فتح المعين بشرح قرة العين بمهمات الدين

باب الجهاد
وهو فرض كفاية كل عام كقيام بحجج دينية وعلوم شرعية,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
باب الجهاد
هو فرض كفاية كل عام ولو مرة إذا كان الكفار ببلادهم ويتعين إذا دخلوا بلادنا كما يأتي:
وحكم فرض الكفاية أنه إذا فعله من فيهم كفاية سقط الحرج عنه وعن الباقين ويأثم كل من لا عذر له من المسلمين إن تركوه وإن جهلوا.
وفروضها كثيرة كقيام بحجج دينية وهي البراهين على إثبات الصانع سبحانه وما يجب له من الصفات ويستحيل عليه منها وعلى إثبات النبوات وما ورد به الشرع من المعاد والحساب وغير ذلك.
وعلوم شرعية كتفسير وحديث وفقه زائد على ما لا بد منه وما

(1/593)


ودفع ضرر معصوم وأمر بمعروف وتحمل شهادة وأدائها ورد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يتعلق بها بحيث يصلح للقضاء والإفتاء للحاجة إليهما.
ودفع ضرر معصوم من مسلم وذمي ومستأمن جائع لم يصل لحالة الاضطرار أو عار أو نحوهما.
والمخاطب به كل موسر بما زاد على كفاية سنة له ولممونة عند احتلال بيت المال وعدم وفاء زكاة.
وأمر بمعروف أي واجبات الشرع والكف عن محرماته فشمل النهي عن منكر ي المحرم لكن محله في واجب أو حرام مجمع عليه أو في اعتقاد الفاعل والمخاطب به كل مكلف لم يخف على نحو عضو ومال وإن قل ولم يغلب على ظنه أن فاعله يزيد فيه عنادا وإن علم عادة أنه لا يفيده بأن يغيره بكل طريق أمكنه من يد فلسان فاستغاثة بالغير فإن عجز أنكره بقلبه.
وليس لأحد البحث والتجسس واقتحام الدور بالظنون نعم: إن أخبره ثقة بمن اختفى بمنكر لا يتدارك كالقتل والزنا لزمه ذلك ولو توقف الإنكار على الرفع للسلطان لم يجب لما فيه من هتك حرمة وتغريم مال.
قاله ابن القشيري.
قال شيخنا: وله احتمال بوجوبه إذا لم ينزجر إلا به هو الأوجه وكلام الروضة وغيرها صريح فيه انتهى.
وتحمل شهادة على أهل له حضر إليه المشهود عليه أو طلبه إن عذر بعذر جمعة وأدائها على من يحملها إن كان أكثر من نصاب وإلا فهو فرض عين وكإحياء كعبة بحج وعمرة كل عام وتشييع جنازة ورد

(1/594)


سلام مسنون عن جمع,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
سلام مسنون عن جمع أي اثنين فأكثر فيسقط الفرض عن الباقين ويختص بالثواب فإن ردوا كلهم ولو مرتبا أثيبوا ثواب الفرض كالمصلين على الجنازة ولو سلم جمع مرتبون على واحد فرد مرة قاصدا جميعهم وكذا لو أطلق على الأوجه أجزأه ما لم يحصل فصل ضار.
ودخل في قولي مسنون سلام امرأة على امرأة أو نحو محرم أو سيد أو زوج وكذا على أجنبي وهي عجوز لا تشتهى ويلزمها في هذه الصورة رد سلام الرجل أما مشتهاة ليس معها امرأة أخرى فيحرم عليها رد سلام أجنبي ومثله ابتداؤه.
ويكره رد سلامها ومثله ابتداؤه أيضا.
والفرق أن ردها وابتداءها يطمعه لطمعه فيها أكثر بخلاف ابتدائه ورده قاله شيخنا.
ولو سلم على جمع نسوة وجب رد إحداهن إذ لا يخشى فتنة حينئذ.
وخرج بقولي عن جمع الواحد فالرد فرض عين عليه ولو كان المسلم صبيا مميزا.
ولا بد في الابتداء والرد من رفع الصوت بقدر ما يحصل به السماع المحقق ولو في ثقيل السمع نعم: إن مر عليه سريعا بحيث لم يبلغه صوته فالذي يظهر كما قاله شيخنا أنه يلزمه الرفع وسعيه دون العدو خلفه.

(1/595)


وابتداؤه سنة,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ويجب اتصال الرد بالسلام كاتصال قبول البيع بإيجابه ولا بأس بتقديم عليك في رد سلام الغائب لان الفصل ليس بأجنبي وحيث زالت الفورية فلا قضاء خلافا لما يوهمه كلام الروياني.
ويجب في الرد على الأصم أن يجمع بين اللفظ والإشارة ولا يلزمه الرد إلا إن جمع له المسلم عليه بين اللفظ والإشارة.
وابتداؤه أي السلام عند إقباله أو انصرافه على مسلم غير نحو فاسق أو مبتدع حتى الصبي المميز وإن ظن عدم الرد سنة عينا للواحد وكفاية للجماعة كالتسمية للأكل لخبر: "أن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام". [أبو داود رقم: 5197, الترمذي رقم: 2694, مسند أحمد رقم: 21688, 21776, 21814] .
وأفتى القاضي بأن الابتداء أفضل كما أن إبراء المعسر أفضل من إنظاره وصيغة ابتدائه السلام عليكم أو سلام عليكم وكذا عليكم السلام أو سلام لكنه مكروه للنهي عنه ومع ذلك يجب الرد فيه بخلاف وعليكم السلام بالواو إذ لا يصلح للابتداء.
والأفضل في الابتداء والرد الإتيان بصيغة الجمع حتى في الواحد لأجل الملائكة والتعظيم وزيادة ورحمة الله وبركاته ومغفرته ولا يكفي الإفراد للجماعة.
ولو سلم كل على الآخر فإن ترتبا كان الثاني جوابا: أي ما لم يقصد به الابتداء وحده كما بحثه بعضهم وإلا لزم كلا الرد.

(1/596)


000000000000000000000000000000000
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فروع: يسن إرسال السلام للغائب ويلزم الرسول التبليغ لأنه أمانة ويجب أداؤها ومحله ما إذا رضي بتحمل تلك الأمانة أما لو ردها فلا وكذا إن سكت وقال بعضهم: يجب على الموصى به تبليغه ومحله كما قال شيخنا إن قبل الوصية بلفظ يدل على التحمل ويلزم المرسل إليه الرد فورا باللفظ في الإرسال وبه أو بالكتابة فيها.
ويندب الرد أيضا على المبلغ والبداءة به فيقول عليك وعليه السلام للخبر المشهور فيه. [أبو داود رقم: 5231, مسند أحمد رقم: 22594] .
وحكى بعضهم ندب البداءة بالمرسل.
ويحرم أن يبدأ به ذميا ويستثنيه وجوبا بقلبه إن كان مع مسلم.
ويسن لمن دخل محلا خاليا أن يقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ولا يندب السلام على قاضي حاجة بول أو غائط أو جماع أو استنجاء ولا على شارب وآكل في فمه اللقمة لشغله ولا على فاسق بل يسن تركه على مجاهر بفسقه ومرتكب ذنب عظيم لم يتب منه ومبتدع إلا لعذر أو خوف مفسدة ولا على مصل وساجد ومؤذن ومقيم وخطيب ومستمعه ولا رد عليهم إلا مستمع الخطيب فإنه يجب عليه ذلك بل يكره الرد لقاضي الحاجة والجامع والمستنجي ويسن للآكل وإن كانت اللقمة بفيه نعم: يسن السلام عليه بعد البلع وقبل وضع اللقمة بفيه ويلزمه الرد ويسن الرد لمن في الحمام وملب باللفظ ولمصل

(1/597)


كتشميت عاطس حمد الله تعالى,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ومؤذن ومقيم بالإشارة وإلا فبعد الفراغ أي إن قرب الفصل ولا يجب عليهم ويسن عند التلاقي سلام صغير على كبير وماش على واقف وراكب عليهم وقليلين على كثيرين.
فوائد: وحتى الظهر مكروه وقال كثيرون حرام وأفتى النووي بكراهة الانحناء بالرأس وتقبيل نحو رأس أو يد أو رجل لا سيما لنحو غني لحديث: من تواضع لغني ذهب ثلثا دينه ويندب ذلك لنحو صلاح أو علم أو شرف لان أبا عبيدة قبل يد عمر رضي الله عنهما.
ويسن القيام لمن فيه فضيلة ظاهرة من نحو صلاح أو علم أو ولادة أو ولاية مصحوبة بصيانة.
قال ابن عبد السلام أو لمن يرجى خيره أو يخشى شره ولو كافرا خشي منه ضررا عظيما.
ويحرم على الرجل أن يحب قيامهم له.
ويسن تقبيل قادم من سفر ومعانقته للاتباع.
كتشميت عاطس بالغ حمد الله تعالى بيرحمك الله أو رحمكم الله وصغير مميز حمد الله بنحو أصلحك الله فإنه سنة على الكفاية إن سمع جماعة وسنة عين إن سمع واحد إذا حمد الله

(1/598)


على مكلف ذكر حر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
العاطس المميز عقب عطاسه بأن لم يتخلل بينهما فوق سكتة تنفس أوعى فإنه يسن له أن يقول عقبه الحمد لله وأفضل منه الحمد لله رب العالمين وأفضل منه الحمد لله على كل حال.
وخرج بقولي حمد الله من لم يحمده عقبه فلا يسن التشميت له فإن شك قال يرحم الله من حمده.
ويسن تذكيره الحمد وعند توالي العطاس يشمته لثلاث ثم يدعو له بالشفاء ويسر به المصلي ويحمد في نفسه إن كان مشغولا بنحو بول أو جماع ويشترط رفع بكل بحيث يسمعه صاحبه.
ويسن للعاطس وضع شيء على وجهه وخفض صوته ما أمكنه وإجابة مشمته بنحو يهديكم الله ويصلح بالكم أو يغفر الله لكم للأمر به.
ويسن للمتثائب رد التثاؤب طاقته وستر فيه ولو في الصلاة بيده اليسرى.
ويسن إجابة الداعي بلبيك.
والجهاد فرض كفاية على كل مسلم مكلف أي بالغ عاقل لرفع القلم عن غيرهما.
ذكر لضعف المرأة عنه غالبا.
حر فلا يجب على ذي رق ولو مكاتبا ومبعضا وإن أذن له

(1/599)


مستطيع له سلاح وحرم سفر بلا إذن غريم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
سيده لنقصه.
مستطيع له سلاح فلا يجب على غير مستطيع كأقطع وأعمى وفاقد معظم أصابع يده ومن به عرج بين أو مرض تعظم مشقته وكعادم مؤن ومركب في سفر قصر فاضل ذلك عن مؤنة من تلزمه مؤنته كما في الحج ولا على من ليس له سلاح لان عادم ذلك لا نصرة به.
وحرم على مدين موسر عليه دين حال لم يوكل من يقضي عنه من ماله الحاضر سفر لجهاد وغيره وإن قصر وإن لم يكن مخوفا أو كان لطلب علم رعاية لحق الغير ومن ثم جاء في مسلم: [رقم: 1886] : "القتل في سبيل الله يكفر كل شيء إلا الدين".
بلا إذن غريم أو ظن رضاه وهو من أهل الإذن ولو كان الغريم ذميا أو كان بالدين رهن وثيق أو كفيل موسر.
قال الأسنوي في المهمات: أن سكوت رب الدين ليس بكاف في جواز السفر معتمدا في ذلك على ما فهم من كلام الشيخين هنا.
وقال ابن الرفعة والقاضي أبو الطيب والبندنيجي والقزويني: لا بد في الحرمة من التصريح بالمنع.
ونقله القاضي إبراهيم بن ظهيرة.
ولا يحرم السفر بل ولا يمنع منه إن كان معسرا أو كان الدين مؤجلا وإن قرب حلوله بشرط وصوله لما يحل له فيه القصر وهو مؤجل.

(1/600)


وأصل لا لتعلم فرض وإن دخلوا بلدة لنا تعين على أهلها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وحرم السفر لجهاد وحج تطوع بلا إذن أصل مسلم أب وأم وإن عليا ولو أذن من هو أقرب منه وكذا يحرم بلا إذن أصل سفر لم تغلب فيه السلامة لتجارة لا سفر لتعلم فرض ولو كفاية كطلب النحو ودرجة الفتوى فلا يحرم عليه وإن لم يأذن أصله.
وإن دخلوا أي الكفار بلدة لنا تعين الجهاد على أهلها أي يتعين على أهلها الدفع بما أمكنهم.
وللدفع مرتبتان إحداهما أن يحتمل الحال اجتماعهم وتأهبهم للحرب فوجب الدفع على كل منهم بما يقدر عليه حتى على من لا يلزمه الجهاد نحو فقير وولد ومدين وعبد وامرأة فيها قوة بلا إذن ممن مر.
ويغتفر ذلك لهذا الخطب العظيم الذي لا سبيل لإهمالهم.
وثانيتهما أن يغشاهم الكفار ولا يتمكنون من اجتماع وتأهب فمن قصده كافر أو كفار وعلم أنه يقتل إن أخذه فعليه أن يدفع عن نفسه بما أمكن وإن كان ممن لا جهاد عليه لامتناع الاستسلام لكافر.
فروع: وإذا لم يمكن تأهب لقتال وجوز أسرا وقتلا فله قتال واستسلام إن علم أنه إن امتنع منه قتل وأمنت المرأة فاحشة إن أخذت وإلا تعين الجهاد فمن علم أو ظن أنه إن أخذ قتل عينا امتنع عليه الاستسلام كما مر آنفا.
ولو أسروا مسلما يجب النهوض إليهم فورا على كل قادر لخلاصه إن

(1/601)


ومن دون مسافة قصر منها وحرم انصراف عن صف إذا لم يزيدوا على مثلينا,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رجي ولو قال لكافر أطلق أسيرك وعلي كذا فأطلقه لزمه ولا يرجع به على الأسير إلا إن أذن له في مفاداته فيرجع عليه وإن لم يشترط له الرجوع.
وتعين على من دون مسافة قصر منها أي من البلدة التي دخلوا فيها وإن كان في أهلهم كفاية لأنهم في حكمهم وكذا من كان على مسافة القصر إن لم يكف أهلها ومن يليهم فيصير فرض عين في حق من قرب وفرض كفاية في حق من بعد.
وحرم على من هو من أهل فرض الجهاد انصراف عن صف بعد التلاقي وإن غلب على ظنه أنه إذا ثبت قتل لعده صلى الله عليه وسلم "الفرار من الزحف من السبع الموبقات". [البخاري رقم: 2766, مسلم: رقم: 89]
ولو ذهب سلاحه وأمكن الرمي بالحجارة لم يجز له الانصراف على تناقض فيه وجزم بعضهم بأنه إذا غلب ظن الهلاك بالثبات من غير نكاية فيهم وجب الفرار إذا لم يزيدوا أي الكفار على مثلينا للآية. [8 سورة الأنفال الآية: 66] وحكمة وجوب مصابرة الضعف أن المسلم يقاتل على إحدى الحسنيين: الشهادة والفوز بالغنيمة مع الاجر والكافر يقاتل على الفوز بالدنيا فقط.
أما إذا زادوا على المثلين كمائتين وواحد عن مائة فيجوز

(1/602)


ويرق ذراري كفار بأسر,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الانصراف مطلقا.
وحرم جمع مجتهدون الانصراف مطلقا إذا بلغ المسلمون اثني عشر ألفا لخبر: لن يغلب إثنا عشر ألفا من قلة وبه خصت الآية. [8 سورة الأنفال الآية: 66] .
ويجاب بأن المراد من الحديث أن الغالب على هذا العدد الظفر فلا تعرض فيه لحرمة فرار ولا لعدمها كما هو واضح وإنما يحرم الانصراف إن قاومناهم إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة يستنجد بها على العدو ولو بعيدة.
ويرق ذراري كفار وعبيدهم ولو مسلمين كاملين بأسر كما يرق حربي مقهور لحربي بالقهر أي يصيرون بنفس الأسر أرقاء لنا ويكونون كسائر أموال الغنيمة.
ودخل في الذراري الصبيان والمجانين والنسوان.
ولا حد إن وطئ غانم أو أبوه أو سيده أمة في الغنيمة ولو قبل اختيار التملك لان فيها شبهة ملك ويعزر عالم بالتحريم لا جاهل به إن عذر لقرب إسلامه أو بعد محله عن العلماء.
فرع: يحكم بإسلام غير بالغ ظاهرا وباطنا: إما تبعا للسابي المسلم ولو شاركه كافر في سبيه وإما تبعا لأحد أصوله وإن كان

(1/603)


ولإمام خيار في كامل بين قتل ومن وفداء واسترقاق وإسلام كافر بعد أسر يعصم دمه,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إسلامه قبل علوقه فلو أقر أحدهما بالكفر بعد البلوغ فهو مرتد من الآن.
ولإمام أو أمير خيار في أسير كامل ببلوغ وعقل وذكورة وحرية بين أربع خصال من قتل بضرب الرقبة لا غير ومن عليه بتخلية سبيله وفداء بأسرى منا أو مال فيخمس وجوبا أو بنحو سلاحا ويفادى سلاحهم بأسرانا على الأوجه لا بمال واسترقاق فيفعل الإمام أو نائبه وجوبا الأحظ للمسلمين لاجتهاده.
ومن قتل أسيرا غير كامل لزمته قيمته أو كاملا قبل التخيير فيه عزر فقط.
وإسلام كافر كامل بعد أسر يعصم دمه من القتل لخبر الصحيحين [لبخاري رقم: 25 , مسلم رقم: 22] : "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله فإذا قالوا عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها" ولم يذكر هنا وماله لأنه لا يعصمه إذا اختار الإمام رقه ولا صغار أولاده للعلم بإسلامهم تبعا له وإن كانوا
بدار الحرب أو أرقاء وإذا تبعوه في الإسلام وهم أحرار لم يرقوا لامتناع طرو الرق على من قارن إسلامه حريته ومن ثم أجمعوا على أن الحر المسلم لا يسبى ولا يسترق أو أرقاء لم ينقص رقهم ومن ثم لو ملك حربي

(1/604)


وقبله يعصم دما ومالا,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
صغيرا ثم حكم بإسلامه تبعا لأصله جاز سبيه واسترقاقه ويبقى الخيار في باقي الخصال السابقة من المن أو الفداء أو الرق ومحل جواز المفاداة مع إرادة الإقامة في دار الكفر إن كان له ثم عشيرة يأمن معها على نفسه ودينه.
وإسلامه قبله أي قبل أسر بوضع أيدينا عليه يعصم دما أي نفسا عن كل ما مر ومالا أي جميعه بدارنا أو دارهم وكذا فرعه الحر الصغير والمجنون عند السبي عن الاسترقاق لا زوجته فإذا سبيت ولو بعد الدخول انقطع نكاحه حالا وإذا سبي زوجان أو أحدهما انفسخ النكاح بينهما لما في خبر مسلم [رقم: 1456] : أنهم لما امتنعوا يوم أوطاس من وطئ المسبيات المتزوجات نزل {وَالْمُحْصَنَاتُ} أي المتزوجات {مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [4 سورة النساء الآية: 24] . فحرم الله تعالى المتزوجات إلا المسبيات.
فرع: لو ادعى أسير قد أرق إسلامه قبل أسره لم يقبل في الرق ويجعل مسلما من الآن ويثبت بشاهد وامرأتين.
ولو ادعى أسير أنه مسلم فإن أخذ من دارنا صدق بيمينه أو من دار الحرب فلا.

(1/605)


وإذا أرق وعليه دين لم يسقط.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وإذا أرق الحربي وعليه دين لمسلم أو ذمي لم يسقط وسقط إن كان لحربي.
ولو اقترض حربي من حربي أو غيره أو اشترى منه شيئا ثم أسلما أو أحدهما يسقط لالتزامه بعقد صحيح.
ولو أتلف حربي على حربكي شيئا أو غصبه منه فأسلما أو أسلم المتلف فلا ضمان لأنه لم يلتزم شيئا بعقد حتى يستدام حكمه ولان الحربي لو أتلف مال مسلم أو ذمي لم يضمنه فأولى مال الحربي.
فرع: لو قهر حربي دائنة أو سيده أو زوجه ملكه ارتفع الدين والرق والنكاح وإن كان المقهور كاملا وكذا إن كان القاهر بعضا للمقهور ولكن ليس للقاهر بيع مقهوره البعض لعتقه عليه خلافا للسمهودي.
مهمة: قال شيخنا في شرح المنهاج: قد كثر اختلاف الناس وتأليفهم في السراري والأرقاء المجلوبين من الروم والهند وحاصل معتمد مذهبنا فيهم أن من لم يعلم كونه غنيمة لم تتخمس ولم تقسم يحل شراؤه وسائر التصرفات فيه لاحتمال أن آسره البائع له أولا حربي أو ذمي فإنه لا يخمس عليه وهذا كثير لا نادر فإن تحقق أن آخذه مسلم بنحو سرقة أو اختلاس لم يجز شراؤه إلا على الوجه

(1/606)


000000000000000000000000000000000
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الضعيف أنه لا يخمس عليه فقول جمع متقدمين ظاهر الكتاب والسنة والإجماع على منع وطء السراري المجلوبة من الروم والهند إلا أن ينصب من يقسم الغنائم ولا حيف يتعين حمله على ما علم أن الغانم له المسلمون وإنه لم يسبق من أميرهم قبل الاغتنام من أخذ شيئا فهو له لجوازه عند الأئمة الثلاثة.
وفي قول الشافعي بل زعم التاج الفزاري أنه لا يلزم الإمام قسمة الغنائم ولا تخميسها وله أن يحرم بعض الغانمين لكن رده المصنف وغيره بأنه مخالف للإجماع.
وطريق من وقع بيده غنيمة لم تخمس ردها لمستحق علم وإلا فللقاضي كالمال الضائع أي الذي لم يقع اليأس من صاحبه وإلا كان ملك بيت المال فلمن له فيه حق الظفر به على المعتمد ومن ثم كان المعتمد كما مر أن من وصل له شيء يستحقه منه حل له أخذه وإن ظلم الباقون نعم: الورع لمريد التسري أن يشتري ثانيا من وكيل بيت المال لان الغالب عدم التخميس واليأس من معرفة مالكها فيكون ملكا لبيت المال.
انتهى.
تتمة [في ذكر مسائل تتعلق بالهدنة] : يعتق رقيق حربي إذا هرب ثم أسلم ولو بعد الهدنة أو أسلم ثم هرب قبلها وإن لم يهاجر إلينا لا عكسه بأن أسلم بعد هدنة ثم هرب فلا يعتق لكن لا يرد

(1/607)


0000000000000000000000000000000
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إلى سيده فإن لم يعتقه باعه الإمام من مسلم أو دفع لسيده قيمته من مال المصالح وأعتقه عن المسلمين والولاء لهم وإن أتانا بعد الهدنة وشرط رد من جاء منهم إلينا حر ذكر مكلف مسلما فإن لم تكن له ثم عشيرة تحميه لم يرد وإلا رد عليهم بطلبهم بالتخلية بينه وبين طالبه بلا إجبار على الرجوع مع طالبه.
وكذا لا يرد صبي ومجنون وصفا الإسلام أم لا وامرأة وخنثى أسلمتا: أي لا يجوز ردهم ولو لنحو الأب لضعفهم ويغرمون لنا قيمة رقيق ارتد دون الحر المرتد.

(1/608)