مختصر المزني في فروع الشافعية ط المعرفة

[بَابُ الشَّرِكَةِ]
ِ قَالَ الْمُزَنِيّ: الشَّرِكَةُ مِنْ وُجُوهٍ مِنْهَا الْغَنِيمَةُ أَزَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - مِلْكَ الْمُشْرِكِينَ عَنْ خَيْبَرَ فَمَلَكَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُؤْمِنُونَ وَكَانُوا فِيهِ شُرَكَاءَ فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمْسَةَ أَجْزَاءٍ ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهَا فَأَخْرَجَ مِنْهَا خُمُسَ اللَّهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - لِأَهْلِهِ وَأَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا لِأَهْلِهَا.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى قَسْمِ الْأَمْوَالِ وَالضَّرْبِ عَلَيْهَا بِالسِّهَامِ، وَمِنْهَا الْمَوَارِيثُ، وَمِنْهَا الشَّرِكَةُ فِي الْهِبَاتِ وَالصَّدَقَاتِ فِي قَوْلِهِ، وَمِنْهَا التِّجَارَاتُ وَفِي ذَلِكَ كُلِّهِ الْقَسْمُ إذَا كَانَ مِمَّا يُقْسَمُ وَطَلَبَهُ الشَّرِيكُ، وَمِنْهَا الشَّرِكَةُ فِي الصَّدَقَاتِ الْمُحَرَّمَاتِ فِي قَوْلِهِ، وَهِيَ الْأَحْبَاسُ، وَلَا وَجْهَ لِقَسْمِهَا فِي رِقَابِهَا لِارْتِفَاعِ الْمِلْكِ عَنْهَا فَإِنْ تَرَاضَوْا مِنْ السُّكْنَى سَنَةً بِسَنَةٍ فَلَا بَأْسَ وَاَلَّذِي يُشْبِهُ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ فِي الْعَرَضِ، وَلَا فِيمَا يَرْجِعُ فِي حَالِ الْمُفَاضَلَةِ إلَى الْقِيمَةِ لِتَغَيُّرِ الْقِيَمِ، وَلَا أَنْ يُخْرِجَ أَحَدُهُمَا عَرْضًا وَالْآخَرُ دَنَانِيرَ، وَلَا تَجُوزُ إلَّا بِمَالٍ وَاحِدٍ بِالدَّنَانِيرِ أَوْ بِالدَّرَاهِمِ فَإِنْ أَرَادَا أَنْ يَشْتَرِكَا، وَلَمْ يُمْكِنْهُمَا إلَّا عَرَضٌ فَإِنَّ الْمَخْرَجَ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يَبِيعَ أَحَدُهُمَا نِصْفَ عَرَضِهِ بِنِصْفِ عَرَضِ صَاحِبِهِ، وَيَتَقَابَضَانِ فَيَصِيرُ جَمِيعُ الْعَرْضَيْنِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَيَكُونَانِ فِيهِ شَرِيكَيْنِ إنْ بَاعَا أَوْ حَبَسَا أَوْ عَارَضَا لَا فَضْلَ فِي ذَلِكَ لِأَحَدٍ مِنْهُمَا.

(قَالَ) : وَشَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَجُوزُ بِحَالٍ، وَالشَّرِكَةُ الصَّحِيحَةُ أَنْ يُخْرِجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَنَانِيرَ مِثْلَ دَنَانِيرِ صَاحِبِهِ، وَيَخْلِطَاهُمَا فَيَكُونَانِ فِيهَا شَرِيكَيْنِ فَإِنْ اشْتَرَيَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ أَحَدُهُمَا دُونَ صَاحِبِهِ فَإِنْ جَعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ أَنْ يَتَّجِرَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِمَا رَأَى مِنْ أَنْوَاعِ التِّجَارَاتِ قَامَ فِي ذَلِكَ مَقَامَ صَاحِبِهِ فَمَا رَبِحَا أَوْ خَسِرَا فَلَهُمَا وَعَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ، وَمَتَى فَسَخَ أَحَدُهُمَا الشَّرِكَةَ انْفَسَخَتْ، وَلَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَشْتَرِيَ، وَلَا يَبِيعَ حَتَّى يَقْسِمَا، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا انْفَسَخَتْ الشَّرِكَةُ، وَقَاسَمَ وَصِيُّ الْمَيِّتِ شَرِيكَهُ فَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ بَالِغًا رَشِيدًا فَأُحِبُّ أَنْ يُقِيمَ عَلَى مِثْلِ شَرِكَتِهِ كَأَبِيهِ فَجَائِزٌ، وَلَوْ اشْتَرَيَا عَبْدًا وَقَبَضَاهُ فَأَصَابَا بِهِ عَيْبًا فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا الرَّدَّ وَالْآخَرُ الْإِمْسَاكَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : ذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ مَعْقُولًا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اشْتَرَى نِصْفَهُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَلَوْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ كَانَ مَا اشْتَرَى لَهُ دُونَ صَاحِبِهِ، وَلَوْ أَجَازَهُ شَرِيكُهُ مَا جَازَ؛ لِأَنَّ شِرَاءَهُ كَانَ عَلَى غَيْرِ مَا

(8/207)


يَجُوزُ عَلَيْهِ.
وَأَيُّهُمَا ادَّعَى فِي يَدَيْ صَاحِبِهِ مِنْ شَرِكَتِهِمَا شَيْئًا فَهُوَ مُدَّعٍ وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَعَلَى صَاحِبِهِ الْيَمِينُ وَأَيُّهُمَا ادَّعَى خِيَانَةَ صَاحِبِهِ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَأَيُّهُمَا زَعَمَ أَنَّ الْمَالَ قَدْ تَلِفَ فَهُوَ أَمِينٌ وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَمَرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِبَيْعِهِ فَبَاعَهُ مِنْ رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَقَرَّ الشَّرِيكُ الَّذِي لَمْ يَبِعْ أَنَّ الْبَائِعَ قَدْ قَبَضَ الثَّمَنَ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْبَائِعُ وَادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَبْرَأُ مِنْ نِصْفِ الثَّمَنِ وَهُوَ حِصَّةُ الْمُقِرِّ، وَيَأْخُذُ الْبَائِعُ نِصْفَ الثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي فَيُسَلِّمُ لَهُ، وَيَحْلِفُ لِشَرِيكِهِ مَا قَبَضَ مَا ادَّعَى فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ صَاحِبُهُ وَاسْتَحَقَّ الدَّعْوَى، وَلَوْ كَانَ الشَّرِيكُ الَّذِي بَاعَ هُوَ الَّذِي أَقَرَّ بِأَنَّ شَرِيكَهُ الَّذِي لَمْ يَبِعْ قَبَضَ مِنْ الْمُشْتَرِي جَمِيعَ الثَّمَنِ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الَّذِي لَمْ يَبِعْ وَادَّعَى ذَلِكَ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَبْرَأُ مِنْ نِصْفِ الثَّمَنِ بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ أَنَّ شَرِيكَهُ قَدْ قَبَضَ؛ لِأَنَّهُ فِي ذَلِكَ أَمِينٌ، وَيَرْجِعُ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالنِّصْفِ الْبَاقِي فَيُشَارِكُهُ فِيهِ صَاحِبُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ عَلَى حِصَّةٍ مِنْ الشَّرِكَةِ تُسَلَّمُ إلَيْهِ إنَّمَا يُصَدَّقُ فِي أَنْ لَا يَضْمَنَ شَيْئًا لِصَاحِبِهِ فَأَمَّا أَنَّهُ يَكُونُ فِي يَدَيْهِ بَعْضُ مَالٍ بَيْنَهُمَا فَيَدَّعِي عَلَى شَرِيكِهِ مُقَاسَمَةً يَمْلِكُ بِهَا هَذَا الْبَعْضَ خَاصَّةً فَلَا يَجُوزُ، وَيَحْلِفُ لِشَرِيكِهِ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ شَرِيكُهُ وَاسْتَحَقَّ دَعْوَاهُ. وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَغَصَبَ رَجُلٌ حِصَّةَ أَحَدِهِمَا ثُمَّ إنَّ الْغَاصِبَ وَالشَّرِيكَ الْآخَرَ بَاعَا الْعَبْدَ مِنْ رَجُلٍ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ الْبَائِعِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْغَاصِبِ وَلَوْ أَجَازَهُ الْمَغْصُوبُ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِتَجْدِيدِ بَيْعٍ فِي مَعْنَى الشَّافِعِيِّ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

(8/208)


[كِتَابُ الْوَكَالَةِ]
ِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) : قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء: 6] الْآيَةَ. فَأَمَرَ بِحِفْظِ أَمْوَالِهِمْ حَتَّى يُؤْنَسَ مِنْهُمْ الرُّشْدُ وَهُوَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْبُلُوغِ مُصْلِحًا لِمَالِهِ عَدْلًا فِي دِينِهِ وَقَالَ - تَعَالَى - {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} [البقرة: 282] وَوَلِيُّهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُوَ الْقَيِّمُ بِمَالِهِ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) : فَإِذَا جَازَ أَنْ يَقُومَ بِمَالِهِ بِتَوْصِيَةِ أَبِيهِ بِذَلِكَ إلَيْهِ وَأَبُوهُ غَيْرُ مَالِكٍ كَانَ أَنْ يَقُومَ فِيهِ بِتَوْكِيلِ مَالِكِهِ أَجْوَزُ. وَقَدْ وَكَّلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَقِيلًا.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَذَكَرَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ هَذَا عَقِيلٌ مَا قَضَى عَلَيْهِ فَعَلَيَّ، وَمَا قَضَى لَهُ فَلِي.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَا أَحْسَبُهُ كَانَ يُوَكِّلُهُ إلَّا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَلَعَلَّهُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَوَكَّلَ أَيْضًا عَنْهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَلِيٌّ حَاضِرٌ فَقَبِلَ ذَلِكَ عُثْمَانُ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) : فَلِلنَّاسِ أَنْ يُوَكِّلُوا فِي أَمْوَالِهِمْ وَطَلَبِ حُقُوقِهِمْ وَخُصُومَاتِهِمْ، وَيُوصُوا بِتَرِكَاتِهِمْ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوُكَلَاءِ، وَلَا عَلَى الْأَوْصِيَاءِ، وَلَا عَلَى الْمُودِعِينَ، وَلَا عَلَى الْمُقَارِضِينَ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّوْا فَيَضْمَنُوا وَالتَّوْكِيلُ مِنْ كُلِّ مُوَكِّلٍ مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ تَخْرُجُ أَوْ لَا تَخْرُجُ بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِ عُذْرٍ حَضَرَ خَصْمٌ أَوْ لَمْ يَحْضُرْ جَائِزٌ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : لَيْسَ الْخَصْمُ مِنْ الْوَكَالَةِ بِسَبِيلٍ، وَقَدْ يَقْضِي لِلْخَصْمِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَيَكُونُ حَقًّا يَثْبُتُ لَهُ بِالتَّوْكِيلِ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) : فَإِنْ وَكَّلَهُ بِخُصُومَةٍ فَإِنْ شَاءَ قَبِلَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ فَإِنْ قَبِلَ فَإِنْ شَاءَ فَسَخَ، وَإِنْ شَاءَ ثَبَتَ فَإِنْ ثَبَتَ وَأَقَرَّ عَلَى مَنْ وَكَّلَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَكِّلْهُ بِالْإِقْرَارِ، وَلَا بِالصُّلْحِ، وَلَا بِالْإِبْرَاءِ وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ وَكَّلَهُ بِطَلَبِ حَدٍّ لَهُ أَوْ قِصَاصٍ قُبِلَتْ الْوَكَالَةُ عَلَى تَثْبِيتِ الْبَيِّنَةِ فَإِذَا حَضَرَ الْحَدُّ أَوْ الْقِصَاصُ لَمْ أَحُدَّ، وَلَمْ أَقُصَّ حَتَّى يَحْضُرَ الْمَحْدُودُ لَهُ وَالْمُقَصُّ لَهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ قَدْ يُقِرُّ لَهُ، وَيُكَذِّبُ الْبَيِّنَةَ أَوْ يَعْفُو فَيَبْطُلُ الْحَدُّ وَالْقِصَاصُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ إلَيْهِ الْمُوَكِّلُ، وَإِنْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ مَتَاعِهِ فَبَاعَهُ فَقَالَ الْوَكِيلُ: قَدْ دَفَعْتُ إلَيْك الثَّمَنَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فَإِنْ طَلَبَ مِنْهُ الثَّمَنَ فَمَنَعَهُ مِنْهُ فَقَدْ ضَمِنَهُ إلَّا فِي حَالٍ لَا يُمْكِنُهُ فِيهِ دَفْعُهُ فَإِنْ أَمْكَنَهُ فَمَنَعَهُ ثُمَّ جَاءَ لِيُوَصِّلَهُ إلَيْهِ فَتَلِفَ ضَمِنَهُ، وَلَوْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ قَدْ دَفَعْته إلَيْك لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ وَلَوْ قَالَ صَاحِبٌ لَهُ قَدْ طَلَبْتُهُ مِنْك فَمَنَعْتنِي فَأَنْتَ ضَامِنٌ فَهُوَ مُدَّعٍ أَنَّ الْأَمَانَةَ تَحَوَّلَتْ مَضْمُونَةً وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَعَلَى الْمُنْكِرِ الْيَمِينُ.

(قَالَ) : وَلَوْ قَالَ وَكَّلْتُك بِبَيْعِ مَتَاعِي وَقَبَضْتَهُ مِنِّي فَأَنْكَرَ ثُمَّ أَقَرَّ أَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ بِالْجُحُودِ مِنْ الْأَمَانَاتِ وَلَوْ قَالَ وَكَّلْتُك بِبَيْعِ مَتَاعِي فَبِعْته فَقَالَ: مَالَك عِنْدِي شَيْءٌ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَقَالَ صَدَقُوا، وَقَدْ دَفَعْت إلَيْهِ ثَمَنَهُ فَهُوَ مُصَدِّقٌ؛ لِأَنَّ مَنْ دَفَعَ شَيْئًا إلَى أَهْلِهِ فَلَيْسَ هُوَ عِنْدَهُ، وَلَمْ يُكَذِّبْ نَفْسَهُ فَهُوَ عَلَى أَصْلِ أَمَانَتِهِ وَتَصْدِيقِهِ وَلَوْ أَمَرَ الْمُوَكِّلُ الْوَكِيلَ أَنْ يَدْفَعَ مَالًا إلَى رَجُلٍ فَادَّعَى أَنَّهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى - {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء: 6] وَبِأَنَّ الَّذِي زَعَمَ أَنَّهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ لَيْسَ هُوَ الَّذِي ائْتَمَنَهُ عَلَى الْمَالِ كَمَا أَنَّ الْيَتَامَى لَيْسُوا الَّذِينَ ائْتَمَنُوهُ عَلَى الْمَالِ وَقَالَ اللَّهُ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] الْآيَةَ وَبِهَذَا فَرَّقَ بَيْنَ

(8/209)


قَوْلِهِ لِمَنْ ائْتَمَنَهُ: قَدْ دَفَعْته إلَيْك يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ ائْتَمَنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ لِمَنْ لَمْ يَأْتَمِنْهُ عَلَيْهِ: قَدْ دَفَعْته إلَيْك فَلَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي لَيْسَ ائْتَمَنَهُ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ جَعَلَ لِلْوَكِيلِ فِيمَا وَكَّلَهُ جُعْلًا فَقَالَ لِلْمُوَكِّلِ جُعْلِي قِبَلَك، وَقَدْ دَفَعْتُ إلَيْك مَالَك فَقَالَ بَلْ خُنْتنِي فَالْجُعْلُ مَضْمُونٌ لَا تُبَرِّئُهُ مِنْهُ دَعْوَاهُ الْخِيَانَةَ عَلَيْهِ وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ مَالًا يَشْتَرِي لَهُ بِهِ طَعَامًا فَسَلَّفَهُ ثُمَّ اشْتَرَى لَهُ بِمِثْلِهِ طَعَامًا فَهُوَ ضَامِنٌ لِلْمَالِ وَالطَّعَامُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ وَكَالَتِهِ بِالتَّعَدِّي وَاشْتَرَى بِغَيْرِ مَا أَمَرَهُ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ، وَلَا الْمُوصَى أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ نَفْسِهِ، وَمَنْ بَاعَ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ فَبَيْعُهُ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَلَفٌ عَلَى صَاحِبِهِ فَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَمَعْنَاهُ وَلَوْ قَالَ أَمَرْتُك أَنْ تَشْتَرِيَ لِي هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِعَشَرَةٍ فَاشْتَرَيْتهَا بِعِشْرِينَ فَقَالَ الْوَكِيلُ بَلْ أَمَرْتنِي بِعِشْرِينَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ مَعَ يَمِينِهِ، وَتَكُونُ الْجَارِيَةُ فِي الْحُكْمِ لِلْوَكِيلِ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَالشَّافِعِيُّ يُحِبُّ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يَرْفُقَ الْحَاكِمُ بِالْآمِرِ لِلْمَأْمُورِ فَيَقُولُ إنْ كُنْت أَمَرْته أَنْ يَشْتَرِيَهَا بِعِشْرِينَ فَقُلْ بِعْته إيَّاهَا بِعِشْرِينَ، وَيَقُولُ الْآخَرُ قَدْ قَبِلْتُ لِيَحِلَّ لَهُ الْفَرْجُ وَلِمَنْ يَبْتَاعُهُ مِنْهُ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ جَارِيَةً فَاشْتَرَى غَيْرَهَا أَوْ أَمَرَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ جَارِيَةً فَزَوَّجَهُ غَيْرَهَا بَطَلَ النِّكَاحُ وَكَانَ الشِّرَاءُ لِلْمُشْتَرِي لَا لِلْآمِرِ وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَكَّلَنِي فُلَانٌ بِقَبْضِهِ مِنْك فَصَدَّقَهُ وَدَفَعَهُ وَتَلِفَ وَأَنْكَرَ رَبُّ الْحَقِّ أَنْ يَكُونَ وَكَّلَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ فَإِذَا أَغْرَمَ الدَّافِعَ لَمْ يَرْجِعْ الدَّافِعُ عَلَى الْقَابِضِ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ وَكِيلٌ بَرِئَ، وَإِنْ أَغْرَمَ الْقَابِضَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الدَّافِعِ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ مَظْلُومٌ بَرِئَ. وَإِنْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ سِلْعَةٍ فَبَاعَهَا نَسِيئَةً كَانَ لَهُ نَقْضُ الْبَيْعِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ مَا وَكَّلَهُ إلَّا بِالنَّقْدِ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ سِلْعَةٍ فَأَصَابَ بِهَا عَيْبًا كَانَ لَهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ مَا رَضِيَ بِهِ الْآمِرُ وَكَذَلِكَ الْمُقَارِضُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَمَعْنَاهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
(قَالَ) : الْمُزَنِيّ: وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَيْنٌ، وَقَدْ وَكَّلَ هَذَا بِقَبْضِهِ لَمْ يَقْضِ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ بِدَفْعِهِ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِتَوْكِيلِ غَيْرِهِ فِي مَالٍ لَا يَمْلِكُهُ، وَيَقُولُ لَهُ إنْ شِئْتَ فَادْفَعْ أَوْ دَعْ، وَلَا أُجْبِرُك عَلَى أَنْ تَدْفَعَ.
(قَالَ) : وَلِلْوَكِيلِ وَلِلْمُقَارِضِ أَنْ يَرُدَّا مَا اشْتَرَيَا بِالْعَيْبِ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُحَلِّفَهُمَا مَا رَضِيَ رَبُّ الْمَالِ، وَقَالَ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ تَعَدَّيَا لَمْ يُنْتَقَضْ الْبَيْعُ وَلَزِمَهُمَا الثَّمَنُ وَكَانَتْ التِّبَاعَةُ عَلَيْهِمَا لِرَبِّ الْمَالِ.

(8/210)


[كِتَابُ الْإِقْرَارِ] [بَابُ الْإِقْرَارِ بِالْحُقُوقِ وَالْمَوَاهِبِ وَالْعَارِيَّةِ]
ِ بَابُ الْإِقْرَارِ بِالْحُقُوقِ وَالْمَوَاهِبِ وَالْعَارِيَّةِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يَجُوزُ إلَّا إقْرَارُ بَالِغٍ حُرٍّ رَشِيدٍ، وَمَنْ لَمْ يَجُزْ بَيْعَهُ لَمْ يَجُزْ إقْرَارَهُ فَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِفُلَانٍ عَلَيَّ شَيْءٌ ثُمَّ جَحَدَ قِيلَ لَهُ أَقْرِرْ بِمَا شِئْت مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ شَيْءٍ مِنْ مَالٍ أَوْ تَمْرَةٍ أَوْ فَلْسٍ وَاحْلِفْ مَا لَهُ قِبَلَك غَيْرَهُ فَإِنْ أَبِي حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَى مَا ادَّعَى وَاسْتَحَقَّهُ مَعَ نُكُولِ صَاحِبِهِ، وَسَوَاءٌ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مَالٌ أَوْ مَالٌ كَثِيرٌ أَوْ عَظِيمٌ فَإِنَّمَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَالٍ فَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ إلَى مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَا أَعْلَمُهُ خَبَرًا، وَلَا قِيَاسًا أَرَأَيْت إذَا أَغْرَمْت مِسْكِينًا يَرَى الدِّرْهَمَ عَظِيمًا أَوْ خَلِيفَةً يَرَى أَلْفَ أَلْفٍ قَلِيلًا إذَا أَقَرَّ بِمَالٍ عَظِيمٍ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَالْعَامَّةُ تَعْلَمُ أَنَّ مَا يَقَعُ فِي الْقَلْبِ مِنْ مَخْرَجِ قَوْلَيْهِمَا مُخْتَلِفٌ فَظَلَمْتُ الْمُقَرَّ لَهُ إذْ لَمْ تُعْطِهِ مِنْ خَلِيفَةٍ إلَّا التَّافِهَ وَظَلَمْتُ الْمِسْكِينَ إذْ أَغْرَمْتَهُ أَضْعَافَ الْعَظِيمِ إذْ لَيْسَ عِنْدَك فِي ذَلِكَ إلَّا مَحْمَلُ كَلَامِ النَّاسِ، وَسَوَاءٌ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ أَوْ عَظِيمَةٌ أَوْ لَمْ يَقُلْهَا فَهِيَ ثَلَاثَةٌ. وَإِذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَدِرْهَمٌ، وَلَمْ يُسَمِّ الْأَلْفَ قِيلَ لَهُ أَعْطِهِ أَيَّ أَلْفٍ شِئْتَ فُلُوسًا أَوْ غَيْرَهَا وَاحْلِفْ أَنَّ الْأَلْفَ الَّتِي أَقْرَرْت بِهَا هِيَ هَذِهِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ وَعَبْدٍ أَوْ أَلْفٍ وَدَارٍ لَمْ يَجْعَلْ الْأَلْفَ الْأَوَّلَ عَبِيدًا أَوْ دُورًا، وَإِذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا دِرْهَمًا قِيلَ لَهُ أَقِرَّ لَهُ بِأَيِّ أَلْفٍ شِئْت إذَا كَانَ الدِّرْهَمُ مُسْتَثْنًى مِنْهَا، وَيَبْقَى بَعْدَهُ شَيْءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا كُرَّ حِنْطَةٍ أَوْ إلَّا عَبْدًا أَجْبَرْتُهُ عَلَى أَنْ يُبْقِيَ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ شَيْئًا قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَإِنْ أَقَرَّ بِثَوْبٍ فِي مِنْدِيلٍ أَوْ تَمْرٍ فِي جِرَابٍ فَالْوِعَاءُ لِلْمُقِرِّ، وَإِنْ قَالَ لَهُ قِبَلِي كَذَا أَقَرَّ بِمَا شَاءَ وَاحِدًا، وَلَوْ قَالَ كَذَا وَكَذَا أَقَرَّ بِمَا شَاءَ اثْنَيْنِ، وَإِنْ قَالَ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا قِيلَ لَهُ أَعْطِهِ دِرْهَمَيْنِ؛ لِأَنَّ كَذَا يَقَعُ عَلَى دِرْهَمٍ. ثُمَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إنْ قَالَ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا قِيلَ لَهُ أَعْطِهِ دِرْهَمًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ قِبَلِ أَنَّ كَذَا يَقَعُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَهَذَا خِلَافُ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ كَذَا يَقَعُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ، وَلَا يُعْطَى إلَّا الْيَقِينُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْإِقْرَارُ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ سَوَاءٌ يَتَحَاصُّونَ مَعًا، وَلَوْ أَقَرَّ لِوَارِثٍ فَلَمْ يَمُتْ حَتَّى حَدَثَ لَهُ وَارِثٌ يَحْجُبُهُ فَالْإِقْرَارُ لَازِمٌ، وَإِنْ لَمْ يَحْدُثْ وَارِثٌ فَمَنْ أَجَازَ الْإِقْرَارَ لِوَارِثٍ أَجَازَهُ، وَمَنْ أَبَاهُ رَدَّهُ، وَلَوْ أَقَرَّ لِغَيْرِ وَارِثٍ فَصَارَ وَارِثًا بَطَلَ إقْرَارُهُ وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ ابْنَ هَذِهِ الْأَمَةِ وَلَدُهُ مِنْهَا، وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا ثُمَّ مَاتَ فَهُوَ ابْنُهُ، وَهُمَا حُرَّانِ بِمَوْتِهِ، وَلَا يَبْطُلُ ذَلِكَ بِحَقِّ الْغُرَمَاءِ الَّذِي قَدْ يَكُونُ مُؤَجَّلًا، وَيَجُوزُ إبْطَالُهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، وَلَا يَجُوزُ إبْطَالُ حُرِّيَّةٍ بَعْدَ ثُبُوتِهَا، وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ لِحَمْلٍ بِدَيْنٍ كَانَ الْإِقْرَارُ بَاطِلًا حَتَّى يَقُولَ كَانَ لِأَبِي هَذَا الْحَمْلُ أَوْ لِجَدِّهِ عَلَيَّ مَالٌ وَهُوَ وَارِثُهُ فَيَكُونُ إقْرَارًا لَهُ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا عِنْدِي خِلَافُ قَوْلِهِ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ فِي الرَّجُلِ يُقِرُّ أَنَّ فُلَانًا وَكِيلٌ لِفُلَانٍ فِي قَبْضِ مَا عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِدَفْعِهِ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِالتَّوْكِيلِ فِي مَالٍ لَا يَمْلِكُهُ، وَيَقُولُ لَهُ إنْ شِئْتَ فَادْفَعْ أَوْ دَعْ وَكَذَلِكَ هَذَا إذَا أَقَرَّ بِمَالٍ لِرَجُلٍ وَأَقَرَّ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَاتَ وَوَرِثَهُ غَيْرُهُ وَهَذَا عِنْدِي بِالْحَقِّ أَوْلَى وَهَذَا وَذَاكَ عِنْدِي سَوَاءٌ فَيَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ فِيهِمَا عَلَى نَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ الَّذِي ذَكَرَ أَنَّهُ مَاتَ حَيًّا وَأَنْكَرَ الَّذِي لَهُ الْمَالُ الْوَكَالَةَ رَجَعَا عَلَيْهِ بِمَا أَتْلَفَ عَلَيْهِمَا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ قَالَ هَذَا الرَّقِيقُ لَهُ إلَّا وَاحِدًا كَانَ لِلْمُقِرِّ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ وَلَوْ قَالَ

(8/211)


غَصَبْت هَذِهِ الدَّارَ مِنْ فُلَانٍ، وَمِلْكُهَا لِفُلَانٍ فَهِيَ لِفُلَانٍ الَّذِي أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهَا مِنْهُ، وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِلثَّانِي؛ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ، وَلَوْ قَالَ: غَصَبْتهَا مِنْ فُلَانٍ لَا بَلْ مِنْ فُلَانٍ كَانَتْ لِلْأَوَّلِ، وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ لِلثَّانِي وَكَانَ الثَّانِي خَصْمًا لِلْأَوَّلِ، وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُ الْعَبْدِ فِي الْمَالِ إلَّا بِأَنْ يَأْذَنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي التِّجَارَةِ فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ فَمَتَى عَتَقَ، وَمَلَكَ غَرِمَ، وَيَجُوزُ إقْرَارُهُ فِي الْقَتْلِ وَالْقَطْعِ وَالْحَدِّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ.

وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ فَأَتَاهُ بِأَلْفٍ فَقَالَ هِيَ هَذِهِ الَّتِي أَقْرَرْت لَك بِهَا كَانَتْ لَك عِنْدِي وَدِيعَةٌ فَقَالَ بَلْ هَذِهِ وَدِيعَةٌ وَتِلْكَ أُخْرَى فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَوْدَعَ شَيْئًا فَجَائِزٌ أَنْ يَقُولَ لِفُلَانٍ عِنْدِي وَلِفُلَانٍ عَلَيَّ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُهْلِكْ، وَقَدْ يُودَعُ فَيَتَعَدَّى فَيَكُونُ عَلَيْهِ دَيْنًا فَلَا أُلْزِمُهُ إلَّا بِالْيَقِينِ. وَلَوْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي أَلْفُ دِرْهَمٍ وَدِيعَةٌ أَوْ مُضَارَبَةٌ دَيْنًا كَانَتْ دَيْنًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَدَّى فِيهَا فَتَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ. وَلَوْ قَالَ دَفَعَهَا إلَيَّ أَمَانَةً عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَهَا لَمْ يَكُنْ ضَامِنًا بِشَرْطِ ضَمَانِ مَا أَصْلُهُ أَمَانَةٌ، وَلَوْ قَالَ لَهُ فِي هَذَا الْعَبْدِ أَلْفُ دِرْهَمٍ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ فَإِنْ قَالَ: نَفِدَ فِيهِ أَلْفًا قِيلَ كَمْ لَك مِنْهُ؟ فَمَا قَالَ إنَّهُ لَهُ مِنْهُ اشْتَرَاهُ بِهِ فَهُوَ كَمَا قَالَ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَا أَنْظُرُ إلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ يُغْبَنَانِ، وَيَغْبِنَانِ، وَلَوْ قَالَ لَهُ فِي مِيرَاثِ أَبِي أَلْفُ دِرْهَمٍ كَانَ إقْرَارًا عَلَى أَبِيهِ بِدَيْنٍ وَلَوْ قَالَ فِي مِيرَاثِي مِنْ أَبَى كَانَتْ هِبَةً إلَّا أَنْ يُرِيدَ إقْرَارًا.

وَلَوْ قَالَ لَهُ عِنْدِي أَلْفُ دِرْهَمٍ عَارِيَّةٌ كَانَتْ مَضْمُونَةً، وَلَوْ أَقَرَّ فِي عَبْدٍ فِي يَدِهِ لِفُلَانٍ وَأَقَرَّ الْعَبْدُ لِغَيْرِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ، وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ الْعَبْدَ الَّذِي تَرَكَهُ أَبُوهُ لِفُلَانٍ ثُمَّ وَصَلَ أَوْ لَمْ يَصِلْ دَفَعَهُ أَوْ لَمْ يَدْفَعْهُ فَقَالَ بَلْ لِفُلَانٍ آخَرَ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ، وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ لِلْآخَرِ، وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى إبْطَالِ إقْرَارِهِ فِي مَالٍ قَدْ قَطَعَهُ لِلْأَوَّلِ، وَإِذَا شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ فَرَدَّا ثُمَّ اشْتَرَيَاهُ فَإِنْ صَدَّقَهُمَا الْبَائِعُ رَدَّ الثَّمَنَ، وَكَانَ لَهُ الْوَلَاءُ، وَإِنْ كَذَّبَهُمَا عَتَقَ بِإِقْرَارِهِمَا، وَالْوَلَاءُ مَوْقُوفٌ فَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ وَتَرَكَ مَالًا كَانَ مَوْقُوفًا حَتَّى يُصَدِّقَهُمَا فَيَرُدَّ الثَّمَنَ إلَيْهِمَا وَالْوَلَاءُ لَهُ دُونَهُمَا.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَصْلُ قَوْلِهِ أَنَّ مَنْ لَهُ حَقٌّ مُنِعَهُ ثُمَّ قَدَرَ عَلَيْهِ أَخَذَهُ، وَلَا يَخْلُو الْمُشْتَرِيَانِ فِي قَوْلِهِمَا فِي الْعِتْقِ مِنْ صِدْقٍ أَوْ كَذِبٍ فَإِنْ كَانَ قَوْلُهُمَا صِدْقًا فَالثَّمَنُ دَيْنٌ لَهُمَا عَلَى الْجَاحِدِ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مَوْلًى لَهُ، وَمَا تَرَكَ فَهُوَ لِمَوْلَاهُ، وَلَهُمَا أَخْذُ الثَّمَنِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُمَا كَذِبًا فَهُوَ عَبْدُهُمَا، وَمَا تَرَكَ فَهُوَ لَهُمَا، وَالْيَقِينُ أَنَّ لَهُمَا قَدْرَ الثَّمَنِ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرَ بَائِعِهِ وَتَرَكَ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ مَا تَرَكَ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا غَيْرُهُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ ثُمَّ قَالَ هِيَ نَقْصٌ أَوْ زَيْفٌ لَمْ يُصَدَّقْ، وَإِنْ قَالَ هِيَ مِنْ سِكَّةِ كَذَا وَكَذَا صُدِّقَ مَعَ يَمِينِهِ كَانَ أَدْنَى الدَّرَاهِمِ أَوْ أَوْسَطُهَا أَوْ جَائِزَةٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ أَوْ غَيْرِ جَائِزَةٍ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ ثَوْبٌ أَعْطَاهُ أَيَّ ثَوْبٍ أَقَرَّ بِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَلْبَسُهُ أَهْلُ بَلَدِهِ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ دُرَيْهِمٌ أَوْ دُرَيْهِمَاتٌ فَهِيَ وَازِنَةٌ قَضَاءً عَلَى قَوْلِهِ إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ فَهِيَ وَازِنَةٌ، وَلَا يُشْبِهُ الثَّوْبُ نَقْدَ الْبَلَدِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِدِرْهَمٍ سِلْعَةً جَازَ لِمَعْرِفَتِهِمَا بِنَقْدِ الْبَلَدِ، وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِثَوْبٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِجَهْلِهِمَا بِالثَّوْبِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فِي دِينَارٍ فَإِنْ أَرَادَ دِرْهَمًا وَدِينَارًا، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ دِرْهَمٌ، وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ فَهُمَا دِرْهَمَانِ، وَإِنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فَدِرْهَمٌ قِيلَ إنْ أَرَدْت فَدِرْهَمٌ لَازِمٌ فَهُوَ دِرْهَمٌ، وَلَوْ قَالَ دِرْهَمٌ تَحْتَ دِرْهَمٍ أَوْ دِرْهَمٌ أَوْ فَوْقَ دِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ دِرْهَمٌ لِجَوَازِ أَنْ يَقُولَ فَوْقَ دِرْهَمٍ فِي الْجَوْدَةِ أَوْ تَحْتَهُ فِي الرَّدَاءَةِ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ دِرْهَمٌ مَعَ دِرْهَمٍ أَوْ دِرْهَمٌ مَعَهُ دِينَارٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقُولُ مَعَ دِينَارٍ لِي وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ قَبْلَهُ دِرْهَمٌ أَوْ بَعْدَهُ فَعَلَيْهِ دِرْهَمَانِ.

وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ قَفِيزُ حِنْطَةٍ مَعَهُ دِينَارٌ كَانَ عَلَيْهِ قَفِيزٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقُولُ مَعَ دِينَارٍ لِي، وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ قَفِيرٌ لَا بَلْ قَفِيزَانِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا قَفِيزَانِ وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِينَارٌ لَا بَلْ قَفِيزُ حِنْطَةٍ كَانَ مُقِرًّا بِهِمَا ثَابِتًا عَلَى الْقَفِيزِ رَاجِعًا عَنْ الدِّينَارِ فَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ، وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِينَارٌ فَقَفِيزُ حِنْطَةٍ لَزِمَهُ الدِّينَارُ، وَلَمْ تَلْزَمْهُ الْحِنْطَةُ وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ يَوْمَ السَّبْتِ بِدِرْهَمٍ وَأَقَرَّ لَهُ يَوْمَ الْأَحَدِ بِدِرْهَمٍ فَهُوَ دِرْهَمٌ.

وَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً فَكَمَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ فَلَوْ سَكَتَ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ مِنْ بَعْدِهِ هِيَ وَدِيعَةٌ، وَقَدْ هَلَكَتْ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَ أَقَرَّ ضَمِنَ ثُمَّ ادَّعَى الْخُرُوجَ فَلَا يُصَدَّقُ. وَلَوْ قَالَ: لَهُ مِنْ مَالِي أَلْفُ دِرْهَمٍ سُئِلَ فَإِنْ قَالَ هِبَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَهَا

(8/212)


إلَى نَفْسِهِ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يُقِرَّ وَرَثَتُهُ. وَلَوْ قَالَ لَهُ مِنْ دَارِي هَذِهِ نِصْفُهَا فَإِنْ قَالَ هِبَةٌ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَهَا إلَى نَفْسِهِ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا أَنْ يُقِرَّ وَرَثَتُهُ. وَلَوْ قَالَ: لَهُ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ نِصْفُهَا لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ وَلَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لَك هِبَةٌ عَارِيَّةٌ أَوْ هِبَةٌ سُكْنَى كَانَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْهَا مَتَى شَاءَ. وَلَوْ أَقَرَّ لِلْمَيِّتِ بِحَقٍّ وَقَالَ هَذَا ابْنُهُ وَهَذِهِ امْرَأَتُهُ قُبِلَ مِنْهُ.
(قُلْت الْمُزَنِيّ) : هَذَا خِلَافُ قَوْلِهِ فِيمَا مَضَى مِنْ الْإِقْرَارِ بِالْوَكَالَةِ فِي الْمَالِ وَهَذَا عِنْدِي أَصَحُّ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ قَالَ: بِعْتُك جَارِيَتِي هَذِهِ فَأَوْلَدْتهَا. فَقَالَ: بَلْ زَوَّجْتنِيهَا وَهِيَ أَمَتُك فَوَلَدُهَا حُرٌّ وَالْأَمَةُ أُمُّ وَلَدٍ بِإِقْرَارِ السَّيِّدِ، وَإِنَّمَا ظَلَمَهُ بِالثَّمَنِ، وَيَحْلِفُ، وَيَبْرَأُ فَإِنْ مَاتَ فَمِيرَاثُهُ لِوَلَدِهِ مِنْ الْأَمَةِ وَوَلَاؤُهَا مَوْقُوفٌ. وَلَوْ قَالَ لَا أُقِرُّ، وَلَا أُنْكِرُ فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ حَلَفَ صَاحِبَهُ مَعَ نُكُولِهِ وَاسْتَحَقَّ. وَلَوْ قَالَ وَهَبْت لَك هَذِهِ الدَّارَ وَقَبَضْتهَا ثُمَّ قَالَ لَمْ تَكُنْ قَبَضْتهَا فَأَحْلِفُ أَحَلَفْته لَقَدْ قَبَضَهَا فَإِنْ نَكَلَ رَدَدْت الْيَمِينَ عَلَى صَاحِبِهِ وَرَدَدْتهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَتِمُّ الْهِبَةُ إلَّا بِالْقَبْضِ عَنْ رِضَا الْوَاهِبِ. وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَ عَبْدَهُ مِنْ نَفْسِهِ بِأَلْفٍ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْعَبْدُ عَتَقَ وَالْأَلْفُ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَنْكَرَ فَهُوَ حُرٌّ وَالسَّيِّدُ مُدَّعِي الْأَلْفِ وَعَلَى الْمُنْكِرِ الْيَمِينُ. وَلَوْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِذِكْرِ حَقٍّ مِنْ بَيْعٍ ثُمَّ قَالَ: لَمْ أَقْبِضْ الْمَبِيعَ أَحَلَفْته مَا قَبَضَ، وَلَا يَلْزَمُهُ الثَّمَنُ إلَّا بِالْقَبْضِ، وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ عَلَى إقْرَارِهِ بِأَلْفٍ وَآخَرُ بِأَلْفَيْنِ فَإِنْ زَعَمَ الَّذِي شَهِدَ بِالْأَلْفِ أَنَّهُ شَكَّ فِي الْأَلْفَيْنِ وَأَثْبَتَ أَلْفًا فَقَدْ ثَبَتَ لَهُ أَلْفٌ بِشَاهِدَيْنِ فَإِنْ أَرَادَ الْأَلْفَ الْأُخْرَى حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَكَانَتْ لَهُ. وَلَوْ قَالَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ وَقَالَ الْآخَرُ مِنْ ثَمَنِ ثِيَابٍ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْأَلْفَيْنِ غَيْرُ الْأَلْفِ فَلَا يَأْخُذُ إلَّا بِيَمِينٍ مَعَ كُلِّ شَاهِدٍ مِنْهُمَا.

وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ تَكَفَّلَ لَهُ بِمَالٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ وَأَنْكَرَ الْكُفُولُ لَهُ الْخِيَارَ فَمَنْ جَعَلَ الْإِقْرَارَ وَاحِدًا أَحْلَفَهُ عَلَى الْخِيَارِ وَأَبْرَأَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِخِيَارٍ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُبَعِّضُ إقْرَارَهُ أَلْزَمَهُ مَا يَضُرُّهُ وَأَسْقَطَ مَا ادَّعَى الْمُخْرِجَ بِهِ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ الَّذِي لَمْ يَخْتَلِفْ أَنَّ الْإِقْرَارَ وَاحِدٌ وَكَذَا قَالَ فِي الْمُتَبَايِعَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْخِيَارِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ، وَقَدْ قَالَ إذَا أَقَرَّ بِشَيْءٍ فَوَصَفَهُ وَوَصَلَهُ قُبِلَ قَوْلُهُ، وَلَمْ أَجْعَلْ قَوْلًا وَاحِدًا إلَّا حُكْمًا وَاحِدًا، وَمَنْ قَالَ أَجْعَلُهُ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ مُقِرًّا وَفِي الْأَجَلِ مُدَّعِيًا لَزِمَهُ إذَا أَقَرَّ بِدِرْهَمٍ نَقْدُ الْبَلَدِ فَإِنْ وَصَلَ إقْرَارُهُ بِأَنْ يَقُولَ طَبَرِيٌّ جَعَلَهُ مُدَّعِيًا؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى نَقْصًا مِنْ وَزْنِ الدِّرْهَمِ، وَمِنْ عَيْنِهِ وَلَزِمَهُ لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا عَشَرَةً أَنْ يَلْزَمَهُ أَلْفًا وَلَهُ أَقَاوِيلُ كَذَا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ ضَمِنَ لَهُ عُهْدَةَ دَارٍ اشْتَرَاهَا وَخَلَاصَهَا وَاسْتُحِقَّتْ رَجَعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الضَّامِنِ إنْ شَاءَ وَلَوْ أَقَرَّ أَعْجَمِيٌّ بِأَعْجَمِيَّةٍ كَانَ كَالْإِقْرَارِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَوْ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِهِ، وَلَمْ يَقُولُوا بِأَنَّهُ صَحِيحُ الْعَقْلِ فَهُوَ عَلَى الصِّحَّةِ حَتَّى يَعْلَمَ غَيْرَهَا.

[بَابُ إقْرَارِ الْوَارِثِ بِوَارِثٍ]
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - الَّذِي أَحْفَظُ مِنْ قَوْلِ الْمَدَنِيِّينَ فِيمَنْ تَرَكَ ابْنَيْنِ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِأَخٍ أَنَّ نَسَبَهُ لَا يُلْحَقُ، وَلَا يَأْخُذُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِمَعْنًى إذَا ثَبَتَ وَرِثَ وَوَرَّثَ فَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ بِذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى لَمْ يَثْبُتْ لَهُ وَهَذَا أَصَحُّ مَا قِيلَ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يُقِرَّ أَنَّهُ بَاعَ دَارًا مِنْ رَجُلٍ بِأَلْفٍ فَجَحَدَ الْمُقَرُّ لَهُ الْبَيْعَ فَلَمْ نُعْطِهِ الدَّارَ، وَإِنْ أَقَرَّ صَاحِبُهَا لَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ إنَّهَا مِلْكٌ لَهُ إلَّا، وَمَمْلُوكٌ عَلَيْهِ بِهَا شَيْءٌ فَلَمَّا سَقَطَ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا عَلَيْهِ سَقَطَ الْإِقْرَارُ لَهُ فَإِنْ أَقَرَّ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَوَرِثَ وَوَرَّثَ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ابْنِ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ وَقَوْلُهُ «هُوَ لَك يَا عَبْدَ بْنَ زَمْعَةَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» وَقَالَ فِي الْمَرْأَةِ تَقْدُمُ مِنْ أَرْضِ الرُّومِ، وَمَعَهَا وَلَدٌ فَيَدَّعِيهِ رَجُلٌ بِأَرْضِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ ابْنُهُ، وَلَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ أَنَّهُ خَرَجَ إلَى أَرْضِ الرُّومِ فَإِنَّهُ يُلْحَقُ بِهِ، وَإِذَا كَانَتْ لَهُ أَمَتَانِ لَا زَوْجَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَوَلَدَتَا وَلَدَيْنِ فَأَقَرَّ السَّيِّدُ أَنَّ أَحَدَهُمَا ابْنُهُ، وَلَمْ يُبَيِّنْ فَمَاتَ أَرَيْتُهُمَا الْقَافَةَ فَأَيَّهُمَا أَلْحَقُوهُ بِهِ جَعَلْنَاهُ ابْنَهُ وَوَرَّثْنَاهُ مِنْهُ وَجَعَلْنَا أُمَّهُ أُمَّ وَلَدٍ وَأَوْقَفْنَا ابْنَهُ الْآخَرَ وَأُمَّهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَافَةٌ لَمْ نَجْعَلْ وَاحِدًا مِنْهُمَا ابْنَهُ

(8/213)


وَأَقْرَعْنَا بَيْنَهُمَا فَأَيُّهُمَا خَرَجَ سَهْمُهُ أَعْتَقْنَاهُ وَأُمَّهُ وَأَوْقَفْنَا الْآخَرَ وَأُمَّهُ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) : وَسَمِعْت الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: لَوْ قَالَ عِنْدَ وَفَاتِهِ لِثَلَاثَةِ أَوْلَادٍ لِأَمَتِهِ أَحَدُ هَؤُلَاءِ وَلَدِي، وَلَمْ يُبَيِّنْ وَلَهُ ابْنٌ مَعْرُوفٌ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ فَمَنْ خَرَجَ سَهْمُهُ عَتَقَ، وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ نَسَبٌ، وَلَا مِيرَاثٌ وَأُمُّ الْوَلَدِ تُعْتَقُ بِأَحَدِ الثَّلَاثَةِ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَلْزَمُهُ عَلَى أَصْلِهِ الْمَعْرُوفِ أَنْ يَجْعَلَ لِلِابْنِ الْمَجْهُولِ مُورِثًا مَوْقُوفًا يُمْنَعُ مِنْهُ الِابْنُ الْمَعْرُوفُ وَلَيْسَ جَهْلُنَا بِأَيُّهَا الِابْنُ جَهْلًا بِأَنَّ فِيهِمْ ابْنًا، وَإِذَا عَقَلْنَا أَنَّ فِيهِمْ ابْنًا فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ لَهُ مَوْرِثَ ابْنٍ، وَلَوْ كَانَ جَهْلُنَا بِأَيِّهِمْ الِابْنِ جَهْلًا بِأَنَّ فِيهِمْ ابْنًا لَجَهِلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ فِيهِمْ حُرًّا وَبِيعُوا جَمِيعًا وَأَصْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَوْ طَلَّقَ نِسَاءَهُ إلَّا وَاحِدَةً ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ يُوقَفُ مُورِث وَاحِدَةٍ حَتَّى يَصْطَلِحْنَ، وَلَمْ يُجْعَلْ جَهْلُهُ بِهَا جَهْلًا بِمُورِثِهَا وَهَذَا وَذَاكَ عِنْدِي فِي الْقِيَاسِ سَوَاءٌ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَقُولُ أَنَا فِي الثَّلَاثَةِ الْأَوْلَادِ: إنْ كَانَ الْأَكْبَرُ هُوَ الِابْنَ؛ فَهُوَ حُرٌّ وَالْأَصْغَرُ وَالْأَوْسَطُ حُرَّانِ بِأَنَّهُمَا ابْنَا أُمِّ وَلَدٍ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْسَطُ هُوَ الِابْنَ فَهُوَ حُرٌّ، وَالْأَصْغَرُ حُرٌّ بِأَنَّهُ ابْنُ أُمِّ وَلَدٍ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْغَرُ هُوَ الِابْنُ فَهُوَ حُرٌّ بِالْبُنُوَّةِ فَالْأَصْغَرُ عَلَى كُلِّ حَالٍ حُرٌّ لَا شَكَّ فِيهِ فَكَيْفَ يَرِقُّ إذَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ بِالرِّقِّ وَتُمْكِنُ حُرِّيَّةُ الْأَوْسَطِ فِي حَالَيْنِ، وَيَرِقُّ فِي حَالٍ وَتُمْكِنُ حُرِّيَّةُ الْأَكْبَرِ فِي حَالٍ، وَيَرِقُّ فِي حَالَيْنِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَا رَقِيقَيْنِ لِلِابْنِ الْمَعْرُوفِ وَالِابْنِ الْمَجْهُولِ نِصْفَيْنِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الِابْنُ هُوَ الْأَكْبَرُ فَيَكُونَ الثَّلَاثَةُ أَحْرَارًا فَالْقِيَاسُ عِنْدِي عَلَى مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنْ أُعْطِيَ الْيَقِينَ وَأَقِفَ الشَّكَّ فَلِلِابْنِ الْمَعْرُوفِ نِصْفُ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهُ وَاَلَّذِي أَقَرَّ بِهِ ابْنَانِ فَلَهُ النِّصْفُ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ مَوْقُوفٌ حَتَّى يَعْرِفَ أَوْ يَصْطَلِحُوا وَالْقِيَاسُ عَلَى مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيُّ الْوَقْفُ إذَا لَمْ أَدْرِ أَهُمَا عَبْدَانِ أَوْ حُرَّانِ أَمْ عَبْدٌ وَحُرٌّ أَنْ يُوقَفَا، وَمُورِث ابْنٍ حَتَّى يَصْطَلِحُوا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ أَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ لَهُ وَارِثًا غَيْرَ فُلَانٍ إذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ الْبَاطِنَةِ، وَإِنْ قَالُوا بَلَغْنَا أَنَّ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ لَمْ يُقْسَمْ الْمِيرَاثُ حَتَّى يُعْلَمَ كَمْ هُوَ فَإِنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ دُعِيَ الْوَارِثُ بِكَفِيلٍ لِلْمِيرَاثِ، وَلَا تَجْبُرُهُ، وَإِنْ قَالُوا: لَا وَارِثَ غَيْرَهُ قُبِلَتْ عَلَى مَعْنًى لَا نَعْلَمُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ عَلَى الْإِحَاطَةِ كَانَ خَطَأً، وَلَمْ أُرِدْهُمْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَؤُولُ بِهِمْ إلَى الْعِلْمِ.

(8/214)


[كِتَابُ الْعَارِيَّةِ]
ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَكُلُّ عَارِيَّةٍ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، وَإِنْ تَلِفَتْ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ «اسْتَعَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ صَفْوَانَ سِلَاحَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ مُؤَدَّاةٌ» وَقَالَ مَنْ لَا يَضْمَنُ الْعَارِيَّةَ فَإِنْ قُلْنَا إذَا اشْتَرَطَ الْمُسْتَعِيرُ الضَّمَانَ ضَمِنَ قُلْت إذًا تَتْرُكُ قَوْلَك قَالَ وَأَيْنَ؟ قُلْت مَا تَقُولُ فِي الْوَدِيعَةِ إذَا اشْتَرَطَ الْمُسْتَوْدِعُ أَوْ الْمُضَارِبُ الضَّمَانَ أَهُوَ ضَامِنٌ؟ قَالَ لَا يَكُونُ ضَامِنًا قُلْت فَإِنْ اشْتَرَطَ عَلَى الْمُسْتَسْلِفِ أَنَّهُ غَيْرُ ضَامِنٍ أَيَبْرَأُ؟ قَالَ لَا قُلْت، وَيَرُدُّ مَا لَيْسَ بِمَضْمُونٍ إلَى أَصْلِهِ، وَمَا كَانَ مَضْمُونًا إلَى أَصْلِهِ، وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ فِيهِمَا؟ قَالَ نَعَمْ. قُلْت: وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ تَقُولَ فِي الْعَارِيَّةِ وَكَذَلِكَ شَرَطَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يُشْتَرَطُ أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ لِمَا لَا يُضْمَنُ قَالَ فَلِمَ شَرَطَ؟ قُلْت لِجَهَالَةِ صَفْوَانَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُشْرِكًا لَا يَعْرِفُ الْحُكْمَ وَلَوْ عَرَفَهُ مَا ضَرَّهُ شَرْطُهُ لَهُ قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا أَحَدٌ؟ قُلْت: فِي هَذَا كِفَايَةٌ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ إنَّ الْعَارِيَّةَ مَضْمُونَةٌ.
(قَالَ) : وَلَوْ قَالَ رَبُّ الدَّابَّةِ أَكْرَيْتُكَهَا إلَى مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا وَقَالَ الرَّاكِبُ بَلْ عَارِيَّةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاكِبِ مَعَ يَمِينِهِ وَلَوْ قَالَ أَعَرْتنِيهَا وَقَالَ رَبُّهَا غَصَبْتنِيهَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْتَعِيرِ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا عِنْدِي خِلَافُ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ مَنْ سَكَنَ دَارَ رَجُلٍ كَمَنْ تَعَدَّى عَلَى سِلْعَتِهِ فَأَتْلَفَهَا فَلَهُ قِيمَةُ السُّكْنَى، وَقَوْلُهُ مَنْ أَتْلَفَ شَيْئًا ضَمِنَ، وَمَنْ ادَّعَى الْبَرَاءَةَ لَمْ يَبْرَأْ فَهَذَا مُقِرٌّ بِأَخْذِ سُكْنَى وَرُكُوبِ دَابَّةٍ، وَمُدَّعٍ الْبَرَاءَةَ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَعَلَى الْمُنْكِرِ رَبِّ الدَّابَّةِ وَالدَّارِ الْيَمِينُ، وَيَأْخُذُ الْقِيمَةَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَنْ تَعَدَّى فِي وَدِيعَةٍ ثُمَّ رَدَّهَا إلَى مَوْضِعِهَا الَّذِي كَانَتْ فِيهِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْأَمَانَةِ، وَلَمْ يُحْدِثْ لَهُ رَبُّ الْمَالِ اسْتِئْمَانًا فَلَا يَبْرَأُ حَتَّى يَدْفَعَهَا إلَيْهِ، وَإِذَا أَعَارَهُ بُقْعَةً يَبْنِي فِيهَا بِنَاءً لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الْبُقْعَةِ أَنْ يُخْرِجَهُ حَتَّى يُعْطِيَهُ قِيمَةَ بِنَائِهِ قَائِمًا يَوْمَ يُخْرِجُهُ، وَلَوْ وَقَّتَ لَهُ وَقْتًا وَكَذَلِكَ لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الْبِنَاءِ مُطْلَقًا وَلَكِنْ لَوْ قَالَ فَإِنْ انْقَضَى الْوَقْتُ كَانَ عَلَيْك أَنْ تَنْقُضَ بِنَاءَك كَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَغُرَّهُ إنَّمَا غَرَّ نَفْسَهُ.

(8/215)


[كِتَابُ الْغَصْبِ]
ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِذَا شَقَّ رَجُلٌ لِرَجُلٍ ثَوْبًا شَقًّا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا يَأْخُذُ مَا بَيْنَ طَرَفَيْهِ طُولًا وَعَرْضًا أَوْ كَسَرَ لَهُ شَيْئًا كَسْرًا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا أَوْ رَضَّضَهُ أَوْ جَنَى لَهُ عَلَى مَمْلُوكٍ فَأَعْمَاهُ أَوْ شَجَّهُ مُوضِحَةً فَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ، وَيُقَوَّمُ الْمَتَاعُ كُلُّهُ، وَالْحَيَوَانُ غَيْرُ الرَّقِيقِ صَحِيحًا، وَمَكْسُورًا أَوْ صَحِيحًا، وَمَجْرُوحًا قَدْ بَرِئَ مِنْ جُرْحِهِ ثُمَّ يُعْطِي مَالِكَ ذَلِكَ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ، وَيَكُونُ مَا بَقِيَ بَعْدَ الْجِنَايَةِ لِصَاحِبِهِ نَفَعَهُ أَوْ لَمْ يَنْفَعْهُ فَأَمَّا مَا جَنَى عَلَيْهِ مِنْ الْعَبْدِ فَيُقَوَّمُ صَحِيحًا قَبْلَ الْجِنَايَةِ ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى الْجِنَايَةِ فَيُعْطَى أَرْشُهَا مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ صَحِيحًا كَمَا يُعْطَى الْحُرُّ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ مِنْ دِيَتِهِ بَالِغًا ذَلِكَ مَا بَلَغَ، وَلَوْ كَانَتْ قِيَمًا كَمَا يَأْخُذُ الْحُرُّ دِيَاتٍ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَكَيْفَ غَلِطَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ إنْ جَنَى عَلَى عَبْدِي فَلَمْ يُفْسِدْهُ أَخَذْته وَقِيمَةَ مَا نَقَصَهُ، وَإِنْ زَادَ الْجَانِي مَعْصِيَةَ اللَّهِ - تَعَالَى - فَأَفْسَدَهُ سَقَطَ حَقِّي إلَّا أَنْ أُسْلِمَهُ يَمْلِكُهُ الْجَانِي فَيَسْقُطُ حَقِّي بِالْفَسَادِ حِينَ عَظُمَ، وَيَثْبُتُ حِينَ صَغُرَ، وَيَمْلِكُ عَلَيَّ حِينِ عَصَى فَأَفْسَدَ فَلَمْ يَمْلِكْ بَعْضًا بِبَعْضِ مَا أَفْسَدَ وَهَذَا الْقَوْلُ خِلَافٌ لِأَصْلِ حُكْمِ اللَّهِ - تَعَالَى - بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَنَّ الْمَالِكِينَ عَلَى مِلْكِهِمْ لَا يَمْلِكُ عَلَيْهِمْ إلَّا بِرِضَاهُمْ وَخِلَافُ الْمَعْقُولِ وَالْقِيَاسِ.
(قَالَ) : وَلَوْ غَصَبَ جَارِيَةً تُسَاوِي مِائَةً فَزَادَتْ فِي يَدِهِ بِتَعْلِيمٍ مِنْهُ أَوْ لِسِمَنٍ وَاعْتِنَاءٍ مِنْ مَالِهِ حَتَّى صَارَتْ تُسَاوِي أَلْفًا ثُمَّ نَقَصَتْ حَتَّى صَارَتْ تُسَاوِي مِائَةً فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا وَتِسْعَمِائَةٍ مَعَهَا كَمَا تَكُونُ لَهُ لَوْ غَصَبَهُ إيَّاهَا وَهِيَ تُسَاوِي أَلْفًا فَنَقَصَتْ تِسْعَمِائَةٍ وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالْحُكْمُ فِي وَلَدِهَا الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الْغَصْبِ كَالْحُكْمِ فِي بَدَنِهَا، وَلَوْ بَاعَهَا الْغَاصِبُ فَأَوْلَدَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا الْمَغْصُوبُ أُخِذَ مِنْ الْمُشْتَرِي مَهْرَهَا وَقِيمَتَهَا إنْ كَانَتْ مَيْتَةً وَأَخَذَهَا إنْ كَانَتْ حَيَّةً وَأَخَذَ مِنْهُ قِيمَةَ أَوْلَادِهَا يَوْمَ سَقَطُوا أَحْيَاءَ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ مَنْ سَقَطَ مَيِّتًا، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْغَاصِبِ بِجَمِيعِ مَا ضَمِنَهُ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ، وَلَا أَرُدُّهُ بِالْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ كَالشَّيْءِ يُتْلِفُهُ فَلَا يَرْجِعُ بِغُرْمِهِ عَلَى غَيْرِهِ، وَإِذَا كَانَ الْغَاصِبُ هُوَ الَّذِي أَوْلَدَهَا أَخَذَهَا، وَمَا نَقَصَهَا، وَمَهْرَ مِثْلِهَا وَجَمِيعَ وَلَدِهَا وَقِيمَةَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مَيِّتًا وَعَلَيْهِ الْحَدُّ إنْ لَمْ يَأْتِ بِشُبْهَةٍ فَإِنْ كَانَ ثَوْبًا فَأَبْلَاهُ الْمُشْتَرِي أَخَذَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَمَا بَيْنَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا يَوْمَ غَصْبِهِ وَبَيْنَ قِيمَتِهِ، وَقَدْ أَبْلَاهُ، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْغَاصِبِ بِالثَّمَنِ الَّذِي دَفَعَ وَلَسْت أَنْظُرُ فِي الْقِيمَةِ إلَى تَغَيُّرِ الْأَسْوَاقِ، وَإِنَّمَا أَنْظُرُ إلَى تَغَيُّرِ الْأَبْدَانِ، وَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ دَابَّةً فَشَغَلَهَا الْغَاصِبُ أَوْ لَمْ يَشْغَلْهَا أَوْ دَارًا فَسَكَنَهَا أَوْ أَكْرَاهَا أَوْ لَمْ يَسْكُنْهَا، وَلَمْ يُكْرِهَا فَعَلَيْهِ كِرَاءٌ مِثْلُ كِرَاءِ ذَلِكَ مِنْ حِينِ أَخَذَهُ حَتَّى يَرُدَّهُ وَلَيْسَ الْغَلَّةُ بِالضَّمَانِ إلَّا لِلْمَالِكِ الَّذِي قَضَى لَهُ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَأَدْخَلَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَنْ قَالَ إنَّ الْغَاصِبَ إذَا ضَمِنَ سَقَطَ عَنْهُ الْكِرَاءُ قَوْلُهُ إذَا اكْتَرَى قَمِيصًا فائتزر بِهِ أَوْ بَيْتًا فَنَصَبَ فِيهِ رَحًى أَنَّهُ ضَامِنٌ وَعَلَيْهِ الْكِرَاءُ. قَالَ: وَلَوْ اسْتَكْرَهَ أَمَةً أَوْ حُرَّةً فَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَالْمَهْرُ، وَلَا مَعْنَى لِلْجِمَاعِ إلَّا فِي مَنْزِلَتَيْنِ إحْدَاهُمَا: أَنْ تَكُونَ هِيَ زَانِيَةٌ مَحْدُودَةٌ فَلَا مَهْرَ لَهَا، وَمَنْزِلَةٌ تَكُونُ مُصَابَةً بِنِكَاحٍ فَلَهَا مَهْرُهَا، وَمَنْزِلَةٌ تَكُونُ شُبْهَةً بَيْنَ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَالزِّنَا الصَّرِيحِ فَلَمَّا لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهَا إذَا أُصِيبَتْ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهَا وَلَهَا الْمَهْرُ عِوَضًا مِنْ

(8/216)


الْجِمَاعِ انْبَغَى أَنْ يَحْكُمُوا لَهَا إذَا اُسْتُكْرِهَتْ بِمَهْرٍ عِوَضًا مِنْ الْجِمَاعِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُبِحْ نَفْسَهَا فَإِنَّهَا أَحْسَنُ حَالًا مِنْ الْعَاصِيَةِ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ إذَا كَانَتْ عَالِمَةً.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي السَّرِقَةِ حُكْمَانِ أَحَدُهُمَا لِلَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَالْآخَرُ لِلْآدَمِيِّينَ فَإِذَا قُطِعَ لِلَّهِ - تَعَالَى - أُخِذَ مِنْهُ مَا سَرَقَ لِلْآدَمِيِّينَ فَإِنْ لَمْ يُؤْخَذْ فَقِيمَتُهُ؛ لِأَنِّي لَمْ أَجِدْ أَحَدًا ضَمِنَ مَالًا بِعَيْنِهِ بِغَصْبٍ أَوْ عُدْوَانٍ فَيَفُوتُ إلَّا ضَمِنَ قِيمَتَهُ، وَلَا أَجِدُ فِي ذَلِكَ مُوسِرًا مُخَالِفًا لِمُعْسِرٍ. وَفِي الْمُغْتَصَبَةِ: حُكْمَانِ. أَحَدُهُمَا لِلَّهِ وَالْآخَرُ لِلْمُغْتَصِبَةِ بِالْمَسِيسِ الَّذِي الْعِوَضُ مِنْهُ الْمَهْرُ فَأَثْبَتَ ذَلِكَ وَالْحَدُّ عَلَى الْمُغْتَصِبِ كَمَا أَثْبَتَ الْحَدَّ وَالْغُرْمَ عَلَى السَّارِقِ.

وَلَوْ غَصَبَ أَرْضًا فَغَرَسَهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْلَعَ غَرَسَهُ، وَيَرُدَّ مَا نَقَصَتْ الْأَرْضُ وَلَوْ حَفَرَ فِيهَا بِئْرًا فَأَرَادَ الْغَاصِبُ دَفْنَهَا فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَنْفَعْهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ زَوَّقَ دَارًا كَانَ لَهُ نَزْعُ التَّزْوِيقِ حَتَّى يَرُدَّ ذَلِكَ بِحَالِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ نَقَلَ عَنْهَا تُرَابًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ مَا نَقَلَ عَنْهَا حَتَّى يُوَفِّيَهُ إيَّاهَا بِالْحَالِ الَّتِي أَخَذَهَا.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) : غَيْرَ هَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَوْ غَصَبَ غَزْلًا فَنَسَجَهُ ثَوْبًا أَوْ نُقْرَةً فَطَبَعَهَا دَنَانِيرَ أَوْ طِينًا فَضَرَبَهُ لَبِنًا فَهَذَا أَثَرٌ لَا عَيْنٌ، وَمَنْفَعَةٌ لِلْمَغْصُوبِ، وَلَا حَقَّ فِي ذَلِكَ لِلْغَاصِبِ فَكَذَلِكَ نَقْلُ التُّرَابِ عَنْ الْأَرْضِ. وَالْبِئْرُ إذَا لَمْ تُبْنَ بِطُوبٍ أَثَرٌ لَا عَيْنٌ، وَمَنْفَعَةٌ لِلْمَغْصُوبِ، وَلَا حَقَّ فِي ذَلِكَ لِلْغَاصِبِ مَعَ أَنَّ هَذَا فَسَادٌ لِنَفَقَتِهِ، وَإِتْعَابُ بَدَنِهِ وَأَعْوَانِهِ بِمَا فِيهِ مَضَرَّةٌ عَلَى أَخِيهِ، وَلَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِيهِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ غَصَبَ جَارِيَةً فَهَلَكَتْ فَقَالَ ثَمَنُهَا عَشَرَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَلَوْ كَانَ لَهُ كَيْلٌ أَوْ وَزْنٌ فَعَلَيْهِ مِثْلُ كَيْلِهِ وَوَزْنِهِ وَلَوْ كَانَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ فَزَادَ فِي قِيمَتِهِ قِيلَ لِلْغَاصِبِ: إنْ شِئْت فَاسْتَخْرِجْ الصَّبْغَ عَلَى أَنَّك ضَامِنٌ لِمَا نَقَصَ، وَإِنْ شِئْت فَأَنْتَ شَرِيكٌ بِمَا زَادَ الصَّبْغُ فَإِنْ مَحَقَ الصَّبْغَ فَلَمْ تَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ قِيلَ لَيْسَ لَك هَا هُنَا مَالٌ يَزِيدُ فَإِنْ شِئْت فَاسْتَخْرِجْهُ وَأَنْتَ ضَامِنٌ لِنُقْصَانِ الثَّوْبِ، وَإِنْ شِئْت فَدَعْهُ، وَإِنْ كَانَ يَنْقُصُ الثَّوْبَ ضَمِنَ النُّقْصَانَ، وَلَهُ أَنْ يُخْرِجَ الصَّبْغَ عَلَى أَنْ يَضْمَنَ مَا نَقَصَ الثَّوْبَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) : هَذَا نَظِيرُ مَا مَضَى فِي نَقْلِ التُّرَابِ وَنَحْوِهِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ كَانَ زَيْتًا فَخَلَطَهُ بِمِثْلِهِ أَوْ خَيْرٍ مِنْهُ فَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ مِنْ هَذَا مَكِيلَتَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ مِثْلَ زَيْتِهِ، وَإِنْ خَلَطَهُ بِشَرٍّ مِنْهُ أَوْ صَبَّهُ فِي بَانٍ فَعَلَيْهِ مِثْلُ زَيْتِهِ وَلَوْ أَغْلَاهُ عَلَى النَّارِ أَخَذَهُ، وَمَا نَقَصَتْ مَكِيلَتُهُ أَوْ قِيمَتُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ خَلَطَ دَقِيقًا بِدَقِيقٍ. فَكَالزَّيْتِ، وَإِنْ كَانَ قَمْحًا فَعَفِنَ عِنْدَهُ رَدَّهُ وَقِيمَةَ مَا نَقَصَ، وَإِنْ غَصَبَهُ ثَوْبًا وَزَعْفَرَانًا فَصَبَغَهُ بِهِ فَرَبُّهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ، وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهُ أَبْيَضَ وَزَعْفَرَانُهُ صَحِيحًا وَضَمَّنَهُ قِيمَةَ مَا نَقَصَ.

وَلَوْ كَانَ لَوْحًا فَأَدْخَلَهُ فِي سَفِينَةٍ أَوْ بَنَى عَلَيْهِ جِدَارًا أُخِذَ بِقَلْعِهِ أَوْ خَيْطًا خَاطَ بِهِ ثَوْبَهُ فَإِنْ خَاطَ بِهِ جُرْحَ إنْسَانٍ أَوْ حَيَوَانٍ ضَمِنَ الْخَيْطَ، وَلَمْ يُنْزَعْ.

وَلَوْ غَصَبَ طَعَامًا فَأَطْعَمَهُ مَنْ أَكَلَهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّ كَانَ لِلْمُسْتَحِقِّ أَخْذُ الْغَاصِبِ بِهِ فَإِنْ غَرِمَهُ فَلَا شَيْءَ لِلْوَاهِبِ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْمَوْهُوبَ لَهُ فَإِنْ غَرِمَهُ فَقَدْ قِيلَ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْوَاهِبِ وَقِيلَ لَا يَرْجِعُ بِهِ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ: إنَّ هِبَةَ الْغَاصِبِ لَا مَعْنَى لَهَا، وَقَدْ أَتْلَفَ الْمَوْهُوبُ لَهُ مَا لَيْسَ لَهُ، وَلَا لِلْوَاهِبِ فَعَلَيْهِ غُرْمُهُ، وَلَا يَرْجِعُ بِهِ فَإِنْ غَرِمَهُ الْغَاصِبُ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ هَذَا عِنْدِي أَشْبَهُ بِأَصْلِهِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ حَلَّ دَابَّةً أَوْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ فَوَقَفَا ثُمَّ ذَهَبَا لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُمَا أَحْدَثَا الذَّهَابَ وَلَوْ حَلَّ زِقًّا أَوْ رَاوِيَةً فَانْدَفِقَا ضَمِنَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الزِّقُّ ثَبَتَ مُسْتَنِدًا فَكَانَ الْحَلُّ لَا يَدْفَعُ مَا فِيهِ ثُمَّ سَقَطَ بِتَحْرِيكٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْحَلَّ قَدْ كَانَ، وَلَا جِنَايَةَ فِيهِ، وَلَوْ غَصَبَهُ دَارًا فَقَالَ الْغَاصِبُ هِيَ بِالْكُوفَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَوْ غَصَبَهُ دَابَّةً فَضَاعَتْ فَأَدَّى قِيمَتَهَا ثُمَّ ظَهَرَتْ رُدَّتْ عَلَيْهِ وَرُدَّ مَا قَبَضَ مِنْ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ قِيمَتَهَا عَلَى أَنَّهَا فَائِتَةٌ فَكَأَنَّ الْفَوْتَ قَدْ بَطَلَ لَمَّا وُجِدَتْ وَلَوْ كَانَ هَذَا بَيْعًا مَا جَازَ أَنْ تُبَاعَ دَابَّةٌ غَائِبَةٌ كَعَيْنٍ جَنَى عَلَيْهَا فَابْيَضَّتْ أَوْ عَلَى سِنِّ صَبِيٍّ فَانْقَلَعَتْ فَأَخَذَ أَرْشَهَا بَعْدَ أَنْ أَيِسَ مِنْهَا ثُمَّ ذَهَبَ الْبَيَاضُ وَنَبَتَتْ السِّنُّ فَلَمَّا

(8/217)


عَادَا رَجَعَ حَقُّهُمَا وَبَطَلَ الْأَرْشُ بِذَلِكَ فِيهِمَا.
(وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ) : وَلَوْ قَالَ الْغَاصِبُ أَنَا أَشْتَرَيْتهَا مِنْك وَهِيَ فِي يَدِي قَدْ عَرَفْتهَا فَبَاعَهُ إيَّاهَا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَنَعَ بَيْعَ الْغَائِبِ فِي إحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ وَأَجَازَهُ فِي الْأُخْرَى.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ بَاعَهُ عَبْدًا وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ أَقَرَّ الْبَائِعُ أَنَّهُ غَصَبَهُ مِنْ رَجُلٍ فَإِنْ أَقَرَّ الْمُشْتَرِي نَقَضْنَا الْبَيْعَ وَرَدَدْنَاهُ إلَى رَبِّهِ، وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ فَلَا يُصَدَّقُ عَلَى إبْطَالِ الْبَيْعِ، وَيُصَدَّقُ عَلَى نَفْسِهِ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ، وَإِنْ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَى رَبِّهِ الْمُقَرِّ لَهُ بِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَعْتَقَهُ ثُمَّ أَقَرَّ الْبَائِعُ أَنَّهُ لِلْمَغْصُوبِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي رَدِّ الْعِتْقِ وَلِلْمَغْصُوبِ الْقِيمَةُ إنْ شَاءَ أَخَذْنَاهَا لَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي الْمُعْتِقِ، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْغَاصِبِ بِمَا أَخَذَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَهُ مَا لَا يَمْلِكُ.

وَإِنْ كَسَرَ لِنَصْرَانِيٍّ صَلِيبًا فَإِنْ كَانَ يَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ الْمَنَافِعِ مُفَصَّلًا فَعَلَيْهِ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مُفَصَّلًا، وَمَكْسُورًا، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرَاقَ لَهُ خَمْرًا أَوْ قَتَلَ لَهُ خِنْزِيرًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَا قِيمَةَ لِمُحَرَّمٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْرِي عَلَيْهِ مِلْكٌ وَاحْتَجَّ عَلَى مَنْ جَعَلَ لَهُ قِيمَةَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ؛ لِأَنَّهُمَا مَالُهُ فَقَالَ أَرَأَيْت مَجُوسِيًّا اشْتَرَى بَيْنَ يَدَيْك غَنَمًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ وَقَذَهَا كُلَّهَا لِيَبِيعَهَا فَحَرَقَهَا مُسْلِمٌ أَوْ مَجُوسِيٌّ فَقَالَ لَك هَذَا مَالِي وَهَذِهِ ذَكَاتُهُ عِنْدِي وَحَلَالٌ فِي دِينِي وَفِيهِ رِبْحٌ كَثِيرٌ وَأَنْتَ تُقِرُّنِي عَلَى بَيْعِهِ وَأَكْلِهِ وَتَأْخُذُ مِنِّي الْجِزْيَةَ عَلَيْهِ فَخُذْ لِي قِيمَتَهُ فَقَالَ أَقُولُ لَيْسَ ذَلِكَ بِاَلَّذِي يُوجِبُ لَك أَنْ أَكُونَ شَرِيكًا لَك فِي الْحَرَامِ، وَلَا حَقَّ لَك قَالَ فَكَيْفَ حَكَمْت بِقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ وَالْخَمْرِ وَهُمَا عِنْدَك حَرَامٌ