مختصر المزني في فروع الشافعية ط المعرفة

[كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ]
[بَابُ صِفَةِ الصَّائِدِ مِنْ كَلْبٍ وَغَيْرِهِ وَمَا يَحِلُّ مِنْ الصَّيْدِ وَمَا يُحَرَّمُ]
كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ إمْلَاءً مِنْ كِتَابِ أَشْهَبَ وَمِنْ اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ بَابُ صِفَةِ الصَّائِدِ مِنْ كَلْبٍ وَغَيْرِهِ وَمَا يَحِلُّ مِنْ الصَّيْدِ وَمَا يُحَرَّمُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كُلُّ مُعَلَّمٍ مِنْ كَلْبٍ وَفَهْدٍ وَنَمِرٍ وَغَيْرِهَا مِنْ الْوَحْشِ وَكَانَ إذَا أُشْلِيَ اُسْتُشْلِيَ وَإِذَا أَخَذَ حَبَسَ وَلَمْ يَأْكُلْ فَإِنَّهُ إذَا فَعَلَ هَذَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَهُوَ مُعَلَّمٌ وَإِذَا قَتَلَ فَكُلْ مَا لَمْ يَأْكُلْ

(8/388)


فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ وَذَكَرَ الشَّعْبِيُّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ» .
(قَالَ) : وَإِذَا جَمَعَ الْبَازِي أَوْ الصَّقْرَ أَوْ الْعُقَابَ أَوْ غَيْرَهَا مِمَّا يَصِيدُ أَنْ يُدْعَى فَيُجِيبَ وَيُشْلَى فَيَطِيرَ وَيَأْخُذَ فَيَحْبِسَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَهُوَ مُعَلَّمٌ فَإِنْ قَتَلَ فَكُلْ وَإِذَا أَكَلَ فَفِي الْقِيَاسِ أَنَّهُ كَالْكَلْبِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ الْبَازِي كَالْكَلْبِ؛ لِأَنَّ الْبَازِيَ وَصْفُهُ إنَّمَا يُعَلَّمُ بِالطُّعْمِ وَبِهِ يَأْخُذُ الصَّيْدَ وَالْكَلْبُ يُؤَدَّبُ عَلَى تَرْكِ الطُّعْمِ وَالْكَلْبُ يُضْرَبُ أَدَبًا وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الطَّيْرِ فَهُمَا مُخْتَلِفَانِ فَيُؤْكَلُ مَا قَتَلَ الْبَازِي وَإِنْ أَكَلَ وَلَا يُؤْكَلُ مَا قَتَلَ الْكَلْبُ إذَا أَكَلَ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا أَرْسَلَ أَحْبَبْت لَهُ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ تَعَالَى فَإِنْ نَسِيَ فَلَا بَأْسَ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ يَذْبَحُ عَلَى اسْمِ اللَّهِ.

وَلَوْ أَرْسَلَ مُسْلِمٌ وَمَجُوسِيٌّ كَلْبَيْنِ مُتَفَرِّقَيْنِ أَوْ طَائِرَيْنِ أَوْ سَهْمَيْنِ فَقَتَلَا فَلَا يُؤْكَلُ.

وَإِذَا رَمَى أَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى الصَّيْدِ فَوَجَدَهُ قَتِيلًا فَالْخَبَرُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَأْكُلَهُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَتَلَهُ غَيْرُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كُلْ مَا أَصْمَيْت وَدَعْ مَا أَنْمَيْت وَمَا أَصْمَيْت هُوَ مَا قَتَلَهُ وَأَنْتَ تَرَاهُ وَمَا أَنْمَيْت مَا غَابَ عَنْك فَقَتَلَهُ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ مِنْهُ مَبْلَغَ الذَّبْحِ فَلَا يَضُرُّهُ مَا حَدَثَ بَعْدَهُ.

وَإِذَا أَدْرَكَ الصَّيْدَ وَلَمْ يَبْلُغْ سِلَاحُهُ أَوْ مُعَلَّمُهُ مَا يَبْلُغُ الذَّبْحُ فَأَمْكَنَهُ أَنْ يَذْبَحَهُ فَلَمْ يَفْعَلْ فَلَا يَأْكُلُ كَانَ مَعَهُ مَا يَذْبَحُ بِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْك أَنْ تَذْبَحَهُ وَمَعَك مَا تُذَكِّيهِ بِهِ وَلَمْ تُفَرِّطْ حَتَّى مَاتَ فَكُلْ.

وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ أَوْ سَهْمَهُ وَسَمَّى اللَّهَ تَعَالَى وَهُوَ يَرَى صَيْدًا فَأَصَابَ غَيْرَهُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ رَأَى صَيْدًا وَنَوَاهُ، وَإِنْ أَصَابَ غَيْرَهُ وَإِنْ أَرْسَلَهُ وَلَا يَرَى صَيْدًا وَنَوَى فَلَا يَأْكُلُ وَلَا تَعْمَلُ النِّيَّةُ إلَّا مَعَ عَيْنٍ تَرَى وَلَوْ كَانَ لَا يَجُوزُ إلَّا مَا نَوَاهُ بِعَيْنِهِ لَكَانَ الْعِلْمُ يُحِيطُ أَنْ لَوْ أَرْسَلَ سَهْمًا عَلَى مِائَةِ ظَبْيٍ أَوْ كَلْبًا فَأَصَابَ وَاحِدًا فَالْوَاحِدُ الْمُصَابُ غَيْرُ مَنْوِيٍّ بِعَيْنِهِ.

وَلَوْ خَرَجَ الْكَلْبُ إلَى الصَّيْدِ مِنْ غَيْرِ إرْسَالِ صَاحِبِهِ فَزَجَرَهُ فَانْزَجَرَ وَأَشْلَاهُ فَاسْتُشْلِيَ فَأَخَذَ وَقَتَلَ أَكَلَ وَإِنْ لَمْ يَحْدُثْ غَيْرُ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ فَلَا يَأْكُلُ وَسَوَاءٌ اسْتَشْلَاهُ صَاحِبُهُ أَوْ غَيْرُهُ مِمَّنْ تَجُوزُ ذَكَاتُهُ.

وَإِذَا ضَرَبَ الصَّيْدَ فَقَطَعَهُ قِطْعَتَيْنِ أَكَلَ وَإِنْ كَانَتْ إحْدَى الْقِطْعَتَيْنِ أَقَلَّ مِنْ الْأُخْرَى، وَلَوْ قَطَعَ مِنْهُ يَدًا أَوْ رِجْلًا أَوْ أُذُنًا أَوْ شَيْئًا يُمْكِنُ لَوْ لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَعِيشَ بَعْدُ سَاعَةً أَوْ مُدَّةً أَكْثَرَ مِنْهَا ثُمَّ قَتَلَهُ بَعْدُ بِرَمْيَتِهِ أَكَلَ كُلَّ مَا كَانَ ثَابِتًا فِيهِ مِنْ أَعْضَائِهِ وَلَمْ يَأْكُلْ الْعُضْوَ الَّذِي بَانَ وَفِيهِ الْحَيَاةُ؛ لِأَنَّهُ عُضْوٌ مَقْطُوعٌ مِنْ حَيٍّ وَحَيِيَ بَعْدَ قَطْعِهِ، وَلَوْ مَاتَ مِنْ قَطْعِ الْأَوَّلِ أَكَلَهُمَا مَعًا؛ لِأَنَّ ذَكَاةَ بَعْضِهِ ذَكَاةٌ لِكُلِّهِ.

وَلَا بَأْسَ أَنْ يَصِيدَ الْمُسْلِمُ بِكَلْبِ الْمَجُوسِيِّ وَلَا يَجُوزُ أَكْلُ مَا صَادَ الْمَجُوسِيُّ بِكَلْبِ مُسْلِمٍ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ حُكْمُ الْمُرْسِلِ وَإِنَّمَا الْكَلْبُ أَدَاةٌ وَأَيُّ أَبَوَيْهِ كَانَ مَجُوسِيًّا فَلَا أَرَى تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ، وَقَالَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ: وَلَا يَنْكِحُ إنْ كَانَتْ جَارِيَةً وَلَيْسَتْ كَالصَّغِيرَةِ يُسْلِمُ أَحَدُ أَبَوَيْهَا لِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يُشْرِكُهُ الشِّرْكُ وَالشِّرْكُ يُشْرِكُهُ الشِّرْكُ.

وَلَا يُؤْكَلُ مَا قَتَلْتهَا لِأُحْبُولَةٍ كَانَ فِيهَا سِلَاحٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّهَا ذَكَاةٌ بِغَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ. وَالذَّكَاةُ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا كَانَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ مِنْ إنْسِيٍّ أَوْ وَحْشِيٍّ لَمْ يَحِلَّ إلَّا بِأَنْ يُذَكَّى وَمَا كَانَ مُمْتَنِعًا مِنْ وَحْشِيٍّ أَوْ إنْسِيٍّ فَمَا قَدَرْت بِهِ عَلَيْهِ مِنْ الرَّمْيِ أَوْ السِّلَاحِ فَهُوَ بِهِ ذُكِّيَ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوهُ إلَّا مَا كَانَ مِنْ سِنٍّ أَوْ ظُفُرٍ» ؛ لِأَنَّ السِّنَّ عَظْمٌ مِنْ الْإِنْسَانِ وَالظُّفُرَ مَدَى الْحَبَشِ، وَثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ جَعَلَ ذَكَاةَ الْإِنْسِيِّ مِثْلَ ذَكَاةِ الْوَحْشِيِّ إذَا امْتَنَعَ قَالَ: وَلَمَّا كَانَ الْوَحْشِيُّ يَحِلُّ بِالْعَقْرِ مَا كَانَ مُمْتَنِعًا فَإِذَا قُدِرَ عَلَيْهِ لَمْ يَحِلَّ إلَّا بِمَا يَحِلُّ بِهِ الْإِنْسِيُّ كَانَ كَذَلِكَ الْإِنْسِيُّ إذَا صَارَ كَالْوَحْشِيِّ مُمْتَنِعًا حَلَّ بِمَا يَحِلُّ بِهِ الْوَحْشِيُّ.

قَالَ: وَلَوْ وَقَعَ بَعِيرٌ فِي بِئْرٍ وَطُعِنَ فَهُوَ كَالصَّيْدِ.

وَلَوْ رَمَى صَيْدًا فَكَسَرَهُ أَوْ قَطَعَ جَنَاحَهُ وَرَمَاهُ آخَرُ فَقَتَلَهُ كَانَ حَرَامًا وَكَانَ عَلَى الرَّامِي الْآخَرِ قِيمَتُهُ بِالْحَالِ الَّتِي رَمَاهُ بِهَا مَكْسُورًا أَوْ مَقْطُوعًا.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا يَغْرَمُ قِيمَتَهُ مَقْطُوعًا؛ لِأَنَّهُ رَمَاهُ فَقَطَعَ رَأْسَهُ أَوْ بَلَغَ

(8/389)


مِنْ مَقَاتِلِهِ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ قَتَلَهُ دُونَ جُرْحِ الْجَنَاحِ، وَلَوْ كَانَ جُرْحًا كَالْجُرْحِ الْأَوَّلِ ثُمَّ أَخَذَهُ رَبُّهُ فَمَاتَ فِي يَدَيْهِ فَقَدْ مَاتَ مِنْ جُرْحَيْنِ فَعَلَى الثَّانِي قِيمَةُ جُرْحِهِ مَقْطُوعَ الْجَنَاحِ الْأَوَّلِ وَنِصْفُ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا جُرْحَيْنِ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ مَقْطُوعَ الْجَنَاحَيْنِ مِنْ فِعْلِهِ وَفِعْلِ مَالِكِهِ.
(قَالَ) : وَلَوْ كَانَ مُمْتَنِعًا بَعْدَ رَمْيَةِ الْأَوَّلِ يَطِيرُ إنْ كَانَ طَائِرًا أَوْ يَعْدُو إنْ كَانَ دَابَّةً ثُمَّ رَمَاهُ الثَّانِي فَأَثْبَتَهُ كَانَ لِلثَّانِي، وَلَوْ رَمَاهُ الْأَوَّلُ بِهَذِهِ الْحَالِ فَقَتَلَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِلثَّانِي؛ لِأَنَّهُ صَارَ لَهُ دُونَهُ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قِيمَتُهُ مَجْرُوحًا الْجُرْحَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ، وَلَوْ رَمَيَاهُ مَعًا فَقَتَلَاهُ كَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَلَوْ رَمَاهُ الْأَوَّلُ وَرَمَاهُ الثَّانِي وَلَمْ يَدْرِ أَبَلَغَ بِهِ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ مُمْتَنِعًا أَوْ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ جَعَلْنَاهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ.

وَلَوْ رَمَى طَائِرًا فَجَرَحَهُ ثُمَّ سَقَطَ إلَى الْأَرْضِ فَأَصَبْنَاهُ مَيِّتًا لَمْ نَدْرِ أَمَاتَ فِي الْهَوَاءِ أَمْ بَعْدَ مَا صَارَ إلَى الْأَرْضِ أُكِلَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوصَلُ إلَى أَنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا إلَّا بِالْوُقُوعِ وَلَوْ حُرِّمَ هَذَا حُرِّمَ كُلُّ طَائِرٍ رُمِيَ فَوَقَعَ فَمَاتَ وَلَكِنَّهُ لَوْ وَقَعَ عَلَى جَبَلٍ فَتَرَدَّى عَنْهُ كَانَ مُتَرَدِّيًا لَا يُؤْكَلُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الرَّمْيَةُ قَدْ قَطَعَتْ رَأْسَهُ أَوْ ذَبَحَتْهُ أَوْ قَطَعَتْهُ بِاثْنَتَيْنِ فَيُعْلَمَ أَنَّهُ لَمْ يَتَرَدَّ إلَّا مُذَكًّى وَلَا يُؤْكَلُ مَا قَتَلَهُ الرَّمْيُ إلَّا مَا خَرَقَ بِرِقَّتِهِ أَوْ قَطَعَ بِحَدِّهِ فَأَمَّا مَا جَرَحَ بِثِقَلِهِ فَهُوَ وَقِيذَةٌ.

وَمَا نَالَتْهُ الْجَوَارِحُ فَقَتَلَتْهُ وَلَمْ تُدْمِهِ احْتَمَلَ مَعْنَيَيْنِ.
أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يُؤْكَلَ حَتَّى يُجْرَحَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4] وَالْآخَرُ أَنَّهُ حِلٌّ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) الْأَوَّلُ أَوْلَاهُمَا بِهِ قِيَاسًا عَلَى رَامِي الصَّيْدِ أَوْ ضَارِبِهِ لَا يُؤْكَلُ إلَّا أَنْ يَجْرَحَهُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَوْ رَمَى شَخْصًا يَحْسِبُهُ حَجَرًا فَأَصَابَ صَيْدًا فَلَوْ أَكَلَهُ مَا رَأَيْته مُحَرَّمًا كَمَا لَوْ أَخْطَأَ شَاةً فَذَبَحَهَا لَا يُرِيدُهَا وَكَمَا لَوْ ذَبَحَهَا وَهُوَ يَرَاهَا خَشَبَةً لَيِّنَةً.

وَمَنْ أَحْرَزَ صَيْدًا فَأَفْلَتَ مِنْهُ فَصَادَهُ غَيْرُهُ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ وَكُلُّ مَا أَصَابَهُ حَلَالٌ فِي غَيْرِ حَرَمٍ مِمَّا يَكُونُ بِمَكَّةَ مِنْ حَمَامِهَا وَغَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ إنَّمَا نَمْنَعُ بِحَرَمِهِ بِغَيْرِهِ مِنْ حَرَمٍ أَوْ إحْرَامٍ وَلَوْ تَحَوَّلَ مِنْ بُرْجٍ إلَى بُرْجٍ فَأَخَذَهُ كَانَ عَلَيْهِ رَدُّهُ وَلَوْ أَصَابَ ظَبْيًا مُقَرَّطًا فَهُوَ لِغَيْرِهِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ شَقَّ السَّبُعُ بَطْنَ شَاةٍ فَوَصَلَ إلَى مَعَاهَا مَا يُسْتَيْقَنُ أَنَّهَا لَمْ تُذَكَّ مَاتَتْ فَذُكِّيَتْ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهَا لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وَالذَّكَاةُ جَائِزَةٌ بِالْقُرْآنِ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأَعْرِفُ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ إذَا بَلَغَ بِهَا مَا لَا بَقَاءَ لِحَيَاتِهَا إلَّا حَيَاةِ الْمُذَكَّى وَهُوَ قَوْلُ الْمَدَنِيِّينَ وَهُوَ عِنْدِي أَقْيَسُ؛ لِأَنِّي وَجَدْت الشَّاةَ تَمُوتُ عَنْ ذَكَاةٍ فَتَحِلُّ وَعَنْ عَقْرٍ فَتُحَرَّمُ فَلَمَّا وَجَدْت الَّذِي أَوْجَبَ الذَّبْحُ مَوْتَهَا وَتَحْلِيلَهَا لَا يُبَدِّلُهَا أَكْلُ السَّبُعِ لَهَا وَلَا يُرَدُّ بِهَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْقِيَاسِ إذَا أَوْجَبَ السَّبُعُ مَوْتَهَا وَتَحْرِيمَهَا لَمْ يُبَدِّلْهَا الذَّبْحُ لَهَا وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا أَنَّ سَبُعًا لَوْ قَطَعَ مَا يُقْطَعُ الْمُذَكِّي مِنْ أَسْفَلِ حَلْقِهَا أَوْ أَعْلَاهُ ثُمَّ ذُبِحَتْ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَقْطَعْ السَّبُعُ مِنْ حَلْقِهَا أَنَّهَا مَيْتَةٌ وَلَوْ سَبَقَ الذَّابِحُ ثُمَّ قَطَعَ السَّبُعُ حَيْثُ لَمْ يَقْطَعْ الذَّابِحُ مِنْ حَلْقِهَا أَنَّهَا ذَكِيَّةٌ وَفِي هَذَا عَلَى مَا قُلْت دَلِيلٌ.

وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَوْ أَدْرَكَ الصَّيْدَ وَلَمْ يَبْلُغْ سِلَاحُهُ أَوْ مُعَلَّمُهُ مَا يَبْلُغُ الذَّابِحُ فَأَمْكَنَهُ أَنْ يَذْبَحَهُ فَلَمْ يَفْعَلْ فَلَا يَأْكُلُ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي هَذَا دَلِيلٌ أَنَّهُ لَوْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الذَّابِحُ أَكَلَ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَدَلِيلٌ آخَرُ مِنْ قَوْلِهِ قَالَ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ لَوْ قَطَعَ حُلْقُومَ رَجُلٍ وَمَرِيئَهُ أَوْ قَطَعَ حَشْوَتَهُ فَأَبَانَهَا مِنْ جَوْفِهِ أَوْ صَيَّرَهُ فِي حَالِ الْمَذْبُوحِ ثُمَّ ضَرَبَ آخَرُ عُنُقَهُ فَالْأَوَّلُ قَاتِلٌ دُونَ الْآخَرِ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَهَذِهِ أَدِلَّةٌ عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ قَوْلِهِ الَّذِي هُوَ أَصَحُّ فِي الْقِيَاسِ مِنْ قَوْلِهِ الْآخَرِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَكُلُّ مَا كَانَ يَعِيشُ فِي الْمَاءِ مِنْ حُوتٍ أَوْ غَيْرِهِ فَأَخَذَهُ مِنْ مَكَانِهِ وَلَوْ كَانَ شَيْئًا تَطُولُ حَيَاتُهُ فَذَبَحَهُ لِاسْتِعْجَالِ مَوْتِهِ مَا كَرِهْته وَسَوَاءٌ مَنْ أَخَذَهُ مِنْ مَجُوسِيٍّ أَوْ وَثَنِيٍّ لَا ذَكَاةَ لَهُ وَسَوَاءٌ مَا لَفَظَهُ الْبَحْرُ وَطَفَا مِنْ مَيْتَتِهِ أَوْ أُخِذَ حَيًّا، أَكَلَ أَبُو أَيُّوبَ سَمَكًا طَافِيًا وَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ» الْمَيْتَتَانِ الْحُوتُ وَالْجَرَادُ وَالدَّمَانِ

(8/390)


أَحْسِبُهُ قَالَ: الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} [المائدة: 96] وَهَذَا عُمُومٌ فَمَنْ خَصَّ مِنْهُ شَيْئًا فَالْمَخْصُوصُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَّا بِسُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعِ الَّذِينَ لَا يَجْهَلُونَ مَا أَرَادَ اللَّهُ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ جَازَ أَنْ يُحَرَّمَ الْحُوتُ وَهُوَ ذَكِيٌّ؛ لِأَنَّهُ طَفَا لَجَازَ أَنْ يُحَرَّمَ الْمُذَكَّى مِنْ الْغَنَمِ إذَا طَفَا وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ. وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

[كِتَابُ الضَّحَايَا]
مِنْ كِتَابِ اخْتِلَافِ الْأَحَادِيثِ وَمِنْ إمْلَاءٍ عَلَى كِتَابِ أَشْهَبَ وَمِنْ كِتَابِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَبِي حَنِيفَةَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَخْبَرَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ» وَقَالَ أَنَسٌ: وَأَنَا أُضَحِّي أَيْضًا بِكَبْشَيْنِ وَقَالَ أَنَسٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ: «ضَحَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ وَذَبَحَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْأَضْحَى فَزَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ أَنْ يَعُودَ لِضَحِيَّةٍ أُخْرَى فَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ: لَا أَجِدُ إلَّا جَذَعًا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ لَمْ تَجِدْ إلَّا جَذَعًا فَاذْبَحْهُ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَاحْتَمَلَ أَمْرُهُ بِالْإِعَادَةِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَاحْتَمَلَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَمَّا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا دَخَلَ الْعَشْرُ فَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا» دَلَّ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَبَلَغَنَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانَا لَا يُضَحِّيَانِ كَرَاهِيَةَ أَنْ يُرَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ اشْتَرَى بِدِرْهَمَيْنِ لَحْمًا فَقَالَ: هَذِهِ أُضْحِيَّةُ ابْنِ عَبَّاسٍ.
(قَالَ) : وَأَمَرَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ أَنْ لَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ شَيْئًا اتِّبَاعًا وَاخْتِيَارًا بِدَلَالَةِ السُّنَّةِ، وَرَوَتْ «عَائِشَةُ أَنَّهَا كَانَتْ تَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يُقَلِّدُهَا هُوَ بِيَدِهِ ثُمَّ يَبْعَثُ بِهَا فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ» .
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْأُضْحِيَّةُ سُنَّةُ تَطَوُّعٍ لَا نُحِبُّ تَرْكَهَا، وَإِذْ كَانَتْ غَيْرَ فَرْضٍ فَإِذَا ضَحَّى الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ فَقَدْ وَقَعَ ثَمَّ اسْمُ أُضْحِيَّةٍ.

(قَالَ) : وَيَجُوزُ فِي الضَّحَايَا الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ وَالثَّنِيُّ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْمَعَزِ وَلَا يَجُوزُ دُونَ هَذَا مِنْ السِّنِّ وَالْإِبِلُ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا مِنْ الْبَقَرِ وَالْبَقَرُ مِنْ الْغَنَمِ وَالضَّأْنُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْمَعَزِ وَالْعَفْرَاءُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ السَّوْدَاءِ. وَزَعَمَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} [الحج: 32] اسْتِسْمَانُ الْهَدْيِ وَاسْتِحْسَانُهُ.
(قَالَ) : وَلَا يَجُوزُ فِي الضَّحَايَا الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا وَلَا الْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ عَرَجُهَا وَلَا الْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا وَلَا الْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي وَلَيْسَ فِي الْقَرْنِ نَقْصٌ فَيُضَحَّى بِالْجَلْحَاءِ وَالْمَكْسُورَةُ الْقَرْنُ أَكْبَرُ مِنْهَا دَمِيَ قَرْنُهَا أَوْ لَمْ يَدْمَ وَلَا تُجْزِئُ الْجَرْبَاءُ؛ لِأَنَّهُ مَرَضٌ يُفْسِدُ لَحْمَهَا.

وَلَا وَقْتَ لِلذَّبْحِ يَوْمَ الْأَضْحَى إلَّا فِي قُدْرَةِ صَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَلِكَ حِينَ حَلَّتْ الصَّلَاةُ وَقَدْرِ خُطْبَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، وَإِذَا كَانَ هَذَا الْقَدْرُ فَقَدْ حَلَّ الذَّبْحُ لِكُلِّ أَحَدٍ حَيْثُ كَانَ فَأَمَّا صَلَاةُ مَنْ بَعْدَهُ فَلَيْسَ فِيهَا وَقْتٌ.

(قَالَ) : وَالذَّكَاةُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ وَهِيَ مَا لَا حَيَاةَ بَعْدَهُ إذَا قُطِعَ وَكَمَالُهَا بِأَرْبَعٍ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَالْوَدَجَيْنِ وَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُ مِنْ الذَّكَاةِ أَنْ يُبِينَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِفَرْيِ الْأَوْدَاجِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُفْرَى إلَّا بَعْدَ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ، وَالْوَدَجَانِ عِرْقَانِ قَدْ يَنْسَلَّانِ مِنْ الْإِنْسَانِ وَالْبَهِيمَةِ ثُمَّ يَحْيَا وَمَوْضِعُ النَّحْرِ فِي

(8/391)


الِاخْتِيَارِ فِي السُّنَّةِ فِي اللَّبَّةِ وَمَوْضِعُ الذَّبْحِ فِي الِاخْتِيَارِ فِي السُّنَّةِ أَسْفَلُ مَجَامِعِ اللَّحْيَيْنِ فَإِذَا نُحِرَتْ بَقَرَةٌ أَوْ ذُبِحَ بَعِيرٌ فَجَائِزٌ، قَالَ عُمَرُ وَابْنُ عَبَّاسٍ الذَّكَاةُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ وَزَادَ عُمَرُ وَلَا تَعَجَّلُوا الْأَنْفُسَ أَنْ تُزْهَقَ وَنَهَى عَنْ النَّخْعِ.

(قَالَ) : وَأُحِبُّ أَنْ لَا يَذْبَحَ الْمَنَاسِكَ الَّتِي يُتَقَرَّبُ بِهَا إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إلَّا مُسْلِمٌ فَإِنْ ذَبَحَ مُشْرِكٌ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ أَجْزَأَ عَلَى كَرَاهِيَتِي لِمَا وَصَفْت، وَذَبْحُ مَنْ أَطَاقَ الذَّبْحَ مِنْ امْرَأَةٍ حَائِضٍ وَصَبِيٍّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ ذَبْحِ النَّصْرَانِيِّ وَالْيَهُودِيِّ وَلَا بَأْسَ بِذَبِيحَةِ الْأَخْرَسِ وَأَكْرَهُ ذَبِيحَةَ السَّكْرَانِ وَالْمَجْنُونِ فِي حَالِ جُنُونِهِ وَلَا يَتَبَيَّنُ أَنَّهَا حَرَامٌ وَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَةُ نَصَارَى الْعَرَبِ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ.

(قَالَ) : وَأُحِبُّ أَنْ يُوَجِّهَ الذَّبِيحَةَ إلَى الْقِبْلَةِ وَيَقُولَ الرَّجُلُ عَلَى ذَبِيحَتِهِ: بِاسْمِ اللَّهِ، وَلَا أَكْرَهُ الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهَا إيمَانٌ بِاَللَّهِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ عَنْ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ صَلَّى عَلَيْك صَلَّيْت عَلَيْهِ.
(قَالَ) : فَإِنْ قَالَ: اللَّهُمَّ مِنْك وَإِلَيْك فَتَقَبَّلْ مِنِّي فَلَا بَأْسَ هَذَا دُعَاءٌ فَلَا أَكْرَهُهُ وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ وَجْهٍ لَا يَثْبُتُ «أَنَّهُ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ فَقَالَ فِي أَحَدِهِمَا بَعْدَ ذِكْرِ اللَّهِ اللَّهُمَّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَفِي الْآخَرِ اللَّهُمَّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّةِ مُحَمَّدٍ» .

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : فَإِذَا ذَبَحَهَا فَقَطَعَ رَأْسَهَا فَهِيَ ذَكِيَّةٌ.

وَلَوْ ذَبَحَهَا مِنْ قَفَاهَا فَإِنْ تَحَرَّكَتْ بَعْدَ قَطْعِ الرَّأْسِ أُكِلَتْ وَإِلَّا لَمْ تُؤْكَلْ وَإِذَا أَوْجَبَهَا أُضْحِيَّةً وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: هَذِهِ أُضْحِيَّةٌ، وَلَيْسَ شِرَاؤُهَا وَالنِّيَّةُ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا إيجَابًا لَهَا فَإِذَا أَوْجَبَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُبَدِّلَهَا بِحَالٍ وَإِنْ بَاعَهَا فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ وَإِنْ فَاتَتْ بِالْبَيْعِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِجَمِيعِ قِيمَتِهَا مَكَانَهَا فَإِنْ بَلَغَ أُضْحِيَّتَيْنِ اشْتَرَاهُمَا؛ لِأَنَّ ثَمَنَهَا بَدَلٌ مِنْهَا وَإِنْ بَلَغَ أُضْحِيَّةً وَزَادَ شَيْئًا لَا يَبْلُغْ أُخْرَى ضَحَّى بِأُضْحِيَّةٍ وَأَسْلَكَ الْفَضْلَ مَسْلَكَ الْأُضْحِيَّةِ وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ تَصَدَّقَ بِهِ، وَإِنْ نَقَصَ عَنْ أُضْحِيَّةٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ حَتَّى يُوفِيَهُ أُضْحِيَّةً؛ لِأَنَّهُ مُسْتَهْلِكٌ لِلضَّحِيَّةِ فَأَقَلُّ مَا يَلْزَمُهُ أُضْحِيَّةٌ مِثْلُهَا فَإِنْ وَلَدَتْ الْأُضْحِيَّةُ ذُبِحَ مَعَهَا وَلَا يَشْرَبُ مِنْ لَبَنِهَا إلَّا الْفَضْلَ عَنْ وَلَدِهَا وَلَا مَا يُنْهِكُ لَحْمَهَا وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهِ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَلَا يَجُزُّ صُوفَهَا وَإِنْ أَوْجَبَهَا هَدْيًا وَهُوَ تَامٌّ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ نَقْصٌ وَبَلَغَ الْمَنْسَكَ أَجْزَأَ، إنَّمَا أَنْظُرُ فِي هَذَا كُلِّهِ إلَى يَوْمِ يُوجِبُهُ وَيَخْرُجُ مِنْ مَالِهِ إلَى مَا جَعَلَهُ لَهُ، وَإِنْ أَوْجَبَهُ نَاقِصًا ذَبَحَهُ وَلَمْ يَجُزَّهُ.
وَلَوْ ضَلَّتْ بَعْدَ مَا أَوْجَبَهَا فَلَا بَدَلَ وَلَيْسَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ يُوجِبُهُ صَاحِبُهُ فَيَمُوتُ وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ بَدَلٌ.
وَلَوْ وَجَدَهَا وَقَدْ مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ كُلُّهَا صَنَعَ بِهَا كَمَا يَصْنَعُ فِي النَّحْرِ كَمَا لَوْ أَوْجَبَ هَدْيَهَا الْعَامَ وَأَخَّرَهَا إلَى قَابِلٍ وَمَا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ لِوَقْتٍ فَفَاتَ الْوَقْتُ وَلَمْ يَبْطُلْ الْإِيجَابُ.

وَلَوْ أَنَّ مُضَحِّيَيْنِ ذَبَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُضْحِيَّةَ صَاحِبِهِ ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا بَيْنَ قِيمَةِ مَا ذَبَحَ حَيًّا وَمَذْبُوحًا وَأَجْزَأَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَحِيَّتُهُ وَهَدْيُهُ فَإِذَا ذَبَحَ لَيْلًا أَجْزَأَهُ وَالضَّحِيَّةُ نُسُكٌ مَأْذُونٌ فِي أَكْلِهِ وَإِطْعَامِهِ وَادِّخَارِهِ وَأَكْرَهُ بَيْعَ شَيْءٍ مِنْهُ وَالْمُبَادَلَةَ بِهِ وَمَعْقُولُ مَا أَخْرَجَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا يَعُودَ إلَى مَالِكِهِ إلَّا مَا أَذِنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ ثُمَّ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاقْتَصَرْنَا عَلَى مَا أَذِنَ اللَّهُ فِيهِ ثُمَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنَعْنَا الْبَيْعَ عَلَى أَصْلِ النُّسُكِ أَنَّهُ لِلَّهِ.

وَلَا تَجُوزُ الْأُضْحِيَّةُ لِعَبْدٍ وَلَا كَمُدَبَّرٍ وَلَا أُمِّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ.

وَإِذَا نَحَرَ سَبْعَةٌ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً فِي الضَّحَايَا أَوْ الْهَدْيِ كَانُوا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ وَاحِدٍ أَوْ شَتَّى فَسَوَاءٌ وَذَلِكَ يُجْزِي وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ مُضَحِّيًا وَبَعْضُهُمْ مُهْدِيًا أَوْ مُفْتَدِيًا أَجْزَأَ؛ لِأَنَّ سُبُعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَقُومُ مَقَامَ شَاةٍ مُنْفَرِدَةٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ يُرِيدُ بِنَصِيبِهِ لَحْمًا لَا أُضْحِيَّةً وَلَا هَدْيًا وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ «نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ» .
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهُمْ شَتَّى.
(قَالَ) : وَالْأَضْحَى جَائِزٌ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ مِنًى كُلَّهَا إلَى الْمَغِيبِ؛ لِأَنَّهَا أَيَّامُ نُسُكٍ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ

(8/392)


عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: يُضَحِّي أَيَّامَ التَّشْرِيقِ كُلَّهَا. وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ الْحَجَّاجِ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: يُضَحِّي فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. .

[بَابُ الْعَقِيقَةِ]
ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنْ سِبَاعِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ «أُمِّ كُرْزٍ قَالَتْ: أَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْأَلُهُ عَنْ لُحُومِ الْهَدْيِ فَسَمِعْته يَقُولُ عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ لَا يَضُرُّكُمْ ذُكْرَانًا كُنَّ أَوْ إنَاثًا وَسَمِعْته يَقُولُ: أَقِرُّوا الطَّيْرَ عَلَى مَكِنَاتِهَا» .
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَيُعَقُّ عَنْ الْغُلَامِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.