مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج

كِتَابُ الْقِرَاضِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
[كِتَابُ الْقِرَاضِ]
ِ هُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ، مُشْتَقٌّ مِنْ الْقَرْضِ، وَهُوَ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَقْطَعُ لِلْعَامِلِ قِطْعَةً مِنْ مَالِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهَا، وَقِطْعَةً مِنْ الرِّبْحِ أَوْ مِنْ الْمُقَارَضَةِ، وَهِيَ الْمُسَاوَاةُ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الرِّبْحِ، أَوْ لِأَنَّ الْمَالَ مِنْ الْمَالِكِ، وَالْعَمَلَ مِنْ الْعَامِلِ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ يُسَمُّونَهُ الْمُضَارَبَةَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَضْرِبُ بِسَهْمٍ فِي الرِّبْحِ، وَلِمَا فِيهِ غَالِبًا مِنْ السَّفَرِ، وَالسَّفَرُ يُسَمَّى

(3/397)


الْقِرَاضُ وَالْمُضَارَبَةُ أَنْ يَدْفَعَ: إلَيْهِ مَالًا لِيَتَّجِرَ فِيهِ وَالرِّبْحُ مُشْتَرَكٌ.

وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ كَوْنُ الْمَالِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ خَالِصَةً، فَلَا يَجُوزُ عَلَى تِبْرٍ وَحُلِيٍّ مَغْشُوشٍ وَعُرُوضٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
ضَرْبًا، وَجَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ اللُّغَتَيْنِ فِي قَوْلِهِ: الْقِرَاضُ وَالْمُضَارَبَةُ. وَالْأَصْلُ فِيهِ الْإِجْمَاعُ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْمُسَاقَاةِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا جُوِّزَتْ لِلْحَاجَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ مَالِكَ النَّخِيلِ قَدْ لَا يُحْسِنُ تَعَهُّدَهَا وَلَا يَتَفَرَّغُ لَهُ، وَمَنْ يُحْسِنُ الْعَمَلَ قَدْ لَا يَمْلِكُ مَا يَعْمَلُ فِيهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْقِرَاضِ، فَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَ الْمُسَاقَاةِ عَلَى خِلَافِ تَرْتِيبِ الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ كَمَا قِيلَ: رُخْصَةٌ خَارِجٌ عَنْ قِيَاسِ الْإِجَارَاتِ، كَمَا خَرَجَتْ الْمُسَاقَاةُ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُخْلَقْ، وَالْحَوَالَةُ عَنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، وَالْعَرَايَا عَنْ الْمُزَابَنَةِ، وَاحْتَجَّ لَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198] ، وَبِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ضَارَبَ لِخَدِيجَةَ بِمَالِهَا إلَى الشَّامِ، وَأَنْفَذَتْ مَعَهُ عَبْدَهَا مَيْسَرَةَ» ،. وَأَمَّا (الْقِرَاضُ وَالْمُضَارَبَةُ) وَالْمُقَارَضَةُ شَرْعًا فَهُوَ (أَنْ يَدْفَعَ) أَيْ الْمَالِكُ (إلَيْهِ) أَيْ الْعَامِلِ (مَالًا لِيَتَّجِرَ) أَيْ الْعَامِلُ (فِيهِ، وَالرِّبْحُ مُشْتَرَكٌ) بَيْنَهُمَا، فَخَرَجَ بِيَدْفَعَ عَدَمُ صِحَّةِ الْقِرَاضِ عَلَى مَنْفَعَةٍ كَسُكْنَى الدَّارِ، وَعَدَمُ صِحَّتِهِ عَلَى دَيْنٍ سَوَاءٌ أَكَانَ عَلَى الْعَامِلِ أَمْ غَيْرِهِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: " وَالرِّبْحُ مُشْتَرَكٌ " الْوَكِيلُ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ.
تَنْبِيهٌ قَالَ السُّبْكِيُّ: قَدْ يُشَاحِحُ الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِهِ: أَنْ يَدْفَعَ، وَيُقَالُ: الْقِرَاضُ الْعَقْدُ الْمُقْتَضِي لِلدَّفْعِ، لَا نَفْسُ الدَّفْعِ اهـ.

وَأَرْكَانُهُ خَمْسَةٌ: مَالٌ وَعَمَلٌ وَرِبْحٌ وَصِيغَةٌ وَعَاقِدَانِ، ثُمَّ شَرَعَ فِي شَرْطِ الرُّكْنِ الْأَوَّلِ، فَقَالَ: (وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ كَوْنُ الْمَالِ) فِيهِ (دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ خَالِصَةٌ) بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ الْجُوَيْنِيُّ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، (فَلَا يَجُوزُ عَلَى تِبْرٍ) وَهُوَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ قَبْلَ ضَرْبِهِمَا.
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: لَا يُقَالُ: تِبْرٌ إلَّا لِلذَّهَبِ، (وَ) لَا عَلَى (حُلِيٍّ وَمَغْشُوشٍ) مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَإِنْ رُوجِعَتْ وَعُلِمَ قَدْرُ غِشِّهَا وَجَوَّزْنَا التَّعَامُلَ بِهَا؛ لِأَنَّ الْغِشَّ الَّذِي فِيهَا عَرَضٌ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ السُّبْكِيُّ، فَقَالَ: يَقْوَى عِنْدِي أَنْ أُفْتِيَ بِالْجَوَازِ، وَأَنْ أَحْكُمَ بِهِ، إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -، (وَ) لَا عَلَى (عُرُوضٍ) مِثْلِيَّةً كَانَتْ أَوْ مُتَقَوِّمَةً وَلَوْ فُلُوسًا؛ لِأَنَّ الْقِرَاضَ عَقْدُ غَرَرٍ إذْ الْعَمَلُ فِيهِ غَيْرُ مَضْبُوطٍ، وَالرِّبْحُ غَيْرُ مَوْثُوقٍ بِهِ، وَإِنَّمَا جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ فَاخْتَصَّ بِمَا يَرُوجُ غَالِبًا، وَيَسْهُلُ التِّجَارَةُ بِهِ، وَهُوَ الْأَثْمَانُ،

(3/398)


وَمَعْلُومًا مُعَيَّنًا، وَقِيلَ يَجُوزُ عَلَى إحْدَى الصُّرَّتَيْنِ، وَمُسَلَّمًا إلَى الْعَامِلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ مَعًا، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ: وَيَكُونُ نَقْدًا، وَهُوَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَالْأَشْبَهُ صِحَّةُ الْقِرَاضِ عَلَى نَقْدٍ أَبْطَلَهُ السُّلْطَانُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ إذَا عَزَّ وُجُودُهُ، أَوْ خِيفَ عِزَّتُهُ عِنْدَ الْمُفَاصَلَةِ. اهـ.
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ (وَ) لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الْمَذْكُورُ (مَعْلُومًا) ، فَلَا يَجُوزُ عَلَى مَجْهُولِ الْقَدْرِ دَفْعًا لِجَهَالَةِ الرِّبْحِ، بِخِلَافِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُوضَعْ عَلَى الْفَسْخِ بِخِلَافِهِ، وَلَا عَلَى مَجْهُولِ الصِّفَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ، وَمِثْلُهَا الْجِنْسُ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَيَصِحُّ الْقِرَاضُ عَلَى غَيْرِ الْمَرْئِيِّ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ. وَأَنْ يَكُونَ (مُعَيَّنًا) ، فَلَا يَجُوزُ عَلَى مَا فِي ذِمَّتِهِ أَوْ ذِمَّةِ غَيْرِهِ، كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ، وَلَا عَلَى إحْدَى الصُّرَّتَيْنِ لِعَدَمِ التَّعْيِينِ. (وَقِيلَ: يَجُوزُ عَلَى إحْدَى الصُّرَّتَيْنِ) الْمُتَسَاوِيَتَيْنِ فِي الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ وَالصِّفَةِ، فَيَتَصَرَّفُ الْعَامِلُ فِي أَيَّتِهِمَا شَاءَ فَيَتَعَيَّنُ الْقِرَاضُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَا فِيهِمَا مَعْلُومًا، نَعَمْ عَلَى الْأَوَّلِ لَوْ قَارَضَهُ عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ، ثُمَّ عَيَّنَهَا فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ، كَمَا صَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ، وَأَصْلُهَا كَالصَّرْفِ وَالسَّلَمِ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ، وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَالْخُوَارِزْمِيّ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ.
تَنْبِيهٌ مُقْتَضَى كَلَامِهِ عَدَمُ صِحَّةِ الْقِرَاضِ فِي إحْدَى الصُّرَّتَيْنِ عَلَى الْأَوَّلِ وَإِنْ عُيِّنَتْ فِي الْمَجْلِسِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِفَسَادِ الصِّيغَةِ، وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ الصِّحَّةَ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ اشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ مَا لَوْ خَلَطَ أَلْفَيْنِ بِأَلْفٍ لِغَيْرِهِ، ثُمَّ قَالَ: قَارَضْتُكَ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَشَارَكْتُك فِي الْآخَرِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مَعَ عَدَمِ تَعْيِينِ أَلْفِ الْقِرَاضِ، وَيَنْفَرِدُ الْعَامِلُ بِالتَّصَرُّفِ فِي أَلْفِ الْقِرَاضِ، وَيَشْتَرِكَانِ فِي التَّصَرُّفِ فِي بَاقِي الْمَالِ، وَلَا يُخْرِجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي جَمْعِ الصَّفْقَةِ الْوَاحِدَةِ عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا يَرْجِعَانِ إلَى التَّوْكِيلِ فِي التَّصَرُّفِ.
وَلَوْ كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ دَرَاهِمُ مُشْتَرَكَةٌ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: قَارَضْتُكَ عَلَى نَصِيبِي مِنْهَا صَحَّ، وَلَوْ قَارَضَ الْمُودِعُ أَوْ غَيْرُهُ عَلَى الْوَدِيعَةِ، أَوْ الْغَاصِبُ عَلَى الْمَغْصُوبِ - صَحَّ، وَبَرِئَ الْغَاصِبُ بِتَسْلِيمِ الْمَغْصُوبِ لِمَنْ يُعَامِلُ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَهُ بِإِذْنِ مَالِكِهِ، وَزَالَتْ عَنْهُ يَدُهُ لَا بِمُجَرَّدِ الْقِرَاضِ. وَلَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: اقْبِضْ دَيْنِي مِنْ فُلَانٍ، فَإِذَا قَبَضْته فَقَدْ قَارَضْتُكَ عَلَيْهِ - لَمْ يَصِحَّ لِتَعْلِيقِهِ. وَلَوْ قَالَ: اعْزِلْ مَالِي الَّذِي فِي ذِمَّتِكَ فَعَزَلَهُ، وَلَمْ يَقْبِضْهُ، ثُمَّ قَارَضَهُ عَلَيْهِ - لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَا عَزَلَهُ بِغَيْرِ قَبْضٍ. وَلَوْ اشْتَرَى لَهُ فِي ذِمَّتِهِ وَقَعَ الْعَقْدُ لِلْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى لَهُ بِإِذْنِهِ، وَالرِّبْحُ لِلْآمِرِ لِفَسَادِ الْقِرَاضِ، وَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ.
(وَ) أَنْ يَكُونَ (مُسَلَّمًا إلَى الْعَامِلِ) ،

(3/399)


فَلَا يَجُوزُ شَرْطُ كَوْنِ الْمَالِ فِي يَدِ الْمَالِكِ، وَلَا عَمَلِهِ مَعَهُ، وَيَجُوزُ شَرْطُ عَمَلِ غُلَامِ الْمَالِكِ مَعَهُ عَلَى الصَّحِيحِ.

وَوَظِيفَةُ الْعَامِلِ التِّجَارَةُ وَتَوَابِعُهَا كَنَشْرِ الثِّيَابِ وَطَيِّهَا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
وَلَيْسَ الْمُرَادُ اشْتِرَاطُ تَسْلِيمِ الْمَالِ إلَيْهِ حَالَ الْعَقْدِ أَوْ فِي مَجْلِسِهِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنْ يَسْتَقِلَّ الْعَامِلُ بِالْيَدِ عَلَيْهِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ، وَلِهَذَا قَالَ: (فَلَا يَجُوزُ) ، وَلَا يَصِحُّ الْإِتْيَانُ بِمَا يُنَافِي ذَلِكَ، وَهُوَ (شَرْطُ كَوْنِ الْمَالِ فِي يَدِ الْمَالِكِ) أَوْ غَيْرِهِ لِيُوَفِّيَ مِنْهُ ثَمَنَ مَا اشْتَرَاهُ الْعَامِلُ، وَلَا شَرْطِ مُرَاجَعَتِهِ فِي التَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَجِدُهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ، (وَلَا) شَرْطِ (عَمَلِهِ) أَيْ الْمَالِكِ (مَعَهُ) أَيْ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّ انْقِسَامَ التَّصَرُّفِ يُفْضِي إلَى انْقِسَامِ الْيَدِ.
تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَالْمُحَرَّرِ أَنَّ هَذَا مِنْ مُحْتَرَزِ قَوْلِهِ: مُسَلَّمًا إلَى الْعَامِلِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ هُوَ شَرْطٌ آخَرُ، وَهُوَ اسْتِقْلَالُ الْعَامِلِ بِالتَّصَرُّفِ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَأَنْ يَسْتَقِلَّ بِالتَّصَرُّفِ، فَلَا يَجُوزُ شَرْطُ عَمَلِهِ مَعَهُ، وَلَوْ شَرَطَ كَوْنَ الْمَالِ تَحْتَ يَدِ وَكِيلِهِ، وَأَنْ يَكُونَ مَعَهُ مُشْرِفٌ مُطَّلِعٌ عَلَى عَمَلِهِ مِنْ غَيْرٍ تَوَقُّفٍ فِي التَّصَرُّفِ عَلَى مُرَاجَعَتِهِ لَمْ يَصِحَّ أَخْذًا مِنْ التَّعْدِيلِ السَّابِقِ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ. (وَيَجُوزُ شَرْطُ عَمَلِ غُلَامِ) أَيْ عَبْدِ (الْمَالِكِ مَعَهُ) مُعِينًا لَهُ لَا شَرِيكًا لَهُ فِي الرَّأْيِ (عَلَى الصَّحِيحِ) كَشَرْطِ إعْطَاءِ بَهِيمَةٍ لَهُ لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا. وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ كَشَرْطِ عَمَلِ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ يَدَ عَبْدِهِ يَدُهُ.
وَأَجَابَ الْأَوَّلَ: بِأَنَّ عَبْدَهُ وَبَهِيمَتَهُ مَالٌ، فَجُعِلَ عَمَلُهُمَا تَبَعًا لِلْمَالِكِ بِخِلَافِ الْمَالِكِ، وَبِخِلَافِ عَبْدِهِ إذَا جَعَلَهُ شَرِيكًا فِي الرَّأْيِ لِمَا مَرَّ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ وَالْبَهِيمَةُ مَعْلُومَيْنِ بِالرُّؤْيَةِ أَوْ الْوَصْفِ، وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِغُلَامِهِ يَشْمَلُ أَجِيرَهُ الْحُرَّ، فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: أَنَّهُ كَعَبْدِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَنْفَعَتِهِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْأَذْرَعِيُّ مِثْلَهُ فِي الْمُسَاقَاةِ، وَإِنَّمَا جَعَلْتُ الْغُلَامَ فِي كَلَامِهِ بِمَعْنَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَوْ شَرَطَ لِعَبْدِهِ جُزْءًا مِنْ الرِّبْحِ صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يَشْرُطْ عَمَلَهُ مَعَهُ لِرُجُوعِ مَا شَرَطَ لِعَبْدِهِ إلَيْهِ.
تَنْبِيهٌ سُكُوتُ الْمُصَنِّفِ عَنْ بَيَانِ نَوْعِ مَا يَتَّجِرُ فِيهِ الْعَامِلُ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ، وَيُحْمَلُ الْإِطْلَاقُ عَلَى الْعُرْفِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي الرَّوْضَةِ، وَإِنْ جَزَمَ الْجُرْجَانِيِّ بِاشْتِرَاطِهِ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي وَهُوَ الْعَمَلُ، فَقَالَ: (وَوَظِيفَةُ الْعَامِلِ التِّجَارَةُ) وَهِيَ الِاسْتِرْبَاحُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ.
فَائِدَةٌ الْوَظِيفَةُ - بِظَاءٍ مُشَالَةٍ - مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَنَحْوِهِ، (وَ) كَذَا (تَوَابِعُهَا) مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ (كَنَشْرِ الثِّيَابِ وَطَيِّهَا) وَذَرْعِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَيَأْتِي، وَمِنْهُ

(3/400)


فَلَوْ قَارَضَهُ لِيَشْتَرِيَ حِنْطَةً فَيَطْحَنَ وَيَخْبِزَ، أَوْ غَزْلًا يَنْسِجُهُ وَيَبِيعُهُ فَسَدَ الْقِرَاضُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْرِطَ عَلَيْهِ شِرَاءَ مَتَاعٍ مُعَيَّنٍ أَوْ نَوْعٍ يَنْدُرُ وُجُودُهُ، أَوْ مُعَامَلَةَ شَخْصٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
أَنَّ مَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ فِعْلُهُ - إذَا اسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ يَسْتَأْجِرُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ، وَمَا لَا يَلْزَمُهُ إذَا اسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ يَسْتَأْجِرُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ، وَخَرَجَ بِالتِّجَارَةِ اسْتِخْرَاجُ الْعَامِلِ الرِّبْحَ بِاحْتِرَافٍ، كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ: (فَلَوْ قَارَضَهُ لِيَشْتَرِيَ حِنْطَةً) مَثَلًا (فَيَطْحَنَ) وَيَعْجِنَ (وَيَخْبِزَ) وَيَبِيعَ ذَلِكَ، (أَوْ) يَشْتَرِيَ (غَزْلًا) مَثَلًا (يَنْسِجُهُ وَيَبِيعُهُ) وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا - (فَسَدَ الْقِرَاضُ) فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاضَ شُرِعَ رُخْصَةً لِلْحَاجَةِ، وَهَذِهِ الْأَعْمَالُ مَضْبُوطَةٌ يُمْكِنُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا، فَلَمْ تَشْمَلْهَا الرُّخْصَةُ، وَالْعَامِلُ فِيهَا لَيْسَ مُتَّجِرًا، بَلْ مُحْتَرِفًا فَلَيْسَتْ مِنْ وَظِيفَةِ الْعَامِلِ، فَلَوْ اشْتَرَى الْحِنْطَةَ وَطَحَنَهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ لَمْ يَنْفَسِخْ الْقِرَاضُ فِيهَا فِي الْأَصَحِّ. ثُمَّ إنْ طَحَنَ بِغَيْرِ الْإِذْنِ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ لَزِمَتْهُ الْأُجْرَةُ، وَيَصِيرُ ضَامِنًا، وَعَلَيْهِ غُرْمُ مَا نَقَصَ بِالطَّحْنِ، فَإِنْ بَاعَهُ لَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتَدَّ فِيهِ، وَإِنْ رَبِحَ فَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا كَمَا شَرَطَا، وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْعَامِلُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ، وَحَظُّ الْعَامِلِ التَّصَرُّفُ فَقَطْ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: يَظْهَرُ الْجَوَازُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَمْ يَنْشَأْ عَنْ تَصَرُّفِ الْعَامِلِ. وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: لَوْ قَارَضَهُ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ الْحِنْطَةَ وَيُخَزِّنَهَا مُدَّةً، فَإِذَا ارْتَفَعَ سِعْرُهَا بَاعَهَا - لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَيْسَ حَاصِلًا مِنْ جِهَةِ التَّصَرُّفِ. وَفِي الْبَحْرِ نَحْوُهُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. بَلْ لَوْ قَالَ: عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ الْحِنْطَةَ وَتَبِيعَهَا فِي الْحَالِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ.
وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُضَيِّقَ الْمَالِكُ عَلَى الْعَامِلِ فِي التَّصَرُّفِ، (وَ) حِينَئِذٍ (لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْرِطَ عَلَيْهِ شِرَاءَ) - بِالْمَدِّ بِخَطِّهِ - (مَتَاعٍ مُعَيَّنٍ) كَهَذِهِ الْحِنْطَةِ أَوْ هَذَا الثَّوْبِ، (أَوْ) شِرَاءَ (نَوْعٍ يَنْدُرُ وُجُودُهُ) كَالْخَيْلِ الْبُلْقِ وَالْيَاقُوتِ الْأَحْمَرِ وَالْخَزِّ الْأَدْكَنِ، (أَوْ) شَرَطَ عَلَيْهِ (مُعَامَلَةَ شَخْصٍ) بِعَيْنِهِ كَلَا تَبِعْ إلَّا لِزَيْدٍ، أَوْ لَا تَشْتَرِ إلَّا مِنْهُ، لِإِخْلَالِهِ بِالْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّ الْمَتَاعَ الْمُعَيَّنَ قَدْ لَا يَرْبَحُ، وَالنَّادِرُ قَدْ لَا يَجِدُهُ، وَالشَّخْصَ الْمُعَيَّنَ قَدْ لَا يُعَامِلُهُ، وَقَدْ لَا يَجِدُ عِنْدَهُ مَا يَظُنُّ أَنَّ فِيهِ رِبْحًا. قَالَ فِي الْحَاوِي: وَيَضُرُّ تَعْيِينُ الْحَانُوتِ دُونَ السُّوقِ؛ لِأَنَّ السُّوقَ كَالنَّوْعِ الْعَامِّ، وَالْحَانُوتَ كَالْعَرْضِ الْمُعَيَّنِ.
تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ النَّوْعَ إذَا لَمْ يَنْدُرْ وُجُودُهُ أَنَّهُ يَصِحُّ، وَلَوْ كَانَ يَنْقَطِعُ كَالْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِانْتِفَاءِ التَّضْيِيقِ، وَكَذَا إنْ نَدَرَ، وَكَانَ بِمَكَانٍ يُوجَدُ فِيهِ غَالِبًا، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ. وَلَوْ نَهَاهُ عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ شِرَاءُ غَيْرِ هَذِهِ السِّلْعَةِ، وَالشِّرَاءُ وَالْبَيْعُ مِنْ غَيْرِ زَيْدٍ وَلَوْ قَارَضَهُ عَلَى أَنْ يُصَارِفَ مَعَ الصَّيَارِفَةِ فَهَلْ يَتَعَيَّنُونَ عَمَلًا

(3/401)


وَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ مُدَّةِ الْقِرَاضِ، فَلَوْ ذَكَرَ مُدَّةً وَمَنَعَهُ التَّصَرُّفَ بَعْدَهَا فَسَدَ، وَإِنْ مَنَعَهُ الشِّرَاءَ بَعْدَهَا فَلَا فِي الْأَصَحِّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
بِالشَّرْطِ فَتَفْسُدُ الْمُصَارَفَةُ مَعَ غَيْرِهِمْ أَوْ لَا؟ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ تَصَرُّفَهُ صَرْفًا لَا مَعَ قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ، وَجْهَانِ: أَوْجُهُهُمَا
الْأَوَّلُ إنْ ذَكَرَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاشْتِرَاطِ، وَإِلَّا فَالثَّانِي وَلَا يَشْتَرِطُ تَعْيِينَ مَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ لِلْعَامِلِ حَظًّا يَحْمِلُهُ عَلَى بَذْلِ الْمَجْهُودِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ، وَعَلَيْهِ الِامْتِثَالُ لِمَا عَيَّنَهُ إنْ عَيَّنَ كَمَا فِي سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ الْمُسْتَفَادَةِ بِالْإِذْنِ، فَالْإِذْنُ فِي الْبَزِّ يَتَنَاوَلُ مَا لَيْسَ مِنْ الْمَنْسُوجِ لَا الْأَكْسِيَةِ وَنَحْوِهَا كَالْبُسُطِ عَمَلًا بِالْعُرْفِ؛ لِأَنَّ بَائِعَهَا لَا يُسَمَّى بَزَّازًا. .

(وَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ مُدَّةِ الْقِرَاضِ) بِخِلَافِ الْمُسَاقَاةِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْقِرَاضِ، وَهُوَ الرِّبْحُ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مَعْلُومٌ بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ؛ وَلِأَنَّهُمَا قَادِرَانِ عَلَى فَسْخِ الْقِرَاضِ بِخِلَافِ الْمُسَاقَاةِ، وَلَوْ قَالَ: قَارَضْتُك مَا شِئْتُ أَوْ مَا شِئْتَ جَازَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شَأْنُ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ، وَلَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يُعْقَدَ فِي الْحَالِ، فَإِنْ عَلَّقَهُ عَلَى شَرْطٍ كَأَنْ قَالَ: إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدَ قَارَضْتُك، أَوْ عَلَّقَ تَصَرُّفَهُ كَأَنْ قَالَ: قَارَضْتُكَ الْآنَ، وَلَا تَتَصَرَّفْ حَتَّى يَنْقَضِيَ الشَّهْرُ لَمْ يَصِحَّ. أَمَّا فِي الْأُولَى فَكَمَا فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَكَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُك هَذَا وَلَا تَمْلِكْهُ إلَّا بَعْدَ شَهْرٍ. وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ مَالًا وَقَالَ: إذَا مِتُّ فَتَصَرَّفْ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ قِرَاضًا، عَلَى أَنَّ لَكَ نِصْفَ الرِّبْحِ لَمْ يَصِحَّ، وَلَيْسَ لَهُ التَّصَرُّفُ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ، وَلِأَنَّ الْقِرَاضَ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ لَوْ صَحَّ، (فَلَوْ ذَكَرَ مُدَّةً) كَشَهْرٍ لَمْ يَصِحَّ لِإِخْلَالِ التَّأْقِيتِ بِمَقْصُودِ الْقِرَاضِ، فَقَدْ لَا يَرْبَحُ فِي الْمُدَّةِ، وَإِنْ عَيَّنَ مُدَّةً كَشَهْرٍ (وَمَنَعَهُ التَّصَرُّفَ) أَوْ الْبَيْعَ - كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ - (بَعْدَهَا فَسَدَ) الْعَقْدُ لِمَا مَرَّ. (وَإِنْ مَنَعَهُ الشِّرَاءَ) فَقَطْ كَأَنْ قَالَ: لَا تَشْتَرِ (بَعْدَهَا) ، وَلَك الْبَيْعُ (فَلَا) يَفْسُدُ الْبَيْعُ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِحُصُولِ الِاسْتِرْبَاحِ بِالْبَيْعِ الَّذِي لَهُ فِعْلُهُ بَعْدَ الشَّهْرِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّمْثِيلِ بِشَهْرٍ كَمَا فِي التَّنْبِيهِ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ: يَتَأَتَّى فِيهَا الشِّرَاءُ لِغَرَضِ الرِّبْحِ بِخِلَافِ نَحْوِ سَاعَةٍ.
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ - كَغَيْرِهِ - أَنَّهُ أَقَّتَ الْقِرَاضَ بِمُدَّةٍ وَمَنَعَهُ الشِّرَاءَ بَعْدَهَا، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ تَأْقِيتًا أَصْلًا كَقَوْلِهِ: قَارَضْتُك وَلَا تَتَصَرَّفْ بِالشِّرَاءِ بَعْدَ شَهْرٍ، فَإِنَّ الْقِرَاضَ الْمُؤَقَّتَ لَا يَصِحُّ، سَوَاءٌ أَمَنَعَ الْمَالِكُ الْعَامِلَ التَّصَرُّفَ أَمْ الْبَيْعَ - كَمَا مَرَّ - أَمْ سَكَتَ أَمْ الشِّرَاءَ، كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ، وَلَوْ كَانَتْ الْمُدَّةُ مَجْهُولَةً كَمُدَّةِ إقَامَةِ الْعَسْكَرِ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فِيهِ وَجْهَانِ. اهـ. وَالظَّاهِرُ مِنْهُمَا عَدَمُ الصِّحَّةِ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ: وَهُوَ

(3/402)


وَيُشْتَرَطُ اخْتِصَاصُهُمَا بِالرِّبْحِ وَاشْتِرَاكُهُمَا فِيهِ، وَلَوْ قَالَ قَارَضْتُك عَلَى أَنَّ كُلَّ الرِّبْحِ لَك فَقِرَاضٌ فَاسِدٌ، وَقِيلَ قِرَاضٌ صَحِيحٌ وَإِنْ قَالَ كُلُّهُ لِي فَقِرَاضٌ فَاسِدٌ، وَقِيلَ: إبْضَاعٌ، وَكَوْنُهُ مَعْلُومًا بِالْجُزْئِيَّةِ فَلَوْ قَالَ:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
الرِّبْحُ، فَقَالَ: (وَيُشْتَرَطُ اخْتِصَاصُهُمَا بِالرِّبْحِ) ، فَلَا يَجُوزُ شَرْطُ شَيْءٍ مِنْهُ لِثَالِثٍ إلَّا عَبْدَ الْمَالِكِ - كَمَا مَرَّ -، أَوْ عَبْدَ الْعَامِلِ، فَإِنَّ مَا شُرِطَ لَهُ يُضَمُّ إلَى مَا شُرِطَ لِسَيِّدِهِ.
تَنْبِيهٌ: جَرَى الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُنَا عَلَى الْقَاعِدَةِ مِنْ دُخُولِ الْبَاءِ عَلَى الْمَقْصُورِ خِلَافَ تَعْبِيرِ الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا مِنْ دُخُولِهَا عَلَى الْمَقْصُورِ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالُوا: يُشْتَرَطُ اخْتِصَاصُ الرِّبْحِ بِهِمَا، (وَاشْتِرَاكُهُمَا فِيهِ) ؛ لِيَأْخُذَ الْمَالِكُ بِمِلْكِهِ وَالْعَامِلُ بِعَمَلِهِ، فَلَا يُخْتَصُّ بِهِ أَحَدُهُمَا.
تَنْبِيهٌ لَا يُغْنِي الشَّرْطُ الْأَوَّلُ عَنْ هَذَا خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْفَرَدَ بِهِ أَحَدُهُمَا صَدَقَ عَلَيْهِ اخْتِصَاصُهُمَا بِهِ إذَا لَمْ يُشْرَطُ فِيهِ شَيْءٌ لِثَالِثٍ. (فَلَوْ قَالَ: قَارَضْتُك عَلَى أَنَّ كُلَّ الرِّبْحِ لَك فَقِرَاضٌ فَاسِدٌ) فِي الْأَصَحِّ نَظَرًا لِلَّفْظِ، (وَقِيلَ: قِرَاضٌ صَحِيحٌ) نَظَرًا لِلْمَعْنَى. (وَإِنْ قَالَ) الْمَالِكُ: (كُلُّهُ) أَيْ الرِّبْحُ (لِي فَقِرَاضٌ فَاسِدٌ) فِي الْأَصَحِّ لِمَا مَرَّ، فَيَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ حِينَئِذٍ عَلَى الْمَالِكِ فِي الْأُولَى أُجْرَةَ عَمَلِهِ دُونَ الثَّانِيَةِ وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِمَا، كَمَا سَيَأْتِي، (وَقِيلَ) هُوَ (إبْضَاعٌ) أَيْ تَوْكِيلٌ بِلَا جُعْلٍ لِمَا مَرَّ أَيْضًا، وَالْإِبْضَاعُ بَعْثُ مَالٍ مَعَ مَنْ يَتَّجِرُ فِيهِ مُتَبَرِّعًا، وَالْبِضَاعَةُ الْمَالُ الْمَبْعُوثُ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ قَالَ: أَبْضَعْتُكَ عَلَى أَنَّ نِصْفَ الرِّبْحِ لَك أَوْ كُلَّهُ لَك هَلْ هُوَ قِرَاضٌ فَاسِدٌ أَوْ إبْضَاعٌ؟ . وَلَوْ قَالَ: خُذْهُ وَتَصَرَّفْ فِيهِ، وَالرِّبْحُ كَذَلِكَ فَقَرْضٌ صَحِيحٌ، أَوْ كُلُّهُ فَإِبْضَاعٌ، وَفَارَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ بِأَنَّ اللَّفْظَ فِيهَا صَرِيحٌ فِي عَقْدٍ آخَرَ. وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: أَبْضَعْتُكَ كَانَ بِمَثَابَةِ قَوْلِهِ: تَصَرَّفْ وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِي فَيَكُونُ إبْضَاعًا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَكَلَامُ الْفُورَانِيِّ وَغَيْرِهِ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ دَرَاهِمَ وَقَالَ: اتَّجِرْ فِيهَا لِنَفْسِك حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ قَرْضٌ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ: يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنَّهُ هِبَةٌ. وَلَوْ قَالَ: خُذْ الْمَالَ قِرَاضًا بِالنِّصْفِ مَثَلًا صَحَّ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ، رَجَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ، فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ الْمَالِكُ: أَرَدْت أَنَّ النِّصْفَ لِي فَيَكُونُ فَاسِدًا، أَوْ ادَّعَى الْعَامِلُ الْعَكْسَ صُدِّقَ الْعَامِلُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ، قَالَهُ سَلِيمٌ. (وَ) يُشْتَرَطُ (كَوْنُهُ) أَيْ الْإِشْرَاكِ فِي الرِّبْحِ (مَعْلُومًا بِالْجُزْئِيَّةِ) كَالنِّصْفِ أَوْ الثُّلُثِ. ثُمَّ شَرَعَ فِي مُحْتَرَزِ قَوْلِهِ مَعْلُومًا بِقَوْلِهِ: (فَلَوْ قَالَ) :

(3/403)


عَلَى أَنَّ لَك فِيهِ شَرِكَةً أَوْ نَصِيبًا فَسَدَ، أَوْ بَيْنَنَا فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ، وَيَكُونُ نِصْفَيْنِ، وَلَوْ قَالَ: لِي النِّصْفُ فَسَدَ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ قَالَ: لَك النِّصْفُ صَحَّ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَوْ شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا عَشَرَةً أَوْ رِبْحَ صِنْفٍ فَسَدَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
قَارَضْتُك (عَلَى أَنَّ لَك) أَوْ لِي (فِيهِ شَرِكَةً أَوْ نَصِيبًا) أَوْ جُزْءًا أَوْ شَيْئًا مِنْ الرِّبْحِ، أَوْ عَلَى أَنْ تَخُصَّنِي بِدَابَّةٍ تَشْتَرِيهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، أَوْ تَخُصَّنِي بِرُكُوبِهَا أَوْ بِرِبْحِ أَحَدِ الْأَلْفَيْنِ مَثَلًا، وَلَوْ كَانَا مَخْلُوطَيْنِ، أَوْ عَلَى أَنَّك إنْ رَبِحْت أَلْفًا، فَلَكَ نِصْفُهُ، أَوْ أَلْفَيْنِ فَلَكَ رُبْعُهُ (فَسَدَ) الْقِرَاضُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِلْجَهْلِ بِقَدْرِ الرِّبْحِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأُوَلِ، وَبِعَيْنِهِ فِي الْأَخِيرَةِ، وَلِأَنَّ الدَّابَّةَ فِي صُورَتِهَا الثَّانِيَةِ رُبَّمَا تَنْقُصُ بِالِاسْتِعْمَالِ وَيَتَعَذَّرُ التَّصَرُّفُ فِيهَا، وَلِأَنَّهُ خُصِّصَ الْعَامِلُ فِي الَّتِي تَلِيهَا، وَفِي صُورَتِهَا الْأُولَى بِرِبْحِ بَعْضِ الْمَالِ، (أَوْ) أَنَّ الرِّبْحَ (بَيْنَنَا فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ وَيَكُونُ نِصْفَيْنِ) ، كَمَا لَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ بَيْنِي وَبَيْنَ فُلَانٍ فَإِنَّهَا تُجْعَلُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ لِغَيْرِ الْمُنَاصَفَةِ، فَلَا يَكُونُ الْجُزْءُ مَعْلُومًا، كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُك بِأَلْفٍ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ، وَلَوْ قَالَ: قَارَضْتُك عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَنَا أَثْلَاثًا لَمْ يَصِحَّ، كَمَا فِي الْأَنْوَارِ لِلْجَهْلِ بِمَنْ لَهُ الثُّلُثُ وَمَنْ لَهُ الثُّلُثَانِ، وَلَوْ قَالَ: قَارَضْتُك كَقِرَاضِ فُلَانٍ، وَهُمَا يَعْلَمَانِ الْقَدْرَ الْمَشْرُوطَ صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ قَالَ: قَارَضْتُك وَلَك رُبْعُ سُدُسِ الْعُشْرِ صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا قَدْرَهُ عِنْدَ الْعَقْدِ لِسُهُولَةِ مَعْرِفَتِهِ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ مُرَابَحَةً وَجَهِلَا حَالَ الْعَقْدِ حِسَابَهُ. (وَلَوْ قَالَ: لِي النِّصْفُ) مَثَلًا وَسَكَتَ عَنْ جَانِبِ الْعَامِلِ (فَسَدَ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ فَائِدَةُ الْمَالِ فَيَكُونُ لِلْمَالِكِ؛ إلَّا أَنْ يُنْسَبَ مِنْهُ شَيْءٌ إلَى الْعَامِلِ، وَلَمْ يُنْسَبْ إلَيْهِ شَيْءٌ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ وَيَكُونُ النِّصْفُ الْآخَرُ لِلْعَامِلِ. (وَإِنْ قَالَ: لَك النِّصْفُ) مَثَلًا وَسَكَتَ عَنْ جَانِبِهِ (صَحَّ عَلَى الصَّحِيحِ) ؛ لِأَنَّ الَّذِي سَكَتَ عَنْهُ يَكُونُ لِلْمَالِكِ بِحُكْمِ الْأَصْلِ، فَكَانَ كَقَوْلِهِ: لَك النِّصْفُ وَلِيَ النِّصْفُ، بِخِلَافِ الصُّورَةِ السَّابِقَةِ. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ كَالَّتِي قَبْلَهَا.
ثُمَّ شَرَعَ فِي مُحْتَرَزِ قَوْلِهِ بِالْجُزْئِيَّةِ، فَقَالَ: (وَلَوْ شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا) مَالِكٍ أَوْ عَامِلٍ (عَشَرَةً) - بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالشِّينِ بِالنَّصْبِ - بِخَطِّهِ مِنْ الرِّبْحِ وَالْبَاقِي لِلْآخَرِ، أَوْ بَيْنَهُمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، (أَوْ) شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا (رِبْحَ صِنْفٍ) مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ، أَوْ شَرَطَ لَهُ النِّصْفَ وَدِينَارًا مِثْلًا، أَوْ إلَّا دِينَارًا (فَسَدَ) الْقِرَاضُ لِانْتِفَاءِ الْعِلْمِ بِالْجُزْئِيَّةِ، وَلِأَنَّ الرِّبْحَ قَدْ يَنْحَصِرُ فِيمَا قَدَّرَهُ، أَوْ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ فَيُؤَدِّي إلَى اخْتِصَاصِ أَحَدِهِمَا بِالرِّبْحِ، وَهُوَ خِلَافُ وَضْعِ الْقِرَاضِ. وَلَوْ قَالَ: قَارَضْتُك وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلرِّبْحِ فَسَدَ الْقِرَاضُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ وَضْعِهِ. .

[فَصْلٌ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْقِرَاضِ]
ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ، وَهُوَ الصِّيغَةُ مُتَرْجِمًا لَهُ بِفَصْلٍ فَقَالَ:

(3/404)


فَصْلٌ يُشْتَرَطُ إيجَابٌ وَقَبُولٌ، وَقِيلَ يَكْفِي الْقَبُولُ بِالْفِعْلِ.

وَشَرْطُهُمَا كَوَكِيلٍ وَمُوَكِّلٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
فَصْلٌ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْقِرَاضِ صِيغَةٌ، وَهِيَ (إيجَابٌ) كَقَارَضْتُكَ أَوْ ضَارَبْتُك أَوْ عَامَلْتُك أَوْ بِعْ وَاشْتَرِ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَنَا نِصْفَيْنِ، فَلَوْ قَالَ: اشْتَرِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَيْعَ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ، (وَقَبُولٌ) مُتَّصِلٌ بِالْإِيجَابِ بِالطَّرِيقِ الْمُعْتَبَرِ فِي الْبَيْعِ، وَلَوْ فِي قَوْلِهِ: خُذْهُ وَاتَّجِرْ فِيهِ، أَوْ اعْمَلْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَخْتَصُّ بِمُعَيَّنٍ كَالْبَيْعِ.
تَنْبِيهٌ تَسَمَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي إطْلَاقِ الشَّرْطِ عَلَى الصِّيغَةِ، فَإِنَّهَا رُكْنٌ كَمَا مَرَّ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ لَا بُدَّ فِي الْقِرَاضِ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَهِيَ أَظْهَرُ فِي الْمُرَادِ مِنْ عِبَارَةِ الْمَتْنِ؛ لِدَلَالَةِ كَلِمَةِ فِي عَلَى دُخُولِهِمَا فِي مَاهِيَّةِ الْقِرَاضِ، وَتَقَدَّمَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ أَنَّ مُرَادَهُ بِالشَّرْطِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَعَلَى هَذَا فَهُوَ مُسَاوٍ لِعِبَارَةِ الْمُحَرَّرِ، (وَقِيلَ: يَكْفِي الْقَبُولُ بِالْفِعْلِ) كَمَا فِي الْوَكَالَةِ وَالْجَعَالَةِ إنْ كَانَتْ صِيغَةُ الْإِيجَابِ لَفْظَ أَمْرٍ كَخُذْ، فَيَكْفِي أَخْذُ الدَّرَاهِمِ مَثَلًا، فَلَوْ كَانَتْ لَفْظَ عَقْدٍ كَقَارَضْتُكَ فَلَا بُدَّ فِي الْقَبُولِ مِنْ اللَّفْظِ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ مُطْلَقًا لِمَا مَرَّ أَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ إلَخْ، فَلَا يُشْبِهُ الْوَكَالَةَ؛ لِأَنَّهَا مُجَرَّدُ إذْنٍ، وَلَا الْجَعَالَةَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِمُعَيَّنٍ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الْخَامِسِ، وَهُوَ الْعَاقِدَانِ ذَاكِرًا لِشَرْطِهِمَا فَقَالَ: (وَشَرْطُهُمَا) أَيْ الْمَالِكِ وَالْعَامِلِ (كَوَكِيلٍ وَمُوَكِّلٍ) فِي شَرْطِهِمَا؛ لِأَنَّ الْقِرَاضَ تَوْكِيلٌ وَتَوَكُّلٌ بِعِوَضٍ، فَيُشْتَرَطُ أَهْلِيَّةُ التَّوْكِيلِ فِي الْمَالِكِ، وَأَهْلِيَّةُ التَّوَكُّلِ فِي الْعَامِلِ، فَلَا يَكُونُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا سَفِيهًا وَلَا صَبِيًّا وَلَا مَجْنُونًا وَلَا رَقِيقًا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَلِوَلِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَسَفِيهٍ أَنْ يُقَارِضَ مَنْ يَجُوزُ إيدَاعُهُ الْمَالَ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْوَلِيُّ أَبًا أَمْ جَدًّا أَمْ وَصِيًّا أَمْ حَاكِمًا أَمْ أَمِينَهُ. نَعَمْ إنْ تَضَمَّنَ الْعَقْدُ الْإِذْنَ فِي السَّفَرِ اتَّجَهَ - كَمَا فِي الْمَطْلَبِ - كَوْنُهُ كَإِرَادَةِ الْوَلِيِّ السَّفَرَ بِنَفْسِهِ. وَأَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَارِضَ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عَامِلًا. وَيَصِحُّ الْقِرَاضُ مِنْ الْمَرِيضِ، وَلَا يُحْسَبُ مَا زَادَ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الْمَحْسُوبَ مِنْهُ مَا يَفُوتُهُ مِنْ مَالِهِ، وَالرِّبْحُ لَيْسَ بِحَاصِلٍ حَتَّى يَفُوتَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يُتَوَقَّعُ حُصُولُهُ، وَإِذَا حَصَلَ حَصَلَ بِتَصَرُّفِ الْعَامِلِ، بِخِلَافِ مُسَاقَاتِهِ فَإِنَّهُ يُحْسَبُ فِيهَا ذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الثِّمَارَ فِيهَا مِنْ عَيْنِ الْمَالِ

(3/405)


وَلَوْ قَارَضَ الْعَامِلُ آخَرَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ لِيُشَارِكَهُ فِي الْعَمَلِ وَالرِّبْحِ لَمْ يَجُزْ فِي الْأَصَحِّ، وَبِغَيْرِ إذْنِهِ فَاسِدٌ، فَإِنْ تَصَرَّفَ الثَّانِي فَتَصَرُّفُ غَاصِبٍ، فَإِنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ وَقُلْنَا بِالْجَدِيدِ فَالرِّبْحُ لِلْعَامِلِ الْأَوَّلِ فِي الْأَصَحِّ، وَعَلَيْهِ لِلثَّانِي أُجْرَتُهُ، وَقِيلَ هُوَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
بِخِلَافِهِ

(وَلَوْ قَارَضَ الْعَامِلُ) شَخْصًا (آخَرَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ لِيُشَارِكَهُ) ؛ ذَلِكَ الْآخَرُ (فِي الْعَمَلِ وَالرِّبْحِ لَمْ يَجُزْ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الْقِرَاضَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَمَوْضُوعُهُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ مَالِكًا لَا عَمَل لَهُ، وَالْآخَرُ عَامِلًا، وَلَوْ مُتَعَدِّدًا لَا مِلْكَ لَهُ، وَهَذَا يَدُورُ بَيْنَ عَامِلَيْنِ فَلَا يَصِحُّ. وَالثَّانِي: يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ لِلْمَالِكِ أَنْ يُقَارِضَ شَخْصَيْنِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَقَوَّاهُ السُّبْكِيُّ، وَقَالَ فِي شَرْحِ التَّعْجِيزِ: إنَّهُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ، وَرُدَّ بِمَا مَرَّ.
تَنْبِيهٌ اُحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: لِيُشَارِكَهُ فِي الْعَمَلِ عَنْ إذْنِهِ لَهُ فِي ذَلِكَ لِيَنْسَلِخَ هُوَ مِنْ الْقِرَاضِ، وَيَكُونَ فِيهِ وَكِيلًا عَنْ الْمَالِكِ، وَالْعَامِلُ هُوَ الثَّانِي فَإِنَّهُ يَصِحُّ جَزْمًا، كَمَا لَوْ قَارَضَهُ الْمَالِكُ بِنَفْسِهِ، وَمَحَلُّهُ - كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ - إذَا كَانَ الْمَالُ مِمَّا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْقِرَاضُ، فَلَوْ دَفَعَ ذَلِكَ بَعْدَ تَصَرُّفِهِ وَصَيْرُورَتِهِ عَرَضًا لَمْ يَجُزْ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ عَدَمِ التَّعْيِينِ أَنْ يُقَارِضَ إلَّا أَمِينًا، وَالْأَشْبَهُ فِي الْمَطْلَبِ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ بِمُجَرَّدِ الْإِذْنِ لَهُ فِي ذَلِكَ إنْ ابْتَدَأَهُ الْمَالِكُ بِهِ، لَا إنْ أَجَابَ بِهِ سُؤَالَهُ فِيهِ، (وَبِغَيْرِ إذْنِهِ فَاسِدٌ) مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَقَصَدَ الْمُشَارَكَةَ فِي عَمَلٍ وَرِبْحٍ أَمْ رِبْحٍ فَقَطْ أَمْ قَصَدَ الِانْسِلَاخَ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ، وَلَمْ يَأْتَمِنْ عَلَى الْمَالِ غَيْرَهُ، كَمَا لَوْ أَرَادَ الْوَصِيُّ أَنْ يُنْزِلَ وَصِيًّا مَنْزِلَتَهُ فِي حَيَاتِهِ يُقِيمُهُ فِي كُلِّ مَا هُوَ مَنُوطٌ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَلَوْ أَرَادَ نَاظِرَ وَقْفٍ - شُرِطَ لَهُ النَّظَرُ - إقَامَةَ غَيْرِهِ مَقَامَهُ، وَإِخْرَاجَ نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ كَانَ كَمَا مَرَّ فِي الْوَصِيِّ. قَالَ: وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الْفَتَاوَى، وَلَمْ أَتَرَدَّدْ فِي أَنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ. (فَإِنْ تَصَرَّفَ) الْعَامِلُ (الثَّانِي) بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ (فَتَصَرُّفُ غَاصِبٍ) تَصَرُّفُهُ، فَيَضْمَنُ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ صَدَرَ مِمَّنْ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا وَكِيلٍ. (فَإِنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ) وَسَلَّمَ مَا أَخَذَهُ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ فِيمَا اشْتَرَاهُ وَرَبِحَ، (وَقُلْنَا: بِالْجَدِيدِ) ، وَهُوَ أَنَّ الرِّبْحَ كُلَّهُ لِلْغَاصِبِ (فَالرِّبْحُ) هُنَا جَمِيعُهُ (لِلْعَامِلِ الْأَوَّلِ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ صَحِيحٌ، وَالتَّسْلِيمَ فَاسِدٌ، فَيَضْمَنُ الثَّمَنَ الَّذِي سَلَّمَهُ، وَيُسَلِّمُ لَهُ الرِّبْحَ، سَوَاءٌ أُعْلِمَ بِالْحَالِ أَمْ لَا، كَمَا صَرَّحَ بِهِ سَلِيمٌ الرَّازِيّ، وَقَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ لِلثَّانِي أُجْرَتُهُ) مِنْ زِيَادَتِهِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ مَجَّانًا، فَإِنْ قُلْنَا بِالْقَدِيمِ وَهُوَ أَنَّ الرِّبْحَ لِلْمَالِكِ إذْ لَوْ جَعَلْنَاهُ لِلْغَاصِبِ لَاِتَّخَذَهُ النَّاسُ ذَرِيعَةً إلَى الْغَصْبِ فَالْأَصَحُّ عَلَيْهِ مِنْ خِلَافٍ مُنْتَشِرٍ أَنَّ الرِّبْحَ نِصْفُهُ لِلْمَالِكِ وَنِصْفُهُ بَيْنَ الْعَامِلَيْنِ سَوَاءٌ (وَقِيلَ: هُوَ)

(3/406)


لِلثَّانِي وَإِنْ اشْتَرَى بِعَيْنِ مَالِ الْقِرَاضِ فَبَاطِلٌ

وَيَجُوزُ أَنْ يُقَارِضَ الْوَاحِدُ اثْنَيْنِ مُتَفَاضِلًا وَمُتَسَاوِيًا، وَالِاثْنَانِ وَاحِدًا وَالرِّبْحُ بَعْدَ نَصِيبِ الْعَامِلِ بَيْنَهُمَا بِحَسَبِ الْمَالِ، وَإِذَا فَسَدَ الْقِرَاضُ نَفَذَ تَصَرُّفُ الْعَامِلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
أَيْ الرِّبْحُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ (لِلثَّانِي) مِنْ الْعَامِلَيْنِ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَصَرَّفْ بِإِذْنِ الْمَالِكِ فَأَشْبَهَ الْغَاصِبَ.
تَنْبِيهٌ هَذَا الْجَدِيدُ الَّذِي ذَكَرَهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ فِي الْكِتَابِ، فَلَا تَحْسُنُ الْإِحَالَةُ عَلَيْهِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُحَرَّرِ هُنَا بِمَسْأَلَةِ الْغَاصِبِ وَذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ فِيهَا، ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى الْجَدِيدِ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ وَهُوَ حَسَنٌ، فَأَسْقَطَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَةَ الْغَاصِبِ وَهِيَ أَصْلٌ لِمَا ذَكَرَهُ فَاخْتَلَّ، وَإِنَّمَا أَحَالَ عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ مَعَ عَدَمِ ذِكْرِهِ لَهُ هُنَا لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِ لَهُ فِي الْبَيْعِ وَالْغَصْبِ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ التَّفْرِيعِ عَلَى الْقَدِيمِ. (وَإِنْ اشْتَرَى) هَذَا الثَّانِي (بِعَيْنِ مَالِ الْقِرَاضِ فَبَاطِلٌ) شِرَاؤُهُ عَلَى الْجَدِيدِ الْقَائِلِ بِبُطْلَانِ شِرَاءِ الْفُضُولِيِّ. وَأَمَّا الْقَدِيمُ الْمُقَابِلُ لَهُ، فَقَائِلٌ بِالْوَقْفِ، هَذَا كُلُّهُ إنْ بَقِيَ الْمَالُ، فَإِنْ تَلَفَ فِي يَدِ الْعَامِلِ الثَّانِي وَعَلِمَ بِالْحَالِ فَغَاصِبٌ، فَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ، وَإِنْ جَهِلَ فَعَلَى الْعَامِلِ الْأَوَّلِ.

(وَيَجُوزُ أَنْ يُقَارِضَ) فِي الِابْتِدَاءِ الْمَالِكُ (الْوَاحِدُ اثْنَيْنِ) كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو (مُتَفَاضِلًا وَمُتَسَاوِيًا) فِيمَا شَرَطَ لَهُمَا مِنْ الرِّبْحِ، فَيَشْتَرِطُ لِزَيْدٍ ثُلُثَ الرِّبْحِ، وَلِعَمْرٍو سُدُسَهُ، أَوْ يَشْرِطُ لَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْوَاحِدِ مَعَ اثْنَيْنِ كَعَقْدَيْنِ، وَعِنْدَ التَّفَاضُلِ لَا بُدَّ أَنْ يُعَيَّنَ مُسْتَحَقُّ الْأَكْثَرِ كَمَا مَثَّلْنَا. هَذَا إذَا أَثْبَتَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الِاسْتِقْلَالَ، فَإِنْ شَرَطَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مُرَاجَعَةَ الْآخَرِ قَالَ الْإِمَامُ: لَمْ يَجُزْ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَمْ أَرَ أَنَّ الْأَصْحَابَ يُسَاعِدُونَهُ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: مَا قَالَهُ الْإِمَامُ الْأَصْحَابُ يُسَاعِدُونَهُ عَلَيْهِ، فَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بِهِ، فَإِنَّ مِنْ شَرْطِ الْقِرَاضِ الِاسْتِقْلَالُ بِالتَّصَرُّفِ، وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ. اهـ.
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. (وَ) يَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يُقَارِضَ (الِاثْنَانِ) عَامِلًا (وَاحِدًا) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَعَقْدٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ إنْ تَسَاوَيَا فِيمَا شَرَطَ فَذَاكَ، وَإِنْ تَفَاوَتَا كَأَنْ شَرَطَ أَحَدُهُمَا النِّصْفَ وَالْآخَرُ الرُّبْعَ فَإِنْ أَبْهَمَا لَمْ يَجُزْ، أَوْ عَيَّنَا جَازَ إنْ عَلِمَ بِقَدْرِ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا، (وَ) يَكُونُ (الرِّبْحُ بَعْدَ نَصِيبِ الْعَامِلِ بَيْنَهُمَا) أَيْ الْمَالِكَيْنِ (بِحَسَبِ الْمَالِ) ، فَإِنْ كَانَ مَالُ أَحَدِهِمَا أَلْفَيْنِ، وَالْآخَرِ أَلْفًا، وَشُرِطَ لِلْعَامِلِ نِصْفُ الرِّبْحِ اقْتَسَمَا نِصْفَهُ الْآخَرَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا عَلَى نِسْبَةِ مَالَيْهِمَا، فَإِنْ شَرَطَا غَيْرَ مَا تَقْتَضِيهِ النِّسْبَةُ فَسَدَ الْعَقْدُ لِمَا فِيهِ مِنْ شَرْطِ الرِّبْحِ لِمَنْ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا عَامِلٍ، (وَإِذَا فَسَدَ الْقِرَاضُ نَفَذَ تَصَرُّفُ الْعَامِلِ) لِلْإِذْنِ فِيهِ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ الْفَاسِدَةِ،

(3/407)


وَالرِّبْحُ لِلْمَالِكِ، وَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِ عَمَلِهِ إلَّا إذَا قَالَ: قَارَضْتُك وَجَمِيعُ الرِّبْحِ لِي فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الْأَصَحِّ، وَيَتَصَرَّفُ الْعَامِلُ مُحْتَاطًا لَا بِغَبْنٍ وَلَا نَسِيئَةٍ بِلَا إذْنٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
وَلَيْسَ كَمَا لَوْ فَسَدَ الْبَيْعُ لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَصَرَّفُ بِالْمِلْكِ، وَلَا مِلْكَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، هَذَا إذَا قَارَضَهُ الْمَالِكُ بِمَالِهِ. أَمَّا إذَا قَارَضَهُ بِمَالِ غَيْرِهِ بِوَكَالَةٍ أَوْ وِلَايَةٍ فَلَا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، (وَالرِّبْحُ) كُلُّهُ حِينَ الْفَسَادِ (لِلْمَالِكِ) ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ، وَعَلَيْهِ الْخُسْرَانُ أَيْضًا، (وَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِ عَمَلِهِ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَبِحَ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ طَامِعًا فِي الْمُسَمَّى، فَإِذَا فَاتَ وَجَبَ رَدُّ عَمَلِهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ وَهِيَ الْأُجْرَةُ، وَقِيلَ: لَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَةً عِنْدَ عَدَمِ الرِّبْحِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الْقِرَاضَ الصَّحِيحَ لَا يَسْتَحِقُّ فِيهِ شَيْئًا عِنْدَ عَدَمِ الرِّبْحِ.
تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ سَوَاءٌ أَعَلِمَ بِالْفَسَادِ أَمْ لَا. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَلَعَلَّ سَبَبَهُ أَنَّهُ أُذِنَ أَنْ يَعْمَلَ بِعِوَضٍ، فَلَا يُحْبَطُ عَمَلُهُ (إلَّا إذَا قَالَ) الْمَالِكُ: (قَارَضْتُك وَجَمِيعُ الرِّبْحِ لِي) وَقَبِلَ الْعَامِلُ، (فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ مَجَّانًا غَيْرَ طَامِعٍ فِي شَيْءٍ. وَالثَّانِي: لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ كَسَائِرِ أَسْبَابِ الْفَسَادِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ. (وَيَتَصَرَّفُ الْعَامِلُ مُحْتَاطًا) فِي تَصَرُّفِهِ كَالْوَكِيلِ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ الْحَالَّ، وَ (لَا) يَتَصَرَّفُ (بِغَبْنٍ) فَاحِشٍ فِي بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ، (وَلَا نَسِيئَةٍ) فِي ذَلِكَ (بِلَا إذْنٍ) مِنْ الْمَالِكِ فِي الْغَبْنِ وَالنَّسِيئَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْغَبْنِ يَضُرُّ بِالْمَالِكِ، وَفِي النَّسِيئَةِ رُبَّمَا هَلَكَ رَأْسُ الْمَالِ فَتَبْقَى الْعُهْدَةُ مُتَعَلِّقَةً بِالْمَالِكِ فَيَتَضَرَّرُ أَيْضًا، فَإِنْ أَذِنَ جَازَ، وَيَجِبُ الْإِشْهَادُ فِي الْبَيْعِ نَسِيئَةً، وَقِيَاسُ مَا مَرَّ فِي الْوَكَالَةِ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ وَنَحْوِهِ الِاكْتِفَاءُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ وَبِمَسْتُورٍ، قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ، فَإِنْ تَرَكَ الْإِشْهَادَ ضَمِنَ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ مِنْ ثِقَةٍ مَلِيءٍ كَمَا مَرَّ فِي بَيْعِ الْمَحْجُورِ، وَفِي الثَّمَنِ الْحَالِّ لَا يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ لِعَدَمِ جَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ فِي الْبَيْعِ الْحَالِّ، وَيُحْبَسُ الْمَبِيعُ إلَى قَبْضِ الثَّمَنِ كَمَا مَرَّ. فَإِنْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ ضَمِنَ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْمَالِكُ فِي ذَلِكَ فَلَا يَضْمَنُ لِلْإِذْنِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ الْإِذْنِ بِالنَّسِيئَةِ أَنْ يَشْتَرِيَ أَوْ يَبِيعَ سَلَمًا؛ لِأَنَّ عَقْدَ السَّلَمِ أَكْثَرُ غَرَرًا. نَعَمْ، إنْ أَذِنَ لَهُ فِي الشِّرَاءِ سَلَمًا جَازَ، أَوْ فِي الْبَيْعِ سَلَمًا لَمْ يَجُزْ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِوُجُودِ الْحَظِّ غَالِبًا فِي الشِّرَاءِ دُونَ الْبَيْعِ،.
وَالْأَوْجَهُ - كَمَا قَالَ شَيْخُنَا - جَوَازُهُ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ أَيْضًا لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا بِثَمَنِ مِثْلِهِ وَهُوَ لَا يَرْجُو حُصُولَ رِبْحٍ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَا يَقْتَضِيهِ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَا يَشْتَرِي بِغَيْرِ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَوْ شَرَطَ عَلَى الْعَامِلِ الْبَيْعَ الْمُؤَجَّلَ دُونَ

(3/408)


وَلَهُ الْبَيْعُ بِعَرْضٍ، وَلَهُ الرَّدُّ بِعَيْبٍ تَقْتَضِيهِ مَصْلَحَةٌ، فَإِنْ اقْتَضَتْ الْإِمْسَاكَ فَلَا فِي الْأَصَحِّ، وَلِلْمَالِكِ الرَّدُّ، فَإِنْ اخْتَلَفَا عُمِلَ بِالْمَصْلَحَةِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
الْحَالِ فَسَدَ الْعَقْدُ.

(وَلَهُ الْبَيْعُ بِعَرْضٍ) ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ الرِّبْحُ، وَقَدْ يَكُونُ فِيهِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ. وَأَمَّا الْبَيْعُ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ فَلَا يَجُوزُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ: مِنْهُمْ الرُّويَانِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ، وَفَرَّقَ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ نَقْدَ غَيْرِ الْبَلَدِ لَا يَرُوجُ فِيهَا فَيَتَعَطَّلُ الرِّبْحُ بِخِلَافِ الْعَرْضِ، وَلَهُ شِرَاءُ الْمَعِيبِ وَلَوْ بِقِيمَتِهِ مَعِيبًا عِنْدَ الْمَصْلَحَةِ، وَلَيْسَ لَهُ وَلَا لِلْمَالِكِ رَدُّهُ بِالْعَيْبِ، (وَلَهُ) أَيْ الْعَامِلِ عِنْدَ الْجَهْلِ (الرَّدُّ بِعَيْبٍ تَقْتَضِيهِ) أَيْ الرَّدَّ (مَصْلَحَةٌ) وَإِنْ رَضِيَ الْمَالِكُ؛ لِأَنَّ لِلْعَامِلِ حَقًّا فِي الْمَالِ فَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ رِضَا الْمَالِكِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمَالِ.
تَنْبِيهٌ اُعْتُرِضَ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ، بِأَنَّ جُمْلَةَ تَقْتَضِيهِ مَصْلَحَةٌ لَا تَصْلُحُ كَوْنُهَا صِفَةً لِلرَّدِّ؛ لِأَنَّهُ مَعْرِفَةٌ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَعْنَى النَّكِرَةِ وَلَا كَوْنُهَا حَالًا مِنْ الرَّدِّ؛ لِأَنَّهُ مُبْتَدَأٌ، وَلَا يَجِيءُ الْحَالُ مِنْهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَلَا حَالًا مِنْ الضَّمِيرِ الْعَائِدِ عَلَى الرَّدِّ الْمُسْتَتِرِ فِي الْجَارِ وَالْمَجْرُورِ الْوَاقِعِ خَبَرًا لِتَقَدُّمِهِ عَلَى الْمُبْتَدَأِ، وَلَا يَتَحَمَّلُ حِينَئِذٍ ضَمِيرًا عِنْدَ سِيبَوَيْهِ.
أُجِيبَ إمَّا بِجَعْلِ لَامِ الرَّدِّ لِلْجِنْسِ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى النَّكِرَةِ فَيَصِحُّ وَصْفُهُ بِجُمْلَةِ تَقْتَضِيهِ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} [يس: 37] ، وَإِمَّا بِجَعْلِ الْجُمْلَةِ صِفَةَ عَيْبٍ، وَالتَّقْدِيرُ بِعَيْبٍ يَقْتَضِي الرَّدُّ بِهِ مَصْلَحَةً، وَحِينَئِذٍ فَلَمْ تُوصَفْ النَّكِرَةُ إلَّا بِنَكِرَةٍ، وَإِمَّا بِصِحَّةِ مَجِيءِ الْحَالِ مِنْ الْمُبْتَدَأِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ مَالِكٍ فِي كِتَابٍ لَهُ يُسَمَّى: سَبْكَ الْمَنْظُومِ تَبَعًا لِسِيبَوَيْهِ، وَإِمَّا بِجَعْلِ الرَّدِّ فَاعِلًا بِالظَّرْفِ وَإِنْ لَمْ يُعْتَمَدْ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَخْفَشُ وَغَيْرُهُ، وَإِنْ مَنْعَهُ سِيبَوَيْهِ وَحِينَئِذٍ يَصِحُّ مَجِيءُ الْحَالِ مِنْهُ، وَالشَّارِحُ اقْتَصَرَ عَلَى الْجَوَابِ الْأَوَّلِ، (فَإِنْ اقْتَضَتْ) الْمَصْلَحَةُ (الْإِمْسَاكَ) لِلْمَعِيبِ (فَلَا) يَرُدَّهُ الْعَامِلُ (فِي الْأَصَحِّ) لِإِخْلَالِهِ بِمَقْصُودِ الْعَقْدِ. وَالثَّانِي: لَهُ الرَّدُّ كَالْوَكِيلِ.
وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْوَكِيلَ لَيْسَ لَهُ شِرَاءُ الْمَعِيبِ بِخِلَافِ الْعَامِلِ إذَا رَأَى فِيهِ رِبْحًا كَمَا مَرَّ، فَلَا يُرَدُّ مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ، فَإِنْ اسْتَوَى الرَّدُّ وَالْإِمْسَاكُ كَانَ لَهُ الرَّدُّ قَطْعًا كَمَا قَالَهُ فِي الْبَسِيطِ، وَيَجِبُ عَلَى الْعَامِلِ مُرَاعَاةُ الْمَصْلَحَةِ فِي الرَّدِّ وَالْإِمْسَاكِ. وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْمَصْلَحَةِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الرَّوْضَةِ بِالْغِبْطَةِ، وَهِيَ الزِّيَادَةُ عَلَى الْقِيمَةِ زِيَادَةً لَهَا بَالٌ، وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ، (وَلِلْمَالِكِ الرَّدُّ) لِمَا اشْتَرَاهُ الْعَامِلُ مَعِيبًا حَيْثُ جَازَ لِلْعَامِلِ الرَّدُّ، وَهُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مَالِكُ الْأَصْلِ، (فَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيْ الْمَالِكُ وَالْعَامِلُ فِي الرَّدِّ وَالْإِمْسَاكِ (عُمِلَ بِالْمَصْلَحَةِ) فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَهُ حَقٌّ. قَالَ فِي الِاسْتِقْصَاءِ: وَيَتَوَلَّى الْحَاكِمُ ذَلِكَ، فَإِنْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ قَالَ فِي

(3/409)


وَلَا يُعَامِلُ الْمَالِكَ.

وَلَا يَشْتَرِي لِلْقِرَاضِ بِأَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَلَا مَنْ يَعْتِقُ عَلَى الْمَالِكِ بِغَيْرِ إذْنِهِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
الْمَطْلَبِ: يَرْجِعُ إلَى الْعَامِلِ إنْ جَوَّزْنَا لَهُ شِرَاءَ الْمَعِيبِ بِقِيمَتِهِ: أَيْ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا مَرَّ إنْ رَأَى فِيهِ مَصْلَحَةً.
تَنْبِيهٌ حَيْثُ يَنْقَلِبُ الْعَقْدُ لِلْوَكِيلِ فِيمَا مَرَّ فِي الْوَكَالَةِ يَنْقَلِبُ لِلْعَامِلِ هُنَا، (وَلَا يُعَامِلُ) الْعَامِلُ (الْمَالِكَ) بِمَالِ الْقِرَاضِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى بَيْعِ مَالِهِ بِمَالِهِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَظْهَرَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ أَوْ لَا، فَإِنْ عَامَلَهُ بِغَيْرِهِ صَحَّ، وَلَوْ كَانَ لَهُ عَامِلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدٌ بِمَالٍ، فَهَلْ لِأَحَدِهِمَا الشِّرَاءُ مِنْ الْآخَرِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ فِي الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ أَصَحُّهُمَا لَا.

(وَلَا يَشْتَرِي لِلْقِرَاضِ بِأَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) وَرِبْحِهِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَرْضَ بِأَنْ يَشْغَلَ الْعَامِلُ ذِمَّتَهُ إلَّا بِذَلِكَ، فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَقَعْ الزَّائِدُ لِجِهَةِ الْقِرَاضِ، فَلَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ رِبْحِهِ مِائَةً فَاشْتَرَى عَبْدًا بِمِائَةٍ، ثُمَّ اشْتَرَى آخَرَ بِعَيْنِ الْمِائَةِ فَالثَّانِي بَاطِلٌ، سَوَاءٌ اشْتَرَى الْأَوَّلَ بِالْعَيْنِ أَمْ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُ إنْ اشْتَرَاهُ بِالْعَيْنِ فَقَطْ صَارَتْ مِلْكًا لِلْبَائِعِ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ فَقَدَ صَارَتْ مُسْتَحَقَّةَ الصَّرْفِ لِلْعَقْدِ الْأَوَّلِ، إنْ اشْتَرَى الثَّانِي فِي الذِّمَّةِ، وَقَعَ لِلْعَامِلِ حَيْثُ يَقَعُ لِلْوَكِيلِ إذَا خَالَفَ، (وَلَا) يَشْتَرِي (مَنْ يَعْتِقُ عَلَى الْمَالِكِ) لِكَوْنِهِ أَصْلَهُ أَوْ فَرْعَهُ أَوْ كَانَ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ، أَوْ كَانَ أَمَةً مُسْتَوْلَدَةً لَهُ وَبِيعَتْ لِكَوْنِهَا مَرْهُونَةً، هَذَا إذَا كَانَ (بِغَيْرِ إذْنِهِ) فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْعَقْدِ تَحْصِيلُ الرِّبْحِ، وَهَذَا خُسْرَانٌ كُلُّهُ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ فِي شِرَاءِ عَبْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِيَ لِلْمُوَكِّلِ مَنْ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَيَعْتِقُ عَنْ الْمُوَكَّلِ لِقَرِينَةِ قَصْدِ الرِّبْحِ هُنَا. أَمَّا بِإِذْنِهِ فَيَصِحُّ وَيَعْتِقُ عَلَى الْمَالِكِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ، وَيَكُونُ الْبَاقِي هُوَ رَأْسَ الْمَالِ إنْ بَقِيَ شَيْءٌ، وَإِلَّا ارْتَفَعَ الْقِرَاضُ، وَكَذَا إنْ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ، وَيَغْرَمُ الْمَالِكُ نَصِيبَ الْعَامِلِ مِنْ الرِّبْحِ، وَلَوْ أَعْتَقَ الْمَالِكُ عَبْدًا مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ كَذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ مَقْصُورٌ عَلَى الثَّانِيَةِ، وَهُوَ شِرَاءُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَيَحْتَمِلُ عَوْدَهُ إلَى الَّتِي قَبْلَهَا أَيْضًا وَلَمْ أَرَهُ نَصًّا اهـ.
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَمَّا لَوْ اشْتَرَى الْعَامِلُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ إنْ اشْتَرَاهُ بِالْعَيْنِ صَحَّ وَلَا عِتْقَ، وَإِنْ اشْتَرَاهُ فِي الذِّمَّةِ لِلْقِرَاضِ فَحَيْثُ صَحَّحْنَا الشِّرَاءَ بِعَيْنِ مَالِ الْقِرَاضِ أَوْقَعْنَاهُ عَنْ الْقِرَاضِ، وَحَيْثُ لَمْ يَصِحَّ هُنَاكَ أَوْقَعْنَاهُ عَنْ الْعَامِلِ وَعَتَقَ عَلَيْهِ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ لِلْقِرَاضِ صَحَّ أَيْضًا، وَأَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُ، وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ وَلَا لِلْعَامِلِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِكِتَابَةِ عَبْدِ الْقِرَاضِ

(3/410)


وَكَذَا زَوْجُهُ فِي الْأَصَحِّ.

وَلَوْ فَعَلَ لَمْ يَقَعْ لِلْمَالِكِ وَيَقَعُ لِلْعَامِلِ إنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ، وَلَا يُسَافِرُ بِالْمَالِ بِلَا إذْنٍ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ، فَإِنْ كَاتَبَاهُ صَحَّ وَالنُّجُومُ قِرَاضٌ، فَإِنْ عَتَقَ وَثَمَّ رِبْحٌ شَارَكَ الْعَامِلُ الْمَالِكَ فِي الْوَلَاءِ بِقَدْرِ مَالِهِ مِنْ الرِّبْحِ، (وَكَذَا زَوْجُهُ) مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، وَلَا يَشْتَرِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِلضَّرَرِ بِالْمَالِكِ بِسَبَبِ انْفِسَاخِ نِكَاحِهِ. وَالثَّانِي: يَجُوزُ إذْ قَدْ يَكُونُ مُرْبِحًا، وَأَمَّا الضَّرَرُ فِي حَقِّهِ فَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، بِخِلَافِ شِرَاءِ الْقَرِيبِ لِفَوَاتِهِ بِالْكُلِّيَّةِ.
تَنْبِيهٌ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: زَوْجُهُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ زَوْجَتُهُ بِالتَّاءِ قَبْلَ الْهَاءِ لِمَا مَرَّ.

(وَلَوْ فَعَلَ) الْعَامِلُ مَا مُنِعَ مِنْهُ مِنْ الشِّرَاءِ بِأَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَشِرَاءِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَشِرَاءِ زَوْجِ الْمَالِكِ - (لَمْ يَقَعْ) ذَلِكَ الشِّرَاءُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ (لِلْمَالِكِ) لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ بِذَلِكَ، (وَيَقَعُ) الشِّرَاءُ (لِلْعَامِلِ إنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ) لِمَا سَبَقَ فِي الْوَكَالَةِ. هَذَا إنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالسِّفَارَةِ لِلْقِرَاضِ، فَإِنْ صَرَّحَ بِهَا لَزِمَهُ الثَّمَنُ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ أَدَّاهُ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ ضَمِنَهُ، وَإِنْ اشْتَرَى بِعَيْنِ مَالِ الْقِرَاضِ لَمْ يَصِحَّ، وَكَذَا إنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ بِشَرْطِ أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ، قَالَهُ الرُّويَانِيُّ. (وَلَا يُسَافِرُ بِالْمَالِ) ، وَلَوْ كَانَ السَّفَرُ قَرِيبًا وَالطَّرِيقُ آمِنًا وَلَا مُؤْنَةَ فِي السَّفَرِ (بِلَا إذْنٍ) مِنْ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ مَظِنَّةُ الْخَطَرِ. نَعَمْ لَوْ قَارَضَهُ بِمَحَلٍّ لَا يَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ كَالْمَفَازَةِ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ السَّفَرُ بِهِ إلَى مَقْصِدِهِ الْمَعْلُومِ لَهُمَا. ثُمَّ لَيْسَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُحْدِثَ سَفَرًا إلَى غَيْرِ مَحَلِّ إقَامَتِهِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ جَازَ بِحَسَبِ الْإِذْنِ، وَإِنْ أَطْلَقَ الْإِذْنَ سَافَرَ لِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ الْبِلَادِ الْمَأْمُونَةِ، فَإِنْ سَافَرَ بِغَيْرِ إذْنٍ أَوْ خَالَفَ فِيمَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ ضَمِنَ وَلَوْ عَادَ مِنْ السَّفَرِ. ثُمَّ إنْ كَانَ الْمَتَاعُ بِالْبَلَدِ الَّذِي سَافَرَ إلَيْهِ أَكْثَرَ قِيمَةً أَوْ تَسَاوَتْ الْقِيمَتَانِ صَحَّ الْبَيْعُ وَاسْتَحَقَّ نَصِيبَهُ مِنْ الرِّبْحِ، وَإِنْ كَانَ مُتَعَدِّيًا بِالسَّفَرِ، وَيَضْمَنُ الثَّمَنَ الَّذِي بَاعَ بِهِ مَالَ الْقِرَاضِ فِي سَفَرِهِ وَإِنْ عَادَ الثَّمَنُ مِنْ السَّفَرِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ، وَهُوَ السَّفَرُ لَا يَزُولُ بِالْعَوْدِ.
وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ قِيمَةً لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ النَّقْصُ قَدْرًا يُتَغَابَنُ بِهِ. وَلَا يُسَافِرُ فِي الْبَحْرِ إلَّا إنْ نَصَّ لَهُ عَلَيْهِ، فَلَا يَكْفِي فِيهِ الْإِذْنُ فِي السَّفَرِ لِخَطَرِهِ. [نَعَمْ إنْ عَيَّنَ لَهُ بَلَدًا وَلَا طَرِيقَ لَهُ إلَّا الْبَحْرُ كَسَاكِنِ الْجَزَائِرِ الَّتِي يُحِيطُ بِهَا الْبَحْرُ كَانَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ، وَالْإِذْنُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ، قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ. وَالْمُرَادُ بِالْبَحْرِ الْمِلْحُ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَلْ يَلْحَقُ بِهِ الْأَنْهَارُ الْعَظِيمَةُ كَالنِّيلِ وَالْفُرَاتِ؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا. اهـ.
وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ: إنْ زَادَ خَطَرُهَا عَلَى خَطَرِ الْبَرِّ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَنُصَّ لَهُ عَلَيْهِ كَمَا

(3/411)


وَلَا يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ حَضَرًا، وَكَذَا سَفَرًا فِي الْأَظْهَرِ، وَعَلَيْهِ فِعْلُ مَا يُعْتَادُ كَطَيِّ الثَّوْبِ وَوَزْنِ الْخَفِيفِ كَذَهَبٍ وَمِسْكٍ لَا الْأَمْتِعَةِ الثَّقِيلَةِ، وَنَحْوِهِ، وَمَا لَا يَلْزَمُهُ لَهُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْعَامِلَ يَمْلِكُ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ بِالْقِسْمَةِ لَا بِالظُّهُورِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
قَالَهُ ابْنُ شُهْبَةَ] ، (وَ) لَا يَتَصَدَّقُ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ وَلَوْ بِكِسْرَةٍ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ، وَ (لَا يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ حَضَرًا) جَزْمًا، (وَكَذَا سَفَرًا فِي الْأَظْهَرِ) كَمَا فِي الْحَضَرِ؛ لِأَنَّ لَهُ نَصِيبًا مِنْ الرِّبْحِ فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا آخَرَ؛ وَلِأَنَّ النَّفَقَةَ قَدْ تَكُونُ قَدْرَ الرِّبْحِ، فَيُؤَدِّي إلَى انْفِرَادِهِ بِهِ، وَقَدْ تَكُونُ أَكْثَرَ فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ يَأْخُذَ جُزْءًا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَهُوَ يُنَافِي مُقْتَضَاهُ، فَلَوْ شَرَطَ لَهُ النَّفَقَةَ فِي الْعَقْدِ فَسَدَ.
وَالثَّانِي: يُنْفِقُ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ مَا يَزِيدُ بِسَبَبِ السَّفَرِ كَالْإِدَاوَةِ وَالْخُفِّ وَالسُّفْرَةِ وَالْكِرَاءِ؛ لِأَنَّهُ حَبَسَهُ عَنْ الْكَسْبِ وَالسَّفَرِ لِأَجْلِ الْقِرَاضِ، فَأَشْبَهَ حَبْسَ الزَّوْجَةِ، بِخِلَافِ الْحَضَرِ، وَيَحْسِبُ هَذَا مِنْ الرِّبْحِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ خُسْرَانٌ لَحِقَ الْمَالَ، وَمَا يَأْخُذُهُ الرَّصَدِيُّ وَالْخَفِيرُ يُحْسَبُ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ، وَكَذَا الْمَأْخُوذُ ظُلْمًا كَأَخْذِ الْمَكْسَةِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (وَعَلَيْهِ) أَيْ الْعَامِلِ (فِعْلُ مَا يُعْتَادُ) فِعْلُهُ مِنْ أَمْثَالِهِ مِنْ عُمَّالِ الْقِرَاضِ بِحَسَبِ الْعُرْفِ (كَطَيِّ الثَّوْبِ) وَنَشْرِهِ، وَسَبَقَا فِي قَوْلِ الْمَتْنِ: وَوَظِيفَةُ الْعَامِلِ التِّجَارَةُ إلَخْ.
(وَ) عَلَيْهِ أَيْضًا ذَرْعُ الثَّوْبِ وَإِدْرَاجُهُ فِي الصُّنْدُوقِ، وَ (وَزْنُ الْخَفِيفِ: كَذَهَبٍ) وَفِضَّةٍ (وَمِسْكٍ) لِاقْتِضَاءِ الْعُرْفِ ذَلِكَ، (لَا الْأَمْتِعَةِ الثَّقِيلَةِ) فَلَيْسَ عَلَيْهِ وَزْنُهَا، (وَ) لَا (نَحْوُهُ) - بِالرَّفْعِ بِخَطِّهِ -: أَيْ لَيْسَ عَلَيْهِ نَحْوُ وَزْنِهَا كَحَمْلِهَا وَنَقْلِهَا مِنْ الْخَانِ مَثَلًا لِلسُّوقِ وَعَكْسِهِ لِجَرَيَانِ الْعُرْفِ بِالِاسْتِئْجَارِ لِذَلِكَ، (وَمَا لَا يَلْزَمُهُ) كَأُجْرَةِ كَيْلٍ وَحِفْظٍ (لَهُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ) مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ التِّجَارَةِ وَمَصَالِحِهَا، وَلَوْ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ أُجْرَةً، وَمَا يَلْزَمُهُ فِعْلُهُ لَوْ اكْتَرَى عَلَيْهِ مَنْ فَعَلَهُ فَالْأُجْرَةُ فِي مَالِهِ لَا فِي مَالِ الْقِرَاضِ، فَلَوْ شَرَطَ عَلَى الْمَالِكِ الِاسْتِئْجَارَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ حَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ، وَالظَّاهِرُ مِنْهُمَا عَدَمُ الصِّحَّةِ، (وَالْأَظْهَرُ) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ (أَنَّ الْعَامِلَ يَمْلِكُ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ) الْحَاصِلِ بِعَمَلِهِ (بِالْقِسْمَةِ) لِلْمَالِ (لَا بِالظُّهُورِ) لِلرِّبْحِ، إذْ لَوْ مَلَكَ بِهِ لَكَانَ شَرِيكًا فِي الْمَالِ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ مِنْهُ شَيْءٌ هَلَكَ مِنْ الْمَالَيْنِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الرِّبْحُ وِقَايَةٌ لِرَأْسِ الْمَالِ.
وَالثَّانِي: يَمْلِكُ بِالظُّهُورِ قِيَاسًا عَلَى الْمُسَاقَاةِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الرِّبْحَ وِقَايَةٌ لِرَأْسِ الْمَالِ، بِخِلَافِ نَصِيبِ الْعَامِلِ مِنْ الثِّمَارِ لَا يُجْبَرُ بِهِ نَقْصُ النَّخْلِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَهُ فِيهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ حَقٌّ مُؤَكَّدٌ يُورَثُ عَنْهُ، وَيُقَدَّمُ بِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ لِتَعَلُّقِهِ بِالْعَيْنِ، وَيَصِحُّ إعْرَاضُهُ عَنْهُ، وَيَغْرَمُهُ لَهُ الْمَالِكُ بِإِتْلَافِهِ الْمَالَ أَوْ اسْتِرْدَادِهِ

(3/412)


وَثِمَارُ الشَّجَرِ وَالنِّتَاجُ وَكَسْبُ الرَّقِيقِ وَالْمَهْرُ الْحَاصِلَةُ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ يَفُوزُ بِهَا الْمَالِكُ، وَقِيلَ مَالُ قِرَاضٍ.

وَالنَّقْصُ الْحَاصِلُ بِالرُّخْصِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
تَنْبِيهٌ لَا يَسْتَقِرُّ مِلْكُ الْعَامِلِ بِالْقِسْمَةِ، بَلْ إنَّمَا يَسْتَقِرُّ بِتَنْضِيضِ رَأْسِ الْمَالِ وَفَسْخِ الْعَقْدِ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ قَبْلَ الْفَسْخِ مَعَ عَدَمِ تَنْضِيضِ الْمَالِ، حَتَّى لَوْ حَصَلَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ نَقْصٌ جُبِرَ بِالرِّبْحِ الْمَقْسُومِ، أَوْ تَنْضِيضِ الْمَالِ وَالْفَسْخِ بِلَا قِسْمَةِ الْمَالِ لِارْتِفَاعِ الْعَقْدِ وَالْوُثُوقِ بِحُصُولِ رَأْسِ الْمَالِ، أَوْ تَنْضِيضِ رَأْسِ الْمَالِ فَقَطْ وَاقْتِسَامِ الْبَاقِي مَعَ أَخْذِ الْمَالِكِ رَأْسَ الْمَالِ، وَكَالْأَخَذِ الْفَسْخُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي.
(وَثِمَارُ الشَّجَرِ، وَالنِّتَاجُ) لِأَمَةٍ أَوْ بَهِيمَةٍ، (وَكَسْبُ الرَّقِيقِ) مِنْ صَيْدٍ وَاحْتِطَابٍ، وَقَبُولِ وَصِيَّةٍ، وَالْهِبَةُ (وَالْمَهْرُ) وَأُجْرَةُ الْأَرَاضِي وَالدَّوَابِّ (الْحَاصِلَةُ) كُلٌّ مِنْهُمَا (مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ) الْمُشْتَرَى بِهِ شَجَرٌ وَرَقِيقٌ وَأَرْضٌ وَحَيَوَانٌ لِلتِّجَارَةِ، إذَا حَصَلَ فِي مُدَّةِ التَّرَبُّصِ لِبَيْعِ كُلٍّ مِنْ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ (يَفُوزُ بِهَا الْمَالِكُ) فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ فَوَائِدِ التِّجَارَةِ. أَمَّا لَوْ اشْتَرَى حَيَوَانًا حَامِلًا فَيَظْهَرُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ تَخْرِيجُهُ عَلَى نَظِيرِهِ مِنْ الْفَلَسِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَغَيْرِهِمَا، (وَقِيلَ: مَالُ قِرَاضٍ) ؛ لِأَنَّ حُصُولَ هَذِهِ الْفَوَائِدِ بِسَبَبِ شِرَاءِ الْعَامِلِ الْأَصْلَ.
تَنْبِيهٌ إطْلَاقُهُ الْمَهْرَ أَحْسَنُ مِنْ تَقْيِيدِ الرَّوْضَةِ بِوَطْءِ الشُّبْهَةِ، إذْ التَّقْيِيدُ بِهِ لَيْسَ مُرَادًا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، بَلْ يَجْرِي فِي الْوَطْءِ بِالزِّنَا مُكْرَهَةً أَوْ مُطَاوِعَةً - وَهِيَ مِمَّنْ لَا يُعْتَبَرُ مُطَاوَعَتُهَا - أَوْ بِالنِّكَاحِ.

وَيَحْرُمُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمَالِكِ وَالْعَامِلِ وَطْءُ جَارِيَةِ الْقِرَاضِ، سَوَاءٌ أَكَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ أَمْ لَا، إذْ لَا يَتَحَقَّقُ انْتِفَاءُ الرِّبْحِ فِي الْمُتَقَوِّمَاتِ إلَّا بِالتَّنْضِيضِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ الْعِلَّةُ تُنَافِي مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ الْعَامِلَ لَوْ وَطِئَ وَلَا رِبْحَ أَنَّهُ يُحَدُّ إنْ كَانَ عَالِمًا فَإِنَّهَا تَقْتَضِي عَدَمَ الْحَدِّ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِعَدَمِ الْحَدِّ عِنْدَ ظُهُورِ الرِّبْحِ، إنَّمَا هُوَ شُبْهَةُ الْمِلْكِ، وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ لِانْتِفَاءِ ظُهُورِ الرِّبْحِ. وَيَحْرُمُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا تَزْوِيجُهَا؛ لِأَنَّهُ يُنْقِصُهَا فَيَضُرُّ بِالْآخَرِ، وَلَيْسَ وَطْءُ الْمَالِكِ فَسْخًا لِلْقِرَاضِ وَلَا مُوجِبًا مَهْرًا وَلَا حَدًّا، وَاسْتِيلَادُهُ كَإِعْتَاقِهِ فَيَنْفُذُ، وَيَغْرَمُ لِلْعَامِلِ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ، فَإِنْ وَطِئَ الْعَامِلُ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ وَلَا رِبْحَ حُدَّ لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ، وَإِلَّا فَلَا حَدَّ لِلشُّبْهَةِ، وَيَثْبُتُ عَلَيْهِ الْمَهْرُ وَيُجْعَلُ فِي مَالِ الْقِرَاضِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى طَرِيقَةِ الْإِمَامِ لَا عَلَى طَرِيقَةِ الْجُمْهُورِ مِنْ أَنَّ مَهْرَ الْإِمَاءِ يَخْتَصُّ بِهِ الْمَالِكُ كَمَا مَرَّ.
أُجِيبَ بِأَنَّ وَطْءَ الْعَامِلِ كَالتَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْقِرَاضِ، فَالْمَهْرُ كَالرِّبْحِ، بِخِلَافِ وَطْءِ الْأَجْنَبِيِّ

وَالنَّقْصُ الْحَاصِلُ فِي مَالِ الْقِرَاضِ (بِالرُّخْصِ) أَوْ الْعَيْبِ أَوْ الْمَرَضِ الْحَادِثَيْنِ

(3/413)


مَحْسُوبٌ مِنْ الرِّبْحِ مَا أَمْكَنَ وَمَجْبُورٌ بِهِ، وَكَذَا لَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ بِآفَةٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ سَرِقَةٍ بَعْدَ تَصَرُّفِ الْعَامِلِ فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ تَلِفَ قَبْلَ تَصَرُّفِهِ فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْأَصَحِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
(مَحْسُوبٌ مِنْ الرِّبْحِ مَا أَمْكَنَ) الْحِسَابُ مِنْهُ، (وَمَجْبُورٌ) ذَلِكَ النَّقْضُ (بِهِ) ، أَيْ الرِّبْحِ لِاقْتِضَاءِ الْعُرْفِ ذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ لَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ: بِالرُّخْصِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا قَدَّرْته، (وَكَذَا لَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ) أَيْ مَالُ الْقِرَاضِ (بِآفَةٍ) سَمَاوِيَّةٍ كَحَرْقٍ وَغَرَقٍ (أَوْ غَصْبٍ أَوْ سَرِقَةٍ) وَتَعَذَّرَ أَخْذُهُ أَوْ أَخْذُ بَدَلِهِ (بَعْدَ تَصَرُّفِ الْعَامِلِ) فِيهِ بِالْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ مَحْسُوبٌ مِنْ الرِّبْحِ (فِي الْأَصَحِّ) قِيَاسًا عَلَى مَا مَرَّ، وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِتَصَرُّفِ الْعَامِلِ وَتِجَارَتِهِ، بِخِلَافِ الْحَاصِلِ بِالرُّخْصِ، وَلَيْسَ نَاشِئًا مِنْ نَفْسِ الْمَالِ بِخِلَافِ الْمَرَضِ، وَالْعَيْبِ، (وَإِنْ تَلِفَ) بِمَا ذُكِرَ (قَبْلَ تَصَرُّفِهِ) فِيهِ بِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ (فَمِنْ) أَيٍّ، فَيُحْسَبُ مَا تَلِفَ مِنْ (رَأْسِ الْمَالِ) لَا مِنْ الرِّبْحِ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَأَكَّدْ بِالْعَمَلِ، وَالثَّانِي: مِنْ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّهُ بِقَبْضِ الْعَامِلِ صَارَ مَالَ قِرَاضٍ.
تَنْبِيهٌ اُحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: لَوْ تَلِفَ بَعْضُهُ عَنْ تَلَفِ كُلِّهِ، فَإِنَّ الْقِرَاضَ يَرْتَفِعُ، سَوَاءٌ أُتْلِفَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَمْ بِإِتْلَافِ الْمَالِكِ أَمْ الْعَامِلِ أَمْ أَجْنَبِيٍّ، لَكِنْ يَسْتَقِرُّ نَصِيبُ الْعَامِلِ مِنْ الرِّبْحِ فِي الثَّانِيَةِ كَمَا مَرَّ، وَيَبْقَى الْقِرَاضُ فِي الْبَدَلِ إنْ أَخَذَهُ فِي الرَّابِعَةِ، وَالْخَصْمُ فِي الْبَدَلِ الْمَالِكُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ، وَالْمَالِكُ وَالْعَامِلُ إنْ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ، وَبَحَثَ الشَّيْخَانِ فِي الثَّالِثَةِ بَعْدَ نَقْلِهِمَا فِيهَا مَا ذُكِرَ عَنْ الْإِمَامِ: أَنَّ الْعَامِلَ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ، لَكِنَّ الْقَاضِيَ قَالَ بِمَا قَالَ بِهِ الْإِمَامُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ أَنَّ لَهُ الْفَسْخَ، فَجُعِلَ إتْلَافُهُ فَسْخًا كَالْمَالِكِ، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مَنْقُوضٌ بِأَنَّ لِلْمُشْتَرِي فِي زَمَنِ الْخِيَارِ فَسْخَ الْبَيْعِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَيْسَ إتْلَافُهُ فَسْخًا. .
أُجِيبَ بِأَنَّ وَضْعَ الْبَيْعِ عَلَى اللُّزُومِ، فَلَمْ يَكُنْ إتْلَافُ الْمَبِيعِ فَسْخًا بِخِلَافِ الْقِرَاضِ. وَلَوْ قُتِلَ عَبْدُ الْقِرَاضِ وَقَدْ ظَهَرَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ فَالْقِصَاصُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ بِهِ، فَإِنْ عَفَا الْعَامِلُ عَنْ الْقِصَاصِ سَقَطَ وَوَجَبَتْ الْقِيمَةُ، كَمَا لَوْ عَفَا الْمَالِكُ. وَيَسْتَمِرُّ الْقِرَاضُ فِي بَدَلِهِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى الْقَوْلِ أَنَّ الْعَامِلَ يَمْلِكُ الرِّبْحَ بِالظُّهُورِ، لَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ.
أُجِيبَ بِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْهُ بِهِ ثَبَتَ لَهُ بِهِ فِي الْمَالِ حَقٌّ مُؤَكَّدٌ كَمَا مَرَّ، وَالْقِصَاصُ

(3/414)


فَصْلٌ لِكُلٍّ فَسْخُهُ.

وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ انْفَسَخَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
مَبْنِيٌّ عَلَى الدَّرْءِ كَمَا سَيَأْتِي، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ فَلِلْمَالِكِ الْقِصَاصُ وَالْعَفْوُ مَجَّانًا، وَإِنْ تَلِفَ مَالُ قِرَاضٍ اشْتَرَى بِعَيْنِهِ شَيْئًا قَبْلَ تَسْلِيمِهِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَالْقِرَاضُ، أَوْ فِي الذِّمَّةِ وَتَلِفَ قَبْلَ الشِّرَاءِ انْقَلَبَ الشِّرَاءُ لِلْعَامِلِ فَيَرْتَفِعُ الْقِرَاضُ، وَإِنْ تَلِفَ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَقَعَ لِلْمَالِكِ، فَلَوْ كَانَ الْمَالُ مِائَةً وَتَلِفَ لَزِمَهُ مِائَةٌ أُخْرَى.

[فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَنَّ الْقِرَاضَ جَائِزٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ]
ِ، وَحُكْمُ اخْتِلَافِ الْعَاقِدَيْنِ مَعَ مَا يَأْتِي مَعَهُمَا. (لِكُلٍّ) مِنْهُمَا (فَسْخُهُ) أَيْ عَقْدِ الْقِرَاضِ مَتَى شَاءَ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ الْآخَرِ وَرِضَاهُ؛ لِأَنَّ الْقِرَاضَ فِي ابْتِدَائِهِ وَكَالَةٌ، وَفِي انْتِهَائِهِ إمَّا شَرِكَةٌ وَإِمَّا جَعَالَةٌ، وَكُلُّهَا عُقُودٌ جَائِزَةٌ، وَيَحْصُلُ الْفَسْخُ بِقَوْلِهِ: فَسَخْت عَقْدَ الْقِرَاضِ أَوْ رَفَعْتُهُ أَوْ أَبْطَلْتُهُ أَوْ لَا تَتَصَرَّفْ بَعْدَ هَذَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ بِاسْتِرْجَاعِ الْمَالِ، فَإِنْ اسْتَرْجَعَ بَعْضَهُ انْفَسَخَ فِيهِ وَبَقِيَ فِي الْبَاقِي، وَبِإِعْتَاقِهِ وَاسْتِيلَادِهِ لَهُ كَالْوَكَالَةِ. وَلَوْ حَبَسَ الْعَامِلَ وَمَنَعَهُ التَّصَرُّفَ، أَوْ بَاعَ مَا اشْتَرَاهُ الْعَامِلُ لِلْقِرَاضِ لَمْ يَكُنْ فَسْخًا لَهُ لِعَدَمِ دَلَالَةِ ذَلِكَ عَلَى الْفَسْخِ، بَلْ يَبِيعُهُ إعَانَةً لِلْعَامِلِ، بِخِلَافِ بَيْعِ الْمُوَكِّلِ مَا وَكَّلَ فِي بَيْعِهِ، وَإِنْكَارُ الْمَالِكِ الْقِرَاضَ عَزْلٌ كَمَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَإِنْكَارِ الْمُوَكِّلِ الْوَكَالَةَ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِلْإِسْنَوِيِّ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ كَوْنِهِ لِغَرَضٍ أَوْ لَا.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْفِقْهَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّ صُورَةَ ذَلِكَ فِي الْوَكَالَةِ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهَا الْمَالِكَ فَيُنْكِرَهَا، وَصُورَتُهُ فِي الْقِرَاضِ: أَنْ يُنْكِرَهُ ابْتِدَاءً، حَتَّى لَوْ عُكِسَ انْعَكَسَ الْحُكْمُ، وَلِلْعَامِلِ بَعْدَ الْفَسْخِ بَيْعُ مَالِ الْقِرَاضِ إذَا تَوَقَّعَ فِيهِ رِبْحًا، كَأَنْ ظَفِرَ بِسُوقٍ أَوْ رَاغِبٍ فَلَا يَشْتَرِي لِارْتِفَاعِ الْعَقْدِ مَعَ كَوْنِهِ لَا حَظَّ لَهُ فِيهِ. .

(وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ انْفَسَخَ) عَقْدُ الْقِرَاضِ كَالْوَكَالَةِ، وَلِلْعَامِلِ إذَا مَاتَ الْمَالِكُ أَوْ جُنَّ الِاسْتِيفَاءُ وَالتَّنْضِيضُ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَرَثَةِ فِي الْأُولَى، وَالْوَلِيِّ فِي الثَّانِيَةِ اكْتِفَاءً بِإِذْنِ الْعَاقِدِ كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ، وَكَالْجُنُونِ الْإِغْمَاءُ الْمَفْهُومُ بِالْأَوْلَى، بِخِلَافِ مَا لَوْ مَاتَ الْعَامِلُ، فَإِنَّ وَرَثَتَهُ لَا تَمْلِكُ الْمَبِيعَ بِدُونِ إذْنِ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِتَصَرُّفِهِمْ، فَإِنْ امْتَنَعَ الْمَالِكُ مِنْ الْإِذْنِ فِي الْبَيْعِ تَوَلَّاهُ أَمِينٌ مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ، وَلَا تُقَرِّرُ وَرَثَةُ الْمَالِكِ الْعَامِلَ عَلَى الْقِرَاضِ كَمَا لَا يُقَرِّرُ الْمَالِكُ وَرَثَةَ الْعَامِلِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ابْتِدَاءُ قِرَاضٍ، وَهُوَ لَا يَصِحُّ عَلَى الْعَرْضِ، فَإِنْ نَضَّ الْمَالُ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَالِ جَازَ تَقْرِيرُ الْجَمِيعِ، فَيَكْفِي أَنْ تَقُولَ

(3/415)


وَيَلْزَمُ الْعَامِلَ الِاسْتِيفَاءُ إذَا فَسَخَ أَحَدُهُمَا، وَتَنْضِيضُ رَأْسِ الْمَالِ إنْ كَانَ عَرْضًا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
وَرَثَةُ الْمَالِكِ لِلْعَامِلِ قَرَّرْنَاكَ عَلَى مَا كُنْتَ عَلَيْهِ مَعَ قَبُولِهِ، أَوْ يَقُولَ الْمَالِكُ لِوَرَثَةِ الْعَامِلِ قَرَّرْتُكُمْ عَلَى مَا كَانَ مُوَرِّثُكُمْ عَلَيْهِ مَعَ قَبُولِهِمْ لِفَهْمِ الْمَعْنَى، وَكَالْوَرَثَةِ وَلِيُّهُمْ، وَكَالْمَوْتِ الْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ، فَيُقَرِّرُ الْمَالِكُ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ مِنْهَا، وَوَلِيُّ الْمَجْنُونِ مِثْلُهُ قَبْلَ الْإِفَاقَةِ، وَيَجُوزُ التَّقْرِيرُ عَلَى الْمَالِ النَّاجِزِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ لِجَوَازِ الْقِرَاضِ عَلَى الْمُشَاعِ، فَيَخْتَصُّ الْعَامِلُ بِرِبْحِ نَصِيبِهِ وَيَشْتَرِكَانِ فِي رِبْحِ نَصِيبِ الْآخَرِ، مِثَالُهُ: الْمَالُ مِائَةٌ وَرِبْحُهَا مِائَتَانِ مُنَاصَفَةً وَقُرِّرَ الْعَقْدُ مُنَاصَفَةً، فَالْعَامِلُ شَرِيكُ الْوَارِثِ بِمِائَةٍ، فَإِذَا بِيعَ مَالُ الْقِرَاضِ بِسِتِّمِائَةٍ، فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا ثَلَثُمِائَةٍ، إذْ لِلْعَامِلِ مِنْ الرِّبْحِ الْقَدِيمِ مِائَةٌ وَرِبْحُهَا مِائَةٌ، وَرَأْسُ الْمَالِ فِي التَّقْرِيرِ مِائَتَانِ لِلْوَارِثِ وَرِبْحُهُمَا مِائَتَانِ مَقْسُومٌ بَيْنَهُمَا.
وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ بَعْدَ فَسْخِ الْبَيْعِ لِلْمُشْتَرِي: قَرَّرْتُك عَلَى الْبَيْعِ صَحَّ بِخِلَافِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ لَفْظِ التَّزْوِيجِ أَوْ الْإِنْكَاحِ كَمَا سَيَأْتِي.

تَنْبِيهٌ: تَنْضِيضُ رَأْسِ الْمَالِ إنْ كَانَ عِنْدَ الْفَسْخِ عَرْضًا وَطَلَبَ الْمَالِكُ تَنْضِيضَهُ سَوَاءٌ أَكَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ أَمْ لَا (وَيَلْزَمُ الْعَامِلَ الِاسْتِيفَاءُ) لِدَيْنِ مَالِ الْقِرَاضِ (إذَا فَسَخَ أَحَدُهُمَا) أَوْ هُمَا أَوْ انْفَسَخَ، كَأَنْ بَاعَ بِنَقْدٍ ثُمَّ انْفَسَخَ الْقِرَاضُ قَبْلَ تَوْفِيرِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ نَاقِصٌ وَقَدْ أَخَذَ مِنْهُ مِلْكًا تَامًّا فَلِيَرُدَّ كَمَا أَخَذَ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ أَمْ لَا.
تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ كَغَيْرِهِ الِاسْتِيفَاءُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ اسْتِيفَاءُ رَأْسِ الْمَالِ وَالرِّبْحِ مَعًا، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُرْشِدِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ اسْتِيفَاءُ رَأْسِ الْمَالِ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ يُونُسَ، فَإِنْ قِيلَ: يَدُلُّ لِهَذَا تَصْرِيحُهُمْ بِأَنَّ فِي الْعُرُوضِ لَا يَلْزَمُهُ، إلَّا تَنْضِيضُ رَأْسِ الْمَالِ فَقَطْ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْقِرَاضَ مُسْتَلْزِمٌ لِشِرَاءِ الْعُرُوضِ، وَالْمَالِيَّةُ فِيهِ مُحَقَّقَةٌ، فَاكْتَفَى بِتَنْضِيضِ رَأْسِ الْمَالِ فَقَطْ بِخِلَافِ الدَّيْنِ، وَلَوْ رَضِيَ الْمَالِكُ بِقَبُولِ الْحَوَالَةِ جَازَ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيَلْزَمُهُ الِاسْتِيفَاءُ إذَا انْفَسَخَ كَانَ أَوْلَى، لِيَشْمَلَ مَا قَدَّرْته؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْفَسْخِ وَالِانْفِسَاخِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. (وَ) يَلْزَمُ الْعَامِلَ أَيْضًا (تَنْضِيضُ رَأْسِ الْمَالِ إنْ كَانَ) عِنْدَ الْفَسْخِ (عَرْضًا) ، وَطَلَبَ الْمَالِكُ تَنْضِيضَهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ أَمْ لَا؟ ، وَلَوْ كَانَ الْمَالُ عِنْدَ الْفَسْخِ نَاضًّا لَكِنَّهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ، أَوْ مِنْ جِنْسِهِ وَلَكِنْ مِنْ غَيْرِ صِفَتِهِ كَالصِّحَاحِ وَالْمُكَسَّرَةِ فَكَالْعُرُوضِ. وَلَوْ أَبْطَلَ السُّلْطَانُ النَّقْدَ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْقِرَاضُ وَالْمَالُ عَرْضٌ رُدَّ مِنْ الْأَوَّلِ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ، وَقِيلَ: مِنْ الْحَادِثِ، فَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ الْمَالِكُ التَّنْضِيضَ لَمْ يَجِبْ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ، وَحَظُّهُ فِي التَّنْضِيضِ فَيَجِبُ، وَلَوْ قَالَ الْمَالِكُ: لَا تَبِعْ وَنَقْسِمُ الْعُرُوضَ بِتَقْوِيمِ عَدْلَيْنِ، أَوْ قَالَ: أُعْطِيكَ نَصِيبَك مِنْ الرِّبْحِ نَاضًّا أُجِيبَ. وَكَذَا لَوْ رَضِيَ بِأَخْذِ الْعُرُوضِ مِنْ الْعَامِلِ بِالْقِيمَةِ وَلَمْ يَزِدْ رَاغِبٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي،

(3/416)


وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ التَّنْضِيضُ إذَا لَمْ يَكُنْ رِبْحٌ.

وَلَوْ اسْتَرَدَّ الْمَالِكُ بَعْضَهُ قَبْلَ ظُهُورِ رِبْحٍ وَخُسْرَانٍ رَجَعَ رَأْسُ الْمَالِ إلَى الْبَاقِي، وَإِنْ اسْتَرَدَّ بَعْدَ الرِّبْحِ فَالْمُسْتَرَدُّ شَائِعٌ رِبْحًا، وَرَأْسَ مَالٍ مِثَالُهُ رَأْسُ الْمَالِ مِائَةٌ وَالرِّبْحُ عِشْرُونَ وَاسْتَرَدَّ عِشْرِينَ فَالرِّبْحُ سُدُسُ الْمَالِ فَيَكُونُ الْمُسْتَرَدُّ سُدُسَهُ مِنْ الرِّبْحِ فَيَسْتَقِرُّ لِلْعَامِلِ الْمَشْرُوطُ مِنْهُ وَبَاقِيهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
فَلَوْ حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ غَلَاءٌ لَمْ يُؤَثِّرْ. وَخَرَجَ بِقَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ الزَّائِدُ عَلَيْهِ، فَلَا يَلْزَمُهُ تَنْضِيضُهُ، بَلْ هُوَ عَرْضٌ اشْتَرَكَ فِيهِ اثْنَانِ لَا يُكَلَّفُ أَحَدُهُمَا بَيْعَهُ. نَعَمْ لَوْ كَانَ بَيْعُ بَعْضِهِ يُنْقِصُ قِيمَتَهُ كَالْعَبْدِ لَزِمَهُ تَنْضِيضُ الْكُلِّ كَمَا بَحَثَهُ فِي الْمَطْلَبِ، (وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ) أَيْ الْعَامِلَ (التَّنْضِيضُ إذَا لَمْ يَكُنْ رِبْحٌ) إذْ لَا فَائِدَةَ لَهُ فِيهِ، وَدُفِعَ بِأَنَّهُ فِي عَهْدِهِ أَنْ يَرُدَّ كَمَا أَخَذَ كَمَا مَرَّ.

(وَلَوْ اسْتَرَدَّ الْمَالِكُ بَعْضَهُ) ، أَيْ مَالَ الْقِرَاضِ (قَبْلَ ظُهُورِ رِبْحٍ وَخُسْرَانٍ) فِيهِ (رَجَعَ رَأْسُ الْمَالِ إلَى) ذَلِكَ (الْبَاقِي) بَعْدَ الْمُسْتَرَدِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ فِي يَدِهِ غَيْرَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ اقْتَصَرَ فِي الِابْتِدَاءِ عَلَى إعْطَائِهِ لَهُ، (وَإِنْ اسْتَرَدَّ) الْمَالِكُ بِغَيْرِ رِضَا الْعَامِلِ (بَعْدَ) ظُهُورِ (الرِّبْحِ فَالْمُسْتَرَدُّ) مِنْهُ (شَائِعٌ، رِبْحًا وَرَأْسَ مَالٍ) عَلَى النِّسْبَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ جُمْلَةِ الرِّبْحِ وَرَأْسُ الْمَالِ، لَا يَلْحَقُهُ حُكْمُ الْبَاقِي لِاسْتِقْرَارِ مِلْكِ الْعَامِلِ عَلَى مَا يَخُصُّهُ مِنْ الرِّبْحِ فَلَا يَسْقُطُ بِمَا يَحْصُلُ مِنْ النَّقْصِ بَعْدُ. أَمَّا إذَا كَانَ الِاسْتِرْدَادُ بِرِضَا الْعَامِلِ فَإِنْ قَصَدَ هُوَ وَالْمَالِكُ الْأَخْذَ مِنْ الْأَصْلِ اُخْتُصَّ بِهِ، أَوْ مِنْ الرِّبْحِ فَكَذَلِكَ، لَكِنْ يَمْلِكُ الْعَامِلُ مِمَّا بِيَدِهِ مِقْدَارَ ذَلِكَ عَلَى الْإِشَاعَةِ، وَإِنْ أَطْلَقَا حُمِلَ عَلَى الْإِشَاعَةِ، وَحِينَئِذٍ الْأَشْبَهُ - كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ - أَنْ تَكُونَ حِصَّةُ الْعَامِلِ قَرْضًا، نَقَلَهُ عَنْهُ الْإِسْنَوِيُّ وَأَقَرَّهُ. ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا كَانَ الِاسْتِرْدَادُ بِغَيْرِ رِضَاهُ لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِي نَصِيبِهِ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْهُ بِالظُّهُورِ، (مِثَالُهُ: رَأْسُ الْمَالِ مِائَةٌ) مِنْ الدَّرَاهِمِ، (وَالرِّبْحُ عِشْرُونَ) مِنْهَا، (وَاسْتَرَدَّ) الْمَالِكُ مِنْ ذَلِكَ (عِشْرِينَ فَالرِّبْحُ) فِي هَذَا الْمِثَالِ (سُدُسُ) جَمِيعِ (الْمَالِ) ، وَحِينَئِذٍ (فَيَكُونُ الْمُسْتَرَدُّ) وَهُوَ الْعِشْرُونَ سُدُسُهُ - بِالرَّفْعِ بِحَظِّهِ - وَهُوَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَثُلُثٌ، يُحْسَبُ (مِنْ الرِّبْحِ فَيَسْتَقِرُّ لِلْعَامِلِ الْمَشْرُوطُ مِنْهُ) وَهُوَ دِرْهَمٌ وَثُلُثَانِ إنْ شَرَطَ لَهُ نِصْفَ الرِّبْحِ، (وَبَاقِيهِ) أَيْ الْمُسْتَرَدِّ وَهُوَ سِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَانِ (مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) فَيَعُودُ رَأْسُ الْمَالِ إلَى ثَلَاثَةٍ وَثَمَانِينَ وَثُلُثٍ، فَلَوْ عَادَ مَا فِي يَدِهِ إلَى ثَمَانِينَ لَمْ يَسْقُطْ مَا اسْتَقَرَّ لَهُ، بَلْ يَأْخُذُ مِنْهَا دِرْهَمًا وَثُلُثَيْ دِرْهَمٍ، وَيُرَدُّ الْبَاقِي وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ وَسَبْعُونَ دِرْهَمًا وَثُلُثُ دِرْهَمٍ.
تَنْبِيهٌ كَوْنُ الْعَامِلِ يَأْخُذُ مِمَّا فِي يَدِهِ خَارِجًا عَنْ الْقَوَاعِدِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَتَبِعَهُ

(3/417)


وَإِنْ اسْتَرَدَّ بَعْدَ الْخُسْرَانِ فَالْخُسْرَانُ مُوَزَّعٌ عَلَى الْمُسْتَرَدِّ وَالْبَاقِي فَلَا يَلْزَمُ جَبْرُ حِصَّةِ الْمُسْتَرَدِّ لَوْ رَبِحَ بَعْدَ ذَلِكَ، مِثَالُهُ الْمَالُ مِائَةٌ وَالْخُسْرَانُ عِشْرُونَ ثُمَّ اسْتَرَدَّ عِشْرِينَ فَرُبْعُ الْعِشْرِينَ حِصَّةُ الْمُسْتَرَدِّ، وَيَعُودُ رَأْسُ الْمَالِ إلَى خَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ، وَيُصَدَّقُ الْعَامِلُ بِيَمِينِهِ فِي قَوْلِهِ لَمْ أَرْبَحْ، أَوْ لَمْ أَرْبَحْ إلَّا كَذَا، أَوْ اشْتَرَيْت هَذَا لِلْقِرَاضِ أَوْ لِي،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
الْإِسْنَوِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الْمُسْتَرَدَّ شَائِعًا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ نَصِيبُ الْعَامِلِ فِي عَيْنِ الْمَالِ الْمُسْتَرَدِّ إنْ كَانَ بَاقِيًا، وَفِي ذِمَّةِ الْمَالِكِ إنْ كَانَ تَالِفًا، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ الْبَاقِي إلَّا بِرَهْنٍ أَوْ نَحْوِهِ وَلَمْ يُوجَدْ، حَتَّى لَوْ أَفْلَسَ لَمْ يَتَقَدَّمْ بِهِ بَلْ يُضَارِبْ.

(وَإِنْ اسْتَرَدَّ) الْمَالِكُ بَعْضَهُ (بَعْدَ) ظُهُورِ (الْخُسْرَانِ فَالْخُسْرَانُ مُوَزَّعٌ عَلَى الْمُسْتَرَدِّ وَالْبَاقِي) بَعْدَهُ، وَحِينَئِذٍ (فَلَا يَلْزَمُ جَبْرُ حِصَّةِ الْمُسْتَرَدِّ) وَهُوَ عِشْرُونَ (لَوْ رَبِحَ) الْمَالَ (بَعْدَ ذَلِكَ، مِثَالُهُ: الْمَالُ) ، أَيْ رَأْسُ الْمَالِ (مِائَةٌ وَالْخُسْرَانُ) الْحَاصِلُ فِيهِ (عِشْرُونَ، ثُمَّ اسْتَرَدَّ) الْمَالِكُ (عِشْرِينَ، فَرُبْعُ الْعِشْرِينَ) الَّتِي هِيَ جَمِيعُ الْخُسْرَانِ (حِصَّةُ الْمُسْتَرَدِّ) مِنْهَا خَمْسَةٌ، فَكَأَنَّهُ اسْتَرَدَّ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ، (وَيَعُودُ) بَعْدَ ذَلِكَ (رَأْسُ الْمَالِ) الْبَاقِي بَعْدَ الْمُسْتَرَدِّ، وَبَعْدَ حِصَّتِهِ مِنْ الْخُسْرَانِ (إلَى خَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ) ؛ لِأَنَّ الْخُسْرَانَ إذَا وَزَّعْنَاهُ عَلَى الثَّمَانِينَ خَصَّ كُلَّ عِشْرِينَ خَمْسَةٌ، وَالْعِشْرُونَ الْمُسْتَرَدَّةُ حِصَّتُهَا خَمْسَةٌ فَيَبْقَى مَا ذَكَرَهُ، فَلَوْ رَبِحَ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْئًا قُسِّمَ بَيْنَهُمَا رِبْحًا عَلَى حَسَبِ مَا شَرَطَاهُ، (وَيُصَدَّقُ الْعَامِلُ بِيَمِينِهِ فِي قَوْلِهِ لَمْ أَرْبَحْ) شَيْئًا، (أَوْ لَمْ أَرْبَحْ إلَّا كَذَا) عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِيهِمَا، وَلَوْ أَقَرَّ بِرِبْحٍ ثُمَّ ادَّعَى غَلَطًا أَوْ كَذِبًا، ثُمَّ قَالَ: غَلِطْت فِي الْحِسَابِ، أَوْ كَذَبْت فِيمَا قُلْت خَوْفًا مِنْ انْتِزَاعِ الْمَالِ مِنْ يَدِي لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحَقٍّ لِغَيْرِهِ، فَلَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ عَنْهُ، وَلَهُ تَحْلِيفُ الْمَالِكِ سَوَاءٌ أَذَكَرَ شُبْهَةً أَمْ لَا؟ فَإِنْ ادَّعَى بَعْدَ ذِكْرِ الْكَذِبِ أَوْ بَعْدَ إخْبَارِهِ بِالرِّبْحِ خَسَارَةً صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إنْ احْتَمَلَ ذَلِكَ، مِثْلٌ أَنْ يَعْرِضَ فِي الْأَسْوَاقِ كَسَادَهُ، قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي، فَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْ لَمْ يُقْبَلْ وَيَصَدَّقُ أَيْضًا فِيمَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ، (أَوْ اشْتَرَيْت هَذَا) الشَّيْءَ (لِلْقِرَاضِ) وَإِنْ كَانَ خَاسِرًا (أَوْ لِي) ، وَإِنْ كَانَ رَابِحًا؛ لِأَنَّهُ مَأْمُونٌ وَهُوَ أَعْرَفُ بِقَصْدِهِ؛ وَلِأَنَّهُ فِي الثَّانِيَةِ فِي يَدِهِ.
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ قَبُولِ قَوْلِهِ إنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ التَّعْوِيلَ فِيهِ عَلَى النِّيَّةِ. أَمَّا إذَا ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ، وَأَقَامَ الْمَالِكُ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِعَيْنِ مَالِ الْقِرَاضِ، فَهَلْ يُحْكَمُ بِهِ لِلْقِرَاضِ أَوْ لَا فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: رَجَّحَ ابْنُ الْمُقْرِي مِنْهُمَا الثَّانِي، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَالْفَارِقِيُّ وَغَيْرُهُمْ، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمْ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَشْتَرِي

(3/418)


أَوْ لَمْ تَنْهَنِي عَنْ شِرَاءِ كَذَا، وَفِي قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ، وَدَعْوَى التَّلَفِ، وَكَذَا دَعْوَى الرَّدِّ فِي الْأَصَحِّ.

وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْمَشْرُوطِ لَهُ تَحَالَفَا، وَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
لِنَفْسِهِ بِمَالِ الْقِرَاضِ عُدْوَانًا، وَرَجَّحَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ الْأَوَّلَ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَالْقُشَيْرِيُّ: وَكُلُّ شِرَاءٍ وَقَعَ بِمَالِ الْقِرَاضِ لَا شَكَّ فِي وُقُوعِهِ لَهُ، وَلَا أَثَرَ لِنِيَّةِ الْعَامِلِ: أَيْ لِإِذْنِ الْمَالِكِ لَهُ فِي الشِّرَاءِ. وَالثَّانِي: أَوْجَهُ، كَمَا اعْتَمَدَهُ شَيْخِي، (أَوْ) قَالَ الْعَامِلُ: (لَمْ تَنْهَنِي عَنْ شِرَاءِ كَذَا) كَالْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النَّهْيِ، (وَ) يُصَدَّقُ الْعَامِلُ أَيْضًا (فِي قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ دَفْعِ الزِّيَادَةِ، وَهَذَا حَيْثُ لَا رِبْحَ، فَإِنْ كَانَ فَهَلْ يُصَدَّقُ الْعَامِلُ أَوْ الْمَالِكُ أَوْ يَتَحَالَفَانِ؟ أَوْجُهٌ، أَصَحُّهَا أَوَّلُهَا، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَارَضَ اثْنَيْنِ عَلَى أَنَّ نِصْفَ الرِّبْحِ لَهُ وَالْبَاقِيَ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ، فَرَبِحَا وَأَحْضَرَا ثَلَاثَةَ آلَافٍ، فَقَالَ الْمَالِكُ: رَأْسُ الْمَالِ أَلْفَانِ، وَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا، وَأَنْكَرَ الْآخَرُ وَحَلَفَ أَنَّهُ أَلْفٌ فَلَهُ خَمْسُمِائَةٍ؛ لِأَنَّهَا نَصِيبُهُ بِزَعْمِهِ، وَلِلْمَالِكِ أَلْفَانِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لِاتِّفَاقِهِ مَعَ الْمُعْتَرَفِ عَلَيْهِ، وَلَهُ ثُلُثَا خَمْسِمِائَةٍ مِنْ الرِّبْحِ، وَالْبَاقِي لِلْمُقِرِّ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْمَالِكُ مِنْ الرِّبْحِ مِثْلُ مَا يَأْخُذُهُ كُلٌّ مِنْ الْعَامِلَيْنِ، وَمَا أَخَذَهُ الْمُنْكِرُ كَالتَّالِفِ، وَيُصَدَّقُ الْعَامِلُ أَيْضًا فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ صِفَتِهِ، (وَ) فِي (دَعْوَى التَّلَفِ) ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُونٌ فَهُوَ كَالْمُودِعِ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ الْآتِي فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ. (وَكَذَا) يُصَدَّقُ فِي (دَعْوَى الرَّدِّ) لِمَالِ الْقِرَاضِ عَلَى الْمَالِكِ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ ائْتَمَنَهُ كَالْوَكِيلِ. وَالثَّانِي: كَالْمُرْتَهِنِ وَالْمُسْتَأْجِرِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْعَامِلَ إنَّمَا أَخَذَ الْعَيْنَ لِمَنْفَعَةِ الْمَالِكِ، وَانْتِفَاعُهُ هُوَ بِالْعَمَلِ فِيهَا لَا بِهَا، بِخِلَافِ الْمُرْتَهِنِ وَالْمُسْتَأْجِرِ.
فَائِدَةٌ كُلُّ أَمِينٍ ادَّعَى الرَّدَّ عَلَى مَنْ ائْتَمَنَهُ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ إلَّا الْمُرْتَهِنَ وَالْمُسْتَأْجِرَ. .

(وَلَوْ اخْتَلَفَا) فِي أَنَّ الْعَامِلَ وَكِيلٌ أَوْ مُقَارِضٌ صُدِّقَ الْمَالِكُ وَلَا أُجْرَةَ لِلْعَامِلِ، أَوْ (فِي) الْقَدْرِ (الْمَشْرُوطِ لَهُ) أَيْ الْعَامِلِ، كَأَنْ قَالَ: شَرَطْتَ النِّصْفَ فَقَالَ الْمَالِكُ: بَلْ الثُّلُثَ - (تَحَالَفَا) كَاخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ، فَلَا يَنْفَسِخُ بِالتَّحَالُفِ بَلْ يَفْسَخَانِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ الْحَاكِمُ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْبَيَانِ، وَإِنْ أَشْعَرَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ يُفْسَخُ بِمُجَرَّدِ التَّحَالُفِ، وَصَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ (وَلَهُ) أَيْ الْعَامِلِ حِينَئِذٍ (أُجْرَةُ الْمِثْلِ) لِعَمَلِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ لِتَعَذُّرِ رُجُوعِ عَمَلِهِ إلَيْهِ، فَوَجَبَ لَهُ قِيمَتُهُ وَهُوَ الْأُجْرَةُ، وَلَوْ كَانَ الْقِرَاضُ لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ وَمُدَّعَى الْعَامِلِ دُونَ الْأُجْرَةِ - فَلَا تَحَالُفَ كَنَظِيرِهِ مِنْ الصَّدَاقِ. .

خَاتِمَةٌ لَوْ اشْتَرَى الْعَامِلُ وَلَوْ ذِمِّيًّا خَمْرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ نَحْوَهُمَا مِمَّا يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ، وَسَلَّمَ

(3/419)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ - وَلَوْ جَاهِلًا - ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يَخْتَلِفُ بِالْعِلْمِ وَالْجَهْلِ. وَلَوْ قَارَضَهُ الْمَالِكُ لِيَجْلِبَ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَمَلٌ زَائِدٌ عَلَى التِّجَارَةِ.
وَإِنْ قَارَضَهُ عَلَى مَالَيْنِ فِي عَقْدَيْنِ فَخَلَطَهُمَا ضَمِنَ لِتَعَدِّيهِ فِي الْمَالِ، بَلْ إنْ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي بَعْدَ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ الْأَوَّلِ ضُمَّ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ فَسَدَ الْقِرَاضُ فِي الثَّانِي وَامْتَنَعَ الْخَلْطُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْتَقَرَّ حُكْمُهُ رِبْحًا وَخُسْرَانًا، وَإِنْ شَرَطَ قَبْلَ التَّصَرُّفِ صَحَّ وَجَازَ الْخَلْطُ، وَكَأَنَّهُ دَفَعَهُمَا إلَيْهِ مَعًا. نَعَمْ، إنْ شَرَطَ الرِّبْحَ فِيهِمَا مُخْتَلِفًا امْتَنَعَ الْخَلْطُ. وَيَضْمَنُ الْعَامِلُ أَيْضًا لَوْ خَلَطَ مَالَ الْقِرَاضِ بِمَالِهِ، أَوْ قَارَضَهُ اثْنَانِ فَخَلَطَ مَالَ أَحَدِهِمَا بِمَالِ الْآخَرِ، وَلَا يَنْعَزِلُ بِذَلِكَ عَنْ التَّصَرُّفِ كَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ الْأَصْحَابِ.
وَإِذَا اشْتَرَى بِأَلْفَيْنِ لِمُقَارِضَيْنِ لَهُ عَبْدَيْنِ، فَاشْتَبَهَا عَلَيْهِ وَقَعَا لَهُ، وَغَرِمَ لَهُمَا الْأَلْفَيْنِ لِتَفْرِيطِهِ بِعَدَمِ الْإِفْرَادِ. وَلَوْ دَفَعَ إلَى شَخْصٍ مَالًا وَقَالَ: إذَا مِتُّ فَتَصَرَّفْ فِيهِ قِرَاضًا عَلَى أَنَّ لَك نِصْفَ الرِّبْحِ مَثَلًا لَغَا؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ، وَلَوْ صَحَّ لَبَطَلَ بِالْمَوْتِ. وَلَوْ جَنَى عَبْدُ الْقِرَاضِ فَدَاهُ الْمَالِكُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ، كَمَا لَوْ أَبَقَ فَإِنَّ نَفَقَةَ رَدِّهِ عَلَى الْمَالِكِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَامِلَ إنَّمَا يَمْلِكُ حِصَّتَهُ بِالْقِسْمَةِ، فَإِنْ قُلْنَا بِالظُّهُورِ فَعَلَيْهِمَا الْفِدَاءُ.