روضة
الطالبين وعمدة المفتين ط العلمية
روضة الطالبين - كتاب الديات
فيه ستة أبواب :
الأول : في دية النفس
فيجب بقتل الحر المسلم مائة من الابل، فإن كان القتل خطأ،
وجبت
(7/118)
مخمسة: عشرون بنت مخاض، وعشرون بنت لبون، وعشرون ابن لبون،
وعشرون حقة، وعشرون جذعة، وأبدل ابن المنذر بني اللبون
ببني مخاض. ثم قد يعرض ما تغلظ به الدية وما تنقص به، أما
المغلظات فأربعة أسباب. أحدها: أن يقع القتل في حرم مكة،
فتغلظ به دية الخطأ، سواء كان القاتل والمقتول في الحرم،
أو كان فيه أحدهما، كجزاء الصيد، ولا تغلظ بحرم المدينة
ولا بالقتل في الاحرام على الاصح فيهما. الثاني: أن يقتل
في الاشهر الحرم وهي: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب،
ولا يلحق بها رمضان قطعا. الثالث: أن يقتل قريبا له محرما،
فإن كان قريبا غير محرم، فلا تغليظ على الصحيح وبه قال
الاكثرون، ولا أثر لمحرمية الرضاع والمصاهرة قطعا. الرابع:
أن يكون القتل عمدا أو شبه عمد. فرع إذا قتل في دار الحرب
مسلما وجده على زي الكفار، فظنه كافرا، فقد سبق أن الاظهر
أنه لا دية فيه، فإن أوجبناها، فهل هي دية عمد، أم شبه عمد
أم خطأ ؟ فيه أوجه، ولو رمى إلى مرتد أو حربي، فأسلم، ثم
أصابه السهم ومات، فقد سبق أن الاصح وجوب الدية، وفي
كيفيتها هذه الاوجه، وهذا أولى بأن تكون
(7/119)
دية خطأ، وهو الارجح، ورجح ابن كج كون الدية في ماله، ولو
رمى إلى شئ يظنه شجرة أو صيدا، فكان إنسانا، فالصحيح أنه
خطأ محض، كما لو رمى إلى صيد، فعرض في الطريق رجل، أو مرق
منه السهم، فأصاب رجلا، قال الغزالي: وتجري هذه الاوجه في
كل قتل عمد محض صدر عن ظن في حال القتيل.
فصل الدية تتغلظ في قتل العمد
من ثلاثة أوجه، فتجب على الجاني، ولا تحملها
العاقلة، وتجب حالة، ومثلثة، ثلثهن حقة، وثلثهن جذعة،
وأربعون خلفة، والخلفة: الحامل، ويسمى هذا الثالث تغليظا
بالسن، وسواء كان العمد موجبا للقصاص، فعفي على الدية، أو
لم يوجبه، كقتل الوالد ولده، وتتخفف دية الخطأ من ثلاثة
أوجه، فتجب على العاقلة مخمسة مؤجلة في ثلاث سنين، ودية
شبه العمد تتخفف من وجهين، فتجب على العاقلة مؤجلة، وتتغلظ
من وجه، فتجب مثلثة، وحكي وجه وقول مخرج أن شبه العمد لا
تحمله العاقلة، وليس بشئ، وقتل الخطأ في الحرم، أو الاشهر
الحرم، أو المصادف لذي الرحم المحرم، ديته كدية شبه العمد،
فتجب على العاقلة مؤجلة مثلثة، والدية المخمسة إنما تتفاوت
أقسامها بالسن إلا في بنات اللبون وبني اللبون، فإن
تفاوتهما في الذكورة، ثم التخميس حاصل في هذه الدية بأقسام
متعادلة، والتثليث في الدية المثلثة غير حاصل على التعديل،
بل نسبتها المخففة بالاعشار، ثلاثة أعشار حقاق، وثلاثة
أعشار جذاع، وأربعة أعشار خلفات، ثم هذه النسبة في المخففة
والمغلظة تعتبر في دية المرأة والاطراف والجروح، ودية
اليهودي والنصراني والمجوسي وأطرافهم وجروحهم، فتجب في قتل
المرأة خطأ، عشر بنات مخاض وعشر بنات لبون وهكذا إلى آخر
الاقسام، وفي قتلها عمدا وشبه عمد خمس عشرة حقة، وخمس عشرة
جذعة، وعشرون خلفة، وكذا حكم دية اليد، وفي الموضحة إذا
كانت خطأ بنت مخاض، وبنت لبون، وابن لبون، وحقة وجذعة، إذا
كانت عمدا أو شبه عمد حقة ونصف، وجذعة ونصف، وخلفتان، وفي
قطع الاصبع خطأ بنتا مخاض، وبنتا لبون، وابنا لبون، وحقتان
وجذعتان، وإذا كانت عمدا أو شبه عمد ثلاث حقاق،
(7/120)
وثلاث جذاع، وأربع خلفات، وعلى هذا القياس. فرع بدل العبد
الدراهم والدنانير، فلا مدخل للتغليط فيه كسائر الاموال.
فصل وأما المنقصات فأربعة
أحدها: الانوثة، فدية المرأة نصف دية الرجل، ودية الخنثى
كذلك، لانه اليقين، ودية أطرافها أو جروحها نصف ذلك من
الرجل، وفي القديم قول، إنها تساوي الرجل في الاطراف إلى
ثلث الدية، فإذا زاد الواجب على الثلث، صارت على النصف،
فعلى هذا في أصبعها عشر من الابل، وفي أصبعين عشرون، وفي
ثلاث ثلاثون، وفي أربع عشرون، وهو نصف ما في أصابع الرجل
الاربع، والمشهور الاول وهو نصه في الجديد. الثاني:
الاجتنان، ففي الجنين غرة، وسيأتي إيضاحه في بابه إن شاء
الله تعالى. الثالث: الرق، ففي قتل العبد قيمته، سواء زادت
على الدية، أم نقصت، سواء قتله عمدا أم خطأ، وأما جروح
العبد وأطرافه، فسيأتي بيانها في بابها إن شاء الله تعالى.
الرابع: الكفر، والكفار أصناف، أحدها: اليهودي والنصراني،
فديته ثلث دية المسلم، وأما السامرة من اليهود، والصابئون
من النصارى، فإن كانوا ملاحدة في دينهم، كفرة عندهم،
فحكمهم حكم من لا كتاب له من الكفار، وإن كانوا لا
يكفرونهم فهم كسائر فرقهم وقد سبق في مناكحتهم طريق ضعيف
بإطلاق قولين، ولا بد من مجيئه هنا، الثاني: المجوسي،
وديته ثلثا عشر دية المسلم، ودية المجوسية نصف دية
المجوسي، وقيل: كديته، وطرد هذا الوجه في سائر الكفار
الذين تجب فيهم دية مجوسي، والصحيح الاول، ويراعى في ديات
هؤلاء التغليظ والتخفيف، فإن قتل يهودي عمدا أو شبه عمد،
وجب فيه عشر حقاق وعشر جذاع وثلاث عشرة خلفة وثلث، وإذا لم
يوجد مغلظ، وجب ست بنات مخاض وثلثا السابعة، وكذا من بنات
اللبون وسائر الاخماس، وفي المجوسي عند التغليظ حقتان
وجذعتان وخلفتان وثلثا خلفة، وعند التخفيف بنت مخاض وثلث
وبنت لبون وثلث وكذا من الباقي، ولا يخفى أن الدية إنما
تجب في الصنفين إذا كان لهم عصمة بذمة،
(7/121)
أو عهد أو أمان. الصنف الثالث: كافر لا كتاب له، ولا شبهة
كتاب، كعابد الوثن والشمس والقمر والزنديق والمرتد، فهؤلاء
لا يتصور لهم عقد ذمة، لكن قد يكون لهم أمان، بأن دخل
بعضهم رسولا، فقتل، ففيه دية مجوسي، إلا المرتد فلا شئ
فيه، فإنه مقتول بكل حال، وليس من أهل الامان، قال الامام:
ولو تحزبت طائفة من المرتدين ومست الحاجة إلى سماع
رسالتهم، فجاء رسولهم فقد قيل: لا يتعرض لهم، لكن لو قتل،
فلا ضمان، وتردد الشيخ أبو محمد في إلحاق الزنديق بالمرتد،
والصحيح إلحاقه بالوثني، وأما من لاعهد له ولا أمان من
الكفار، فلا ضمان في قتله على أي دين كان. قلت: قد سبق
خلاف في الذمي والمرتد إذا قتلا مرتدا هل تجب الدية ؟ فإن
أوجبناها فهي دية مجوسي، ذكره البغوي. والله أعلم. وجميع
ما ذكرناه في كافر بلغته دعوتنا وخبر نبينا - صلى الله
عليه وسلم -، أما من لم تبلغه دعوتنا، فلا يجوز قتله قبل
الاعلام والدعاء إلى الاسلام، فلو قتل، كان مضمونا قطعا،
وكيف يضمن. أما الكفارة فتجب بلا تفصيل، ثم له ثلاثة
أحوال، أحدها: أن لا تكون بلغته دعوة نبي أصلا، فلا قصاص
على الصحيح، وأوجبه القفال، وأما الدية، فهل تجب دية مجوسي
أم مسلم ؟ وجهان، أو قولان، أصحهما: الاول وبه قطع جماعة،
الثاني: أن يكون متمسكا بدين ولم يبدل ولم يبلغه ما
يخالفه، فلا قصاص على الاصح، فعلى هذا هل تجب دية مسلم أم
دية أهل ذلك الدين ؟ وجهان، أصحهما: الثاني، الثالث: أن
يكون متمسكا بدين لحقه التبديل لكن لم يبلغه ما يخالفه،
فلا قصاص قطعا، وهل تجب دية مجوسي أم دية أهل دينه أم لا
يجب شئ ؟ فيه أوجه، أصحها: الاول. فرع من أسلم في دار
الحرب ولم يهاجر مع التمكن أو دون، إذا قتله مسلم، تعلق
بقتله القصاص والدية، لان العصمة بالاسلام. فصل لا يجزئ في
الدية مريض ولا معيب بعيب يثبت الرد في البيع إلا برضى
المستحق، سواء كانت إبل من عليه سليمة أم معيبة.
(7/122)
فرع الغالب أن الناقة لا تحمل حتى يكون لها خمس سنين وهي
الثنية، فلو حملت قبل ذلك، فهل يلزمه قبولها في الخلفات ؟
قولان، أظهرهما: نعم، وإذا تنازعا في كونها خلفات، عمل
بقول عدلين من أهل الخبرة، وإذا أخذت بقول العدلين، أو
بتصديق المستحق، فماتت عند المستحق وتنازعا في الحمل، شق
جوفها لتعرف، فإن بان أنها لم تكن حاملا، غرمها المستحق
وأخذ بدلها خلفة، وفي وجه يأخذ أرش النقص فقط، والصحيح
الاول، ولو صادفنا الناقة المأخوذة حائلا، فقال المستحق:
لم يكن بها حمل، وقال الدافع: أسقطت عندك، فإن لم يحتمل
الزمان الاسقاط، ردت، وطولب بخلفة، وإن احتمل، نظر، إن
أخذت بقول الجاني فقط، صدق المستحق بيمينه، وإن أخذت بقول
أهل الخبرة، فأيهما يصدق ؟ وجهان، أصحهما: الدافع. فرع من
لزمته الدية من الجاني أو العاقلة له حالان، الاولى: أن لا
يملك إبلا، فيلزمه تحصيل الواجب من غالب إبل البلدة أو
القبيلة إن كانوا أهل بادية ينتقلون، فإن تفرقت العاقلة في
البلدان أو في القبائل، أخذت حصة كل واحد من غالب إبل بلده
أو قبيلته، فإن لم يكن في البلد أو القبيلة إبل، أو كانت
بعيدة عن البلد، اعتبر إبل أقرب البلاد، ويلزمه النقل إن
قربت المسافة، فإن بعدت وعظمت المؤنة والمشقة، لم يلزمه،
وسقطت المطالبة بالابل، وأشار بعضهم إلى ضبط البعيد بمسافة
القصر، وقال الامام: لو زادت مؤنة إحضارها على قيمتها في
موضع العزة، لم يلزمه تحصيلها، وإلا فيلزم. الحالة
الثانية: أن يملك إبلا، فإن كانت من غالب إبل البلدة أو
القبيلة، فذاك، وإن كانت من صنف آخر، أخذت أيضا من أي صنف
كانت، هذا هو الصحيح، وبه قطع الاكثرون من العراقيين
وغيرهم، وهو ظاهر نصه في المختصر وفي وجه حكاه الامام عن
محققي المراوزة واختاره أنه يجب غالب إبل البلد، ومتى تعين
نوع، فلا عدول إلى ما فوقه أو دونه إلا بالتراضي، وإذا كان
الاعتبار بإبل البلد، أو القبيلة، فكانت نوعين فأكثر، ولا
غالب فيها، فالخيرة إلى الدافع، وإذا اعتبرنا إبل من عليه،
فتنوعت، فوجهان، أحدهما: تؤخذ من الاكثر، فإن استويا، دفع
ما شاء، والثاني: تؤخذ من كل
(7/123)
بقسطه إلا أن يتبرع، فيعطي الجميع من الاشرف، ولو دفع نوعا
غير ما في بيده، أجبر المستحق على قبوله إذا كان من غالب
إبل البلد والقبيلة كذلك، وإذا كانت الابل تباع بأكثر من
ثمن المثل فهي كالمعدومة فلا يلزم تحصيلها. فرع إذا كانت
الابل موجودة وعدل من عليه الدية ومستحقها إلى القيمة أو
غيرها بالتراضي، جاز، كما لو أتلف مثليا وتراضيا على أخذ
القيمة مع وجود المثل، جاز، قال صاحب البيان: هكذا أطلقوه،
وليكن ذلك مبنيا على جواز الصلح عن إبل الدية، ولو أراد
أحدهما العدول عن الابل، لم يجبر الآخر عليه، وحكي وجه عن
ابن سلمة وغيره أن الجاني يتخير بين الابل والدراهم
والدنانير المقدرة على القول القديم تفريعا على القديم،
والمذهب الاول، فإن لم توجد الابل في الموضع الذي يجب
تحصيلها منه، أو وجدت بأكثر من ثمن المثل، فقولان، الجديد
الاظهر: أن الواجب قيمة الابل بالغة ما بلغت، والقديم: يجب
ألف دينار، أو اثنا عشر ألف درهم، وفي وجه مخرج على القديم
عشرة آلاف درهم، والاعتبار بالدراهم والدنانير المضروبة
الخالصة، وذكر الامام أن الدافع يتخير بين الدراهم
والدنانير، وقال الجمهور: على أهل الذهب ذهب، وعلى أهل
الورق ورق، فإن كان الواجب دية مغلظة، فهل يزاد للتغليظ شئ
؟ وجهان، أصحهما: لا، والثاني: يزاد ثلث المقدر، فعلى هذا
لو تعدد سبب التغليظ بأن قتل محرما في الحرم، فهل يتكرر
التغليظ ؟ وجهان، أصحهما: لا فلا يزاد على
(7/124)
الثلث، كما لو قتل المحرم صيدا حرميا، يلزمه جزاء فقط،
والثاني: يزاد لكل سبب ثلث دية، فعلى هذا لو قتل ذا رحم
محرما في الحرم والاشهر الحرم عمدا، وجب ثمانية وعشرون ألف
درهم، وأما إذا قلنا بالجديد، فتقوم الابل بغالب نقد البلد
وتراعى صفتها في التغليظ إن كانت مغلظة، قال الامام: فإن
غلب نقدان في البلد، يخير الجاني منهما، وتقوم الابل التي
لو كانت موجودة وجب تسليمها، فإن لم يكن هناك إبل، قومت من
صنف أقرب البلاد إليهم، وهل تعتبر قيمة موضع الوجود، أم
موضع الاعواز لو كانت فيه إبل ؟ وجهان، أصحهما: الثاني،
وتعتبر قيمتها يوم وجوب التسليم، هذا هو المفهوم من كلام
الاصحاب، وقال الروياني: إن وجبت الدية والابل مفقودة،
اعتبرت قيمتها يوم الوجوب، وإن وجبت وهي موجودة فلم تؤد
حتى أعوزت وجبت قيمتها يوم الاعواز، وإن وجد بعض الابل
الواجبة، أخذ الموجود وقيمة الباقي. فرع قال الامام: لو
قال المستحق عند إعواز الابل: لا أطالب الآن بشئ، وأصبر
إلى أن يوجد، فالظاهر أن الامر إليه، لان الاصل هو الابل،
ويحتمل أن يقال لمن عليه أن يكلفه قبض ما عليه لتبرأ ذمته،
قال: ولم يصر أحد من الاصحاب إلى أنه لو أخذ الدراهم، ثم
وجدت الابل يرد الدراهم، ويرجع إلى الابل، بخلاف ما إذا
غرم قيمة المثلي لاعواز المثل، ثم وجد، ففي الرجوع إلى
المثل خلاف. وبالله التوفيق.
الباب الثاني : في دية ما دون
النفس هي ثلاثة أقسام: جرح، وإبانة طرف، وإزالة
منفعة.
القسم الأول : الجروح،
وهي نوعان، جائفة وغيرها، الاول: غير الجائفة، وهي ضربان:
جراحات الرأس والوجه، وجراحات سائر البدن.
(7/125)
الضرب الاول: جراحات الرأس والوجه، ففي الموضحة: خمس من
الابل، سواء كانت على الهامة والناصية أو القذال، وهو جماع
مؤخر الرأس، أو الخشاء، وهي العظم الذي خلف الاذن، أو
منحدر القمحدوة إلى الرقبة، وهي ما خلف الرأس، وذكر في
العظم الواصل بين عمود الرقبة وكرة الرأس وجه أنه ليس محلا
للموضحة، كالرقبة، ويشبه أن تكون هي المنحدر المذكور، أو
تكون منه. وأما الوجه، فالجبهة منه والجبينان، والخدان،
وقصبة الانف، واللحيان، كلها محل الايضاح، سواء المقبل من
اللحيين الذي تقع به المواجهة، وما تحت المقبل خارجا عن حد
المغسول في الوضوء، لان اسم الموضحة يشمل جميعها، وإنما
يجب في الموضحة خمس من الابل في حق من تجب الدية الكاملة
بقتله، وهو الحر المسلم الذكر، وهذا المبلغ نصف عشر ديته،
فتراعى هذه النسبة في حق غيره، فتجب في موضحة اليهودي نصف
عشر ديته، وهو بعير وثلثان، وفي موضحة المرأة بعيران ونصف،
وفي موضحة المجوسي ثلثا بعير، وعن الاصطخري وأبي محمد
الفارسي أن في موضحة الوجه أكثر الامرين من خمس من الابل
والحكومة، وهذا شاذ مردود ولا تفريع عليه. فرع إذا هشم
العظم مع الايضاح، وجب عشر من الابل، وإن نقل مع ذلك وجب
خمسة عشر بعيرا، وحكى السرخسي قولا قديما أن في الهاشمة
خمسا من الابل وحكومة، وليس بشئ. فرع في المأمومة ثلث
الدية، وفي الدامغة أيضا ثلث الدية على الصحيح المنصوص،
وقال الماوردي: ثلث الدية وحكومة، وحكى الفوراني وجماعة أن
فيها الدية بكمالها، لانها تذفف، وبهذا قال الامام، وكأن
الاولين يمنعون تذفيفها. فرع هشم العظم ولم يوضح، وجب خمس
من الابل على الاصح المنصوص، وقال ابن أبي هريرة: تجب
حكومة ككسر سائر العظام، ولو نقل العظم من غير إيضاح، فهل
يجب عشر من الابل م حكومة ؟ فيه هذان الوجهان، وفي الرقم
وغيره أن موضع الوجهين ما إذا لم يحوج الهشم إلى بط وشق
لاخراج العظم
(7/126)
أو تقويمه، فإن أحوج إليه، فالذي أتى به هاشمة تجب فيها
عشر من الابل. فرع أوضح واحد، وهشم آخر، ونقل ثالث، وأم
رابع، فعلى الاول القصاص، أو خمس من الابل، وعلى الثاني
خمس، وعلى الثالث خمس، وعلى الرابع ما بين المنقلة
والمأمومة، وهو ثمانية عشر بعيرا وثلث بعير، وقيل: يجب على
الجميع ثلث الدية أرباعا، والصحيح الاول، فلو خرق خامس
خريطة الدماغ، ففي التهذيب أن عليه تمام دية النفس، كمن حز
رقبة إنسان بعدما قطعت أطرافه، وهذا على طريقة من قال:
الدامغة مذففة. فرع ما قبل الموضحة من الشجاج كالدامية
والحارصة والباضعة والمتلاحمة ليس فيها أرش مقدر وفي
واجبها وجهان، أحدهما: الحكومة، ولا يبلغ بحكومتها أرش
موضحة، والثاني وبه قال الاكثرون: إن لم يمكن معرفة قدرها
من الموضحة فكذلك، وإن أمكن بأن كان على رأسه موضحة إذا
قيس بها الباضعة مثلا، عرف أن المقطوع ثلث أو نصف في عمق
اللحم وجب قسطه من أرش الموضحة، فإن شككنا في قدرها من
الموضحة، أوجبنا التعين، قال الاصحاب: وتعتبر مع ذلك
الحكومة، فيجب أكثر الامرين من الحكومة، وما يقتضيه
التقسيط، لانه وجد سبب كل واحد منهما. الضرب الثاني:
جراحات سائر البدن، فليس في إيضاح عظامه ولا هشمها ولا
تنقيلها، أرش مقدر النوع. النوع الثاني: الجائفة، وفيها
ثلث الدية، وهي الجراحة الواصلة إلى الجوف الاعظم من البطن
أو الصدر، أو ثغرة النحر، أو الجنبين، أو الخاصرة، أو
الورك، أو العجان إلى الشرج وقد سبق أن العجان ما بين
الفقحة والخصية، وكذا الجراحة النافذة إلى الحلق من القفا،
أو الجانب المقبل من الرقبة، والنافذة من العانة إلى
(7/127)
المثانة، وفي النافذة من الذكر إلى ممر البول وجهان،
أصحهما: ليست بجائفة، ولو نفذت إلى داخل الفم بهشم الخد أو
اللحي، أو بخرق الشفة، أو الشدق، أو إلى داخل الانف بهشم
القصبة، أو بخرق المارن، فليست بجائفة على الاظهر، ويقال:
الاصح، لانهما ليسا من الاجواف الباطنة ولهذا لا ينظر
بالواصل إليهما، ولانه لا يعظم فيهما الخطر بخلاف ما يصل
إلى جوف الرأس والبطن، فعلى هذا يجب في صورة الهشم أرش
هاشمة أو منقلة، وتجب معه حكومة للنفوذ إلى الفم والانف،
لانها جناية أخرى، ولو نفذت الجراحة من الجفن إلى بيضة
العين، فهل هي جائفة أم لا تجب إلا حكومة ؟ وجهان، أصحهما:
الثاني، ولو وضع السكين على الكتف أو الفخذ وجرها حتى بلغ
البطن، فأجاف، لزمه أرش الجائفة وحكومة لجراحة الكتف
والفخذ، لانها في غير محل الجائفة بخلاف ما لو وضعها على
صدره، وجرها حتى أجاف في البطن أو في ثغرة النحر، فإنه يجب
أرش الجائفة بلا حكومة، لان جميعه محل الجائفة. فرع لا فرق
بين أن يجيف بحديدة أو خشبة محددة، ولا بين أن تكون
الجائفة واسعة أو ضيقة، حتى لو غرز فيه إبرة فوصلت إلى
الجوف فهي جائفة، وقيل: إنما تكون جائفة إذا قال أهل
الخبرة: إنه يخاف منه الهلاك، وليس بشئ. فصل لا فرق في
الموضحة بين الصغيرة والكبيرة، والبارزة والمستورة بالشعر،
والتي يتولد منها شين فاحش والتي لا يتولد، فلا يجب في
الجميع إلا خمس من الابل، فإن تعددت الموضحة، تعدد الارش،
وتعددها يكون بأسباب. الاول: اختلاف الصورة، بأن أوضحه في
موضعين من رأسه، وبقي اللحم والجلد بينهما، فيجب أرشان،
سواء رفع الحديدة عن موضحة ثم وضعها على موضع آخر فأوضحه،
أو جرها على الرأس من موضع الايضاح إلى أن تحامل عليها في
موضع آخر فأوضحه، وبقي اللحم والجلد بينهما سليمين، وحكى
الامام في
(7/128)
الصورة الثانية وجها ضعيفا أن الحاصل موضحة واحدة لاتحاد
الفعل، ولو كثرت الموضحات، تعدد الارش بحسبها ولا ضبط،
وقيل: إذا كثرت وصارت بحيث لو أوجبنا لكل موضحة خمسا من
الابل، لزاد المبلغ على دية نفس، لم يوجب أكثر من دية نفس،
والصحيح الاول، ولو لم يبق الحاجز بين موضعي الايضاح
بكماله، بل بقي جلد دون اللحم أو عكسه، فأربعة أوجه،
أصحها: أن الحاصل موضحة، والثاني: موضحتان، والثالث: إن
بقي الجلد، فموضحة، وإن بقي اللحم، فموضحتان، والرابع:
عكسه، فعلى الاول، لو أوضح في موضعين ثم أوغل الحديدة،
ونفذها من إحداهما إلى الاخرى في الداخل ثم سلها، فهل
يتحدان ؟ وجهان، ولو عاد الجاني، فرفع الحاجز بين موضحتيه
قبل الاندمال، فالصحيح أنه لا يلزمه إلا أرش واحد، وقيل:
أرشان، وقيل: ثلاثة، ولو تآكل الحاجز بينهما، كان كما لو
رفعه الجاني، لان الحاصل بسراية فعله منسوب إليه، ولو رفع
الجلد أو اللحم، أو تآكل أحدهما دون الآخر، ففيه الاوجه
الاربعة، ولو رفع الحاجز غير الجاني، فعليه أرش موضحة،
وعلى الاول: أرشان، ولو رفعه المجني عليه، ففعله هدر، ولا
يسقط به شئ مما وجب على الجاني، ولو أوضحه رجلان، فتأكل
الحاجز بين موضحتيهما، عادتا إلى واحدة، فعلى كل واحد نصف
الارش، ولو اشتركا في موضحتين، ثم رفع أحدهما الحاجز
بينهما، فعلى الرافع نصف أرش وعلى الآخر أرش كامل. فرع شجه
شجة، بعضها موضحة، وبعضها متلاحمة، أو سمحاق، فالواجب في
الجميع أرش موضحة ويدخل فيها حكومة المتلاحمة والسمحاق،
لانها
(7/129)
لو كانت كلها موضحة لم يجب إلا أرش، فهنا أولى، فلو اقتص
فيما فيها من الموضحة، فهل له الحكومة لما حولها من
المتلاحمة والسمحاق ؟ قال البغوي: يحتمل أن يكون فيه
وجهان، كما لو قطع يده من نصف الكف، فاقتص من الاصابع، هل
له حكومة نصف الكف ؟ وجهان. السبب الثاني: اختلاف المحل،
فلو نزل في الايضاح من الرأس إلى الجبهة إما لشمول
الايضاح، وإما بأن أوضح شيئا من الرأس وشيئا من الوجه،
وجرح بينهما جراحة دون الموضحة، فوجهان، أحدهما: الحاصل
موضحة، لان الجبهة والرأس محل الايضاح، وأصحهما: موضحتان
لاختلاف المحل، ولو شملت الموضحة الجبهة والوجنة، قال
الامام: في التعدد تردد، والمذهب الاتحاد تنزيلا لاجزاء
الوجه منزلة أجزاء الرأس، ولو جر السكين من موضحة الرأس
إلى القفا، وجرح القفا مع إيضاحه أو بغير إيضاحه، لزمه مع
أرش الموضحة حكومة لجرح القفا، لانه ليس محل الايضاح، فلم
تدخل حكومته في الارش، ولو جر السكين من موضحة الرأس إلى
الجبهة، وجرحها جراحة متلاحمة، فإن قلنا: لو أوضح في
الجبهة أيضا، كان الحاصل موضحة، دخلت حكومة جراحة الجبهة
في أرش الموضحة، وإن قلنا: الحاصل موضحتان، وجب مع الارش
حكومة. السبب الثالث: تعدد الفاعل، بأن أوضح رجلا، فوسع
آخر تلك الموضحة، أو أوضح قطعة متصلة بموضحة الاول، فعلى
كل واحد منهما أرش كامل، ولو وسع الاول موضحته، لزمه أرش
واحد على الصحيح، وقيل: أرشان. السبب الرابع: اختلاف
الحكم، بأن أوضحه موضحة واحدة هو في بعضها مخطئ، وفي بعضها
متعمد، أو في بعضها مقتص وفي بعضها متعد، فهل الحاصل موضحة
لاتحاد الصورة والجاني والمحل، أم موضحتان لاختلافهما ؟
وجهان، أصحهما: موضحتان، فإن قلنا: موضحة، وزع الارش على
البعضين، وإن قلنا: موضحتان، وجب أرش كامل لما تعدى به،
ولو أوضح موضحتين عمدا ورفع الحاجز بينهما خطأ، وقلنا
بالصحيح: أنه لو رفعه عمدا تداخل الارشان، فهل يلزمه أرش
ثالث أم لا يلزمه إلا أرش واحد ؟ وجهان.
(7/130)
قلت: أرجحهما: أرش فقط. والله أعلم. فرع يتعدد أرش الجائفة
بتعددها، فلو أجاف جائفتين، ثم رفع الحاجز بينهما، أو تآكل
ما بينهما، أو رفعه غير الجاني، فعلى ما ذكرناه في
الموضحة. وتتعدد الجائفة بتعدد الصورة، بأن يجرحه جراحتين
نافذتين إلى الجوف، فإن بقي بينهما الجلدة الظاهرة، أو
انخرق ما تحتها، أو بالعكس، فيشبه أن يكون حكمه كما ذكرنا
في الموضحة، وتتعدد بتعدد المحل، بأن ينفذ جراحتين إلى
جوفين ويتعدد الفاعل، بأن يوسع جائفة غيره، وفصله الاصحاب
فقالوا: إن أدخل السكين في جائفة غيره ولم يقطع شيئا، فلا
ضمان عليه ويعزر، وإن قطع شيئا من الظاهر دون ومن جانب بعض
الباطن، قال المتولي: ينظر في ثخانة اللحم والجلد ويسقط
أرش الجائفة على المقطوع من الجائفتين، وقد يقتضي التقسيط
تمام الارش، بأن يقطع نصف الظاهر من جانب، ونصف الباطن من
جانب، ولو لم يقطع من أطراف الجائفة شيئا، ولكن زاد في
غورها، أو كان قد ظهر عضو باطن، كالكبد، فغرز السكين فيه،
فعليه الحكومة، ولو عاد الجاني فوسع الجائفة، أو زاد في
غورها، لم يزد الواجب وكان كما لو أجاف ابتداء كذلك. ويمكن
أن يعود فيه الوجه السابق في توسيع الموضحة، ويجئ في
اختلاف حكم الجائفة وانفسامها إلى عمد وخطأ ما سبق في
الموضحة، ولو ضربه بسنان، أو مشقص له رأسان، فنفذ إلى جوفه
والحاجز بينهما سليم، فهما جائفتان، ولو طعنه بسنان في
بطنه، فأنفذه من ظهره، أو من أحد الجنبين إلى الآخر، فهل
هما جائفتان أم جائفة ؟ وجهان، ويقال: قولان، أصحهما:
جائفتان، فإن قلنا: جائفة، وجب معها حكومة على الاصح،
وقيل: لا حكومة. فصل إذا أوضحه، فاندملت أطراف الجراحة،
وبقي شئ من العظم بارزا، لم يسقط شئ من الارش قطعا، وإن
التحم الموضع ولم يبق شئ من
(7/131)
العظم بارزا، فكذلك على الصحيح، وقيل: إن لم يبق شين، سقط
الارش ولا حكومة، وإن بقي، سقط الارش، ووجبت حكومة، وليس
بشئ، وإذا اندملت الجائفة، لم يسقط شئ من الارش على
المذهب، وقيل: يعود إلى الحكومة، وقيل: في سقوطه قولان،
كعود السن. فرع إذا التحمت الجائفة، أو الموضحة، فجاء جان
إما الاول وإما غيره، فأوضح في ذلك الموضع، أو أجاف، فعليه
أرش آخر إن كان الالتحام قد تم سواء نبت عليه الشعر أم لا،
وسواء كان متغير اللون مشينا أم لا، وإن لم يتم الالتحام،
ففتقه، فعليه الحكومة فقط، ولو نزع الخيط الذي خيطت
الجائفة به قبل أن يلتحم، فعليه التعزير، وأجرة مثل
الخياط، وضمان الخيط إن تلف، ولا أرش ولا حكومة، وإن
التحمت ظاهرا وباطنا فانفتحت، فهي جائفة جديدة، وكذا لو
انفتح جانب منها بعد تمام التحامه، فإن التحم ظاهرها دون
باطنها، أو بالعكس، فعليه الحكومة دون الارش، ولا يجب مع
الارش أو الحكومة أجرة الخياط، لكن يجب ضمان الخيط إن تلف.
فرع في مسائل منثورة تتعلق بما سبق إحداهما: غرز إبرة في
رأس رجل حتى انتهت إلى العظم وسلها، فهي موضحة على المذهب
وبه قطع الجمهور، وخرجه الامام على وجهين. الثانية: موضحة
هشم في بعضها فقط، ليس فيها إلا أرش هاشمة. الثالثة: أوضح
وهشم في موضعين واتصل الهشم بينهما في الباطن، فالصحيح
أنهما هاشمتان، وقيل: هاشمة. الرابعة: أوضح في مواضع
متفرقة، وهشم في كل واحد منها، فهي هاشمتان على الصحيح،
وقيل: موضحتان وهاشمة واحدة.
(7/132)
الخامسة: أدخل في دبره شيئا خرق به حاجزا في الباطن، هل
عليه أرش جائفة ؟ وجهان. السادسة: شجه متلاحمة، فأوضحه آخر
في ذلك الموضع بقطع اللحم الباقي، فعلى كل منهما حكومة.
السابعة: أجافة ونكأ في بعض الاعضاء الباطنة، كالامعاء،
فعليه مع أرش الجائفة حكومة.
القسم الثاني : إبانة الأطراف
والمقدر بدله من الاعضاء ستة عشر عضوا، العضو الاول:
الاذنان وفي استئصالهما قطعا أو قلعا كمال الدية، وحكي قول
أو وجه مخرج أن فيهما الحكومة، والمذهب الاول، وفي إحداهما
نصف الدية، وفي بعضها بقسطه، وتقدر بالمساحة، وسواء أذن
السميع والاصم، لان السمع ليس في نفس الاذن، ولو ضرب أذنه،
فاستحشفت، أي: يبست كشلل اليد، فقولان، أظهرهما: تجب
ديتها، كما لو ضرب يده، فشلت، والثاني: لا تجب إلا
الحكومة، لان منفعتها لا تبطل بالاستحشاف بخلاف الشلل. ولو
قطع أذنا مستحشفة، بني على هذا الخلاف، إن قلنا هناك: تجب
الدية، وجب هنا حكومة، كمن قطع يدا شلاء، وإن قلنا: تجب
الحكومة، وجب هنا الدية، وعن الشيخ أبي حامد: هذه الحكومة
مع الحكومة الواجبة بالجناية التي حصل بها الاستحشاف عن
كمال الدية وجهان. فرع لو لم يقتصر على استئصال الشاخص، بل
أوضح معه العظم، وجب دية الاذن، وأرش الموضحة ولا تتبعها،
لانه لا يتبع مقدر مقدرا.
(7/133)
العضو الثاني: العينان، ففي فقئهما كمال الدية، وفي
إحداهما: نصفها، وعين الاعور السليمة لا يجب فيها إلا نصف
الدية، ولو فقأ الاعور مثل عينه المبصرة، اقتص منه، وتكمل
الدية في عين الاحول والاعمش، والعمش: ضعف الرؤية مع سيلان
الدمع في أكثر الاوقات، ويقال: إن خلل الاعمش في الاجفان،
وفي عين الاعشى، وهو الذي لا يبصر ليلا، ويبصر نهارا،
والاخفش، وهو صغير العين ضعيف البصر، وقيل: هو من يبصر
بالليل دون النهار، لان المنفعة باقية في أعين هؤلاء،
ومقدار المنفعة لا ينظر إليه، ولو كان في العين بياض لا
ينقص الضوء لم يمنع القصاص ولا كمال الدية، سواء كان على
بياض الحدقة أو سوادها، وكذا لو كان على الناظر إلا أنه
رقيق لا يمنع الابصار ولا ينقص الضوء، وإن كان ينقص الضوء،
نظر، إن أمكن ضبط النقص بالاعتبار بالصحيحة التي لا بياض
فيها، سقط من الدية قسط ما نقص، وإلا فالواجب الحكومة.
العضو الثالث: الاجفان الاربعة، وفيها كمال الدية، وفي كل
جفن ربعها، وفي بعض الجفن قسطه من الربع، وسواء الجفن
الاعلى والاسفل، وجفن الاعمى والاعمش وغيرهما، ولا دية في
الجفن المستحشف، وإنما فيه الحكومة، ولو ضرب الجفن،
فاستحشف، لزمه الدية قطعا، ولو قلع الاجفان والعينان، لزمه
ديتان. فرع إزالة الاهداب وسائر الشعور، كشعر الرأس
واللحية، بالحلق وغيره من غير إفساد المنبت لا يوجب إلا
التعزير، فإن أفسد المنبت، لزمه الحكومة فإذا لم يكن على
الاجفان أهداب فالواجب بقطعها الدية، فإن قطعت وعليها
أهداب، فهل تجب مع الدية حكومة الاهداب، أم تدخل في الدية
؟ وجهان، أصحهما: الدخول، وتدخل حكومة الشعر على محل
الموضحة في أرش الموضحة على المذهب، وقيل: فيه وجهان.
العضو الرابع: الانف، ففي قطع المارن، وهو مالان من الانف
وخلا من
(7/134)
العظم كمال الدية، والمارن: ثلاث طبقات، الطرفان، والوترة
الحاجزة بينهما، وفي كيفية توزيع الدية، وجهان، أحدهما -
وبه قال أبو علي الطبري، ورجحه القاضيان الطبري والروياني
-، توزع على الثلاث، فعلى هذا إن رفع الحاجز وحده، وجب ثلث
الدية، ولو قطع أحد الطرفين، فكذلك، ولو قطعهما دون
الحاجز، أو أحدهما مع الحاجز، وجب ثلثا الدية، ولو قطع
أحدهما، ونصف الحاجز وجب نصف الدية، والوجه الثاني، وهو
المنصوص، ويحكى عن ابن سريج، وأبي إسحاق، وصححه البغوي: أن
الدية تتعلق بالطرفين، وليس في الحاجز إلا الحكومة، فعلى
هذا في الحاجز وحده الحكومة، وفي أحد الطرفين، نصف الدية،
وفي قطعهما دون الحاجز كمال الدية، وفي أحدهما مع الحاجز
أو بعضه نصف الدية وحكومة، ولو سقط بعض أنف المجذوم، فقطع
رجل الباقي، وجب قسطه من الدية، وأنف الاخشم كأنف الاشم،
ولو ضرب أنفه فاستحشف، أو قطع أنفا مستحشفا، فعلى الخلاف
المذكور في الاذن، ولو شق مارنه، فذهب بعضه ولم يلتئم،
فعليه من الدية قسط الذاهب، وإن لم يذهب منه شئ، فعليه
الحكومة، سواء التأم أم لا، ولو انجبرت القصبة بعد الكسر،
فعليه الحكومة، فإن بقي معوجا، كانت الحكومة أكثر. العضو
الخامس: الشفتان، ففي استيعابهما كمال الدية، سواء كانتا
غليظتين أم دقيقتين، كبيرتين أم صغيرتين، وفي إحداهما
نصفها، سواء التأم أم لا، ولو انجبرت القصبة بعد الكسر،
فعليه الحكومة، إلى الشدقين، وفي ضبطه في الطول أربعة
أوجه، أصحها وهو المنصوص وبه قطع الاكثرون: أن الشفة من
جوف الفم إلى الموضع الذي يستر اللثة، والثاني: أنها
المتجافي إلى محل الارتتاق، والثالث: الذي ينتأ عند إطباق
الفم، والرابع: الذي لو قطع لم تنطبق الشفة الاخرى على
الباقي، ولو ضرب شفته، فأشلها فصارت منقبضة لا تسترسل، أو
مسترسلة لا تنقبض، فعليه كمال الدية، وفي الشفة الشلاء
الحكومة، ولو شق شفتيه ولم يبق منهما شئ، لزمه حكومة، ولو
قطع شفة مشقوقة، فعليه دية ناقصة بقدر حكومة
(7/135)
الشق، ولو قطع بعض الشفة، وتقلص الباقي حتى بقيت كالمقطوع
جميعها، فهل يجب كمال الدية، أو تتوزع على المقطوع والباقي
؟ وجهان، وهل تتبع حكومة الشارب دية الشفة ؟ وجهان. العضو
السادس: اللسان، ففيه دية، ولسان الالكن، والمبرسم الذي
ثقل كلامه، والالثغ كغيره، وفي لسان الاخرس حكومة، سواء
كان خرسه أصليا أم عارضا، وفي وجوب الدية فيه احتمال لابن
سلمة، والمذهب الاول، وهذا إذا لم يذهب الذوق بقطع الاخرس،
أو كان قد ذهب ذوقه قبله، فأما إذا قطع لسانه، فذهب ذوقه،
ففيه الدية، ولو تعذر النطق لا لخلل في اللسان، ولكنه ولد
أصم، فلم يحسن الكلام، لانه لم يسمع شيئا، فهل تجب فيه
الدية أم الحكومة، وجهان يجئ ذكرهما إن شاء الله تعالى،
ولو قطع لسان طفل، نظر، إن نطق ببابا ودادا ونحوهما، أو
كان يحركه عند البكاء والضحك والامتصاص تحريكا صحيحا، وجبت
الدية لظهور آثار الكلام فيه، وإن لم يوجد نطق وتحريك، فإن
كان بلغ وقت النطق والتحريك، فالواجب حكومة، وإلا فالمذهب
وجوب الدية أخذا بظاهر السلامة، كما تجب الدية في رجله
ويده، وإن لم يكن في الحال بطش، وبهذا قطع جماهير الاصحاب
في طرقهم، ونقل الامام عن الاصحاب، أن الواجب الحكومة،
ونقل ابن القطان فيه قولين، وإذا قطع بعض لسانه طفل واقتضى
الحال إيجاب الحكومة، فأخذناها، ثم نطق ببعض الحروف وعرفنا
سلامة لسانه أوجبنا تمام القدر الذي يقتضيه القطع من
الدية، ولو كان للسانه طرفان، نظر، إن استويا
(7/136)
في الخلقة، فهو لسان مشقوق، فيجب بقطعهما الدية، وبقطع
أحدهما قسطه من الدية، وإن كان أحدهما تام الخلقة أصليا،
والآخر ناقص الخلقة زائدا، ففي قطعهما دية وحكومة، وفي
الاصلي دية، وفي الزائد حكومة، ولا يبلغ بحكومته دية قدره
من اللسان من ثلث وربع ونحوهما، وفي قطع اللهاة الحكومة.
السابع: الاسنان، فيجب في كل سن من الذكر الحر المسلم، خمس
من الابل، سواء قلعها، أو قطعها، أو كسرها ولو اقتلعها،
فبقيت معلقة بعروق، ثم عادت إلى ما كانت فليس عليه إلا
حكومة، ذكره الروياني، وتستوي الاسنان في الدية وإن اختلفت
منافعها، وتكمل دية السن بقلع كل سن أصلية تامة مثغورة غير
متقلقلة، فهذه أربعة قيود، الاول: كونها أصلية، ففي
الشاغية الحكومة لا الدية، ولو سقطت سنه فاتخذ سنا من ذهب
أو حديد أو عظم طاهر، فلا دية في قلعها، وأما الحكومة، فإن
قلعت قبل الالتحام، لم تجب، لكن يعزر القالع، وإن قلعت بعد
تشبث اللحم بها، واستعدادها للمضغ والقطع، فلا حكومة أيضا
على الاظهر. الثاني: كونها تامة، وتكمل دية السن بكسر ما
ظهر من السن، وإن بقي السنخ بحاله، ولو قلع السن من السنخ،
وجب أرش السن فقط على المذهب، وقيل في وجوب الحكومة معه
وجهان، ولو كسر الظاهر رجل، وقلع السنخ آخر، فعلى الاول
دية سن، وعلى الثاني حكومة قطعا، ولو عاد ا لاول وقلعه بعد
الاندمال، فعليه حكومة مع الدية، وإن قلعه قبل الاندمال،
فكذلك على الاصح، وقيل: لا حكومة، وطرد مثل هذا في قطع
الكف بعد قطع الاصابع من القاطع أو غيره، ولو قطع بعض
الظاهر، فعليه قسطه من الارش وينسب المقطوع إلى الباقي من
الظاهر، ولا يعتبر السنخ على المذهب، وبه قطع الجمهور،
وقيل: وجهان، ثانيهما يوزع عليه وعلى السنخ، وفي معنى هذا
صور منها: أن الدية تكمل في قطع الحشفة. ومنها: حلمة الثدي
فيها كمال الدية، فلو استؤصل الثدي ففيه الطريقان، والمذهب
فيهما الاندراج.
(7/137)
ومنها: في المارن الدية، فلو قطعه مع القصبة، فهل تندرج
حكومة القصبة في دية المارن ؟ وجهان، الصحيح الاندراج.
واعلم أنا قدمنا أن قصبة الانف محل الموضحة في الوجه، وكذا
هي محل الهاشمة والمنقلة، وإبانة القصبة أعظم من المنقلة،
فيجب أن تجب فيها مع دية المارن أرش المنقلة، وقد حكى ابن
كج هذا عن النص، لكن لم أجد لغيره تعرضا له. وإذا قلنا
بالاندراج في هذه الصور، فقطع بعض الحشفة أو الحلمة أو
المارن، فهل ينسب المقطوع إلى الحشفة أم جميع الذكر، وإلى
الحلمة أم جميع الثدي، وإلى المارن أم إليه مع القصبة ؟
فيه الطريقان اللذان في بعض ظاهر السن، والمذهب التوزيع
على الحشفة والحلمة والمارن فقط، فإذا اختلفا في قدر
المكسور من ظاهر السن، فالمصدق الجاني، لان الاصل براءته.
فرع كسر واحد بعض ظاهر السن، ثم كسر غيره الباقي من
الظاهر، فعلى كل منهما قسط ما كسره من الارش، ولو قلع
الثاني الباقي مع السنخ، فطريقان، أحدهما على وجهين،
أحدهما: عليه أرش الباقي وحكومة السنخ، والثاني: عليه
الارش فقط، والطريق الثاني - وهو الاصح وبه قطع الاكثرون -
ينظر في جناية الاول، فإن كسر بعض السن في العرض، وبقي
الاسفل بحاله، فليس على الثاني حكومة السنخ، بل يدخل في
أرش الباقي، وإن كسر بعضها في الطول، فحكومة السنخ بقدر ما
يجب الباقي من السن يدخل في أرشه، وما لا شئ فوقه تلزمه
حكومته. فرع لو ظهر بعض السنخ بخلل أصاب اللثة، لم يلحق
ذلك بالظاهر، بل
(7/138)
تكمل الدية فيما كان ظاهرا في الاصل. فرع لو تناثر بعض
السن، أو تآكل، ففي قلعها قسط ما بقي من الدية، فإن اختلفا
في قدر المتناثر والمتآكل، صدق المجني عليه بيمينه. فرع لو
كانت أسنانه من الاعلى طويلة، ومن الاسفل قصيرة، أو
بالعكس، لم يؤثر ذلك، ووجب لكل واحدة كمال الارش، والغالب
أن الثنايا من الاسنان تكون أطول من الرباعيات بقليل، فلو
كانت ثناياه كرباعياته أو أقصر منها، فوجهان، أحدهما حكاه
الامام عن الاكثرين: لا يجب فيها تمام الارش بل ينقص منه
بحسب نقصانها، وبهذا قطع الروياني، والثاني: يجب كمال
الارش، وبه قطع البغوي، ولو كانت إحدى الثنيتين من الاعلى
أو الاسفل أقصر من أختها، فقلعت الصغيرة، نقص من ديتها
بقدر نقصانها، لان الغالب أنهما لا تختلفان، فإذا اختلفتا،
كانت القصيرة ناقصة، ولو أنهى صغر السن إلى أن بطلت منفعته
ولم يصلح للمضغ، ففي قلعها الحكومة دون الدية، كاليد
الشلاء. القيد الثالث: كونها مثغورة، فلو قلع سن صغير لم
يثغر، فقد سبق في كتاب الجنايات أنه لا يستوفى في الحال
قصاص ولا دية، لان الغالب عودها، فهي كالشعر يحلق، لكن
ينتظر عودها فإن عادت، فلا قصاص ولا دية، وتجب الحكومة إن
بقي شين، وإلا فهل يعتبر حال الجناية وقيام الالم أم لا
يجب شئ ؟ فيه خلاف يأتي في باب الحكومات إن شاء الله
تعالى، وإن مضت المدة التي يتوقع فيها العود ولم تعد، وفسد
المنبت، استوفي القصاص أو الدية، فإن مات الصبي قبل بيان
الحال، ففي وجوب الارش وجهان، وقيل: قولان، أحدهما: يجب
لتحقق الجناية والاصل عدم العود، وأصحهما: لا، لان الاصل
البراءة، والظاهر العود لو عاش، فعلى هذا تجب الحكومة، قال
المتولي: هذا على طريقة من يعتبر حال
(7/139)
الجناية والالم، ولو قلع رجل سن الصغير، وجنى آخر على
منبته جناية أبطلت النبات، قال الامام: لا وجه لايجاب
الارش على الثاني ولا عليهما، أما الاول فيجوز أن يقال
بوجوبه عليه، ويجوز أن يقتصر على الحكومة، ولو سقطت سنة
بنفسها، ثم جنى جان وأفسد المنبت، فيجوز أن يقال بوجوب
الارش على الثاني، لانه أفسد المنبت، ولم تسبقه جناية بحال
عليها. فرع لو قلع سن مثغور، فأخذ منه الارش، فعادت السن
على الندور، لم يسترد الارش على الاظهر، ولو التحمت
الموضحة أو الجائفة بعد أخذ أرشها، لم يسترد على الصحيح،
ولو جنى على يده فذهب بطشها، أو على عينه فذهب بصرها،
فأخذنا ديتهما لظن زوال البطش والبصر، ثم قويت اليد والعين
فصار يبطش ويبصر، استردت الدية قطعا، لان الشلل والعمى
المحققين لا يزولان، وكذا الحكم في السمع وسائر المعاني.
فرع قلع سن صغير، فطلع بعضها ومات الصغير قبل أن يتم
نباتها، فعليه من الدية، نص عليه الشافعي رحمه الله، ولو
قلعها قبل تمام الطلوع آخر، فعن النص انتظار نباتها، فإن
لم تنبت، فعليه حكومة هي أكثر من حكومة المرة الاولى.
القيد الرابع: كونها ثابتة غير متقلقلة، فإن كانت متحركة
حركة يسيرة لا تنقص المنافع، لم يؤثر تحركها في قصاص ولا
دية، وإن كان بها اضطراب شديد بهرم أو مرض ونحوهما، نظر،
إن بطلت منفعتها، ففيها الحكومة، وإن نقصت، فهل يجب الارش
أم الحكومة ؟ قولان، أظهرهما: الارش، وقال الامام: إن كان
الغالب على الظن نباتها، وجب الارش قطعا، وإن كان الغالب
على الظن سقوطها، فهو موضع القولين، ولو ضرب سن رجل
فتزلزلت وتحركت، نظر، إن سقطت
(7/140)
بعد ذلك، لزمه الارش، وإن عادت كما كانت، فلا أرش، وفي
وجوب الحكومة وجهان، كما إذا لم يبق في الجراحة نقص ولا
شين، وإن بقيت كذلك ناقصة المنفعة، فهل يجب الارش أم
الحكومة ؟ فيه القولان، فإن قلعها آخر، فعليه الارش إن
أوجبنا على الاول الحكومة، والحكومة إن أوجبنا على الاول
الارش، قال الشيخ أبو حامد: إن قلنا: تجب الحكومة، فهي دون
حكومة السن المتحركة بهرم ومرض، لان النقص الذي فيها قد
غرمه الجاني الاول بخلاف الهرم، وقطع المتولي بأنه ليس على
الثاني إلا حكومة بخلاف ما لو كان الاضطراب بهرم ومرض، لان
خلل الجناية يخالفهما، ولهذا لو قتل مشرفا على الموت في
آخر رمق بالمرض، وجب القصاص، ولو كان في هذا الحال بجناية،
فلا قصاص، ولو جنى على سن، فاضطربت ونقصت منفعتها، وقلنا:
الواجب عليه الحكومة، فعاد وقلعها قبل أن يضمن الحكومة،
فعليه الارش بكماله. فرع قلع سنا سوداء كاملة المنفعة،
نظر، إن كانت سوداء قبل أن يثغر وبعده، لزمه كمال الارش،
وإن كانت في الاصل بيضاء، فلما ثغر نبتت سوداء، أو نبتت
بيضاء ثم اسودت، فعن نص الشافعي رحمه الله أنه يراجع أهل
الخبرة، فإن قالوا: لا يكون ذلك إلا لعلة حادثة، ففي قلعها
الحكومة، وإن قالوا: لم يحدث ذلك لعلة، أو قالوا: مثل هذا
قد يكون لعلة ومرض، وقد يكون لغيره، وجب كمال الارش، والرد
إلى الحكومة للمرض مع كمال المنفعة خلاف القياس، وإن ضرب
سنا فاسودت، فهل يجب الارش أم الحكومة ؟ نقل المزني اختلاف
نص فيه، فقيل: قولان والمذهب وما قطع به الجمهور تنزيل
النصين على حالين، إن فاتت المنفعة مع الاسوداد، وجب
الارش، وإلا فالحكومة، ولو اخضرت السن بجناية أو اصفرت،
وجبت الحكومة، وحكومة الاخضرار أقل من الاسوداد، وحكومة
الاصفرار أقل من الاخضرار.
(7/141)
فصل الاسنان في غالب الفطرة اثنتان وثلاثون، منها أربع
ثنايا وهي الواقعة في مقدم الفم، ثنتان من أعلى وثنتان من
أسفل، ويليهما أربع من أعلى وأسفل يقال لها: الرباعيات
بفتح الراء وتخفيف الباء، ثم أربع ضواحك، ثم أربعة أنياب
وأربعة نواجذ، واثنا عشر ضرسا، ويقال لها: الطواحن، ففي كل
سن منها خمس من الابل كما سبق ما لم يجاوز عشرين سنا، فإن
جاوزها، فقولان، أحدهما: لا يجب إلا مائة من الابل،
وأظهرهما وقطع به جماعة: يجب لكل سن خمس، فلو كانت ثنتين
وثلاثين، فقلعها، وجب مائة وستون بعيرا، وهذا الخلاف إذا
اتحد الجاني والجناية، فإن تعدد الجاني، بأن قلع عشرين
سنا، وقلع غيره الباقي، فعلى الاول مائة بعير، وعلى الثاني
ستون قطعا، وإن اتحد الجاني، وتعددت الجناية، نظر، إن تخلل
الاندمال بأن قلع سنا وتركه حتى برأت اللثة، وزال الالم،
ثم قلع أخرى وهكذا إلى استيعاب الاسنان، لزمه لكل سن خمس
قطعا، وإن لم يتخلل الاندمال، فعلى القولين، وقيل: يتعدد
قطعا، وصورة الجناية الواحدة أن يسقطها كلها بضربة أو
يسقيه دواء يسقطها. فرع قد تزيد الاسنان على ثنتين
وثلاثين، فإن زادت، فهل يجب لكل سن خمس، أم لا يجب في
الزائد على ذلك إلا الحكومة كالاصبع الزائد ؟ وجهان. العضو
الثامن: اللحيان، وهما العظمان اللذان عليهما منبت الاسنان
السفلى وملتقاهما الذقن، وفيهما كمال الدية، وفي أحدهما إن
ثبت الآخر نصفها، فلو كان على اللحيين أسنان كما هو
الغالب، فوجهان، أحدهما: لا يجب إلا دية اللحيين ويدخل
فيها أروش الاسنان، وأصحهما: تجب دية اللحيين وأروش
الاسنان. التاسع: اليدان، وفيهما كمال الدية، وفي إحداهما
نصفها، وتكمل الدية
(7/142)
بلقط الاصابع، ولو قطع من الكوع، فالواجب ما يجب في
الاصابع وتدخل حكومة الكف في ديتها، ولو قطع من بعض
الساعد، أو المرفق، أو المنكب، وجبت حكومتها مع الدية
بخلاف الكف، لان الكف مع الاصابع كالعضو الواحد، وقال ابن
حربويه من أصحابنا: نهاية اليد التي يجب فيها الدية: الابط
والمنكب، ويجب فيما دون ذلك قسطه من الدية، والصحيح الاول،
وبه قطع الجمهور، وفي كل أصبع عشر من الابل، تستوي فيه
جميع الاصابع، وفي كل أنملة من الابهام خمس من الابل، وفي
كل أنملة من غيرها ثلاثة أبعرة وثلث، ولو انقسمت أصبع
بأربع أنامل متساوية، ففي كل واحدة بعيران ونصف. فرع ما
ذكرناه من اندراج حكومة الكف تحت دية الاصابع هو فيما إذا
قطع من الكوع، وأبان الكف والاصابع بجناية واحدة، فأما إذا
قطع واحد الاصابع، وآخر الكف، أو قطع واحد الاصابع ثم الكف
قبل الاندمال أو بعده، فعلى ما ذكرناه في الاسنان. فرع إذا
كان على معصم إنسان كفان مع الاصابع، أو على العضد ذراعان
وكفان، أو على المنكب عضدان وذراعان وكفان مع الاصابع، نظر
إن لم يبطش بواحد منهما، فليس فيهما قصاص ولا دية، وإنما
يجب فيهما الحكومة كاليد الشلاء، وإن كان فيهما بطش، نظر،
إن كانت إحداهما أصلية والاخرى زائدة، ففي الاصلية القصاص
والدية، وفي الزائدة الحكومة، وطريق معرفة الزائدة أن
ينظر، فإن اختصت إحداهما ببطش أو قوة بطش، فهي الاصلية،
وسواء كانت الباطشة أو التي هي أقوى بطشا على استواء
الذراع، أو منحرفة عنه، فإن كانت إحداهما مستوية، والاخرى
منحرفة، فالمستوية هي الاصلية، وإن كانت إحداهما معتدلة
الاصابع والاخرى زائدة، فوجهان، قال القاضي حسين: المعتدلة
هي الاصلية، لان الزيادة على الكمال نقصان، وقال الاكثرون:
لا يؤثر ذلك في التمييز، لان اليد الاصلية كثيرا ما تشتمل
على الاصبع الزائدة، ولو كانت
(7/143)
إحداهما ناقصة بأصبع، ولكنها مستوية، والاخرى كاملة
الاصابع منحرفة، فأيتهما الاصلية ؟ فيه احتمال للامام،
وأما إذا لم تتميز الاصلية عن الزائدة بشئ، فهما كيد
واحدة، فيجب في قطعهما القصاص أو كمال الدية، ويجب مع
القصاص أو الدية حكومة لزيادة الصورة، وعن المزني أنه لا
قصاص لنقصهما بتشوه الخلقة، ولو قطعت إحداهما لم يجب
القصاص، ويجب فيها نصف دية وزيادة حكومة، وقيل: لا تجب
الحكومة، وهو غريب، والصحيح الاول، فعلى هذا في الاصبع
منها نصف دية اصبع وحكومة، وفي الانملة نصف دية أنملة
وحكومة، ولو عاد الجاني بعد أخذ الارش والحكومة منه، فقطع
اليد الاخرى، وأراد المجني عليه القصاص ورد ما أخذه غير
قدر الحكومة، هل له ذلك، وجهان، أحدهما: لا، لانه أسقط بعض
القصاص فلا عود إليه، والثاني: نعم، لان القصاص لم يكن
ممكنا، وإنما أخذ الارش لتعذره لا لاسقاطه. فرع لو قطع
صاحب اليدين الباطشتين يد معتدل لم تقطع يداه للزيادة،
وللمجني عليه أن يقطع إحداهما، ويأخذ نصف دية اليد ناقصا
بشئ، فلو بادر وقطعهما، عزر، وأخذت منه حكومة للزيادة، وإن
كانت إحدى يدي القاطع زائدة، وأمكن إفراد الاصلية بالقطع،
قطعت ولم يلزم شئ آخر، وإن علم أن إحداهما زائدة ولم تعلم
عينها، لم تقطع واحدة منهما. فرع كانت إحدى يمينيه باطشة
دون الاخرى، فقطعت الباطشة، فاستوفى ديتها، فصارت الاخرى
باطشة، أو كانت ناقصة البطش، فقوي، فقد تبينا أن الثانية
أصلية حتى لو قطعها قاطع لزمه القصاص، أو كمال الدية، وهل
يسترد القاطع أولا الارش ويرد إلى مقدار الحكومة ؟ وجهان،
أصحهما: لا، فلا يغير ما مضى، وهذه نعمة من الله تعالى،
ولو كانتا باطشتين على السواء، فغرمنا قاطع إحداهما نصف
دية اليد وزيادة حكومة، فازدادت قوة الباقية، واشتد بطشها،
فهل يسترد من
(7/144)
أرش الاولى ما يرده إلى قدر الحكومة ؟ فيه الوجهان، وإن
ضعفت الثانية لما قطعت الاولى، وبطل بطشها، عرفنا أن
الاصلية هي المقطوعة، فعلى قاطعها القصاص أو كمال الدية،
قال ابن كج: ويحتمل أن لا قصاص. العضو العاشر: الرجلان،
ففيهما كمال الدية، وفي إحداهما نصفها، ورجل الاعرج كرجل
الصحيح، لانه لا خلل في العضو، ولو قطع رجلا تعطل مشيها
بكسر الفقار، فوجهان، أحدهما: الواجب الحكومة، كاليد
الشلاء، وأصحهما: الدية، لان الرجل صحيحة، والخلل في
غيرها، وتكمل دية الرجلين بالتقاط أصابعهما، والقدم كالكف،
والساق كالساعد، والفخذ كالعضد، وأنامل أصابع الرجل كأنامل
أصابع اليد، وقدمان على ساق، وساقان على ركبة ككفين على
معصم، وساعدين على عضد، وقد سبق بيان الجميع، وكذا يقاس
بما تقدم حكم الرجل الشلاء، وحصول الشلل بالجناية عليها.
العضو الحادي عشر: حلمتا المرأة، وفيهما كمال ديتها، وفي
إحداهما نصفها، والحلمة: المجتمع نابتا على رأس الثدي، قال
الامام: ولون الحلمة يخالف لون الثدي غالبا، وحواليها دارة
على لونها، وهي من الثدي لا من الحلمة، ولو قطع الثدي مع
الحلمة، لم يجب إلا الدية، وتدخل فيها حكومة الثدي، وفيه
وجه قدمناه، وعن الماسرجسي نقله قولا، ولو قطع مع الثدي
جلدة الصدر، وجبت حكومة الجلدة مع الدية قطعا، وإن وصلت
الجراحة إلى الباطن، وجب مع دية الحلمة أرش الجائفة، وهل
يجب في قطع حلمة الرجل دية أم حكومة ؟ قولان، أظهرهما:
حكومة، وقيل: حكومة قطعا، ولو قطع مع حلمة الرجل الثندوة،
أفردت الثندوة بحكومة على المذهب، وقيل: إذا أوجبنا في
حلمته دية، دخلت فيها حكومة الثندوة، والثندوة: لحمة تحت
الحلمة إذا لم يكن الرجل مهزولا. فرع تقطع حلمة المرأة
بحلمة المرأة، وفي التتمة وجه أنه إذا لم يتدل الثدي، فلا
قصاص، لاتصالها بلحم الصدر، وتعذر التمييز، والصحيح الاول،
قال البغوي: ولا قصاص في الثدي، لانه لا يمكن المماثلة،
وللمجني عليها أن
(7/145)
تقتص في الحلمة، وتأخذ حكومة الثدي، ولك أن تقول: المماثلة
ممكنة، فإن الثدي هذا الشاخص، وهو أقرب إلى الضبط من
الشفتين والاليتين ونحوهما، وتقطع حلمة الرجل بحلمة الرجل
إن أوجبنا فيها الحكومة أو الدية، وتقطع حلمة الرجل بحلمة
المرأة وبالعكس، إن أوجبنا في حلمة الرجل الدية، فإن
أوجبنا الحكومة، لم تقطع حلمتها بحلمته وإن رضيت، كما لا
تقطع صحيحة بشلاء، وتقطع حلمته بحلمتها إن رضيت، كما تقطع
الشلاء بالصحيحة إذا رضي المستحق. فرع هل يستدل بنهود
الثدي وتدليها على أنوثة الخنثى ؟ وجهان سبقا في الطهارة،
قال أبو علي الطبري: نعم، والجمهور: لا، فإن قطعا، فعلى
قول الطبري: تجب دية امرأة، وعلى قول الجمهور، إن قلنا: في
حلمة الرجل الدية، وجب هنا دية امرأة أخذا باليقين، وإن
قلنا: الحكومة، وجب هنا حكومة. فرع ضرب ثدي المرأة، فشل،
فعليه الدية، ولو كانت ناهدا، فاسترسل ثديها، لم تجب إلا
الحكومة، لان الفائت مجرد الجمال، ولو استرسل بالضرب ثدي
الخنثى ولم يجعل الثدي أمارة الانوثة، فلا حكومة في الحال،
لجواز كونه رجلا، فلا يلحقه نقص بالاسترسال، ولا يفوت
جماله، فإن بانت امرأة، وجبت الحكومة. العضو الثاني عشر:
الذكر، وفيه كمال الدية، سواء ذكر الشيخ والشاب والصغير
والعنين والخصي وغيرهم، وفي الاشل حكومة، ولو ضرب ذكرا
فشل، فعليه كمال الدية، ولو خرج عن أن يمكن به الجماع من
غير شلل ولا تعذر انقباض وانبساط، فعليه الحكومة، لان
العضو ومنفعته باقيان، والخلل في غيرهما، فلو قطعه قاطع
بعد ذلك، فعليه القصاص أو الدية، هكذا ذكره ابن الصباغ
والبغوي وغيرهما، وفيه نظر، وتكمل الدية بقطع الحشفة وفي
بعض الحشفة قسطه من
(7/146)
الدية، وهل يكون التقسيط على الحشفة فقط أم على جملة الذكر
؟ فيه خلاف سبق في فصل الاسنان، والمذهب أولهما، قال
المتولي: هذا إذا لم يختل مجرى البول، بأن قطع بعض الذكر
طولا، فإن اختل، فعليه أكثر الامرين من قسطه من الدية،
وحكومة فساد المجرى، قال: ولو قطع جزءا من الذكر مما تحت
الحشفة، فإن انتهت الجراحة إلى مجرى البول، فقد سبق خلاف
في كونها جائفة، وإن لم ينته، فإن قلنا: في قطع بعض الحشفة
يقسط على الحشفة فقط، فعليه هنا حكومة، وإن قسطنا على
الذكر، فعليه قسط المقطوع من الدية، وإن لم يبن شيئا من
الذكر، لكن شقه طولا، وزالت منفعته بذلك، وجبت الدية
كالشلل، وتجب في بقية الذكر وحدها الحكومة، وإذا استأصل
الذكر، وجبت الدية بلا حكومة على المذهب، وقيل: تجب مع
الدية حكومة. العضو الثالث عشر: الانثيان، وفيهما كمال
الدية، وفي إحداهما نصفها. العضو الرابع عشر: الاليان،
وفيهما كمال الدية، وفي إحداهما نصفها، والالية الناتئ
المشرف على استواء الظهر والفخذ، ولا يشترط في وجوب الدية
قرع العظم، واتصال الحديدة إليه، ولو قطع بعض إحداهما، وجب
قسط المقطوع إن عرف قدره وضبطه، وإلا فالحكومة، وسواء في
هذا العضو الرجل والمرأة، ولا نظر إلى اختلاف القدر
الناتئ، واختلاف الناس فيه كاختلافهم في سائر الاعضاء. ولو
قطع أليته، فنبتت، والتحم الموضع، قال البغوي: لا تسقط
الدية على المذهب. الخامس عشر: الشفران للمرأة: هما
اللحمان المشرفان على المنفذ، وفيهما كمال الدية، وفي
إحداهما نصفها، سواء فيه السمينة والمهزولة، والبكر
والثيب، والرتقاء والقرناء، إذ لا خلل في نفس شفرهما،
وسواء المختونة وغيرها، ولو ضرب شفريها فشلا، وجب كمال
الدية، ولو قطع مع الشفرين الركب بفتح الراء والكاف وهو
عانة المرأة، وجب حكومة مع الدية، وكذا لو قطع شيئا من
عانة الرجل مع الذكر، ولو قطع شفري بكر، وأزال بالجناية
بكارتها، وجب مع دية الشفرين
(7/147)
أرش البكارة، ولو قطع شفريها، فجرح موضعهما آخر بقطع لحم
وغيره، لزم الثاني حكومة. السادس عشر: الجلد، فإذا سلخ
جلده، وجب كمال الدية، قال الائمة: وسلخ جميعه قاتل، لكن
قد يفرض حياة مستقرة بعد، فتظهر فائدة إيجاب الدية فيه لو
حز غيره رقبته، وحكى الامام عن الشيخ أبي علي أنه لو قطعت
يداه بعد سلخ الجلد، توزع مساحة الجلد على جميع البدن، فما
يخص اليدين يحط من دية اليدين ويجب الباقي، وعلى هذا
القياس لو قطع يد رجل، ثم جاء آخر، فسلخ جلده، لزم السالخ
دية الجلد إلا قسط اليدين. فصل الترقوة: هي العظم المتصل
بين المنكب وتغرة النحر، ولكل شخص ترقوتان، فالمشهور من
نصوص الشافعي رحمه الله في الام وغيره أن في الترقوتين
حكومة، ونص في اختلاف الحديث وغيره أن فيه جملا، فقيل:
قولان، القديم جمل، والجديد حكومة، وقطع الجمهور بالحكومة
وهو المذهب، كالضلع وسائر العظام.
القسم الثالث : إزالة المنافع
وهي ثلاثة عشر شيئا. الاول: العقل، فتجب بإزالته كمال
الدية، ولا يجب فيه قصاص لعدم الامكان، ولو نقص عقله ولم
تستقم أحواله، نظر، إن أمكن الضبط، وجب قسط الزائل، والضبط
قد يتأتى بالزمان بأن يجن يوما، ويفيق يوما، فتجب نصف
الدية، أو يوما ويفيق يومين، فيجب الثلث، وقد يتأتى بغير
الزمان، بأن يقابل صواب قوله، ومنظوم فعله بالخطأ المطروح
منهما، وتعرف النسبة بينهما، فيجب قسط الزائل، وإن لم يمكن
الضبط، بأن كان يفزع أحيانا مما يفزع، أو يستوحش إذا خلا،
وجبت حكومة يقدرها الحاكم باجتهاده، وذكر المتولي أن الدية
إنما تجب عند تحقق الزوال بأن يقول أهل الخبرة: لا يزول
العارض الحادث، أما إذا توقعوا زواله، فيتوقف في الدية،
فإن مات قبل الاستقامة، ففي الدية وجهان، كما لو قلع
(7/148)
سن مثغور، فمات قبل عودها. فرع ينظر في الجناية التي ذهب
بها العقل، فإن لم يكن لها أرش، بأن ضرب رأسه، أو لطمه،
فذهب عقله، وجبت دية العقل، وإن كان لها أرش مقدر،
كالموضحة واليد والرجل أو غير مقدر كالجراحة الموجبة
للحكومة، فقولان، القديم: أنه يدخل الاقل في الاكثر، فإن
كانت دية العقل أكثر بأن أوضحه فزال عقله، دخل فيها أرش
الموضحة، وإن كان أرش الجناية أكثر، بأن قطع يديه ورجليه،
أو يديه مع بعض الذراع فزال عقله، دخل فيه دية العقل،
والجديد الاظهر: لا تداخل، بل يجب دية العقل وأرش الجناية،
فعلى هذا لو قطع يديه ورجليه فزال عقله، وجب ثلاث ديات،
وعلى القديم تجب ديتان، وقيل: إن كان أرش الجناية بقدر
الدية أو أكثر، وجب دية العقل معها قطعا، وإلا فعلى
القولين، وقيل: إن لم يكن أرش الجناية مقدرا، لم يدخل في
دية العقل قطعا. فرع أنكر الجاني زوال العقل ونسبه إلى
التجانن، راقبناه في الخلوات والغفلات، فإن لم تنتظم
أفعاله وأقواله، أوجبنا الدية ولا نحلفه، لانه يتجانن في
الجواب، ولان يمينه تثبت جنونه، والمجنون لا يحلف، وإن
وجدناها منظومة، صدق الجاني بيمينه، وإنما حلفناه، لاحتمال
صدورها منه اتفاقا وجريا على العادة. الثاني: السمع، وفي
إبطاله كمال الدية، ولو أبطله من إحدى الاذنين، وجب نصف
الدية على الصحيح وبه قطع الجمهور، وقيل: يجب بقسط ما نقص
(7/149)
من السمع من الدية، ولو قطع الاذن، وبطل السمع، وجب ديتان،
لان السمع ليس في الاذن، ولو جنى عليه، فصار لا يسمع في
الحال، لكن قال أهل الخبرة: يتوقع عوده، نظر، إن قدروا
مدة، انتظرناها، فإن لم يعد، أخذت الدية، واستثنى الامام
ما إذا قدروا مدة يغلب على الظن انقراض العمر قبل فراغها،
وقال: الوجه أن تؤخذ الدية ولا ينتظر هذه المدة، وإن لم
يقدروا مدة: أخذت الدية في الحال، فإن عاد، ردت، لانه بان
أنه لم يزل، وإن قال أهل الخبرة: لطيفة السمع باقية في
مقرها، ولكن ارتتق داخل الاذن بالجناية وامتنع نفوذ الصوت،
ولم يتوقعوا زوال الارتتاق، فالواجب الحكومة على الاصح،
وقيل: الدية، ويجري الوجهان فيما لو أذهب سمع صبي فتعطل
لذلك نطقه، فإن الطفل يتدرج إلى النطق تلقيا مما يسمع أنه
هل تجب دية للنطق مضمومة إلى دية السمع ؟ فرع أنكر الجاني
زوال السمع، امتحن المجني عليه، بأن يصاح به في نومه وحال
غفلته صياحا منكرا، وبأن يتأمل حاله عند صوت الرعد الشديد،
فإن ظهر منه انزعاج واضطراب، علمنا كذبه، ومع ذلك يحلف
الجاني لاحتمال أن الانزعاج بسبب آخر اتفاقي، وإن لم يظهر
عليه أثر، علمنا صدقه ومع ذلك يحلف لاحتمال أنه يتجلد، وإن
ادعى ذهاب سمع إحدى الاذنين، حشيت السليمة وامتحن في
الاخرى على ما ذكرناه. فرع نقص سمعه من الاذنين، نظر، إن
عرف قدر ما نقص، بأن علم أنه كان يسمع من موضع فصار يسمع
من دونه، ضبط ما نقص، ووجب قسطه من الدية، وإن لم يعلم
ولكن نقص سمعه، وثقلت أذنه، قال الاكثرون: تجب فيه حكومة
يقدرها الحاكم باجتهاده، وذكر الامام وغيره، أنه يقدر
بالاعتبار بسليم السمع في مثل سنه وصحته، بأن يجلس بجنب
المجني عليه، ويؤمر من يرفع صوته، ويناديهما من مسافة
بعيدة لا يسمعه واحد منهما، ثم يقرب المنادي شيئا فشيئا
إلى أن يقول السليم: سمعت، فيعرف الموضع، ثم يديم المنادي
ذلك الحد من رفع الصوت ويقرب إلى أن يقول المجني عليه:
سمعت، فيضبط ما بينهما من
(7/150)
التفاوت، وإن نقص سمعه من إحدى الاذنين، صممت العليلة،
وضبط منتهى سماع الصحيحة، ثم تصمم الصحيحة، ويضبط منتهى
سماع العليلة، ويجب من الدية بقسط التفاوت، وإن كذبه
الجاني في دعوى انتقاص السمع، فالمصدق المجني عليه بيمينه،
سواء ادعى نقصه من الاذنين أو إحداهما، لانه لاي يعرف إلا
من جهته. الثالث: البصر. ففي إذهابه من العينين كمال
الدية، ومن إحداهما نصفها، سواء ضعيف البصر بالعمش وغيره،
والاحول والاخفش وغيرهم، ولو فقأ عينيه، لم تجب إلا دية،
كقطع يديه بخلاف ما لو قطع أذنيه، وذهب سمعه، لما سبق أنه
ليس السمع في الاذنين، ولو قال عدلان: إن البصر يعود، فرق
بين أن يقدروا مدة، أو لا يقدروا، ويكون حكمه ما سبق في
الاذنين، ولو مات المجني عليه قبل مضي تلك المدة، فلا قصاص
للشبهة، وفي الدية طريقان، أحدهما: على الوجهين فيمن قلع
سن غير مثغور، ومات قبل أوان النبات، والمذهب القطع
بوجوبها، لان الظاهر في السن العود لو عاش بخلاف البصر،
ولو قال الجاني: مات بعد عود السمع أو البصر، وقال الوارث:
قبله، صدق الوارث. فرع ادعى المجني عليه زوال البصر، وأنكر
الجاني، فوجهان، أحدهما وهو نصه في الام: يراجع أهل
الخبرة، فإنهم إذا وقفوا الشخص في مقابلة عين الشمس،
ونظروا في عينيه، عرفوا أن الضوء ذاهب أم موجود، بخلاف
السمع لا يراجعون فيه إذ لا طريق لهم إليه، والثاني: يمتحن
بتقريب حية، أو عقرب منه، أو حديدة من حدقته مغافصة، فإن
انزعج، فالقول قول الجاني بيمينه، وإلا فقول المجني عليه
بيمينه، قال المتولي: الامر إلى خبرة الحاكم، إن أراد
مراجعتهم،
(7/151)
فعل، وإن أراد امتحانه فعل، وإذا روجع أهل الخبرة، فشهدوا
بذهاب البصر، فلا حاجة إلى التحليف، وتؤخذ الدية بخلاف
الامتحان، فإنه لا بد من التحليف بعده، ولا يقبل في ذهاب
البصر إن كانت الجناية عمدا إلا شهادة رجلين، وإن كانت
خطأ، قبل رجل وامرأتان، وإذا ادعى ذهاب بصر إحدى العينين،
روجع أهل الخبرة، أو امتحن كما ذكرنا في العينين. فرع إذا
نقص ضوء العينين ولم يذهب، فإن عرف قدره، بأن كان يرى
الشخص من مسافة، فصار لا يراه إلا من بعضها، وجب من الدية
قسط الذاهب، وإن لم يعرف، فعلى الخلاف في السمع، قال
الاكثرون: تجب حكومة يقدرها الحاكم باجتهاده، ولا يعتبر
تغيره لاختلاف الناس في الادراك. عن الماسرجسي قال: رأيت
صيادا يرى الصيد على فرسخين. وإن نقص ضوء إحدى العينين،
عصبت العليلة، وأطلقت الصحيحة، ووقف شخص في موضع يراه،
ويؤمر أن يتباعد حتى يقول: لا أراه، فتعرف المسافة، ثم
تعصب الصحيحة وتطلق العليلة، ويؤمر الشخص بأن يقرب راجعا
إلى أن يراه، فيضبط ما بين المسافتين، ويجب قسطه من الدية،
ثم إنه متهم في هذا الضبط بالزيادة في الصحيحة، وبالنقص في
العليلة، فلا يؤمن كذبه، فيمتحن في قوله أبصر في الصحيحة،
بأن تغير ثياب الشخص الذي يبعد ويقرب، ويسأل عنها، فينظر،
أيصيب أم لا، وأما في العليلة فقيل: يحلف أنه لا يبصر فوق
ذلك، وقال الاكثرون: يمتحن بأن تضبط تلك الغاية ويؤمر
الشخص بأن ينتقل إلى سائر الجهات والمجني عليه بأن يدور،
فإن توافقت الغاية من الجهات صدقناه، وإلا كذبناه، ويجري
مثل هذا الامتحان في نقصان سمع إحدى الاذنين، فيمتحن في
قوله: أسمع بالصحيحة، بأن يغير المنادي نداءه وكلامه،
وينظر، هل يقف عليه المجني عليه، وفي قوله: لا أسمع
بالعليلة، بأن
(7/152)
ينتقل المنادي إلى سائر الجهات، وإذا عرف تفاوت مسافتي
الابصار، فالواجب القسط، فإن أبصر بالصحيحة من مائتي ذراع،
وبالعليلة من مائة ذراع، فموجبه التنصيف، لكن لو قال أهل
الخبرة: إن المائة الثانية تحتاج إلى مثلي ما تحتاج إليه
المائة الاولى لقرب الاولى وبعد الثانية، وجب ثلثا دية
العليلة، قال الشافعي رحمه الله: وما أرى ذلك يضبط. فرع
الاعشى الذي يبصر بالنهار دون الليل فيه كمال الدية، وفي
التهذيب أنه لو جني عليه، فصار أعشى، لزمه نصف الدية، ولو
عشيت إحدى عينيه بالجناية، لزمه ربع الدية، ومقتضى هذا
إيجاب نصف الدية إذا جنى على الاعشى، فأذهب بصره، وكذا من
يبصر بالليل دون النهار. فرع شخصت عينه بجناية، أو صار
أعمش أو أحول، وجبت حكومة. فرع ذهب ضوء عينه بجناية، وقلع
آخر الحدقة، فقال: قلعت قبل عود الضوء، وقال الاول: بل
بعده، صدق الثاني، فلو صدق المجني عليه الاول، برئ الاول،
ويحلف الثاني وعليه حكومة. الرابع: الشم، وفي إزالته
بالجناية على الرأس وغيره كمال الدية على الصحيح المشهور،
وحكي وجه وقول أن واجبه الحكومة، وهو ضعيف، فلو أذهب شم
أحد المنخرين، فنصف الدية، ولو سد المنفذ فلم يدرك
الروائح، وقال أهل الخبرة: القوة باقية: فليكن كما سبق في
السمع، وإذا أنكر الجاني ذهاب الشم، امتحن المجني عليه
بتقريب ماله رائحة حادة منه، طيبة وخبيثة، فإن هش للطيبة
وعبس للمنتن، صدق الجاني بيمينه، وإن لم يظهر عليه أثر،
صدق المجني عليه بيمينه، وإن نقص الشم، نظر، إن علم قدر
الذاهب، وجب قسطه من الدية، وإن لم يعلم، وجبت حكومة
يقدرها الحاكم بالاجتهاد، ولم يذكروا هنا الامتحان بمن هو
في مثل شمه، ولا يبعد طرده هنا، وإن نقص شم أحد المنخرين،
فيمكن أن يعتبر بالجانب الآخر، ولم يذكروه، ولعلهم اكتفوا
بالمذكور في السمع
(7/153)
والبصر، وإذا ادعى النقص وأنكر الجاني، صدق المجني عليه
بيمينه، لانه لا يعرف إلا منه. قال الامام: وينبغي أن يعين
المجني عليه قدرا يطالب به، وإلا فهو مدع مجهولا، وطريقه
في نفسه أن يطلب الاقل المتيقن، ولو أخذ دية الشم وعاد،
وجب ردها، ولو وضع يده على أنفه عند رائحة منكرة، فقال
الجاني: فعلت ذلك لعود شمك، وأنكر المجني عليه، صدق المجني
عليه بيمينه، لانه قد يفعله اتفاقا، ولا متخاط، وبفكر
ورعاف وغيرها. الخامس: النطق، فإذا جنى على لسانه فأبطل
كلامه، وجب كمال الدية، وإنما تؤخذ الدية إذا قال أهل
الخبرة: لا يعود نطقه، فإن أخذت فعاد، استردت، ولو ادعى
ذهاب النطق، وأنكر الجاني، قال المتولي: يفزع في أوقات
الخلوة، وينظر، هل يصدر منه ما يعرف به كذبه، فإن لم يظهر
شئ، حلف كما يحلف الاخرس، ووجبت الدية، ولو بطل بالجناية
بعض الحروف، وزعت الدية عليها، سواء ما خف منها على اللسان
وما ثقل، والحروف مختلفة في اللغات، فكل من تكلم بلغة،
فالنظر عند التوزيع إلى حروف تلك اللغة، فلو تكلم بلغتين،
فبطل بالجناية حروف من هذه وحروف من تلك، فهل توزع على
أكثرهما حروفا أم على أقلهما ؟ وجهان، ثم في الحروف الموزع
عليها وجهان، أصحهما وبه قال الاكثرون، وهو ظاهر النص: أن
التوزيع يكون على جميعها، وهي ثمانية وعشرون حرفا في اللغة
العربية، فإن ذهب نصفها، وجب نصف الدية، وإن ذهب حرف
فأكثر، وجب لكل حرف سبع ربع الدية، والثاني قاله الاصطخري:
لا يدخل في التوزيع الحروف الشفهية، وهي الباء والفاء
والميم والواو، ولا الحلقية وهي الهاء والهمزة، والعين
والحاء، والغين والخاء، وإنما التوزيع على الحروف الخارجة
من اللسان وهي ما عدا المذكورات، هذا إذا ذهب بعض الحروف،
وبقي في البقية
(7/154)
كلام مفهوم، فأما إذا لم يبق في البقية كلام مفهوم،
فوجهان، أحدهما: يجب كمال الدية، قاله أبو إسحق والقفال،
وجزم به البغوي، وذكر الروياني أنه المذهب، والثاني: لا
يلزمه إلا قسط الحروف الفائتة، قال المتولي: وهو المشهور،
ونصه في الام: ولو ضرب شفتيه، فأذهب الحروف الشفهية، أو
رقبته، فأذهب الحروف الحلقية، قال المتولي: إن قلنا بقول
الاصطخري، وجبت الحكومة فقط، وإن قلنا بقول الاكثرين، وجب
قسط الذاهب من جميع الحروف، وذكر ابن كج أنه لو قطع شفتيه،
فأذهب الباء والميم، فقال الاصطخري: يجب مع دية الشفتين
أرش الحرفين، وقال ابن الوكيل: لا يجب غير الدية، كما لو
قطع لسانه فذهب كلامه، لا يجب إلا الدية. فرع جنى على
لسانه فصار يبدل حرفا بحرف، وجب قسط الحرف الذي أبطله، ولو
ثقل لسانه بالجناية، أو حدثت في كلامه عجلة، أو تمتمة، أو
فأفأة، أو كان ألثغ، فزادت لثغته، فالواجب الحكومة لبقاء
المنفعة. فرع من لا يحسن بعض الحروف كالارت والالثغ الذي
لا يتكلم إلا بعشرين حرفا مثلا، إذا أذهب كلامه وجهان،
أصحهما: يجب كمال الدية، فعلى هذا لو أذهب بعض الحروف، وزع
على ما يحسنه، لا على الجميع، والثاني: لا يجب إلا قسطها
من جميع الحروف، وفي بعضها بقسطه من الجميع، فعلى هذا لو
كان يقدر على التعبير عن جميع مقاصده لفطنته واستمداده من
اللغة، لم تكمل الدية أيضا على الاصح، لان قدرته لحذقه لا
بالكلام، هذا إذا كان نقص حروفه خلقة، أو حدث بآفة سماوية،
فلو حدث بجناية، فالمذهب أنه لا تكمل الدية، لئلا يتضاعف
الغرم في القدر الذي أبطله الجاني الاول. فرع في الجناية
على محل ناقص المنفعة أو الجرم، أما المنافع التي لا
(7/155)
تتقدر تقدر النطق بالحروف كالبطش والبصر، فإن كان النقص
فيها بآفة، فلا اعتبار به، ويجب على من أبطلها الدية
الكاملة، وكذا من قطع العضو الذي هو محل تلك ا لمنفعة،
لانه لا ينضبط ضعفها وقوتها، وإن كان النقص بجناية، فأوجه،
أصحها: لا تكمل الدية بل يحط منها قدر الحكومة التي غرمها
الاول عن مبطل المنفعة الناقصة لتجانس جنايته وجناية
الاول، وأما الاجرام، فإن كان لما نقص أرش مقدر لزم الثاني
دية يحط منها أرش ما نقص، سواء حصل النقص بآفة أم بجناية،
فلو سقطت أصبعه، أو أنملته بآفة، ثم قطعت يده، حط من دية
اليد أرش الاصبع أو الانملة، ولو جرح رأسه متلاحمة، فجعلها
آخر موضحة، لزم الثاني أرش موضحة يحط منه واجب المتلاحمة،
سواء قدرنا واجبها، أم أوجبنا فيها الحكومة، ولو التأمت
المتلاحمة، واكتسى موضعها بالجلد لكن بقي غائرا، فأوضح فيه
آخر، فالصحيح أن حكم ذلك الجرح قد سقط، وعلى من أوضح أرش
كامل، أما إذا لم يكن لما نقص أرش مقدر، كفلقة تنفصل من
لحم الانملة، فإن لم تؤثر في المنفعة، لم تنقص به الدية،
وإن وجب فيه حكومة للشين، وسواء حصل ذلك بآفة أم بجناية
وإن أثر في المنفعة، فإن حصل بآفة لم تنقص الدية، وإن حصل
بجناية، ففيه احتمالان للامام، أقربهما: يحط عن الثاني قدر
حكومة الاول. فصل نزل العلماء النطق في اللسان منزلة البطش
في اليد والرجل، فقالوا: إذا استأصل لسانه بالقطع وأبطل
كلامه، لم يلزمه إلا دية واحدة، ولو قطع عذبة اللسان، وبطل
الكلام، فكذلك، كما لو قطع أصبعا من اليد فشلت، ولو قطع
بعض اللسان، فذهب بعض الكلام، نظر، إن تساوت نسبة جرم
اللسان والكلام، بأن قطع نصف لسانه، فذهب نصف كلامه، وجب
نصف الدية، وإن اختلفت بأن قطع الربع فذهب نصف الكلام أو
عكسه، وجب نصف الدية قطعا، واختلفوا في علته، فقال
الجمهور: اللسان مضمون بالدية ومنفعته أيضا كذلك، فوجب
أكثرهما، وقال أبو إسحق: الاعتبار بالجرم، لانه الاصل وفيه
تقع الجناية، قال: وإنما وجب نصف الدية في قطع ربعه إذا
ذهب نصف الكلام، لانه قطع ربعا، وأشل ربعا، وتظهر فائدة
الخلاف في صور، إحداها: قطع نصفه، فذهب
(7/156)
ربع الكلام، واستأصل آخر الباقي، فعلى قول الاكثرين يلزم
الثاني ثلاثة أرباع الدية، وعلى قول أبي إسحق نصفها،
الثانية: قطع ربعه، فذهب نصف الكلام، واستأصله آخر، فعند
الاكثرين يلزم الثاني ثلاثة أرباع الدية، وعند أبي إسحق
نصف الدية وحكومة، لانه قطع نصفا صحيحا وربعا أشل،
الثالثة: ذهب نصف الكلام بجناية على اللسان من غير قطع
منه، ثم قطعه آخر، فيلزم الثاني عند الاكثرين دية كاملة،
وعنده نصفها وحكومة، لان نصف اللسان صحيح ونصفه أشل لذهاب
نصف الكلام. فرع رجلان قطع من أحدهما نصف لسانه وذهب ربع
كلامه، ومن الآخر نصف لسانه وذهب نصف كلامه، فقطع الاول
النصف الباقي من الثاني، لا يقتص منه، وإن أجرينا القصاص
في بعض اللسان لنقص المجني عليه. فرع قطع نصف لسانه، فذهب
نصف كلامه، فاقتص من الجاني، فلم يذهب إلا ربع كلامه،
فللمجني عليه ربع الدية ليتم حقه، وإن ذهب من المقتص منه
ثلاثة أرباع كلامه، فلا شئ على المجني عليه، لان سراية
القود مهدرة. فرع عود الكلام بعد أخذ الدية، كعود السمع.
فرع من لا يتكلم بحرف إذا ضرب لسانه فنطق بذلك الحرف وفات
حرف آخر، يجب قسط الفائت ولا ينجبر، وهل يوزع على الحروف
وفيها الحرف المستفاد أم عليها قبل الجناية ؟ قال الامام:
هذا موضع نظر، ولك أن تقول: ليبن على الخلاف فيمن يحسن بعض
الحروف وله كلام مفهوم إذا أبطل بالجناية بعض ما يحسنه، هل
التوزيع على ما يحسنه أم على الجميع ؟ فإن قلنا بالثاني،
دخل المستفاد، وإلا فلا. فرع في لسانه عجلة واضطراب، فضرب
فاستقام، فلا شئ على الضارب.
(7/157)
فرع قطع بعض لسانه، ولم يبطل به شئ من كلامه، هل تجب
الحكومة أم قسط المقطوع من الدية ؟ وجهان، أصحهما:
الحكومة، القسط للزم إيجاب الدية الكاملة في لسان الاخرس.
السادس: الصوت، فإذا جنى على شخص، فأبطل صوته، وبقي اللسان
على اعتداله، ويمكنه من التقطيع والترديد، لزمه لابطال
الصوت كمال الدية، فإن أبطل معه حركة اللسان حتى عجز عن
التقطيع والترديد، فوجهان، أرجحهما: يجب ديتان، لانهما
منفعتان في كل واحدة إذا أفردت كمال الدية، والثاني: يجب
دية فقط، فإن قلنا: ديتان، وكانت حركة اللسان باقية فقد
تعطل النطق بسبب فوات الصوت، فيجئ الخلاف السابق في أن
تعطل المنفعة هل هو كزوالها ؟ فإن قلنا: نعم، وجب ديتان،
وإلا فدية. السابع: الذوق، وفي إبطاله كمال الدية، وقد
يبطل بجناية على اللسان أو الرقبة أو غيرهما، والمدرك
بالذوق خمسة أشياء: الحلاوة والحموضة والمرارة والملوحة
والعذوبة، والدية تتوزع عليها، فإذا أبطل إدراك واحد، وجب
خمس الدية، ولو نقص الاحساس فلم يدرك الطعوم على كمالها،
فالواجب الحكومة، وإذا اختلفا في ذهاب الذوق، جرب بالاشياء
المرة أو الحامضة الحادة، فإن ظهر منه تعبس وكراهة، صدقنا
الجاني بيمينه، وإلا فالمجني عليه، ولو ضربه ضربة زال بها
ذوقه ونطقه، وجب ديتان.
(7/158)
الثامن: المضغ، وفي إبطاله كمال الدية، ولابطاله طريقان،
أحدهما: أن يصلب مغرس اللحيين حتى تمتنع حركتهما مجيئا
وذهابا، والثاني: أن يجني على الاسنان، فيصيبهما خدر،
وتبطل صلاحيتهما للمضغ. التاسع والعاشر والحادي عشر:
الامناء والاحبال والجماع، فإذا كسر صلبه، فأبطل قوة
إمنائه، وجب كمال الدية، ولو قطع انثييه، فذهب ماؤه، لزمه
ديتان، وكذا لو أبطل من المرأة قوة الاحبال، لزمه ديتها،
ولو جنى على ثديها، فانقطع لبنها، لزمه حكومة، فإن نقص،
وجبت حكومة تليق به، وإن لم يكن لها لبن عند الجناية، ثم
ولدت ولم يدر لها لبن، وامتنع به الارضاع، وجبت حكومة إذا
قال أهل الخبرة: إن الانقطاع بجنايته، أو جوزوا أن يكون هو
سببها، وللامام احتمال أنه تجب الدية بإبطال الارضاع، ولو
جنى على صلبه، فذهب جماعه، وجبت الدية، لان المجامعة من
المنافع المقصودة، ولو ادعى ذهابه، فأنكر الجاني، صدق
المجني عليه بيمينه، لانه لا يعرف إلا منه، ثم إنهم صوروا
ذهاب الجماع فيما إذا لم ينقطع ماؤه وبقي ذكره سليما،
وذكروا أنه لو كسر صلبه، وأشل
(7/159)
ذكره، فعليه دية الذكر وحكومة لكسر الصلب، وإذا كان الذكر
سليما، كان الشخص قادرا على الجماع حسا، فأشعر ذلك بأنهم
أرادوا بذهاب الجماع بطلان الالتذاذ به والرغبة فيه، ولذلك
صور الامام والغزالي المسألة في إبطال شهوة الجماع مع أن
الامام استبعد ذهاب الشهوة مع بقاء المني. فرع لو جنى على
عنقه، فلم يمكنه ابتلاع الطعام إلا بمشقة لالتواء العنق أو
غيره، لزمه حكومة، فلو لم ينفذ الطعام والشراب أصلا
لانسداد المنفذ، فلا يعيش المجني عليه والحالة هذه ولم تزد
طائفة من الاصحاب على أنه إن ساغ الطعام والشراب، فحكومة،
وإن مات، فالدية، ونقل الامام والغزالي أن نفس الجناية
المفضية إلى الانسداد توجب الدية حتى لو حز غيره رقبته
وفيه حياة مستقرة، لزم الاول دية، ولو مات بامتناع نفوذ
الطعام والشراب، قال الامام: إن قلنا: من قطع يدي رجل
ورجليه ثم حز رقبته، تلزمه دية فقط، فكذا هنا، وإن قلنا:
هناك ديتان، فيحتمل هنا دية ويحتمل ديتان. الثاني عشر:
إفضاء المرأة، وفيه كمال دية، وهو رفع الحاجز بين مسلك
الجماع والدبر على الاصح، وقيل: رفع الحاجز بين مسلك
الجماع ومخرج البول، قال المتولي: الصحيح أن كل واحد منهما
إفضاء موجب للدية، لان الاستمتاع يختل بكل واحد منهما،
ولان كل واحد منهما يمنع إمساك الخارج من أحد السبيلين،
فعلى هذا لو أزال الحاجزين، لزمه ديتان، وتختلف الدية
الواجبة بالافضاء خفة وغلظا باختلاف حال الافضاء، فقد يكون
عمدا محضا، بأن تكون المرأة ضعيفة أو نحيفة، والغالب إفضاء
وطئها إلى الافضاء، وقد يكون عمد خطإ، بأن لا يتضمن وطؤها
الافضاء غالبا، وقد يكون خطأ محضا، بأن يجد امرأة على
فراشه، فيظنها امرأته التي عهدها، فيطؤها فيفضيها، هذا إذا
حصل الافضاء بالوطئ، ولا فرق في الدية بينه وبين أن يحصل
بأصبع أو خشبة أو شئ محدد، وإذا أفضاها، فصار بولها يسترسل
ولا يستمسك، لزمه مع الدية حكومة الشين، وقيل: لا حكومة
وهو
(7/160)
ضعيف، وسواء في وجوب الدية بالافضاء الحاصل بالوطئ، الزوج
والواطئ بشبهة والزاني، ويستقر المهر على الزوج بالوطئ
المتضمن للافضاء، ويجب به مهر المثل على الواطئ بشبهة،
وكذا على الزاني إن كانت مكرهة وعليه الحد. فصل لبكارة
المرأة حالان، أحدهما: أن يزيلها من لا يستحق افتضاضها،
فإن أزالها بغير آلة الجماع، كالاصبع والخشبة، لزمه أرش
البكارة، والمراد الحكومة المأخوذة من تقدير الرق كما
سيأتي في بيان الحكومة إن شاء الله تعالى، وهل يكون جنس
الواجب من الابل، أم من نقد البلد ؟ وجهان، أصحهما: الابل
على قاعدة الجناية على الاحرار، ولو أزالت بكر بكارة أخرى،
اقتصت منها، وإن أزالها بآلة الجماع، فإن طاوعته المرأة
فلا أرش كما لا مهر، وإن كانت مكرهة أو كان هناك شبهة نكاح
فاسد أو غيره فوجهان، أصحهما وهو المنصوص: أنه يجب مهر
مثلها ثيبا وأرش البكارة، والثاني: يجب مهر مثلها بكرا،
فإن أفردنا الارش عاد الوجهان في أن جنسه الابل أم النقد.
الحال الثاني: أن يزيلها مستحق الافتضاض، وهو الزوج، فإن
أزالها بآلة الجماع، فقد استوفى حقه، وإن أزالها بغيره،
فوجهان، أصحهما: لا شئ عليه، لانه حقه وإن أخطأ في طريقه،
والثاني: يلزمه الارش، ثم من افتض، وألزمناه أرش البكارة،
فلو أفضاها مع الافتضاض، ففي دخول أرش البكارة في دية
الافضاء وجهان، أصحهما: الدخول، لان الدية والارش تجبان
للاتلاف، فدخل أقلهما في أكثرهما بخلاف المهر، فإنه يجب
للاستمتاع، فلا يدخل في بدل الاتلاف، كما لو تحامل على
الموطوءة، فكسر رجلها، لا يدخل المهر في دية الرجل. فصل
إذا كانت الزوجة لا تحتمل الوطئ إلا بالافضاء، لم يجز
للزوج
(7/161)
وطؤها، ولا يلزمها تمكينه، ثم قال الغزالي: إن كان سببه
ضيق المنفذ بحيث يخالف العادة، فللزوج خيار الفسخ، كالرتق،
وإن كان سببه كبر آلته بحيث يخالف العادة، فلها الخيار،
كما في الجب، والذي قاله الاصحاب: إنه لا فسخ بذلك مطلقا
بخلاف الجب والرتق، فإنهما يمنعان الوطئ مطلقا، ويشبه أن
يفصل فيقال: إن كانت نحيفة لو وطئها الزوج لافضاها، لكن لو
وطئها نحيف احتملته، فلا فسخ، وإن كان ضيق المنفذ بحيث
يفضيها أي شخص وطئها، فهذا كالرتق، وينزل ما قاله الاصحاب
على الاول، وما قاله الغزالي على الثاني. فرع إذا التأم
الجرح بعد الافضاء، سقطت الدية وعليه الحكومة إن بقي أثر،
كما لو عاد ضوء العين، وفي وجه لا تسقط، كما لو التحمت
الجائفة. فرع لو أفضى الخنثى المشكل، قال في البيان: إن
قلنا: الافضاء رفع الحاجز بين منفذ البول ومدخل الذكر، لم
تجب الدية، وإن قلنا: رفع الحاجز بين القبل والدبر،
فوجهان، ولو أزيلت البكارة من فرج المشكل وجبت حكومة
جراحة، ولا تعتبر البكارة، لانا لا نتحقق كونه فرجا.
الثالث عشر: البطش والمشي، ففي كل واحد منهما كمال الدية،
فإذا ضرب يديه فشلتا، لزمه الدية، ولو ضرب أصبعه فشلت،
لزمه دية أصبع، ولو ضرب صلبه فبطل مشيه ورجله سليمة، وجبت
الدية، ولا تؤخذ الدية حتى تندمل، فإن انجبر وعاد مشيه كما
كان، فلا دية وتجب الحكومة إن بقي أثر، وكذا إن نقص مشيه،
بأن احتاج إلى عصا، أو صار يمشي محدودبا، ولو كسر صلبه،
وشلت رجله، قال المتولي: يلزمه دية لفوات المشي، وحكومة
لكسر الظهر، بخلاف ما إذا كانت الرجل سليمة لا يجب مع
الدية حكومة، لان المشي منفعة في الرجل، فإذا شلت الرجل
ففوات المنفعة لشلل الرجل، فأفرد كسر الصلب بحكومة، أما
إذا كانت سليمة، ففوات المشي لخلل الصلب، فلا يفرد بحكومة،
ويوافق هذا ما ذكره ابن الصباغ، أنه لو كسر صلبه فشل ذكره،
تجب حكومة الكسر ودية الشلل
(7/162)
الذكر، وفي هذا تصريح بأن مجرد الكسر لا يوجب الدية، وإنما
تجب الدية إذا فات به المشي، أو الماء أو الجماع كما سبق،
وإذا ادعى ذهاب المشي، فكذبه الجاني، امتحن، بأن يقصد
بالسيف في غفلته، فإن تحرك ومشى، علمنا كذبه، وإلا فيحلف
ويأخذ الدية، ولو أذهب كسر الصلب مشيه ومنيه، أو مشيه
وجماعه، وجبت ديتان على الاصح، وقيل: دية. فصل قد ذكرنا
الديات في الجروح والاعضاء والمنافع مفصلة، فيجوز أن تجتمع
في شخص ديات كثيرة، بأن تزال منه أعضاء ومنافع، ولا يسري
إلى النفس، بل تندمل، وهذا بيان الديات. الاذنان، أو إبطال
إحساسهما، العينان أو البصر، الاجفان، المارن، الشفتان،
اللسان أو النطق، الاسنان، اللحيان، اليدان، الرجلان،
الذكر، الانثيان أو الحلمتان والشفران، الاليان، العقل،
السمع، الشم، الصوت، الذوق، المضغ، الامناء أو الاحبال،
إبطال لذة الجماع، إبطال لذة الطعام، الافضاء في المرأة،
البطش، المشي، وقد يضاف إليها المواضح وسائر الشجات،
والجوائف والحكومات، فيجتمع شئ كثير لا ينحصر، فإذا اندملت
هذه الجراحات، وجب جميع هذه الديات، وإن سرت فمات منها،
وجب دية واحدة بلا خلاف، ولو عاد الجاني، فحز رقبة
المجروح. أو قده نصفين، فإن كان ذلك بعد الاندمال، وجبت
دية الاطراف ودية النفس لاستقرار دية الاطراف بالاندمال،
وإن كان قبل الاندمال، فوجهان، الاصح المنصوص: أنه لا يجب
إلا دية النفس، كالسراية، والثاني خرجه ابن سريج، وبه قال
الاصطخري، واختاره الامام: تجب ديات الاطراف مع دية النفس،
هذا إذا
(7/163)
اتفقت الجناية على النفس والاطراف في العمد أو الخطإ، فأما
إذا كانت إحداهما عمدا، والاخرى خطأ، وقلنا بالتداخل عند
الاتفاق، فهنا وجهان، أحدهما: التداخل أيضا، وأصحهما: لا،
لاختلافهما واختلاف من يجنيان عليه، فلو قطع يده خطأ، ثم
حز رقبته قبل الاندمال عمدا، فللولي قتله قصاصا وليس له
قطع يده، فإن قتله قصاصا، فإن قلنا بالتداخل، وجعلنا الحكم
للنفس، فلا شئ له من الدية، وإن قلنا: لا تداخل، أخذ نصف
الدية من العاقلة لليد، وإن عفا عن القصاص، فإن قلنا
بالتداخل، فوجهان، أحدهما: يجب دية نصفها مخففة على
العاقلة، ونصفها مغلظة على الجاني، وينسب هذا إلى النص،
وأصحهما وبه قطع البغوي: يجب دية مغلظة على الجاني، لان
معنى التداخل إسقاط بدل الطرف والاقتصار على بدل النفس
لمصير الجناية نفسا، وإن قلنا: لا تداخل، وجب نصف دية
مخففة على العاقلة، ودية مغلظة عليه، وإن قطع يده عمدا، ثم
حز رقبته خطأ قبل الاندمال، فللولي قطع يده، وإذا قطعها إن
قلنا بالتداخل، فله نصف الدية المخففة، لانه أخذ بالقطع
نصف بدل النفس، وإن قلنا: لا تداخل، فله كمال الدية
المخففة، وإن عفا عن القطع، فإن قلنا بالتداخل، فعلى
الوجهين، على النص يجب نصف دية مخففة، ونصف مغلظة لليد،
وعلى الآخر دية مخففة للنفس، قال الامام: ولو قطع يديه
ورجليه أو أصبعه عمدا، ثم حز رقبته قبل الاندمال خطأ أو
بالعكس، وقلنا: تراعى صفة الجنايتين على القول بالتداخل،
تنصفت تخفيفا وتغليظا، ولا نظر إلى أقدار أروش الاطراف،
لان الحكم بالتداخل مبني على أن الحز بعد قطع الاطراف
كسراية الاطراف، فكان الحز مع الجراحات السابقة، كجراحات
مؤثرة في الزهوق انقسمت عمدا وخطأ، وحينئذ تتنصف الدية
تخفيفا وتغليظا ولا نظر إلى أقدار الاروش.
الباب الثالث : في بيان
الحكومات والجناية على الرقيق فيه طرفان:
الأول : في الحكومة وهي جزء من الدية نسبته إليها نسبة ما
تقتضيه الجناية من قيمة المجني عليه على تقدير تقويمه
رقيقا، فيقوم المجني عليه بصفاته التي هو
(7/164)
عليها لو كان عبدا، وينظر كم نقصت الجناية من قيمته، فإن
قوم بعشرة دون الجناية، وبتسعة بعد الجناية، فالتفاوت
العشر، فيجب عشر دية النفس، وقيل: عشر دية العضو الذي جني
عليه، والصواب الاول وبه قطع الجمهور، وتكون الحكومة من
جنس الابل، ثم إن كانت الجناية على عضو له أرش مقدر، نظر،
إن لم تبلغ الحكومة أرش ذلك العضو، وجبت بكمالها، وإن
بلغته، نقص الحاكم شيئا منه بالاجتهاد، قال الامام: ولا
يكفي حط أقل ما يتمول فحكومة الانملة العليا بجرحها، أو
قلع ظفرها ينقص عن أرش الانملة، والجناية على الاصبع إذا
أتت على طولها لا تبلغ حكومتها أرش الاصبع، وعلى الرأس لا
تبلغ حكومتها أرش الموضحة، وعلى البطن لا تبلغ أرش
الجائفة، وحكومة جرح الكف لا تبلغ دية الاصابع الخمس، وكذا
حكومة قطع الكف التي لا أصبع عليها، وكذا حكم القدم، وهل
يجوز أن تبلغ دية اليد، الصحيحة ويجوز أن تبلغ دية أصبع،
وأن نزيد عليها ؟ وجهان: أصحهما: نعم، لان منفعتها دفعا
واحتواء تزيد على منفعة أصبع، وكما أن دية اليد الشلاء لا
تبلغ دية اليد، ويجوز أن تبلغ دية أصبع، وأن تزيد عليها،
أما إذا كانت الجراحة على عضو ليس له أرش مقدر، كالظهر
والكتف والفخذ، فيجوز أن تبلغ حكومتها دية عضو مقدر، كاليد
والرجل، وأن تزاد عليه، وإنما تنقص عن دية النفس، وعد
المتولي والبغوي من هذا القبيل الساعد والعضد، فيجوز أن
تبلغ حكومة جرح أحدهما دية الاصابع الخمس، وأن يزاد عليها،
وسوى الغزالي بينهما وبين الكف، والاول أصح، فإن الكف هي
التي تتبع الاصابع دون الساعد والعضد.
(7/165)
فصل إنما يقوم لمعرفة الحكومة بعد اندمال الجراحة، ونقصان
القيمة حينئذ قد يكون لضعف ونقص في المنفعة، وقد يكون لنقص
الجمال باعوجاج، أو أثر قبيح، أو شين من سواد وغيره، فلو
اندملت الجراحة ولم يبق نقص في منفعة ولا في جمال ولم تنقص
القيمة، فوجهان أحدهما وينسب إلى ابن سريج: لا شئ عليه سوى
التعزير، كما لو لطمه، أو ضربه بمثقل، فزال الالم، ولم
ينقص منفعة ولا جمال، وأصحهما عند الاكثرين، وبه قال أبو
إسحق، وهو ظاهر النص: أنه لا بد من وجوب شئ، فعلى هذا
وجهان، أحدهما: يقدر الحاكم شيئا باجتهاده بأن ينظر إلى
خفة الجناية وفحشها في المنظر سعة أو غوصا وقدر الآلام
المتولدة، وأصحهما: أنه ينظر إلى ما قبل الاندمال من
الاحوال التي تؤثر في نقص القيمة ويعتبر أقربها إلى
الاندمال، فإن لم يظهر نقص إلا في حال سيلان الدم، ترقبنا
واعتبرنا القيمة والجراحة السائلة، فإن فرضت الجراحة خفيفة
لا تؤثر في تلك الحالة أيضا، ففي الوسيط أنا نلحقها باللطم
والضرب للضرورة، وفي التتمة أن الحاكم يوجب شيئا
بالاجتهاد، ولو قطع أصبعا أو سنا زائدة أو أتلف لحية
امرأة، وأفسد منبتها، ولم تنقص القيمة بذلك، وربما زادت
لزوال الشين، فهل يجب شئ ؟ فيه الوجهان في أصل المسألة،
فإن أوجبنا، فهو الاصح، فقيل: يجتهد الحاكم فيه، والاصح:
أنه يعتبر في قطع الاصبع الزائدة أقرب أحوال النقص من
الاندمال كما سبق، وفي السن يقوم وله سن زائدة نابتة فوق
الاسنان ولا أصلية خلفها، ثم يقوم مقلوع تلك الزائدة،
ويظهر التفاوت، لان الزائدة تسد الفرجة ويحصل بها نوع
جمال، وفي لحية المرأة تقدر كونها لحية عبد كبير يتزين
باللحية، ولو قطع أنملة لها شعبتان، أصلية وزائدة، قدر
الحاكم للزائدة شيئا بالاجتهاد، ولو ضربه بسوط أو غيره أو
لطمه ولم يظهر أثر، لم يتعلق به ضمان، فإن اسود أو اخضر
وبقي الاثر بعد الاندمال، وجبت الحكومة، فإن زال الاثر بعد
أخذ الحكومة، وجب ردها وضبطت
(7/166)
هذه الصور بأن قيل: إذا بقي أثر الجناية من ضعف أو شين،
وجبت الحكومة، وإن لم يبق أثر والجناية ضرب ونحوه، فلا شئ،
وإن كانت جرحا، فوجهان. فرع كسر عظما في غير الرأس والوجه،
وعاد بعد الكسر مستقيما، فإن بقي فيه ضعف وخلل وهو الغالب،
وجبت الحكومة، وإلا فعلى الوجهين، وإذا كان مع الضعف
اعوجاج، كانت الحكومة أكثر، وليس للجاني كسره ثانيا ليجبر
مستقيما، ولو فعل، لم تسقط الحكومة الاولى، وتجب للكسر
الثاني حكومة أخرى، لانها جناية جديدة. فرع إزالة الشعور
من الرأس وغيره، بحلق أو غيره، من غير إفساد المنبت، لا
يجب بها حكومة أصلا بلا خلاف، لان الشعر يعود. فصل إذا كان
للجراحة أرش مقدر، كالموضحة، فالشين حواليها يتبعها ولا
يفرد بحكومة، هذا إذا كان الشين في محل الايضاح، فلو أوضح
رأسه، واتسع الشين حتى انتهى إلى القفا، فوجهان لتعديه محل
الايضاح وهل المتلاحمة كالموضحة في استتباع الشين، إذا
قدرنا أرشها بالنسبة إلى الموضحة ؟ وجهان، أصحهما: نعم،
وإن لم يكن للجراحة أرش مقدر، فقد سبق أن ما دون الموضحة
من جراحات الرأس إذا أمكن تقديرها موضحة على الرأس يجب
فيها أكثر الامرين من قسط أرش الموضحة والحكومة على قول
الاكثرين، والجراحات على البدن إن أمكن تقديرها بالجائفة،
بأن كان بقربها جائفة، هل تقدر بها كالتقدير بالموضحة أم
الواجب فيها الحكومة لا غير ؟ وجهان، أرجحهما: الاول، وإذا
عرف ذلك، فإن قدرت الجراحة بالنسبة إلى جراحة مقدرة الارش،
وأوجبنا ما يقتضيه التقسيط لكونه أكثر من الحكومة، فالشين
تابع له لا يفرد بحكومة كالموضحة، وإن كانت الحكومة أكثر
فأوجبناها فقد وفينا حق الشين.
(7/167)
فرع أوضح جبينه، وأزال حاجبه، فعليه الاكثر من أرش الموضحة
وحكومة الشين وإزالة الحاجب، قاله المتولي.
الطرف الثاني : في الجناية على
الرقيق قد سبق أن الواجب بقتل الرقيق قيمته بالغة
ما بلغت، يستوي فيه القن والمدبر والمكاتب وأم الولد، وأما
الجناية عليه فيما دون النفس، فينظر، إن كانت مما يوجب في
الحر بدلا مقدرا، كالموضحة وقطع الاطراف، فقولان، أظهرهما:
أن الواجب فيها جزء من القيمة، نسبته إلى القيمة كنسبة
الواجب في الحر إلى الدية، والثاني: الواجب ما نقص من
قيمته، ومن الاصحاب من أنكر القول الثاني وقطع بالاول،
والجمهور على إثباتهما، ثم منهم من يقول: الاول منصوص،
والثاني خرجه ابن سريج من قوله: لا تحمل العاقلة عبدا،
فإنه جعله كالبهيمة، ومنهم من يقول: هما منصوصان، الاول
جديد، والثاني قديم، وإن كانت الجناية لا توجب مقدرا في
الحر، فواجبها في العبد ما نقص من القيمة بلا خلاف. إذا
عرف هذا فعلى الاظهر في يد العبد نصف قيمته، وفي يديه
قيمته، وفي أصبعه عشرها، وفي أنملته ثلث عشرها، وفي موضحته
نصف عشرها، وعلى هذا القياس. ولو قطع ذكره وأنثييه، فعليه
قيمتان، وعلى القول الآخر الواجب فيها كلها ما نقص، فإن لم
تنقص القيمة بقطع الذكر والانثيين، أو زادت، فوجهان،
أصحهما: لا يجب شئ، والثاني: تجب حكومة يقدرها الحاكم
بالاجتهاد، أو يعتبر بما قبل الاندمال، كالوجهين فيما إذا
اندملت الجراحة ولم يبق شين ولا أثر، ومنهم من قطع بالوجه
الاول، ولو قطع يد عبد قيمته ألف، فعادت إلى مائتين، فعلى
الاظهر يجب خمسمائة، وعلى القديم ثمانمائة، ولو عادت إلى
ثمانمائة وجب على الاظهر خمسمائة، وعلى القديم
(7/168)
مائتان، ولو جنى على العبد اثنان، فقطع أحدهما يده، والآخر
يده الاخرى، نظر، إن وقعت الجنايتان معا، فعليهما قيمته،
وإن تعاقبتا وكانت القيمة عند قطع الثاني ناقصة بسبب القطع
الاول، فإن مات منهما، ففي الواجب عليهما أوجه سبقت في
كتاب الصيد والذبائح، وإن وقف القطعان، نظر، إن كان قطع
الثاني بعد اندمال الاول، لزم كل واحد منهما نصف قيمته قبل
جنايته، فإن كانت قيمته ألفا، فصارت بالقطع الاول
ثمانمائة، وبالثاني ستمائة، لزم الاول خمسمائة، والثاني
أربعمائة، وإن قطع الثاني قبل الاندمال الاول، لزم الثاني
نصف ما أوجبنا على الاول وهو مائتان وخمسون، لان الجناية
الاولى لم تستقر وقد أوجبنا نصف القيمة فكأنه انتقص نصف
القيمة، فلو قطع الواحد يدي العبد ولم يسر، فالحكم كما لو
قطعه اثنان، هذا كله تفريع على الاظهر، وعلى الثاني يلزم
كل قاطع ما نقص بجنايته، وإذا قطعت أطراف عبد، ثم حز
رقبته، لزمه قيمة العبد ذاهب الاطراف، وبالله التوفيق.
الباب الرابع في موجب الدية وحكم السحر فيه خمسة أطراف:
الاول: السبب، والواجب في إهلاك النفس وما دونها، كما يجب
بالمباشرة يجب بالتسبب، وقد سبق أن مراتب الشئ الذي له أثر
في الهلاك ثلاث، وهي: العلة والسبب والشرط، وضابطه أن
يقال: ما يحصل الهلاك عنده أو عقبه إن كان هو المؤثر في
الهلاك، فهو علة للهلاك، وتتعلق به الدية لا محالة، وإن لم
يكن هو المؤثر، فإن توقف تأثير المؤثر عليه، كالحفر مع
التردي تعلقت به الدية أيضا، وإن لم يتوقف، لم تتعلق به
الدية، بل الموت عنده اتفاقي، ثم فيه مسائل: إحداها: صفعه
صفعة خفيفة، فمات، فلا ضمان للعلم بأنه لا أثر لها في
الهلاك، الثانية: صاح على صبي غير مميز على طرف سطح أو بئر
أو نهر، فارتعد وسقط ومات منه، وجبت الدية قطعا، ولا قصاص
على الاصح، وقيل: الاظهر، ومن أوجب يدعي أن التأثر به
غالب، ولو كان الصبي على وجه الارض، فمات من الصيحة، فقيل:
هو كالسقوط من سطح، والاصح أنه لا ضمان، لان الموت به في
غاية البعد، ولو صاح على بالغ على طرف سطح ونحوه، فسقط
ومات فلا قصاص، وفي الضمان أوجه، أصحها: لا يجب، والثاني:
يجب، والثالث: إن غافصه من ورائه،
(7/169)
وجب، وإن صاح به من وجهه، فلا، ولو صاح على صغير فزال
عقله، وجب الضمان، وإن كان بالغا، فعلى الاوجه الثلاثة،
والمجنون والمعتوه، والذي تعتريه الوساوس والنائم والمرأة
الضعيفة، كالصبي الذي لا يميز، والمراهق المتيقظ كالبالغ،
وشهر السلاح والتهديد الشديد كالصياح، ولو صاح على صيد،
فاضطرب منه الصبي على طرف السطح، وسقط، وجب الضمان، لكن
الدية والحالة هذه تكون مخففة على العاقلة، وفيما إذا قصد
الصبي نفسه تكون مغلظة على العاقلة، وقياس من يوجب القصاص
أن تجب مغلظة على الجاني، وعن صاحب التلخيص أن الصائح إن
كان محرما أو في الحرم تعلق بصيحته الضمان لتعديه، وإلا
فلا، وذكر على قياسه أنه لو صاح على صبي في ملكه، لم يجب
الضمان تشبيها بما لو حفر بئرا في ملكه، فسقط فيها رجل،
والاصح أنه لا فرق. فرع إذا بعث السلطان إلى امرأة ذكرت
عنده بسوء، وأمر بإحضارها، فأجهضت جنينا فزعا منه، وجب
ضمان الجنين، ولو كذب رجل، فأمرها على لسان الامام
بالحضور، فأجهضت، فالضمان على عاقلة الرجل، ولو هددها غير
الامام حاملا، وأجهضت فزعا، فليكن كالامام، لان إكراهه
كإكراه الامام، ولو ماتت الحامل المبعوث إليها، أو بعث
الامام إلى رجل ذكر بسوء وهدده ومات، فلا ضمان على الصحيح،
لانه لا يفضي إلى الموت، وفي النهاية أنه يجب. فرع لو فزع
إنسانا، فأحدث في ثيابه فأفسدها، فلا ضمان.
(7/170)
الطرف الثاني: فيما يغلب إذا اجتمعت العلة والسبب أو
الشرط، فحفر البئر شرط أو سبب، والتردي علة، فإذا اجتمعا،
نظر، إن كانت العلة عدوانا، بأن حفر بئرا، فردي فيها غيره
إنسانا، فالقصاص والضمان يتعلقان بالتردية، ولا اعتبار
بالحفر معها، وإن لم تكن العلة عدوانا، بأن تخطى شخص
الموضع جاهلا، فتردى فيها وهلك، فإن كان الحفر عدوانا،
تعلق الضمان به، وإلا فلا ضمان. فرع وضع صبيا في مسبعة،
فافترسه سبع، نظر، إن كان يقدر على الحركة والانتقال عن
موضع الهلاك فلم يفعل، فلا ضمان على الواضع، كما لو فتح
عرقه فلم يعصبه حتى مات، وإن كان لا يقدر على الانتقال،
فلا ضمان أيضا على الاصح، وبه قطع الاكثرون، لان الوضع ليس
بإهلاك ولم يوجد منه ما يلجئ السبع إليه، فإن كان الموضوع
بالغا، فلا ضمان قطعا، ويشبه أن يقال: الحكم منوط بالقوة
والضعف، لا بالصغر والكبر. فرع لو اتبع إنسانا بسيف، فولى
المطلوب هاربا، فألقى نفسه في نار أو ماء، أو من شاهق، أو
من سطح عال أو في بئر، فهلك، فلا ضمان، لانه باشر إهلاك
نفسه قصدا، والمباشرة مقدمة على السبب، فلو لم يعلم
بالمهلك، فوقع من غير قصد في النار أو الماء، أو من الشاهق
والسطح بأن كان أعمى، أو في ظلمة الليل، أو في موضع مظلم،
أو في بئر مغطاة، وجب على المتبع الضمان، ولو استقبله سبع
في طريقه، فافترسه، أو لص فقتله، فلا ضمان على المتبع،
بصيرا كان المطلوب أو أعمى، لانه لم يوجد من المتبع إهلاك،
ومباشرة السبع العارضة كعروض القتل على إمساك الممسك، لكن
لو ألجأه إليه في مضيق، وجب الضمان على المتبع، ولو انخسف
به سقف في هربه، وجب الضمان على الاصح المنصوص، وهو الذي
أورده العراقيون، ولو ألقى نفسه على السقف من علو، فانخسف
به لثقله، فهو كما لو ألقى نفسه في ماء أو نار وما ذكرناه
من سقوط الضمان عن التبع إذا ألقى المطلوب نفسه في ماء، أو
نار أو من سطح قصدا، أردنا به العاقل البالغ، أما إذا كان
المطلوب صبيا أو مجنونا، فيبنى على أن عمدهما
(7/171)
عمد أم خطأ ؟ إن قلنا: خطأ، ضمن، وإلا فلا. فرع سلم صبي
إلى سباح ليعلمه السباحة، فغرق، وجبت فيه دية شبه العمد
على الصحيح، كما لو ضرب المعلم الصبي للتأديب، فهلك، وقيل:
لا ضمان، كما لو وضعه في مسبعة، ويجري الخلاف فيما لو كان
الولي يعلمه السباحة بنفسه فغرق، ولو أدخله الماء ليعبره
به، فالحكم كما لو ختنه أو قطع يده من أكلة، فمات منه، كذا
ذكره المتولي، ولو سلم بالغ نفسه، ليعلمه السباحة، ففي
الوسيط أنه إن خاض معه اعتمادا على يده، فأهمله، احتمل أن
يجب الضمان، والذي ذكره العراقيون والبغوي أنه لا ضمان،
لانه مستقل وعليه أن يحتاط لنفسه، ولا يغتر بقول السباح.
فصل في بيان الحفر الذي هو في
محل عدوان وغيره، والحفر يقع في مواضع، أحدها: إذا
حفر في ملك نفسه، فلا عدوان، فلو دخل ملكه داخل بإذنه،
وتردى فيه، لم يجب ضمانه إذا عرفه المالك أن هناك بئرا، أو
كانت مكشوفة والداخل متمكن من التحرز، فأما إذا لم يعرفه،
والداخل أعمى، أو الموضع مظلم، ففي التتمة أنه كما لو دعاه
لطعام مسموم، فأكله، ولو حفر بئرا في دهليز داره، ودعا
إليها رجلا، فتردى فيها، ففي الضمان قولان سبقا في أول
الجنايات، أظهرهما: الوجوب، وقيل: إن كان الطريق واسعا وعن
البئر معدل، فقولان، وإن كان ضيقا، فقولان مرتبان، وأولى
الوجوب، وعلى هذا قياس تقديم الطعام المسموم وأطعمة فيها
طعام مسموم. الموضوع الثاني: إذا حفر في موات للتملك أو
للارتفاق بالاستقاء منها، فلا ضمان، لانه جائز كالحفر في
ملكه. وعلى هذا يحمل قوله - صلى الله عليه وسلم - في
الحديث الصحيح البئر جبار. الثالث: إذا حفر في ملك غيره،
نظر إن حفر بإذن المالك فهو كحفره في ملكه، وإن حفر بغير
إذنه، تعلق به الضمان، لكونه عدوانا، وتكون الدية على
(7/172)
العاقلة، ولو هلك به دابة، أو مال آخر، وجب الضمان في
ماله، وهل يجعل رضى المالك ببقاء البئر المحفورة كرضاه
بالحفر ؟ وجهان سبقا في الغصب، أصحهما: نعم، ولو كان
الحافر عبدا، فالضمان يتعلق برقبته، فلو أعتقه السيد،
فضمان من يتردى بعد العتق يتعلق بالعتيق، ولو حفر في ملك
مشترك بينه وبين غيره بغير إذن الشريك، تعلق به الضمان
أيضا، لانه لا يجوز الحفر في المشترك، وإذا حفر في ملك
الغير متعديا، ودخله رجل بغير إذن، فتردى فيها، ففي تعلق
الضمان بالحافر وجهان، قال في البيان: لو قال المالك: حفر
بإذني، لم يصدق. الرابع: إذا حفر في شارع، نظر، إن كان
ضيقا يتضرر الناس بالبئر فيه، وجب ضمان ما هلك بها، سواء
أذن الامام أم لا، وليس للامام الاذن فيما يضر، وإن كان لا
يتضرر بها لسعة الشارع، أو انعطاف موضع البئر، نظر، إن كان
الحفر لمصلحة عامة، كالحفر للاستقاء، أو لاجتماع ماء
المطر، فإن أذن فيه الوالي، فلا ضمان، وإلا فالاظهر الجديد
أنه لا ضمان، وأشار في القديم إلى وجوبه، وإن حفر لغرض
نفسه، فإن كان بغير إذن الامام، ضمن، وإلا فلا على الاصح،
وبه قطع العراقيون والمتولي والروياني، وهذا جار على ما
سبق في إحياء الموات أن الاصح الذي عليه الاكثرون أنه يجوز
أن يقطع الامام من الشوارع ما لا ضرر فيه، وأن للمقطع أن
يبني فيه. فرع الحفر في المسجد كالحفر في الشارع، فلو بنى
مسجدا في شارع لا يتضرر به المارون، جاز، فلو تعثر به
إنسان أو بهيمة، أو سقط جداره على إنسان، أو مال، فأهلكه،
فلا ضمان إن كان بإذن الامام، وكذا إن لم يكن بإذنه على
الاظهر الجديد، ولو بنى سقف مسجد أو نصب فيه عمادا، أو طين
جداره أو علق فيه قنديلا، فسقط على إنسان أو مال، فأهلكه،
أو فرش فيه حصيرا، أو
(7/173)
حشيشا، فزلق به إنسان، فهلك، أو دخلت شوكة منه في عينه،
فذهب بها بصره، فإن جرى ذلك بإذن الامام أو متولي أمر
المسجد، فلا ضمان، وإلا فلا ضمان أيضا على الجديد الاظهر
ونقل البغوي عن أبي إسحق أنه إن لم يأذن أهل المحلة ضمن.
قلت: قال البغوي: ومثل هذا لو وضع دنا على بابه ليشرب
الناس منه، فإن وضعه بإذن الامام، لم يضمن ما تلف به، وإلا
فوجهان، يعني أصحهما لا ضمان بخلاف ما لو بنى دكة على باب
داره فهلك بها شئ، فإنه يضمن، لانه فعله لمصلحة نفسه.
والله أعلم.
فصل في مسائل تتعلق بالتصرف في
الشارع وفي ملك نفسه، والقول في التصرف في الشارع
سبق بعضه في الصلح وفي إحياء الموات، ويذكر هنا بقيته إن
شاء الله تعالى. المسألة الاولى: لا يجوز إشراع الاجنحة
التي تضر بالمارة إلى الشارع، فلو فعل، منع وما يتولد منه
من هلاك يكون مضمونا، فإن كان الجناح عاليا غير مضر، فلا
منع من إشراعه، وكذا بناء الساباط العالي، لكن لو تولد منه
هلاك إنسان، فهو مضمون بالدية على العاقلة، وإن هلك به
مال، وجب الضمان في ماله، ولم يفرقوا بين أن يأذن الامام
أم لا، ولو أشرع جناحا إلى درب منسد بغير إذن أهله، ضمن
المتولد منه، وبإذن أهله لا ضمان، كالحفر في دار الغير
بإذنه. الثانية: يتصرف كل واحد في ملكه بالمعروف، ولا ضمان
فيما يتولد منه بشرط جريانه على العادة واجتناب الاسراف،
فلو وضع حجرا في ملكه أو نصب شبكة، أو سكينا، وتعثر به
إنسان فهلك، أو على طرف سطحه، فوقع على شخص، أو على مال،
أو وضع عليه جرة ماء، فألقتها الريح، أو ابتل موضعها،
فسقطت، فلا ضمان، وكذا لو وقف دابة في ملكه فرفست إنسانا
أو بالت فأفسدت
(7/174)
به ثوبا أو غيره مما هو خارج الملك، أو كان يكسر الحطب في
ملكه، فأصاب شئ منه عين إنسان فأبطل ضوءها، فلا ضمان، وكذا
لو حفر بئرا في ملكه فتندى جدار جاره فانهدم، أو غار ماء
بئره أو حفر بالوعة فتغير ماء بئر الجار، فلا شئ عليه، لان
الملاك لا يستغنون عن مثل هذا بخلاف الاشراع إلى الشارع
فإنه يستغنى عنه، ولو قصر فخالف العادة في سعة البئر، ضمن،
فإنه إهلاك، وليكن كذلك إذا قرب الحفر من الجدار على خلاف
العادة، ويمنع من وضع السرجين في أصل حائط الجار، ولو أوقد
نارا في ملكه، أو على سطحه، فطار الشرر إلى ملك الغير، فلا
ضمان إلا أن يخالف العادة في قدر النار الموقدة، أو يوقد
في يوم ريح عاصفة، فيكون ذلك كطرح النار في دار غيره،
فيضمن، فإن عصفت الريح بغتة بعدما أوقد، فهو معذور، ولو
سقى أرضه، فخرج الماء من جحر فأرة، أو شق، فدخل أرض غيره،
فأفسده زرعه، فلا ضمان إلا أن يخالف العادة في قدر الماء،
أو كان عالما بالجحر أو الشق، فلم يحتط. ولو حفر البئر في
أرض خوارة ولم يطوها، ومثلها تنهار إذا لم تطو، كان مقصرا،
كما ذكرنا في سعة البئر، ولا بد من هذا الاحتياط حيث جوزنا
حفر البئر في الشارع. الثالثة: يجوز إخراج الميزاب إلى
الشارع، وليكن عاليا، كالجناح، فلو سقط منه شئ، فهلك به
إنسان أو مال، فقولان، القديم: لا ضمان، والجديد الاظهر:
يضمن، فعلى هذا إن كان الميزاب كله خارجا بأن سمر عليه،
تعلق به جميع الضمان، وإن كان بعضه في الجدار، وبعضه
خارجا، فإن انكسر، فسقط الخارج، أو بعضه، تعلق به جميع
الضمان أيضا، وإن انقلع من أصله، فوجهان أو قولان، أصحهما:
يجب نصف الضمان، والثاني: يجب بقسط الخارج، ويكون التقسيط
بالوزن، وقيل: بالمساحة، وسواء أصابه الطرف الداخل
(7/175)
أو الخارج، لان الهلاك يحصل بثقل الجميع، والحكم في كيفية
التضمين إذا حصل الهلاك بجناح مشروع، إما بالخارج منه،
وإما بالخارج والداخل جميعا كما ذكرنا في الميزاب بلا فرق.
فرع ذكر البغوي أنه لو رش ماء الميزاب على ثوب إنسان، ضمن
ما ينقص. الرابعة: الجدار الملاصق للشارع إن بناه صاحبه
مستويا، فسقط من غير ميل ولا استهدام وتولد منه هلاك، فلا
ضمان، ولو بناه مائلا إلى ملكه، أو مال إليه بعد البناء
وسقط، فلا ضمان أيضا، وإن بناه مائلا إلى الشارع، وجب ضمان
ما تولد من سقوطه، وإن بناه مستويا ثم مال إلى الشارع
وسقط، فإن لم يتمكن من هدمه وإصلاحه، فلا ضمان قطعا، وكذا
إن تمكن على الاصح عند الجمهور، ويجري الوجهان فيما لو سقط
إلى الشارع، فلم يرفعه حتى هلك به إنسان، أو مال. ولا فرق
بين أن يطالبه الوالي، أو غيره بالنقض، وبين أن لا يطالب،
لانه بنى في ملكه بلا ميل، والهلاك حصل بغير فعله، وإذا
وجب ضمان في البناء المائل ابتداء أو دواما، فلو مال بعضه،
نظر، هل حصل التلف برأسه المائل، أم بالباقي على الاستواء،
أم بالجميع، ويكون حكمه كما ذكرنا في الميزاب. فرع إذا باع
ناصب الميزاب، أو باني الجدار المائل الدار، لم يبرأ من
الضمان، حتى لو سقط على إنسان فهلك به، يجب الضمان على
عاقلة البائع، هكذا ذكره البغوي. فرع لو أراد الجار أن
يبني جداره الخالص أو المشترك مائلا إلى ملك الجار، فله
المنع، وإن مال فله المطالبة بالنقص، كما إذا انتشرت أغصان
شجرته إلى هواء غيره، فله المطالبة بإزالتها، فلو تولد منه
هلاك، فالضمان على ما ذكرنا فيما إذا مال إلى الشارع.
(7/176)
فرع لو استهدم الجدار ولم يمل، قال الاصطخري: لا يطالب
بنقضه، لانه لم يجاوز ملكه، وفي التتمة وجه آخر أن للجار
وللمارة المطالبة به لما يخاف من ضرره، وأورد ابن الصباغ
هذا احتمالا على الاول لا ضمان فيما تولد منه، وعلى الثاني
هو كما لو مال، فلم ينقضه. الخامسة: قمامة البيت، وقشور
البطيخ، والرمان، والباقلاء إذا طرحها في ملكه أو في موات،
فزلق بها إنسان، فهلك، أو تلف بها مال، فلا ضمان، وإن
طرحها في الطريق فحصل بها تلف، وجب الضمان على الصحيح وبه
قطع الجمهور، وقيل: لا ضمان لاطراد العرف بالمسامحة به مع
الحاجة، وقيل: إن ألقاها في متن الطريق، ضمن، وإن ألقاها
في منعطف وطرف لا ينتهي إليه المارة غالبا، فلا. قال
الامام: والوجه القطع بالضمان بالالقاء في متن الطريق،
وتخصيص الخلاف بالالقاء على الطرف ولك أن تقول: قد يوجد
بين العمارات مواضع معدة للالقاء فيها تسمى تلك المواضع
السباطات والمزابل، وتعد من المرافق المشتركة بين سكان
البقعة، فيشبه أن يقطع بنفي الضمان إذا كان الالقاء فيها،
فإنه استيفاء منفعة مستحقة ويخص الخلاف بغيرها وإذا أوجبنا
الضمان، فذلك إذا كان المتعثر بها جاهلا، أما إذا مشى
عليها قصدا، فلا ضمان كما لو نزل البئر فسقط. فرع لو رش
الماء في الطريق، فزلق به إنسان أو بهيمة، فإن رش لمصلحة
عامة، كدفع الغبار عن المارة فليكن كحفر البئر للمصلحة
العامة، وإن كان لمصلحة نفسه، وجب الضمان، ويمكن أن يجئ
فيه الوجه المذكور في طرح القشور، ولو جاوز القدر المعتاد
في الرش، قال المتولي: وجب الضمان قطعا، كما لو بل الطين
في الطريق، فإنه يضمن ما تلف به.
(7/177)
فرع لو بنى على باب داره دكة فتلف بها إنسان أو دابة، وجب
الضمان، وكذا الطواف إذا وضع متاعه في الطريق، فتلف به شئ،
لزمه الضمان بخلاف ما لو وضع على طرف حانوته. فرع لو بالت
دابته، أو راثت، فزلق به رجل أو دابة، أو تطاير منه شئ إلى
طعام إنسان فنجسه، نظر، إن كانت الدابة في ملكه، فلا ضمان،
وإن كانت في الطريق، أو ربطها في الطريق فأتلفت، فحكمه
سيأتي إن شاء الله تعالى في آخر كتاب موجبات الضمان، ولو
مشى قصدا على موضع الرش أو البول، فلا ضمان. السادسة: أسند
خشبه إلى جدار، فسقط الجدار على شئ فأتلفه، إن كان الجدار
لغير المسند ولم يأذن له فعليه ضمان الجدار وما سقط عليه،
سواء سقط عقب الاسناد أم متأخرا عنه، وإن كان الجدار
للمسند أو لغيره، وقد أذن له في الاسناد، لم يجب ضمان
الجدار، وفي ضمان ما سقط عليه وجهان، قال ابن القاص وأبو
زيد، إن سقط في الحال، ضمن، كما لو أسقط جدارا على مال
رجل، وإن سقط بعد زمان، لم يضمن، كما لو حفر بئرا في ملكه،
وعن القفال أنه لا يضمن في الحالين، كما لا يضمن ما سقط في
البئر في الحالين، فإن ضمناه إذا سقط في الحال، فلم يسقط،
لكنه مال في الحال إلى الشارع، ثم سقط بعد مدة، وجب
الضمان، كما لو بنى الجدار مائلا، لانه مال بفعله بخلاف ما
لو مال في الدوام بنفسه. السابعة: نخس دابة أو ضربها
مغافصة فقفزت ورمت راكبها، فمات أو أتلفت مالا، وجب
الضمان، قال البغوي: فإن كان النخس بإذن المالك فالضمان
عليه، ولو غلبته دابته، فاستقبلها رجل، وردها، فأتلفت في
انصرافها،
(7/178)
فالضمان على الراد. فرع رجل حمل رجلا، فجاء فقرص الحامل،
أو ضربه، فتحرك، فسقط المحمول عن ظهره، قال المتولي: هو
كما لو أكره الحامل على إلقائه عن ظهره.
الطرف الثالث : في اجتماع
سببين
فمتى اجتمع سببا هلاك، قدم الاول منهما، لانه المهلك، إما
بنفسه، وإما بوساطة الثاني، فأشبه التردية مع الحفر، فإذا
حفر بئرا في محل عدوان، أو نصب سكينا، ووضع آخر حجرا،
فتعثر بالحجر، فوقع على مؤخر السكين، أو في مقدم البئر،
فمات فالضمان يتعلق بواضع الحجر، وقال أبو الفياض من
أصحابنا: يتعلق بناصب السكين إذا كانت قاطعة موحية،
والصحيح الاول، وبه قطع الجمهور، لان التعثر بالحجر هو
الذي ألجأه إلى الوقوع في البئر، أو على السكين، وكأنه
أخذه فرداه، وصار كما لو كان في يده سكين، فألقى عليه رجل
إنسانا، وجب القصاص والضمان على الملقي، ولو أهوى إليه من
في يده سكين ووجهه نحوه حين ألقاه الملقي كان القصاص على
صاحب السكين، هذا إذا كانا متعديين، فلو حفر بئرا، أو نصب
سكينا في ملكه، ووضع متعد حجرا فعثر رجل بالحجر، ووقع في
البئر، أو على السكين، فالضمان أيضا على واضع الحجر، ولو
وضع حجرا في ملكه، وحفر متعد هناك بئرا، أو نصب سكينا،
فعثر رجل بالحجر، ووقع في البئر أو على السكين، فالمنقول
أنه يتعلق الضمان بالحافر وناصب السكين، فإنه المتعدي،
وينبغي أن يقال: لا يتعلق بالحافر والناصب ضمان، كما
سنذكره قريبا في مسألة السيل إن شاء الله تعالى، ويدل عليه
أن المتولي قال: لو حفر بئرا في ملكه، ونصب غيره فيها
حديدة، فوقع رجل في البئر فجرحته الحديدة ومات، فلا ضمان
على واحد منهما. فرع حفر بئرا في محل عدوان، وحصل حجر على
طرف البئر بحمل السيل، أو بوضع حربي أو سبع، فعثر رجل
بالحجر، فوقع في البئر، فهلك، فلا ضمان على أحد، كما لو
ألقاه الحربي، أو السبع في البئر، وقيل: يجب الضمان
(7/179)
على عاقلة الحافر وهو ضعيف، ولو حفر بئر عدوان، ونصب آخر
في أسفلها سكينا فالضمان على عاقلة الحافر على الصحيح،
وقيل: على ناصب السكين. فرع حفر بئرا قريبة العمق، فعمقها
غيره، فوجهان، أحدهما: يختص الاول بضمان التالف فيها،
وأصحهما: يتعلق بهما، وعلى هذا هل يتنصف، أم يوزع على
الاذرع التي حفراها ؟ وجهان. قلت: الاصح: التنصيف،
كالجراحات. والله أعلم. ولو حفر بئرا وطمها، فأخرج غيره ما
طمت به، فهل يتعلق ضمان التالف فيها بالاول، لانه المبتدئ،
أم بالثاني لانقطاع أثر الاول بالطم ؟ وجهان. قلت: أصحهما
الثاني. والله أعلم. فرع وضع زيد حجرا في طريق، وآخران
حجرا بجنبه، فتعثر بهما إنسان ومات، فالاصح تعلق الضمان
بهم أثلاثا، كالجراحات المختلفة، وقيل: يتعلق بزيد نصفه،
وبالآخرين نصفه. فصل وضع الحجر كحفر البئر يتعلق الضمان به
إذا عثر به من لم يره كما سبق، فلو وضع حجرا في طريق، فعثر
به رجل ودحرجه، ثم عثر به ثان، فهلك، فضمان الثاني يتعلق
بالمدحرج، لان الحجر إنما حصل هناك بفعله. فرع من قعد في
موضع، أو نام، أو وقف، فعثر به ماش، وماتا أو مات أحدهما،
نظر، إن كان قعوده في ملكه، ودخله الماشي بلا إذن، فالماشي
مهدر، وعلى عاقلته دية القاعد والواقف، وكذا لو قعد، أو
وقف في موات أو طريق واسع لا يتضرر به المارة، وسواء كان
القاعد أو الواقف بصيرا أو أعمى، كما لو قتل شخصا أمكنه
الدفع عن نفسه، وإن قعد أو نام في طريق ضيق يتضرر به
المارة فعثر به الماشي وماتا، ففيه طرق: المذهب منها وهو
المنصوص: أن دم القاعد والنائم
(7/180)
مهدر، وعلى عاقلتهما دية الماشي، وأنه إذا عثر بالواقف،
كان دم الماشي مهدرا وعلى عاقلته دية الواقف، لان الانسان
قد يحتاج إلى الوقوف لكلال، أو انتظار رفيق، أو سماع كلام،
فالوقوف من مرافق الطريق كالمشي، لكن الهلاك حصل بحركة
الماشي، فخص بالضمان، والقعود والنوم ليسا من مرافق
الطريق، فمن فعلهما فقد تعدى وعرض نفسه للهلاك، والثاني:
وجوب دية كل واحد منهما على عاقلة الآخر مطلقا، والثالث:
يهدر دم القاعد والنائم والواقف، وتجب دية الماشي على
عاقلتهم، والرابع: يهدر دم الماشي، وتجب دية هؤلاء على
عاقلته، لان القتل حصل بحركته، كما لو تردد الاعمى في
الطريق بلا قائد فأتلف يلزمه الضمان، هذا كله إذا لم يوجد
من الواقف فعل، فإن وجدنا بأن انحرف إلى الماشي لما قرب
منه، فأصابه في انحرافه، فماتا، فهما كماشيين اصطدما،
وسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى. ولو انحرف عنه، فأصابه في
انحرافه، أو انصرف إليه، فأصابه بعد تمام انحرافه، فالحكم
كما لو كان واقفا لا يتحرك، ولو جلس في مسجد، فعثر به
إنسان وماتا، فعلى عاقلة الماشي دية الجالس، ويهدر دم
الماشي، كما لو جلس في ملكه، فعثر به ماش، ولو نام في
المسجد معتكفا، فكذلك، ولو جلس لامر ينزه المسجد عنه، أو
نام غير معتكف، فهو كما لو نام في الطريق، هكذا ذكره
البغوي. فرع حيث أطلق الضمان في هذه الصور وما قبلها،
وقيل: إنه على الحافر، أو واضع الحجر، أو القاعد، وناصب
الميزاب والجناح، وملقي القمامة، وقشر البطيخ ونحوهم،
فالمراد أنه يتعلق الضمان بهم، ومعناه أنه يجب على
عاقلتهم.
(7/181)
فصل وقع في البئر واحد خلف واحد، فهلكوا، أو هلك بعضهم،
فله حالان. الاولى: أن يقع الثاني بغير جذب الاول، فإن مات
الاول، فالثاني ضامن، فإن تعمد إلقاء نفسه عليه، ومثله
يقتل مثله غالبا لضخامته وعمق البئر وضيقها، لزمه القصاص،
وإن تعمده، لكنه لا يقتل غالبا، فهو شبه عمد، وإن لم يتعمد
ووقع في البئر بغير اختياره، أو لم يعلم وقوع الاول، فهو
خطأ محض، ثم أطلق مطلقون أنه إذا آل الامر إلى المال، وجبت
دية كاملة، وقال آخرون: إنما على الثاني نصف الدية، لان
الاول مات بوقوعه في البئر وبوقوع الثاني عليه، ويكون
النصف الآخر على الحافر، إن كان الحفر عدوانا، وإلا فمهدر
وهذا أصح عند المتولي وغيره، لكن لو نزل الاول إلى البئر
ولم ينصدم، فوقع عليه الثاني، تعلق بوقوعه كل الدية، أما
إذا مات الثاني، فإن تعمد إلقاء النفس فيها، أو لم يكن
الحفر عدوانا، فهو هدر، وإلا تعلق الضمان بعاقلة الحافر،
وإن ماتا معا، فالحكم في حق كل واحد ما ذكرنا، ولو تردى في
البئر ثلاثة، واحد بعد واحد فوجهان، أحدهما: تجب دية الاول
على عاقلة الثاني والثالث، قاله الشيخ أبو حامد، والثاني:
يجب على عاقلتهما ثلثا الدية، والثلث الباقي على عاقلة
الحافر إن كان متعديا، وإلا فهو هدر، قاله القاضي أبو
الطيب واختاره ابن الصباغ. الحالة الثانية: أن يقع الثاني
في البئر بجذب الاول، فإذا تزلق على طرف بئر، فجذب غيره،
ووقع في البئر، ووقع الثاني فوقه فماتا، فالثاني هلك بجذب
(7/182)
الاول، فكأنه أخذه وألقاه في البئر إلا أنه قصد الاستمساك
والتحرز عن الوقوع، فكان مخطئا، فيجب ضمان الثاني على
عاقلة الاول، وأما الاول، فإن كان الحفر عدوانا، فوجهان،
أحدهما يحكى عن الخضري: أنه مهدر، وأصحهما: تجب نصف ديته
على عاقلة الحافر ويهدر النصف، لانه مات بسببين: صدمة
البئر وثقل الثاني منسوب إليه، وإن لم يكن الحفر عدوانا،
فالاول مهدر بلا خلاف، وليحمل على هذه الحالة إطلاق من
أطلق إهدار الاول، وقد أطلقه كثيرون. ولو كانت الصورة كما
ذكرنا، وجذب الثاني ثالثا، وماتوا جميعا فأما الاول ففيه
وجهان، أحدهما: تهدر نصف ديته لجذبه الثاني، ويجب نصفها
على عاقلة الثاني لجذبه الثالث، وهذا تفريع على أنه لا أثر
للحفر مع الجذب، وأصحهما: أنه مات بثلاثة أسباب: صدمة
البئر وثقل الثاني والثالث، فهدر ثلث الدية لجذبه الثاني،
ثم ينظر إن كان الحفر عدوانا، وجب ثلثها على عاقلة الحافر،
وثلثها على عاقلة الثاني بجذبه الثالث، وإن لم يكن الحفر
عدوانا، أهدر ثلث آخر ووجب ثلث على عاقلة الثاني، وقال ابن
الحداد: مات بالوقوع في البئر وبجذبة الثاني، فيهدر نصف
دية، ويجب نصفها على عاقلة الحافر، وأعرض عن تأثره بثقل
الثالث، وهذا ضعيف عند الاصحاب، وأما الثاني، فمات بجذب
الاول، وبثقل الثالث، وثقل الثالث حصل بفعله، فيهدر نصف
ويجب نصف على عاقلة الاول، وأما الثالث فتجب جميع ديته على
الثاني على الاصح، وقيل: على الاول والثاني، والمراد
عاقلتهما، ولو كانت الصورة بحالها وجذب الثالث رابعا
وماتوا، وجب جميع دية الرابع بلا خلاف، وهل تتعلق بالثالث
وحده أم بالثلاثة ؟ وجهان، أصحهما: الاول. وأما ديات
الثلاثة ففيها أوجه، أصحها: أن الاول مات بأربعة أسباب:
صدمة البئر، وثقل الثلاثة، فيهدر ربع ديته لجذبه الثاني،
ويجب الربع على عاقلة الحافر إن كان الحفر عدوانا، وإن لم
يكن عدوانا، أهدر أيضا، ويجب ربع على عاقلة الثاني، وربع
على عاقلة الثالث، وأما الثاني، فلا أثر للحفر في حقه وقد
مات
(7/183)
بجذب الاول، وثقل الثالث والرابع، فيهدر ثلث ديته، ويجب
ثلثها على عاقلة الاول وثلثها على عاقلة الثالث، وأما
الثالث فمات بجذب الثاني وثقل الرابع، فيهدر نصف ديته،
ويجب نصفها على عاقلة الثاني، والوجه الثاني لا يجب للاول
شئ لانه باشر قتل نفسه بجذب الثاني وما تولد منه، وأما
الثاني فيهدر نصف ديته ويجب نصفها على عاقلة الاول، وأما
الثالث، فيهدر نصف ديته، ويجب نصفها على عاقلة الثاني،
ومقتضى هذا الوجه أن لا يجب للاول في صورة الثلاثة شئ أصلا
وإن لم يذكروه هناك، والوجه الثالث أنه تجعل دية الثلاثة
أثلاثا، فيهدر ثلث دية كل واحد ويجب الثلثان من دية الاول
على عاقلتي الثاني والثالث، والثلثان من دية الثاني على
عاقلتي الاول والثالث، والثلثان من دية الثالث على عاقلتي
الاول والثاني، والوجه الرابع حكاه المتولي: يجب للاول ربع
الدية إن كان الحافر متعديا، وللثاني الثلث، وللثالث النصف
للقصة المروية من قضاء علي رضي الله عنه بهذا وإمضاء النبي
- صلى الله عليه وسلم - لذلك، لكنه حديث ضعيف وجميع ما
ذكرناه إذا وقع الثلاثة أو الاربعة بعضهم فوق بعض، أما إذا
كانت البئر واسعة وجذب بعضهم بعضا لكن وقع كل واحد في
ناحية، فدية كل مجذوب على عاقلة جاذبه ودية الاول على
عاقلة الحافر إن كان متعديا، ومن وجبت في هذه الصور دية
بعضهم أو بعضها على عاقلته، لزمه الكفارة في ماله، ويقع
النظر في أنها هل تتجزأ ؟ ومن أهدر دمه أو شئ منه لفعله،
ففي وجوب الكفارة عليه الخلاف في أن قاتل نفسه هل عليه
كفارة ؟
الطرف الرابع : في اجتماع
سببين متقاومين وفيه مسائل : إحداها: إذا اصطدم
حران ماشيان، فوقعا وماتا، فكل واحد مات بفعله وفعل صاحبه،
فهو شريك في القتلين، ففعله هدر في حق نفسه مضمون في حق
صاحبه، فالصحيح أن في تركة كل واحد منهما كفارتين بناء على
أن الكفارة لا تتجزأ، وأن قاتل نفسه عليه كفارة، وأما
الدية، فتسقط نصف دية كل واحد، ويجب نصفها، ثم إن لم يقصدا
الاصطدام بأن كانا أعميين، أو في ظلمة، أو مدبرين، أو
غافلين، فهو خطأ محض، فعلى عاقلة كل واحد نصف دية الآخر،
وإن تعمدا الاصطدام، فوجهان، أحدهما: أن الحاصل عمد محض،
ويجب في مال كل واحد نصف دية الآخر، قاله أبو إسحق،
واختاره الامام والغزالي، وأصحهما عند الاكثرين وهو نصه في
الام: أن الحاصل شبه عمد، لان الغالب
(7/184)
أن الاصطدام لا يفضي إلى الموت، فلا يتحقق فيه العمد
المحض، ولذلك لا يتعلق القصاص إذا مات أحدهما دون الآخر،
فيجب على عاقلة كل واحد نصف دية الآخر مغلظة. الثانية: إذا
كان المصطدمان راكبين، فحكم الدية والكفارة كما ذكرنا، فلو
تلفت الدابتان، ففي تركة كل واحد نصف قيمة دابة صاحبه، ولو
غلبتهما الدابتان، فجرى الاصطدام والراكبان مغلوبان،
فالمذهب أن المغلوب كغير المغلوب كما سبق، وفي قول أنكره
جماعه أن هلاكهما وهلاك الدابتين هدر، إذ لا صنع لهما، ولا
اختيار، فصار كالهلاك بآفة سماوية، ويجري الخلاف فيما لو
غلبت الدابة راكبها أو سائقها، وأتلفت مالا، هل يسقط
الضمان عنه ؟ فرع سواء في اصطدام الراكبين اتفق جنس
المركوبين وقوتهما، أم اختلف، كراكب فرس، أو بعير مع راكب
بغل أو حمار، وسواء في اصطدام الرجلين اتفق سيرهما، أو
اختلف، بأن كان أحدهما يمشي والآخر يعدو، وسواء كانا
مقبلين، أم مدبرين، أو أحدهما مقبلا والآخر مدبرا، قال
الامام: لكن لو كانت إحدى الدابتين ضعيفة بحيث يقطع بأنه
لا أثر لحركتها مع قوة الدابة الاخرى، لم يتعلق بحركتها
حكم، كغرز الابرة في جلدة العقب مع الجراحات العظيمة،
وسواء وقع المصطدمان مقبلين أو مستلقيين، أو أحدهما
مستلقيا والآخر مكبا، وعن المزني أنه إذا وقع أحدهما مكبا
والآخر مستلقيا، فالمكب مهدر وعلى عاقلته ضمان المستلقي،
وعن ابن القاص مثله تخريجا، وعنه أن المكبين مهدران،
والمذهب الاول، وبه قطع الجمهور، ولو اصطدم ماش وراكب لطول
الماشي وهلكا، فالحكم ما سبق. فرع تجاذب رجلان حبلا،
فانقطع، فسقطا وماتا، وجب على عاقلة كل واحد نصف دية الآخر
ويهدر النصف، سواء وقعا مكبين أو مستلقيين، أو أحدهما هكذا
والآخر كذاك، لكن قال البغوي: إن أكب أحدهما، واستلقى
الآخر، فعلى عاقلة المستلقي نصف دية المكب مغلظة، وعلى
عاقلة المكب نصف دية المستلقي
(7/185)
مخففة، وهذا إن صح اقتضى أن يقال مثله في الاصطدام، هذا
إذا كان الحبل لهما أو مغصوبا، فإن كان لاحدهما والآخر
ظالم، فدم الظالم هدر، وعلى عاقلته نصف دية المالك، ولو
أرخى أحد المتجاذبين، فسقط الآخر، ومات فنصف ديته على
عاقلة المرخي ويهدر نصفها، ولو قطع الحبل قاطع، فسقطا
وماتا، فديتاهما جميعا على عاقلة القاطع. فرع ما ذكرنا أنه
يهدر نصف قيمة الدابة ويجب النصف الآخر هو فيما إذا كانت
الدابة للراكب، فإن كانت مستعارة أو مستأجرة لم يهدر منها
شئ، لان العارية مضمونة، وكذا المستأجر إذا أتلفه
المستأجر. الثالثة: إذا اصطدم صبيان أو مجنونان، نظر، إن
كانا ماشيين، أو راكبين ركبا بأنفسهما، فهما كالبالغين إلا
أنا إذا أوجبنا هناك دية مغلظة، فهي هنا مخففة إلا إذا
قلنا: عمد الصبي والمجنون عمد، وإن أركبهما من لا ولاية له
عليهما، لم يهدر شئ من ديتهما، ولا من قيمة الدابتين، ولا
شئ على الصبيين، ولا على عاقلتهما، بل إن كان المركب
واحدا، فعليه قيمة الدابتين، وعلى عاقلته دية الصبيين، وإن
أركب هذا واحدا وذاك آخر، فعلى كل واحد نصف قيمة كل دابة،
وكذا يضمن ما أتلفته دابة من أركبه بيدها أو رجلها، وعلى
عاقلة كل واحد نصف ديتي الصبيين، هذا هو الصحيح المعروف
الذي قطع به الاصحاب، وقال الداركي وابن المرزبان: يلزم
عاقلة كل مركب دية من أركبه، قال الشيخ أبو حامد: هذا غلط،
قال في الوسيط: فلو تعمد الصبي والحالة هذه، احتمل أن يحال
الهلاك عليه إذا قلنا: عمده عمد، لان المباشرة مقدمة على
التسبب، وهذا احتمال حسن، فإن قيل به، فحكمه كما لو ركبا
بأنفسهما، والاعتذار عنه تكلف، ولو وقع الصبي، فمات، فقد
أطلق الشيخ أبو حامد أنه يتعلق بالمركب الضمان، وقال
المتولي: إن كان مثله لا يستمسك على الدابة ولم يشده، وجب
الضمان، وإن كان يستمسك، فإن كان ينقله من موضع إلى موضع،
فلا ضمان، سواء أركبه الولي أو غيره، لانه لا يخاف منه
الهلاك غالبا، وإن أركبه ليتعلم الفروسية، فهو كما لو تلف
(7/186)
في يد السباح، وفي كل واحد من الاطلاق والتفصيل نظر، أما
إذا أركبهما ولياهما لمصلحتهما فوجهان، أصحهما: لا ضمان
على الولي، كما لو ركبا بأنفسهما إذ لا تقصير، والثاني
قاله القفال: يجب الضمان، لان في الا ركاب خطرا، هكذا أطلق
جماعة الوجهين، وخصهما الامام بالاركاب لزينة أو حاجة غير
مهمة، قال: فأما إذا مست حاجة أرهقت إلى إركابه للانتقال
إلى مكان، فلا ضمان قطعا، ثم الوجهان مخصوصان بما إذا ظهر
ظن السلامة، فأما إذا أركبه الولي دابة شرسة جموحا، فلا شك
في أنه يتعلق به الضمان. الرابعة: اصطدام المرأتين
كالرجلين، فإن اصطدم حاملان فماتتا ومات جنيناهما، وجب في
تركة كل واحدة منهما أربع كفارات على الصحيح، وهو إيجاب
الكفارة على قاتل نفسه، وعدم تجزئة الكفارة، فإن لم نوجبها
على قاتل نفسه، وجب ثلاث كفارات، وإن قلنا بالتجزئة، وجب
ثلاثة أنصاف كفارة وعلى عاقلة كل واحدة نصف دية صاحبتها
ونصف غرة كل جنين. الخامسة: اصطدم عبدان، فمات أحدهما، وجب
نصف قيمته متعلقا برقبة الحي، وإن ماتا فمهدران، لان ضمان
جناية العبد تتعلق برقبته، سواء اتفقت قيمتهما، أم اختلفت،
وإن اصطدم حر وعبد ومات العبد، فنصفه هدر، وتجب نصف قيمته،
وهل تكون على الحر أم على عاقلته ؟ فيه الخلاف في تحمل
العاقلة قيمة العبد، وإن مات الحر، وجب نصف ديته متعلقا
برقبة العبد، وإن ماتا معا، فإن قلنا: قيمة العبد لا
تحملها العاقلة، وجب نصفها في تركة الحر، ويتعلق به نصف
دية الحر، لانه بدل رقبته، وإن قلنا: تحمل العاقلة القيمة،
فنصف قيمة العبد على عاقلة الحر، ويتعلق به نصف دية الحر،
فيأخذ السيد من العاقلة نصف القيمة، ويدفع نصف الدية إلى
ورثة الحر، إما من عين المأخوذ وإما من غيره، قال الامام:
والوجه أن يثبت لورثة الحر مطالبة عاقلته بنصف القيمة، وإن
كان ملكه
(7/187)
السيد ليتوثقوا به وكذا إذا تعلق أرش برقبة عبد، فقتله
أجنبي، ثبت للمجني عليه مطالبة قاتل الجاني بالقيمة، ويثبت
للمرتهن مطالبة قاتل المرهون بالقيمة ليتوثق بها، وليكن
هذا مبنيا على أن المرتهن هل له أن يخاصم الجاني ؟ وفيه
خلاف سبق، الاصح: المنع وبتقدير أن يخاصم ويأخذ، فإن لم
يصر المأخوذ ملكا للراهن، لم يصح التوثق، وإن صار، فجعل
المرتهن نائبا عنه قهرا بعيد. السادس: اصطدم مستولدتان
لرجلين فماتتا، أهدر نصف قيمة كل منهما ووجب نصف قيمة كل
واحدة على سيد الاخرى، لان ضمان جناية المستولدة على
سيدها، كما سيأتي في بابه إن شاء الله تعالى، والمذهب أنه
يضمن أقل الامرين من أرش الجناية وقيمة مستولدته، وإن
كانتا حاملين، فماتتا، وأجهضتا جنينهما، فحكم القيمة ما
ذكرنا، وأما ضمان الجنينين، فإن كانا رقيقين، فعلى سيد كل
واحدة مع نصف قيمة الاخرى نصف عشر قيمتها لنصف جنينها، وإن
كانتا حاملين بحرين من شبهة، فعلى كل سيد مع نصف قيمة
الاخرى نصف غرة لجنين مستولدته، ونصف غرة لجنين الاخرى،
وإن كانتا حاملين بحرين من السيدين، فنصف كل جنين هدر، لان
المستولدة إذا جنت على نفسها، وألقت جنينا، كان هدرا، وعلى
كل واحد من السيدين نصف غرة جنين الاخرى، وتصير الصورة من
صور التقاص، وإذا فضل لاحدهما شئ أخذه، وإن كانت إحداهما
حاملا، فألقت جنينها ميتا، فنصف الغرة على سيد الحامل، فإن
كان للجنين أم أم وارثة، فلها نصف سدس الغرة، والباقي لسيد
الحامل، وعليه للجدة نصف سدس أيضا ل يكمل لها سدس الغرة.
السابعة: إذا اصطدم سفينتان، وغرقتا بما فيهما، فإما أن
يحصل الاصطدام بفعلهما، وإما لا، فهما حالان. الاول
بفعلهما، فينظر إن كانت السفينتان وما فيهما ملكا للملاحين
المجريين لهما، فنصف قيمة كل سفينة وما فيهما مهدر، ونصف
قيمتها ونصف قيمة ما فيها على صاحب الاخرى، فإن هلك
الملاحان أيضا، فهما كالفارسين يموتان بالاصطدام، وإن كانت
السفينتان لهما وحملا الاموال والانفس تبرعا أو بأجرة،
(7/188)
نظر إن تعمدا الاصطدام بما يعده أهل الخبرة مفضيا إلى
الهلاك، تعلق بفعلهما القصاص حتى إذا كان في كل سفينة عشرة
أنفس مثلا يقرع بينهم لموتهم معا، فمن خرجت قرعته، قتل به
الملاحان، وفي مال كل واحد منهما نصف ديات الباقين، فيكون
على كل واحد تسع ديات ونصف مع القصاص، وفي مال كل واحد من
الكفارات بعدد من في السفينتين من الاحرار والعبيد، وعلى
كل واحد منهما نصف قيمة ما في السفينتين لا يهدر منه شئ،
ونصف قيمة سفينة صاحبه، ويهدر نصفها، ويجري التقاص في
القدر الذي يشتركان فيه، وإن تعمدا الاصطدام بما لا يفضي
إلى الهلاك غالبا وقد يفضي إليه، فهو شبه عمد، والحكم كما
ذكرنا، إلا أنه لا يتعلق به قصاص، وتكون الدية على العاقلة
مغلظة، وإن لم يتعمدا الاصطدام بل ظنا أنهما يجريان على
الريح فأخطأ أو لم يعلم واحد منهما أن بقرب سفينته سفينة
الآخر، فالدية على العاقلة، وإن كانت السفينتان لغير
الملاحين، وكانا أجيرين للمالك، أو أمينين، لم يسقط شئ من
ضمان السفينتين بل على كل واحد منهما نصف قيمة كل سفينة،
وكل واحد من المالكين مخير بين أن يأخذ جميع قيمة سفينته
من أمينه، ثم هو يرجع بنصفها على أمين الآخر، وبين أن يأخذ
نصفها منه ونصفها من أمين الآخر، وإن كان المجريان عبدين،
فالضمان يتعلق برقبتهما. الحال الثاني: أن يحصل الاصطدام
لا بفعلهما، فإن وجد منهما تقصير بأن توانيا في الضبط، فلم
يعدلاهما عن صوب الاصطدام مع إمكانه، أو سيرا في ريح شديدة
لا تسير في مثلها السفن، أو لم يكملا عدتهما من الرجال
والآلات، وجب الضمان على ما ذكرنا، وإن لم يوجد منهما
تقصير، وحصل الهلاك بغلبة الرياح وهيجان الامواج، ففي وجوب
الضمان قولان، أحدهما: نعم كالفارسين إذا غلبتهما
دابتاهما، وأصحهما: لا، لعدم تقصيرهما، كما لو حصل الهلاك
بصاعقة بخلاف غلبة الدابة، فإن ضبطها ممكن باللجام، وقيل:
القولان إذا لم يكن منهما فعل، بأن كانت السفينة مربوطة
بالشط أو مرساة في موضع، فهاجت ريح فسيرتها فأما إذا
سيراهما، ثم غلبت الريح، وعجزا عن ضبطهما، فيجب الضمان
قطعا، والمذهب طرد القولين في الحالين، فإن قلنا: يجب
الضمان، فهو كما لو فرطا،
(7/189)
ولكن لم يقصدا الاصطدام، وإن قلنا بالاظهر: لم يجب ضمان
الاحرار، ولا ضمان الودائع والامانات فيهما ولا ضمان
الاموال المحمولة بالاجرة إن كان مالكها أو عبده معها
يحفظها، وإن استقل المجريان باليد، فعلى القولين في أن يد
الاجير المشترك هل هي يد ضمان ؟ وإن كان فيهما عبيد، فإن
كانوا أعوانا أو حفاظا للمال لم يجب ضمانهم، وإلا فهم
كسائر الاموال، وعلى هذا لو اختلف صاحب المال والملاحان،
فقال صاحب المال: كان الاصطدام بفعلكما، وقالا: بل بغلبة
الريح، صدقا بيمينهما، ومتى كان أحدهما مفرطا أو عامدا دون
الآخر، خص كل واحد منهما بالحكم الذي يقتضيه حاله على ما
ذكرنا، ولو صدمت سفينة السفينة المربوطة بالشط فكسرتها،
فالضمان على مجري السفينة الصادمة. فرع إذا خرق واحد
سفينة، فغرق ما فيها من نفس ومال، وجب ضمانه، ثم إن تعمد
الخرق بما يفضي إلى الهلاك غالبا كالخرق الواسع الذي لا
مدفع، وجب القصاص والدية المغلظة في ماله، وإن تعمده بما
لا يحصل به الهلاك غالبا، فهو شبه عمد، وكذا لو قصد إصلاح
السفينة، فنفذت الآلة في موضع الاصلاح فغرقت به السفينة،
وإن أصابت الآلة غير موضع الاصلاح، أو سقط من يده حجر، أو
غيره، فخرقت السفينة، فهو خطأ محض. فرع لو كانت السفينة
مثقلة بتسعة أعدال، فوضع آخر فيها عدلا آخر عدوانا، فغرقت،
فهل يغرم جميع الاعدال التسعة أم بعضها ؟ وجهان، أحدهما:
جميعها، لان الهلاك ترتب على فعله، وأصحهما: البعض، وفيه
وجهان، أحدهما: النصف، والثاني: قسطه إذا وزع على جميع
الاعدال، وهو كالخلاف في الجلاد إذا زاد على الحد المشروع،
وله نظائر متقدمة. فصل إذا أشرفت السفينة على الغرق، جاز
إلقاء بعض أمتعتها في البحر، ويجب الالقاء رجاء نجاة
الراكبين إذا خيف الهلاك، ويجب إلقاء ما لا روح فيه
(7/190)
لتخليص ذي الروح، ولا يجوز إلقاء الدواب إذا أمكن دفع
الغرق بغير الحيوان، وإذا مست الحاجة إلى إلقاء الدواب،
ألقيت لابقاء الآدميين، والعبيد كالاحرار، وإذا قصر من
عليه الالقاء حتى غرقت السفينة، فعليه الاثم ولا ضمان كما
لو لم يطعم صاحب الطعام المضطر حتى مات، يعصي ولا يضمنه،
ولا يجوز إلقاء المال في البحر من غير خوف، لانه إضاعة
للمال، وإذا ألقى متاع نفسه أو متاع غيره بإذنه رجاء
السلامة، فلا ضمان على أحد، ولو ألقى متاع غيره بغير إذنه،
وجب الضمان، وقيل: إذا ألقى من لا خوف عليه متاع نفسه
لانقاذ غيره، ففي رجوعه عليه وجهان، كمن أطعم المضطر قهرا
والمذهب الاول، ولو قال لغيره: ألق متاعك في البحر وعلي
ضمانه أو على أني ضامن، أو على أني أضمن قيمته، فألقاه
فعلى الملتمس ضمانه، وقال أبو ثور وبعض الاصحاب: لا يجب
ضمانه، لانه ضمان ما لم يجب، والصحيح الاول وبه قطع
الجمهور، لانه التماس إتلاف بعوض له فيه
(7/191)
غرض صحيح، فصار كقوله: أعتق عبدك على كذا، فأعتق، قال
الاصحاب: وليس هذا على حقيقة الضمان وإن سمي ضمانا، ولكنه
بذل مال للتخليص عن الهلاك، فهو كما لو قال: أطلق هذا
الاسير ولك علي كذا، فأطلقه، يجب الضمان، وبنى القاضي حسين
عليه أنه لو قال لمن له القصاص: اعف ولك كذا، أو قال لرجل:
أطعم هذا الجائع ولك علي كذا، فأجاب، يستحق المسمى، أما
إذا اقتصر على قوله: ألق متاعك في البحر، ولم يقل: وعلي
ضمانه، فألقاه فقيل في وجوب الضمان خلاف، كقوله: أد ديني،
وقطع الجمهور بأنه لا ضمان، لان قضاء الدين ينفعه قطعا
وهذا قد لا ينفعه، قال البغوي: وتعتبر قيمة الملقى قبل
هيجان الامواج، فإنه لا قيمة للمال في تلك الحال، فلا تجعل
قيمة المال في البحر وهو على خطر الهلاك كقيمة البر، ثم
إنما يجب الضمان على الملتمس بشرطين، أحدهما: أن يكون
الالتماس عند خوف الغرق، فأما في غير حال الخوف فلا يقتضي
الالتماس ضمانا، سواء قال: على أني ضامن، أو لم يقل، كما
لو قال: اهدم دارك، ففعل. الشرط الثاني: أن لا تختص فائدة
الالقاء بصاحب المتاع، واعلم أن فائدة التخليص بإلقاء
المتاع تتصور في صور: إحداها: أن يختص بصاحب المتاع، فإذا
كان في السفينة المشرفة راكب ومتاعه، فقال له رجل من الشط،
أو من زورق بقربها: ألق متاعك في البحر وعلي ضمانه، فألقى،
لا يجب الضمان، ولا يحل له أخذ الضمان، لانه فعل ما هو
واجب عليه لغرض نفسه، فلا يستحق عوضا، كما لو قال للمضطر:
كل طعامك وأنا ضامنه لك، فأكله، لا شئ على الملتمس.
الثانية: أن يختص بالملتمس، بأن أشرفت سفينة على الغرق
وفيها متاع رجل وهو خارج عنها، فقال للخارج: ألق متاعك في
البحر وعلي ضمانه، فألقى، وجب الضمان كما ذكرنا سواء حصلت
السلامة أم لا، حتى لو هلك الملتمس وجب الضمان في تركته.
(7/192)
الثالثة: أن يختص بغيرهما، بأن كان الملتمس وصاحب المتاع
خارجين عن السفينة وفيها جماعة مشرفون على الغرق، وجب
الضمان على الملتمس أيضا، لانه غرض صحيح. الرابعة: أن تعود
المصلحة إلى ملقي المتاع وغيره دون الملتمس، فوجهان،
أصحهما: يجب ضمان جميع المتاع، والثاني: بقسط الملقى على
مالكه وسائر من فيها، فيسقط قسط المالك ويجب الباقي، فإن
كان معه واحد، وجب نصف الضمان، وإن كان معه تسعة، وجب تسعة
أعشاره. الخامسة: أن يكون في الالقاء تخليص الملتمس وغيره،
بأن التمس بعض ركاب السفينة من بعض، فيجب الضمان على
الملتمس، قال الامام: ويجئ الوجهان في أنه هل تسقط حصة
المالك ؟ فرع إذا قال: ألق متاعك في البحر وأنا وركاب
السفينة ضامنون، كل واحد منا على الكمال، أو على أني ضامن
وكل واحد منهم ضامن، فعليه ضمان الجميع، ولو قال: أنا وهم
ضامنون كل واحد منا بالحصة، لزمه ما يخصه، وكذا لو قال:
أنا وهم ضامنون، واقتصر عليه، ولو قال: وأنا ضامن وركاب
السفينة، أو على أن أضمنه أنا والركاب، أو قال: وأنا ضامن
وهم ضامنون، لزمه ضمان الجميع على الاصح، وقيل: على القسط،
ثم قوله: هم ضامنون، إما للجميع، وإما للحصة، إن أراد به
الاخبار عن ضمان سبق منهم، واعترفوا به، لزمهم، وإن
أنكروا، فهم المصدقون، وإن قال: أردت إنشاء الضمان عنهم،
فقيل: إن رضوا به، ثبت المال عليهم، والصحيح أنه لا يثبت،
لان العقود لا توقف، وإن قال: وأنا وهم ضمناء وضمنت عنهم
بإذنهم، طولب هو بالجميع بقوله، وإذا أنكروا الاذن، فهم
المصدقون حتى لا يرجع عليهم، ولو قال: أنا وهم ضمناء،
وأصححه من مالهم، فقد نقل الائمة لا سيما العراقيون، أنه
يطالب بالجميع أيضا، وكذا لو قال: أنا أحصله من مالهم كما
لو قال: اخلعها على ألف أصححها لك من مالها، أو أضمنها لك
من مالها، يلزمه الالف، ولو قال: ألقي متاعك في البحر على
أني وهم ضمناء، فأذن له في الالقاء، فألقاه، فهل تلزمه
الحصة أم الجميع، لانه باشر الاتلاف ؟ وجهان.
(7/193)
فرع قال: ألق متاعك وعلي نصف الضمان، وعلى فلان الثلث،
وعلى فلان السدس، لزمه النصف. فرع قال لرجل: ألق متاع زيد
وعلي ضمانه إن طالبك، فالضمان على الملقي دون الآمر. فرع
قال الامام: المتاع الملقى لا يخرج عن ملك مالكه حتى لو
لفظه البحر على الساحل، وظفرنا به، فهو لمالكه، ويسترد
الضامن المبذول، وهل للمالك أن يمسك ما أخذه، ويرد بدله ؟
فيه خلاف كالخلاف في العين المقرضة إذا كانت باقية، فهل
للمقترض إمساكها ورد بدلها ؟ المسألة الثامنة: إذا عاد حجر
المنجنيق على الرامين، فقتل أحدهم، فقد مات بفعله وفعل
شركائه، وحكمه كالاصطدام، فإن كانوا عشرة، سقط عشر ديته،
ووجب على عاقلة كل واحد من التسعة عشرها، ولو قتل اثنين
منهم، فصاعدا فكذلك، فلو قتل العشرة، أهدر من دية كل واحد
عشرها، ووجب على عاقلة كل
(7/194)
واحد من الباقين عشرها، ولو أصاب الحجر غيرهم، نظر، إن لم
يقصدوا واحدا أو أصاب غير من قصدوه، بأن عاد فقتل بعض
النظارة، فهذا خطأ يوجب الدية المخففة على العاقلة، وإن
قصدوا شخصا أو جماعة بأعيانهم فأصابوا من قصدوه، فوجهان،
قطع العراقيون بأنه شبه عمد، لانه لا يتحقق قصد معين
بالمنجنيق، والثاني وبه قطع الصيدلاني، والامام والغزالي
والمتولي، ورجحه البغوي والروياني: أنه عمد إذا كانوا
حاذقين تتأتى لهم الاصابة، والغالب الاصابة. قلت: هذا
الثاني هو الذي صححه في المحرر. والله أعلم. وإن قصدوا
واحدا أو جماعة، والغالب أنه لا يصيب من قصدوه وقد يصيب،
فهو شبه عمد، والعلم بأنه يصيب أحدهم لا بعينه، أو جماعة
منهم لا بأعيانهم، لا يحقق العمدية، ولا يوجب القصاص، لان
العمدية تعتمد قصد عين الشخص ولهذا لو قال: اقتل أحد هؤلاء
وإلا قتلتك، فقتل أحدهم، لا قصاص على الآمر، لانه لم يقصد
عين أحدهم، ثم قال الغزالي: يكون هذا خطأ في حق ذلك
الواحد، وقال البغوي: يكون شبه عمد تجب به دية مغلظة على
العاقلة وهذا هو الصحيح إذا قصدوا واحدا أو جماعة لا
بأعيانهم، وكذا لو رمى سهما إلى جماعة، ولم يعين أحدهم، ثم
استدرك الامام فقال: قولنا لا يجب القصاص مفروض فيمن قصد
إصابة واحد لا بعينه، أو جماعة لا بأعيانهم وأصاب الحجر
بعضهم، فأما إذا كان القوم محصورين في موضع وعلم الحاذق
أنه إذا سدد عليهم الحجر أصاب جميعهم وحقق قصده، فأتى
عليهم، فالذي أراه وجوب القصاص. التاسعة: جرح مرتدا بقطع
يده أو غيرها، فأسلم، ثم جرحه الاول، ثم جرحه ثلاثة آخرون
فمات، نظر، إن وقعت الجراحات الاربع بعد اندمال الاولى،
لزمهم الدية أرباعا، وإن وقعت قبل اندمالها ومات من
الجراحات الخمس، ففيما عليهم وجهان، أصحهما وبه قال ابن
الحداد: توزع الدية على عدد الجارحين وهم
(7/195)
أربعة، فيجب على كل واحد ربعها، ثم يعود ما على الجارح في
الردة إلى الثمن، لان جراحة الردة مهدرة، والثاني: توزع
الدية على الجراحات، فيسقط خمسها للردة، ويجب على كل واحد
من الاربعة خمسها، كما لو جرحه واحد في الردة وأربعة بعد
الاسلام، فإنه يلزم كل واحد من الاربعة خمس الدية، ولو
جرحه ثلاثة في الردة، ثم جرحوه مع رابع في الاسلام، ومات
بالجراحات، فعلى قول ابن الحداد توزع الدية على الاربعة
وقد جرح ثلاثة منهم جراحتين، إحداهما في الردة، فيعود ما
على كل منهم إلى الثمن، ويبقى على الرابع الربع، وعلى
الوجه الآخر: الجراحات سبع، فيسقط ثلاثة أسباع الدية
بجراحات الردة، ويجب على كل واحد سبعها، ولو جرحه في الردة
أربعة، ثم جرحه أحدهم مع ثلاثة في الاسلام، فعلى قول ابن
الحداد: الجارحون سبعة فعلى كل واحد من الذين لم يجرحوا
إلا في الاسلام سبع الدية، ولا شئ على الجارحين في الردة
فقط، وعلى الجارح في الحالين نصف سبع، وعلى الوجه الآخر
مات بثمان جراحات، أربع في الاهدار، فعلى كل واحد من
الجارحين في الاسلام ثمن الدية. ولو جرحه أربعة في الردة،
ثم جرحه أحدهم وحده في الاسلام، فعلى قول ابن الحداد:
الجارحون أربعة، يلزم الجارح في الاسلام الثمن، لان حصته
الربع، فيسقط نصفه بجراحة الردة، ولا شئ على الباقين، وعلى
الوجه الآخر يلزمه خمس الدية، ويسقط أربعة أخماسها، ولو
جرحه ثلاثة في الردة، ثم جرحه أحدهم في الاسلام، فهل عليه
سدس الدية أم ربعها ؟ فيه الوجهان، ولو جرحه اثنان في
الردة، ثم جرحه أحدهما مع ثالث في الاسلام، فعلى قول ابن
الحداد، لا شئ على الذين لم يجرح إلا في الردة، وعلى
الجارح في الحالين سدس، وعلى الآخر ثلث، وعلى الوجه الآخر،
يلزم الجارح في الحالين ربع الدية، وكذا الجارح في
الاسلام. ولو جرحه اثنان في الردة، ثم في الاسلام، لزم كل
واحد منهما ربع الدية باتفاق الوجهين، ولو جرحه ثلاثة في
الردة ثم في الاسلام، لزم كل واحد سدس الدية باتفاق
الوجهين، وكذا يتفقان متى لم يختلف عدد الجراحات ولا
الجارحين في الحالين. فرع إذا اختلف جنايات رجل عمدا وخطأ،
وشاركه غيره بأن جرح خطأ، ثم عاد مع آخر، فجرحا عمدا،
فالتوزيع لمعرفة ما يؤخذ منه وما يضرب على عاقلته
(7/196)
كما سبق فيما إذا جنى في الردة والاسلام. العاشرة: جنى عبد
على زيد بإيضاح، أو قطع يد، أو أصبع أو غيرها، ثم قطع عمرو
يد العبد، ثم جنى العبد على بكر، ومات زيد وبكر بالجراحة
أو لم يموتا، ومات العبد بالقطع، لزم عمرا قيمة العبد،
فحصة اليد منها يخص بها زيد، ويتضارب زيد وبكر أو ورثتهما
في الباقي: زيد بما بقي بعد أخذ حصة اليد، وبكر بالجميع،
لانه جنى على زيد بتمام بدنه، وجنى على بكر ولا يد له، ولا
حق له في بدلها، وأما حصة اليد، فالصحيح أنها ما نقص من
قيمته بقطع اليد، قال الشيخ أبو علي: ومن الاصحاب من يغلط،
فيعتبر أرشها وهو نصف القيمة، قال: وهذا فاسد من وجهين،
أحدهما: أنه لو قطع يدي زيد ينبغي أن يختص بجميع القيمة،
ولا يجوز أن يجني على اثنين، ثم تكون قيمته لاحدهما،
والثاني: أن الجراحة إذا صارت نفسا، سقط اعتبار بدل الطرف.
فرع في مسائل من فتاوى البغوي ذكرها الرافعي في آخر باب
العاقلة، منها: حفر بئرا عدوانا، ثم أحكم رأسها، ثم جاء
آخر وفتحه، فوقع فيها شخص، فمات فالضمان على فاتح الرأس،
ولو أحكم رأسها آخر ففتحه ثالث، تعلق الضمان بالثالث، ولو
وقعت بهيمة في بئر عدوان فلم تتأثر بالصدمة وبقيت فيها
أياما، فماتت جوعا أو عطشا، فلا ضمان على الحافر لحدوث سبب
آخر، كما لو افترسها سبع في البئر، ولو تقاتل رجلان فرمى
أحدهما صاحبه، فسقط بصولته، وتلف، فلا
(7/197)
ضمان، وإن سقط بصولته، وضربة صاحبه، وجب نصف الضمان، ولو
شد عنق أحد بعيريه بالآخر، وتركهما بالمسرح، فدخل بعير رجل
بينهما فتلف من جذبة الحبل أحد البعيرين، فلا ضمان إلا أن
يكون ذلك البعير معروفا بالافساد.
الطرف الخامس : في حكم السحر
اعلم أن حكم السحر وقع بعضه في أول الجنايات، وبعضه هنا،
ومعظمه في آخر كتاب دعوى الدم وقد رأيت تقديم هذا الأخير
إلى هنا، فالساحر قد يأتي بفعل أو قول يتغير به حال
المسحور، فيمرض ويموت منه، وقد يكون ذلك بوصول شئ إلى بدنه
من دخان وغيره، وقد يكون دونه. وقال أبو جعفر الاسترابادي
من أصحابنا: لا حقيقة للسحر وإنما هو تخييل، والصحيح أن له
حقيقة كما قدمناه، وبه قطع الجمهور، وعليه عامة العلماء
ويدل عليه الكتاب والسنة الصحيحة المشهورة. ويحرم فعل
السحر بالاجماع، ومن اعتقد إباحته، فهو كافر، وإذا قال
إنسان: تعلمت السحر، أو أحسنه، استوصف، فإن وصفه بما هو
كفر فهو كافر، بأن يعتقد التقرب إلى الكواكب السبعة، قال
القفال: ولو قال: أفعل بالسحر بقدرتي دون قدرة الله تعالى،
فهو كافر، وإن وصفه بما ليس بكفر، فليس بكافر. وأما تعلم
السحر وتعليمه ففيه ثلاثة أوجه، الصحيح الذي قطع به
الجمهور: أنهما حرامان، والثاني: مكروهان، والثالث:
مباحان، وهذان إذا لم يحتج في تعليمه إلى تقديم اعتقاد هو
كفر. قلت: قال إمام الحرمين في كتابه الارشاد: لا يظهر
السحر إلا على فاسق، ولا تظهر الكرامة على فاسق، وليس ذلك
بمقتضى العقل، ولكنه مستفاد من إجماع الامة، وذكر المتولي
في كتابه الغنية نحو هذا. والله أعلم. واعلم أن التكهن،
وإتيان الكهان، وتعلم الكهانة والتنجيم والضرب بالرمل
وبالشعير والحصى، وتعليم هذه كلها حرام، وأخذ العوض عليها
حرام بالنص الصحيح في حلوان الكاهن، والباقي بمعناه، وقد
أوضحت هذا الفصل في تهذيب الاسماء واللغات عند ذكر الحلوان
والكهانة، ونبهت فيه على النصوص، وأقوال العلماء في
تحريمه، ولا يغتر بجهالة من يتعاطى الرمل وإن نسب نفسه، أو
نسبه الناس إلى علم، كما لا يفتر به فيما يعرفه من حاله من
تساهله في الشبهات،
(7/198)
وبعض المحرمات وأما الحديث الصحيح: كان نبي من الانبياء
يخط، فمن وافق خطه، فذاك فمعناه: من علمتم موافقته له، فلا
بأس، ونحن لا نعلم الموافقة، فلا يجوز، لان الجواز معلق
بمعرفة الموافقة. والله أعلم.
فصل القتل بالسحر لا يثبت
بالبينة، لأن الشاهد لا يعلم قصد الساحر، ولا يشاهد
تأثير السحر، وإنما يثبت ذلك بإقرار الساحر، وقد سبق في
الجنايات أنه إذا قال: قتلته بسحري، وسحري يقتل غالبا، فقد
أقر بقتل العمد، وإن قال: وهو يقتل نادرا، فهو إقرار بشبه
العمد، وإن قال: أخطأت من اسم غيره إلى اسمه، فهو إقرار
بالخطإ، ثم ديه شبه العمد، ودية الخطإ المخففة كلاهما في
مال الساحر، ولا تطالب العاقلة بشئ إلا أن يصدقوه، لان
إقراره عليهم لا يقبل، كما سيأتي في باب العاقلة إن شاء
الله تعالى، وقوله في الوجيز هي على العاقلة خطأ وسبق قلم،
لم يذكره غيره، ولا هو في الوسيط. فرع قال الشافعي رحمه
الله في الام: لو قال: أمرض بسحري ولا أقتل، وأنا سحرت
فلانا فأمرضته، عزر، قال: ولو قال: لا أمرض به، ولكن أوذي،
نهي عنه، فإن عاد، عزر، لان السحر كله حرام. فرع إذا قال:
أمرضته بسحري ولم يمت به، بل بسبب آخر، نص الشافعي رحمه
الله في المختصر أنه لوث يقسم به الولي، ويأخذ الدية، قال
الامام: وفيه قول مخرج: إنه ليس بلوث، والمذهب والمنصوص في
الام وما عليه الجمهور، أنه إن بقي متألما إلى أن مات، حلف
الولي، وأخذ الدية، وذلك قد يثبت بالبينة، وقد يثبت
باعتراف الساحر، وإن ادعى الساحر البرء من ذلك المرض وقد
مضت مدة يحتمل البرء فيها، فالقول قوله بيمينه، وعلى هذا
يحمل نص المختصر. فرع قال: قتلت بسحري جماعة، ولم يعين
أحدا، فلا قصاص ولا يقتل حدا، خلافا لابي حنيفة رحمه الله.
فرع إذا أصاب غيره بالعين، واعترف بأنه قتله بالعين، فلا
قصاص، وإن كانت العين حقا، لانه لا يفضي إلى القتل غالبا،
ولا يعد مهلكا.
(7/199)
قلت: ولا دية فيه أيضا ولا كفارة، ويستحب للعائن أن يدعو
للمعين بالبركة، فيقول: اللهم بارك فيه ولا تضره، وأن
يقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، وفي صحيح مسلم: أن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: العين حق، وإذا
استغسلتم فاغسلوا قال العلماء: الاستغسال أن يقال للعائن:
اغسل داخلة إزارك مما يلي الجلد بماء، ثم يصب عل المعين،
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يؤمر العائن أن يتوضأ،
ثم يغتسل منه المعين. وقد جاء في هذه المسألة أحاديث في
الصحيح وغيره وغيرها أوضحتها في أواخر كتاب الاذكار. والله
أعلم.
الباب الخامس : في العاقلة ومن
عليه الدية وفي جناية الرقيق
قد سبق عند ذكر جهات تخفيف الدية وتغليظها، أن الدية في
العمد على الجاني، وفي شبه العمد والخطإ على العاقلة،
وسواء في العمد كان موجبا للدية ابتداء كقتل الاب الابن،
أم كان موجبا للقصاص، ثم عفي على الدية، ولا تحمل العاقلة
أيضا دية الاطراف في جناية العمد، ثم بدل العمد يجب حالا
على قياس ابدال المتلفات، وبدل شبه العمد والخطإ، يجب
مؤجلا، وفي الباب أطراف: الاول في بيان العاقلة، والثاني:
في صفتهم، والثالث: في كيفية الضرب عليهم، وهذه الاطراف
مختصة بجناية الحر، والرابع: في جناية الرقيق. أما العاقلة
فجهات التحمل ثلاث: القرابة والولاء وبيت المال، وليست
المحالفة والموالاة من جهات التحمل، ولا يتحمل الحليف ولا
العديد الذي لا عشيرة له، فيدخل نفسه في قبيلة ليعد منها،
ولا يتحمل أيضا عندنا أهل الديوان بعضهم عن بعض بمجرد ذلك،
أما جهة القرابة فإنما يتحمل منها من كان على حاشية النسب
وهم الاخوة وبنوهم والاعمام وبنوهم، وأما أبو الجاني
وأجداده وبنوه وبنو بنيه، فلا يتحملون، لانهم أبعاضه
وأصوله، فلم يتحملوه، كما لا يتحمل الجاني، وفي الحديث
الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بدية مقتولة
على عاقلة القاتلة، وبرأ زوجها والولد، وفي الحديث الآخر
قال لرجل معه ابنه: لا يجني عليك ولا تجني عليه أي: لا
يلزمك موجب جنايته، ولا يلزمه موجب جنايتك، فلو جنت امرأة
ولها ابن هو ابن ابن عمها، لم يتحمل على الاصح، لان البنوة
مانعة. فرع يقدم أقرب العصبات فأقربهم، ومعنى التقديم: أن
ينظر في الواجب
(7/200)
عند آخر الحول، وفي الاقربين فإن كان فيهم وفاء إذا وزع
الواجب عليهم لقلة الواجب أو لكثرتهم، وزع عليهم ولا
يشاركهم من بعدهم وإلا فيشاركهم في التحمل من بعدهم ثم
الذين يلونهم. والمقدم من العاقلة الاخوة ثم بنوهم وإن
سفلوا، ثم الاعمام ثم بنوهم، ثم أعمام الاب ثم بنوهم، ثم
أعمام الجد ثم بنوهم على ما سبق في الميراث، وهل يقدم من
يدلي من هؤلاء بالابوين على المدلي بالاب كالاخ من الابوين
مع الاخ من الاب أم يستويان ؟ قولان، الجديد الاظهر
تقديمه. فرع ذوو الارحام لا يتحملون، قال المتولي: إلا إذا
قلنا بتوريثهم فيتحملون عند عدم العصبات كما يرثون عند
عدمهم، ولا تحمل بالزوجية بحال. الجهة الثانية: الولاء،
فإذا لم يكن للجاني عصبة نسب، أو كانوا ولم يف التوزيع
عليهم يحمل معتقه، فإن لم يكن، أو فضل عنه شئ، تحمل عصبته
من النسب، فإن لم يكونوا، أو فضل شئ، تحمل معتق المعتق، ثم
عصباته، ولا يدخل في عصبة المعتق ابنه وأبوه على الاصح،
وقيل: يدخل لفقد البعضية بينه وبين الجاني، ويجري الوجهان
في ابن معتق المعتق وأبيه، فإن لم يوجد من له نعمة الولاء
على الاب الجاني ولا أحد من عصباته، تحمل معتق الاب ثم
عصباته، ثم معحق معتق الاب ثم عصباته، فإن لم يوجد من له
نعمة الولاء على الاب، تحمل معتق الحد ثم عصباته كذلك إلى
حيث ينتهي، واللقيط الذي لا يعرف نسبه لو ادعاه رجل، أو
بلغ وانتسب إلى ميت واعترف به ورثته، يثبت نسبه، وتؤخذ دية
جنايته من عصباته، فإن قامت بينة بأنه من قبيلة أخرى،
فالحكم للبينة. فصل سيأتي إن شاء الله تعالى أن المرأة لا
تتحمل العقل بحال، فلو أعتقت عبدا لم تحمل عقله، وإنما
يحمله من يحمل دية جنايتها، كما يزوج عتيقها من يزوجها.
فرع أعتق جماعة عبدا، فجنى خطأ، حملوا عنه حمل شخص واحد،
لان الولاء لجميعهم لا لكل واحد، فإن كانوا أغنياء
فالمضروب على جميعهم نصف دينار، وإن كانوا متوسطين، فربع،
وإن كانوا بعضا وبعضا، فعلى الغنى حصته من النصف وعلى
المتوسط حصته من الربع، ولو كان المعتق واحدا ومات عن إخوة
مثلا، ضرب على كل واحد حصته تامة من نصف دينار أو ربعه،
ولا يقال: يوزع
(7/201)
عليهم ما كان الميت يحمله، لان الولاء لا يتوزع عليهم
توزعه على الشركاء، ولا يرثون الولاء من الميت، بل يرثون
به، ولو مات واحد من الشركاء المعتقين، أو جميعهم، حمل كل
واحد من عصباته مثل ما كان يحمله الميت وهو حصته من نصف أو
ربع، لان غايته نزوله منزلة ذلك الشريك. فرع إذا ضربنا على
المعتق، فبقي شئ من الواجب، فهل يضرب على عصباته في حياته
؟ نقل الامام والغزالي المنع إذ لا حق لهم في الولاء ولا
بالولاء في حياته، وتردد الامام فيما لو لم يبق المعتق
وضربنا على عصبته، فهل يخص بالاقربين، لانهم أهل الولاء
والارث، أم يتعدى إلى الاباعد كعصبة الجاني ؟ ورجح
الاحتمال الثاني، وجزم به الغزالي، وصرح صاحبا الشامل
والتتمة وغيرهما بالضرب عليهم.
فصل في تحمل العتيق عن المعتق
قولان، أظهرهما: المنع إذ لا إرث، والثاني: نعم، ويتأخر عن
المعتق، ولا يضرب على عصبته بحال، قال في البيان: مقتضى
المذهب أن يكون في عتيق العتيق القولان، لان الجاني يتحمل
عنه. فصل سيأتي إن شاء الله تعالى في كتاب العتق أن من لم
يمسه رق قد يثبت عليه ولاء لمعتق أبيه أو جده أو أمه، وإن
أمه إذا كانت عتيقة والاب رقيق، فعليه الولاء لمعتقها، فإن
أعتق الاب، انجر ولاء الولد إلى مولى الاب، وتحمل عقله
(7/202)
مفرع على الولاء، فيتحمله من له الولاء، فلو جنى متولد من
عتيقة ورقيق، فالدية على مولى الام، ولو جرح رجلا، فأعتق
أبوه، ثم مات المجروح فأرش الجراحة على مولى الام، والباقي
على الجاني، لانه لا يمكن إيجابه على معتق الام، لزوال
استحقاقه الولاء، ولا على معتق الاب، لانه وجب بسراية وجدت
قبل انجرار الولاء إليه، ولا على بيت المال لوجود جهة
الولاء، هكذا قاله ابن الحداد والاصحاب، وللامام والغزالي
احتمال في بيت المال، لان تعذر الولاء كعدمه، وللمسألة
نظائر منها: متولد من عتيقة ورقيق حفر بئرا عدوانا، أو
أشرع جناحا أو ميزابا، فمات به رجل، فالدية على مولى الام،
فإن أعتق أبوه، ثم حصل الهلاك، فالدية في ماله، ثم لو حفر
العبد بئرا، ثم عتق، ثم تردى فيها شخص، أو رمى إلى صيد،
فعتق، ثم أصاب السهم شخصا، فالدية في ماله، ولو قطع يد
إنسان خطأ، فأعتقه سيده، ثم سرت إلى النفس، صار السيد
بإعتاقه مختارا للفداء، فعليه الاقل من نصف الدية وكمال
قيمة العبد، ويجب في مال الجاني نصف الدية، قال البغوي:
ويجئ وجهان السيد يفديه بالاقل من كل الدية وكل القيمة،
لان الجناية وجدت في الرق. ومنها: رمى ذمي صيدا، فأسلم، ثم
أصاب إنسانا، فالدية في ماله لا على عاقلة الذمي ولا
المسلم، لان الدية إنما يحملها من كان عاقلة في حالتي
الرمي والاصابة، ولو رمى يهودي صيدا، ثم تنصر، ثم أصاب
شخصا، قال الاصحاب: إن قلنا: لا يقر عليه، فهو مرتد لا
عاقلة له، فالدية في ماله، وإن قلنا: يقر، فالدية على
عاقلته، على أي دين كانوا، وليكن تحملهم على خلاف نذكره إن
شاء الله تعالى متصلا به، ولو جرح ذمي رجلا خطأ، وأسلم، ثم
مات المجروح، فأرش الجرح على عاقلته الذميين، والباقي في
ماله، فإن زاد أرش الجرح على دية بأن قطع يديه ورجليه،
فالواجب دية النفس على عاقلته الذميين، قاله ابن الحداد،
ووافقه الجمهور، وفيه وجه قطع به في المهذب أن الارش
والزائد على العاقلة الذميين اعتبارا بحال الجرح، ولو عاد
بعد الاسلام وجنى على المجني عليه جناية أخرى خطأ، ومات
منهما، فنصف الدية على عاقلته المسلمين، وأما الذميون، فإن
كان أرش الجرح نصف الدية أو أكثر، فعليهم النصف أيضا، وإن
كان أقل
(7/203)
كأرش موضحة، فهو على الذميين، وما زاد إلى تمام النصف،
فعلى الجاني، وإن كان الجرح بعد الاسلام مذففا قال الشيخ
أبو علي وغيره: أرش الجرح الواقع في الكفر على الذميين،
والباقي إلى تمام الدية على المسلمين، وفي النهاية والبيان
إن هذا تفريع على قول ابن سريج فيمن جرح ثم قتل أنه لا
يدخل أرش جرحه في الدية، وأما على الصحيح وهو الدخول،
فجميع الدية على المسلمين، ولو عاد بعد الاسلام، فجرحه مع
آخر خطأ، بني على الخلاف السابق أن الدية توزع على
الجارحين أم على الجراحات ؟ إن قلنا: على الجارحين وهو
الاصح، فعليه نصف الدية وهو واجب بالجرحين، فحصة جرح
الاسلام وهي الربع على عاقلته المسلمين، وأما جرح الكفر،
فإن كان أرشه كربع الدية أو أكثر، فعلى الذميين الربع
أيضا، وإن كان دون الربع، فعليهم قدر الارش، والزيادة إلى
تمام الربع في مال الجاني، وإن وزعنا على الجراحات، فثلث
الدية وهو حصة جرح الاسلام على عاقلته المسلمين، وجرح
الكفر إن كان أرشه كثلث الدية أو أكثر، فعلى الذميين
الثلث، وإن كان أقل، فعليهم الارش، والباقي إلى تمام الثلث
في مال الجاني. ومنها: لو جرح شخصا خطأ، ثم ارتد، ثم مات
المجروح بالسراية، فأرش الجرح على عاقلته المسلمين،
والباقي إلى تمام الدية في مال الجاني، فإن كان الارش
كالدية، أو أكثر بأن قطع يديه ورجليه، فقدر الدية وهو
الواجب يلزم العاقلة، ولو جرح وهو مرتد، ثم أسلم، ثم مات
المجروح، فالدية في ماله إذ لا عاقلة للمرتد، ولو جرحه وهو
مسلم، فارتد الجارح، ثم أسلم، ثم مات المجروح، فهل على
عاقلته جميع الدية اعتبارا بالطرفين، أم عليهم أرش الجرح
وما زاد في مال الجاني ؟ قال الشيخ أبو علي: فيه قولان،
وجزم آخرون بوجوب الجميع عليهم إن قصر زمان الردة
المتخللة، وخصوا القولين بطول زمانها، قال البغوي: ويجئ
وجه أن على العاقلة ثلثي الدية لوجود الاسلام في حالين،
ولو رمى سهما إلى صيد
(7/204)
وارتد، فأصاب شخصا، أو رمى المرتد صيدا فأسلم، فأصاب
السهم، فالدية في ماله، لانه تبدل حاله رميا وإصابة، ولو
تخللت الردة بين الرمي والاصابة، فكذا الجواب في التهذيب
وذكر أبو علي أنهم خرجوها على قولين، أحدهما: تجب الدية
على عاقلته المسلمين، والثاني: في ماله. الجهة الثالثة:
بيت المال، فيتحمل جناية من لا عصبة له بنسب ولا ولاء، أو
له عصبة معسرون، أو فضل عنهم شئ من الواجب، فيجب الباقي في
بيت المال إن كان الجاني مسلما، فإن كان مستأمنا أو ذميا،
فلا، بل الدية في ماله على المذهب، وقيل: قولان، كمسلم لا
عاقلة له ولا بيت مال، وهل يتحمل أبوه وابنه ؟ وجهان
كالوجهين في المسلم إذا لم يكن له عاقلة ولا بيت مال،
وقلنا: تجب عليه الدية، هل يلزم أباه وابنه ؟ وأما المرتد،
فلا عاقلة له، فدية قتله خطأ في ماله مؤجلة، فإن مات، سقط
الاجل. الطرف الثاني: في صفات العاقلة وهي خمس: الاولى:
التكليف، فلا يعقل صبي ولا معتوه، الثانية: الذكورة، فلا
تعقل امرأة ولا خنثى، فإن بان ذكرا، فهل يغرم حصته التي
أداها غيره ؟ وجهان. قلت: لعل أصحهما: نعم. والله أعلم.
الثالثة: اتفاق الدين، فلا يعقل مسلم عن ذمي وعكسه، وفي
عقل يهودي عن نصراني وعكسه قولان. قلت: أظهرهما: نعم.
والله أعلم. ولو كان لذمي أقارب حربيون، فلا قدرة عليهم،
فهم كالعدم، قال المتولي: فإن قدر الامام على الضرب عليهم،
بني على أن اختلاف الدار يمنع التوارث، إن قلنا: نعم، فلا
ضرب، وإلا فوجهان، والمعاهد كالذمي، فيعقل عنه الذمي،
ويعقل هو عن الذمي إن زادت مدة العهد على أجل الدية ولم
ينقطع قبل مضي
(7/205)
الاجل، الرابعة: الحرية، فلا يعقل مكاتب، الخامسة: أن يكون
غنيا أو متوسطا لا فقيرا معتملا، ولا يمنع العقل مطلق
المرض والكبر والزمانة والعمى والهرم، وفي الزمن والاعمى
والهرم وجه، لضعفهم عن النصرة.
فصل يضرب على الغني نصف دينار،
وعلى المتوسط ربع دينار، وهل النصف والربع حصة كل سنة أم
لا يجب في السنين الثلاث إلا النصف أو الربع ؟ وجهان،
أصحهما: الاول، قال البغوي: يضبط الغنى والتوسط بالعادة،
ويختلف باختلاف البلدان والازمان، ورأي الامام أن الاقرب
اعتبار ذلك بالزكاة، فإن ملك عشرين دينارا آخر الحول،
فغني، وإن ملك دون ذلك فاضلا عن حاجاته، فمتوسط، ويشترط أن
يملك شيئا فوق المأخوذ منه وهو الربع لئلا يصير فقيرا،
وشرطهما أن يكون ما يملكانه فاضلا عن مسكن وثياب وسائر ما
لا يكلف بيعه في الكفارة. فرع الاعتبار فيما يؤخذ كل حول
بآخر ذلك الحول في أمور، أحدها: إذا تم حول وهناك إبل،
جمعت العاقلة ما عليهم من نصف وربع، فاشتروا به إبلا، فإن
لم توجد الابل، فعلى القولين في أن الواجب حينئذ القيمة أم
بدل مقدر، فلو تأخر الاداء بعد الحول فوجدت، لزمهم الابل،
وإن وجدت بعد أخذ البدل، لم يؤثر، الثاني: إذا لم يف
التوزيع على العاقلة بواجب الحول، أخذ الباقي من بيت المال
ولا ينتظر مضي الاحوال الثلاثة، الثالث: يعتبر غناه وتوسطه
في آخر الحول، فلو كان معسرا آخر الحول، لم يلزمه شئ من
واجب ذلك الحول، وإن كان موسرا من قبل، أو أيسر بعد، ولو
كان موسرا آخر الحول، لزمه، فلو أعسر بعده، فهو دين عليه،
ولو كان بعضهم في أول الحول كافرا أو رقيقا أو صبيا أو
مجنونا، وصار في آخره بصفة الكمال، فهل تؤخذ منه حصته من
واجب تلك السنة وما بعدها ؟ فيه أوجه، أصحها: لا، والثاني:
نعم، والثالث: لا تؤخذ حصة تلك السنة ويؤخذ ما بعدها.
(7/206)
فرع يشبه أن يكون المرعي في وجوب النصف والربع قدرهما، لا
أنه يلزم العاقلة بذل الدنانير بأعيانهما، لان الابل هي
الواجب في الدية، وما يؤخذ يصرف إلى الابل، وللمستحق أن لا
يقبل غيرها، يوضحه أن المتولي قال: عليه نصف دينار، أو ستة
دراهم.
الطرف الثالث : في كيفية الضرب
على العاقلة، قد سبق بيان ترتيب العصبات والجهات،
وقدر الواجب، فإذا انتهى التحمل إلى بيت المال، فلم يكن
فيه مال، فهل يؤخذ الواجب من الجاني ؟ وجهان بناء على أن
الدية تجب على العاقلة أولا، أم على الجاني، ثم تحملها
العاقلة ؟ وفيه وجهان، ويقال: قولان، أصحهما: تؤخذ من
الجاني، فإن قلنا: لا تؤخذ، ففي وجه تجب الدية على جماعة
المسلمين كنفقة الفقراء، ولم يذكر الجمهور هذا، لكن لو حدث
في بيت المال مال، هل يؤخذ منه الواجب ؟ وجهان، حكاهما
القاضي حسين وغيره، أحدهما: لا، كما لا يطالب فقير العاقلة
لغناه بعد الحول، وإن قلنا: تؤخذ من الجاني، فهي مؤجلة
عليه كالعاقلة، وهل تجب علي أبيه وابنه ؟ وجهان، أصحهما:
لا، والثاني: نعم، ويقدمان على القاتل. فرع إذا اعترف
الجاني بالخطإ أو شبه العمد، وصدقته العاقلة، فعليهم
الدية، وإن كذبوه، لم يقبل إقراره عليهم ولا على بيت
المال، لكن يحلفون على نفي العلم، فإذا حلفوا، فالدية على
المقر قطعا، وعن المزني: أنه لا شئ عليه إن قلنا: تجب
الدية أولا على العاقلة، قال الامام: ولا يبعد هذا عن
القياس، والذي قطع به الاصحاب هو الاول، وتتأجل الدية عليه
كالعاقلة، لكنه يؤخذ منه في آخر كل حول ثلث الدية بخلاف
الواحد من العاقلة، فلو مات، فهل تحل الدية ؟ وجهان،
أحدهما: لا، لان الاجل يلازم دية الخطإ، وأصحهما: نعم،
كسائر الديون المؤجلة بخلاف ما لو مات أحد العاقلة في
أثناء الحول، لا تؤخذ من
(7/207)
تركته، لان سبيله المواساة، والوجوب على الجاني سبيله
صيانة الحق عن الضياع، فلا يسقط، فلو مات معسرا، قال
البغوي: يحتمل أن تؤخذ الدية من بيت المال، كمن لا عاقلة
له، ويحتمل المنع كما لو كان حيا معسرا. الثاني أرجح.
والله أعلم. ولو غرم الجاني ثم اعترفت العاقلة، فإن قلنا:
الوجوب يلاقيه، لم يرد الولي ما قبض، بل يرجع الجاني على
العاقلة، وإن قلنا: هي على العاقلة أولا، رد الولي ما أخذ،
وابتدأ بمطالبة العاقلة، وفي التهذيب أنه لو ادعى عليه قتل
خطإ، أو شبه عمد ولا بينة ونكل المدعى عليه عن اليمين،
فحلف المدعي، فإن قلنا: اليمين المردودة كإقرار المدعى
عليه، وجبت الدية على المدعى عليه إن كذبت العاقلة المدعي،
وإن قلنا: كالبينة، فهل الدية على العاقلة، أم على المدعى
عليه ذهابا إلى أنها لا تكون كالبينة إلا في حق المتداعيين
؟ فيه وجهان.
فصل بدل الأطراف وأروش
الجراحات والحكومات قليلها وكثيرها يضرب على العاقلة
على المشهور كدية النفس، وحكي عن القديم قول أنها لا تضرب
عليهم، لان الضرب على خلاف القياس لكن ورد الشرع به في
النفس، فيقتصر عليها، ولهذا لا كفارة ولا قسامة في الطرف،
وقول آخر: إن ما دون ثلث الدية لا يضرب، لانه لا يعظم
اجحافه بالجاني. فرع لو كان الارش نصف دينار مثلا،
والعاقلة جماعات، فوجهان، أصحهما: يوزع النصف عليهم،
والثاني يعين له القاضي واحدا، أو جماعة باجتهاده كي لا
يعسر التوزيع، وهذا كالخلاف فيما لو كثرت العاقلة في درجة
بحيث
(7/208)
لو وزع الواجب، لاصاب كل غني دون نصف، وكل متوسط دون ربع،
فقولان، المشهور: ضربه على الجميع، والثاني: يخص الامام
جماعة يضرب على أغنيائهم النصف، ومتوسطهم الربع، وعلى هذا
وجهان، الصحيح: أنه يخص جماعة باجتهاده، والثاني: يجعلهم
فريقين أو ثلاثة كما يقتضيه الحال ويقرع.
فصل لا خلاف أن ما يضرب على
العاقلة يضرب مؤجلا وأن الأجل لا ينقص عن سنة، وأن
دية النفس الكاملة تؤجل إلى ثلاث سنين، يؤخذ في كل سنة
ثلثها، واختلف الاصحاب في علته، فراعت طائفة كونها بدل نفس
محترمة، وراعى آخرون قدر الواجب واعتبروا التأجيل به، وهذا
أصح، وتظهر فائدة الخلاف في صور: إحداها: بدل العبد أو
طرفه إذا جني عليه خطأ، أو شبه عمد، هل تحمله العاقلة أم
هو في مال الجاني ؟ قولان، أظهرهما: الاول وهو الجديد،
لانه بدل آدمي ويتعلق به قصاص وكفارة، فعلى هذا لو اختلف
السيد والعاقلة في قيمته، صدقوا بأيمانهم، فلو صدقه الجاني
لم يقبل عليهم بل الزيادة على ما اعترفت به العاقلة في
ماله، وعلى هذا القول لو كانت قيمة العبد قدر دية حر ضربت
في ثلاث سنين، ولو كانت قدر ديتين، فهل تضرب في ثلاث سنين
لكونها بدل نفس، أم في ست سنين في كل سنة قدر ثلث دية نظرا
إلى القدر ؟ وجهان، أصحهما: الثاني. الثانية: في دية النفس
الناقصة، كامرأة وذمي وغرة جنين، وجهان، أحدهما: في ثلاث
سنين، لانها نفس، وأصحهما: ينظر إلى القدر، فدية اليهودي
والنصراني والمجوسي والجنين في سنة، فإنها لا تزيد على
الثلث، ودية المرأة في سنتين، في آخر الاولى ثلث دية
الرجل، وفي آخر الثانية الباقي. الثالثة: قتل جماعة كثلاثة
رجال مثلا، فهل تضرب دياتهم على عاقلته في ثلاث سنين أم في
تسع ؟ وجهان أصحهما: الاول، ولو قتل ثلاثة واحدا، فعلى
عاقلة كل واحد ثلث ديته، مؤجل عليهم في ثلاث سنين على
الصحيح، وقيل: في سنة. الرابعة: دية الاطراف وأروش الجراح
والحكومات، قيل: تضرب في سنة
(7/209)
قلت أم كثرت، والصحيح: التفضيل، فإن لم يزد الواجب على ثلث
الدية، ضرب في سنة، وإن زاد عليه ولم يجاوز الثلثين، ففي
سنتين في آخر الاولى ثلث دية وفي آخر الثانية الباقي، وإن
زاد على الثلثين ولم يجاوز الدية، ففي ثلاث سنين، وإن زاد
كقطع يديه ورجليه، فالمذهب أنه في ست سنين، وقيل: في ثلاث،
ويد المرأة في سنة ويداها كنفسها.
فصل مات بعض العاقلة في أثناء
السنة لا يؤخذ شئ من تركته، كالزكاة، ولو مات بعد
الحول والوجوب عليه، وجب في تركته. فصل إن كانت العاقلة
حاضرين في بلد الجناية، فالدية عليهم، وإن كانوا غائبين،
لم يستحضروا ولا ينتظر حضورهم بل إن كان لهم هناك مال أخذ
منه، وإلا فيحكم القاضي عليهم بالدية على ترتيبهم، ويكتب
بذلك إلى قاضي بلدهم ليأخذها، وإن شاء حكم بالقتل وكتب إلى
قاضي بلدهم ليحكم عليهم بالدية، ويأخذها منهم، وإن غاب
بعضهم وحضر بعضهم، نظر، إن استووا في الدرجة، فقولان،
أحدهما: يقدم من حضر لقرب داره وإمكان النصرة منه،
وأظهرهما: تضرب على الجميع، ويكون كما لو حضروا كلهم أو
غابوا، وعلى الاول إن لم يكن في الحاضرين وفاء، ضرب الباقي
على الغائبين، وطريقه كتاب القاضي كما سبق، وإن اختلفت
دارهم، قدم الاقرب دارا فالاقرب، هكذا ذكر القولين
الجمهور، وجعلهما المتولي في أنه هل يجوز تخصيص الحاضرين
وإن اختلفت درجتهم، فإن كان الحاضرون أقرب، وزع عليهم، فإن
لم يفوا بالواجب كتب القاضي لما بقي، وإن كانوا أبعد ففي
تخصيص الحاضرين طريقان، أصحهما: طرد الخلاف، والثاني:
القطع بالضرب على الاقربين وإن بعدت دارهم، وبه قطع الشيخ
أبو حامد والعراقيون. فصل ابتداء المدة في دية النفس من
وقت الزهوق، سواء قتله بجرح مذفف أو بسراية جرح ولا خلاف
فيما ذكرناه في كتب الاصحاب في جميع الطرق، وأما قول
الغزالي: إن ابتداء المدة من وقت الرفع إلى القاضي، فلا
يعرف لغيره، وقد نقله صاحب البيان عن الخراسانيين، ويمكن
أنه أراد به الغزالي، وأما
(7/210)
أرش ما دون لنفس، فإن لم يسر واندملت، فابتداء مدتها من
وقت الجناية على الصحيح، وقال أبو الفياض: من الاندمال،
فعلى الاول، لو مضت سنة ولم تندمل، ففي مطالبة العاقلة
بالارش الخلاف السابق في مطالبة الجاني العامد قبل
الاندمال، وإن سرت من عضو إلى عضو، بأن قطع أصبعه، فسرت
إلى كفه، فهل ابتداء المدة من سقوط الكف أم من الاندمال،
أم أرش الاصبع من يوم القطع، وأرش الكف من يوم سقوطها ؟
فيه ثلاثة أوجه، وبالاول قطع البغوي، وبالثاني الشيخ أبو
حامد وأصحابه، والثالث اختاره القفال والامام والغزالي
والروياني.
فصل في مسائل منثورة :
القاتل خطأ لا يحمل شيئا من الدية، ومن قتل نفسه أو قطع
طرفه خطأ أو عمدا فهدر. جناية الصبي والمجنون محمولة إن
كانت خطأ أو شبه عمد أو عمدا، وقلنا: عمدهما خطأ. لو حل
نجم ولا إبل في البلد، قومت يومئذ، وأخذت قيمتها، ولا
تعتبر بعض النجوم ببعض، وفي فتاوي البغوي أن من نصفه حر،
ونصفه رقيق إذا قتل خطأ تجب نصف الدية على عاقلته.
الطرف الرابع : في جناية العبد
وأم الولد، فإذا جنى عبد جناية توجب مالا أو قصاصا،
وعفي على مال، تعلق برقبته فتؤدى منها، وهل تتعلق مع ذلك
بذمته ؟
(7/211)
فيه قولان مستنبطان من قواعد الشافعي رحمه الله تعالى،
ويقال: وجهان، أحدهما: نعم، فتكون الرقبة مرهونة به،
وأظهرهما عند الجمهور: لا، وينسب إلى الجديد، فإن قلنا
بالذمة، فبقي شئ بعد صرف ثمنه إلى الارش، اتبع به بعد
معتق، وكذا لو ضاع الثمن قبل صرفه إلى المجني عليه يطالب
بالجميع، وهل يجوز ضمانه ؟ وجهان، أحدهما: لا، لعدم
استقراره في الحال، وأصحهما: نعم، كضمان المعسر وأولى
لتوقع يساره، وضمان ما يلزم ذمته بدين المعاملة أولى
بالصحة. ولا خلاف أنه يصح ضمان ما تعلق بكسبه، كالمهر في
نكاح صحيح، ولو ضمنه السيد فمرتب على ضمان الاجنبي وأولى
بالصحة لتعلقه بملكه، ثم العبد المتعلق برقبته مال لا يصير
ملكا للمجني عليه، بل سيده بالخيار بين أن يبيعه بنفسه، أو
يسلمه للبيع، وبين أن يبقيه لنفسه ويفديها، ويكون المال
الذي بذله فداء كالثمن الذي يشتريه به أجنبي، وإذا سلمه
للبيع، فإن كان الارش يستغرق قيمته، بيع كله، وإلا فقدر
الحاجة إلا أن يأذن سيده في بيع الجميع، فيؤدي الارش ويكون
الباقي له، وكذا الحكم لو لم يوجد من يشتري بعضه، وإن أراد
سيده فداءه، فبكم يفديه ؟ قولان، أظهرهما باتفاق الاصحاب
وهو الجديد: بأقل الامرين من قيمته وأرش الجناية، والقديم:
بالارش بالغا ما بلغ، فعلى الجديد قال البغوي: النص أنه
تعتبر قيمته يوم الجناية، وقال القفال: ينبغي أن تعتبر
قيمته يوم الجناية، وقال القفال: ينبغي أن تعتبر قيمته يوم
الفداء، لان ما نقص قبل ذلك لا يؤاخذ السيد به، وحمل النص
على ما إذا سبق من السيد منع من بيعه حالة الجناية، ثم
نقصت قيمته، ولو جنى، ففداه، ثم جنى، فإما أن يسلمه ليباع،
وإما أن يفديه ثانيا، فإن كانت الجناية الثانية قبل
الفداء، فإن سلمه للبيع، بيع ووزع الثمن على أرش
(7/212)
الجنايتين، وإن اختار الفداء، فداه على الجديد: بأقل
الامرين من القيمة والارشين، وعلى القديم: بالارشين، وكذا
الحكم لو كان سلمه للبيع، فجنى ثانيا قبل البيع، ولو قتل
السيد عبده الجاني أو أعتقه أو باعه، وقلنا بنفوذهما، أو
استولد الجانية، لزمه الفداء، وفي قدره طريقان، أحدهما:
طرد القولين، وأصحهما: القطع بأقل الامرين لتعذر البيع
وبطلان توقع زيادة راغب. ولو مات الجاني أو هرب قبل أن
يطالب السيد بتسليمه، فلا شئ على السيد، وكذا لو طولب ولم
يمنعه، فلو منعه، صار مختارا للفداء، قال البغوي: ولو قتل
الجاني، فللسيد أن يقتص، وعليه الفداء للمجني عليه، ويجوز
أن ينظر في وجوب الفداء عليه إلى أن موجب العمد القصاص، أو
أحد الامرين، فإن كان القتل موجبا للمال، تعلق حق المجني
عليه بقيمته، وإذا أخذت، يخير السيد في تسليم عينها أو
بدلها من سائر أمواله، وإذا لزم الفداء بعد موت العبد أو
قبله، ففيما يفديه به ؟ الطريقان فيمن قتل العبد أو أعتقه
لحصول اليأس من بيعه بما يزيد على قيمته، ولو قال السيد:
اخترت الفداء، أو قال: أنا أفديه، فوجهان، أحدهما: يلزمه
الفداء ولا يقبل رجوعه، والصحيح: أنه لا يلزمه بل يبقى
خياره كما كان، وموضع الخلاف ما إذا كان العبد حيا، فإن
مات فلا رجوع له بحال.
فصل إذا جنت مستولدة على نفس
أو مال، وجب على سيدها الفداء، وفيما يفديه به
طريقان، المذهب أنه بأقل الامرين من قيمتها والارش،
والثاني:
(7/213)
على قولين، كالقن، والفرق أنها غير قابلة للبيع، وهل تعتبر
قيمة يوم الجناية، أم يوم الاستيلاد، وجهان، أصحهما:
الاول، ولو جنت جنايتين، وقلنا: يفدي بالارش، لزم السيد
الاروش بالغة ما بلغت، وإن قلنا بالمذهب: إن الواجب أقل
الامرين، فإن كان أرش الجناية الاولى دون القيمة وفداها به
وكان الباقي من قيمتها يفي بأرش الجناية الثانية، فداها
بأرشها أيضا، وإن كان أرش الاولى كالقيمة أو أكثر أو أقل،
والباقي من القيمة لا يفي بأرش الجناية الثانية، فثلاثة
أقوال، أظهرها: أن الجنايات كلها كواحدة، فيلزمه البيع
فداء واحد، والثاني: يلزمه لكل جناية فداء، والثالث: إن
فدى الاولى قبل جنايتها الثانية، لزمه فداء آخر، وإلا
فواحد، وإذا ألزمناه فداء واحدا، اشترك فيه المجني عليهما
أو عليهم على قدر جناياتهم، فلو كانت قيمة المستولدة ألفا
وأرش كل واحدة من الجنايتين ألفا، فلكل منهما خمسمائة، فإن
كان الاول قبض الالف، استرد الثاني منه خمسمائة، فإن كانت
قيمتها ألفا وأرش الاولى ألف والثانية خمسمائة، يرجع
الثاني على الاول بثلث الالف ولو كانت الاولى خمسمائة
والثانية ألفا، أخذ الثاني من السيد خمسمائة تمام القيمة،
ورجع على الاول بثلث خمس المائة التي قبضها ليصير معه ثلثا
الالف، ومع الاول ثلثه، ثم قيل: الخلاف عند تخلل الفداء
فيما إذا دفع السيد الفداء إلى المجني عليه الاول
باختياره، أما إذا دفعه بقضاء القاضي فلا يلزمه شئ آخر
قطعا، وعن ابن أبي هريرة أنه لا فرق، وتجري الاقوال في
الجناية الثالثة والرابعة وإلى ما لا نهاية له،
(7/214)
ومهما زادت الجناية، زاد الاسترداد، وشبه ذلك بما إذا قسمت
تركة إنسان على غرمائه أو ورثته وكان حفر بئر عدوان، فهلك
بها شئ، زاحم المستحق الغرماء والورثة، واسترد منهم حصته،
فلو هلك آخر، زاد الاسترداد. فرع جنى القن، فمنع السيد
بيعه، واختار الفداء، ثم جنى، ففعل مثل ذلك، لزمه لكل
جناية الاقل من أرشها وقيمته، ولو جنى جنايات ثم قتله
السيد أو أعتقه، لا يلزمه إلا فداء واحد. فرع وطئ الجانية،
فوجهان، أحدهما: أنه اختيار للفداء، كما أن وطئ البائع في
زمن الخيار فسخ، ووطئ المشتري إجازة، والصحيح: المنع، لان
الوطئ لا دلالة له على الالتزام، مع أنه لو التزم لم يلزمه
على الاصح كما سبق ويخالف الخيار، فإنه ثبت بفعله فسقط به،
وخيار السيد هنا ثبت بالشرع، فلا يسقط بفعله. فرع جنت
جارية لها ولد، أو ولدت بعد الجناية، من كان موجودا حال
الجناية، أو حدث بعدها لا يتعلق به الارش، فإن لم يجوز
التفريق، بيع معها وصرفت حصة الام إلى الارش، وحصة الولد
للسيد، وهل تباع حاملا بحمل كان يوم الجناية أو حدث ؟ إن
قلنا: الحمل لا يعرف، بيعت، كما لو زيدت زيادة متصلة،
وإلا، فلا تباع حتى تضع، لانه لا يمكن إجبار السيد على بيع
الحمل، ولا يمكن استثناؤه. فرع لو لم يفد السيد الجاني ولا
سلمه للبيع، باعه القاضي، وصرف الثمن إلى المجني عليه، ولو
باعه بالارش، جاز إن كان نقدا، وكذا إن كان إبلا وقلنا:
يجوز الصلح عنها.
الباب السادس : في دية الجنين
فيه أطراف
الأول : الموجب وهو جناية توجب انفصال الجنين ميتا، فهذه
قيود، الاول: الجناية وهي ما يؤثر في الجنين من ضرب،
وإيجار دواء ونحوهما، ولا أثر للطمة
(7/215)
خفيفة ونحوها، كما لا يؤثر في الدية. الثاني: الانفصال،
فلو ماتت الام ولم ينفصل جنين، لم يجب على الضارب شئ، وكذا
لو كانت منتفخة البطن، فضربها شخص فزال الانتفاخ، أو كانت
تجد حركة في بطنها فزالت، لجواز أنه كان ريحا فانفشت، ثم
هل يعتبر انكشاف الجنين بظهور شئ منه أم الانفصال التام ؟
وجهان، أصحهما: الاول لتحقق وجوده، ويتفرع عليهما ما لو
ضرب بطنها، فخرج رأس الجنين مثلا، وماتت الام كذلك، ولم
ينفصل، أو خرج رأسه ثم جنى عليها فماتت، فعلى الاصح تجب
الغرة لتيقن وجوده، وعلى الثاني لا، ولو قدت نصفين، وشوهد
الجنين في بطنها ولم ينفصل، ففيه الوجهان، ولو خرج رأسه
وصاح فحز رجل رقبته، فعلى الاصح يجب القصاص والدية، لانا
تيقنا بالصياح حياته، وإن اعتبرنا الانفصال، فلا قصاص ولا
دية، ولو صاح ومات، فوجوب الدية على الخلاف. الثالث: كون
المنفصل ميتا، فلو انفصل حيا، نظر، إن بقي زمانا سالما غير
متألم ثم مات، فلا ضمان على الضارب لان الظاهر أنه مات
بسبب آخر، وإن مات عند خروجه أو بقي متألما حتى مات، وجبت
فيه دية كاملة، لانا تيقنا حياته، فأشبه سائر الاحياء،
وسواء استهل، أو وجد ما يدل على حياته، كتنفس وامتصاص لبن
وحركة قوية، كقبض يد وبسطها، ولا عبرة بمجرد الاختلاج على
المشهور، وإذا علمت الحياة، فسواء كان انتهى إلى حركة
المذبوح أم لم ينته، وبقي يوما ويومين ثم مات، لانا تيقنا
الحياة في الحالين، والجناية عليه،
(7/216)
والظاهر موته بها، وسواء انفصل لوقت يعيش فيه، أو لوقت لا
يتوقع أن يعيش، بأن ينفصل لدون ستة أشهر، وقال المزني: إن
لم يتوقع أن يعيش أو كان انتهى إلى حركة المذبوح، ففيه
الغرة دون الدية، ولو قتل شخص هذا الجنين بعد انفصاله، فإن
انفصل لا بجناية، فعلى القاتل القصاص، كما لو قتل مريضا
مشرفا على الموت، وإن انفصل بجناية، فإن كان فيه حياة
مستقرة فكذلك، وإلا فلا شئ على الثاني، والقاتل هو الاول،
ولو انفصل ميتا بعد موت الام من الضرب، وجبت الغرة كما لو
انفصل في حياتها، لانه شخص مستقل، فلا يدخل في ضمانها. فرع
سواء في وجوب الغرة كان الجنين ذكرا أو أنثى، ثابت النسب
أو غيره، تام الاعضاء أو ناقصها، ولو اشترك اثنان في
الضرب، فالغرة عليهما، ولو ألقت جنينين، وجب غرتان، ولو
ألقت حيا وميتا، ومات الحي، وجب دية وغرة، ولو ضرب بطن
ميتة فانفصل منها جنين ميت، فلا غرة، كذا قاله البغوي قال
القاضي الطبري: يجب لان الجنين قد يبقى في جوفها حيا،
والاصل بقاء الحياة. فرع ألقت المضروبة يدا أو رجلا وماتت،
ولم ينفصل الجنين بتمامه، فالصحيح وجوب الغرة، وهو نصه في
المختصر وفي وجه يجب نصف غرة، لان اليد تضمن بنصف الجملة،
وهو تفريع على أن الجنين لا يضمن حتى ينفصل كله، ولو ألقت
يدين أو رجلين، أو يدا ورجلا، وجبت غرة قطعا، ولو ألقت من
الايدي والارجل ثلاثا، أو أربعا، أو رأسين، فغرة على
الصحيح، وقيل: غرتان، ولو ألقت بدنين، فغرتان، لان الشخص
الواحد لا يكون له بدنان بحال، كذا ذكره الامام والغزالي
والبغوي وغيرهم، وحكى الروياني من نص الشافعي رحمه الله
خلافه وجوز بدنين لرأس، كرأسين لبدن، ولو ألقت عضوا، كيد
أو رجل، ثم
(7/217)
ألقت جنينا، فله حالان، أحدهما: أن يكون الجنين فقيد ذلك
العضو، فينظر، إن ألقته قبل الاندمال، وزوال ألم الضرب،
فإن كان ميتا، لم تجب إلا غرة، وبقدر العضو مبانا منه
بالجناية، وإن انفصل حيا، ثم مات من الجناية، وجب دية ودخل
فيها أرش اليد، وإن عاش، فقد أطلق البغوي وجوب نصف الدية
على عاقلة الضارب، ونقل ابن الصباغ وغيره أنه تراجع
القوابل، فإن قلن: إنها يد من خلق فيه حياة، وجب نصف
الدية، وكذا إن علمنا انفصال اليد منه بعد خلق الحياة، بأن
ألقتها ثم انفصل الجنين عقب الضرب، وإن شككنا في حاله، وجب
نصف الغرة عملا باليقين، وليكن اطلاق البغوي محمولا على ذا
التفصيل، وإن ألقته بعد الاندمال، لم يضمن الجنين، حيا كان
أو ميتا، لزوال الالم الحاصل بفعله، وأما اليد، فإن خرج
ميتا، فعليه نصف غرة لها، وإن خرج حيا ومات أو عاش، فقيل:
يجب نصف غرة، كما لو قطع يد شخص فاندمل ثم مات، وقيل:
تراجع القوابل كما سبق، ولو ضرب بطنها فألقت يدا، ثم ضربها
آخر فألقت جنينا لا يد له، فإن ضرب الثاني قبل الاندمال
وانفصل الجنين ميتا، فالغرة عليهما، وإن انفصل حيا، فإن
عاش، فعلى الاول نصف الدية، وليس على الثاني سوى التعزير،
وإن مات فعليهما الدية، وإن ضرب الثاني بعد الاندمال، فإن
انفصل ميتا، فعلى الاول نصف الغرة، وعلى الثاني غرة كاملة،
كما لو قطع يد رجل فاندمل، ثم قتله آخر، فعلى الاول نصف
دية، وعلى الثاني دية، وإن خرج حيا، فعلى الاول نصف الدية،
ثم إن عاش فليس على الثاني إلا التعزير، وإن مات، فعليه
دية كاملة. الحال الثاني: أن ينفصل الجنين كامل الاطراف،
فينظر، إن انفصل قبل الاندمال، فمقتضى ما سبق فيمن ألقت
ثلاث أيد، أن يقال: إن انفصل ميتا، لم يجب إلا غرة واحدة،
لاحتمال أن التي ألقتها كانت يدا زائدة، وإن انفصل حيا
(7/218)
ومات، فالواجب غرة، وإن عاش، لم يجب إلا حكومة، وبهذا
التفصيل جزم الغزالي، وفي التتمة والتهذيب أنه إن انفصل
ميتا وجب غرتان، إحداهما لليد، والاخرى للجنين، وإن خرج
حيا ومات، وجب دية وغرة، ولو ألقت أولا جنينا كاملا، ثم
يدا، فالحكم كذلك، وإن انفصل الجنين بعد الاندمال، لم يجب
بسبب الجنين شئ، ولو ضربها رجل، فألقت اليد، ثم ضربها آخر،
فألقت الجنين، ففي التهذيب أن ضمان الجنين على الثاني،
سواء ضرب بعد اندمال الاول، أو قبله، فإن خرج ميتا، وجب
فيه غرة، وإن خرج حيا فمات، فدية، وقياس ما سبق أن يقال:
إن ضرب الثاني قبل الاندمال وانفصل ميتا، وجبت الغرة
عليهما، وإن انفصل حيا وعاش، فعلى الاول حكومة، وليس على
الثاني إلا التعزير، وإن مات، فعليهما الدية.
الطرف الثاني : في الجنين الذي
تجب فيه الغرة قد سبق في كتاب العدة أن الغرة تجب
إذا سقطت بالجناية ما ظهر فيه صورة آدمي، كعين أو أذن أو
يد ونحوها، ويكفي الظهور في طرف ولا يشترط في كلها، ولو لم
يظهر شئ من ذلك، فشهد القوابل أن فيه صورة خفية يختص
بمعرفتها أهل الخبرة، وجبت الغرة أيضا، وإن قلن: ليس فيه
صورة خفية، لكنه أصل آدمي ولو بقي لتصور، لم تجب الغرة على
المذهب، وإن شككن هل هو أصل آدمي، لم تجب قطعا. فصل إنما
تجب الغرة الكاملة في جنين محكوم بإسلامه تبعا لابويه أو
أحدهما، وبحريته، فأما الجنين المحكوم بأنه يهودي أو
نصراني تبعا لابويه، ففيه أوجه، أحدها: لا يجب فيه شئ
أصلا، والثاني: تجب غرة كالمسلم، وأصحها وبه قطع الجمهور:
يجب ثلث غرة المسلم، فعلى هذا في الجنين المجوسي ثلثا عشر
غرة المسلم، وهو ثلث بعير، ثم قيل: يؤخذ هذا القدر من
الدية ويدفع إلى المستحق، ولا يصرف في غرة، وقيل: يدفع هذا
القدر، أو غرة بقيمته، والاصح المنصوص: أنه يشتري به غرة
إلا أن لا توجد فيعدل حينئذ إلى الابل أو الدراهم،
(7/219)
ولو كان أحد أبوي الجنين يهوديا أو نصرانيا، والآخر
مجوسيا، فهل يجب فيه ما يجب في الجنين النصراني أم
المجوسي، أم يعتبر بالاب ؟ فيه أوجه، الاصح المنصوص هو
الاول، ولو كان أحد أبويه ذميا، والآخر وثنيا لا أمان له،
فعلى الاصح يجب ما يجب فيمن أبواه ذميان، وعلى الثاني: لا
شئ فيه، وعلى الثالث: يعتبر جانب الاب، والجنين المتولد من
مستأمنين كجنين الذميين، ولو اشترك مسلم وذمي في وطئ ذمية
بشبهة فحبلت وأجهضت جنينا بجناية، يعرض الجنين على القائف
وله حكم من ألحقه به، وإن أشكل الامر أخذ الاقل ووقف إلى
أن ينكشف الحال أو يصطلحوا، قال في البيان: ولا يجوز أن
يصطلح الذمي والذمية في قدر الثلث منه لجواز أن يكون
الجميع للمسلم لا حق لهما فيه، ويجوز أن يصطلح في الثلث
المسلم والذمية، لانه لا حق للذمي فيه، ولا يخرج استحقاقه
عنهما، والمسألة مفرعة على أن الميت يعرض على القائف وهو
الصحيح، ولو جنى على مرتدة حبلى، فأجهضت، نظر، إن ارتدت
بعد الحبل، وجبت غرة، لان الجنين محكوم بإسلامه، وإن حبلت
بعد الردة من مرتد، بني على المتولد من مرتدين مسلم أم
كافر ؟ إن قلنا: مسلم، وجب غرة، وإلا فلا شئ فيه على
الصحيح، كجنين الحربيين، وبه قطع الشيخ أبو علي وغيره، وفي
التهذيب أن فيه دية جنين مجوسي لعلقة الاسلام. فرع جنى على
ذمية حبلى من ذمي، فأسلم أحدهما، ثم أجهضت، وجبت غرة
كاملة، لان الاعتبار في الضمان بآخر الامر، وكذا حكم من
جنى على أمة حبلى، فعتقت ثم ماتت، وفيما يستحقه سيدها من
ذلك وجهان، أو قولان، الصحيح: الاقل من عشر قيمة الامة ومن
الغرة، والثاني: لا يستحق السيد بحكم الملك شيئا، قاله
القاضي أبو الطيب والقفال، لان الاجهاض حصل حال
(7/220)
الحرية، فصار كحر تردى في بئر كان عند حفرها رقيقا، لا شئ
لسيده من الضمان. فرع جنى على حربية، فأسلمت ثم أجهضت،
فالاصح وبه قال ابن الحداد: لا يجب شئ، وقيل: يجب غرة.
قلت: قال البغوي: يجري الوجهان فيما لو جنى السيد على أمته
الحامل من غيره، فعتقت، ثم ألقت الجنين. والله أعلم. فرع
الجنين الرقيق فيه عشر قيمة الام، ذكرا كان أو أنثى، قنة
كانت أمه أو مدبرة ومكاتبة ومستولدة، ولو ألقت جنينا ميتا،
فعتقت، ثم ألقت آخر ميتا، فالواجب في الاول عشر قيمة الام،
وفي الثاني الغرة، وفي القيمة المعتبرة وجهان، أحدهما:
قيمة يوم الاجهاض، والاصح المنصوص تعتبر القيمة أكثر ما
كانت من الجناية إلى الاجهاض، فلو كان الجنين سليما والام
مقطوعة الاطراف أو بالعكس، فوجهان، أحدهما: تقوم مقطوعة،
وأصحهما: سليمة، كما لو كانت كافرة والجنين مسلم، يقدر
فيها الاسلام وتقوم مسلمة، وكما لو كان الجنين رقيقا وهي
حرة، بأن كانت لرجل والجنين لآخر فأعتقها صاحبها، وبقي
الجنين رقيقا لصاحبه، تقدر الام رقيقة، ويجب في الجنين عشر
قيمتها. فرع جارية مشتركة بينهما نصفين، حبلت من زوج أو
زنى، وجنى عليها رجل فألقت جنينا ميتا، لزمه عشر قيمة الام
للسيدين، فلو جنى عليها أحدهما،
(7/221)
فألقت ميتا، لزمه نصف عشر قيمة الام لشريكه، ولو أعتقها
بعدما جنى، ثم ألقته، نظر، إن كان معسرا عتق نصيبه من الام
والجنين وعليه نصف عشر قيمة الام لشريكه، وهل يلزمه نصف
الغرة للنصف الحر ؟ وجهان، قال ابن الحداد: لا، لانه وقت
الجناية كان ملكه، وقال آخرون: نعم، وهو نصه في الام لان
الجناية على الجنين إنما تتحقق عند الالقاء، وهو حر حينئذ،
والخلاف مبني على أن الموجب للغرة الضرب أو الاجهاض، وفيه
وجهان، وأكثر الناقلين يميلون إلى ترجيح وجوب نصف الغرة،
والاصح ما رجحه الشيخ أبو علي وجماعة أنه لا يجب، وأن
الموجب الضرب لتأثيره، فإن أوجبنا، بني على أن من بعضه
رقيق هل يورث، إن قلنا: نعم، فهو لورثته غير سيده وأمه،
لانه قاتل وبعضها رقيق، وإن قلنا: لا، فهل هو لبيت المال
أم للمالك نصفه ؟ فيه الخلاف السابق في الفرائض، أما إذا
كان المعتق موسرا، فإن قلنا: تحصل السراية بنفس الاعتاق أو
بأداء القيمة وأداها قبل الاجهاض، فعلى الجاني الغرة وتصرف
إلى ورثة الجنين، وإن قلنا: تحصل بأداء القيمة ولم يؤدها
حتى أجهضت، فحكمه كما ذكرنا فيما لو كان معسرا، وإن قلنا:
العتق موقوف، فإن أدى القيمة تبين حصول العتق من وقت
اللفظ، ويكون حكمه كما إذا قلنا: تحصل بنفس الاعتاق، وإن
لم يؤد، فكما ذكرنا لو كان معسرا، ولو كانت المسألة بحالها
لكن أعتق أحدهما نصيبه ثم جنى عليها جان، فألقت جنينا
ميتا، فالجاني المعتق أو شريكه أو أجنبي، فإن كان المعتق،
نظر، إن كان معسرا، بقي نصيب الشريك ملكا له، فعليه له نصف
عشر قيمة الام، وعليه للنصف الذي عتق نصف الغرة بلا خلاف،
ولمن يكون ذلك ؟ يبنى على الخلاف فيمن بعضه حر، هل يورث
كما سبق، وإن كان موسرا، فإن قلنا: تحصل السراية بأداء
القيمة، أو قلنا: بالوقف، وأدى القيمة، غرم لشريكه نصف
قيمة الامة حاملا ولا يفرد الجنين بقيمته، بل يتبع الام في
التقويم، كما يتبعها في البيع، ويلزمه بالجناية الغرة، لان
الجنين حر، وترث الام منها، لانها حرة، والباقي منها
لعصبته ولا شئ للمعتق، لانه قاتل، وإن جنى الشريك الآخر،
فإن كان المعتق معسرا،
(7/222)
فنصف الجنين مملوك للجاني، فيلزمه نصف غرة للنصف الحر،
ويعود الخلاف في أنه لمن هو، وإن كان موسرا، فإن قلنا: لا
تحصل السراية إلا بأداء القيمة، أو قلنا: بالوقف، ولم يؤد
القيمة، فالحكم كما لو كان معسرا، وإن قلنا: يعتق باللفظ
أو بالتوقف، وأدى القيمة، فللجاني على المعتق نصف قيمتها
حاملا وعلى الجاني الغرة، وترثها الام والعصبة، وإن كان
الجاني أجنبيا، فإن كان المعتق معسرا، فقد أتلف الاجنبي
جنينا نصفه حر، ونصفه رقيق، فعليه نصف غرة، ونصف عشر قيمة
الام، وإن كان المعتق موسرا، وعتق كله، فقد أتلف الاجنبي
جنينا حرا ففيه غرة، ولو جنى عليها الشريكان معا، فأجهضت
جنينا، فعلى كل واحد منهما للآخر ربع عشر قيمة الام، لان
كل واحد منهما جنى على ملك نفسه وملك صاحبه، ونصيب كل واحد
تلف بفعليهما، فهدر جنايته على ملكه والحقان من جنس واحد،
فيكون على خلاف التقاص. وإن أعتقاها معا بعدما جنيا، أو
وكلا رجلا، فأعتقها بكلمة، ثم أجهضت، فقد عتق الجنين مع
الام قبل الاجهاض، فيضمن بالغرة، وفيما يجب على كل واحد
منهما وجهان، قال ابن الحداد: ربع الغرة اعتبارا بحال
الجناية، وقال غيره: نصفها اعتبارا بحال الاجهاض، وللام
ثلث الواجب والباقي للعصبة، ولا يرث السيدان منها شيئا،
لانهما قاتلان، ولو جنى عليها أحدهما، ثم أعتقاها، ثم
أجهضت، فعلى قول ابن الحداد: على الجاني نصف الغرة،
ولشريكه الاقل من نصفها ونصف عشر قيمة الام، وعلى قول
غيره: عليه غرة كاملة اعتبارا بيوم الاجهاض. فرع وطئ
شريكان مشتركة، فحبلت، فجنى، فألقت ميتا، فإن كانا موسرين،
فالجنين حر وعلى الجاني غرة، وهي لمن يلحقه الجنين، وإن
كانا معسرين، فهل كل الولد حر أم نصفه ؟ قولان، أظهرهما:
الثاني، فعلى هذا على الجاني نصف الغرة، ونصف عشر قيمة
الام، فنصف الغرة لمن يلحقه، ونصف عشر القيمة للآخر. فرع
جنت مستولدة حامل من سيدها على نفسها، فألقت جنينا ميتا،
فلا ضمان إن لم يكن للجنين وارث سوى السيد، وإن كان له أم
أم حرة، غرم السيد لها
(7/223)
الاقل من قيمة المستولدة وسدس الغرة، قال الشيخ أبو علي:
ويجئ قول: إن عليه سدس الغرة بالغا ما بلغ على أن أرش
جناية المستولدة يلزم السيد بالغا ما بلغ. فرع مات عن زوجة
حامل وأخ لاب، وفي التركة عبد، فضرب بطنها، فألقت الجنين
ميتا، تعلقت الغرة برقبة العبد وللام ثلثها، وللعم ثلثاها،
والعبد ملكهما، والمالك لا يستحق على ملكه شيئا فيقابل ما
يرثه كل واحد بما يملكه، فالاخ يملك ثلاثة أرباع العبد،
فيتعلق به ثلاثة أرباع الغرة، وله ثلثا الغرة، يذهب
الثلثان بالثلثين يبقى نصف سدس الغرة متعلقا بحصته من
العبد، والزوجة تملك ربع العبد، فيتعلق به ربع الغرة، ولها
ثلث الغرة، يذهب ربع بربع، يبقى لها نصف سدس الغرة متعلقا
بنصيب الاخ، وهو ثلاثة أرباع العبد، فيفديه بأن يدفع نصف
سدس الغرة إلى الزوجة. فرع جنى حر أبوه رقيق وأمه عتيقة
على امرأة حامل، ثم أعتق أبوه، انجر ولاؤه من معتق أمه إلى
معتق أبيه، ثم أجهضت الحامل، قال ابن الصباغ: على قياس ابن
الحداد يتحمل بدل الجنين مولى الام اعتبارا بحال فرع أحبل
الجناية، وعلى قياس غيره، يتحمل مولى الاب اعتبارا بحال
الاجهاض
(7/224)
فرع أحبل مكاتب أمته، فجنى عليها، فأجهضت، وجب في الجنين
عشر قيمة الام، لانها رقيقة بعد.
الطرف الثالث : في صفة الغرة
هي رقيق سليم من عيب، يثبت رد المبيع، له سن مخصوص، فيجبر
المستحق على قبولها من أي نوع كانت، وسواء الذكر والانثى،
ولا يجبر على قبول خصي وخنثى وكافر، ولو رضي بقبول المعيب،
جاز، ولا يجبر على قبول من لم يبلغ سبع سنين، وفي لفظ
الشافعي رحمه الله، لا يقبل دون سبع أو ثمان، فقيل: معناه
ما ذكرنا، ويمكن أن المراد لا يقبل دون سن التمييز وهو سبع
أو ثمان، ويختلف باختلاف الصبيان، ولا يقبل من ضعف بالهرم،
وخرج عن الاستقلال، ويقبل دونه، وقيل: لا يقبل بعد عشرين
سنة، غلاما كان أو جارية، وقيل: لا تقبل الجارية بعد
عشرين، ولا الغلام بعد خمس عشرة، وصحح جماعة هذا، والاول
أصح، وحكوه عن النص. قلت: كذا ضبطوه على الوجه الثالث بخمس
عشرة سنة وعللوه بأنه لا يدخل على النساء، وكان ينبغي أن
يضبط بالبلوغ، فلا يقبل من بلغ لدون هذا السن. والله أعلم.
وهل تتقدر قيمة الغرة ؟ وجهان، أحدهما: الابل إذا وجدت
السلامة والسن، وجب القبول وإن قلت قيمتها، وأصحهما وبه
قطع الجمهور: يشترط أن تبلغ قيمتها نصف عشر الدية، وهو خمس
من الابل، ومتى وجدت الغرة بصفاتها لم يجبر على قبول
غيرها، والاعتياض عنها كالاعتياض عن إبل الدية، وإن لم
توجد الغرة، فطريقان، أصحهما: على قولين، أظهرهما: يجب خمس
من الابل، والثاني: قيمة الغرة، والطريق الثاني: خمس من
الابل قطعا، فإذا أوجبنا الابل، ففقدت، فهو كفقدها في
الدية، فعلى الجديد: تجب قيمتها، وعلى القديم: يجب خمسون
دينارا، أو ستمائة درهم.
(7/225)
الطرف الرابع : في مستحق الغرة
ومن تجب عليه أما المستحق، فورثة الجنين، فلو جنت الحامل
على نفسها بشرب دواء أو غيره، فلا شئ لها من الغرة
المأخوذة من عاقلتها، لانها قاتلة، وهي لسائر ورثة الجنين.
وأما من تجب عليه الغرة، فالجناية على الجنين قد تكون خطأ
محضا، بأن يقصد غير الحامل فيصيبها، وقد تكون شبه عمد، بأن
يقصد ضربها بما يؤدي إلى الاجهاض غالبا، فتجهض، ولا تكون
عمدا محضا، لانه لا يتحقق وجوده وحياته حتى يقصد، هذا هو
الصحيح، وبه قطع الجمهور، وفي المهذب أنه يكون عمدا محضا
إذا قصد الاجهاض، وقال ابن الصباغ: قال أبو إسحق: وإن
قصدها بالضرب يكون خطأ محضا في حق الجنين، فعلى الصحيح،
سواء كانت خطأ، أو شبه عمد، فالغرة على العاقلة، قال ابن
الصباغ: والغرة بدل نفس، فلا يجئ فيها القول القديم في أن
العاقلة لا تحمل ما دون النفس، وفي جمع الجوامع للروياني
أن بعضهم أثبت فيها القديم، وليس بشئ، وإذا فقدت الغرة
وقلنا: تنتقل إلى خمس من الابل، غلظنا إن كانت الجناية شبه
عمد، بأن تؤخذ حقة ونصف، وجذعة ونصف، وخلفتان، قاله
الاصحاب، ولم يتكلموا في التغليظ عند وجود الغرة، لكن قال
الروياني: ينبغي أن يقال: تجب غرة قيمتها نصف عشر الدية
المغلظة، وهذا حسن، أما بدل الجنين الرقيق فلسيده، وهل
تحمله العاقلة ؟ فيه القولان في بدل العبد. فرع قطع طرف
حامل أو جرحها، فألقت جنينا ميتا، يجب مع ضمان الجنين ضمان
الجناية، حكومة كان أو أرشا مقدرا، ويكون ضمان الجناية
لها، ولو تألمت بالضرب، وألقت جنينا، فإن لم يبق شين، لم
يجب للالم شئ، وإن بقي، وجبت له حكومة في الاصح. فصل سقط
جنين ميت، وادعى وارثه على رجل أنه سقط بجنايته، فأنكر أصل
الجناية، صدق بيمينه، ولا يقبل قول المدعي إلا بشهادة
رجلين، فإن أقر بالجناية، وأنكر الاسقاط وقال: السقط
ملتقط، فهو المصدق أيضا، وعلى المدعي
(7/226)
البينة، وتقبل شهادة النساء، لان الاسقاط ولادة، وإن أقر
بالجناية والاسقاط، وأنكر كون الاسقاط بسبب جنايته، نظر،
إن أسقطت عقب الجناية، فهي المصدقة باليمين، سواء قال:
إنها شربت دواء، أو ضرب بطنها آخر، أو قال: انفصل الجنين
لوقت الولادة، لان الجناية سبب ظاهر، وإن أسقطت بعد مدة من
وقت الجناية، صدق بيمينه، لان الظاهر معه إلا أن تقوم بينة
على أنها لم تزل متألمة حتى أسقطت، ولا تقبل هذه الشهادة
إلا من رجلين، وضبط المتولي المدة المتخللة بما يزول فيه
ألم الجناية وأثرها غالبا، وإن اتفقا على سقوطه بجنايته،
فقال الجاني: سقط ميتا، فالواجب الغرة، وقال الوارث: بل
حيا، ثم مات، والواجب الدية، فعلى الوارث البينة لما يدعيه
من استهلال وغيره، وتقبل فيه شهادة النساء، لان الاستهلال
حينئذ لا يطلع عليه غالبا إلا النساء، وعن رواية الربيع
أنه يشترط رجلان، ولو أقام كل بينة لما يقوله، فبينة
الوارث أولى، لان معها زيادة علم، ولو اتفقا على أنه انفصل
حيا بجنايته، وقال الوارث: مات بالجناية، وقال الجاني: بل
مات بسبب آخر، فإن لم يمتد الزمان، فالمصدق الوارث بيمينه،
وإن امتد، وإن امتد، صدق الجاني بيمينه، إلا أن يقيم
الوارث بينة أنه لم يزل متألما إلى أن مات، ولو ألقت
جنينين، وادعى الوارث حياتهما، وأنكر الجاني حياتهما،
فأقام الوارث بينة باستهلال أحدهما، قال المتولي: الشهادة
مسموعة، ثم إن كانا ذكرين، وجب دية رجل وغرة، وإن كانا
أنثيين، فدية امرأة وغرة، وإن كانا ذكرا وأنثى، وجب اليقين
وهو دية امرأة وغرة، ولو صدق الوارث في حياة أحدهما، وكانا
ذكرا وأنثى، فقال الوارث: الحي هو الذكر، وقال الجاني: بل
الانثى، صدق الجاني بيمينه، ويحلف على نفي العلم بحياة
الذكر، وتجب دية امرأة وغرة، ولو صدقه الجاني في حياة
الذكر، وكذبته العاقلة، فعلى العاقلة دية أنثى وحكومة،
والباقي في مال الجاني، ولو ألقت جنينين حيين وماتا، وماتت
الام بينهما، ورثت الام من الاول، وورث الثاني من الام،
ولو قال وارث الجنين: ماتت الام أولا فورثها الجنين، ثم
مات، فورثته أنا، وقال وارث الام: بل مات الجنين أولا،
فورثته الام، ثم ماتت، فورثها، فإن كان بينة، حكم بها،
وإلا فإن حلف أحدهما ونكل الآخر، قضي للحالف، وإن حلفا أو
نكلا، لم يورث أحدهما من الآخر، لانه عمي موتهما كالغرقى،
وما تركه كل واحد لورثته الاحياء.
(7/227)
باب كفارة القتل
هي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد، فصيام شهرين متتابعين، فإن
لم يستطع، فهل عليه إطعام ستين مسكينا ؟ قولان، وقال
القفال: وجهان، وأنكر على صاحب التلخيص رواية القولين،
أظهرهما: لا، فعلى هذا لو مات قبل الصوم أخرج من تركته لكل
يوم مد طعام، كفوات صوم رمضان، والقول في صفة الرقبة
والصيام والاطعام إن أوجبناه، وما يجوز النزول من درجة إلى
درجة، على ما سبق في الكفارات. فصل قتل العمد، وشبه العمد
والخطإ يوجب الكفارة، وقال ابن المنذر: لا تجب في العمد،
وحكى الروياني وجها ضعيفا عن رواية أبوي علي بن أبي هريرة
والطبري أنه إذا اقتص من المتعمد، فلا كفارة في ماله، فعلى
هذا إنما يجب إخراج الكفارة إذا لم يقتص منه، بأن مات أو
عفي عنه، وتجب الكفارة في القتل بالسبب كما في المباشرة،
فتجب على حافر البئر عدوانا، ومن نصب شبكة، فهلك بهما شخص،
وعلى المكره وشاهد الزور، ولا تجب في القتل المباح، كقتل
مستحق القصاص الجاني، وكقتل الصائل والباغي، ونعني بالمباح
ما أذن فيه، والخطأ لا يوصف بكونه مباحا ولا حراما، بل
المخطئ غير مكلف فيما هو مخطئ فيه. فصل تجب الكفارة على
الذمي والعبد وفي مال الصبي والمجنون إذا قتلا، ولا تجب
بوطئه في صوم رمضان لانه غير متعد، والتعدي شرط في وجوب
تلك الكفارة، وإذا وجبت الكفارة بقتل الصبي والمجنون، أعتق
الولي من مالهما، كما يخرج الزكاة والفطرة منه، ولا يصوم
عنهما بحال، ولو صام الصبي في صغر، فهل يجزئه ؟ وجهان، كما
لو قضى في صغره حجة أفسدها، وإذا أدخلنا الاطعام في هذه
الكفارة، أطعم الولي إن كانا من أهله، وينبغي أن يقال: إن
اكتفينا بصوم
(7/228)
الصبي لم يجز العدول إلى الاطعام، وإلا فيجوز كالمجنون،
ولو أعتق الولي من مال نفسه عنهما، أو أطعم، قال البغوي:
إن كان أبا أو جدا، جاز، وكأنه ملكهما، ثم ناب عنهما في
الاعتاق والاطعام، وإن كان وصيا أو قيما، لم يجز، حتى يقبل
القاضي لهما التمليك، ولا كفارة على حربي، لانه غير ملتزم،
وهل تجب على من قتل نفسه ؟ وجهان، أصحهما: نعم، لانه قتل
محرم، فتخرج من تركته، ويجري الخلاف فيمن حفر بئرا عدوانا
فهلك بها رجل بعد موته، ووجه المنع أن في الكفارة معنى
العبادة، فيبعد وجوبها على ميت ابتداء، ولو اشترك جماعة في
قتل، فهل على كل واحد كفارة، أم على الجميع كفارة واحد ؟
وجهان، أصحهما: الاول.
فصل شرط القتيل الذي تجب بقتله
الكفارة أن يكون آدميا معصوما بإيمان أو أمان، فتجب
على من قتل عاقلا أو مجنونا أو صبيا أو جنينا أو ذميا أو
معاهدا أو عبدا، وعلى السيد في قتل عبده، ولا تجب بقتل
حربي ومرتد، وقاطع طريق، وزان محصن، ولا بقتل نساء أهل
الحرب وأولادهم وإن كان قتلهم محرما، لان تحريمه ليس
لحرمتهم، بل لمصلحة المسلمين، لئلا يفوتهم الارتفاق بهم.
فرع إذا قتل مسلما في دار الحرب، وجبت الكفارة بكل حال،
قال الله تعالى: * (وإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن
فتحرير رقبة مؤمنة) * معناه عند الشافعي وغيره رحمهم الله:
وإن كان من قوم عدوكم. وأما القصاص والدية، فإن ظنه القاتل
كافرا، لكونه بزي الكفار، فلا قصاص، وفي الدية قولان،
أظهرهما: لا تجب، وإلا فإن عرف مكانه، فهو كما لو قتله في
دار الاسلام، حتى إذا قصد قتله، يجب القصاص أو الدية
المغلظة في ماله مع الكفارة، وإن لم يعرف مكانه، ورمى سهما
إلى صف الكفار في دار الحرب، سواء علم في الدار مسلما أم
لا، نظر، إن لم يعين شخصا أو عين كافرا فأخطأ، وأصاب
مسلما، فلا قصاص ولا دية، وكذا لو قتله في بيات أو غارة
ولم يعرفه، وإن عين شخصا فأصابه وكان مسلما، فلا قصاص، وفي
الدية قولان، ويشبه أن يكونا هما القولين فيمن ظنه كافرا،
ولو دخل الكفار دار الاسلام، فرمى إلى صفهم، فأصاب مسلما،
فهو كما لو رمى إلى صفهم في دار الحرب. وبالله التوفيق.
(7/229)
|