روضة
الطالبين وعمدة المفتين ط المكتب الإسلامي كِتَابُ الشَّرِكَةِ
كُلُّ حَقٍّ ثَابِتٍ بَيْنَ شَخْصَيْنِ فَصَاعِدًا عَلَى الشُّيُوعِ،
يُقَالُ: هُوَ مُشْتَرَكٌ وَذَلِكَ يَنْقَسِمُ إِلَى مَا لَا يَتَعَلَّقُ
بِمَالٍ، كَالْقِصَاصِ، وَحَدِّ الْقَذْفِ، وَمَنْفَعَةِ كَلْبِ الصَّيْدِ،
وَنَحْوِهِ، وَإِلَى مُتَعَلِّقٍ بِمَالٍ، وَذَلِكَ إِمَّا عَيْنُ مَالٍ
وَمَنْفَعَتِهِ، كَمَا لَوْ غَنِمُوا مَالًا أَوْ وَرِثُوهُ أَوِ
اشْتَرَوْهُ. وَإِمَّا مُجَرَّدُ مَنْفَعَةٍ، كَمَا لَوِ اسْتَأْجَرُوا
عَبْدًا، أَوْ وُصَّى لَهُمْ بِمَنْفَعَتِهِ. وَإِمَّا مُجَرَّدُ
الْعَيْنِ، كَمَا لَوْ وَرِثُوا عَبْدًا مُوصَى بِمَنَافِعِهِ. وَإِمَّا
حَقٌّ يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى مَالٍ، كَالشُّفْعَةِ الثَّابِتَةِ
لِجَمَاعَةٍ. وَالشَّرِكَةُ قَدْ تَحْدُثُ بِلَا اخْتِيَارٍ كَالْإِرْثِ،
وَبِاخْتِيَارٍ كَالشِّرَاءِ، وَهَذَا مَقْصُودُ الْكِتَابِ. وَالشَّرِكَةُ
أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ.
الْأَوَّلُ: شَرِكَةُ الْعِنَانِ، وَلَهَا ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ.
الْأَوَّلُ: الْعَاقِدَانِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِمَا أَهْلِيَّةُ
التَّوْكِيلِ وَالتَّوَكُّلِ. وَتُكْرَهُ مُشَارَكَةُ الذِّمِّيِّ، وَمَنْ
لَا يَحْتَرِزُ مِنَ الرِّبَا وَنَحْوِهِ. الثَّانِي: الصِّيغَةُ، وَلَا
بُدَّ مِنْ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى الْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ
وَالتَّصَرُّفِ. فَإِنْ أَذِنَ كُلُّ وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ صَرِيحًا،
فَذَاكَ. فَلَوْ قَالَا: اشْتَرَكْنَا، وَاقْتَصَرَا عَلَيْهِ، لَمْ يَكْفِ
ذَلِكَ، لِتَسَلُّطِهِمَا عَلَى التَّصَرُّفِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ عَلَى
الْأَصَحِّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ. وَلَوْ أَذِنَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ
فِي التَّصَرُّفِ فِي الْجَمِيعِ، وَلَمْ يَأْذَنِ الْآخَرُ، تَصَرَّفَ
الْمَأْذُونُ فِي جَمِيعِ الْمَالِ، وَلَمْ يَتَصَرَّفِ الْآخَرُ إِلَّا
فِي نَصِيبِهِ، وَكَذَا لَوْ أَذِنَ لِصَاحِبِهِ فِي التَّصَرُّفِ فِي
الْجَمِيعِ وَقَالَ، أَنَا لَا أَتَصَرَّفُ إِلَّا فِي نَصِيبِي. وَلَوْ
شَرَطَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ أَنْ لَا يَتَصَرَّفَ
(4/275)
فِي نَصِيبِهِ، لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ،
لِمَا فِيهِ مِنَ الْحَجْرِ عَلَى الْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ. ثُمَّ يَنْظُرُ
فِي الْمَأْذُونِ فِيهِ، فَإِنْ عَيَّنَ جِنْسًا، لَمْ يَتَصَرَّفِ
الْمَأْذُونُ فِي نَصِيبِ الْإِذْنِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْجِنْسِ. وَإِنْ
قَالَ: تَصَرَّفْ وَاتَّجِرْ فِيمَا شِئْتَ مِنْ أَجْنَاسِ الْمَالِ، جَازَ
عَلَى الصَّحِيحِ. وَفِي وَجْهٍ: لَا بُدَّ مِنَ التَّعْيِينِ.
قُلْتُ: وَلَوْ أَطْلَقَ الْإِذْنَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَا يَتَصَرَّفُ
فِيهِ، جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ كَالْقِرَاضِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
الثَّالِثُ: الْمَالُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ، وَفِيهِ مَسَائِلُ.
الْأُولَى: تَجُوزُ الشَّرِكَةُ فِي النَّقْدَيْنِ قَطْعًا، وَلَا تَجُوزُ
فِي الْمُتَقَوَّمَاتِ قَطْعًا. وَفِي الْمِثْلِيَّاتِ، قَوْلَانِ.
وَيُقَالُ: وَجْهَانِ، أَظْهَرُهُمَا: الْجَوَازُ. وَالْمُرَادُ
بِالنَّقْدَيْنِ، الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ الْمَضْرُوبَةُ. أَمَّا
التِّبْرُ وَالْحُلِيُّ وَالسَّبَائِكُ، فَأَطْلَقُوا مَنْعَ الشَّرِكَةِ
فِيهَا. وَيَجُوزُ أَنْ يُبْنَى عَلَى أَنَّ التِّبْرَ مِثْلِيٌّ أَمْ لَا،
وَفِيهِ خِلَافٌ يَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ
الْغَصْبِ. فَإِنْ جَعَلْنَاهُ مُتَقَوَّمًا، لَمْ تَجُزِ الشَّرِكَةُ،
وَإِلَّا فَعَلَى الْخِلَافِ فِي الْمِثْلِيِّ. وَأَمَّا الدَّرَاهِمُ
الْمَغْشُوشَةُ، فَقَالَ الرُّويَانِيُّ: لَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ فِيهَا.
وَحُكِيَ فِي «التَّتِمَّةِ» فِي صِحَّةِ الْقِرَاضِ عَلَيْهَا، خِلَافًا
مَبْنِيًّا عَلَى جَوَازِ الْمُعَامَلَةِ بِهَا، إِنْ جَوَّزْنَاهَا،
فَقَدْ أَلْحَقْنَا الْمَغْشُوشَ بِالْخَالِصِ، وَإِلَّا فَلَا. فَإِذَا
جَاءَ فِي الْقِرَاضِ خِلَافٌ، فَفِي الشَّرِكَةِ أَوْلَى. وَقَالَ صَاحِبُ
«الْعُدَّةِ» : الْفَتْوَى جَوَازُ الشَّرِكَةِ فِيهَا إِنِ اسْتَمَرَّ فِي
الْبَلَدِ رَوَاجُهَا.
قُلْتُ: هَذَا الْمَنْقُولُ عَنْ «الْعُدَّةِ» هُوَ الْأَصَحُّ. وَأَمَّا
قَوْلُهُ: أَطْلَقُوا مَنْعَ الشَّرِكَةِ فِي التِّبْرِ إِلَى آخِرِهِ،
فَعَجَبٌ، فَإِنَّ صَاحِبَ «التَّتِمَّةِ» حَكَى فِي انْعِقَادِ
الشَّرِكَةِ عَلَى التِّبْرِ وَالنُّقْرَةِ وَجْهَيْنِ كَالْمِثْلِيِّ.
وَالْمُرَادُ بِصَاحِبِ «الْعُدَّةِ» هُنَا، أَبُو الْمَكَارِمِ
الرُّويَانِيُّ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
(4/276)
ثُمَّ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ
مِنْ مَنْعِ الشَّرِكَةِ وَجَوَازِهَا، الْمُرَادُ بِهِ: إِذَا أَخْرَجَ
هَذَا قَدْرًا مِنْ مَالِهِ، وَذَاكَ قَدْرًا، وَجَعَلَاهُمَا رَأْسَ
مَالٍ. وَتُتَصَوَّرُ الشَّرِكَةُ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ فِي
جَمِيعِ الْأَمْوَالِ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إِذَا أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ قَدْرًا مِنَ
الْمَالِ الَّذِي تَجُوزُ الشَّرِكَةُ فِيهِ، وَأَرَادَ الشَّرِكَةَ،
اشْتُرِطَ خَلْطُ الْمَالَيْنِ خَلْطًا لَا يُمْكِنُ مَعَهُ التَّمْيِيزُ.
فَإِنْ لَمْ يَفْعَلَا، فَتَلِفَ مَالُ أَحَدِهِمَا قَبْلَ التَّصَرُّفِ،
تَلِفَ عَلَى صَاحِبِهِ فَقَطْ، وَتَعَذَّرَ إِثْبَاتُ الشَّرِكَةِ فِي
الْبَاقِي، فَلَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ إِنِ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ
كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، أَوِ الصِّفَةُ كَاخْتِلَافِ السَّكَّةِ،
وَكَالصِّحَاحِ وَالْمُكَسَّرَةِ، أَوِ الْمَثْقُوبَةِ، وَكَالْعَتِيقَةِ
وَالْجَدِيدَةِ، وَالْبَيْضَاءِ وَالسَّوْدَاءِ. وَفِي الْبِيضِ
وَالسُّودِ، وَجْهٌ عَنِ الْإِصْطَخْرِيِّ. وَإِذَا جَوَّزْنَا الشَّرِكَةَ
فِي الْمِثْلِيَّاتِ، وَجَبَ تَسَاوِيهِمَا جِنْسًا وَوَصْفًا، فَلَا
يَكْفِي خَلْطُ حِنْطَةٍ حَمْرَاءَ بِبَيْضَاءَ لِإِمْكَانِ التَّمْيِيزِ،
وَإِنْ كَانَ فِيهِ عُسْرٌ. وَفِي وَجْهٍ: يَكْفِي؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ
خَلْطًا. وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَقَدَّمَ الْخَلْطُ عَلَى الْعَقْدِ، فَإِنْ
تَأَخَّرَ، حَكَى فِي «التَّتِمَّةِ» وَجْهَيْنِ. أَصَحُّهُمَا: الْمَنْعُ،
إِذْ لَا اشْتِرَاكَ حَالَ الْعَقْدِ. وَالثَّانِي: الْجَوَازُ إِنْ وَقَعَ
فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ كَالْعَقْدِ. فَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْهُ،
لَمْ يَجُزْ عَلَى الْوَجْهَيْنِ. وَمَالَ الْإِمَامُ إِلَى جَوَازِهِ؛
لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَوْكِيلٌ، وَتَوَكُّلٌ. لَكِنْ لَوْ قَيَّدَ
الْإِذْنَ بِالتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ الْمُفْرَدِ، فَلَا بُدَّ مِنْ
تَجْدِيدِ الْإِذْنِ. وَلَوْ وَرِثُوا عُرُوضًا أَوِ اشْتَرَوْهَا، فَقَدْ
مَلَكُوهَا شَائِعَةً، وَذَلِكَ أَبْلَغُ مِنَ الْخَلْطِ. فَإِذَا انْضَمَّ
إِلَيْهِ الْإِذْنُ فِي التَّصَرُّفِ، تَمَّ الْعَقْدُ. وَلِهَذَا قَالَ
الْمُزَنِيُّ وَالْأَصْحَابُ: الْحِيلَةُ فِي الشَّرِكَةِ فِي الْعُرُوضِ
الْمُتَقَوَّمَةِ، أَنْ يَبِيعَ كُلُّ وَاحِدٍ نِصْفَ عَرْضِهِ بِنِصْفِ
عَرْضِ صَاحِبِهِ، سَوَاءٌ تَجَانَسَ الْعَرْضَانِ أَوِ اخْتَلَفَا،
لِيَصِيرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا،
فَيَتَقَابَضَانِ، وَيَأْذَنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فِي
التَّصَرُّفِ. وَقَالَ فِي «التَّتِمَّةِ» : يَصِيرُ الْعَرْضَانِ
مُشْتَرِكَيْنِ، وَيَمْلِكَانِ التَّصَرُّفَ فِيهِمَا بِالْإِذْنِ، لَكِنْ
لَا تَثْبُتُ أَحْكَامُ الشَّرِكَةِ فِي الثَّمَنِ حَتَّى يَسْتَأْنِفَا
عَقْدًا، وَهُوَ نَاضٌّ، وَمُقْتَضَى إِطْلَاقِ
(4/277)
الْجُمْهُورِ، ثُبُوتُ الشَّرِكَةِ
وَأَحْكَامِهَا مُطْلَقًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَلَوْ لَمْ يَتَبَايَعَا
الْعَرْضَيْنِ، لَكِنْ بَاعَاهُمَا بِعَرْضٍ أَوْ نَقْدٍ، فَفِي صِحَّةِ
الْبَيْعِ، قَوْلَانِ سَبَقَا. فَإِنْ صَحَّحْنَاهَا، كَانَ الثَّمَنُ
مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا عَلَى التَّسَاوِي أَوِ التَّفَاضُلِ بِحَسَبِ
قِيمَةِ الْعَرْضَيْنِ، فَيَأْذَنُ كُلُّ وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ فِي
التَّصَرُّفِ.
قُلْتُ: وَإِذَا بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ بَعْضَ عَرْضِهِ بِبَعْضِ عَرْضِ
صَاحِبِهِ، فَهَلْ يُشْتَرَطُ عِلْمُهُمَا بِقِيمَةِ الْعَرْضَيْنِ؟
وَجْهَانِ حَكَاهُمَا فِي «الْحَاوِي» . وَالصَّحِيحُ: لَا يُشْتَرَطُ.
وَمِنَ الْحِيَلِ فِي هَذَا أَنْ يَبِيعَ كُلُّ وَاحِدٍ بَعْضَ عَرْضِهِ
لِصَاحِبِهِ بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ، ثُمَّ يَتَقَاصَّا. - وَاللَّهُ
أَعْلَمُ -.
الثَّالِثَةُ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِي الْمَالَيْنِ
فِي الْقَدْرِ، بَلْ تَثْبُتُ الشَّرِكَةُ مَعَ التَّفَاوُتِ عَلَى
نِسْبَةِ الْمَالَيْنِ، وَقَالَ الْأَنْمَاطِيُّ: يُشْتَرَطُ، وَهُوَ
ضَعِيفٌ. وَهَلْ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ حَالَةَ الْعَقْدِ بِقَدْرِ
النَّصِيبَيْنِ بِأَنْ يَعْرِفَا أَنَّ الْمَالَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ،
أَوْ عَلَى نِسْبَةٍ أُخْرَى؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: لَا يُشْتَرَطُ
إِذَا أَمْكَنَ مَعْرِفَتُهُ مِنْ بُعْدٍ. وَمَأْخَذُ الْخِلَافِ أَنَّهُ
إِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مَالٌ مُشْتَرَكٌ، وَكُلُّ وَاحِدٍ يَجْهَلُ
حِصَّتَهُ، فَأَذِنَ كُلُّ وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ فِي التَّصَرُّفِ فِي كُلِّ
الْمَالِ أَوْ فِي نَصِيبِهِ، هَلْ يَصِحُّ الْإِذْنُ؟ وَجْهَانِ.
أَحَدُهُمَا: لَا، لِجَهْلِهِمَا. وَأَصَحُّهُمَا: نَعَمْ؛ لِأَنَّ
الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا. وَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْأَثْمَانُ
بَيْنَهُمَا مُبْهَمَةً كَالْمُثَمَّنَاتِ.
فَرْعٌ
لَوْ كَانَ لَهُمَا ثَوْبَانِ اشْتَبَهَا، لَمْ يَكْفِ ذَلِكَ لَعَقْدِ
الشَّرِكَةِ، فَإِنَّ الْمَالَيْنِ مُتَمَيِّزَانِ، لَكِنِ اشْتَبَهَا.
(4/278)
فَرْعٌ
قَالَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ: إِذَا جَوَّزْنَا
الشَّرِكَةَ فِي الْمِثْلِيَّاتِ، فَإِنِ اسْتَوَتِ الْقِيمَتَانِ، كَانَا
شَرِيكَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ. وَإِنِ اخْتَلَفَتَا، بِأَنْ كَانَ
لِأَحَدِهِمَا قَفِيزٌ قِيمَتُهُ مِائَةٌ، وَلِلْآخَرِ قَفِيزٌ قِيمَتُهُ
خَمْسُونَ، فَهُمَا شَرِيكَانِ مُثَالَثَةً، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى
قَطْعِ النَّظَرِ فِي الْمِثْلِيِّ عَنْ تَسَاوِي الْأَجْزَاءِ فِي
الْقِيمَةِ.
فَرْعٌ
لِأَحَدِهِمَا دَرَاهِمُ، وَلِلْآخَرِ دَنَانِيرُ، وَاشْتَرَيَا شَيْئًا
بِهِمَا، فَطَرِيقُهُ أَنْ يُقَوَّمَ مَا لَيْسَ بِنَقْدِ الْبَلَدِ
مِنْهُمَا بِمَا هُوَ نَقْدُهُ، فَإِنِ اسْتَوَتْ قِيمَتُهُمَا،
فَالشَّرِكَةُ عَلَى التَّسَاوِي، وَإِلَّا فَعَلَى الِاخْتِلَافِ.
النَّوْعُ الثَّانِي: شَرِكَةُ الْأَبْدَانِ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِكَ
الدَّلَّالَانِ أَوِ الْحَمَّالَانِ أَوْ غَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ
الْحِرَفِ عَلَى مَا يَكْسِبَانِ، لِيَكُونَ بَيْنَهُمَا مُتَسَاوِيًا أَوْ
مُتَفَاضِلًا، وَهِيَ بَاطِلَةٌ، سَوَاءٌ اتَّفَقَا فِي الصَّنْعَةِ، أَوِ
اخْتَلَفَا، كَالْخَيَّاطِ وَالنَّجَّارِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ
مُتَمَيِّزٌ بِبَدَنِهِ وَمَنَافِعِهِ فَاخْتُصَّ بِفَوَائِدِهِ، كَمَا
لَوِ اشْتَرَكَا فِي مَاشِيَتِهِمَا وَهِيَ مُتَمَيِّزَةٌ، لِيَكُونَ
الدَّرُّ وَالنَّسْلُ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ. وَفِي وَجْهٍ
ضَعِيفٍ: يَصِحُّ سَوَاءٌ اتَّفَقَتِ الصَّنْعَةُ أَمْ لَا.
قُلْتُ: هَذَا الْوَجْهُ، حَكَاهُ صَاحِبُ «الشَّامِلِ» وَغَيْرُهُ
قَوْلًا. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
فَإِذَا أَبْطَلْنَا فَاكْتَسَبَا، نُظِرَ، إِنِ انْفَرَدَا، فَلِكُلٍّ
كَسْبُهُ، وَإِلَّا فَيُقَسَّمُ الْحَاصِلُ عَلَى قَدْرِ أُجْرَةِ
الْمِثْلِ، لَا بِحَسَبِ الشَّرْطِ.
النَّوْعُ الثَّالِثُ: شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ، وَهِيَ أَنْ يَشْتَرِكَا
لِيَكُونَ بَيْنَهُمَا مَا يَكْسِبَانِ
(4/279)
وَيَرْبَحَانِ وَيَلْزَمَانِ مِنْ غُرْمٍ
وَيَحْصُلُ مِنْ غُنْمٍ. وَهِيَ بَاطِلَةٌ. فَلَوِ اسْتَعْمَلَا لَفْظَ
الْمُفَاوَضَةِ، وَأَرَادَا شَرِكَةَ الْعِنَانِ جَازَ، نَصَّ عَلَيْهِ.
وَهَذَا يُقَوِّي تَصْحِيحَ الْعُقُودِ بِالْكِنَايَاتِ.
النَّوْعُ الرَّابِعُ: شَرِكَةُ الْوُجُوهِ، وَقَدْ فُسِّرَتْ بِصُوَرٍ.
أَشْهَرُهَا: أَنْ يَشْتَرِكَ وَجِيهَانِ عِنْدَ النَّاسِ، لِيَبْتَاعَا
فِي الذِّمَّةِ إِلَى أَجَلٍ، عَلَى أَنَّ مَا يَبْتَاعَهُ كُلُّ وَاحِدٍ
يَكُونُ بَيْنَهُمَا، فَيَبِيعَانِهِ وَيُؤَدِّيَانِ الْأَثْمَانَ، فَمَا
فَضُلَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا. الثَّانِيَةُ: أَنْ يَبْتَاعَ وَجِيهٌ فِي
الذِّمَّةِ، وَيُفَوِّضَ بَيْعَهُ إِلَى خَامِلٍ، وَيَشْتَرِطَا أَنْ
يَكُونَ رِبْحُهُ بَيْنَهُمَا. وَالثَّالِثَةُ: أَنْ يَشْتَرِيَ وَجِيهٌ
لَا مَالَ لَهُ، وَخَامِلٌ ذُو مَالٍ، لِيَكُونَ الْعَمَلُ مِنَ
الْوَجِيهِ، وَالْمَالُ مِنَ الْخَامِلِ، وَيَكُونُ الْمَالُ فِي يَدِهِ
لَا يُسَلِّمُهُ إِلَى الْوَجِيهِ، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا. وَبِهَذَا
الثَّالِثِ فَسَّرَهَا ابْنُ كَجٍّ وَالْإِمَامُ. وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا
ذَكَرَهُ الْغَزَّالِيُّ، وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ الْوَجِيهُ مَالَ الْخَامِلِ
بِزِيَادَةِ رِبْحٍ، لِيَكُونَ لَهُ بَعْضُ الرِّبْحِ، وَهِيَ فِي
الصُّوَرِ كُلِّهَا بَاطِلَةٌ، إِذْ لَيْسَ بَيْنَهُمَا مَالٌ مُشْتَرَكٌ
يُرْجَعُ إِلَيْهِ عِنْدَ الْقِسْمَةِ. ثُمَّ مَا يَشْتَرِيهِ أَحَدُهُمَا
فِي الصُّورَةِ الْأُوْلَى وَالثَّانِيَةِ، فَهُوَ لَهُ، يَخْتَصُّ
بِرِبْحِهِ وَخُسْرَانِهِ، وَلَا يُشَارِكُهُ فِيهِ الْآخَرُ إِلَّا إِذَا
صَرَّحَ بِالْإِذْنِ فِي الشِّرَاءِ بِشَرْطِ التَّوْكِيلِ فِي الشِّرَاءِ،
وَقَصَدَ الْمُشْتَرِي مُوَكِّلَهُ. وَأَمَّا الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ،
فَلَيْسَتْ بِشَرِكَةٍ فِي الْحَقِيقَةِ، بَلْ قِرَاضٌ فَاسِدٌ
لِاسْتِبْدَادِ الْمَالِكِ بِالْيَدِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَالُ
نَقْدًا، زَادَ لِلْفَسَادِ وَجْهٌ آخَرُ.
فَرْعٌ
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِمَا سَبَقَ
وَهِيَ مَنْصُوصَةٌ فِي الْبُوَيْطِيِّ.
إِحْدَاهَا: لَوْ أَخَذَ جَمَلًا لِرَجُلٍ، وَرَاوِيَةً لِآخَرَ،
وَتَشَارَكُوا عَلَى أَنْ يَسْتَقِيَ الْآخِذُ
(4/280)
الْمَاءَ، وَالْحَاصِلُ بَيْنَهُمْ، فَهُوَ
بَاطِلٌ. فَلَوِ اسْتَقَى، فَلِمَنْ يَكُونُ الْمَاءُ؟ نَقَلَ صَاحِبُ
«التَّلْخِيصِ» وَآخَرُونَ فِيهِ اخْتِلَافُ قَوْلٍ، وَضَعَّفَ
الْجُمْهُورُ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ، وَصَوَّبُوا تَفْصِيلًا ذَكَرَهُ ابْنُ
سُرَيْجٍ، وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمَاءُ مَمْلُوكًا لِلْمُسْتَقِي،
أَوْ مُبَاحًا، لَكِنْ قَصَدَ بِهِ نَفْسَهُ، فَهُوَ لَهُ، وَعَلَيْهِ
لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ صَاحِبَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. وَإِنْ قَصَدَ
الشَّرِكَةَ، فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي جَوَازِ النِّيَابَةِ فِي
تَمَلُّكِ الْمُبَاحَاتِ. فَإِنْ مَنَعْنَاهَا، فَهُوَ لِلْمُسْتَقِي،
وَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ لَهُمَا. وَإِنْ جَوَّزْنَاهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ،
فَالْمَاءُ بَيْنَهُمْ. وَفِي كَيْفِيَّةِ الشَّرِكَةِ، وَجْهَانِ.
أَحَدُهُمَا: تُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ عَلَى نِسْبَةِ أُجُورِ أَمْثَالِهِمْ،
وَبِهَذَا قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَحَكَى عَنْ نَصِّهِ فِي
الْبُوَيْطِيِّ. وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ وَبِهِ
قَطَعَ الْقَفَّالُ: أَنَّهُ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ
إِتْبَاعًا لِقَصْدِهِ، فَعَلَى هَذَا، يَرْجِعُ الْمُسْتَقِي عَلَى كُلِّ
وَاحِدٍ مِنْ صَاحِبَيْهِ بِثُلُثِ أُجْرَةِ مَنْفَعَتِهِ، إِذْ لَمْ
يَصِلْ إِلَيْهِ مِنْهَا إِلَّا الثُّلُثَ، وَيَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ
صَاحِبَيْهِ بِثُلُثَيْ أُجْرَةِ مَالِهِ عَلَى صَاحِبِهِ، وَعَلَى
الْمُسْتَقِي. وَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: لَا تَرَاجُعَ بَيْنَهُمْ
أَصْلًا.
الثَّانِيَةُ: اسْتَأْجَرَ رَجُلٌ الرَّاوِيَةَ مِنْ صَاحِبِهَا،
وَالْجَمَلَ مِنْ صَاحِبِهِ، وَاسْتَأْجَرَ أَيْضًا الْمُسْتَقِي
لِاسْتِقَاءِ الْمَاءِ وَهُوَ مُبَاحٌ، نُظِرَ، إِنْ أَفْرَدَ كُلَّ
وَاحِدٍ بِعَقْدٍ، صَحَّ وَالْمَاءُ لِلْمُسْتَأْجِرِ، وَإِنْ جَمَعَ
الْجَمِيعَ فِي عَقْدٍ، فَفِي صِحَّةِ الْإِجَارَةِ، قَوْلَانِ. كَمَنِ
اشْتَرَى عَيْنَيْنِ لِرَجُلَيْنِ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ صَحَّحْنَا،
وُزِّعَتِ الْأُجْرَةُ الْمُسَمَّاةُ عَلَى أُجُورِ الْأَمْثَالِ،
وَإِلَّا، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَيَكُونُ
الْمَاءُ لِلْمُسْتَأْجِرِ صَحَّحْنَا الْإِجَارَةَ أَمْ أَفْسَدْنَاهَا،
لِأَنَّا وَإِنْ أَفْسَدْنَاهَا، فَمَنَافِعُهُمْ مَضْمُونَةٌ
بِالْأُجْرَةِ، قَالَهُ الْإِمَامُ. وَإِنْ نَوَى الْمُسْتَقِي نَفْسَهُ،
وَفَرَّعْنَا عَلَى فَسَادِ الْإِجَارَةِ، فَعَنِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ:
أَنَّهُ أَيْضًا لِلْمُسْتَأْجِرِ، وَتَوَقَّفَ فِيهِ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّ
مَنْفَعَتَهُ غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ لِلْمُسْتَأْجِرِ، وَقَدْ قَصَدَ
نَفْسَهُ، فَلْيَكُنِ الْحَاصِلُ لَهُ. وَمَوْضِعُ الْقَوْلَيْنِ، إِذَا
وَرَدَتِ الْإِجَارَةُ عَلَى عَيْنِ الْمُسْتَقِي وَالْجَمَلِ
وَالرَّاوِيَةِ، فَأَمَّا إِذَا أَلْزَمَ ذِمَمَهُمْ، فَتَصِحُّ
الْإِجَارَةُ قَطْعًا.
(4/281)
الثَّالِثَةُ: اشْتَرَكَ أَرْبَعَةٌ،
لِأَحَدِهِمْ بَيْتُ رَحَى، وَلِآخَرَ حَجَرُ الرَّحَى، وَلِآخَرَ بَغْلٌ
يُدِيرُهُ، وَالرَّابِعُ يَعْمَلُ فِي الرَّحَى، عَلَى أَنَّ الْحَاصِلَ
مِنْ أُجْرَةِ الطَّحْنِ بَيْنَهُمْ، فَهُوَ فَاسِدٌ. ثُمَّ إِنِ
اسْتَأْجَرَ مَالِكُ الْحِنْطَةِ الْعَامِلَ وَالْآلَاتِ مِنْ مَالِكِيهَا،
وَأَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدٍ بِعَقْدٍ، لَزِمَهُ مَا سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ،
وَإِنْ جَمَعَهُمْ فِي عَقْدٍ، فَإِنْ لَزِمَ ذِمَمَهُمُ الطَّحْنُ، صَحَّ
الْعَقْدُ، وَكَانَتِ الْأُجْرَةُ الْمُسَمَّاةُ بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا،
وَيَتَرَاجَعُونَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ
الْمَمْلُوكَةَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَدِ اسْتَوْفَى رُبُعَهَا،
حَيْثُ أَخَذَ رُبُعَ الْمُسَمَّى، وَانْصَرَفَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا
إِلَى أَصْحَابِهِ، فَيَأْخُذُ مِنْهُمْ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ أُجْرَةِ
الْمِثْلِ. وَإِنِ اسْتَأْجَرَ عَيْنَ الْعَامِلِ وَأَعْيَانَ الْآلَاتِ،
فَفِيهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ. فَإِنْ أَفْسَدْنَا الْإِجَارَةَ،
فَلِكُلِّ وَاحِدٍ أُجْرَةُ مِثْلِهِ. وَإِنْ صَحَّحْنَاهَا، وُزِّعَ
الْمُسَمَّى عَلَيْهِمْ، وَيَكُونُ التَّرَاجُعُ بَيْنَهُمْ عَلَى مَا
سَبَقَ. وَإِنْ أَلْزَمَ مَالِكُ الْحِنْطَةِ ذِمَّةَ الْعَامِلِ
الطَّحْنَ، لَزِمَهُ، وَعَلَيْهِ إِذَا اسْتَعْمَلَ مَا لِأَصْحَابِهِ
أُجْرَةُ الْمِثْلِ، إِلَّا أَنْ يَسْتَأْجِرَ مِنْهُمْ إِجَارَةً
صَحِيحَةً، فَعَلَيْهِ الْمُسَمَّى.
الرَّابِعَةُ: لِوَاحِدٍ بَذْرٌ، وَلِآخَرَ أَرْضٌ، وَلِآخَرَ آلَةُ
الْحَرْثِ، اشْتَرَكُوا مَعَ رَابِعٍ لِيَعْمَلَ، وَتَكُونُ الْغَلَّةُ
بَيْنَهُمْ، فَالزَّرْعُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ، وَعَلَيْهِ لِأَصْحَابِهِ
أُجْرَةُ الْمِثْلِ. قَالَ فِي «التَّتِمَّةِ» : فَلَوْ أَصَابَ الزَّرْعَ
آفَةٌ وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ شَيْءٌ، فَلَا شَيْءَ لَهُمْ، لِأَنَّهُمْ
لَمْ يُحَصِّلُوا لَهُ شَيْئًا. وَلَا يَخْفَى عُدُولُ هَذَا عَنِ
الْقِيَاسِ الظَّاهِرِ.
قُلْتُ: الَّذِي قَالَهُ فِي «التَّتِمَّةِ» هُوَ الصَّوَابُ. - وَاللَّهُ
أَعْلَمُ -.
فَصْلٌ
فِي حُكْمِ الشَّرِكَةِ الصَّحِيحَةِ
لَهَا أَحْكَامٌ. أَحُدُهَا: إِذَا وَجَدَ الْإِذْنَ مِنَ الطَّرَفَيْنِ،
تَسَلَّطَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى التَّصَرُّفِ.
(4/282)
وَتَصَرُّفُ الشَّرِيكِ كَتَصَرُّفِ
الْوَكِيلِ، لَا بِبَيْعِ نَسِيئَةٍ، وَلَا بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ،
وَلَا يَبِيعُ وَلَا يَشْتَرِي بِغَبْنٍ فَاحِشٍ إِلَّا بِإِذْنِ
الشَّرِيكِ. فَإِنْ بَاعَ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ، لَمْ يَصِحَّ فِي
نَصِيبِ شَرِيكِهِ. وَفِي نَصِيبِهِ، قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.
فَإِنْ لَمْ نُفَرِّقْهَا، بَقِيَ الْمَبِيعُ عَلَى مِلْكِهِمَا
وَالشَّرِكَةُ بِحَالِهَا. وَإِنْ فَرَّقْنَاهَا، انْفَسَخَتِ الشَّرِكَةُ
فِي الْمَبِيعِ، وَصَارَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَالشَّرِيكِ.
وَإِنِ اشْتَرَى بِالْغَبْنِ، نُظِرَ، إِنِ اشْتَرَى بِعَيْنِ مَالِ
الشَّرِكَةِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَ. وَإِنِ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ،
لَمْ يَقَعْ لِلشَّرِيكِ، وَعَلَيْهِ وَزْنُ الثَّمَنِ مِنْ خَالِصِ
مَالِهِ.
فَرْعٌ
لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُسَافِرَ بِمَالِ الشَّرِكَةِ، وَلَا أَنْ
يُبَعِّضَهُ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِهِ. فَإِنْ فَعَلَ، ضَمِنَ.
الْحُكْمُ الثَّانِي: لِكُلِّ وَاحِدٍ فَسْخُ الشَّرِكَةِ مَتَى شَاءَ،
كَالْوَكَالَةِ. فَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرَ: عَزَلْتُكَ عَنِ
التَّصَرُّفِ، أَوْ لَا تَتَصَرَّفْ فِي نَصِيبِي، انْعَزَلَ الْمُخَاطَبُ،
وَلَا يَنْعَزِلُ الْعَازِلُ عَنِ التَّصَرُّفِ فِي نَصِيبِ الْمَعْزُولِ.
وَلَوْ قَالَ: فَسَخْتُ الشَّرِكَةَ، انْفَسَخَ الْعَقْدُ قَطْعًا.
وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُمَا يَنْعَزِلَانِ عَنِ التَّصَرُّفِ. وَقَالَ فِي
«التَّتِمَّةِ» : فِي بَقَاءِ تَصَرُّفِهِمَا، وَجْهَانِ إِنْ كَانَا
صَرَّحَا فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ بِالْإِذْنِ. وَوَجْهُ الْبَقَاءِ:
اسْتِمْرَارُهُ حَتَّى يَأْتِيَ بِصَرِيحِ الْعَزْلِ.
فَرْعٌ
تَنْفَسِخُ الشَّرِكَةُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا أَوْ جُنُونِهِ أَوْ
إِغْمَائِهِ، كَالْوَكَالَةِ. ثُمَّ فِي صُورَةِ الْمَوْتِ، إِنْ لَمْ
يَكُنْ دَيْنٌ وَلَا وَصِيَّةٌ، فَلِلْوَارِثِ الْخِيَارُ بَيْنَ
الْقِسْمَةِ وَتَقْرِيرِ الشَّرِكَةِ
(4/283)
إِنْ كَانَ رَشِيدًا، فَإِنْ كَانَ
مُوَلَّيًا عَلَيْهِ لِصِغَرِهِ أَوْ جُنُونِهِ، فَعَلَ وَلِيُّهُ مَا
فِيهِ حَظُّهُ مِنَ الْأَمْرَيْنِ. وَإِنَّمَا تَتَقَرَّرُ الشَّرِكَةُ
بِعَقْدٍ مُسْتَأْنَفٍ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ، فَلَيْسَ
لِلْوَارِثِ تَقْرِيرُ الشَّرِكَةِ إِلَّا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ.
وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ وَصِيَّةٌ لِمُعَيَّنٍ فَهُوَ كَأَحَدِ الْوَرَثَةِ.
فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، كَالْفُقَرَاءِ، لَمْ يَصِحَّ تَقْرِيرُ
الشَّرِكَةِ حَتَّى تَخْرُجَ الْوَصِيَّةُ. ثُمَّ هُوَ كَمَا لَوْ لَمْ
تَكُنْ وَصِيَّةٌ.
الْحُكْمُ الثَّالِثُ: أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ
الْمَالَيْنِ، شَرْطُ ذَلِكَ أَمْ لَا، تَسَاوَيَا فِي الْعَمَلِ أَمْ
تَفَاوَتَا. فَإِنْ شَرَطَا التَّسَاوِيَ فِي الرِّبْحِ مَعَ التَّفَاوُتِ
فِي الْمَالِ، أَوِ التَّفَاوُتِ فِي الرِّبْحِ مَعَ التَّسَاوِي فِي
الْمَالِ، فَسَدَتِ الشَّرِكَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَبِهِ قَطَعَ
الْأَصْحَابُ. وَحَكَى الْإِمَامُ وَجْهًا آخَرَ: أَنَّهَا لَا تَفْسُدُ،
وَيُوَزَّعُ الرِّبْحُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ. وَلَعَلَّ الْخِلَافَ
رَاجِعٌ إِلَى الِاصْطِلَاحِ، فَأَطْلَقَ الْجُمْهُورُ لَفْظَ الْفَسَادِ،
وَامْتَنَعَ مِنْهُ بَعْضُهُمْ لِبَقَاءِ أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ. فَلَوِ
اخْتَصَّ أَحَدُهُمَا بِزِيَادَةِ عَمَلٍ، وَشَرَطَ لَهُ زِيَادَةَ رِبْحٍ،
فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: صِحَّةُ الشَّرْطِ، وَيَكُونُ الزَّائِدُ عَلَى
حِصَّةِ مِلْكِهِ فِي مُقَابَلَةِ الْعَمَلِ، وَيَتَرَكَّبُ الْعَقْدُ مِنْ
شَرِكَةٍ وَقِرَاضٍ. وَأَصَحُّهُمَا: الْمَنْعُ، كَمَا لَوْ شَرَطَ
التَّفَاوُتَ فِي الْخُسْرَانِ، فَإِنَّهُ يَلْغُو وَيُوَزَّعُ
الْخُسْرَانُ عَلَى الْمَالِ، وَلَا يَصِحُّ جَعْلُهُ قِرَاضًا، فَإِنَّ
هُنَاكَ يَقَعُ الْعَمَلُ مُخْتَصًّا بِمَالِ الْمَالِكِ، وَهُنَا
بِمِلْكَيْهِمَا. وَمَتَى فَسَدَ الشَّرْطُ، لَمْ يُؤَثِّرْ فِي فَسَادِ
التَّصَرُّفِ، لِوُجُودِ الْإِذْنِ، وَيَكُونُ الرِّبْحُ عَلَى نِسْبَةِ
الْمَالَيْنِ، وَيَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى صَاحِبِهِ بِأُجْرَةِ مِثْلِ
عَمَلِهِ فِي مَالِهِ. فَإِنْ تَسَاوَيَا فِي الْمَالِ وَالْعَمَلِ،
فَنِصْفُ عَمَلِ كُلِّ وَاحِدٍ يَقَعُ فِي مُقَابَلَةِ مَالِهِ، فَلَا
أُجْرَةَ فِيهِ، وَنِصْفُهُ فِي مَالِ صَاحِبِهِ، وَيَسْتَحِقُّ صَاحِبُهُ
مِثْلَ بَدَلِهِ عَلَيْهِ، فَيَقَعُ فِي التَّقَاصِّ. وَإِنْ تَفَاوَتَا
فِي الْعَمَلِ مَعَ اسْتِوَاءِ الْمَالِ، فَسَاوَى عَمَلُ أَحَدِهِمَا
مِائَتَيْنِ، وَالْآخَرُ مِائَةً. فَإِنْ كَانَ عَمَلُ مَنْ شُرِطَ لَهُ
الزِّيَادَةُ أَكْثَرَ، فَنِصْفُ عَمَلِهِ مِائَةٌ، وَنِصْفُ عَمَلِ
صَاحِبِهِ خَمْسُونَ، فَيَبْقَى لَهُ بَعْدَ التَّقَاصِّ خَمْسُونَ. وَإِنْ
كَانَ عَمَلُ صَاحِبِهِ أَكْثَرَ، فَفِي رُجُوعِهِ بِخَمْسِينَ عَلَى مَنْ
شُرِطَ لَهُ الزِّيَادَةُ وَجْهَانِ.
(4/284)
أَحَدُهُمَا: الرُّجُوعُ، كَمَا لَوْ
فَسَدَ الْقِرَاضُ. وَأَصَحُّهُمَا: الْمَنْعُ. وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ،
فِيمَا لَوْ فَسَدَتِ الشَّرِكَةُ، وَاخْتَصَّ أَحَدُهُمَا بِأَصْلِ
التَّصَرُّفِ وَالْعَمَلِ، هَلْ يَرْجِعُ بِنِصْفِ أُجْرَةِ عَمَلِهِ عَلَى
الْآخَرِ؟ أَمَّا إِذَا تَفَاوَتَا فِي الْمَالِ، فَكَانَ لِأَحَدِهِمَا
أَلْفٌ وَلِلْآخَرِ أَلْفَانِ، وَتَفَاوَتَا فِي الْعَمَلِ، فَعَمِلُ
صَاحِبُ الْأَكْثَرِ أَكْثَرَ، بِأَنْ سَاوَى عَمَلُهُ مِائَتَيْنِ،
وَعَمَلُ الْآخَرِ مِائَةً، فَثُلُثَا عَمَلِهِ فِي مَالِهِ، وَثُلُثُهُ
فِي مَالِ صَاحِبِهِ، وَعَمَلُ صَاحِبِهِ بِالْعَكْسِ، فَيَكُونُ لِصَاحِبِ
الْأَكْثَرِ ثُلُثُ الْمِائَتَيْنِ عَلَى الْأَقَلِّ، وَلِصَاحِبِ
الْأَقَلِّ ثُلُثَا الْمِائَةِ عَلَى صَاحِبِ الْأَكْثَرِ، وَقَدْرُهُمَا
مُتَّفَقٌ، فَيَقَعُ فِي التَّقَاصِّ. وَإِنْ كَانَ عَمَلُ صَاحِبِ
الْأَقَلِّ أَكْثَرَ، وَالتَّفَاوُتُ كَمَا صَوَّرْنَا، فَثُلُثُ عَمَلِ
صَاحِبِ الْأَقَلِّ فِي مَالِهِ وَثُلُثَاهُ فِي مَالِ صَاحِبِهِ،
وَثُلُثَا عَمَلِ صَاحِبِ الْأَكْثَرِ فِي مَالِهِ، وَثُلُثُهُ فِي مَالِ
شَرِيكِهِ، فَيَبْقَى لِصَاحِبِ الْأَقَلِّ عَلَى الْأَكْثَرِ مِائَةٌ
بَعْدَ التَّقَاصِّ. وَلَوْ تَسَاوَيَا فِي الْعَمَلِ، فَلِصَاحِبِ
الْأَقَلِّ ثُلُثَا الْمِائَةِ عَلَى صَاحِبِ الْأَكْثَرِ، وَلِصَاحِبِ
الْأَكْثَرِ ثُلُثُ الْمِائَةِ عَلَيْهِ، فَثُلُثٌ تَقَاصٌّ، وَيَبْقَى
لِصَاحِبِ الْأَقَلِّ ثُلُثُ الْمِائَةِ.
فَرْعٌ
مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حُكْمِ الْفَسَادِ عِنْدَ تَغْيِيرِ نِسْبَةِ
الرِّبْحِ، يَجْرِي فِي سَائِرِ أَسْبَابِ فَسَادِ الشَّرِكَةِ. لَكِنْ
قَالَ الْإِمَامُ: لَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْمَالَيْنِ شُيُوعٌ،
وَخَلْطٌ، فَلَا شَرِكَةَ هُنَا عَلَى التَّحْقِيقِ، بَلْ ثَمَنُ كُلِّ
مَالٍ يَخْتَصُّ بِمَالِكِهِ، وَلَا يَقَعُ مُشْتَرَكًا. وَالْكَلَامُ فِي
الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ، إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ حُصُولِ نَفْسِ
الشَّرِكَةِ. وَإِنْ جَرَى تَوْكِيلٌ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، لَمْ يَخْفَ
حُكْمُهُ.
فَرْعٌ
إِذَا جَوَّزْنَا شَرْطَ زِيَادَةِ رِبْحٍ لِمَنِ اخْتُصَّ بِزِيَادَةِ
عَمَلٍ، فَلَمْ يَشْتَرِطَاهُ، وَلَا اشْتَرَطَا
(4/285)
تَوْزِيعَ الرِّبْحِ عَلَى قَدْرِ
الْمَالَيْنِ، بَلْ أَطْلَقَا، فَذَكَرَ صَاحِبُ «التَّقْرِيبِ»
وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ، خِلَافًا فِي أَنَّ الرِّبْحَ يُوَزَّعُ
عَلَى الْمَالَيْنِ، وَتَكُونُ زِيَادُ الْعَمَلِ تَبَرُّعًا، أَمْ
تَثْبُتُ لِلزِّيَادَةِ أُجْرَةٌ تَخْرِيجًا مِمَّا إِذَا اسْتَعْمَلَ
صَانِعًا وَلَمْ يَذْكُرْ أُجْرَةً. ثُمَّ إِذَا شَرَطَا زِيَادَةَ رِبْحٍ
لِمَنْ زَادَ عَمَلُهُ، هَلْ يُشْتَرَطُ اسْتِقْلَالُهُ بِالْيَدِ
كَالْقِرَاضِ؟ أَمْ كَسَائِرِ الشِّرْكِ؟ وَجْهَانِ. وَكَذَا لَوِ
اشْتَرَطَا انْفِرَادَ أَحَدِهِمَا بِالْعَمَلِ. وَالْخِلَافُ فِي جَوَازِ
اشْتِرَاطِ زِيَادَةِ الرِّبْحِ لِمَنْ زَادَ عَمَلُهُ، جَارٍ فِيمَا إِذَا
شَرَطَ انْفِرَادَ أَحَدِهِمَا بِالتَّصَرُّفِ وَجَعَلَ لَهُ زِيَادَةَ
رِبْحٍ. وَقِيلَ: يَجُوزُ هُنَا، وَلَا يَجُوزُ إِذَا اشْتَرَكَا فِي
أَصْلِ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَنَّ الرِّبْحَ بِأَيِّ عَمَلٍ
حَصَلَ.
الْحُكْمُ الرَّابِعُ: أَنَّ يَدَ كُلٍّ مِنْهُمَا يَدُ أَمَانَةٍ
كَالْمُودَعِ. فَإِذَا ادَّعَى رَدَّ الْمَالِ إِلَى شَرِيكِهِ، أَوْ
تَلَفًا، أَوْ خُسْرَانًا، صُدِّقَ. فَإِنْ أَسْنَدَ التَّلَفَ إِلَى
سَبَبٍ ظَاهِرٍ، طُولِبَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى السَّبَبِ. فَإِذَا
أَقَامَهَا، صُدِّقَ فِي الْهَلَاكِ بِهِ. وَلَوِ ادَّعَى أَحَدُهُمَا
خِيَانَةَ صَاحِبِهِ، لَمْ يُسْمَعْ حَتَّى يُبَيِّنَ قَدْرَ مَا خَانَ
بِهِ. فَإِذَا بَيَّنَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ.
وَلَوْ كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا مَالٌ، فَقَالَ: هُوَ لِي، صُدِّقَ
بِيَمِينِهِ. وَلَوِ اشْتَرَى شَيْئًا وَقَالَ: اشْتَرَيْتُهُ لِنَفْسِي،
وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ لِلشَّرِكَةِ، أَوْ عَكْسِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ
الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ. وَلَوْ قَالَ صَاحِبُ
الْيَدِ: اقْتَسَمْنَا، وَهَذَا نَصِيبِي، وَقَالَ الْآخَرُ: هُوَ
مُشْتَرَكٌ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الثَّانِي. وَلَوْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا
أَوْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا مَالٌ، وَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ: هَذَا نَصِيبِي
مِنَ الْمُشْتَرَكِ، وَأَنْتَ أَخَذْتَ نَصِيبَكَ، حَلَفَا، وَجُعِلَ
الْمَالُ بَيْنَهُمَا. فَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا، قُضِيَ لِلْحَالِفِ.
فَرْعٌ
بَيْنَهُمَا عَبْدٌ، بَاعَهُ أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ، وَأَذِنَ
لَهُ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ، أَوْ قُلْنَا:
(4/286)
لِلْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ قَبْضُ الثَّمَنِ،
ثُمَّ اخْتَلَفَ الشَّرِيكَانِ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ، فَذَلِكَ يُتَصَوَّرُ
عَلَى وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقُولَ الشَّرِيكُ لِلْبَائِعِ:
قَبَضْتَ كُلَّ الثَّمَنِ، فَسَلِّمْ إِلَيَّ نَصِيبِي، وَيُوَافِقُهُ
الْمُشْتَرِي عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ قَبَضَ، وَيُنْكِرُ الْبَائِعُ،
فَيَبْرَأُ الْمُشْتَرِي عَنْ نَصِيبِ الَّذِي لَمْ يَبِعْ، لِاعْتِرَافِهِ
بِبَرَاءَتِهِ. ثُمَّ هُنَا خُصُومَةٌ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي،
وَخُصُومَةٌ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ، وَرُبَّمَا تَقَدَّمَتِ الْأُولَى
عَلَى الثَّانِيَةِ، وَرُبَّمَا تَأَخَّرَتْ. فَإِنْ تَقَدَّمَتْ، نُظِرَ،
إِنْ قَامَتْ لِلْمُشْتَرِي بَيِّنَةٌ عَلَى الْأَدَاءِ، انْدَفَعَتْ
عَنْهُ مُطَالَبَةُ الْبَائِعِ. فَإِنْ شَهِدَ لَهُ الشَّرِيكُ، لَمْ
يُقْبَلْ فِي نَصِيبِهِ. وَفِي نَصِيبِ الْبَائِعِ الْقَوْلَانِ فِي
تَبْعِيضِ الشَّهَادَةِ. وَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً، فَالْقَوْلُ قَوْلُ
الْبَائِعِ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ. فَإِنْ حَلَفَ أَخَذَ
نَصِيبَهُ مِنَ الْمُشْتَرِي، وَلَا يُشَارِكُهُ الَّذِي لَمْ يَبِعْ
فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْآنَ ظُلْمٌ. وَإِنْ
نَكَلَ، وَحَلَفَ الْمُشْتَرِي، انْقَطَعَتْ عَنْهُ الْمُطَالَبَةُ. وَإِنْ
نَكَلَ الْمُشْتَرِي أَيْضًا، فَوَجْهَانِ. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: لَا
يَلْزَمُهُ نَصِيبُ الْبَائِعِ، لِأَنَّا لَا نَقْضِي بِالنُّكُولِ.
وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ قَضَاءً بِالنُّكُولِ،
بَلْ مُؤَاخَذَةً بِاعْتِرَافِهِ بِلُزُومِ الْمَالِ بِالشِّرَاءِ. فَإِذَا
انْقَضَتْ خُصُومَةُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، فَطَلَبَ الشَّرِيكُ
حِصَّتَهُ مِنَ الْبَائِعِ لِزَعْمِهِ أَنَّهُ قَبَضَ الثَّمَنَ،
فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ إِلَّا
نَصِيبَهُ بَعْدَ الْخُصُومَةِ. فَإِنْ نَكَلَ الْبَائِعُ، حَلَفَ
الشَّرِيكُ وَأَخَذَ مِنْهُ نَصِيبَهُ، وَلَا يَرْجِعُ بِهِ الْبَائِعُ
عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ شَرِيكَهُ ظَلَمَهُ، وَلَا
يَمْنَعُ الْبَائِعَ مِنَ الْحَلِفِ نُكُولُهُ عَلَى الْيَمِينِ فِي
الْخُصُومَةِ مَعَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهَا خُصُومَةٌ أُخْرَى مَعَ آخَرَ.
أَمَّا إِذَا تَقَدَّمَتْ خُصُومَةُ الشَّرِيكَيْنِ، فَادَّعَى الَّذِي
لَمْ يَبِعْ عَلَى الْبَائِعِ قَبْضَ الثَّمَنِ، وَطَلَبَ حَقَّهُ،
فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُشْتَرِي لَهُ.
فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ، حَلَفَ الْبَائِعُ، فَإِنْ نَكَلَ، حَلَفَ
الْمُشْتَرِي وَأَخَذَ نَصِيبَهُ مِنَ الْبَائِعِ. فَإِذَا انْقَضَتْ
خُصُومَةُ الشَّرِيكَيْنِ، فَطَالَبَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِي بِحَقِّهِ
أَخَذَهُ بِيَمِينِهِ. فَإِنْ نَكَلَ، حَلَفَ الْمُشْتَرِي وَبَرِئَ. وَلَا
يَمْنَعُ الْبَائِعَ مِنَ الْحَلِفِ وَطَلَبِ حَقِّهِ مِنَ الْمُشْتَرِي
نُكُولُهُ فِي الْخُصُومَةِ الْأُولَى مَعَ شَرِيكِهِ. وَفِي وَجْهٍ:
(4/287)
يَمْنَعُهُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ
الْأَصْحَابِ. وَعَلَى ضَعْفِهِ، قَالَ الْإِمَامُ: الْقِيَاسُ طَرْدُهُ
فِيمَا إِذَا تَقَدَّمَتْ خُصُومَةُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، وَنَكَلَ
الْبَائِعُ، وَحَلَفَ الْمُشْتَرِي. حَتَّى يُقَالَ: تَثْبُتُ لِلشَّرِيكِ
مُطَالَبَةُ الْبَائِعِ بِنَصِيبِهِ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ خُصُومَةٍ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ لِلشَّرِيكِ: قَبَضْتُ
الثَّمَنَ كُلَّهُ، وَصَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي، وَأَنْكَرَ الشَّرِيكُ،
فَلَهُ حَالَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الشَّرِيكُ مَأْذُونًا مِنْ
جِهَةِ الْبَائِعِ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ، فَيَبْرَأُ الْمُشْتَرِي مِنْ
نَصِيبِ الْبَائِعِ، لِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّ وَكِيلَهُ قَبَضَهُ. ثُمَّ
تُتَصَوَّرُ خُصُومَتَانِ كَمَا سَبَقَ، فَإِنْ تَخَاصَمَ الشَّرِيكُ
وَالْمُشْتَرِي، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الشَّرِيكِ، فَيَحْلِفُ وَيَأْخُذُ
نَصِيبَهُ، وَيُسَلِّمُ لَهُ الْمَأْخُوذَ. وَإِنْ تَخَاصَمَ الْبَائِعُ
وَالشَّرِيكُ، حَلَفَ الشَّرِيكُ. فَإِنْ نَكَلَ، حَلَفَ الْبَائِعُ
وَأَخَذَ حَقَّهُ مِنْهُ، وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي. وَكُلُّ
هَذَا، كَمَا سَبَقَ فِي النِّزَاعِ الْأَوَّلِ. وَلَوْ شَهِدَ الْبَائِعُ
لِلْمُشْتَرِي، لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّهُ يَشْهَدُ لِنَفْسِهِ.
الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَأْذُونٍ، فَلَا تَبْرَأُ
ذِمَّةُ الْمُشْتَرِي عَنْ شَيْءٍ مِنَ الثَّمَنِ. ثُمَّ يَكُونُ
الْبَائِعُ مَأْذُونًا مِنْ جِهَةِ الشَّرِيكِ فِي الْقَبْضِ، وَتَارَةً
لَا. فَإِنْ كَانَ، فَلَهُ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي بِنَصِيبِهِ، وَلَيْسَ
لَهُ مُطَالَبَةٌ بِنَصِيبِ الشَّرِيكِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِقَبْضِ
الشَّرِيكِ نَصِيبَ نَفْسِهِ، صَارَ مَعْزُولًا. ثُمَّ إِذَا تَخَاصَمَ
الشَّرِيكُ وَالْمُشْتَرِي، فَعَلَى الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةُ
بِالْقَبْضِ. فَإِنْ لَمْ تَكُنْ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الشَّرِيكِ. فَإِذَا
حَلَفَ، فَفِيمَنْ يَأْخُذُ حَقَّهُ مِنْهُ؟ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: قَالَ
الْمُزَنِيُّ وَابْنُ الْقَاصِّ وَآخَرُونَ: إِنْ شَاءَ أَخَذَ تَمَامَ
حَقِّهِ مِنَ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ شَاءَ شَارَكَ الْبَائِعَ فِي
الْمَأْخُوذِ وَأَخَذَ الْبَاقِيَ مِنَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ
وَاحِدَةٌ، فَكُلُّ جُزْءٍ مِنَ الثَّمَنِ شَائِعٌ بَيْنَهُمَا. فَإِذَا
شَارَكَ، لَمْ يَبْقَ لِلْبَائِعِ إِلَّا رُبُعُ الثَّمَنِ. وَقَالَ ابْنُ
سُرَيْجٍ وَغَيْرُهُ: لَيْسَ لَهُ إِلَّا الْأَخْذُ مِنَ الْمُشْتَرِي،
وَلَا يُشَارِكُ الْبَائِعَ فِيمَا أَخَذَهُ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ انْعَزَلَ
عَنِ الْوَكَالَةِ بِإِقْرَارِ أَنَّ
(4/288)
الشَّرِيكَ أَخَذَ حَقَّهُ، فَمَا
يَأْخُذُهُ بَعْدَ الِانْعِزَالِ، يَأْخُذُهُ لِنَفْسِهِ فَقَطْ. وَهَذَا
الْوَجْهُ اسْتَحْسَنَهُ الشَّيْخَانِ: أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو عَلِيٍّ.
وَلَوْ شَهِدَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الشَّرِيكِ بِقَبْضِ
الثَّمَنِ، فَعَلَى قَوْلِ الْمُزَنِيِّ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؛
لِأَنَّهُ يَدْفَعُ بِهَا شَرِكَةَ صَاحِبِهِ فِيمَا أَخَذَهُ. وَعَلَى مَا
ذَكَرَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ: تُقْبَلُ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ الْبَائِعُ مَأْذُونًا فِي
الْقَبْضِ، قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ: لِلْبَائِعِ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي
بِحَقِّهِ، وَمَا يَأْخُذُهُ يُسَلَّمُ لَهُ، وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ
لِلْمُشْتَرِي عَلَى الشَّرِيكِ. وَيَجِيءُ وَجْهٌ: فِي مُشَارَكَةِ
صَاحِبِهِ، وَفِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ. وَحَكَى الْحَنَّاطِيُّ وَجْهًا:
أَنَّ أَحَدَ الْوَارِثِينَ، لَوْ قَبَضَ مِنَ الدَّيْنِ قَدْرَ حِصَّتِهِ،
لَمْ يُشَارِكْهُ الْآخَرُ، إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْمَدْيُونُ فِي
الرُّجُوعِ عَلَيْهِ، أَوْ لَا يَجِدُ مَالًا سِوَاهُ. وَالصَّحِيحُ:
الْمُشَارَكَةُ مُطْلَقًا. وَلَوْ مَلَكَا عَبْدًا، فَبَاعَاهُ صَفْقَةً،
فَهَلْ يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِقَبْضِ حِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ؟
وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا. فَلَوْ قَبَضَ شَيْئًا، شَارَكَهُ الْآخَرُ
كَالْمِيرَاثِ. وَأَرْجَحُهُمَا: نَعَمْ، كَمَا لَوِ انْفَرَدَ
بِالْبَيْعِ.
فَرْعٌ
بَيْنَهُمَا عَبْدٌ، فَغَصَبَ غَاصِبٌ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا، بِأَنْ نَزَّلَ
نَفْسَهُ مَنْزِلَتَهُ، فَأَزَالَ يَدَهُ، وَلَمْ يُزِلْ يَدَ صَاحِبِهِ،
يَصِحُّ مِنَ الَّذِي لَمْ يُغْصَبْ نَصِيبُهُ بَيْعُهُ، وَلَا يَصِحُّ
مِنَ الْآخَرِ بَيْعُ نَصِيبِهِ إِلَّا لِلْغَاصِبِ، أَوْ لِقَادِرٍ عَلَى
أَخْذِهِ مِنَ الْغَاصِبِ. فَلَوْ بَاعَ الْغَاصِبُ وَالَّذِي لَمْ
يُغْصَبْ نَصِيبُهُ جَمِيعَ الْعَبْدِ صَفْقَةً وَاحِدَةً بَطَلَ فِي
نَصِيبِ الْغَاصِبِ، وَصَحَّ فِي نَصِيبِ الْمَالِكِ، وَلَا يَخْرُجُ عَلَى
تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ
الْبَائِعِ. وَقِيلَ: يُبْنَى نَصِيبُ الْمَالِكِ، عَلَى أَنَّ أَحَدَ
الشَّرِيكَيْنِ إِذَا بَاعَ نِصْفَ الْعَبْدِ مُطْلَقًا، يَنْصَرِفُ إِلَى
نَصِيبِهِ. أَمْ يَشِيعُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ مَذْكُورَانِ فِي كِتَابِ
الْعِتْقِ. فَإِنْ قُلْنَا:
(4/289)
يَنْصَرِفُ إِلَى نَصِيبِهِ، صَحَّ،
وَإِلَّا فَيَبْطُلُ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْعَبْدِ. وَفِي رُبُعِهِ
قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. وَلَا يُنْظَرُ إِلَى هَذَا الْبِنَاءِ
إِذَا بَاعَ الْمَالِكَانِ مَعًا، وَأَطْلَقَا. وَلَا يُجْعَلُ كَمَا لَوْ
أَطْلَقَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيْعَ نِصْفِ الْعَبْدِ، لَأَنَّ هُنَاكَ
تَنَاوَلَ الْعَقْدُ الصَّحِيحُ جَمِيعَ الْعَبْدِ. وَهَذَانَ الْفَرْعَانِ
غَيْرُ مُخْتَصَّيْنِ بِبَابِ الشَّرِكَةِ، لَكِنْ ذَكَرَهُمَا
الْأَصْحَابُ هُنَا.
قُلْتُ: هَذِهِ مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ. إِحْدَاهَا: يُسْتَحَبُّ اشْتِرَاكُ
الْمُسَافِرِينَ فِي الزَّادِ مَجْلِسًا مَجْلِسًا، نَصَّ عَلَيْهِ
أَصْحَابُنَا، وَصَحَّتْ فِيهِ الْأَحَادِيثُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَتَرَكَ بَيَاضًا فِي الْأَصْلِ.
(4/290)
|