روضة
الطالبين وعمدة المفتين ط المكتب الإسلامي كِتَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ
الْمُرَادُ بِالِاسْتِسْقَاءِ: سُؤَالُ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَسْقِيَ
عِبَادَهُ عِنْدَ حَاجَتِهِمْ، وَلَهُ أَنْوَاعٌ. أَدْنَاهَا: الدُّعَاءُ
بِلَا صَلَاةٍ وَلَا خَلْفَ صَلَاةٍ، فُرَادَى أَوْ مُجْتَمِعِينَ
لِذَلِكَ، وَأَوْسَطُهَا: الدُّعَاءُ خَلْفَ الصَّلَوَاتِ، وَفِي خُطْبَةِ
الْجُمُعَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَأَفْضَلُهَا: الِاسْتِسْقَاءُ
بِرَكْعَتَيْنِ وَخُطْبَتَيْنِ. وَيَسْتَوِي فِي اسْتِحْبَابِ
الِاسْتِسْقَاءِ أَهْلُ الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ وَالْبَوَادِي
وَالْمُسَافِرُونَ، وَيُسَنُّ لَهُمْ جَمِيعًا الصَّلَاةُ وَالْخُطْبَةُ.
وَلَوِ انْقَطَعَتِ الْمِيَاهُ وَلَمْ يُمَسَّ إِلَيْهَا حَاجَةٌ فِي
ذَلِكَ الْوَقْتِ، لَمْ يَسْتَسْقُوا، وَلَوِ انْقَطَعَتْ عَنْ طَائِفَةٍ
مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَاحْتَاجَتْ، اسْتُحِبَّ لِغَيْرِهِمْ أَنْ يُصَلُّوا
وَيَسْتَسْقُوا لَهُمْ، وَيَسْأَلُوا الزِّيَادَةَ لِأَنْفُسِهِمْ.
فَرْعٌ
إِذَا اسْتَسْقَوْا فَسُقُوا، فَذَاكَ، فَإِنْ تَأَخَّرَتِ الْإِجَابَةُ،
اسْتَسْقَوْا وَصَلَّوْا ثَانِيًا وَثَالِثًا حَتَّى يَسْقِيَهُمُ اللَّهُ
تَعَالَى. وَهَلْ يَعُودُونَ مِنَ الْغَدِ، أَمْ يَصُومُونَ ثَلَاثَةَ
أَيَّامٍ قَبْلَ الْخُرُوجِ كَمَا يَفْعَلُونَ فِي الْخُرُوجِ الْأَوَّلِ؟
قَالَ فِي (الْمُخْتَصَرِ) : مِنَ الْغَدِ. وَفِي الْقَدِيمِ: يَصُومُونَ،
فَقِيلَ: قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: الْأَوَّلُ. وَقِيلَ: عَلَى حَالَيْنِ.
فَإِنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَى النَّاسِ، وَلَمْ يَنْقَطِعُوا عَنْ
مَصَالِحِهِمْ عَادُوا غَدًا بَعْدُ بِغَدٍ، وَإِنِ اقْتَضَى الْحَالُ
التَّأْخِيرَ أَيَّامًا، صَامُوا.
قُلْتُ: وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ:
أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلٍ
(2/90)
وَاحِدٍ، نَقَلَ الْمُزَنِيُّ الْجَوَازَ،
وَالْقَدِيمُ الِاسْتِحْبَابُ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
ثُمَّ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قَطَعُوا بِاسْتِحْبَابِ تَكْرِيرِ
الِاسْتِسْقَاءِ كَمَا ذَكَرْنَا، لَكِنَّ الِاسْتِحْبَابَ فِي الْمَرَّةِ
الْأُولَى آكَدُ. وَحُكِيَ وَجْهٌ: أَنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ
إِلَّا مَرَّةً.
فَرْعٌ
لَوْ تَأَهَّبُوا لِلْخُرُوجِ لِلصَّلَاةِ، فَسُقُوا قَبْلَ مَوْعِدِ
الْخُرُوجِ، خَرَجُوا لِلْوَعْظِ وَالدُّعَاءِ وَالشُّكْرِ. وَهَلْ
يُصَلُّونَ شُكْرًا؟ فِيهِ طَرِيقَانِ. قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ
بِالصَّلَاةِ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي (الْأُمِّ) . وَحَكَى إِمَامُ
الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَّالِيُّ وَجْهَيْنِ. أَصَحُّهُمَا: هَذَا.
وَالثَّانِي: لَا يُصَلُّونَ. وَأُجْرِيَ الْوَجْهَانِ فِيمَا إِذَا لَمْ
تَنْقَطِعِ الْمِيَاهُ وَأَرَادُوا أَنْ يُصَلُّوا لِلِاسْتِزَادَةِ.
فَصْلٌ
فِي آدَابِ هَذِهِ الصَّلَاةِ
مِنْهَا: أَنْ يَأْمُرَ الْإِمَامُ النَّاسَ بِصَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ
قَبْلَ يَوْمِ الْخُرُوجِ وَبِالْخُرُوجِ عَنِ الْمَظَالِمِ فِي الدَّمِ
وَالْعِرْضِ وَالْمَالِ، وَبِالتَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا
يَسْتَطِيعُونَ مِنَ الْخَيْرِ، ثُمَّ يَخْرُجُونَ فِي الْيَوْمِ
الرَّابِعِ صِيَامًا، فِي ثِيَابٍ بِذْلَةٍ وَتَخَشُّعٍ بِلَا زِينَةٍ
وَلَا طِيبٍ، لَكِنْ يَتَنَظَّفُونَ بِالْمَاءِ وَالسِّوَاكِ وَقَطْعِ
الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ. وَيُسْتَحَبُّ إِخْرَاجُ الصِّبْيَانِ
وَالْمَشَايِخِ، وَمَنْ لَا هَيْئَةَ لَهَا مِنَ النِّسَاءِ، وَيُسْتَحَبُّ
إِخْرَاجُ الْبَهَائِمِ عَلَى
(2/91)
الْأَصَحِّ. وَعَلَى الثَّانِي: لَا
يُسْتَحَبُّ، فَلَوْ أُخْرِجَتْ، فَلَا بَأْسَ. وَأَمَّا خُرُوجُ أَهْلِ
الذِّمَّةِ، فَنَصَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى
كَرَاهِيَتِهِ وَالْمَنْعِ مِنْهُ إِنْ حَضَرُوا مُسْتَسْقًى
لِلْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ تَمَيَّزُوا وَلَمْ يَخْتَلِطُوا
بِالْمُسْلِمِينَ، لَمْ يُمْنَعُوا. وَحَكَى الرُّويَانِيُّ وَجْهًا:
أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ وَإِنْ تَمَيَّزُوا، إِلَّا أَنْ يَخْرُجُوا فِي
غَيْرِ يَوْمِ الْمُسْلِمِينَ. وَمِنَ الْآدَابِ أَنْ يَذْكُرَ كُلُّ
وَاحِدٍ مِنَ الْقَوْمِ فِي نَفْسِهِ مَا فَعَلَ مِنْ خَيْرٍ فَيَجْعَلَهُ
شَافِعًا.
وَمِنْهَا: أَنْ يُسْتَسْقَى بِالْأَكَابِرِ وَأَهْلِ الصَّلَاحِ، لَا
سِيَّمَا أَقَارِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-.
فَصْلٌ
السُّنَّةُ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي الصَّحْرَاءِ، وَيُنَادِيَ لَهَا:
الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ، وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، يُكَبِّرُ فِي الْأُولَى
سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ زَائِدَةٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا، وَيَجْهَرُ
فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ، وَيَقْرَأُ فِي الْأُولَى بَعْدَ (الْفَاتِحَةِ)
: (ق) . وَفِي الثَّانِيَةِ: (اقْتَرَبَتْ) . وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ:
يَقْرَأُ فِي إِحْدَاهُمَا: (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا) وَلْيَكُنْ فِي
الثَّانِيَةِ وَفِي الْأُولَى (ق) . وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ
اللَّهُ -: أَنَّهُ يَقْرَأُ فِيهِمَا مَا يَقْرَأُ فِي الْعِيدِ، وَإِنْ
قَرَأَ (إِنَّا أَرْسَلْنَا) كَانَ حَسَنًا. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا
خِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَأَنَّ كُلًّا سَائِغٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ
قَالَ: فِي الْأَحَبِّ خِلَافٌ. وَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ يَقْرَأُ مَا
يَقْرَأُ فِي الْعِيدِ. وَأَمَّا وَقْتُ هَذِهِ الصَّلَاةِ، فَقَطَعَ
الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَصَاحِبُ (التَّهْذِيبِ) بِأَنَّهُ وَقْتُ
صَلَاةِ الْعِيدِ، وَاسْتَغْرَبَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا، وَذَكَرَ
الرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ: أَنَّ وَقْتَهَا يَبْقَى بَعْدَ الزَّوَالِ مَا
لَمْ يُصَلِّ الْعَصْرَ، وَصَرَّحَ صَاحِبُ (التَّتِمَّةِ) بِأَنَّ صَلَاةَ
الِاسْتِسْقَاءِ لَا تَخْتَصُّ بِوَقْتٍ، بَلْ أَيَّ وَقْتٍ صَلَّوْهَا
مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، جَازَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنِ الْأَئِمَّةِ
وَجْهَيْنِ فِي كَرَاهَةِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ فِي الْأَوْقَاتِ
الْمَكْرُوهَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَوْقَاتَ الْمَكْرُوهَةَ غَيْرُ
دَاخِلَةٍ فِي حُكْمِ وَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ، وَلَا مَعَ انْضِمَامِ
مَا بَيْنَ الزَّوَالِ
(2/92)
وَالْعَصْرِ إِلَيْهِ، فَيَلْزَمُ أَنْ لَا
يَكُونَ وَقْتُ الِاسْتِسْقَاءِ مُنْحَصِرًا فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ
لِحَامِلٍ أَنْ يَحْمِلَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْكَرَاهَةِ عَلَى قَضَائِهَا،
فَإِنَّهَا لَا تُقْضَى.
قُلْتُ: لَيْسَ بِلَازِمٍ مَا قَالَهُ، فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَصَحَّ:
دُخُولُ وَقْتِ الْعِيدِ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ، وَهُوَ وَقْتُ كَرَاهَةٍ،
وَمِمَّنْ قَالَ بِانْحِصَارِ وَقْتِ الِاسْتِسْقَاءِ فِي وَقْتِ الْعِيدِ،
الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَالْمَحَامِلِيُّ، وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ الَّذِي
نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ، وَصَحَّحَهُ
الرَّافِعِيُّ فِي (الْمُحَرَّرِ) وَالْمُحَقِّقُونَ: أَنَّهَا لَا
تَخْتَصُّ بِوَقْتٍ، كَمَا لَا تَخْتَصُّ بِيَوْمٍ. وَمِمَّنْ قَطَعَ بِهِ
صَاحِبَا (الْحَاوِي) وَ (الشَّامِلِ) وَنَقَلَهُ صَاحِبُ (الشَّامِلِ)
وَصَاحِبُ (جَمْعِ الْجَوَامِعِ) عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ -. وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: لَمْ أَرَ التَّخْصِيصَ
لِغَيْرِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
فَصْلٌ
يُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْطُبَ خُطْبَتَيْنِ بَعْدَ الصَّلَاةِ،
وَأَرْكَانُهُمَا وَشَرَائِطُهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْعِيدِ. لَكِنْ
تُخَالِفُهَا فِي أُمُورٍ. مِنْهَا: أَنَّهُ يُبْدِلُ التَّكْبِيرَاتِ
الْمَشْرُوعَةَ فِي أَوَّلِهِمَا بِالِاسْتِغْفَارِ فَيَقُولُ:
(أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ
الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ) . وَيَخْتِمُ كَلَامَهُ
بِالِاسْتِغْفَارِ، وَيُكْثِرُ مِنْهُ فِي الْخُطْبَةِ، وَمِنْ قَوْلِهِ:
(اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا. . .) الْآيَةَ. [نُوحٍ:
10] . وَلَنَا وَجْهٌ حَكَاهُ فِي (الْبَيَانِ) عَنِ الْمَحَامِلِيِّ:
أَنَّهُ يُكَبِّرُ هُنَا فِي ابْتِدَاءِ الْخُطْبَةِ كَالْعِيدِ،
وَالْمَعْرُوفُ الْأَوَّلُ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ،
كَمَا سَنَذْكُرُهُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ فِي الْأُولَى: (اللَّهُمَّ
اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا هَنِيئًا مَرِيئًا مَرِيعًا غَدَقًا مُجَلَّلًا
سَحًّا طَبَقًا دَائِمًا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا
مِنَ الْقَانِطِينَ،
(2/93)
اللَّهُمَّ إِنَّ بِالْعِبَادِ
وَالْبِلَادِ مِنَ اللَّأْوَاءِ وَالْجَهْدِ وَالضَّنْكِ مَا لَا نَشْكُو
إِلَّا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لَنَا الزَّرْعَ، وَأَدِرَّ لَنَا
الضَّرْعَ، وَاسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ، وَأَنْبِتْ لَنَا مِنْ
بَرَكَاتِ الْأَرْضِ، اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْجَهْدَ وَالْجُوعَ
وَالْعُرْيَ، وَاكْشِفْ عَنَّا مِنَ الْبَلَاءِ مَا لَا يَكْشِفُهُ
غَيْرُكَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا،
فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا) وَيَكُونُ فِي الْخُطْبَةِ
الْأُولَى وَصَدْرِ الثَّانِيَةِ، مُسْتَقْبِلَ النَّاسِ، مُسْتَدْبِرَ
الْقِبْلَةِ، ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ، وَيُبَالِغُ فِي الدُّعَاءِ
سِرًّا وَجَهْرًا، وَإِذَا أَسَرَّ دَعَا النَّاسُ سِرًّا، وَيَرْفَعُونَ
أَيْدِيَهُمْ فِي الدُّعَاءِ. وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَسْقَى وَأَشَارَ بِظَهْرِ كَفَّيْهِ
إِلَى السَّمَاءِ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: السُّنَّةُ لِكُلِّ مَنْ دَعَا
لِرَفْعِ بَلَاءٍ، أَنْ يَجْعَلَ ظَهْرَ كَفَّيْهِ إِلَى السَّمَاءِ،
وَإِذَا سَأَلَ شَيْئًا جَعَلَ بَطْنَ كَفَّيْهِ إِلَى السَّمَاءِ.
قُلْتُ: الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ، فِي (صَحِيحِ مُسْلِمٍ) . - وَاللَّهُ
أَعْلَمُ -.
قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلْيَكُنْ مِنْ دُعَائِهِمْ
فِي هَذِهِ الْحَالَةِ (اللَّهُمَّ أَنْتَ أَمَرْتَنَا بِدُعَائِكَ،
وَوَعَدْتَنَا إِجَابَتَكَ، وَقَدْ دَعَوْنَاكَ كَمَا أَمَرْتَنَا،
فَأَجِبْنَا كَمَا وَعَدْتَنَا، اللَّهُمَّ امْنُنْ عَلَيْنَا بِمَغْفِرَةِ
مَا قَارَفْنَا، وَإِجَابَتِكَ فِي سُقْيَانَا وَسَعَةِ رِزْقِنَا) .
فَإِذَا فَرَغَ مِنَ الدُّعَاءِ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّاسِ
وَحَثَّهُمْ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَدَعَا لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ،
وَقَرَأَ آيَةً أَوْ آيَتَيْنِ، وَيَقُولُ: (أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي
وَلَكُمْ) . هَذَا لَفْظُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وَيُسْتَحَبُّ عِنْدَ تَحَوُّلِهِ إِلَى الْقِبْلَةِ، أَنْ يُحَوِّلَ
رِدَاءَهُ. وَهَلْ يُنَكِّسُهُ مَعَ التَّحْوِيلِ؟ قَوْلَانِ. الْجَدِيدُ:
نَعَمْ. وَالْقَدِيمُ: لَا. فَالتَّحْوِيلُ: أَنْ يَجْعَلَ مَا عَلَى
عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ، وَبِالْعَكْسِ.
وَالتَّنْكِيسُ: أَنْ يَجْعَلَ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ، وَمَتَى جَعَلَ
الطَّرَفَ الْأَسْفَلَ الَّذِي عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ عَلَى عَاتِقِهِ
الْأَيْمَنِ، وَالطَّرَفَ الْأَسْفَلَ الَّذِي عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ
عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ، حَصَلَ التَّحْوِيلُ وَالتَّنْكِيسُ
جَمِيعًا، هَذَا فِي الرِّدَاءِ الْمُرَبَّعِ، فَأَمَّا الْمُقَوَّرُ
وَالْمُثَلَّثُ، فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا التَّحْوِيلُ. وَيَفْعَلُ النَّاسُ
بِأَرْدِيَتِهِمْ كَفِعْلِ الْإِمَامِ تَفَاؤُلًا بِتَغَيُّرِ الْحَالِ
إِلَى الْخِصْبِ، وَيَتْرُكُونَهَا مُحَوَّلَةً إِلَى أَنْ يَنْزِعُوا
الثِّيَابَ.
(2/94)
قُلْتُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ،
وَالْأَصْحَابُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى -: إِذَا تَرَكَ الْإِمَامُ
الِاسْتِسْقَاءَ، لَمْ يَتْرُكْهُ النَّاسُ. وَلَوْ خَطَبَ قَبْلَ
الصَّلَاةِ، قَالَ صَاحِبُ (التَّتِمَّةِ) : يَجُوزُ وَتَصِحُّ الْخُطْبَةُ
وَالصَّلَاةُ، وَيَحْتَجُّ لَهَا بِمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ
الصَّرِيحِ فِي (سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ) وَغَيْرِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ ثُمَّ صَلَّى. وَفِي صَحِيحَيِ
(الْبُخَارِيِّ) وَ (مُسْلِمٍ) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ يَسْتَسْقِي فَدَعَا، وَاسْتَقْبَلَ
الْقِبْلَةَ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. قَالَ
أَصْحَابُنَا: وَإِذَا كَثُرَتِ الْأَمْطَارُ وَتَضَرَّرَتْ بِهَا
الْمَسَاكِنُ وَالزُّرُوعُ، فَالسُّنَّةُ أَنْ يَسْأَلُوا اللَّهَ تَعَالَى
دَفْعَهُ (اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا) . قَالَ الشَّافِعِيُّ
وَالْأَصْحَابُ: وَلَا يُشْرَعُ لِذَلِكَ صَلَاةٌ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ
يَبْرُزَ لِأَوَّلِ مَطَرٍ يَقَعُ فِي السَّنَةِ وَيَكْشِفَ مِنْ بَدَنِهِ
مَا عَدَا عَوْرَتَهُ لِيُصِيبَهُ الْمَطَرُ، وَأَنْ يَغْتَسِلَ فِي
الْوَادِي إِذَا سَالَ، أَوْ يَتَوَضَّأَ، وَيُسَبِّحَ عِنْدَ الرَّعْدِ
وَالْبَرْقِ، وَلَا يُتْبِعَ بَصَرَهُ الْبَرْقَ. وَالسُّنَّةُ أَنْ
يَقُولَ عِنْدَ نُزُولِ الْمَطَرِ: (اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا) رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ فِي (صَحِيحِهِ) . وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ: (سَيِّبًا
نَافِعًا) مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَيُسْتَحَبُّ الْجَمْعُ
بَيْنَهُمَا. وَقَدْ أَوْضَحْتُ ذَلِكَ مَعَ زَوَائِدَ وَنَفَائِسَ
تَتَعَلَّقُ بِهِ فِي كِتَابِ (الْأَذْكَارِ) الَّذِي لَا يَسْتَغْنِي
مُتَدَيِّنٌ عَنْ مَعْرِفَةِ مِثْلِهِ. وَيُكْرَهُ سَبُّ الرِّيحِ، فَإِنْ
كَرِهَهَا، سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى الْخَيْرَ، وَاسْتَعَاذَ مِنَ
الشَّرِّ. وَفِي (صَحِيحِ مُسْلِمٍ) أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
[كَانَ] إِذَا عَصَفَتِ الرِّيحُ قَالَ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ
خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وَأَعُوذُ
بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا فِيهَا، وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ)
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ الْمَطَرِ: (مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ
وَرَحْمَتِهِ) . وَيُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ عِنْدَ نُزُولِ الْمَطَرِ،
وَيَشْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهِ. وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ: مُطِرْنَا
بِنَوْءِ كَذَا، فَإِنِ اعْتَقَدَ أَنَّ النَّوْءَ هُوَ الْمُمْطِرُ
الْفَاعِلُ حَقِيقَةً، كَفَرَ فَصَارَ مُرْتَدًّا. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
(2/95)
|