مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج

[بَابٌ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ وَغَيْرِهِمَا]
قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَحْرِيرِهِ: الْأُصُولُ وَالشَّجَرُ وَالْأَرْضُ وَالثِّمَارُ جَمْعُ ثَمَرٍ، وَهُوَ جَمْعُ ثَمَرَةٍ. قَالَ السُّبْكِيُّ: أَخَذَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ التَّرْجَمَةَ مِنْ التَّنْبِيهِ وَلَمْ أَرَهَا لِغَيْرِهِمَا. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: ذَكَرَهَا مَنْصُورٌ التَّمِيمِيُّ فِي الْمُسْتَعْمَلِ، وَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ تَرْجَمَتَيْ بَابَيْنِ مُتَجَاوِرَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ: أَحَدُهُمَا بَابُ ثَمَرِ الْحَائِطِ يُبَاعُ أَصْلُهُ، وَالْآخَرُ بَابُ الْوَقْتِ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ بَيْعُ الثِّمَارِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّفْظَ الْمُتَنَاوَلَ غَيْرُهُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ سَبْعَةٌ: الْأَوَّلُ: الْأَرْضُ أَوْ نَحْوُهَا، فَإِذَا (قَالَ بِعْتُك) أَوْ رَهَنْتُك (هَذِهِ الْأَرْضَ) أَوْ الْعَرْصَةَ (أَوْ السَّاحَةَ) وَهِيَ الْفَضَاءُ بَيْنَ الْأَبْنِيَةِ (أَوْ الْبُقْعَةَ، وَفِيهَا بِنَاءٌ وَشَجَرٌ) فَإِنْ بَاعَهَا أَوْ رَهَنَهَا بِمَا فِيهَا مِنْ أَشْجَارٍ وَأَبْنِيَةٍ دَخَلَتْ فِي الْعَقْدِ جَزْمًا، وَلَوْ بِقَوْلِهِ: بِعْتُك أَوْ رَهَنْتُك الْأَرْضَ بِمَا فِيهَا أَوْ عَلَيْهَا أَوْ بِهَا أَوْ بِحُقُوقِهَا، وَفِي قَوْلِهِ: بِحُقُوقِهَا وَجْهٌ أَنَّهَا لَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَيَأْتِي مِثْلُهُ فِي الرَّهْنِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ حُقُوقَ الْأَرْضِ إنَّمَا تَقَعُ عَلَى الْمَمَرِّ وَمَجْرَى الْمَاءِ إلَيْهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِنْ اسْتَثْنَاهَا: كَبِعْتُكَ أَوْ رَهَنْتُكَ الْأَرْضَ دُونَ مَا فِيهَا لَمْ تَدْخُلْ فِي الْعَقْدِ جَزْمًا، وَإِنْ أَطْلَقَ (فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَدْخُلَ) الْبِنَاءُ وَالشَّجَرُ الرَّطْبُ (فِي الْبَيْعِ دُونَ الرَّهْنِ) لِأَنَّ الْبَيْعَ قَوِيٌّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَنْقُلُ الْمِلْكَ فَاسْتَتْبَعَ بِخِلَافِ الرَّهْنِ، وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ فِيهِمَا، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: الْقَطْعُ بِعَدَمِ الدُّخُولِ فِيهِمَا لِخُرُوجِهِمَا عَنْ مُسَمَّى الْأَرْضِ، وَحَمَلَ نَصَّهُ فِي الْبَيْعِ عَلَى مَا إذَا قَالَ بِحُقُوقِهَا، وَالثَّالِثُ: فِيهِمَا قَوْلَانِ بِالنَّصِّ وَالتَّخْرِيجِ: أَحَدُهُمَا عَدَمُ الدُّخُولِ لِمَا مَرَّ، وَالثَّانِي: يَدْخُلَانِ؛ لِأَنَّهُمَا لِلدَّوَامِ فَأَشْبَهَا أَجْزَاءَ الْأَرْضِ، وَلِهَذَا يُلْحَقَانِ بِهَا فِي الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ كُلُّ مَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ مِنْ نَحْوِ هِبَةٍ: كَوَقْفٍ وَصَدَقَةٍ وَوَصِيَّةٍ كَالْبَيْعِ، وَمَا لَا يَنْقُلُهُ مِنْ نَحْوِ عَارِيَّةٍ: كَإِقْرَارٍ كَالرَّهْنِ. أَمَّا الشَّجَرُ الْيَابِسُ فَلَا يَدْخُلُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيُّ تَفَقُّهًا، وَهُوَ

(2/482)


وَأُصُولُ الْبَقْلِ الَّتِي تَبْقَى سَنَتَيْنِ كَالْقَتِّ وَالْهُنْدَبَا كَالشَّجَرِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
قِيَاسُ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الشَّجَرَ لَا يَتَنَاوَلُ غُصْنَهُ الْيَابِسَ. فَإِنْ قِيلَ: بَيْعُ الدَّارِ يَتَنَاوَلُ مَا فِيهَا مِنْ وَتِدٍ وَنَحْوَهُ فَيَكُونُ.
أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ أَثْبَتُ فِيهَا لِلِانْتِفَاعِ بِهِ مُثْبَتًا فَصَارَ كَجُزْئِهَا بِخِلَافِ الشَّجَرَةِ الْيَابِسَةِ، وَلِهَذَا لَوْ عُرِّشَ عَلَيْهَا عَرِيشٌ نَحْوَ عِنَبٍ أَوْ جُعِلَتْ دِعَامَةً لِجِدَارٍ أَوْ غَيْرِهِ صَارَتْ كَالْوَتِدِ فَتَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ، وَعَدَّ الْبَغَوِيّ شَجَرَ الْمَوْزِ مِمَّا يَنْدَرِجُ فِي الْبَيْعِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا صَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ مَسِيلُ الْمَاءِ وَشِرْبُهَا وَهُوَ بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ نَصِيبُهَا مِنْ الْقَنَاةِ وَالنَّهْرِ الْمَمْلُوكَيْنِ حَتَّى يَشْرُطَهُ، كَأَنْ يَقُولَ بِحُقُوقِهَا، وَهَذَا كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ فِي الْخَارِجِ عَنْ الْأَرْضِ. أَمَّا الدَّاخِلُ فِيهَا فَلَا رَيْبَ فِي دُخُولِهِ، وَيُخَالِفُ ذَلِكَ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِزَرْعٍ أَوْ غِرَاسٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يَدْخُلُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تَحْصُلُ بِدُونِهِ.
تَنْبِيهٌ: دُخُولُ الْفَاءِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَالْمَذْهَبُ مُعْتَرَضٌ مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ شَرْطٌ وَلَا مَا يَقْتَضِي الرَّبْطَ، وَلِذَا قُدِّرَتْ فِي كَلَامِهِ فَإِذَا، وَقَدْ وَقَعَ لَهُ مِثْلُ هَذَا فِي الْجِرَاحِ وَغَيْرِهِ.

(وَأُصُولُ الْبَقْلِ الَّتِي تَبْقَى) فِي الْأَرْضِ (سَنَتَيْنِ) أَوْ أَكْثَرَ بَلْ أَوْ أَقَلَّ كَمَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ: مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَيُجَزُّ مَا ذُكِرَ مِرَارًا (كَالْقَتِّ) وَهُوَ بِالْقَافِ وَالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ عَلَفُ الْبَهَائِمِ، وَيُسَمَّى الْقُرْطُ وَالرَّطْبَةُ وَالْفِصْفِصَةُ بِكَسْرِ الْفَاءَيْنِ وَبِالْمُهْمَلَتَيْنِ (وَالْهُنْدَبَا) بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ وَالْقَضْبِ بِالْمُعْجَمَةِ وَالْقَصَبِ الْفَارِسِيِّ وَالْكُرَّاثِ وَالْكُرْفُسِ وَالنَّعْنَاعِ أَوْ تُؤْخَذُ ثَمَرَتُهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كَالنَّرْجِسِ وَالْبَنَفْسَجِ وَالْقُطْنِ الْحِجَازِيِّ وَالْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ (كَالشَّجَرِ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ لِلثَّبَاتِ وَالدَّوَامِ فَتَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ دُونَ الرَّهْنِ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ وَالثَّمَرَةِ الظَّاهِرَةِ، وَكَذَا الْجِزَّةُ بِكَسْرِ الْجِيمِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَ بَيْعِ الْأَرْضِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى مَا يُجَزُّ مِرَارًا لِلْبَائِعِ، بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ الْكَامِنَةِ لِكَوْنِهَا كَالْجُزْءِ مِنْ الشَّجَرَةِ وَالْجِزَّةِ غَيْرِ الْمَوْجُودَةِ فَيَدْخُلَانِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ، وَعَلَى عَدَمِ دُخُولِ الْجِزَّةِ يُشْتَرَطُ عَلَى الْبَائِعِ قَطْعُهَا وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ أَوَانَ الْجَزِّ لِئَلَّا تَزِيدَ فَيُشْتَبَهَ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ، بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ الَّتِي لَا يَغْلِبُ اخْتِلَاطُهَا فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا ذَلِكَ.
وَأَمَّا غَيْرُهَا فَكَالْجِزَّةِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي، وَمَا ذُكِرَ مِنْ اشْتِرَاطِ الْقَطْعِ هُوَ مَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ كَالْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِ، وَاعْتِبَارُ كَثِيرِينَ وُجُوبَ الْقَطْعِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ شَرْطٍ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ فِي التَّتِمَّةِ: إلَّا الْقَصَبَ: أَيْ الْفَارِسِيَّ فَهُوَ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ خِلَافًا لِمَا ضَبَطَهُ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ أَنَّهُ بِالْمُعْجَمَةِ

(2/483)


وَلَا يَدْخُلُ مَا يُؤْخَذُ كَحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ وَسَائِرِ الزُّرُوعِ.

وَيَصِحُّ بَيْعُ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إنْ جَهِلَهُ، وَلَا يَمْنَعُ الزَّرْعُ دُخُولَ الْأَرْضِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَضَمَانُهُ إذَا حَصَلَتْ التَّخْلِيَةُ فِي الْأَصَحِّ، وَالْبَذْرُ كَالزَّرْعِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
فَلَا يُكَلَّفُ قَطْعَهُ حَتَّى يَكُونَ قَدْرًا يَنْتَفِعُ بِهِ، وَشَجَرَ الْخِلَافِ بِتَخْفِيفِ اللَّامِ كَالْقَصَبِ فِي ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ الْوَجْهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، فَإِمَّا أَنْ يُعْتَبَرَ الِانْتِفَاعُ فِي الْكُلِّ أَوْ لَا يُعْتَبَرَ.
أُجِيبَ بِأَنَّ تَكْلِيفَ الْبَائِعِ قَطْعَ مَا اسْتَثْنَى يُؤَدِّي إلَى أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يُرَادُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَلَا بُعْدَ فِي تَأْخِيرِ وُجُوبِ الْقَطْعِ حَالًا لِمَعْنًى بَلْ قَدْ عَهِدَ تَخَلُّفَهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَذَلِكَ فِي بَيْعِ الثَّمَرَةِ مِنْ مَالِكِ الشَّجَرَةِ كَمَا سَيَأْتِي (وَلَا يَدْخُلُ) فِي مُطْلَقِ بَيْعِ الْأَرْضِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، أَوْ قَالَ بِحُقُوقِهَا كَمَا قَالَهُ الْقَمُولِيُّ وَغَيْرُهُ (مَا يُؤْخَذُ) بِقَلْعٍ أَوْ قَطْعٍ (دَفْعَةً) وَاحِدَةً (كَحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ وَسَائِرِ) أَيْ بَاقِي (الزُّرُوعِ) كَالْفُجْلِ وَالْجَزَرِ وَقُطْنِ خُرَاسَانَ وَالثُّومِ وَالْبَصَلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلدَّوَامِ، فَأَشْبَهَ مَنْقُولَاتِ الدَّارِ.
تَنْبِيهٌ عَدَّ الشَّيْخَانِ مِمَّا يُؤْخَذُ دَفْعَةً السِّلْقَ بِكَسْرِ السِّينِ وَاعْتَرَضَهُمَا جَمَاعَةٌ بِأَنَّهُ مِمَّا يُجَزُّ مِرَارًا.
وَأَجَابَ عَنْهُ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّهُ نَوْعَانِ: نَوْعٌ يُؤْخَذُ دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَهُوَ مَا أَرَادَهُ الشَّيْخَانِ، وَنَوْعٌ مِمَّا يُجَزُّ مِرَارًا، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِمِصْرَ وَأَكْثَرِ بِلَادِ الشَّامِ.

(وَيَصِحُّ بَيْعُ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ) قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا الزَّرْعُ الَّذِي لَا يَدْخُلُ (عَلَى الْمَذْهَبِ) كَمَا لَوْ بَاعَ دَارًا مَشْحُونَةً بِأَمْتِعَةٍ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي، تَخْرِيجُهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي بَيْعِ الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ لِغَيْرِ الْمُكْتَرِي: أَحَدُهُمَا الْبُطْلَانُ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ يَدَ الْمُسْتَأْجِرِ حَائِلَةٌ. أَمَّا الزَّرْعُ الَّذِي يَدْخُلُ فَلَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ بِلَا خِلَافٍ، فَتَقْيِيدُ الشَّارِحِ لِأَجْلِ مَحَلِّ الْخِلَافِ وَلِأَجْلِ قَوْلِهِ (وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إنْ جَهِلَهُ) أَيْ الزَّرْعَ الَّذِي لَا يَدْخُلُ بِأَنْ كَانَ قَدْ رَآهَا قَبْلَهُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: أَوْ لَمْ يَسْتُرْهَا الزَّرْعُ: أَيْ كَأَنْ رَآهَا مِنْ خِلَالِهِ. فَإِنْ قِيلَ إذَا رَآهَا مِنْ خِلَالِهِ لَا خِيَارَ لَهُ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ جَهِلَ كَوْنَهُ بَاقِيًا إلَى الشِّرَاءِ وَإِلَّا فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنَّهُ رَأَى الزَّرْعَ وَلَهُ الْخِيَارُ؟ . نَعَمْ إنْ تَرَكَهُ لَهُ الْبَائِعُ وَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِتَمْلِيكٍ أَوْ قَصُرَ زَمَنُ التَّفْرِيغِ سَقَطَ خِيَارُهُ. أَمَّا الْعَالِمُ بِذَلِكَ فَلَا خِيَارَ لَهُ لِتَقْصِيرِهِ. نَعَمْ إنْ ظَهَرَ أَمْرٌ يَقْتَضِي تَأْخِيرَ الْحَصَادِ عَنْ وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ فَلَهُ الْخِيَارُ (وَلَا يَمْنَعُ الزَّرْعُ) الْمَذْكُورُ (دُخُولَ الْأَرْضِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَضَمَانُهُ إذَا حَصَلَتْ التَّخْلِيَةُ فِي الْأَصَحِّ) لِوُجُودِ التَّسْلِيمِ فِي عَيْنِ الْمَبِيعِ. وَالثَّانِي: يُمْنَعُ كَمَا تُمْنَعُ الْأَمْتِعَةُ الْمَشْحُونِ بِهَا الدَّارُ مِنْ قَبْضِهَا، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ تَفْرِيغَ الدَّارِ مُتَأَتٍّ فِي الْحَالِ غَالِبًا بِخِلَافِ الْأَرْضِ (وَالْبَذْرُ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ (كَالزَّرْعِ)

(2/484)


وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لا أجرة لِلْمُشْتَرَيْ مُدَّةَ بَقَاءِ الزَّرْعِ.

وَلَوْ بَاعَ أَرْضًا مَعَ بَذْرٍ أَوْ زَرْعٍ لَا يُفْرَدُ بِالْبَيْعِ بَطَلَ فِي الْجَمِيعِ، وَقِيلَ فِي الْأَرْضِ قَوْلَانِ.

وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ الْحِجَارَةُ الْمَخْلُوقَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
فَالْبَذْرُ الَّذِي لَا ثَبَاتَ لِنَبَاتِهِ، وَيُؤْخَذُ دَفْعَةً وَاحِدَةً لَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ وَيَبْقَى إلَى أَوَانِ الْحَصَادِ، وَمِثْلُهُ الْقَلْعُ فِيمَا يُقْلَعُ، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إنْ جَهِلَهُ وَتَضَرَّرَ بِهِ وَصَحَّ قَبْضُهَا مَشْغُولَةً بِهِ، وَلَا أُجْرَةَ لَهُ مُدَّةَ بَقَائِهِ، فَإِنْ تَرَكَهُ لَهُ الْبَائِعُ سَقَطَ خِيَارُهُ وَعَلَيْهِ الْقَبُولُ، وَلَوْ قَالَ آخُذُهُ وَأُفْرِغُ الْأَرْضَ وَأَمْكَنَ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ وَلَمْ يَضُرَّ سَقَطَ خِيَارُهُ وَالْبَذْرُ الَّذِي يَدُومُ كَنَوَى النَّخْلِ وَبَزْرِ الْكُرَّاثِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْبُقُولِ حُكْمُهُ فِي الدُّخُولِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ كَالشَّجَرِ (وَالْأَصَحُّ) وَفِي الرَّوْضَةِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ (أَنَّهُ لِلْمُشْتَرِي مُدَّةَ بَقَاءِ الزَّرْعِ) قَالَ الشَّارِحُ: الَّذِي جَهِلَهُ وَأَجَازَ كَمَا لَا أَرْشَ فِي الْإِجَازَةِ بِالْعَيْبِ اهـ.
وَلِأَنَّهُ بِالْإِجَازَةِ رَضِيَ بِتَلَفِ الْمَنْفَعَةِ تِلْكَ الْمُدَّةَ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَ دَارًا مَشْحُونَةً بِأَمْتِعَةٍ فَإِنَّهُ لَا أُجْرَةَ لِمُدَّةِ التَّفْرِيغِ، وَالثَّانِي: لَهُ الْأُجْرَةُ. قَالَ فِي الْبَسِيطِ: لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مُتَمَيِّزَةٌ عَنْ الْمَعْقُودِ لَهُ: أَيْ فَلَيْسَتْ كَالْعَيْبِ. أَمَّا إذَا كَانَ عَالِمًا فَلَا أُجْرَةَ لَهُ جَزْمًا، فَتَقْيِيدُ الشَّارِحِ لِأَجْلِ مَحَلِّ الْخِلَافِ.

(وَلَوْ بَاعَ أَرْضًا مَعَ بَذْرٍ أَوْ زَرْعٍ) بِهَا (لَا يُفْرَدُ بِالْبَيْعِ) عَنْهَا: أَيْ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَحْدَهُ وَالزَّرْعُ الَّذِي لَا يُفْرَدُ بِالْبَيْعِ كَبُرٍّ لَمْ يُرَ: كَأَنْ يَكُونَ فِي سُنْبُلِهِ أَوْ كَانَ مَسْتُورًا بِالْأَرْضِ كَالْفُجْلِ وَالْبَذْرِ الَّذِي لَا يُفْرَدُ بِالْبَيْعِ هُوَ مَا لَمْ يَرَهُ أَوْ تَغَيَّرَ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ أَوْ امْتَنَعَ عَلَيْهِ أَخَذَهُ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ (بَطَلَ) الْبَيْعُ (فِي الْجَمِيعِ) جَزْمًا لِلْجَهْلِ بِأَحَدِ الْمَقْصُودَيْنِ وَتَعَذَّرَ التَّوْزِيعُ. نَعَمْ إنْ دَخَلَ فِيهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ بِأَنْ كَانَ دَائِمَ الثَّبَاتِ صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ وَكَأَنَّهُ ذَكَرَهُ تَأْكِيدًا كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ، وَإِنْ فَرَضُوهُ فِي الْبَذْرِ. فَإِنْ قِيلَ: يُشْكِلُ إذَا لَمْ يَرَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ بِبَيْعِ الْجَارِيَةِ مَعَ حَمْلِهَا؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَمْلَ غَيْرُ مُتَحَقَّقِ الْوُجُودِ بِخِلَافٍ مَا هُنَا، فَاغْتُفِرَ فِيهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْحَمْلِ (وَقِيلَ فِي الْأَرْضِ قَوْلَانِ) أَحَدُهُمَا كَالْأَوَّلِ، وَالثَّانِي: الصِّحَّةُ فِيهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ.
تَنْبِيهٌ ذَكَرَ فِي الْمُحَرَّرِ الْبَذْرَ بَعْدَ صِفَةِ الزَّرْعِ وَقَدَّمَهُ فِي الْكِتَابِ. قِيلَ: لِتَعُودَ الصِّفَةُ إلَيْهِ أَيْضًا فَيَخْرُجَ بِهَا مَا رُئِيَ قَبْلَ الْعَقْدِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ وَقَدَرَ عَلَى أَخْذِهِ فَإِنَّهُ يُفْرَدُ بِالْبَيْعِ، وَلَمْ يُنَبِّهْ فِي الدَّقَائِقِ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ أَطْلَقَ الْبَذْرَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، وَلَمْ يَقُلْ الْمُصَنِّفُ لَا يُفْرَدَانِ؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ فِي الْعَطْفِ بِأَوْ إفْرَادُ الضَّمِيرِ وَالزَّرْعُ الَّذِي يُفْرَدُ بِالْبَيْعِ كَالْقَصِيلِ الَّذِي لَمْ يُسَنْبِلْ أَوْ سَنْبَلَ وَثَمَرَتُهُ ظَاهِرَةٌ كَالذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ.

(وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ الْحِجَارَةُ الْمَخْلُوقَةُ)

(2/485)


فِيهَا، دُونَ الْمَدْفُونَةِ، وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي إنْ عَلِمَ، وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ النَّقْلُ، وَكَذَا إنْ جَهِلَ وَلَمْ يَضُرَّ قَلْعُهَا، وَإِنْ ضَرَّ فَلَهُ الْخِيَارُ، فَإِنْ أَجَازَ لَزِمَ الْبَائِعَ النَّقْلُ وَتَسْوِيَةُ الْأَرْضِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
أَوْ الْمُثْبَتَةُ (فِيهَا) ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَجْزَائِهَا، فَإِنْ كَانَتْ تَضُرُّ بِالزَّرْعِ أَوْ الْغَرْسِ فَهُوَ عَيْبٌ إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ تُقْصَدُ لِذَلِكَ مُثْبِتٌ لِلْخِيَارِ (دُونَ الْمَدْفُونَةِ) فِيهَا كَالْكُنُوزِ فَلَا تَدْخُلُ فِيهَا كَبَيْعِ دَارٍ فِيهَا أَمْتِعَةٌ (وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي إنْ عَلِمَ) الْحَالَ وَلَوْ ضَرَّ قَلْعُهَا. نَعَمْ إنْ جَهِلَ ضَرَرَهَا وَكَانَ لَا يَزُولُ بِالْقَلْعِ أَوْ تَتَعَطَّلُ بِهِ مُدَّةً لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ فَلَهُ الْخِيَارُ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي (وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ) الْقَلْعُ وَ (النَّقْلُ) تَفْرِيغًا لِمِلْكِ الْمُشْتَرِي، بِخِلَافِ الزَّرْعِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَمَدًا يُنْتَظَرُ، وَلِلْبَائِعِ التَّفْرِيغُ أَيْضًا وَإِنْ ضَرَّ الْمُشْتَرِي وَيَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ حُفَرِ الْأَرْضِ الْحَاصِلَةِ بِالْقَلْعِ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: بِأَنْ يُعِيدَ التُّرَابَ الْمُزَالَ بِالْقَلْعِ مِنْ فَوْقِ الْحِجَارَةِ مَكَانَهُ: أَيْ وَإِنْ لَمْ يُسَوِّ، إذْ يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ يُسَوِّيهَا بِتُرَابٍ آخَرَ مِنْ مَكَان خَارِجٍ أَوْ مِمَّا فِيهَا؛ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ إيجَابَ عَيْنٍ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ، وَفِي الثَّانِي تَغْيِيرُ الْمَبِيعِ وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ لِمُدَّةِ ذَلِكَ وَإِنْ طَالَتْ (وَكَذَا) لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي (إنْ جَهِلَ) الْحَالَ (وَلَمْ يَضُرَّ قَلْعُهَا) بِأَنْ لَمْ تَنْقُصْ الْأَرْضُ بِهِ وَلَمْ يُحْوِج النَّقْلُ وَالتَّسْوِيَةُ إلَى مُدَّةِ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ سَوَاءٌ أَضَرَّ تَرْكُهَا أَمْ لَا، وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ النَّقْلُ وَتَسْوِيَةُ الْأَرْضِ وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ لِمُدَّةِ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ (وَإِنْ ضَرَّ) قَلْعُهَا بِأَنْ نَقَصَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ أَحْوَجَ التَّفْرِيغُ وَتَسْوِيَةُ الْأَرْضِ لِمُدَّةٍ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ (فَلَهُ الْخِيَارُ) ضَرَّ تَرْكُهَا أَمْ لَا، وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِقَوْلِ الْبَائِعِ أَنَا أَغْرَمُ لَكَ الْأُجْرَةَ وَالْأَرْشَ لِلْمِنَّةِ، فَلَوْ تَرَكَ لَهُ الْحِجَارَةَ وَتَرْكُهَا لَا يَضُرُّ الْمُشْتَرِي سَقَطَ خِيَارُهُ. فَإِنْ قِيلَ فِي ذَلِكَ مِنَّةٌ أَيْضًا.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمِنَّةِ الَّتِي فِيهَا حَصَلَتْ بِمَا هُوَ مُتَّصِلٍ بِالْمَبِيعِ يُشْبِهُ جُزْأَهُ بِخِلَافِهَا فِي ذَلِكَ، وَهَذَا التَّرْكُ إعْرَاضٌ لَا تَمْلِيكٌ، فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فِيهِ وَيَعُودُ بِرُجُوعِهِ خِيَارُ الْمُشْتَرِي. نَعَمْ لَوْ وَهَبَهَا لَهُ وَاجْتَمَعَتْ شُرُوطُ الْهِبَةِ حَصَلَ الْمِلْكُ وَلَا رُجُوعَ لِلْبَائِعِ فِيهَا، فَإِنْ فُقِدَ مِنْهَا شَرْطٌ فَهُوَ إعْرَاضٌ كَالتَّرْكِ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَطَلَ الْخُصُوصُ بَقِيَ الْعُمُومُ (فَإِنْ أَجَازَ) حَيْثُ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ (لَزِمَ الْبَائِعَ) الْقَلْعُ وَ (النَّقْلُ) تَفْرِيغًا لِمِلْكِ الْمُشْتَرِي (وَ) لَزِمَهُ (تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ) كَمَا سَبَقَ سَوَاءٌ أَنَقَلَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَمْ بَعْدَهُ، فَلَوْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِتَرْكِهَا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فَفِيهِ مَا سَبَقَ.
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُ لَوْ جَهِلَ ضَرَرَ التَّرْكِ فَقَطْ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ، وَاسْتَدْرَكَ النَّسَائِيُّ وَالْإِسْنَوِيُّ عَلَيْهِمَا بِأَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ غَيْرِهِمَا ثُبُوتُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَطْمَعُ فِي أَنَّ الْبَائِعَ قَدْ يَتْرُكُهَا لَهُ، وَرُدَّ هَذَا الِاسْتِدْرَاكُ بِأَنَّ طَمَعَهُ فِي تَرْكِهَا لَا يَصْلُحُ عِلَّةً لِثُبُوتِ الْخِيَارِ وَلَا يُقَاسُ

(2/486)


وَفِي وُجُوبِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ مُدَّةَ النَّقْلِ أَوْجُهٌ. أَصَحُّهَا تَجِبُ إنْ نَقَلَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا قَبْلَهُ.

وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْبُسْتَانِ الْأَرْضُ وَالشَّجَرُ وَالْحِيطَانُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
ثُبُوتُهُ عَلَى ثُبُوتِهِ فِيمَا لَوْ ضَرَّ قَلْعُهَا دُونَ تَرْكِهَا كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّهُ ثَمَّ جَاهِلٌ بِهَا وَهُنَا عَالِمٌ بِهَا.

(وَفِي وُجُوبِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ مُدَّةَ النَّقْلِ) إذَا نَقَلَ الْبَائِعُ فِي مُدَّةٍ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ (أَوْجُهٌ: أَصَحُّهَا تَجِبُ إنْ نَقَلَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا قَبْلَهُ) حَيْثُ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ التَّفْرِيغَ الْمُفَوِّتَ لِلْمَنْفَعَةِ مُدَّةَ جِنَايَةٍ مِنْ الْبَائِعِ وَهِيَ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا قَبْلَهُ لِمَا مَرَّ أَنَّ جِنَايَتَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ [كَالْآفَةِ. وَالثَّانِي: تَجِبُ مُطْلَقًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَضْمَنُ جِنَايَتَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ] . وَالثَّالِثَ: لَا تَجِبُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ إجَازَةَ الْمُشْتَرِي رِضًا بِتَلَفِ الْمَنْفَعَةِ مُدَّةَ النَّقْلِ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ كَمَا قَالَا فِي وُجُوبِ الْأَرْشِ فِيمَا لَوْ بَقِيَ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ التَّسْوِيَةِ عَيْبٌ وَإِنْ اسْتَبْعَدَهُ السُّبْكِيُّ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: فَلَوْ بَاعَ الْبَائِعُ الْأَحْجَارَ بِطَرِيقِهِ فَهَلْ يَحِلُّ الْمُشْتَرِي مَحَلَّ الْبَائِعِ أَوْ تَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْبَائِعِ؟ لَمْ أَقِفْ فِيهِ عَلَى نَقْلٍ، وَالْأَصَحُّ الثَّانِي اهـ.
وَهَذَا أَوْجَهُ مِمَّا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ عَدَمِ اللُّزُومِ. أَمَّا إذَا لَمْ يُخَيِّرْ فَإِنَّهُ لَا أُجْرَةَ لَهُ وَإِنْ طَالَتْ مُدَّةُ التَّفْرِيغِ وَلَوْ بَعْدَ الْقَبْضِ.

تَنْبِيهٌ هَلْ تَجِبُ أُجْرَةُ مُدَّةِ تَفْرِيغِ الْأَرْضِ مِنْ الزَّرْعِ كَمُدَّةِ تَفْرِيغِهَا مِنْ الْحِجَارَةِ وَإِنْ لَمْ تَجِبْ لِمُدَّةِ بَقَائِهِ كَمَا مَرَّ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: نَعَمْ.
وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخِي: عَدَمُ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِمُدَّةِ بَقَائِهِ، وَلَوْ أَحْدَثَ الْمُشْتَرِي فِي هَذِهِ الْأَرْضِ غَرْسًا وَهُوَ جَاهِلٌ بِالْأَحْجَارِ ثُمَّ عَلِمَ بِهَا فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْقَلْعِ تَفْرِيغًا لِمِلْكِهِ، وَيَضْمَنُ الْبَائِعُ نَقْصًا حَدَثَ بِالْقَلْعِ فِي الْغِرَاسِ، وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي إنْ اخْتَصَّ النَّقْصُ الْمَذْكُورُ بِالْغِرَاسِ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ رَاجِعٌ لِغَيْرِ الْمَبِيعِ؛ وَلِأَنَّ الْغِرَاسَ عَيْبٌ فِي الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ وَقَدْ حَدَثَ عِنْدَهُ، فَإِنْ نَقَصَتْ الْأَرْضُ بِالْأَحْجَارِ فَلَهُ قَلْعُ الْغِرَاسِ وَالْفَسْخُ إنْ لَمْ يَحْصُلْ بِالْغَرْسِ وَقَلْعِ الْمَغْرُوسِ نَقْصٌ فِي الْأَرْضِ وَإِلَّا فَهُوَ عَيْبٌ حَدَثَ عِنْدَهُ يَمْنَعُ الرَّدَّ وَيُوجِبُ الْأَرْشَ، وَإِنْ أَحْدَثَ الْغَرْسُ عَالِمًا بِالْأَحْجَارِ فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْقَلْعِ تَفْرِيغًا لِمِلْكِهِ كَمَا مَرَّ، وَلَا يَضْمَنُ الْبَائِعُ أَرْشَ نَقْصِ الْغِرَاسِ، وَلَوْ كَانَ فَوْقَ الْأَحْجَارِ زَرْعٌ لِأَحَدِهِمَا تُرِكَ إلَى أَوَانِ حَصَادِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَمَدًا يُنْتَظَرُ بِخِلَافِ الْغِرَاسِ، وَلَا أُجْرَةَ لِمُدَّةِ بَقَائِهِ، وَإِذَا قَلَعَهَا الْبَائِعُ بَعْدَ الْحَصَادِ فَعَلَيْهِ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ. .

ثُمَّ شَرَعَ فِي اللَّفْظِ الثَّانِي وَهُوَ الْبُسْتَانُ، فَقَالَ: (وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْبُسْتَانِ) وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَجَمْعُهُ بَسَاتِينُ. وَالْبَاغُ، وَهُوَ الْبُسْتَانُ بِالْعَجَمِيَّةِ وَالْكَرْمُ وَالْحَدِيقَةُ وَالْجُنَيْنَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (الْأَرْضُ وَالشَّجَرُ وَالْحِيطَانُ) الْمُحِيطَةُ بِهَا لِدُخُولِهَا فِي مُسَمَّى الْبُسْتَانِ، بَلْ لَا

(2/487)


وَكَذَا الْبِنَاءُ عَلَى الْمَذْهَبِ.

وَفِي بَيْعِ الْقَرْيَةِ الْأَبْنِيَةُ وَسَاحَاتٌ يُحِيطُ بِهَا السُّورُ، لَا الْمَزَارِعُ عَلَى الصَّحِيحِ.

وَفِي بَيْعِ الدَّارِ الْأَرْضُ، وَكُلُّ بِنَاءٍ حَتَّى حَمَّامُهَا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
يُسَمَّى بُسْتَانًا بِدُونِ حَائِطٍ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ (وَكَذَا) يَدْخُلُ (الْبِنَاءُ) الَّذِي فِيهِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) وَقِيلَ لَا يَدْخُلُ، وَقِيلَ فِي دُخُولِهِ قَوْلَانِ، وَهِيَ الطُّرُقُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي دُخُولِهِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ، وَيُدْخَلُ عَرِيشٌ تُوضَعُ عَلَيْهِ قُضْبَانُ الْعِنَبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، وَلَا تَدْخُلُ الْمَزَارِعُ الَّتِي حَوْلَ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْهَا، وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ الْبُسْتَانَ دَخَلَتْ الْأَبْنِيَةُ وَالْأَشْجَارُ جَمِيعًا، أَوْ هَذِهِ الْحَائِطَ الْبُسْتَانَ، أَوْ هَذِهِ الْمَحُوطَةُ دَخَلَ الْحَائِطُ الْمُحِيطُ وَمَا فِيهِ مِنْ شَجَرٍ وَبِنَاءٍ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي اللَّفْظِ الثَّالِثَ وَهُوَ الْقَرْيَةُ وَنَحْوُهَا، فَقَالَ (وَ) يَدْخُلُ (فِي بَيْعِ الْقَرْيَةِ) عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (الْأَبْنِيَةُ) مِنْ سُورٍ وَغَيْرِهِ (وَسَاحَاتٍ) وَأَشْجَارٍ (يُحِيطُ بِهَا السُّورُ) بِخِلَافِ الْخَارِجِ عَنْهُ (لَا الْمَزَارِعُ) وَالْأَشْجَارُ الَّتِي حَوْلَهَا فَلَا تَدْخُلُ (عَلَى الصَّحِيحِ) وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَهَا بِحُقُوقِهَا؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ لَا يَقْتَضِي دُخُولَهَا، وَلِهَذَا لَا يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الْقَرْيَةَ بِدُخُولِهَا، وَالثَّانِي: تَدْخُلُ، وَالثَّالِثُ: إنْ قَالَ بِحُقُوقِهَا دَخَلَتْ وَإِلَّا فَلَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا سُورٌ دَخَلَ مَا اخْتَلَطَ بِبِنَائِهَا مِنْ الْمَسَاكِنِ وَالْأَبْنِيَةِ، وَلَا تَدْخُلُ الْأَبْنِيَةُ الْخَارِجَةُ عَنْ السُّورِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِيهِ نَظَرٌ، وَسَكَتَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْحَرِيمِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِدُخُولِ حَرِيمِ الدَّارِ فِي بَيْعِهَا فَيَأْتِي مِثْلُهُ هُنَا، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ دُخُولِ السُّورِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَلَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ تَحْتَ اسْمِهَا وَحَيْثُ دَخَلَ السُّورُ دَخَلَتْ الْمَزَارِعُ الَّتِي مِنْ دَاخِلِهِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَمِثْلُ الْقَرْيَةِ فِيمَا مَرَّ الدَّسْكَرَةُ، وَتُقَالُ لِقَصْرٍ حَوْلَهُ بُيُوتٌ، وَلِلْقَرْيَةِ وَالْأَرْضِ الْمُسْتَوِيَةِ وَالصَّوْمَعَةِ وَلِبُيُوتِ الْأَعَاجِمِ يَكُونُ فِيهَا الشَّرَابُ وَالْمَلَاهِي.

ثُمَّ شَرَعَ فِي اللَّفْظِ الرَّابِعَ وَهُوَ الدَّارُ فَقَالَ (وَ) يَدْخُلُ (فِي بَيْعِ الدَّارِ) عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (الْأَرْضُ) إجْمَاعًا إذَا كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِلْبَائِعِ، فَإِنْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً أَوْ مُحْتَكَرَةً لَمْ تَدْخُلْ، وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي إذَا كَانَ جَاهِلًا بِذَلِكَ (وَكُلُّ بِنَاءٍ) مِنْ عُلْوٍ وَسُفْلٍ؛ لِأَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِلْبِنَاءِ وَالْأَرْضِ، وَتَدْخُلُ الْأَجْنِحَةُ وَالرَّوَاشِنُ وَالدَّرَجُ وَالْمَرَاقِي الْمَعْقُودَةُ وَالسَّقْفُ وَالْآجُرُّ وَالْبَلَاطُ الْمَفْرُوشُ الثَّابِتُ فِي الْأَرْضِ (حَتَّى حَمَّامُهَا) الْمُثْبَتُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَرَافِقِهَا. وَحُكِيَ عَنْ النَّصِّ أَنَّ حَمَّامَهَا لَا يَدْخُلُ، وَحَمَلَهُ الرَّبِيعُ عَلَى حَمَّامَاتِ الْحِجَازِ، وَهِيَ بُيُوتٌ مِنْ خَشَبٍ تُنْقَلُ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ حَمَّامُهَا مَرْفُوعٌ، قِيلَ: لِأَنَّ حَتَّى عَاطِفَةٌ كَالْوَاوِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ ابْنَ مَالِكٍ

(2/488)


لَا الْمَنْقُولُ كَالدَّلْوِ وَالْبَكْرَةِ وَالسَّرِيرِ، وَتَدْخُلُ الْأَبْوَابُ الْمَنْصُوبَةُ وَحِلَقُهَا وَالْإِجَّانَاتُ وَالرَّفُّ وَالسُّلَّمُ الْمُسَمَّرَانِ، وَكَذَا الْأَسْفَلُ مِنْ حَجَرَيْ الرَّحَى عَلَى الصَّحِيحِ، وَالْأَعْلَى وَمِفْتَاحُ غَلْقٍ مُثْبَتٌ فِي الْأَصَحِّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
ذَكَرَ أَنَّ عَطْفَ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ يَخْتَصُّ بِالْوَاوِ، فَالْأَحْسَنُ أَنْ تَكُونَ ابْتِدَائِيَّةً وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ: أَيْ يَدْخُلُ، وَيَدْخُلُ شَجَرٌ رَطْبٌ مَغْرُوسٌ فِيهَا أَمَّا الْيَابِسُ فَلَا يَدْخُلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ، وَتَدْخُلُ حَرِيمُهَا بِشَجَرِهِ الرَّطْبِ إنْ كَانَتْ فِي طَرِيقٍ لَا يَنْفُذُ، فَإِنْ كَانَتْ فِي طَرِيقٍ نَافِذٍ فَلَا حَرِيمَ لَهَا (لَا الْمَنْقُولُ كَالدَّلْوِ وَالْبَكْرَةِ) بِإِسْكَانِ الْكَافِ أَشْهَرُ مِنْ فَتْحِهَا (وَالسَّرِيرِ) غَيْرِ الْمُسَمَّرِ وَالدَّفِينِ، فَلَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ؛ لِأَنَّ اسْمَهَا لَا يَتَنَاوَلُهُ (وَتَدْخُلُ الْأَبْوَابُ الْمَنْصُوبَةُ وَحِلَقُهَا) بِفَتْحِ اللَّامِ وَغَلَقُهَا الْمُثْبَتُ وَالْخَوَابِي وَمَعَاجِنُ الْخَبَّازِينَ وَخَشَبُ الْقَصَّارِينَ (وَالْإِجَّانَاتُ) الْمُثْبَتَةُ، وَهِيَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ مَا يُغْسَلُ فِيهَا (وَالرَّفُّ وَالسُّلَّمُ) بِفَتْحِ اللَّامِ (الْمُسَمَّرَانِ) وَمِثْلُ التَّسْمِيرِ التَّطْيِينُ (وَكَذَا) يَدْخُلُ (الْأَسْفَلُ مِنْ حَجَرَيْ الرَّحَى عَلَى الصَّحِيحِ) لِثَبَاتِهِ. وَالثَّانِي: لَا يَدْخُلُ؛ لِأَنَّهُ مَنْقُولٌ وَإِنَّمَا أُثْبِتَ لِسُهُولَةِ الِارْتِفَاقِ بِهِ كَيْ لَا يَتَزَحْزَحَ عِنْدَ الِاسْتِعْمَالِ (وَ) يَدْخُلُ (الْأَعْلَى) أَيْضًا مِنْ الْحَجَرَيْنِ (وَمِفْتَاحُ غَلْقٍ مُثْبَتٌ فِي الْأَصَحِّ) وَهُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ: مَا يُغْلَقُ بِهِ الْبَابُ؛ لِأَنَّهُمَا تَابِعَانِ لِشَيْءٍ مُثْبَتٍ بِخِلَافِ مِفْتَاحِ الْقُفْلِ، فَإِنَّ الْقُفْلَ لَا يَدْخُلُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُثْبَتٍ. وَالثَّانِي: لَا يَدْخُلَانِ نَظَرًا إلَى أَنَّهُمَا مَنْقُولَانِ، وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى دُخُولِ الْأَسْفَلِ، صَرَّحَ بِهِ فِي الشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَأَسْقَطَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ كَالْمِنْهَاجِ، وَأَسْقَطَ مِنْهُ تَقْيِيدَ الْإِجَّانَاتِ بِالْمُثْبَتَةِ وَحِكَايَةُ وَجْهٍ فِيهَا وَفِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بَعْدَهَا وَلَفْظُ الْمُحَرَّرِ، وَكَذَا الْإِجَّانَاتُ وَالرُّفُوفُ الْمُثْبَتَةُ وَالسَّلَالِمُ الْمُسَمَّرَةُ وَالتَّحْتَانِيُّ مِنْ حَجَرَيْ الرَّحَى عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، فَفَهِمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ التَّقْيِيدَ وَحِكَايَةَ الْخِلَافِ لِمَا وَلِيَاهُ فَقَطْ، وَتَدْخُلُ أَلْوَاحُ الدَّكَاكِينِ وَكُلُّ مُنْفَصِلٍ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ نَفْعٌ مُتَّصِلٌ كَرَأْسِ التَّنُّورِ وَصُنْدُوقِ الْبِئْرِ وَالطَّاحُونِ وَآلَاتِ السَّفِينَةِ. فَإِنْ قِيلَ: لَمْ يُقَيِّدُوا أَلْوَاحَ الدَّكَاكِينِ بِالْمَنْصُوبَةِ كَمَا فَعَلُوا فِي بَابِ الدَّارِ لِمَاذَا؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ فِي انْفِصَالِ أَلْوَاحِ الدَّكَاكِينِ بِخِلَافِ بَابِ الدَّارِ.
فَرْعٌ: لَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَنَحْوِهَا إذَا كَانَ بِهَا بِئْرُ مَاءٍ مَاءُ الْبِئْرِ الْحَاصِلُ حَالَةَ الْبَيْعِ كَالثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ وَمَاءُ الصِّهْرِيجِ، فَإِنْ لَمْ يُشْرَطْ دُخُولَهُ فِي الْعَقْدِ فَسَدَ لِاخْتِلَاطِهِ بِالْحَادِثِ، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَحْدَهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ دُخُولِهِ لِيَصِحَّ الْبَيْعُ بِخِلَافِ مَاءِ الصِّهْرِيجِ، وَيَدْخُلُ

(2/489)


وَفِي بَيْعِ الدَّابَّةِ نَعْلُهَا، وَكَذَا ثِيَابُ الْعَبْدِ فِي بَيْعِهِ فِي الْأَصَحِّ قُلْت: الْأَصَحُّ لَا تَدْخُلُ ثِيَابُ الْعَبْدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

فَرْعٌ: بَاعَ شَجَرَةً دَخَلَ عُرُوقُهَا وَوَرَقُهَا وَفِي وَرَقِ التُّوتِ وَجْهٌ، وَأَغْصَانُهَا إلَّا الْيَابِسَ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
فِي بَيْعِهَا الْمَعَادِنُ الْبَاطِنَةُ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا الظَّاهِرَةُ كَالْمِلْحِ وَالنُّورَةِ وَالْكِبْرِيتِ، فَحُكْمُ الظَّاهِرِ كَالْمَاءِ الْحَاصِلِ فِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا ذُكِرَ وَلَا تَدْخُلُ هِيَ فِيهِ إلَّا بِشَرْطِ دُخُولِهَا.

ثُمَّ شَرَعَ فِي اللَّفْظِ الْخَامِسِ وَهُوَ الْحَيَوَانُ فَقَالَ (وَ) يَدْخُلُ (فِي بَيْعِ الدَّابَّةِ نَعْلُهَا) وَبَرَّتُهَا، وَهِيَ حَلْقَةٌ تُجْعَلُ فِي أَنْفِهَا إنْ لَمْ يَكُونَا ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً، وَإِلَّا فَلَا يَدْخُلَانِ لِلْعُرْفِ فِيهِمَا وَلِحُرْمَةِ اسْتِعْمَالِهَا حِينَئِذٍ، وَلَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا الْعَذَارُ وَالْمِقْوَدُ وَاللِّجَامُ وَالسَّرْجُ اقْتِصَارًا عَلَى مُقْتَضَى اللَّفْظِ (وَكَذَا) تَدْخُلُ (ثِيَابُ الْعَبْدِ) الَّتِي عَلَيْهِ (فِي بَيْعِهِ فِي الْأَصَحِّ) لِلْعُرْفِ (قُلْت: الْأَصَحُّ لَا تَدْخُلُ ثِيَابُ الْعَبْدِ) فِي بَيْعِهِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَلَوْ كَانَتْ سَاتِرَةَ الْعَوْرَةِ اقْتِصَارًا عَلَى مُقْتَضَى اللَّفْظِ، وَالْأَمَةُ كَالْعَبْدِ كَمَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى، وَلَا يَدْخُلُ الْقُرْطُ الَّذِي فِي أُذُنِ الرَّقِيقِ، وَلَا الْخَاتَمُ الَّذِي فِي يَدِهِ بِلَا خِلَافٍ، وَجَعَلُوا الْمَدَاسَ كَذَلِكَ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ كَالثِّيَابِ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي اللَّفْظِ السَّادِسِ وَتَرْجَمَ لَهُ بِفَرْعٍ فَقَالَ: فَرْعٌ إذَا (بَاعَ شَجَرَةً) رَطْبَةً وَأَطْلَقَ وَلَوْ مَعَ الْأَرْضِ تَبَعًا أَوْ بِالتَّصْرِيحِ (دَخَلَ عُرُوقُهَا) إنْ لَمْ يَشْرُطْ قَطْعَهَا (وَوَرَقُهَا) لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مُسَمَّاهَا، وَلَا فَرْقَ فِي دُخُولِ الْوَرَقِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ فِرْصَادٍ وَسِدْرٍ وَحِنَّاءٍ وَتُوتٍ أَبْيَضَ أَوْ غَيْرِهِ لِمَا ذُكِرَ (وَفِي وَرَقِ التُّوتِ) الْأَبْيَضِ الْأُنْثَى الْمَبِيعِ شَجَرَتُهُ فِي الرَّبِيعِ، وَقَدْ خَرَجَ (وَجْهٌ) أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ، وَكَذَا فِي وَرَقِ النَّبِقِ، وَصَحَّحَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ وَرَقَ الْحِنَّاءِ لَا يَدْخُلُ. وَعَلَّلَ عَدَمَ الدُّخُولِ فِيمَا ذُكِرَ بِأَنَّهُ كَثَمَرِ سَائِرِ الْأَشْجَارِ، وَالتُّوتُ بِتَاءَيْنِ عَلَى الْفَصِيحِ، وَفِي لُغَةٍ أَنَّهُ بِالْمُثَلَّثَةِ فِي آخِرِهِ (وَ) دَخَلَ (أَغْصَانُهَا إلَّا الْيَابِسَ) فَلَا يَدْخُلُ؛ لِأَنَّ الرَّطْبَةَ تُعَدُّ مِنْ أَجْزَائِهَا بِخِلَافِ الْيَابِسَةِ إذَا كَانَتْ الشَّجَرَةُ رَطْبَةً كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِيهِ الْقَطْعُ كَالثَّمَرَةِ.
تَنْبِيهٌ: شَمِلَ كَلَامُهُ أَغْصَانَ شَجَرِ الْخِلَافِ، وَفِيهِ خِلَافٌ، فَقَدْ صَرَّحَ الْإِمَامُ فِي مَوْضِعٍ بِالدُّخُولِ وَفِي آخَرَ بِعَدَمِهِ وَجُمِعَ بَيْنَهُمَا بِمَا قَالَهُ الْقَاضِي: إنَّ الْخِلَافَ نَوْعَانِ: مَا يُقْطَعُ مِنْ أَصْلِهِ فَتَدْخُلُ أَغْصَانُهُ، وَمَا يُتْرَكُ سَاقُهُ وَتُؤْخَذُ أَغْصَانُهُ فَلَا تَدْخُلُ وَيَدْخُلُ أَيْضًا الْكِمَامُ، وَهِيَ بِكَسْرِ الْكَافِ أَوْعِيَةُ الطَّلْعِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ ثَمَرُهَا مُؤَبَّرًا؛ لِأَنَّهَا تَبْقَى بِبَقَاءِ

(2/490)


وَيَصِحُّ بَيْعُهَا بِشَرْطِ الْقَلْعِ أَوْ الْقَطْعُ، وَبِشَرْطِ الْإِبْقَاءِ، وَالْإِطْلَاقُ يَقْتَضِي الْإِبْقَاءَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْمَغْرِسِ لَكِنْ يَسْتَحِقُّ مَنْفَعَتَهُ مَا بَقِيَتْ الشَّجَرَةُ. وَلَوْ كَانَتْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
الْأَغْصَانِ، وَمِثْلُهَا الْعُرْجُونُ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا وَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ لِمَنْ لَهُ الثَّمَرَةُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْعُرُوقِ وَالْأَوْرَاقِ بَيْنَ الْيَابِسَةِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الرَّافِعِيِّ أَيْضًا وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ، لَكِنْ فِي الْعُرُوقِ خَاصَّةً. اهـ.
وَيُؤْخَذُ مِنْ اقْتِصَارِ صَاحِبِ الْكِفَايَةِ عَلَى الْعُرُوقِ أَنَّ الْأَوْرَاقَ الْيَابِسَةَ لَا تَدْخُلُ وَهُوَ الْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخِي؛ لِأَنَّ الْوَرَقَ أَوْلَى بِعَدَمِ الدُّخُولِ مِنْ الْغُصْنِ الْيَابِسِ (وَيَصِحُّ بَيْعُهَا بِشَرْطِ الْقَلْعِ) وَتَدْخُلُ الْعُرُوقُ (أَوْ الْقَطْعُ) وَلَا تَدْخُلُ كَمَا مَرَّ بَلْ تُقْطَعُ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ (وَبِشَرْطِ الْإِبْقَاءِ) وَيُتْبَعُ الشَّرْطُ (وَالْإِطْلَاقُ) بِأَنْ لَمْ يَشْرِطْ قَلْعًا وَلَا قَطْعًا وَلَا إبْقَاءً (يَقْتَضِي الْإِبْقَاءَ) فِي الشَّجَرَةِ الرَّطْبَةِ لِلْعَادَةِ بِخِلَافِ الْيَابِسَةِ كَمَا سَيَأْتِي (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ) أَيْ الشَّأْنَ لَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا (الْمَغْرِسِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ مَوْضِعِ غَرْسِهَا حَيْثُ أُبْقِيَتْ؛ لِأَنَّ اسْمَ الشَّجَرَةِ لَا يَتَنَاوَلُهُ فَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ، وَلَا أَنْ يَغْرِسَ بَدَلَهَا إذَا قُلِعَتْ (لَكِنْ يَسْتَحِقُّ) الْمُشْتَرِي (مَنْفَعَتَهُ) فَيَجِبُ عَلَى مَالِكِهِ أَوْ مُسْتَحَقِّ مَنْفَعَتِهِ بِإِجَارَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْهُ (مَا بَقِيَتْ الشَّجَرَةُ) تَبَعًا لَهَا، وَلَوْ بَذَلَ مَالِكُهُ أَرْشَ الْقَلْعِ لِمَالِكِهَا وَأَرَادَ قَلْعَهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إبْقَاؤُهَا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ قَلْعُهَا، وَلَوْ تَفَرَّخَتْ مِنْهَا شَجَرَةٌ أُخْرَى فَهَلْ يَسْتَحِقُّ إبْقَاءَهَا إلْحَاقًا لَهَا بِمَا يَتَجَدَّدُ فِي الْأَصْلِ مِنْ الْعُرُوقِ وَالْغِلَظِ أَوْ يُؤْمَرُ بِقَطْعِهَا لِكَوْنِهَا لَمْ تَكُنْ حَالَةَ الْعَقْدِ، أَوْ يُفَرِّقُ بَيْنَ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ فِي اسْتِخْلَافِهِ وَبَيْنَ مَا لَمْ تَجْرِ بِهِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: فِيهِ احْتِمَالَاتٌ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ تَبْقَى مُدَّةَ الْأَصْلِ، فَإِنْ زَالَ أُزِيلَتْ اهـ.
وَهَذَا أَظْهَرُ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَمَا يُعْلَمُ اسْتِخْلَافُهُ كَشَجَرِ الْمَوْزِ، فَلَا شَكَّ فِي وُجُوبِ بَقَائِهِ اهـ.
وَالثَّانِي: يَدْخُلُ لِاسْتِحْقَاقِهِ مَنْفَعَتَهُ لَا إلَى غَايَةٍ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَلْ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا يُسَامِتُ الشَّجَرَةَ مِنْ الْأَرْضِ دُونَ مَا يَمْتَدُّ إلَيْهِ أَغْصَانُهَا أَمْ الْخِلَافُ فِي الْجَمِيعِ؟ ، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَيَلْزَمُ أَنْ يَتَجَدَّدَ لِلْمُشْتَرِي كُلُّ وَقْتِ مِلْكٌ لَمْ يَكُنْ اهـ.
وَالْأَوْجَهُ مَا قَالَهُ غَيْرُهُ: وَهُوَ مَا يُسَامِتُ أَصْلَ الشَّجَرَةِ خَاصَّةً وَالْمَوْضِعُ الَّذِي يَنْتَشِرُ فِيهِ عُرُوقُ الشَّجَرَةِ حَرِيمٌ لِلْمُغْرِسِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَغْرِسَ إلَى جَانِبِهَا مَا يَضُرُّ بِهَا، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ بَاعَ أَرْضًا وَاسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ شَجَرَةً هَلْ يَبْقَى لَهَا مَغْرِسُهَا أَوْ لَا، وَفِيمَا إذَا بَاعَ أَرْضًا فِيهَا مَيِّتٌ مَدْفُونٌ هَلْ يَبْقَى لَهُ مَكَانُ الدَّفْنِ أَوْ لَا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي أَوَّلِ الدَّفْنِ.
(وَلَوْ كَانَتْ) الشَّجَرَةُ الْمَبِيعَةُ مَعَ الْإِطْلَاقِ

(2/491)


يَابِسَةً لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ الْقَلْعُ.

وَثَمَرَةُ النَّخْلِ الْمَبِيعِ إنْ شُرِطَتْ لِلْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي عُمِلَ بِهِ، وَإِلَّا فَإِنْ لَمْ يَتَأَبَّرْ مِنْهَا شَيْءٌ فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي، وَإِلَّا فَلِلْبَائِعِ، وَمَا يَخْرُجُ ثَمَرُهُ بِلَا نَوْرٍ: كَتِينٍ وَعِنَبٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
(يَابِسَةً لَزِمَ الْمُشْتَرِي الْقَلْعَ) لِلْعَادَةِ فِي ذَلِكَ، وَتَعْبِيرُهُ بِالْقَلْعِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْمُحَرَّرِ بِالْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْعُرُوقَ لَا تَدْخُلُ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَإِنْ شَرَطَ قَطْعَهَا أَوْ قَلْعَهَا لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ أَوْ إبْقَاءَهَا بَطَلَ الْبَيْعُ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى ثَمَرَةً مُؤَبَّرَةً وَشَرَطَ عَدَمَ قَطْعِهَا عِنْدَ الْجُذَاذِ. نَعَمْ إنْ كَانَ لَهُ فِي إبْقَائِهَا غَرَضٌ مَقْصُودٌ كَأَنْ كَانَتْ مُجَاوِرَةً لِأَرْضِهِ وَقَصَدَ أَنْ يَضَعَ عَلَيْهَا جُذُوعًا أَوْ بِنَاءً أَوْ نَحْوَهُ كَعَرِيشٍ صَحَّ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي ذِكْرِ ثَمَرِ الْمَبِيعِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ وَلَوْ مَشْمُومًا كَالْوَرْدِ فَقَالَ (وَثَمَرَةُ النَّخْلِ الْمَبِيعِ إنْ شُرِطَتْ لِلْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي عُمِلَ بِهِ) سَوَاءٌ أَكَانَتْ قَبْلَ التَّأْبِيرِ أَمْ بَعْدَهُ وَفَاءً بِالشَّرْطِ، وَلَوْ شَرَطَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ لِلْمُشْتَرِي كَانَ تَأْكِيدًا كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَإِنْ قَالَ السُّبْكِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَشَرْطِ الْحَمْلِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تُشْرَطْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَنْ سَكَتَ عَنْ ذَلِكَ (فَإِنْ لَمْ يَتَأَبَّرْ مِنْهَا شَيْءٌ فَهِيَ) كُلُّهَا (لِلْمُشْتَرِي، وَإِلَّا) بِأَنْ تَأَبَّرَ مِنْهَا شَيْءٌ (فَلِلْبَائِعِ) أَيْ فَهِيَ كُلُّهَا لَهُ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ» مَفْهُومُهُ أَنَّهَا إذَا لَمْ تُؤَبَّرْ تَكُونُ الثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ يَشْرُطَهَا الْبَائِعُ، وَكَوْنُهَا فِي الْأَوَّلِ لِلْبَائِعِ صَادِقٌ بِأَنْ يَشْرُطَ لَهُ أَوْ يَسْكُتَ عَنْ ذَلِكَ، وَكَوْنُهَا فِي الثَّانِي لِلْمُشْتَرِي صَادِقٌ بِذَلِكَ، وَأُلْحِقَ بِالنَّخْلِ سَائِرُ الثِّمَارِ وَبِتَأْبِيرِ كُلِّهَا تَأْبِيرُ بَعْضِهَا بِتَبَعِيَّةِ غَيْرِ الْمُؤَبَّرِ لِلْمُؤَبَّرِ لِمَا فِي تَتَبُّعِ ذَلِكَ مِنْ الْعُسْرِ، وَالتَّأْبِيرُ تَشْقِيقُ طَلْعِ الْإِنَاثِ وَذَرِّ طَلْعِ الذُّكُورِ فِيهِ لِيَجِيءَ رُطَبُهَا أَجْوَدَ مِمَّا لَمْ يُؤَبَّرُ، وَالْعَادَةُ الِاكْتِفَاءُ بِتَأْبِيرِ الْبَعْضِ وَالْبَاقِي يَتَشَقَّقُ بِنَفْسِهِ وَيَنْبَثُّ رِيحُ الذُّكُورِ إلَيْهِ، وَقَدْ لَا يُؤَبَّرُ بِشَيْءٍ وَيَتَشَقَّقُ الْكُلُّ، وَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْمُؤَبَّرِ اعْتِبَارًا بِظُهُورِ الْمَقْصُودِ، وَلِذَلِكَ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ: لَمْ تَكُنْ مُؤَبَّرَةً إلَى مَا قَالَهُ، وَشَمِلَ طَلْعُ الذُّكُورِ فَإِنَّهُ يَتَشَقَّقُ بِنَفْسِهِ، وَلَا يُشَقَّقُ غَالِبًا، وَفِيمَا لَمْ يَتَشَقَّقْ مِنْهُ وَجْهٌ: أَنَّهُ لِلْبَائِعِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا ثَمَرَ لَهُ حَتَّى يُعْتَبَرَ ظُهُورُهَا بِخِلَافِ طَلْعِ الْإِنَاثِ، وَتُسَمَّى ذُكُورُ النَّخْلِ فُحَّالَةٌ بِضَمِّ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ طَلْعِهَا الْكَشِّيُّ بِضَمِّ الْكَافِ وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ مَا يُلَقَّحُ بِهِ الْإِنَاثُ، وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ حَتَّى يَتَشَقَّقَ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْأَكْلَ (وَمَا يَخْرُجُ ثَمَرُهُ بِلَا نَوْرٍ) بِفَتْحِ النُّونِ: أَيْ زَهْرٍ (كَتِينٍ وَعِنَبٍ) وَفُسْتُقٍ بِفَتْحِ التَّاءِ، وَيَجُوزُ

(2/492)


إنْ بَرَزَ ثَمَرُهُ فَلِلْبَائِعِ، وَإِلَّا فَلِلْمُشْتَرِي، وَمَا خَرَجَ فِي نَوْرِهِ ثُمَّ سَقَطَ كَمِشْمِشٍ وَتُفَّاحٍ فَلِلْمُشْتَرِي إنْ لَمْ تَنْعَقِدْ الثَّمَرَةُ، وَكَذَا إنْ انْعَقَدَتْ وَلَمْ يَتَنَاثَرْ النَّوْرُ فِي الْأَصَحِّ وَبَعْدَ التَّنَاثُرِ لِلْبَائِعِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
ضَمُّهَا، وَجَوْزٍ (إنْ بَرَزَ ثَمَرُهُ) أَيْ ظَهَرَ (فَلِلْبَائِعِ، وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَبْرُزْ (فَلِلْمُشْتَرِي) ؛ لِأَنَّ الْبُرُوزَ هُنَا كَالتَّشَقُّقِ فِي الطَّلْعِ، وَلَا يُعْتَبَرُ تَشَقُّقُ الْقِشْرِ الْأَعْلَى مِنْ نَحْوِ جَوْزٍ بَلْ هُوَ لِلْبَائِعِ مُطْلَقًا لِاسْتِتَارِهِ بِمَا هُوَ مِنْ صَلَاحِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ تَشَقُّقُ الْأَعْلَى مِنْهُ، وَإِنْ ظَهَرَ بَعْضُ التِّينِ أَوْ الْعِنَبِ فَمَا ظَهَرَ لِلْبَائِعِ وَمَا لَمْ يَظْهَرْ فَلِلْمُشْتَرِي كَمَا فِي التَّتِمَّةِ وَالْمُهَذَّبِ، وَالتَّهْذِيبِ وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ الشَّيْخَانِ، وَجَزَمَ بِالتَّوَقُّفِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ، وَفَرَّقَ الْأَئِمَّةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ طَلْعِ النَّخْلِ بِأَنَّ ثَمَرَةَ النَّخْلِ ثَمَرَةُ عَامٍ وَاحِدٍ وَهُوَ لَا يَحْمِلُ فِيهِ إلَّا مَرَّةً، وَالتِّينُ وَنَحْوُهُ يَحْمِلُ حَمْلَيْنِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، فَكَانَتْ الْأُولَى لِلْبَائِعِ وَالثَّانِيَةُ لِلْمُشْتَرِي، وَكَالتِّينِ فِيمَا ذُكِرَ الْجُمَّيْزُ وَنَحْوُهُ كَالْقِثَّاءِ وَالْبِطِّيخِ لَا يَتْبَعُ بَعْضُهُ بَعْضًا؛ لِأَنَّهَا بُطُونٌ بِخِلَافِ مَا مَرَّ فِي ثَمَرَةِ النَّخْلِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهَا تُعَدُّ حَمْلًا وَاحِدًا (وَمَا خَرَجَ فِي نَوْرِهِ ثُمَّ سَقَطَ) نَوْرُهُ (كَمِشْمِشٍ) بِكَسْرِ مِيمَيْهِ، وَحُكِيَ فَتْحُهُمَا، وَرُمَّانٍ (وَتُفَّاحٍ) وَلَوْزٍ (فَلِلْمُشْتَرِي إنْ لَمْ تَنْعَقِدْ الثَّمَرَةُ) ؛ لِأَنَّهَا كَالْمَعْدُومَةِ (وَكَذَا) هِيَ لَهُ أَيْضًا (إنْ انْعَقَدَتْ وَلَمْ يَتَنَاثَرْ النَّوْرُ فِي الْأَصَحِّ) إلْحَاقًا لَهَا بِالطَّلْعِ قَبْلَ تَشَقُّقِهِ؛ لِأَنَّ اسْتِتَارَهَا بِالنَّوْرِ بِمَنْزِلَةِ اسْتِتَارِ ثَمَرَةِ النَّخْلِ بِكِمَامِهِ، وَالثَّانِي: يُلْحِقُهَا بِهِ بَعْدَ تَشَقُّقِهِ لِاسْتِتَارِهِ بِالْقِشْرِ الْأَبْيَضِ فَتَكُونُ لِلْبَائِعِ (وَبَعْدَ التَّنَاثُرِ لِلْبَائِعِ) قَطْعًا لِظُهُورِهَا، وَصَرَّحَ فِي التَّنْبِيهِ بِأَنْ مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْ ذَلِكَ تَابِعٌ لِمَا ظَهَرَ.
تَنْبِيهٌ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ يَخْرُجُ الْمُنَاسِبُ لِلتَّقْسِيمِ بَعْدَهُ. قَالَ الشَّارِحُ: كَأَنَّهُ لِئَلَّا يَشْتَبِهَ بِمَا قَبْلَهُ وَمَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْوَرْدُ ضَرْبَانِ: مَا يَخْرُجُ مِنْ كِمَامٍ ثُمَّ يَنْفَتِحُ كَالْوَرْدِ الْأَحْمَرِ إنْ بِيعَ أَصْلُهُ بَعْدَ تَفَتُّحِهِ فَلِلْبَائِعِ كَالطَّلْعِ الْمُتَشَقِّقِ أَوْ قَبْلَهُ فَلِلْمُشْتَرِي، وَمَا يَخْرُجُ ظَاهِرًا كَالْيَاسَمِينِ، فَإِنْ خَرَجَ وَرْدُهُ فَلِلْبَائِعِ وَإِلَّا فَلِلْمُشْتَرِي، وَتَشَقُّقُ جَوْزِ قُطْنٍ يَبْقَى أَصْلُهُ سَنَتَيْنِ فَأَكْثَرَ كَتَأْبِيرِ النَّخْلِ فَيَتْبَعُ الْمُسْتَتِرَ غَيْرُهُ، وَمَا لَا يَبْقَى أَصْلُهُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ إنْ بِيعَ قَبْلَ تَكَامُلِ قُطْنِهِ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ كَالزَّرْعِ سَوَاءٌ أَخَرَجَ الْجَوْزُ أَمْ لَا. ثُمَّ إنْ لَمْ يَقْطَعْ حَتَّى خَرَجَ الْجَوْزُ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي لِحُدُوثِهِ فِي مِلْكِهِ، وَإِنْ بِيعَ بَعْدَ تَكَامُلِ قُطْنِهِ وَتَشَقُّقِ جَوْزِهِ صَحَّ الْعَقْدُ لِظُهُورِ الْمَقْصُودِ وَدَخَلَ الْقُطْنُ فِي الْبَيْعِ. فَإِنْ قِيلَ إذَا تَشَقَّقَ يَكُونُ كَالثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فَلَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّجَرَةَ الْمُؤَبَّرَةَ مَقْصُودَةٌ كَثِمَارِ سَائِرِ

(2/493)


وَلَوْ بَاعَ نَخَلَاتِ بُسْتَانٍ مُطْلِعَةٍ وَبَعْضُهَا مُؤَبَّرٌ فَلِلْبَائِعِ، فَإِنْ أَفْرَدَ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ فَلِلْمُشْتَرِي فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ كَانَتْ فِي بَسَاتِينَ فَالْأَصَحُّ إفْرَادُ كُلِّ بُسْتَانٍ بِحُكْمِهِ، وَإِذَا بَقِيَتْ الثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ، فَإِنْ شَرَطَ الْقَطْعَ لَزِمَهُ، وَإِلَّا فَلَهُ تَرْكُهَا إلَى الْجِدَادِ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا السَّقْيُ إنْ انْتَفَعَ بِهِ الشَّجَرُ وَالثَّمَرُ. وَلَا مَنْعَ لِلْآخَرِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
الْأَعْوَامِ، وَلَا مَقْصُودَ هُنَا سِوَى الثَّمَرَةِ الْمَوْجُودَةِ وَإِنْ لَمْ يَتَشَقَّقْ جَوْزُهُ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ لِاسْتِتَارِ قُطْنِهِ بِمَا لَيْسَ مِنْ صَلَاحِهِ (وَلَوْ بَاعَ نَخَلَاتِ بُسْتَانٍ مُطْلِعَةٍ) بِكَسْرِ اللَّامِ: أَيْ خَرَجَ طَلْعُهَا (وَبَعْضُهَا) قَالَ الشَّارِحُ: أَيْ مِنْ حَيْثُ الطَّلْعُ (مُؤَبَّرٌ) دُونَ بَعْضٍ وَاتَّحَدَ الْجِنْسُ وَالْعَقْدُ (فَلِلْبَائِعِ) طَلْعُهَا جَمِيعُهُ الْمُؤَبَّرُ وَغَيْرُهُ لِمَا مَرَّ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مِنْ حَيْثُ الطَّلْعُ اخْتِلَافُ النَّوْعِ وَاخْتِلَافُ الْجِنْسِ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ يُتْبَعُ عَلَى الْأَصَحِّ وَالثَّانِي: لَا يُتْبَعُ جَزْمًا (فَإِنْ أَفْرَدَ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ) بِالْبَيْعِ وَاتَّحَدَ النَّوْعُ (فَلِلْمُشْتَرِي) طَلْعُهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِمَا مَرَّ، وَالثَّانِي: هُوَ لِلْبَائِعِ اكْتِفَاءً بِدُخُولِ وَقْتِ التَّأْبِيرِ عَنْهُ، وَأَمَّا الْمُؤَبَّرُ فَلِلْبَائِعِ، وَلَوْ بَاعَ نَخْلَةً وَبَقِيَتْ ثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ ثُمَّ خَرَجَ طَلْعٌ آخَرَ كَانَ لَهُ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَا بِهِ. قَالَا: لِأَنَّهُ مِنْ ثَمَرَةِ الْعَامِ. قَالَ شَيْخُنَا قُلْت: وَإِلْحَاقًا لِلنَّادِرِ بِالْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ (وَلَوْ كَانَتْ) أَيْ النَّخَلَاتُ الْمَذْكُورَةُ (فِي بَسَاتِينَ) أَيْ الْمُؤَبَّرَةِ فِي بُسْتَانٍ وَغَيْرِهَا فِي بُسْتَانٍ وَاتَّحَدَ الْعَقْدُ وَالْجِنْسُ وَالْمَالِكُ (فَالْأَصَحُّ إفْرَادُ كُلِّ بُسْتَانٍ بِحُكْمِهِ) سَوَاءٌ أَتَبَاعَدَا أَمْ تَلَاصَقَا، وَالثَّانِي: هُمَا كَالْبُسْتَانِ الْوَاحِدِ. أَمَّا إذَا تَعَدَّدَ الْعَقْدُ أَوْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ أَوْ تَعَدَّدَ الْمَالِكُ أُفْرِدَ كُلٌّ بِحُكْمِهِ جَزْمًا (وَإِذَا بَقِيَتْ الثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ) بِشَرْطٍ أَوْ غَيْرِهِ (فَإِنْ شَرَطَ الْقَطْعَ لَزِمَهُ) وَفَاءً بِالشَّرْطِ (وَإِلَّا) بِأَنْ أَطْلَقَ أَوْ شَرَطَ الْإِبْقَاءَ وَهُوَ مَزِيدٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا (فَلَهُ تَرْكُهَا إلَى) زَمَنِ (الْجِدَادِ) تَحْكِيمًا لِلْعَادَةِ كَمَا يَجِبُ تَبْقِيَةُ الزَّرْعِ إلَى أَوَانِ الْحَصَادِ وَإِبْقَاءِ الْمَتَاعِ فِي السَّفِينَةِ فِي اللُّجَّةِ إلَى الْوُصُولِ إلَى الشَّطِّ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا وَإِهْمَالِ الدَّالَيْنِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ، وَحُكِيَ إعْجَامُهُمَا. ثُمَّ إذَا جَاءَ أَوَانُ الْجِدَادِ لَيْسَ لَهُ الصَّبْرُ حَتَّى يَأْخُذَهَا عَلَى التَّدْرِيجِ وَلَا تَأْخِيرُهَا إلَى تَنَاهِي نُضْجِهَا بَلْ الْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ الْعَادَةُ، وَلَوْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ مِنْ نَوْعٍ يُعْتَادُ قَطْعُهُ قَبْلَ النُّضْجِ كَالْمَوْزِ الْأَخْضَرِ فِي بِلَادٍ لَا يَنْتَهِي فِيهَا كُلِّفَ الْبَائِعُ قَطْعَهَا عَلَى الْعَادَةِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ التَّبْقِيَةِ صُورَتَانِ: الْأُولَى إذَا تَعَذَّرَ سَقْيُ الثَّمَرَةِ لِانْقِطَاعِ الْمَاءِ وَعِظَمِ ضَرَرِ الشَّجَرِ بِإِبْقَائِهَا فَلَيْسَ لَهُ إبْقَاؤُهَا. الثَّانِيَةُ إذَا أَصَابَتْهَا آفَةٌ وَلَا فَائِدَةَ فِي تَرْكِهَا فَلَيْسَ لَهُ إبْقَاؤُهَا (وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي الْإِبْقَاءِ (السَّقْيُ إنْ انْتَفَعَ بِهِ الشَّجَرُ وَالثَّمَرُ) أَوْ أَحَدُهُمَا (وَلَا مَنْعَ لِلْآخَرِ) مِنْهُ لِعَدَمِ ضَرَرِهِ.

(2/494)


وَإِنْ ضَرَّهُمَا لَمْ يَجُزْ إلَّا بِرِضَاهُمَا، وَإِنْ ضَرَّ أَحَدَهُمَا وَتَنَازَعَا فُسِخَ الْعَقْدُ إلَّا أَنْ يُسَامِحَ الْمُتَضَرِّرُ، وَقِيلَ لِطَالِبِ السَّقْيِ أَنْ يَسْقِيَ. وَلَوْ كَانَ الثَّمَرُ يَمْتَصُّ رُطُوبَةَ الشَّجَرِ لَزِمَ الْبَائِعَ أَنْ يَقْطَعَ أَوْ يَسْقِيَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
تَنْبِيهٌ: عِبَارَةُ الْمُهَذَّبِ وَالْوَسِيطِ إنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ الْآخَرُ، وَيُؤْخَذَ مِنْهَا عَدَمُ الْمَنْعِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الضَّرَرِ وَالنَّفْعِ؛ لِأَنَّهُ تَعَنُّتٌ قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ شَيْخُنَا: وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ إذْ لَا غَرَضَ لِلْبَائِعِ حِينَئِذٍ فَكَيْفَ يُلْزَمُ الْمُشْتَرِي تَمْكِينَهُ اهـ.
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ شَيْخِي (وَإِنْ ضَرَّهُمَا لَمْ يَجُزْ إلَّا بِرِضَاهُمَا) مَعًا فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا السَّقْيُ إلَّا بِرِضَا الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ يُدْخِلُ عَلَيْهِ ضَرَرًا، فَإِنْ رَضِيَا بِذَلِكَ جَازَ. فَإِنْ قِيلَ إذَا رَضِيَا بِذَلِكَ فَفِيهِ إفْسَادٌ لِلْمَالِ وَهُوَ حَرَامٌ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْإِفْسَادَ غَيْرُ مُحَقَّقٍ، وَقِيلَ يُحْمَلُ كَلَامُهُمْ عَلَى مَا إذَا كَانَ يَضُرُّهُمَا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ (وَإِنْ ضَرَّ أَحَدَهُمَا) أَيْ ضَرَّ الشَّجَرَ وَنَفَعَ الثَّمَرَ أَوْ الْعَكْسَ (وَتَنَازَعَا) أَيْ الْمُتَبَايِعَانِ فِي السَّقْيِ (فُسِخَ الْعَقْدُ) لِتَعَذُّرِ إمْضَائِهِ إلَّا بِإِضْرَارِ أَحَدِهِمَا وَالْفَاسِخُ لَهُ الْمُتَضَرِّرُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ غُضُونِ كَلَامِهِمْ وَاعْتَمَدَهُ شَيْخِي، وَقِيلَ: الْحَاكِمُ، وَجَزَمَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ، وَقِيلَ: كُلٌّ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ وَاسْتَظْهَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ.
تَنْبِيهٌ: شَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ ضَرَّ السَّقْيُ أَحَدَهُمَا وَمَنَعَ تَرْكُهُ حُصُولَ زِيَادَةٍ لِلْآخَرِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِاسْتِلْزَامِ مَنْعِ حُصُولِهَا لَهُ انْتِفَاعًا بِالسَّقْيِ، وَذَكَرَ فِي الرَّوْضَةِ احْتِمَالَيْنِ لِلْإِمَامِ (إلَّا أَنْ يُسَامِحَ الْمُتَضَرِّرُ) فَلَا فَسْخَ حِينَئِذٍ لِزَوَالِ النِّزَاعِ، فَإِنْ قِيلَ فِي ذَلِكَ إضَاعَةُ مَالٍ وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ.
أُجِيبَ بِأَنَّ فِي ذَلِكَ إحْسَانًا وَمُسَامَحَةً. نَعَمْ، الْكَلَامُ فِي الْمَالِكَيْنِ الْمُطْلَقَيْ التَّصَرُّفِ لَا مَنْ يَتَصَرَّفُ لِغَيْرِهِ أَوْ لِنَفْسِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ (وَقِيلَ لِطَالِبِ السَّقْيِ) وَهُوَ الْبَائِعُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّانِيَةِ (أَنْ يَسْقِيَ) وَلَا يُبَالِي بِضَرَرِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِهِ حِينَ قَدِمَ عَلَى هَذَا الْعَقْدِ فَلَا فَسْخَ عَلَى هَذَا أَيْضًا، وَحَيْثُ احْتَاجَ الْبَائِعُ إلَى سَقْيِ ثَمَرَتِهِ فَالْمُؤْنَةُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْمَاءُ الَّذِي يَسْقِي مِنْهُ فَقَالَ فِي الْمَطْلَبِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ الْمَاءُ الْمُعَدُّ لِسَقْيِ تِلْكَ الْأَشْجَارِ مَلَكَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ لَا (وَلَوْ كَانَ الثَّمَرُ يَمْتَصُّ رُطُوبَةَ الشَّجَرِ) وَالسَّقْيُ مُمْكِنٌ بِالْمَاءِ الْمُعَدِّ لَهُ (لَزِمَ الْبَائِعَ أَنْ يَقْطَعَ) ثَمَرَتَهُ (أَوْ يَسْقِيَ) الشَّجَرَ دَفْعًا لِضَرَرِ الْمُشْتَرِي، لَوْ تَعَذَّرَ السَّقْيُ لِانْقِطَاعِ الْمَاءِ تَعَيَّنَ الْقَطْعُ.

[فَصْلٌ فِي بَيَانِ بَيْعِ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ وَبُدُوِّ صَلَاحِهِمَا]
ثُمَّ شَرَعَ فِي اللَّفْظِ السَّابِعِ وَهُوَ الثِّمَارُ وَهُوَ يَتَنَاوَلُ نَوَاهَا وَقِمْعَهَا فِي ضِمْنِ فَصْلٍ فَقَالَ:

(2/495)


فَصْلٌ يَجُوزُ بَيْعُ الثَّمَرِ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ مُطْلَقًا، وَبِشَرْطِ قَطْعِهِ، وَبِشَرْطِ إبْقَائِهِ، وَقَبْلَ الصَّلَاحِ إنْ بِيعَ مُنْفَرِدًا عَنْ الشَّجَرِ، لَا يَجُوزُ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَأَنْ يَكُونَ الْمَقْطُوعُ مُنْتَفَعًا بِهِ لَا كَكُمَّثْرَى، وَقِيلَ إنْ كَانَ الشَّجَرُ لِلْمُشْتَرِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
فَصْلٌ فِي بَيَانِ بَيْعِ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ وَبُدُوِّ صَلَاحِهِمَا (يَجُوزُ بَيْعُ الثَّمَرِ بَعْدَ بُدُوِّ) أَيْ ظُهُورِ (صَلَاحِهِ) وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ (مُطْلَقًا) مِنْ غَيْرِ شَرْطِ قَطْعٍ وَلَا تَبْقِيَةٍ (وَبِشَرْطِ قَطْعِهِ وَبِشَرْطِ إبْقَائِهِ) سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْأُصُولُ لِأَحَدِهِمَا أَمْ لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، فَيَجُوزُ بَعْدَ بُدُوِّهِ وَهُوَ صَادِقٌ بِكُلٍّ مِنْ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَالْمَعْنَى الْفَارِقُ بَيْنَهُمَا أَمْنُ الْعَاهَةِ بَعْدَهُ غَالِبًا لِغِلَظِهَا وَكِبَرِ نَوَاهَا وَقَبْلَهُ تُسْرِعُ إلَيْهِ لِضَعْفِهِ فَيَفُوتُ بِتَلَفِهِ الثَّمَنُ، وَبِهِ يُشْعِرُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَرَأَيْت إنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَسْتَحِقُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ» (وَقَبْلَ الصَّلَاحِ إنْ بِيعَ مُنْفَرِدًا عَنْ الشَّجَرِ لَا يَجُوزُ) أَيْ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ، وَيَحْرُمُ لِلْخَبَرِ الْمَذْكُورِ (إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ) فِي الْحَالِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْمُقْرِي مُنْجَزًا (وَأَنْ يَكُونَ الْمَقْطُوعُ مُنْتَفَعًا بِهِ) كَلَوْزٍ وَحِصْرِمٍ وَبَلَحٍ، فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ بِالْإِجْمَاعِ الْمُخَصَّصِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ، فَدَخَلَ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَبَيْعٌ بِغَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ أَوْ بَيْعٌ بِشَرْطِهِ مُعَلَّقًا، وَوَجْهُ الْمَنْعِ تَضَمُّنُ التَّعْلِيقِ التَّبْقِيَةَ، وَمَا (لَا) يُنْتَفَعُ بِهِ (كَكُمَّثْرَى) بِفَتْحِ الْمِيمِ الْمُشَدَّدَةِ، وَبِالْمُثَلَّثَةِ، الْوَاحِدَةُ كُمَّثْرَاةٌ، ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَذَكَرَ هَذَا الشَّرْطَ الْمَعْلُومَ مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ قَالَ الشَّارِحُ: لِلتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ.
فُرُوعٌ: لَوْ بَاعَ عَلَى شَجَرَةٍ مَقْطُوعَةٍ لَمْ يَجِبْ شَرْطُ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَبْقَى عَلَيْهَا فَيَصِيرُ كَشَرْطِ الْقَطْعِ؛ وَلِأَنَّهَا لَا تَنْمُو، وَلَا يُغْنِي اعْتِيَادُ الْقَطْعِ عَنْ شَرْطِهِ لِعُمُومِ الْخَبَرِ، وَلَوْ بَاعَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَرَضِيَ الْبَائِعُ بِإِبْقَائِهِ جَازَ، وَلَوْ أَبْقَاهَا مُدَّةً ثُمَّ قَطَعَهَا لَزِمَتْهُ أُجْرَتُهَا إنْ كَانَ الْبَائِعُ طَالَبَهُ، وَإِلَّا فَلَا، قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ، وَالشَّجَرَةُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِ الثَّمَرَةِ بِدُونِهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى نَحْوَ سَمْنٍ وَقَبَضَهُ فِي ظَرْفِ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ التَّسْلِيمِ فِي غَيْرِهِ (وَقِيلَ إنْ كَانَ الشَّجَرُ لِلْمُشْتَرِي) وَالثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ كَأَنْ وَهَبَ الثَّمَرَةَ

(2/496)


جَازَ بِلَا شَرْطٍ. قُلْت: فَإِنْ كَانَ الشَّجَرُ لِلْمُشْتَرِي وَشَرَطْنَا الْقَطْعَ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَإِنْ بِيعَ مَعَ الشَّجَرِ جَازَ بِلَا شَرْطٍ، وَلَا يَجُوزُ بِشَرْطِ قَطْعِهِ.

وَيَحْرُمُ بَيْعُ الزَّرْعِ الْأَخْضَرِ فِي الْأَرْضِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
لِإِنْسَانٍ أَوْ بَاعَهَا لَهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ أَوْ أَوْصَى بِهَا لِإِنْسَانٍ فَبَاعَهَا لِمَالِكِ الشَّجَرَةِ (جَازَ) بَيْعُ الثَّمَرَةِ لَهُ (بِلَا شَرْطٍ) لِاجْتِمَاعِهِمَا فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَاهُمَا مَعًا، وَصُحِّحَ هَذَا الْوَجْهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْمُسَاقَاةِ، وَلَيْسَ فِي الرَّافِعِيِّ هُنَا تَصْرِيحٌ بِتَرْجِيحٍ، وَنَقَلَا هُنَا عَنْ الْجُمْهُورِ تَصْحِيحَ الْأَوَّلِ لِعُمُومِ النَّهْيِ.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فَلْتَكُنْ الْفَتْوَى عَلَيْهِ (قُلْت: فَإِنْ كَانَ الشَّجَرُ لِلْمُشْتَرِي وَشَرَطْنَا الْقَطْعَ) كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ (لَمْ يَجِبْ الْوَفَاءُ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) إذْ لَا مَعْنَى لِتَكْلِيفِهِ قَطْعَ ثَمَرِهِ عَنْ شَجَرِهِ، وَلَيْسَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَشْتَرِيَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ مِنْ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ بِنَصِيبِهِ مِنْ الشَّجَرِ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ كَغَيْرِ الشَّرِيكِ، وَيَصِيرُ كُلُّ الثَّمَرِ لَهُ وَكُلُّ الشَّجَرِ لِلْآخَرِ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُشْتَرِي قَطْعُ جَمِيعِ الثَّمَرِ، لِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِذَلِكَ قَطْعَ مَا اشْتَرَاهُ وَتَفْرِيغَ الشَّجَرِ لِصَاحِبِهِ، وَإِنْ اشْتَرَى نَصِيبَ شَرِيكِهِ مِنْ الثَّمَرِ بِغَيْرِ نَصِيبِهِ مِنْ الشَّجَرِ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ شَرَطَ الْقَطْعَ لِتَكْلِيفِ الْمُشْتَرِي قَطْعَ مِلْكِهِ عَنْ مِلْكِهِ الْمُسْتَقَرِّ لَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ (وَإِنْ بِيعَ) الثَّمَرُ (مَعَ الشَّجَرِ) وَلَمْ يُفْصَلْ الثَّمَنُ (جَازَ بِلَا شَرْطٍ) لِقَطْعِهِ، لِأَنَّ الثَّمَرَةَ هُنَا تَبَعٌ لِلْأَصْلِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَرِّضٍ لِلْعَاهَةِ، وَبِهَذَا فَارَقَ بَيْعَ الثَّمَرَةِ مِنْ مَالِكِ الشَّجَرَةِ (وَلَا يَجُوزُ بِشَرْطِ قَطْعِهِ) لِأَنَّ فِيهِ حَجْرًا عَلَى الْمُشْتَرِي فِي مِلْكِهِ.
أَمَّا إذَا فَصَلَ الثَّمَنَ: كَأَنْ قَالَ بِعْتُك الشَّجَرَةَ بِدِينَارٍ وَالثَّمَرَةَ بِنِصْفِ دِينَارٍ فَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ لِانْتِفَاءِ التَّبَعِيَّةِ، وَلَوْ اسْتَثْنَى الْبَائِعُ الثَّمَرَةَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ لَمْ يَجِبْ شَرْطُ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ اسْتِدَامَةٌ لِمِلْكِهَا فَلَهُ الْإِبْقَاءِ إلَى أَوَانِ الْجِدَادِ، وَلَوْ صَرَّحَ بِشَرْطِ الْإِبْقَاءِ جَازَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَهُوَ أَحَدُ نَصَّيْنِ لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَمَا أَفَادَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَلَمْ يَطَّلِعْ بَعْضُهُمْ عَلَى هَذَا النَّصِّ، فَزَعَمَ أَنَّ الْمَنْصُوصَ خِلَافَهُ، وَلَوْ بَاعَ نِصْفَ الثَّمَرِ عَلَى الشَّجَرِ مُشَاعًا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ مِنْ مَالِكِ الشَّجَرِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ صَحَّ إنْ قُلْنَا لِلْقِسْمَةِ إفْرَازٌ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِإِمْكَانِ قَطْعِ النِّصْفِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ.
فَإِنْ قُلْنَا: إنَّهَا بَيْعٌ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْقَطْعِ لَازِمٌ لَهُ، وَلَا يُمْكِنُ قَطْعُ النِّصْفِ إلَّا بِقَطْعِ الْكُلِّ فَيَتَضَرَّرُ الْبَائِعُ بِقَطْعِ غَيْرِ الْمَبِيعِ فَأَشْبَهَ إذَا بَاعَ نِصْفًا مُعَيَّنًا مِنْ سَيْفٍ، وَبَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ يَصِحُّ إنْ لَمْ يَشْرُطْ الْقَطْعَ، فَإِنْ شَرَطَهُ فَفِيهِ مَا تَقَرَّرَ. وَيَصِحُّ بَيْعُ نِصْفِ الثَّمَرِ مَعَ الشَّجَرِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ وَيَكُونُ الثَّمَرُ تَابِعًا.

(وَيَحْرُمُ) وَلَا يَصِحُّ (بَيْعُ الزَّرْعِ) وَالْمُرَادُ بِهِ مَا لَيْسَ بِشَجَرِ (الْأَخْضَرِ فِي الْأَرْضِ) إذَا لَمْ يَبْدُ

(2/497)


إلَّا بِشَرْطِ قَطْعِهِ، فَإِنْ بَيْعَ مَعَهَا أَوْ بَعْدَ اشْتِدَادِ الْحَبِّ جَازَ بِلَا شَرْطٍ.

وَيُشْتَرَطُ لِبَيْعِهِ وَبَيْعِ الثَّمَرِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ ظُهُورُ الْمَقْصُودِ: كَتِينٍ وَعِنَبٍ وَشَعِيرٍ، وَمَا لَا يُرَى حَبُّهُ كَالْحِنْطَةِ وَالْعَدَسِ فِي السُّنْبُلِ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ دُونَ سُنْبُلِهِ وَلَا مَعَهُ فِي الْجَدِيدِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
صَلَاحُهُ، وَلَوْ كَانَ بَقْلًا وَكَانَ الْبَقْلُ يُجَزُّ مِرَارًا (إلَّا بِشَرْطِ قَطْعِهِ) كَالثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ أَوْ قَلْعِهِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ، فَإِنْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ أَوْ بِشَرْطِ إبْقَائِهِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ (فَإِنْ بِيعَ) الزَّرْعُ الْمَذْكُورُ (مَعَهَا) أَيْ الْأَرْضِ (أَوْ) وَحْدَهُ (بَعْدَ اشْتِدَادِ الْحَبِّ) أَوْ بُدُوِّ صَلَاحِ الْبُقُولِ (جَازَ بِلَا شَرْطٍ) ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ كَبَيْعِ الثَّمَرِ مَعَ الشَّجَرِ. وَالثَّانِي كَبَيْعِ الثَّمَرَةِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ.
تَنْبِيهٌ كَلَامُهُمْ قَدْ يُوهِمُ اعْتِبَارَ اشْتِدَادِ جَمِيعِ الْحَبِّ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَقَدْ ذَكَرَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ أَنَّهُ إذَا اشْتَدَّ بَعْضُ السَّنَابِلِ كَانَ كَبُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي بَعْضِ الثِّمَارِ، وَقَدْ اكْتَفَوْا فِي التَّأْبِيرِ بِطَلْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَفِي بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِحَبَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَقِيَاسُهُ هُنَا أَنَّهُ يُكْتَفَى بِاشْتِدَادِ سُنْبُلَةٍ وَاحِدَةٍ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِي النَّفْسِ مِنْ ذَلِكَ فِي الْجَمِيعِ شَيْءٌ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: كُلُّ ذَلِكَ مُشْكِلٌ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْبِطِّيخِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَنَحْوِهِمَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ، وَإِنْ بِيعَ مِنْ مَالِكِ الْأُصُولِ لِمَا مَرَّ، وَلَوْ بَاعَهُ أُصُولَهُ فَكَبَيْعِ الثَّمَرَةِ مَعَ الشَّجَرَةِ عَلَى مَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وُجُوبَ شَرْطِ الْقَطْعِ لِتَعَرُّضِ أَصْلِهِ لِلْعَاهَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُمَا مَعَ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ كَالشَّجَرِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْطِ الْقَطْعِ، وَجَزَمَ الْحَاوِي بِمَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ وَالْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إنَّهُ الْمَنْقُولُ وَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ مِنْ تَفَقُّهِهِ اهـ، فَإِنْ بَاعَ ذَلِكَ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ وَلَوْ لِبَعْضِهِ دُونَ أُصُولِهِ أَوْ بَاعَ أُصُولَهُ دُونَهُ وَغَلَبَ اخْتِلَاطُ حَادِثِهِ بِالْمَوْجُودِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ بِدُونِ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى تَعَذُّرِ إمْضَاءِ الْعَقْدِ، فَإِنْ أُمِنَ الِاخْتِلَاطُ جَازَ بِغَيْرِ شَرْطٍ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا لَا يَغْلِبُ اخْتِلَاطُهُ كَذَلِكَ بِأَنْ نَدَرَ أَوْ اسْتَوَى فِيهِ الْأَمْرَانِ أَوْ لَمْ يُعْلَمْ حَالُهُ.

(وَيُشْتَرَطُ لِبَيْعِهِ) أَيْ الزَّرْعِ (وَبَيْعِ الثَّمَرِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ ظُهُورُ الْمَقْصُودِ) مِنْ الْحَبِّ وَالثَّمَرِ لِئَلَّا يَكُونَ بَيْعَ غَائِبٍ (كَتِينٍ وَعِنَبٍ) ؛ لِأَنَّهُمَا مِمَّا لَا كِمَامَ لَهُ (وَشَعِيرٍ) لِظُهُورِهِ فِي سُنْبُلِهِ (وَمَا لَا يُرَى حَبُّهُ كَالْحِنْطَةِ وَالْعَدَسِ) بِفَتْحِ الدَّالِ، وَالسِّمْسِمِ (فِي السُّنْبُلِ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ دُونَ سُنْبُلِهِ) لِاسْتِتَارِهِ (وَلَا مَعَهُ فِي الْجَدِيدِ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ مُسْتَتِرٌ بِمَا لَيْسَ مِنْ صَلَاحِهِ كَالْحِنْطَةِ فِي تِبْنِهَا بَعْدَ الدِّيَاسِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ قَطْعًا، وَالْقَدِيمُ الْجَوَازُ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ فِيهِ مِنْ مَصْلَحَتِهِ وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ «نَهَى

(2/498)


وَلَا بَأْسَ بِكِمَامٍ لَا يُزَالُ إلَّا عِنْدَ الْأَكْلِ، وَمَا لَهُ كِمَامَانِ كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالْبَاقِلَّا فَلَا يُبَاعُ فِي قِشْرِهِ الْأَسْفَلِ، وَلَا يَصِحُّ فِي الْأَعْلَى، وَفِي قَوْلٍ يَصِحُّ إنْ كَانَ رَطْبًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ» أَيْ يَشْتَدَّ فَيَجُوزَ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ حَبٍّ وَحَبٍّ.
وَأُجِيبَ بِحَمْلِهِ عَلَى الشَّعِيرِ وَنَحْوِهِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ، وَالْأُرْزُ كَالشَّعِيرِ، وَقِيلَ كَالْحِنْطَةِ، وَالذُّرَةُ نَوْعَانِ: بَارِزُ الْحَبَّاتِ كَالشَّعِيرِ، وَفِي كِمَامٍ كَالْحِنْطَةِ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْجَزَرِ وَالْفُجْلِ وَنَحْوِهِمَا كَالثُّومِ وَالْبَصَلِ فِي الْأَرْضِ لِاسْتِتَارِ مَقْصُودِهَا وَعَدَّ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ ذَلِكَ السِّلْقَ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَحَدِ نَوْعَيْهِ، وَهُوَ مَا يَكُونُ مَقْصُودُهُ مَغِيبًا فِي الْأَرْضِ. أَمَّا مَا يَظْهَرُ مَقْصُودُهُ عَلَى وَجْهِهَا وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِأَكْثَرِ بِلَادِ مِصْرَ وَالشَّامِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ كَالْبَقْلِ، وَيَصِحُّ بَيْعُ وَرَقِهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ كَالْبُقُولِ (وَلَا بَأْسَ بِكِمَامٍ) وَهُوَ بِكَسْرِ الْكَافِ وِعَاءُ الطَّلْعِ وَغَيْرِهِ (لَا يُزَالُ إلَّا عِنْدَ الْأَكْلِ) كَالرُّمَّانِ وَالْعَلْسِ وَالْمَوْزِ وَالْبِطِّيخِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَالْأُرْزِ فِي سُنْبُلِهِ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ فِيهِ مِنْ مَصْلَحَتِهِ، وَلَا يُخَالِفُ مَا ذُكِرَ فِي الْعَلْسِ وَالْأُرْزِ عَدَمُ صِحَّةِ السَّلَمِ فِيهِمَا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَعْتَمِدُ عَلَى الْمُشَاهَدَةِ بِخِلَافِ السَّلَمِ فَإِنَّهُ يَعْتَمِدُ الْأَوْصَافَ، وَهِيَ لَا تُفِيدُ الْغَرَضَ فِي ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الْقِشْرِ خِفَّةً وَرَزَانَةً؛ وَلِأَنَّ السَّلَمَ عَقْدُ غَرَرٍ فَلَا يُضَمُّ إلَيْهِ غَرَرٌ آخَرُ بِلَا حَاجَةٍ إلَيْهِ، وَمَا نُقِلَ عَنْ فَتَاوَى الْمُصَنَّفِ مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ جَوَازُ السَّلَمِ فِي الْأُرْزِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَقْشُورِ (وَمَا لَهُ كِمَامَانِ كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالْبَاقِلَّا) وَهِيَ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ مَقْصُورًا: الْفُولُ (يُبَاعُ فِي قِشْرِهِ الْأَسْفَلِ) ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ فِيهِ مِنْ مَصْلَحَتِهِ (وَلَا يَصِحُّ فِي الْأَعْلَى) لَا عَلَى الشَّجَرِ وَلَا عَلَى الْأَرْضِ لِاسْتِتَارِهِ بِمَا لَيْسَ مِنْ مَصَالِحِهِ. نَعَمْ يَصِحُّ بَيْعُ قَصَبِ السُّكَّرِ فِي قِشْرِهِ الْأَعْلَى كَمَا فِي الِاسْتِقْصَاءِ، وَنَقَلَهُ فِي الْمَطْلَبِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ، وَوُجِّهَ بِأَنَّ قِشْرَهُ الْأَسْفَلَ كَبَاطِنِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُمَصُّ مَعَهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ فِي قِشْرٍ وَاحِدٍ كَالرُّمَّانِ؛ وَلِأَنَّ قِشْرَهُ الْأَعْلَى لَا يَسْتُرُ جَمِيعَهُ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَمَرَ الرَّبِيعَ بِبَغْدَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ الْبَاقِلَّا الرَّطْبَ. رُدَّ بِأَنَّ هَذَا نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ وَنَصَّ فِي الْجَدِيدِ عَلَى خِلَافِهِ، وَبِأَنَّ فِي صِحَّةِ ذَلِكَ تَوَقُّفًا؛ لِأَنَّ الرَّبِيعَ إنَّمَا صَحِبَ الشَّافِعِيَّ بِمِصْرَ لَا بِبَغْدَادَ لَكِنْ قَالَ بِالصِّحَّةِ كَثِيرُونَ (وَفِي قَوْلٍ يَصِحُّ إنْ كَانَ رَطْبًا) لِتَعَلُّقِ الصَّلَاحِ بِهِ حَيْثُ إنَّهُ يَصُونُ الْأَسْفَلَ وَيَحْفَظُ رُطُوبَةَ اللُّبِّ. وَاللُّوبِيَا كَالْفُولِ كَمَا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ وَعُلِمَ مِنْ تَقْيِيدِ الْمُصَنِّفِ الْخِلَافَ بِالرَّطْبِ امْتِنَاعُهُ إذَا جَفَّ قَطْعًا، وَصَرَّحَ بِهِ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ إذَا لَمْ نُجَوِّزُ بَيْعَ الْغَائِبِ، وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّوْزِ فِي الْقِشْرِ الْأَعْلَى

(2/499)


وَبُدُوُّ صَلَاحِ الثَّمَرِ ظُهُورُ مَبَادِي النُّضْجِ وَالْحَلَاوَةِ فِيمَا لَا يَتَلَوَّنُ، وَفِي غَيْرِهِ بِأَنْ يَأْخُذَ فِي الْحُمْرَةِ أَوْ السَّوَادِ، وَيَكْفِي بُدُوُّ صَلَاحِ بَعْضِهِ وَإِنْ قَلَّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
قَبْلَ انْعِقَادِ الْأَسْفَلِ؛ لِأَنَّهُ مَأْكُولٌ كُلُّهُ كَالتُّفَّاحِ، وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَقَاسَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ.
تَنْبِيهٌ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كِمَامَانِ مُعْتَرَضٌ؛ لِأَنَّ الْكِمَامَ جَمْعُ كِمٍّ بِكَسْرِ الْكَافِ وَكِمَامَةٌ كَمَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي التَّحْرِيرِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ قِشْرَانِ أَوْ كِمَّانِ أَوْ كِمَامَتَانِ بِزِيَادَةِ التَّاءِ، لِأَنَّ مُرَادَهُ فَرْدَانِ مِنْ أَفْرَادِ الْأَكِمَّةِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَالْكَتَّانُ إنْ بَدَا صَلَاحُهُ يَظْهَرُ جَوَازُ بَيْعِهِ؛ لِأَنَّ مَا يُغْزَلُ مِنْهُ ظَاهِرٌ وَالسَّاسُ فِي بَاطِنِهِ كَالنَّوَى فِي التَّمْرِ لَكِنَّ هَذَا لَا يُمَيَّزُ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ بِخِلَافِ التَّمْرِ وَالنَّوَى اهـ.
وَيَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا لَمْ يُبَعْ مَعَ بَزْرِهِ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ كَالْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا.

(وَبُدُوُّ صَلَاحِ) الْأَشْيَاءِ صَيْرُورَتُهَا إلَى الصِّفَةِ الَّتِي تُطْلَبُ فِيهَا غَالِبًا فَفِي (الثَّمَرِ ظُهُورُ مَبَادِي النُّضْجِ) بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِهَا (وَالْحَلَاوَةِ فِيمَا لَا يَتَلَوَّنُ) مِنْهُ بِأَنْ يَتَمَوَّهَ وَيَلِينَ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الشَّارِحُ: وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ رَأَى فِي إسْقَاطِهِ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ مَا قَبْلَهُ. وَفِي تَكْمِلَةِ الصِّحَاحِ لِلصَّغَانِيِّ تَمَوَّهَ ثَمَرُ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ: إذَا امْتَلَأَ مَاءً وَتَهَيَّأَ لِلنُّضْجِ، وَقَوْلُهُ فِيمَا إلَخْ مُتَعَلِّقٌ بِظُهُورٍ وَبُدُوٍّ (وَفِي غَيْرِهِ) وَهُوَ مَا يَتَلَوَّنُ: أَيْ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِيهِ (بِأَنْ يَأْخُذَ فِي الْحُمْرَةِ أَوْ السَّوَادِ) أَوْ الصُّفْرَةِ كَالْبَلَحِ وَالْعُنَّابِ وَالْمِشْمِشِ وَالْإِجَّاصِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ، وَفِي نَحْوِ الْقِثَّاءِ بِأَنْ يُجْبَى مِثْلُهُ غَالِبًا لِلْأَكْلِ، وَفِي الْحُبُوبِ اشْتِدَادُهَا، وَفِي نَحْوِ وَرَقِ التُّوتِ تَنَاهِيهِ، وَفِي نَحْوِ الْوَرْدِ انْفِتَاحُهُ.
فَائِدَةٌ: جَعَلَ الْمَاوَرْدِيُّ بُدُوَّ الصَّلَاحِ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَقْسَامٍ. أَحَدُهَا: بِاللَّوْنِ كَصُفْرَةِ الْمِشْمِشِ وَحُمْرَةِ الْعُنَّابِ وَسَوَادِ الْإِجَّاصِ وَبَيَاضِ التُّفَّاحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. ثَانِيهَا: الطَّعْمُ كَحَلَاوَةِ قَصَبِ السُّكَّرِ وَحُمُوضَةِ الرُّمَّانِ إذَا زَالَتْ الْمَرَارَةُ. ثَالِثُهَا: النُّضْجُ فِي التِّينِ وَالْبِطِّيخِ وَنَحْوِهِمَا. وَذَلِكَ بِأَنْ تَلِينَ صَلَابَتُهُ. رَابِعُهَا: بِالْقُوَّةِ وَالِاشْتِدَادِ كَالْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ. خَامِسُهَا: بِالطُّولِ وَالِامْتِلَاءِ كَالْعَلَفِ وَالْبُقُولِ. سَادِسُهَا: بِالْكِبَرِ كَالْقِثَّاءِ. سَابِعُهَا: بِانْشِقَاقِ كِمَامِهِ كَالْقُطْنِ وَالْجَوْزِ. ثَامِنُهَا: بِانْفِتَاحِهِ كَالْوَرْدِ وَوَرَقِ التُّوتِ (وَيَكْفِي بُدُوُّ صَلَاحِ بَعْضِهِ وَإِنْ قَلَّ) لِصِحَّةِ بَيْعِ كُلِّهِ مِنْ شَجَرَةٍ أَوْ أَشْجَارٍ مُتَّحِدَةِ الْجِنْسِ وَلَوْ حَبَّةً وَاحِدَةً مِنْ عِنَبٍ أَوْ بُسْرٍ أَوْ نَحْوِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى امْتَنَّ عَلَيْنَا فَجَعَلَ الثِّمَارَ لَا تَطِيبُ دَفْعَةً وَاحِدَةً إطَالَةً لِزَمَنِ التَّفَكُّهِ. فَلَوْ

(2/500)


وَلَوْ بَاعَ ثَمَرَةَ بُسْتَانٍ أَوْ بَسَاتِينَ بَدَا صَلَاحُ بَعْضِهِ فَعَلَى مَا سَبَقَ فِي التَّأْبِيرِ.

وَمَنْ بَاعَ مَا بَدَا صَلَاحُهُ لَزِمَهُ سَقْيُهُ قَبْلَ التَّخْلِيَةِ وَبَعْدَهَا، وَيَتَصَرَّفُ مُشْتَرِيه بَعْدَهَا.

وَلَوْ عَرَضَ مُهْلِكٌ بَعْدَهَا كَبَرْدٍ فَالْجَدِيدُ أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
اُشْتُرِطَ فِي الْمَبِيعِ طِيبُ جَمِيعِهِ لَأَدَّى أَنْ لَا يُبَاعَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ السَّابِقَ قَدْ يَتْلَفُ أَوْ تُبَاعَ الْحَبَّةُ بَعْدَ الْحَبَّةِ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا حَرَجٌ، فَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ كَرُطَبٍ وَعِنَبٍ وَبَدَا الصَّلَاحُ فِي أَحَدِهِمَا فَقَطْ وَجَبَ شَرْطُ الْقَطْعِ فِي الْآخَرِ.
وَأَمَّا النَّوْعُ فَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُهُ كَالْبَرْنِيِّ وَالصَّيْحَانِيِّ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ كَمَا إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعُ فِي التَّأْبِيرِ كَمَا مَرَّ وَإِنْ كَانَ فِي كَلَامِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَضُرُّ.

(وَلَوْ بَاعَ ثَمَرَةَ بُسْتَانٍ أَوْ بُسْتَانَيْنِ بَدَا صَلَاحُ بَعْضِهِ) وَاتَّحَدَ جِنْسُهُ (فَعَلَى مَا سَبَقَ فِي التَّأْبِيرِ) فَيُتْبَعُ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ مَا بَدَا صَلَاحُهُ فِي الْبُسْتَانِ أَوْ كُلٍّ مِنْ الْبَسَاتِينِ وَإِنْ اخْتَلَفَ النَّوْعُ بِخِلَافِ الْجِنْسِ فَلَا يَتْبَعُ جِنْسٌ غَيْرَهُ، وَلَوْ بَدَا صَلَاحُ بَعْضِ ثَمَرِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَلَا تَبَعِيَّةَ عَلَى الْأَصَحِّ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ فِي ثَمَرِ الْآخَرِ.

(وَمَنْ بَاعَ مَا بَدَا صَلَاحُهُ) مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ وَأَبْقَى (لَزِمَهُ سَقْيُهُ) إنْ كَانَ مِمَّا يُسْقَى (قَبْلَ التَّخْلِيَةِ وَبَعْدَهَا) قَدْرَ مَا يَنْمُو بِهِ وَيَسْلَمُ مِنْ التَّلَفِ وَالْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ التَّسْلِيمِ الْوَاجِبِ كَالْكَيْلِ فِي الْمَكِيلِ وَالْوَزْنِ فِي الْمَوْزُونِ، فَلَوْ شَرَطَ كَوْنَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي بَطَلَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَاهُ فَإِنْ بَاعَهُ بِشَرْطِ قَطْعِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ السَّقْيُ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ، وَلَوْ بَاعَ الثَّمَرَةَ لِمَالِكِ الشَّجَرَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ سَقْيٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لِانْقِطَاعِ الْعَلَقَةِ بَيْنَهُمَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الثَّمَرَةَ لَوْ كَبُرَتْ وَكَانَ لَا يَتَأَتَّى قَطْعُهَا إلَّا فِي زَمَنٍ طَوِيلٍ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى السَّقْيِ أَنَّا نُكَلِّفُهُ ذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِيهِ نَظَرٌ، وَيَسْتَمِرُّ اللُّزُومُ إلَى أَوَانِ الْجُذَاذِ (وَيَتَصَرَّفُ مُشْتَرِيه) أَيْ الثَّمَنِ (بَعْدَهَا) أَيْ التَّخْلِيَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، هَذَا إنْ اشْتَرَاهُ قَبْلَ أَوَانِ الْجُذَاذِ. أَمَّا بَعْدَهُ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْقَبْضِ أَنَّ كَلَامَ الرَّافِعِيِّ هُنَاكَ يَقْتَضِي تَوَقُّفَ قَبْضِهَا عَلَى النَّقْلِ.

(وَلَوْ عَرَضَ مُهْلِكٌ بَعْدَهَا) أَيْ التَّخْلِيَةِ مِنْ الْآفَاتِ السَّمَاوِيَّةِ (كَبَرْدٍ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِهَا كَمَا ضَبَطَهُ الْمُصَنِّفُ بِخَطِّهِ أَوْ حَرٍّ أَوْ جَرَادٍ أَوْ حَرِيقٍ (فَالْجَدِيدُ أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي) ؛ لِأَنَّ التَّخْلِيَةَ كَافِيَةٌ فِي جَوَازِ التَّصَرُّفِ، فَكَانَتْ كَافِيَةً فِي جَوَازِ نَقْلِ الضَّمَانِ قِيَاسًا عَلَى الْعَقَارِ، وَالْقَدِيمُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ» .
وَأُجِيبَ بِحَمْلِهِ عَلَى النَّدْبِ أَوْ عَلَى مَا قَبْلَ التَّخْلِيَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ.

(2/501)


فَلَوْ تَعَيَّبَ بِتَرْكِ الْبَائِعِ السَّقْيَ فَلَهُ الْخِيَارُ، وَلَوْ بِيعَ قَبْلَ صَلَاحِهِ بِشَرْطِ قَطْعِهِ وَلَمْ يُقْطَعْ حَتَّى هَلَكَ فَأَوْلَى بِكَوْنِهِ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي.

وَلَوْ بِيعَ ثَمَّ يَغْلِبُ تَلَاحُقُهُ وَاخْتِلَاطُ حَادِثِهِ بِالْمَوْجُودِ كَتِينٍ وَقِثَّاءٍ لَمْ يَصِحَّ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي قَطْعُ ثَمَرِهِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
تَنْبِيهٌ تَمْثِيلُهُ بِالْبَرَدِ يُفْهِمُ أَنَّ مَحَلَّ الْقَوْلَيْنِ أَنْ يَكُونَ الْمُهْلِكُ سَمَاوِيًّا، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ، فَإِنْ سُرِقَ أَوْ غُصِبَ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي قَطْعًا لِإِمْكَانِ الْحِفْظِ مِنْهُ وَالتَّغْرِيمِ، وَقِيلَ بِطَرْدِ الْقَوْلَيْنِ، وَمَحَلُّهُمَا أَيْضًا مَا لَمْ يَكُنْ بِسَبَبِ تَرْكِ الْبَائِعِ السَّقْيَ، وَإِلَّا فَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِأَنَّهَا مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ، وَمَا إذَا بَاعَ الثَّمَرَةَ دُونَ الشَّجَرَةِ وَإِلَّا فَهِيَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي قَطْعًا، وَمَا إذَا بَاعَ الثَّمَرَ مِنْ غَيْرِ مَالِكِ الشَّجَرِ وَإِلَّا فَهِيَ مِنْ ضَمَانِهِ قَطْعًا لِانْقِطَاعِ الْعَلَائِقِ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ عَرَضَ الْمُهْلِكُ بَعْدَ إمْكَانِ الْجُذَاذِ فَكَذَا فِي أَشْبَهِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ، وَلَوْ تَعَيَّبَ بِالْجَائِحَةِ فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْجَدِيدِ. أَمَّا قَبْلَ التَّخْلِيَةِ فَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ الْمُشْتَرِي، وَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ كَنَظَائِرِهِ.

(فَلَوْ تَعَيَّبَ) الثَّمَرُ الْمَبِيعُ مُنْفَرِدًا مِنْ غَيْرِ مَالِكِ الشَّجَرَةِ (بِتَرْكِ الْبَائِعِ السَّقْيَ، فَلَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي (الْخِيَارُ) عَلَى الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَلْزَمَ الْبَائِعَ التَّنْمِيَةَ بِالسَّقْيِ وَالتَّعْيِيبُ بِتَرْكِهِ كَالتَّعْيِيبِ قَبْلَ الْقَبْضِ حَتَّى لَوْ تَلِفَ بِذَلِكَ انْفَسَخَ الْعَقْدُ أَيْضًا، هَذَا إذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ السَّقْيُ وَإِلَّا بِأَنْ غَارَتْ الْعَيْنُ أَوْ انْقَطَعَ النَّهْرُ فَلَا خِيَارَ لَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ، وَلَا يُكَلَّفُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَحْصِيلَ مَاءٍ آخَرَ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ نَصِّ الْأُمِّ، وَكَلَامُ الْجُوَيْنِيِّ فِي السِّلْسِلَةِ، فَإِنْ آلَ التَّعْيِيبُ إلَى التَّلَفِ وَالْمُشْتَرِي عَالِمٌ بِهِ وَلَمْ يَفْسَخْ لَمْ يَغْرَمْ لَهُ الْبَائِعُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ كَمَا رَجَّحَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ (وَلَوْ بِيعَ) ثَمَرٌ (قَبْلَ) بُدُوِّ (صَلَاحِهِ بِشَرْطِ قَطْعِهِ وَلَمْ يُقْطَعْ حَتَّى هَلَكَ) بِجَائِحَةٍ (فَأَوْلَى بِكَوْنِهِ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي) مِمَّا لَمْ يَشْرُطْ قَطْعَهُ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ لِتَفْرِيطِهِ بِتَرْكِ الْقَطْعِ الْمَشْرُوطِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَزِيدَةٌ عَلَى الرَّوْضَةِ مَذْكُورَةٌ فِي أَصْلِهَا.
تَنْبِيهٌ فَرَضَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ تَبَعًا لِلْمُحَرَّرِ فِيمَا قَبْلَ الصَّلَاحِ وَكَذَا فِي الشَّرْحَيْنِ، وَفَرَضَ فِي الرَّوْضَةِ فِيمَا بَعْدَ بُدُوِّهِ، وَحُكْمُهَا عِنْدَ شَرْطِ الْقَطْعِ وَاحِدٌ، فَالْأَوْلَى حَذْفُ التَّقْيِيدِ، وَلِذَلِكَ أَطْلَقَ الْبَغَوِيّ وَالْخُوَارِزْمِيّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ لِيَشْمَلَ الْحَالَيْنِ.

(وَلَوْ بِيعَ) ثَمَرٌ أَوْ زَرْعٌ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَلَوْ لِبَعْضِهِ (يَغْلِبُ تَلَاحُقُهُ وَاخْتِلَاطُ حَادِثِهِ بِالْمَوْجُودِ كَتِينٍ) وَبِطِّيخٍ (وَقِثَّاءٍ لَمْ يَصِحَّ) الْبَيْعُ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ (إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي قَطْعُ ثَمَرِهِ) أَوْ زَرْعِهِ خَوْفًا مِنْ الِاخْتِلَاطِ الْمَانِعِ مِنْ التَّسْلِيمِ، فَيَصِحُّ حِينَئِذٍ الْبَيْعُ لِزَوَالِ الْمَحْذُورِ،

(2/502)


وَلَوْ حَصَلَ الِاخْتِلَاطُ فِيمَا يَنْدُرُ فِيهِ، فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بَلْ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ سَمَحَ لَهُ الْبَائِعُ بِمَا حَدَثَ سَقَطَ خِيَارُهُ فِي الْأَصَحِّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
وَاحْتَرَزَ: بِيَغْلِبُ عَمَّا إذَا نَدَرَ الِاخْتِلَاطُ، فَإِنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ مُطْلَقًا وَبِشَرْطِ الْقَطْعِ وَبِشَرْطِ الْإِبْقَاءِ، سَوَاءٌ أَعَلِمَ عَدَمَ الِاخْتِلَاطِ أَمْ لَمْ يَعْلَمْ كَيْفَ الْحَالُ، وَلَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِالنَّادِرِ (وَلَوْ حَصَلَ الِاخْتِلَاطُ) قَبْلَ التَّخْلِيَةِ فِيمَا يَغْلِبُ فِيهِ التَّلَاحُقُ وَالِاخْتِلَاطُ، أَوْ (فِيمَا يَنْدُرُ فِيهِ، فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ) لِبَقَاءِ عَيْنِ الْمَبِيعِ، وَتَسْلِيمُهُ مُمْكِنٌ بِالطَّرِيقِ الْآتِي (بَلْ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي) بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَاطَ عَيْبٌ حَدَثَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ.
وَالثَّانِي: يَنْفَسِخُ لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ، وَنُقِلَ هَذَا عَنْ تَصْحِيحِ الْأَكْثَرِينَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ (فَإِنْ سَمَحَ لَهُ الْبَائِعُ بِمَا حَدَثَ سَقَطَ خِيَارُهُ فِي الْأَصَحِّ) لِزَوَالِ الْمَحْذُورِ، وَيَمْلِكُهُ كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي بِالْإِعْرَاضِ كَمَا فِي الْإِعْرَاضِ عَنْ السَّنَابِلِ.
فَإِنْ قِيلَ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ النَّعْلَ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا فَلِمَ لَا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ عَوْدَ النَّعْلِ إلَى الْمُشْتَرِي مُتَوَقَّعٌ، وَلَا سَبِيلَ هُنَا إلَى تَمْيِيزِ حَقِّ الْمُشْتَرِي. وَالثَّانِي: لَا يَسْقُطُ لِمَا فِي قَبُولِهِ مِنْ الْمِنَّةِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَالرَّافِعِيِّ تَبَعًا لِلْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ يَقْتَضِي إثْبَاتَ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي أَوَّلًا حَتَّى يَجُوزَ لَهُ الْمُبَادَرَةُ إلَى الْفَسْخِ، فَإِنْ بَادَرَ الْبَائِعُ أَوَّلًا فَسَامَحَ سَقَطَ خِيَارُهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: إنَّهُ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ فَإِنَّهُمْ خَيَّرُوا الْبَائِعَ أَوَّلًا، فَإِنْ سَمَحَ بِحَقِّهِ أَقَرَّ الْعَقْدَ وَإِلَّا فُسِخَ.
وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَتَعْلِيلُهُ أَنَّهُ خِيَارُ عَيْبٍ يَسْتَقِلُّ بِهِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ نُقِلَ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الْفَاسِخَ هُوَ الْحَاكِمُ، وَخَرَجَ بِقَبْلِ التَّخْلِيَةِ الَّتِي قَدَّرْتُهَا فِي كَلَامِهِ مَا لَوْ وَقَعَ الِاخْتِلَاطُ بَعْدَهَا فَلَا يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَلْ إنْ تَوَافَقَا عَلَى قَدْرٍ فَذَاكَ وَإِلَّا صُدِّقَ صَاحِبُ الْيَدِ بِيَمِينِهِ فِي قَدْرِ حَقِّ الْآخَرِ، وَهَلْ الْيَدُ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لَهُمَا فِيهِ أَوْجُهٌ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ تَرْجِيحَ الثَّانِي، وَلَوْ اشْتَرَى شَجَرَةً وَعَلَيْهَا ثَمَرَةٌ لِلْبَائِعِ يَغْلِبُ تَلَاحُقُهُمَا لَمْ يَصِحَّ إلَّا بِشَرْطِ قَطْعِ الْبَائِعِ ثَمَرَتَهُ، فَإِنْ شَرَطَ فَلَمْ يَقْطَعْ أَوْ كَانَتْ مِمَّا قُدِّرَ تَلَاحُقُهَا وَجَرَى الِاخْتِلَاطُ كَمَا سَبَقَ فِي ثِمَارِ الْمُشْتَرِي لَمْ يَنْفَسِخْ، بَلْ مَنْ سَمَحَ بِحَقِّهِ لِصَاحِبِهِ أُجْبِرَ صَاحِبُهُ عَلَى الْقَبُولِ، وَإِنْ تَشَاحَّا فُسِخَ الْعَقْدُ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ بَاعَ جِزَّةً مِنْ الْقَتِّ مَثَلًا بِشَرْطِ الْقَطْعِ فَلَمْ يَقْطَعْهَا حَتَّى طَالَتْ وَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ جَرَى الْقَوْلَانِ وَيَجْرِيَانِ أَيْضًا فِيمَا لَوْ بَاعَ حِنْطَةً فَانْصَبَّ عَلَيْهَا مِثْلُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَكَذَا فِي الْمَائِعَاتِ، وَلَوْ اخْتَلَطَ الثَّوْبُ بِأَمْثَالِهِ أَوْ الشَّاةُ الْمَبِيعَةُ بِأَمْثَالِهَا فَالصَّحِيحُ الِانْفِسَاخُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُورِثُ الِاشْتِبَاهَ وَهُوَ مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ لَوْ فُرِضَ ابْتِدَاءً، وَفِي نَحْوِ الْحِنْطَةِ غَايَةُ مَا يَلْزَمُ الْإِشَاعَةُ

(2/503)


وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِصَافِيَةٍ وَهُوَ الْمُحَاقَلَةُ، وَلَا الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِتَمْرٍ وَهُوَ الْمُزَابَنَةُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
وَهِيَ غَيْرُ مَانِعَةٍ.

(وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِصَافِيَةٍ) مِنْ التِّبْنِ (وَهُوَ الْمُحَاقَلَةُ، وَلَا) بَيْعُ (الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِتَمْرٍ وَهُوَ الْمُزَابَنَةُ) لِلنَّهْيِ عَنْهُمَا فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّافِعِيِّ: وَالْمُحَاقَلَةُ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ الزَّرْعَ بِمِائَةِ فَرَقٍ مِنْ الْحِنْطَةِ، وَالْمُزَابَنَةُ أَنْ يَبِيعَ التَّمْرَ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ بِمِائَةٍ فَرَقٍ مِنْ التَّمْرِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: إنْ كَانَ هَذَا التَّفْسِيرُ مَرْفُوعًا فَذَاكَ وَإِنْ كَانَ مِنْ الرَّاوِي فَهُوَ أَعْرَفُ بِتَفْسِيرِ مَا رَوَاهُ، وَلِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمُمَاثَلَةِ فِيهِمَا؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْبَيْعِ فِي الْمُحَاقَلَةِ مُسْتَتِرٌ بِمَا لَيْسَ مِنْ صَلَاحِهِ؛ وَلِأَنَّهُ حِنْطَةٌ وَتِبْنٌ بِحِنْطَةٍ فَبَطَلَ

(2/504)


وَيُرَخَّصُ فِي الْعَرَايَا، وَهُوَ بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِتَمْرٍ فِي الْأَرْضِ أَوْ الْعِنَبِ فِي الشَّجَرِ بِزَبِيبٍ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
لِقَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ، فَلَوْ بَاعَ شَعِيرًا فِي سُنْبُلِهِ بِحِنْطَةٍ صَافِيَةٍ وَتَقَابَضَا فِي الْمَجْلِسِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَرْئِيٌّ وَالْمُمَاثَلَةُ بِشَرْطٍ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ، أَوْ بَاعَ زَرْعًا قَبْلَ ظُهُورِ الْحَبِّ بِحَبٍّ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَشِيشَ غَيْرُ رِبَوِيٍّ. وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ رِبَوِيًّا اُعْتِيدَ أَكْلُهُ كَالْحُلْبَةِ امْتَنَعَ بَيْعُهُ بِحَبِّهِ، وَبِهِ جَزَمَ الزَّرْكَشِيُّ، وَالْمُحَاقَلَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْحَقْلِ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْقَافِ جَمْعُ حَقْلَةٍ، وَهِيَ السَّاحَةُ الطَّيِّبَةُ الَّتِي لَا بِنَاءَ فِيهَا وَلَا شَجَرَ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَعَلُّقِهَا بِزَرْعٍ فِي حَقْلِهِ، وَالْمُزَابَنَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الزَّبْنِ بِفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ الْبَاءِ، وَهُوَ الدَّفْعُ لِكَثْرَةِ الْغَبْنِ فِيهَا فَيُرِيدُ الْمَغْبُونُ دَفْعَهُ وَالْغَابِنُ إمْضَاءَهُ فَيَتَدَافَعَانِ.
تَنْبِيهٌ فَائِدَةٌ ذِكْرُ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ تَسْمِيَتُهَا بِمَا ذُكِرَ وَإِلَّا فَقَدْ عُلِمَا مِمَّا مَرَّ.

(وَيُرَخَّصُ فِي) بَيْعِ (الْعَرَايَا) جَمْعُ عَرِيَّةٍ، وَهِيَ مَا يُفْرِدُهَا مَالِكُهَا لِلْأَكْلِ؛ لِأَنَّهَا عَرِيَتْ عَنْ حُكْمِ جَمِيعِ الْبُسْتَانِ (وَهُوَ بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ) خَرْصًا (بِتَمْرٍ فِي الْأَرْضِ) كَيْلًا (أَوْ الْعِنَبِ فِي الشَّجَرِ) خَرْصًا (بِزَبِيبٍ) فِي الْأَرْضِ كَيْلًا، هَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ لِمَا فِي

(2/505)


فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
الصَّحِيحَيْنِ: عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ: بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ بِالتَّمْرِ» بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ «وَرَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا» وَقِيسَ بِهِ الْعِنَبُ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا زَكَوِيٌّ يُمْكِنُ خَرْصُهُ وَيُدَّخَرُ يَابِسُهُ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا مَعًا عَلَى الشَّجَرِ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ يُقْتَصَرُ فِيهَا عَلَى مَا وَرَدَ، وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الرِّبَا، وَكَالرُّطَبِ الْبُسْرُ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهِ كَالْحَاجَةِ إلَى الرُّطَبِ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ. قِيلَ وَمِثْلُهُ الْحِصْرِمُ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْحِصْرِمَ لَمْ يَبْدُ بِهِ صَلَاحُ الْعِنَبِ وَبِأَنَّ الْخَرْصَ لَا يَدْخُلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَاهَ كِبَرُهُ بِخِلَافِ الْبُسْرِ فِيهِمَا.
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْجَوَازِ فِي الْعَرَايَا مَا لَمْ تَتَعَلَّقْ بِالثَّمَرِ زَكَاةٌ كَأَنْ خُرِصَتْ عَلَيْهِ وَضَمِنَ أَوْ قُلْنَا الْخَرْصُ تَضْمِينٌ أَوْ لِنَقْصِهَا عَنْ النِّصَابِ أَوْ لِكُفْرِ صَاحِبِهَا، وَمَحَلُّ الرُّخْصَةِ (فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ) تَحْدِيدًا بِتَقْدِيرِ الْجَفَافِ بِمِثْلِهِ، لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْخَصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، أَوْ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ» شَكَّ دَاوُد بْنُ حُصَيْنٍ أَحَدُ رُوَاتِهِ، فَأَخَذَ الشَّافِعِيُّ بِالْأَقَلِّ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْهِ، وَيَجُوزُ فِي الْخَمْسَةِ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ، وَلَا يَجُوزُ فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا قَطْعًا، وَحَيْثُ زَادَ عَلَى مَا دُونَهَا يَبْطُلُ فِي الْجَمِيعِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلَا يَخْرُجُ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي فَصْلِهَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِالزِّيَادَةِ رِبًا فَبَطَلَ جَمِيعُهُ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَكْفِي فِي النَّقْصِ عَنْ الْخَمْسَةِ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ حَتَّى قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يَكْفِي نَقْصُ رُبُعِ مُدٍّ، وَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكْفِي بَلْ لَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةٍ عَلَى تَفَاوُتِ مَا يَقَعُ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ، فَإِنَّ رُبُعَ الْمُدِّ وَالْمُدَّ يَقَعُ التَّفَاوُتُ بِهِ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ غَالِبًا لَا سِيَّمَا فِي الْخَمْسَةِ أَوْسُقٍ، وَالْمُرَادُ بِالْخَمْسَةِ أَوْ مَا دُونَهَا إنَّمَا هُوَ مِنْ الْجَافِّ وَإِنْ كَانَ الرُّطَبُ الْآنَ أَكْثَرَ، فَإِنْ تَلِفَ الرُّطَبُ أَوْ الْعِنَبُ فَذَاكَ، وَإِنْ جُفِّفَ وَظَهَرَ تَفَاوُتٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّمْرِ أَوْ الزَّبِيبِ، فَإِنْ كَانَ قَدْرَ مَا يَقَعُ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ لَمْ يَضُرَّ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ

(2/506)


وَلَوْ زَادَ فِي صَفْقَتَيْنِ جَازَ.

وَيُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ بِتَسْلِيمِ التَّمْرِ كَيْلًا، وَالتَّخْلِيَةُ فِي النَّخْلِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي سَائِرِ الثِّمَارِ، وَأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْفُقَرَاءِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْعَقْدِ (وَلَوْ زَادَ) عَلَى مَا دُونَهَا (فِي صَفْقَتَيْنِ) كُلٌّ مِنْهُمَا دُونَهَا (جَازَ) قِيَاسًا عَلَى الصَّفْقَةِ الْأُولَى، وَتَتَعَدَّدُ الصَّفْقَةُ بِتَعَدُّدِ الْعَقْدِ وَالْمُشْتَرِي قَطْعًا وَبِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنَّمَا نَظَرُوا هُنَا إلَى جَانِبِ الْمُشْتَرِي أَكْثَرَ حَيْثُ قَطَعُوا فِيهِ بِالتَّعَدُّدِ دُونَ جَانِبِ الْبَائِعِ عَكْسَ مَا قَالُوهُ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الرُّطَبَ هُوَ الْمَقْصُودُ وَالتَّمْرُ تَابِعٌ، فَلَوْ بَاعَ رَجُلَانِ مَثَلًا لِرَجُلَيْنِ صَفْقَةً جَازَ فِيمَا دُونَ عِشْرِينَ لَا فِيمَا فَوْقَهُ، وَفِي الرَّوْضَةِ فِيمَا دُونَ عَشَرَةٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ: وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا فَرَّعَهُ عَلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ، وَهُوَ أَنَّ الصَّفْقَةَ لَا تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ.

(وَيُشْتَرَطُ) فِي صِحَّةِ بَيْعِ الْعَرَايَا (التَّقَابُضُ) فِي الْمَجْلِسِ (بِتَسْلِيمِ التَّمْرِ) أَوْ الزَّبِيبِ إلَى الْبَائِعِ (كَيْلًا وَالتَّخْلِيَةُ فِي) رُطَبِ (النَّخْلِ) أَوْ عِنَبِ الْكَرْمِ؛ لِأَنَّهُ مَطْعُومٌ بِمَطْعُومٍ.
تَنْبِيهٌ لَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: بِتَسْلِيمِ الْجَافِّ كَيْلًا وَالتَّخْلِيَةُ فِي الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ كَانَ أَوْلَى كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّرْتُهُ (وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ) بَيْعُ مِثْلِ الْعَرَايَا (فِي سَائِرِ الثِّمَارِ) أَيْ بَاقِيهَا كَالْخَوْخِ وَالْمِشْمِشِ وَاللَّوْزِ مِمَّا يُدَّخَرُ يَابِسُهُ؛ لِأَنَّهَا مُتَفَرِّقَةٌ مَسْتُورَةٌ بِالْأَوْرَاقِ فَلَا يَتَأَتَّى الْخَرْصُ فِيهَا. وَالثَّانِي: يَجُوزُ كَمَا جَازَ فِي الْعِنَبِ بِالْقِيَاسِ (وَ) الْأَظْهَرُ (أَنَّهُ) أَيْ بَيْعَ الْعَرَايَا (لَا يَخْتَصُّ بِالْفُقَرَاءِ) بَلْ يَجْرِي فِي الْأَغْنِيَاءِ لِإِطْلَاقِ الْأَخْبَارِ فِيهِ. وَالثَّانِي: يَخْتَصُّ بِهِمْ لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «أَنَّ رِجَالًا مُحْتَاجِينَ مِنْ الْأَنْصَارِ شَكَوْا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الرُّطَبَ يَأْتِي وَلَا نَقْدَ بِأَيْدِيهِمْ يَبْتَاعُونَ بِهِ رُطَبًا يَأْكُلُونَهُ مَعَ النَّاسِ وَعِنْدَهُمْ فَضْلُ قُوتِهِمْ مِنْ التَّمْرِ، فَرَخَّصَ لَهُمْ أَنْ يَبْتَاعُوا الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ»
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِضَعْفِ الْحَدِيثِ، وَبِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَهَذِهِ حِكْمَةُ الْمَشْرُوعِيَّةِ، ثُمَّ قَدْ يَعُمُّ الْحُكْمُ كَمَا فِي الرَّمَلِ وَالِاضْطِبَاعِ فِي الطَّوَافِ.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي اعْتِبَارِ حَاجَةِ الْمُشْتَرِي. أَمَّا حَاجَةُ الْبَائِعِ فَلَا تُعْتَبَرُ قَطْعًا. وَقَالَ مَالِكٌ: تُعْتَبَرُ حَاجَةُ الْبَائِعِ.
خَاتِمَةٌ: قَالَ الْجُرْجَانِيِّ وَالْمُتَوَلِّي: ضَابِطُ الْغَنِيِّ فِي هَذَا الْبَابِ مَنْ عِنْدَهُ نَقْدٌ، فَمَنْ لَا نَقْدَ عِنْدَهُ فَقِيرٌ وَإِنْ مَلَكَ أَمْوَالًا كَثِيرَةً، وَلَوْ اشْتَرَى الْعَرِيَّةَ مَنْ يَجُوزُ لَهُ شِرَاؤُهَا ثُمَّ تَرَكَهَا حَتَّى صَارَتْ تَمْرًا جَازَ. وَقَالَ أَحْمَدُ: يَبْطُلُ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْعَقْدِ عِنْدَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا كُلَّهَا أَهْلُهَا رُطَبًا.

(2/507)