْلَ صَوْمِهَا فِيهِ نَظَرٌ وَلَا يَبْعُدُ الصِّحَّةُ
اهـ. سَمِّ عَلَى حَجّ.
(قَوْلُهُ: أَيْضًا وَسَبْعَةً فِي وَطَنِهِ) قَالَ فِي الْعُبَابِ مَتَى
شَاءَ فَلَا تَفُوتُ قَالَ فِي شَرْحِهِ، وَقَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ
يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَهَا عَقِبَ دُخُولِهِ فَإِنْ أَخَّرَهَا أَسَاءَ
وَأَجْزَأَ يَنْبَغِي حَمْلُ أَسَاءَ فِيهِ عَلَى الْكَرَاهَةِ اهـ.
وَفِي حَاشِيَةِ الْإِيضَاحِ أَمَّا السَّبْعَةُ فَوَقْتُهَا مُوَسَّعٌ
إلَى آخِرِ الْعُمُرِ فَلَا تَصِيرُ قَضَاءً بِالتَّأْخِيرِ وَلَا يَأْثَمُ
بِتَرْكِهَا خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ اهـ. سَمِّ عَلَى حَجّ.
(قَوْلُهُ: أَيْضًا وَسَبْعَةً فِي وَطَنِهِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا
يَكْفِي الْإِقَامَةُ
(2/498)
{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ
أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196]
«وَأَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ» كَمَا رَوَاهُ
الشَّيْخَانِ فَلَا يَجُوزُ صَوْمُهَا فِي الطَّرِيقِ فَإِنْ تَوَطَّنَ
مَكَّةَ مَثَلًا، وَلَوْ بَعْدَ فَرَاغِهِ الْحَجَّ صَامَ بِهَا كَمَا
شَمِلَهُ كَلَامِي دُونَ كَلَامِهِ (وَلَوْ فَاتَهُ الثَّلَاثَةُ) فِي
الْحَجِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
وَفِي شَرْحِ الْعُبَابِ فَلَوْ لَمْ يَتَوَطَّنْ مَحَلًّا لَمْ يَلْزَمْهُ
صَوْمُهَا بِمَحَلٍّ أَقَامَ فِيهِ مُدَّةً كَمَا أَفْتَى بِهِ
الْقَفَّالُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَيْضًا
فَيَصْبِرُ إلَى أَنْ يَتَوَطَّنَ مَحَلًّا فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ
احْتَمَلَ أَنْ يُطْعَمَ أَوْ يُصَامَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ
مُتَمَكِّنًا مِنْ التَّوَطُّنِ وَالصَّوْمِ، وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا
يَلْزَمَ ذَلِكَ وَإِنْ خَلَّفَ تَرِكَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ
حَقِيقَةً وَلَعَلَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْوَجْهُ اهـ. لَكِنَّ قَضِيَّةَ
شَرْحِ الرَّوْضِ الِاكْتِفَاءُ بِالْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ
الرَّوْضُ فَإِنْ تَوَطَّنَ مَكَّةَ صَامَ بِهَا قَالَ قَوْلُهُ تَوَطَّنَ
أَيْ أَقَامَ اهـ. وَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ اهـ. سَمِّ عَلَى حَجّ.
(قَوْلُهُ: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] أَيْ
بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِهِ اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ تَوَطَّنَ مَكَّةَ) خَرَجَ مَا إذَا لَمْ يَتَوَطَّنْهَا
وَإِنْ أَقَامَ بِهَا اهـ. سَمِّ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ بَعْدَ فَرَاغِهِ الْحَجَّ) أَيْ مِنْ الْحَجِّ كَمَا
فِي بَعْضِ النُّسَخِ فَهُوَ مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ.
(قَوْلُهُ: صَامَ بِهَا) أَيْ صَامَ السَّبْعَةَ بِمَكَّةَ وَيَجُوزُ لَهُ
الشُّرُوعُ فِيهَا عَقِبَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ حَيْثُ صَامَ الثَّلَاثَةَ
قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَإِلَّا صَامَ الثَّلَاثَةَ ثُمَّ السَّبْعَةَ
وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَرْبَعَةٍ أَيَّامٍ اهـ. ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: أَيْضًا صَامَ بِهَا) وَيَلْزَمُهُ التَّفْرِيقُ إذَا لَمْ
يَصُمْ الثَّلَاثَةَ فِي الْحَجِّ بِأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَوَقَعَ فِي
التُّحْفَةِ بِخَمْسَةٍ وَكَتَبَ عَلَيْهِ مَوْلَانَا وَسَيِّدُنَا
الْمَرْحُومُ السَّيِّدُ عُمَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ
مَحَلُّ تَأَمُّلٍ وَالْمَوْجُودُ فِي سَائِرِ كُتُبِهِ بِأَرْبَعَةٍ
وَهُوَ وَاضِحٌ وَعُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ الْمَكِّيَّ فِي مُجَاوَزَةِ
الْمِيقَاتِ يَصُومُ ثَلَاثَةً فِي الْحَجِّ بِتَفْصِيلِهِ الْمَارِّ فِي
غَيْرِهِ وَالسَّبْعَةَ بِمَكَّةَ وَأَنَّهُ لَوْ فَاتَتْ الثَّلَاثَةُ لَا
يُشْتَرَطُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ السَّبْعَةِ بِالْقَضَاءِ
إلَّا بِأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَقَطْ إذْ لَا سَيْرَ حَتَّى تُعْتَبَرَ
مُدَّتُهُ وَأَنَّهُ أَعْنِي الْمَكِّيَّ التَّارِكَ لِلْوَدَاعِ يَصُومُ
الثَّلَاثَةَ عِنْدَ اسْتِقْرَارِ الدَّمِ بِبُلُوغِهِ مَا مَرَّ
وَالسَّبْعَةَ مَتَى أَرَادَ وَيُفَرِّقُ بَيْنَ الصَّوْمَيْنِ بِيَوْمٍ
عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ وَبِمُدَّةِ السَّيْرِ
كَالْآفَاقِيِّ كَمَا جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَهُوَ وَاضِحٌ، وَالْفَرْقُ
بَيْنَهُ أَعْنِي طَوَافَ الْوَدَاعِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَكِّيِّ حَيْثُ
اُعْتُبِرَ فِيهِ مُدَّةُ السَّيْرِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ نَحْوِ
مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ حَيْثُ اُعْتُبِرَ فِيهِ يَوْمٌ فَقَطْ ضَرُورَةُ
التَّفْرِيقِ وَلَا يُمْكِنُ بِأَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ بِخِلَافِ طَوَافِ
الْوَدَاعِ فَإِنَّ فِيهِ مُدَّةَ سَيْرٍ فَإِمْكَانُ التَّفْرِيقِ حَاصِلٌ
بِاعْتِبَارِهَا، وَظَاهِرُهُ أَعْنِي قَوْلَهُمْ حَاصِلٌ بِاعْتِبَارِهَا
اعْتِبَارَ جَمِيعِهَا لَكِنَّ فِي حَاشِيَةِ الْإِيضَاحِ لِلْعَلَّامَةِ
حَجّ مَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ إنَّمَا تُعْتَبَرُ مُدَّةُ السَّيْرِ
مِنْ مَحَلِّ تَقَرُّرِ الدَّمِ وَهُوَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ إلَى مَكَّةَ
فَقَطْ دُونَ مَا زَادَ حَتَّى لَوْ خَرَجَ الْمَكِّيُّ بِلَا وَدَاعٍ إلَى
مِصْرَ مَثَلًا فَالْمُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ إذَا رَجَعَ إلَى مَكَّةَ
التَّفْرِيقُ بِمُدَّةِ السَّفَرِ مِنْ عُسْفَانَ؛ لِأَنَّهَا عَلَى
مَسَافَةِ الْقَصْرِ قَالَ الْعَلَّامَةُ سَمِّ وَذَلِكَ مَحَلُّ نَظَرٍ
فَلْيُحَرَّرْ اهـ.
وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي الْأَوَّلَ وَأَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ أَيْضًا
بِأَنَّ الْآفَاقِيَّ التَّارِكَ لِطَوَافِ الْوَدَاعِ وَغَيْرِهِ مِمَّا
لَا يُمْكِنُ فِيهِ وُقُوعُ الثَّلَاثَةِ فِي الْحَجِّ تُوصَفُ ثَلَاثَتُهُ
بِالْأَدَاءِ إذَا فُعِلَتْ عَلَى نَظِيرِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَكِّيِّ
التَّارِكِ لَهُ وَبِأَنَّ حُكْمَ غَيْرِهِ أَيْ طَوَافِ الْوَدَاعِ مِنْ
الْمَبِيتِ وَالرَّمْيِ كَذَلِكَ أَيْ كَحُكْمِ طَوَافِهِ فِي أَنَّ
وَقْتَهُ الْمُقَدَّرَ يَدْخُلُ بِمَا يَتَقَرَّرُ بِهِ الدَّمُ إلَّا مَا
تَقَدَّمَ فِي تَقَرُّرِ الدَّمِ أَيْ فَإِنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ؛ لِأَنَّ
مَا يَتَقَرَّرُ بِهِ الْوَدَاعُ غَيْرُ مَا يَتَقَرَّرُ بِهِ نَحْوُ
الرَّمْيِ قَالَ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الرَّءُوفِ هَكَذَا أَفْهَمَ وَلَا
عَلَيْك مِنْ عِبَارَتِهِ الْمُوهِمَةِ اهـ. فَإِذَا جَاءَ وَطَنَهُ وَلَمْ
يَصُمْهَا فَرَّقَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ بِقَدْرِ مُدَّةِ
السَّيْرِ إلَى وَطَنِهِ، كَذَا قَالُوهُ قَالَ مَوْلَانَا وَشَيْخُنَا
السَّيِّدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَدْ يُقَالُ لِمَ لَا
يُسْتَثْنَى مِنْهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ
عَلَيْهِ فِعْلُ الثَّلَاثَةِ عَقِبَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِمَكَّةَ
قَبْلَ سَفَرِهِ بَلْ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهَا أَوَّلَ سَفَرِهِ كَمَا هُوَ
ظَاهِرٌ وَالْقَضَاءُ لَا يَزِيدُ عَلَى الْأَدَاءِ فَلْيُحَرَّرْ اهـ.
قُلْت وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى مَا قَالَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -
الْعَلَّامَةُ سَمِّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى حَاشِيَةِ الْإِيضَاحِ، فَقَالَ
اعْلَمْ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْبَارِزِيِّ وَالْبُلْقِينِيِّ فِي
تَرْكِ الْمَبِيتِ وَالرَّمْيِ وَنَحْوِهِمَا يُفِيدُ أَنَّ وَقْتَ أَدَاءِ
الثَّلَاثَةِ عَقِبَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا
يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِ أَدَائِهَا وَلَوْ مَعَ السَّفَرِ
وَلَيْسَ عُذْرًا فِي تَأْخِيرِهَا وَالْمَفْهُومُ مِنْ الْكَلَامِ أَنَّهُ
يَجِبُ التَّفْرِيقُ فِي الْقَضَاءِ بِقَدْرِ سَيْرِهِ إلَى وَطَنِهِ
بَعْدَ أَدَائِهَا وَقَدْ يَتَبَادَرُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ سَافَرَ
عَقِبَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَصَامَ الثَّلَاثَةَ فِي أَوَّلِ سَفَرِهِ،
جَازَ لَهُ صَوْمُ السَّبْعَةِ بِمُجَرَّدِ وُصُولِهِ لِوَطَنِهِ وَلَا
يَجِبُ التَّأْخِيرُ بِقَدْرِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي صَامَهَا مِنْ أَوَّلِ
سَفَرِهِ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ الثَّلَاثَةَ إلَى
وَطَنِهِ كَفَى التَّفْرِيقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ السَّبْعَةِ بِقَدْرِ
مُدَّةِ السَّيْرِ إلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عَلَى خِلَافِ إطْلَاقِ
قَوْلِهِ بِقَدْرِ مُدَّةِ السَّيْرِ اهـ وَقَوْلُهُ: وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ
إلَخْ غَيْرُ مَا بَحَثَهُ مَوْلَانَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -
فَلَوْ وَقَعَ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ فِي آخِرِ سَفَرِهِ بِحَيْثُ وَافَقَ
آخِرُهَا آخِرَ سَفَرِهِ فَرَّقَ بِمُدَّةِ السَّيْرِ بَعْدَ وُصُولِهِ
لِوَطَنِهِ عَلَى مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ وَبِهَا إلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ
عَلَى مَا بَحَثَهُ مَوْلَانَا وَابْنُ قَاسِمٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ
تَعَالَى وَالْمَكِّيُّ
(2/499)
لَزِمَهُ أَنْ يُفَرِّقَ فِي قَضَائِهَا
بَيْنَهَا وَبَيْنَ السَّبْعَةِ) بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي (بِقَدْرِ
تَفْرِيقِ الْأَدَاءِ) وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ مَعَ مُدَّةِ إمْكَانِ
سَيْرِهِ إلَى وَطَنِهِ عَلَى الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ إنْ رَجَعَ إلَيْهِ،
وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَفْرِيقٌ وَاجِبٌ فِي الْأَدَاءِ يَتَعَلَّقُ
بِالْفِعْلِ وَهُوَ النُّسُكُ وَالرُّجُوعُ فَلَا يَسْقُطُ بِالْقُوتِ
كَتَرْتِيبِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ (وَمِنْ تَتَابُعِ كُلٍّ) مِنْ
الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ أَدَاءً وَقَضَاءً
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الجمل]
التَّارِكُ لِلْمَبِيتِ وَالرَّمْيِ يُدْخِلُ صَوْمَ ثَلَاثَتِهِ
بِانْقِضَاءِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ مُوَسِّعًا وَيُفَرِّقُ بَيْنَهَا
وَبَيْنَ السَّبْعَةِ بِيَوْمٍ اهـ. ابْنُ الْجَمَّالِ.
(قَوْلُهُ: لَزِمَهُ أَنْ يُفَرِّقَ فِي قَضَائِهَا إلَخْ) قَالَ فِي
الرَّوْضِ فَلَوْ صَامَ عَشَرَةً وَلَاءً حَصَلَتْ الثَّلَاثَةُ أَيْ وَلَا
يَعْتَدُّ بِالْبَقِيَّةِ لِعَدَمِ التَّفْرِيقِ اهـ.
فَلَوْ تَوَطَّنَ مَكَّةَ صَامَ الْعَشَرَةَ وَلَاءً فَيَنْبَغِي فِي
نَحْوِ الْمُتَمَتِّعِ أَنْ تَحْصُلَ الثَّلَاثَةُ وَتَلْغُوَ أَرْبَعَةٌ
بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْرُ مُدَّةِ التَّفْرِيقِ اللَّازِمِ لَهُ
وَتُحْسَبُ لَهُ الثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ مِنْ الْعَشَرَةِ مِنْ
السَّبْعَةِ لِوُقُوعِهَا بَعْدَ مُدَّةِ التَّفْرِيقِ فَيُكْمِلُ
عَلَيْهَا سَبْعَةً وَفِي نَحْوِ تَرْكِ الرَّمْيِ أَنْ تَحْصُلَ
الثَّلَاثَةُ وَيَلْغُوَ يَوْمٌ؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ فِي التَّفْرِيقِ
هُنَا وَنَحْسُبُ لَهُ السِّتَّةَ الْبَاقِيَةَ فَيَبْقَى عَلَيْهِ يَوْمٌ
فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. سَمِّ عَلَى حَجّ.
(قَوْلُهُ: أَنْ يُفَرِّقَ فِي قَضَائِهَا) أَيْ وَلَا يَحْتَاجُ
لِنِيَّتِهِ التَّفْرِيقَ وَنَبَّهَ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الرَّءُوفِ -
رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَعَاطِي الْمُفْطِرِ أَوَّلَ
أَيَّامِ التَّفْرِيقِ بَلْ لَهُ أَنْ يَصُومَ وَاسْتَظْهَرَ أَنَّ
الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ أَنْ لَا يَصُومَ أَيْ عَنْ السَّبْعَةِ أَمَّا
لَوْ صَامَ عَنْ نَفْلٍ مَثَلًا فَإِنَّهُ يُحْسَبُ ذَلِكَ الزَّمَنُ عَنْ
مُدَّةِ التَّفْرِيقِ اهـ. ابْنُ الْجَمَّالِ.
(قَوْلُهُ: فِي قَضَائِهَا) قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْإِيضَاحِ أَيْ عَلَى
الْفَوْرِ إنْ فَاتَتْ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَإِلَّا فَلَا كَمَا بَحَثَهُ
الزَّرْكَشِيُّ وَكَلَامُهُمْ فِي بَابِ الصِّيَامِ مُصَرِّحٌ بِهِ،
وَظَاهِرٌ أَنَّ السَّفَرَ عُذْرٌ فِي التَّأْخِيرِ وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ
الْفَوْرُ كَرَمَضَانَ بَلْ أَوْلَى وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ
الشَّيْخَيْنِ يَجِبُ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ فِي الْحَجِّ وَإِنْ كَانَ
مُسَافِرًا عَلَى مَنْ أَحْرَمَ أَيْ مَعَ بَقَاءِ زَمَنٍ يَسَعُهَا
لِتَعَيُّنِ إيقَاعِهِ فِي الْحَجِّ بِالنَّصِّ وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا
فَلَا يَكُونُ السَّفَرُ عُذْرًا فِيهِ بِخِلَافِ رَمَضَانَ اهـ.
فَأَفْهَمَ أَنَّ سَبَبَ كَوْنِ السَّفَرِ لَيْسَ عُذْرًا هُنَا تَعَيُّنُ
إيقَاعِهَا فِي الْحَجِّ بِالنَّصِّ وَذَلِكَ مُنْتَفٍ فِي الْقَضَاءِ
فَكَانَ السَّفَرُ عُذْرًا اهـ. وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي بَابِ صَوْمِ
التَّطَوُّعِ اخْتِلَافُ تَرْجِيحٍ فِي الْقَضَاءِ الْفَوْرِيِّ هَلْ
يَجِبُ فِي السَّفَرِ أَوْ لَا فَرَاجِعْهُ مِنْ مَحَلِّهِ اهـ. سَمِّ
عَلَى حَجّ.
(قَوْلُهُ: بِقَدْرِ تَفْرِيقِ الْأَدَاءِ) فَإِذَا صَامَ الثَّلَاثَةَ
بِمَكَّةَ بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَإِنْ مَكَثَ بَعْدَ الصَّوْمِ
أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ سَافَرَ فَلَهُ صَوْمُ السَّبْعَةِ عَقِبَ
وُصُولِهِ وَإِلَّا صَامَهَا أَوْ مَا بَقِيَ مِنْهَا عَقِبَ مُضِيِّ
أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ مِنْ وُصُولِهِ فَإِنْ صَامَ الثَّلَاثَةَ فِي
الطَّرِيقِ صَبَرَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ بَعْدَ وُصُولِهِ وَقَدْرَ مَا
بَقِيَ مِنْ أَيَّامِ الطَّرِيقِ، كَذَا وَقَعَ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ
الْإِيضَاحِ لِلْعَلَّامَةِ عَبْدِ الرَّءُوفِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ
وَقَدْرُ مَا صَامَهُ مِنْ أَيَّامِ الطَّرِيقِ إذْ مَا بَقِيَ مِنْ
أَيَّامِ الطَّرِيقِ حَصَلَ بِهِ التَّفْرِيقُ بِالْفِعْلِ وَبَقِيَ قَدْرُ
أَيَّامِ الصَّوْمِ مَعَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ النَّحْرُ وَالتَّشْرِيقُ
فَتَأَمَّلْ، فَلَوْ صَامَهَا آخِرَ سَفَرِهِ بِحَيْثُ وَافَقَ آخِرُهَا
آخِرَ يَوْمٍ مِنْ سَفَرِهِ فَرَّقَ بِأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَمُدَّةِ
السَّيْرِ إذْ مَا مَضَى مِنْ زَمَنِ السَّيْرِ لَيْسَ بَيْنَ صَوْمَيْنِ
فَلَمْ يَحْصُلْ بِهِ تَفْرِيقٌ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى صَوْمِ الثَّلَاثَةِ،
وَصَوْمُهَا قَدْ انْقَضَى آخِرَ السَّفَرِ فَاحْتَاجَ إلَى التَّفْرِيقِ
بِالْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ اهـ. ابْنُ الْجَمَّالِ.
(قَوْلُهُ: وَعَلَى الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ) يُفِيدُ اعْتِبَارَ إقَامَةِ
مَكَّةَ وَأَثْنَاءَ الطَّرِيقِ مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ وَهُوَ
كَذَلِكَ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: إنْ رَجَعَ إلَيْهِ) فَلَوْ لَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ فَرَّقَ
بِأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَقَطْ اهـ. ع ش.
(قَوْلُهُ: وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَفْرِيقٌ وَاجِبٌ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ
وَإِنَّمَا لَمْ يَلْزَمْهُ التَّفْرِيقُ فِي قَضَاءِ الصَّلَوَاتِ؛
لِأَنَّ تَفْرِيقَهَا لِمُجَرَّدِ الْوَقْتِ وَقَدْ فَاتَ وَهَذَا
يَتَعَلَّقُ بِفِعْلٍ هُوَ الْحَجُّ وَالرُّجُوعُ فَلَمْ يَفُوتَا
فَوَجَبَتْ حِكَايَتُهُمَا فِي الْقَضَاءِ اهـ. وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ
قَاعِدَةٌ حَسَنَةٌ وَهِيَ أَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ تَعَلَّقَتْ بِوَقْتٍ
فَاتَ لَا يَجِبُ فِي قَضَائِهَا أَنْ يَحْكِيَ أَدَاءَهَا كَالصَّلَوَاتِ
الْفَائِتَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَضَاؤُهَا مُتَفَرِّقًا كَأَدَائِهَا
وَمُتَوَالِيًا وَكَالصَّوْمِ الْفَائِتِ بِعُذْرٍ وَنَحْوِهِمَا، وَإِنَّ
كُلَّ عِبَادَةٍ تَعَلَّقَتْ بِفِعْلٍ وَلَمْ يَفُتْ ذَلِكَ الْفِعْلُ
يَجِبُ فِي قَضَائِهَا أَنْ يَحْكِيَ أَدَاءَهَا كَالثَّلَاثَةِ
الْفَائِتَةِ هُنَا مَعَ السَّبْعَةِ فَإِنَّهَا تَعَلَّقَتْ بِفِعْلٍ هُوَ
الْحَجُّ وَالرُّجُوعُ وَقَدْ فُعِلَا فَوَجَبَتْ حِكَايَتُهَا فِي
الْقَضَاءِ وَكَقِرَاءَةِ السُّورَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ إذَا لَمْ
يُدْرِكْهَا فَإِنَّهُ يُسَنُّ قِرَاءَتُهَا فِي الْأَخِيرَتَيْنِ لِئَلَّا
تَخْلُوَ صَلَاتُهُ عَنْ السُّورَةِ، وَيَجِبُ فِي قَضَائِهَا فِي
الْأَخِيرَتَيْنِ أَنْ يَحْكِيَ الْأَدَاءَ بِأَنْ تُفْعَلَ عَقِبَ
الْفَاتِحَةِ؛ لِأَنَّهَا تَعَلَّقَتْ بِفِعْلٍ هُوَ قِرَاءَةُ
الْفَاتِحَةِ فَوَجَبَتْ حِكَايَتُهَا فِي الْقَضَاءِ وَإِنَّ كُلَّ
عِبَادَةٍ تَعَلَّقَتْ بِفِعْلٍ وَزَمَانٍ كَالرَّوَاتِبِ الْبَعْدِيَّةِ
وَالْوِتْرِ وَالتَّرَاوِيحِ فَإِنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِفِعْلٍ هُوَ
الْمَكْتُوبَةُ لِدُخُولِهَا بِفِعْلِهَا وَزَمَانٍ هُوَ الْوَقْتُ
لِخُرُوجِهَا بِخُرُوجِهِ وَالْمُغَلَّبُ فِيهَا الْوَقْتُ فَلَا يَجِبُ
فِي قَضَائِهَا أَنْ يَحْكِيَ أَدَاءَهَا فَتَأَمَّلْهُ اهـ. ابْنُ
الْجَمَّالِ.
(قَوْلُهُ: وَسُنَّ تَتَابُعُ كُلٍّ) نَعَمْ لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ
سَادِسِ الْحِجَّةِ لَزِمَهُ أَنْ يُتَابِعَ فِي الثَّلَاثَةِ لِضِيقِ
الْوَقْتِ لَا لِلتَّتَابُعِ نَفْسِهِ اهـ. شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: أَدَاءً وَقَضَاءً) هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَجْمُوعِ إذْ لَا
يُتَصَوَّرُ قَضَاءُ السَّبْعَةِ؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا الْعُمُرُ وَقَدْ
يُتَصَوَّرُ فِيهَا الْقَضَاءُ بِأَنْ يَمُوتَ قَبْلَ فِعْلِهَا فَقَدْ
خَرَجَ
(2/500)
مُبَادَرَةً لِلْعِبَادَةِ. |