حاشيتا
قليوبي وعميرة [حاشية قليوبي]
بَابُ الْإِحْرَامِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لِدُخُولِ الْحَرَمِ أَوْ
لِأَنَّهُ يَحْرُمُ بِهِ مَا كَانَ حَلَالًا قَبْلَهُ. قَوْلُهُ:
(الدُّخُولُ فِي النُّسُكِ) أَيْ لَا بِمَعْنَى النِّيَّةِ لِأَنَّهَا مِنْ
الْأَرْكَانِ وَسَتَأْتِي وَلَا بُدَّ مِنْهَا لِهَذَا الدُّخُولِ فَلَا
يُوجَدُ بِدُونِهَا. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَنْوِيَ حَجًّا) وَكَذَا نِصْفُ
حَجٍّ أَوْ حَجَّتَيْنِ. قَوْلُهُ: (أَوْ عُمْرَةً) وَكَذَا نِصْفُ
عُمْرَةٍ أَوْ عُمْرَتَيْنِ. قَوْلُهُ: (أَوْ كِلَيْهِمَا) صَوَّرَهُ
بَعْضُهُمْ بِتَقْدِيمِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ لِأَنَّهُ إذَا قَدَّمَ
نِيَّةَ الْحَجِّ امْتَنَعَتْ الْعُمْرَةُ لِأَنَّهَا لَا تَدْخُلُ
عَلَيْهِ. وَرَدَّهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ هَذِهِ صِيغَةٌ وَاحِدَةٌ
مُتَعَلِّقَةٌ بِبَعْضِهَا فَلَا يَتِمُّ الْمُرَادُ إلَّا بِتَمَامِهَا
خُصُوصًا وَهُوَ قَاصِدٌ لَهُمَا فِيهَا. قَوْلُهُ: (بِأَنْ لَا يَزِيدَ)
أَيْ مِمَّا ذُكِرَ فَلَوْ زَادَ كَوْنُهُ تَطَوُّعًا أَوْ نَذْرًا أَوْ
قَيَّدَهُ بِزَمَنٍ كَيَوْمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لَغَا وَانْصَرَفَ لِمَا
عَلَيْهِ، وَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِنِيَّةِ فَرْضٍ أَيْضًا
وَفَارَقَ الصَّلَاةَ بِانْصِرَافِهِ هُنَا قَهْرًا لَهُ، وَإِنْ ذَكَرَ
غَيْرَهُ وَلَوْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا ثُمَّ أَفْسَدَهُ قَبْلَ التَّعْيِينِ
فَأَيَّهُمَا عَيَّنَهُ كَانَ فَاسِدًا.
قَوْلُهُ: (وَرَوَى الشَّافِعِيُّ إلَخْ) هَذَا دَلِيلُ الْإِطْلَاقِ
فَمَعْنَى مُهِلِّينَ مُحْرِمِينَ، وَأَنْ يُجْعَلَ بِمَعْنَى يَصْرِفُ
وَهَذَا مِنْ حَيْثُ الْأَكْمَلُ لِمَا سَيَأْتِي. وَهَذَا لَا يُعَارِضُ
مَا فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ لِأَنَّهُ فِيهِ قَدْ خَيَّرَهُمْ قَبْلَ
إحْرَامِهِمْ فِيمَا يَفْعَلُونَهُ إذَا أَحْرَمُوا لَكِنَّهُمْ عِنْدَ
إحْرَامِهِمْ أَطْلَقُوا فَتَأَمَّلْ. وَالْوَاقِعُ مِمَّنْ أَحْرَمَ
كَإِحْرَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إبْهَامٌ
وَيُعْلَمُ مِنْهُ جَوَازُ الْإِطْلَاقِ. قَوْلُهُ: (إلَى مَا شَاءَ مِنْ
النُّسُكَيْنِ) أَيْ لِلْعُمْرَةِ مُطْلَقًا وَلِلْحَجِّ إنْ لَمْ يَفُتْ
وَإِلَّا تَعَيَّنَ صَرْفُهُ لِلْعُمْرَةِ كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ
وَاعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ وَشَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُجْزِئُ الْعَمَلُ) كَالطَّوَافِ وَالْوُقُوفِ فَلَهُ
صَرْفُهُ بَعْدَهُ لِلْعُمْرَةِ، وَلَا يَتَعَيَّنُ بِهِ الْحَجُّ نَعَمْ
نَقَلَ فِي الْمُهِمَّاتِ عَنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ صَاحِبِ
الْبَيَانِ وَالْحَضْرَمِيِّ أَنَّهُ لَوْ صَرَفَهُ لِلْحَجِّ بَعْدَ
الطَّوَافِ انْصَرَفَ الطَّوَافُ لِلْقُدُومِ، قَالَ بَعْضُهُمْ:
وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ صَرَفَهُ لَهُ بَعْدَ السَّعْيِ أَوْ الْوُقُوفِ
انْصَرَفَ لَهُمَا وَصَرِيحُ كَلَامِهِمْ يُخَالِفُهُ وَالْوَجْهُ
الْفَرْقُ بَيْنَ الطَّوَافِ وَغَيْرِهِ فَرَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (قَبْلَ النِّيَّةِ) أَيْ قَبْلَ الصَّرْفِ إذْ النِّيَّةُ
تَقَدَّمَتْ. قَوْلُهُ: (فَالْأَصَحُّ انْعِقَادُهُ عُمْرَةً) عَبَّرَ
هُنَا بِالْأَصَحِّ لِأَنَّ الِانْعِقَادَ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَعَبَّرَ
فِيمَا مَرَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية عميرة]
[بَابُ الْإِحْرَامِ]
ِ إلَخْ قَوْلُهُ: (أَيْ الدُّخُولُ فِي النُّسُكِ) كَذَا نَقَلَهُ
النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ الْأَزْهَرِيِّ وَاقْتَصَرَ
عَلَيْهِ، وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى نِيَّةِ الدُّخُولِ فِي ذَلِكَ،
وَوَجْهُ التَّسْمِيَةِ ظَاهِرٌ. قَوْلُهُ: (وَرَوَى الشَّافِعِيُّ إلَخْ)
هُوَ دَلِيلُ الْإِطْلَاقِ السَّابِقِ فِي الْمَتْنِ، وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا
بِحَدِيثِ «أَبِي مُوسَى، وَعَلِيٍّ لَبَّيْت بِإِهْلَالِ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» قَالَ بَعْضُهُمْ: كَذَا اسْتَدَلَّ
الْإِمَامُ وَخَالَفَهُ الْعُلَمَاءُ، لِأَنَّ الَّذِي فِي حَدِيثِهِمَا
إبْهَامٌ لَا إطْلَاقٌ. قَالَ السُّبْكِيُّ: إذَا جَاءَ الْإِبْهَامُ جَازَ
الْإِطْلَاقُ. قَوْلُهُ: (فَأَمَرَ إلَخْ) اُنْظُرْ كَيْفَ التَّوْفِيقُ
بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ
الْمُرَادَ يُنْتَظَرُ هَلْ يُؤْمَرُونَ بِالدَّوَامِ عَلَى مَا عَيَّنُوا
أَوْ فَسْخِهِ أَوْ ضَمِّ شَيْءٍ إلَيْهِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَلَا يَصْرِفُهُ إلَى الْحَجِّ فِي أَشْهُرِهِ) قِيلَ
يُشْكِلُ عَلَى تَعْلِيقِ الْعَبْدِ الطَّلْقَةَ الثَّالِثَةَ ثُمَّ
يَعْتِقُ.
(2/122)
أَشْهُرِهِ فَيَنْعَقِدُ عُمْرَةً عَلَى
الصَّحِيحِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَلَهُ أَنْ يُحْرِمَ كَإِحْرَامِ زَيْدٍ) رَوَى الشَّيْخَانِ «عَنْ أَبِي
مُوسَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: بِمَ
أَهْلَلْت فَقُلْت لَبَّيْتُ بِإِهْلَالٍ كَإِهْلَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: فَقَدْ أَحْسَنْت طُفْ بِالْبَيْتِ
وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَأَحِلَّ» (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ زَيْدٌ
مُحْرِمًا انْعَقَدَ إحْرَامُهُ مُطْلَقًا) وَلَغَتْ الْإِضَافَةُ إلَى
زَيْدٍ (وَقِيلَ: إنْ عُلِمَ عَدَمُ إحْرَامِ زَيْدٍ لَمْ يَنْعَقِدْ)
إحْرَامُهُ كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ كَانَ مُحْرِمًا فَقَدْ أَحْرَمْت فَلَمْ
يَكُنْ مُحْرِمًا. وَفُرِّقَ فِي الْأَصَحِّ بِأَنَّ الْمَقِيسَ عَلَيْهِ
تَعْلِيقُ أَصْلِ الْإِحْرَامِ بِخِلَافِ الْمَقِيسِ (وَإِنْ كَانَ زَيْدٌ
مُحْرِمًا انْعَقَدَ إحْرَامُهُ كَإِحْرَامِهِ) إنْ كَانَ حَجًّا فَحَجٌّ
وَإِنْ كَانَ عُمْرَةً فَعُمْرَةٌ، وَإِنْ كَانَ قِرَانًا فَقِرَانٌ،
وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا فَمُطْلَقٌ وَيَتَخَيَّرُ كَمَا يَتَخَيَّرُ زَيْدٌ
وَلَا يَلْزَمُهُ الصَّرْفُ إلَى مَا يَصْرِفُ إلَيْهِ زَيْدٌ، وَإِنْ
عَيَّنَ زَيْدٌ قَبْلَ إحْرَامِهِ انْعَقَدَ وَإِنْ كَانَ إحْرَامُ زَيْدٍ
فَاسِدًا انْعَقَدَ لِهَذَا مُطْلَقًا. وَقِيلَ لَا يَنْعَقِدُ لَهُ
(فَإِنْ تَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ إحْرَامِهِ بِمَوْتِهِ) أَوْ جُنُونِهِ أَوْ
غَيْبَتِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا (جَعَلَ) هَذَا (نَفْسَهُ
قَارِنًا) بِأَنْ يَنْوِيَ الْقِرَانَ (وَعَمِلَ أَعْمَالَ النُّسُكَيْنِ)
لِيَتَحَقَّقَ الْخُرُوجُ عَمَّا شَرَعَ فِيهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية قليوبي]
بِالصَّحِيحِ لِأَنَّهُ فِي الِانْعِقَادِ وَعَدَمِهِ فَلَا مُخَالَفَةَ
فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (كَإِحْرَامِ زَيْدٍ) فَلَوْ قَالَ كَإِحْرَامِ
زَيْدٍ وَعَمْرٍو فَهُوَ مِثْلُهُمَا إنْ اتَّفَقَا، وَقَارَنَ إنْ
اخْتَلَفَا وَصَحَّ إحْرَامُهُمَا وَتَابِعٌ لِلصَّحِيحِ مِنْهُمَا
وَمُطْلَقٌ إنْ فَسَدَ إحْرَامُهُمَا كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (فَلَمْ
يَكُنْ مُحْرِمًا) أَيْ إنْ كَانَ زَيْدٌ مُحْرِمًا انْعَقَدَ إحْرَامُهُ.
وَلَوْ قَالَ: إنْ أَحْرَمَ زَيْدٌ أَحْرَمْت لَمْ يَنْعَقِدْ، وَإِنْ
كَانَ زَيْدٌ مُحْرِمًا. كَمَا لَوْ قَالَ: إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ
أَحْرَمْت وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَنْبَغِي انْعِقَادُهُ إذَا عَلِمَ
بِإِحْرَامِ زَيْدٍ وَيَكُونُ إنْ بِمَعْنَى إذَا، بَلْ يَجُوزُ أَنْ
يُقَالَ بِانْعِقَادِ إحْرَامِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ. قَوْلُهُ:
(كَإِحْرَامِهِ) وَيَجِبُ سُؤَالُهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَيُعْمَلُ
بِإِخْبَارِهِ وَلَوْ فَاسِقًا. وَيُعْمَلُ بِالثَّانِي مِنْ خَبَرَيْهِ
إنْ تَعَدَّدَ مَا لَمْ يَظْهَرْ تَعَنُّتٌ فَلَوْ أَخْبَرَ بِحَجٍّ بَعْدَ
إخْبَارِهِ بِعُمْرَةٍ بَعْدَ الْفَوَاتِ وَجَبَ الْقَضَاءُ وَأَرَاقَ
دَمًا وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى زَيْدٍ لِأَنَّ حَجَّهُ لَهُ، وَلَا
نَظَرَ لِتَغْرِيرِهِ وَلَا يَأْتِي هُنَا الِاجْتِهَادُ لِأَنَّهُ
مُتَلَبِّسٌ بِالْعِبَادَةِ كَالشَّكِّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ قَالَهُ
ابْنُ الرِّفْعَةِ. وَفِيهِ نَظَرٌ فَرَاجِعْهُ إلَّا مِنْ جِهَةِ
النِّيَّةِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَلَا يَلْزَمُهُ إلَخْ) أَيْ وَإِنْ
قَصَدَ التَّشْبِيهَ بِهِ الْآنَ أَوْ فِيمَا يَأْتِي أَوْ هُمَا.
قَوْلُهُ: (أَيْ إنْ لَمْ يَقْصِدْ التَّشْبِيهَ بِهِ الْآنَ وَإِلَّا
لَزِمَهُ مَا فِيهِ زَيْدٌ) .
قَوْلُهُ: (فَاسِدًا) بِأَنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ وَأَفْسَدَهَا
بِالْجِمَاعِ ثُمَّ أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يُدْخِلُ
فَاسِدًا، وَلَا يُتَصَوَّرُ فَسَادُهُ حَالَ النِّيَّةِ بِغَيْرِ هَذِهِ
الصُّورَةِ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ حَالَةَ الْجِمَاعِ كَمَا
فِي الرَّوْضَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْمُضِيُّ فِيهِ وَيَنْعَقِدُ
إحْرَامُهُ حَالَةَ النَّزْعِ. قَوْلُهُ: (جَعَلَ هَذَا نَفْسَهُ) قَالَ
فِي الْمَنْهَجِ: كَمَا لَوْ شَكَّ فِي إحْرَامِ نَفْسِهِ أَيْ وَلَا
يَجُوزُ لَهُ الِاجْتِهَادُ عَلَى الْجَدِيدِ لِمَا مَرَّ وَبِذَلِكَ
فَارَقَ الصَّلَاةَ وَالْأَوَانِيَ وَالْقِبْلَةَ، وَلِأَنَّ عَدَمَ
الِاجْتِهَادِ هُنَا لَا يُؤَدِّي إلَى فِعْلِ مَحْظُورٍ بِخِلَافِ
غَيْرِهِ لِأَدَائِهِ إلَى الصَّلَاةِ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ أَوْ بِنَجَسٍ.
وَلَوْ شَكَّ فِي إحْرَامِ نَفْسِهِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْأَعْمَالِ
فَفِيهِ تَفْصِيلٌ يُعْلَمُ مِنْ مُرَاجَعَةِ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ.
قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَنْوِيَ الْقِرَانَ) أَيْ أَوْ الْحَجَّ وَحْدَهُ وَلَا
يَأْتِي الِاجْتِهَادُ هُنَا قَطْعًا لِعَدَمِ الْأَمَارَةِ عَلَى نِيَّةِ
الْغَيْرِ، وَلَا يُجْزِئُهُ الْعَمَلُ قَبْلَ هَذِهِ النِّيَّةِ فَلَا
يَبْرَأُ لَا مِنْ الْحَجِّ وَلَا مِنْ الْعُمْرَةِ وَيَحْصُلُ لَهُ
التَّحَلُّلُ بِعَمَلِ الْعُمْرَةِ. نَعَمْ لَوْ نَوَى الْقِرَانَ أَوْ
الْحَجَّ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَدْرَكَ الْوُقُوفَ وَأَعَادَ الْعَمَلَ بَرِئَ
مِنْ الْحَجِّ كَمَا يَأْتِي وَيَلْزَمُهُ دَمٌ لِأَنَّهُ إمَّا
مُتَمَتِّعٌ أَوْ حَالِقٌ قَبْلَ وَقْتِهِ وَلَا يُعَيِّنُهُ عَنْ جِهَةٍ
بَلْ يُوقِعُهُ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يُتِمَّ أَعْمَالَ
الْعُمْرَةِ وَنَوَى الْقِرَانَ أَوْ الْحَجَّ، وَأَتَى بِالْأَعْمَالِ
لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الْحَجِّ وَلَا مِنْ الْعُمْرَةِ لِأَنَّ الْحَجَّ لَا
يَدْخُلُ عَلَى الْعُمْرَةِ بَعْدَ الطَّوَافِ. وَقَدْ يَكُونُ مُعْتَمِرًا
كَذَا قِيلَ وَالْوَجْهُ خِلَافُهُ بَلْ يَأْتِي فِيهِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ
لِأَنَّ الْأَعْمَالَ لَيْسَتْ مِنْ عَمَلِ الْعُمْرَةِ كَمَا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (أَعْمَالُ النُّسُكَيْنِ) وَهِيَ أَعْمَالُ الْحَجَّ وَحْدَهُ
كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (لِيَتَحَقَّقَ إلَخْ) وَلَا يَبْرَأُ مِنْ
الْعُمْرَةِ لِاحْتِمَالِ تَقَدُّمِ الْحَجِّ عَلَيْهَا أَيْ وَيَبْرَأُ
مِنْ الْحَجِّ كَمَا قَالَهُ فِي الْعُبَابِ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ
تَحَقُّقِ الْقِرَانِ وَلَكِنَّهُ يُسْتَحَبُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية عميرة]
فَرْعٌ: إذَا قُلْنَا بِالْجَوَازِ كَانَ الْإِحْرَامُ حَاصِلًا وَقْتَ
الصَّرْفِ لِلْحَجِّ لَا فِي وَقْتِهِ. قَوْلُهُ: (طُفْ بِالْبَيْتِ) قَدْ
سَلَفَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْرَمَ
مُطْلَقًا وَخَرَجَ يَنْتَظِرُ الْقَضَاءَ» ، فَقَوْلُ أَبِي مُوسَى:
إنَّهُ أَهَلَّ كَإِهْلَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يَقْتَضِي الِانْعِقَادَ مُبْهَمًا، وَلَوْ صَرَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إحْرَامَهُ إلَى الْحَجِّ بَعْدَ ذَلِكَ،
فَلَا يُنَافِي ذَلِكَ أَمْرَهُ، لِأَبِي مُوسَى بِأَعْمَالِ الْعُمْرَةِ،
أَمَّا إنْ قُلْنَا إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ
مُحْرِمًا بِحَجٍّ كَمَا هُوَ الْمُرَجَّحُ عِنْدَنَا، فَيَكُونُ أَمْرُهُ
لِأَبِي مُوسَى مِنْ بَابِ الْفَسْخِ إلَى الْعُمْرَةِ خُصُوصِيَّةً لَهُ،
وَلَا مِثَالَهُ فِي ذَلِكَ الْعَامِ قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَإِنْ تَعَذَّرَ
إلَخْ) قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَلَا يَحْسُنُ هُنَا الِاجْتِهَادُ
لِأَنَّهُ مُتَلَبِّسٌ بِالْعِبَادَةِ كَمَا لَوْ شَكَّ فِي عَدَدِ
الرَّكَعَاتِ، ثُمَّ لَوْ قُلْنَا يَتَحَرَّى فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ
جَعَلَ نَفْسَهُ قَارِنًا. قَوْلُهُ: (لِيَتَحَقَّقَ الْخُرُوجُ) يُرِيدُ
أَنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ الْحَجِّ دُونَ الْعُمْرَةِ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ
ذَلِكَ قَبْلَ الْإِتْيَانِ بِالْأَعْمَالِ مَثَلًا، فَإِنْ كَانَ
(2/123)
فَصْلُ الْمُحْرِمِ أَيْ مُرِيدُ
الْإِحْرَامِ (يَنْوِي) أَيْ الدُّخُولَ فِي الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ
أَوْ فِيهِمَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِمَا نَوَاهُ، (وَيُلَبِّي)
فَيَقُولُ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ نَوَيْت الْحَجَّ وَأَحْرَمْت بِهِ
لِلَّهِ تَعَالَى لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ إلَخْ (فَإِنْ لَبَّى بِلَا نِيَّةٍ
لَمْ يَنْعَقِدْ إحْرَامُهُ وَإِنْ نَوَى وَلَمْ يُلَبِّ انْعَقَدَ)
إحْرَامُهُ (عَلَى الصَّحِيحِ) وَالثَّانِي لَا يَنْعَقِدُ لِإِطْبَاقِ
النَّاسِ عَلَى الِاعْتِنَاءِ بِالتَّلْبِيَةِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، وَلَا
يَجِبُ التَّعَرُّضُ لِلْفَرْضِيَّةِ جَزْمًا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ
الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ (وَيُسَنُّ الْغُسْلُ
لِلْإِحْرَامِ) «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
اغْتَسَلَ لِإِحْرَامِهِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَسَوَاءٌ
فِي ذَلِكَ الْإِحْرَامِ بِحَجٍّ أَمْ بِعُمْرَةٍ أَمْ بِهِمَا ذَكَرَهُ
فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ (فَإِنْ) (عَجَزَ) عَنْ الْغُسْلِ لِعَدَمِ
الْمَاءِ أَوْ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ (تَيَمَّمَ)
لِأَنَّ الْمُتَيَمِّمَ يَنُوبُ عَنْ الْغُسْلِ الْوَاجِبِ فَعَنْ
الْمَنْدُوبِ أَوْلَى (وَ) الْغُسْلُ (لِدُخُولِ مَكَّةَ) «لِأَنَّهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ بِذِي طِوًى» . رَوَاهُ
الشَّيْخَانِ وَسَيَأْتِي بِطُولِهِ أَوَّلَ الْبَابِ الْآتِي قَالَ فِي
شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَهَذَا الْغُسْلُ مُسْتَحَبٌّ لِكُلِّ دَاخِلٍ
مُحْرِمٍ سَوَاءٌ كَانَ مُحْرِمًا بِحَجٍّ أَمْ عُمْرَةٍ أَمْ قِرَانٍ
(وَلِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ) عَشِيَّةً (وَبِمُزْدَلِفَةَ غَدَاةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية قليوبي]
فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ أَوْ
بِهِمَا
قَوْلُهُ: (الْمُحْرِمُ) أَيْ مَنْ يُرِيدُ الْإِحْرَامَ. قَوْلُهُ:
(فَيَقُولُ) أَيْ حَالَةَ كَوْنِهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ نَدْبًا
بِقَلْبِهِ وُجُوبًا وَلِسَانِهِ نَدْبًا نَوَيْت الْحَجَّ مَثَلًا
وَأَحْرَمْت بِهِ تَفْسِيرٌ لِنَوَيْتُ أَوْ تَأْكِيدٌ لَهُ. لَبَّيْكَ
إلَخْ أَيْ عَقِبَ النِّيَّةِ نَدْبًا كَمَا يُنْدَبُ التَّلَفُّظُ بِمَا
نَوَاهُ فِي التَّلْبِيَةِ الْأُولَى فَقَطْ بِلَا رَفْعِ صَوْتٍ بِحَيْثُ
يَسْمَعُ نَفْسَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَيُنْدَبُ أَنْ يَقُولَ أَيْضًا:
اللَّهُمَّ أُحْرِمُ لَك شَعْرِي وَبَشَرِي وَلَحْمِي وَدَمِي. قَوْلُهُ:
(وَيُسَنُّ الْغُسْلُ) وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ أَخْذًا
بِقَاعِدَةِ كُلِّ مَنْدُوبٍ صَحَّ الْأَمْرُ بِهِ قَصْدًا كُرِهَ تَرْكُهُ
كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَجَزَ) أَيْ عَنْ
اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِي جَمِيعِ بَدَنِهِ أَوْ بَعْضِهِ، وَيُقَدِّمُ
الْمَاءَ، وَيُقَدِّمُ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ وَلَا يَكْفِيهِ نِيَّةُ
الْغُسْلِ عَنْ التَّيَمُّمِ. قَوْلُهُ: (دَاخِلٍ مُحْرِمٍ) وَيُنْدَبُ
لِلْحَلَالِ أَيْضًا فَهُوَ لَيْسَ مِنْ الْأَغْسَالِ الْخَاصَّةِ
بِالْحَجِّ. وَلَوْ فَاتَ لَمْ يُنْدَبُ قَضَاؤُهُ كَبَقِيَّةِ
الْأَغْسَالِ. قَوْلُهُ: (عَشِيَّةً) ظَرْفٌ لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ إذْ
الْغُسْلُ لَهَا يَدْخُلُ وَقْتُهُ بِالْفَجْرِ كَالْجُمُعَةِ
وَتَأْخِيرُهُ لِمَا بَعْدَ الزَّوَالِ أَفْضَلُ، وَيَخْرُجُ بِخُرُوجِ
وَقْتِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية عميرة]
مُحْرِمًا بِالْحَجِّ لَمْ يَضُرَّ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ، وَإِدْخَالُ
الْعُمْرَةِ عَلَيْهِ لَا يَقْدَحُ، وَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ
فَإِدْخَالُ الْحَجِّ عَلَيْهَا جَائِزٌ بِخِلَافِ الْعُمْرَةِ لَا
يَخْرُجُ عَنْهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ، وَإِنْ
كَانَ قَدْ وَقَفَ وَلَمْ يَطُفْ، فَإِذَا نَوَى الْقِرَانَ ثُمَّ عَادَ
وَوَقَفَ ثَانِيًا أَجْزَأَهُ الْحَجُّ دُونَ الْعُمْرَةِ، وَإِنْ طَافَ
ثُمَّ شَكَّ فَأَتَمَّ عُمْرَةً ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ بَرِيءَ مِنْهُ
فَقَطْ أَيْضًا، وَلَمْ يُتِمَّ أَعْمَالَ الْعُمْرَةِ، وَلَكِنْ نَوَى
الْقِرَانَ أَوْ الْحَجَّ وَأَتَى بِالْأَعْمَالِ فَلَا يَبْرَأُ عَنْ
شَيْءٍ، لِأَنَّ الْحَجَّ لَا يَدْخُلُ عَلَى الْعُمْرَةِ بَعْدَ
الطَّوَافِ وَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ مُعْتَمِرًا، وَإِنْ كَانَ
بَعْدَ الطَّوَافِ وَالْوُقُوفِ وَأَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ قِرَانٍ إنْ لَمْ
يَبْرَأْ مِنْ شَيْءٍ، فَإِنْ لَمْ يَحْرُمْ وَأَتَمَّ أَعْمَالَ
الْعُمْرَةِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ بَرِيءَ مِنْهُ، وَعَلَيْهِ دَمٌ
وَإِنْ أَتَمَّ أَعْمَالَ الْحَجِّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ بَرِيءَ
مِنْهُ وَلَا دَمَ.
[فَصْلُ الْمُحْرِمِ يَنْوِي الدُّخُولَ فِي الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ
أَوْ فِيهِمَا]
فَصْلُ الْمُحْرِمِ يَنْوِي إلَخْ
قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَإِنْ لَبَّى بِلَا نِيَّةٍ لَمْ يَنْعَقِدْ
إحْرَامُهُ) وَقِيلَ فِي قَوْلٍ: يَنْعَقِدُ وَعَلَيْهِ إذَا أَطْلَقَ
التَّلْبِيَةَ انْعَقَدَ مُطْلَقًا وَخَصَّ الْإِمَامُ الْخِلَافَ بِمَا
لَوْ أَطْلَقَ التَّلْبِيَةَ، وَلَمْ يَخْطِرْ بِبَالِهِ قَصْدُ
الْإِحْرَامِ أَمَّا مَنْ ذَكَرَهَا حَاكِيًا أَوْ مُعَلِّمًا أَوْ قَصَدَ
مَا سِوَى الْإِحْرَامِ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي
إلَخْ) اُنْظُرْ هَلْ يُشْتَرَطُ عَلَيْهِ اقْتِرَانُ النِّيَّةِ بِلَفْظِ
التَّلْبِيَةِ؟ الظَّاهِرُ الِاشْتِرَاطُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ لَفْظَ
التَّلْبِيَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَلَفْظِ التَّكْبِيرِ فِي
الصَّلَاةِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَيُسَنُّ الْغُسْلُ إلَخْ) وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ مِنْ
غَيْرِ عُذْرٍ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، وَهُوَ يُعَكِّرُ عَلَى قَوْلِ
الْأُصُولِيِّينَ الْكَرَاهَةُ مَا فِيهِ نَهْيٌ مَقْصُودٌ، فَإِنْ لَمْ
يُرَدْ نَهْيٌ هُنَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ: قَالَ الْإِمَامُ كُلُّ
مَنْدُوبٍ صَحَّ الْأَمْرُ بِهِ قَصْدًا كُرِهَ تَرْكُهُ اهـ.
وَاغْتَسَلَ الشَّافِعِيُّ لِلْإِحْرَامِ وَهُوَ مَرِيضٌ يَخَافُ الْمَاءَ.
وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتْرُكَ الْغُسْلَ فِي كُلِّ
مَوْطِنٍ نُدِبَ فِيهِ، فَإِنَّ لَهُ تَأْثِيرًا فِي جَلَاءِ الْقُلُوبِ
وَإِذْهَابِ دَرَنِ الْغَفْلَةِ يُدْرِكُ ذَلِكَ أَرْبَابُ الْقُلُوبِ
الصَّافِيَةِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَإِنْ عَجَزَ إلَخْ) لَوْ أَخَّرَهُ إلَى بَعْدُ كَانَ
أَوْلَى لِيَعُمَّ هَذَا سَائِرَ الْأَغْسَالِ. قَوْلُهُ: (مُسْتَحَبٌّ
لِكُلِّ دَاخِلٍ مُحْرِمٍ) وَكَذَا حَلَالٌ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (غَدَاةَ النَّحْرِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ وَقْتَهُ
(2/124)
النَّحْرِ وَفِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ)
الثَّلَاثَةِ (لِلرَّمْيِ) لِأَنَّ هَذِهِ مَوَاطِنُ يَجْتَمِعُ لَهَا
النَّاسُ فَسُنَّ الْغُسْلُ لَهَا قَطْعًا لِلرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ
وَسَوَاءٌ فِي هَذِهِ الْأَغْسَالِ كُلِّهَا الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ
الطَّاهِرُ وَغَيْرُهَا، وَرَوَى مُسْلِمٌ «أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ
عُمَيْسٍ وَلَدَتْ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ بِذِي الْحُلَيْفَةِ
فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ
تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ» . وَلِلْإِمَامِ نَظَرٌ فِي نِيَّةِ الْحَائِضِ
وَالنُّفَسَاءِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا يَنْوِيَانِ
لِأَنَّهُمَا يُقِيمَانِ مَسْنُونًا. وَلَا يُسَنُّ الْغُسْلُ لِرَمْيِ
جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ اكْتِفَاءً بِغُسْلِ الْعِيدِ، وَمَنْ عَجَزَ عَنْ
الْغُسْلِ لِغَيْرِ الْإِحْرَامِ تَيَمَّمَ أَيْضًا.
وَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ مِنْ حِكَايَةِ وَجْهِ أَنَّ مَنْ
عَجَزَ عَنْ غُسْلِهَا لَا يَتَيَمَّمُ يَأْتِي هُنَا كَمَا قَالَهُ
الرَّافِعِيُّ لِمَا تَقَدَّمَ فِي وَجْهِهِ مِنْ أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ
الْغُسْلِ التَّنْظِيفُ وَقَطْعُ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ وَالتَّيَمُّمُ
لَا يُفِيدُ هَذَا الْغَرَضَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَأَهَّبَ
لِلْإِحْرَامِ بِحَلْقِ الْعَانَةِ وَنَتْفِ الْإِبْطِ وَقَصِّ الشَّارِبِ
وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ، وَيَنْبَغِي تَقَدُّمُ هَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى
الْغُسْلِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ. وَفِي شَرْحِ
الْمُهَذَّبِ: أَنَّ مَنْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ فَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ
مِنْ الْحِلِّ وَاغْتَسَلَ لِلْإِحْرَامِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ
لِدُخُولِ مَكَّةَ إنْ كَانَ أَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعٍ بَعِيدٍ مِنْهَا
كَالْجِعْرَانَةِ وَالْحُدَيْبِيَةِ، وَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعٍ
قَرِيبٍ مِنْهَا كَالتَّنْعِيمِ أَوْ مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ لَمْ
يَغْتَسِلْ لِدُخُولِهَا، لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذَا الْغُسْلِ
النَّظَافَةُ وَهِيَ حَاصِلَةٌ بِالْغُسْلِ السَّابِقِ (وَأَنْ يُطَيِّبَ
بَدَنَهُ لِلْإِحْرَامِ) لِلِاتِّبَاعِ. رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ: «كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ
يَطُوفَ بِالْبَيْتِ» . وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ
وَفِي قَوْلٍ لَا يُسْتَحَبُّ لَهَا (وَكَذَا ثَوْبُهُ) أَيْ إزَارُ
الْإِحْرَامِ وَرِدَاؤُهُ (فِي الْأَصَحِّ) قِيَاسًا عَلَى الْبَدَنِ.
وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ تَطْيِيبُهُ لِأَنَّهُ يُنْزَعُ وَيُلْبَسُ،
وَإِذَا نَزَعَهُ ثُمَّ أَعَادَهُ كَانَ كَمَا لَوْ اسْتَأْنَفَ لُبْسَ
ثَوْبٍ مُطَيَّبٍ.
وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا التَّعْبِيرُ فِي الْأَوَّلِ بِالْجَوَازِ
وَفِي التَّتِمَّةِ بِالِاسْتِحْبَابِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ
وَهُوَ غَرِيبٌ.
وَلَوْ تَعَطَّرَ ثَوْبُهُ مِنْ بَدَنِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ قَطْعًا (وَلَا
بَأْسَ بِاسْتِدَامَتِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَلَا بِطِيبٍ لَهُ جُرْمٌ)
لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -
قَالَتْ: «كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفْرِقِ رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُحْرِمٌ» .
وَالْوَبِيصُ بِالْمُوَحَّدَةِ وَالْمُهْمَلَةِ الْبَرِيقُ. وَسَوَاءٌ فِي
الِاسْتِدَامَةِ الْبَدَنُ وَالثَّوْبُ (لَكِنْ لَوْ نَزَعَ ثَوْبَهُ
الْمُطَيَّبَ ثُمَّ لَبِسَهُ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ فِي الْأَصَحِّ) كَمَا
أَخَذَ الطِّيبَ مِنْ بَدَنِهِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ. وَالثَّانِي لَا
تَلْزَمُهُ لِأَنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية قليوبي]
الْوُقُوفِ. قَوْلُهُ: (غَدَاةً) ظَرْفٌ لِلْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ عِنْدَ
الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَيَدْخُلُ وَقْتُ هَذَا الْغُسْلِ بِنِصْفِ
اللَّيْلِ كَالْعِيدِ، وَلَا يُنْدَبُ الْغُسْلُ لِلْمَبِيتِ بِهَا
لِقُرْبِهِ مِنْ عَرَفَةَ. قَوْلُهُ: (وَفِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ)
وَيَدْخُلُ وَقْتُ الْغُسْلِ لِكُلِّ يَوْمٍ بِفَجْرِهِ كَالْجُمُعَةِ
وَالْأَفْضَلُ تَأْخِيرُهُ لِمَا بَعْدَ الزَّوَالِ، وَيَخْرُجُ غُسْلُ
كُلِّ يَوْمٍ بِغُرُوبِهِ أَوْ بِرَمْيِهِ. قَوْلُهُ: (وَسَوَاءٌ
الرَّجُلُ) وَكَذَا الصَّبِيُّ وَلَوْ غَيْرُ مُمَيِّزٍ وَيُغَسِّلُهُ
وَلِيُّهُ. وَكَذَا فِي الْمَرْأَةِ. قَوْلُهُ: (وَالظَّاهِرُ) هُوَ
الْمُعْتَمَدُ وَيُكْرَهُ إحْرَامُ الْجُنُبِ وَنَحْوِ الْحَائِضِ
فَيُنْدَبُ لَهُمَا تَأْخِيرُهُ لِلطُّهْرِ إنْ تَيَسَّرَ. قَوْلُهُ:
(وَلَا يُسَنُّ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَمِثْلُهُ كُلُّ غُسْلٍ قَرُبَ مِمَّا
قَبْلَهُ كَالْقُدُومِ مَعَ الدُّخُولِ وَالْحَلْقِ وَالطَّوَافِ
وَالْوَدَاعِ وَسَيَأْتِي بَعْضُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (بِحَلْقِ الْعَانَةِ)
وَكَذَا يُحْلَقُ رَأْسٌ لِمَنْ يَتَزَيَّنُ بِهِ وَإِلَّا نُدِبَ أَنْ
يُلَبِّدَهُ بِنَحْوِ صَمْغٍ دَفْعًا لِنَحْوِ الْقَمْلِ وَيُنْدَبُ
السِّوَاكُ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ.
قَوْلُهُ: (وَيَنْبَغِي تَقَدُّمُ إلَخْ) أَيْ فِي حَقِّ غَيْرِ الْجُنُبِ.
وَيُنْدَبُ لَهُ التَّأْخِيرُ. قَوْلُهُ: (تَقَدَّمَ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ)
. أَيْ عَلَى الْقَوْلِ الْجَدِيدِ الْمَرْجُوحِ وَالرَّاجِحُ هُنَاكَ
الْقَدِيمُ وَهُوَ عَدَمُ طَلَبِهَا. قَوْلُهُ: (وَهِيَ حَاصِلَةٌ إلَخْ)
قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: نَعَمْ إنْ تَغَيَّرَ رِيحُ بَدَنِهِ طُلِبَ
فِعْلُهُ. وَكَذَا بَقِيَّةُ الْأَغْسَالِ وَتَفُوتُ بِالْأَعْرَاضِ أَوْ
بِطُولِ الْفَصْلِ وَلَا تُقْضَى. قَوْلُهُ: (وَأَنْ يُطَيِّبَ بَدَنَهُ)
إجْمَاعًا إلَّا لِصَائِمٍ فَيُكْرَهُ وَلِمُحِدَّةٍ فَيَحْرُمُ.
وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ يُنْدَبُ النِّكَاحُ أَيْضًا لِأَنَّ الطِّيبَ مِنْ
دَوَاعِيهِ وَلَمْ يُخَالِفُوهُ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا ثَوْبُهُ) مَرْجُوحٌ
بَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ ابْنِ حَجَرٍ وَمُبَاحٌ عِنْدَ شَيْخِنَا
الرَّمْلِيِّ. قَوْلُهُ: (فِي الْأَوَّلِ) أَيْ الْأَصَحُّ بِالْجَوَازِ
أَيْ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَكَإِزَارِ الْإِحْرَامِ
وَرِدَائِهِ وَثِيَابِ الْمَرْأَةِ وَلَيْسَ فِي شَرْحِ شَيْخِنَا وَلَا
غَيْرِهِ ذَلِكَ الْكَرَاهَةُ فَرَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (وَفِي التَّتِمَّةِ بِالِاسْتِحْبَابِ) وَالْمُعْتَمَدُ
خِلَافُهُ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ) وَإِنْ لَمْ
تُوجَدْ فِيهِ رَائِحَةُ الطِّيبِ لَكِنْ بِحَيْثُ لَوْ مَسَّهُ رُبَّمَا
ظَهَرَتْ. وَلَوْ مَسَّ ثَوْبَهُ عَمْدًا بِيَدِهِ لَزِمَتْهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية عميرة]
يَدْخُلُ بِالْفَجْرِ. قَوْلُهُ: (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَأَهَّبَ إلَخْ)
وَمِنْ السُّنَنِ السِّوَاكُ أَيْضًا قَالَهُ السُّبْكِيُّ. قَوْلُهُ:
(وَيَنْبَغِي تَقَدُّمُ هَذِهِ الْأُمُورِ) لَوْ كَانَ جُنُبًا طَلَبَ
تَأْخِيرَهَا. قَوْلُهُ: (أَيْ إزَارُ الْإِحْرَامِ وَرِدَاؤُهُ)
وَمِثْلُهُ ثِيَابُ الْمَرْأَةِ. قَوْلُهُ: (فِي الْأَوَّلِ) مُتَعَلِّقٌ
بِقَوْلِ الْمَتْنِ فِي الْأَصَحِّ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (لَكِنْ لَوْ نَزَعَ ثِيَابَهُ إلَخْ) كَذَلِكَ لَوْ
وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ عَمْدًا لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ. قَوْلُهُ:
(لِأَنَّهُمَا إلَخْ) عِبَارَةُ الْإِسْنَوِيِّ لِأَنَّهَا مَأْمُورَةٌ
(2/125)
الْعَادَةَ فِي الثَّوْبِ أَنْ يُنْزَعَ
وَيُعَادَ فَجُعِلَ عَفْوًا، وَلَوْ تَطَيَّبَتْ الْمَرْأَةُ ثُمَّ
لَزِمَهَا عِدَّةٌ يَلْزَمُهَا إزَالَةُ الطِّيبِ فِي وَجْهٍ لِأَنَّ فِي
الْعِدَّةِ حَقَّ آدَمِيٍّ فَالْمُضَايَقَةُ فِيهِ أَكْثَرُ (وَأَنْ
تُخَضِّبَ الْمَرْأَةُ لِلْإِحْرَامِ يَدَهَا) أَيْ كُلَّ يَدٍ مِنْهَا
إلَى الْكُوعِ بِالْحِنَّاءِ لِأَنَّهُمَا قَدْ يَنْكَشِفَانِ وَأَنْ
تَمْسَحَ وَجْهَهَا بِشَيْءٍ مِنْ الْحِنَّاءِ لِأَنَّهَا تُؤْمَرُ
بِكَشْفِهِ فَلْتَسْتُرْ لَوْنَ الْبَشَرَةِ بِلَوْنِ الْحِنَّاءِ.
وَيُكْرَهُ لَهَا الْخِضَابُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ لِمَا فِيهِ مِنْ
إزَالَةِ الشَّعَثِ وَلَا يُخَضِّبُ الرَّجُلُ وَالْخُنْثَى لِلْإِحْرَامِ
(وَيَتَجَرَّدُ الرَّجُلُ لِإِحْرَامِهِ عَنْ مِخْيَطِ الثِّيَابِ)
لِيَنْتَفِيَ عَنْهُ لُبْسُهُ فِي الْإِحْرَامِ الَّذِي هُوَ مُحْرِمٌ
عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي. وَيَتَجَرَّدُ بِالرَّفْعِ بِضَبْطِ
الْمُصَنِّفِ وَصَرَّحَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ كَالرَّافِعِيِّ بِوُجُوبِ
التَّجَرُّدِ لِمَا ذُكِرَ فَهُوَ وَاجِبٌ لِغَيْرِهِ (وَيَلْبَسُ إزَارًا
وَرِدَاءً أَبْيَضَيْنِ) جَدِيدَيْنِ وَإِلَّا فَمَغْسُولَيْنِ
(وَنَعْلَيْنِ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ) لِلْإِحْرَامِ وَتُغْنِي عَنْهُمَا
الْفَرِيضَةُ. رَوَى الشَّيْخَانِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَحْرَمَ فِي إزَارٍ وَرِدَاءٍ وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ
أَحْرَمَ» .
وَتَقَدَّمَ فِي الْجَنَائِزِ حَدِيثُ: «الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ
الْبَيَاضَ» .
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ: «لِيُحْرِمْ أَحَدُكُمْ فِي إزَارٍ وَرِدَاءٍ
وَنَعْلَيْنِ» اهـ.
وَرَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ (ثُمَّ الْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ
إذَا انْبَعَثَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ) أَيْ اسْتَوَتْ قَائِمَةً إلَى
طَرِيقِهِ (أَوْ تَوَجَّهَ لِطَرِيقِهِ مَاشِيًا) رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ
ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُهِلَّ
حَتَّى انْبَعَثَتْ بِهِ دَابَّتُهُ» . وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ
«أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا
أَهْلَلْنَا أَنْ نُحْرِمَ إذَا تَوَجَّهْنَا» (وَفِي قَوْلٍ يُحْرِمُ
عَقِبَ الصَّلَاةِ) جَالِسًا. رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
«أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهَلَّ بِالْحَجِّ حِينَ
فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ» وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
(وَيُسْتَحَبُّ) (إكْثَارُ التَّلْبِيَةِ وَرَفْعُ صَوْتِهِ) أَيْ
الرَّجُلِ (بِهَا) بِحَيْثُ لَا يَضُرُّ بِنَفْسِهِ (فِي دَوَامِ
إحْرَامِهِ) هُوَ مُتَعَلِّقٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية قليوبي]
الْفِدْيَةُ، وَلَا يَضُرُّ تَعَطُّرُ ثَوْبِهِ مِنْ بَدَنِهِ أَوْ
عَكْسُهُ وَلَا مَسُّهُ سَهْوًا وَلَا انْتِقَالُهُ بِنَحْوِ عَرَقٍ.
قَوْلُهُ: (فِي وَجْهٍ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (وَأَنْ تُخَضِّبَ
الْمَرْأَةُ) أَيْ غَيْرُ الْمُحِدَّةِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ:
(بِالْحِنَّاءِ) خَرَجَ بِهَا التَّسْوِيدُ وَالتَّطْرِيفُ وَالنَّقْشُ
فَحَرَامٌ. قَوْلُهُ: (فَلْتَسْتُرْ) أَيْ تُغَيِّرْ وَهَذَا التَّغَيُّرُ
لَا يَمْنَعُ مِنْ حُرْمَةِ رُؤْيَةِ الْأَجْنَبِيِّ. قَوْلُهُ: (وَلَا
يُخَضِّبُ الرَّجُلُ وَالْخُنْثَى) فَيَحْرُمُ عَلَيْهِمَا فِي الْيَدَيْنِ
وَالرِّجْلَيْنِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ إلَّا
لِحَاجَةٍ وَلَا يَحْرُمُ فِي غَيْرِهِمَا وَلَوْ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ
وَتَجُوزُ الْحِنَّاءُ لِلصَّبِيِّ كَالْحَرِيرِ. قَوْلُهُ: (الَّذِي هُوَ
مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ) يُفِيدُ أَنَّهُ فِي دَوَامِ الْإِحْرَامِ لَا حَالَةَ
الْإِحْرَامِ. وَلَا يَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ فِيهِ إذَا نَزَعَهُ حَالًّا
فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَيَتَجَرَّدُ) بِالرَّفْعِ لِيُفِيدَ أَنَّهُ
جُمْلَةٌ ابْتِدَائِيَّةٌ تُفِيدُ الْوُجُوبَ لَا بِالنَّصْبِ عَطْفًا
عَلَى مَا قَبْلَهُ الْمُفِيدِ لِلنَّدْبِ. قَوْلُهُ: (بِوُجُوبِ
التَّجَرُّدِ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْمَنْهَجِ،
وَإِنْ كَانَ الْوَجْهُ مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ مِنْ
أَنَّهُ مَسْنُونٌ. وَتَبِعَهُ السُّبْكِيُّ تَبَعًا لِلْمُحِبِّ
الطَّبَرِيِّ وَغَيْرِهِ قَائِلِينَ بِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ وَهُوَ
الْإِحْرَامُ لَمْ يَحْصُلْ وَلَا يَعْصِي بِالنَّزْعِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ
حَالًّا وَجَوَابُ بَعْضِهِمْ كَمَا فِي الْمَنْهَجِ عَنْ هَذَا بِأَنَّ
التَّجَرُّدَ فِي الْإِحْرَامِ وَاجِبٌ وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِالتَّجَرُّدِ
قَبْلَهُ فَوَجَبَ كَالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ مَمْنُوعٌ إذْ يَتِمُّ
الْوَاجِبُ هُنَا بِالتَّجَرُّدِ حَالَ الْإِحْرَامِ لَا قَبْلَهُ وَلَا
يُقَاسُ بِالسَّعْيِ الْمَذْكُورِ الْمُفْضِي عَدَمُهُ إلَى الْحُرْمَةِ
بِالتَّفْوِيتِ بِخِلَافِهِ هُنَا. وَجَوَابُهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ
عَمَّا قَالَهُ السُّبْكِيُّ مِنْ التَّأْيِيدِ لِلْقَوْلِ بِالنَّدْبِ لَا
يُجْدِي نَفْعًا فَرَاجِعْهُ وَتَأَمَّلْهُ.
قَوْلُهُ: (وَيَلْبَسُ) أَيْ نَدْبًا. قَوْلُهُ: (أَبْيَضَيْنِ) أَيْ
نَدْبًا وَيُكْرَهُ الْمَصْبُوغُ وَغَيْرُ الْبَيَاضِ وَلَوْ بَعْضًا
وَإِنْ قَلَّ وَلَوْ قَبْلَ نَسْجِهِ. قَوْلُهُ: (جَدِيدَيْنِ) وَيُنْدَبُ
غَسْلُهُمَا مَعَ تَوَهُّمِ نَجَاسَةٍ. قَوْلُهُ: (وَيُصَلِّي) أَيْ مَنْ
يُرِيدُ الْإِحْرَامَ وَلَوْ امْرَأَةً وَمَحَلُّهُ فِي غَيْرِ وَقْتِ
الْكَرَاهَةِ إنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ. وَيُنْدَبُ كَوْنُهُمَا فِي
مَسْجِدٍ كَمَا مَرَّ وَيُسِرُّهُمَا وَلَوْ لَيْلًا. قَوْلُهُ: (وَيُغْنِي
عَنْهُمَا الْفَرِيضَةُ) وَكَذَا نَافِلَةٌ وَلَوْ غَيْرَ مُؤَقَّتَةٍ
وَيَقْرَأُ فِيهِمَا سُورَتَيْ الْإِخْلَاصِ قَوْلُهُ: (أَنْ يُحْرِمَ
إلَخْ) نَعَمْ لِلْخَطِيبِ يَوْمَ السَّابِعِ أَنْ يَخْطُبَ مُحْرِمًا
فَقَدْ تَقَدَّمَ إحْرَامُهُ عَلَى سَيْرِهِ بِيَوْمٍ لِأَنَّهُ فِي
الثَّامِنِ. قَوْلُهُ: (إكْثَارُ التَّلْبِيَةِ) وَلَوْ بِالْعَجَمِيَّةِ
لِقَادِرٍ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ وَتُكْرَهُ فِي مَوَاضِعِ النَّجَاسَاتِ
كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ. قَوْلُهُ: (وَرَفْعُ صَوْتِهِ بِهَا) نَعَمْ
يُنْدَبُ فِي التَّلْبِيَةِ الْأُولَى أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى إسْمَاعِ
نَفْسِهِ، وَلَا يُنْدَبُ الرَّفْعُ كَمَا مَرَّ. وَلَوْ حَصَلَ تَشْوِيشٌ
عَلَى مُصَلٍّ أَوْ ذَاكِرٍ أَوْ قَارِئٍ أَوْ نَائِمٍ كُرِهَ الرَّفْعُ
بَلْ يَحْرُمُ إنْ تَأَذَّى بِهِ أَذًى لَا يُحْتَمَلُ.
قَوْلُهُ: (بِمَعْنَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية عميرة]
بِكَشْفِهِمَا اهـ. وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ. قَوْلُهُ: (وَيَتَجَرَّدُ
بِالرَّفْعِ إلَخْ) أَيْ فَيَكُونُ التَّجَرُّدُ وَاجِبًا وَجَوَّزَ
غَيْرُهُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَطْفًا عَلَى مَا سَلَفَ، فَيَكُونُ
مُسْتَحَبًّا وَيُبَادِرُ بِالنَّزْعِ عَقِبَ الْإِحْرَامِ، وَفِي
الْمَسْأَلَةِ كَلَامٌ طَوِيلٌ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَشَرْحِ
الْأَذْرَعِيِّ وَغَيْرِهِمَا. قَوْلُهُ: (أَيْ اسْتَوَتْ قَائِمَةً) قَالَ
السُّبْكِيُّ: هَذَا مَعْنَى الِانْبِعَاثِ وَلَكِنَّ الْأَصْحَابَ
عَبَّرُوا عَنْهُ بِالْأَخْذِ فِي السَّيْرِ. قَوْلُهُ: (رُفْقَةٌ) هُمْ
الْجَمَاعَةُ
(2/126)
بِإِكْثَارِ وَرَفْعِ أَيْ مَا دَامَ
مُحْرِمًا فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ (وَخَاصَّةً) بِمَعْنَى خُصُوصًا
(عِنْدَ تَغَايُرِ الْأَحْوَالِ كَرُكُوبٍ وَنُزُولٍ وَهُبُوطٍ وَصُعُودٍ
وَاخْتِلَاطِ رُفْقَةٍ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا وَفَرَاغِ صَلَاةٍ
وَإِقْبَالِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَوَقْتِ السَّحَرِ،
فَالِاسْتِحْبَابُ فِي ذَلِكَ مُتَأَكِّدٌ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ فِي
صِفَةِ حَجِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّهُ
لَزِمَ تَلْبِيَتَهُ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ: «أَتَانِي جِبْرِيلُ
فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ
بِالْإِهْلَالِ» : وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْمَرْأَةُ لَا تَرْفَعُ
صَوْتَهَا بَلْ تَقْتَصِرُ عَلَى إسْمَاعِ نَفْسِهَا فَإِنْ رَفَعَتْهُ
كُرِهَ.
وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ (وَلَا
تُسْتَحَبُّ) التَّلْبِيَةُ (فِي طَوَافِ الْقُدُومِ) وَالسَّعْيِ بَعْدَهُ
لِأَنَّ فِيهِمَا أَذْكَارًا خَاصَّةً (وَفِي الْقَدِيمِ تُسْتَحَبُّ
فِيهِ) وَفِي السَّعْيِ (بِلَا جَهْرٍ) وَلَا يُلَبِّي فِي طَوَافِ
الْإِفَاضَةِ جَزْمًا لِأَخْذِهِ فِي أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ.
وَتُسْتَحَبُّ التَّلْبِيَةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ
الْخَيْفِ بِمِنًى وَمَسْجِدِ إبْرَاهِيمَ بِعَرَفَةَ. وَكَذَا سَائِرُ
الْمَسَاجِدِ فِي الْجَدِيدِ وَيَرْفَعُ الصَّوْتَ فِيهَا (وَلَفْظُهَا:
لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرَّيْك لَك لَبَّيْكَ إنَّ
الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك) لِلِاتِّبَاعِ
رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَيُسْتَحَبُّ تَكْرِيرُهَا ثَلَاثًا وَالْقَصْدُ
بِلَبَّيْكَ وَهُوَ مَثْنًى مُضَافٌ الْإِجَابَةُ لِدَعْوَةِ الْحَجِّ فِي
قَوْله تَعَالَى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27] (وَإِذَا
رَأَى مَا يُعْجِبُهُ قَالَ لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ)
قَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ
وَرَأَى جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ
عَنْ مُجَاهِدٍ مُرْسَلًا وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْحَيَاةَ الْمَطْلُوبَةَ
الْهَنِيئَةَ الدَّائِمَةَ هِيَ حَيَاةُ الدَّارِ الْآخِرَةِ (وَإِذَا
فَرَغَ مِنْ تَلْبِيَتِهِ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية قليوبي]
خُصُوصًا) فَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مَخْتُومٌ بِالتَّاءِ اُسْتُعْمِلَ
اسْتِعْمَالَ الْمَصَادِرِ. قَوْلُهُ: (وَهُبُوطٍ وَصُعُودٍ) بِضَمِّ
أَوَّلِهِمَا الْمَصْدَرُ وَبِفَتْحِهِمَا مَكَانُهُ وَكُلٌّ صَحِيحٌ.
قَوْلُهُ: (وَفَرَاغُ صَلَاةٍ) وَلَا تَفُوتُ بِهَا الْأَذْكَارُ
الْوَارِدَةُ عَقِبَ الصَّلَاةِ كَمَا فِي تَكْبِيرِ الْعِيدِ وَيُنْدَبُ
لِلْمُلَبِّي وَضْعُ أُصْبُعِهِ فِي أُذُنِهِ كَمَا وَرَدَ بِهِ
الْحَدِيثُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ رَفَعَتْهُ كُرِهَ) وَفَارَقَ حُرْمَةَ
الرَّفْعِ فِي الْأَذَانِ مِنْهَا بِطَلَبِ الْإِصْغَاءِ إلَيْهِ وَهَذَا
أَوْلَى مِمَّا فَرَّقَ بِهِ فِي الْمَنْهَجِ فَرَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (طَوَافِ الْقُدُومِ) وَمِثْلُهُ الْمَنْذُورُ وَالْمَنْدُوبُ.
قَوْلُهُ: (وَمَسْجِدِ إبْرَاهِيمَ) الْخَلِيلِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ غَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ
مُثَنًّى مُضَافٌ) حُذِفَتْ نُونُهُ لِلْإِضَافَةِ مَنْصُوبٌ بِمَحْذُوفٍ
وَالْمُرَادُ مِنْهُ التَّكْثِيرُ وَهُوَ مِنْ لَبَّ لَبًّا، وَأَلَبَّ
إلْبَابًا إذَا أَقَامَ بِالْمَكَانِ وَالْمَعْنَى أَنَا مُقِيمٌ عَلَى
طَاعَتِك إقَامَةً بَعْدَ إقَامَةٍ وَكَسْرُ هَمْزَةِ إنَّ اسْتِئْنَافًا
أَفْصَحُ. وَيَجُوزُ الْفَتْحُ تَعْلِيلًا أَيْ لِأَنَّ. وَضَعَّفَهُ أَبُو
الْبَقَاءِ بِوَجْهَيْنِ إيهَامُ تَخْصِيصِ التَّلْبِيَةِ بِاسْتِحْقَاقِ
الْحَمْدِ وَإِيهَامُ قَصْرِ الْحَمْدِ عَلَى التَّلْبِيَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ
فَتَأَمَّلْهُ.
وَيَجُوزُ نَصْبُ النِّعْمَةِ عَلَى الْعَطْفِ فَيَكُونُ لَك خَبَرَ إنْ
وَرَفْعُهَا عَلَى الِابْتِدَاءِ فَيَكُونُ لَك خَبَرُهُ، وَيَكُونُ خَبَرُ
إنَّ مَحْذُوفًا، وَيُنْدَبُ وَقْفَةٌ لَطِيفَةٌ عَلَى الْمُلْكِ دَفْعًا
لِاتِّصَالِهِ بِالنَّفْيِ وَعَدَمُ نَقْصٍ أَوْ زِيَادَةٍ فِيهَا. فَلَوْ
زَادَ لَمْ يُكْرَهْ نَحْوُ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْك
وَالرَّغْبَاءُ وَالْعَمَلُ إلَيْك لِوُرُودِهِ. وَيُكْرَهُ الْكَلَامُ فِي
أَثْنَائِهَا وَالسَّلَامُ عَلَيْهِ. وَيُنْدَبُ لَهُ رَدُّهُ
وَتَأْخِيرُهُ إلَى فَرَاغِهَا أَحَبُّ. قَوْلُهُ: (مَا يُعْجِبُهُ)
وَكَذَا مَا يَكْرَهُهُ فَقَدْ قَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فِي أَشَدِّ أَحْوَالِهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ. قَوْلُهُ: (قَالَ
لَبَّيْكَ) أَيْ إنْ كَانَ مُحْرِمًا وَإِلَّا قَالَ: اللَّهُمَّ إنَّ
الْعَيْشَ إلَخْ. وَهَلْ يُكْرَهُ لَهُ التَّلْبِيَةُ؟ رَاجِعْهُ وَلَا
بَأْسَ بِالْجَوَابِ بِلَبَّيْكَ بَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ وَقَدْ ضَمَّنَ
بَعْضُهُمْ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ نَظْمًا بِقَوْلِهِ:
لَا تَرْغَبَنَّ إلَى الثِّيَابِ الْفَاخِرَهْ ... وَاذْكُرْ عِظَامَك
حِينَ تُمْسِي نَاخِرَهْ
وَإِذَا رَأَيْت زَخَارِفَ الدُّنْيَا فَقُلْ ... لَا هَمَّ إنَّ الْعَيْشَ
عَيْشُ الْآخِرَهْ
قَوْلُهُ: (وَإِذَا فَرَغَ) أَيْ بَعْدَ فَرَاغِ تَكْرِيرِهَا ثَلَاثًا
كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ بِصَوْتٍ أَخْفَضَ مِنْ صَوْتِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية عميرة]
يَرْتَفِقُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (فِي طَوَافِ الْقُدُومِ) مِثْلُهُ غَيْرُهُ مِنْ
الطَّوَافِ الْمَنْدُوبِ فِيمَا يَظْهَرُ، أَيْ فَيَجْرِي فِيهِ
الْخِلَافُ.
قَوْلُهُ: (وَيَرْفَعُ) اسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مَا لَوْ أَدَّى ذَلِكَ إلَى
تَشْوِيشٍ عَلَى الْمُصَلِّينَ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَفْظُهَا لَبَّيْكَ إلَخْ) أَصْلُهُ أُلَبِّي
لَبَّيْنَ لَك، فَحُذِفَتْ النُّونُ مِنْ الْمُثَنَّى لِلْإِضَافَةِ
وَالْفِعْلُ مُضْمَرٌ وُجُوبًا، وَالْمَعْنَى عَلَى كَثْرَةِ الْإِجَابَةِ
لَا خُصُوصِ التَّثْنِيَةِ. قَوْلُهُ: (وَيُسْتَحَبُّ تَكْرِيرُهَا
ثَلَاثًا) وَأَنْ يَقِفَ وَقْفَةً لَطِيفَةً عَلَى قَوْلِهِ وَالْمُلْكَ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ مُثَنًّى مُضَافٌ) سَقَطَتْ النُّونُ لِلْإِضَافَةِ،
وَهُوَ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ وُجُوبًا وَلَيْسَ الْمَعْنَى عَلَى
التَّثْنِيَةِ فَقَطْ، بَلْ الْمُرَادُ كَثْرَةُ الْإِجَابَةِ وَأَصْلُ
الْفِعْلِ مِنْهَا لَبَّبَ فَاسْتَثْقَلُوا ثَلَاثَ بَاءَاتٍ فَأَبْدَلُوا
الثَّالِثَةَ يَاءً، كَمَا فِي تَطَبَّبْت فَقَلَبُوا الْبَاءَ يَاءً.
(2/127)
قَالَ تَعَالَى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 4] أَيْ لَا أُذْكَرُ
إلَّا وَتُذْكَرُ مَعِي لِطَلَبِي ذَلِكَ (وَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى
الْجَنَّةَ وَرِضْوَانَهُ وَاسْتَعَاذَ بِهِ مِنْ النَّارِ) رَوَى
الشَّافِعِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ: «أَنَّهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ تَلْبِيَتِهِ فِي
حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ سَأَلَ اللَّهَ رِضْوَانَهُ وَالْجَنَّةَ وَاسْتَعَاذَ
بِرَحْمَتِهِ مِنْ النَّارِ» . قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ:
وَالْجُمْهُورُ ضَعَّفُوهُ.
(بَابُ دُخُولِهِ) أَيْ الْمُحْرِمِ (مَكَّةَ) زَادَهَا اللَّهُ شَرَفًا.
(الْأَفْضَلُ) لِلْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ (دُخُولُهَا قَبْلَ الْوُقُوفِ)
بِعَرَفَةَ كَمَا فَعَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَأَصْحَابُهُ وَهُوَ مَشْهُورٌ (وَأَنْ يَغْتَسِلَ دَاخِلُهَا) الْجَائِي
(مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ بِذِي طِوًى وَيَدْخُلُهَا مِنْ ثَنِيَّةِ
كَدَاءٍ) رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ نَافِعٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية قليوبي]
التَّلْبِيَةِ بِحَيْثُ يَتَمَيَّزَانِ. وَيُنْدَبُ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ عَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَتَكْرِيرُهَا ثَلَاثًا وَيَدْعُو
بِمَا شَاءَ مِنْ دِينِيٍّ وَدُنْيَوِيٍّ. وَمِنْهُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي
مِنْ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لَك وَلِرَسُولِك، وَآمَنُوا بِك وَوَفَّوْا
بِعَهْدِك وَوَثِقُوا بِوَعْدِك وَاتَّبَعُوا أَمْرَك: اللَّهُمَّ
اجْعَلْنِي مِنْ وَفْدِك الَّذِينَ رَضِيت وَارْتَضَيْت. اللَّهُمَّ
يَسِّرْ لِي أَدَاءَ مَا نَوَيْت وَتَقَبَّلْ مِنِّي يَا كَرِيمُ مَا
أَدَّيْت. وَالْمُرَادُ بِالرَّسُولِ الْمَذْكُورِ إبْرَاهِيمُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. لِمَا وَرَدَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ
اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: «لَمَّا فَرَغَ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ بِنَاءِ الْكَعْبَةِ أَوْحَى اللَّهُ
إلَيْهِ أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ قَالَ: يَا رَبُّ مَا
يَبْلُغُ صَوْتِي قَالَ: أَذِّنْ وَعَلَيَّ الْبَلَاغُ فَقَامَ إبْرَاهِيمُ
عَلَى الْمَقَامِ وَنَادَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُتِبَ عَلَيْكُمْ
الْحَجُّ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْعَتِيقِ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «عِبَادَ
اللَّهِ أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ فَسَمِعَهُ مَنْ كَانَ بَيْنَ
السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ حَتَّى مَنْ فِي الْأَصْلَابِ وَالْأَرْحَامِ» .
قَوْلُهُ: (ضَعَّفُوهُ) أَيْ هَذَا الْحَدِيثَ الَّذِي فِيهِ السُّؤَالُ.
وَلَيْسَ التَّضْعِيفُ رَاجِعًا لِلصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خِلَافًا لِمَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ
الْمَنْهَجِ، فَرَاجِعْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
بَابُ صِفَةِ النُّسُكِ أَيْ كَيْفِيَّةُ الْمَطْلُوبِ فِيهِ مِنْ حِينِ
الْإِحْرَامِ بِهِ. قَوْلُهُ: (مَكَّةَ) هِيَ بِالْمِيمِ
وَبِالْمُوَحَّدَةِ لُغَتَانِ اسْمٌ لِلْبَلَدِ. وَقِيلَ بِالْمِيمِ اسْمٌ
لِلْبَلَدِ وَبِالْبَاءِ لِلْبَيْتِ وَحْدَهُ أَوْ لِلْبَيْتِ
وَالْمَطَافِ. وَقِيلَ بِالْمِيمِ لِلْحَرَمِ وَبِالْبَاءِ لِلْمَسْجِدِ.
وَهِيَ مِنْ الْمَكِّ بِمَعْنَى الْمَصِّ يُقَلْ: امْتَكَّ الْبَعِيرُ مَا
فِي ضَرْعِ أُمِّهِ إذَا امْتَصَّهُ لِقِلَّةِ مَائِهَا. وَبِالْبَاءِ مِنْ
الْبَكِّ أَيْ الْإِخْرَاجِ لِإِخْرَاجِهَا الْجَبَابِرَةَ أَوْ فِيهَا
مِنْ الدَّفْعِ وَالزِّحَامِ وَهِيَ أَفْضَلُ بِلَادِ اللَّهِ إلَّا
الْبُقْعَةَ الَّتِي ضَمَّتْ أَعْضَاءَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَهِيَ أَفْضَلُ حَتَّى مِنْ الْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ. قَالَ
ابْنُ حَجَرٍ: وَكَذَا سَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ. وَأَفْضَلُ بِقَاعِهَا
الْكَعْبَةُ ثُمَّ الْمَسْجِدُ حَوْلَهَا ثُمَّ بَيْتُ خَدِيجَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا - وَتُنْدَبُ الْمُجَاوَرَةُ بِهَا إلَّا لِخَوْفِ
انْحِطَاطِ رُتْبَةٍ أَوْ مَحْذُورٍ مِنْ نَحْوِ مَعْصِيَةٍ، وَأَوَّلُ
مَنْ بَنَى الْبَيْتَ الْمَلَائِكَةُ قَبْلَ خَلْقِ آدَمَ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَطَافُوا بِهِ كَمَا مَرَّ، ثُمَّ آدَم ثُمَّ
ابْنُهُ شِيثٌ ثُمَّ إبْرَاهِيمُ ثُمَّ الْعَمَالِقَةُ ثُمَّ جُرْهُمٌ،
ثُمَّ قُصَيٌّ ثُمَّ قُرَيْشٌ ثُمَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ ثُمَّ
الْحَجَّاجُ لِجَانِبِ الْحِجْرِ بِكَسْرِ الْحَاءِ فَقَطْ، ثُمَّ عَبْدُ
الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ. وَسَيَأْتِي بِنَاءُ الْمَسْجِدِ فِي
الطَّوَافِ. وَكَذَا كِسْوَةُ الْبَيْتِ. وَمَنْ أَرَادَ الْوُقُوفَ عَلَى
ذَلِكَ فَعَلَيْهِ بِالْمُؤَلَّفِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (دَاخِلُهَا) بِالرَّفْعِ فَاعِلُ يَغْتَسِلُ وَلَوْ حَلَالًا
أَوْ أُنْثَى. قَوْلُهُ: (مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ) وَكَذَا مِصْرُ
وَالشَّامُ وَالْمَغْرِبُ. قَوْلُهُ: (طِوًى) سَيَأْتِي ضَبْطُهَا.
قَوْلُهُ: (نَهَارًا) فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ اللَّيْلِ وَبَعْدَ الْفَجْرِ
أَفْضَلُ. وَخُولِفَ بَيْنَ طَرِيقَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ
كَالْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا.
وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الدَّاخِلُ مُحْرِمًا وَغَيْرُهُ. وَيُنْدَبُ كَوْنُ
الدَّاخِلِ مَاشِيًا وَحَافِيًا إلَّا لِعُذْرٍ وَالْمَرْأَةُ فِي
هَوْدَجِهَا وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى وَدَاعِيًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ |