حاشيتا قليوبي وعميرة

[بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ]
قَوْلُ الْمَتْنِ: (زَكَاةُ الْفِطْرِ) أُضِيفَتْ إلَيْهِ لِأَنَّ وُجُوبَهَا يَدْخُلُ بِهِ، وَيُقَالُ لَهَا: زَكَاةُ الْفِطْرَةِ بِالْكَسْرِ أَيْ الْخِلْقَةِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30] وَيُقَالُ بِالْكَسْرِ أَيْضًا لِلْمُخْرَجِ قَالَ النَّوَوِيُّ: لَكِنَّهَا مُوَلَّدَةٌ لَيْسَتْ عَرَبِيَّةً وَلَا مُعَرَّبَةً بَلْ اصْطِلَاحِيَّةً لِلْفُقَهَاءِ، وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ: لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهَا بِخِلَافِهِ زَكَاةِ الْعَيْنِ، فَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ إلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا. قَوْلُهُ: (مِنْ رَمَضَانَ) يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ. قَوْلُهُ: (عَلَى كُلِّ حُرٍّ) أَيْ عَنْ كُلِّ حُرٍّ لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّكْرَارُ. وَقَوْلُهُ فِي الْأَوَّلِ

(2/40)


وَالثَّالِثُ بِهِمَا (فَتُخْرَجُ) عَلَى الْأَوَّلِ (عَمَّنْ مَاتَ بَعْدَ الْغُرُوبِ دُونَ مَنْ وُلِدَ) بَعْدَهُ وَلَا تُخْرَجُ عَلَى الْآخَرِينَ عَنْ الْمَيِّتِ، وَتُخْرَجُ عَلَى الثَّانِي عَنْ الْمَوْلُودِ وَيَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ إخْرَاجِهَا عَنْهُ عَلَى الْأَوَّلِ انْتِفَاءُ إخْرَاجِهَا عَنْهُ عَلَى الثَّالِثِ (وَيُسَنُّ أَنْ لَا تُؤَخَّرَ عَنْ صَلَاتِهِ) أَيْ الْعِيدِ بِأَنْ تُخْرَجَ قَبْلَهَا فِي يَوْمِهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. وَدَلِيلُهُ مَا رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ.» (وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُهَا عَنْ يَوْمِهِ) أَيْ الْعِيدِ فَيَجُوزُ إخْرَاجُهَا فِيهِ بَعْدَ صَلَاتِهِ وَإِذَا أُخِّرَتْ عَنْهُ تُقْضَى (وَلَا فِطْرَةَ عَلَى كَافِرٍ) لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ (إلَّا فِي عَبْدِ) الْمُسْلِمِ (وَقَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ) فَتَجِبُ عَلَيْهِ عَنْهُمَا (فِي الْأَصَحِّ) الْمَبْنِيُّ عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّهَا تَجِبُ ابْتِدَاءً عَلَى الْمُؤَدَّى عَنْهُ ثُمَّ يَتَحَمَّلُ عَنْهُ الْمُؤَدِّي. وَالثَّانِي: وَهُوَ عَدَمُ الْوُجُوبِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهَا تَجِبُ ابْتِدَاءً عَلَى الْمُؤَدِّي عَنْ غَيْرِهِ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا. وَعَلَى الْأَوَّلِ قَالَ الْإِمَامُ: لَا صَائِرَ إلَى أَنَّ الْمُتَحَمَّلَ عَنْهُ يَنْوِي وَالْكَافِرُ لَا تَصِحُّ مِنْهُ النِّيَّةُ. وَظَاهِرٌ أَنَّ الْأَمَةَ كَالْعَبْدِ.
وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا بِالْمُسْتَوْلَدَةِ وَلَوْ أَسْلَمَتْ ذِمِّيَّةٌ تَحْتَ ذِمِّيٍّ وَدَخَلَ وَقْتُ وُجُوبِ الْفِطْرَةِ وَهُوَ مُتَخَلِّفٌ فِي الْعِدَّةِ فَفِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية قليوبي]
لِأَنَّهُمَا سَبَبُ الْوُجُوبِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (عَمَّنْ مَاتَ بَعْدَ الْغُرُوبِ) يَقِينًا وَلَوْ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ إخْرَاجِهَا لِتَعَلُّقِهَا بِالذِّمَّةِ بِخِلَافِ زَكَاةِ الْمَالِ وَخَرَجَ مَنْ مَاتَ مَعَ الْغُرُوبِ لِعَدَمِ إدْرَاكِهِ الْجُزْءَ الثَّانِي، وَمَا لَوْ شَكَّ فِيهِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْوُجُوبِ. قَوْلُهُ: (مَنْ وُلِدَ بَعْدَهُ) وَلَوْ احْتِمَالًا وَكَذَا مَعَهُ لِعَدَمِ إدْرَاكِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ يَقِينًا وَالْعِبْرَةُ بِتَمَامِ الِانْفِصَالِ لَا بِمَا قَبْلَهُ، وَإِنْ سَبَقَ عَلَى الْغُرُوبِ.
فَرْعٌ: لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا مَعَ أَوَّلِ الْغُرُوبِ فَلَا زَكَاةَ عَنْهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَوْ قَبْلَهُ فَعَلَى الْعَتِيقِ، نَعَمْ إنْ أَقَرَّ بَعْدَهُ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ قَبْلَهُ فَعَلَى السَّيِّدِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي نَقْلَهَا وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهَا. وَلَوْ وَقَعَ بَيْعُ الْعَبْدِ مَعَ الْغُرُوبِ فَلَا زَكَاةَ عَنْهُ عَلَى وَاحِدٍ، وَلَوْ وَقَعَ الْجُزْءَانِ فِي زَمَنِ خِيَارٍ لَهُمَا فَعَلَى مَنْ تَمَّ لَهُ الْمِلْكُ أَوْ لِأَحَدِهِمَا فَعَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ لَهُ الْمِلْكُ. قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ أَنْ لَا تُؤَخَّرَ عَنْ صَلَاتِهِ) أَيْ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا الْغَالِبِ وَهُوَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بِقَدْرِ رَكْعَتَيْنِ وَخُطْبَتَيْنِ خَفِيفَاتٍ، نَعَمْ يُنْدَبُ تَأْخِيرُهَا عَنْهَا وَلَوْ بَقِيَّةَ الْيَوْمِ لَا عَنْهُ، لِانْتِظَارِ نَحْوِ قَرِيبٍ، وَشَمِلَ كَلَامُهُ إخْرَاجَهَا حَالَةَ الصَّلَاةِ وَبَعْدَ الْخُرُوجِ إلَيْهَا وَالدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ وَكَلَامُ الشَّارِحِ لَا يَفِي بِذَلِكَ إلَّا أَنْ تُجْعَلَ إلَى بِمَعْنَى مِنْ. قَوْلُهُ: (فِي يَوْمِهِ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ إخْرَاجِهَا لَيْلًا نَعَمْ لَوْ شَهِدُوا بَعْدَ الْغُرُوبِ بِرُؤْيَتِهِ بِالْأَمْسِ فَإِخْرَاجُهَا لَيْلًا أَفْضَلُ، قَالَهُ شَيْخُنَا كَشَيْخِهِ الْبُرُلُّسِيِّ. وَلَوْ قِيلَ بِوُجُوبِ إخْرَاجِهَا فِيهِ حِينَئِذٍ لَمْ يَبْعُدْ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُهَا عَنْ يَوْمِهِ) وَلَوْ لِنَحْوِ قَرِيبٍ.
قَوْلُهُ: (تُقْضَى) لِأَنَّ زَمَنَهَا الْمُقَدَّرَ لَهَا قَدْ فَاتَ، وَبِذَلِكَ فَارَقَتْ زَكَاةَ الْمَالِ وَيَجِبُ الْعَزْمُ فِي قَضَائِهَا إنْ لَمْ يُعْذَرْ فِي تَأْخِيرِهَا كَغَيْبَةِ الْمُسْتَحِقِّينَ أَوْ غَيْبَةِ مَالِهِ فِي دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لِأَنَّ غَيْبَتَهُ فِيهَا سَقَطَ لَهَا كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَلَا فِطْرَةَ عَلَى كَافِرٍ) أَيْ عَنْ كَافِرٍ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (أَنَّهَا تَجِبُ ابْتِدَاءً عَلَى الْمُؤَدَّى عَنْهُ) وَلَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ لِتَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِمَالِهِ، وَيَتَحَمَّلُهَا غَيْرُهُ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (قَالَ الْإِمَامُ إلَخْ) فَيَكْفِي عِنْدَهُ الْإِخْرَاجُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ، وَنُقِلَ عَنْهُ فِي الْمَجْمُوعِ وُجُوبُ النِّيَّةِ كَمَا فِي الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهَا لِلتَّمْيِيزِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (فَالْمُسْتَوْلَدَةُ) أَيْ وَلَيْسَ لِلتَّقْيِيدِ. قَوْلُهُ: (فِي الْعِدَّةِ) مُتَعَلِّقٌ بِدَخَلَ وَقْتٌ فَيُفِيدُ وُجُوبَهَا عَلَيْهِ عَنْهَا وَإِنْ أَصَرَّ حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَاعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ وَالزِّيَادِيُّ، وَلَا نَظَرَ لِمُنَازَعَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية عميرة]
فَرْضٌ مَعْنَاهُ وَاجِبٌ، لِأَنَّ التَّقْدِيرَ ذَلِكَ بَعْدُ وَمِنْ مَجِيءِ عَلَى بِمَعْنَى عَنْ، قَوْلُ الشَّاعِرِ:
إذَا رَضِيَتْ عَلَيَّ بَنُو قُشَيْرٍ
قَوْلُ الْمَتْنِ: (بِأَوَّلِ لَيْلَةِ الْعِيدِ) أَيْ لِأَنَّهَا مُضَافَةٌ إلَى الْفِطْرِ مِنْ الْحَدِيثِ، وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهَا قُرْبَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْعِيدِ، فَكَانَتْ كَالْأُضْحِيَّةِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ وَقْتَ الْعِيدِ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَا الْفَجْرِ، وَوَجْهُ الثَّالِثِ اعْتِبَارُ الشَّيْئَيْنِ لِتَعَلُّقِهَا بِالْأَمْرَيْنِ، وَوَجَّهَهُ الْقَاضِي بِأَنَّ حَقِيقَةَ الْفِطْرِ، إنَّمَا تَحْصُلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ إذْ اللَّيْلُ غَيْرُ قَابِلٍ لِلصَّوْمِ، فَاشْتُرِطَ كِلَا الطَّرَفَيْنِ أَحَدُهُمَا لِدُخُولِ وَقْتِ الْفِطْرِ وَالْآخَرُ لِتَحَقُّقِهِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (عَمَّنْ مَاتَ بَعْدَ الْغُرُوبِ) أَيْ وَلَوْ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْإِخْرَاجِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَلِفَ الْمُؤَدِّي مِنْهُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ، فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَتَلَفِ الْمَالِ الزَّكَوِيِّ وَلَوْ بَاعَ الْعَبْدَ قَبْلَ الْغُرُوبِ بَعْدَ أَنْ زَكَّى عَنْهُ، لَزِمَتْ الْمُشْتَرِيَ وَشَرْطُ الْإِخْرَاجِ عَمَّنْ مَاتَ بَعْدَ الْغُرُوبِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ وَقْتَ الْغُرُوبِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَيُسَنُّ أَنْ لَا تُؤَخَّرَ عَنْ صَلَاتِهِ) أَيْ عَنْ أَوَّلِهَا. قَوْلُهُ: (بِأَنْ تُخْرَجَ قَبْلَهَا فِي يَوْمِهِ) أَيْ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ إخْرَاجِهَا لَيْلًا، لَكِنْ لَوْ شَهِدُوا بَعْدَ الْغُرُوبِ بِرُؤْيَتِهِ فِي الْمَاضِيَةِ فَقَدْ سَلَفَ أَنَّ الْعَبْدَ يُصَلِّي مِنْ الْغَدِ أَدَاءً، فَهَلْ يُقَالُ بِاسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِ الْفِطْرَةِ أَمْ الْمُبَادَرَةِ أَوْلَى الظَّاهِرُ الثَّانِي. قَوْلُهُ: (أَمْ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ إلَخْ) اُنْظُرْ مَا الصَّارِفُ لِهَذَا الْأَمْرِ عَنْ الْوُجُوبِ.
قَوْلُهُ: (الْمُسْلِمِ) يُرِيدُ أَنَّ عِبَارَةَ الْمَتْنِ فِيهَا حَذْفٌ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي. قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَسْلَمَتْ ذِمِّيَّةٌ) هِيَ وَارِدَةٌ عَلَى الْحَصْرِ فِي

(2/41)


وُجُوبِ فِطْرَتِهَا عَلَيْهِ الْوَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ مُدَّةِ التَّخَلُّفِ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْآتِي فِي بَابِهِ، وَفِي وُجُوبِهَا عَلَى الْمُرْتَدِّ الْأَقْوَالُ فِي بَقَاءِ مِلْكِهِ أَظْهَرُهَا أَنَّهُ مَوْقُوفٌ إنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ تَبَيَّنَّا بَقَاءَهُ فَتَجِبُ وَإِلَّا فَلَا. ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. (وَلَا) فِطْرَةَ عَلَى (رَقِيقٍ) أَمَّا غَيْرُ الْمُكَاتَبِ فَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا وَفِطْرَتُهُ عَلَى سَيِّدِهِ قِنًّا كَانَ أَوْ مُدَبَّرًا، أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُعَلَّقَ الْعِتْقِ بِصِفَةٍ. وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَلِضَعْفِ مِلْكِهِ وَلَا فِطْرَةَ عَلَى سَيِّدِهِ عَنْهُ لِنُزُولِهِ مَعَهُ مَنْزِلَةَ الْأَجْنَبِيِّ. وَقِيلَ: تَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ (وَفِي الْمُكَاتَبِ وَجْهٌ) أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ فِطْرَتُهُ وَفِطْرَةُ زَوْجَتِهِ وَعَبْدِهِ فِي كَسْبِهِ كَنَفَقَتِهِمْ (وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ يَلْزَمُهُ) مِنْهُ الْفِطْرَةُ (قِسْطُهُ) مِنْ الْحُرِّيَّةِ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِكِ بَعْضِهِ مُهَايَأَةٌ. وَكَذَا يَلْزَمُ كُلًّا مِنْ شَرِيكَيْنِ فِي عَبْدٍ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ فَإِنْ كَانَتْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ اخْتَصَّتْ الْفِطْرَةُ بِمَنْ وَقَعَ زَمَنُ وُجُوبِهَا فِي نَوْبَتِهِ. وَقِيلَ يُوَزَّعُ بَيْنَهُمَا كَمَا سَبَقَ

(وَلَا) فِطْرَةَ عَلَى (مُعْسِرٍ) وَإِنْ أَيْسَرَ بَعْدَ وَقْتِ الْوُجُوبِ (فَمَنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ مَنْ فِي نَفَقَتِهِ لَيْلَةَ الْعِيدِ وَيَوْمِهِ شَيْءٌ) يُخْرِجُهُ فِي الْفِطْرَةِ (فَمُعْسِرٌ) بِخِلَافِ مَنْ فَضَلَ عَنْهُ مَا يُخْرِجُهُ فِيهَا مِنْ أَيِّ جِنْسٍ كَانَ مِنْ الْمَالِ فَهُوَ مُوسِرٌ لَكِنْ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ بِقَوْلِهِ: (وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ) أَيْ الْفَاضِلِ عَمَّا ذُكِرَ (فَاضِلًا عَنْ مَسْكَنٍ) يَحْتَاجُ إلَيْهِ (وَخَادِمٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ) وَهَذَا فِي الِابْتِدَاءِ فَلَوْ ثَبَتَتْ الْفِطْرَةُ فِي ذِمَّةِ إنْسَانٍ بِعْنَا خَادِمَهُ وَمَسْكَنَهُ فِيهَا لِأَنَّهَا بَعْدَ الثُّبُوتِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية قليوبي]
بَعْضِهِمْ فِيهِ. وَلَوْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ لَزِمَهُ فِطْرَةُ أَرْبَعٍ فَقَطْ لِأَنَّ وُجُوبَ نَفَقَةِ مَنْ زَادَ عَلَيْهَا لِحَبْسِهِ لَا لِلزَّوْجِيَّةِ. كَذَا قَالُوا وَفِيهِ نَظَرٌ. وَأَمَّا فِطْرَةُ الْبَاقِيَاتِ مِنْهُنَّ فَعَلَيْهِنَّ وَيَتَمَيَّزْنَ عِنْدَ الِاخْتِيَارِ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ الصَّحِيحُ) فَأَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ لُزُومُ الْفِطْرَةِ وَفِي النِّيَّةِ مَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (وَفِي وُجُوبِهَا عَلَى الْمُرْتَدِّ) عَنْ نَفْسِهِ وَعَمَّنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ، وَفِي وُجُوبِهَا عَنْهُ أَيْضًا أَقْوَالٌ أَصَحُّهَا إنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ تَبَيَّنَ بَقَاءُ مِلْكِهِ وَإِسْلَامُهُ فَتَجِبُ عَلَيْهِ وَعَنْهُ وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ شَيْخِنَا وَفِيهِ بَحْثٌ يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ فِيمَنْ أَسْلَمَ، وَلَوْ أَخْرَجَهَا حَالَ رِدَّتِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ تَبَيَّنَ إجْزَاؤُهَا وَإِلَّا تَبَيَّنَ عَدَمُ إجْزَائِهَا. قَوْلُهُ: (فَلِضَعْفِ مِلْكِهِ) أَيْ الْمُكَاتَبِ فَلَا فِطْرَةَ عَلَيْهِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا عَنْ غَيْرِهِ كَوَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ. وَكَذَا لَا فِطْرَةَ عَلَى سَيِّدِهِ عَنْهُ أَيْ فِي الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ وَإِلَّا وَجَبَتْ فِطْرَتُهُ عَلَى سَيِّدِهِ جَزْمًا وَلَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ. قَوْلُهُ: (قِسْطُهُ) أَيْ إنْ أَخْرَجَ عَنْ نَفْسِهِ وَلَزِمَهُ فِطْرَةٌ كَامِلَةٌ عَمَّنْ فِي نَفَقَتِهِ كَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ، وَإِنْ تَعَدَّدَا. قَوْلُهُ: (مِنْ الشَّرِيكَيْنِ) أَوْ الشُّرَكَاءِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَتْ) أَيْ مُهَايَأَةً فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ هُمَا مَسْأَلَةُ السَّيِّدِ وَعَبْدِهِ وَمَسْأَلَةُ الشُّرَكَاءِ. قَوْلُهُ: (اخْتَصَّتْ) أَيْ اخْتَصَّ وُجُوبُهَا بِمَنْ وَقَعَ زَمَنُ وُجُوبِهَا فِي نَوْبَتِهِ، وَزَمَنُ وُجُوبِهَا جُزْءٌ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَجُزْءٌ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ شَوَّالٍ، فَلَوْ كَانَتْ الْمُهَايَأَةُ يَوْمًا وَيَوْمًا أَوْ شَهْرًا وَشَهْرًا فَكَعَدِمِهَا فَتَجِبُ بِالْقِسْطِ.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَيْسَرَ بَعْدَ وَقْتِ الْوُجُوبِ) وَلَوْ فِي لَيْلَةِ الْعِيدِ أَوْ يَوْمِهِ نَعَمْ يُسَنُّ لَهُ فِي هَذِهِ الْإِخْرَاجِ. قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ قَاسِمٍ: وَيَقَعُ وَاجِبًا كَمَا لَوْ تَكَلَّفَ الْمُعْسِرُ، وَأَخْرَجَ، وَفِيهِ بَحْثٌ فَتَأَمَّلْهُ. قَوْلُهُ: (فَمَنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ مَنْ فِي نَفَقَتِهِ) وَفِي ذِكْرِ مِنْ تَغْلِيبِ الْعَاقِلِ عَلَى غَيْرِهِ لِشُمُولِهِ لِلدَّوَابِّ، وَكَالْقُوتِ دَسْتُ ثَوْبٍ يَلِيقُ بِهِ وَبِمَنْ فِي نَفَقَتِهِ. وَكَذَا مَا اُعْتِيدَ مِنْ نَحْوِ سَمَكٍ وَكَعْكٍ وَنَقْلٍ وَغَيْرِهَا، وَلَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْمَالِ) وَمِنْهُ أُجْرَةُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي الْمُؤَجَّرِ وَخَرَجَ بِهِ الْكَسْبُ فَلَا يُعْتَبَرُ وَمِنْ الْمَالِ الْمُؤَجَّرِ وَالْمَرْهُونِ، فَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَبْدًا وَجَبَتْ فِطْرَتُهُ، وَلَوْ تَوَقَّفَ إخْرَاجُهَا عَنْهُمَا أَوْ عَنْ غَيْرِهِمَا عَلَى بَيْعِ جُزْءٍ مِنْ أَحَدِهِمَا فَهَلْ يُبَاعُ قَهْرًا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُرْتَهِنِ أَوْ تُؤَخَّرُ إلَى زَوَالِ الْحَقِّ وَيُعْذَرُ الْمَالِكُ بِتَأْخِيرِهَا أَوْ يُكَلَّفُ الِاقْتِرَاضَ وَالْإِخْرَاجَ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ. وَيَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ تَيَسَّرَ ذَلِكَ بِلَا مَشَقَّةٍ وَرَضِيَ صَاحِبُ ذَلِكَ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا، رَاجِعْهُ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَالْمَالُ الْغَائِبُ فِي مَسَافَةِ الْقَصْرِ كَالْمَعْدُومِ لِقَوْلِ الشَّيْخَيْنِ بِجَوَازِ أَخْذِ صَاحِبِهِ مِنْ الزَّكَاةِ وَتَرَدَّدَ فِيهِ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (يَحْتَاجُ إلَيْهِ) هُوَ قَيْدٌ فِي الْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ.
قَالَ شَيْخُنَا: وَيَنْبَغِي اعْتِبَارُ الْحَاجَةِ فِي الْمَلْبَسِ أَيْضًا وَشَمِلَتْ الْحَاجَةُ مَا لَوْ كَانَتْ لِنَفْسِهِ أَوْ لِمُمَوِّنِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْحَاجَةِ فِي الْخَادِمِ أَنْ تَكُونَ لِنَحْوِ زَمَانَةٍ، أَوْ مَنْصِبٍ لَا لِنَحْوِ رَعْيِ مَاشِيَةٍ، وَفِي الْمَسْكَنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية عميرة]
الْمَتْنِ. قَوْلُهُ: (وَلَا فِطْرَةَ عَلَى سَيِّدِهِ) وَلَوْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ فَاسِدَةً وَجَبَ عَلَى السَّيِّدِ فِطْرَتُهُ دُونَ نَفَقَتِهِ. قَوْلُهُ: (وَفِطْرَةُ زَوْجَتِهِ إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِطْرَتُهُ. قَوْلُهُ: (يَلْزَمُهُ) الضَّمِيرُ فِيهِ يَرْجِعُ لِمَنْ مِنْ قَوْلِهِ وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَمَنْ لَمْ يَفْضُلْ) بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (مَنْ فِي نَفَقَتِهِ) لَوْ قَالَ الَّذِي بَدَّلَ مَنْ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الدَّوَابَّ، وَقَوْلُهُ لَيْلَةَ الْعِيدِ أَيْ تَفْرِيعًا عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ أَقْوَالِ الْوُجُوبِ بِخِلَافِهِ عَلَى الْأَخِيرَيْنِ. نَعَمْ يُتَّجَهُ عَلَيْهِمَا اعْتِبَارُ اللَّيْلَةِ الَّتِي تَلِيهَا. قَوْلُ الْمَتْنِ: (عَنْ مَسْكَنٍ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا.

(2/42)


الْتَحَقَتْ بِالدُّيُونِ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ فَاضِلًا عَنْ دَيْنِ الْآدَمِيِّ عَلَى الْأَشْبَهِ بِالْمَذْهَبِ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ الْمُوَافِقِ لِمُقْتَضَى كَلَامِ الْكَبِيرِ. وَسَكَتَ عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَة. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: هُوَ كَمَا قَالَ قَالَا وَالْإِمَامُ قَالَ يُشْتَرَطُ بِالِاتِّفَاقِ. وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ. وَيُؤْخَذُ مِمَّا ذُكِرَ طَرِيقَانِ (وَمَنْ لَزِمَهُ فِطْرَتُهُ لَزِمَهُ فِطْرَةُ مَنْ لَزِمَهُ نَفَقَتُهُ) وَذَلِكَ بِمِلْكٍ أَوْ قَرَابَةٍ أَوْ نِكَاحٍ (لَكِنْ لَا يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ فِطْرَةُ الْعَبْدِ وَالْقَرِيبِ وَالزَّوْجَةِ الْكُفَّارِ) وَإِنْ لَزِمَهُ نَفَقَتُهُمْ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ (وَلَا الْعَبْدَ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ) حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً وَإِنْ لَزِمَهُ نَفَقَتُهَا فِي كَسْبِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِفِطْرَةِ نَفْسِهِ فَكَيْفَ يَحْمِلُ عَنْ غَيْرِهِ؟ (وَلَا الِابْنَ فِطْرَةُ زَوْجَةِ أَبِيهِ) وَإِنْ لَزِمَهُ نَفَقَتُهَا لِلُزُومِ الْإِعْفَافِ الْآتِي فِي بَابِهِ (وَفِي الِابْنِ وَجْهٌ) أَنَّهُ يَلْزَمُهُ فِطْرَتُهَا كَنَفَقَتِهَا. وَقَالَ الْأَوَّلُ: الْأَصْلُ فِي النَّفَقَةِ وَالْفِطْرَةِ الْأَبُ وَهُوَ مُعْسِرٌ، وَلَا تَجِبُ الْفِطْرَةُ عَلَى الْمُعْسِرِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ فَيَتَحَمَّلُهَا الِابْنُ (وَلَوْ أَعْسَرَ الزَّوْجُ أَوْ كَانَ عَبْدًا فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَلْزَمُ زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ فِطْرَتُهَا. وَكَذَا سَيِّدُ الْأَمَةِ) وَالثَّانِي لَا يَلْزَمُهُمَا وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهَا تَجِبُ ابْتِدَاءً عَلَى الْمُؤَدَّى عَنْهُ ثُمَّ يَتَحَمَّلُهَا الْمُؤَدِّي فَتَلْزَمُهُمَا أَوْ تَجِبُ ابْتِدَاءً عَلَى الْمُؤَدِّي فَلَا تَلْزَمُهُمَا. هَذَا أَحَدُ الطَّرِيقَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (قُلْت: الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ لَا يَلْزَمُ الْحُرَّةَ) وَيَلْزَمُ سَيِّدَ الْأَمَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية قليوبي]
أَنْ لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ وَلَوْ بِنَحْوِ رِبَاطٍ، وَلَا عِبْرَةَ بِالْأُلْفَةِ هُنَا. وَانْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِحَاجَةِ الْمَلْبَسِ وَيَظْهَرُ شُمُولُهَا لِحَاجَةِ التَّجَمُّلِ وَتَقَيَّدَ بِنَوْعٍ وَاحِدٍ فَرَاجِعْهُ. قَالَ شَيْخُنَا: وَلَوْ أَمْكَنَهُ إبْدَالُ الْخَادِمِ وَالْمَسْكَنِ بِدُونِهِمَا وَإِخْرَاجُ التَّفَاوُتِ لَزِمَهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ تَحْصِيلَ سَبَبِ الْوُجُوبِ لَا يَجِبُ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ فَاضِلًا عَنْ دَيْنِ الْآدَمِيِّ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِلْإِمَامِ وَإِنْ وَافَقَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي الْمَنْهَجِ وَاسْتِشْكَالُ الْأَوَّلِ فِي التَّصْحِيحِ بِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ لِبَيْعِهِمَا لَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَا هُنَا عَلَى الْفِطْرَةِ فَهُوَ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ عَلَيْهَا إذْ الْمُقَدَّمُ عَلَى الْمُقَدَّمِ مُقَدَّمٌ مَرْدُودٌ لِأَنَّ بَيْعَهُمَا فِي الدَّيْنِ لِتَفْرِيغِ ذِمَّةٍ مَشْغُولَةٍ إذْ الدَّيْنُ ثَابِتٌ قَبْلُ، وَفِي بَيْعِهِمَا هُنَا شُغْلُ ذِمَّةٍ فَارِغَةٍ فَهُوَ كَإِلْزَامِهِ بِالْكَسْبِ لِوُجُوبِهَا وَهُوَ بَاطِلٌ إذْ تَحْصِيلُ سَبَبِ الْوُجُوبِ لَا يَجِبُ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ فَتَأَمَّلْ وَافْهَمْ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ لَزِمَهُ إلَخْ) أَيْ مَنْ صَحَّ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ لُزُومُ فِطْرَةِ نَفْسِهِ صَحَّ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ لُزُومُ فِطْرَةِ غَيْرِهِ، إذْ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ اللُّزُومَيْنِ وَخَرَجَ عَنْ مَنْطُوقِ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ إلَخْ، وَلَا الِابْنَ إلَخْ وَعَنْ مَفْهُومِهِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ فِي الْكَافِرِ إلَّا فِي عَبْدِهِ إلَى آخِرِهِ، وَبِقَوْلِهِ هُنَا وَلَا الْعَبْدُ إلَخْ فَعُلِمَ إنَّ فِي عِطْفِهِ عَلَى مَا قَبْلَهُ تَجَوُّزًا وَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ أَنَّهُ مِنْ الْمَنْطُوقِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْوُجُوبَ يُلَاقِيهِ ابْتِدَاءً لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ كَمَا يُفِيدُهُ تَعْلِيلُ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا إلَخْ.
تَنْبِيهٌ: لَا فِطْرَةَ عَلَى أَحَدٍ عَنْ قِنِّ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ قِنِّ مَسْجِدٍ أَوْ مَوْقُوفٍ، وَلَوْ عَلَى مُعَيَّنٍ وَلَا عَنْ مُعْسِرٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَا عَلَى مُسْتَأْجِرِ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ النَّفَقَةُ وَفِطْرَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَلَا عَلَى مُسْتَأْجِرِ عَبْدٍ بِنَفَقَتِهِ وَلَا عَلَى عَامِلِ قِرَاضٍ أَوْ مُسَاقٍ شَرْطٌ عَلَيْهِ نَفَقَةُ عَبْدِ الْمَالِكِ، بَلْ فِطْرَةُ هَؤُلَاءِ عَلَى سَادَاتِهِمْ وَلَا عَلَى مُوصًى لَهُ بِمَنْفَعَةِ عَبْدٍ مُطْلَقًا. وَكَذَا بِرَقَبَتِهِ، نَعَمْ إنْ وُجِدَ سَبَبُهَا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَقَبِلَ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ أَوْ وَارِثُهُ فَعَلَيْهِمَا وَإِلَّا فَعَلَى الْمُوصِي أَوْ وَارِثِهِ، وَلَوْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي وَقَبْلَ وَارِثِهِ بَعْدَهُ فَعَلَى الْوَارِثِ إنْ قُلْنَا بِبَقَاءِ الْوَصِيَّةِ. قَوْلُهُ: (وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْبِنَاءَ وَجَعَلَ الْخِلَافَ طُرُقًا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (لَا يَلْزَمُ الْحُرَّةَ) أَيْ زَوْجَةَ الْمُعْسِرِ أَوْ الْعَبْدِ نَعَمْ يُنْدَبُ لَهَا الْإِخْرَاجُ وَلَا تَرْجِعُ بِهَا عَلَيْهِ لَوْ أَيْسَرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية عميرة]
قَوْلُ الْمَتْنِ: (فِي الْأَصَحِّ) أَيْ كَمَا فِي الْكَفَّارَةِ وَالثَّانِي لَا لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَهَا بَدَلٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُشْتَرَطُ إلَخْ) اُسْتُشْكِلَ عَلَى هَذَا عَدَمُ بَيْعِ الْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ، وَبَيْعُهُمَا فِي الدَّيْنِ مَعَ أَنَّ الزَّكَاةَ فِي الْحَيَاةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الدَّيْنِ جَزْمًا.
قَوْلُهُ: (وَيُؤْخَذُ مِمَّا ذُكِرَ طَرِيقَانِ) الثَّانِيَةُ قَاطِعَةٌ وَالْأُولَى حَاكِيَةٌ لِلْخِلَافِ. قَوْلُهُ: (وَذَلِكَ بِمِلْكِ إلَخْ) رَوَى مُسْلِمٌ «لَيْسَ عَلَى مُسْلِمٍ فِي عَبْدِهِ وَلَا قَرِيبِهِ صَدَقَةٌ، إلَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ» وَقِيسَ الْبَاقِي. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَا الْعَبْدُ إلَخْ) فِي عَطْفِهِ عَلَى مَا سَلَفَ تَجَوُّزٌ، لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا تَلْزَمُهُ فِطْرَةُ نَفْسِهِ وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ الْمُبَعَّضَ يَلْزَمُهُ مِنْ فِطْرَةِ زَوْجَتِهِ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ. قَوْلُهُ: (وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ إلَخْ) أَيْ فَإِنْ قُلْنَا: تَجِبُ عَلَى الْمُؤَدَّى عَنْهُ ابْتِدَاءً فَتَلْزَمُهُمَا، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَيْهِمَا وَالزَّوْجُ مُتَحَمِّلٌ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ التَّحَمُّلِ بَقِيَ الْوُجُوبُ

(2/43)


(وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) . هَذَا الطَّرِيقُ الثَّانِي تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ وَالْفَرْقُ كَمَالُ تَسْلِيمِ الْحُرَّةِ نَفْسَهَا بِخِلَافِ الْأَمَةِ لِاسْتِخْدَامِ السَّيِّدِ لَهَا

(وَلَوْ انْقَطَعَ خَبَرُ الْعَبْدِ) الْغَائِبِ مَعَ تَوَاصُلِ الرِّفَاقِ (فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ إخْرَاجِ فِطْرَتِهِ فِي الْحَالِ. وَقِيلَ: إذَا عَادَ. وَفِي قَوْلٍ لَا شَيْءَ) وَجْهُ وُجُوبِهَا أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ حَيًّا وَوَجْهُ مُقَابِلِهِ أَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْهَا. وَعَلَى الْأَوَّلِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ بَعْضُهُمْ الْخِلَافَ فِي وُجُوبِ إخْرَاجِهَا فِي الْحَالِ. وَالثَّانِي مِنْهُ قَاسَهَا عَلَى زَكَاةِ الْمَالِ الْغَائِبِ وَالْأَوَّلُ قَالَ الْمُهْلَةُ شُرِعَتْ فِيهِ لِمَعْنَى النَّمَاءِ وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ هُنَا (وَالْأَصَحُّ أَنَّ مَنْ أَيْسَرَ بِبَعْضِ صَاعٍ) وَهُوَ فِطْرَةُ الْوَاحِدِ (يَلْزَمُهُ) أَيْ إخْرَاجُهُ مُحَافَظَةً عَلَى الْوَاجِبِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. وَالثَّانِي يَقُولُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْوَاجِبِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ بَعْضَ الصِّيعَانِ قَدَّمَ نَفْسَهُ ثُمَّ زَوْجَتَهُ ثُمَّ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ ثُمَّ الْأَبَ ثُمَّ الْأُمَّ ثُمَّ) وَلَدَهُ (الْكَبِيرَ) فَإِذَا وَجَدَ صَاعًا أَخْرَجَهُ عَنْ نَفْسِهِ. وَقِيلَ: عَنْ زَوْجَتِهِ وَوُجِّهَ بِأَنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية قليوبي]
بَعْدُ. وَكَذَا كُلُّ مَنْ أَدَّى عَنْ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ رُجُوعًا أَوْ أَدَّى عَنْ نَفْسِهِ مَعَ كَوْنِهَا عَلَى غَيْرِهِ وَيَعْمَلُ كُلٌّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ فَاعْتِقَادُهُ لَوْ اخْتَلَفَا فِيهِ، وَالْكَلَامُ فِي حُرَّةٍ مُوسِرَةٍ وَإِلَّا فَلَا فِطْرَةَ عَلَيْهَا قَطْعًا وَفِي غَيْرِ النَّاشِزَةِ وَإِلَّا فَالْفِطْرَةُ عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ مُوسِرَةً قَطْعًا. قَوْلُهُ: (لِاسْتِخْدَامِ السَّيِّدِ) أَيْ لِتَمَكُّنِ السَّيِّدِ مِنْ الِاسْتِخْدَامِ إذْ الْخِلَافُ فِي الْمُسْلِمَةِ لِزَوْجِهَا لَيْلًا وَنَهَارًا، نَعَمْ إنْ كَانَ زَوْجُهَا فِي هَذِهِ حُرًّا مُوسِرًا لَزِمَهُ فِطْرَتُهَا. كَذَا قَالَهُ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ وَشَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ وَهُوَ مِنْ الْقَاعِدَةِ لَكِنَّ الْعِلَّةَ الْمَذْكُورَةَ تَخَالُفُهُمَا.
أَمَّا غَيْرُ الْمُسْلِمَةِ فَفِطْرَتُهَا عَلَى السَّيِّدِ قَطْعًا وَلَوْ مَعَ حُرٍّ مُوسِرٍ.

قَوْلُهُ: (مَعَ تَوَاصُلِ الرِّفَاقِ) قَيْدٌ لِمَحَلِّ الْخِلَافِ وَإِلَّا فَلَا تَسْقُطُ فِطْرَتُهُ جَزْمًا، وَخَرَجَ فَالْعَبْدُ نَحْوُ قَرِيبٍ غَائِبٍ فَلَا فِطْرَةَ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (وُجُوبُ إخْرَاجِ فِطْرَتِهِ) أَيْ الْعَبْدِ الْغَائِبِ مَا لَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ بِحُكْمٍ فِيهَا بِمَوْتِهِ وَإِلَّا لَمْ تَجِبْ. كَذَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَتَبِعَهُ شَيْخُنَا فِي شَرْحِهِ وَالْمَنْقُولُ عَنْهُ فِي غَيْرِهِ وَمَشَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ وَهُوَ الْمُتَّجَهُ بَقَاءُ الْوُجُوبِ حَتَّى يَقَعَ الْحُكْمُ بِمَوْتِهِ مِنْ قَاضٍ اجْتِهَادًا أَوْ بِبَيِّنَةٍ وَحَيْثُ وَجَبَتْ لَزِمَ السَّيِّدَ قُوتٌ آخَرُ مَحَلَّ عِلْمِ وُصُولِهِ إلَيْهِ وَدَفَعَهَا لِأَهْلِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلِلسَّيِّدِ دَفْعُهَا بِنَفْسِهِ مِنْ أَيِّ قُوتٍ لِلضَّرُورَةِ قَالَهُ شَيْخُنَا، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنْ دَفَعَهَا لِلْحَاكِمِ مِنْ أَعْلَى الْأَقْوَاتِ بَرِئَ قَطْعًا، وَقَيَّدَ ابْنُ حَجَرٍ الْحَاكِمُ بِمَنْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى مَحَلِّ الْعَبْدِ قَاضِيًا أَوْ إمَامًا. قَوْلُهُ: (لِمَعْنَى النَّمَاءِ) أَيْ إنَّ الزَّكَاةَ شُرِعَتْ فِي الْمَالِ لِأَجْلِ النَّمَاءِ فِيهِ وَأُخِّرَتْ فِي الْغَائِبِ لِاحْتِمَالِ فَوْتِ النَّمَاءِ بِتَلَفِهِ. وَوُجُوبُ زَكَاةِ الْعَبْدِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ ذَلِكَ فَلَا مَعْنَى لِتَأْخِيرِهَا فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي مِنْهُ) أَيْ الْخِلَافِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ فِطْرَةُ الْوَاحِدِ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَقَدَّمَهُ لِصِحَّةِ الْحُكْمِ بَعْدَهُ وَقِيلَ بِالْجِيمِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ زَوْجَتَهُ ثُمَّ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ ثُمَّ الْأُمَّ ثُمَّ الْوَلَدَ الْكَبِيرَ) نَعَمْ قَدْ أَعْقَبَ شَيْخُنَا الزَّوْجَةَ بِخَادِمِهَا بِالنَّفَقَةِ وَلَوْ حُرًّا أَوْ مَمْلُوكًا لِلزَّوْجَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ مَعَ مَا مَرَّ أَنَّ الْمُسْتَأْجَرَ بِالنَّفَقَةِ لَا تَجِبُ فِطْرَتُهُ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِوُجُوبِ الْإِخْدَامِ هُنَا وَفِيهِ بَحْثٌ أَوْ هُوَ مُسْتَثْنًى، ثُمَّ بَعْدَ الْخَادِمِ الْمَذْكُورِ الرَّقِيقُ الْمَمْلُوكُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَلَدِ الصَّغِيرِ، وَيُقَدَّمُ مِنْهُ أُمُّ الْوَلَدِ ثُمَّ الْمُدَبَّرُ ثُمَّ الْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ ثُمَّ غَيْرُهُ، وَأَخَّرَ ابْنُ حَجَرٍ وَغَيْرُهُ كَالْمَنْهَجِ الْمَمْلُوكَ عَنْ الْوَلَدِ الْكَبِيرِ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ مَا يُوَافِقُهُ وَالْمَنْقُولُ عَنْهُ مَا مَرَّ، وَهُوَ الْوَجْهُ لِأَنَّ نَفْسَهُ أَلْزَمُ، نَعَمْ لَوْ كَانَ خَادِمُ الزَّوْجَةِ حُرَّةً مُزَوَّجَةً بِزَوْجٍ مُوسِرٍ فَفِطْرَتُهَا عَلَى زَوْجِهَا. قَوْلُهُ: (ثُمَّ وَلَدَهُ الْكَبِيرَ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ سَفِيهًا أَوْ مَجْنُونًا. قَوْلُهُ: (عَنْ نَفْسِهِ) أَيْ وُجُوبًا. وَكَذَا مَا بَعْدَهُ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ فِي غَيْرِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ وَاجِبٌ وَفِيهِ مَنْدُوبٌ قَالَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية عميرة]
فِي مَحَلِّهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قُلْنَا تَجِبُ عَلَى الْمُؤَدِّي، فَإِنَّهُ لَا حَقَّ عَلَيْهِمَا. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْأَمَةِ) أَيْ فَلَا تَتَحَوَّلُ الْفِطْرَةُ عَنْ السَّيِّدِ، وَإِنَّمَا الزَّوْجُ كَالضَّامِنِ فَإِذَا لَمْ يَقْدِرْ بَقِيَ الْوُجُوبُ عَلَى السَّيِّدِ.

قَوْلُهُ: (مَعَ تَوَاصُلِ الرِّفَاقِ) يَعْنِي انْقَطَعَ خَبَرُهُ مَعَ تَوَاصُلِ مَجِيءِ الرِّفَاقِ مِنْ تِلْكَ النَّاحِيَةِ، وَلَمْ يَتَحَدَّثُوا بِخَبَرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا انْقَطَعَ خَبَرُهُ مَعَ عَدَمِ تَوَاصُلِ الرِّفَاقِ، فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ الزَّكَاةُ قَوْلًا وَاحِدًا إلَّا أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ سَبَبُ انْقِطَاعِ الْخَبَرِ عَدَمَ تَوَاصُلِ الرِّفَاقِ هَذَا مُرَادُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلْيُتَأَمَّلْ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَفِي قَوْلٍ لَا شَيْءَ) هُوَ مُخَرَّجٌ مِنْ نَصِّهِ عَلَى عَدَمِ إجْزَائِهِ فِي الْكَفَّارَةِ. قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ وَقِيلَ قَوْلَانِ ثَانِيهِمَا لَا شَيْءَ. قَوْلُهُ: (وَوَجْهُ مُقَابِلِهِ) الضَّمِيرُ فِيهِ يَرْجِعُ لِقَوْلِ الْمَتْنِ وَفِي قَوْلٍ لَا شَيْءَ قَوْلُهُ: (الْخِلَافُ فِي وُجُوبِ إخْرَاجُهَا فِي الْحَالِ) عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَإِذَا أَوْجَبْنَا الْفِطْرَةَ، فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ الْإِخْرَاجِ فِي الْحَالِ، وَنَصَّ فِي الْإِمْلَاءِ عَلَى قَوْلَيْنِ وَصَرَّحَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِطَرِيقَيْنِ، وَرَجَّحَ الْجَزْمَ فَصَاحِبُ الْمِنْهَاجِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَرَادَ بِالْمَذْهَبِ هُنَا، بِالنَّظَرِ لِوُجُوبِ الْإِخْرَاجِ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ مِنْ الطَّرِيقِ الْحَاكِيَةِ لِلْخِلَافِ فِيهِ، وَبِالنَّظَرِ لِوَقْتِ الْإِخْرَاجِ طَرِيقَ الْقَطْعِ، وَقَوْلُهُ: وَقِيلَ إذَا عَادَ هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ مِنْ الْحَاكِيَةِ، لِقَوْلَيْ الْإِمْلَاءِ فَلَوْ قَالَ: وَقِيلَ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا إذَا

(2/44)


فِطْرَتَهَا دَيْنٌ وَالدَّيْنُ يَمْنَعُ وُجُوبَ الْفِطْرَةِ عَلَى طَرِيقٍ تَقَدَّمَ وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا أَوْ صَاعَيْنِ أَخْرَجَهُمَا عَنْ نَفْسِهِ وَزَوْجَتُهُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْقَرِيبِ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا آكَدُ إذْ لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ بِخِلَافِ نَفَقَتِهِ وَقِيلَ: يُؤَخِّرُهَا عَنْ الْقَرِيبِ لِأَنَّ عَلَقَتَهُ لَا تَنْقَطِعُ وَعَلَقَتُهَا يَعْرِضُ لَهَا الِانْقِطَاعُ. وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا أَوْ ثَلَاثَةُ آصُعٍ فَأَكْثَرُ، أَخْرَجَ الثَّالِثَ عَنْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ، وَالرَّابِعُ عَنْ الْأَبِ وَالْخَامِسُ عَنْ الْأُمِّ.
وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْإِمَامِ وَغَيْرُهُ حِكَايَةُ وَجْهٍ بِتَقْدِيمِ الْوَلَدِ الْكَبِيرِ عَلَى الْأَبَوَيْنِ، وَوَجْهُ بِتَقْدِيمِ الْأُمِّ عَلَى الْأَبِ، وَوَجْهُ بِأَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا كَالْخِلَافِ فِي نَفَقَتِهِمَا لَكِنَّ الْأَصَحَّ مِنْهُ تَقْدِيمُ الْأُمِّ. قَالَ: وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ لِسَدِّ الْخُلَّةِ وَالْأُمُّ أَحْوَجُ وَأَقَلُّ حِيلَةً. وَالْفِطْرَةُ تَجِبُ لِتَطْهِيرِ الْمُخْرَجِ عَنْهُ وَتَشْرِيفِهِ، وَالْأَبُ أَحَقُّ بِهَذَا فَإِنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَيَشْرُفُ بِشَرَفِهِ

(وَهِيَ) أَيْ فِطْرَةُ الْوَاحِدِ (صَاعٌ وَهُوَ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ وَثَلَاثَةٌ وَتِسْعُونَ وَثُلُثٌ) لِأَنَّهُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ، وَالْمُدُّ رِطْلٌ وَثُلُثٌ بِالْبَغْدَادِيِّ. وَالرِّطْلُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا (قُلْت: الْأَصَحُّ سِتُّمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ دِرْهَمًا وَخَمْسَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ لِمَا سَبَقَ فِي زَكَاةِ النَّبَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ رِطْلَ بَغْدَادَ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ.
قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ: الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ الْكَيْلُ. وَإِنَّمَا قَدَّرَهُ الْعُلَمَاءُ بِالْوَزْنِ اسْتِظْهَارًا. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: يَخْتَلِفُ قَدْرُهُ وَزْنًا بِاخْتِلَافِ جِنْسِ مَا يُخْرَجُ كَالذُّرَةِ وَالْحِمَّصِ وَغَيْرِهِمَا. وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ أَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى الْكَيْلِ بِصَاعٍ مُعَايَرٍ بِالصَّاعِ الَّذِي كَانَ يُخْرَجُ بِهِ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ لَمْ يَجِدْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ إخْرَاجُ قَدْرٍ يَتَيَقَّنُ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ عَنْهُ. وَعَلَى هَذَا فَالتَّقْدِيرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية قليوبي]
شَيْخُنَا كَابْنِ حَجَرٍ قَالَ: وَلَا نَظَرَ لِاحْتِمَالِ التَّلَفِ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْبَقَاءُ، وَلَوْ أَخْرَجَ الصَّاعَ الْمَذْكُورَ عَنْ غَيْرِ نَفْسِهِ لَمْ يَقَعْ عَنْ الْمُخْرَجِ عَنْهُ، وَلَهُ اسْتِرْدَادُهُ إنْ شَرَطَهُ وَتَبْقَى فِطْرَةُ نَفْسِهِ عَلَيْهِ. وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ.
وَلَوْ قَدَّمَ الْمُؤَخَّرَ فِي حَالَةِ النَّدْبِ فَتَلِفَ الَّذِي أَخَّرَهُ لِلْمُقَدَّمِ قَبْلَ إخْرَاجِهِ عَنْهُ تَبَيَّنَ عَدَمُ إجْزَاءِ الَّذِي أَخْرَجَهُ، قَالَهُ شَيْخُنَا، نَعَمْ إنْ كَانَ الْإِخْرَاجُ قَبْلَ وَقْتِ الْوُجُوبِ فَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (تَقَدَّمَ الْأُمُّ) أَيْ فِي النَّفَقَةِ. قَوْلُهُ: (وَالْفَرْقُ إلَخْ) أَبْطَلَ الْإِسْنَوِيُّ الْفَرْقَ بِتَقْدِيمِ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ عَلَى الْأَبِ وَأَجَابَ عَنْهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ بِأَنَّ الْوَلَدَ جُزْءٌ مِنْهُ فَهُوَ كَنَفْسِهِ، وَبِأَنَّ النَّظَرَ لِلشَّرَفِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِهَةِ وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ فِي الْجَوَابِ الْأَوَّلِ بِتَأْخِيرِ الْوَلَدِ الْكَبِيرِ. وَقَدْ يُقَالُ شَأْنُ الْوَلَدِ الْكَبِيرِ عَدَمُ الْحَاجَةِ، وَفِيهِ بُعْدٌ فَتَأَمَّلْهُ.
فَرْعٌ: لَوْ اسْتَوَى جَمَاعَةٌ فِي مَرْتَبَةٍ وَنَقَصَ وَاجِبُهُمْ كَصَاعٍ فَأَقَلَّ عَنْ زَوْجَتَيْنِ يُخَيَّرُ فِي إخْرَاجِهِ عَنْ إحْدَاهُمَا وَلَا يُقَسِّطُهُ بَيْنَهُمَا وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ نَدْبُ الْقُرْعَةِ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ تَعَدَّدَ مَنْ تَلْزَمُهُ كَوَلَدَيْنِ عَنْ أَبٍ لَزِمَ كُلًّا نِصْفُ صَاعٍ فَإِنْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا جَمِيعَ الصَّاعِ احْتَاجَ فِي صِحَّةِ إخْرَاجِهِ إلَى إذْنِ الْآخَرِ أَوْ الْأَبِ.
كَذَا بَحَثَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ قَاسِمٍ وَارْتَضَاهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ، وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِإِذْنٍ وَأَنَّهَا تَسْقُطُ عَنْ الْآخَرِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ عَنْ الْعَلَّامَةِ الْبُرُلُّسِيِّ أَنَّهُ لَوْ تَكَلَّفَ مَنْ لَزِمَتْ فِطْرَتُهُ لِغَيْرِهِ وَأَخْرَجَ عَنْ نَفْسِهِ كَفَى. وَلَا يَرْجِعُ عَلَى ذَلِكَ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَى إذْنٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي إخْرَاجِ الشَّخْصِ عَنْ نَفْسِهِ. وَحُمِلَ هَذَا عَلَى مَا لَوْ أَعْسَرَ مَنْ لَزِمَتْهُ فِيهِ بُعْدٌ فَرَاجِعْهُ

. قَوْلُهُ: (صَاعٌ) قَالَ الْقَفَّالُ: وَحِكْمَةُ الصَّاعِ أَنَّ الْفَقِيرَ لَا يَجِدُ مَنْ يَسْتَعْمِلُهُ فِي يَوْمِ الْعِيدِ وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ فِي الْغَالِبِ وَالْمُتَحَصِّلُ مِنْ الصَّاعِ وَمَا يُضَمُّ إلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ فِي عَجْنِهِ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ، وَذَلِكَ كِفَايَةُ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لِكُلٍّ يَوْمٍ رِطْلَانِ. وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ فِي هَذِهِ الْحِكْمَةِ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمُوجَبُ دَفْعُهَا لِثَلَاثَةٍ فَأَكْثَرَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ أَوْ لِصِنْفٍ مِنْ الْأَصْنَافِ السَّبْعَةِ مَثَلًا قَوْلُهُ: (وَالْمُدُّ رِطْلٌ وَثُلُثٌ) وَيُعْلَمُ مِقْدَارُهُ مِنْ مِقْدَارِ الرِّطْلِ عَلَى الْخِلَافِ، وَسَيَأْتِي فِي النَّفَقَاتِ التَّصْرِيحُ بِقَدْرِهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَالصَّوَابُ إلَخْ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (بِصَاعٍ مُعَايَرٍ إلَخْ) وَقُدِّرَ بِالْكَيْلِ الْمِصْرِيِّ فَكَانَ مِقْدَارَ قَدَحَيْنِ تَقْرِيبًا فَهُوَ الْمُعْتَبَرُ، وَلَا نَظَرَ لِلْوَزْنِ، وَإِنْ اخْتَلَفَ وَزْنُ الْحُبُوبِ وَلِأَنَّهُمَا يَزِيدَانِ عَلَى أَرْبَعَةِ الْأَمْدَادِ الَّتِي هِيَ الصَّاعُ بِنَحْوِ سُبْعَيْ مُدٍّ لِأَنَّ مِقْدَارَ الْقَدَحِ بِالدَّرَاهِمِ الْمِصْرِيَّةِ مِائَةُ دِرْهَمٍ، وَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا وَيَكْفِي عَنْ الْكَيْلِ بِالْقَدَحِ أَرْبَعُ حَفَنَاتٍ بِكَفَّيْنِ مُنْضَمَّيْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية عميرة]
عَادَ لَكَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (لِمَعْنَى النَّمَاءِ) أَيْ الَّذِي يَفُوتُهُ فِي الْغَيْبَةِ هَذَا مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ، لَكِنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ إنَّمَا عَلَّلَ بِهِ مَنْ مَنَعَ الْوُجُوبَ فِي الْمَالِ الْغَائِبِ، وَأَمَّا تَأْخِيرُ الْإِخْرَاجِ فِيهِ، فَعُلِّلَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ الْإِخْرَاجِ مِنْهُ وَالتَّكْلِيفُ مِنْ غَيْرِهِ خَرَجَ لِاحْتِمَالِ

(2/45)


بِخَمْسَةِ أَرْطَالٍ وَثُلُثٍ تَقْرِيبٌ (وَجِنْسُهُ) أَيْ الصَّاعُ الْوَاجِبُ (الْقُوتُ الْمُعَشَّرُ) أَيْ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ. وَكَذَا نِصْفُهُ (وَكَذَا الْأَقِطُ فِي الْأَظْهَرِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ. قَالَ فِي التَّحْرِيرِ: هُوَ لَبَنٌ يَابِسٌ غَيْرُ مَنْزُوعِ الزُّبْدِ. رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «كُنَّا نُخْرِجُ إذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ» وَمَنْشَأُ الْقَوْلَيْنِ التَّرَدُّدُ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ وَقَدْ صَحَّ، وَلِذَلِكَ قَطَعَ بَعْضُهُمْ بِجَوَازِهِ.
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ بِجَوَازِهِ لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ. وَفِي مَعْنَاهُ اللَّبَنُ وَالْجُبْنُ فَيُجْزِئَانِ فِي الْأَصَحِّ، وَأَجْزَأَ كُلٌّ مِنْ الثَّلَاثَةِ لِمَنْ هُوَ قُوتُهُ، وَلَا يُجْزِئُ الْمَخِيضُ وَالْمَصْلُ وَالسَّمْنُ وَالْجُبْنُ الْمَنْزُوعُ الزُّبْدُ لِانْتِفَاءِ الِاقْتِيَاتِ بِهَا، وَلَا الْمُمَلَّحُ مِنْ الْأَقِطِ الَّذِي أَفْسَدَ كَثْرَةُ الْمِلْحِ جَوْهَرَهُ بِخِلَافِ ظَاهِرِ الْمِلْحِ فَيُجْزِئُ لَكِنْ لَا يُحْسَبُ الْمِلْحُ فَيُخْرِجُ قَدْرًا يَكُونُ مَحْضُ الْأَقِطِ مِنْهُ صَاعًا (وَيَجِبُ) فِي الْبَلَدِ مِنْ قُوتِ بَلَدِهِ وَقِيلَ قُوتُهُ. وَقِيلَ: (يَتَخَيَّرُ بَيْنَ) جَمِيعِ (الْأَقْوَاتِ) لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، إلَى آخِرِهِ وَأَجَابَ الْأَوَّلَانِ بِأَنَّ أَوْ فِيهِ لَيْسَتْ لِلتَّخْيِيرِ بَلْ لِبَيَانِ الْأَنْوَاعِ الَّتِي تُخْرَجُ مِنْهَا، فَلَوْ كَانَ قُوتُ بَلَدِهِ الشَّعِيرَ وَقُوتُهُ الْبُرَّ تَنَعُّمًا تَعَيَّنَ الْبُرُّ عَلَى الثَّانِي وَأَجْزَأَ الشَّعِيرُ عَلَى الْأَوَّلِ وَأَجْزَأَ غَيْرُهُمَا عَلَى الثَّالِثِ، وَعَبَّرَ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا بِغَالِبِ قُوتِهِ وَغَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ (وَيُجْزِئُ) عَلَى الْأَوَّلَيْنِ (الْأَعْلَى عَنْ الْأَدْنَى) وَلَا عَكْسَ (وَالِاعْتِبَارُ فِي الْأَعْلَى وَالْأَدْنَى بِالْقِيمَةِ فِي وَجْهٍ) فَمَا قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْآخَرِ أَعْلَى وَالْآخَرُ أَدْنَى وَيَخْتَلِفُ الْحَالُ عَلَى هَذَا بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ وَالْأَوْقَاتِ إلَّا أَنْ تُعْتَبَرَ زِيَادَةُ الْقِيمَةِ فِي الْأَكْثَرِ (وَبِزِيَادَةِ الِاقْتِيَاتِ فِي الْأَصَحِّ فَالْبُرُّ خَيْرٌ مِنْ التَّمْرِ وَالْأَرُزِّ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَالزَّبِيبُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية قليوبي]
مُعْتَدِلَيْنِ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا نِصْفُهُ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ مَا قَبْلَهُ وَلَعَلَّهُ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ اخْتِصَاصِ مَا يُسْقَى بِغَيْرِ النَّضْجِ فَتَأَمَّلْهُ.
وَدَخَلَ فِيهِ الْعَدَسُ وَالْمَاشُّ وَالْحِمَّصُ. قَوْلُهُ: (هُوَ لَبَنٌ) أَيْ الْأَقِطُ أَيْ وَلَوْ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ كَإِبِلٍ، خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ وَالْعِبْرَةُ فِيهِ بِالْكَيْلِ إنْ تَيَسَّرَ وَإِلَّا فَالْوَزْنُ. وَيُعْتَبَرُ فِي إخْرَاجِ اللَّبَنِ أَنْ يَبْلُغَ قَدْرَ صَاعِ أَقِطٍ. كَمَا فِي الْعُبَابِ. وَذَكَرَهُ شَيْخُنَا فِي شَرْحِهِ كَابْنِ حَجَرٍ وَفِيهِ بَحْثٌ ظَاهِرٌ خُصُوصًا مَعَ اعْتِبَارِ الْوَزْنِ فِيهِ وَمِعْيَارُ الْجُبْنِ كَالْأَقِطِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُجْزِئُ الْمَخِيضُ إلَخْ) وَكَذَا اللَّحْمُ وَإِنْ اقْتَاتُوهُ. قَوْلُهُ: (بَلَدِهِ) أَيْ مَحَلِّهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَلَدًا. قَوْلُهُ: (بِغَالِبِ قُوتِهِ) عَلَى الْوَجْهِ الْمَرْجُوحِ وَغَالِبُ قُوتِ الْبَلَدِ عَلَى الْوَجْهِ الرَّاجِحِ وَالْمُرَادُ بِهِ بَلَدُ الْمُؤَدَّى عَنْهُ وَالْمُرَادُ غَلَبَتُهُ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ بِأَنْ يَكُونَ الْمَضْمُومُ إلَيْهِ دُونَهُ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ أَوْ يَكُونُ اسْتِعْمَالُهُ فِي أَكْثَرِ أَيَّامِهَا، فَلَوْ تَسَاوَى مَعَ غَيْرِهِ تَخَيَّرَ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ اخْتَلَطَ مِنْ جِنْسَيْنِ كَبُرٍّ وَشَعِيرٍ فَإِنْ كَانَ حَبَّاتُ الشَّعِيرِ أَكْثَرَ أَوْ مُسَاوِيَةً لِحَبَّاتِ الْبُرِّ تَخَيَّرَ. كَذَا قَالَهُ شَيْخُنَا. وَهُوَ وَاضِحٌ فِي الثَّانِيَةِ وَمُخَالِفٌ لِمَا قَبْلَهُ، وَلِلْقَاعِدَةِ فِي الْأُولَى، فَالْوَجْهُ فِيهَا اعْتِبَارُ الشَّعِيرِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ إخْرَاجَ الْأَعْلَى عَمَّا دُونَهُ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ حَبَّاتُ الْبُرِّ أَكْثَرَ تَعَيَّنَ الْبُرُّ. وَيُجْزِئُ الْإِخْرَاجُ مِنْ الْمُخْتَلِطِ فِي الْأَوَّلَيْنِ دُونَ الثَّالِثَةِ إلَّا إنْ كَانَ خَالِصُ الْبُرِّ مِنْهُ قَدْرَ الْوَاجِبِ.
وَيُعْتَبَرُ قُوتُ أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَى بَلَدٍ عُدِمَ فِيهِ الْقُوتُ فَإِنْ اسْتَوَى إلَيْهِ بَلَدَانِ وَاخْتَلَفَ جِنْسُ قُوتِهِمَا تَخَيَّرَ، وَالْأَعْلَى أَكْمَلُ. قَوْلُهُ: (وَيُجْزِئُ الْأَعْلَى عَنْ الْأَدْنَى) قَالَ شَيْخُنَا: وَيُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ فَرَاجِعْهُ. وَفَارَقَ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ فِي زَكَاةِ الْمَالِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية عميرة]
تَلَفِهِ قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي يَقُولُ إلَخْ) أَيْ قِيَاسًا عَلَى الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ.

قَوْلُهُ: (هُوَ لَبَنٌ يَابِسٌ) قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: يُعْمَلُ مِنْ أَلْبَانِ الْإِبِلِ خَاصَّةً، وَعَلَّلَهُ فِي الْكِفَايَةِ بِأَنَّهُ مُقْتَاتٌ عَمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَمُكْتَالٌ فَيُجْزِئُ كَالْحُبُوبِ، وَقَضِيَّةُ تَعْلِيلِهِ عَدَمُ إجْزَاءِ الْمُتَّخَذِ مِنْ غَيْرِ الزَّكَوِيِّ، كَالْمُتَّخَذِ مِنْ لَبَنِ الظَّبْيَةِ. قَوْلُهُ: (وَالْمَصْلُ) قِيلَ: هُوَ مَاءُ الْأَقِطِ، قَالَهُ فِي الْمُجْمَلِ وَغَيْرِهِ.
وَفِي الْبَيَانِ هُوَ لَبَنٌ مَنْزُوعُ الزُّبْدِ، وَفِي النِّهَايَةِ هُوَ الْمَخِيضُ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَقِيلَ قُوتُهُ) أَيْ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْمُؤْنَةِ وَوَاجِبَةٌ فِي الْفَاضِلِ عَنْهَا فَكَانَتْ مِنْهَا، وَالْأَوَّلُ قَاسَ عَلَى ثَمَنِ الْمَبِيعِ. قَوْلُهُ: (لِبَيَانِ الْأَنْوَاعِ) أَيْ وَتَعَدُّدُهَا بِاعْتِبَارِ تَعَدُّدِ النَّوَاحِي الْمُخْرَجِ مِنْهَا فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَيُجْزِئُ الْأَعْلَى إلَخْ) خُولِفَ ذَلِكَ فِي الزَّكَاةِ فَلَمْ يَجُزْ إخْرَاجُ الذَّهَبِ عَنْ الْفِضَّةِ مَثَلًا قَالَ الرَّافِعِيُّ: لِأَنَّ الزَّكَوَاتِ الْمَالِيَّةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَالِ فَأُمِرَ أَنْ يُوَاسِيَ الْفُقَرَاءَ بِمَا وَاسَاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ. وَالْفِطْرَةُ زَكَاةُ الْبَدَنِ فَوَقَعَ النَّظَرُ فِيهَا لِمَا هُوَ غِذَاءُ الْبَدَنِ، وَالْأَعْلَى يَحْصُلُ هَذَا الْغَرَضُ وَزِيَادَةً.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَالِاعْتِبَارُ بِالْقِيمَةِ إلَخْ) لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ. قَوْلُهُ: (وَيَخْتَلِفُ إلَخْ) لَمْ يُذْكَرْ مِثْلُ هَذَا فِي

(2/46)


وَالشَّعِيرُ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ الشَّعِيرَ خَيْرٌ مِنْ التَّمْرِ) لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الِاقْتِيَاتِ، وَقِيلَ التَّمْرُ خَيْرٌ مِنْهُ (وَأَنَّ التَّمْرَ خَيْرٌ مِنْ الزَّبِيبِ) لِذَلِكَ أَيْضًا.
وَقِيلَ: الزَّبِيبُ خَيْرٌ مِنْهُ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَالصَّوَابُ تَقْدِيمُ الشَّعِيرِ عَلَى الزَّبِيبِ أَيْ مَنْ تَرَدَّدَ فِيهِ لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ كَتَرَدُّدِهِ فِي التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ. وَجَزَمَ بِتَقْدِيمِ التَّمْرِ عَلَى الشَّعِيرِ. وَقَدَّمَ الْبَغَوِيّ الشَّعِيرَ عَلَى التَّمْرِ فَعَبَّرَ عَنْ قَوْلَيْهِمَا وَعَنْ تَرَدُّدِ الْأَوَّلِ بِالْوَجْهَيْنِ (وَلَهُ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ قُوتٍ) وَاجِبٍ (وَعَنْ قَرِيبِهِ) أَوْ عَبْدِهِ (أَعْلَى مِنْهُ وَلَا يُبَعَّضُ الصَّاعُ) عَنْ وَاحِدٍ بِأَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ قُوتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَعْلَى مِنْ الْوَاجِبِ كَأَنْ وَجَبَ التَّمْرُ فَأَخْرَجَ نِصْفَ صَاعٍ مِنْهُ وَنِصْفًا مِنْ الْبُرِّ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَرَأَيْت لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ تَجْوِيزَهُ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ أَوَّلَ الْبَابِ فَرَضَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، وَلَوْ مَلَكَ نِصْفَيْنِ مِنْ عَبْدَيْنِ فَأَخْرَجَ نِصْفَ صَاعٍ عَنْ أَحَدِ النِّصْفَيْنِ مِنْ الْوَاجِبِ وَنِصْفًا عَنْ الثَّانِي مِنْ جِنْسٍ أَعْلَى مِنْهُ جَازَ، وَعَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَقْوَاتِ لَهُ إخْرَاجُهَا مِنْ جِنْسَيْنِ بِكُلِّ حَالٍ (وَلَوْ كَانَ فِي بَلَدٍ أَقْوَاتٌ لَا غَالِبَ فِيهَا تَخَيَّرَ) بَيْنَهَا فَيُخْرِجُ مَا شَاءَ مِنْهَا (وَالْأَفْضَلُ أَشْرَفُهَا) أَيْ أَعْلَاهَا. وَهَذَا التَّعْبِيرُ مُوَافِقٌ لِتَعْبِيرِ الْمُحَرَّرِ فِيمَا تَقَدَّمَ بِغَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ (وَلَوْ كَانَ عَبْدُهُ بِبَلَدٍ آخَرَ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِقُوتِ بَلَدِ الْعَبْدِ) بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّهَا تَجِبُ ابْتِدَاءً عَلَى الْمُؤَدَّى عَنْهُ، ثُمَّ يَتَحَمَّلُ عَنْهُ الْمُؤَدِّي.
وَالثَّانِي الِاعْتِبَارُ بِقُوتِ بَلَدِ الْمَالِكِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَجِبُ ابْتِدَاءً عَلَى الْمُؤَدِّي عَنْ غَيْرِهِ (قُلْت: الْوَاجِبُ الْحَبُّ السَّلِيمُ) فَلَا يُجْزِئُ الْمُسَوِّسُ وَالْمَعِيبُ وَلَا الدَّقِيقُ وَالسَّوِيقُ. كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (وَلَوْ أَخْرَجَ مِنْ مَالِهِ فِطْرَةَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ الْغَنِيِّ جَازَ كَأَجْنَبِيٍّ أُذِنَ) فَيَجُوزُ إخْرَاجُهَا عَنْهُ (بِخِلَافِ الْكَبِيرِ) فَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِأَنَّ الْأَبَ لَا يَسْتَقِلُّ بِتَمْلِيكِهِ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ فَكَأَنَّهُ مَلَّكَهُ فِطْرَتَهُ ثُمَّ أَخْرَجَهَا عَنْهُ (وَلَوْ اشْتَرَكَ مُوسِرٌ وَمُعْسِرٌ فِي عَبْدٍ لَزِمَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية قليوبي]
نَظَرًا لِقِيَامِ الْبَدَنِ الْمُعْتَبَرِ هُنَا. قَوْلُهُ: (وَبِزِيَادَةِ الِاقْتِيَاتِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ هُوَ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى بَلَدٍ مُعَيَّنٍ. قَوْلُهُ: (فَالْبُرُّ) وَيَلِيهِ السُّلْتُ.
قَوْلُهُ: (أَنَّ الشَّعِيرَ خَيْرٌ مِنْ التَّمْرِ) وَيَلِيهِ الدُّخْنُ وَالذُّرَةُ فَهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ أَنَّهُمَا فِي مَرْتَبَةِ الشَّعِيرِ أَيْ مِنْ حَيْثُ تَقْدِيمِهَا عَلَى مَا بَعْدَهُمَا. وَيَلِيهِمَا الْأَرُزُّ فَالْحِمَّصُ فَالْمَاشُّ فَالْعَدَسُ فَالْفُولُ فَالتَّمْرُ. قَوْلُهُ: (مِنْ الزَّبِيبِ) وَيَلِيهِ الْأَقِطُ فَاللَّبَنُ فَالْجُبْنُ. فَجُمْلَةُ مَرَاتِبِ الْأَقْوَاتِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مَرْتَبَةً مَرْمُوزٌ إلَيْهَا بِحُرُوفِ أَوَائِلِ كَلِمَاتِ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ نَظْمًا لِضَبْطِهَا:
بِاَللَّهِ سَلْ شَيْخَ ذِي رَمْزٍ حَكَى مَثَلًا ... عَنْ فَوْرِ تَرْكِ زَكَاةِ الْفِطْرِ لَوْ جَهِلَا
حُرُوفَ أَوَّلِهَا جَاءَتْ مَرْتَبَةُ ... أَسْمَاءِ قُوتِ زَكَاةِ الْفِطْرِ إنْ عَقَلَا
فَالْبَاءُ مِنْ بِاَللَّهِ لِلْبُرِّ، وَالسِّينُ مِنْ سَلْ لِلسُّلْتِ، وَالشِّينُ لِلشَّعِيرِ، وَالذَّالُ لِلذُّرَةِ وَمِنْهَا الدُّخْنُ، وَالرَّاءُ لِلرُّزِّ وَالْحَاءُ لِلْحِمَّصِ، وَالْمِيمُ لِلْمَاشِّ، وَالْعَيْنُ لِلْعَدَسِ، وَالْفَاءُ لِلْفُولِ، وَالتَّاءُ لِلتَّمْرِ، وَالزَّايُ لِلزَّبِيبِ، وَالْأَلِفُ لِلْأَقِطِ، وَاللَّامُ لِلْبُنِّ، وَالْجِيمُ لِلْجُبْنِ. وَهَذَا مَا اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا لَكِنْ فِي كَلَامِ ابْنِ وَحْشِيَّةَ فِي الْفِلَاحَةِ مُخَالَفَةٌ لِبَعْضِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُبَعَّضُ الصَّاعُ) أَيْ مِنْ جِنْسَيْنِ عَنْ وَاحِدٍ، وَلَوْ مِنْ قُوتَيْنِ مُسْتَوِيَيْنِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ الشَّارِحِ إلَّا فِيمَا مَرَّ فِي الْمُخْتَلِطِ، وَيَجُوزُ مِنْ نَوْعَيْنِ.
قَوْلُهُ: (الْحَبُّ السَّلِيمُ) أَيْ وَلَوْ عَتِيقًا لَا قِيمَةَ لَهُ حَيْثُ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِطَعْمٍ وَلَا لَوْنٍ وَلَا رِيحٍ. قَوْلُهُ: (فَلَا يُجْزِئُ الْمُسَوِّسُ) وَإِنْ كَانُوا يَقْتَاتُونَهُ، أَوْ بَلَغَ لُبُّهُ صَاعًا خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ. كَذَا فِي شَرْحِ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ. قَوْلُهُ: (وَلَدِهِ الصَّغِيرِ الْغَنِيِّ) وَمِثْلُهُ السَّفِيهُ وَالْمَجْنُونُ. قَوْلُهُ: (جَازَ) فَإِنْ قَصَدَ الرُّجُوعَ وَخَرَجَ بِوَلَدِهِ الْوَصِيُّ وَالْقَيِّمُ فَلَا يُؤَدِّيَانِ مِنْ مَالِهِمَا إلَّا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ. قَوْلُهُ: (كَأَجْنَبِيٍّ أُذِنَ) وَمِنْهُ وَلَدُهُ الْكَبِيرُ وَلَا رُجُوعَ إلَّا بِشَرْطِهِ. قَوْلُهُ:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية عميرة]
زِيَادَةِ الِاقْتِيَاتِ الْآتِي كَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهِ اعْتِبَارُ زِيَادَةِ الِاقْتِيَاتِ فِي الْأَكْثَرِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (تَخَيَّرَ) أَيْ وَيُفَارِقُ تَعَيُّنَ الْأَغْبَطِ فِي اجْتِمَاعِ الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ، لِأَنَّ زَكَاةَ الْمَالِ مُتَعَلِّقَةٌ بِعَيْنِ الْمَالِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَهَذَا التَّعْبِيرُ) يُؤَيِّدُ قَوْلَهُ لَا غَالِبَ فِيهَا تَخَيَّرَ حَيْثُ جَعَلَ التَّخْيِيرَ عِنْدَ عَدَمِ الْغَلَبَةِ، فَدَلَّ عَلَى اعْتِبَارِ الْغَلَبَةِ عِنْدَ وُجُودِهَا. قَوْلُهُ: (وَالْمَعِيبُ) مِنْهُ أَنْ يَكُونَ مُتَغَيِّرَ الطَّعْمِ أَوْ

(2/47)


الْمُوسِرَ نِصْفُ صَاعٍ) وَلَا يَجِبُ غَيْرُهُ ذَكَرَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الرَّوْضَةِ (وَلَوْ أَيْسَرَا) أَيْ الْمُشْتَرِكَانِ فِي عَبْدٍ (وَاخْتَلَفَ وَاجِبُهُمَا) بِاخْتِلَافِ قُوتِ بَلَدَيْهِمَا أَوْ قُوتِهِمَا (أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ وَاجِبِهِ فِي الْأَصَحِّ) كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّهُ إذَا أَخْرَجَ ذَلِكَ أَخْرَجَ جَمِيعَ مَا لَزِمَهُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ. وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُخْرَجَ عَنْهُ وَاحِدٌ. فَلَا يَتَبَعَّضُ وَاجِبُهُ فَيُخْرَجَانِ مِنْ أَعْلَى الْقُوتَيْنِ فِي وَجْهٍ رِعَايَةً لِلْفُقَرَاءِ وَمِنْ أَدْنَاهُمَا فِي آخَرَ دَفْعًا لِضَرَرِ أَحَدِ الْمَالِكَيْنِ.
وَقَوْلُهُ: مِنْ وَاجِبِهِ أَيْ قُوتِ بَلَدِهِ أَوْ قُوتِهِ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ بِبَلَدٍ آخَرَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ ابْتِدَاءً. فَإِنْ قُلْنَا: تَجِبُ بِالتَّحَمُّلِ فَالْمُخْرَجُ مِنْ قُوتِ بَلَدِ الْعَبْدِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ بَعْدَ تَصْحِيحِهِ السَّابِقِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الرَّوْضَةِ.

بَابُ مَنْ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ وَمَا تَجِبُ فِيهِ مِمَّا يَأْتِي بَيَانُهُ كَالْمَغْصُوبِ وَالضَّالِّ وَغَيْرِهِمَا وَتَرْجَمَ بَعْدَهُ بِفَصْلَيْنِ (شَرْطُ وُجُوبِ زَكَاةِ الْمَالِ) بِأَنْوَاعِهِ السَّابِقَةِ مِنْ حَيَوَانٍ وَنَبَاتٍ وَنَقْدٍ وَتِجَارَةٍ عَلَى مَالِكِهِ (الْإِسْلَامُ) لِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الصَّدَقَةِ السَّابِقِ أَوَّلُ زَكَاةِ الْحَيَوَانِ فَرَضَهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَلَا تَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ وُجُوبَ مُطَالَبَةٍ بِهَا فِي الدُّنْيَا لَكِنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وُجُوبَ عِقَابٍ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ. كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ.
وَيَسْقُطُ عَنْهُ بِالْإِسْلَامِ مَا مَضَى تَرْغِيبًا فِيهِ. (وَالْحُرِّيَّةُ) فَلَا تَجِبُ عَلَى الْقِنِّ إذَا مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ مَالًا زَكَوِيًّا. وَقُلْنَا يَمْلِكُهُ عَلَى قَوْلٍ مَرْجُوحٍ يَأْتِي فِي بَابِهِ لِضَعْفِ مِلْكِهِ إذْ لِلسَّيِّدِ انْتِزَاعُهُ مَتَى شَاءَ وَلَا زَكَاةَ فِيهِ عَلَى السَّيِّدِ لِأَنَّ مِلْكَهُ زَائِلٌ. وَقِيلَ: نَعَمْ لِأَنَّ ثَمَرَةَ الْمِلْكِ بَاقِيَةٌ إذْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ. وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ كَالْقِنِّ فِيمَا ذُكِرَ (وَتَلْزَمُ الْمُرْتَدَّ إنْ أَبْقَيْنَا مِلْكَهُ) مُؤَاخَذَتُهُ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَزَلْنَاهُ فَلَا أَوْ قُلْنَا مَوْقُوفٌ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ الْآتِي فِي بَابِهِ فَمَوْقُوفَةٌ إنْ عَادَ الْإِسْلَامُ لَزِمَتْهُ لِتَبَيُّنِ بَقَاءِ مِلْكِهِ، وَإِنْ هَلَكَ مُرْتَدًّا فَلَا. وَالْخِلَافُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِيمَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فِي الرِّدَّةِ. أَمَّا الَّتِي لَزِمَتْهُ قَبْلَهَا، فَلَا تَسْقُطُ جَزْمًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية قليوبي]
لَزِمَ الْمُوسِرَ نِصْفُ صَاعٍ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ مُهَايَأَةً فَإِنْ كَانَتْ وَوَقَعَ وَقْتُ الْوُجُوبِ فِي نَوْبَتِهِ لَزِمَهُ صَاعٌ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ ذَلِكَ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَحَمَلَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا لَوْ كَانَ بَلَدُ الْعَبْدِ لَا قُوتَ فِيهِ، أَوْ كَانَ بِبَرِيَّةٍ وَبَلَدُ السَّيِّدِ مِنْ أَقْرَبِ بَلَدٍ إلَيْهِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ. فَرَاجِعْهُ. بَابُ مَنْ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ وَمَا تَجِبُ فِيهِ
قَوْلُهُ: (بِفَصْلَيْنِ) أَيْ وَالْأَنْسَبُ التَّعْبِيرُ بِالْبَابِ فِيهِمَا لِعَدَمِ دُخُولِهِمَا فِي هَذَا وَأَجَابَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْأَدَاءُ وَالتَّعْجِيلُ مُنَاسِبَيْنِ لِلْوُجُوبِ لِتَرَتُّبِهِمَا عَلَيْهِ صَحَّ التَّعْبِيرُ عَنْهُمَا بِالْفَصْلِ وَمَا فِي الْبُرُلُّسِيِّ فِيهِ نَظَرٌ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (شَرْطُ وُجُوبِ زَكَاةِ الْمَالِ) أَيْ وُجُوبِ أَدَائِهَا وَقُيِّدَ بِالْمَالِ لِأَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ تَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (الْإِسْلَامُ) نَعَمْ الْأَنْبِيَاءُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ وَوَصِيَّةُ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ} [مريم: 31] . إمَّا عَلَى فَرْضِ وُجُوبِهَا أَوْ عَلَى تَزْكِيَةِ النَّفْسِ وَبِهَذَا صَرَّحَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي فَتْحِ الرَّحْمَنِ. وَفِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ نَظَرٌ إنْ كَانَ عَدَمُ الزَّكَاةِ عَلَيْهِمْ لِعَدَمِ مِلْكِهِمْ نِصَابًا بِشَرْطِهِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية عميرة]
الرَّائِحَةِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَوْ أَخْرَجَ مِنْ مَالِهِ إلَخْ) بِخِلَافِ الْوَصِيِّ وَالْقَيِّمِ فَلَا يُخْرَجَانِ مِنْ مَالِهِمَا إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي. قَوْلُ الْمَتْنِ: (مِنْ وَاجِبِهِ) نَظِيرُ ذَلِكَ ثَلَاثَةُ مُحْرِمُونَ قَتَلُوا ظَبْيَةً، فَأَخْرَجَ أَحَدُهُمْ ثُلُثَ شَاةٍ وَالْآخَرُ طَعَامًا بِقِيمَةِ ذَلِكَ، وَالْآخَرُ صَامَ بِعَدْلِهِ. بَابُ مَنْ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ إلَخْ

[بَابُ مَنْ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ وَمَا تَجِبُ فِيهِ]
أَيْ بَابُ شُرُوطِ مَنْ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ وَشُرُوطِ الْمَالِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَأَمَّا بَيَانُ الْأَنْوَاعِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا فَقَدْ سَلَفَ ذَلِكَ فِيمَا سَلَفَ. قَوْلُهُ: (وَتَرْجَمَ بَعْدَهُ بِفَصْلَيْنِ) يُرِيدُ أَنَّ الْفَصْلَيْنِ لَيْسَا مِنْ الْبَابِ، فَلَا يُعْتَرَضُ بِأَنَّ الَّذِي فِيهِمَا لَيْسَ بَعْضًا مِنْ هَذَا الْبَابِ. قَوْلُهُ الْمَتْنِ: (شَرْطُ وُجُوبِ زَكَاةِ الْمَالِ الْإِسْلَامُ) قِيلَ: إنْ أَرَادَ التَّكْلِيفَ الْمُقْتَضِي لِلْعِقَابِ الْأُخْرَوِيِّ فَمَمْنُوعٌ، لِأَنَّ الْكَافِرَ عِنْدَنَا مُكَلَّفٌ بِالْفُرُوعِ، وَإِنْ أَرَادَ التَّكْلِيفَ بِالْإِخْرَاجِ أُشْكِلَ عَطْفُ الْحُرِّيَّةِ، لِأَنَّهَا شَرْطٌ فِي أَصْلِ تَعَلُّقِ الْخِطَابِ، وَقَوْلُهُ زَكَاةُ الْمَالِ

(2/48)


وَيُجْزِئُهُ الْإِخْرَاجُ فِي حَالِ الرِّدَّةِ فِي هَذِهِ وَفِي الْأُولَى عَلَى قَوْلِ اللُّزُومِ فِيهَا نَظَرًا إلَى جِهَةِ الْمَالِ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِصَاحِبِ التَّقْرِيبِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الزَّكَاةَ قُرْبَةٌ مُفْتَقِرَةٌ إلَى النِّيَّةِ (دُونَ الْمُكَاتَبِ) فَلَا تَلْزَمُهُ لِضَعْفِ مِلْكِهِ إذْ لَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ، وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ قَرِيبُهُ وَبِتَعْجِيزِهِ نَفْسَهُ يَصِيرُ مَا فِي يَدِهِ لِسَيِّدِهِ (وَتَجِبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ) وَيُخْرِجُهَا مِنْهُ وَلِيُّهُمَا لِشُمُولِ حَدِيثِ الصَّدَقَةِ السَّابِقِ لِمَا لَهُمَا، وَلَا تَجِبُ فِي الْمَالِ الْمَنْسُوبِ إلَى الْجَنِينِ إذْ لَا وُثُوقَ بِوُجُودِهِ وَحَيَاتِهِ.
وَقِيلَ: تَجِبُ فِيهِ إذَا انْفَصَلَ حَيًّا (وَكَذَا مَنْ مَلَكَ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ نِصَابًا) تَجِبُ زَكَاتُهُ عَلَيْهِ (فِي الْأَصْلِ) لِتَمَامِ مِلْكِهِ لَهُ. وَالثَّانِي لَا تَجِبُ عَلَيْهِ لِنَقْصِهِ بِالرِّقِّ (وَ) تَجِبُ (فِي الْمَغْصُوبِ وَالضَّالِّ وَالْمَجْحُودِ) كَأَنْ أَوْدَعَ فَجُحِدَ أَيْ تَجِبُ فِي كُلٍّ مِمَّا ذُكِرَ (فِي الْأَظْهَرِ) مَاشِيَةً كَانَ أَوْ غَيْرَهَا. (وَلَا يَجِبُ دَفْعُهَا حَتَّى يَعُودَ) فَيُخْرِجُهَا عَنْ الْأَحْوَالِ الْمَاضِيَةِ، وَلَوْ تَلِفَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ سَقَطَتْ. وَالثَّانِي وَحُكِيَ قَدِيمًا أَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي الْمَذْكُورَاتِ لِتَعَطُّلِ نَمَائِهَا وَفَائِدَتِهَا عَلَى مَالِكِهَا بِخُرُوجِهَا مِنْ يَدِهِ وَامْتِنَاعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية قليوبي]
قَوْلِ اللُّزُومِ) وَكَذَا عَلَى الْأَظْهَرِ وَيُمْكِنُ شُمُولُ كَلَامِهِ لَهُ وَإِذَا مَاتَ مُرْتَدًّا بَعْدَ الْإِخْرَاجِ رَجَعَ الْإِمَامُ عَلَى الْآخِذِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (إلَى النِّيَّةِ) تَقَدَّمَ فِي الْفِطْرَةِ أَنَّهُ يَنْوِي لِلتَّمْيِيزِ. قَوْلُهُ: (دُونَ الْمُكَاتَبِ) سَوَاءٌ الْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ وَالصَّحِيحَةُ.
قَوْلُهُ: (لِسَيِّدِهِ) وَلَا زَكَاةَ عَلَى سَيِّدِهِ فِيهِ وَلَا فِي دَيْنٍ كَانَ لِسَيِّدِهِ عَلَيْهِ وَإِنْ مَضَتْ أَحْوَالٌ. قَوْلُهُ: (وَتَجِبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ إلَخْ) نَظَمَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ فِي ذَلِكَ فَقَالَ:
طَلَبَتْ مِنْ الْمَلِيحِ زَكَاةَ حُسْنٍ ... عَلَى صِغَرٍ مِنْ السِّنِّ الْبَهِيِّ
فَقَالَ وَهَلْ عَلَى مِثْلِي زَكَاةٌ ... عَلَى رَأْيِ الْعِرَاقِيِّ الْكَمِّيِّ
فَقُلْت الشَّافِعِيُّ لَنَا إمَامٌ ... وَقَدْ فَرَضَ الزَّكَاةَ عَلَى الصَّبِيِّ
فَقَالَ اذْهَبْ إذًا وَاقْبِضْ زَكَاتِي ... بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ مِنْ الْوَلِيِّ
وَتَمَّمَهُ التَّقِيُّ السُّبْكِيُّ فَقَالَ:
فَقُلْت لَهُ فَدَيْتُك مِنْ فَقِيهٍ ... أَيُطْلَبُ بِالْوَفَاءِ سِوَى الْمَلِيِّ
نِصَابُ الْحُسْنِ عِنْدَك ذُو امْتِنَاعٍ ... بِخَدِّك وَالْقِوَامُ السَّمْهَرِيِّ
فَإِنْ أَعْطَيْتنَا طَوْعًا وَإِلَّا ... أَخَذْنَاهَا بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ
قَوْلُهُ: (أَيْضًا وَتَجِبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ) وَمِثْلُهُمَا السَّفِيهُ وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمَا وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ فِي الْكِفَايَةِ، وَعَلَّلَ بِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُكَلَّفَيْنِ.
وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: إنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ تَجِبُ فِي مَالِهِمْ لَا عَلَيْهِمْ. وَلَيْسَ كَمَا قَالَ فَإِنَّ مَعْنَى وُجُوبِهَا عَلَيْهِمْ ثُبُوتُهَا فِي ذِمَّتِهِمْ. كَمَا يُقَالُ عَلَيْهِمْ: ضَمَانُ مَا أَتْلَفُوهُ وَهَذَا مِنْ خِطَابِ الْإِلْزَامِ لَا مِنْ خِطَابِ الْمُوَاجَهَةِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ.
قَوْلُهُ: (وَيُخْرِجُهَا مِنْهُ وَلِيُّهُمَا) أَيْ الشَّافِعِيُّ وَإِنْ كَانَا حَنَفِيَّيْنِ وَالْأَحْوَطُ لَهُ فِي هَذِهِ الرَّفْعُ إلَى الْحَاكِمِ لِيُلْزِمَهُ بِالْإِخْرَاجِ لِئَلَّا يَرْفَعَاهُ إلَى حَنَفِيٍّ فَيُغَرِّمَهُ فَإِنْ كَانَ حَنَفِيًّا وَهُمَا شَافِعِيَّانِ أَخَّرَهَا وَأَخْبَرَهُمَا بَعْدُ كَمَا لَهُمَا بِهَا، وَلَهُ رَفْعُ الْأَمْرِ إلَى حَاكِمٍ يُلْزِمُهُ بِالْإِخْرَاجِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (وَلَا تَجِبُ إلَخْ) أَيْ لَا عَلَى الْجَنِينِ وَلَا عَلَى وَرَثَتِهِ وَإِنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا، وَلَوْ تَبَيَّنَ أَنْ لَا حَمْلَ أَصْلًا فَمُقْتَضَى قَوْلِهِمْ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ مَالِ الْجَنِينِ وَالْبَائِعِ إذَا فُسِخَ الْعَقْدُ بِأَنَّ الْبَائِعَ كَانَ لَهُ مِلْكٌ فَاسْتَصْحَبَ عَدَمَ الْوُجُوبِ هُنَا لِعَدَمِ ذَلِكَ فِي الْوَرَثَةِ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (وَالضَّالِّ) وَكَذَا مَا وَقَعَ فِي بَحْرٍ أَوْ نَسِيَ مَحَلَّهُ. قَوْلُهُ: (مَاشِيَةً) وَيُتَصَوَّرُ فِيهَا بِأَنْ تَضِلَّ أَوْ تُغْصَبَ بَعْدَ حَوْلِهَا سَائِمَةً وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ. قَوْلُهُ: (عَنْ الْأَحْوَالِ الْمَاضِيَةِ) أَيْ إنْ لَنْ يَنْقُصْ النِّصَابُ بِالْوَاجِبِ وَإِلَّا فَلَا تَجِبُ فِي الْأَحْوَالِ الَّتِي بَعْدَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية عميرة]
خَرَجَ زَكَاةُ الْفِطْرِ، فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ فِي قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ وَنَحْوِهِ. قَوْلُهُ: (لِضَعْفِ مِلْكِهِ) أَيْ فَلَا يُحْتَمَلُ الْمُوَاسَاةُ بِدَلِيلِ عَدَمِ وُجُوبِ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (يَصِيرُ مَا فِي يَدِهِ لِسَيِّدِهِ) أَيْ فَيُبْتَدَأُ حَوْلُهُ مِنْ حِينَئِذٍ. قَوْلُهُ: (إذَا انْفَصَلَ حَيًّا) وَلَوْ انْفَصَلَ مَيِّتًا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَالْمُتَّجَهُ عَدَمُ الْوُجُوبِ عَلَى الْوَرَثَةِ لِضَعْفِ مِلْكِهِمْ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَا يَجِبُ دَفْعُهَا حَتَّى يَعُودَ) وَذَلِكَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْهُ وَالتَّكْلِيفُ مِنْ غَيْرِهِ لَا يُتَّجَهُ لِأَنَّ الْمَالَ قَدْ يَتْلَفُ.

(2/49)


تَصَرُّفِهِ فِيهَا (وَالْمُشْتَرِي قَبْلَ قَبْضِهِ) بِأَنْ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فِي يَدِ الْبَائِعِ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ عَلَى الْمُشْتَرِي (وَقِيلَ: فِيهِ الْقَوْلَانِ) فِي الْمَغْصُوبِ.
وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَيْهِ وَانْتِزَاعِهِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي لِتَمَكُّنِهِ مِنْهُ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ (وَتَجِبُ فِي الْحَالِ عَنْ) الْمَالِ (الْغَائِبِ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ) وَتُخْرَجُ فِي بَلَدِهِ فَإِنْ كَانَ سَائِرًا فَلَا يَجِبُ الْإِخْرَاجُ حَتَّى يَصِلَ إلَيْهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ لِانْقِطَاعِ الطَّرِيقِ أَوْ انْقِطَاعِ خَبَرِهِ (فَكَمَغْصُوبٍ) فَتَجِبُ فِيهِ فِي الْأَظْهَرِ وَلَا يَجِبُ إخْرَاجُهَا حَتَّى يَصِلَ إلَيْهِ (وَالدَّيْنُ إنْ كَانَ مَاشِيَةً وَغَيْرُ لَازِمٍ كَمَالُ كِتَابَةٍ فَلَا زَكَاةَ) فِيهِ أَمَّا الْمَاشِيَةُ فَلِأَنَّ شَرْطَ زَكَاتِهَا السَّوْمُ، وَمَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَتَّصِفُ بِسَوْمٍ.
وَأَمَّا مَالُ الْكِتَابَةِ فَلِأَنَّ الْمِلْكَ غَيْرُ تَامٍّ فِيهِ وَلِلْعَبْدِ إسْقَاطُهُ مَتَى شَاءَ (أَوْ عَرْضًا أَوْ نَقْدًا فَكَذَا) أَيْ لَا زَكَاةَ فِيهِ (فِي الْقَدِيمِ) لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ فِي الدَّيْنِ حَقِيقَةً (وَفِي الْجَدِيدِ إنْ كَانَ حَالًّا وَتَعَذَّرَ أَخْذُهُ لِإِعْسَارٍ وَغَيْرِهِ) أَيْ لَا كَجُحُودٍ وَلَا بَيِّنَةَ أَوْ مَطْلٍ أَوْ غَيْبَةٍ (فَكَمَغْصُوبٍ) فَتَجِبُ فِيهِ فِي الْأَظْهَرِ، وَلَا يَجِبُ إخْرَاجُهَا حَتَّى يَحْصُلَ (وَإِنْ تَيَسَّرَ) أَخْذُهُ بِأَنْ كَانَ عَلَى مَلِيءٍ مُقِرٍّ حَاضِرٍ بَاذِلٍ (وَجَبَ تَزْكِيَتُهُ فِي الْحَالِ) وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ (أَوْ مُؤَجَّلًا فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ كَمَغْصُوبٍ) فَتَجِبُ فِيهِ فِي الْأَظْهَرِ وَقِيلَ: قَطْعًا وَلَا يَجِبُ دَفْعُهَا حَتَّى يَقْبِضَ (وَقِيلَ: يَجِبُ دَفْعُهَا قَبْلَ قَبْضِهِ) وَهُوَ مَبْنِيٌّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية قليوبي]
النَّقْصِ قَوْلُهُ: (وَامْتِنَاعُ تَصَرُّفِهِ فِيهَا) فَلَوْ قَدَرَ عَلَى نَزْعِ الْمَغْصُوبِ أَوْ بَيِّنَةٍ فِي الْمَجْحُودِ وَجَبَتْ زَكَاتُهُ حَالًا. قَوْلُهُ: (حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ) أَيْ مِنْ وَقْتِ انْقِطَاعِ الْخِيَارِ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ. وَقَالَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ: مِنْ الشِّرَاءِ إنْ لَمْ يَكُنْ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ، وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ، وَقِيلَ الَّذِي يُتَّجَهُ هُنَا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مِنْ الشِّرَاءِ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ، وَإِلَّا فَمِنْ انْقِطَاعِ الْخِيَارِ فَرَاجِعْهُ مِمَّا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (فِي بَلَدِهِ) أَيْ الْمَالُ إنْ اسْتَقَرَّ فِيهِ وَهُنَاكَ سَاعٍ أَوْ حَاكِمٌ يَدْفَعُهَا لَهُ حَالًا. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ سَائِرًا فَلَا يَجِبُ الْإِفْرَاجُ حَتَّى يَصِلَ إلَيْهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ بَلَدٌ حَالَ الْحَوْلُ فِيهَا وَالْمَالُ سَائِرٌ عَلَيْهَا فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (وَالدَّيْنُ) قَالَ التَّاجُ السُّبْكِيُّ: وَحَيْثُ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي الدَّيْنِ وَقُلْنَا الزَّكَاةُ تَتَعَلَّقُ بِهِ تَعَلُّقَ الشَّرِكَةِ فَقَدْ مَلَكَ الْأَصْنَافَ بَعْضُهُ فِي ذِمَّةِ الْمَدِينِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ وَاقِعٌ فِيهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ كَالْإِبْرَاءِ مِنْهُ وَالدَّعْوَى بِهِ وَنَحْوِهَا فَيَنْبَغِي فِي الدَّعْوَى أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ قَبْضَ ذَلِكَ، وَيَحْلِفُ كَذَلِكَ وَلَا يَحْلِفُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ وَلَا أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ فَلْيُتَنَبَّهْ لِذَلِكَ. قَوْلُهُ: (مَاشِيَةً) وَكَذَا الْمُعَشَّرُ لِشَرْطِ الزُّهُورِ وَهُوَ بُدُوُّ الصَّلَاحِ فِي مِلْكِهِ. قَوْلُهُ: (وَمَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَسُومُ) أَيْ لَا يَتَّصِفُ بِالسَّوْمِ فَلَا يَرِدُ صِحَّةُ السَّلَمِ فِي اللَّحْمِ مِنْ السَّائِمَةِ.
قَوْلُهُ: (وَالْعَبْدُ إلَخْ) يَأْخُذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ أَحَالَ الْمُكَاتَبَ سَيِّدُهُ بِهِ عَلَى أَجْنَبِيٍّ وَجَبَتْ زَكَاتُهُ عَلَى السَّيِّدِ وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ كَنُجُومِ الْكِتَابَةِ، وَمِثْلُهَا دَيْنُ السَّيِّدِ عَلَيْهِ بِنَحْوِ مُعَامَلَةٍ كَمَا مَرَّ آنِفًا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَيَسَّرَ أَخْذُهُ) أَوْ أُخِذَ بَدَلُهُ بِنَحْوِ ظُفْرٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية عميرة]
تَنْبِيهٌ: لَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى خَلَاصِ الْمَغْصُوبِ أَوْ الْمَجْحُودِ بِبَيِّنَةٍ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ، وَالْإِخْرَاجُ حَالًا قَطْعًا، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ فِي الْفَرْقِ الْآتِي، وَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ ذِكْرُهُ فِي الدَّيْنِ.
قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي وَحُكِيَ قَدِيمًا إلَخْ) أَخَّرَ ذِكْرَهُ عَنْ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ، وَلَا يَجِبُ إلَخْ لِيَفْرُغَ مِنْ الْأَوَّلِ بِتَفْرِيعِهِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَالْمُشْتَرِي قَبْلَ قَبْضِهِ) أَيْ تَجِبُ فِيهِ قَطْعًا وَقِيلَ فِيهِ الْقَوْلَانِ، ثُمَّ عَلَى طَرِيقِ الْقَطْعِ الْمُتَّجَهُ وُجُوبُ الْإِخْرَاجِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى الْقَبْضِ بِخِلَافِهِ عَلَى طَرِيقِ الْقَوْلَيْنِ كَذَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ. وَقَدْ يُشْكَلُ عَلَيْهِ مَا سَيَأْتِي لِلشَّارِحِ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ: وَقِيلَ: يَجِبُ دَفْعُهَا قَبْلَ قَبْضِهِ. حَيْثُ قَالَ: إنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى طَرِيقِ الْقَطْعِ. قُلْت: لَا إشْكَالَ لِأَنَّهُ هُنَا مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْوُصُولِ بِدَفْعِ الثَّمَنِ بِخِلَافِ مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ سَائِرًا) يَرْجِعُ لِقَوْلِ الشَّارِحِ الْمَالَ. قَوْلُهُ: (وَمَا فِي الذِّمَّةِ إلَخْ) اعْتَرَضَهُ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ يُذْكَرُ فِي السَّلَمِ فِي اللَّحْمِ كَوْنُهُ لَحْمَ رَاعِيَةٍ أَوْ مَعْلُوفَةٍ، فَإِذَا جَازَ أَنْ يَثْبُتَ فِي الذِّمَّةِ لَحْمُ رَاعِيَةٍ، جَازَ أَنْ يَثْبُتَ الرَّاعِيَةُ نَفْسَهَا وَضَعَّفَهُ الْقُونَوِيُّ بِأَنَّ الْمُدَّعِيَ اتِّصَافُهُ بِالسَّوْمِ الْمُحَقَّقِ، وَثُبُوتُهَا فِي الذِّمَّةِ أَمْرٌ تَقْدِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: (فَلِأَنَّ الْمِلْكَ غَيْرُ تَامٍّ فِيهِ) يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَوْ أَحَالَ سَيِّدَهُ بِالنُّجُومِ عَلَى شَخْصٍ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَازِمٌ لَا يَسْقُطُ عَنْ ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِتَعْجِيزِ الْمُكَاتَبِ وَلَا فَسْخِهِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (أَوْ عَرْضًا) أَيْ لِلتِّجَارَةِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ فِي الدَّيْنِ) اُسْتُشْكِلَ هَذَا بِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا مَالَ لَهُ، وَلَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ أَوْ حَالٌّ حَنِثَ بِهِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَإِنْ تَيَسَّرَ) لَوْ تَيَسَّرَ أَخْذُهُ بِالظُّفْرِ فَالظَّاهِرُ اللُّزُومُ فِي الْحَالِ.

(2/50)


عَلَى طَرِيقِ الْقَطْعِ الْمَقِيسِ عَلَى الْمَالِ الْغَائِبِ الَّذِي يَسْهُلُ إحْضَارُهُ. وَوَجْهُ طَرِيقِ الْخِلَافِ بِأَنَّهُ لَا يُتَوَصَّلُ إلَى التَّصَرُّفِ فِيهِ قَبْلَ الْحُلُولِ. وَقِيلَ: لَا تَجِبُ فِيهِ قَطْعًا لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا قَبْلَ الْحُلُولِ

(وَلَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ وُجُوبَهَا فِي أَظْهَرْ الْأَقْوَالِ) لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِيهَا. وَالثَّانِي يَمْنَعُ كَمَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْحَجِّ. (وَالثَّالِثُ يَمْنَعُ فِي الْمَالِ الْبَاطِنِ وَهُوَ النَّقْدُ وَالْعَرْضُ) وَالرِّكَازُ وَزَكَاةُ الْفِطْرِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ: وَلَا يَمْنَعُ فِي الظَّاهِرِ وَهُوَ الْمَاشِيَةُ وَالزَّرْعُ وَالثَّمَرُ وَالْمَعْدِنُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الظَّاهِرَ يَنْمُو بِنَفْسِهِ وَالْبَاطِنُ إنَّمَا يَنْمُو بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ وَالدَّيْنُ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَيُحْوِجُ إلَى صَرْفِهِ فِي قَضَائِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَمْ مُؤَجَّلًا مِنْ جِنْسِ الْمَالِ أَمْ لَا (فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ لِدَيْنٍ فَحَالَ الْحَوْلُ فِي الْحَجْرِ فَكَمَغْصُوبٍ) لِأَنَّ الْحَجْرَ مَانِعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ، وَلَوْ عَيَّنَ الْحَاكِمُ لِكُلٍّ مِنْ غُرَمَائِهِ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ وَمَكَّنَهُمْ مِنْ أَخْذِهِ فَحَالَ الْحَوْلُ قَبْلَ أَخْذِهِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ قَطْعًا لِضَعْفِ مِلْكِهِ.
وَقِيلَ: فِيهَا خِلَافُ الْمَغْصُوبِ (وَ) الْأَوَّلُ أَيْضًا (لَوْ اجْتَمَعَ زَكَاةٌ وَدَيْنُ آدَمِيٍّ فِي تَرِكَةٍ) بِأَنْ مَاتَ قَبْلَ أَدَاءِ الزَّكَاةِ (قُدِّمَتْ) تَقْدِيمًا لِدَيْنِ اللَّهِ وَفِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ» (وَفِي قَوْلٍ) يُقَدَّمُ (الدَّيْنُ) لِافْتِقَارِ الْآدَمِيِّ وَاحْتِيَاجِهِ (وَفِي قَوْلٍ يَسْتَوِيَانِ) فَيُوَزَّعُ الْمَالُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَعُودُ فَائِدَتُهَا إلَى الْآدَمِيِّينَ أَيْضًا (وَالْغَنِيمَةُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ إنْ اخْتَارَ الْغَانِمُونَ تَمَلُّكَهَا وَمَضَى بَعْدَهُ حَوْلٌ وَالْجَمِيعُ صِنْفٌ زَكَوِيٌّ وَبَلَغَ نَصِيبُ كُلِّ شَخْصٍ نِصَابًا أَوْ بَلَغَهُ الْمَجْمُوعُ فِي مَوْضِعِ ثُبُوتِ الْخُلْطَةِ) مَاشِيَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا (وَجَبَتْ زَكَاتُهَا وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخْتَارُوا تَمَلُّكَهَا (فَلَا) زَكَاةَ عَلَيْهِمْ فِيهَا لِأَنَّهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لَهُمْ أَوْ مَمْلُوكَةٌ مِلْكًا فِي نِهَايَةٍ مِنْ الضَّعْفِ يَسْقُطُ بِالْأَعْرَاضِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية قليوبي]
كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَاعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا قَوْلُهُ: (أَوْ مُؤَجَّلًا) وَمِثْلُهُ مَا نَذَرَ عَدَمَ الْمُطَالَبَةَ بِهِ أَوْ الْمُوصَى بِهِ، قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ. قَوْلُهُ: (فِي الْأَظْهَرِ) قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ تَقَدَّمَ أَنَّهُ قَدِيمٌ، وَمَا هُنَا مُفَرَّعٌ عَلَى الْجَدِيدِ فَإِجْرَاءُ الْقَدِيمِ فِيهِ غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا فَعَلَ الرَّافِعِيُّ انْتَهَى. وَقَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّ مُقَابِلَ الْأَظْهَرِ مُوَافِقٌ لِلْقَدِيمِ لَا أَنَّهُ هُوَ أَوْ مِنْهُ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ قَبْضِهِ) الْمُرَادُ قَبْلَ حُلُولِهِ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ إنَّهُ الصَّوَابُ. لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي دَيْنٍ عَلَى مُوسِرٍ مُقِرٍّ مَلِيءٍ بَاذِلٍ. وَكَلَامُ الشَّارِحِ صَرِيحٌ فِيهِ أَيْضًا وَلَعَلَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى طَرِيقِ الْقَطْعِ لِأَنَّ الْأَظْهَرَ الْمُوَافِقَ لَهَا لَا يَقُولُ بِهِ، وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ مَقْطُوعٌ بِهِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ أَيْضًا.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ النَّقْدُ وَالْعَرْضُ) اقْتَصَرَ عَلَيْهِمَا لِشُمُولِ النَّقْدِ لِلرِّكَازِ وَالْعَرْضِ لِزَكَاةِ الْفِطْرِ. قَوْلُهُ: (وَسَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ إلَخْ) وَسَوَاءٌ دَيْنُ الضَّمَانِ وَغَيْرِهِ، وَدَيْنُ اللَّهِ كَزَكَاةٍ وَكَفَّارَةٍ وَغَيْرِهِ وَمَا اسْتَغْرَقَ النِّصَابَ وَغَيْرَهُ. قَوْلُهُ: (فَكَمَغْصُوبٍ) فَيَجِبُ الْإِخْرَاجُ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ لَا قَبْلَهُ وَفَارَقَ وُجُوبَ زَكَاةِ الْمَرْهُونِ حَالًا بِأَنَّهُ يُبَاعُ مِنْهُ جُزْءٌ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ غَيْرُهُ قَهْرًا عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَلَا خِيَارَ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَبِأَنَّ الرَّاهِنَ حَجَرَ عَلَى نَفْسِهِ بِلَا حَاكِمٍ.
قَوْلُهُ: (شَيْئًا مِنْ مَالِهِ) أَيْ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِمْ فَقَطْ وَسَوَاءٌ أَخَذَهُ الْغُرَمَاءُ أَمْ لَا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ لَوْ تَرَكُوهُ لَهُ، وَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ لَوْ أَخَذُوهُ أَيْضًا لِضَعْفِ مِلْكِهِمْ. قَوْلُهُ: (قُدِّمَتْ) أَيْ الزَّكَاةُ وَلَوْ عَنْ الْفِطْرَةِ عَلَى الدَّيْنِ، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ وَكَالزَّكَاةِ كُلُّ حَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى كَالنَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ، وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَالْحَجِّ إلَّا الْجِزْيَةُ فَكَدَيْنِ الْآدَمِيِّ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ أَنَّهَا أُجْرَةٌ، وَفِي اجْتِمَاعِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى يُقَدَّمُ مَا تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ، ثُمَّ مَا تَعَلَّقَ بِالذِّمَّةِ وَخَرَجَ بِالتَّرِكَةِ الْحَيُّ فَيُقَدَّمُ فِيهِ دَيْنُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية عميرة]
قَوْلُهُ: (عَلَى الْأَظْهَرِ) هِيَ الطَّرِيقَةُ الْحَاكِيَةُ لِلْخِلَافِ، وَقَوْلُهُ وَقِيلَ قَطْعًا هِيَ الطَّرِيقَةُ الْقَاطِعَةُ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجِبُ حَتَّى يُقْبَضَ) هُوَ عَلَى الطَّرِيقَيْنِ لَكِنَّهُ مُتَطَوِّعٌ بِهِ عَلَى الْأَوْلَى، وَقَوْلُ الْمَتْنِ وَقِيلَ: تَجِبُ مُفَرَّعٌ عَلَى طَرِيقِ الْقَطْعِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، ثُمَّ قَوْلُهُ قِيلَ قَبْضُهُ أَوْلَى مِنْهُ قَبْلَ حُلُولِهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَوْلُهُ وَقِيلَ تَجِبُ إلَخْ، إذَا كَانَ الْمَدْيُونُ مَلِيًّا، وَلَا مَانِعَ سِوَى الْأَجَلِ.
وَقَوْلُهُ الْمَقِيسُ عَلَى الْمَالِ الْغَائِبِ رُدَّ بِأَنَّ الْمُؤَجَّلَ لَوْ كَانَ مِائَتَيْنِ مَثَلًا، فَلَا بُدَّ مِنْ إخْرَاجِ الْخَمْسَةِ وَالتَّكْلِيفُ بِهَا إجْحَافٌ لِأَنَّهَا تُسَاوِي أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةٍ مُؤَجَّلَةٍ. قَوْلُهُ: (بِأَنَّهُ لَا يُتَوَصَّلُ إلَخْ) أَيْ فَأُلْحِقَ بِالْمَغْصُوبِ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَوْ اجْتَمَعَ زَكَاةٌ) وَلَوْ زَكَاةُ فِطْرٍ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَدَيْنٌ) فَائِدَةٌ: ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الدَّيْنَ أَنَّ الْحَادِثَ كَغَيْرِهِ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ، وَهُوَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (لِافْتِقَارِ الْآدَمِيِّ إلَخْ) أَيْ

(2/51)


وَكَذَا لَوْ اخْتَارُوا تَمَلُّكَهَا وَهِيَ أَصْنَافٌ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا سَوَاءٌ كَانَتْ مِمَّا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي جَمِيعِهَا أَمْ بَعْضِهَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَا يَدْرِي مَاذَا يُصِيبُهُ وَكَمْ نَصِيبُهُ.
وَكَذَا لَوْ كَانَتْ صِنْفًا لَا يَبْلُغُ نِصَابًا إلَّا بِالْخُمُسِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الْخُلْطَةَ لَا تَثْبُتُ مَعَ أَهْلِ الْخُمُسِ إذْ لَا زَكَاةَ فِيهِ لِأَنَّهُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ (وَلَوْ أَصْدَقَهَا نِصَابَ سَائِمَةٍ مُعَيَّنًا لَزِمَهَا زَكَاتُهُ إذَا تَمَّ حَوْلٌ مِنْ الْإِصْدَاقِ) سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا أَمْ لَا وَسَوَاءٌ قَبَضَتْهُ أَمْ لَا لِأَنَّهَا مَلَكَتْهُ بِالْعَقْدِ وَاحْتُرِزَ بِالْمُعَيَّنِ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَلَوْ أَكْرَى دَارًا أَرْبَعَ سِنِينَ بِثَمَانِينَ دِينَارًا وَقَبَضَهَا فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْرِجَ إلَّا زَكَاةَ مَا اسْتَقَرَّ) لِأَنَّ مَا لَا يَسْتَقِرُّ مُعَرَّضٌ لِلسُّقُوطِ بِانْهِدَامِ الدَّارِ فَمِلْكُهُ ضَعِيفٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا ذُكِرَ فِي مَسْأَلَةِ الصَّدَاقِ إذْ هُوَ بِفَرْضِ أَنْ يَعُودَ نِصْفُهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَنَّ عَوْدَ نِصْفِهِ بِمِلْكٍ جَدِيدٍ مِنْ غَيْرِ انْفِسَاخٍ لِعَقْدٍ، بِخِلَافِ عَوْدِ بَعْضِ الْأُجْرَةِ فَإِنَّهُ بِانْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ (فَيُخْرِجُ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ الْأُولَى زَكَاةَ عِشْرِينَ) لِأَنَّهَا الَّتِي اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عَلَيْهَا (وَلِتَمَامِ الثَّانِيَةِ زَكَاةَ عِشْرِينَ لِسَنَةٍ) وَهِيَ الَّتِي زَكَّاهَا (وَعِشْرِينَ لِسَنَتَيْنِ) وَهِيَ الَّتِي اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عَلَيْهَا الْآنَ (وَلِتَمَامِ الثَّالِثَةِ زَكَاةَ أَرْبَعِينَ لِسَنَةٍ) وَهِيَ الَّتِي زَكَّاهَا (وَعِشْرِينَ لِثَلَاثِ سِنِينَ) وَهِيَ الَّتِي اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عَلَيْهَا الْآنَ (وَلِتَمَامِ الرَّابِعَةِ زَكَاةَ سِتِّينَ لِسَنَةٍ) وَهِيَ الَّتِي زَكَّاهَا (وَعِشْرِينَ لِأَرْبَعٍ) وَهِيَ الَّتِي اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عَلَيْهَا الْآنَ (وَالثَّانِي يُخْرِجُ لِتَمَامِ الْأُولَى زَكَاةَ ثَمَانِينَ) لِأَنَّهُ مَلَكَهَا مِلْكًا تَامًّا وَالْكَلَامُ فِيمَا إذَا كَانَتْ أُجْرَةُ السِّنِينَ مُتَسَاوِيَةً وَأَخْرَجَ الزَّكَاةَ مِنْ غَيْرِ الْمَقْبُوضِ.
وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَنَّ كَلَامَ نَقَلَةِ الْمَذْهَبِ يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية قليوبي]
الْآدَمِيِّ إنْ حُجِرَ عَلَيْهِ إلَّا الزَّكَاةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْعَيْنِ. قَوْلُهُ: (أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخْتَارُوا إلَخْ) خَصَّهُ بِالذِّكْرِ لِكَوْنِهِ مَدْخُولَ الشَّرْطِ، وَإِنْ أَمْكَنَ شُمُولُهُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِمَا بَعْدَهُ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ أَصْنَافٌ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الَّذِي يَخُصُّ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَبْلُغُ نِصَابًا. قَوْلُهُ: (لَوْ كَانَتْ صِنْفًا لَا يَبْلُغُ إلَخْ) أَوْ بَلَغَ وَهُوَ غَيْرُ زَكَوِيٍّ أَوْ زَكَوِيٌّ لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا أَوْ بَلَغَ الْمَجْمُوعُ نِصَابًا بِالْخَمْسِ. قَوْلُهُ: (نِصَابَ سَائِمَةٍ) أَيْ نِصَابًا وَسَامَهُ سَوَاءٌ كَانَ سَائِمَةً قَبْلَهَا أَمْ لَا لِيُوَافِقَ مَا مَرَّ، وَمَنَعَهَا مِنْهُ بَعْدَ طَلَبِهَا كَالْغَصْبِ فَإِنْ طَلَّقَهَا بِلَا وَطْءٍ قَبْلَ الْحَوْلِ رَجَعَ نِصْفُهُ لَهُ وَعَلَى كُلٍّ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ نِصْفُ شَاةٍ، أَوْ طَلَّقَ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ رَجَعَ لَهُ كَذَلِكَ شَائِعًا إنْ أَخَذَ السَّاعِي الْوَاجِبَ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا، وَإِلَّا رَجَعَ هُوَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَةِ الْمُخْرَجِ وَلَوْ يُعَدُّ الرُّجُوعُ. كَذَا قَالَهُ شَيْخُنَا وَفِيهِ بَحْثٌ ظَاهِرٌ فَرَاجِعْ ذَلِكَ وَحَرِّرْهُ.
قَوْلُهُ: (كَمَا تَقَدَّمَ) مِنْ أَنَّ السَّائِمَةَ لَا تَكُونُ فِي الذِّمَّةِ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ سَائِمَةٍ كَالنَّقْدِ لَزِمَهَا زَكَاتُهُ لِأَنَّهُ مِنْ الدَّيْنِ. قَوْلُهُ: (وَقَبَضَهَا) فَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهَا فَهِيَ مِنْ الدَّيْنِ إنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ وَإِلَّا فَكَالْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَالْخِلَافُ الْمَذْكُورُ مِنْ حَيْثُ الْإِخْرَاجِ، وَأَمَّا الْوُجُوبُ فَمَجْزُومٌ بِهِ. قَوْلُهُ: (زَكَاةُ ثَمَانِينَ) قَالَ فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية عميرة]
وَكَمَا يُقَدَّمُ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَتْلِ بِالرِّدَّةِ وَالْقَطْعِ بِالسَّرِقَةِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَقَبَضَهَا) خَرَجَ مَا إذَا لَمْ يَقْبِضْهَا فَإِنَّهُ إنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ فَعَلَى الْخِلَافِ فِي الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ مَعِيبَةً فَكَالْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ.
تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمِنْهَاجِ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِي الْإِخْرَاجِ، وَأَنَّ الْوُجُوبَ مَجْزُومٌ بِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَعِشْرِينَ لِسَنَتَيْنِ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْفُقَرَاءَ بِتَمَامِ السَّنَةِ الْأُولَى مَلَكُوا مِنْ هَذِهِ الْعِشْرِينَ نِصْفَ دِينَارٍ، فَلَمْ يَكُنْ مَالِكًا لِجَمِيعِهَا فِي الْحَوْلِ الثَّانِي، بَلْ لِتِسْعَةَ عَشَرَ دِينَارًا وَنِصْفٍ، وَإِذَا سَقَطَ النِّصْفُ فَيَسْقُطُ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الزَّكَاةِ، وَهُوَ رُبْعُ عُشْرِهِ فَمَجْمُوعُ مَا يَلْزَمُ لِتَمَامِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ دِينَارٌ وَنِصْفُ الْأَرْبَعِ عُشْرُ النِّصْفِ، وَقِسْ الْإِخْرَاجَ بَعْدَ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ عَلَى ذَلِكَ هَكَذَا اسْتَدْرَكَهُ الرَّافِعِيُّ نَاقِلًا لَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِ الثَّمَانِينَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُتَفَطَّنَ أَيْضًا لِأَمْرٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الْحَوْلَ الثَّانِي مَثَلًا فِي مِقْدَارِ الزَّكَاةِ مِنْ الْإِعْطَاءِ لَا مِنْ حِينِ تَمَامِ الْحَوْلِ الَّذِي قَبْلَهُ، لِأَنَّ حِصَّةَ الْفُقَرَاءِ بَاقِيَةٌ عَلَى وَجْهِ الشَّرِكَةِ إلَى حِينِ الْإِعْطَاءِ، وَحَاوَلَ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْجَوَابَ عَنْ إشْكَالِ الرَّافِعِيِّ الْمَذْكُورِ بِتَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ بِالتَّعْجِيلِ عَنْ الثَّمَانِينَ أَوَّلًا، وَهُوَ غَفْلَةٌ عَنْ الْمَنْقُولِ قَالَ السُّبْكِيُّ فِي شَرْحِهِ.
فَرْعٌ: قَالَ الرُّويَانِيُّ عَنْ وَالِدِهِ: إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ فَلَوْ عَجَّلَ زَكَاةَ مَا زَادَ عَلَى قِسْطِ الْأَوَّلِ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ عَجَّلَ زَكَاةَ عِشْرِينَ فِي الْعَامِ الْأَوَّلِ حَيْثُ تَكُونُ الْأُجْرَةُ مِائَةً، فَإِنْ كَانَ مَضَى أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الْحَوْلِ، جَازَ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَعْلَمْ وُجُودَ النِّصَابِ فِي مِلْكِهِ فَتَعْجِيلُهُ غَيْرُ جَائِزٍ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ دَرَاهِمُ لَا يَعْلَمُ بُلُوغَهَا نِصَابًا فَعَجَّلَ عَنْهَا ثُمَّ عَلِمَ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ.
قَالَ السُّبْكِيُّ: وَقِيَاسُهُ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْمِنْهَاجِ لَا يَصِحُّ التَّعْجِيلُ فِيهَا، وَلَا فِي الْعِشْرِينَ الْأُولَى لِأَنَّهُ مَتَى انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ فَلَا نِصَابَ اهـ. اللَّهُمَّ إلَّا

(2/52)


الذِّمَّةِ وَقُبِضَتْ، وَمَا إذَا كَانَتْ مُعَيَّنَةً.

فَصْلٌ تَجِبُ الزَّكَاةُ أَيْ أَدَاؤُهَا (عَلَى الْفَوْرِ إذَا تَمَكَّنَ وَذَلِكَ بِحُضُورِ الْمَالِ وَالْأَصْنَافِ) أَيْ الْمُسْتَحِقِّينَ لِأَنَّ حَاجَتَهُمْ إلَيْهَا نَاجِزَةٌ. أَمَّا زَكَاةُ الْفِطْرِ فَمُوَسَّعَةٌ بِلَيْلَةِ الْعِيدِ وَيَوْمِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِهَا

(وَلَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ بِنَفْسِهِ زَكَاةَ الْمَالِ الْبَاطِنِ) وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ النَّقْدُ وَالْعَرْضُ، وَزِيدَ عَلَيْهِمَا هُنَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا الرِّكَازُ وَزَكَاةُ الْفِطْرِ (وَكَذَا الظَّاهِرُ) وَهُوَ الْمَاشِيَةُ وَالزَّرْعُ وَالثَّمَرُ وَالْمَعْدِنُ (عَلَى الْجَدِيدِ) وَالْقَدِيمُ يَجِبُ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَى الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ جَائِرًا لِنَفَاذِ حُكْمِهِ، فَلَوْ فَرَّقَهَا الْمَالِكُ بِنَفْسِهِ لَمْ تُحْسَبْ.
وَقِيلَ: لَا يَجِبُ دَفْعُهَا إلَى الْجَائِرِ (وَلَهُ) مَعَ الْأَدَاءِ بِنَفْسِهِ فِي الْمَالَيْنِ (التَّوْكِيلُ) فِيهِ (وَالصَّرْفُ إلَى الْإِمَامِ) بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ (وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الصَّرْفَ إلَى الْإِمَامِ أَفْضَلُ) مِنْ تَفْرِيقِهِ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِالْمُسْتَحَقِّينَ وَأَقْدَرُ عَلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمْ وَالثَّانِي تَفْرِيقُهُ بِنَفْسِهِ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ أَوْثَقُ. وَهَذَا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي الْمَالِ الْبَاطِنِ. أَمَّا الظَّاهِرُ فَصَرْفُ زَكَاتِهِ إلَى الْإِمَامِ أَفْضَلُ قَطْعًا. وَقِيلَ: عَلَى الْخِلَافِ وَهُوَ وَجْهَانِ وَقِيلَ: قَوْلَانِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ جَائِرًا) فَتَفْرِيقُ الْمَالِكِ بِنَفْسِهِ أَفْضَلُ مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية قليوبي]
الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ: وَالْأَصْحَابُ وَإِذَا أَخْرَجَ الْجَمِيعَ ثُمَّ انْهَدَمَتْ الدَّارُ يَرْجِعُ الْمُسْتَأْجِرُ بِقِسْطِ الْأُجْرَةِ، وَلَا يَرْجِعُ الْمُخْرِجُ بِشَيْءٍ انْتَهَى فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (وَأَخْرَجَ إلَخْ) أَيْ لِئَلَّا يَنْقُصَ النِّصَابُ لَوْ أَخْرَجَ مِنْهَا كَذَا قَالُوهُ وَتَكَلَّفُوا فِي الْجَوَابِ عَنْهُ قَالَ بَعْضُهُمْ وَعِنْدَ التَّأَمُّلِ فِيمَا مَرَّ فِيمَنْ عِنْدَهُ مَا يَكْمُلُ بِهِ النِّصَابُ لَا إشْكَالَ فَتَأَمَّلْ. نَعَمْ، قَدْ يُقَالُ إنَّ التَّقْرِيرَ بِذَلِكَ لِأَجْلِ كَوْنِ الْمُخْرَجِ عَنْهُ عِشْرِينَ فِي كُلِّ سَنَةٍ.
تَنْبِيهٌ: لِلثَّمَنِ الْمَقْبُوضِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ وَعَكْسُهُ حُكْمٌ لِلْأُجْرَةِ الْمَذْكُورَةِ لِتَعَرُّضِهِ لِلسُّقُوطِ بِتَلَفِ مُقَابِلِهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ الْوُجُوبِ فِي رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُ الْفَسْخُ بِانْقِطَاعِ الْمُسْلَمِ فِيهِ.

فَصْلٌ فِي أَدَاءِ زَكَاةِ الْمَالِ قَوْلُهُ: (بِحُضُورِ الْمَالِ) أَيْ بِحُضُورِ الْمَالِ إلَيْهِ أَوْ بِحُضُورِهِ عِنْدَ الْمَالِ وَلَوْ تَقْدِيرًا، فَلَوْ مَضَى بَعْدَ الْحَوْلِ زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ حُضُورُهُ لِمَالِ غَائِبٍ وَجَبَ الْإِخْرَاجُ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَنْقِيَةِ الْحَبِّ مِنْ نَحْوِ تِبْنٍ وَجَفَافِ ثَمَرٍ وَخُلُوِّ مَالِكٍ مِنْ مُهِمٍّ دِينِيٍّ أَوْ دُنْيَوِيٍّ. وَلَهُ انْتِظَارُ نَحْوِ صَالِحٍ وَجَارٍ أَوْ تَرْوِ فِي اسْتِحْقَاقٍ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ. قَوْلُهُ: (الْمُسْتَحِقِّينَ) أَيْ مَنْ تُصْرَفُ لَهُ الزَّكَاةُ مِنْ إمَامٍ أَوْ سَاعٍ أَوْ الْمُسْتَحِقِّينَ أَوْ بَعْضِهِمْ فِي حِصَّتِهِ، نَعَمْ لَا يَحْصُلُ التَّمَكُّنُ بِحُضُورِ الْمُسْتَحِقِّينَ دُونَ الْإِمَامِ فِي زَكَاةٍ طَلَبَهَا فِي مَالٍ ظَاهِرٍ وَالتَّمَكُّنُ شَرْطٌ لِلضَّمَانِ لَا لِلْوُجُوبِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ عَنْ نَحْوِ جَائِعٍ.

قَوْلُهُ: (وَلَهُ التَّوْكِيلُ) أَيْ لِبَالِغٍ عَاقِلٍ، وَكَذَا لِسَفِيهٍ وَصَبِيٍّ إنْ نَوَى، وَعَيَّنَ الْمَدْفُوعَ لَهُ قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ. قَوْلُهُ: (وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الصَّرْفَ إلَخْ) وَبَعْدَ الْإِمَامِ السَّاعِي، وَتَصَرُّفُ الْإِمَامِ بِالْوِلَايَةِ لَا بِالنِّيَابَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (جَائِرًا) أَيْ فِي الزَّكَاةِ وَلَوْ عَدْلًا فِي غَيْرِهَا، وَهَذَا فِي الْمَالِ الْبَاطِنِ إنْ لَمْ يَطْلُبْهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية عميرة]
أَنْ يُقَالَ هَذِهِ مَقَالَةٌ يَأْبَاهَا عُمُومُ قَوْلِهِمْ، يَجُوزُ التَّعْجِيلُ لِعَامٍ بَعْدَ انْعِقَادِ الْحَوْلِ. قَوْلُهُ: (وَمَا إذَا كَانَتْ مُعَيَّنَةً) لَمْ يَقُلْ وَقُبِضَتْ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَبْضِ فِيهَا وَعَدَمِهِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الَّتِي فِي الذِّمَّةِ، وَلَمْ تُقْبَضْ كَذَلِكَ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ يَطْرُقُهَا خِلَافُ الدَّيْنِ كَمَا أَنَّ الْمُعَيَّنَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَطْرُقُهَا خِلَافُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ قَبْضِهِ.

[فَصْلٌ تَجِبُ الزَّكَاةُ أَيْ أَدَاؤُهَا عَلَى الْفَوْرِ]
فَصْلٌ تَجِبُ الزَّكَاةُ إلَخْ أَيْ أَدَاؤُهَا يُرِيدُ أَنَّ التَّمَكُّنَ شَرْطٌ لِلْأَدَاءِ لَا لِلْوُجُوبِ لَكِنْ لَك أَنْ تَقُولَ الْوُجُوبُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَدَاءِ، لِأَنَّهُ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَخْ) أَيْ كَمَا يُؤَدِّي الْكَفَّارَاتِ بِنَفْسِهِ وَقِيسَ الظَّاهِرُ عَلَى الْبَاطِنِ. قَوْلُهُ: (وَالْقَدِيمُ تَجِبُ إلَخْ) اسْتَدَلَّ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] وَخَالَفَ الْبَاطِنَ لِأَنَّ النَّاسَ لَهُمْ غَرَضٌ فِي إخْفَاءِ أَمْوَالِهِمْ فَلَا يُفَوَّتُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَالظَّاهِرُ لَا يُطْلَبُ إخْفَاؤُهُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ أَوْثَقُ) وَلِيَتَنَاوَلَ ثَوَابَ تَقْدِيمِ الْأَقَارِبِ وَالْجِيرَانِ، فَتَفْرِيقُ

(2/53)


الصَّرْفِ إلَيْهِ. وَقِيلَ: فِيهِ الْخِلَافُ، وَتَفْرِيقُهُ بِنَفْسِهِ أَفْضَلُ مِنْ التَّوْكِيلِ بِلَا خِلَافٍ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَالدَّفْعُ إلَى الْإِمَامِ أَفْضَلُ مِنْ التَّوْكِيلِ قَطْعًا. وَفِيهَا كَأَصْلِهَا: لَوْ طَلَبَ الْإِمَامُ زِيَادَةَ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ وَجَبَ التَّسْلِيمُ إلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ. وَأَمَّا الْأَمْوَالُ الْبَاطِنَةُ فَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَيْسَ لِلْوُلَاةِ نَظَرٌ فِي زَكَاتِهَا، وَأَرْبَابُهَا أَحَقُّ بِهَا فَإِنْ بَذَلُوهَا طَوْعًا قَبِلَهَا الْوَالِي

(وَتَجِبُ النِّيَّةُ فَيَنْوِي هَذَا فَرْضَ زَكَاةِ مَالِيٍّ أَوْ فَرْضَ صَدَقَةِ مَالِيٍّ وَنَحْوَهُمَا) أَيْ كَزَكَاةِ مَالِيٍّ الْمَفْرُوضَةِ، أَوْ صَدَقَةِ مَالِيٍّ الْمَفْرُوضَةِ. وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِالصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ. وَلَوْ نَوَى الزَّكَاةَ دُونَ الْفَرْضِيَّةِ أَجْزَأَهُ، وَقِيلَ: لَا كَمَا لَوْ نَوَى صَلَاةَ الظُّهْرِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الظُّهْرَ قَدْ تَقَعُ نَفْلًا كَالْمُعَادَةِ. وَالزَّكَاةُ لَا تَقَعُ إلَّا فَرْضًا.
وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ: إنْ قَالَ هَذِهِ زَكَاةُ مَالِيٍّ كَفَاهُ، وَإِنْ قَالَ زَكَاةٌ فَفِي إجْزَائِهِ وَجْهَانِ وَلَمْ يُصَحِّحْ شَيْئًا وَأَصَحُّهُمَا الْإِجْزَاءُ (وَلَا يَكْفِي هَذَا فَرْضُ مَالِيٍّ) لِأَنَّهُ يَكُونُ كَفَّارَةً وَنَذْرًا (وَكَذَا الصَّدَقَةُ) أَيْ صَدَقَةُ مَالِيٍّ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهَا تَكُونُ نَافِلَةً وَالثَّانِي يَكْفِي لِظُهُورِهَا فِي الزَّكَاةِ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَلَا يَكْفِي مُطْلَقُ الصَّدَقَةِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَعَبَّرَ فِيهِ فِي الْأُولَى بِالْأَصَحِّ. (وَلَا يَجِبُ تَعْيِينُ الْمَالِ) الْمُزَكَّى فِي النِّيَّةِ عِنْدَ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ (وَلَوْ عَيَّنَ لَمْ يَقَعْ) أَيْ الْمُخْرَجُ (عَنْ غَيْرِهِ) فَلَوْ مَلَكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ حَاضِرَةً وَمِائَتَيْنِ غَائِبَةً فَأَخْرَجَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ مُطْلَقًا ثُمَّ بَانَ تَلَفُ الْغَائِبَةِ فَلَهُ جَعْلُ الْمُخْرَجِ عَنْ الْحَاضِرَةِ، وَلَوْ كَانَ عَيَّنَهُ عَنْ الْغَائِبَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ صَرْفُهُ إلَى الْحَاضِرَةِ، وَالْمُرَادُ الْغَائِبَةُ عَنْ مَجْلِسِهِ لَا عَنْ الْبَلَدِ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ نَقْلِ الزَّكَاةِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ الْآتِي فِي كِتَابِ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ.

(وَيَلْزَمُ الْوَلِيَّ النِّيَّةُ إذَا أَخْرَجَ زَكَاةَ الصَّبِيِّ أَوْ الْمَجْنُونِ) فَلَوْ دَفَعَ بِلَا نِيَّةٍ لَمْ يَقَعْ الْمُوَقَّعُ وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ كَجٍّ وَضَمَّ إلَيْهِمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ السَّفِيهَ (وَتَكْفِي نِيَّةُ الْمُوَكِّلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية قليوبي]
فِيهِ فَإِنْ طَلَبَهَا فِيهِ أَوْ كَانَتْ عَنْ الْمَالِ الظَّاهِرِ، وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهَا فَصَرَفَهَا لَهُ وَلَوْ جَائِرًا أَفْضَلُ، كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ بَعْضُهُ عَنْ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا. قَوْلُهُ: (لَيْسَ لِلْوُلَاةِ) أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ.

قَوْلُهُ: (بِالصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةُ) وَمِثْلُهُ فَرْضُ الصَّدَقَةِ فَالْمُعْتَمَدُ الِاكْتِفَاءُ بِهِمَا وَلَا يَضُرُّ شُمُولُهُمَا لِزَكَاةِ الْفِطْرِ لِخُرُوجِهَا بِالْقَرِينَةِ فَتَأَمَّلْ قَوْلُهُ: (وَلَوْ نَوَى الزَّكَاةَ دُونَ الْفَرْضِيَّةِ أَجْزَأَهُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَالْمَذْكُورُ بَعْدَهُ دَلِيلٌ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَأَصَحُّهُمَا الْإِجْزَاءُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ إلَخْ) أَيْ فَهِيَ مَسْأَلَةٌ غَيْرُ الَّتِي فِي الْمِنْهَاجِ فَلِذَلِكَ جَرَى فِيهَا طُرُقٌ وَلَمْ يَكْتَفُوا بِالْقَرِينَةِ فِي هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا لِأَنَّهَا إنَّمَا يُكْتَفَى بِهَا فِي تَخْصِيصِ النِّيَّاتِ لَا فِي صَرْفِ أَصْلِهَا.
قَوْلُهُ: (لَمْ يَكُنْ لَهُ صَرْفُهُ إلَخْ) نَعَمْ إنْ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ عَنْ الْحَاضِرَةِ إنْ تَلِفَتْ الْغَائِبَةُ انْصَرَفَ لِلْحَاضِرَةِ، وَلَوْ قَالَ عَنْ الْحَاضِرَةِ أَوْ الْغَائِبَةِ وَلَمْ تَتْلَفْ أَجْزَأَتْهُ عَنْ أَحَدِهِمَا، وَيَخْرُجُ عَنْ الْأُخْرَى فَإِنْ تَلِفَتْ لَمْ تُجْزِئْهُ عَنْ الْبَاقِيَةِ.

قَوْلُهُ: (وَيَلْزَمُ الْوَلِيَّ إلَخْ) تَقَدَّمَ مَا فِيهِ. قَوْلُهُ: (السَّفِيهُ) فَيَنْوِي الْوَلِيُّ عَنْهُ، وَلِلْوَلِيِّ تَفْوِيضُ النِّيَّةِ إلَيْهِ بَلْ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِالنِّيَّةِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا وَاعْتَمَدَهُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ نَوَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية عميرة]
الْمَالِكِ بِنَفْسِهِ أَفْضَلُ، أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمَالُ ظَاهِرًا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَخَالَفَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَرَجَحَ أَنَّ صَرْفَ الظَّاهِرِ حَتَّى إلَى الْجَائِرِ أَفْضَلُ. قَوْلُهُ: (أَفْضَلُ مِنْ الصَّرْفِ إلَيْهِ) وَقِيلَ فِيهِ الْخِلَافُ أَيْ فَالرَّاجِحُ الْقَطْعُ بِكَوْنِهِ أَفْضَلَ، وَحِينَئِذٍ فَالِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ إلَى الْمَالِ الْبَاطِنِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ الشَّارِحِ لِذِكْرِ مُقَابِلِ الْأَظْهَرِ، وَهَذَا مَيْلٌ مِنْ الشَّارِحِ إلَى مَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مِنْ أَنَّ صَرْفَ الظَّاهِرِ لِلْإِمَامِ أَفْضَلُ، وَإِنْ كَانَ جَائِرًا خِلَافُ مَا فِي الرَّوْضَةِ.

قَوْلُهُ: (لِظُهُورِهَا) أَيْ وَكَثْرَةِ وُرُودِهَا فِي الْقُرْآنِ بِمَعْنَى ذَلِكَ.
قَالَ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ} [التوبة: 58] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] قَوْلُهُ: (وَقِيلَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ هَذَا صَدَقَةٌ لَا يَكْفِي عَلَى الْأَصَحِّ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ، وَأَمَّا صَدَقَةُ مَالِي يُعَبَّرُ فِيهَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِالْأَصَحِّ فَقَطْ، وَإِنَّمَا قَطَعَ بِتِلْكَ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ إذَا لَمْ تُضَفْ يَكْثُرُ عُمُومُهَا لِإِطْلَاقِهَا عَلَى غَيْرِ الْمَالِ كَمَا فِي حَدِيثِ «بِكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ» قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَا يَجِبُ تَعْيِينُ الْمَالِ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: حَتَّى لَوْ قَالَ هَذَا عَنْ هَذَا أَوْ هَذَا كَفَى. قَالَ: فَلَوْ تَلِفَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْأَدَاءِ فَلَهُ جَعْلُهُ عَنْ الْبَاقِي. قَوْلُهُ: (لَمْ يَكُنْ لَهُ صَرْفُهُ إلَخْ) أَيْ بَلْ تَقَعُ نَافِلَةً.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَتَكْفِي نِيَّةُ الْمُوَكِّلِ إلَخْ) أَيْ كَمَا تَكْفِي عِنْدَ الدَّفْعِ إلَى السُّلْطَانِ وَلَوْ وُجِدَتْ النِّيَّةُ مِنْ الْمُخَاطَبِ بِالزَّكَاةِ مُقَارِنَةً لِفِعْلِهِ، وَوَجْهُ الثَّانِي الْقِيَاسُ عَلَى الْحَجِّ وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ

(2/54)


عِنْدَ الصَّرْفِ إلَى الْوَكِيلِ فِي الْأَصَحِّ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَنْوِيَ الْوَكِيلُ عَنْهُ التَّفْرِيقَ أَيْضًا) عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ، وَالثَّانِي لَا تَكْفِي نِيَّةُ الْمُوَكِّلِ وَحْدَهُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْوَكِيلِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَوْ نَوَى الْوَكِيلُ وَحْدَهُ لَمْ يَكْفِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ فَوَّضَ إلَيْهِ النِّيَّةَ فَتَكْفِي وَلَوْ نَوَى الْمُوَكِّلُ وَحْدَهُ عِنْدَ تَفْرِيقِ الْوَكِيلِ كَفَى. قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَنَفَى فِيهِ الْخِلَافَ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ

(وَلَوْ دَفَعَ) الزَّكَاةَ (إلَى السُّلْطَانِ كَفَتْ النِّيَّةُ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ الدَّفْعِ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ السُّلْطَانُ عِنْدَ الْقَسْمِ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ لِأَنَّهُ نَائِبُهُمْ فَالدَّفْعُ إلَيْهِ كَالدَّفْعِ إلَيْهِمْ (فَإِنْ لَمْ يَنْوِ) عِنْدَ الدَّفْعِ إلَيْهِ (لَمْ يُجْزِئْ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ نَوَى السُّلْطَانُ) عِنْدَ الْقَسْمِ عَلَيْهِمْ كَمَا لَا يُجْزِئُ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ بِلَا نِيَّةٍ، وَالثَّانِي يُجْزِئُ نَوَى السُّلْطَانُ أَمْ لَمْ يَنْوِ لِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ إلَيْهِ إلَّا الْفَرْضَ. وَلَا يَقْسِمُ إلَّا الْفَرْضَ فَأَغْنَتْ هَذِهِ الْقَرِينَةُ عَنْ النِّيَّةِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَلْزَمُ السُّلْطَانَ النِّيَّةُ إذَا أَخَذَ زَكَاةَ الْمُمْتَنِعِ) مِنْ أَدَائِهَا نِيَابَةً عَنْهُ لِتُجْزِئَهُ فِي الظَّاهِرِ فَلَا يُطَالَبُ بِهَا ثَانِيًا. وَقِيلَ: تُجْزِئُهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ فَلَا تَلْزَمُ السُّلْطَانُ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ نِيَّتَهُ) أَيْ السُّلْطَانِ (تَكْفِي) فِي الْإِجْزَاءِ بَاطِنًا إقَامَةً لَهَا مُقَامَ نِيَّةِ الْمَالِكِ. وَالثَّانِي لَا تَكْفِي لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَنْوِ وَهُوَ مُتَعَبِّدٌ بِأَنْ يَتَقَرَّبَ بِالزَّكَاةِ. وَبَنَى الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ الْخِلَافَ الْأَوَّلَ عَلَى الثَّانِي فَقَالَا: إنْ قُلْنَا لَا تَبْرَأُ ذِمَّةُ الْمُمْتَنِعِ بَاطِنًا لَمْ تَجِبْ النِّيَّةُ عَلَى الْإِمَامِ، وَإِنْ قُلْنَا تَبْرَأُ فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا تَجِبُ لِئَلَّا يَتَهَاوَنَ الْمَالِكُ فِيمَا هُوَ مُتَعَبِّدٌ عَنْهُ، وَالثَّانِي: تَجِبُ لِأَنَّ الْإِمَامَ فِيمَا يَلِيهِ مِنْ أَمْرِ الزَّكَاةِ كَوَلِيِّ الطِّفْلِ وَالْمُمْتَنِعُ مَقْهُورٌ كَالطِّفْلِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية قليوبي]
الْمُوَكِّلُ إلَخْ) وَكَذَا لَوْ نَوَى عِنْدَ عَزْلِ الْمَالِ وَلَوْ قَبْلَ التَّفْرِقَةِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ أَجْزَاءِ الْعِبَادَةِ. وَلِلْمُسْتَحِقِّ فِي هَذِهِ الِاسْتِقْلَالُ بِالْأَخْذِ وَيَكْفِي بِهَا تَفْرِقَةُ الصَّبِيِّ، وَنَحْوُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَى الْمَالِكِ صَرْفُ مَا أَفْرَزَهُ بَلْ لَهُ صَرْفُ غَيْرِهِ لِأَنَّ شَرِكَةَ الْمُسْتَحِقِّينَ لَا تَنْقَطِعُ إلَّا بِقَبْضِهَا. وَبِهَذَا فَارَقَ الشَّاةَ الْمُعَيَّنَةَ فِي الْأُضْحِيَّةِ، وَمِنْ التَّوْكِيلِ فِي النِّيَّةِ كَالتَّفْرِقَةِ أَنْ يَقُولَ لِغَيْرِهِ: أَخْرِجْ زَكَاتِي أَوْ زَكِّ عَنِّي أَوْ أَخْرِجْ فِطْرَتِي أَوْ أَهْدِ عَنِّي فِي الْهَدْيِ وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْوَكِيلِ النِّيَّةُ. وَلَهُ تَوْكِيلُ وَاحِدٍ فِي النِّيَّةِ وَوَاحِدٍ فِي الدَّفْعِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ. قَوْلُهُ: (فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ) هِيَ مَسْأَلَةُ نِيَّةِ الْوَكِيلِ وَحْدَهُ وَتَفْوِيضِ الْوَكِيلِ النِّيَّةَ إلَيْهِ، وَنِيَّةُ الْمُوَكِّلِ وَحْدَهُ

. قَوْلُهُ: (إلَى السُّلْطَانِ) وَمِثْلُهُ السَّاعِي. قَوْلُهُ: (لَمْ يُجْزِئْ) أَيْ إنْ لَمْ يَنْوِ الْمَالِكُ الزَّكَاةَ قَبْلَ صَرْفِ الْإِمَامِ. قَوْلُهُ: (بِلَا نِيَّةٍ) أَيْ يَقِينًا فَلَوْ شَكَّ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ فِي النِّيَّةِ لَمْ يَقَعْ زَكَاةً فَيَسْتَرِدُّهُ ثُمَّ يَنْوِي ثُمَّ يُعِيدُهُ لِلْمُسْتَحِقِّ أَوْ يُخْرِجُ غَيْرَهُ. قَوْلُهُ: (أَيْ السُّلْطَانُ) فَيَأْثَمُ بِتَرْكِهَا وَيَكْفِي عِنْدَ الْأَخْذِ أَوْ التَّفْرِقَةِ، وَظَاهِرُ مَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي الْأَخْذُ مَعَ تَرْكِهَا فَلَا يَقَعُ زَكَاةً وَيَضْمَنُهُ الْإِمَامُ إلَّا إنْ اسْتَرَدَّهُ وَنَوَى ثُمَّ أَعَادَهُ لِلْمُسْتَحِقِّ فَرَاجِعْهُ. وَفِي شَرْحِ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ رُجُوعُ الضَّمِيرِ لِلْمُمْتَنِعِ وَتَسْمِيَتُهُ مُمْتَنِعًا بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَرَاجِعْهُ وَحَرِّرْهُ.
فُرُوعٌ: يُنْدَبُ لِآخِذِ الزَّكَاةِ الدُّعَاءُ لِلدَّافِعِ الْمَالِكِ، وَلَهُ مَعَ الدَّافِعِ غَيْرِ الْمَالِكِ كَأَنْ يَقُولَ: آجَرَك اللَّهُ فِيمَا أَعْطَيْت وَجَعَلَهُ لَك طَهُورًا وَبَارَكَ لَك فِيمَا أَبْقَيْت وَيُنْدَبُ لِكُلِّ دَافِعِ مَالٍ مِنْ زَكَاةٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ صَدَقَةِ تَطَوُّعٍ، وَلِقَارِئِ نَحْوِ دَرْسٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ فَرَاغِهِ: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا} [البقرة: 127] الْآيَةَ. وَيُنْدَبُ التَّرَضِّي وَالتَّرَحُّمُ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ الْأَخْيَارِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ، وَكَذَا السَّلَامُ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ إلَّا تَبَعًا لَهُمْ، وَلَا تُكْرَهُ مِنْهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ عَلَى مَنْ اُخْتُلِفَ فِي نُبُوَّتِهِ كَلُقْمَانَ وَمَرْيَمَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية عميرة]
بِأَنَّ أَفْعَالَ النَّائِبِ فِي الْحَجِّ كَمَالِ الْمُوَكِّلِ فِي الزَّكَاةِ، لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ حَصَلَتْ بِهِمَا وَقَدْ وُجِدَتْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مِمَّنْ وُجِدَ مِنْهُ الْفِعْلُ الْمُبَرِّئُ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ عَزَلَ قَدْرَ الزَّكَاةِ أَوَّلًا وَنَوَى كَانَ كَافِيًا عَلَى الْأَصَحِّ، قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: الْوَجْهَانِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ مَبْنِيَّانِ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي لَا تَكْفِي بَلْ لَا بُدَّ إلَخْ) قَضِيَّةُ الْكَلَامِ أَنَّ الْوَكِيلَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَنْوِي، وَإِنْ لَمْ يُفَوَّضْ لَهُ النِّيَّةُ وَفِيهِ نَظَرٌ قَوْلُهُ: (فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ) يَرْجِعُ لِكُلٍّ مِنْ قَوْلِهِ، وَلَوْ نَوَى الْوَكِيلُ إلَخْ وَقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ. وَقَوْلِهِ وَلَوْ نَوَى الْمُوَكِّلُ.

وَقَوْلِهِ لَمْ تَجِبْ النِّيَّةُ إلَخْ أَيْ وَيُجْزِئُهُ فِعْلُ الْإِمَامِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ هَذَا قَضِيَّةُ كَلَامِهِ فَتَدَبَّرْهُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ قُلْنَا إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ وَإِنْ قُلْنَا بِالْبَرَاءَةِ فَفِي وُجُوبِ النِّيَّةِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْوُجُوبُ اهـ.
وَلِأَجْلِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَالرَّافِعِيُّ اعْتَرَضَ الْإِسْنَوِيُّ عَلَى

(2/55)


فَصْلٌ لَا يَصِحُّ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ فِي الْمَالِ الْحَوْلِيِّ (عَلَى مِلْكِ النِّصَابِ) لِفَقْدِ سَبَبِ وُجُوبِهَا (وَيَجُوزُ) تَعْجِيلُهَا (قَبْلَ الْحَوْلِ) بَعْدَ مِلْكِهِ النِّصَابَ لِوُجُودِ السَّبَبِ. وَالْأَوَّلُ مُقَيَّدٌ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا بِالزَّكَاةِ الْعَيْنِيَّةِ فَإِذَا مَلَكَ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَعَجَّلَ مِنْهَا خَمْسَةً أَوْ مَلَكَ تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ شَاةً فَعَجَّلَ شَاةً لِيَكُونَ الْمُعَجَّلُ عَنْ زَكَاتِهِ إذَا تَمَّ النِّصَابُ وَحَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ وَاتَّفَقَ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِئْهُ الْمُعَجَّلُ، وَلَوْ مَلَكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَتَوَقَّعَ حُصُولَ مِائَتَيْنِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَعَجَّلَ زَكَاةَ أَرْبَعِمِائَةٍ فَحَصَلَ مَا تَوَقَّعَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ مَا عَجَّلَهُ عَنْ الْحَادِثِ، وَلَوْ مَلَكَ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ فَعَجَّلَ شَاتَيْنِ فَبَلَغَتْ عَشْرًا بِالتَّوَالُدِ لَمْ يُجْزِئْهُ مَا عَجَّلَهُ عَنْ النِّصَابِ الَّذِي كَمُلَ الْآنَ فِي الْأَصَحِّ. أَمَّا زَكَاةُ التِّجَارَةِ كَأَنْ اشْتَرَى عَرْضًا يُسَاوِي مِائَةَ دِرْهَمٍ فَعَجَّلَ زَكَاةَ مِائَتَيْنِ وَحَالَ الْحَوْلُ وَهُوَ يُسَاوِيهِمَا فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ الْمُعَجَّلُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ اعْتِبَارَ النِّصَابِ فِيهَا بِآخِرِ الْحَوْلِ، وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَلَوْ اشْتَرَى عَرْضًا بِمِائَتَيْنِ فَعَجَّلَ زَكَاةَ أَرْبَعِمِائَةٍ وَحَالَ الْحَوْلُ وَهُوَ يُسَاوِيهِمَا أَجْزَأَهُ الْمُعَجَّلُ بِنَاءً عَلَى مَا ذُكِرَ وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُهُ فِي الْمِائَتَيْنِ الزَّائِدَتَيْنِ

(وَلَا تَعْجِيلَ لِعَامَيْنِ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ زَكَاةَ الْعَامِ الثَّانِي لَمْ يَنْعَقِدْ حَوْلُهَا وَالتَّعْجِيلُ قَبْلَ انْعِقَادِ الْحَوْلِ لَا يَجُوزُ كَالتَّعْجِيلِ قَبْلَ كَمَالِ النِّصَابِ، فَمَا عُجِّلَ لِعَامَيْنِ يُجْزِئُ لِلْأَوَّلِ فَقَطْ، وَالثَّانِي اسْتَنَدَ إلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَسَلَّفَ مِنْ الْعَبَّاسِ صَدَقَةَ عَامَيْنِ: رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَأُجِيبَ بِانْقِطَاعِهِ كَمَا بَيَّنَهُ وَبِاحْتِمَالِ التَّسَلُّفِ فِي عَامَيْنِ وَالْجَوَازُ عَلَى الثَّانِي مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا بَقِيَ بَعْدَ التَّعْجِيلِ نِصَابٌ كَأَنْ مَلَكَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ شَاةً فَعَجَّلَ مِنْهَا شَاتَيْنِ، فَإِنْ عَجَّلَهُمَا مِنْ إحْدَى وَأَرْبَعِينَ لَمْ يُجْزِئْ الْمُعَجَّلُ لِلْعَامِ الثَّانِي لِنَقْصِ النِّصَابِ فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية قليوبي]
فَصْلٌ فِي تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ أَيْ فِي جَوَازِهِ وَعَدَمِهِ، وَقَدْ مَنَعَ الْإِمَامُ مَالِكٌ صِحَّةَ التَّعْجِيلِ. وَوَافَقَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ) أَيْ لِغَيْرِ وَلِيٍّ مِنْ مَالِ الطِّفْلِ، وَلَوْ لِلْفِطْرَةِ وَيَجُوزُ لَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، وَسَوَاءٌ دَفَعَ الْمُعَجَّلَ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ لِلْإِمَامِ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ الْحَوْلِ) أَيْ قَبْلَ تَمَامِهِ وَبَعْدَ انْعِقَادِهِ. قَوْلُهُ: (وَالْأَوَّلُ مُقَيَّدٌ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا بِالزَّكَاةِ الْعَيْنِيَّةِ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَسَيَأْتِي مَفْهُومُهُ فِي التِّجَارَةِ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ مُقْتَضَى هَذَا الْقَيْدِ أَنَّ التَّعْجِيلَ فِي التِّجَارَةِ قَبْلَ وُجُودِ السَّبَبَيْنِ مَعًا وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِمَا فِيهِ مِنْ بُطْلَانِ الْقَاعِدَةِ وَالْوَجْهُ فِيهَا أَنَّ السَّبَبَ الْأَوَّلَ هُوَ انْعِقَادُ الْحَوْلِ. وَقَدْ وُجِدَ كَمَا فِي غَيْرِهَا لِأَنَّ اعْتِبَارَ النِّصَابِ فِيهِ لِأَجْلِ انْعِقَادِ الْحَوْلِ فِيهِ لَا لِذَاتِهِ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (فَعَجَّلَ شَاةً) أَيْ مِنْهَا لَا مِنْ غَيْرِهَا وَيَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ مَعًا لَمْ يُجْزِئْهُ. قَوْلُهُ: (فَعَجَّلَ زَكَاةَ أَرْبَعِمِائَةٍ) أَيْ مِنْ الْمِائَتَيْنِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ لَمْ يُجْزِئْهُ. فَقَوْلُهُ: لَمْ يُجْرِئْهُ رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَلَوْ عَجَّلَ شَاةً عَنْ أَرْبَعِينَ فَنَتَجَتْ أَرْبَعِينَ ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمَّهَاتُ لَمْ تُجْزِئْهُ فَإِنْ عَجَّلَ بَعْدَ النِّتَاجِ أَجْزَأَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَلَوْ عَجَّلَ شَاتَيْنِ عَنْ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَنَتَجَتْ سَخْلَةً قَبْلَ الْحَوْلِ لَمْ تُجْزِئْهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ شَيْخِنَا وَظَاهِرُهُ عَدَمُ إجْزَاءِ الشَّاتَيْنِ، وَالْوَجْهُ إجْزَاءُ وَاحِدَةٍ لِتَمَامِ نِصَابِهَا فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (فِي الْأَصَحِّ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَفَارَقَتْ هَذِهِ مَا قَبْلَهَا بِالْقَطْعِ فِيهِ لِبِنَاءِ حَوْلِ النِّتَاجِ عَلَى أَصْلِهِ وَتَقْيِيدُ عَدَمِ الْإِجْزَاءِ بِالنِّصَابِ الَّذِي كَمُلَ يُفِيدُ الْإِجْزَاءَ عَنْ النِّصَابِ الْأَوَّلِ فِي إحْدَى الشَّاتَيْنِ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (يُسَاوِيهِمَا) هَلْ بِالْمُخْرَجِ أَوْ دُونَهُ الظَّاهِرُ الثَّانِي. قَوْلُهُ: (أَجْزَأَهُ الْمُعَجَّلُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ إلَخْ) وَلَمْ يَجْرِ هَذَا الْخِلَافُ فِيمَا قَبْلَ هَذِهِ لِوُجُودِ بَعْضِ الْمُعَجَّلِ عَنْهُ فِيهَا.

قَوْلُهُ: (يُجْزِئُ لِلْأَوَّلِ فَقَطْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمَيِّزْ حِصَّةَ كُلِّ عَامٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَشْرِيكٌ بَيْنَ فَرْضٍ وَنَفْلٍ. قَوْلُهُ: (صَدَقَةً عَامَيْنِ) يَجُوزُ تَنْوِينُ صَدَقَةٍ وَإِضَافَتُهَا، وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ فَتَأَمَّلْهُ. قَوْلُهُ: (لَمْ يُجْزِئْ الْمُعَجَّلُ لِلْعَامِ الثَّانِي)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية عميرة]
الْمِنْهَاجِ وَقَالَ: كَانَ يَنْبَغِي لَهُ تَقْدِيمُ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى، وَأَنْ لَا يُعَبِّرَ فِي الْأُولَى بِالْأَصَحِّ لِأَنَّ فِيهَا طَرِيقَيْنِ.

[فَصْلٌ لَا يَصِحُّ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ فِي الْمَالِ الْحَوْلِيِّ]
فَصْلٌ لَا يَصِحُّ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ إلَخْ اعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَنَعَ مِنْ التَّعْجِيلِ، وَوَافَقَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْعَبَّاسَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَعْجِيلِ صَدَقَتِهِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ، فَرَخَّصَ، لَهُ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ مَالِيٌّ أُجِّلَ رِفْقًا فَجَازَ تَقْدِيمُهُ عَلَى أَجَلِهِ كَالدَّيْنِ، وَأَيْضًا فَلِأَنَّهَا حَقٌّ مَالِيٌّ وَجَبَ بِسَبَبَيْنِ فَجَازَ تَقْدِيمُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا كَالْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ وَقَدْ وَافَقَ الْمُخَالِفُ عَلَيْهَا. قَوْلُ الْمَتْنِ: (قَبْلَ الْحَوْلِ) أَيْ قَبْلَ تَمَامِهِ

. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي إلَخْ) صَحَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَقَالَ: إنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَكْثَرُ وَمَنْ قَالَ نَعَمْ الْأَكْثَرُونَ عَلَى

(2/56)


جَمِيعِ الْعَامِ فَالتَّعْجِيلُ لَهُ تَعْجِيلٌ عَلَى مِلْكِ النِّصَابِ فِيهِ. وَقِيلَ يُجْزِئُ لِأَنَّ الْمُعَجَّلَ كَالْبَاقِي عَلَى مِلْكِهِ (وَلَهُ تَعْجِيلُ الْفِطْرَةِ مِنْ أَوَّلِ رَمَضَانَ) لَيْلًا وَقِيلَ نَهَارًا لِأَنَّهَا تَجِبُ بِالْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ فَهُوَ سَبَبٌ آخَرُ لَهَا (وَالصَّحِيحُ مَنْعُهُ قَبْلَهُ) أَيْ مَنْعُ التَّعْجِيلِ قَبْلَ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ تَقْدِيمٌ عَلَى السَّبَبَيْنِ. وَالثَّانِي جَوَازُ تَقْدِيمِهِ فِي السَّنَةِ كَمَا حَكَاهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ (وَ) الصَّحِيحُ (أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ زَكَاةِ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ وَلَا الْحَبِّ قَبْلَ اشْتِدَادِهِ) لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ تَحْقِيقًا وَلَا تَخْمِينًا (وَيَجُوزُ بَعْدَهُمَا) أَيْ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَاشْتِدَادِ الْحَبِّ قَبْلَ الْجَفَافِ وَالتَّصْفِيَةِ لِمَعْرِفَةِ قَدْرِهِ تَخْمِينًا، وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ فِي الْحَالَيْنِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْقَدْرِ حِينَئِذٍ. وَالثَّالِثُ يَجُوزُ فِيهِمَا لِلْعِلْمِ بِالْقَدْرِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ نَقَصَ الْمُعَجَّلُ عَنْ الْوَاجِبِ أَخْرَجَ بَاقِيَهُ أَوْ زَادَ فَالزِّيَادَةُ تَطَوُّعٌ، وَلَا يَجُوزُ الْإِخْرَاجُ قَبْلَ ظُهُورِ الثَّمَرِ وَانْعِقَادِ الْحَبِّ قَطْعًا. وَالْإِخْرَاجُ لَازِمٌ بَعْدَ الْجَفَافِ وَالتَّصْفِيَةِ لِأَنَّهُ وَقْتُهُ

(وَشَرْطُ إجْزَاءِ الْمُعَجَّلِ) أَيْ وُقُوعِهِ زَكَاةً كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ (بَقَاءُ الْمَالِكِ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ) عَلَيْهِ (إلَى آخِرِ الْحَوْلِ) فَلَوْ مَاتَ أَوْ تَلِفَ مَالُهُ أَوْ بَاعَهُ لَمْ يَكُنْ الْمُعَجَّلُ زَكَاةً كَمَا أَفْصَحَ بِذَلِكَ فِي الْمُحَرَّرِ (وَكَوْنُ الْقَابِضِ فِي آخِرِ الْحَوْلِ مُسْتَحِقًّا) فَلَوْ كَانَ مَيِّتًا أَوْ مُرْتَدًّا لَمْ يُحْسَبْ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ عَنْ الزَّكَاةِ (وَقِيلَ: إنْ خَرَجَ عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ) كَأَنْ ارْتَدَّ ثُمَّ عَادَ (لَمْ يُجْزِهِ) أَيْ الْمَالُ الْمُعَجَّلُ (وَلَا يَضُرُّ غِنَاهُ بِالزَّكَاةِ) أَيْ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا الْمَدْفُوعَةِ إلَيْهِ وَحْدَهَا أَوْ مَعَ غَيْرِهَا. وَيَضُرُّ غِنَاهُ بِغَيْرِهَا قَالَ الْفَارِقِيُّ: كَزَكَاةٍ أُخْرَى وَاجِبَةٍ أَوْ مُعَجَّلَةٍ أَخَذَهَا بَعْدَ الْأُولَى بِشَهْرٍ مَثَلًا

(وَإِذَا لَمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية قليوبي]
ظَاهِرُهُ الْإِجْزَاءُ لِلْعَامِ الْأَوَّلِ وَفِيهِ نَظَرٌ إذَا لَمْ يَبْقَ مَعَهُ نِصَابٌ وَكَوْنُ إحْدَى الْمُعَجَّلَتَيْنِ بَاقِيَةً عَلَى مِلْكِهِ فَيَتِمُّ بِهَا النِّصَابُ يُقَالُ عَلَيْهِ لَمْ يُوجَدْ السَّوْمُ فِيهَا. كَذَا قَالَهُ شَيْخُنَا وَهُوَ صَحِيحٌ مُسْتَقِيمٌ وَبِهِ يُعْلَمُ الرَّدُّ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي. قَوْلُهُ: (لَيْلًا) وَلَوْ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (فَهُوَ) أَيْ رَمَضَانُ. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ بَعْدَهُمَا) أَيْ وَالْمُخْرَجُ مِنْ غَيْرِهِمَا كَمَا مَرَّ نَعَمْ إنْ أَخْرَجَ مِنْ عِنَبٍ لَا يَتَزَبَّبُ أَوْ رُطَبٍ لَا يَتَتَمَّرُ أَجْزَأَهُ قَطْعًا لِأَنَّهُ لَيْسَ تَعْجِيلًا. وَكَذَا لَوْ أَخْرَجَ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ لِمَا ذُكِرَ.

قَوْلُهُ: (أَيْ وُقُوعُهُ زَكَاةً) وَفِي كَلَامِ الْعَلَّامَةِ الْبُرُلُّسِيِّ هُنَا مَا لَا يُنَاسِبُ ذِكْرَهُ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (أَهْلًا لِلْوُجُوبِ) الْمُرَادُ اسْتِمْرَارُهُ بِصِفَةِ الْوُجُوبِ وَلَا تُخْرِجُهُ الرِّدَّةُ عَنْهُ إذَا لَمْ يَمُتْ عَلَيْهَا، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا بَقَاءُ الْمَالِ وَالْمُخْرَجُ عَلَى صِفَتِهِ وَقْتَ الْإِخْرَاجِ فَلَوْ أَخْرَجَ بِنْتَ مَخَاضٍ عَنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ فَبَلَغَتْ بِالتَّوَالُدِ سِتًّا وَثَلَاثِينَ لَمْ تُجْزِهِ الْمُعَجَّلَةُ. وَإِنْ صَارَتْ عِنْدَ الْقَابِضِ بِنْتُ لَبُونٍ فَيَسْتَرِدُّهَا مِنْهُ وَيُعِيدُهَا لَهُ أَوْ بَدَلَهَا نَعَمْ إنْ تَلِفَتْ عِنْدَ الْقَابِضِ قَبْلَ آخِرِ الْحَوْلِ أَجْزَأَتْ. قَوْلُهُ: (مُسْتَحِقًّا) أَيْ أَهْلًا لِاسْتِحْقَاقِ الزَّكَاةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ لَا لِمَا أَخَذَهُ بِالْخُصُوصِ فَلَا يَضُرُّ انْتِقَالُهُ عَنْ بَلَدِ الْمَالِكِ أَوْ عَكْسُهُ وَلَمْ تَضُرَّ رِدَّتُهُ إنْ يَعُدْ كَمَا مَرَّ. وَيَكْفِي احْتِمَالُ بَقَائِهِ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ نَظَرًا لِلْأَصْلِ. فَلَوْ غَابَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية عميرة]
مَنْعِ تَعْجِيلِ زَكَاةِ عَامَيْنِ لِنِصَابٍ وَاحِدٍ فَكَانَ الرَّافِعِيُّ أَرَادَ ذَلِكَ، أَوْ أَرَادَ أَنْ يَعْزُوَ الْجَوَازَ إلَى الْأَكْثَرِينَ فَانْقَلَبَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (لَيْلًا وَقِيلَ نَهَارًا) يَرْجِعَانِ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَوَّلِ رَمَضَانَ، وَعِبَارَةُ الْإِسْنَوِيِّ وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى مِنْهُ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَمْ يَدْخُلْ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ سَبَبٌ آخَرُ لَهَا) الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ فَهُوَ رَاجِعٌ لِرَمَضَانَ. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي جَوَازُ تَقْدِيمِهِ إلَخْ) عَلَّلَ هَذَا بِأَنَّ وُجُودَ الْمَخْرَجِ فِي نَفْسِهِ سَبَبٌ وَرَدَّهُ أَبُو الطَّيِّبِ، بِأَنَّ مَا لَهُ ثَلَاثَةٌ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى اثْنَيْنِ مِنْهَا بِدَلِيلِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، فَإِنَّ سَبَبَهَا الزَّوْجَةُ وَالظِّهَارُ وَالْعَوْدُ اهـ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ إلَخْ) عَلَّلَ أَيْضًا بِأَنَّ لَهَا سَبَبًا وَاحِدًا وَاعْتَرَضَ الرَّافِعِيُّ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي مَا إذَا عَرَفَ قَدْرَ نِصَابٍ، وَالثَّانِي بِأَنَّ لَهَا سَبَبَيْنِ الظُّهُورَ وَالْإِدْرَاكَ.

قَوْلُهُ: (أَيْ وُقُوعُهُ زَكَاةً) هَذَا مُرَادُهُ مِنْ الْإِجْزَاءِ فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ تَعْبِيرُ الْمُحَرَّرِ بِالْوُقُوعِ وَعَدَمِهِ، يَشْمَلُ مَا إذَا اسْتَمَرَّ الْوُجُوبُ عَلَى الْمَالِكِ، وَلَكِنْ وُجِدَ مَانِعٌ كَغِنَى الْفُقَرَاءِ، أَوْ لَمْ تَسْتَمِرَّ كَبَيْعِ الْمَالِ بِخِلَافِ التَّعْبِيرِ بِالْإِجْزَاءِ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا حَيْثُ كَانَ الْوَاجِبُ بَاقِيًا قَالَ: وَتَعْبِيرُهُ أَيْضًا بِأَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ مَرْدُودٌ، لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ تَثْبُتُ بِالْإِسْلَامِ وَنَحْوِهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ وَصْفُهُ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ الْمُرَادُ هُنَا قَالَ: وَيَدْخُلُ فِي كَلَامِهِمَا مَا إذَا أَتْلَفَ الْمَالِكُ النِّصَابَ لَا لِحَاجَةٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ، نَعَمْ قَدْ يَرِدُ عَلَيْهِمَا مَا إذَا عَجَّلَ بِنْتَ مَخَاضٍ عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، فَتَوَالَدَتْ حَتَّى بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ وَصَارَتْ الْمُخْرَجَةُ بِنْتَ لَبُونٍ فَإِنَّهَا لَا تُجْزِي عَلَى الْأَصَحِّ. قَوْلُهُ: (كَمَا أَفْصَحَ بِذَلِكَ فِي الْمُحَرَّرِ) عَبَّرَ الشَّارِحُ بِهَذَا إشَارَةً إلَى أَنَّ ذَلِكَ يُفْهَمُ مِنْ الْمِنْهَاجِ قَوْلُ الْمَتْنِ: (مُسْتَحِقًّا) اُنْظُرْ لَوْ كَانَ ابْنَ سَبِيلٍ مَثَلًا وَكَانَ فِي آخِرِ الْحَوْلِ مُقِيمًا غَنِيًّا. قَوْلُهُ: (لَمْ يُجْزِهِ) أَيْ كَمَا لَوْ كَانَ عِنْدَ الْأَخْذِ بِغَيْرِ صِفَةِ الْإِجْزَاءِ ثُمَّ اتَّصَفَ بِهَا وَرَدَّ بِأَنَّ ذَلِكَ مُتَعَدٍّ فِي الْأَخْذِ بِخِلَافِ هَذَا.

قَوْلُ الْمَتْنِ:

(2/57)


يَقَعْ الْمُعَجَّلُ زَكَاةً) الْعُرُوض مَانِعٌ (اسْتَرَدَّ) الْمَالِكُ (إنْ كَانَ شَرْطُ الِاسْتِرْدَادِ إنْ عَرَضَ مَانِعٌ) عَمَلًا بِالشَّرْطِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ قَالَ: هَذِهِ زَكَاتِي الْمُعَجَّلَةُ فَقَطْ) أَوْ عَلِمَ الْقَابِضُ أَنَّهَا مُعَجَّلَةٌ (اسْتَرَدَّ) لِذِكْرِهِ التَّعْجِيلَ أَوْ الْعِلْمِ بِهِ وَقَدْ بَطَلَ وَالثَّانِي: لَا يَسْتَرِدُّ وَيَكُونُ تَطَوُّعًا (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ إنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّعْجِيلِ) بِأَنْ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الزَّكَاةِ (وَلَمْ يَعْلَمْهُ الْقَابِضُ لَمْ يَسْتَرِدَّ) وَيَكُونُ تَطَوُّعًا، وَالثَّانِي يَسْتَرِدُّ لِظَنِّهِ الْوُقُوعَ عَنْ الزَّكَاةِ وَلَمْ يَقَعْ عَنْهَا (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي مُثْبِتِ الِاسْتِرْدَادِ) وَهُوَ ذِكْرُ التَّعْجِيلِ أَوْ عِلْمُ الْقَابِضِ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَشَرْطُ الِاسْتِرْدَادِ عَلَى مُقَابِلِ الْأَصَحِّ (صُدِّقَ الْقَابِضُ بِيَمِينِهِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ. وَالثَّانِي يُصَدَّقُ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ الْمُؤَدِّي وَهُوَ أَعْرَفُ بِقَصْدِهِ، وَهَذَا فِي غَيْرِ عِلْمِ الْقَابِضِ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِعِلْمِهِ، وَعَلَى الِاسْتِرْدَادِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ يُصَدَّقُ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ إذَا نَازَعَهُ الْقَابِضُ فِي قَوْلِهِ قَصَدْتُ التَّعْجِيلَ فَإِنَّهُ أَعْرَفُ بِنِيَّتِهِ وَلَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهَا إلَّا مِنْ جِهَتِهِ (وَمَتَى ثَبَتَ) الِاسْتِرْدَادُ (وَالْمُعَجَّلُ تَالِفٌ وَجَبَ ضَمَانُهُ) بِالْمِثْلِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَبِالْقِيمَةِ إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا (وَالْأَصَحُّ) فِي الْمُتَقَوِّمِ (اعْتِبَارُ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَبْضِ) وَالثَّانِي قِيمَتُهُ يَوْمَ التَّلَفِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ إنْ وَجَدَهُ نَاقِصًا) نَقْصَ أَرْشٍ (فَلَا أَرْشَ) لَهُ لِأَنَّ النَّقْصَ حَدَثَ فِي مِلْكِ الْقَابِضِ فَلَا يَضْمَنُهُ وَالثَّانِي لَهُ أَرْشُهُ اعْتِبَارًا لَهُ بِالتَّلَفِ. وَلَوْ كَانَ الْمُعَجَّلُ بَعِيرَيْنِ أَوْ شَاتَيْنِ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا وَبَقِيَ الْآخَرُ رَجَعَ فِيهِ وَبِقِيمَةِ التَّالِفِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَا يَسْتَرِدُّ زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً) كَالْوَلَدِ وَاللَّبَنِ، وَالثَّانِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية قليوبي]
وَجُهِلَ حَالُهُ لَمْ يَضُرَّ فَلَوْ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ لَزِمَ الْمَالِكَ إخْرَاجُ غَيْرِهِ لِدَفْعِهِ لَهُ وَيُصَدَّقُ وَارِثُهُ فِي عَدَمِ عِلْمِهِ بِالتَّعْجِيلِ بِيَمِينِهِ فَلَا يَسْتَرِدُّهُ. قَوْلُهُ: (وَاجِبَةً أَوْ مُعَجَّلَةً إلَخْ) فَإِنْ أَخَذَ زَكَاتَيْنِ إحْدَاهُمَا مُعَجَّلَةٌ رَدَّهَا مُطْلَقًا أَوْ مُعَجَّلَتَيْنِ رَدَّ الثَّانِيَةَ إنْ تَرَتَّبَتَا وَإِلَّا تَخَيَّرَ.
كَذَا فِي شَرْحِ شَيْخِنَا فَتَأَمَّلْهُ وَانْظُرْ تَصْوِيرَهُ.

قَوْلُهُ: (وَإِذَا لَمْ يَقَعْ الْمُعَجَّلُ زَكَاةً) فَلَهُ الِاسْتِرْدَادُ بَعْدَ عُرُوضِ الْمَانِعِ لَا قَبْلَهُ وَالْمُسْتَرَدُّ لِلْمَالِكِ أَوْ لِوَرَثَتِهِ، نَعَمْ لَوْ مَاتَ الْمَالِكُ مُرْتَدًّا فَالْمُسْتَرَدُّ فَيْءٌ فَالْمُطَالَبُ بِهِ الْإِمَامُ كَمَا مَرَّ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَمِثْلُ الزَّكَاةِ مَا لَهُ سَبَبَانِ كَدَمِ التَّمَتُّعِ. وَكَذَا الْكَفَّارَةُ وَنَحْوُهَا. قَوْلُهُ: (وَيَكُونُ تَطَوُّعًا) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَدْفُوعُ مُعَجَّلًا لِلْإِمَامِ رَجَعَ قَطْعًا. قَوْلُهُ: (عَلَى مُقَابِلِ الْأَصَحِّ) فَعَلَى الْأَصَحِّ بِالْأُولَى. قَوْلُهُ: (الْأَخِيرَةِ) وَهِيَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَبِالْقِيمَةِ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فَلَوْ كَانَ الْمُعَجَّلُ شَاةً مِنْ الْأَرْبَعِينَ وَتَلِفَتْ قَبْلَ الْوُجُوبِ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ إذْ لَا تَكْمُلُ الْمَاشِيَةُ بِالْقِيمَةِ، وَلَوْ كَانَ الْمُعَجَّلُ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَتَلِفَتْ فِي يَدِ الْقَابِضِ فَلَا زَكَاةَ لِنَقْصِ النِّصَابِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (نَاقِصًا) أَيْ قَبْلَ عُرُوضِ مَا يُثْبِتُ الرَّدَّ أَمَّا مَعَهُ وَبَعْدَهُ فَمَضْمُونٌ. قَوْلُهُ: (نَقْصَ أَرْشٍ) وَلَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَغَرِمَهُ لِلْفُقَرَاءِ وَهُوَ مَا لَا يُفْرَدُ بِعَقْدٍ وَلَوْ جُزْءًا. قَوْلُهُ: (كَالْوَلَدِ وَاللَّبَنِ) وَلَوْ فِي الضَّرْعِ. وَكَذَا الصُّوفُ وَلَوْ قَبْلَ جَزِّهِ وَقَوْلُ الْمَنْهَجِ كَثَمَرَةٍ لَا يَخْفَاك عَدَمُ تَصْوِيرِهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ هُوَ مِثَالٌ لِمَا هُوَ زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية عميرة]
وَإِذَا لَمْ يَقَعْ الْمُعَجَّلُ إلَخْ) أَفْهَمَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِرْدَادُ قَبْلَ عُرُوضِ الْمَانِعِ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِالتَّعْجِيلِ كَتَعْجِيلِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ وَأَفْهَمَتْ أَيْضًا، أَنَّهُ شَرَطَ الِاسْتِرْدَادَ بِدُونِ عَارِضٍ لَا يَسْتَرِدُّ لَكِنْ فِي صِحَّةِ الْقَبْضِ هُنَا نَظَرٌ. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي لَا يَسْتَرِدُّ إلَخْ) عَلَّلَ هَذَا بِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ، بِأَنَّ الْمَدْفُوعَ إلَى الْفَقِيرِ لَا يُسْتَرَدُّ فَكَأَنَّهُ قَالَ: هُوَ زَكَاةُ مَالِي إنْ وُجِدَ شَرْطُهُ وَإِلَّا كَانَ صَدَقَةً. قَوْلُهُ: (وَيَكُونُ مُتَطَوِّعًا) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمُعَجِّلَ لَوْ كَانَ الْإِمَامَ، وَذَكَرَ التَّعْجِيلَ يَرْجِعُ قَطْعًا. قَوْلُهُ: (بِأَنْ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الزَّكَاةِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ أَعْطَى سَاكِنًا لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا، لَا يَكُونُ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ لَكِنْ صَرَّحَ الْإِسْنَوِيُّ بِخِلَافٍ. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي يَسْتَرِدُّ) رَجَّحَهُ فِي الْكِفَايَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُعْطِي هُوَ الْإِمَامُ، وَاقْتَضَى كَلَامُ الرَّافِعِيِّ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي يُصَدَّقُ إلَخْ) أَيْ كَمَا لَوْ دَفَعَ ثَوْبًا لِإِنْسَانٍ وَاخْتَلَفَا فِي الْعَارِيَّةِ وَالْهِبَةِ، فَإِنَّهُ يُصَدِّقُ الدَّافِعَ فِي الْعَارِيَّةِ. قَوْلُهُ: (وَبِالْقِيمَةِ إلَخْ) لَنَا وَجْهٌ أَنَّهُ يَضْمَنُ الْحَيَوَانَ بِالْمِثْلِ الصُّورِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُعَجَّلَ كَالْقَرْضِ. قَوْلُهُ: (يَوْمَ التَّلَفِ) لِأَنَّهُ وَقْتٌ لِانْتِقَالِ الْحَقِّ إلَى الْقِيمَةِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَلَا أَرْشَ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ النَّقْصُ بِفِعْلِهِ أَوْ بِجِنَايَةِ أَجْنَبِيٍّ وَغُرْمِهِ لِلْفَقِيرِ. قَوْلُهُ: (اعْتِبَارًا لَهُ بِالتَّلَفِ) إيضَاحُهُ أَنَّ جُمْلَتَهُ مَضْمُونَةٌ فَكَذَلِكَ جُزْؤُهُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ الْمُعَجَّلُ إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ نَقْصَ أَرْشٍ. قَوْلُهُ: (وَاللَّبَنِ) أَيْ وَلَوْ فِي الضَّرْعِ.

قَوْلُهُ:

(2/58)


يَسْتَرِدُّهَا مَعَ الْأَصْلِ لِأَنَّهُ لِتَبَيُّنِ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الْمُوَقَّعُ كَأَنَّ الْقَابِضَ لَمْ يَمْلِكْهُ فِي الْحَقِيقَةِ. أَمَّا الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ كَالسَّمْنِ وَالْكِبَرِ فَتَتْبَعُ الْأَصْلَ فَيَسْتَرِدُّهُ مَعَهَا

(وَتَأْخِيرُ الزَّكَاةِ) أَيْ أَدَائِهَا (بَعْدَ التَّمَكُّنِ) وَقَدْ تَقَدَّمَ (يُوجِبُ الضَّمَانَ) لَهَا (إنْ تَلِفَ الْمَالُ) الْمُزَكَّى لِتَقْصِيرِهِ بِحَبْسِ الْحَقِّ عَنْ مُسْتَحِقِّهِ (وَلَوْ تَلِفَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ) بَعْدَ الْحَوْلِ (فَلَا) ضَمَانَ لِانْتِفَاءِ التَّقْصِيرِ (وَلَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ) قَبْلَ التَّمَكُّنِ وَبَقِيَ بَعْضُهُ (فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَغْرَمُ قِسْطَ مَا بَقِيَ) وَالثَّانِي لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّمَكُّنَ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ، فَإِذَا تَلِفَ وَاحِدٌ مِنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ فَفِي الْبَاقِي أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ شَاةٍ عَلَى الْأَوَّلِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الثَّانِي (وَإِنْ أَتْلَفَهُ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ لَمْ تَسْقُطْ الزَّكَاةُ) لِتَقْصِيرِهِ بِإِتْلَافِهِ

(وَهِيَ) أَيْ الزَّكَاةُ (تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ) الَّذِي تَجِبُ فِي عَيْنِهِ (تَعَلُّقَ الشَّرِكَةِ) بِقَدْرِهَا (وَفِي قَوْلٍ تَعَلُّقَ الرَّهْنِ) بِقَدْرِهَا مِنْهُ وَقِيلَ: بِجَمِيعِهِ (وَفِي قَوْلٍ) تَتَعَلَّقُ (بِالذِّمَّةِ) كَزَكَاةِ الْفِطْرِ وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ أَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ مِنْ إخْرَاجِهَا أَخَذَهَا الْإِمَامُ مِنْ مَالِهِ قَهْرًا، كَمَا يَقْسِمُ الْمَالَ الْمُشْتَرَكَ قَهْرًا إذَا امْتَنَعَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ مِنْ قِسْمَتِهِ. وَلِلثَّانِي أَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهَا وَلَمْ تُوجَدْ السِّنُّ الْوَاجِبَةُ فِي مَالِهِ كَانَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَبِيعَ بَعْضَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية قليوبي]
فِي ذَاتِهَا. قَوْلُهُ: (كَالسَّمْنِ) قَالَ شَيْخُنَا وَكَذَا الْحَمْلُ.

قَوْلُهُ: (أَدَائِهَا إلَى إخْرَاجِهَا) فَالْغَايَةُ صَحِيحَةٌ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ الْحَوْلِ) وَكَذَا قَبْلَهُ بِتَقْصِيرٍ أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ. قَوْلُهُ: (شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ) الَّذِي هُوَ الْمَرْجُوحُ. قَوْلُهُ: (وَاحِدٌ مِنْ خَمْسٍ) وَمِثْلُهُ خَمْسٌ مِنْ تِسْعٍ بِنَاءً عَلَى الرَّاجِحِ أَنَّ الْوَقَصَ عَفْوٌ بِخِلَافِ أَرْبَعٍ مِنْهَا فَيَجِبُ شَاةٌ يُمْكِنُ شُمُولُ كَلَامِهِ لَهَا لِأَنَّهَا قِسْطُ الْخَمْسَةِ. قَوْلُهُ: (وَأَنْ أَتْلَفَهُ) أَيْ الْمَالِكُ، وَكَذَا لَوْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ لَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ أَيْضًا لِأَنَّهُ ضَامِنٌ فَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ وَيَنْتَقِلُ الْحَقُّ لَهَا كَمَا لَوْ أَتْلَفَ الْعَبْدُ الْجَانِي الْمَرْهُونَ.

قَوْلُهُ: (تَعَلُّقَ الشَّرِكَةِ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ سَوَاءٌ فِي الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ. قَوْلُهُ: (فَيُحْتَمَلُ فِيهِ إلَخْ) وَلِهَذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية عميرة]
لِتَقْصِيرِهِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَاصِيًا كَمَا لَوْ أَخَّرَ لِانْتِظَارِ قَرِيبٍ، وَأَجَارَ أَوْ لِلشَّكِّ فِي حَالِ الْمُسْتَحِقِّ قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَإِنْ تَلِفَ) زَعَمَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ خَطَأٌ سَوَاءٌ جَعَلْت يُوجِبُ بِمَعْنَى يَقْتَضِي أَوْ يُكَلِّفُ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي اشْتِرَاكَ مَا بَعْدَ إنْ وَمَا قَبْلَهَا فِي الْحُكْمِ وَيَكُونُ مَا بَعْدَهَا أَوْلَى بِعَدَمِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ التَّلَفَ هُوَ مَحَلُّ الضَّمَانِ، وَأَمَّا قَبْلَهُ فَالْوَاجِبُ الْأَدَاءُ، وَثَبَتَ مَعَ ذَلِكَ أَيْضًا دُخُولُهَا فِي ضَمَانِهِ حَتَّى يَغْرَمَ لَوْ تَلِفَ قَالَ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ اهـ. أَقُولُ لَا خَفَاءَ أَنَّ إيجَابَ الضَّمَانِ بِالتَّأْخِيرِ لَهُ ثَمَرَاتٌ، مِنْهَا تَكْلِيفُ الْمَالِكِ الْإِخْرَاجَ عِنْدَ التَّلَفِ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ وَمِنْهَا تَكْلِيفُهُ إيَّاهُ لَوْ عَرَضَ لَهُ حَائِلٌ دُونَ الْمَالِ مِنْ غَيْبَةٍ، أَوْ ضَلَالٍ أَوْ يَدٍ عَادِيَةٍ أَوْ إتْلَافِ أَجْنَبِيٍّ، وَمِنْ الْبَيِّنِ أَنَّ حَالَةَ تَلَفِهِ بِآفَةٍ الَّتِي هِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ أَوْلَى بِعَدَمِ الضَّمَانِ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَتَحَصَّلْ فِيهَا عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْمَالِ الزَّكَوِيِّ بِخِلَافِهِ فِي هَذَا وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ يَرْجُو الْعَوْدَ وَالْأَجْنَبِيُّ ضَامِنٌ فَهُوَ مُخْطِئٌ فِيمَا خَطَّأَ النَّوَوِيَّ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (عَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّمَكُّنَ شَرْطٌ لِلضَّمَانِ فَقَطْ، وَهُوَ الرَّاجِحُ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: لِأَنَّهُ لَوْ تَلِفَ الْمَالُ بَعْدَ الْحَوْلِ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ الزَّكَاةُ، وَلَوْلَا الْوُجُوبُ لَسَقَطَتْ، وَاحْتَجَّ كَثِيرُونَ بِأَنَّهُ لَوْ تَأَخَّرَ الْإِمْكَانُ مُدَّةً فَابْتِدَاءُ الْحَوْلِ الثَّانِي مِنْ وَقْتِ الْوُجُوبِ لَا مِنْ وَقْتِ الْإِمْكَانِ، فَلَوْ كَانَ الْإِمْكَانُ هُوَ وَقْتُ الْوُجُوبِ لَكَانَ بَيْنَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ دُونَ حَوْلٍ اهـ.
وَمَنْ جَعَلَهُ شَرْطًا لِلْوُجُوبِ قَاسَ عَلَى الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي الْمُهِمَّاتِ قِيَاسُ قَوْلِ الشَّرِكَةِ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ الْحَوْلِ الثَّانِي مِنْ الدَّفْعِ إذَا كَانَ نِصَابًا فَقَطْ اهـ. قُلْت كَأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كَالشَّرِكَةِ الْحَقِيقِيَّةِ بِدَلِيلِ الْفَوْزِ بِالنَّمَاءِ لَمْ يَنْظُرُوا لِذَلِكَ، ثُمَّ رَأَيْت فِي الزَّرْكَشِيّ مَا يَشْهَدُ لِلْإِسْنَوِيِّ وَهُوَ لَوْ مَكَثَ عِنْدَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ سَنَتَيْنِ لَزِمَهُ زَكَاةُ عَامٍ وَاحِدٍ، لَكِنَّ مَسْأَلَةَ تَلَفِ الْبَعْضِ السَّابِقَةَ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الْحَوْلِ فَلِذَا قَيَّدَ الشَّارِحُ فِيمَا سَلَفَ قَوْلُ الْمَتْنِ: (بَعْدَ الْحَوْلِ) صَرَّحَ بِهِ هُنَا لِأَنَّ الْحُكْمَ هُنَا عَدَمُ الْإِسْقَاطِ، وَهُوَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِهِ فِيمَا سَلَفَ، فَإِنَّ الْحُكْمَ عَدَمُ الضَّمَانِ وَهُوَ جَارٍ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَهُ قَوْلُ الْمَتْنِ: (لَمْ تَسْقُطْ الزَّكَاةُ) أَيْ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَهُمَا قَوْلُ الشَّارِحِ عَلَى الْأَوَّلِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الثَّانِي

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَهِيَ إلَخْ) سُقُوطُ الزَّكَاةِ بِتَلَفِ الْمَالِ بَعْدَ الْحَوْلِ، وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ يُشْعِرُ بِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْعَيْنِ دُونَ الذِّمَّةِ فَلَمَّا جَرَى ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَسُنَ الْبَحْثُ عَنْ وَجْهِ ذَلِكَ التَّعَلُّقِ. قَوْلُهُ: (بِقَدْرِهَا مِنْهُ) يَعْنِي مِقْدَارَهَا مِنْ الْمَالِ كَالْمَرْهُونِ بِهَا قَوْلُ الْمَتْنِ (وَفِي قَوْلٍ بِالذِّمَّةِ) يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ، وَهُوَ أَضْعَفُهَا وَأَنْكَرَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ. قَوْلُهُ: (وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ

(2/59)


وَيَشْتَرِيَ السِّنَّ الْوَاجِبَةَ مَا يُبَاعُ الْمَرْهُونُ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ، وَلِلثَّالِثِ أَنَّهُ يَجُوزُ إخْرَاجُهَا مِنْ غَيْرِ الْمَالِ، وَاعْتَذَرُوا لِلْأَوَّلِ عَنْ هَذَا بِأَنَّ أَمْرَ الزَّكَاةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ وَالْإِرْفَاقِ فَيُحْتَمَلُ فِيهِ مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَلَوْ كَانَ الْوَاجِبُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَالِ كَالشَّاةِ الْوَاجِبَةِ فِي الْإِبِلِ فَقِيلَ لَا يَجْرِي فِيهِ قَوْلُ الشَّرِكَةِ. وَالْأَصَحُّ جَرَيَانُهُ وَتَكُونُ الشَّرِكَةُ بِقَدْرِ قِيمَةِ الشَّاةِ وَهَلْ الْوَاجِبُ عَلَى قَوْلِ الشَّرِكَةِ فِي أَرْبَعِينَ شَاةً مَثَلًا شَاةٌ مُبْهَمَةٌ أَوْ جُزْءٌ مِنْ كُلِّ شَاةٍ، وَجْهَانِ يَأْتِيَانِ عَلَى قَوْلِ تَعَلُّقِ الرَّهْنِ أَيْضًا بِالْبَعْضِ.
وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا: أَنَّ الْجُمْهُورَ جَعَلُوا تَعَلُّقَ الرَّهْنِ وَالذِّمَّةِ قَوْلًا وَاحِدًا فَقَالُوا: تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ وَالْمَالُ مُرْتَهَنٌ بِهَا وَحِكَايَةُ قَوْلٍ رَابِعٍ أَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِهِ تَعَلُّقَ الْأَرْشِ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ الْجَانِي لِسُقُوطِهَا بِتَلَفِ الْمَالِ، وَالتَّعَلُّقُ بِقَدْرِهَا مِنْهُ، وَقِيلَ: بِجَمِيعِهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَأْتِي الْوَجْهَانِ فِي مَسْأَلَةِ الشِّيَاهِ السَّابِقَةِ (فَلَوْ بَاعَهُ) أَيْ الْمَالَ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ (قَبْلَ إخْرَاجِهَا فَالْأَظْهَرُ بُطْلَانُهُ) أَيْ الْبَيْعِ (فِي قَدْرِهَا وَصِحَّتُهُ فِي الْبَاقِي) وَالثَّانِي بُطْلَانُهُ فِي الْجَمِيعِ، وَالثَّالِثُ صِحَّتُهُ فِي الْجَمِيعِ وَالْأَوَّلَانِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَيَأْتِيَانِ عَلَى تَعَلُّقِ الشَّرِكَةِ، وَتَعَلُّقِ الرَّهْنِ أَوْ الْأَرْشِ بِقَدْرِ الزَّكَاةِ. وَيَأْتِي الثَّالِثُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا. وَفِي قَوْلٍ: يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ عَلَى تَعَلُّقِ الشَّرِكَةِ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُسْتَحِقِّينَ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ فِيهِ إذْ لِلْمَالِكِ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِ مَالِهَا، وَعَلَى تَعَلُّقِ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِ الْمَالِكِ وَلِغَيْرِ مُعَيَّنٍ فَيُسَامَحُ فِيهِ بِمَا لَا يُسَامَحُ بِهِ فِي سَائِرِ الرُّهُونِ، وَعَلَى تَعَلُّقِ الْأَرْشِ يَكُونُ بِالْبَيْعِ مُخْتَارًا لِلْإِخْرَاجِ مِنْ مَالٍ آخَرَ. وَإِذَا صَحَّ فِي قَدْرِهَا فَمَا سِوَاهُ أَوْلَى، وَعَلَى تَعَلُّقِ الذِّمَّةِ يَصِحُّ بَيْعُ الْجَمِيعِ قَطْعًا.
وَلَوْ بَاعَ بَعْضَ الْمَالِ وَلَمْ يَبْقَ قَدْرُ الزَّكَاةِ فَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَ الْجَمِيعَ. وَإِنْ أَبْقَى قَدْرَهَا بِنِيَّةِ الصَّرْفِ فِيهَا أَوْ بِلَا نِيَّةٍ فَعَلَى تَعَلُّقِ الشَّرِكَةِ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَجْهَانِ. قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: أَقْيَسُهُمَا الْبُطْلَانُ لِأَنَّ حَقَّ الْمُسْتَحِقِّينَ شَائِعٌ فَأَيُّ قَدْرٍ بَاعَهُ كَانَ حَقَّهُ وَحَقَّهُمْ وَالْأَوَّلُ قَالَ: مَا بَاعَهُ حَقُّهُ وَعَلَى تَعَلُّقِ الرَّهْنِ أَوْ الْأَرْشِ بِقَدْرِ الزَّكَاةِ يَصِحُّ الْبَيْعُ. أَمَّا بَيْعُ مَالِ التِّجَارَةِ قَبْلَ إخْرَاجِ زَكَاتِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية قليوبي]
لَمْ يُشَارِكْ الْمُسْتَحِقُّ الْمَالِكَ فِيمَا حَدَثَ بَعْدَ الْوُجُوبِ. قَوْلُهُ: (وَالْأَصَحُّ جَرَيَانُهُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (بِقَدْرِ) أَيْ بِجُزْءٍ مِنْ الْإِبِلِ بِقَدْرِ إلَخْ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ: وَابْتِدَاءُ الْحَوْلِ الثَّانِي مِنْ الْإِخْرَاجِ إذَا كَانَ نِصَابًا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَوْ مَكَثَ عِنْدَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ عَامَيْنِ لَزِمَهُ زَكَاةُ عَامٍ وَاحِدٍ وَقَدْ مَرَّ مَا يُفِيدُهُ. قَوْلُهُ: (وَجْهَانِ) أَصَحُّهُمَا الثَّانِي وَقُيِّدَ بِالْحَيَوَانِ لِأَنَّ التَّعَلُّقَ بِالْجُزْءِ الشَّائِعِ فِي غَيْرِهِ لَا خِلَافَ فِيهِ. قَوْلُهُ: (بَطَلَ فِي قَدْرِهَا) وَلَوْ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ فَيَبْطُلُ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ جُزْءٌ بِقَدْرِ قِيمَةِ الشَّاةِ لِمَا مَرَّ. وَشَيْخُنَا خَالَفَ فِي هَذِهِ وَأَبْطَلَهَا فِي الْجَمِيعِ، وَلَمْ يُوَافِقْ عَلَيْهِ وَلَا يَنْقَلِبُ الْعَقْدُ فِيهِ صَحِيحًا لَوْ أَخْرَجَ الْوَاجِبَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهَا، وَلَوْ رَدَّ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ قَدْرَ الزَّكَاةِ فَإِنْ كَانَ مَيَّزَهُ الْبَائِعُ لَهَا أَوْ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِهِ امْتَنَعَ تَعَلُّقُ السَّاعِي بِمَا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَلَا.
فَرْعٌ: لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَالِ قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ تَعَيَّنَ لِكَفَّارَةٍ سَقَطَتْ زَكَاةُ ذَلِكَ الْقَدْرِ وَيُزَكِّي الْبَاقِيَ إنْ بَلَغَ نِصَابًا أَوْ بَعْدَ الْحَوْلِ لَمْ يَسْقُطْ مِنْ الزَّكَاةِ شَيْءٌ. قَوْلُهُ: (بِنِيَّةِ الصَّرْفِ فِيهَا إلَخْ) خَرَجَ بِالنِّيَّةِ مَا لَوْ قَالَ بِاللَّفْظِ: بِعْتُك هَذِهِ الْأَرْبَعِينَ شَاةً إلَّا هَذِهِ الشَّاةَ لِلزَّكَاةِ أَوْ: بِعْتُك هَذَا الْحَبَّ إلَّا هَذَا الْإِرْدَبَّ مَثَلًا لِلزَّكَاةِ، أَوْ: بِعْتُك هَذَا إلَّا الْعُشْرَ أَوْ: إلَّا نِصْفَ الْعُشْرِ لِلزَّكَاةِ فَيَصِحُّ قَطْعًا.
قَوْلُهُ: (أَقْيَسُهُمَا الْبُطْلَانُ) أَيْ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (بِالْبَيْعِ) خَرَجَ بِهِ الْهِبَةُ مِنْهَا وَعِتْقُ رَقِيقِهَا وَالْمُحَابَاةُ فِي بَيْعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية عميرة]
إلَخْ) وَيَدُلُّ لَهُ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ} [الذاريات: 19] . قَوْلُهُ: (وَجْهَانِ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: هُمَا خَاصَّانِ بِالْمَوَاشِي وَأَمَّا الثِّمَارُ وَالنُّقُودُ وَنَحْوُهُمَا، فَهُوَ شَائِعٌ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الْإِطْلَاقَ. قَوْلُهُ: (وَتَعَلَّقَ الرَّهْنُ أَوْ الْأَرْشُ إلَخْ) اقْتَضَى هَذَا أَنَّ الْأَرْجَحَ عَلَيْهِمَا الصِّحَّةُ فِيمَا عَدَا قَدْرَ الزَّكَاةِ، وَجَعَلَ الْإِسْنَوِيُّ الْأَرْجَحَ هُوَ الصِّحَّةُ فِي الْجَمِيعِ عَلَى قَوْلِ تَعَلَّقَ الرَّهْنُ وَالْأَرْشُ، وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ السُّبْكِيّ، بَلْ وَفِي الرَّافِعِيِّ وَلَعَلَّ الشَّارِحَ يَخْتَارُ قَوْلَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ مِنْ الْبُطْلَانِ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ عَلَى تَعَلُّقِ الرَّهْنِ وَالْأَرْشِ فَيَكُونُ فِي الْبَاقِي قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ الصِّحَّةُ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ عَلَى الْعِلَّتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ، فَهِيَ فِي غَيْرِ قَدْرِ الزَّكَاةِ أَوْلَى.
قَوْلُهُ: (مِنْ غَيْرِ مَالِهَا) أَيْ ثُمَّ إنْ أَخْرَجَ فَذَاكَ، وَإِلَّا انْتَزَعَ السَّاعِي مِنْ الْمُشْتَرِي قَدْرَهَا. قَوْلُهُ: (فَيُسَامَحُ فِيهِ) أَيْ فَتَصِحُّ مَعَ عَدَمِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ. قَوْلُهُ: (وَيَكُونُ بِالْبَيْعِ) يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ وَعَلَى تَعَلُّقِ الْأَرْشِ. قَوْلُهُ: (أَقْيَسُهُمَا الْبُطْلَانُ) أَيْ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ مِنْ الْبَيْعِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ التَّعَلُّقَ شَائِعٌ أَوْ مُبْهَمٌ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ فِي التَّعْلِيلَيْنِ. قَوْلُهُ: (يَصِحُّ الْبَيْعُ) ظَاهِرُهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي جَمِيعِ الْمَبِيعِ، وَهُوَ يُخَالِفُ مَا

(2/60)


فَيَصِحُّ لِأَنَّ الْقِيمَةَ وَهِيَ لَا تَفُوتُ بِالْبَيْعِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية قليوبي]
عَرْضِهَا أَوْ جَعْلُهُ عِوَضَ خُلْعٍ فَذَلِكَ كَبَيْعِ الْمَاشِيَةِ بَعْدَ الْوُجُوبِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية عميرة]
سَلَفَ لَهُ عِنْدَ بَيْعِ الْكُلِّ مِنْ الصِّحَّةِ فِي غَيْرِ قَدْرِ الزَّكَاةِ خَاصَّةً، حَتَّى عَلَى تَعَلُّقِ الْأَرْشِ وَالرَّهْنِ، وَعِبَارَةُ السُّبْكِيّ فِيمَا لَوْ بَاعَ وَتَرَكَ قَدْرَ الزَّكَاةِ إنْ قُلْنَا بِالشَّرِكَةِ عَلَى الْإِبْهَامِ صَحَّ، أَوْ عَلَى الْإِشَاعَةِ بَطَلَ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ وَصَحَّ فِي الْبَاقِي، وَإِنْ قُلْنَا بِالرَّهْنِ وَقُلْنَا الْجَمِيعُ مَرْهُونٌ لَمْ يَصِحَّ. وَإِنْ قُلْنَا قَدْرُ الزَّكَاةِ صَحَّ فِيمَا عَدَاهُ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَرْشِ فَإِنْ صَحَّحْنَا بَيْعَ الْجَانِي صَحَّ، وَإِلَّا فَكَالتَّفْرِيعِ عَلَى الرَّهْنِ. ذَكَرَ هَذَا التَّرْتِيبَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَوْلُهُ فِيمَا عَدَاهُ مُخَالِفٌ لِمَا جَرَى عَلَيْهِ عِنْدَ بَيْعِ الْكُلِّ كَمَا سَلَفَ نَقْلُهُ عَنْهُ فِي الْهَامِشِ أَيْ عَلَى قَوْلِهِ، وَتَعَلُّقُ الرَّهْنِ وَاَلَّذِي فِي الرَّافِعِيِّ وَالرَّوْضَةِ فِي هَذِهِ صِحَّةُ الْبَيْعِ، وَلَمْ يَقُولَا فِيمَا عَدَاهُ، فَالشَّارِحُ مُوَافِقٌ لَهُمَا هُنَا إلَّا أَنَّهُ يُخَالِفُ مَا سَلَفَ لَهُ عِنْدَ بَيْعِ الْكُلِّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَعْتَذِرَ عَنْ السُّبْكِيّ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِمَا عَدَاهُ الْقَدْرُ الَّذِي أَبْقَاهُ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ دَاخِلًا فِي الْبَيْعِ فَيَكُونُ الْبَيْعُ صَحِيحًا فِيمَا وَرَدَ عَلَيْهِ، وَفِي الِاعْتِذَارِ نَظَرٌ. نَعَمْ قَدْ يَعْتَذِرُ عَنْ الشَّارِحِ بِأَنَّ غَرَضَهُ مِنْ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ مَجِيءُ الْقَوْلَيْنِ عَلَى قَوْلِ الرَّهْنِ وَالْأَرْشِ، وَلَكِنْ بِدُونِ تَرْجِيحٍ. قَوْلُهُ: (أَمَّا بَيْعُ مَالِ التِّجَارَةِ إلَخْ) هُوَ قَسِيمُ قَوْلِهِ أَوْ لَا الَّذِي يَجِبُ فِي عَيْنِهِ

(2/61)


كِتَابُ الصِّيَامِ (يَجِبُ صَوْمُ رَمَضَانَ بِإِكْمَالِ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ) يَوْمًا (أَوْ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ) لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلَا بُدَّ فِي الْوُجُوبِ عَلَى مَنْ لَمْ يَرَهُ مِنْ ثُبُوتِ رُؤْيَتِهِ عِنْدَ الْقَاضِي (وَثُبُوتُ رُؤْيَتِهِ) تَحْصُلُ (بِعَدْلٍ) قَالَ «ابْنُ عُمَرَ: أَخْبَرْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنِّي رَأَيْت الْهِلَالَ فَصَامَ وَأَمَرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية قليوبي]
كِتَابُ الصِّيَامِ
اخْتَارَهُ عَلَى الصَّوْمِ الْمُجَرَّدِ لِإِفَادَةِ الزِّيَادَةِ الْقَلِيلَةِ التَّغْيِيرِ لِلْيَاءِ وَهُوَ لُغَةً الْإِمْسَاكُ وَلَوْ عَنْ نَحْوِ الْكَلَامِ وَمِنْهُ: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم: 26] أَيْ سُكُوتًا. وَشَرْعًا إمْسَاكٌ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ جَمِيعَ النَّهَارِ. وَفُرِضَ فِي شَعْبَانَ السَّنَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ الْهِجْرَةِ. وَشَهْرُهُ أَفْضَلُ الشُّهُورِ، وَهُوَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِخِلَافِ مُطْلَقِ الصَّوْمِ. وَقِيلَ: إنَّهُ الْمَفْرُوضُ عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ إلَّا أَنَّ غَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَضَلَّتْهُ فَالْخُصُوصِيَّةُ فِي تَعْيِينِهِ. قَوْلُهُ: (رَمَضَانَ) مِنْ الرَّمَضِ وَهُوَ شِدَّةُ الْحَرِّ لِوُجُودِهِ عِنْدَ وَضْعِ اسْمِهِ مِنْ الْعَرَبِ لِأَنَّهُمْ الَّذِينَ وَضَعُوا اللُّغَةَ، وَقَدْ سَمَّوْا كُلَّ شَهْرٍ بِصِفَةٍ مِمَّا فِي زَمَنِهِ حَالَ وَضْعِهِ كَمْ سَمَّوْا الرَّبِيعَيْنِ لِوُجُودِ زَمَنِ الرَّبِيعِ عِنْدَهُمَا. وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي ذِكْرِهِ بِدُونِ لَفْظِ شَهْرِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ لِمَا قِيلَ إنَّهُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يَثْبُتْ كَمَا أَنْكَرَهُ النَّوَوِيُّ. قَوْلُهُ: (بِإِكْمَالِ) عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ بِكَمَالِ وَهِيَ الْأَنْسَبُ اخْتِصَارًا وَمَعْنًى إلَّا أَنْ يُفَسَّرَ الْإِكْمَالُ بِالْحِسَابِ. قَوْلُهُ: (شَعْبَانَ) جَمْعُهُ شَعْبَانَاتٌ يُقَالُ شَعَّبْت الشَّيْءَ جَمَعْته وَشَعَّبْته أَيْضًا فَرَّقْته فَهُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ وَالْعَرَبُ كَانَتْ تَجْتَمِعُ فِيهِ لِلْقِتَالِ بَعْدَ رَجَبٍ وَتُفَرِّقُ فِيهِ النَّهْبَ وَالْأَمْوَالَ وَتَتَفَرَّقُ فِيهِ لِأَخْذِ الثَّأْرِ.
قَوْلُهُ: (ثَلَاثِينَ) وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَجِبُ الصَّوْمُ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ عِنْدَ الْغَيْمِ. قَوْلُهُ: (صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ إلَخْ) فِيهِ أُمُورٌ يَحْتَمِلُهَا اللَّفْظُ بِحَسَبِ ذَاتِهِ أَحَدُهَا: أَنَّهُ إنْ حُمِلَ ضَمِيرُ صُومُوا وَرُؤْيَتِهِ عَلَى الْكُلِّيَّةِ فِيهِمَا كَانَ الْمَعْنَى يَصُومُ كُلُّ وَاحِدٍ إذَا رَأَى دُونَ غَيْرِهِ أَوْ حُمِلَ عَلَيْهَا فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، كَانَ الْمَعْنَى يَصُومُ كُلُّ وَاحِدٍ لِرُؤْيَةِ وَاحِدٍ أَوْ عَكْسُهُ. كَانَ الْمَعْنَى يَصُومُ وَاحِدٌ لِرُؤْيَةِ كُلِّ وَاحِدٍ ثَانِيهَا: أَنَّهُ إنْ حُمِلَتْ الرُّؤْيَةُ عَلَى مَا هُوَ بِالْبَصَرِ كَانَ الْمَعْنَى مِنْ أَبْصَرَهُ يَصُومُ دُونَ غَيْرِهِ كَالْأَعْمَى. ثَالِثُهَا: أَنَّهُ إنْ حُمِلَتْ الرُّؤْيَةُ عَلَى الْعِلْمِ دَخَلَ التَّوَاتُرُ وَخَرَجَ خَبَرُ الْعَدْلِ رَابِعُهَا: أَنَّهُ إنْ حُمِلَتْ عَلَى مَا يَشْمَلُ الظَّنَّ دَخَلَ خَبَرُ الْمُنَجِّمِ، خَامِسُهَا: أَنَّهُ إنْ حُمِلَتْ عَلَى إمْكَانِهَا دَخَلَ طَلَبُ الصَّوْمِ إذَا غُمَّ وَكَانَ بِحَيْثُ يُرَى. سَادِسُهَا: أَنَّهُ إنْ حُمِلَتْ عَلَى وُجُودِهِ لَزِمَ طَلَبُ الصَّوْمِ وَإِنْ لَمْ تُمْكِنْ رُؤْيَتُهُ بِأَنْ أَخْبَرَ الْمُنَجِّمُ أَنَّ لَهُ قَوْسًا لَا يُرَى. سَابِعُهَا: أَنَّهُ إنْ جُعِلَ ضَمِيرُ صُومُوا لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ وَرُؤْيَتِهِ لِبَعْضِهِمْ لَزِمَ صَوْمُ كُلِّهِمْ لِرُؤْيَةِ بَعْضِهِمْ وَلَوْ وَاحِدًا عَلَى نَظِيرِ مَا مَرَّ. ثَامِنُهَا: أَنَّ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ تَأْتِي فِي الْفِطْرِ بِقَوْلِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ.
تَاسِعُهَا: أَنَّ ضَمِيرَ رُؤْيَتِهِ عَائِدٌ لِهِلَالِ رَمَضَانَ فِيهِمَا وَهُوَ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِي الثَّانِي. عَاشِرُهَا: أَنَّ مَعْنَى غُمَّ اسْتَتَرَ بِالْغَمَامِ فَيَخْرُجُ مَا لَوْ اسْتَتَرَ بِغَيْرِهِ وَيَأْتِي فِي ضَمِيرِ عَلَيْكُمْ مَا فِي ضَمِيرِ صُومُوا وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ فَرَاجِعْ وَانْظُرْ مَا الْمُرَادُ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا وَالْوَجْهُ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ أَنْ تُحْمَلَ الرُّؤْيَةُ عَلَى إمْكَانِهَا فِي الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ، وَمَا فِي شَرْحِ شَيْخِنَا وَغَيْرِهِ مِمَّا يُفْهِمُ خِلَافَ ذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فَلَا يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ، تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فَأَكْمِلُوا إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا قَضَاءَ لَوْ تَبَيَّنَ الْحَالُ بِأَنَّ الْيَوْمَ الَّذِي غُمَّ فِيهِ مِنْ رَمَضَانَ وَلَيْسَ مُرَادًا. قَوْلُهُ: (عِنْدَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ