فتح المعين بشرح قرة العين بمهمات الدين

باب البيع
مدخل
...
باب البيع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
باب البيع
هو لغة: مقابلة شيء بشيء. وشرعا: مقابلة مال بمال على وجه مخصوص.
والأصل فيه قبل الإجماع آيات كقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ}

(1/316)


يصح بإيجاب كبعتك وملكتك ذا بكذا وقبول كاشتريت وقبلت هذا بكذا,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[2 سورة البقرة الآية: 275] وأخبار كخبر: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: "أي الكسب أطيب؟ فقال: "عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور" [مسند أحمد رقم: 16814] أي لا غش فيه ولا خيانة.
يصح البيع بإيجاب من البائع ولو هزلا وهو ما دل على التمليك دلالة ظاهرة: كبعتك ذا بكذا أو هو لك بكذا وملكتك أو وهبتك ذا بكذا وكذا جعلته لك بكذا إن نوى به البيع.
وقبول من المشتري ولو هزلا وهو ما دل على التملك كذلك: كاشتريت هذا بكذا وقبلت أو رضيت أو أخذت أو تملكت هذا بكذا.
وذلك لتتم الصيغة الدال على اشتراطها قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما البيع عن تراض" [ابن ماجه رقم: 2185] .
والرضا خفي فاعتبر ما يدل عليه من اللفظ فلا ينعقد بالمعاطاة لكن اختير الانعقاد بكل ما يتعارف البيع بها فيه: كالخبز واللحم دون نحو الدواب والأراضي.
فعلى الأول: المقبوض بها كالمقبوض بالبيع الفاسد أي في أحكام الدنيا أما في الآخرة فلا مطالبة بها.
ويجري خلافها في سائر العقود وصورتها: أن يتفقا على ثمن ومثمن وإن لم يوجد لفظ من واحد ولو قال متوسط للبائع: بعت؟

(1/317)


بلا فصل وتخلل لفظ أجنبي وتعليق وتأقيت وشرط في عاقد تكليف وإسلام لتملك مسلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فقال: نعم أو إي وقال للمشتري اشتريت؟ فقال: نعم صح.
ويصح أيضا بنعم منهما لجواب قول المشتري بعت والبائع اشتريت.
ولو قرن بالإيجاب أو القبول حرف استقبال كأبيعك لم يصح.
قال شيخنا: ويظهر أنه يغتفر من العامي نحو فتح تاء المتكلم.
وشرط صحة الإيجاب والقبول كونهما بلا فصل بسكوت طويل يقع بينهما بخلاف اليسير.
ولا تخلل لفظ وإن قل.
أجنبي عن العقد بأن لم يكن من مقتضاه ولا من مصالحه.
ويشترط أيضا أن يتوافقا معنى لا لفظا فلو قال بعتك بألف فزاد أو نقص أو بألف حالة فأجل أو عكسه أو مؤجلة بشهر فزاد لم يصح للمخالفة.
وبلا تعليق فلا يصح معه كإن مات أبي فقد بعتك هذا ولا تأقيت كبعتك هذا شهرا.
وشرط في عاقد بائعا كان أن مشتريا تكليف فلا يصح عقد صبي ومجنون وكذا من مكره بغير حق لعدم رضاه.
وإسلام لتملك رقيق مسلم لا يعتق عليه.

(1/318)


ومصحف وفي معقود ملك له عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وكذا يشترط أيضا: إسلام لتملك مرتد على المعتمد لكن الذي في الروضة وأصلها: صحة بيع المرتد للكافر.
ولتملك شيء من مصحف يعني ما كتب فيه قرآن ولو آية وإن أثبت لغير الدراسة كما قاله شيخنا.
ويشترط أيضا عدم حرابة من يشتري آلة حرب كسيف ورمح ونشاب وترس ودرع وخيل بخلاف غير آلة الحرب ولو مما تتأتى منه كالحديد إذ لا يتعين جعله عدة حرب ويصح بيعها للذمي أي في دارنا.
وشرط في معقود عليه مثمنا كان أو ثمنا ملك له أي للعاقد عليه.
فلا يصح بيع فضولي ويصح بيع مال غيره ظاهرا إن بان بعد البيع أنه له كأن باع مال مورثه ظانا حياته فبان ميتا حينئذ لتبين أنه ملكه ولا أثر لظن خطأ بأن صحته لان الاعتبار في العقود بما في نفس الأمر لا بما في ظن المكلف.
فائدة لو أخذ من غيره بطريق جائز ما ظن حله وهو حرام باطنا فإن كان ظاهر المأخوذ منه الخير لم يطالب في الآخرة وإلا طولب قاله البغوي.
ولو اشترى طعامه في الذمة وقضى من حرام فإن أقبضه له البائع

(1/319)


وطهره ورؤيته.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
برضاه قبل توفية الثمن حل له أكله أو بعدها مع علمه أنه حرام حل أيضا وإلا حرم إلى أن يبرئه أو يوفيه من حل قاله شيخنا.
وطهره أو إمكان طهره بغسل فلا يصح بيع نجس كخمر وجلد ميتة وإن أمكن طهرها بتخلل أو دباغ ولا متنجس لا يمكن طهره ولو دهنا تنجس بل يصح هبته.
ورؤيته أي المعقود عليه إن كان معينا فلا يصح بيع معين لم يره العاقدان أو أحدهما: كرهنه وإجارته للغرر المنهي عنه وإن بالغ في وصفه.
وتكفي الرؤية قبل العقد فيما لا يغلب تغيره إلى وقت العقد وتكفي رؤية بعض المبيع إن دل على باقيه
كظاهر صبرة نحو بر وأعلى المائع ومثل أنموج متساوي الأجزاء كالحبوب أو لم يدل على باقيه بل كان صوانا للباقي لبقائه كقشر رمان وبيض وقشرة سفلى لنحو جوز فيكفي رؤيته لان صلاح باطنه في إبقائه وإن لم يدل هو عليه.
ولا يكفي رؤية القشرة العليا إذا انعقدت السفلى.
ويشترط أيضا قدرة تسليمه فلا يصح بيع آبق وضال ومغصوب لغير قادر على انتزاعه وكذا سمك بركة شق تحصيله.

(1/320)


وشرط في بيع مطعوم ونقد بجنسه حلول وتقابض قبل تفرق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مهمة [في بيان حكم من تصرف في مال غيره ظاهرا ثم تبين أنه له] : من تصرف في مال غير ببيع أو غيره ظانا تعديه فبان أن له عليه ولاية كأن كان مال مورثه فبان موته أو مال أجنبي فبان إذنه له أو ظانا فقد شرط فبان مستوفيا للشروط صح تصرفه لان العبرة في العقود بما في نفس الأمر وفي العبادات بذلك وبما في ظن المكلف ومن ثم لو توضأ ولم يظن أنه مطلق: بطل طهوره وإن بان مطلقا لان المدار فيها على ظن المكلف.
وشمل قولنا ببيع أو غيره: التزويج والإبراء وغيرهما فلو أبرأ من حق ظانا أنه لا حق له فبان له حق صح على المعتمد.
ولو تصرف في إنكاح فإن كان مع الشك في ولاية نفسه فبان وليا لها حينئذ: صح اعتبارا بما في نفس الأمر.
وشرط في بيع ربوي وهو محصور في شيئين:
مطعوم كالبر والشعير والتمر والزبيب والملح والأرز والذرة والفول.
ونقد أي ذهب وفضة ولو غير مضروبين كحلي وتبر.
بجنسه كبر ببر وذهب بذهب.
حلول للعوضين وتقابض قبل تفرق ولو تقابضا البعض: صح فيه فقط.

(1/321)


ومماثلة وبغير جنسه حلول وتقابض وفي بيع موصوف في ذمة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ومماثلة بين العوضين يقينا: بكيل في مكيل ووزن في موزون وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق ولا البر بالبر ولا الشعير بالشعير ولا التمر بالتمر ولا الملح بالملح إلا سواء بسواء عينا بعين يدا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد" [مسلم رقم: 1587, الترمذي رقم: 1240, النسائي رقم: 4560- 4566, أبو داود رقم: 3349, ابن ماجه رقم: 2254, مسند أحمد رقم: 22175, 22217, 22220, الدارمي رقم: 2579] أي: مقابضة.
قال الرافعي: ومن لازمه الحلول أي غالبا فيبطل بيع الربوي بجنسه جزافا أو مع ظن مماثلة وإن خرجتا سواء.
وشرط في بيع أحدهما بغير جنسه واتحدا في علة الربا كبر بشعير وذهب بفضة حلول وتقابض قبل تفرق لا مماثلة فيبطل بيع الربوي بغير جنسه إن لم يقبضا في المجلس بل يحرم البيع في الصورتين إن اختل شرط من الشروط.
واتفقوا على أنه من الكبائر لورود اللعن لآكل الربا وموكله وكاتبه.
وعلم بما تقرر أنه لو بيع طعام بغيره كنقد أو ثوب أو غير طعام بطعام: لم يشترط شيء من الثلاثة.
وشرط في بيع موصوف في ذمة1 ويقال له السلم مع الشروط
__________
1 في نسخة: الذمة معرفة.

(1/322)


قبض رأس مال قبل تفرق وكون مسلم فيه دينا ومقدورا في محله ومعلوم قدر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المذكورة للبيع غير الرؤية.
قبض رأس مال معين أو في الذمة في مجلس خيار وهو قبل تفرق من مجلس العقد ولو كان رأس المال منفعة.
وإنما يتصور تسليم المنفعة بتسليم العين كدار وحيوان ولمسلم إليه قبضه ورده لمسلم ولو عن دينه.
وكون مسلم فيه دينا في الذمة: حالا كان أو مؤجلا لأنه الذي وضع له لفظ السلم فأسلمت إليك ألفا في
هذا العين أو هذا في هذا: ليس سلما لانتفاء الشرط ولا بيعا لاختلال لفظه.
ولو قال اشتريت منك ثوبا صفته كذا بهذه الدراهم فقال بعتك كان بيعا عند الشيخين نظرا للفظ.
وقيل سلم نظرا للمعنى واختاره جمع محققون.
وكون المسلم فيه مقدورا على تسليمه في محله بكسر الحاء: أي وقت حلوله فلا يصح السلم في منقطع عند المحل: كالرطب في الشتاء وكونه معلوم قدر بكيل في مكيل أو وزن في موزون أو ذرع في مزروع أو عد في معدود.
وصح في نحو جوز ولوز بوزن وموزون بكيل يعد فيه ضابطا ومكيل بوزن ولا يجوز فيه بيضة ونحوها لأنه يحتاج إلى ذكر جرمها

(1/323)


وحرم ربا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مع وزنها فيورث عزة الوجود.
ويشترط أيضا بيان محل تسليم للمسلم فيه إن أسلم بمحل لا يصلح للتسليم أو لحمله إليه مؤنة.
ولو ظفر المسلم بالمسلم إليه بعد المحل في غير محل التسليم ولنقله إلى محل الظفر مؤنة لم يلزمه أداء ولا يطالبه بقيمته.
ويصح السلم حالا ومؤجلا بأجل معلوم لا مجهول ومطلقه حال ومطلق المسلم فيه جيد.
وحرم ربا مر بيانه قريبا وهو أنواع:
ربا فضل بأن يزيد أحد العوضين.
ومنه ربا القرض: بأن يشترط فيه ما فيه نفع للمقرض.
وربا يد: بأن يفارق أحدهما مجلس العقد قبل التقابض.
وربا نساء: بأن يشترط أجل في أحد العوضين.
وكلها مجمع عليها.
ثم العوضان أن اتفقا جنسا: اشترط ثلاثة شروط تقدمت أو علة: وهي الطعم والنقدية اشترط شرطان تقدما.
قال شيخنا ابن زياد: لا يندفع إثم إعطاء الربا عند الاقتراض للضرورة بحيث أنه إن لم يعط الربا لا يحصل له القرض إذ له طريق إلى إعطاء الزائد بطريق النذر أو التمليك لاسيما إذا قلنا النذر لا يحتاج

(1/324)


وتفريق بين أمة وفرع لم يميز بنحو بيع وبطل فيهما,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إلى قبول لفظا على المعتمد.
وقال شيخنا: يندفع الإثم للضرورة.
فائدة: وطريق الخلاص من عقد الربا لمن يبيع ذهبا بذهب أو فضة بفضة أو برا ببر أو أرزا بأرز متفاضلا بأن يهب كل من البائعين حقه للآخر أو يقرض كل صاحبه ثم يبرئه ويتخلص منه بالقرض في بيع الفضة بالذهب أو الأرز بالبر بلا قبض قبل تفرق.
وحرم تفريق بين أمة وإن رضيت أو كانت كافرة.
وفرع لم يميز ولو من زنا المملوكين لواحد.
بنحو بيع كهبة وقسمة وهدية.
لغير من يعتق عليه لخبر: "من فرق بين الوالدة وولدها: فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة" [الترمذي رقم: 1283, مسند أحمد رقم: 22988, 23002, الدارمي رقم: 2469] .
وبطل العقد فيهما أي الربا والتفريق بين الأمة والولد.
وألحق الغزالي في فتاويه وأقره غيره التفريق بالسفر بالتفريق بنحو البيع وطرده في التفريق بين الزوجة وولدها وإن كانت حرة بخلاف المطلقة.

(1/325)


وبيع نحو عنب ممن ظن أنه يتخذه مسكرا,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والأب وإن علا والجدة وإن علت ولو من الأب كالأم إذا عدمت.
أما بعد التمييز فلا يحرم لاستغناء المميز عن الحضانة: كالتفريق بوصية وعتق ورهن.
ويجوز تفريق ولد البهيمة إن استغنى عن أمه بلبن أو غيره لكن يكره في الرضيع: كتفريق الآدمي المميز قبل البلوغ عن الأم فإن لم يستغن عن اللبن حرم وبطل إلا إن كان لغرض الذبح لكن بحث السبكي حرمة ذبح أمه مع بقائه.
وحرم أيضا: بيع نحو عنب ممن علم أو ظن أنه يتخذه مسكرا للشرب والأمرد ممن عرف بالفجور به والديك للمهارشة والكبش للمناطحة والحرير لرجل يلبسه وكذا بيع نحو المسك لكافر يشتري1 لتطييب الصنم والحيوان لكافر علم أنه يأكله بلا ذبح لان الأصح أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة كالمسلمين عندنا خلافا لأبي حنيفة رضي الله تعالى عنه فلا يجوز الإعانة عليهما ونحو ذلك من كل تصرف يفضي إلى معصية يقينا أو ظنا ومع ذلك يصح البيع.
ويكره بيع ما ذكر ممن توهم منه ذلك وبيع السلاح لنحو بغاة
__________
1 في نص إعانة الطالبين يشتريه.

(1/326)


واحتكار قوت وسوم على سوم بعد تقرر ثمن ونجش.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقطاع طريق ومعاملة من بيده حلال وحرام وإن غلب الحرام الحلال نعم: إن علم تحريم ما عقد به: حرم وبطل.
وحرم احتكار قوت كتمر وزبيب وكل مجزئ في الفطرة وهو إمساك ما اشتراه في وقت الغلاء لا الرخص ليبيعه بأكثر عند اشتداد حاجة أهل محله أو غيرهم إليه وإن لم يشتره بقصد ذلك لا ليمسكه لنفسه أو عياله أو ليبيعه بثمن مثله ولا إمساك غلة أرضه.
وألحق الغزالي بالقوت: كل ما يعين عليه كاللحم وصرح القاضي بالكراهة في الثوب.
وسوم علي سوم أي سوم غيره بعد تقرر ثمن بالتراضي به وإن فحش نقص الثمن عن القيمة للنهي عنه وهو أن يزيد على آخر في ثمن ما يريد شراءه أو يخرج له أرخص منه أو يرغب المالك في استرداده ليشتريه بأغلى وتحريمه بعد البيع وقبل لزومه لبقاء الخيار أشد.
ونجش للنهي عنه وللإيذاء: وهو أن يزيد في الثمن لا لرغبته بل ليخدع غيره وإن كانت الزيادة في مال محجور عليه ولو عند نقص القيمة على الأوجه.
ولا خيار للمشتري إن غبن فيه وإن واطئ البائع الناجش لتفريط المشتري حيث لم يتأمل ويسأل.
ومدح السلعة ليرغب فيها بالكذب كالنجش.
وشرط التحريم في الكل: علم النهي حتى في النجش ويصح البيع مع التحريم في هذه المواضع.

(1/327)


فصل [في خيار المجلس والشرط وخيار العيب]
يثبت خيار مجلس في كل بيع وسقط خيار من اختار لزومه,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في خياري المجلس والشرط وخيار العيب.
يثبت خيار مجلس في كل بيع حتى في الربوي والسلم وكذا في هبة ذات ثواب على المعتمد.
وخرج بفيء: كل بيع غير البيع: كالإبراء والهبة بلا ثواب وشركة وقراض ورهن وحوالة وكتابة وإجارة ولو في الذمة أو مقدرة بمدة فلا خيار في جميع ذلك لأنها لا تسمى بيعا.
وسقط خيار من اختار لزومه أي البيع من بائع ومشتر: كأن يقولا اخترنا لزومه أو أجزناه فيسقط خيارهما أو من أحدهما: كأن يقول اخترت لزومه: فيسقط خياره ويبقى خيار الآخر ولو مشتريا.

(1/328)


ويحصل فسخ بنحو فسخت وإجازة بنحو أجزت ولمشتر جاهل خيار بعيب قديم كاستحاضة وسرقة وإباق وزنا وبول بفراش
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والملك في المبيع مع توابعه في مدة الخيار لمن انفرد بخيار من بائع ومشتر ثم إن كان لهما: فموقوف فإن تم البيع: بان أنه لمشتر من حين العقد وإلا فلبائع.
ويحصل فسخ للعقد في مدة الخيار بنحو فسخت البيع كاسترجعت المبيع وإجازة فيها بنحو: أجزت البيع كأمضيته والتصرف في مدة الخيار بوطء وإعتاق وبيع وإجارة وتزويج من بائع: فسخ ومن مشتر: إجازة للشراء.
ويثبت لمشتر جاهل بما يأتي خيار في رد المبيع ب ظهور عيب قديم منقص قيمة في المبيع وكذا للبائع بظهور عيب قديم في الثمن وآثروا الأول: لان الغالب في الثمن الانضباط فقيل: فيه ظهور العيب.
والقديم ما قارن العقد أو حدث قبل القبض وقد بقي إلى الفسخ ولو حدث بعض القبض فلا خيار للمشتري وهو كاستحاضة ونكاح لأمة وسرقة وإباق وزنا من رقيق أي بكل منها وإن لم يتكرر وتاب ذكرا كان أو أنثى.
وبول بفراش إن اعتاده وبلغ سبع سنين وبخر وصنان مستحكمين.
ومن عيوب الرقيق: كونه نماما أو شتاما أو كذابا أو آكلا

(1/330)


وجماح وعض وكتصرية لا بغبن فاحش كظن زجاجة جوهرة والخيار فوري.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لطين أو شاربا لنحو خمر أو تاركا للصلاة ما لم يتب عنها أو أصم أو أبله أو مصطك الركبتين أو رتقاء أو حاملا في آدمية لا بهيمة أو لا تحيض من بلغت عشرين سنة أو أحد ثدييها أكبر من الآخر.
وجماح لحيوان وعض ورمح وكون الدار منزل الجند أو كون الجن مسلطين على ساكنها بالرجم أو القردة مثلا يرعون زرع الأرض.
ويثبت بتغرير فعلي وهو حرام للتدليس والضرر كتصرية له: وهي أن يترك حلبه مدة قبل بيعه ليوهم المشتري كثرة اللبن وتجعيد شعر الجارية لا خيار بغبن فاحش: كظن مشتر نحو زجاجة: جوهرة لتقصيره بعمله بقضية وهمه من غير بحث.
والخيار بالعيب ولو بتصرية فوري فيبطل بالتأخير بلا عذر ويعتبر الفور عادة فلا يضر صلاة وأكل دخل وقتهما وقضاء حاجة ولا سلامة على البائع بخلاف محادثته ولو عليه ليلا: فله التأخير حتى يصبح
ويعذر في تأخيره بجهله جواز الرد بالعيب إن قرب عهده بالإسلام أو نشأ بعيدا عن العلماء وبجهل فوريته إن خفي عليه.
ثم إن كان البائع في البلد: رده المشتري بنفسه أو وكليه على البائع أو وكيله ولو كان البائع غائبا عن البلد ولا وكيل له بها: رفع الأمر إلى الحاكم وجوبا ولا يؤخر لحضوره فإذا عجز عن الإنهاء لنحو مرض

(1/331)


000000000000000000000000000000000
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أشهد على الفسخ فإن عجز عن الإشهاد: لم يلزمه تلفظ وعلى المشتري ترك استعمال فلو استخدم رقيقا ولو بقوله اسقني أو ناولني الثوب أو أغلق الباب فلا رد قهرا وإن يفعل الرقيق ما أمر به فإن فعل شيئا من ذلك بلا طلب: لم يضر.
فرع لو باع حيوانا أو غيره بشرط براءته من العيوب في المبيع أو أن لا يرد بها: صح العقد وبرئ من عيب باطن بالحيوان موجود حال العقد لم يعلمه البائع لا عن عيب باطن في غير الحيوان ولا ظاهر فيه.
ولو اختلفا في قدم العيب واحتمل صدق كل: صدق البائع بيمينه في دعواه حدوثه لان الأصل: لزوم العقد.
وقيل لان الأصل عدم العيب في يده.
ولو حدث عيب لا يعرف القديم بدونه ككسر بيض وجوز وتقوير بطيخ مدود رد ولا أرش عليه للحادث. ويتبع في الرد بالعيب: الزيادة المتصلة كالسمن وتعلم الصنعة ولو بأجرة وحمل قارن بيعا لا المنفصلة: كالولد والثمر وكذا الحمل الحادث في ملك المشتري فلا تتبع في الرد بل هي للمشتري.

(1/332)


فصل في خياري المجلس والشرط وخيار العيب
...
وكل بفرقة بدن عرفا وحلف نافي فرقة أو فسخ قبلها ولهما شرط خيار ثلاثة أيام فأقل من الشرط,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وسقط خيار كل منهما بفرقة بدن منهما أو من أحدهما ولو ناسيا أو جاهلا عن مجلس العقد عرفا.
فما يعده الناس فرقة: يلزم به العقد وما لا: فلا فإن كانا في دار صغيرة فالفرقة بأن يخرج أحدهما منها أو في كبيرة: فبأن ينتقل أحدهما إلى بيت من بيوتها أو في صحراء أو سوق: فبأن يولي أحدهما ظهره ويمشي قليلا وإن سمع الخطاب فيبقى خيار المجلس ما لم يتفرقا ولو طال مكثهما في محل وإن بلغ سنين أو تماشيا منازل.
ولا يسقط بموت أحدهما: فينتقل الخيار للوارث المتأهل.
وحلف نافي فرقة أو فسخ قبلها أي قبل الفرقة: بأن جاءا معا وادعى أحدهما فرقة وأنكرها الآخر ليفسخ أو اتفقا عليها وادعى أحدهما فسخا قبلها وأنكر الآخر: فيصدق النافي لموافقته للأصل.
ويجوز لهما أي للعاقدين شرط خيار لهما أو لأحدهما في كل بيع فيه خيار مجلس إلا فيما يعتق فيه المبيع فلا
يجوز شرطه لمشتر للمنافاة وفي ربوي وسلم: فلا يجوز شرط فيهما لأحد لاشتراطه القبض فيهما في المجلس. ثلاثة أيام فأقل بخلاف ما لو أطلق أو أكثر من ثلاثة أيام فإن زاد عليها: لم يصح العقد من حين الشرط للخيار سواء أشرط في العقد أم في مجلسه.

(1/239)


فصل في حكم المبيع قبل القبض
المبيع قبل قبضه من ضمان بائع وإتلاف مشتر قبض ويبطل تصرف بنحو بيع فيما لم يقبض لا بنحو إعتاق
وقبض غير منقول بتخلية لمشتر ومنقول بنقله,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في حكم المبيع قبل القبض
المبيع قبل قبضه من ضمان بائع بمعنى انفساخ البيع بتلفه أو إتلاف بائع وثبوت الخيار بتعيبه أو تعييب بائع أو أجنبي وبإتلاف أجنبي فلو تلف بآفة أو أتلفه البائع: انفسخ البيع.
وإتلاف مشتر قبض وإن جهل أنه للبيع.
ويبطل تصرف ولو مع بائع بنحو بيع كهبة وصدقة وإجارة ورهن وإقراض: فيما لم يقبض لا بنحو إعتاق وتزويج ووقف: لتشوف الشارع إلى العتق ولعدم توقفه على القدرة بدليل صحة إعتاق الآبق ويكون به المشتري قابضا ولا يكون قابضا بالتزويج.
وقبض غير منقول من أرض ودار وشجر بتخلية لمشتر بأن يمكنه منه البائع مع تسليمه المفتاح وإفراغه من أمتعة غير المشتري.
وقبض منقول من سفينة أو حيوان بنقله من محله إلى محل آخر مع تفريغ السفينة.
ويحصل القبض أيضا بوضع البائع للمنقول بين يدي المشتري بحيث لو مد إليه يده لناله وإن قال: لا أريده.

(1/333)


وجاز استبدال عن ثمن ودين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وشرط في غائب عن محل العقد مع إذن البائع في القبض مضى زمن يمكن فيه المضي إليه عادة ويجوز لمشتر استقلال بقبض للمبيع إن كان الثمن مؤجلا أو سلم الحال.
وجاز استبدال في غير ربوي بيع بمثله من جنسه.
عن ثمن نقد أو غيره: لخبر ابن عمر رضي الله عنه: كنت أبيع الإبل بالدنانير وآخذ مكانها الدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ مكانها الدنانير فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك فقال: "لا بأس إذا تفرقتما وليس بينكما شيء" [الترمذي رقم: 1242, النسائي رقم: 4582, 4583, 4589, أبو داود رقم: 3354, ابن ماجه رقم: 2262, مسند أحمد رقم: 4868, 5530, 5839, 6203, 6391, الدارمي رقم: 2581] .
وعن دين قرض وأجرة وصداق لا عن مسلم فيه لعدم استقراره ولو استبدل موافقا في علة الربا كدرهم عن دينار اشترط قبض البدل في المجلس حذرا من الربا لا إن استبدل ما لا يوافقه في العلة كطعام عن درهم.
ولا يبدل نوع أسلم فيه أو مبيع في الذمة عقد بغير لفظ السلم بنوع آخر ولو من جنسه: كحنظة سمراء عن بيضاء لان المبيع مع تعينه لا يجوز بيعه قبل قبضه فمع كونه في الذمة أولى. نعم يجوز إبداله بنوعه الأجود وكذا الأردأ بالتراضي.

(1/334)


فصل في بيع الأصول والثمار
يدخل في بيع أرض ما فيها من بناء وشجر وفي بستان أرض وشجر وبناء ودار هذه وأبواب منصوبة لا في قن حلقة وثوب,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في بيع الأصول والثمار
يدخل في بيع أرض وهبتها ووقفها والوصية بها مطلقا لا في رهنها والإقرار بها ما فيها من بناء وشجر رطب وثمره الذي لم يظهر عند البيع وأصول بقل تجز مرة بعد أخرى كقثاء وبطيخ لا ما يؤخذ دفعة كبر وفجل لأنه ليس للدوام والثبات فهو كالمنقولات في الدار.
ويدخل في بيع بستان وقرية أرض وشجر وبناء فيهما لا مزارع حولهما لأنها ليست منهما.
وفي بيع دار هذه الثلاثة أي الأرض المملوكة للبائع بحملتها حتى تخومها إلى الأرض السابعة والشجر المغروس فيها وإن كثر والبناء فيها بأنواعه وأبواب منصوبة وأغلاقها المثبتة لا الأبواب المقلوعة والسرر والحجارة المدفونة بلا بناء.
لا في بيع قن ذكر أو غيره حلقة بأذنه أو خاتم أو نعل وكذا ثوب عليه خلافا للحاوي كالمحرر وإن كان ساتر عورته.

(1/335)


وفي شجر عرق وغصن رطب لا مغرسه وثمر ظهر ويبقيان وفي دابة حملها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وفي بيع شجر رطب بلا أرض عند الإطلاق عرق ولو يابسا إن لم يشرط قطع الشجر بأن شرط إبقاؤه أو أطلق لوجوب بقاء الشجر الرطب ويلزم المشتري قلع اليابس عند الإطلاق للعادة فإن شرط قطعه أو قلعه: عمل به أو إبقاؤه: بطل البيع ولا ينتفع المشتري بمغرسها وغصن رطب لا يابس والشجر رطب لان العادة قطعه وكذا ورق رطب لا ورق حناء على الأوجه.
لا يدخل في بيع الشجر مغرسه فلا يتبعه في بيعه لان اسم الشجر لا يتناوله.
ولا ثمر ظهر: كطلع نخل بتشقق وثمر نحو عنب: ببروز وجوز: بانعقاد فما ظهر منه: للبائع وما لم يظهر: للمشتري ولو شرط الثمر لأحدهما: فهو له عملا بالشرط: سواء أظهر الثمر أم لا.
ويبقيان أي الثمر الظاهر والشجر عند الإطلاق فيستحق البائع تبقية الثمر إلى أوان الجداد فيأخذه دفعة لا تدريجا وللمشتري تبقية الشجر ما دام حيا فإن انقلع فله غرسه إن نفع لا بد له.
ويدخل في بيع دابة حملها المملوك لمالكها فإن لم يكن مملوكا لمالكها لم يصح البيع كبيعها دون حملها وكذا عكسه.

(1/336)


فصل في اختلاف المتعاقدين
ولو اختلف متعاقدان في صفة عقد وصح كقدر عوض ولا بينة لأحدهما حلف كل فإن أصرا فلكل أو الحاكم فسخه,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في اختلاف المتعاقدين
ولو اختلف متعاقدان ولو وكيلين أو وارثين في صفة عقد معاوضة كبيع وسلم وقراض وإجارة وصداق.
والحال أنه قد صح العقد باتفاقهما أو يمين البائع: كقدر عوض من نحو مبيع أو ثمن أو جنسه أو صفته أو أجل أو قدره ولا بينة لأحدهما بما ادعاه أو كان لكل منهما بينة ولكن قد تعارضتا بأن أطلقتا أو أطلقت إحداهما وأرخت الأخرى أو أرختا بتاريخ واحد وإلا حكم بمقدمة التاريخ.
حلف كل منهما يمينا واحدة تجمع نفيا لقول صاحبه وإثباتا لقوله فيقول البائع مثلا: ما بعت بكذا ولقد بعت بكذا ويقول المشتري: ما اشتريت بكذا ولقد اشتريت بكذا لان كلا: من المدعي والمدعى عليه.
والأوجه: عدم الاكتفاء بما بعت إلا بكذا لان النفي فيه: صريح والإثبات: مفهوم.
فإن رضي أحدهما بدون ما ادعاه أو سمح للآخر بما ادعاه لزم العقد ولا رجوع.
فإن أصرا على الاختلاف: فلكل منهما أو للحاكم فسخه أي:

(1/337)


ولو ادعى بيعا والآخر رهنا حلف كل نفيا وحلف مدعي صحة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
العقد وإن لم يسألاه قطعا للنزاع ولا تجب الفورية هنا.
ثم بعد الفسخ: يرد المبيع بزيادته المتصلة فإن تلف حسا أو شرعا كأن وقفه أو باعه رد مثله إن كان مثليا أو قيمته إن كان متقوما ويرد على البائع قيمة آبق فسخ العقد وهو آبق من عند المشتري والظاهر اعتبارها بيوم الهرب.
ولو ادعى أحدهما بيعا والآخر رهنا أو هبة: كأن قال أحدهما بعتكه بألف فقال الآخر: بل رهنتنيه أو وهبتنيه فلا تخالف إذا لم يتفقا على عقد واحد بل حلف كل منهما للآخر نفيا أي يمينا نافية لدعوى الآخر لأن الأصل: عدمه ثم يرد مدعى البيع الألف لأنه مقر بها ويسترد العين بزوائدها المتصلة والمنفصلة.
وإذا اختلف العاقدان: فادعى أحدهما اشتمال العقد على مفسد من إخلال ركن أو شرط كأن ادعى أحدهما رؤيته وأنكرها الآخر:
وحلف مدعي صحة العقد غالبا تقديما للظاهر من حال المكلف وهو اجتنابه للفاسد على أصل عدمها لتشوف الشارع إلى إمضاء العقود وقد يصدق مدعي الفساد كأن قال البائع: لم أكن بالغا حين البيع وأنكر المشتري واحتمل ما قاله البائع: صدق بيمينه لأن الأصل: عدم البلوغ.
وإن اختلفا: هل وقع الصلح على الإنكار أو الاعتراف؟ فيصدق مدعي الإنكار: لأنه الغالب.

(1/338)


000000000000000000000000000000
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ومن وهب في مرضه شيئا فادعت ورثته غيبة عقله حال الهبة: لم يقبلوا إلا إن علم له غيبة قبل الهبة وادعوا استمرارها إليها.
ويصدق منكر أصل نحو البيع.
فروع لورد المشتري مبيعا معينا معيبا فأنكر البائع أنه المبيع فيصدق بيمينه لأن الأصل مضي العقد على السلامة.
ولو أتى المشتري بما فيه فأرة وقال قبضته كذلك فأنكر المقبض صدق بيمينه.
ولو أفرغه في ظرف المشتري فظهرت فيه فأرة فادعى كل أنها من عند الآخر: صدق البائع بيمينه إن أمكن صدقه لأنه مدع للصحة ولأن الأصل في كل حادث: تقديره بأقرب زمن والأصل براءة البائع.
وإن دفع لدائنه دينه فرده بعيب فقال الدافع ليس هو الذي دفعته: صدق الدائن لأن الأصل: بقاء الذمة.
ويصدق غاصب رد عينا وقال هي المغصوبة وكذا وديع.

(1/339)


فصل [في القرض والرهن]
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في القرض والرهن.

(1/339)


الإقراض سنة بإيجاب كأقرضتك,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الإقراض وهو تمليك شيء على أن يرد مثله.
سنة لأن فيه إعانة على كشف كربة فهو من السنن الأكيدة للأحاديث الشهيرة كخبر مسلم [رقم: 2699] : من نفس على أخيه كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة.
والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه وصح خبر "من أقرض الله مرتين: كان له مثل أجر أحدهما لو تصدق به" [كنز العمال رقم: 15386] .
والصدقة أفضل منه خلافا لبعضهم ومحل ندبه: إن لم يكن المقترض مضطرا وإلا وجب ويحرم الاقتراض على غير مضطر لم يرج الوفاء من جهة ظاهرة فورا في الحال وعند الحلول في المؤجل كالإقراض عند العلم أو الظن من آخذه أنه ينفقه في معصية.
ويحصل بإيجاب: كأقرضتك هذا أو ملكتكه على أن ترد مثله أو خذه ورد بدله أو اصرفه في حوائجك ورد بدله.
فإن حذف ورد بدله: فكناية وخذه فقط: لغو إلا إن سبقه أقرضني هذا فيكون قرضا أو أعطني فيكون هبة.
ولو اقتصر على ملكتكه ولم ينو البدل: فهبة وإلا فكناية.
ولو اختلفا في نية البدل: صدق الدافع لأنه أعرف بقصده أو في ذكر البدل: صدق الآخذ في عدم الذكر لأنه الأصل والصيغة ظاهرة فيما ادعاه.

(1/340)


وقبول
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ولو قال لمضطر أطعمتك بعوض فأنكر صدق المطعم حملا للناس على هذه المكرمة.
ولو قال وهبتك بعوض فقال مجانا: صدق المتهب.
ولو قال اشتر لي بدرهمك خبز فاشتري له: كان الدرهم قرضا لا هبة على المعتمد.
وقبول متصل به: كأقرضته وقبلت قرضه نعم: القرض الحكمي كالإنفاق على اللقيط المحتاج وإطعام الجائع وكسوة العاري لا يفتقر إلى إيجاب وقبول.
ومنه أمر غيره بإعطاء ماله غرض فيه: كإعطاء شاعر أو ظالم أو إطعام فقير أو فداء أسير وعمر داري.
وقال جمع: لا يشترط في القرض: الإيجاب والقبول واختاره الأذرعي وقال قياس جواز المعاطاة في البيع: جوازها هنا وإنما يجوز القرض من أهل تبرع: فيما يسلم فيه من حيوان وغيره ولو نقدا مغشوشا.
نعم يجوز قرض الخبز والعجين والخمير الحامض لا الروية على الأوجه وهي خميرة لبن حامض تلقى على اللبن ليروب لاختلاف حموضتها المقصودة.
ولو قال أقرضني عشرة فقال خذها من فلان فإن كانت له تحت يده: جاز وإلا فهو وكيل في قبضها فلا بد من تجديد قرضها.
ويمتنع على ولي قرض مال موليه بلا ضرورة نعم: يجوز للقاضي

(1/341)


وملك مقترض بقبض ولمقرض استرداد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إقراض مال المحجور عليه بلا ضرورة لكثرة أشغاله إن كان المقترض أمينا موسرا.
وملك مقترض بقبض بإذن مقرض وإن لم يتصرف فيه كالموهوب.
قال شيخنا: والأوجه في النقوط المعتاد في الأفراح أنه هبة لا قرض وإن اعتيد رد مثله.
ولو أنفق على أخيه الرشيد وعياله سنين وهو ساكت: لا يرجع به على الأوجه.
وجاز لمقرض استرداد حيث بقي ذلك المقترض وإن زال عن ملكه ثم عاد على الأوجه بخلاف ما لو تعلق به حق لازم كرهن وكتابة فلا يرجع فيه حينئذ نعم: لو آجره رجع فيه.
ويجب على المقترض رد المثل في المثلى وهو النقد والحبوب ولو نقدا أبطله السلطان لأنه أقرب إلى حقه.
ورد المثل صورة في المتقوم وهو الحيوان والثياب والجواهر.
ولا يجب قبول الرديء عن الجيد ولا قبول المثل في غير محل الإقراض إن كان له غرض صحيح كأن كان لنقله مؤنة ولم يتحملها المقترض أو كان الموضع مخوفا.
ولا يلزم المقترض الدفع في غير محل الإقراض إلا إذا لم يكن لحملة مؤنة أو له مؤنة وتحملها المقرض لكن له مطالبة في غير محل

(1/342)


ونفع بلا شرط
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الإقراض بقيمة بمحل الإقراض وقت المطالبة فيما لنقله مؤنة ولم يتحملها المقرض لجوزا الاعتياض عنه.
وجاز لمقرض نفع يصل له من مقترض كرد الزائد قدرا أو صفة والأجود في الرديء بلا شرط في العقد بل يسن ذلك لمقترض لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن خياركم: أحسنكم قضاء" [البخاري رقم: 2305, مسلم رقم: 1601] , ولا يكره للمقرض أخذه كقبول هديته ولو في الربوي.
والأوجه أن المقرض يملك الزائد من غير لفظ لأنه وقع تبعا وأيضا فهو يشبه الهدية وأن المقترض إذا دفع أكثر مما عليه وادعى أنه إنما دفع ذلك ظنا أنه الذي عليه: حلف ورجع فيه.
وأما القرض بشرط جر نفع لمقرض ففاسد لخبر: "كل قرض جر منفعة فهو ربا" [رواه الحارث ابن أبي أسامة في مسنده عن علي كرم الله وجهه الجامع الصغير رقم: 6336] وجبر ضعفه: مجيء معناه عن جمع من الصحابة.
ومنه القرض لمن يستأجر ملكه أي مثلا بأكثر من قيمته لأجل القرض إن وقع ذلك شرطا إذ هو حينئذ حرام إجماعا وإلا كره عندنا وحرام عند كثير من العلماء قاله السبكي.
ويجوز الإقراض بشرط الرهن أو الكفيل.
ولو قال أقرض هذا مائة وأنا لها ضامن فأقرضه المائة أو بعضها

(1/343)


ويصح رهن بإيجاب وقبول من أهل تبرع ولو عارية,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كان ضامنا على الأوجه للحاجة: كألق متاعك في البحر وعلي ضمانه.
وقال البغوي: لو ادعى المالك القرض والآخذ الوديعة: صدق الآخذ لأن الأصل: عدم الضمان خلافا للأنوار.
ويصح رهن وهو جعل عين يجوز بيعها وثيقة بدين يستوفى منها عند تعذر وفائه فلا يصح رهن وقف
وأم ولد.
بإيجاب وقبول كرهنت وأرتهنت ويشترط ما مر في البيع من اتصال اللفظين وتوافقهما معنى ويأتي هنا خلاف المعاطاة من أهل تبرع فلا يرهن ولي أبا كان أو جدا أو وصيا أو حاكما مال صبي ومجنون كما لا يرتهن لهما إلا لضرورة أو غبطة ظاهرة فيجوز له الرهن والارتهان كأن يرهن على ما يقترض لحاجة المؤنة ليوفي مما ينتظر من الغلة أو حلول الدين وكأن يرتهن على ما يقرضه أو يبيعه مؤجلا لضرورة نهب أو نحوه للزوم الارتهان حينئذ.
ولو كان العين المرهونة جزءا مشاعا أو عارية وإن لم يصرح بلفظها كأن قال له مالكها: ارهنها بدينك لحصول التوثق بها.
ويصح إعارة النقد لذلك على الأوجه وإن منعنا إعارته لغير ذلك فيصح رهن معار بإذن مالك بشرط معرفته المرتهن وجنس الدين وقدره نعم في الجواهر لو قال له ارهن عبدي بما شئت: صح أن يرهنه بأكثر من قيمته.
انتهى.

(1/344)


لا بشرط ما يضر كأن لا يباع عند المحل وكشرط منفعته كأن يشرطا أن الزوائد مرهونة. ولا يلزم إلا بقبض بإذن,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ولو عين قدرا فرهن بدونه: جاز.
ولا رجوع للمالك بعد قبض المرتهن العارية فلو تلف في يد الراهن ضمن لأنه مستعير الآن اتفاقا أو في يد المرتهن: فلا ضمان عليهما إذ المرتهن أمين ولم يسقط الحق عن ذمة الراهن نعم: إن رهن فاسدا: ضمن بالتسليم على ما قاله غير واحد.
ويباع المعار بمراجعة مالكه عند حلول الدين ثم يرجع المالك على الراهن بثمنه الذي بيع به.
لا يصح بشرط ما يضر الراهن أو المرتهن: كأن لا يباع أي المرهون عند المحل أي وقت حلول الدين أو إلا بأكثر من ثمن المثل وكشرط منفعته أي المرهون لمرتهن كأن يشرطا1 أن الزوائد الحادثة كثمر الشجر مرهونة فيبطل الرهن في الصور الثلاثة.
ولا يلزم الرهن كالهبة إلا بقبض بما مر في قبض المبيع بإذن من راهن يصح تبرعه.
ويحصل الرجوع عن الرهن قبل قبضه بتصرف يزيل الملك كالهبة والرهن لآخر ولا بوطء وتزويج وموت عاقد وهرب مرهون.
__________
1 في نسخة كأن يشترطا.

(1/345)


واليد لمرتهن وهي أمانة وصدق في تلف لا رد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
واليد في المرهون لمرتهن بعد لزوم الرهن غالبا وهي على الرهن أمانة أي يد أمانة ولو بعد البراءة من الدين فلا يضمنه المرتهن إلا بالتعدي: كأن امتنع من الرد بعد سقوط الدين.
وصدق أي المرتهن كالمستأجر في دعوى تلف بيمينه لا في رد لأنهما قبضا لغرض أنفسهما فكانا كالمستعير بخلاف الوديع والوكيل.
ولا يسقط بتلفه شيء من الدين ولو غفل عن نحو كتاب فأكلته الأرضة أو جعله في محل هو مظنتها ضمنه لتفريطه.
قاعدة [في بيان أن فاسد العقود كصحيحها] : وحكم فساد العقود إذا صدر من رشيد حكم صحيحها في الضمان وعدمه لان صحيح العقد إذا اقتضى الضمان بعد القبض كالبيع والقرض ففاسدة أولى أو عدمه كالمرهون والمستأجر والموهوب ففاسدة كذلك.
فرع لو رهن شيئا وجعله مبيعا من المرتهن بعد شهر أو عارية له بعده بأن شرطا في عقد الرهن ثم قبضه المرتهن: لم يضمنه قبل مضي الشهر وإن علم فساده على المعتمد وضمنه بعده لأنه يصير بيعا أو عارية فاسدين لتعليقهما بانقضاء الشهر فإن قال رهنتك فإن لم أقض عند الحلول فهو مبيع منك: فسد البيع لا الرهن على

(1/346)


وله طلب بيعه إن حل دين ويجبر راهن فإن أصر باعه قاض وعلى مالكه مؤنة,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الأوجه لأنه لم يشترط فيه شيئا.
وله أي للمرتهن طلب بيعه أي المرهون أو طلب قضاء دينه إن لم يبع.
ولا يلزم الراهن البيع بخصوصه بل إنما يطلب المرتهن أحد الأمرين إن حل دين وإنما يبيع الراهن بإذن المرتهن عند الحاجة لان له فيه حقا ويقدم المرتهن بثمنه على سائر الغرماء فإن أبى المرتهن الإذن قال له الحاكم ائذن في بيعه أو أبرئه من الدين.
ويجبر راهن أي يجبره الحاكم على أحد الأمرين إذا امتنع بالحبس وغيره فإن أصر على الامتناع أو كان غائبا وليس له ما يوفى منه غير الرهن باعه عليه قاض بعد ثبوت الدين وملك الراهن والرهن وكونه بمحل ولايته وقضى الدين من ثمنه دفعا لضرر المرتهن.
ويجوز للمرتهن بيعه في دين حال بإذن الراهن وحضرته بخلافه في غيبته نعم إن قدر له الثمن: صح مطلقا لانتفاء التهمة ولو شرطا أن يبيعه ثالث عند المحل: جاز بيعه بثمن مثل حال.
ولا يشترط مراجعة الراهن في البيع لأن الأصل بقاء إذنه بل المرتهن لأنه قد يمهل أو يبرئ.
وعلى مالكه من راهن أو معير له: مؤنة للمرهون كنفقة رقيق وكسوته

(1/347)


وليس له رهن لآخر ووطء وتزويج لا منه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وعلف دابة وأجرة رد آبق ومكان حفظ وإعادة ما يهدم إجماعا خلافا لما شذ به الحسن فإن غاب أو أعسر.
راجع المرتهن الحاكم وله الإنفاق بإذنه ليكون رهنا بالنفقة أيضا فإن تعذر استئذانه وأشهد بالإنفاق ليرجع رجع وإلا فلا.
وليس له أي للمالك بعد لزوم الرهن: بيع ووقف ورهن لآخر لئلا يزاحم المرتهن.
ووطء للمرهونة بلا إذنه وإن لم تحبل حسما للباب بخلاف سائر التمتعات فتحل إن أمن الوطء.
وتزويج الأمة مرهونة لنقصه القيمة لا إن كان التزويج منه: أي المرتهن أو بإذنه فلا يمتنع على الراهن.
وكذا لا تجوز الإجارة لغير المرتهن بلا إذن إن جاوزت مدتها المحل.
ويجوز له الانتفاع بالركوب والسكنى لا بالبناء والغرس نعم لو كان الدين مؤجلا وقال: أنا أقلع عند الأجل فله ذلك.
وأما وطء المرتهن الجارية المرهونة ولو بإذن المالك فزنا حيث علم التحريم فعليه الحد ويلزمه المهر ما لم تطاوعه عالمة بالتحريم وما نسب إلى عطاء من تجويزه الوطء بإذن المالك ضعيف جدا بل قيل إنه مكذوب عليه.
وسئل القاضي الطيب الناشري عن الحكم فيما اعتاده النساء من

(1/348)


ولو اختلفا في رهن أو قدره صدق راهن.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ارتهان الحلي مع الإذن في لبسها فأجاب لا ضمان على المرتهنة مع اللبس لان ذلك في حكم إجارة فاسدة معللا ذلك: بأن المقرضة لا تقرض مالها إلا لأجل الارتهان واللبس فجعل ذلك عوضا فاسدا في مقابلة اللبس.
ولو اختلفا أي الراهن والمرتهن في أصل رهن كأن قال رهنتني كذا فأنكر الآخر أو في قدره: أي المرهون كرهنتني الأرض مع شجرها فقال: بل وحدها أو قدر المرهون به: كبألفين فقال بل بألف: صدق راهن بيمينه وإن كان المرهون بيد المرتهن لأن الأصل عدم ما يدعيه المرتهن ولو ادعى مرتهن هو بيده أنه قبضه بالإذن وأنكره الراهن وقال بل غصبته أو أعرتكه أو آجرتكه: صدق في جحده بيمينه.
فرع من عليه ألفان بأحدهما رهن أو كفيل فأدي ألفا وقال أديته عن ألف الرهن: صدق بيمينه لان المؤدي أعرف بقصده وكيفيته ومن ثم لو أدى لدائنه شيئا وقصد أنه عن دينه وقع عنه وإن ظنه الدائن هدية
كذا قالوه ثم إن لم ينو الدافع شيئا حالة الدفع: جعله عما شاء منهما لان التعيين إليه.

(1/349)


000000000000000000000000000000000
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تتمة [في بيان حكم المفلس] المفلس من عليه دين لآدمي حال زائد على ماله: يحجر عليه بطلبه الحجر على نفسه أو طلب غرمائه.
وبالحجر: يتعلق حق الغرماء بماله فلا يصح تصرفه فيه بما يضرهم كوقف وهبة ولا بيعه ولو لغرمائه بدينهم بغير إذن القاضي ويصح إقراره بعين أو دين أسند وجوبه لما قبل الحجر.
ويبادر قاض يبيع ماله ولو مسكنه وخادمه بحضرته مع غرمائه وقسم ثمنه بين غرمائه كبيع مال ممتنع عن أداء حق وجب عليه أداوه.
ولقاض إكراه ممتنع من الأداء بالحبس وغيره من أنواع التعزير ويحبس مدين مكلف عهد له المال لا أصل وإن علا من جهة أب أو أم بدين فرعه خلافا للحاوي كالغزالي.
وإذا ثبت إعسار مدين: لم يجز حبسه ولا ملازمته بل يمهل حتى يوسر.
وللدائن ملازمة من لم يثبت إعساره ما لم يختر المدين الحبس فيجاب إليه وأجرة الحبس وكذا الملازم على المدين وللحاكم منع المحبوس: الاستئناس بالمحادثة وحضور الجمعة وعمل الصنعة إن رأى المصلحة فيه.
ولا يجوز للدائن تجويع المدين بمنع الطعام كما أفتى به شيخنا الزمزمي رحمه الله تعالى.
ويجوز لغريم المفلس المحجور عليه أو الميت: الرجوع فورا إلى

(1/350)


00000000000000000000000000000000000
ـــــــــــــــــــــــــــــ
متاعه إن وجد في ملكه ولم يتعلق به حق لازم والعوض حال وإن تفرخ البيض المبيع ونبث البذر واشتد حب الزرع لأنها حدثت من عين ماله ويحصل الرجوع من البائع ولو بلا قاض بنحو فسخت ورجعت في المبيع لا بنحو بيع وعتق فيه.

(1/351)


فصل [في بيان حجر المجنون والصبي والسفيه]
يحجر بجنون إلى إفاقة وصبا إلى بلوغ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فصل [في بيان حجر المجنون والصبي والسفيه]
يحجز بجنون إلى إفاقة وصبا إلى بلوغ بكمال خمس عشرة سنة قمرية تحديدا بشهادة عدلين خبيرين أو خروج مني أو حيض وإمكانهما كمال تسع سنين ويصدق مدعي بلوغ: بإمناء أو حيض ولو في خصومة بلا يمين إذ لا يعرف إلا منه.
ونبت العانة الخشنة بحيث تحتاج إلى الحلق في حق كافر: ذكر أو أنثى أمارة على بلوغه بالسن أو الاحتلام.
ومثله: ولد من جهل إسلامه لا من عدم من يعرف سنه: على الأوجه وقيل يكون علامة في حق المسلم أيضا.
وألحقوا بالعانة: الشعر الخشن في الإبط.

(1/351)


00000000000000000000000000000000000
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وإذا بلغ الصبي رشيدا: أعطى ماله.
والرشد: صلاح الدين والمال بأن لا يفعل محرما يبطل عدالة: من ارتكاب كبيرة أو إصرار على صغيرة مع عدم غلبة طاعاته معاصيه وبأن لا يبذر بتضييع المال باحتمال غبن فاحش في المعاملة وإنفاقه ولو فلسا في محرم وأما صرفه في الصدقة ووجوه الخير والمطاعم والملابس والهدايا التي لا تليق به فليس بتبذير.
وبعد إفاقة المجنون وبلوغ الصبي ولو بلا رشد يصح الإسلام والطلاق والخلع وكذا التصرف المالي بعد الرشد.
وولي الصبي: أب عدل فأبوه وإن علا فوصي فقاضي بلد المولى إن كان عدلا أمينا فإن كان ماله ببلد آخر: فولي ماله قاضي بلد المال في حفظه وبيعه وإجارته عند خوف هلاكه فصلحاء بلده.
ويتصرف الولي بالمصلحة ويلزمه حفظ ماله واستنماؤه قدر النفقة والزكاة والمؤن إن أمكنه وله السفر به في طريق آمن لمقصد آمن برا لا بحرا وشراء عقار يكفيه غلته أولى من التجارة ولا يبيع عقاره إلا لحاجة أو غبطة ظاهرة.
وأفتى بعضهم بأن للولي الصلح على بعض دين المولي إذا تعين ذلك طريقا لتخليص ذلك البعض كما أن له بل يلزمه دفع بعض ماله لسلامة باقية انتهى.

(1/352)


000000000000000000000000000000000
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وله بيع ماله نسيئة لمصلحة وعليه أن يرتهن بالثمن رهنا وافيا إن لم يكن المشتري موسرا.
ولولي إقراض مال محجور لضرورة.
ولقاض ذلك مطلقا بشرط كون المقترض مليئا أمينا.
ولا ولاية لام على الأصح ومن أدلى بها ولا لعصبة نعم لهم الإنفاق من مال الطفل في تأديبه وتعليمه لأنه قليل فسومح به عند فقد الولي الخاص.
ويصدق أب أو جد في أنه تصرف لمصلحة بيمينه وقاض بلا يمين إن كان ثقة عدلا مشهور العفة وحسن السيرة لا وصي وقيم وحاكم وفاسق بل المصدق بيمينه هو المحجور حيث لا بينة لأنهم قد يتهمون.
ومن ثم: لو كانت الأم وصية كانت كالأولين وكذا آباؤها.
فرع ليس لولي أخذ شيء من مال موليه إن كان غنيا مطلقا فإن كان فقيرا وانقطع بسببه عن كسبه: أخذ قدر نفقته وإذا أيسر: لم يلزمه بدل ما أخذه.
قال الأسنوي: هذا في وصي وأمين أما أب أو جد فيأخذ قدر كفايته اتفاقا سواء الصحيح وغيره1.
__________
1 قال الشيخ السيد البكري رحمه الله في بعض نسخ الخط سواء الموسر الصحيح وغيره انتهى.

(1/353)


0000000000000000000000000000000000
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقيس بولي اليتيم فيما ذكر: من جمع مالا لفك أسير أي مثلا فله إن كان فقيرا الأكل منه.
وللأب والجد: استخدام محجورة فيما لا يقابل بأجرة ولا يضربه على ذلك خلافا لمن جزم بأن له ضربه عليه.
وأفتى النووي بأنه لو استخدم ابن ابنته: لزمه أجرته إلى بلوغه ورشد وإن لم يكرهه ولا يجب أجرة الرشيد إلا إن أكره ويجري هذا في غير الجد للام.
وقال الجلال البلقيني: لو كان للصبي مال غائب فأنفق وليه عليه من مال نفسه بنية الرجوع إذا حضر ماله رجع إن كان أبا أو جدا لأنه يتولى الطرفين بخلاف غيرهما: أي حتى الحاكم بل يأذن لمن ينفق ثم يوفيه. وأفتى جمع فيمن ثبت له على أبيه دين فادعى إنفاقه عليه: بأنه يصدق هو أو وارثه باليمين.

(1/354)


فصل في الحوالة
تصح حوالة بصيغة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في الحوالة
تصح حوالة بصيغة وهي إيجاب من المحيل: كأحلتك على فلان بالدين الذي لك علي أو نقلت حقك إلى فلان أو جعلت مالي

(1/354)


وبرضا محيل ومحتال ويلزم بها دين محتال محالا عليه فإن تعذر أخذه منه بفلس أو جحد لم يرجع على محيل,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عليه لك وقبول من المحتال بلا تعليق ويصح بأحلني وبرضا محيل ومحتال ولا يشترط رضا المحال عليه.
ويلزم بها أي الحوالة دين محتال محالا عليه فيبرأ المحيل بالحوالة عن دين المحتال والمحال عليه عن دين المحيل ويتحول حق المحتال إلى ذمة المحال عليه إجماعا.
فإن تعذر أخذه منه بفلس حصل للمحال عليه وإن قارن الفلس الحوالة.
أو جحد أي إنكار منه للحوالة أو دين المحيل وحلف عليه أو بغير ذلك: كتعزز المحال عليه وموت شهود الحوالة:
لم يرجع المحتال على محيل بشيء وإن جهل ذلك ولا يتخير لو بان المحال عليه معسرا وإن شرط يساره.
ولو طلب المحتال المحال عليه فقال أبرأني المحيل قبل الحوالة وأقام بذلك بينة: سمعت وإن كان المحيل في البلد.
ثم المتجه أن للمتحال: الرجوع بدينه على المحيل إلا إذا استمر على تكذيب المحال عليه.
ولو باع عبدا وأحال بثمنه ثم اتفق المتبايعان على حريته وقت البيع أو ثبتت حريته حينئذ ببينة شهدت حسبة أو أقامها العبد: لم

(1/355)


000000000000000000000000000000000
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تصح الحوالة وإن كذبهما المحتال في الحرية ولا بينة فلكل منهما تحليفه على نفي العلم بها وبقيت الحوالة.
ولو اختلفا أي الدائن والمدين في أنه هل وكل أو أحال؟ بأن قال المدين: وكلتك لتقبض لي فقال الدائن: بل أحلتني وقال المدين: أحلتك فقال الدائن: بل وكلتني صدق منكر حوالة بيمينه فيصدق المدين في الأولى والدائن في الأخيرة لأن الأصل بقاء الحق في ذمة المستحق عليه.
تتمة [في بيان أحكام الضمان وأحكام الصلح] يصح من مكلف رشيد: ضمان بدين واجب سواء استقر في ذمة المضمون له1: كنفقة اليوم وما قبله للزوجة أو لم يستقر كثمن مبيع لم يقبض وصداق قبل وطئ لا بما سيجب كدين قرض ونفقة غد للزوجة ولا بنفقة القريب مطلقا ولا يشترط رضا الدائن والمدين.
وصح ضمان الرقيق بإذن سيده وتصح منه كفالة بعين مضمونة كمغصوبة ومستعارة وببدن من يستحق حضوره مجلس حكم بإذنه.
ويبرأ الكفيل بإحضار مكفول شخصا كان أو عينا إلى المكفول له وإن لم يطالبه وبحضوره عن جهة الكفيل بلا حائل: كمتغلب بالمكان
__________
1 قال الشيخ السيد البكري رحمه الله صوابه: المضمون عنه انتهى.

(1/356)


00000000000000000000000000000000
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الذي شرط في الكفالة الإحضار إليه وإلا فحيث وقعت الكفالة فيه فإن غاب لزمه إحضاره إن عرف محله وأمن الطريق وإلا فلا ولا يطالب كفيل بمال وإن فات التسليم بموت أو غيره فلو شرط أنه يغرم المال ولو مع قوله إن فات التسليم للمكفول لم تصح.
وصيغة الالتزام فيهما: كضمنت دينك على فلان أو تحملته أو تكفلت ببدنه أو أنا بالمال أو بإحضار الشخص ضامن أو كفيل ولو قال أؤدي المال أو أحضر الشخص فهو وعد بالتزام كما هو صريح الصيغة نعم: إن حفت به قرينة تصرفه إلى الإنشاء: انعقد به كما بحثه ابن الرفعة واعتمده السبكي ولا يصحان بشرط براءة أصيل ولا بتعلق وتوقيت وللمستحق مطالبة الضامن والأصيل ولو برئ: برئ الضامن.
ولا عكس في الإبراء دون الأداء.
ولو مات أحدهما والدين مؤجل: حل عليه.
ولضامن رجوع على أصيل إن غرم ولو صالح عن الدين بما دونه: لم يرجع إلا بما غرم ولو أدى دين غيره بإذن: رجع وإن لم يشرط له الرجوع لا إن أداه بقصد التبرع.
فرع أفتى جمع محققون بأنه لو قال رجلان لآخر: ضمنا مالك على فلان: طالب كلا بجميع الدين.
وقال جمع متقدمون: طالب كلا بنصف الدين ومال إليه الأذرعي.
قال شيخنا: إنما تقسط الضمان في: متاعك في البحر وأنا

(1/357)


000000000000000000000000000000000
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وركاب السفينة ضامنون لأنه ليس ضمانا حقيقة بل استدعاء إتلاف مال لمصلحة فاقتضت التوزيع لئلا ينفر الناس عنها.
واعلم أن الصلح جائز مع الإقرار وهو على شيء غير المدعي معاوضة كما لو قال: صالحتك عما
تدعيه على هذا الثوب فله حكم البيع وعلى بعض المدعى إبراء إن كان دينا فلو لم يقل المدعي أبرأت ذمتك: لم يضر ويلغى الصلح حيث لا حجة للمدعي مع الإنكار أو السكوت من المدعى عليه فلا يصح
الصلح على الإنكار وإن فرض صدق المدعي خلافا للائمة الثلاثة نعم يجوز للمدعي المحق أن يأخذ ما بذل له في الصلح على الإنكار ثم إن وقع بغير مدعى به كان ظافرا وسيأتي حكم الظفر.
فرع [في بيان الحقوق المشتركة ومنع التزاحم عليها] يحرم على كل أحد غرس شجر في شارع ولو لعموم النفع للمسلمين كبناء دكة وإن لم يضر فيه ولو لذلك أيضا وإن انتفى الضرر حالا أو كانت الدكة بفناء داره ويحل الغرس بالمسجد للمسلمين أو ليصرف ريعه بل يكره.

(1/358)


باب في الوكالة والقراض
تصح وكالة في كل عقد وفسخ عليه ولاية لموكل لا إقرار
ـــــــــــــــــــــــــــــ
باب في الوكالة والقراض
تصح وكالة شخص متمكن لنفسه كعبد وفاسق في قبول نكاح ولو بلا إذن سيد لا في إيجابه
وهي تفويض شخص أمره إلى آخر فيما يقبل النيابة ليفعله في حياته فتصح في كل عقد: كبيع ونكاح وهبة ورهن وطلاق منجز وفي كل فسخ كإقالة ورد بعيب وفي قبض وإقباض للدين أو العين وفي استيفاء عقوبة آدمي والدعوى والجواب وإن كره الخصم.
وإنما تصح الوكالة فيما ذكر إن كان عليه ولاية لموكل بملكه التصرف فيه حين التوكيل فلا يصح في بيع ما سيملكه وطلاق من سينكحها لأنه لا ولاية له عليه حينئذ وكذا لو وكل من يزوج موليته إذا طلقت أو انقضت عدتها على ما قاله الشيخان هنا لكن رجح في الروضة في النكاح الصحة وكذا لو قالت له وهي في نكاح أو عدة أذنت لك في تزويجي إذا حللت ولو علق ذلك على الانقضاء أو الطلاق فسدت الوكالة ونفذ التزويج للإذن.
لا في إقرار أي لا يصح التوكيل فيه بأن يقول لغيره: وكلتك لتقر عني لفلان بكذا فيقول الوكيل أقررت عنه بكذا لانه إخبار عن حق فلا يقبل التوكيل لكن يكون الموكل مقرا بالتوكيل,

(1/359)


ويمين وعبادة بإيجاب كوكلتك أو بع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ولا في يمين لأن القصد بها تعظيم الله تعالى فأشبهت العبادة ومثلها: النذر وتعليق العتق والطلاق بصفة ولا في الشهادة إلحاقا لها بالعبادة.
والشهادة على الشهادة ليست توكيلا بل الحاجة جعلت الشاهد المتحمل عنه كحاكم أدى عنه عند حاكم آخر.
ولا في عبادة إلا في حج وعمرة وذبح نحو أضحية.
ولا تصح الوكالة إلا بإيجاب وهو ما يشعر برضا الموكل الذي يصح مباشرته الموكل فيه في التصرف: كوكلتك في كذا أو فوضت إليك أو أنبتك أو أقمتك مقامي فيه أو بع كذا أو زوج فلانة أو طلقها أو أعطيت بيدك طلاقها وأعتق فلانا.
قال السبكي: يؤخذ من كلامهم صحة قول من لا ولي لها: أذنت لكل عاقد في البلد أن يزوجني.
قال الأذرعي: وهذا إذا صح محله إن عينت الزوج ولم تفوض إلا صيغة فقط.
وبنحو ذلك أفتى ابن الصلاح.
ولا يشترط في الوكالة: القبول لفظا لكن يشترط عدم الرد فقط.
ولو تصرف غير عالم بالوكالة: صح إن تبين وكالته حين التصرف كمن باع مال أبيه ظانا حياته فبان ميتا.
ولا يصح تعليق الوكالة بشرط: كإذا جاء رمضان فقد وكلتك في

(1/360)


وباع وكيل بثمن مثل حالا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كذا فلو تصرف بعد وجود الشرط المعلق كأن وكله بطلاق زوجة سينكحها أو ببيع عبد سيملكه أو بتزويج بنته إذا طلقت واعتدت: فطلق بعد أن نكح أو باع بعد أن ملك أو زوج بعد العدة نفذ عملا بعموم الإذن وإن قلنا بفساد الوكالة بالنسبة إلى سقوط الجعل المسمى إن كان ووجوب أجرة المثل.
وصح تعليق التصرف فقط كبعه لكن بعد شهر وتأقيتها: كوكلتك إلى شهر رمضان.
ويشترط في الوكالة أن يكون الموكل فيه معلوما للوكيل ولو بوجه كوكلتك في بيع جميع أموالي وعتق أرقائي وإن لم تكن أمواله وأرقاؤه معلومة لقلة الغرر فيه بخلاف بع هذا أو ذاك وفارق إحدى عبيدي بأن الأحد صادق على كل وبخلاف بع بعض مالي نعم: يصح بع أو هب منه ما شئت وتبطل في المجهول كوكلتك في كل قليل وكثير أو في كل أموري أو تصرف في أموري كيف شئت لكثرة الغرور فيه.
وباع كالشريك وكيل صح مباشرته التصرف لنفسه بثمن مثل فأكثر حالا فلا يبيع نسيئة ولا بغير نقد البلد ولا بغبن فاحش بأن لا يحتمل غالبا فبيع ما يساوي عشرة بتسعة: محتمل وبثمانية: غير محتمل.
ومتى خالف شيئا مما ذكر فسد تصرفه وضمن قيمته يوم التسليم

(1/361)


إذا أطلق الموكل ولا يبيع لنفسه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ولو مثليا إن أقبض المشتري فإن بقي: استرده وله حينئذ بيعه بالإذن السابق وقبض الثمن ولا يضمنه.
وإن تلف غرم الموكل بدله الوكيل أو المشتري والقرار عليه.
وهذا كله إذا أطلق الموكل الوكالة في البيع بأن لم يقيد بثمن ولا حلول ولا تأجيل ولا نقد وإن قيد بشيء اتبع.
فرع: لو قال لوكيله بعه بكم شئت فله بيعه بغبن فاحش لا بنسيئة ولا بغير نقد البلد أو بما شئت أو بما تراه فله بيعه بغير نقد البلد لا بغبن ولا بنسيئة أو بكيف شئت فله بيعة بنسيئة لا بغبن ولا بغير نقد البلد أو بما عز وهان فله بيعه بعرض وغبن لا بنسيئة.
ولا يبيع الوكيل لنفسه وموليه وإن أذن له في ذلك وقدر له بالثمن خلافا لابن الرفعة لامتناع اتحاد الموجب والقابل وإن انتفت التهمة بخلاف أبيه وولده الرشيد.
ولا يصح البيع بثمن المثل مع وجود راغب بزيادة لا يتغابن بمثلها إن وثق به.
قال الأذرعي: ولم يكن مماطلا ولا ماله أو كسبه حراما أي كله1 أو أكثره فإن وجد راغب بالزيادة في زمن خيار المجلس أو
__________
1 قال الشيخ علوي السقاف رحمه الله في نسخ أي هو كله ولا موقع لـ هو هنا انتهى.

(1/362)


وليس له شراء معيب ووقع له إن علم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الشرط ولو للمشتري وحده ولم يرض بالزيادة فسخ الوكيل العقد وجوبا بالبيع للراغب بالزيادة وإلا انفسخ بنفسه ولا يسلم الوكيل بالبيع بحال المبيع حتى يقبض الثمن الحال وإلا ضمن للموكل قيمة البيع ولو مثليا. وليس له أي للوكيل بالشراء شراء معيب لاقتضاء الإطلاق عرفا السليم.
ووقع الشراء له أي للوكيل إن علم العيب واشتراه بثمن في الذمة وإن ساوى المبيع الثمن إلا إذا عينه الموكل وعلم بعيبه فيقع له كما إذا اشتراه بثمن في الذمة أو بعين ماله جاهلا بعيبه وإن لم يساو المبيع الثمن.
وعلم مما مر أنه حيث لم يقع للموكل فإن كان الثمن عين ماله بطل الشراء وإلا وقع للوكيل.
ويجوز لعامل القراض شراؤه لان القصد ثم الربح وقضيته أنه لو كان القصد هنا الربح جاز وهو كذلك. ولكل من الموكل والوكيل في صورة الجهل رد بعيب لا لوكيل إن رضي به موكل.
ولو دفع موكله إليه مالا للشراء وأمره بتسليمه في الثمن فسلم من عنده فمتبرع حتى لو تعذر1 مال الموكل لنحو غيبة مفتاح إذ
__________
1 وجدت في نسخ حتى ولو تعذر.

(1/363)


ولا توكيل بلا إذن فيما يتأتى منه,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يمكنه الإشهاد على أنه أدى عنه ليرجع أو إخبار الحاكم بذلك فإن لم يدفع له شيئا أو لم يأمره بالتسليم فيه رجع للقرينة الدالة على إذنه له في التسليم عنه.
ولا له توكيل بلا إذن من الموكل فيما يتأتى منه لأنه لم يرض بغيره نعم لو وكله في قبض دين فقبضه
وأرسله مع أحد من عياله لم يضمن كما قاله الجوري.
قال شيخنا: والذي يظهر أن المراد بهم أولاده ومماليكه وزوجاته بخلاف غيرهم.
ومثله إرسال نحو ما اشتراه له مع أحدهم.
وخرج بقولي فيما يتأتى منه: ما لم يتأت منه لكونه يتعسر عليه الإتيان به لكثرته أو لكونه لا يحسنه أو لا يليق به فله التوكيل عن موكله لا عن نفسه وقضية التعليل المذكور امتناع التوكيل عند جهل الموكل بحاله.
ولو طرأ له العجز لطرو نحو مرض أو سفر لم يجز له أن يوكل وإذا وكل الوكيل بإذن الموكل فالثاني وكيل الموكل فلا يعزله الوكيل فإن قال الموكل وكل عنك ففعل فالثاني وكيل الوكيل لأنه مقتضي الإذن فينعزل بعزله.
ويلزم الوكيل أن لا يوكل إلا أمينا ما لم يعين له غيره مع علم الموكل بحاله أو لم يقل له وكل من شئت على الأوجه كما لو قالت لوليها: زوجني ممن شئت فله تزويجها من غير الكف أيضا.

(1/364)


وهو أمين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله لوكيله في شيء افعل فيه ما شئت أو كل ما تفعله جائز ليس إذنا في التوكيل.
فرع [في بيان ما يجب على الوكيل في الوكالة المقيدة] لو قال بع لشخص معين كزيد لم بيع من غيره ولو وكيل زيد أو بشيء معين من المال كالدينار لم يبع بالدراهم على المعتمد أو في مكان معين تعين أو في زمان معين كشهر كذا أو يوم كذا تعين ذلك فلا يجوز قبله ولا بعده ولو في الطلاق وإن لم يتعلق به غرض عملا بالإذن وفارق إذا جاء رأس الشهر فأمر زوجتي بيدك ولم يرد التقييد برأسه فله إيقاعه بعده بخلاف طلقها يوم الجمعة فإنه يقتضي حصر الفعل فيه دون غيره وليلة اليوم مثله إن استوى الراغبون فيهما.
ولو قال يوم الجمعة أو العيد مثلا تعين أول جمعة أو عيد يلقاه.
وإنما يتعين المكان إذا لم يقدر الثمن أو نهاه عن غيره وإلا جاز البيع في غيره.
وهو أي الوكيل ولو بجعل أمين فلا يضمن ما تلف في يده بلا تعد ويصدق بيمينه في دعوى التلف والرد على الموكل لأنه ائتمنه بخلاف الرد على غير الموكل كرسوله فيصدق الرسول بيمينه,

(1/365)


فإن تعدى صمن
وينعزل بعزل أحدهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ولوكله بقضاء دين فقال قضيته وأنكر المستحق دفعه إليه صدق المستحق بيمينه لأن الأصل عدم القضاء فيحلف ويطالب الموكل فقط.
فإن تعدى كأن ركب الدابة ولبس الثوب تعديا: ضمن كسائر الأمناء.
ومن التعدي أن يضيع منه المال ولا يدري كيف ضاع أو وضعه بمحل ثم نسيه.
ولا ينعزل بتعديه بغير إتلاف الموكل فيه ولو أرسل إلى بزاز ليأخذ منه ثوبا سوما فتلف في الطريق: ضمنه المرسل لا الرسول.
فرع: لو اختلفا1 في أصل الوكالة بعد التصرف كوكلتني في كذا فقال ما وكلتك أو في صفتها بأن قال وكلتني بالبيع نسيئة أو بالشراء بعشرين فقال: بل نقدا أو بعشرة صدق الموكل بيمينه في الكل لأن الأصل
معه.
وينعزل الوكيل بعزل أحدهما أي بأن يعزل الوكيل نفسه أو
__________
1 في نسخة اختلف.

(1/366)


وبموت أو جنون وزوال ملك موكل ولا يصدق بعد تصرف إلا ببينة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يعزله الموكل سواء كان بلفظ العزل أم لا كفسخت الوكالة أو أبطلتها أو أزلتها وإن لم يعلم المعزول.
وينعزل أيضا بخروج أحدهما عن أهلية التصرف بموت أو جنون حصلا لأحدهما وإن لم يعلم الآخر به ولو قصرت مدة الجنون وزوال ملك الموكل عما وكل فيه أو منفعته كأن باع أو وقف أو آجر أو رهن أو زوج أمة.
ولا يصدق الموكل بعد تصرف أي تصرف الوكيل في قوله كنت عزلته إلا ببينة يقيمها على العزل.
قال الأسنوي: وصورته إذا أنكر الوكيل العزل فإن وافقه على العزل لكن ادعى أنه بعد التصرف فهو كدعوى الزوج تقدم الرجعة على انقضاء العدة وفيه تفصيل معروف انتهى.
ولو تصرف وكيل أو عامل بعد انعزاله جاهلا في عين مال موكله بطل وضمنها إن سلمها أو في ذمته انعقد له.
فروع: لو قال لمدينه اشتر لي عبدا بما في ذمتك ففعل صح للموكل وبرئ المدين وإن تلف على الأوجه.
ولو قال لمدينه: أنفق على اليتيم الفلاني كل يوم درهما من ديني الذي عليك ففعل صح وبرئ على ما قاله بعضهم: يوافقه قول

(1/367)


000000000000000000000000000000000
ـــــــــــــــــــــــــــــ
القاضي لو أمر مدينه أن يشتري له بدينه طعاما ففعل ودفع الثمن وقبض الطعام فتلف في يده: برئ من الدين.
ولو قال لوكيله: بع هذه ببلد كذا واشتر لي بثمنها قنا جاز له إيداعها في الطريق أو المقصد عند أمين من حاكم فعيره إذ العمل غير لازم له ولا تغرير منه بل المالك هو المخاطر بماله ومن ثم لو باعها لم يلزمه شراء القن ولو اشتراه لم يلزمه رده بل له إيداعه عند من ذكر وليس له رد الثمن حيث لا قرينة قوية تدل على رده كما استظهره شيخنا لان المالك لم يأذن فيه فإن فعل فهو في ضمانه حتى يصل لمالكه.
ومن ادعى أنه وكيل لقبض ما على زيد من عين أو دين لم يلزمه الدفع إليه إلا ببينة بوكالته ولكن يجوز الدفع له إن صدقه في دعواه أو ادعى أنه محتال به وصدقه وجب الدفع له لاعترافه بانتقال المال إليه وإذا دفع إلى مدعي الوكالة فأنكر المستحق وحلف أنه لم يوكل فإن كان المدفوع هينا استردها إن بقيت وإلا غرم من شاء منهما ولا رجوع للغارم على الآخر لأنه مظلوم بزعمه أو دينا طالب الدافع فقط أو إلى مدعي الحوالة فأنكر الدائن الحوالة وحلف أخذ دينه ممن كان عليه ولا يرجع المؤدي على من دفع إليه لأنه اعترف بالملك له.
قال الكمال الدميري لو قال أنا وكيل في بيع أو نكاح وصدقه من يعامله صح العقد فلو قال بعد العقد لم يكن وكيلا: لم يلتفت إليه.

(1/368)


ويصح قراض في نقد خالص مضروب بصيغة مع شرط ربح لهما,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ويصح قراض: وهو أن يعقد على مال يدفعه لغيره ليتجر فيه على أن يكون الربح مشتركا بينهما.
في نقد خالص مضروب لأنه عقد غرر لعدم انضباط العمل والوثوق بالربح وإنما جوز: للحاجة فاختص بما يروج غالبا وهو النقد المضروب ويجوز عليه وإن أبطله السلطان.
وخرج بالنقد العرض ولو فلوسا وبالخالص المغشوش وإن علم قدر غشه أو استهلك وجاز التعامل به.
وبالمضروب التبر وهو ذهب أو فضة لم يضرب والحلي فلا يصح في شيء منها وقيل يجوز على المغشوش إن استهلك غشه وجزم به الجرجاني وقيل إن راج واختاره السبكي وغيره وفي وجه ثالث في زوائد الروضة أنه يجوز على كل مثلي.
وإنما يصح القراض بصيغة من إيجاب من جهة رب المال: كقارضتك أو عاملتك في كذا أو خذ هذه الدراهم واتجر فيها أو بع أو اشتر على أن الربح بيننا.
وقبول فورا من جهة العامل لفظا وقيل يكفي في صيغة الأمر كخذ هذه واتجر فيها القبول بالفعل كما في الوكالة.
وشرط المالك والعامل كالموكل والوكيل صحة مباشرتهما التصرف.
مع شرط ربح لهما أي للمالك والعامل فلا يصح على أن

(1/369)


ويشترط كونه معلوما بالجزئية ولعامل في فاسد أجرة مثل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لأحدهما الربح.
ويشترط كونه أي الربح معلوما بالجزئية كنصف وثلث ولو قال قارضتك على أن الربح بيننا صح مناصفة أو على أن لك ربع سدس العشر صح وإن لم يعلماه عند العقد لسهولة معرفته وهو جزء من مائتين وأربعين جزءا ولو شرط لأحدهما عشرة أو ربح صنف كالرقيق فسد القراض.
ولعامل في عقد قراض فاسد: أجرة مثل وإن لم يكن ربح لأنه عمل طامعا في المسمى.
ومن القراض الفاسد على ما أفتي به شيخنا ابن زياد رحمه الله تعالى ما اعتاده بعض الناس من دفع مال إلى آخر بشرط أن يرد له لكل عشرة اثني عشر إن ربح أو خسر فلا يستحق العامل إلا أجرة المثل وجميع الربح أو الخسران على المالك ويده على المال يد أمانة فإن قصر بأن جاوز المكان الذي أذن له فيه ضمن المال.
انتهى.
ولا أجرة للعامل في الفاسد إن شرط الربح كله للمالك لأنه لم يطمع في شيء ويتجه أنه لا يستحق شيئا
أيضا إذا علم الفساد وأنه لا أجرة له.
ويصح تصرف العامل مع فساد القراض لكي لا يحل له الإقدام عليه بعد علمه بالفساد ويتصرف العامل ولو بعرض لمصلحة لا بغبن فاحش ولا بنسيئة بلا إذن فيهما ولا يسافر بالمال بلا إذن وإن قرب

(1/370)


ولا يمون وصدق في تلف وعدم ربح وقدره وخسر ورد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
السفر وانتفى الخوف والمؤنة فيضمن به ويأثم ومع ذلك القراض باق على حاله أما بالإذن فيجوز لكن لا يجوز ركوب في البحر إلا بنص عليه.
ولا يمون أي لا ينفق منه على نفسه حضرا ولا سفرا لان له نصيبا من الربح فلا يستحق شيئا آخر فلو شرط المؤنة في العقد فسد.
وصدق عامل بيمينه في دعوى تلف في كل المال أو بعضه لأنه مأمون نعم نص في البويطي واعتمده جمع متقدمون أنه لو أخذ ما لا يمكنه القيام به فتلف بعضه ضمنه لأنه فرط بأخذه.
ويطرد ذلك في الوكيل والوديع والوصي.
ولو ادعى المالك بعد التلف أنه قرض والعامل أنه قراض حلف العامل كما أفتى به ابن الصلاح كالبغوي لأن الأصل عدم الضمان خلافا لما رجحه الزركشي وغيره من تصديق المالك فإن أقاما بينة قدمت بينة المالك على الأوجه لان معها زيادة علم.
وفي عدم ربح أصلا وفي قدره عملا بالأصل فيهما وفي خسر ممكن لأنه أمين.
ولو قال ربحت كذا ثم قال غلطت في الحساب أو كذبت لم يقبل لأنه أقر بحق لغيره فلم يقبل رجوعه عنه ويقبل قوله بعد خسرت إن احتمل كأن عرض كساد.
وفي رد للمال على المالك لأنه ائتمنه كالمودع.

(1/371)


000000000000000000000000000000000
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ويصدق العامل أيضا في قدر رأس المال لان الأصل عدم الزائد وفي قوله اشتريت هذا لي أو للقراض والعقد في الذمة لأنه أعلم بقصده.
أما لو كان الشراء بعين مال القراض فإنه يقع للقراض وإن نوى نفسه كما قاله الإمام وجزم به في المطلب.
وعليه فتسمع بينة المالك أنه اشتراه بمال القراض وفي قوله لم تنهني عن شراء كذا لأن الأصل عدم النهي.
ولو اختلفا في القدر المشروط له أهو النصف أو الثلث مثلا؟ تحالف وللعامل بعد الفسخ أجرة المثل والربح جميعه للمالك أو في أنه وكيل أو مقارض صدق المالك بيمينه ولا أجرة عليه للعامل.
تتمة [في بيان أحكام الشركة] الشركة نوعان:
أحدهما فيما ملك اثنان مشتركا بإرث أو شراء.
والثاني أربعة أقسام:
منها قسم صحيح وهو أن يشترط اثنان في مال لهما ليتجرا فيه.
وسائر الأقسام باطلة كأن يشترك اثنان ليكون كسبهما بينهما بتساو أو تفاوت أو ليكون بينهما ربح ما يشتريانه في ذمتهما بمؤجل أو حال أو ليكون بينهما كسبهما وربحهما ببدنهما أو مالهما وعليهما ما يعرض من غرم.

(1/372)


000000000000000000000000000000000
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وشرط فيها لفظ يدل على الإذن في التصرف بالبيع والشراء فلو اقتصر على اشتراكنا: لم يكف عن الإذن فيه ويتسلط كل واحد منهما على التصرف بلا ضرر أصلا بأن يكون فيه مصلحة فلا يبيع بثمن مثل وثم راغب بأزيد ولا يسافر به حيث لم يضطر إليه لنحو قحط وخوف ولا يبضعه بغير إذنه فإن سافر به ضمن وصح تصرفه أو أبضعه بدفعه لمن يعمل لهما فيه ولو تبرعا بلا إذن ضمن أيضا والربح والخسران بقدر المالين فإن شرطا خلافه فسد العقد فلكل على الآخر أجرة عمله له ونقد التصرف منهما مع ذلك للإذن.
وتنفسخ بموت أحدهما وجنونه.
ويصدق في دعوى الرد إلى شريكه في الخسران والتلف في قوله اشتريته لي أو للشركة لا في قوله اقتسمنا وصار ما بيدي لي مع قول الآخر: لا بل هو مشترك فالمصدق المنكر لأن الأصل عدم القسمة ولو قبض وارث حصته من دين مورثه شاركه الآخر.
ولو باع شريكان عبدهما صفقة وقبض أحدهما حصته لم يشاركه الآخر.
فائدة: أفتى النووي كابن الصلاح فيمن غصب نحو نقد أو بر وخلطه بماله ولم يتميز بأن له إفراز قدر المغصوب ويحل له التصرف في الباقي.
فصل [في بيان بعض أحكام الشفعة] : إنما تثبت الشفعة لشريك لا جار في بيع أرض مع تابعها كبناء وشجر وثمر غير مؤبر فلا شفعة في شجر أفرد بالبيع أو بيع مع مغرسه فقط ولا في بئر ولا يملك الشفيع لا بلفظ كأخذت بالشفعة مع بذل الثمن للمشتري.

(1/373)


باب في الإجارة
تصح إجارة بإيجاب كأجرتك بكذا وقبول كاستأجرت بأجر معلوم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
باب في الإجارة.
هي لغة: اسم للأجرة وشرعا تمليك منفعة بعوض بشروط آتية.
تصح إجارة بإيجاب كأجرتك هذا أو أكريتك أو ملكتك منافعه سنة: بكذا.
وقبول كاستأجرت واكتريت وقبلت.
قال النووي في شرح المهذب إن خلاف المعاطاة يجري في الإجارة والرهن والهبة.
وإنما تصح الإجارة بأجر صح كونه ثمنا.
معلوم للعاقدين قدرا وجنسا وصفة إن كان في الذمة وإلا كفت معاينته في إجارة العين أو الذمة فلا يصح إجارة دار ودابة بعمارة لها.

(1/374)


في منفعة متقومة معلومة واقعة للمكتري غير متضمن لاستيفاء عين قصدا,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وعلف ولا استئجار لسلخ شاة بجلد ولطحن نحو بر ببعض دقيق في منفعة متقومة أي لها قيمة معلومة عينا وقدرا وصفة واقعة للمكتري غير متضمن لاستيفاء عين قصدا بأن لا يتضمنه العقد.
وخرج بمتقومة ما ليس لها قيمة فلا يصح اكتراء بياع للتلفظ بمحض كلمة أو كلمات يسيرة على الأوجه ولو إيجابا وقبولا وإن روجت السلعة إذ لا قيمة لها ومن ثم اختص هذا بمبيع مستقر القيمة في البلد كالخبز بخلاف نحو عبد وثوب مما يختلف ثمنه باختلاف متعاطيه فيختص بيعه من البياع بمزيد نفع فيصح استئجاره عليه وحيث لم يصح فإن تعب بكثرة تردد أو كلام فله أجرة المثل وإلا فلا.
وأفتى شيخنا المحقق ابن زياد بحرمة أخذ القاضي الأجرة على مجرد تلقين الإيجاب إذ لا كلفة في ذلك.
وسبقه العلامة عمر الفتى بالإفتاء بالجواز إن لم يكن ولي المرأة فقال إذا لقن الولي والزوج صيغة النكاح فله أن يأخذ ما اتفقا عليه بالرضا وإن كثر وإن لم يكن لها ولي غيره فليس له أخذ شيء على إيجاب النكاح لوجوبه عليه حينئذ انتهى.
وفيه نظر لما تقرر آنفا.
ولا استئجار دراهم ودنانير غير المعراة للتزين لأن منفعة نحو

(1/375)


000000000000000000000000000000000
ـــــــــــــــــــــــــــــ
التزيين بها لا تقابل بمال وأما المعراة: فيصح استئجارها على ما بحثه الأذرعي لأنها حينئذ حلى واستئجار الحلي صحيح قطعا.
وبمعلومة استئجار المجهول فأجرتك إحدى الدارين باطل.
وبواقعة للمكتري ما يقع نفعها للأجير فلا يصح الاستئجار لعبادة تجب فيها نية غير نسك كالصلاة لان المنعة في ذلك للأجير لا المستأجر والإمامة ولو نقل كالتراويح لان الإمام مصل لنفسه فمن أراد اقتدي به وإن لم ينو الإمامة أما ما لا يحتاج إلى نية كالأذان والإقامة فيصح الاستئجار عليه والأجرة مقابلة لجميعه مع نحو رعاية الوقت وتجهيز الميت وتعليم القرآن كله أو بعضه وإن تعين على المعلم للخبر الصحيح [البخاري رقم: 5737] : "إن أحق ما أخذتم عليه أجرا: كتاب الله".
قال شيخنا في شرح المنهاج: يصح الاستئجار لقراءة القرآن عند القبر أو مع الدعاء بمثل ما حصل له من الأجر له أو لغيره عقبها عين زمانا أو مكانا أو لا ونية الثواب له غير دعاء لغو خلافا لجمع وإن اختار السبكي ما قالوه وكذا أهديت قراءتي أو ثوابها له خلافا لجمع أيضا أو بحضرة المستأجر أي أو نحو ولده فيما يظهر ومع ذكره في القلب حالتها كما ذكره بعضهم وذلك لان موضعها موضع بركة وتنزل رحمة والدعاء بعدها أقرب إجابة وإحضار المستأجر في القلب سبب لشمول الرحمة له إذا نزلت على قلب

(1/376)


وعلى مكر تسليم مفتاح دار
ـــــــــــــــــــــــــــــ
القارئ وألحق بها الاستئجار لمحض الذكر والدعاء عقبه وأفتى بعضهم بأنه لو ترك من القراءة المستأجر عليها آيات لزمه قراءة ما تركه ولا يلزمه استئناف ما بعده وبأن من استؤجر لقراءة على قبر لا يلزمه عند الشروع أن ينوي أن ذلك عما استؤجر عنه أي بل الشرط عدم الصارف فإن قلت: صرحوا في النذر بأنه لا بد أن ينوي أنها عنه قلت: هنا قرينة صارفة لوقوعها عما استؤجر له ولا كذلك ثم ومن ثم لو استؤجر هنا لمطلق القراءة وصححناه: احتاج للنية فيما يظهر أولا لمطلقها كالقراءة بحضرته لم يحتج لها فذكر القبر مثال انتهى ملخصا.
وبغير متضمن لاستيفاء عين ما تضمن استيفاءها فلا يصح اكتراء بستان لثمرته لأن الأعيان لا تملك بعقد الإجارة قصدا.
ونقل التاج السبكي في توشيحه اختيار والده التقي السبكي في آخر عمره صحة إجارة الأشجار لثمرها وصرحوا بصحة استئجار قناة أو بئر للانتفاع بمائها للحاجة.
قال في العباب: لا يجوز إجارة الأرض لدفن الميت لحرمة نبشه قبل بلائه وجهالة وقت البلى.
ويجب على مكر تسليم مفتاح دار لمكتر ولو ضاع من المكتري وجب على المكري تجديده والمراد بالمفتاح مفتاح الغلق المثبت أما غيره فلا يجب تسليمه بل ولا قفله كسائر المنقولات.

(1/377)


وعمارتها فإن بادر وإلا فللمكتري خيار وعلى مكتر تنظيف عرصتها من كناسة وهو أمين مدة الإجارة وكذا بعدها,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وعمارتها كبناء وتطيين سطح ووضع باب وإصلاح منكسر وليس المراد بكون ما ذكر واجبا على المكري أنه يأثم بتركه أو أنه يجبر عليه بل إنه إن تركه ثبت للمكتري الخيار كما بينته بقولي:
فإن بادر وفعل ما عليه فذاك وإلا فللمكتري خيار إن نقصته المنفعة.
وعلى مكتر تنظيف عرصتها أي الدار من كناسة وثلج والعرصة: كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها شيء من بناء وجمعها: عرصات.
وهو أي المكتري أمين على العين المكتراة مدة الإجارة إن قدرت بزمن أو مدة إمكان الاستيفاء إن قدرت بمحل عمل وكذا بعدها ما لم يستعملها استصحابا لما كان ولأنه لا يلزمه الرد ولا مؤنته بل لو شرط أحدهما عليه فسد العقد وإنما الذي عليه التخلية كالوديع ورجح السبكي أنه كالأمانة الشرعية فيلزمه إعلام مالكها بها أو الرد فورا وإلا ضمن والمعتمد خلافه وإذا قلنا بالأصح أنه ليس عليه إلا التخلية فقضيته أنه لا يلزم إعلام المؤجر بتفريغ العين بل الشرط أن لا يستعملها ولا يحبسها لو طلبها وحينئذ يلزم من ذلك أنه لا فرق بين أن يقفل باب نحو الحانوت بعد تفريغه أو لا لكن قال البغوي: لو استأجر حانوتا شهرا فأغلق بابه وغاب شهرين لزمه

(1/378)


كأجير فلا ضمان إلا بتقصير
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المسمى للشهر الأول وأجرة المثل للشهر الثاني.
قال شيخنا في شرح المنهاج: وما ذكره البغوي في مسألة الغيبة متجه ولو استعمل العين بعد المدة لزمه أجرة المثل.
كأجير فإنه أمين ولو بعد المدة أيضا فلا ضمان على واحد منهما فلو اكترى دابة ولم ينتفع بها فتلفت أو اكتراه لخياطة ثوب أو صبغه فتلف فلا يضمن سواء انفرد الأجير باليد أم لا كأن قعد المكتري معه حتى يعمل أو أحضره منزله ليعمل.
إلا بتقصير كأن ترك المكتري الانتفاع بالدابة فتلفت بسبب كانهدام سقف اصطبلها عليها في وقت لو انتفع بها فيه عادة سلمت وكأن ضربها أو أركبها أثقل منه.
ولا يضمن أجير لحفظ دكان مثلا إذا أخذ غيره ما فيها.
قال الزركشي: إنه لا ضمان أيضا على الخفير.
وكأن استأجره ليرعى دابته فأعطاها آخر يرعاها فيضمنها كل منهما والقرار على من تلفت بيده.
وكأن أسرف خباز في الوقود أو مات المتعلم من ضرب المعلم فإنه يضمن.
ويصدق الأجير في أنه لم يقصر ما لم يشهد خبيران بخلافه.
ولو اكترى دابة ليركبها اليوم ويرجع غدا فأقام بها ورجع في الثالث ضمنها فيه فقط لأنه استعملها فيه تعديا.

(1/379)


ولا أجرة بلا شرط وتقررت عليه بمضي مدة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ولو اكترى عبدا لعمل معلوم ولم يبين موضعه فذهب به من بلد العقد إلى آخر فأبق: ضمنه مع الأجرة.
فرع: يجوز لنحو القصار حبس الثوب كرهنه بأجرته حتى يستوفيها.
ولا أجرة لعمل: كحلق رأس وخياطة ثوب وقصارته وصبغه بصبغ مالكه بلا شرط الأجرة.
فلو دفع ثوبه إلى خياط ليخيط أو قصار ليقصره أو صباغ ليصبغه ففعل ولم يذكر أحدهما أجرة ولا ما يفهمها فلا أجرة له لأنه متبرع.
قال في البحر: ولأنه لو قال اسكني دارك شهرا فأسكنه لا يستحق عليه أجرة إجماعا وإن عرف بذلك العمل بها لعدم التزامها.
ولا يستثنى وجوبها على داخل حمام أو راكب سفينة مثلا بلا إذن لاستيفائه المنفعة من غير أن يصرفها صاحبها إليه بخلافه بإذنه أما إذا ذكر أجرة فيستحقها قطعا إن صح العقد وإلا فأجرة المثل.
وأما إذا عرض بها كأرضيك أو لا أخيبك أو ترى ما يسرك فيجب أجرة المثل.
وتقررت أي الأجرة التي سميت في العقد عليه أي المكتري بمضي مدة في الإجارة المقدرة بوقت أو مضي مدة إمكان

(1/380)


وإن لم يستوف وتنفسخ بتلف مستوفى منه معين في مستقبل,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الاستيفاء في المقدرة بعمل وإن لم يستوف المستأجر المنفعة لان المنافع تلفت تحت يده وإن ترك لنحو مريض أو خوف طريق إذ ليس على المكري إلا التمكين من الاستيفاء وليس له بسبب ذلك فسخ ولا رد إلى تيسير العمل.
وتنفسخ الإجارة بتلف مستوفى منه معين في العقد كموت نحو دابة وأجير معينين وانهدام دار ولو بفعل المستأجر في زمان مستقبل لفوات محل المنفعة فيه لا في ماض بعد القبض إذا كان لمثله أجرة لاستقراره.
بالقبض فيستقر قسطه من المسمى باعتبار أجرة المثل.
وخرج بالمستوفى منه غيره مما يأتي وبالمعين في العقد المعين عما في الذمة فإن تلفهما: لا يوجب انفساخا يل يبدلان ويثبت الخيار على التراخي على المعتمد بعيب نحو الدابة المقارن إذا جهله والحادث لتضرره وهو ما أثر في المنفعة تأثيرا يظهر به تفاوت أجرتها.
ولا خيار في إجارة الذمة بعيب الدابة بل يلزمه الإبدال.
ويجوز في إجارة عين وذمة استبدال المستوفي كالراكب والساكن والمستوفى به كالمحمول والمستوفى فيه كالطريق بمثلها أو بدون مثلها ما لم يشترط عدم الإبدال في الآخرين.
فرع: لو استأجر ثوبا للبس المطلق لا يلبسه وقت النوم ليلا وإن اطردت عادتهم بذلك.

(1/381)


ولو اختلفا في أجرة أو مدة تحالفا وفسخت.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ويجوز لمستأجر الدابة مثلا منع المؤجر من حمل شيء عليها.
فائدة: قال شيخنا: إن الطبيب الماهر أي بأن كان خطوه نادرا لو شرطت له أجرة وأعطي ثمن
الأدوية فعالجه بها فلم يبرأ استحق المسمى إن صحت الإجارة وإلا فأجرة المثل. وليس للعليل الرجوع
عليه بشيء لان المستأجر عليه المعالجة لا الشفاء بل إن شرط بطلت الإجارة لأنه بيد الله تعالى لا غير.
أما غير الماهر فلا يستحق أجرة ويرجع عليه بثمن الأدوية لتقصيره بمباشرته بما ليس له بأهل.
ولو اختلفا: أي المكري والمكتري في أجرة أو مدة أو قدر منفعة هل هي عشرة فراسخ أو خمسة؟ أو في قدر المستأجر: هل هو كل الدار أو بيت منها؟ تحالفا وفسخت أي الإجارة ووجب على المكتري أجرة المثل لما استوفاه.
فرع: لو وجد المحمول على الدابة مثلا ناقصا نقصا يؤثر وقد كاله المؤجر حط قسطه من الأجرة إن
كانت الإجارة في الذمة وإلا لم يحط شيء من الأجرة.

(1/382)


000000000000000000000000000000000
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ولو استأجر سفينة فدخلها سمك فهل هو له أو للمؤجر؟ وجهان.
تتمة: [في بيان أحكام المساقاة والمزارعة والمخابرة] : تجوز المساقاة وهي أن يعامل المالك غيره على نخل أو شجر عنب مغروس معين في العقد مرئي لهما عنده ليتعهده بالسقي والتربية على أن الثمرة الحادثة أو الموجودة لهما.
وإلا تجوز في غير نخل وعنب لا تبعا لهما وجوزها القديم في سائر الأشجار وبه قال مالك وأحمد واختاره جمع من أصحابنا ولو ساقاه على ودي غير مغروس ليغرسه ويكون الشجر أو ثمرته إذا أثمر لهما لم تجز لكن قضية كلام جمع من السلف جوازها والشجر لمالكه وعليه لذي الأرض أجرة مثلها.
والمزارعة: هي أن يعامل المالك غيره على أرض ليزرعها بجزء معلوم مما يخرج منها والبذر من المالك فإن كان البذر من العامل فهي مخابرة وهما باطلان للنهي عنهما.
واختار السبكي كجمع آخرين جوازهما واستدلوا بعمل عمر رضي الله عنه وأهل المدية.
وعلى المرجح فلو أفردت الأرض بالمزارعة فالمغل للمالك وعليه للعامل أجرة عمله ودوابه وآلاته وإن أفردت الأرض بالمخابرة فالمغل للعامل وعليه لمالك الأرض أجرة مثلها وطريق جعل الغلة

(1/383)


00000000000000000000000000000
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لهما ولا أجرة أن يكتري العامل نصف الأرض بنصف البذر ونصف عمله ونصف منافع آلاته أو بنصف البذر ويتبرع بالعمل والمنافع إن كان البذر منه فإن كان من المالك استأجره بنصف البذر ليزرع له النصف الآخر من البذر في نصف الأرض ويعيره نصفها.

(1/384)


باب في العارية
صح إعارة عين لانتفاع مملوك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
باب في العارية
بتشديد الياء وتخفيفها: وهي اسم لما يعار للعقد المتضمن لإباحة الانتفاع بما يحل الانتفاع به مع بقاء عينه ليرده من عار: ذهب وجاء بسرعة لا من العار وهي مستحبة أصالة لشدة الحاجة إليها وقد تجب كإعارة ثوب توقفت صحة الصلاة عليه وما ينقذ غريقا أو يذبح به حيوان محترم يخشى موته.
صح من ذي تبرع إعارة عن غير مستعارة لانتفاع مع بقاء عينه مملوك ذلك الانتفاع ولو بوصية أو إجارة أو وقف وإن لم يملك العين لان العارية ترد على المنفعة فقط.
وقيد ابن الرفعة صحتها من الموقوف عليه بما إذا كان ناظرا.
قال الأسنوي: يجوز للإمام إعارة مال بيت المال.

(1/384)


مباح بلفظ يشعر بإذن فيه كأعرتك وعلى مستعير ضمان قيمة يوم تلف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مباح فلا يصح إعارة ما يحرم الانتفاع به كآلة لهو وفرس وسلاح لحربي وكأمة مشتهاة لخدمة أجنبي.
وإنما تصح الإعارة من أهل تبرع بلفظ يشعر بإذن فيه أي الانتفاع.
كأعرتك وأبحتك منفعة وكأركب وخذه لتنتفع به.
ويكفي لفظ أحدهما مع فعل الآخر ولا يجوز لمستعير إعارة عين مستعارة بلا إذن معير وله إنابة من يستوفي المنفعة له كأن يركب دابة استعارها للركوب من هو مثله أو دونه لحاجته ولا يصح إعارة ما لا ينتفع به مع بقاء عينه كالشمع للوقود لاستهلاكه ومن ثم صحت للتزين به كالنقد وحيث لم تصح العارية فجرت ضمنت لان للفاسد حكم صحيحه وقيل لا ضمان لان ما جرى بينهما ليس بعارية صحيحة ولا فاسدة.
ولو قال احفر في أرضي بئرا لنفسك فحفر لم يملكها ولا أجرة له على الآمر فإن قال أمرتني بأجرة فقال مجانا صدق الآمر ووارثه ولو أرسل صبيا ليستعير له شيئا لم يصح فلو تلف في يده أو أتلفه لم يضمنه هو ولا مرسله كذا في الجواهر.
ويجب على مستعير ضمان قيمة يوم تلف للمعار إن تلف كله أو بعضه في يده ولو بآفة من غير تقصير بدلا أو أرشا وإن شرطا عدم ضمانه لخبر أبي داود وغيره: العارية مضمونة أي بالقيمة يوم التلف

(1/385)


لا باستعمال وعليه مؤنة رد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لا يوم القبض في المتقوم وبالمثل في المثلي على الأوجه.
وجزم في الأنوار بلزوم القيمة ولو في المثلي كخشب وحجر.
وشرط التلف المضمن أن يحصل لا باستعمال وإن حصل معه فإن تلف هو أو جزؤه باستعمال مأذون فيه: كركوب أو حمل أو لبس اعتيد فلا ضمان للإذن فيه وكذا لا ضمان على مستعير من نحو مستأجر إجارة صحيحة فلا ضمان عليه لأنه نائب عنه وهو لا يضمن فكذا هو.
وفي معنى المستأجر الموصى له بالمنفعة والموقوف عليه وكذا مستعار لرهن تلف في يد مرتهن لا ضمان عليه كالراهن وكتاب موقوف على المسلمين مثلا استعاره فقيه فتلف في يده من غير تفريط لأنه من جملة الموقوف عليهم.
فرع: لو اختلفا في أن التلف بالاستعمال المأذون فيه أو بغيره: صدق المعير كما قاله الجلال البلقيني لأن الأصل في العارية الضمان حتى يثبت مسقطه.
ويجب عليه أي على المستعير مؤنة رد للمعار على المالك وخرج بمؤنة الرد مؤنة المعار فتلزم المالك لأنها من حقوق

(1/386)


ولكل رجوع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الملك وخالف القاضي فقال إنها على المستعير.
وجاز لكل من المعير والمستعير رجوع في العارية مطلقة كانت أو مؤقتة حتى في الإعارة لدفن ميت قبل مواراته بالتراب ولو بعد وضعه في القبر لا بعد المواراة حتى يبلى ولا رجوع لمستعير حيث تلزمه الاستعارة كإسكان معتدة ولا لمعير في سفينة صارت في اللجة وفيها متاع المستعير وبحث ابن الرفعة أن له الأجرة.
ولا في جذع لدعم جدار مائل بعد استناده وله الأجرة من الرجوع ولو استعار للبناء أو الغراس لم يجز له ذلك إلا مرة واحدة فلو قلع ما بناه أو غرسه لم يجز له إعادة إلا بإذن جديد إلا إذا صرح له بالتجديد مرة أخرى.
فروع: لو اختلف مالك عين والمتصرف فيه كأن قال المتصرف أعرتني فقال المالك بل آجرتك بكذا.
صدق المتصرف بيمينه إن بقيت العين ولم يمض مدة لها أجرة وإلا حلف المالك واستحقها كما لو أكل طعام غيره وقال كنت أبحت لي وأنكر المالك أو عكسه بأن قال المتصرف آجرتني بكذا وقال المالك بل أعرتك والعين باقية صدق المالك بيمينه.
ولو أعطى رجلا حانوتا ودراهم أو أرضا وبذرا وقال اتجر أو ازرعه فيها لنفسك فالعقار عارية وغيره قرض على الأوجه لا هبة خلافا لبعضهم ويصدق في قصده.

(1/387)


000000000000000000000000000000000
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ولو أخذ كوزا من سقاء ليشرب منه فوقع من يده وانكسر قبل شربه أو بعده فإن طلبه مجانا ضمنه دون الماء أو بعوض والماء قدر كفايته فعكسه.
ولو استعار حليا وألبسه بنته الصغيرة ثم أمر غيره بحفظه في بيته ففعل فسرق غرم المالك المستعير ويرجع على الثاني إن علم أنه عارية وإن لم يكن يعلم أنه عارية بل ظنه للآمر لم يضمن.
ومن سكن دارا مدة بإذن مالك أهل ولم يذكر له أجرة لم تلزمه.
مهمة قال العبادي وغيره في كتاب مستعار رأى فيه خطأ لا يصلحه إلا المصحف فيجب.
قال شيخنا: والذي يتجه أن المملوك غير المصحف لا يصلح فيه شيء إلا إن ظن رضا مالكه به.
وأنه يجب إصلاح المصحف لكن إن لم ينقصه خطه لرداءته وأن الوقف يجب إصلاحه إن تيقن الخطأ فيه.

(1/388)


فصل [في بيان أحكام الغصب]
وعلى الغاصب: رد وضمان متمول تلف بأقصى قيمه من حين غصب إلى تلف ويضمن بمثله.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فصل [في بيان أحكام الغصب]
لغصب: استيلاء على حق غير ولو منفعة كإقامة من قعد بمسجد أو سوق بلا حق كجلوسه على فراش غيره وإن لم ينقله وإزعاجه عن داره وإن لم يدخلها وكركوب دابة غيره واستخدام عبده.
وعلى الغاصب: رد وضمان متمول تلف بأقصى قيمه من حين غصب إلى تلف ويضمن مثلي وهو ما حصره كيل أو وزن وجاز السلم فيه كقطن ودقيق وماء ومسك ونحاس ودراهم ودنانير ولو مغشوشا وتمر وزبيب وحب صاف1 ودهن وسمن بمثله في أي مكان حل به المثلي.
فإن فقد المثل فيضمن بأقصى قيم من غصب إلى فقد.
__________
1 في نسخة: حب جاف بالجيم.
وقال الشيخ علوي السقاف رحمه الله بالصاد كما في الإمداد وفتح الجواد لا بالجيم كما في نسخ محرفة ثم أضاف واحترز بالصافي عن نحو المختلط بالشعير فإنه متقوم وإن وجب رد مثله فتنبه انتهى.

(1/389)


000000000000000000000000000000000
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ولو تلف المثلي: فله مطالبته بمثله في غير المكان الذي حل به المثلي إن لم يكن لنقله مؤنة وأمن الطريق وإلا فبأقصى قيم المكان.
ويضمن متقوم أتلف كالمنافع والحيوان بالقيمة.
ويجوز أخذ القيمة عن المثلي بالتراضي وإذا أخذ منه القيمة فاجتمعا ببلد التلف لم يرجعا إلى المثل وحيث وجب مثل فلا أثر لغلاء أو رخص.
فروع لوحل رباط سفينة فغرقت بسببه ضمنها أو بحادث ريح فلا وكذا إن لم يظهر سبب.
ولو حل وثاق بهيمة أو عبد لا يميز أو فتح قفصا عن طير فخرجوا ضمن إن كان بتهييجه وتنفيره.
وكذا إن اقتصر على الفتح إن كان الخروج حالا لا عبدا عاقلا حل قيده فأبق ولو معتادا للإباق.
ولو ضرب ظالم عبد غيره فأبق لم يضمن.
ويبرأ الغاصب برد العين إلى المالك ويكفي وضعها عنده ولو نسيه برئ بالرد إلى القاضي.
ولو خلط مثليا أو متقوما بما لا يتميز: كدهن أو حب وكذا درهم على الأوجه بجنسه أو غيره وتعذر
التمييز صار هالكا لا مشتركا فيملكه الغاصب لكن الأوجه أنه محجور عليه في التصرف فيه حتى يعطى بدله.

(1/390)


باب في الهبة
الهبة: تمليك عين بلا عوض بإيجاب كوهبتك وقبول كقبلت,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
باب في الهبة
أي مطلقها: الشامل للصدقة والهدية.
الهبة: تمليك عين يصح بيعها غالبا أو دين من أهل تبرع بلا عوض.
واحترز بقولنا بلا عوض عن البيع والهبة بثواب فإنها بيع حقيقة.
بإيجاب: كوهبتك هذا وملكتكه ومنحتكه.
وقبول متصل به كقبلت ورضيت.
وتنعقد بالكتابة: كلك هذا أو كسوتك هذا.
وبالمعاطاة على المختار.
قال: قال شيخنا في شرح المنهاج: وقد لا تشترط الصيغة كما لو كانت ضمنية كأعتق عبدك عني فأعتقه وإن لم يقل مجانا وكما لو زين ولده الصغير بحلي بخلاف زوجته لأنه قادر على تمليكه بتولي الطرفين.
قاله القفال وأقره جمع.
لكن اعترض بأن كلام الشيخين يخالفه حيث اشترطا في هبة الأصل تولي الطرفين بإيجاب وقبول.
وهبة ولي غيره أن يقبلها الحاكم

(1/391)


000000000000000000000000000000000
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أو نائبه.
ونقلوا عن العبادي وأقره: أنه لو غرس أشجارا وقال عند الغرس أغرسها لابني مثلا لم يكن إقرارا بخلاف ما لو قال لعين في يده اشتريتها لابني أو لفلان الأجنبي فإنه إقرار.
ولو قال جعلت هذا لابني لم يملكه إلا إن قبض له.
وضعف السبكي والأذرعي وغيرهما قول الخوارزمي وغيره أن إلباس الأب الصغير حليا يملكه إياه.
ونقل جماعة عن فتاوى القفال نفسه أنه لو جهز بنته مع أمتعة بلا تمليك يصدق بيمينه في أنه لم يملكها إن ادعته وهذا صريح في رد ما سبق عنه.
وأفتى القاضي فيمن بعث بنته وجهازها إلى دار الزوج بأنه إن قال هذا جهاز بنتي فهو مالك لها وإلا فهو عارية ويصدق بيمينه.
وكخلع الملوك لاعتياد عدم اللفظ فيها انتهى.
ونقل شيخنا ابن زياد عن فتاوى ابن الخياط1: إذا أهدى الزوج للزوجة بعد العقد بسببه فإنها تملكه ولا يحتاج إلى إيجاب وقبول.
ومن ذلك ما يدفعه الرجل إلى المرأة صبح الزواج مما يسمى صبحية
__________
1 راجع الحاشية في النفقة الصفحة 542.

(1/392)


بلا تعليق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
في عرفنا وما يدفعه إليها إذا غضبت أو تزوج عليها فإن ذلك تملكه المرأة بمجرد الدفع إليها انتهى.
ولا يشترط الإيجاب والقبول قطعا في الصدقة وهي ما أعطاه محتاجا وإن لم يقصد الثواب أو غنيا لأجل ثواب الآخرة بل يكفي فيها الإعطاء والأخذ ولا في الهدية ولو غير مأكول وهي ما نقله إلى مكان الموهوب له إكراما بل يكفي فيها البعث من هذا والقبض من ذاك وكلها مسنونة وأفضلها الصدقة.
وأما كتاب الرسالة الذي لم تدل قرينة على عوده فقد قال المتولي إنه ملك المكتوب إليه وقال غيره: هو باق بملك الكاتب وللمكتوب إليه الانتفاع به على سبيل الإباحة.
وتصح الهبة باللفظ المذكور: بلا تعليق فلا تصح مع تعليق كإذا جاء رأس الشهر فقد وهبتك أو أبرأتك ولا مع تأقيت بغير عمري ورقبى فإن أقت الواهب الهبة بعمر المتهب كوهبت لك هذا عمرك أو ما عشت صحت وإن لم يقل فإذا مت فهي لورثتك وكذا إن شرط عودها إلى الواهب أو وارثه بعد موت المتهب فلا تعود إليه ولا إلى وارثه للخبر الصحيح [البخاري رقم: 2625, مسلم رقم: 1625, أبو داود رقم: 3556, الترمذي رقم: 1350, 1351, النسائي رقم: 3731, 3736, 3737, 3740, 3742, 3744, 3751, ابن ماجه رقم: 2380, 2383, مسند أحمد رقم: 14659, 14866, موطأ مالك رقم: 1479] وتصح ويلغو

(1/393)


الشرط المذكور فإذا أقت بعمر الواهب أو الأجنبي كأعمرتك هذا عمري أو عمر فلان.
لم تصح ولو قال لغيره أنت في حل مما تأخذ أو تعطي أو تأكل من مالي فله الأكل فقط لأنه إباحة وهي تصح بمجهول بخلاف الأخذ والإعطاء قاله العبادي.
ولو قال وهبت لك جميع ما لي أو نصف ما لي صحت إن كان المال أو نصفه معلوما لهما وإلا فلا.
وفي الأنوار: لو قال أبحت لك ما في داري أو ما في كرمي من العنب فله أكله دون بيعه وحمله وإطعامه لغيره.
وتقتصر الإباحة على الموجود أي عندها في الدار أو الكرم.
ولو قال أبحت لك جميع ما في داري أكلا واستعمالا ولم يعلم المبيح الجميع لم تحصل الإباحة انتهى.
وجزم بعضهم أن الإباحة لا ترتد بالرد.
وشرط الموهوب كونه عينا يصح بيعها فلا تصح هبة المجهول كبيعه وقد مر آنفا بيانه بخلاف هديته وصدقته فتصحان فيما استظهره شيخنا.
وتصح هبة المشاع كبيعه ولو قبل القسمة: سواء وهبه للشريك أو غيره.
وقد تصح الهبة دون البيع كهبة حبتي بر ونحوهما من المحقرات وجلد نجس على تناقض فيه في الروضة وكذا دهن متنجس

(1/394)


وتلزم بقبض
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وتلزم أي الهبة
بأنواعها الثلاثة: بقبض فلا تلزم بالعقد بل بالقبض على الجديد لخبر [مجمع الزوائد رقم: 14071, 8/512, المعجم الكبير للطبراني23/ 352] أنه صلى الله عليه وسلم أهدى للنجاشي ثلاثين أوقية مسكا فمات قبل أن يصل إليه فقسمه صلى الله عليه وسلم بين نسائه.
ويقاس بالهدية الباقي.
وإنما يعتد بالقبض إن كان بإقباض الواهب أو بإذنه أو إذن وكيله فيه ويحتاج إلى إذنه فيه وإن كان الموهوب في يد المتهب ولا يكفي هنا الوضع بين يدي المتهب بلا إذن فيه لان قبضه غير مستحق له فاعتبر تحققه بخلافه في المبيع فلو مات أحدهما قبل القبض قام مقامه وارثه في القبض والإقباض ولو قبضه فقال الواهب رجعت عن الإذن قبله وقال المتهب بعد صدق الواهب على ما استظهره الأذرعي لكن ميل شيخنا إلى تصديق المتهب لأن الأصل عدم الرجوع قبله وهو قريب.
ويكفي الإقرار بالقبض كأن قيل له وهبت كذا من فلان وأقبضته فقال نعم.
وأما الإقرار أو الشهادة بمجرد الهبة فلا يستلزم القبض نعم يكفي عنه قول الواهب ملكها المتهب ملكا لازما
قال بعضهم: وليس للحاكم سؤال الشاهد عنه لئلا يتنبه له.

(1/395)


ولأصل رجوع فيما وهب لفرع إن بقي في سلطنته بنحو: رجعت,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ولأصل ذكر أو أنثى من جهة الأب أو الأم وإن علا رجوع فيما وهب أو تصدق أو أهدى لا فيما أبرأ. لفرع وإن سفل إن بقي الموهوب في سلطنته بلا استهلاك وإن غرس الأرض أو بني فيها أو تخلل عصير موهوب أو آجره أو علق عتقه أو رهنه أو وهبه بلا قبض فيهما لبقائه في سلطنته1 فلا رجوع إن زال ملكه بهبة مع قبض وإن كانت الهبة من الابن لابنه أو لأخيه لأبيه أو ببيع ولو من الواهب على الأوجه أو بوقف.
ويمتنع الرجوع بزوال الملك وإن عاد إليه ولو بإقالة أو رد بعيب لان الملك غير مستفاد منه حينئذ.
ولو وهبه الفرع لفرعه وأقبضه ثم رجع فيه: ففي رجوع الأب وجهان والأوجه منهما: عدم الرجوع لزوال ملكه ثم عوده.
ويمتنع أيضا إن تعلق به حق لازم كأن رهنه لغير أصل وأقبضه ولم ينفك وكذا إن استهلك كأن تفرخ البيض أو نبت الحب لان الموهوب صار مستهلكا.
ويحصل الرجوع بنحو رجعت في الهبة كنقضتها أو أبطلتها أو رددت الموهوب إلى ملكي وكذا بكناية كأخذته وقبضته مع النية لا بنحو بيع وإعتاق وهبة لغيره ووقف لكمال ملك الفرع.
__________
1 في نسخة في الموضعين سلطته.

(1/396)


وهبة دين للمدين إبراء ولغيره صحيحة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ولا يصح تعليق الرجوع بشرط ولو زاد الموهوب رجع بزيادته المتصلة كتعلم الصنعة لا المنفصلة كالأجرة والولد والحمل الحادث على ملك فرعه.
ويكره للأصل الرجوع في عطية الفرع إلا لعذر كأن كان الولد عاقا أو يصرفه في معصية.
وبحث البلقيني امتناعه في صدقة واجبة كزكاة ونذر وكفارة وبما ذكره أفتى كثيرون ممن سبقه وتأخر عنه. وله الرجوع فيما أقر بأنه لفرعه كما أفتى به النووي واعتمده جمع متأخرون.
قال الجلال البلقيني عن أبيه وفرض ذلك فيما إذا فسره بالهبة وهو فرض لا بد منه انتهى.
وقال النووي: لو وهب وأقبض ومات فادعى الوارث كونه في المرض والمتهب كونه في الصحة صدق
انتهى.
ولو أقاما بينتين قدمت بينة الوارث لأن معها زيادة علم.
وهبة دين للمدين إبراء له عنه فلا يحتاج إلى قبول نظرا للمعنى.
ولغيره أي المدين هبة صحيحة إن علما قدره كما صححه جمع تبعا للنص خلافا لما صححه المنهاج.
تنبيه لا يصح الإبراء من المجهول للدائن أو المدين لكن فيما

(1/397)


000000000000000000000000000000000
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فيه معاوضة كأن أبرأتني فأنت طالق لا فيما عدا ذلك: على المعتمد وفي القديم: يصح من المجهول مطلقا.
ولو أبرأ ثم ادعى الجهل: لم يقبل ظاهرا بل باطنا ذكره الرافعي.
وفي الجواهر عن الزبيلي1: تصدق الصغيرة المزوجة إجبارا بيمينها في جهلها بمهرها.
قال الغزي: وكذا الكبيرة المجبرة إن دل الحال على جهلها وطريق الإبراء من المجهول أن يبرئه مما يعلم أنه لا ينقص عن الدين كألف شك هل دينه يبلغها أو ينقص عنها؟
ولو أبرأ من معين معتقدا أنه لا يستحقه فبان أنه يستحقه برئ.
ويكره لمعط: تفضيل في عطية فروع وإن سفلوا ولو الأحفاد مع وجود الأولاد على الأوجه سواء كانت تلك العطية هبة أم هدية أم صدقة أم وقفا أو أصول وإن بعدوا سواء الذكر وغيره إلا لتفاوت حاجة أو فضل على الأوجه.
قال جمع: يحرم
ونقل في الروضة عن الدارمي: فإن فضل في الأصل فليفضل الأم وأقره لما في الحديث "أن لها ثلثي البر" [صحيح ابن حبان
__________
1 كذا هو في أغلب كتب الفقه وهكذا ذكر الأذرعي أنه سمعه من فقهاء عصره راجع طبقات فقهاء الشافعية لابن الصلاح رحمه الله 1/403, وما قاله ابن قاضي شهبة رحمه الله في الحاشية حيث يخلص أن الصواب فيه هو: الدنبلي نقلا عن الإمام الذهبي رحمه الله نسبة إلى قبيلة من أكراد الموصل تدعى دنبل.

(1/398)


000000000000000000000000000000000
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رقم: 433, 2/176] بل في شرح مسلم عن المحاسبي الإجماع على تفصيلها في البر على الأب.
فروع الهدايا المحمولة عند الختان ملك للأب وقال جمع: للابن فعليه يلزم الأب قبولها ومحل الخلاف إذا أطلق المهدي فلم يقصد واحدا منهما وإلا فهي لمن قصده اتفاقا ويجري ذلك فيما يعطاه خادم الصوفية فهو له فقط عند الإطلاق أو قصده ولهم عند قصدهم وله ولهم عند قصدهما أي يكون له النصف فيما يظهر وقضية ذلك أن ما اعتيد في بعض النواحي من وضع طاسة بين يدي صاحب الفرح ليضع الناس فيها دراهم ثم يقسم على الحالق أو الخاتن أو نحوهما يجري فيه ذلك التفصيل فإن قصد ذلك وحده أو مع نظرائه المعاونين له عمل بالقصد وإن أطلق كان ملكا لصاحب الفرح يعطيه لمن يشاء وبهذا يعلم أنه لا نظر هنا للعرف أما مع قصد خلافه فواضح وأما مع الإطلاق فلان حمله على من ذكر من الأب والخادم وصاحب الفرح نظرا للغالب أن كلا من هؤلاء هو المقصود هو عرف الشرع فيقدم على العرف المخالف له بخلاف ما ليس للشرع فيه عرف فإنه تحكم فيه العادة ومن ثم لو نذر لولي ميت بمال فإن قصد أنه يملكه لغا وإن أطلق فإن كان على قبره ما يحتاج للصرف في مصالحه صرف له وإلا فإن كان عنده قوم اعتيد قصدهم بالنذر للولي صرف لهم.

(1/399)


0000000000000000000000000000
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ولو أهدي لمن خلصه من ظالم لئلا ينقص ما فعله لم يحل له قبوله وإلا حل أي وإن تعين عليه تخليصه.
ولو قال خذ هذا واشتر لك به كذا تعين ما لم يرد التبسط أي أو تدل قرينة حاله عليه.
ومن دفع لمخطوبته أو وكيلها أو وليها طعاما أو غيره ليتزوجها فرد قبل العقد رجع على من أقبضه.
ولو بعث هدية إلى شخص فمات المهدي إليه قبل وصولها بقيت على ملك المهدي فإن مات المهدي لم يكن للرسول حملها إلى المهدي إليه.

(1/400)


باب في الوقف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
باب في الوقف
هو لغة: الحبس وشرعا: حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته على مصرف مباح وجهة والأصل فيه: خبر مسلم: [رقم: 1631] : "إذا مات المسلم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح أي مسلم يدعو له".
وحمل العلماء: الصدقة الجارية على الوقف دون نحو الوصية بالمنافع المباحة ووقف عمر رضي الله عنه أرضا أصابها بخيبر بأمره صلى الله عليه وسلم وشرط

(1/400)


صح وقف عين مملوكة تفيد وهي باقية بوقفت وسبلت كذا على كذا,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فيها شروط: منها أنه لا يباع أصلها ولا يورث ولا يوهب وأن من وليها يأكل منها بالمعروف ويطعم صديقا غير متمول رواه الشيخان [البخاري رقم: 3737, مسلم رقم: 1633] وهو أول من وقف في الإسلام.
وعن أبي يوسف أنه لما سمع خبر عمر أنه لا يباع أصلها رجع عن قول أبي حنيفة ببيع الوقف وقال لو سمعه لقال به.
صح وقف عين معينة مملوكة ملكا يقبل النقل تفيد فائدة حالا أو مآلا كثمرة أو منفعة يستأجر لها غالبا وهي باقية لأنه شرع ليكون صدقة جارية وذلك كوقف شجر لريعه وحلى للبس ونحو مسك لشم وريحان مزروع بخلاف عود البخور لأنه لا ينتفع به إلا باستهلاكه والمطعوم لأن نفعه في إهلاكه.
وزعم ابن الصلاح: صحة وقف الماء اختيار له.
ويصح وقف المغصوب وإن عجز عن تخليصه ووقف العلو دون السفل مسجدا.
والأوجه صحة وقف المشاع وإن قل مسجدا.
ويحرم المكث فيه على الجنب تغليبا للمنع ويمنع إعتكاف وصلاة به من غير إذن ما لك المنفعة.
بوقفت وسبلت وحبست كذا على كذا أو أرضي موقوفة أو وقف عليه ولو قال تصدقت بكذا على كذا صدقة محرمة أو مؤبدة أو

(1/401)


وجعلت هذا مسجدا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
صدقة لاتباع أو لا توهب أو لا تورث: فصريح في الأصح.
ومن الصرائح قوله: جعلت هذا المكان مسجدا فيصير به مسجدا وإن لم يقل لله ولا أتى بشيء مما مر: لان المسجد لا يكون إلا وقفا ووقفته للصلاة: صريح في الوقفية وكناية في خصوص المسجدية فلا بد من نيتها في غير الموات.
ونقل القمولي عن الروياني وأقره من أنه لو عمر مسجدا خرابا ولم يقف آلاته: كانت عارية له يرجع فيها متى شاء انتهى.
ولا يثبت حكم المسجد من صحة الاعتكاف وحرمة المكث للجنب لما أضيف من الأرض الموقوفة حوله إذا احتيج إلى توسعته على ما أفتى به شيخنا ابن زياد وغيره.
وعلم مما مر أن الوقف لا يصح إلا بلفظ ولا يأتي فيه خلاف المعاطاة فلو بنى بناء علي هيئة مسجد وأذن في إقامة الصلاة فيه: لم يخرج بذلك عن ملكه كما إذا جعل مكانا على هيئة المقبرة وأذن في الدفن بخلاف ما لو أذن في الاعتكاف فيه فإنه يصير بذلك مسجدا.
قال البغوي في فتاويه لو قال لقيم المسجد اضرب اللبن من أرضي للمسجد فضربه وبنى به المسجد صار له حكم المسجد وليس له نقضه وله استرداده قبل أن يبنى به انتهى.
وألحق البلقيني بالمسجد في ذلك: البئر المحفورة للسبيل والأسنوي: المدارس والربط.

(1/402)


وشرط له تأبيد وتنجيز وإمكان تمليك,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقال الشيخ أبو محمد: وكذا لو أخذ من الناس ليبنى به زاوية أو رباطا فيصير كذلك بمجرد بنائه.
وضعفه بعضهم.
ويصح وقف بقرة على رباط ليشرب لبنها من نزله أو ليباع نسلها لمصالحه.
وشرط له أي للوقف تأبيد فلا يصح تأقيته كوقفته على زيد سنة.
وتنجيز فلا يصح تعليقه: كوقفته على زيد إذا جاء رأس الشهر نعم: يصح تعليقه بالموت: كوقفت داري بعد موتي على الفقراء.
قال الشيخان: وكأنه وصية لقول القفال إنه عرضها للبيع كان رجوعا.
وإمكان تمليك للموقوف عليه العين الموقوفة إن وقف على معين واحد أو جمع: بأن يوجد خارجا متأهلا للملك فلا يصح الوقف على معدوم: كعلى مسجد سيبني أو على ولده ولا ولد له أو على من سيولد لي ثم الفقراء لانقطاع أوله أو على فقراء أولاده ولا فقير فيهم أو على أن يطعم المساكين ريعه على رأس قبره بخلاف قبر أبيه الميت.
وأفتى ابن الصلاح بأنه لو وقف على من يقرأ على قبره بعد موته فمات ولم يعرف له قبر: بطل انتهى.

(1/403)


000000000000000000000000000000000
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ويصح على المعدوم تبعا للموجود: كوقفته على ولدي ثم على ولد ولدي ولا على أحد هذين ولا على عمارة مسجد إن لم يبينه ولا على نفسه: لتعذر تمليك الإنسان ملكه أو منافع ملكه لنفسه.
ومنه أن يشرط1 نحو قضاء دينه مما وقفه أو انتفاعه به لا شرط نحو شربه أو مطالعته من بئر وكتاب وقفهما على نحو الفقراء كذا قاله بعض شراح المنهاج.
ولو وقف على الفقراء مثلا ثم صار فقيرا: جاز له الأخذ منه وكذا لو كان فقيرا حال الوقف.
ويصح شرط النظر لنفسه ولو بمقابل إن كان بقدر أجرة مثل فأقل.
ومن حيل صحة الوقف على نفسه: أن يقف على أولاد أبيه ويذكر صفات نفسه فيصح كما قاله جمع متأخرون واعتمده ابن الرفعة وعمل به في حق نفسه فوقف على الأفقه من بني الرفعة وكان يتناوله.
ويبطل الوقف في جهة معصية: كعمارة الكنائس وكوقف سلاح على قطاع طريق ووقف على عمارة قبور غير الأنبياء والعلماء والصالحين.
فرع يقع لكثيرين أنهم يقفون أموالهم في صحتهم على ذكور أولادهم قاصدين بذلك حرمان إناثهم وقد تكرر من غير واحد إفتاء
__________
1 في نسخة يشترط.

(1/404)


لا قبول ولو من معين ولو انقرض في منقطع آخر فمصرفه الأقرب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ببطلان الوقف حينئذ.
قال شيخنا كالطنبداوي فيه نظر ظاهر بل الوجه الصحة.
لا قبول فلا يشترط ولو من معين نظرا إلى أنه قربة بل الشرط عدم الرد وما ذكرته في المعين هو المنقول عن الأكثرين واختاره في الروضة ونقله في شرح الوسيط عن نص الشافعي وقيل يشترط من المعين القبول نظرا إلى أنه تمليك وهو ما رجحه في المنهاج كأصله فإذا رد المعين: بطل حقه سواء شرطنا قبوله أم لا نعم: لو وقف على وارثه الحائز شيئا يخرج من الثلث: لزم وإن رده.
وخرج بالمعين: الجهة العامة وجهة التحرير كالمسجد فلا قبول فيه جزما: ولو وقف على اثنين معينين ثم الفقراء فمات أحدهما فنصيبه يصرف للآخر لأنه شرط في الانتقال إلى الفقراء انقراضهما جميعا ولم يوجد. ولو انقرض أي الموقوف عليه المعين في منقطع آخر كأن قال وقفت على أولادي ولم يذكر أحدا بعد أو على زيد ثم نسله ونحوهما مما لا يدوم:
فمصرفه الفقير الأقرب رحما لا إرثا.

(1/405)


إلى الواقف ولو شرط شيئا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إلى الواقف يوم انقراضهم: كابن البنت وإن كان هناك ابن أخ مثلا لان الصدقة على الأقارب أفضل وأفضل منه الصدقة على أقربهم فأفقرهم ومن ثم يجب أن يخص به فقراءهم فإن لم يعرف أرباب الوقف أو عرف ولم يكن له أقارب فقراء بل كانوا أغنياء وهم من حرمت عليه الزكاة صرفه الإمام في مصالح المسلمين.
وقال جمع يصرف إلى الفقراء والمساكين: أي ببلد الموقوف.
ولا يبطل الوقف على كل حال بل يكون مستمرا عليه إلا فيما لم يذكر المصرف كوقفت هذا وإن قال لله لان الوقف يقتضي تمليك المنافع فإذا لم يعين متملكا بطل وإنما صح أوصيت بثلثي وصرف للمساكين لان غالب الوصايا لهم فحمل الإطلاق عليهم وإلا في منقطع الأول: كوقفته على من يقرأ على قبري بعد موتي أو على قبر أبي وهو حي: فيبطل بخلاف وقفته الآن أو بعد موتي على من يقرأ على قبري بعد موتي فإنه وصية فإن خرج من الثلث أو أجيز وعرف قبره: صحت وإلا فلا وحيث صحت وإلا فلا وحيث صححنا الوقف أو الوصية: كفي قراءة شيء من القرآن بلا تعيين بسورة يس وإن كان غالب قصد الواقف ذلك كما أفتى به شيخنا الزمزمي وقال بعض أصحابنا: هذا إذا لم يطرد عرف في البلد بقراءة قدر معلوم أو سورة معينة وعلمه الواقف وإلا فلا بد منه: إذ عرف البلد المطرد في زمنه بمنزلة شرطه.
ولو شرط أي الواقف شيئا يقصد كشرط أن لا يؤجر

(1/406)


اتبع,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مطلقا أو إلا كذا: كسنة أو أن يفضل بعض الموقوف عليهم على بعض أو أنثى على ذكر أو يسوى بينهم أو اختصاص نحو مسجد كمدرسة ومقبرة بطائفة كشافعية:
اتبع شرطه في غير حالة الضرورة كسائر شروطه التي لم تخالف الشرع وذلك لما فيه من وجوه المصلحة:
أما ما خالف الشرع: كشرط العزوبة في سكان المدرسة أي مثلا فلا يصح كما أفتى به البلقيني.
وخرج بغير حالة الضرورة ما لم1 يوجد غير المستأجر الأول وقد شرط أن لا يؤجر لإنسان أكثر من سنة أو أن الطالب لا يقيم أكثر من سنة ولم يوجد غيره في السنة الثانية: فيهمل شرطه حينئذ كما قاله ابن عبد السلام.
فائدة [في بيان أحكام الوقف المتعلقة بلفظ الواقف] : الواو العاطفة للتسوية بين المتعاطفات: كوقفت هذا على أولادي وأولاد أولادي وثم والفاء للترتيب ويدخل أولاد بنات في ذرية ونسل وعقب وأولاد أولاد إلا إن قال على من ينسب إلي منهم فلا يدخلون
__________
1 قال الشيخ السيد البكري رحمه الله: يوجد في بعض نسخ الخط زيادة: لو بعد ما وقبل لم انتهى.

(1/407)


000000000000000000000000000000000
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حينئذ والمولى يشمل معتقا وعتيقا.
تنبيه حيث أجمل الواقف شرطه اتبع فيه العرف المطرد في زمنه لأنه بمنزلة شرطه ثم ما كان أقرب إلى مقاصد الواقفين كما يدل عليه كلامهم ومن ثم امتنع في السقايات المسبلة على الطرق غير الشرب ونقل الماء منها ولو للشرب وبحث بعضهم حرمة نحو بصاق وعسل وسخ في ماء مطهرة المسجد وإن كثر.
وسئل العلامة الطنبداوي عن الجوابي والجرار التي عند المساجد فيها الماء إذا لم يعلم أنها موقوفة للشرب أو الوضوء أو الغسل الواجب أو المسنون أو غسل النجاسة؟ فأجاب إنه إذا دلت قرينة على أن الماء موضوع لتعميم الانتفاع: جاز جميع ما ذكر من الشرب وغسل النجاسة وغسل الجنابة وغيرها.
ومثال القرينة: جريان الناس على تعميم لانتفاع من غير نكير من فقيه وغيره إذا الظاهر من عدم النكير: أنهم أقدموا على تعميم الانتفاع بالماء بغسل وشرب ووضوء وغسل نجاسة فمثل هذا إيقاع يقال بالجواز1.
وقال إن فتوى العلامة عبد الله بامخرمة يوافق ما ذكره انتهى.
قال القفال وتبعوه: ويجوز شرط رهن من مستعير كتاب وقف يأخذه
__________
1 قال الشيخ السيد البكري رحمه الله: في بعض نسخ الخط فمثل هذا يقال بالجواز فيه بإسقاط لفظ: إيقاع انتهى.

(1/408)


000000000000000000000000000000000
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الناظر منه ليحمله على رده.
وألحق به شرط ضامن.
وأفتى بعضهم في الوقف على النبي ص أو النذر له بأنه يصرف لمصالح حجرته الشريفة فقط أو على أهل بلد أعطي مقيم بها أو غائب عنها لحاجة غيبة لا تقطع نسبته إليها عرفا.
فروع قال التاج الفزاري والبرهان المراغي وغيرهما: من شرط قراءة جزء من القرآن كل يوم كفاه قدر جزء ولو مفرقا ونظرا وفي المفرق نظر.
ولو قال ليتصدق بغلته في رمضان أو عاشوراء ففات: تصدق بعده ولا ينتظر مثله نعم: إن قال فطرا لصوامه انتظره.
وأفتى غير واحد بأنه لو قال على من يقرأ على قبر أبي كل جمعة يس بأنه إن حد القراء بمدة معينة أو عين لكل سنة غلة: اتبع وإلا بطل.
نظير ما قالوه من بطلان الوصية لزيد كل شهر بدينار إلا في دينار واحد انتهى.
وإنما يتجه إلحاق الوقف بالوصية: إن علق بالموت لأنه حينئذ وصية وأما الوقف الذي ليس كالوصية: فالذي يتجه صحته إذ لا يترتب عليه محذور بوجه لأن الناظر إذا قرر من يقرأ كذلك: استحق

(1/409)


000000000000000000000000000000000
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ما شرط ما دام يقرأه فإذا مات مثلا: قرر الناظر غيره وهكذا.
ولو قال الواقف وقفت هذا على فلان ليعمل كذا: قال ابن الصلاح: احتمل أن يكون شرطا للاستحقاق وأن يكون توصية له لأجل وقفه فإن علم مراده: اتبع وإن شك: لم يمنع الاستحقاق وإنما يتجه فيما لا يقصد عرفا صرف الغلة في مقابلته وإلا كلتقرأ أو تتعلم كذا: فهو شرط للاستحقاق فيما استظهره شيخنا. ولوقف وأوصى للضيف: صرف للوارد على ما يقتضيه العرف ولا يزاد على ثلاثة أيام مطلقا ولا يدفع له حب إلا إن شرطه الواقف وهل يشترط فيه الفقر؟ قال شيخنا: الظاهر لا.
وسئل شيخنا الزمزمي عمال وقف ليصرف غلته للإطعام عن رسول الله ص: فهل يجوز للناظر أن يطعمها من نزل به من الضيفان في غير شهر المولد بذلك القصد أو لا؟ وهل يجوز للقاضي أن يأكل من ذلك إذا لم يكن له رزق من بيت المال ولا من مياسير المسلمين؟ فأجاب بأنه يجوز للناظر أن يصرف الغلة المذكورة في إطعام من ذكر ويجوز للقاضي الأكل منها أيضا لأنها صدقة والقاضي إذا لم يعرفه المتصدق ولم يكن القاضي عارفا به قال السبكي لا شك في جواز الأخذ له وبقوله أقول: لانتفاء المعنى المانع وإلا يحتمل أن يكون كالهدية ويحتمل الفرق بأن المتصدق إنما قصد ثواب الآخرة انتهى.
وقال ابن عبد السلام: ولا يستحق ذو وظيفة كقراءة أخل بها في

(1/410)


ولموقوف عليه ريع,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بعض الأيام.
وقال النووي: وإن أخل استناب لعذر كمرض أو حبس بقي استحقاقه وإلا لم يستحق لمدة الاستنابة.
فأفهم
بقاء أثر استحقاقه لغير مدة الإخلال وهو ما اعتمده السبكي كابن الصلاح في كل وظيفة تقبل الإنابة: كالتدريس والإمامة.
ولموقوف عليه عين مطلقا أو لاستغلال ريعها لغير نفع خاص منها ريع وهو فوائد الموقوف جميعها: كأجرة ودر وولد حادث بعد الوقف وثمر وغصن يعتاد قطعه أو شرط ولم يؤد قطعه لموت أصله فيتصرف في فوائده تصرف الملاك بنفسه وبغيره ما لم يخالف شرط الواقف لان ذلك هو المقصود من الوقف وأما الحمل المقارن: فوقف تبعا لأمة أما إذا وقفت عليه عين لنفع خاص كدابة للركوب ففوائدها من در ونحوه للواقف.
ولا يجوز وطئ أمة موقوفة ولو من واقف أو موقوف عليه لعدم ملكها بل يحدان ويزوجها قاض بإذن الموقوف عليه لا له ولا للواقف.
واعلم أن الملك في رقبة الموقوف على معين أو جهة ينتقل إلى الله تعالى: أي ينفك عن اختصاص الآدميين.
فلو شغل المسجد بأمتعة وجبت الأجرة له فتصرف لمصالحه على الأوجه.

(1/411)


ولا يباع موقوف وإن خرب,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فائدة ومن سبق إلى محل من مسجد لإقراء قرآن أو حديث أو علم شرعي أو آلة له أو لتعلم ما ذكر أو كسماع درس بين يدي مدرس وفارقه ليعود إليه ولم تطل مفارقته بحيث انقطع عنه الألفة1: فحقه باق لان له غرضا في ملازمة ذلك الموضع ليألفه الناس وقيل يبطل حقه بقيامه وأطالوا في ترجيحه نقلا ومعنى أو للصلاة
ولو قبل دخول وقتها أو قراءة أو ذكر وفارقه بعذر: كقضاء حاجة وإجابة داع فحقه باق ولو صبيا في الصف الأول في تلك الصلاة وإن لم يترك رداءه فيه فيحرم على غير العالم الجلوس فيه بغير إذنه أو ظن رضاه نعم: إن أقيمت الصلاة في غيبته واتصلت الصفوف: فالوجه سد الصف مكانه لحاجة إتمام الصفوف.
ذكره الأذرعي وغيره.
فلو كان له سجادة فيه فينحيها برجله من غير أن يرفعها بها عن الأرض لئلا تدخل في ضمانه.
أما جلوسه لاعتكاف فإن لم ينو مدة بطل حقه بخروجه ولو لحاجة وإلا لم يبطل حقه بخروجه أثناءها لحاجة.
وأفتى القفال بمنع تعليم الصبيان في المساجد.
ولا يباع موقوف وإن خرب فلو انهدم مسجد وتعذرت إعادته:
__________
1 قال الشيخ السيد البكري رحمه الله: وفي بعض نسخ الخط: ألافه انتهى.

(1/412)


000000000000000000000000000000000
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لم يبع ولا يعود ملكا بحال لإمكان الصلاة والاعتكاف في أرضه.
أو جف الشجر الموقوف أو قلعه ريح لم يبطل الوقف فلا يباع ولا يوهب بل ينتفع الموقوف عليه ولو بجعله أبوابا إن باب في الوقف لم يمكنه إجارته خشبا بحاله فإن تعذر الانتفاع به إلا باستهلاكه: كأن صار لا ينتفع به إلا بالإحراق: انقطع الوقف أي ويملكه الموقوف عليه حينئذ على المعتمد فينتفع بعينه ولا يبيعه.
ويجوز بيع حصر المسجد الموقوفة عليه إذا بليت بأن ذهب جمالها ونفعها وكانت المصلحة في بيعها وكذا جذوعه المنكسرة خلافا لجمع فيهما ويصرف ثمنها لمصالح المسجد إن لم يمكن شراء حصير أو جذع به.
والخلاف في الموقوفة ولو بأن اشتراها الناظر ووقفها بخلاف الموهوبة والمشتراة للمسجد فتباع جزما لمجرد الحاجة: أي المصلحة وإن لم تبل.
وكذا نحو القناديل.
ولا يجوز استعمال حصر المسجد ولا فراشه في غير فرشه مطلقا سواء كانت لحاجة أم لا كما أفتى به شيخنا.
ولو اشترى الناظر أخشابا للمسجد أو وهبت له وقبلها الناظر: جاز بيعها لمصلحة كأن خاف عليها نحو سرقة لا إن كانت موقوفة من أجزاء المسجد بل تحفظ له وجوبا ذكره الكمال الرداد في فتاويه.

(1/413)


000000000000000000000000000000000
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ولا ينقض المسجد إلا إذا خيف على نقضه فينقض يحفظ أو يعمر به مسجد آخر إن رآه الحاكم.
والأقرب إليه أولى ولا يعمر به غير جنسه كرباط وبئر كالعكس إلا إذا تعذر جنسه والذي يتجه ترجيحه في ريع وقف المنهدم أنه إن توقع عوده: حفظ له وإلا صرف لمسجد آخر فإن تعذر: صرف للفقراء كما يصرف النقض لنحو رباط.
وسئل شيخنا عما إذا عمر مسجد1 بآلات جدد وبقيت آلاته القديمة: فهل يجوز عمارة مسجد آخر قديم بها أو تباع ويحفظ ثمنها فأجاب بأنه يجوز عمارة مسجد قديم وحادث بها حيث قطع بعدم احتياج ما هي منه إليها قبل فنائها ولا يجوز بيعه بوجه من الوجوه انتهى.
ونقل نحو حصير المسجد وقناديله كنقل آلته.
ويصرف ريع الموقوف على المسجد مطلقا أو على عمارته في البناء ولو لمنارته وفي التجصيص المحكم والسلم وفي أجرة القيم لا المؤذن والإمام والحصر والدهن إلا إن كان الوقف لمصالحه فيصرف في ذلك لا في التزويق والنقش.
وما ذكرته من أنه لا يصرف للمؤذن والإمام في الوقف المطلق هو مقتضى ما نقله النووي في الروضة عن البغوي لكنه نقل بعده عن فتاوى الغزالي أنه يصرف لهما وهو الأوجه كما في الوقف على مصالحه.
__________
1 قال الشيخ السيد البكري رحمه الله: وفي بعض النسخ: عما إذا عمر مسجدا بنصب مسجدا. انتهى.

(1/414)


000000000000000000000000000000000
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ولو وقف على دهن لإسراج المسجد به أسرج كل الليل إن لم يكن مغلقا مهجورا.
وأفتى ابن عبد السلام بجواز إيقاد اليسير من المصابيح فيه ليلا احتراما مع خلوه من الناس واعتمده جمع.
وجزم في الروضة بحرمة إسراج الخالي.
قال في المجموع: يحرم أخذ شيء من زيته وشمعه كحصاه وترابه.
فرع ثمر الشجر النابت بالمقبرة المباحة مباح وصرفه لمصالحها أولى وثمر المغروس في المسجد ملكه إن غرس له فيصرف لمصالحه وإن غرس ليؤكل أو جهل الحال فمباح.
وفي الأنوار: ليس للإمام إذا اندرست مقبرة ولم يبق بها أثر: إجارتها للزراعة أي مثلا وصرف غلتها للمصالح وحمل على الموقوفة: فالمملوكة لمالكها إن عرف وإلا فمال ضائع: أي إن أيس من معرفته يعمل فيه الإمام بالمصلحة وكذا المجهولة.
وسئل العلامة الطنبداوي في شجرة نبتت بمقبرة مسبلة ولم يكن لها ثمر ينتفع به إلا أن بها أخشابا كثيرة
تصلح للبناء ولم يكن لها ناظر خاص فهل للناظر العام أي القاضي بيعها وقطعها وصرف قيمتها إلى مصالح المسلمين فأجاب نعم: للقاضي في المقبرة العامة

(1/415)


ولو شرط واقف نظرا له أو لغيره اتبع وإلا فهو لقاض.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المسبلة بيعها وصرف ثمنها في مصالح المسلمين كثمر الشجرة التي لها ثمر فإن صرفها في مصالح المقبرة أولى.
هذا عند سقوطها بنحو ريح وأما قطعها مع سلامتها فيظهر إبقاوها للرفق بالزائر والمشيع.
ولو شرط واقف نظرا له أي لنفسه.
أو لغيره اتبع كسائر شروطه وقبول من شرط له النظر: كقبول الوكيل على الأوجه وليس له عزل من شرط نظره حال الوقف ولو لمصلحة وإلا يشرط لأحد فهو لقاض أي قاضي بلد الموقوف بالنسبة لحفظه وإجارته وقاضي بلد الموقوف عليه بالنسبة لما عدا ذلك على المذهب: لأنه صاحب النظر العام فكان أولى من غيره ولو واقفا أو موقوفا عليه.
وجزم الخوارزمي بثبوته للواقف وذريته بلا شرط ضعيف.
قال السبكي: ليس للقاضي أخذ ما شرط للناظر إلا أن صرح الواقف بنظره كما أنه ليس له أخذ شيء من سهم عامل الزكاة.
قال ابنه التاج: ومحله في قاض له قدر كفايته.
وبحث بعضهم أنه لو خشي من القاضي أكل الوقف لجوره جاز لمن هو بيده صرفه في مصارفه: أي إن عرفها وإلا فوضه لفقيه عارف بها أو سأله وصرفها.

(1/416)


00000000000000000000000000000000000
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وشرط الناظر واقفا كان أو غيره العدالة والاهتداء إلى التصرف المفوض إليه.
ويجوز للناظر ما شرط له من الأجرة وإن زاد على أجرة مثله ما لم يكن الواقف فإن لم يشرط له شيء فلا أجرة له نعم: له رفع الأمر إلى الحاكم ليقرر له الأقل من نفقته وأجرة مثله كولي اليتيم وأفتى ابن الصباغ بأن له الاستقلال بذلك من غير حاكم.
وينعزل الناظر بالفسق فيكون النظر للحاكم.
وللواقف عزل من ولاه ونصب غيره إلا إن شرط نظره حال الوقف.
تتمة لو طلب المستحقون من الناظر كتاب الوقف ليكتبوا منه نسخة حفظا لاستحقاقهم: لزمه تمكينهم كما أفتى به بعضهم.

(1/417)


باب في الإقرار
يؤاخذ بإقرار مكلف مختار,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
باب في الإقرار
هو لغة الإثبات وشرعا إخبار الشخص بحق عليه ويسمى اعترافا.
يؤاخذ بإقرار مكلف مختار فلا يؤاخذ بإقرار صبي ومجنون ومكره

(1/417)


وشرط فيه لفظ كعلي أو عندي كذا ونعم وأبرأتني وقضيته لجواب أليس لي؟ أو لي عليك كذا,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بغير حق على الإقرار بأن ضرب ليقر إما مكره على الصدق: كأن ضرب ليصدق في قضية اتهم فيها فيصح حال الضرب وبعده على إشكال قوي فيه سيما إن علم أنهم لا يرفعون الضرب إلا بأخذت مثلا ولو ادعى صبا أمكن أو نحو جنون عهد أو إكراها وثم أمارة كحبس أو ترسيم وثبت ببينة أو بإقرار المقر له أو بيمين مردودة: صدق بيمينه ما لم تقم بينة بخلافه.
وأما إذا ادعى الصبي بلوغا بإمناء ممكن فيصدق في ذلك ولا يحلف عليه أو بسن: كلف ببينة عليه وإن كان غريبا لا يعرف وهي رجلان نعم: إن شهد أربع نسوة بولادته يوم كذا: قبلن ويثبت بهن السن تبعا كما قاله شيخنا.
وشرط فيه أي الإقرار لفظ يشعر بالتزام بحق كعلي أو عندي كذا لزيد ولو زاد: فيما أظن أو أحسب: لغا.
ثم إن كان المقر به معينا: كلزيد هذا الثوب أو خذ به أو غيره كله ثوب أو ألف: اشترط أن يضم إليه شيء مما يأتي: كعندي أو علي وقوله علي أو في ذمتي للدين ومعي أو عندي للعين ويحمل العين على أدنى المراتب وهو الوديعة فيقبل قوله بيمينه في الرد والتلف وك نعم وبلى وصدقت وأبرأتني منه أو أبرئني منه.
وقضيته لجواب أليس لي عليك كذا؟ أو قال له لي عليك كذا من غير استفهام لان المفهوم

(1/418)


وفي مقربه أن لا يكون لمقر,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
من ذلك: الإقرار ولو قال اقض الألف الذي لي عليك أو أخبرت أن لي عليك ألفا فقال نعم أو أمهلني أو لا أنكر ما تدعيه أو حتى أفتح الكيس أو أجد المفتاح أو الدراهم مثلا: فإقرار حيث لا استهزاء.
فإن اقترن بواحد مما ذكر قرينة استهزاء: كإيراد كلامه بنحو ضحك وهز رأسه مما يدل على التعجب والإنكار: أي وثبت ذلك كما هو ظاهر لم يكن به مقرا على المعتمد.
وطلب البيع إقرار بالملك والعارية والإجارة بملك المنفعة لكن تعينها إلى المقر.
وأما قوله ليس لك علي أكثر من ألف جوابا لقوله لي عليك ألف أو نتحاسب أو اكتبوا لزيد علي ألف درهم أو اشهدوا علي بكذا أو بما في هذا الكتاب فليس بإقرار بخلاف أشهدكم مضافا لنفسه.
وقوله لمن شهد عليه هو عدل فيما شهد به إقرار: كإذا شهد علي فلان بمائة أو قال ذلك فهو صادق فإنه إقرار وإن لم يشهد.
وشرط في مقر به أن لا يكون ملكا لمقر حين يقر لان الإقرار ليس إزالة عن الملك وإنما هو إخبار عن كونه ملكا للمقر له إذا لم يكذبه.
فقوله داري أو ثوبي أو داري التي اشتريتها لنفسي لزيد أو ديني الذي على زيد لعمرو: لغو لأن الإضافة إليه تقتضي الملك له

(1/419)


وصح إقرار من مريض ولو لوارث,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فتنافى الإقرار به لغيره: إذ هو إقرار بحق سابق.
ولو قال مسكني أو ملبوسي لزيد فهو إقرار لأنه قد يسكن ويلبس ملك غيره ولو قال: الدين الذي كتبته أو باسمي على زيد لعمرو: صح أو الدين الذي لي على زيد لعمرو: لم يصح إلا إن قال: واسمي في الكتاب عارية.
ولو أقر بحرية عبد معين في يد غيره أو شهد بها ثم اشتراه لنفسه أو ملكه بوجه آخر: حكم بحريته.
ولو أشهد أنه سيقر بما ليس عليه فأقر أن عليه لفلان كذا: لزمه ولم ينفعه ذلك الإشهاد.
وصح إقرار من مريض مرض موت ولو لوارث بدين أو عين فيخرج من رأس المال وإن كذبه بقية الورثة لأنه انتهى إلى حالة يصدق فيها الكاذب ويتوب الفاجر فالظاهر صدقه لكن للوارث تحليف المقر له على الاستحقاق فيما استظهره شيخنا خلافا للقفال.
ولو أقر بنحو هبة مع قبض في الصحة قبل.
وإن أطلق أو قال في عين عرف أنها ملكه هذه ملك لوراثي نزل على حالة المرض قاله القاضي فيتوقف على إجازة بقية الورثة: كما لو قال وهبته في مرضي.
واختار جمع عدم قبوله إن اتهم لفساد الزمان بل قد تقطع القرائن بكذبه فلا ينبغي لمن يخشى الله أن يقضي أو يفتي بالصحة ولا شك

(1/420)


وبمجهول وبنسب ألحقه بنفسه بشرط إمكان وتصديق مستلحق ولو أقر ببيع أو هبة وقبض وإقباض فادعى فساده لم يقبل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فيه إذا علم أن قصده الحرمان وقد صرح جمع بالحرمة حينئذ وأنه لا يحل للمقر له أخذه ولا يقدم إقرار صحة على إقرار مرض.
وصح إقرار بمجهول كشيء أو كذا فيطلب من المقر تفسيره فلو قال له علي شيء أو كذا قبل تفسيره بغير عيادة المريض ورد سلام ونجس لا يقتنى كخنزير ولو قال له علي مال قبل تفسيره بمتمول وإن قال لا بنجس.
ولو قال هذه الدار وما فيها لفلان صح واستحق جميع ما فيها وقت الإقرار فإن اختلفا في شيء أهو بها وقته صدق المقر وعلى المقر له البينة.
وصح إقرار بنسب ألحقه بنفسه: كأن قال هذا ابني بشرط إمكان فيه بأن لا يكذبه الشرع والحس بأن يكون دونه في السن بزمن يمكن فيه كونه ابنه وبأن لا يكون معروف النسب بغيره.
ومع تصديق مستلحق أهل له فإن لم يصدقه أو سكت: لم يثبت نسبه إلا ببينة.
ولو أقر ببيع أو هبة وقبض وإقباض بعدها فادعى فساده لم يقبل في دعواه فساده وإن قال أقررت لظني الصحة لأن الاسم عند الإطلاق يحمل على الصحيح نعم: إن قطع ظاهر الحال بصدقه

(1/421)


000000000000000000000000000000000
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كبدوي جلف فينبغي قبول قوله كما قاله شيخنا.
وخرج بـ إقباض: ما لو اقتصر على الهبة فلا يكون مقرا بإقباض فإن قال ملكها ملكا لازما وهو يعرف معنى ذلك: كان مقرا بالإقباض وله تحليف المقر له أنه ليس فاسدا لإمكان ما يدعيه ولا تقبل ببيته لأنه كذبها بإقراره فإن نكل حلف المقر أنه كان فاسدا وبطل البيع أو الهبة لان اليمين المردودة كالإقرار.
ولو قال هذا لزيد بل لعمرو أو غصبت من زيد بل من عمرو: سلم لزيد سواء قال ذلك متصلا بما قبله أم منفصلا عنه وإن طال الزمن لامتناع الرجوع عن الإقرار بحق آدمي وغرم بدله لعمرو.
ولو أقر بشيء ثم أقر ببعضه دخل الأقل في الأكثر.
ولو أقر بدين لآخر ثم ادعى أداءه إليه وأنه نسي ذلك حالة الإقرار: سمعت دعواه للتحليف فقط.
فإن أقام بينة بالأداء: قبلت على ما أفتى به بعضهم لاحتمال ما قاله كما لو قال لا بينة لي ثم أتى ببينة تسمع.
ولو قال لا حق لي على فلان ففيه خلاف والراجح منه أنه إن قال فيما أظن أو فيما أعلم ثم أقام بينة بأن له عليه حقا قبلت وإن لم يقل ذلك لم تقبل ببينته إلا إن اعتذر بنحو نسيان أو غلط ظاهر.

(1/422)


باب في الوصية
تصح وصية مكلف حر لجهة حل,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
باب في الوصية
هي لغة الإيصال: من وصى الشيء بكذا وصله به لان الموصي وصل خير دنياه بخير عقباه.
وشرعا تبرع بحق مضاف لما بعد الموت.
وهي سنة مؤكدة إجماعا وإن كانت الصدقة بصحة فمرض أفضل فينبغي أن لا يغفل عنها ساعة: كما صرح به الخبر الصحيح [البخاري رقم: 2738, مسلم رقم: 1627] : "ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلة أو ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه" أي: ما الحزم أو المعروف شرعا إلا ذلك لان الإنسان لا يدري متى يفجؤه الموت.
وتكره الزيادة على الثلث إن لم يقصد حرمان ورثته وإلا حرمت.
تصح وصية مكلف حر مختار عند الوصية فلا تصح من صبي ومجنون ورقيق ولو مكاتبا لم يأذن له السيد ولا من مكره والسكران كالمكلف وفي قول تصح من صبي مميز.
لجهة حل: كعمارة مسجد ومصالحه وتحمل عليهما عند الإطلاق: بأن قال أوصيت به للمسجد ولو غير ضرورية عملا بالعرف ويصرفه الناظر للأهم والأصلح باجتهاده.
وهي للكعبة وللضريح النبوي تصرف لمصالحهما الخاصة بهما

(1/423)


ولحمل,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كترميم ما وهي من الكعبة دون بقية الحرم وقيل في الأولى لمساكين مكة.
قال شيخنا: يظهر أخذا مما قالوه في النذر للقبر المعروف بجرجان صحة الوصية كالوقف لضريح الشيخ الفلاني وتصرف في مصالح قبره والبناء الجائز عليه ومن يخدمونه أو يقرؤون عليه.
أما إذا قال للشيخ الفلاني ولم ينو ضريحه ونحوه: فهي باطلة.
ولو أوصى لمسجد سيبني: لم تصح وإن بني قبل موته إلا تبعا وقيل تبطل فيما لو قال أردت تمليكه.
وكعمارة نحو قبة على قبر نحو عالم في غير مسبلة.
ووقع في زيادات العبادي: ولو أوصى بأن يدفن في بيته بطلت الوصية.
وخرج بجهة حل: جهة المعصية كعمارة كنيسة وإسراج فيها وكتابة نحو توراة وعلم محرم.
وتصح لحمل موجود حال الوصية يقينا فتصح لحمل انفصل وبه حياة مستقرة لدون ستة أشهر من الوصية أو لأربع سنين فأقل ولم تكن المرأة فراشا لزوج أو سيد وأمكن كون الحمل منه لأن الظاهر وجوده عندها لندرة وطئ الشبهة وفي تقدير الزنا إساءة ظن بها نعم: لو لم

(1/424)


ولوارث مع إجازة ورثته
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تكن فراشا قط لم تصح الوصية قطعا لا لحمل سيحدث وإن حدث قبل موت الموصي: لأنها تمليك وتمليك المعدوم ممتنع فأشبهت الوقف على من سيولد له نعم إن جعل المعدوم تبعا للموجود كأن أوصى لأولاد زيد الموجودين ومن سيحدث له من الأولاد صحت لهم تبعا.
ولا لغير معين فلا تصح لأحد هذين هذا إذا كان بلفظ الوصية فإن كان بلفظ أعطوا هذا لأحدهما: صح لأنه وصية بالتمليك من الموصى إليه.
وتصح لوارث للموصي مع إجازة بقية ورثته بعد موت الموصي وإن كانت الوصية ببعض الثلث ولا أثر لإجازتهم في حياة الموصي: إذ لا حق لهم حينئذ.
والحيلة في أخذه من غير توقف على إجازة أن يوصي لفلان بألف: أي وهو ثلثه فأقل إن تبرع لولده بخمسمائة أو بألفين كما هو ظاهر فإذا قبل وأدى للابن ما شرط عليه أخذ الوصية ولم يشارك بقية الورثة الابن فيما حصل له ومن الوصية له إبراؤه وهبته والوقف عليه.
نعم لو وقف عليهم ما يخرج من الثلث على قدر نصيبهم نفذ من غير إجازة فليس لهم نقضه.
والوصية لكل وارث بقدر حصته كنصف وثلث لغو لأنه يستحقه

(1/425)


بـ أعطوه كذا أو هو له بعد موتي وبـ: أو صيت له.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بغير وصية ولا يأثم بذلك.
وبعين هي قدر حصته: كأن ترك ابنين وقنا ودارا قيمتهما سواء فخص كلا بواحد صحيحة إن أجازا.
ولو أوصى للفقراء بشيء لم يجز للوصي أن يعطى منه شيئا لورثة الميت ولو فقراء كما نص عليه في الأم. وإنما تصح الوصية بأعطوه كذا وإن لم يقل من ما لي أو وهبته له أو جعلته له أو هو له بعد موتي في الأربعة وذلك لان إضافة كل منها للموت صيرتها بمعنى الوصية.
وبأوصيت له بكذا وإن لم يقل بعد موتي لوضعها شرعا لذلك فلو اقتصر على نحو وهبته له: فهو هبة ناجزة. أو على نحو ادفعوا إليه من مالي كذا أو أعطوا فلانا من مالي كذا: فتوكيل يرتفع بنحو الموت وليست كناية وصية.
أو على جعلته له: احتمل الوصية والهبة فإن علمت نيته لأحدهما وإلا بطل.
أو على ثلث مالي للفقراء لم يكن إقرارا ولا وصية للفقراء.
قال شيخنا: ويظهر أنه كناية وصية.
أو على هو له فإقرار.
فإن زاد من مالي فكناية وصية.

(1/426)


مع قبول معين بعد موت موص,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وصرح جمع متأخرون بصحة قوله لمدينة إن مت فأعط فلانا ديني الذي عليك أو ففرقه على الفقراء ولا يقبل قوله في ذلك بل لا بد من بينة به.
وتنعقد بالكناية: كقوله عينت هذا له أو ميزته له أو عبدي هذا له.
والكتابة كناية فتنعقد بها مع النية ولو من ناطق إن اعترف نطقا هو أو وارثه بنية الوصية بها.
ولا يكفي هذا خطي وما فيه وصيتي.
وتصح بالألفاظ المذكورة من الموصي مع قبول موصى له معين محصور إن تأهل وإلا فنحو وليه بعد موت موص ولو بتراخ.
فلا يصح القبول كالرد قبل موت الموصي لان للموصي أن يرجع فيها فلمن رد قبل الموت القبول بعده ولا يصح الرد بعد القبول.
ومن صريح الرد: رددتها أو لا أقبلها ومن كنايته: لا حاجة لي بها وأنا غني عنها.
ولا يشترط القبول في غير معين كالفقراء بل تلزم بالموت ويجوز الاقتصار على ثلاثة منهم ولا يجب التسوية بينهم.
وإذا قبل الموصى له بعد الموت بأن به أي بالقبول الملك له

(1/427)


لا في زائد على ثلث في مرض مخوف إن رده وارث,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
في الموصي به من الموت: فيحكم بترتب أحكام الملك حينئذ من وجوب نفقة وفطرة والفوز بالفوائد الحاصلة وغير ذلك.
لا تصح الوصية في زائد على ثلث في وصية وقعت في مرض مخوف لتولد الموت عن جنسه كثيرا إن رده وارث خاص مطلق التصرف لأنه حقه فإن كان غير مطلق التصرف فإن توقعت أهليته عن قرب: وقف إليها وإلا بطلت.
ولو أجار بعض الورثة فقط: صح في قدر حصته من الزائد وإن أجاز الوارث الأهل فإجازته تنفيذ للوصية بالزائد.
والمخوف: كإسهال متتابع وخروج الطعام بشدة1 ووجع أو مع دم من عضو شريف كالكبد دون البواسير أو بلا استحالة وحمى مطبقة وكطلق حامل وإن تكررت ولادتها لعظم خطره ومن ثم كان موتها منه شهادة وبقاء مشيمة والتحام قتال بين متكافئين واضطراب ريح في حق راكب سفينة وإن أحسن السباحة وقرب من البر.
وأما زمن الوباء والطاعون فتصرف الناس كلهم فيه محسوب من الثلث وينبغي لمن ورثته أغنياء أو فقراء أن لا يوصي بزائد على ثلث والأحسن أن ينقص منه شيئا.
__________
1 في نسخة: وخروج الطعام بلا استحالة هضم أو كأن يخرج بشدة ومضمون الزيادة سيرد بعد.

(1/428)


ويعتبر منه عتق علق بالموت وكوقف وهبة,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ويعتبر منه أي الثلث أيضا عتق علق بالموت في الصحة أو المرض وتبرع نجز في مرضه كوقف وهبة وإبراء.
ولو اختلف الوارث والمتهب: هل الهبة في الصحة أو المرض؟ صدق المتهب بيمينه لان العين في يده.
ولو وهب في الصحة وأقبض في المرض اعتبر من الثلث.
أما المنجز في صحته فيحسب من رأس المال كحجة الإسلام وعتق المستولدة ولو ادعى الوارث موته في مرض تبرعه والمتبرع عليه شفاءه وموته من مرض آخر أو فجأة فإن كان مخوفا صدق الوارث وإلا فالآخر.
ولو اختلفا في وقوع التصرف في الصحة أو في المرض صدق المتبرع عليه لأن الأصل دوام الصحة فإن أقاما بينتين قدمت بينة المرض.
فرع لو أوصى لجيرانه فلأربعين دارا من كل جانب فيقسم حصة كل دار على عدد سكانها أو للعلماء
فلمحدث يعرف حال الراوي قوة أو ضدها والمروي صحة وضدها ومفسر يعرف معنى كل آية وما أريد بها وفقيه يعرف الأحكام الشرعية نصا واستنباطا والمراد هنا من حصل شيئا من الفقه بحيث يتأهل به لفهم باقيه
وليس منهم نحوي وصرفي ولغوي ومتكلم ويكفي ثلاثة من أصحاب العلوم الثلاثة أو بعضها.

(1/429)


وتبطل برجوع بنحو نقضتها و: هذا لوارثي,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ولو أوصى لا علم الناس اختص بالفقهاء أو للقراء لم يعط إلا من يحفظ كل القرآن عن ظهر قلب أو لأجهل الناس صرف لعباد الوثن فإن قال من المسلمين فمن يسب الصحابة.
ويدخل في وصية الفقراء والمساكين وعكسه.
ويدخل في أقارب زيد كل قريب وإن كان بعد لا أصل وفرع ولا تدخل في أقارب نفسه ورثته.
وتبطل الوصية المعلقة بالموت ومثلها تبرع علق بالموت سواء كان التعليق في الصحة أو المرض فللموصي الرجوع فيها كالهبة قبل القبض بل أولى ومن ثم لم يرجع في تبرع نجزه في مرضه وإن اعتبر من الثلث برجوع عن الوصية بنحو نقضتها كأبطلتها أو رددتها أو أزلتها.
والأوجه صحة تعليق الرجوع فيها على شرط لجواز التعليق فيها فأولى في الرجوع عنها.
وبنحو هذا لوارثي أو ميراث عني سواء أنسي الوصية أم ذكرها.
وسئل شيخنا عما لو أوصى له بثلث ماله إلا كتبه ثم بعد مدة أوصى له بثلث ماله ولم يستثن: هل يعمل بالأولى أو بالثانية فأجاب بأن الذي يظهر العمل بالأولى لأنها نص في إخراج الكتب والثانية محتملة إنه ترك الاستثناء فيها لتصريحه به في الأولى وأنه تركه إبطالا له والنص

(1/430)


وبيع ورهن وعرض عليه وغراس وتنفع ميتا صدقة ودعاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مقدم على المحتمل.
وبنحو بيع ورهن ولو بلا قبول وعرض عليه وتوكيل فيه.
ونحو غراس في أرض أوصى بها بخلاف زرعه بها.
ولو اختص نحو الغراس ببعض الأرض اختص الرجوع بمحله.
وليس من الرجوع إنكار الموصي الوصية إن كان لغرض.
ولو أوصى بشيء لزيد ثم أوصى به لعمرو فليس رجوعا بل يكون بينهما نصفين ولو أوصى به لثالث كان بينهم أثلاثا وهكذا قاله الشيخ زكريا في شرح المنهج.
ولو أوصى لزيد بمائة ثم بخمسين فليس له إلا خمسون لتضمن الثانية الرجوع عن بعض الأولى قاله النووي.
مطلب في الإيصاء وتنفع ميتا من وارث وغيره صدقة عنه ومنها وقف لمصحف وغيره وبناء مسجد وحفر بئر وغرس شجر منه في حياته أو من غيره عنه بعد موته.
ودعاء له إجماعا وصح في الخبر أن الله تعالى يرفع درجة العبد في الجنة باستغفار ولده له [مسلم رقم: 1631, ابن ماجه رقم: 3660, مسند أحمد رقم: 8540, الدارمي رقم: 3464] وقوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [53 سورة النجم الآية: 39] عام مخصوص بذلك وقيل منسوخ.

(1/431)


000000000000000000000000000000000
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ومعنى نفعه بالصدقة أنه يصير كأنه تصدق قال الشافعي رضي الله عنه وواسع فضل الله أن يثيب المتصدق أيضا ومن ثم قال أصحابنا: يسن له نية الصدقة عن أبويه مثلا فإنه تعالى يثيبهما ولا ينقص من أجره شيئا.
ومعنى نفعه بالدعاء حصول المدعو به له إذا استجيب واستجابته محض فضل من الله تعالى أما نفس الدعاء وثوابه فهو للداعي لأنه شفاعة أجرها للشافع ومقصودها للمشفوع له نعم دعاء الولد يحصل ثوابه نفسه للوالد الميت لان عمل ولده لتسببه في وجوده من جملة عمله كما صرح به خبر: "ينقطع عمل ابن آدم إلا من ثلاث" ثم قال: "أو ولد صالح" أي مسلم "يدعو له" [مسلم رقم: 1631] حمل دعاءه من عمل الوالد.
أما القراءة فقد قال النووي في شرح مسلم [المقدمة] المشهور من مذهب الشافعي أنه لا يصل ثوابها إلى الميت وقال بعض أصحابنا يصل ثوابها للميت بمجرد قصده بها ولو بعدها وعليه الأئمة الثلاثة واختاره كثيرون من أئمتنا واعتمده السبكي وغيره فقال: والذي دل عليه الخبر بالاستنباط أن بعض القرآن إذا قصد به نفع الميت نفعه وبين ذلك.
وحمل جمع عدم الوصول الذي قاله النووي على ما إذا قرأ لا بحضرة الميت ولم ينو القارئ ثواب قراءته له أو نواه ولم يدع.

(1/432)


00000000000000000000000000000000
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقد نص الشافعي والأصحاب1 على ندب قراءة ما تيسر عند الميت والدعاء عقبها أي لأنه حينئذ أرجى للإجابة ولان الميت تناله بركة القراءة: كالحي الحاضر.
قال ابن الصلاح: وينبغي الجزم بنفع:
اللهم أوصل ثواب ما قرأته أي مثله فهو المراد وإن لم يصرح به لفلان لأنه إذا نفعه الدعاء بما ليس للداعي فماله أولى.
ويجري هذا في سائر الأعمال من صلاة وصوم وغيرهما. [راجع الصفحات 38, 272] .
__________
1 هو كذلك في الأذكار رقم: 845, وفي المجموع 5/258 أن هذا قول الأصحاب وفي رياض الصالحين رقم: 947 أن هذا قول الشافعي.

(1/433)