مختصر المزني في فروع الشافعية ط المعرفة

 [كِتَابُ الزَّكَاةِ] [بَابُ فَرْضِ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ]
ِ بَابُ فَرْضِ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ الْمُثَنَّى بْنِ أَنَسٍ، أَوْ ابْنِ فُلَانِ بْنِ أَنَسٍ شَكَّ الشَّافِعِيُّ «عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ هَذِهِ الصَّدَقَةُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمُسْلِمِينَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ بِهَا فَمَنْ سَأَلَهَا عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطَهَا وَمَنْ سَأَلَ فَوْقَهَا فَلَا يُعْطَهُ فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ فَمَا دُونَهَا الْغَنَمُ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِنْتُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ أُنْثَى فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةَ الْجَمَلِ فَإِذَا بَلَغَتْ إحْدَى وَسِتِّينَ إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَسَبْعِينَ إلَى تِسْعِينَ فَفِيهَا ابْنَتَا لَبُونٍ فَإِذَا بَلَغَتْ إحْدَى وَتِسْعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ جَذَعَةٌ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ إنْ اسْتَيْسَرَتَا عَلَيْهِ، أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا فَإِذَا بَلَغَتْ عَلَيْهِ الْحِقَّةُ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ حِقَّةٌ وَعِنْدَهُ جَذَعَةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجَذَعَةُ وَيُعْطِيهِ الْمُتَصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، أَوْ شَاتَيْنِ» .
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ثَابِتٌ مِنْ جِهَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَغَيْرِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ هَذِهِ نُسْخَةُ كِتَابِ عُمَرَ فِي الصَّدَقَةِ الَّتِي كَانَ يَأْخُذُ عَلَيْهَا فَحَكَى هَذَا الْمَعْنَى مِنْ أَوَّلِهِ إلَى قَوْلِهِ: «فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ» .
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ إلَّا بِالْحَوْلِ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَيْءٌ وَلَا فِيمَا بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ شَيْءٌ وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِنْتُ مَخَاضٍ فَلَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ، فَإِنْ جَاءَ بِابْنِ لَبُونٍ وَابْنَةِ مَخَاضٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ ابْنَ لَبُونٍ ذَكَرًا وَابْنَةُ مَخَاضٍ مَوْجُودَةٌ، وَإِبَانَةٌ أَنَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ أَنْ تَكُونَ الْإِبِلُ مِائَةً وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ فَيَكُونُ فِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَلَيْسَ فِي زِيَادَتِهَا شَيْءٌ حَتَّى تَكْمُلَ مِائَةً وَثَلَاثِينَ فَإِذَا أَكْمَلْتهَا فَفِيهَا حِقَّةٌ وَابْنَتَا لَبُونٍ وَلَيْسَ فِي زِيَادَتِهَا شَيْءٌ حَتَّى تَكْمُلَ مِائَةً وَأَرْبَعِينَ فَإِذَا أَكْمَلَتْهَا فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَابْنَةُ لَبُونٍ وَلَيْسَ فِي زِيَادَتِهَا شَيْءٌ حَتَّى تَكْمُلَ مِائَةً وَخَمْسِينَ فَإِذَا كَمَّلْتَهَا فَفِيهَا ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَلَا شَيْءَ فِي زِيَادَتِهَا حَتَّى تَكْمُلَ مِائَةً وَسِتِّينَ فَإِذَا كَمَّلْتَهَا فَفِيهَا أَرْبَعُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَلَيْسَ فِي زِيَادَتِهَا شَيْءٌ حَتَّى تَكْمُلَ مِائَةً وَسَبْعِينَ فَإِذَا كَمَّلْتَهَا فَفِيهَا حِقَّةٌ وَثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَلَا شَيْءَ فِي زِيَادَتِهَا حَتَّى تَبْلُغَ مِائَةً وَثَمَانِينَ فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَابْنَتَا لَبُونٍ وَلَيْسَ فِي زِيَادَتِهَا شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَةً وَتِسْعِينَ فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَابْنَةُ لَبُونٍ وَلَا شَيْءَ فِي زِيَادَتِهَا حَتَّى

(8/135)


تَبْلُغَ مِائَتَيْنِ فَإِذَا بَلَغَتْهَا، فَإِنْ كَانَتْ أَرْبَعُ حِقَاقٍ مِنْهَا خَيْرًا مِنْ خَمْسِ بَنَاتِ لَبُونٍ أَخَذَهَا الْمُصَدِّقُ وَإِنْ كَانَتْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ خَيْرًا مِنْهَا أَخَذَهَا لَا يَحِلُّ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ فَإِنْ أَخَذَ مِنْ رَبِّ الْمَالِ الصِّنْفَ الْأَدْنَى كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ الْفَضْلَ فَيُعْطِيَهُ أَهْلَ السُّهْمَانِ، فَإِنْ وَجَدَ أَحَدَ الصِّنْفَيْنِ وَلَمْ يَجِدْ الْآخَرَ أَخَذَ الَّذِي وَجَدَ وَلَا يُفَرِّقُ الْفَرِيضَةَ وَإِنْ كَانَ الْفَرْضَانِ مَعِيبَيْنِ بِمَرَضٍ، أَوْ هُيَامٍ أَوْ جَرَبٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَسَائِرُ الْإِبِلِ صِحَاحٌ قِيلَ لَهُ إنْ جِئْت بِالصِّحَاحِ وَإِلَّا أَخَذْنَا مِنْك السِّنَّ الَّتِي هِيَ أَعْلَى وَرَدَدْنَا، أَوْ السِّنَّ الَّتِي هِيَ أَسْفَلُ وَأَخَذْنَا وَالْخِيَارُ فِي الشَّاتَيْنِ، أَوْ الْعِشْرِينَ دِرْهَمًا إلَى الَّذِي أَعْطَى وَلَا يَخْتَارُ السَّاعِي إلَّا مَا هُوَ خَيْرٌ لِأَهْلِ السُّهْمَانِ.
وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ أَعْلَى بِسِنِينَ، أَوْ أَسْفَلَ فَالْخِيَارُ بَيْنَ أَرْبَعِ شِيَاهٍ، أَوْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَلَا يَأْخُذُ مَرِيضًا وَفِي الْإِبِلِ عَدَدٌ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا مَعِيبَةً لَمْ يُكَلِّفْهُ صَحِيحًا مِنْ غَيْرِهَا وَيَأْخُذُ جَبْرَ الْمَعِيبِ، وَإِذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ جَذَعَةٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مَاخِضًا إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ، وَلَوْ كَانَتْ إبِلُهُ مَعِيبَةً وَفَرِيضَتُهَا شَاةً وَكَانَتْ أَكْثَرَ ثَمَنًا مِنْ بَعِيرٍ مِنْهَا قِيلَ: لَك الْخِيَارُ فِي أَنْ تُعْطِيَ بَعِيرًا مِنْهَا تَطَوُّعًا مَكَانَهَا، أَوْ شَاةً مِنْ غَنَمِك تَجُوزُ أُضْحِيَّةٌ، فَإِنْ كَانَتْ غَنَمُهُ مَعْزًا فَثَنِيَّةٌ أَوْ ضَأْنًا فَجَذَعَةٌ وَلَا أَنْظُرُ إلَى الْأَغْلَبِ فِي الْبَلَدِ لِأَنَّهُ إنَّمَا قِيلَ: إنَّ عَلَيْهِ شَاةً مِنْ شَاةِ بَلَدِهِ تَجُوزُ فِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ، وَإِذَا كَانَتْ إبِلُهُ كِرَامًا لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ الصَّدَقَةَ دُونَهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ لِئَامًا لَمْ يَكُنْ لَنَا أَنْ نَأْخُذَ مِنْهَا كِرَامًا وَإِذَا عَدَّ عَلَيْهِ السَّاعِي فَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ حَتَّى نَقَصَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ فَرَّطَ فِي دَفْعِهَا فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ وَمَا هَلَكَ، أَوْ نَقَصَ فِي يَدَيْ السَّاعِي فَهُوَ أَمِينٌ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ مِثْلَهُ.

[بَابُ صَدَقَةِ الْبَقَرِ السَّائِمَةِ]
ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّ مُعَاذًا أَخَذَ مِنْ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعًا وَمِنْ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً مُسِنَّةً.
(قَالَ) : وَرُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ مُعَاذًا أَنْ يَأْخُذَ مِنْ ثَلَاثِينَ تَبِيعًا وَمِنْ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً نَصًّا» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَهَذَا مَا لَا أَعْلَمُ فِيهِ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لَقِيته خِلَافًا وَرُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ «أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يَأْخُذُ مِنْ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعًا وَمِنْ أَرْبَعِينَ بَقَرَةً مُسِنَّةً وَأَنَّهُ أُتِيَ بِدُونِ ذَلِكَ فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، وَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْ فِيهِ شَيْئًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى أَلْقَاهُ فَأَسْأَلَهُ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ مُعَاذٌ وَأَنَّ مُعَاذًا أُتِيَ بِوَقْصِ الْبَقَرِ فَقَالَ لَمْ يَأْمُرْنِي فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَيْءٍ» .
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : الْوَقْصُ مَا لَمْ يَبْلُغْ الْفَرِيضَةَ (قَالَ) : وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ وَلَيْسَ فِيمَا بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ شَيْءٌ وَإِذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ إحْدَى السِّنَّيْنِ وَهُمَا فِي بَقَرَةٍ أَخَذَ الْأَفْضَلَ وَإِذَا وَجَدَ إحْدَاهُمَا لَمْ يُكَلِّفْهُ الْأُخْرَى وَلَا يَأْخُذُ الْمَعِيبَ وَفِيهَا صِحَاحٌ كَمَا قُلْت فِي الْإِبِلِ

[بَابُ صَدَقَةِ الْغَنَمِ السَّائِمَةِ]
ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ مَعْنَى مَا أَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ أَنْ لَيْسَ فِي الْغَنَمِ صَدَقَةٌ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ فَإِذَا بَلَغْتهَا فَفِيهَا شَاةٌ وَلَا شَيْءَ فِي زِيَادَتِهَا حَتَّى تَبْلُغَ مِائَةً وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا شَاتَانِ وَلَيْسَ فِي زِيَادَتِهَا شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ

(8/136)


مِائَتَيْنِ وَشَاةً فَإِذَا بَلَغْتهَا فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ، ثُمَّ لَا شَيْءَ فِي زِيَادَتِهَا حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعَمِائَةٍ فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ، ثُمَّ فِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ وَمَا نَقَصَ عَنْ مِائَةٍ فَلَا شَيْءَ فِيهَا وَتُعَدُّ عَلَيْهِمْ السَّخْلَةُ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِسَاعِيهِ اعْتَدَّ عَلَيْهِمْ بِالسَّخْلَةِ يَرُوحُ بِهَا الرَّاعِي وَلَا تَأْخُذْهَا وَلَا تَأْخُذْ الْأَكُولَةَ وَلَا الرُّبَّى وَلَا الْمَاخِضَ وَلَا فَحْلَ الْغَنَمِ وَخُذْ الْجَذَعَةَ وَالثَّنِيَّةَ وَذَلِكَ عَدْلٌ بَيْنَ غِذَاءِ الْمَالِ وَخِيَارِهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَالرُّبَّى هِيَ الَّتِي يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا وَالْمَاخِضُ الْحَامِلُ وَالْأَكُولَةُ السَّمِينَةُ تُعَدُّ لِلذَّبْحِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَبَلَغَنَا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِمُعَاذٍ إيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَبِهَذَا نَأْخُذُ، أَوْ لَمَّا لَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَا عَلِمْت مَعَ مَا وَصَفْت فِي أَنْ لَا يُؤْخَذَ أَقَلُّ مِنْ جَذَعَةٍ، أَوْ ثَنِيَّةٍ إذَا كَانَتْ فِي غَنَمِهِ، أَوْ أَعْلَى مِنْهَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ إنَّمَا أَرَادُوا مَا تَجُوزُ أُضْحِيَّةً وَلَا يُؤْخَذُ أَعْلَى إلَّا أَنْ يَطَّوَّعَ، وَيَخْتَارُ السَّاعِي السِّنَّ الَّتِي وَجَبَتْ لَهُ إذَا كَانَتْ الْغَنَمُ كُلُّهَا وَاحِدَةً فَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا فَوْقَ الثَّنِيَّةِ خَيَّرَ رَبَّهَا فَإِنْ جَاءَ بِثَنِيَّةٍ إنْ كَانَتْ مَعْزًا، أَوْ بِجَذَعَةٍ إنْ كَانَتْ ضَأْنًا إلَّا أَنْ يَطَّوَّعَ فَيُعْطِيَ مِنْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ بِهَا نَقْصٌ لَا تَجُوزُ أُضْحِيَّةً وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ قِيمَةً مِنْ السِّنِّ الَّتِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ قُبِلَتْ مِنْهُ إنْ جَازَتْ أُضْحِيَّةً إلَّا أَنْ تَكُونَ تَيْسًا فَلَا تُقْبَلُ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي فَرْضِ الْغَنَمِ ذُكُورٌ وَهَكَذَا الْبَقَرُ إلَّا أَنْ يَجِبَ فِيهَا تَبِيعٌ وَالْبَقَرُ ثِيرَانٌ فَيُعْطِيَ ثَوْرًا فَيُقْبَلُ مِنْهُ إذَا كَانَ خَيْرًا مِنْ تَبِيعٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْإِبِلِ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا نَأْخُذُ ذَكَرًا مَكَانَ أُنْثَى إلَّا أَنْ تَكُونَ مَاشِيَتُهُ كُلُّهَا ذُكُورًا (قَالَ) : وَلَا يَعْتَدُّ بِالسَّخْلَةِ عَلَى رَبِّ الْمَاشِيَةِ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ السَّخْلُ مِنْ غَنَمِهِ قَبْلَ الْحَوْلِ وَيَكُونَ أَصْلُ الْغَنَمِ أَرْبَعِينَ فَصَاعِدًا فَإِذَا لَمْ تَكُنْ الْغَنَمُ مِمَّا فِيهِ الصَّدَقَةُ فَلَا يُعْتَدُّ بِالسَّخْلِ حَتَّى تَتِمَّ بِالسَّخْلِ أَرْبَعِينَ، ثُمَّ يَسْتَقْبِلَ بِهَا الْحَوْلَ وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ رَبِّ الْمَاشِيَةِ.

(قَالَ) : وَلَوْ كَانَتْ لَهُ أَرْبَعُونَ فَأَمْكَنَهُ أَنْ يُصْدِقَهَا فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى مَاتَتْ، أَوْ بَعْضَهَا فَعَلَيْهِ شَاةٌ، وَلَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ حَتَّى مَاتَتْ مِنْهَا شَاةٌ فَلَا زَكَاةَ فِي الْبَاقِي؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً وَلَوْ أَخْرَجَهَا بَعْدَ حَوْلِهَا فَلَمْ يُمْكِنْهُ دَفْعُهَا إلَى أَهْلِهَا أَوْ الْوَالِي حَتَّى هَلَكَتْ لَمْ تَجْزِ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ فِيمَا بَقِيَ مَا تَجِبُ فِي مِثْلِهِ الزَّكَاةُ زَكَّى وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَكُلُّ فَائِدَةٍ مِنْ غَيْرِ نِتَاجِهَا فَهِيَ لِحَوْلِهَا.

وَلَوْ نَتَجَتْ أَرْبَعِينَ قَبْلَ الْحَوْلِ ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمَّهَاتُ، ثُمَّ جَاءَ الْمُصَدِّقُ وَهِيَ أَرْبَعُونَ جَدْيًا أَوْ بَهْمَةً، أَوْ بَيْنَ جَدْيٍ وَبَهْمَةٍ، أَوْ كَانَ هَذَا فِي إبِلٍ فَجَاءَ الْمُصَدِّقُ وَهِيَ فِصَالٌ، أَوْ فِي بَقَرٍ وَهِيَ عُجُولٌ أَخَذَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ هَذَا وَأَخَذَ مِنْ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ أُنْثَى وَمِنْ الْبَقَرِ ذَكَرًا.
وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا وَاحِدًا إنْ كَانَتْ الْبَقَرُ ثَلَاثِينَ، وَإِنْ كَانَتْ أَرْبَعِينَ فَأُنْثَى فَإِذَا كَانَتْ الْعُجُولُ إنَاثًا وَوَجَبَ تَبِيعٌ قِيلَ: إنْ شِئْت فَائِتِ بِذَكَرٍ مِثْلَ أَحَدِهَا وَإِنْ شِئْت أَعْطَيْت مِنْهَا أُنْثَى وَأَنْتَ مُتَطَوِّعٌ بِالْفَضْلِ، وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ فِي أَنَّهُ لَمْ يَبْطُلْ عَنْ الصِّغَارِ الصَّدَقَةُ؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْأُمَّهَاتِ مَعَ الْأُمَّهَاتِ فَكَذَلِكَ إذَا حَالَ عَلَيْهَا حَوْلُ الْأُمَّهَاتِ وَلَا نُكَلِّفُهُ كَبِيرَةً مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَمَّا قِيلَ: لِي دَعْ الرُّبَّى وَالْمَاخِضَ وَذَاتَ الدَّرِّ وَفَحْلَ الْغَنَمِ وَخُذْ الْجَذَعَةَ وَالثَّنِيَّةَ عَقَلْت أَنَّهُ قِيلَ: لِي دَعْ خَيْرًا مِمَّا تَأْخُذُ إذَا كَانَ عِنْدَهُ خَيْرٌ مِنْهُ وَدُونَهُ وَخُذْ الْعَدْلَ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَمَا يُشْبِهُ رُبْعَ عُشْرِ مَالِهِ فَإِذَا كَانَتْ عِنْدَهُ أَرْبَعُونَ تُسَاوِي عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَكُلْفَتُهُ شَاةٌ تُسَاوِي عِشْرِينَ دِرْهَمًا فَلَمْ آخُذْ عَدْلًا بَلْ أَخَذْت قِيمَةَ مَالِهِ كُلِّهِ فَلَا آخُذُ صَغِيرًا وَعِنْدَهُ كَبِيرٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا صَغِيرٌ أَخَذْت الصَّغِيرَ كَمَا أَخَذْت الْأَوْسَطَ مِنْ التَّمْرِ وَلَا آخُذُ الجعرور فَإِذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا الجعرور أَخَذْت مِنْهُ الجعرور وَلَمْ نُنْقِصْ مِنْ عَدَدِ الْكَيْلِ وَلَكِنْ نَقَصْنَا مِنْ الْجَوْدَةِ لَمَّا لَمْ نَجِدْ الْجَيِّدَ كَذَلِكَ نَقَصْنَا مِنْ السِّنِّ إذَا لَمْ نَجِدْهَا وَلَمْ نُنْقِصْ مِنْ الْعَدَدِ وَلَوْ كَانَتْ ضَأْنًا وَمَعْزًا

(8/137)


كَانَتْ سَوَاءً، أَوْ بَقَرًا وَجَوَامِيسَ وَعِرَابًا وَدِرْبَانِيَةً وَإِبِلًا مُخْتَلِفَةً فَالْقِيَاسُ أَنْ نَأْخُذَ مِنْ كُلٍّ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ، فَإِنْ كَانَ إبِلُهُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ عَشْرٌ مُهْرِيَّةٌ وَعَشْرٌ أَرْحَبِيَّةٌ وَخَمْسٌ عِيدِيَّةٌ فَمَنْ قَالَ يَأْخُذُ مِنْ كُلٍّ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ قَالَ يَأْخُذُ ابْنَةَ مَخَاضٍ بِقِيمَةِ خُمْسَيْ مُهْرِيَّةٍ وَخُمْسَيْ أَرْحَبِيَّةٍ وَخُمْسِ عِيدِيَّةٍ.

وَلَوْ أَدَّى فِي أَحَدِ الْبَلَدَيْنِ عَنْ أَرْبَعِينَ شَاةً مُتَفَرِّقَةً كَرِهْت ذَلِكَ وَأَجْزَأَهُ وَعَلَى صَاحِبِ الْبَلَدِ الْآخَرِ أَنْ يُصَدِّقَهُ، فَإِنْ اتَّهَمَهُ أَحْلَفَهُ.

وَلَوْ قَالَ الْمُصَدِّقُ هِيَ وَدِيعَةٌ، أَوْ لَمْ يَحُلْ عَلَيْهَا الْحَوْلُ صَدَّقَهُ، وَإِنْ اتَّهَمَهُ أَحْلَفَهُ.

وَلَوْ شَهِدَ الشَّاهِدَانِ أَنَّ لَهُ هَذِهِ الْمِائَةَ بِعَيْنِهَا مِنْ رَأْسِ الْحَوْلِ فَقَالَ قَدْ بِعْتهَا ثُمَّ اشْتَرَيْتهَا صُدِّقَ، وَلَوْ مَرَّتْ بِهِ سَنَةٌ وَهِيَ أَرْبَعُونَ فَنَتَجَتْ شَاةً فَحَالَتْ عَلَيْهَا سَنَةٌ ثَانِيَةٌ وَهِيَ إحْدَى وَأَرْبَعُونَ فَنَتَجَتْ شَاةً فَحَالَتْ عَلَيْهَا سَنَةٌ ثَالِثَةٌ وَهِيَ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ فَعَلَيْهِ ثَلَاثُ شِيَاهٍ.

وَلَوْ ضَلَّتْ، أَوْ غَصَبَهَا أَحْوَالًا فَوَجَدَهَا زَكَّاهَا لِأَحْوَالِهَا وَالْإِبِلُ الَّتِي فَرِيضَتُهَا مِنْ الْغَنَمِ فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الشَّاةَ الَّتِي فِيهَا فِي رِقَابِهَا يُبَاعُ مِنْهَا بِغَيْرٍ فَتُؤْخَذُ مِنْهُ إنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا وَهَذَا أَشْبَهُ الْقَوْلَيْنِ وَالثَّانِي أَنَّ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ حَالَ عَلَيْهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ ثَلَاثُ شِيَاهٍ فِي كُلِّ حَوْلٍ شَاةٌ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : الْأَوَّلُ أَوْلَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ لَا يُسَاوِي وَاحِدُهَا شَاةً لِعُيُوبِهَا إنْ سَلَّمَ وَاحِدًا مِنْهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَاةٌ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ ارْتَدَّ فَحَالَ الْحَوْلُ عَلَى غَنَمِهِ أَوْقَفْته، فَإِنْ تَابَ أُخِذَتْ صَدَقَتُهَا وَإِنْ قُتِلَ كَانَتْ فَيْئًا خُمُسُهَا لِأَهْلِ الْخُمْسِ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا لِأَهْلِ الْفَيْءِ.

وَلَوْ غَلَّ صَدَقَتَهُ عُزِّرَ إنْ كَانَ الْإِمَامُ عَدْلًا إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْجَهَالَةَ وَلَا يُعَزَّرُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ عَدْلًا.

وَلَوْ ضَرَبَتْ غَنَمُهُ فُحُولَ الظِّبَاءِ لَمْ يَكُنْ حُكْمُ أَوْلَادِهَا كَحُكْمِ الْغَنَمِ كَمَا لَمْ يَكُنْ لِلْبَغْلِ فِي السُّهْمَانِ حُكْمُ الْخَيْلِ.

[بَابُ صَدَقَةِ الْخُلَطَاءِ]
ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : جَاءَ الْحَدِيثُ «لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاَلَّذِي لَا أَشُكُّ فِيهِ أَنَّ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَقْسِمَا الْمَاشِيَةَ خَلِيطَانِ، وَتَرَاجُعُهُمَا بِالسَّوِيَّةِ أَنْ يَكُونَا خَلِيطَيْنِ فِي الْإِبِلِ فِيهَا الْغَنَمُ فَتُوجَدُ الْإِبِلُ فِي يَدَيْ أَحَدِهِمَا فَيُؤْخَذُ مِنْهُ صَدَقَتُهَا فَيَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِالسَّوِيَّةِ (قَالَ) : وَقَدْ يَكُونُ الْخَلِيطَانِ الرَّجُلَيْنِ يَتَخَالَطَانِ بِمَاشِيَتِهِمَا وَإِنْ عَرَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاشِيَتَهُ وَلَا يَكُونَانِ خَلِيطَيْنِ حَتَّى يُرِيحَا وَيَسْرَحَا وَيَحْلُبَا مَعًا وَيَسْقِيَا مَعًا وَيَكُونَ فُحُولَتُهُمَا مُخْتَلِطَةً فَإِذَا كَانَا هَكَذَا صَدَّقَا صَدَقَةَ الْوَاحِدِ بِكُلِّ حَالٍ وَلَا يَكُونَانِ خَلِيطَيْنِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِمَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ اخْتَلَطَا وَيَكُونَانِ مُسْلِمَيْنِ، فَإِنْ تَفَرَّقَا فِي مَرَاحٍ، أَوْ مَسْرَحٍ أَوْ سَقْيٍ، أَوْ فَحْلٍ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ الْحَوْلُ فَلَيْسَا خَلِيطَيْنِ وَيُصْدِقَانِ صَدَقَةَ الِاثْنَيْنِ وَهَكَذَا إذَا كَانَا شَرِيكَيْنِ.

(قَالَ) : وَلَمَّا لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا إذَا كَانَ ثَلَاثَةُ خُلَطَاءَ لَوْ كَانَتْ لَهُمْ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ شَاةً أُخِذَتْ مِنْهُمْ وَاحِدَةٌ وَصَدَّقُوا صَدَقَةَ الْوَاحِدِ فَنَقَصُوا الْمَسَاكِينَ شَاتَيْنِ مِنْ مَالِ الْخُلَطَاءِ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ لَوْ تَفَرَّقَ مَالُهُمْ كَانَتْ فِيهِ ثَلَاثَةُ شِيَاهٍ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَقُولُوا لَوْ كَانَتْ أَرْبَعُونَ شَاةً مِنْ ثَلَاثَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِمْ شَاةٌ؛ لِأَنَّهُ صَدَّقُوا الْخُلَطَاءَ صَدَقَةَ الْوَاحِدِ (قَالَ) : وَبِهَذَا أَقُولُ فِي الْمَاشِيَةِ كُلِّهَا وَالزَّرْعِ وَالْحَائِطِ أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ حَائِطًا صَدَقَتُهُ مُجَزَّأَةٌ عَلَى مِائَةِ إنْسَانٍ لَيْسَ فِيهِ إلَّا عَشْرَةُ أَوْسُقٍ أَمَا كَانَتْ فِيهِ صَدَقَةُ الْوَاحِدِ؟ وَمَا قُلْت فِي الْخُلَطَاءِ مَعْنَى الْحَدِيثِ نَفْسِهِ، ثُمَّ قَوْلُ عَطَاءٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: سَأَلْت عَطَاءً عَنْ الِاثْنَيْنِ، أَوْ النَّفَرِ يَكُونُ لَهُمْ أَرْبَعُونَ شَاةً فَقَالَ عَلَيْهِمْ شَاةٌ " الشَّافِعِيُّ الَّذِي شَكَّ " (قَالَ) : وَمَعْنَى قَوْلِهِ «لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ

(8/138)


وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ» لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ خُلَطَاءَ فِي عِشْرِينَ وَمِائَةِ شَاةٍ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ شَاةٌ؛ لِأَنَّهَا إذَا فُرِّقَتْ كَانَ فِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ رَجُلٍ لَهُ مِائَةُ شَاةٍ وَشَاةٍ وَرَجُلٍ لَهُ مِائَةُ شَاةٍ، فَإِذَا تُرِكَا مُفْتَرِقِينَ فَعَلَيْهِمَا شَاتَانِ وَإِذَا جُمِعَتَا فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ وَالْخَشْيَةُ خَشْيَةُ السَّاعِي أَنْ تَقِلَّ الصَّدَقَةُ وَخَشْيَةُ رَبِّ الْمَالِ أَنْ تَكْثُرَ الصَّدَقَةُ فَأَمَرَ أَنْ يُقَرَّ كُلٌّ عَلَى حَالِهِ.

(قَالَ) : وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِمَا شَاةٌ وَعُدَّتُهُمَا سَوَاءٌ فَظَلَمَ السَّاعِي وَأَخَذَ مِنْ غَنَمِ أَحَدِهِمَا عَنْ غَنَمِهِ وَغَنَمِ الْآخَرِ شَاةً رَبَّى فَأَرَادَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ الشَّاةَ الرُّجُوعَ عَلَى خَلِيطِهِ بِنِصْفِ قِيمَةِ مَا أُخِذَ عَنْ غَنَمِهِمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ إلَّا بِقِيمَةِ نِصْفِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ إنْ كَانَتْ جَذَعَةً أَوْ ثَنِيَّةً؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ ظُلْمٌ.

(قَالَ) : وَلَوْ كَانَتْ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً فَأَقَامَتْ فِي يَدِهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ بَاعَ نِصْفَهَا، ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهَا أَخَذَ مِنْ نَصِيبِ الْأَوَّلِ نِصْفَ شَاةٍ لِحَوْلِهِ الْأَوَّلِ فَإِذَا حَالَ حَوْلُهُ الثَّانِي أَخَذَ مِنْهُ نِصْفَ شَاةٍ لِحَوْلِهِ.

وَلَوْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ يَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ فَخَالَطَهُ رَجُلٌ بِغَنَمٍ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ وَلَمْ يَكُونَا شَائِعًا زُكِّيَتْ مَاشِيَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حَوْلِهَا وَلَمْ يُزَكَّيَا زَكَاةَ الْخَلِيطَيْنِ فِي الْعَامِ الَّذِي اخْتَلَطَا فِيهِ فَإِذَا كَانَ قَابِلَ وَهُمَا خَلِيطَانِ كَمَا هُمَا زُكِّيَا زَكَاةَ الْخَلِيطَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَالَ عَلَيْهِمَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ اخْتَلَطَا، فَإِنْ كَانَتْ مَاشِيَتُهُمَا ثَمَانِينَ وَحَوْلُ أَحَدِهِمَا فِي الْمُحَرَّمِ وَحَوْلُ الْآخَرِ فِي صَفَرٍ أُخِذَ مِنْهُمَا نِصْفُ شَاةٍ فِي الْمُحَرَّمِ وَنِصْفُ شَاةٍ فِي صَفَرٍ.

وَلَوْ كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَرْبَعُونَ شَاةً وَلِأَحَدِهِمَا بِبَلَدٍ آخَرَ أَرْبَعُونَ شَاةً أَخَذَ الْمُصَدِّقُ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ شَاةً ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا عَنْ صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ الْغَائِبَةِ وَرُبْعُهَا عَنْ الَّذِي لَهُ عِشْرُونَ لِأَنِّي أَضُمُّ مَالَ كُلِّ رَجُلٍ إلَى مَالِهِ.

[بَابُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ]
ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَتَجِبُ الصَّدَقَةُ عَلَى كُلِّ مَالِكٍ تَامِّ الْمِلْكِ مِنْ الْأَحْرَارِ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا، أَوْ مَعْتُوهًا، أَوْ امْرَأَةً لَا فَرْقَ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ كَمَا تَجِبُ فِي مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا لَزِمَ مَالُهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ جِنَايَةٌ، أَوْ مِيرَاثٌ، أَوْ نَفَقَةٌ عَلَى وَالِدٍ، أَوْ وَلَدٍ زَمِنٍ مُحْتَاجٍ وَسَوَاءٌ ذَلِكَ فِي الْمَاشِيَةِ وَالزَّرْعِ وَزَكَاةِ الْفِطْرَةِ وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «ابْتَغُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتِيمِ، أَوْ قَالَ: فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى لَا تَأْكُلُهَا الزَّكَاةُ» وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ أَنَّ الزَّكَاةَ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى.
(قَالَ) : فَأَمَّا مَالُ الْمُكَاتَبِ فَخَارِجٌ مِنْ مِلْكِ مَوْلَاهُ إلَّا بِالْعَجْزِ وَمِلْكُهُ غَيْرُ تَامٍّ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَتَقَ فَكَأَنَّهُ اسْتَفَادَ مِنْ سَاعَتِهِ وَإِنْ عَجَزَ فَكَأَنَّ مَوْلَاهُ اسْتَفَادَ مِنْ سَاعَتِهِ.

[بَابُ الْوَقْتِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ وَأَيْنَ يَأْخُذُهَا الْمُصَدِّقُ]
ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَأُحِبُّ أَنْ يَبْعَثَ الْوَالِي الْمُصَدِّقَ فَيُوَافِي أَهْلَ الصَّدَقَةِ مَعَ حُلُولِ الْحَوْلِ فَيَأْخُذُ صَدَقَاتِهِمْ وَأُحِبُّ ذَلِكَ فِي الْمُحَرَّمِ وَكَذَا رَأَيْت السُّعَاةَ عِنْدَمَا كَانَ الْمُحَرَّمُ شِتَاءً، أَوْ صَيْفًا (قَالَ) : وَيَأْخُذُهَا عَلَى مِيَاهِ أَهْلِ الْمَاشِيَةِ وَعَلَى رَبِّ الْمَاشِيَةِ أَنْ يُورِدَهَا الْمَاءَ لِتُؤْخَذْ صَدَقَتُهَا عَلَيْهِ وَإِذَا جَرَتْ الْمَاشِيَةُ عَنْ الْمَاءِ فَعَلَى الْمُصَدِّقِ أَنْ يَأْخُذَهَا فِي بُيُوتِ أَهْلِهَا وَأَفْنِيَتِهِمْ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُتْبِعَهَا رَاعِيَةً وَيَحْصُرَهَا إلَى مَضِيقٍ تَخْرُجُ مِنْهُ وَاحِدَةً وَاحِدَةً فَيَعُدُّهَا كَذَلِكَ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى عِدَّتِهَا.

(8/139)


[بَابُ تَعْجِيلِ الصَّدَقَةِ]
ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ بِكْرًا فَجَاءَتْهُ إبِلٌ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ قَالَ أَبُو رَافِعٍ فَأَمَرَنِي أَنْ أَقْضِيَهُ إيَّاهَا» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : الْعِلْمُ يُحِيطُ أَنَّهُ لَا يَقْضِي مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ وَالصَّدَقَةُ لَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا وَقَدْ تَسَلَّفَ لِأَهْلِهَا مَا يَقْضِيهِ مِنْ مَالِهِمْ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَالِفِ بِاَللَّهِ «فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَحْلِفُ وَيُكَفِّرُ، ثُمَّ يَحْنَثُ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَبْعَثُ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ إلَى الَّذِي تُجْمَعُ عِنْدَهُ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمَيْنِ.
(قَالَ) : فَبِهَذَا نَأْخُذُ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَنَجْعَلُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَا هُوَ أَوْلَى بِهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَسَلَّفَ صَدَقَةَ الْعَبَّاسِ قَبْلَ حُلُولِهَا» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا تَسَلَّفَ الْوَالِي لَهُمْ فَهَلَكَ مِنْهُ قَبْلَ دَفْعِهِ إلَيْهِمْ وَقَدْ فَرَّطَ، أَوْ لَمْ يُفَرِّطْ فَهُوَ ضَامِنٌ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِمْ أَهْلَ رُشْدٍ لَا يُوَلَّى عَلَيْهِمْ وَلَيْسَ كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ الَّذِي يَأْخُذُ لَهُ مَا لَا صَلَاحَ لَهُ إلَّا بِهِ.

وَلَوْ اسْتَسْلَفَ لِرَجُلَيْنِ بَعِيرًا فَأَتْلَفَاهُ وَمَاتَا قَبْلَ الْحَوْلِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ أَمْوَالِهِمَا لِأَهْلِ السُّهْمَانِ لِأَنَّهُمَا لَمَّا لَمْ يَبْلُغَا الْحَوْلَ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُمَا فِي صَدَقَةٍ قَدْ حَلَّتْ فِي حَوْلٍ لَمْ يَبْلُغَاهُ، وَلَوْ مَاتَا بَعْدَ الْحَوْلِ كَانَا قَدْ اسْتَوْفَيَا الصَّدَقَةَ، وَلَوْ أَيْسَرَا قَبْلَ الْحَوْلِ، فَإِنْ كَانَ يُسْرُهُمَا مِمَّا دَفَعَ إلَيْهِمَا فَإِنَّمَا بُورِكَ لَهُمَا فِي حَقِّهِمَا فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَ يُسْرُهُمَا مِنْ غَيْرِ مَا أَخَذَا أُخِذَ مِنْهُمَا مَا دَفَعَ إلَيْهِمَا لِأَنَّ الْحَوْلَ لَمْ يَأْتِ إلَّا وَهُمَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الصَّدَقَةِ.

وَلَوْ عَجَّلَ رَبُّ الْمَالِ زَكَاةَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ قَبْلَ الْحَوْلِ وَهَلَكَ مَالُهُ قَبْلَ الْحَوْلِ فَوَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ عِنْدَ الْمُعْطَى لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَعْطَى مِنْ مَالِهِ مُتَطَوِّعًا لِغَيْرِ ثَوَابٍ، وَلَوْ مَاتَ الْمُعْطَى قَبْلَ الْحَوْلِ وَفِي يَدَيْ رَبِّ الْمَالِ مِائَتَا دِرْهَمٍ إلَّا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ وَمَا أَعْطَى كَمَا تَصَدَّقَ بِهِ، أَوْ أَنْفَقَهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى.

وَلَوْ كَانَ رَجُلٌ لَهُ مَالٌ لَا تَجِبُ فِي مِثْلِهِ الزَّكَاةُ فَأَخْرَجَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ فَقَالَ إنْ أَفَدْت مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَهَذِهِ زَكَاتُهَا لَمْ يَجُزْ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَهَا بِلَا سَبَبِ مَالٍ تَجِبُ فِي مِثْلِهِ الزَّكَاةُ فَيَكُونُ قَدْ عَجَّلَ شَيْئًا لَيْسَ عَلَيْهِ إنْ حَالَ عَلَيْهِ فِيهِ حَوْلٌ.

وَإِذَا عَجَّلَ شَاتَيْنِ مِنْ مِائَتَيْ شَاةٍ فَحَالَ الْحَوْلُ وَقَدْ زَادَتْ شَاةً أَخَذَ مِنْهَا شَاةً ثَالِثَةً فَيَجْزِي عَنْهُ مَا أَعْطَى مِنْهُ وَلَا يُسْقِطُ تَقْدِيمُهُ الشَّاتَيْنِ الْحَقَّ عَلَيْهِ فِي الشَّاةِ الثَّالِثَةِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْحَوْلِ كَمَا لَوْ أَخَذَ مِنْهَا شَاتَيْنِ فَحَالَ الْحَوْلُ وَلَيْسَ فِيهَا إلَّا شَاةٌ رَدَّ عَلَيْهِ شَاةً.

[بَابُ النِّيَّةِ فِي إخْرَاجِ الصَّدَقَةِ]
ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا وَلَّى إخْرَاجَ زَكَاتِهِ لَمْ يَجْزِهِ إلَّا بِنِيَّةِ أَنَّهُ فَرْضٌ وَلَا يُجْزِئُهُ ذَهَبٌ عَنْ وَرِقٍ وَلَا وَرِقٌ عَنْ ذَهَبٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ.
وَلَوْ أَخْرَجَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَقَالَ إنْ كَانَ مَالِي الْغَائِبُ سَالِمًا فَهَذِهِ زَكَاتُهُ أَوْ نَافِلَةٌ فَكَانَ مَالُهُ سَالِمًا لَمْ يُجْزِئْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِالنِّيَّةِ قَصْدَ فَرْضٍ خَالِصٍ إنَّمَا جَعَلَهَا مُشْتَرِكَةً بَيْنَ فَرْضٍ وَنَافِلَةٍ، وَلَوْ قَالَ عَنْ مَالِي الْغَائِبِ إنْ كَانَ سَالِمًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَالِمًا فَنَافِلَةٌ أَجْزَأَتْ عَنْهُ؛ لِأَنَّ إعْطَاءَهُ عَنْ الْغَائِبِ هَكَذَا وَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ، وَلَوْ أَخْرَجَهَا لِيَقْسِمَهَا وَهِيَ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فَهَلَكَ مَالُهُ كَانَ لَهُ حَبْسُ الدَّرَاهِمِ، وَلَوْ ضَاعَتْ مِنْهُ الَّتِي أَخْرَجَهَا مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ رَجَعَ إلَى مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي مِثْلِهِ الزَّكَاةُ زَكَّاهُ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِذَا أَخَذَ الْوَالِي مِنْ رَجُلٍ زَكَاتَهُ بِلَا نِيَّةٍ فِي دَفْعِهَا إلَيْهِ أَجْزَأَتْ عَنْهُ كَمَا يُجْزِئُ فِي الْقَسْمِ لَهَا أَنْ يَقْسِمَهَا عَنْهُ وَلِيُّهُ، أَوْ السُّلْطَانُ وَلَا يَقْسِمُهَا بِنَفْسِهِ وَأُحِبُّ أَنْ يَتَوَلَّى الرَّجُلُ قَسْمَهَا عَنْ نَفْسِهِ لِيَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَدَائِهَا عَنْهُ.

(8/140)


[بَابُ مَا يُسْقِطُ الصَّدَقَةَ عَنْ الْمَاشِيَةِ]
ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : يُرْوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ زَكَاةٌ» وَإِذَا كَانَ هَذَا ثَابِتًا فَلَا زَكَاةَ فِي غَيْرِ سَائِمَةٍ وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَيْسَ فِي الْبَقَرِ وَالْإِبِلِ الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ حَتَّى تَكُونَ سَائِمَةً وَالسَّائِمَةُ الرَّاعِيَةُ وَذَلِكَ أَنْ يَجْتَمِعَ فِيهَا أَمْرَانِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا مُؤْنَةٌ فِي الْعَلَفِ وَيَكُونَ لَهَا نَمَاءُ الرَّعْيِ فَأَمَّا إنْ عُلِفَتْ فَالْعَلَفُ مُؤْنَةٌ تَحْبَطُ بِفَضْلِهَا وَقَدْ كَانَتْ النَّوَاضِحُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ خُلَفَائِهِ فَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا رَوَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ مِنْهَا صَدَقَةً وَلَا أَحَدًا مِنْ خُلَفَائِهِ (قَالَ) : وَإِنْ كَانَتْ الْعَوَامِلُ تَرْعَى مُدَّةً وَتُتْرَكُ أُخْرَى، أَوْ كَانَتْ غَنَمًا تُعْلَفُ فِي حِينٍ وَتُرْعَى فِي آخَرَ فَلَا يَبِينُ لِي أَنَّ فِي شَيْءٍ مِنْهَا صَدَقَةً وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ» (قَالَ) :: وَلَا صَدَقَةَ فِي خَيْلٍ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَاشِيَةِ عَدَا الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ وَالْغَنَمَ بِدَلَالَةِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قَالَ قَائِلُونَ: فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الْمُسْتَعْمَلَةِ وَغَيْرِ الْمُسْتَعْمَلَةِ وَمَعْلُوفَةٍ وَغَيْرِ مَعْلُوفَةٍ سَوَاءٌ فَالزَّكَاةُ فِيهَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَضَ فِيهَا الزَّكَاةَ وَهُوَ قَوْلُ الْمَدَنِيِّينِ يُقَالُ لَهُمْ - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ -، وَكَذَلِكَ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزَّكَاةَ فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ كَمَا فَرَضَهَا فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ فَزَعَمْتُمْ أَنَّ مَا اُسْتُعْمِلَ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ وَهِيَ ذَهَبٌ وَوَرِقٌ كَمَا أَنَّ الْمَاشِيَةَ إبِلٌ وَبَقَرٌ فَإِذَا أَزَلْتُمْ الزَّكَاةَ عَمَّا اُسْتُعْمِلَ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَأَزِيلُوهَا عَمَّا اُسْتُعْمِلَ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ؛ لِأَنَّ مَخْرَجَ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ.

[بَابُ الْمُبَادَلَةِ بِالْمَاشِيَةِ وَالصَّدَاقِ مِنْهَا]
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا بَادَلَ إبِلًا بِإِبِلٍ، أَوْ غَنَمًا بِغَنَمٍ، أَوْ بَقَرًا بِبَقَرٍ، أَوْ صِنْفًا بِصِنْفٍ غَيْرِهَا فَلَا زَكَاةَ حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ عَلَى الثَّانِيَةِ مِنْ يَوْمِ يَمْلِكُهَا وَأَكْرَهُ الْفِرَارَ مِنْ الصَّدَقَةِ وَإِنَّمَا تَجِبُ الصَّدَقَةُ بِالْمِلْكِ وَالْحَوْلِ لَا بِالْفِرَارِ، وَلَوْ رَدَّ أَحَدُهُمَا بِعَيْبٍ قَبْلَ الْحَوْلِ اسْتَأْنَفَ بِهَا الْحَوْلَ، وَلَوْ أَقَامَتْ فِي يَدِهِ حَوْلًا ثُمَّ أَرَادَ رَدَّهَا بِالْعَيْبِ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهَا نَاقِصَةً عَمَّا أَخَذَهَا عَلَيْهِ وَيَرْجِعُ بِمَا نَقَصَهَا الْعَيْبُ مِنْ الثَّمَنِ وَلَوْ كَانَتْ الْمُبَادَلَةُ فَاسِدَةً زَكَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ، وَلَوْ حَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهَا، ثُمَّ بَادَلَ بِهَا، أَوْ بَاعَهَا فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ مُبْتَاعَهَا بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ الْبَيْعَ بِنَقْصِ الصَّدَقَةِ، أَوْ يُجِيزَ الْبَيْعَ وَمَنْ قَالَ بِهَذَا قَالَ فَإِنْ أَعْطَى رَبُّ الْمَالِ الْبَائِعُ الْمُصَدِّقَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِيهَا مِنْ مَاشِيَةٍ غَيْرِهَا فَلَا خِيَارَ لِلْمُبْتَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مِنْ الْبَيْعِ شَيْءٌ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مَا يَمْلِكُ وَمَا لَا يَمْلِكُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُجَدِّدَا بَيْعًا مُسْتَأْنَفًا.

وَلَوْ أَصْدَقَهَا أَرْبَعِينَ شَاةً بِأَعْيَانِهَا فَقَبَضَتْهَا، أَوْ لَمْ تَقْبِضْهَا وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَأَخَذَتْ صَدَقَتَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْغَنَمِ وَبِنِصْفِ قِيمَةِ الَّتِي وَجَبَتْ فِيهَا، وَكَانَتْ الصَّدَقَةُ مِنْ حِصَّتِهَا مِنْ النِّصْفِ، وَلَوْ أَدَّتْ عَنْهَا مِنْ غَيْرِهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهَا شَيْءٌ هَذَا إذَا لَمْ تَزِدْ وَلَمْ تَنْقُصْ، وَكَانَتْ بِحَالِهَا يَوْمَ أَصْدَقَهَا أَوْ يَوْمَ قَبَضَتْهَا مِنْهُ، وَلَوْ لَمْ تُخْرِجْهَا بَعْدَ الْحَوْلِ حَتَّى أَخَذَتْ نِصْفَهَا فَاسْتَهْلَكَتْهُ أَخَذَ مِنْ النِّصْفِ الَّذِي فِي يَدَيْ زَوْجِهَا شَاةً وَرَجَعَ عَلَيْهَا بِقِيمَتِهَا.

(8/141)


[بَابُ رَهْنِ الْمَاشِيَةِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ]
ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ رَهَنَهُ مَاشِيَةً وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ أُخِذَتْ مِنْهَا وَمَا بَقِيَ فَرَهْنٌ، وَلَوْ بَاعَهُ بَيْعًا عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُ إيَّاهَا كَانَ لَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ كَمَنْ رَهَنَ شَيْئًا لَهُ وَشَيْئًا لَيْسَ لَهُ، وَلَوْ حَالَ عَلَيْهَا حَوْلٌ وَجَبَتْ فِيهَا الصَّدَقَةُ، فَإِنْ كَانَتْ إبِلًا فَرِيضَتُهَا الْغَنَمُ بِيعَ مِنْهَا فَاسْتُوْفِيَتْ صَدَقَتُهَا وَكَانَ مَا بَقِيَ رَهْنًا وَمَا نَتَجَ مِنْهَا خَارِجًا مِنْ الرَّهْنِ وَلَا يُبَاعُ مِنْهَا مَاخِضٌ حَتَّى تَضَعَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الرَّاهِنُ.

[بَابُ زَكَاةِ الثِّمَارِ]
ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ التَّمْرِ صَدَقَةٌ» (قَالَ) : فَبِهَذَا نَأْخُذُ وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا بِصَاعِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي - وَالْخَلِيطَانِ فِي أَصْلِ النَّخْلِ يُصْدِقَانِ صَدَقَةَ الْوَاحِدِ فَإِنْ وَرِثُوا نَخْلًا فَاقْتَسَمُوهَا بَعْدَمَا حَلَّ بَيْعُ ثَمَرِهَا وَكَانَ فِي جَمَاعَتِهَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَعَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ لِأَنَّ أَوَّلَ وُجُوبِهَا كَانَ وَهُمْ شُرَكَاءُ اقْتَسَمُوهَا قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ بَيْعُ ثَمَرِهَا فَلَا زَكَاةَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ حَتَّى تَبْلُغَ حِصَّتُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : هَذَا عِنْدِي غَيْرُ جَائِزٍ فِي أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ الْقَسْمَ عِنْدَهُ كَالْبَيْعِ، وَلَا يَجُوزُ قَسْمُ التَّمْرِ جُزَافًا وَإِنْ كَانَ مَعَهُ نَخْلٌ كَمَا لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ عَرَضٌ بِعَرَضٍ مَعَ كُلِّ عَرَضٍ ذَهَبٌ تَبَعٌ لَهُ أَوْ غَيْرُ تَبَعٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَثَمَرُ النَّخْلِ يَخْتَلِفُ فَثَمَرُ النَّخْلِ يُوجَدُ بِتِهَامَةَ وَهِيَ بِنَجْدٍ بُسْرٌ وَبَلَحٌ فَيُضَمُّ بَعْضُ ذَلِكَ إلَى بَعْضٍ لِأَنَّهَا ثَمَرَةُ عَامٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَهَا الشَّهْرُ وَالشَّهْرَانِ وَإِذَا أَثْمَرَتْ فِي عَامٍ قَابِلٍ لَمْ يُضَمَّ وَإِذَا كَانَ آخِرُ إطْلَاعِ ثَمَرٍ أَطْلَعَتْ قَبْلَ أَنْ يَجِدَّ فَالْأَطْلَاعُ الَّتِي بَعْدَ بُلُوغِ الْآخِرَةِ كَأَطْلَاعِ تِلْكَ النَّخْلِ عَامًا آخَرَ لَا تُضَمُّ إلَّا طِلَاعَةً إلَى الْعَامِ قَبْلَهَا (قَالَ) : وَيُتْرَكُ لِصَاحِبِ الْحَائِطِ جَيِّدُ التَّمْرِ مِنْ الْبَرْدِيِّ وَالْكَبِيسِ وَلَا يُؤْخَذُ الجعرور وَلَا مُصْرَانُ الْفَأْرَةِ وَلَا عِذْقُ ابْنُ حُبَيْقٍ وَيُؤْخَذُ وَسَطٌ مِنْ التَّمْرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَمْرُهُ بَرْدِيًّا كُلُّهُ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ، أَوْ جعرورا كُلُّهُ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ (قَالَ) : وَإِنْ كَانَ لَهُ نَخْلٌ مُخْتَلِفَةٌ وَاحِدٌ يَحْمِلُ فِي وَقْتٍ وَالْآخَرُ حِمْلَيْنِ، أَوْ سَنَةٌ حَمِيلَيْنِ فَهُمَا مُخْتَلِفَانِ.

[بَابُ كَيْفَ تُؤْخَذُ زَكَاةُ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ بِالْخَرْصِ]
ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ التَّمَّارِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَتَّابِ بْنِ أُسَيْدٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ - فِي زَكَاةِ الْكَرْمِ -: يُخْرَصُ كَمَا يُخْرَصُ النَّخْلُ، ثُمَّ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ زَبِيبًا كَمَا تُؤَدَّى زَكَاةُ النَّخْلِ تَمْرًا» وَبِإِسْنَادِهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَبْعَثُ مَنْ يَخْرُصُ عَلَى النَّاسِ كُرُومَهُمْ وَثِمَارَهُمْ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِيَهُودِ خَيْبَرَ حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ أُقِرُّكُمْ عَلَى مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ عَلَى أَنَّ التَّمْرَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ قَالَ فَكَانَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فَيَخْرُصُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ يَقُولُ إنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ وَإِنْ شِئْتُمْ فَلِي فَكَانُوا يَأْخُذُونَهُ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَوَقْتُ الْخَرْصِ إذَا حَلَّ الْبَيْعُ وَذَلِكَ حِينَ يَرَى فِي الْحَائِطِ الْحُمْرَةَ أَوْ الصُّفْرَةَ، وَكَذَلِكَ حِينَ يَتَمَوَّهُ الْعِنَبُ

(8/142)


وَيُوجَدُ فِيهِ مَا يُؤْكَلُ مِنْهُ (قَالَ) : وَيَأْتِي الْخَارِصُ النَّخْلَةَ فَيَطِيفُ بِهَا حَتَّى يَرَى كُلَّ مَا فِيهَا، ثُمَّ يَقُولُ خَرْصُهَا رُطَبًا كَذَا وَكَذَا وَيَنْقُصُ إذَا صَارَا تَمْرًا كَذَا وَكَذَا فَيَبْنِيهَا عَلَى كَيْلِهَا تَمْرًا وَيَصْنَعُ ذَلِكَ بِجَمِيعِ الْحَائِطِ وَهَكَذَا الْعِنَبُ، ثُمَّ يُخَلِّي بَيْنَ أَهْلِهِ وَبَيْنَهُ فَإِذَا صَارَ تَمْرًا، أَوْ زَبِيبًا أَخَذَ الْعُشْرَ عَلَى خَرْصِهِ، فَإِنْ ذَكَر أَهْلُهُ أَنَّهُ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ أَذْهَبَتْهُ، أَوْ شَيْئًا مِنْهُ صَدَقُوا فَإِنْ اُتُّهِمُوا حَلَفُوا.
وَإِنْ قَالَ قَدْ أَحْصَيْت مَكِيلَةَ مَا أَخَذْت وَهُوَ كَذَا وَمَا بَقِيَ كَذَا فَهَذَا خَطَأٌ فِي الْخَرْصِ صُدِّقَ؛ لِأَنَّهَا زَكَاةٌ هُوَ فِيهَا أَمِينٌ، وَإِنْ قَالَ: سُرِقَ بَعْدَمَا صَيَّرْته إلَى الْجَرِينِ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَمَا يَبِسَ وَأَمْكَنَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى الْوَالِي، أَوْ إلَى أَهْلِ السُّهْمَانِ فَقَدْ ضَمِنَ مَا أَمْكَنَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ فَفَرَّطَ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ بَعْدَ هَذَا وَلَوْ اسْتَهْلَكَ رَجُلٌ ثَمَرَةً وَقَدْ خَرَصَ عَلَيْهِ أُخِذَ بِثَمَنِ عُشْرِ وَسَطِهَا وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ رُطَبًا، أَوْ بُسْرًا بَعْدَ الْخَرْصِ ضَمِنَ مَكِيلَةَ خَرْصِهِ وَإِنْ أَصَابَ حَائِطَهُ عَطَشٌ يَعْلَمُ أَنَّهُ إنْ تَرَكَ ثَمَرَهُ أَضَرَّ بِالنَّخْلِ وَإِنْ قَطَعَهَا بَعْدَ أَنْ يَخْرُصَ بَطَلَ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ ثَمَنِهَا كَانَ لَهُ قَطْعُهَا وَيُؤْخَذُ ثَمَنُ عُشْرِهَا، أَوْ عُشْرُهَا مَقْطُوعَةً وَمَنْ قَطَعَ مِنْ ثَمَرِ نَخْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ بَيْعُهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهِ عُشْرٌ وَأَكْرَهُ ذَلِكَ لَهُ إلَّا أَنْ يَأْكُلَهُ أَوْ يُطْعِمَهُ، أَوْ يُخَفِّفَهُ عَنْ نَخْلِهِ وَإِنْ أَكَلَ رُطَبًا ضَمِنَ عُشْرَهُ تَمْرًا مِثْلَ وَسَطِهِ.
وَإِنْ كَانَ لَا يَكُونُ تَمْرًا أَعْلَمَ الْوَالِي لِيَأْمُرَ مَنْ يَبِيعُ مَعَهُ عَشْرَةً رُطَبًا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ خَرَصَهُ لِيَصِيرَ عَلَيْهِ عَشَرَةٌ، ثُمَّ صَدَّقَ رَبَّهُ فِيمَا بَلَغَ رُطَبُهُ وَأَخَذَ عُشْرَ ثَمَنِهِ، فَإِنْ أَكَلَ أَخَذَ مِنْهُ قِيمَةَ عُشْرِهِ رُطَبًا وَمَا قُلْت فِي النَّخْلِ وَكَانَ فِي الْعِنَبِ فَهُوَ مِثْلُهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ بَعَثَ مَعَ ابْنِ رَوَاحَةَ غَيْرَهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَفِي كُلٍّ أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ خَارِصَانِ، أَوْ أَكْثَرَ وَقَدْ قِيلَ: يَجُوزُ خَارِصٌ وَاحِدٌ كَمَا يَجُوزُ حَاكِمٌ وَاحِدٌ.

وَلَا تُؤْخَذُ صَدَقَةُ شَيْءٍ مِنْ الشَّجَرِ غَيْرَ الْعِنَبِ وَالنَّخْلِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ الصَّدَقَةَ مِنْهُمَا وَكِلَاهُمَا قُوتٌ وَلَا شَيْءَ فِي الزَّيْتُونِ؛ لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ أُدْمًا وَلَا فِي الْجَوْزِ وَلَا فِي اللَّوْزِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَكُونُ أُدْمًا وَيَيْبَسُ وَيُدَّخَرُ؛ لِأَنَّهُ فَاكِهَةٌ لَا أَنَّهُ كَانَ بِالْحِجَازِ قُوتًا عَلِمْنَاهُ؛ وَلِأَنَّ الْخَبَرَ فِي النَّخْلِ وَالْعِنَبِ خَاصٌّ.

[بَابُ صَدَقَةِ الزَّرْعِ]
ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : - فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى - {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَ الزَّكَاةَ عَلَى الزَّرْعِ (قَالَ) : فَمَا جَمَعَ أَنْ يَزْرَعَهُ الْآدَمِيُّونَ وَيَيْبَسَ وَيُدَّخَرَ وَيُقْتَاتَ مَأْكُولًا خُبْزًا وَسَوِيقًا، أَوْ طَبِيخًا فَفِيهِ الصَّدَقَةُ وَرُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ الصَّدَقَةَ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ» وَهَذَا مِمَّا يُزْرَعُ وَيُقْتَاتُ فَيُؤْخَذُ مِنْ الْعَلَسِ وَهُوَ الْحِنْطَةُ وَالسُّلْتُ وَالْقُطْنِيَّةُ كُلُّهَا إذَا بَلَغَ الصِّنْفُ الْوَاحِدُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَالْعَلَسُ وَالْقَمْحُ صِنْفٌ وَاحِدٌ وَلَا يُضَمُّ صِنْفٌ مِنْ الْقُطْنَةِ انْفَرَدَ بِاسْمٍ إلَى صِنْفٍ وَلَا شَعِيرٌ إلَى حِنْطَةٍ، وَلَا حَبَّةٌ عُرِفَتْ بِاسْمٍ مُنْفَرِدٍ إلَى غَيْرِهَا فَاسْمُ الْقُطْنِيَّةِ يَجْمَعُ الْعَدَسَ وَالْحِمَّصَ قِيلَ: ثُمَّ يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ بِاسْمٍ دُونَ صَاحِبِهِ وَقَدْ يَجْمَعُهَا اسْمُ الْحُبُوبِ، فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ أَخَذَ عُمَرُ الْعُشْرَ مِنْ النَّبَطِ فِي الْقُطْنِيَّةِ قِيلَ: «وَأَخَذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعُشْرَ مِنْ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ» وَأَخَذَ عُمَرُ الْعُشْرَ مِنْ الْقُطْنِيَّةِ وَالزَّبِيبِ أَفَيُضَمُّ ذَلِكَ كُلُّهُ؟ قَالَ: وَلَا يَبِينُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ الْفَثِّ وَإِنْ كَانَ قُوتًا وَلَا مِنْ حَبِّ الْحَنْظَلِ وَلَا مِنْ حَبِّ شَجَرَةٍ بَرِّيَّةٍ كَمَا لَا يُؤْخَذُ مِنْ بَقَرِ الْوَحْشِ وَلَا مِنْ الظِّبَاءِ صَدَقَةٌ وَلَا مِنْ الثُّفَّاءِ وَلَا الْإِسْفِيوشِ وَلَا مِنْ حُبُوبِ الْبُقُولِ، وَكَذَلِكَ الْقِثَّاءُ وَالْبِطِّيخُ وَحَبُّهُ، وَلَا مِنْ الْعُصْفُرِ وَلَا مِنْ حَبِّ الْفُجْلِ وَلَا مِنْ السِّمْسِمِ وَلَا مِنْ

(8/143)


التُّرْمُسِ لِأَنِّي لَا أَعْلَمُهُ يُؤْكَلُ إلَّا دَوَاءً، أَوْ تَفَكُّهًا، وَلَا مِنْ الأبذار.

وَلَا يُؤْخَذُ زَكَاةُ شَيْءٍ مِمَّا يَيْبَسُ حَتَّى يَيْبَسَ وَيُدَاسَ وَيَيْبَسَ زَبِيبُهُ وَتَمْرُهُ وَيَنْتَهِي وَإِنْ أَخَذَهُ رَطْبًا كَانَ عَلَيْهِ رَدُّهُ، أَوْ رَدُّ قِيمَتِهِ إنْ لَمْ يُوجَدْ وَأَخَذَهُ يَابِسًا وَلَا أُجِيزُ بَيْعَ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ رَطْبًا لِاخْتِلَافِ نُقْصَانِهِ، وَالْعُشْرُ مُقَاسَمَةً كَالْبَيْعِ وَلَوْ أَخَذَهُ مِنْ عِنَبٍ لَا يَصِيرُ زَبِيبًا، أَوْ مِنْ رُطَبٍ لَا يَصِيرُ تَمْرًا أَمَرْته بِرَدِّهِ لِمَا وَصَفْت وَكَانَ شَرِيكًا فِيهِ يَبِيعُهُ وَلَوْ قَسَمَهُ عِنَبًا مُوَازَنَةً كَرِهْته لَهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غُرْمٌ.

[بَابُ الزَّرْعِ فِي أَوْقَاتٍ]
ٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : الذُّرَةُ تُزْرَعُ مَرَّةً فَتَخْرُجُ فَتُحْصَدُ، ثُمَّ تَسْتَخْلِفُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ فَتُحْصَدُ أُخْرَى فَهُوَ زَرْعٌ وَاحِدٌ وَإِنْ تَأَخَّرَتْ حَصْدَتُهُ الْأُخْرَى وَهَكَذَا بَذْرُ الْيَوْمِ وَبَذْرُ بَعْدِ شَهْرٍ؛ لِأَنَّهُ وَقْتٌ وَاحِدٌ لِلزَّرْعِ وَتَلَاحُقُهُ فِيهِ مُتَقَارِبٌ (قَالَ) : وَإِذَا زُرِعَ فِي السَّنَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي خَرِيفٍ وَرَبِيعٍ وَصَيْفٍ فَفِيهِ أَقَاوِيلُ مِنْهَا أَنَّهُ زَرْعٌ وَاحِدٌ إذَا زُرِعَ فِي سَنَةٍ وَإِنْ أُدْرِكَ بَعْضُهُ فِي غَيْرِهَا وَمِنْهَا أَنْ يُضَمَّ مَا أُدْرِكَ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَمَا أُدْرِكَ فِي السَّنَةِ الْأُخْرَى ضُمَّ إلَى مَا أُدْرِكَ فِي الْأُخْرَى وَمِنْهَا أَنَّهُ مُخْتَلِفٌ لَا يُضَمُّ وَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - فِي مَوْضِعٍ آخَرَ -: وَإِذَا كَانَ الزَّرْعَانِ وَحَصَادُهُمَا مَعًا فِي سَنَةٍ فَهُمَا كَالزَّرْعِ الْوَاحِدِ، وَإِنْ كَانَ بَذْرُ أَحَدِهِمَا قَبْلَ السَّنَةِ وَحَصَادُ الْآخَرِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ السَّنَةِ فَهُمَا زَرْعَانِ لَا يُضَمَّانِ وَلَا يُضَمُّ زَرْعُ سَنَةٍ إلَى زَرْعِ سَنَةٍ غَيْرِهَا.

[بَابُ قَدْرِ الصَّدَقَةِ فِيمَا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ]
ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ قَوْلًا مَعْنَاهُ: «مَا سُقِيَ بِنَضْحٍ، أَوْ غَرْبٍ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ وَمَا سُقِيَ بِغَيْرِهِ مِنْ عَيْنٍ، أَوْ سَمَاءٍ فَفِيهِ الْعُشْرُ» وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَعْنَى ذَلِكَ، وَلَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفًا وَبِهَذَا أَقُولُ وَمَا سُقِيَ مِنْ هَذَا بِنَهْرٍ، أَوْ سَيْلٍ، أَوْ مَا يَكُونُ فِيهِ الْعُشْرُ فَلَمْ يَكْتَفِ بِهِ حَتَّى يُسْقَى بِالْغَرْبِ فَالْقِيَاسُ أَنْ يُنْظَرَ إلَى مَا عَاشَ فِي السِّقْيَيْنِ، فَإِنْ عَاشَ بِهِمَا نِصْفَيْنِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ، وَإِنْ عَاشَ بِالسَّيْلِ أَكْثَرَ زِيدَ فِيهِ بِقَدْرِ ذَلِكَ وَقَدْ قِيلَ: يُنْظَرُ أَيُّهُمَا عَاشَ بِهِ أَكْثَرَ فَيَكُونُ صَدَقَتُهُ بِهِ وَالْقِيَاسُ مَا وَصَفْت وَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الزَّرْعِ مَعَ يَمِينِهِ وَأَخْذُ الْعُشْرِ أَنْ يُكَالَ لِرَبِّ الْمَالِ تِسْعَةً وَيَأْخُذَ الْمُصَدِّقُ الْعَاشِرَ وَهَكَذَا نِصْفُ الْعُشْرِ مَعَ خَرَاجِ الْأَرْضِ وَمَا زَادَ مِمَّا قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَبِحِسَابِهِ.

[بَابُ صَدَقَةِ الْوَرِقِ]
ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْت أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ» (قَالَ) : وَبِهَذَا نَأْخُذُ فَإِذَا بَلَغَ الْوَرِقُ خَمْسَ أَوَاقٍ وَذَلِكَ مِائَتَا دِرْهَمٍ بِدَرَاهِمِ الْإِسْلَامِ وَكُلُّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ مِنْ دَرَاهِمِ الْإِسْلَامِ وَزْنُ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ ذَهَبٍ بِمِثْقَالِ الْإِسْلَامِ فَفِي الْوَرِقِ صَدَقَةٌ.

وَلَوْ كَانَتْ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ تَنْقُصُ حَبَّةً، أَوْ أَقَلَّ، أَوْ تَجُوزُ جَوَازَ الْوَازِنَةِ أَوْ لَهَا فَضْلٌ عَلَى الْوَازِنَةِ غَيْرُهَا فَلَا زَكَاةَ فِيهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَوْسُقٍ بَرْدِيٌّ خَيْرٌ قِيمَةً مِنْ مِائَةِ وَسْقٍ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ فِيهَا زَكَاةٌ.

وَلَوْ كَانَتْ لَهُ وَرِقٌ رَدِيئَةٌ

(8/144)


وَوَرِقٌ جَيِّدَةٌ أُخِذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا بِقَدْرِهَا وَأَكْرَهُ لَهُ الْوَرِقَ الْمَغْشُوشَ لِئَلَّا يَغُرَّ بِهِ أَحَدًا، وَلَوْ كَانَتْ لَهُ فِضَّةٌ خَلَطَهَا بِذَهَبٍ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُدْخِلَهَا النَّارَ حَتَّى يُمَيِّزَ بَيْنَهُمَا فَيُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا.

وَلَوْ كَانَتْ لَهُ فِضَّةٌ مَلْطُوخَةٌ عَلَى لِجَامٍ، أَوْ مُمَوَّهٌ بِهَا سَقْفُ بَيْتٍ وَكَانَتْ تُمَيَّزُ فَتَكُونُ شَيْئًا إنْ جُمِعَتْ بِالنَّارِ فَعَلَيْهِ إخْرَاجُ الصَّدَقَةِ عَنْهَا وَإِلَّا فَهِيَ مُسْتَهْلَكَةٌ.

وَإِذَا كَانَ فِي يَدَيْهِ أَقَلُّ مِنْ خَمْسِ أَوَاقٍ وَمَا يُتِمُّ خَمْسَ أَوَاقٍ دَيْنًا لَهُ، أَوْ غَائِبًا عَنْهُ أَحْصَى الْحَاضِرَةَ وَانْتَظَرَ الْغَائِبَةَ، فَإِنْ اقْتَضَاهَا أَدَّى رُبْعَ عُشْرِهَا وَمَا زَادَ، وَلَوْ قِيرَاطًا فَبِحِسَابِهِ وَإِنْ ارْتَدَّ، ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ فِيهِ الزَّكَاةَ وَالثَّانِي يُوقَفُ، فَإِنْ أَسْلَمَ فَفِيهِ الزَّكَاةُ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْفَرْضُ بِالرِّدَّةِ وَإِنْ قُتِلَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ زَكَاةٌ وَبِهَذَا أَقُولُ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : أَوْلَى بِقَوْلِهِ عِنْدِي الْقَوْلُ الْأَوَّلُ عَلَى مَعْنَاهُ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَحَرَامٌ أَنْ يُؤَدِّيَ الرَّجُلُ الزَّكَاةَ مِنْ شَرِّ مَالِهِ لِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} [البقرة: 267] يَعْنِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لَا تُعْطُوا فِي الزَّكَاةِ مَا خَبُثَ أَنْ تَأْخُذُوهُ لِأَنْفُسِكُمْ وَتَتْرُكُوا الطَّيِّبَ عِنْدَكُمْ.

[بَابُ صَدَقَةِ الذَّهَبِ وَقَدْرِ مَا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ]
ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَا أَعْلَمُ اخْتِلَافًا فِي أَنْ لَيْسَ فِي الذَّهَبِ صَدَقَةٌ حَتَّى يَبْلُغَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا جَيِّدًا كَانَ، أَوْ رَدِيئًا، أَوْ إنَاءً، أَوْ تِبْرًا، فَإِنْ نَقَصَتْ حَبَّةٌ أَوْ أَقَلُّ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهَا صَدَقَةٌ، وَلَوْ كَانَتْ لَهُ مَعَهَا خَمْسُ أَوَاقٍ فِضَّةً إلَّا قِيرَاطًا، أَوْ أَقَلَّ لَمْ يَكُنْ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا زَكَاةٌ، وَإِذَا لَمْ يُجْمَعْ التَّمْرُ إلَى الزَّبِيبِ وَهُمَا يُخْرَصَانِ وَيُعْشَرَانِ وَهُمَا حُلْوَانِ مَعًا وَأَشَدُّ تَقَارُبًا فِي الثَّمَنِ وَالْخِلْقَةِ وَالْوَزْنِ مِنْ الذَّهَبِ إلَى الْوَرِقِ فَكَيْفَ يَجْمَعُ جَامِعٌ بَيْنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ؟ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ خَالَفَ سُنَّةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ قَالَ «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ» فَأَخَذَهَا فِي أَقَلَّ، فَإِنْ قَالَ ضَمَمْت إلَيْهَا غَيْرَهَا قِيلَ: تُضَمُّ إلَيْهَا بَقَرًا، فَإِنْ قَالَ: لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِهَا قِيلَ: وَكَذَلِكَ فَالذَّهَبُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْوَرِقِ (قَالَ) :: وَلَا يَجِبُ عَلَى رَجُلٍ زَكَاةٌ فِي ذَهَبٍ حَتَّى يَكُونَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ وَآخِرِهِ، فَإِنْ نَقَصَتْ شَيْئًا ثُمَّ تَمَّتْ عِشْرِينَ مِثْقَالًا فَلَا زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى تَسْتَقْبِلَ بِهَا حَوْلًا مِنْ يَوْمِ تَمَّتْ عِشْرِينَ.

[بَابُ زَكَاةِ الْحُلِيِّ]
ِّ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تُحَلِّي بَنَاتِ أَخِيهَا أَيْتَامًا فِي حِجْرِهَا فَلَا تُخْرِجُ مِنْهُ زَكَاةً وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُحَلِّي بَنَاتِهِ وَجَوَارِيهِ ذَهَبًا، ثُمَّ لَا يُخْرِجُ زَكَاتَهُ.
(قَالَ) : وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ فِي الْحُلِيِّ الزَّكَاةَ، وَهَذَا مِمَّا أَسْتَخِيرُ اللَّهَ فِيهِ فَمَنْ قَالَ: فِيهِ الزَّكَاةُ زَكَّى خَاتَمَهُ وَحِلْيَةَ سَيْفِهِ وَمِنْطَقَتَهُ وَمُصْحَفَهُ وَمَنْ قَالَ: لَا زَكَاةَ فِيهِ قَالَ: لَا زَكَاةَ فِي خَاتَمِهِ وَلَا حِلْيَةِ سَيْفِهِ وَلَا مِنْطَقَتِهِ إذَا كَانَتْ مِنْ وَرِقٍ، فَإِنْ اتَّخَذَهُ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ حُلِيَّ امْرَأَةٍ فَفِيهِ الزَّكَاةُ وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تُحَلَّى ذَهَبًا، أَوْ وَرِقًا وَلَا أَجْعَلُ حُلِيَّهَا زَكَاةً فَإِنْ اتَّخَذَ رَجُلٌ، أَوْ امْرَأَةٌ إنَاءً مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ وَرِقٍ زَكَّيَاهُ فِي الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا اتِّخَاذُهُ، فَإِنْ كَانَ وَزْنُهُ أَلْفًا وَقِيمَتُهُ مَصُوغًا أَلْفَيْنِ فَإِنَّمَا زَكَاتُهُ عَلَى وَزْنِهِ لَا عَلَى قِيمَتِهِ وَإِنْ انْكَسَرَ حُلِيُّهَا فَلَا زَكَاةَ فِيهِ.

وَلَوْ وَرِثَ رَجُلٌ حُلِيًّا، أَوْ اشْتَرَاهُ فَأَعْطَاهُ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِهِ، أَوْ خَدَمِهِ هِبَةً، أَوْ عَارِيَّةً، أَوْ أَرْصَدَهُ لِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ فِي قَوْلِ

(8/145)


مَنْ قَالَ لَا زَكَاةَ فِيهِ إذَا أَرْصَدَهُ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ، فَإِنْ أَرْصَدَهُ لِمَا لَا يَصْلُحُ لَهُ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِي الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي غَيْرِ كِتَابِ الزَّكَاةِ لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ وَهَذَا أَشْبَهُ بِأَصْلِهِ؛ لِأَنَّ أَصْلُهُ أَنَّ فِي الْمَاشِيَةِ زَكَاةً وَلَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعْمَلِ مِنْهَا زَكَاةٌ فَكَذَلِكَ الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ فِيهِمَا الزَّكَاةُ وَلَيْسَ فِي الْمُسْتَعْمَلِ مِنْهُمَا زَكَاةٌ.

[بَابُ مَا لَا يَكُونُ فِيهِ زَكَاةٌ]
ٌ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَمَا كَانَ مِنْ لُؤْلُؤٍ، أَوْ زَبَرْجَدٍ أَوْ يَاقُوتٍ وَمِرْجَانٍ وَحِلْيَةِ بَحْرٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ وَلَا فِي مِسْكٍ وَلَا عَنْبَرٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الْعَنْبَرِ إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ دَسَرَهُ الْبَحْرُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِمَّا خَالَفَ الذَّهَبَ وَالْوَرِقَ وَالْمَاشِيَةَ وَالْحَرْثَ عَلَى مَا وَصَفْت.

[بَابُ زَكَاةِ التِّجَارَةِ]
ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حِمَاسٍ أَنَّ أَبَاهُ حِمَاسًا قَالَ مَرَرْت عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلَى عُنُقِي آدِمَةٌ أَحْمِلُهَا فَقَالَ أَلَا تُؤَدِّي زَكَاتَك يَا حِمَاسُ؟ فَقُلْت يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا لِي غَيْرُ هَذِهِ وَأَهَبُ فِي الْقَرْظِ فَقَالَ ذَاكَ مَالٌ فَضَعْ فَوَضَعْتهَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَحَسِبَهَا فَوَجَدَهَا قَدْ وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ فَأَخَذَ مِنْهَا الزَّكَاةَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا اتَّجَرَ فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَارَتْ ثَلَثَمِائَةٍ قَبْلَ الْحَوْلِ، ثُمَّ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ زَكَّى الْمِائَتَيْنِ لِحَوْلِهَا وَالْمِائَةَ الَّتِي زَادَتْ لِحَوْلِهَا وَلَا يُضَمُّ مَا رَبِحَ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا وَإِنَّمَا صَرَفَهَا فِي غَيْرِهَا، ثُمَّ بَاعَ مَا صَرَفَهَا فِيهِ وَلَا يُشْبِهُ أَنْ يَمْلِكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ يَشْتَرِي بِهَا عَرَضًا لِلتِّجَارَةِ فَيَحُولَ الْحَوْلُ وَالْعَرْضُ فِي يَدَيْهِ فَيَقُولُ الْعَرْضُ بِزِيَادَتِهِ أَوْ بِنَقْصِهِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ حِينَئِذٍ تَحَوَّلَتْ فِي الْعَرَضِ بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ وَصَارَ الْعَرَضُ كَالدَّرَاهِمِ يُحْسَبُ عَلَيْهَا لِحَوْلِهَا فَإِذَا نَضَّ ثَمَنُ الْعَرَضِ بَعْدَ الْحَوْلِ أُخِذَتْ الزَّكَاةُ مِنْ ثَمَنِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ.

(قَالَ) : وَلَوْ اشْتَرَى عَرَضًا لِلتِّجَارَةِ بِعَرَضٍ فَحَال الْحَوْلُ عَلَى عَرَضٍ التِّجَارَةِ قُوِّمَ بِالْأَغْلَبِ مِنْ نَقْدِ بَلَدِهِ دَنَانِيرَ، أَوْ دَرَاهِمَ وَإِنَّمَا قَوَّمْته بِالْأَغْلَبِ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِلتِّجَارَةِ بِعَرْضٍ (قَالَ) : وَيُخْرِجُ زَكَاتَهُ مِنْ الَّذِي قُوِّمَ بِهِ وَلَوْ كَانَ فِي يَدَيْهِ عَرَضٌ لِلتِّجَارَةِ تَجِبُ فِي قِيمَتِهِ الزَّكَاةُ وَأَقَامَ فِي يَدَيْهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ اشْتَرَى بِهِ عَرَضًا لِلتِّجَارَةِ بِدَنَانِيرَ فَأَقَامَ فِي يَدَيْهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَقَدْ حَالَ الْحَوْلُ عَلَى الْمَالَيْنِ مَعًا وَقَامَ أَحَدُهُمَا مَكَانَ صَاحِبِهِ فَيُقَوِّمُ الْعَرَضُ الَّذِي فِي يَدَيْهِ وَيُخْرِجُ زَكَاتَهُ.

وَلَوْ اشْتَرَى عَرَضًا لِلتِّجَارَةِ بِدَنَانِيرَ، أَوْ بِدَرَاهِمَ، أَوْ بِشَيْءٍ تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ مِنْ الْمَاشِيَةِ وَكَانَ إفَادَةُ مَا اشْتَرَى بِهِ ذَلِكَ الْعَرَضَ مِنْ يَوْمِهِ لَمْ يُقَوَّمْ الْعَرْضُ حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ أَفَادَ ثَمَنَ الْعَرْضِ، ثُمَّ يُزَكِّيهِ بَعْدَ الْحَوْلِ، وَلَوْ أَقَامَ هَذَا الْعَرْضَ فِي يَدَيْهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ بَاعَهُ بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فَأَقَامَتْ فِي يَدَيْهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ زَكَّاهَا (قَالَ الْمُزَنِيّ) : إذَا كَانَتْ فَائِدَتُهُ نَقْدًا فَحَوْلُ الْعَرَضِ مِنْ حِينِ أَفَادَ النَّقْدَ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قِيمَةِ الْعَرَضِ لِلتِّجَارَةِ وَالنَّقْدِ فِي الزَّكَاةِ رُبْعُ عُشْرٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ زَكَاةُ الْمَاشِيَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ بِالْحَوْلِ شَاةً أَفَيُضَمُّ مَا فِي حَوْلِهِ زَكَاةُ شَاةٍ إلَى مَا فِي حَوْلِهِ زَكَاةُ رُبْعِ عُشْرٍ وَمِنْ قَوْلِهِ لَوْ أَبْدَلَ إبِلًا بِبَقَرٍ، أَوْ بَقَرًا بِغَنَمٍ لَمْ يَضُمَّهَا فِي حَوْلٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهَا فِي الزَّكَاةِ مُخْتَلِفٌ، وَكَذَلِكَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَضُمَّ فَائِدَةَ مَاشِيَةٍ زَكَاتُهَا شَاةٌ، أَوْ تَبِيعٌ، أَوْ بِنْتُ لَبُونٍ أَوْ بِنْتُ مَخَاضٍ إلَى حَوْلِ عَرَضٍ زَكَاتُهُ رُبْعُ عُشْرٍ

(8/146)


فَحَوْلُ هَذَا الْعَرَضِ مِنْ حِينِ اشْتَرَاهُ لَا مِنْ حِينِ أَفَادَ الْمَاشِيَةَ الَّتِي بِهَا اشْتَرَاهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ كَانَ اشْتَرَى الْعَرَضَ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ لَمْ يُقَوَّمْ إلَّا بِدَرَاهِمَ، وَإِنْ كَانَ الدَّنَانِيرُ الْأَغْلَبَ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ وَلَوْ بَاعَهُ بَعْدَ الْحَوْلِ بِدَنَانِيرَ قَوَّمَ الدَّنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ وَزُكِّيَتْ الدَّنَانِيرُ بِقِيمَةِ الدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ مَا اشْتَرَى بِهِ الْعَرَضَ الدَّرَاهِمُ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى بِالدَّنَانِيرِ لَمْ يُقَوَّمْ الْعَرَضُ إلَّا بِالدَّنَانِيرِ وَلَوْ بَاعَهُ بِدَرَاهِمَ وَعَرَضٍ قُوِّمَ بِالدَّنَانِيرِ.

وَلَوْ أَقَامَتْ عِنْدَهُ مِائَةُ دِينَارٍ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ اشْتَرَى بِهَا أَلْفَ دِرْهَمٍ، أَوْ مِائَةَ دِينَارٍ فَلَا زَكَاةَ فِي الدَّنَانِيرِ الْأَخِيرَةِ وَلَا فِي الدَّرَاهِمِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ مَلَكَهَا؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ فِيهَا بِأَنْفُسِهَا وَلَوْ اشْتَرَى عَرَضًا لِغَيْرِ تِجَارَةٍ فَهُوَ كَمَا لَوْ مَلَكَ بِغَيْرِ شِرَاءٍ، فَإِنْ نَوَى بِهِ التِّجَارَةَ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ.

وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا لِلتِّجَارَةِ ثُمَّ نَوَاهُ لِقِنْيَةٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ وَأُحِبُّ لَوْ فَعَلَ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا السَّائِمَةَ إذَا نَوَى عَلَفَهَا فَلَا يَنْصَرِفُ عَنْ السَّائِمَةِ حَتَّى يَعْلِفَهَا، وَلَوْ كَانَ يَمْلِكُ أَقَلَّ مِمَّا تَجِبُ فِي مِثْلِهِ الزَّكَاةُ زَكَّى ثَمَنَ الْعَرَضِ مِنْ يَوْمِ مِلْكِ الْعَرَضِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَحَوَّلَتْ فِيهِ بِعَيْنِهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُ بِعِشْرِينَ دِينَارًا وَكَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ يَحُولُ الْحَوْلُ أَقَلَّ سَقَطَتْ عَنْهُ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهَا تَحَوَّلَتْ فِيهِ وَفِي ثَمَنِهِ إذَا بِيعَ لَا فِيمَا اشْتَرَى بِهِ.

(قَالَ) : وَلَا تَمْنَعُ زَكَاةُ التِّجَارَةِ فِي الرَّقِيقِ زَكَاةَ الْفِطْرِ إذَا كَانُوا مُسْلِمِينَ أَلَا تَرَى أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى عَدَدِ الْأَحْرَارِ الَّذِينَ لَيْسُوا بِمَالٍ إنَّمَا هِيَ طَهُورٌ لِمَنْ لَزِمَهُ اسْمُ الْإِيمَانِ.

وَإِذَا اشْتَرَى نَخْلًا، أَوْ زَرْعًا لِلتِّجَارَةِ، أَوْ وَرِثَهَا زَكَّاهَا زَكَاةَ النَّخْلِ وَالزَّرْعِ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ النَّخْلِ غِرَاسٌ لَا زَكَاةَ فِيهَا زَكَّاهَا زَكَاةَ التِّجَارَةِ وَالْخُلَطَاءُ فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ كَالْخُلَطَاءِ فِي الْمَاشِيَةِ وَالْحَرْثِ عَلَى مَا وَصَفْت سَوَاءٌ.

[بَابُ الزَّكَاةِ فِي مَالِ الْقَرَابَةِ]
ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ أَلْفَ دِرْهَمٍ قِرَاضًا عَلَى النِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهَا سِلْعَةً وَحَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهَا وَهِيَ تُسَاوِي أَلْفَيْنِ فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ تُزَكَّى كُلُّهَا؛ لِأَنَّهَا مِلْكٌ لِرَبِّ الْمَالِ أَبَدًا حَتَّى يُسَلِّمَ إلَيْهِ رَأْسَ مَالِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْعَامِلُ نَصْرَانِيًّا فَإِذَا سَلَّمَ لَهُ رَأْسَ مَالِهِ اقْتَسَمَا الرِّبْحَ وَهَذَا أَشْبَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الزَّكَاةَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فِي الْأَلْفِ وَالْخَمْسِمِائَةِ وَوُقِفَتْ زَكَاةُ خَمْسِمِائَةٍ، فَإِنْ حَالَ عَلَيْهَا حَوْلٌ مِنْ يَوْمِ صَارَتْ لِلْعَامِلِ زَكَّاهَا إنْ كَانَ مُسْلِمًا فَإِذَا لَمْ يَبْلُغْ رِبْحُهُ إلَّا مِائَةَ دِرْهَمٍ زَكَّاهَا؛ لِأَنَّهُ خَلِيطٌ بِهَا، وَلَوْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ نَصْرَانِيًّا وَالْعَامِلُ مُسْلِمًا فَلَا رِبْحَ لِمُسْلِمٍ حَتَّى يُسَلِّمَ إلَى النَّصْرَانِيِّ رَأْسَ مَالِهِ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ بِرِبْحِهِ حَوْلًا، وَالْقَوْلُ الثَّانِي يُحْصَى ذَلِكَ كُلُّهُ، فَإِنْ سَلَّمَ لَهُ رِبْحَهُ أَدَّى زَكَاتَهُ كَمَا يُؤَدِّي مَا مَرَّ عَلَيْهِ مِنْ السِّنِينَ مُنْذُ كَانَ لَهُ فِي الْمَالِ فَضْلٌ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) : أَوْلَى بِقَوْلِهِ عِنْدِي أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى الْعَامِلِ زَكَاةٌ حَتَّى يُحَصِّلَ رَأْسَ الْمَالِ؛ لِأَنَّ هَذَا مَعْنَاهُ فِي الْقِرَاضِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَوْ كَانَ لَهُ شَرِكَةٌ فِي الْمَالِ، ثُمَّ نَقَصَ قَدْرُ الرِّبْحِ كَانَ لَهُ فِي الْبَاقِي شِرْكٌ فَلَا رِبْحَ لَهُ إلَّا بَعْدَ أَدَاءِ رَأْسِ الْمَالِ.

[بَابُ الدَّيْنِ مَعَ الصَّدَقَةِ وَزَكَاةِ اللُّقَطَةِ وَكِرَاءِ الدُّورِ وَالْغَنِيمَةِ]
ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَإِذَا كَانَتْ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا فَاسْتَعْدَى عَلَيْهِ السُّلْطَانُ قَبْلَ الْحَوْلِ وَلَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ أَخْرَجَ زَكَاتَهَا، ثُمَّ قَضَى غُرَمَاءَهُ بَقِيَّتَهَا، وَلَوْ قَضَى عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ وَجَعَلَ لَهُمْ مَالَهُ حَيْثُ وَجَدُوهُ قَبْلَ الْحَوْلِ، ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْغُرَمَاءُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ

(8/147)


لِأَنَّهُ صَارَ لَهُمْ دُونَهُ قَبْلَ الْحَوْلِ وَهَكَذَا فِي الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ وَالْمَاشِيَةِ الَّتِي صَدَقَتُهَا مِنْهَا كَالْمُرْتَهِنِ لِلشَّيْءِ فَيَكُونُ لِلْمُرْتَهِنِ مَالُهُ فِيهِ وَلِلْغُرَمَاءِ فَضْلُهُ.

(قَالَ) : وَكُلُّ مَالٍ رُهِنَ فَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ أَخْرَجَ مِنْهُ الزَّكَاةَ قَبْل الدَّيْنِ (وَقَالَ الْمُزَنِيّ) : وَقَدْ قَالَ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى إذَا كَانَتْ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ وَالْأَوَّلُ مِنْ قَوْلَيْهِ مَشْهُورٌ (قَالَ) : وَإِنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ فَعَلَيْهِ تَعْجِيلُ زَكَاتِهِ كَالْوَدِيعَةِ، وَلَوْ جَحَدَ مَالَهُ، أَوْ غَصَبَهُ، أَوْ غَرِقَ فَأَقَامَ زَمَانًا، ثُمَّ قَدَرَ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ إلَّا وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ قَبَضَهُ؛ لِأَنَّهُ مَغْلُوبٌ عَلَيْهِ، أَوْ يَكُونَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ لِمَا مَضَى مِنْ السِّنِينَ، فَإِنْ قَبَضَ مِنْ ذَلِكَ مَا فِي مِثْلِهِ الزَّكَاةُ زَكَّاهُ لِمَا مَضَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِثْلِهِ زَكَاةٌ فَكَانَ لَهُ مَالٌ ضَمَّهُ إلَيْهِ وَإِلَّا حَسَبَهُ فَإِذَا قَبَضَ مَا إذَا جَمَعَ إلَيْهِ ثَبَتَ فِيهِ الزَّكَاةُ زَكَّى لِمَا مَضَى.

(قَالَ) : وَإِذَا عَرَّفَ لُقَطَةً سَنَةً، ثُمَّ حَالَ عَلَيْهَا أَحْوَالٌ وَلَمْ يُزَكِّهَا، ثُمَّ جَاءَهُ صَاحِبُهَا فَلَا زَكَاةَ عَلَى الَّذِي وَجَدَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالِكًا قَطُّ حَتَّى جَاءَ صَاحِبُهَا وَالْقَوْلُ فِيهَا كَمَا وَصَفْت فِي أَنَّ عَلَيْهِ الزَّكَاةَ لِمَا مَضَى؛ لِأَنَّهَا مَالُهُ، أَوْ فِي سُقُوطِ الزَّكَاةِ عَنْهُ فِي مُقَامِهَا فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ بَعْدَ السَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ أُبِيحَ لَهُ أَكْلُهَا (قَالَ الْمُزَنِيّ) : أُشَبِّهُ الْأَمْرِ بِقَوْلِهِ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ لِقَوْلِهِ: إنَّ مِلْكِهِ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ وَقَدْ قَالَ فِي بَابِ صَدَقَاتِ الْغَنَمِ، وَلَوْ ضَلَّتْ غَنَمُهُ، أَوْ غَصَبَهَا أَحْوَالًا، ثُمَّ وَجَدَهَا زَكَّاهَا لِأَحْوَالِهَا فَقَضَى مَا لَمْ يَخْتَلِفْ مِنْ قَوْلِهِ فِي هَذَا لِأَحَدِ قَوْلَيْهِ فِي أَنَّ عَلَيْهِ الزَّكَاةَ كَمَا قَطَعَ فِي ضَوَالِّ الْغَنَمِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ أَكْرَى دَارًا أَرْبَعَ سِنِينَ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَالْكِرَاءُ حَالٌّ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ أَجَلًا فَإِذَا حَالَ الْحَوْلُ زَكَّى خَمْسَةً وَعِشْرِينَ دِينَارًا وَفِي الْحَوْلِ الثَّانِي خَمْسِينَ لِسَنَتَيْنِ إلَّا قَدْرَ زَكَاةِ الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ دِينَارًا وَفِي الْحَوْلِ الثَّالِثِ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ دِينَارًا لِثَلَاثِ سِنِينَ إلَّا قَدْرَ زَكَاةِ السَّنَتَيْنِ الْأَوَّلِيَّيْنِ وَفِي الْحَوْلِ الرَّابِعِ زَكَّى مِائَةً لِأَرْبَعِ سِنِينَ إلَّا قَدْرَ زَكَاةِ مَا مَضَى، وَلَوْ قَبَضَ الْمُكْرِي الْمَالَ ثُمَّ انْهَدَمَتْ الدَّارُ انْفَسَخَ الْكِرَاءُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ إلَّا فِيمَا سَلَّمَ لَهُ وَلَا يُشْبِهُ صَدَاقَ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهَا مَلَكَتْهُ عَلَى الْكَمَالِ، فَإِنْ طَلَّقَ انْتَقَضَ النِّصْفُ وَالْإِجَارَةُ لَا يُمَلَّكُ مِنْهَا شَيْءٌ إلَّا بِسَلَامَةِ مَنْفَعَةِ الْمُسْتَأْجِرِ مُدَّةً يَكُونُ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الْإِجَارَةِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : هَذَا خِلَافٌ أَصْلُهُ فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُهَا حَالَّةً يَمْلِكُهَا الْمُكْرِي إذَا سَلَّمَ مَا أَكْرَى كَثَمَنِ السِّلْعَةِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ أَجَلًا وَقَوْلُهُ هَا هُنَا أَشْبَهُ عِنْدِي بِأَقَاوِيلِ الْعُلَمَاءِ فِي الْمِلْكِ لَا عَلَى مَا عَبَّرَ فِي الزَّكَاةِ (قَالَ) : وَلَوْ غَنِمُوا فَلَمْ يَقْسِمْهُ الْوَالِي حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ فَقَدْ أَسَاءَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ وَلَا زَكَاةَ فِي فِضَّةٍ مِنْهَا وَلَا ذَهَبٍ حَتَّى يَسْتَقْبِلَ بِهَا حَوْلًا بَعْدَ الْقَسْمِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِأَحَدٍ فِيهِ بِعَيْنِهِ وَأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَمْنَعَهُمْ قِسْمَتَهُ إلَّا أَنْ يُمَكِّنَهُ؛ وَلِأَنَّ فِيهَا خَمْسًا وَإِذَا عُزِلَ سَهْمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا لِمَا يَنُوبُ الْمُسْلِمِينَ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِمَالِكٍ بِعَيْنِهِ.

[بَابُ الْبَيْعِ فِي الْمَالِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ بِالْخِيَارِ وَغَيْرِهِ]
ِ وَبَيْعِ الْمُصَدِّقِ وَمَا قَبَضَ مِنْهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ بَاعَ بَيْعًا صَحِيحًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ، أَوْ الْمُشْتَرِي، أَوْ هُمَا قَبَضَ، أَوْ لَمْ يَقْبِضْ فَحَالَ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ مَلَكَ الْبَائِعُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ بِخُرُوجِهِ مِنْ مِلْكِهِ حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ وَلِمُشْتَرِيهِ الرَّدُّ بِالتَّغَيُّرِ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ بِالزَّكَاةِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَقَدْ قَالَ فِي بَابِ زَكَاةِ الْفِطْرِ إنَّ الْمِلْكَ يَتِمُّ بِخِيَارِهِمَا، أَوْ بِخِيَارِ الْمُشْتَرِي وَفِي الشُّفْعَةِ أَنَّ الْمِلْكَ يَتِمُّ بِخِيَارِ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : الْأَوَّلُ إذَا كَانَا جَمِيعًا بِالْخِيَارِ عِنْدِي أَشْبَهُ بِأَصْلِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي رَجُلٍ حَلَفَ بِعِتْقِ عَبْدِهِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ فَبَاعَهُ أَنَّهُ

(8/148)


عَتِيقٌ وَالسَّنَدُ عِنْدَهُ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ جَمِيعًا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا تَفَرُّقَ الْأَبَدَانِ فَلَوْلَا أَنَّهُ مَلَكَهُ مَا عَتَقَ عَلَيْهِ عَبْدُهُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَمَنْ مَلَكَ ثَمَرَةَ نَخْلٍ مِلْكًا صَحِيحًا قَبْلَ أَنْ تُرَى فِيهِ الصُّفْرَةُ أَوْ الْحُمْرَةُ فَالزَّكَاةُ عَلَى مَالِكِهَا الْآخَرِ يُزَكِّيهَا حِينَ تَزْهَى.

وَلَوْ اشْتَرَى الثَّمَرَةَ بَعْدَمَا يَبْدُو صَلَاحُهَا فَالْعُشْرُ فِيهَا وَالْبَيْعُ فِيهَا مَفْسُوخٌ كَمَا لَوْ بَاعَهُ عَبْدَيْنِ أَحَدُهُمَا لَهُ وَالْآخَرُ لَيْسَ لَهُ وَلَوْ اشْتَرَاهَا قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا عَلَى أَنْ يَجُدَّهَا أَخَذَ يَجُدُّهَا، فَإِنْ بَدَا صَلَاحُهَا فُسِخَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تُقْطَعَ فَيَمْنَعَ الزَّكَاةَ وَلَا يُجْبَرُ رَبُّ النَّخْلِ عَلَى تَرْكِهَا وَقَدْ اشْتَرَطَ قَطْعَهَا، وَلَوْ رَضِيَا التَّرْكَ فَالزَّكَاةُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَلَوْ رَضِيَ الْبَائِعُ التَّرْكَ وَأَبَى الْمُشْتَرِي فَفِيهَا قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يُجْبَرَ عَلَى التَّرْكِ وَالثَّانِي أَنْ يُفْسَخَ؛ لِأَنَّهُمَا اشْتَرَطَا الْقَطْعَ، ثُمَّ بَطَلَ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : فَأَشْبَهَ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ بِقَوْلِهِ: أَنْ يُفْسَخَ الْبَيْعُ قِيَاسًا عَلَى فَسْخِ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ اسْتَهْلَكَ رَجُلٌ ثَمَرَةً وَقَدْ خُرِصَتْ أَخَذَ بِثَمَنِ عُشْرِ وَسَطِهَا وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَلَوْ بَاعَ الْمُصَدِّقُ شَيْئًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهِ أَوْ يَقْسِمَهُ عَلَى أَهْلِهِ لَا يَجْزِي غَيْرُهُ وَأَفْسَخُ بَيْعَهُ إذَا قَدَرْت عَلَيْهِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَأَكْرَهُ لِلرَّجُلِ شِرَاءَ صَدَقَتِهِ إذَا وَصَلَتْ إلَى أَهْلِهَا وَلَا أَفْسَخُهُ.

[بَابُ زَكَاةِ الْمَعْدِنِ]
ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَلَا زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ الْمَعَادِنِ إلَّا ذَهَبًا، أَوْ وَرِقًا فَإِذَا خَرَجَ مِنْهَا ذَهَبٌ أَوْ وَرِقٌ فَكَانَ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ حَتَّى يُعَالَجَ بِالنَّارِ أَوْ الطَّحْنِ، أَوْ التَّحْصِيلِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَصِيرَ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا، فَإِنْ دَفَعَ مِنْهُ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَحْصُلَ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا فَالْمُصَدِّقُ ضَامِنٌ وَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ إنْ اسْتَهْلَكَهُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ تُرَابِ الْمَعَادِنِ بِحَالٍ لِأَنَّهُ ذَهَبٌ، أَوْ وَرِقٌ مُخْتَلِطٌ بِغَيْرِهِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ نَاحِيَتِنَا إلَى أَنَّ فِي الْمَعَادِنِ الزَّكَاةَ، وَغَيْرُهُمْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْمَعَادِنَ رِكَازٌ فَفِيهَا الْخُمُسُ (قَالَ) : وَمَا قِيلَ: فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَبْلُغَ الذَّهَبُ مِنْهُ عِشْرِينَ مِثْقَالًا وَالْوَرِقُ مِنْهُ خَمْسَ أَوَاقٍ (قَالَ) : وَيَضُمُّ مَا أَصَابَ فِي الْأَيَّامِ الْمُتَتَابِعَةِ، فَإِنْ كَانَ الْمَعْدِنُ غَيْرَ حَاقِدٍ فَقَطَعَ الْعَمَلَ فِيهِ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَهُ لَمْ يَضُمَّ كَثُرَ الْقَطْعُ عَنْهُ لَهُ أَوْ قَلَّ وَالْقَطْعُ تَرْكُ الْعَمَلِ لِغَيْرِ عُذْرٍ أَدَّاهُ، أَوْ عِلَّةِ مَرَضٍ، أَوْ هَرَبِ عَبِيدٍ لَا وَقْتَ فِيهِ إلَّا مَا وَصَفْت، وَلَوْ تَابَعَ فَحَقَدَ وَلَمْ يَقْطَعْ الْعَمَلَ فِيهِ ضَمَّ مَا أَصَابَ مِنْهُ بِالْعَمَلِ الْآخَرِ إلَى الْأَوَّلِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَاَلَّذِي أَنَا فِيهِ وَاقِفُ الزَّكَاةِ فِي الْمَعْدِنِ وَالتِّبْرِ الْمَخْلُوقِ فِي الْأَرْضِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : إذَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ أَصْلٌ فَأَوْلَى بِهِ أَنْ يَجْعَلَهُ فَائِدَةً يُزَكَّى لِحَوْلِهِ وَقَدْ أَخْبَرَنِي عَنْهُ بِذَلِكَ مَنْ أَثِقُ بِقَوْلِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ عِنْدِي وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

[بَابُ مَا يَقُولُ الْمُصَدِّقُ إذَا أَخَذَ الصَّدَقَةَ لِمَنْ يَأْخُذُهَا مِنْهُ]
ُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103] (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ

(8/149)


الدُّعَاءُ لَهُمْ عِنْدَ أَخْذِ الصَّدَقَةِ مِنْهُمْ فَحَقٌّ عَلَى الْوَالِي إذَا أَخَذَ صَدَقَةَ امْرِئٍ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ وَأُحِبُّ أَنْ يَقُولَ آجَرَكَ اللَّهُ فِيمَا أَعْطَيْت وَجَعَلَهُ طَهُورًا لَك وَبَارَكَ لَك فِيمَا أَبْقَيْت.

[بَابُ مَنْ تَلْزَمُهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ]
ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ ذَكَرٍ وَأُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ» .
وَرُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حَدِيثٍ آخَرَ قَالَ «مِمَّنْ تَمُونُونَ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَلَمْ يَفْرِضْهَا إلَّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَالْعَبِيدُ لَا مَالَ لَهُمْ وَإِنَّمَا فَرْضُهُمْ عَلَى سَيِّدِهِمْ فَهُمْ وَالْمَرْأَةُ مِمَّنْ يُمَوَّنُونَ فَكُلُّ مَنْ لَزِمَتْهُ مُؤْنَةُ أَحَدٍ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ تَرْكُهَا أَدَّى زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْهُ وَذَلِكَ مَنْ أَجْبَرْنَاهُ عَلَى نَفَقَتِهِ مِنْ وَلَدِهِ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ الزَّمْنَى الْفُقَرَاءِ وَآبَائِهِ وَأُمَّهَاتِهِ الزَّمْنَى الْفُقَرَاءِ وَزَوْجَتِهِ وَخَادِمٍ لَهَا وَيُؤَدِّي عَنْ عَبِيدِهِ الْحُضُورِ وَالْغُيَّبِ وَإِنْ لَمْ يَرْجُ رَجْعَتَهُمْ إذَا عَلِمَ حَيَاتَهُمْ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ: وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَيَاتَهُمْ وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِابْنِ عُمَرَ بِأَنَّهُ كَانَ يُؤَدِّي عَنْ غِلْمَانِهِ بِوَادِي الْقُرَى.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَهَذَا مِنْ قَوْلِهِ أَوْلَى (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَيُزَكِّي عَمَّنْ كَانَ مَرْهُونًا أَوْ مَغْصُوبًا عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَرَقِيقُ رَقِيقِهِ وَرَقِيقُ الْخِدْمَةِ وَالتِّجَارَةِ سَوَاءٌ.
وَإِنْ كَانَ فِيمَنْ يُمَوِّنُ كَافِرًا لَمْ يُزَكِّ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالزَّكَاةِ إلَّا مُسْلِمٌ قَالَ مُحَمَّدٌ وَابْنُ عَاصِمٍ: قَالَ سَمِعْت: الْمَغْصُوبُ الَّذِي لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ وَلَدُهُ فِي وِلَايَتِهِ لَهُمْ أَمْوَالٌ زَكَّى مِنْهَا عَنْهُمْ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ فَيَجْزِي عَنْهُمْ فَإِنْ تَطَوَّعَ حُرٌّ مِمَّنْ يُمَوِّنُ فَأَخْرَجَهَا عَنْ نَفْسِهِ أَجْزَأَهُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ عَمَّنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ نَهَارِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ وَغَابَتْ الشَّمْسُ لَيْلَةَ شَوَّالٍ فَيُزَكِّي عَنْهُ وَإِنْ مَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ وَإِنْ وُلِدَ لَهُ بَعْدَمَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَلَدٌ، أَوْ مَلَكَ عَبْدًا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي عَامِهِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَدْرِ مَا يَمْلِكُ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ يَمْلِكُ نِصْفَهُ وَنِصْفُهُ حُرٌّ فَعَلَيْهِ فِي نِصْفِهِ نِصْفُ زَكَاتِهِ، فَإِنْ كَانَ لِلْعَبْدِ مَا يَقُوتُهُ لَيْلَةَ الْفِطْرِ وَيَوْمِهِ أَدَّى النِّصْفَ عَنْ نِصْفِهِ الْحُرِّ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَا اكْتَسَبَ فِي يَوْمِهِ.

وَإِنْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ فَأَهَلَّ شَوَّالٌ وَلَمْ يَخْتَرْ إنْفَاذَ الْبَيْعِ، ثُمَّ أَنْفَذَهُ فَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى الْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَالزَّكَاةُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَالْمِلْكُ لَهُ وَهُوَ كَمُخْتَارِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا جَمِيعًا فَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى الْمُشْتَرِي (قَالَ الْمُزَنِيّ) : هَذَا غَلَطٌ فِي أَصْلِ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ فِي رَجُلٍ لَوْ قَالَ عَبْدِي حُرٌّ إنْ بِعْته فَبَاعَهُ أَنَّهُ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَتِمَّ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا تَفَرُّقَ الْأَبَدَانِ فَهُمَا فِي خِيَارِ التَّفَرُّقِ كَهُوَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ بِوَقْتٍ لَا فَرْقَ فِي الْقِيَاسِ بَيْنَهُمَا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ مَاتَ حِينَ أَهَلَّ شَوَّالٌ وَلَهُ رَقِيقٌ فَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْهُ وَعَنْهُمْ فِي مَالِهِ مُبْدَأَةٌ عَلَى الدَّيْنِ وَغَيْرِهِ مِنْ مِيرَاثٍ وَوَصَايَا، وَلَوْ وَرِثُوا رَقِيقًا، ثُمَّ أَهَلَّ شَوَّالٌ فَعَلَيْهِمْ زَكَاتُهُمْ بِقَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ، وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ شَوَّالٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ زَكَّى عَنْهُمْ الْوَرَثَةُ؛ لِأَنَّهُمْ فِي مِلْكِهِمْ.

وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَمَاتَ، ثُمَّ أَهَلَّ شَوَّالٌ أَوْقَفْنَا زَكَاتَهُ فَإِنْ قِيلَ: فَهِيَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ إلَى مِلْكِهِ وَإِنْ رَدَّ فَهِيَ عَلَى الْوَارِثِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِلْكِهِ، وَلَوْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ فَوَرَثَتُهُ يَقُومُونَ مَقَامَهُ، فَإِنْ قَبِلُوا فَزَكَاةُ الْفِطْرِ فِي مَالِ أَبِيهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ بِمِلْكِهِ مَلَكُوهُ.

وَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ شَوَّالٌ وَعِنْدَهُ قُوتُهُ وَقُوتُ مَنْ يَقُوتُ لِيَوْمِهِ وَمَا يُؤَدِّي بِهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْهُ وَعَنْهُمْ أَدَّاهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ بَعْدَ الْقُوتِ لِيَوْمِهِ إلَّا مَا يُؤَدِّي عَنْ بَعْضِهِمْ أَدَّى عَنْ بَعْضِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلَّا قُوتُ يَوْمِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ أَحَدٌ مِمَّنْ يَقُوتُ وَاجِدًا لِزَكَاةِ الْفِطْرِ لَمْ أُرَخِّصْ لَهُ فِي تَرْكِ أَدَائِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَلَا

(8/150)


يَبِينُ لِي أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مَفْرُوضَةٌ عَلَى غَيْرِهِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَهَا بَعْد أَدَائِهَا إذَا كَانَ مُحْتَاجًا وَغَيْرُهَا مِنْ الصَّدَقَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ وَالتَّطَوُّعِ.

وَإِنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ عَبْدًا، أَوْ مُكَاتَبًا فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهَا، فَإِنْ زَوَّجَهَا حُرًّا فَعَلَى الْحُرِّ الزَّكَاةُ عَنْ امْرَأَتِهِ، فَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا فَعَلَى سَيِّدِهَا فَإِنْ لَمْ يُدْخِلْهَا عَلَيْهِ، أَوْ مَنَعَهَا مِنْهُ فَعَلَى السَّيِّدِ.

[بَابُ مَكِيلَةِ زَكَاةِ الْفِطْرِ]
ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَبَيَّنَ فِي سُنَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ الْبَقْلِ مِمَّا يَقْتَاتُ الرَّجُلُ وَمَا فِيهِ الزَّكَاةُ (قَالَ) : وَأَيُّ قُوتٍ كَانَ الْأَغْلَبُ عَلَى الرَّجُلِ أَدَّى مِنْهُ زَكَاةَ الْفِطْرِ كَانَ حِنْطَةً، أَوْ ذُرَةً أَوْ عَلَسًا، أَوْ شَعِيرًا، أَوْ تَمْرًا، أَوْ زَبِيبًا وَمَا أَدَّى مِنْ هَذَا أَدَّى صَاعًا بِصَاعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا تُقَوَّمُ الزَّكَاةُ وَلَوْ قُوِّمَتْ كَانَ لَوْ أَدَّى ثَمَنَ صَاعِ زَبِيبٍ ضُرُوعٍ أَدَّى ثَمَنَ آصُعَ حِنْطَةً (قَالَ) : وَلَا يُؤَدِّي إلَّا الْحَبَّ نَفْسَهُ لَا يُؤَدِّي دَقِيقًا وَلَا سَوِيقًا وَلَا قِيمَةً وَأَحَبُّ إلَيَّ لِأَهْلِ الْبَادِيَةِ أَنْ لَا يُؤَدُّوا أَقِطًا؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ قُوتًا فَالْفَثُّ قُوتٌ وَقَدْ يُقْتَاتُ الْحَنْظَلُ وَاَلَّذِي لَا أَشُكُّ فِيهِ أَنَّهُمْ يُؤَدُّونَ مِنْ قُوتِ أَقْرَبِ الْبُلْدَانِ بِهِمْ إلَّا أَنْ يَقْتَاتُوا ثَمَرَةً لَا زَكَاةَ فِيهَا فَيُؤَدُّونَ مِنْ ثَمَرَةٍ فِيهَا زَكَاةٌ، وَلَوْ أَدَّوْا أَقِطًا لَمْ أَرَ عَلَيْهِمْ إعَادَةً (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قِيَاسُ مَا مَضَى أَنْ يَرَى عَلَيْهِمْ إعَادَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهَا فِيمَا يُقْتَاتُ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَرَةً فِيهَا زَكَاةٌ، أَوْ يُجِيزُ الْقُوتَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ زَكَاةٌ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ الرَّجُلُ نِصْفَ صَاعٍ حِنْطَةً وَنِصْفَ صَاعٍ شَعِيرًا إلَّا مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ قُوتُهُ حِنْطَةٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ شَعِيرًا وَلَا يُخْرِجُهُ مِنْ مُسَوَّسٍ وَلَا مَعِيبٍ، فَإِنْ كَانَ قَدِيمًا لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَلَا لَوْنُهُ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَ قُوتُهُ حُبُوبًا مُخْتَلِفَةً فَاخْتَارَ لَهُ خَيْرَهَا وَمِنْ أَيْنَ أَخْرَجَهُ أَجْزَأَهُ.

وَيُقَسِّمُهَا عَلَى مَنْ تُقَسَّمُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْمَالِ وَأَحَبُّ إلَيَّ ذَوُو رَحِمِهِ إنْ كَانَ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ بِحَالٍ.

وَإِنْ طَرَحَهَا عِنْدَ مَنْ تُجْمَعُ عِنْدَهُ أَجْزَأَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
سَأَلَ رَجُلٌ سَالِمًا فَقَالَ أَلَمْ يَكُنْ ابْنُ عُمَرَ يَدْفَعُهَا إلَى السُّلْطَانِ؟ فَقَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ أَرَى أَنْ لَا يَدْفَعَهَا إلَيْهِ.

[بَابُ الِاخْتِيَارِ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ]
ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «خَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَلْيَبْدَأْ أَحَدُكُمْ بِمَنْ يَعُولُ» (قَالَ) : فَهَكَذَا أُحِبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ بِمَنْ يَعُولُ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ مَنْ يَعُولُ فَرْضٌ وَالْفَرْضُ أَوْلَى بِهِ مِنْ النَّفْلِ، ثُمَّ قَرَابَتُهُ، ثُمَّ مَنْ شَاءَ وَرُوِيَ «أَنَّ امْرَأَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ كَانَتْ صَنَاعًا وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ فَقَالَتْ لَقَدْ شَغَلْتنِي أَنْتَ وَوَلَدُك عَنْ الصَّدَقَةِ فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَك فِي ذَلِكَ أَجْرَانِ فَأَنْفِقِي عَلَيْهِمْ» ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .

(8/151)