روضة الطالبين وعمدة المفتين ط المكتب الإسلامي

بَابُ حُكْمِ تَأْخِيرِ الزَّكَاةِ
إِذَا تَمَّ حَوْلُ الْمَالِ الَّذِي يُشْتَرَطُ فِي زَكَاتِهِ الْحَوْلُ وَتَمَكَّنَ مِنَ الْأَدَاءِ، وَجَبَ عَلَى الْفَوْرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. فَإِنْ أَخَّرَ، عَصَى وَدَخَلَ فِي ضَمَانِهِ. فَلَوْ تَلِفَ الْمَالُ بَعْدَ ذَلِكَ لَزِمَهُ الضَّمَانُ، سَوَاءٌ تَلِفَ بَعْدَ مُطَالَبَةِ السَّاعِي أَوِ الْفُقَرَاءِ أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ. وَلَوْ تَلِفَ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَإِنْ أَتْلَفَهُ الْمَالِكُ لَزِمَهُ الضَّمَانُ. وَإِنْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ، بُنِيَ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ التَّمَكُّنَ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ أَوْ فِي الضَّمَانِ. إِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ، فَلَا زَكَاةَ، وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي، وَقُلْنَا: الزَّكَاةُ تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ - فَلَا زَكَاةَ، وَإِنْ قُلْنَا: تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ، انْتَقَلَ حَقُّ الْمُسْتَحِقِّينَ إِلَى الْقِيمَةِ، كَمَا إِذَا قَتَلَ الْعَبْدَ الْجَانِيَ أَوِ الْمَرْهُونَ، يَنْتَقِلُ الْحَقُّ إِلَى الْقِيمَةِ.
فَرْعٌ
إِمْكَانُ الْأَدَاءِ شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ قَطْعًا، وَهَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ أَيْضًا؟ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَالثَّانِي: شَرْطٌ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ، وَاحْتَجُّوا لِلْأَظْهَرِ بِأَنَّهُ لَوْ تَأَخَّرَ الْإِمْكَانُ فَابْتَدَأَ الْحَوْلُ الثَّانِي، يُحْسَبُ مِنْ تَمَامِ الْأَوَّلِ لَا مِنْ (حُصُولِ) الْإِمْكَانِ.
فَرْعٌ
الْأَوْقَاصُ الَّتِي بَيْنَ النُّصُبِ فِيهَا قَوْلَانِ، أَظْهَرُهُمَا أَنَّهَا عَفْوُ، وَالْفَرْضُ

(2/223)


يَتَعَلَّقُ بِالنِّصَابِ خَاصَّةً.
وَالثَّانِي: يَنْبَسِطُ الْفَرْضُ عَلَيْهَا وَعَلَى النِّصَابِ، فَإِذَا مَلَكَ تِسْعًا مِنَ الْإِبِلِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ، عَلَيْهِ شَاةٌ فِي خَمْسٍ مِنْهَا، لَا بِعَيْنِهَا، وَعَلَى الثَّانِي: الشَّاةُ وَاجِبَةٌ فِي الْجَمِيعِ. قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: الْوَجْهُ عِنْدِي أَنْ تَكُونَ الشَّاةُ مُتَعَلِّقَةً بِالْجَمِيعِ قَطْعًا، وَأَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي أَنَّ الْوَقَصَ إِنَّمَا يُجْعَلُ وِقَايَةً لِلنِّصَابِ، كَمَا يُجْعَلُ الرِّبْحُ فِي الْقِرَاضِ وِقَايَةً لِرَأْسِ الْمَالِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ حَسَنٌ، لَكِنَّ الْمَذْهَبَ الْمَشْهُورَ مَا قَدَّمْنَاهُ.
فَرْعٌ
لَوْ تَمَّ الْحَوْلُ عَلَى خَمْسٍ مِنَ الْإِبِلِ، فَتَلِفَ وَاحِدٌ قَبْلَ التَّمَكُّنِ، فَلَا زَكَاةَ لِلتَّالِفِ، وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ، فَإِنْ قُلْنَا: التَّمَكُّنُ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ، فَلَا شَيْءَ فِيهَا، وَإِنْ قُلْنَا: لِلضَّمَانِ فَقَطْ وَجَبَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ شَاةٍ. وَلَوْ تَلِفَ أَرْبَعٌ، فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا شَيْءَ، وَعَلَى الثَّانِي: يَجِبُ خُمُسُ شَاةٍ، وَلَوْ مَلَكَ ثَلَاثِينَ مِنَ الْبَقَرِ، فَتَلِفَ خَمْسٌ قَبْلَ الْإِمْكَانِ وَبَعْدَ الْحَوْلِ، فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ، فَلَا شَيْءَ، وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي، وَجَبَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ تَبِيعٍ، وَلَوْ تَمَّ الْحَوْلُ عَلَى تِسْعٍ مِنَ الْإِبِلِ، فَتَلِفَ أَرْبَعٌ قَبْلَ التَّمَكُّنِ، فَإِنْ قُلْنَا: الْإِمْكَانُ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ، فَعَلَيْهِ شَاةٌ، وَإِنْ قُلْنَا: لِلضَّمَانِ وَالْوَقَصُ عَفْوٌ، فَشَاةٌ أَيْضًا، وَإِنْ قُلْنَا: يَنْبَسِطُ، فَالصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ: يَجِبُ خَمْسَةُ أَتْسَاعِ شَاةٍ، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: يَجِبُ شَاةٌ كَامِلَةٌ. وَلَوْ كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا، وَتَلِفَتْ خَمْسٌ، فَإِنْ قُلْنَا: الْإِمْكَانُ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ، فَلَا شَيْءَ، وَإِنْ قُلْنَا: لِلضَّمَانِ، وَقُلْنَا: الْوَقَصُ عَفْوٌ، فَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ شَاةٍ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْبَسْطِ، فَأَرْبَعَةُ أَتْسَاعِ شَاةٍ، وَلَا يَجِيءُ وَجْهُ أَبِي إِسْحَاقَ. وَلَوْ مَلَكَ ثَمَانِينَ مِنَ الْغَنَمِ، فَتَلِفَ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ أَرْبَعُونَ، فَإِنْ قُلْنَا: التَّمَكُّنُ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ أَوْ لِلضَّمَانِ، وَالْوَقَصُ عَفْوٌ - فَعَلَيْهِ شَاةٌ، وَإِنْ قُلْنَا بِالضَّمَانِ وَالْبَسْطِ، فَنِصْفُ شَاةٍ، وَعَلَى وَجْهِ أَبِي إِسْحَاقَ: شَاةٌ.

(2/224)


فَرْعٌ
إِمْكَانُ الْأَدَاءِ، لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مُجَرَّدَ تَمَكُّنِهِ مِنْ إِخْرَاجِ الزَّكَاةِ، بَلْ يُعْتَبَرُ مَعَهُ وُجُوبُ الْإِخْرَاجِ، وَذَلِكَ بِأَنْ تَجْتَمِعَ شَرَائِطُهُ.
فَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الْمَالُ حَاضِرًا عِنْدَهُ، فَإِنْ كَانَ غَائِبًا، لَمْ يَجِبِ الْإِخْرَاجُ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ وَإِنْ جَوَّزْنَا نَقْلَ الزَّكَاةِ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَجِدَ الْمَصْرُوفَ إِلَيْهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَمْوَالَ ظَاهِرَةٌ وَبَاطِنَةٌ، فَالْبَاطِنَةُ يَجُوزُ صَرْفُ زَكَاتِهَا إِلَى السُّلْطَانِ وَنَائِبِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَهَا بِنَفْسِهِ، فَيَكُونُ وَاجِدًا لِلْمَصْرُوفِ إِلَيْهِ، سَوَاءٌ وَجَدَ أَهْلَ السُّهْمَانِ، أَوِ الْإِمَامَ، أَوْ نَائِبَهُ، يُفَرِّقُهَا، وَأَمَّا الْأَمْوَالُ الظَّاهِرَةُ فَكَذَلِكَ إِنْ جَوَّزْنَا تَفْرِقَتَهَا بِنَفْسِهِ، وَإِلَّا فَلَا إِمْكَانَ حَتَّى يَجِدَ الْإِمَامَ أَوْ نَائِبَهُ، وَإِذَا وَجَدَ مَنْ يَجُوزُ الصَّرْفُ إِلَيْهِ فَأَخَّرَ لِطَلَبِ الْأَفْضَلِ، بِأَنْ وَجَدَ الْإِمَامَ أَوْ نَائِبَهُ فَأَخَّرَ لِيُفَرِّقَ بِنَفْسِهِ حَيْثُ قُلْنَا: إِنَّهُ أَفْضَلُ، أَوْ وَجَدَ أَهْلَ السُّهْمَانِ، فَأَخَّرَ لِيَدْفَعَ إِلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، حَيْثُ قُلْنَا: إِنَّهُ أَفْضَلُ، أَوْ أَخَّرَ لِانْتِظَارِ قَرِيبٍ أَوْ جَارٍ، أَوْ مَنْ هُوَ أَحْوَجُ - فَفِي التَّأْخِيرِ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: جَوَازُهُ، فَعَلَى هَذَا لَوْ أَخَّرَ فَتَلِفَ كَانَ ضَامِنًا فِي الْأَصَحِّ. قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: الْوَجْهَانِ لَهُمَا شَرْطَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يَظْهَرَ اسْتِحْقَاقُ الْحَاضِرِينَ، فَإِنْ تَرَدَّدَ فِي اسْتِحْقَاقِهِمْ فَأَخَّرَ لِيَتَرَوَّى، جَازَ بِلَا خِلَافٍ، وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَشْتَدَّ ضَرَرُ الْحَاضِرِينَ وَفَاقَتُهُمْ، فَإِنْ تَضَرَّرُوا بِالْجُوعِ، لَمْ يَجُزِ التَّأْخِيرُ لِلْقَرِيبِ وَشَبَهِهِ بِلَا خِلَافٍ، وَفِي هَذَا الشَّرْطِ الثَّانِي نَظَرٌ، فَإِنَّ إِشْبَاعَهُمْ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَى هَذَا الشَّخْصِ، وَلَا مِنْ هَذَا الْمَالِ، وَلَا مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ.
قُلْتُ: هَذَا النَّظَرُ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَغَيْرُهُ: وَيُشْتَرَطُ فِي إِمْكَانِ الْأَدَاءِ أَنْ لَا يَكُونُ مُشْتَغِلًا بِشَيْءٍ يُهِمُّهُ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ أَوْ دُنْيَاهُ.

(2/225)


فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِالْمَالِ
قَالَ الْجُمْهُورُ: فِيهِ قَوْلَانِ. الْقَدِيمُ: يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ، وَالْجَدِيدُ الْأَظْهَرُ: بِالْعَيْنِ، وَيَصِيرُ الْمَسَاكِينُ شُرَكَاءَ لِرَبِّ الْمَالِ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ. هَكَذَا صَحَّحَهُ الْجُمْهُورُ، وَزَادَ آخَرُونَ قَوْلًا ثَالِثًا أَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بِالْمَرْهُونِ، وَقَوْلًا رَابِعًا: تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ تَعَلُّقَ الْأَرْشِ بِرَقَبَةِ الْجَانِي، وَمِمَّنْ زَادَ الْقَوْلَيْنِ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ. وَأَمَّا الْعِرَاقِيُّونَ وَالصَّيْدَلَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالْجُمْهُورُ، فَجَعَلُوا قَوْلَ الذِّمَّةِ وَتَعَلُّقَ الدَّيْنِ بِالْمَرْهُونِ شَيْئًا وَاحِدًا، فَقَالُوا: تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ، وَالْمَالُ مُرْتَهَنٌ بِهَا، وَجَمَعَ صَاحِبُ «التَّتِمَّةِ» بَيْنَ الطَّرِيقَيْنِ، فَحَكَى وَجْهَيْنِ، فِي أَنَّا إِذَا قُلْنَا: تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ، فَهَلِ الْمَالُ خُلُوٌّ، أَمْ هُوَ رَهْنٌ بِهَا؟ وَإِذَا قُلْنَا كَتَعَلُّقِ الرَّهْنِ إِمَّا قَوْلًا بِرَأْسِهِ وَإِمَّا جُزْءًا مِنْ قَوْلِ الذِّمَّةِ، فَهَلْ يُجْعَلُ جَمِيعُ الْمَالِ مَرْهُونًا بِهَا، أَمْ يُخَصُّ قَدْرُ الزَّكَاةِ بِالرَّهْنِ؟ وَجْهَانِ، وَكَذَا إِذَا قُلْنَا: كَتَعَلُّقِ الْأَرْشِ، فَهَلْ يَتَعَلَّقُ بِالْجَمِيعِ، أَمْ بِقَدْرِهَا؟ فِيهِ الْوَجْهَانِ.
قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَالتَّخْصِيصُ بِقَدْرِ الزَّكَاةِ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ، وَمَا عَدَاهُ هَفْوَةٌ. هَذَا كُلُّهُ إِذَا كَانَ الْوَاجِبُ مِنْ جِنْسِ الْمَالِ. أَمَّا إِذَا كَانَ مِنْ غَيْرِهِ، كَالشَّاةِ الْوَاجِبَةِ فِي الْإِبِلِ، فَطَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: الْقَطْعُ بِتَعَلُّقِهَا بِالذِّمَّةِ، وَأَصَحُّهُمَا أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ، فَعَلَى الِاسْتِئْنَافِ لَا يَخْتَلِفُ، وَعَلَى الشَّرِكَةِ يُشَارِكُونَ بِقِيمَةِ الشَّاةِ.

(2/226)


فَرْعٌ
إِذَا بَاعَ مَالَ الزَّكَاةِ بَعْدَ الْحَوْلِ قَبْلَ إِخْرَاجِهَا، فَإِنْ بَاعَ جَمِيعَهُ فَهَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ؟ يُبْنَى عَلَى الْأَقْوَالِ. فَإِنْ قُلْنَا: الزَّكَاةُ فِي الذِّمَّةِ وَالْمَالُ خُلُوٌ مِنْهَا، صَحَّ، وَإِنْ قُلْنَا: مَرْهُونٌ فَقَوْلَانِ، أَظْهَرُهُمَا عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ: يَصِحُّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعَلَقَةَ، تَثْبُتُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الْمَالِكِ، وَلَيْسَتْ لِمُعَيَّنٍ، فَسُومِحَ فِيهَا بِمَا لَا يُسَامَحُ بِهِ فِي الرَّهْنِ، وَإِنْ قُلْنَا بِالشَّرِكَةِ فَطَرِيقَانِ، أَحَدُهُمَا: الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ، وَأَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ أَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ: فِي صِحَّتِهِ قَوْلَانِ، أَظْهَرُهُمَا وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَعَامَّةُ الْمُتَأَخِّرِينَ: الْبَطَلَانُ، وَإِنْ قُلْنَا تَعَلُّقَ الْأَرْشِ فَفِي صِحَّتِهِ الْقَوْلَانِ فِي بَيْعِ الْجَانِي، فَإِنْ صَحَّحْنَاهُ صَارَ الْبَيْعُ مُلْتَزِمًا لِلْفِدَاءِ، وَمَتَى حَكَمْنَا بِالصِّحَّةِ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ، فَمَا سِوَاهُ أَوْلَى، وَمَتَى حَكَمْنَا فِيهِ بِالْبُطْلَانِ، فَهَلْ يَبْطُلُ فِيمَا سِوَاهُ؟ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الشَّرِكَةِ فَفِيمَا سِوَاهُ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وَإِنْ قُلْنَا بِالِاسْتِيثَاقِ فِي الْجَمِيعِ، بَطَلَ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ، وَإِنْ قُلْنَا بِالِاسْتِيثَاقِ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ، فَفِي الزَّائِدِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وَحَيْثُ مَنَعْنَا الْبَيْعُ، وَكَانَ الْمَالُ ثَمَرَةً، فَذَلِكَ قَبْلَ الْخَرْصِ، فَأَمَّا بَعْدَهُ فَلَا مَنْعَ إِنْ قُلْنَا: الْخَرْصُ تَضْمِينٌ.
وَالْحَاصِلُ مِنْ جَمِيعِ هَذَا الْخِلَافِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، أَحَدُهَا: الْبُطْلَانُ فِي الْجَمِيعِ، وَالثَّانِي: الصِّحَّةُ فِي الْجَمِيعِ، وَأَظْهَرُهَا الْبُطْلَانُ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ، وَالصِّحَّةُ فِي الْبَاقِي. فَإِنْ صَحَّحْنَا الْبَيْعَ فِي الْجَمِيعِ، نُظِرَ، إِنْ أَدَّى الْبَائِعُ الزَّكَاةَ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ، فَذَلِكَ، وَإِلَّا فَلِلسَّاعِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْ عَيْنِ الْمَالِ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي قَدْرَ الزَّكَاةِ عَلَى جَمِيعِ الْأَقْوَالِ بِلَا خِلَافٍ. فَإِنَّ أَخَذَ، انْفَسَخَ الْبَيْعُ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ، وَهَلْ يَنْفَسِخُ فِي الْبَاقِي؟ فِيهِ الْخِلَافُ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الدَّوَامِ. فَإِنْ قُلْنَا: يَنْفَسِخُ

(2/227)


اسْتَرَدَّ الثَّمَنَ، وَإِلَّا فَلَهُ الْخِيَارُ إِنْ كَانَ جَاهِلًا، فَإِنْ فُسِخَ فَذَاكَ، وَإِنْ أَجَازَ فِي الْبَاقِي فَيَأْخُذُهُ بِقِسْطِهِ مِنَ الثَّمَنِ، أَمْ بِالْجَمِيعِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: بِقِسْطِهِ، وَلَوْ لَمْ يَأْخُذِ السَّاعِي الْوَاجِبَ مِنْهُ، وَلَمْ يُؤَدِّ الْبَائِعُ الزَّكَاةَ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ، فَالْأَصَحُّ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارَ إِذَا عَلِمَ الْحَالَ، وَالثَّانِي: لَا خِيَارَ لَهُ. فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ، فَأَدَّى الْبَائِعُ الْوَاجِبَ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ، فَهَلْ يَسْقُطُ الْخِيَارُ؟ وَجْهَانِ. الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَسْقُطُ كَمَا لَوِ اشْتَرَى مَعِيبًا فَزَالَ عَيْبُهُ قَبْلَ الرَّدِّ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ، وَالثَّانِي: لَا يَسْقُطُ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُخْرِجَ مَا دَفَعَهُ إِلَى السَّاعِي مُسْتَحَقًّا، فَيَرْجِعُ السَّاعِي إِلَى عَيْنِ الْمَالِ، وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِيمَا إِذَا بَاعَ السَّيِّدُ الْجَانِيَ ثُمَّ فَدَاهُ، هَلْ يَبْقَى لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ؟ أَمَّا إِذَا أَبْطَلْنَا الْبَيْعَ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ وَصَحَّحْنَاهُ فِي الْبَاقِي، فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ فِي الْبَاقِي وَإِجَازَتِهِ، وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِأَدَاءِ الْبَائِعِ الزَّكَاةَ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ، وَإِذْ أَجَازَ فَيُجِيزُ بِقِسْطِهِ أَمْ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ؟ فِيهِ الْقَوْلَانِ الْمُقَدَّمَانِ، وَقَطَعَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ، بِأَنَّهُ يُجِيزُ بِالْجَمِيعِ فِي الْمَوَاشِي، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ.
هَذَا كُلُّهُ إِذَا بَاعَ جَمِيعَ الْمَالِ، فَإِنْ بَاعَ بَعْضَهُ، فَإِنْ لَمْ يَبْقَ قَدْرُ الزَّكَاةِ - فَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَ الْجَمِيعَ، وَإِنْ بَقِيَ قَدْرُ الزَّكَاةِ إِمَّا بِنِيَّةِ صَرْفِهِ إِلَى الزَّكَاةِ وَإِمَّا بِغَيْرِهَا، فَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى قَوْلِ الشَّرِكَةِ، فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَجْهَانِ. قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: أَقْيَسُهُمَا: الْبُطْلَانُ، وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى كَيْفِيَّةِ ثُبُوتِ الشَّرِكَةِ، وَفِيهَا وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا أَنَّ الزَّكَاةَ شَائِعَةٌ فِي الْجَمِيعِ، مُتَعَلِّقَةٌ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الشِّيَاهِ بِالْقِسْطِ، وَالثَّانِي أَنَّ مَحَلَّ الِاسْتِحْقَاقِ قَدْرُ الْوَاجِبِ، وَيَتَعَيَّنُ بِالْإِخْرَاجِ.
أَمَّا إِذَا فَرَّعْنَا عَلَى قَوْلِ الرَّهْنِ، فَيُبْنَى عَلَى أَنَّ الْجَمِيعَ مَرْهُونٌ أَمْ قَدْرُ الزَّكَاةِ فَقَطْ؟ فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا يَصِحُّ، وَعَلَى الثَّانِي: يَصِحُّ، وَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى تَعَلُّقِ الْأَرْشِ، فَإِنْ صَحَّحْنَا بَيْعَ الْجَانِي صَحَّ هَذَا الْبَيْعُ، وَإِلَّا فَالتَّفْرِيعُ، كَالتَّفْرِيعِ عَلَى قَوْلِ الرَّهْنِ. وَجَمِيعُ مَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ فِي بَيْعِ الْمَالِ الَّذِي تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ. فَأَمَّا بَيْعُ مَالِ التِّجَارَةِ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، فَسَيَأْتِي فِي بَابِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(2/228)


فَرْعٌ
إِذَا مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً، فَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، وَلَمْ يُخْرِجْ زَكَاتَهَا حَتَّى حَالَ آخَرُ، فَإِنْ حَدَثَ مِنْهَا فِي كُلِّ حَوْلٍ سَخْلَةٌ فَصَاعِدًا، فَعَلَيْهِ لِكُلِّ حَوْلٍ شَاةٌ بِلَا خِلَافٍ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ شَاةٌ عَنِ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا الثَّانِي: فَإِنْ قُلْنَا: تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الذِّمَّةِ، وَكَانَ يَمْلِكُ سِوَى الْغَنَمِ مَا يَفِي بِشَاةٍ - وَجَبَ شَاةٌ لِلْحَوْلِ الثَّانِي، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا غَيْرَ النَّصَّابِ، يُبْنَى عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ أَمْ لَا؟ إِنْ قُلْنَا: يَمْنَعُ لَمْ يَجِبْ لِلْحَوْلِ الثَّانِي شَيْءٌ وَإِلَّا وَجَبَتْ شَاةٌ، وَإِنْ قُلْنَا: يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ تَعَلُّقَ الشَّرِكَةِ لَمْ يَجِبْ لِلْحَوْلِ الثَّانِي شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمَسَاكِينَ مَلَكُوا شَاةً نَقَصَ بِهَا النِّصَابُ، وَلَا تَجِبُ زَكَاةُ الْخُلْطَةِ؛ لِأَنَّ الْمَسَاكِينَ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ، فَمُخَالَطَتُهُمْ كَمُخَالَطَةِ الْمُكَاتَبِ وَالذِّمِّيِّ، وَإِنْ قُلْنَا: يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ تَعَلُّقَ الرَّهْنِ أَوِ الْأَرْشِ، قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: فَهُوَ كَالتَّفْرِيعِ عَلَى قَوْلِ الذِّمَّةِ، وَقَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ: هُوَ كَقَوْلِ الشَّرِكَةِ، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ، لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يُفْرَضَ خِلَافٌ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ مِنْ جِهَةِ تَسَلُّطِ الْغَيْرِ عَلَيْهِ وَإِنْ قُلْنَا: الدَّيْنُ لَا يَمْنَعُ الزَّكَاةَ. وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَجْرِي الْخِلَافُ عَلَى قَوْلِ الذِّمَّةِ، أَيْضًا. وَلَوْ مَلَكَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ مِنَ الْإِبِلِ حَوْلَيْنِ وَلَا نِتَاجَ، فَإِنْ عَلَّقْنَا الزَّكَاةَ بِالذِّمَّةِ وَقُلْنَا: الدَّيْنُ لَا يَمْنَعُهَا، أَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ آخَرُ يَفِي بِهَا - فَعَلَيْهِ بِنْتَا مَخَاضٍ، وَإِنْ قُلْنَا بِالشَّرِكَةِ فَعَلَيْهِ لِلْحَوْلِ الْأَوَّلِ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَلِلثَّانِي: أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَتَفْرِيعُ الْأَرْشِ وَالرَّهْنِ عَلَى قِيَاسِ مَا سَبَقَ. وَلَوْ مَلَكَ خَمْسًا مِنَ الْإِبِلِ حَوْلَيْنِ بِلَا نِتَاجٍ فَالْحُكْمُ كَمَا فِي الصُّورَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ. لَكِنْ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مِنَ الْأَصْحَابِ مَنْ لَمْ يُثْبِتْ قَوْلَ الشَّرِكَةِ إِذَا كَانَ الْوَاجِبُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْأَصْلِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْحُكْمُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مُطْلَقًا كَالْحُكْمِ فِي الْأُولَيَيْنِ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِ الذِّمَّةِ، وَالْمَذْهَبُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ مِنْ جِنْسِ الْمَالِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ؛ وَلِهَذَا يَجُوزُ لِلسَّاعِي أَنْ يَبِيعَ جُزْءًا مِنَ الْإِبِلِ فِي الشِّيَاهِ، فَدَلَّ عَلَى تَعَلُّقِ الْحَقِّ بِعَيْنِهَا.

(2/229)


فَرْعٌ
إِذَا رَهَنَ مَالَ الزَّكَاةِ، فَتَارَةً يَرْهَنُهُ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوَلِ، وَتَارَةً قَبْلَهُ، فَإِنْ رَهَنَهُ بَعْدَ الْحَوَلِ فَالْقَوْلُ فِي صِحَّةِ الرَّهْنِ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ كَالْقَوْلِ فِي صِحَّةِ بَيْعِهِ، فَيَعُودُ فِيهِ جَمِيعُ مَا قَدَّمْنَاهُ، فَإِذَا صَحَّحْنَا فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ فَمَا زَادَ أَوْلَى، وَإِنْ أَبْطَلْنَاهُ فِيهِ فَالْبَاقِي يُرَتَّبُ عَلَى الْبَيْعِ؛ إِنْ صَحَّحْنَاهُ فَالرَّهْنُ أَوْلَى، وَإِلَّا فَقَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الرَّهْنِ إِذَا جَمَعَ حَلَالًا وَحَرَامًا، فَإِذَا صَحَّحْنَا الرَّهْنَ فِي الْجَمِيعِ فَلَمْ يُؤَدِّ الزَّكَاةَ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ فَلِلسَّاعِي أَخْذُهَا مِنْهُ. فَإِذَا أَخَذَ انْفَسَخَ الرَّهْنُ فِيهِ، وَفِي الْبَاقِي الْخِلَافُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ، وَإِذَا أَبْطَلْنَاهُ فِي الْجَمِيعِ أَوْ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ، وَكَانَ الرَّهْنُ مَشْرُوطًا فِي بَيْعِهِ، فَفِي فَسَادِ الْبَيْعِ قَوْلَانِ، فَإِنْ لَمْ يَفْسَدْ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ، وَلَا يَسْقُطْ خِيَارُهُ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ، أَمَّا إِذَا رَهَنَ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ فَتَمَّ، فَفِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ خِلَافٌ قَدَّمْنَاهُ، وَالرَّهْنُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِدَيْنٍ، وَفِي كَوْنِ الدَّيْنِ مَانِعًا مِنَ الزَّكَاةِ الْخِلَافُ الْمَعْرُوفُ، فَإِنْ قُلْنَا: الرَّهْنُ لَا يَمْنَعُ الزَّكَاةَ، وَقُلْنَا: الدَّيْنُ لَا يَمْنَعُ أَيْضًا، أَوْ قُلْنَا: يَمْنَعُ، فَكَانَ لَهُ مَالٌ آخَرُ يَفِي بِالدَّيْنِ - وَجَبَتِ الزَّكَاةُ، وَإِلَّا فَلَا. ثُمَّ إِنْ لَمْ يَمْلِكِ الرَّاهِنُ مَالًا آخَرَ أُخِذَتِ الزَّكَاةُ مِنْ عَيْنِ الْمَرْهُونِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُ عَلَى الثَّانِي. فَعَلَى الْأَصَحِّ: لَوْ كَانَتِ الزَّكَاةُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَالِ كَالشَّاةِ مِنَ الْإِبِلِ - بِيعَ جُزْءٌ مِنَ الْمَالِ فِيهَا. وَقِيلَ: الْخِلَافُ فِيمَا إِذَا كَانَ الْوَاجِبُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَالِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ أُخِذَ مِنَ الْمَرْهُونِ قَطْعًا، ثُمَّ إِذَا أُخِذَتِ الزَّكَاةُ مِنْ عَيْنِ الْمَرْهُونِ فَأَيْسَرَ الرَّاهِنُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَهَلْ يُؤْخَذُ مِنْهُ قَدْرُهَا لِيَكُونَ رَهْنًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ؟ إِنْ عَلَّقْنَا الزَّكَاةَ بِالذِّمَّةِ، أُخِذَ، وَإِلَّا فَلَا عَلَى الْأَصَحِّ. فَإِذَا قُلْنَا بِالْأَخْذِ، وَكَانَ النَّصَّابُ مِثْلِيًّا، أُخِذَ الْمِثْلُ، وَإِلَّا فَالْقِيمَةُ عَلَى قَاعِدَةِ الْغَرَامَاتِ. أَمَّا إِذَا مَلَكَ مَالًا آخَرَ،

(2/230)


فَالْمَذْهَبُ وَالَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ الزَّكَاةَ تُؤْخَذُ مِنْ سَائِرِ أَمْوَالِهِ، وَلَا تُؤْخَذُ مِنْ عَيْنِ الْمَرْهُونِ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: تُؤْخَذُ مِنْ عَيْنِهِ إِنْ عَلَّقْنَاهَا بِالْعَيْنِ، وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ، كَمَا لَا يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ فِدَاءُ الْمَرْهُونِ إِذَا جَنَى.