مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج

[كِتَابُ الْإِجَارَةِ] 1

(3/437)


كِتَابُ الْإِجَارَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
كِتَابُ الْإِجَارَةِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ فِي الْمَشْهُورِ. وَحَكَى ابْنُ سِيدَهْ ضَمَّهَا، وَصَاحِبُ الْمُسْتَعْذَبِ فَتْحَهَا، وَهِيَ لُغَةً: اسْمٌ لِلْأُجْرَةِ. ثُمَّ اُشْتُهِرَتْ فِي الْعَقْدِ. وَشَرْعًا عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ مَقْصُودَةٍ مَعْلُومَةٍ قَابِلَةٍ لِلْبَذْلِ وَالْإِبَاحَةِ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ، فَخَرَجَ بِمَنْفَعَةٍ الْعَيْنُ، وَبِمَقْصُودَةٍ التَّافِهَةُ، كَاسْتِئْجَارِ بَيَّاعٍ عَلَى كَلِمَةٍ لَا تُتْعِبُ، وَبِمَعْلُومَةٍ الْقِرَاضُ وَالْجَعَالَةُ عَلَى عَمَلٍ مَجْهُولٍ، وَبِقَابِلَةٍ لِمَا ذَكَرَ مَنْفَعَةُ الْبُضْعِ فَإِنَّ الْعَقْدَ عَلَيْهَا لَا يُسَمَّى إجَارَةً. فَإِنْ قِيلَ: مَنْفَعَةُ الْبُضْعِ لَمْ تَدْخُلْ حَتَّى يُحْتَاجَ إلَى إخْرَاجِهَا، فَإِنَّ الزَّوْجَ مَا مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ، وَإِنَّمَا مَلَكَ أَنْ يَنْتَفِعَ.
أُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُمْ عَلَى مَنْفَعَةٍ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ، فَلِهَذَا أُخْرِجَتْ بِقَابِلَةٍ لِلْبَذْلِ، وَبِعِوَضٍ هِبَةُ الْمَنَافِعِ وَالْوَصِيَّةُ بِهَا وَالشَّرِكَةُ وَالْإِعَارَةُ، وَبِمَعْلُومٍ الْمُسَاقَاةُ وَالْجَعَالَةُ عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ بِعِوَضٍ مَجْهُولٍ كَالْحَجِّ بِالرِّزْقِ، وَدَلَالَةِ الْكَافِرِ لَنَا عَلَى قَلْعَةٍ يُحَارِبُهُمْ مِنْهَا، نَعَمْ، يَرُدُّ عَلَيْهِ بَيْعُ حَقِّ الْمَمَرِّ وَنَحْوُهُ

(3/438)


شَرْطُهُمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
وَالْجَعَالَةُ عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ.
وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] ، وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ الْإِرْضَاعَ بِلَا عَقْدٍ تَبَرُّعٌ لَا يُوجِبُ أُجْرَةً، وَإِنَّمَا يُوجِبُهَا ظَاهِرُ الْعَقْدِ فَتَعَيَّنَ، وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجَمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أُجْرَتَهُ» ، وَخَبَرُ الْبُخَارِيِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَأْجَرَا رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأُرَيْقِطِ» ، وَخَبَرُ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْمُزَارَعَةِ وَأَمَرَ بِالْمُؤَاجَرَةِ» ، وَخَبَرُ ابْنِ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَعْطُوا الْأَجِيرَ أُجْرَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ» ، وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا أَجَرَ نَفْسَهُ مِنْ يَهُودِيٍّ فَاسْتَقَى لَهُ: كُلُّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ حَتَّى بَلَغَ بِضْعًا وَأَرْبَعِينَ دَلْوًا، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا، إذْ لَيْسَ لِكُلِّ أَحَدٍ مَرْكُوبٌ وَمَسْكَنٌ وَخَادِمٌ، فَجُوِّزَتْ لِذَلِكَ كَمَا جُوِّزَ بَيْعُ الْأَعْيَارِ.

وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ: عَاقِدَانِ وَصِيغَةٌ وَأُجْرَةٌ وَمَنْفَعَةٌ. وَقَدْ بَدَأَ بِشَرْطِ الرُّكْنِ الْأَوَّلِ، فَقَالَ: (شَرْطُهُمَا) أَيْ الْمُؤَجِّرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ - وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُمَا ذِكْرٌ لِدَلَالَةِ الْإِجَارَةِ

(3/439)


كَبَائِعٍ وَمُشْتَرٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
عَلَيْهِمَا - (كَبَائِعٍ وَمُشْتَرٍ) فِي شَرْطِهِمَا، وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ ثَمَّ نَعَمْ، إسْلَامُ الْمُشْتَرِي شَرْطٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ عَبْدًا مُسْلِمًا، وَهُنَا لَا يُشْتَرَطُ، فَيَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ اسْتِئْجَارُ الْمُسْلِمِ - كَمَا فِي قِصَّةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إجَارَةَ ذِمَّةٍ، وَكَذَا إجَارَةَ عَيْنٍ عَلَى الْأَصَحِّ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَكِنْ يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْ الْمَنَافِعِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي شَرْحِ

(3/440)


وَالصِّيغَةُ آجَرْتُك هَذَا أَوْ أَكْرَيْتُكَ أَوْ مَلَّكْتُك مَنَافِعَهُ سَنَةً بِكَذَا فَيَقُولُ: قَبِلْت أَوْ اسْتَأْجَرْت أَوْ اكْتَرَيْت،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
الْمُهَذَّبِ بِأَنْ يُؤَجِّرَهُ لِمُسْلِمٍ، وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ كَبَائِعٍ أَنَّ الْأَعْمَى لَا يَكُونُ مُؤَجِّرًا وَإِنْ جَازَ لَهُ إجَارَةُ نَفْسِهِ.
تَنْبِيهٌ يُرَدُّ عَلَى طَرْدِهِ السَّفِيهَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ إجَارَةُ نَفْسِهِ فِيمَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ مِنْ عَمَلِهِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْحَجْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَتَطَوَّعَ عَلَى غَيْرِهِ بِالْعَمَلِ؛ فَأَوْلَى بِعِوَضٍ، بِخِلَافِ الْمَقْصُودِ مِنْ عَمَلِ مِثْلِهِ، وَيُرَدُّ عَلَى عَكْسِهِ مَا لَوْ أَجَّرَ السَّيِّدُ عَبْدَ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ صَحَّ أَنْ يَبِيعَهُ نَفْسَهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ. وَالشَّرِيكَانِ فِي الْعَقَارِ إذَا تَنَازَعَا الْمُهَايَأَةَ أَجَرَ الْقَاضِي عَلَيْهِمَا، وَيُرْجَعُ فِي الْمُدَّةِ إلَى اجْتِهَادِ الْقَاضِي كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي، فَقَالَ: (وَالصِّيغَةُ) نَحْوُ قَوْلِ الْمُؤَجِّرِ (آجَرْتُك هَذَا) الثَّوْبَ مَثَلًا، (وَأَكْرَيْتُكَ) إيَّاهُ، (أَوْ مَلَّكْتُك مَنَافِعَهُ سَنَةً بِكَذَا) ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ مِنْ الْآنَ كَمَا سَيَأْتِي (فَيَقُولُ) : الْمُسْتَأْجِرُ - فَوْرًا - (قَبِلْت أَوْ اسْتَأْجَرْت أَوْ اكْتَرَيْت) أَوْ اسْتَكْرَيْتُ.
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: وَالصِّيغَةُ مُبْتَدَأٌ لَا مَعْطُوفٌ وَمَا بَعْدَهُ خَبَرُهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: آجَرْتُك هَذَا إلَخْ، وَمَعْنَى آجَرْتُك سَنَةً: أَيْ مَنَافِعَ سَنَةٍ، وَلَا يَجُوزُ كَوْنُ سَنَةٍ ظَرْفًا: أَيْ مَفْعُولًا فِيهِ لَآجَرْتُكَ؛ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ زَمَنُهُ يَسِيرٌ، بَلْ الْمَعْنَى آجَرْتُكَ وَاسْتَمِرَّ أَنْتَ عَلَى ذَلِكَ سَنَةً، كَمَا قِيلَ بِذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ} [البقرة: 259] إنَّ الْمَعْنَى فَأَمَاتَهُ اللَّهُ وَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ مِائَةَ عَامٍ، وَإِلَّا فَزَمَنُ الْإِمَاتَةِ يَسِيرٌ. وَأَمَّا نَحْوُ أَجَرْتُك الدَّارَ سَنَةً، فَالدَّارُ مَفْعُولٌ ثَانٍ وَسَنَةً ظَرْفٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ مَأْخُوذٍ مِنْ أَجَرْتُك: أَيْ لِتَنْتَفِعَ بِهَا سَنَةً، وَلَا يَجُوزُ كَوْنُ سَنَةً مَفْعُولًا؛ لِأَنَّ أَجَرَ لَا يَتَعَدَّى إلَى ثَلَاثَةِ مَفَاعِيلَ، وَوَزْنُ آجَرَ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فَاعَلَ كَضَارَبَ لَا أَفْعَلَ كَأَكْرَمَ، وَيَجُوزُ تَقَدُّمُ لَفْظِ الْقَابِلِ، وَلَوْ بِقَبِلْت كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ التَّشْبِيهِ بِالْبَيْعِ وَبِالْكِتَابَةِ وَبِالِاسْتِيجَابِ وَالْإِيجَابِ، وَبِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ وَبِالْكِنَايَةِ كَالْبَيْعِ، وَمِنْ الْكِنَايَاتِ هُنَا اُسْكُنْ دَارِي شَهْرًا بِكَذَا، أَوْ جَعَلْت لَك مَنْفَعَتَهَا بِكَذَا، وَالْخِلَافُ فِي الْمُعَاطَاةِ فِي الْبَيْعِ جَارٍ هُنَا، وَفِي الرَّهْنِ وَالْهِبَةِ كَمَا نَقَلَهُ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ مِنْ الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَآخَرِينَ، قَالَ فِي التَّوْشِيحِ: وَلَا أَدْرِي هَلْ يَخْتَارُ النَّوَوِيُّ صِحَّةَ الْمُعَاطَاةِ فِيهَا، كَمَا اخْتَارَهُ فِي الْبَيْعِ أَوْ لَا؟ وَالْأَظْهَرُ لَا، فَإِنَّهُ لَا عُرْفَ فِيهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ.
تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ مَقْصُودَ الْإِجَارَةِ الْمَنَافِعُ، وَهِيَ مَوْرِدُ الْعَقْدِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ؛ إذْ لَوْ كَانَ

(3/441)


وَالْأَصَحُّ انْعِقَادُهَا بِقَوْلِهِ: آجَرْتُك مَنْفَعَتَهَا، وَمَنْعُهَا بِقَوْلِهِ: بِعْتُك مَنْفَعَتَهَا.

وَهِيَ قِسْمَانِ: وَارِدَةٌ عَلَى عَيْنٍ كَإِجَارَةِ الْعَقَارِ وَدَابَّةٍ أَوْ شَخْصٍ مُعَيَّنَيْنِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
مَوْرِدُهَا الْعَيْنَ لَامْتَنَعَ رَهْنُ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَالْمَرْهُونَةِ وَقِيلَ: مَوْرِدُهَا الْعَيْنُ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْهَا الْمَنْفَعَةَ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مَعْدُومَةٌ. قَالَ الشَّيْخَانِ: وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يَكُونَ خِلَافًا مُحَقَّقًا؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَ بِالثَّانِي لَا يَعْنِي بِهِ أَنَّ الْعَيْنَ تُمْلَكُ بِالْإِجَارَةِ كَمَا تُمْلَكُ بِالْبَيْعِ، وَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ لَا يَقْطَعُ النَّظَرَ عَنْ الْعَيْنِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَنَازَعَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّ فِي الْبَحْرِ وَجْهًا: أَنَّ حُلِيَّ الذَّهَبِ لَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ بِالذَّهَبِ، وَحُلِيَّ الْفِضَّةِ لَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ بِالْفِضَّةِ، وَلَا يَظْهَرُ لَهُ وَجْهٌ إلَّا عَلَى التَّخْرِيجِ بِأَنَّ الْمُؤَجَّرَ الْعَيْنُ فَقَدْ صَارَ خِلَافًا مُحَقَّقًا، وَنَشَأَ عَنْهُ الِاخْتِلَافُ فِي هَذَا الْفَرْعِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ: تَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي إجَارَةِ الْمُسْتَأْجِرِ قَبْلَ قَبْضِهِ إنْ قُلْنَا: مَوْرِدُ الْعَقْدِ الْعَيْنُ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ، وَإِلَّا فَسَدَتْ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ، (وَالْأَصَحُّ انْعِقَادُهَا) أَيْ الْإِجَارَةِ (بِقَوْلِهِ) أَيْ الْمُؤَجِّرِ لِدَارٍ مَثَلًا: (آجَرْتُك) أَوْ أَكْرَيْتُكَ (مَنْفَعَتَهَا) سَنَةً مَثَلًا بِكَذَا؛ فَيَقْبَلُ الْمُسْتَأْجِرُ، فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ آجَرْتُكَهَا، وَيَكُونُ ذِكْرُ الْمَنْفَعَةِ تَأْكِيدًا كَقَوْلِ الْبَائِعِ: بِعْتُك عَيْنَ هَذِهِ الدَّارِ وَرَقَبَتَهَا. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْإِجَارَةِ وُضِعَ مُضَافًا لِلْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا مَنْفَعَةَ لَهَا فَكَيْفَ يُضَافُ الْعَقْدُ إلَيْهَا؟ ، وَجَعَلَ فِي الْمَطْلَبِ هَذَا مِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ فِي أَنَّ مَوْرِدَهَا الْعَيْنُ أَوْ الْمَنْفَعَةُ، (وَ) الْأَصَحُّ (مَنْعُهَا) أَيْ مَنْعُ انْعِقَادِهَا (بِقَوْلِهِ: بِعْتُك مَنْفَعَتَهَا) ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْبَيْعِ مَوْضُوعٌ لِمِلْكِ الْأَعْيَانِ، فَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَنَافِعِ كَمَا لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ، وَكَلَفْظِ الْبَيْعِ لَفْظُ الشِّرَاءِ، وَالثَّانِي يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا صِنْفٌ مِنْ الْبَيْعِ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ، وَجَزَمَ بِهِ التَّنْبِيهُ وَصَحَّحَهُ جَمْعٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالْإِسْنَوِيِّ وَالْأَذْرَعِيِّ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ أَيْضًا فِي أَنَّ مَوْرِدَ الْعَقْدِ هَلْ الْعَيْنُ أَوْ الْمَنْفَعَةُ؟ وَالصِّحَّةُ عَلَى قَوْلِ الْعَيْنِ وَالْمَنْعُ عَلَى قَوْلِ الْمَنْفَعَةِ، وَعَلَيْهِ لَا يَكُونُ الْبَيْعُ كِنَايَةً فِيهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ بِعْتُك يُنَافِي قَوْلَهُ سَنَةً فَلَا يَكُونُ صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً، خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَنَّهُ فِيهَا كِنَايَةٌ. هَذَا كُلُّهُ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ. أَمَّا إجَارَةُ الذِّمَّةِ فَيَكْفِي فِيهَا أَلْزَمْت ذِمَّتَك بِكَذَا عَنْ لَفْظِ الْإِجَارَةِ وَنَحْوِهَا، فَيَقُولُ: قَبِلْت كَمَا فِي الْكَافِي أَوْ الْتَزَمْت.

(وَهِيَ) أَيْ الْإِجَارَةُ (قِسْمَانِ:) أَحَدُهُمَا: إجَارَةٌ (وَارِدَةٌ عَلَى عَيْنٍ) أَيْ عَلَى مَنْفَعَةٍ مُرْتَبِطَةٍ بِعَيْنٍ، (كَإِجَارَةِ الْعَقَارِ وَدَابَّةٍ أَوْ شَخْصٍ) ، وَقَوْلُهُ: (مُعَيَّنَيْنِ) صِفَةُ دَابَّةٍ أَوْ شَخْصٍ غَلَبَ فِيهِ الْمُذَكَّرُ عَلَى الْمُؤَنَّثِ عَلَى الْأَصْلِ، وَلَوْ قَالَ: مُعَيَّنٌ بِالْإِفْرَادِ لَوَافَقَ الْمَعْرُوفَ لُغَةً مِنْ أَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ يَقْتَضِي الْإِفْرَادَ، وَلِهَذَا.
أُجِيبَ عَنْ قَوْله تَعَالَى: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} [النساء: 135] بِأَنَّ الْمُرَادَ التَّنْوِيعُ، وَبِهِ يُجَابُ عَنْ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَفِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَبْوَابِ. (وَ)

(3/442)


وَعَلَى الذِّمَّةِ كَاسْتِئْجَارِ دَابَّةٍ مَوْصُوفَةٍ، وَبِأَنْ يُلْزِمَ ذِمَّتَهُ خِيَاطَةً أَوْ بِنَاءً.

وَلَوْ قَالَ: اسْتَأْجَرْتُك لِتَعْمَلَ كَذَا فَإِجَارَةُ عَيْنٍ، وَقِيلَ ذِمَّةٍ.

وَيُشْتَرَطُ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ تَسْلِيمُ الْأُجْرَةِ فِي الْمَجْلِسِ، وَإِجَارَةُ الْعَيْنِ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِيهَا، وَيَجُوزُ فِيهَا التَّعْجِيلُ وَالتَّأْجِيلُ إنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ، وَإِذَا أُطْلِقَتْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
الْقِسْمُ الثَّانِي: إجَارَةٌ وَارِدَةٌ (عَلَى الذِّمَّةِ كَاسْتِئْجَارِ دَابَّةٍ مَوْصُوفَةٍ) لَحَمْلٍ مَثَلًا، (وَبِأَنْ يُلْزِمَ ذِمَّتَهُ) أَيْ الشَّخْصِ عَمَلًا (خِيَاطَةً أَوْ بِنَاءً) أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَيَقُولَ الْآخَرُ: قَبِلْت أَوْ اكْتَرَيْت. وَإِنَّمَا جَعَلَ الْمُصَنِّفُ الْعَقَارَ مِنْ قِسْمِ الْوَارِدَةِ عَلَى عَيْنٍ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ. وَالْقِسْمُ الثَّانِي يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْأَمْرَانِ. وَالسُّفُنُ هَلْ تَلْحَقُ بِالدَّوَابِّ أَوْ بِالْعَقَارِ؟ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ، وَالْأَقْرَبُ إلْحَاقُهَا بِالدَّوَابِّ كَمَا قَالَهُ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ.
تَنْبِيهٌ تَقْسِيمُ الْإِجَارَةِ إلَى وَارِدَةٍ عَلَى الْعَيْنِ وَوَارِدَةٍ عَلَى الذِّمَّةِ لَا يُنَافِي تَصْحِيحَهُمْ أَنَّ مَوْرِدَهَا الْمَنْفَعَةُ لَا الْعَيْنُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَيْنِ مَا يُقَابِلُ الْمَنْفَعَةَ، وَهُنَا مَا يُقَابِلُ الذِّمَّةَ، وَلِهَذَا قَدَّرْت فِي كَلَامِهِ مَا يَدُلُّ لِذَلِكَ.

(وَلَوْ قَالَ) شَخْصٌ لِآخَرَ: (اسْتَأْجَرْتُك لِتَعْمَلَ) لِي (كَذَا فَإِجَارَةُ عَيْنٍ) فِي الْأَصَحِّ لِلْإِضَافَةِ إلَى الْمُخَاطَبِ، كَقَوْلِهِ: اسْتَأْجَرْتُك لِهَذِهِ الدَّابَّةِ، (وَقِيلَ) : إجَارَةُ (ذِمَّةٍ) نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُ الْعَمَلِ مِنْ جِهَةِ الْمُخَاطَبِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: اسْتَحْقَيْتُ كَذَا عَلَيْك فَلَهُ تَحْصِيلُهُ بِغَيْرِهِ وَبِنَفْسِهِ، وَرُدَّ هَذَا بِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ لَفْظُ الذِّمَّةِ وَلَا اللَّفْظُ ظَاهِرٌ فِيهِ، وَقَدْ قَطَعُوا بِالْأَوَّلِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ فَمَثَّلُوا اسْتِئْجَارَ عَيْنِ الشَّخْصِ لِلْحَجِّ بِاسْتَأْجَرْتُكَ لِتَحُجَّ عَنِّي أَوْ عَنْ مَيِّتِي، وَلَمْ يَحْكُوا فِيهِ الْخِلَافَ.

(وَيُشْتَرَطُ فِي) صِحَّةِ (إجَارَةِ الذِّمَّةِ تَسْلِيمُ الْأُجْرَةِ فِي الْمَجْلِسِ) قَطْعًا إنْ عُقِدَتْ بِلَفْظِ السَّلَمِ كَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ؛ لِأَنَّهَا سَلَمٌ فِي الْمَنَافِعِ، وَكَذَا إنْ عُقِدَتْ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ فِي الْأَصَحِّ نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى، فَلَا يَجُوزُ فِيهَا تَأْخِيرُ الْأُجْرَةِ وَلَا الِاسْتِبْدَالُ عَنْهَا وَلَا الْحَوَالَةُ بِهَا وَلَا عَلَيْهَا وَلَا الْإِبْرَاءُ مِنْهَا.
تَنْبِيهٌ لَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ وُجُوبُ كَوْنِ الْأُجْرَةِ حَالَّةً وَهُوَ لَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْقَبْضِ الْحُلُولُ، (وَإِجَارَةُ الْعَيْنِ لَا يُشْتَرَطُ) فِي صِحَّتِهَا (ذَلِكَ) أَيْ تَسْلِيمُ الْأُجْرَةِ (فِيهَا) فِي الْمَجْلِسِ مُعَيَّنَةً كَانَتْ الْأُجْرَةُ أَوْ فِي الذِّمَّةِ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ. ثُمَّ إنْ عَيَّنَ لِمَكَانِ التَّسْلِيمِ مَكَانًا تَعَيَّنَ، وَإِلَّا فَمَوْضِعُ الْعَقْدِ كَمَا نَقَلَهُ فِي بَابِ السَّلَمِ مِنْ زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ التَّتِمَّةِ وَأَقَرَّهُ، (وَيَجُوزُ) فِي الْأُجْرَةِ (فِيهَا) أَيْ إجَارَةِ الْعَيْنِ (التَّعْجِيلُ) لِلْأُجْرَةِ (وَالتَّأْجِيلُ) فِيهَا (إنْ كَانَتْ) تِلْكَ الْأُجْرَةُ (فِي الذِّمَّةِ) كَالثَّمَنِ، وَيَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهَا وَالْحَوَالَةُ بِهَا وَعَلَيْهَا وَالْإِبْرَاءُ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً لَمْ يَجُزْ التَّأْجِيلُ؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تُؤَجَّلُ، (وَإِنْ أُطْلِقَتْ) تِلْكَ الْإِجَارَةُ

(3/443)


تَعَجَّلَتْ، وَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً مُلِكَتْ فِي الْحَالِ.

وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْأُجْرَةِ مَعْلُومَةً فَلَا تَصِحُّ بِالْعِمَارَةِ وَالْعَلْفِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
(تَعَجَّلَتْ) فَتَكُونُ حَالَّةً كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ، (وَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً) أَوْ مُطْلَقَةً كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، أَوْ فِي الذِّمَّةِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، وَإِنْ أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ خِلَافَهُ (مُلِكَتْ فِي الْحَالِ) بِالْعَقْدِ مِلْكًا مُرَاعًى، بِمَعْنَى أَنَّهُ كُلَّمَا مَضَى جُزْءٌ مِنْ الزَّمَانِ عَلَى السَّلَامَةِ بَانَ أَنَّ الْمُؤَجَّرَ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ مِنْ الْأُجْرَةِ عَلَى مَا يُقَابِلُ ذَلِكَ. أَمَّا اسْتِقْرَارُ جَمِيعِهَا فَبِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ أَوْ بِتَفْوِيتِهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ آخِرَ الْبَابِ، وَلَوْ ذَكَرَهُ هُنَا كَانَ أَوْلَى. وَلَوْ تَنَازَعَا فِي الْبُدَاءَةِ بِالتَّسْلِيمِ فَكَمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ فِي قَوْلِهِ: لَا يَجِبُ تَسْلِيمُ الْأُجْرَةِ مَا لَمْ يُسَلِّمْ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ.
تَنْبِيهٌ كَمَا يَمْلِكُ الْمُؤَجِّرُ الْأُجْرَةَ بِالْعَقْدِ يَمْلِكُ الْمُسْتَأْجِرُ الْمَنْفَعَةَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهَا، وَتَحْدُثُ فِي مِلْكِهِ بِدَلِيلِ جَوَازِ تَصَرُّفِهِ فِيهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَوْ أَجَرَ النَّاظِرُ الْوَقْفَ سِنِينَ وَأَخَذَ الْأُجْرَةَ لَمْ يَجُزْ لَهُ دَفْعُ جَمِيعِهَا لِلْبَطْنِ الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا يُعْطَى بِقَدْرِ مَا مَضَى مِنْ الزَّمَانِ، فَإِنْ دَفَعَ أَكْثَرَ مِنْهُ فَمَاتَ الْآخِذُ ضَمِنَ النَّاظِرُ تِلْكَ الزِّيَادَةَ لِلْبَطْنِ الثَّانِي. قَالَهُ الْقَفَّالُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ أَجَرَ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ لَا يَتَصَرَّفُ فِي جَمِيعِ الْأُجْرَةِ لِتَوَقُّعِ ظُهُورِ كَوْنِهِ لِغَيْرِهِ بِمَوْتِهِ. اهـ.
وَهُوَ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ. أَمَّا إذَا قَصُرَتْ فَيَتَصَرَّفُ فِي الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ فِي الْحَالِ. أَمَّا صَرْفُهَا فِي الْعِمَارَةِ فَلَا مَنْعَ مِنْهُ بِحَالٍ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِث ذَاكِرًا لِشَرْطِهِ، فَقَالَ: (وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْأُجْرَةِ) الَّتِي فِي الذِّمَّةِ (مَعْلُومَةً) جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ، فَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً كَفَتْ مُشَاهَدَتُهَا إنْ كَانَتْ عَلَى مَنْفَعَةٍ مُعَيَّنَةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ، أَوْ فِي الذِّمَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ. فَإِنْ قِيلَ: يَرُدُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِهَا صِحَّةُ الْحَجِّ بِالرِّزْقِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ مَعَ أَنَّ الرِّزْقَ مَجْهُولٌ.
أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِإِجَارَةٍ، بَلْ نَوْعُ جَعَالَةٍ يُغْتَفَرُ فِيهَا الْجَهْلُ بِالْجَعْلِ. وَعَلَى اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِالْأُجْرَةِ (فَلَا تَصِحُّ) اسْتِئْجَارُ الدَّارِ مَثَلًا (بِالْعِمَارَةِ) ، كَأَجَّرْتُكَهَا بِمَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ عِمَارَةٍ أَوْ بِدِينَارٍ مَثَلًا تَعْمُرُهَا بِهِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بَعْضُ الْأُجْرَةِ، وَهُوَ مَجْهُولٌ فَتَصِيرُ الْأُجْرَةُ مَجْهُولَةً، فَإِنْ أَجَرَهُ الدَّارَ بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ بِلَا شَرْطٍ وَأَذِنَ لَهُ فِي صَرْفِهَا فِي الْعِمَارَةِ صَحَّ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَلَمْ يُخْرِجُوهُ عَلَى اتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ لِوُقُوعِهِ ضِمْنًا، وَإِذَا أَنْفَقَ وَاخْتَلَفَا فِي الْقَدْرِ الْمُنْفَقِ صُدِّقَ الْمُنْفِقُ بِيَمِينِهِ إنْ ادَّعَى قَدْرًا مُحْتَمَلًا كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ، (وَ) لَا يَصِحُّ أَيْضًا إجَارَةُ دَابَّةٍ شَهْرًا مَثَلًا بِنَحْوِ (الْعَلْفِ) بِسُكُونِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا بِخَطِّهِ. الْأَوَّلُ: مَصْدَرٌ، وَالثَّانِي: اسْمٌ لِمَا يُعْلَفُ بِهِ

(3/444)


وَلَا لِيَسْلُخَ بِالْجِلْدِ وَيَطْحَنَ بِبَعْضِ الدَّقِيقِ أَوْ بِالنُّخَالَةِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِتُرْضِعَ رَقِيقًا بِبَعْضِهِ فِي الْحَالِ جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ.

وَكَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مُتَقَوِّمَةً، فَلَا يَصِحُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
كَرِيَاضَتِهَا لِلْجَهَالَةِ، (وَلَا) يَصِحُّ أَيْضًا اسْتِئْجَارُ سَلَّاخٍ (لِيَسْلُخَ) الشَّاةَ (بِالْجِلْدِ) الَّذِي عَلَيْهَا، (وَلَا) طَحَّانٍ عَلَى أَنْ (يَطْحَنَ) الْبُرَّ مَثَلًا (بِبَعْضِ الدَّقِيقِ) مِنْهُ كَرُبْعِهِ (أَوْ بِالنُّخَالَةِ) مِنْهُ لِلْجَهْلِ بِثَخَانَةِ الْجِلْدِ وَبِقَدْرِ الدَّقِيقِ وَالنُّخَالَةِ، وَلِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأُجْرَةِ حَالًا، وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ قَفِيزِ الطِّحَانِ» ، وَفُسِّرَ بِأَنْ يَجْعَلَ أُجْرَةَ الطَّحْنِ قَفِيزًا مَطْحُونًا، وَالضَّابِطُ فِي هَذَا أَنْ تُجْعَلَ الْأُجْرَةُ شَيْئًا يَحْصُلُ بِعَمَلِ الْأَجِيرِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَمِنْهُ مَا يُقْطَعُ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ مِنْ جَعْلِ أُجْرَةِ الْجَابِي الْعُشْرَ مِمَّا يَسْتَخْرِجُهُ. قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: لَك نَظِيرُ الْعُشْرِ لَمْ تَصِحَّ الْإِجَارَةُ أَيْضًا، وَفِي صِحَّتِهِ جَعَالَةً نَظَرٌ. اهـ.
وَالظَّاهِرُ فِيهَا الْبُطْلَانُ لِلْجَهْلِ بِالْجَعْلِ.
تَنْبِيهٌ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الطَّحْنَ، وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ: لِتَطْحَنْ الْكُلَّ أَوْ يُطْلِقَ. فَإِنْ قَالَ لِتَطْحَنْ مَا وَرَاءَ الصَّاعِ الْمَجْعُولِ أُجْرَةً صَحَّ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، (وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا) أَيْ الْمَرْأَةَ (لِتُرْضِعَ رَقِيقًا بِبَعْضِهِ) كَرُبُعِهِ (فِي الْحَالِ جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ) ، وَلَا أَثَرَ لِكَوْنِ عَمَلِهَا يَقَعُ فِي مُشْتَرَكٍ كَمُسَاقَاةِ شَرِيكِهِ إذَا شَرَطَ لَهُ زِيَادَةً مِنْ الثَّمَرَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ عَمَلُهُ يَقَعُ فِي مُشْتَرَكٍ كَمَا مَالَ إلَيْهِ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ، وَقَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: إطْلَاقُ نَصِّ الْأُمِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَوْنُهُ أَجِيرًا عَلَى شَيْءٍ هُوَ شَرِيكٌ فِيهِ. اهـ.
وَالتَّحْقِيقُ مَا اخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ مِنْ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْكُلِّ لَمْ يَجُزْ، وَهُوَ مُرَادُ النَّصِّ، كَأَنْ يَقُولَ لِغَيْرِ شَرِيكِهِ: اكْتَرَيْتُكَ لِتَطْحَنَ لِي هَذِهِ الْوَيْبَةَ بِرُبْعِهَا، وَلِشَرِيكِهِ فِيهَا اكْتَرَيْتُكَ بِرُبْعِهَا لِتَطْحَنَ لِي حِصَّتِي، أَوْ عَلَى حِصَّتِهِ فَقَطْ جَارٍ كَقَوْلِهِ لِغَيْرِ شَرِيكِهِ: اكْتَرَيْتُكَ بِرُبْعِهَا لِتَطْحَنَ لِي بَاقِيَهَا، وَلِشَرِيكِهِ فِيهَا اكْتَرَيْتُكَ بِرُبْعِهَا لِتَطْحَنَ لِي بَاقِيَ حِصَّتِي مِنْهَا، وَعَلَى هَذَا يَنْزِلُ كَلَامُهُمْ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ، وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ - وَلَهُ خَمْسَةُ شُرُوطٍ - مُبْتَدِئًا بِأَوَّلِ الشُّرُوطِ، فَقَالَ: (وَ) يُشْتَرَطُ (كَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مُتَقَوِّمَةً) ، لَمْ يُرِدْ بِالْمُتَقَوِّمَةِ هُنَا مُقَابِلَةَ الْمِثْلِيَّةِ، بَلْ مَا لَهَا قِيمَةٌ لِيَحْسُنَ بَذْلُ الْمَالِ فِي مُقَابَلَتِهَا، كَاسْتِئْجَارِ دَارٍ لِلسُّكْنَى، وَالْمِسْكِ وَالرَّيَاحِينِ لِلشَّمِّ، فَإِنَّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهَا قِيمَةٌ إمَّا لِحُرْمَتِهَا أَوْ لِخِسَّتِهَا أَوْ قِلَّتِهَا يَكُونُ بَذْلُ الْمَالِ فِي مُقَابَلَتِهَا سَفَهًا وَتَبْذِيرًا، وَهَذَا الشَّرْطُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مَعْلُومَةً كَمَا يُعْلَمُ مِنْ التَّقْدِيرِ. وَضَابِطُ مَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ كُلُّ عَيْنٍ يُنْتَفَعُ بِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا مَنْفَعَةً مُبَاحَةً مَعْلُومَةً مَقْصُودَةً تُضْمَنُ بِالْيَدِ وَتُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ.
ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى اشْتِرَاطِ تَقْوِيمِ الْمَنْفَعَةِ قَوْلَهُ: (فَلَا يَصِحُّ

(3/445)


اسْتِئْجَارُ بَيَّاعٍ عَلَى كَلِمَةٍ لَا تُتْعِبُ وَإِنْ رَوَّجَتْ السِّلْعَةَ، وَكَذَا دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ لِلتَّزْيِينِ، وَكَلْبٌ لِلصَّيْدِ فِي الْأَصَحِّ.

وَكَوْنُ الْمُؤَجِّرِ قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِهَا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
اسْتِئْجَارُ) تُفَّاحَةٍ لِلشَّمِّ؛ لِأَنَّهَا تَافِهَةٌ لَا تُقْصَدُ لَهُ فَهِيَ كَحَبَّةِ بُرٍّ فِي الْبَيْعِ، فَإِنْ كَثُرَ التُّفَّاحُ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّ مِنْهُ مَا هُوَ أَطْيَبُ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الرَّيَاحِينِ، وَلَا اسْتِئْجَارُ (بَيَّاعٍ عَلَى كَلِمَةٍ لَا تُتْعِبُ) قَائِلَهَا (وَإِنْ) كَانَتْ إيجَابًا وَقَبُولًا وَ (رَوَّجَتْ السِّلْعَةَ) ، إذْ لَا قِيمَةَ لَهَا. لَكِنْ لَوْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهَا، وَلَمْ يُتْعَبْ بِتَرَدُّدٍ أَوْ كَلَامٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِلَّا فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. فَإِنْ قِيلَ: ذَلِكَ غَيْرُ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ بِهِ.
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ عَادَةً نَزَلَ مَنْزِلَتَهُ. أَمَّا مَا يَحْصُل فِيهِ التَّعَبُ مِنْ الْكَلِمَاتِ كَمَا فِي بَيْعِ الثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَخْتَلِفُ ثَمَنُهُ بِاخْتِلَافِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَيَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ، وَيَلْحَقُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيُعَلِّمَهُ آيَةً لَا تَعَبَ فِيهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ نَظَرَ} [المدثر: 21] ، كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الصَّدَاقِ، وَكَذَا عَلَى إقَامَةِ الصَّلَاةِ إذْ لَا كُلْفَةَ فِيهَا، بِخِلَافِ الْأَذَانِ فَإِنَّ فِيهِ كُلْفَةَ مُرَاعَاةِ الْوَقْتِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَيْسَتْ صَافِيَةً مِنْ الْإِشْكَالِ، وَتَقْوَى الصِّحَّةُ بِالتَّبَعِيَّةِ لِلْأَذَانِ، وَفِي الْإِحْيَاءِ لَا يَجُوزُ أَخْذُ عِوَضٍ عَلَى كَلِمَةٍ يَقُولُهَا طَبِيبٌ بِدَوَاءٍ يَنْفَرِدُ بِهِ بِمَعْرِفَتِهِ، إذْ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي التَّلَفُّظِ بِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ عَرَفَ الصَّيْقَلُ الْمَاهِرُ إزَالَةَ اعْوِجَاجِ السَّيْفِ وَالْمِرْآةِ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنَّ لَهُ أَخْذَ الْعِوَضِ وَإِنْ كَثُرَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ صِنَاعَاتٌ يَتْعَبُ فِي تَعْلِيمِهَا لِيَكْتَسِبَ بِهَا وَيُخَفِّفَ عَنْ نَفْسِهِ التَّعَبَ، وَأَفْتَى الْقَفَّالُ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارٌ لَهُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْمُخْتَارُ مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ، (وَكَذَا دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ لِلتَّزْيِينِ) لِلْحَوَانِيتِ وَنَحْوِهَا، (وَكَلْبٌ) مُعَلَّمٌ (لِلصَّيْدِ) وَنَحْوِهِ كَحِرَاسَةِ مَاشِيَةٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ دَرْبٍ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ (فِي الْأَصَحِّ) فِي الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ التَّزْيِينِ بِالنَّقْدِ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ فَلَا تُقَابَلُ بِمَالٍ بِخِلَافِ إعَارَتِهَا لِلزِّينَةِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا، وَالْكَلْبُ لَا قِيمَةَ لِعَيْنِهِ فَكَذَا لِمَنْفَعَتِهِ. وَالثَّانِي: يُنَازِعُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَمِثْلُ التَّزْيِينِ فِي ذَلِكَ الضَّرْبُ عَلَى سِكَّتِهَا وَالْوَزْنُ بِهَا، أَمَّا إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالتَّزْيِينِ أَوْ لَمْ يَكُنْ الْكَلْبُ مُعَلَّمًا فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ جَزْمًا، وَخَرَجَ بِالْكَلْبِ الْخِنْزِيرُ، فَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ جَزْمًا، وَالْمُتَوَلَّدُ مِنْهُمَا كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَخَرَجَ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الْحُلِيُّ فَتَجُوزُ إجَارَتُهُ حَتَّى بِمِثْلِهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ شَجَرَةً لِلِاسْتِظْلَالِ بِظِلِّهَا أَوْ الرَّبْطِ بِهَا، أَوْ طَائِرًا لِلْأُنْسِ بِصَوْتِهِ كَالْعَنْدَلِيبِ أَوْ لَوْنِهِ كَالطَّاوُسِ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ الْمَذْكُورَةَ مَقْصُودَةٌ مُتَقَوِّمَةٌ، وَيَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ فِي الْهِرَّةِ لِدَفْعِ الْفَأْرِ، وَالشَّبَكَةِ وَالْفَهْدِ وَالْبَازِي لِلصَّيْدِ؛ لِأَنَّ لِمَنَافِعِهَا قِيمَةً.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الشَّرْطِ الثَّانِي فَقَالَ: (وَ) يُشْتَرَطُ فِي

(3/446)


فَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ آبِقٍ وَمَغْصُوبٍ وَأَعْمَى لِلْحِفْظِ، وَأَرْضٍ لِلزِّرَاعَةِ لَا مَاءَ لَهَا دَائِمٌ، وَلَا يَكْفِيهَا الْمَطَرُ الْمُعْتَادُ، وَيَجُوزُ إنْ كَانَ لَهَا مَاءٌ دَائِمٌ، وَكَذَا إنْ كَفَاهَا الْمَطَرُ الْمُعْتَادُ أَوْ مَاءُ الثُّلُوجِ الْمُجْتَمِعَةِ، وَالْغَالِبُ حُصُولُهَا فِي الْأَصَحِّ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
الْمَنْفَعَةِ أَيْضًا (كَوْنُ الْمُؤَجِّرِ قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِهَا) حِسًّا أَوْ شَرْعًا لِيَتَمَكَّنَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْهَا، وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ تَشْمَلُ مِلْكَ الْأَصْلِ وَمِلْكَ الْمَنْفَعَةِ فَيَدْخُلُ الْمُسْتَأْجِرُ، فَلَهُ إيجَارُ مَا اسْتَأْجَرَهُ، وَكَذَا لِلْمُقْطَعِ أَيْضًا إجَارَةُ مَا أَقْطَعَهُ لَهُ الْإِمَامُ كَمَا فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ، قَالَ: لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِمَنْفَعَتِهِ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ الْفَزَارِيّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ عَصْرِهِ فَأَفْتَوْا بِالْبُطْلَانِ، فَإِنَّ الْمُقْطَعَ لَمْ يَمْلِكْ الْمَنْفَعَةَ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا كَالْمُسْتَعِيرِ، وَالْأَوْلَى كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْإِمَامُ فِي الْإِيجَارِ أَوْ يَجْرِيَ عُرْفٌ عَامٌّ كَدِيَارِ مِصْرَ فَيَصِحُّ وَإِلَّا فَيُمْتَنَعُ، وَعَلَى اشْتِرَاطِ الْقُدْرَةِ (فَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ آبِقٍ وَمَغْصُوبٍ) لِغَيْرِ مَنْ هُمَا فِي يَدِهِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى انْتِزَاعِ الْمَغْصُوبِ عَقِبَ الْعَقْدِ. أَمَّا الْغَاصِبُ أَوْ الْقَادِرُ عَلَى انْتِزَاعِ الْمَغْصُوبِ عَقِبَ الْعَقْدِ أَوْ مَنْ وَقَعَ الْآبِقُ فِي يَدِهِ فَيَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ مِنْهُ.
تَنْبِيهٌ يُؤْخَذُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَنْفَعَةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ الْعَبْدِ الْمَنْذُورِ عِتْقُهُ أَوْ الْمَشْرُوطِ عِتْقُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ، (وَ) لَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ (أَعْمَى) إجَارَةَ عَيْنٍ (لِلْحِفْظِ) فِيمَا يَحْتَاجُ لِلنَّظَرِ وَلَا أَخْرَسَ لِلتَّعْلِيمِ. أَمَّا لَوْ اسْتَأْجَرَ وَاحِدًا مِنْهُمَا لِحِفْظِ شَيْءٍ بِيَدِهِ أَوْ جُلُوسِهِ خَلْفَ بَابٍ لِلْحِرَاسَةِ لَيْلًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ. وَخَرَجَ بِإِجَارَةِ الْعَيْنِ إجَارَةُ الذِّمَّةِ فَيَصِحُّ مِنْهُمَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهَا سَلَمٌ، وَعَلَى الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ تَحْصِيلُ الْمُسَلَّمِ فِيهِ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ، وَلَا اسْتِئْجَارُ غَيْرِ الْقَارِئِ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ، وَلَوْ اتَّسَعَتْ الْمُدَّةُ لِيُعَلِّمَهُ قَبْلَ تَعْلِيمِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مُسْتَحَقَّةٌ مِنْ عَيْنِهِ وَالْعَيْنُ لَا تَقْبَلُ التَّأْجِيلَ بِخِلَافِهَا فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهَا سَلَمٌ فِي الْمَنَافِعِ كَمَا مَرَّ، (وَ) لَا اسْتِئْجَارُ (أَرْضٍ لِلزِّرَاعَةِ لَا مَاءَ لَهَا دَائِمٌ) أَيْ مُسْتَمِرٌّ (وَلَا يَكْفِيهَا الْمَطَرُ الْمُعْتَادُ) وَلَا مَا فِي مَعْنَاهُ كَثَلْجٍ وَنَدَاوَةٍ، وَلَا تُسْقَى بِمَاءٍ غَالِبِ الْحُصُولِ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَمُجَرَّدُ الْإِمْكَانِ لَا يَكْفِي كَإِمْكَانِ عَوْدِ الْآبِقِ وَالْمَغْصُوبِ. نَعَمْ لَوْ قَالَ الْمُكْرَى: أَنَا أَحْفِرُ لَك بِئْرًا وَأَسْقِي أَرْضَك مِنْهَا، أَوْ أَسُوقُ الْمَاءَ إلَيْهَا مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ. أَمَّا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلسُّكْنَى فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَإِنْ كَانَتْ بِمَحَلٍّ لَا يَصْلُحُ لَهَا كَالْمَفَازَةِ، (وَيَجُوزُ) اسْتِئْجَارُهَا لِلزِّرَاعَةِ (إنْ كَانَ لَهَا مَاءٌ دَائِمٌ) مِنْ عَيْنٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ نَهْرٍ وَلَوْ صَغِيرًا، (وَكَذَا) يَجُوزُ (إنْ كَفَاهَا الْمَطَرُ الْمُعْتَادُ أَوْ مَاءُ الثُّلُوجِ الْمُجْتَمِعَةِ) فِي نَحْوِ جَبَلٍ، (وَالْغَالِبُ حُصُولُهَا فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ حُصُولُ الْغَالِبِ.

(3/447)


وَالِامْتِنَاعُ الشَّرْعِيُّ كَالْحِسِّيِّ.

فَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارٌ لِقَلْعِ سِنٍّ صَحِيحَةٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الْوُثُوقِ بِحُصُولِ مَا ذُكِرَ، وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ أَرَاضِي مِصْرٍ لِلزِّرَاعَةِ بَعْدَ رَيِّهَا بِالزِّيَادَةِ، وَكَذَا قَبْلَهُ عَلَى الْأَصَحِّ إنْ كَانَتْ تُرْوَى مِنْ الزِّيَادَةِ الْغَالِبَةِ كَخَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا فَمَا دُونَهَا كَمَا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ: وَمَا يُرْوَى مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ كَالْمَوْثُوقِ بِهِ عَادَةً، وَمَا يُرْوَى مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ وَسَبْعَةَ عَشَرَ غَالِبُ الْحُصُولِ، وَإِنْ كَانَ الِاحْتِمَالُ مُتَطَرِّقًا إلَى السِّتَّةَ عَشَرَ قَلِيلًا وَإِلَى السَّبْعَةَ عَشَرَ كَثِيرًا. اهـ.
بَلْ الْغَالِبُ فِي زَمَانِنَا وُصُولُ الزِّيَادَةِ إلَى السَّبْعَةَ عَشَرَ وَالثَّمَانِيَةَ عَشَرَ، وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ قَبْلَ انْحِسَارِ الْمَاءِ عَنْهَا وَإِنْ سَتَرَهَا عَنْ الرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مِنْ مَصْلَحَتِهَا كَاسْتِتَارِ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ بِالْقِشْرِ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي عَدَمُ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ عَقِبَ الْعَقْدِ شَرْطٌ وَالْمَاءُ يَمْنَعْهُ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَاءَ مِنْ مَصَالِحِ الزَّرْعِ وَبِأَنَّ صَرْفَهُ مُمْكِنٌ فِي الْحَالِ بِفَتْحِ مَوْضِعٍ يَنْصَبُّ إلَيْهِ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ الزَّرْعِ حَالًا، كَاسْتِئْجَارِ دَارٍ مَشْحُونَةٍ بِأَمْتِعَةٍ يُمْكِنُ نَقْلُهَا فِي زَمَنٍ لَا أُجْرَةَ لَهُ، هَذَا إنْ وُثِقَ بِانْحِسَارِهِ وَقْتَ الزِّرَاعَةِ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ، وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ عَلَى شَطِّ نَهْرٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُغْرِقُهَا وَتَنْهَارُ فِي الْمَاءِ لَمْ يَصِحَّ اسْتِئْجَارُهَا لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهَا، وَإِنْ احْتَمَلَهُ وَلَمْ يَظْهَرْ جَازَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَالْغَالِبَ السَّلَامَةُ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ وَأَطْلَقَ دَخَلَ فِيهَا شِرْبُهَا إنْ اُعْتِيدَ دُخُولُهُ بِعُرْفٍ مُطَّرِدٍ، وَهُوَ بِكَسْرِ الشِّينِ: النَّصِيبُ مِنْ الْمَاءِ. بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَهَا لَا يَدْخُلُ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ هُنَا لَا تَحْصُلُ بِدُونِهِ أَوْ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ، فَإِنْ اضْطَرَبَ الْعُرْفُ فِيهِ أَوْ اسْتَثْنَى الشِّرْبَ وَلَمْ يُوجَدْ شِرْبٌ غَيْرُهُ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ لِلِاضْطِرَابِ فِي الْأَوَّلِ، وَكَمَا لَوْ اسْتَثْنَى، مَمَرَّ الدَّارِ فِي بَيْعِهَا فِي الثَّانِي، فَإِنْ وُجِدَ شِرْبُ غَيْرِهِ صَحَّ لِزَوَالِ الْمَانِعِ بِالِاغْتِنَاءِ عَنْ شِرْبِهَا، (وَالِامْتِنَاعُ الشَّرْعِيُّ) لِتَسْلِيمِ الْمَنْفَعَةِ (كَالْحِسِّيِّ) فِي حُكْمِهِ.
تَنْبِيهٌ اُسْتُثْنِيَ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَسَائِلُ: مِنْهَا مَا لَوْ رَأَى الْمُتَيَمِّمُ مَاءً فِي صَلَاتِهِ الَّتِي تُسْقِطُ الْقَضَاءَ، ثُمَّ تَلِفَ امْتَنَعَ عَلَيْهِ التَّنَفُّلُ بَعْدَ السَّلَامِ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ مَعَ أَنَّهُ رَآهُ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ شَرْعًا لِأَجْلِ الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَجْعَلُوهُ كَمَا لَوْ رَآهُ وَثَمَّ مَانِعٌ مِنْهُ حِسِّيٌّ كَسَبُعٍ وَعَدُوٍّ. وَمِنْهَا مَا ذَكَرُوهُ فِي الْإِيلَاءِ أَنَّ الْمَانِعَ إذَا قَامَ بِالْمَرْأَةِ إنْ كَانَ حِسِّيًّا مَنَعَ مِنْ ضَرْبِ الْمُدَّةِ، أَوْ شَرْعِيًّا فَلَا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ. وَمِنْهَا الْإِقَالَةُ فَإِنَّهَا تَجُوزُ بَعْدَ تَلَفِ الْمَبِيعِ وَلَا تَجُوزُ بَعْدَ بَيْعِ الْمَبِيعِ أَوْ إجَارَتِهِ. وَمِنْهَا مَا لَوْ فَقَدَ إحْدَى رِجْلَيْهِ وَلَبِسَ الْخُفَّ عَلَى الْأُخْرَى؛ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَمْسَحَهُ، وَلَوْ كَانَتْ عَلِيلَةً بِحَيْثُ لَا تُغْسَلُ لَمْ يَمْسَحْ خُفَّ الْأُخْرَى عَلَى الصَّحِيحِ.

ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ قَوْلَهُ: (فَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارٌ لِقَلْعِ سِنٍّ صَحِيحَةٍ) لِحُرْمَةِ قَلْعِهَا، وَفِي

(3/448)


وَلَا حَائِضٍ لِخِدْمَةِ مَسْجِدٍ، وَكَذَا مَنْكُوحَةٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
مَعْنَاهَا كُلُّ عُضْوٍ سَلِيمٍ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ فِي غَيْرِ قِصَاصٍ. أَمَّا الْعَلِيلَةُ فَيَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ لِقَلْعِهَا إنْ صَعُبَ الْأَلَمُ، وَقَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ: إنَّ قَلْعَهَا يُزِيلُ الْأَلَمَ. وَأَمَّا الْمُسْتَحِقُّ قَلْعَهَا فِي قِصَاصٍ فَيَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ لَهُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ فِي الْقِصَاصِ وَاسْتِيفَاءِ الْحُدُودِ جَائِزٌ، وَفِي الْبَيَانِ أَنَّ الْأُجْرَةَ عَلَى الْمُقْتَصِّ مِنْهُ إذَا لَمْ يَنْصِبْ الْإِمَامُ جَلَّادًا يُقِيمُ الْحُدُودَ وَيَرْزُقُهُ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ، وَلَوْ كَانَ السِّنُّ صَحِيحًا وَلَكِنْ انْصَبَّ تَحْتَهُ مَادَّةٌ مِنْ نَزْلَةٍ وَنَحْوِهَا، وَقَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ: لَا تَزُولُ الْمَادَّةُ إلَّا بِقَلْعِهَا فَالْأَشْبَهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ جَوَازُ الْقَلْعِ لِلضَّرُورَةِ، وَالْيَدُ الْمُتَأَكِّلَةُ كَالسِّنِّ الْوَجِعَةِ، وَكَذَا الْفَصْدُ وَالْحِجَامَةُ. فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ اسْتِئْجَارِ الْبَيَّاعِ عَلَى كَلِمَةٍ لَا تُتْعِبُ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْفَصْدَ وَنَحْوَهُ جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِقَلْعِ سِنٍّ وَجِعَةٍ فَبَرِئَتْ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ لِتَعَذُّرِ الْقَلْعِ. فَإِنْ لَمْ تَبْرَأْ وَمَنَعَهُ مِنْ قَلْعِهَا لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ، وَيَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ وَمُضِيِّ مُدَّةِ إمْكَانِ الْعَمَلِ، لَكِنَّهَا تَكُونُ غَيْرَ مُسْتَقِرَّةٍ، حَتَّى لَوْ سَقَطَتْ رَدَّ الْأُجْرَةَ كَمَنْ مَكَّنَتْ الزَّوْجَ فَلَمْ يَطَأْهَا ثُمَّ فَارَقَ، وَيُفَارِقُ ذَلِكَ مَا لَوْ حَبَسَ الدَّابَّةَ مُدَّةَ إمْكَانِ السَّيْرِ حَيْثُ تَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ لِتَلَفِ الْمَنَافِعِ تَحْتَ يَدِهِ.

تَنْبِيهٌ: كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا فَأَجَرَتْ نَفْسَهَا لِعَمَلٍ تَعْمَلُهُ تَظُنُّ فَرَاغَهَا مِنْهُ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ التَّمَتُّعِ بِهَا (وَ) لَا اسْتِئْجَارُ مُسْلِمَةٍ (حَائِضٍ) أَوْ نُفَسَاءَ أَوْ مُسْتَحَاضَةٍ إجَارَةِ عَيْنٍ (لِخِدْمَةِ مَسْجِدٍ) ، وَإِنْ أَمِنَتْ التَّلْوِيثَ، وَجَوَّزْنَا الْعُبُورَ لِاقْتِضَاءِ الْخِدْمَةِ الْمُكْثَ أَوْ التَّرَدُّدَ، وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْهُ. أَمَّا الْكَافِرَةُ إذَا أَمِنَتْ التَّلْوِيثَ فَالْأَشْبَهُ الصِّحَّةُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ تَمْكِينِ الْكَافِرِ الْجُنُبِ مِنْ الْمُكْثِ بِالْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَعْتَقِدُ حُرْمَتَهُ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ عَيْنَ امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ لِكَنْسِ مَسْجِدٍ فَحَاضَتْ أَوْ نَفِسَتْ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ، فَلَوْ دَخَلَتْ وَكَنَسَتْ عَصَتْ وَلَمْ تَسْتَحِقَّ أُجْرَةً، وَفِي مَعْنَى خِدْمَةِ الْمَسْجِدِ تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ، وَفِي مَعْنَى الْحَائِضِ الْمُسْتَحَاضَةُ وَمَنْ بِهِ جِرَاحَةٌ نَضَّاحَةٌ إذَا لَمْ يَأْمَنْ التَّلْوِيثَ. وَأَمَّا إجَارَةُ مَنْ ذُكِرَ فِي الذِّمَّةِ فَتَصِحُّ، وَلَا اسْتِئْجَارٌ لِتَعْلِيمِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالسِّحْرِ وَالْفُحْشِ وَالنُّجُومِ وَالرَّمْلِ، وَلَا لِخِتَانِ الصَّغِيرِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ، وَلَا لِخِتَانِ الْكَبِيرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَلَا لِتَثْقِيبِ الْأُذُنِ وَلَوْ لِأُنْثَى وَلَا لِلزَّمْرِ وَالنِّيَاحَةِ وَحَمْلِ الْخَمْرِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمَةِ لَا لِلْإِرَاقَةِ، وَلَا لِتَصْوِيرِ الْحَيَوَانَاتِ وَسَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَجَعَلَ فِي التَّنْبِيهِ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ الْغِنَاءَ، وَفِيهِ كَلَامٌ ذَكَرْته فِي شَرْحِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَبَيْعِ الْمَيْتَةِ. أَمَّا الِاسْتِئْجَارُ عَلَى حَمْلِ الْخَمْرِ لِلْإِرَاقَةِ أَوْ حَمْلِ الْمُحْتَرَمَةِ فَجَائِزٌ كَنَقْلِ الْمَيْتَةِ إلَى الْمَزْبَلَةِ، وَكَمَا يَحْرُمُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْمُحَرَّمِ يَحْرُمُ إعْطَاؤُهَا إلَّا لِضَرُورَةٍ كَفَكِّ الْأَسِيرِ، وَإِعْطَاءِ الشَّاعِرِ لِئَلَّا يَهْجُوَهُ، وَالظَّالِمِ لِيَدْفَعَ ظُلْمَهُ، وَالْحَاكِمِ لِيَحْكُمَ بِالْحَقِّ، فَلَا يَحْرُمُ الْإِعْطَاءُ عَلَيْهَا، (وَكَذَا) حُرَّةٌ (مَنْكُوحَةٌ) لِغَيْرِ

(3/449)


لِرَضَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ فِي الْأَصَحِّ.

وَيَجُوزُ تَأْجِيلُ الْمَنْفَعَةِ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ كَأَلْزَمْتُ ذِمَّتَك الْحَمْلَ إلَى مَكَّةَ أَوَّلَ شَهْرِ كَذَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
الْمُسْتَأْجِرِ تَمْلِكُ مَنَافِعَ نَفْسِهَا، وَلَا تَجُوزُ إجَارَتُهَا إجَارَةَ عَيْنٍ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ (لِرَضَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ) مِمَّا لَا يُؤَدِّي لِخَلْوَةٍ مُحَرَّمَةٍ (بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ أَوْقَاتَهَا مُسْتَغْرِقَةٌ بِحَقِّهِ. وَالثَّانِي: يَجُوزُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ غَيْرُ مَحَلِّ النِّكَاحِ، إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِي لَبَنِهَا وَخِدْمَتِهَا؛ لَكِنْ لَهُ فَسْخُهَا حِفْظًا لِحَقِّهِ.
تَنْبِيهٌ اسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا غَيْبَةً بَعِيدَةً، أَوْ كَانَ طِفْلًا فَأَجَرَتْ نَفْسَهَا لِعَمَلٍ تَعْمَلُهُ فِي مَنْزِلِهِ بِحَيْثُ تَظُنُّ فَرَاغَهَا مِنْهُ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ التَّمَتُّعِ بِهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَقَوْلُ الْغَزِّيِّ: إنَّ هَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهَا مُسْتَحَقَّةٌ لِلزَّوْجِ بِعَقْدِ النِّكَاحِ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْمَنَافِعَ، وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّ أَنْ يَنْتَفِعَ، وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ. وَخَرَجَ بِالْحُرَّةِ الْأَمَةُ فَإِنَّ لِسَيِّدِهَا أَنْ يُؤَجِّرَهَا نَهَارًا بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا؛ لِأَنَّ لَهُ الِانْتِفَاعَ بِهَا. نَعَمْ الْمُكَاتَبَةُ كَالْحُرَّةِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ إذْ لَا سَلْطَنَةَ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهَا، وَالْعَتِيقَةُ الْمُوصَى بِمَنَافِعِهَا أَبَدًا لَا يُعْتَبَرُ إذْنُ الزَّوْجِ فِي إيجَارِهَا كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَبِغَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ الْمَنْكُوحَةُ لَهُ، فَيَجُوزُ لَهُ اسْتِئْجَارُهَا وَلَوْ لِوَلَدِهِ مِنْهَا، وَبِتَمَلُّكِ مَنَافِعِهَا أَمَّا لَوْ كَانَتْ مُسْتَأْجَرَةَ الْعَيْنِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ تُؤَجِّرَ نَفْسَهَا قَطْعًا. فَإِنْ قِيلَ قَدْ عَمَّتْ الْبَلْوَى بِاسْتِئْجَارِ الْعَكَّامِينَ لِلْحَجِّ، وَقَدْ أَفْتَى السُّبْكِيُّ بِمَنْعِهِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ وَقَعَتْ عَلَى أَعْيُنِهِمْ لِلْعَكْمِ فَكَيْفَ يُسْتَأْجَرُونَ بَعْدَ ذَلِكَ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مُزَاحَمَةَ بَيْنَ أَعْمَالِ الْحَجِّ وَالْعَكْمِ إذْ يُمْكِنُهُ فِعْلُهَا فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الْعَكْمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَغْرِقُ الْأَزْمِنَةَ. وَبِإِجَارَتِهَا إجَارَةَ عَيْنٍ مَا لَوْ الْتَزَمَتْ عَمَلًا فِي ذِمَّتِهَا، فَإِنَّ الْعَقْدَ يَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ الزَّوْجُ، وَبِغَيْرِ إذْنِهِ مَا لَوْ أَذِنَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ قَطْعًا؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ كَانَ لِحَقِّهِ، وَلَيْسَ لِمُسْتَأْجِرِهَا مَنْعُ الزَّوْجِ مِنْ وَطْئِهَا فِي أَوْقَاتِ فَرَاغِهَا خَوْفَ الْحَبَلِ وَانْقِطَاعِ اللَّبَنِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ. فَإِنْ قِيلَ: قِيَاسُ مَنْعِ الرَّاهِنِ مِنْ وَطْءِ الْأَمَةِ الْمَرْهُونَةِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ مَنْعُ الزَّوْجِ مِنْ وَطْءِ الزَّوْجَةِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا قَالَ بِهِ الرُّويَانِيُّ، وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ الْأَصْحَابِ. .
أُجِيبَ بِأَنَّ الرَّاهِنَ يَمْلِكُ مَنَافِعَ الْأَمَةِ، وَقَدْ حَجَرَ عَلَى نَفْسِهِ بِالرَّهْنِ، وَلَا كَذَلِكَ الزَّوْجُ.

(وَيَجُوزُ تَأْجِيلُ الْمَنْفَعَةِ) إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ (فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ) ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَقْبَلُ التَّأْجِيلَ، كَمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ. فَإِنْ أَطْلَقَ كَانَ حَالًّا. وَقَوْلُهُ: (كَأَلْزَمْتُ ذِمَّتَك الْحَمْلَ) لِكَذَا (إلَى مَكَّةَ) مَثَلًا (أَوَّلَ شَهْرِ كَذَا) تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَأْجِيلٌ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي

(3/450)


وَلَا يَجُوزُ إجَارَةُ عَيْنٍ لِمَنْفَعَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ، فَلَوْ أَجَّرَ السَّنَةَ الثَّانِيَةَ لِمُسْتَأْجِرِ الْأُولَى قَبْلَ انْقِضَائِهَا جَازَ فِي الْأَصَحِّ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
الْبُوَيْطِيِّ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي السَّلَمِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَوَّلَ شَهْرِ رَمَضَانَ بَطَلَ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَى جَمِيعِ النِّصْفِ الْأَوَّلِ. فَلَوْ مَثَّلَ كَالشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ بِغُرَّةِ شَهْرِ كَذَا لَكَانَ أَوْلَى. وَيُمْكِنُ أَنْ يُرِيدَ بِالْأَوَّلِ الْمُسْتَهِلَّ فَيَكُونُ مُسَاوِيًا لِلتَّمْثِيلِ بِالْغُرَّةِ.

(وَلَا يَجُوزُ) ؛ وَلَا يَصِحُّ (إجَارَةِ عَيْنٍ لِمَنْفَعَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ) ، كَإِجَارَةِ الدَّارِ السَّنَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ أَوْ سَنَةً أَوَّلُهَا مِنْ الْغَدِ. وَاحْتُرِزَ بِالْعَيْنِ عَنْ إجَارَةِ الذِّمَّةِ كَمَا مَرَّ.
فَإِنْ قِيلَ: يَرُدُّ عَلَى الْكِتَابِ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِعَمَلٍ لَا يُعْمَلُ إلَّا بِالنَّهَارِ وَعَقَدَ الْإِجَارَةَ لَيْلًا وَأُطْلَقَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ الْحَالُ يَقْتَضِي تَأْخِيرَ الْعَمَلِ، كَمَا لَوْ أَجَّرَ أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ فِي وَقْتٍ لَا يُتَصَوَّرُ الْمُبَادَرَةُ فِيهِ إلَى زِرَاعَتِهَا.
أُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ لِمَنْفَعَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي لَفْظِ الْعَقْدِ، ثُمَّ اسْتَثْنَى الْمُصَنِّفُ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَا يَجُوزُ إلَخْ مَسْأَلَتَيْنِ: أَشَارَ إلَى الْأُولَى بِقَوْلِهِ: (فَلَوْ أَجَّرَ) الْمَالِكُ (السَّنَةَ الثَّانِيَةَ لِمُسْتَأْجِرِ الْأُولَى قَبْلَ انْقِضَائِهَا جَازَ) ذَلِكَ (فِي الْأَصَحِّ) لِاتِّصَالِ الْمُدَّتَيْنِ مَعَ اتِّحَادِ الْمُسْتَأْجِرِ، كَمَا لَوْ أَجَّرَ مِنْهُ السَّنَتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ قِيلَ: إنَّ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ قَدْ يَنْفَسِخُ فَلَا يَتَحَقَّقُ الِاتِّصَالُ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّرْطَ ظُهُورُهُ فَلَا يَقْدَحُ عُرُوضُ الِانْفِسَاخِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ أَجَّرَهَا لِغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ جَمْعٌ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ قَبْلَ انْقِضَائِهَا عَمَّا لَوْ قَالَ: أَجَّرْتُكَهَا سَنَةً، فَإِذَا انْقَضَتْ فَقَدْ أَجَّرْتُكَهَا سَنَةً أُخْرَى، فَإِنَّ الْعَقْدَ الثَّانِيَ لَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ عَلَّقَ بِمَجِيءِ الشَّهْرِ.
تَنْبِيهٌ لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: لِمُسْتَحِقِّ مَنْفَعَةِ السَّنَةِ الْأُولَى لَكَانَ أَوْلَى لِشُمُولِهِ صُورَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ
إحْدَاهُمَا الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ مُدَّةً يَجُوزُ لِلْوَارِثِ أَنْ يُؤَجِّرَهُ مُدَّةً ثَانِيَةً قَبْلَ فَرَاغِ الْمُدَّةِ الْمُوصَى لَهُ بِهَا.
الثَّانِيَةُ الْمُعْتَدَّةُ بِالْأَشْهُرِ الْمُسْتَحِقَّةِ لِلسُّكْنَى بِدَارٍ تَصِحُّ إجَارَتُهَا لَهَا قَبْلَ فَرَاغِ الْعِدَّةِ مُدَّةً مُسْتَقْبَلَةً، وَإِنْ اُسْتُؤْجِرَتْ الدَّارُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُؤَجِّرَهَا السَّنَةَ الْأُخْرَى مِنْ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ الْآنَ لِلْمَنْفَعَةِ، لَا مِنْ الْأَوَّلِ كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ لِلْمَنْفَعَةِ، خِلَافًا لِمَا أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ مِنْ تَرْجِيحِ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ مِنْ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، وَيَجُوزُ لِمُشْتَرِي الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ أَنْ يُؤَجِّرَهَا مِنْ الْمُسْتَأْجِرَةِ مِنْ الْبَائِعِ السَّنَةَ الثَّانِيَةَ قَبْلَ فَرَاغِ الْأُولَى لِاتِّحَادِ الْمُسْتَأْجِرِ، خِلَافًا لِابْنِ الْمُقْرِي، وَكَذَا لَوْ أَجَّرَ الْوَارِثُ مَا أَجَّرَهُ مُوَرِّثُهُ لِلْمُسْتَأْجِرِ مِنْهُ لِمَا مَرَّ. هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَحْصُلْ فَصْلٌ بَيْنَ السَّنَتَيْنِ، وَإِلَّا فَلَا تَصِحُّ الثَّانِيَةُ قَطْعًا، وَشَمِلَ كَلَامُهُمْ الْمُطْلَقَ وَالْوَقْفَ إلَّا إنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ

(3/451)


وَيَجُوزُ كِرَاءُ الْعُقَبِ فِي الْأَصَحِّ، وَهُوَ أَنْ يُؤَجِّرَ دَابَّةً رَجُلًا لِيَرْكَبَهَا بَعْضَ الطَّرِيقِ أَوْ رَجُلَيْنِ لِيَرْكَبَ هَذَا أَيَّامًا، وَذَا أَيَّامًا وَيُبَيِّنُ الْبَعْضَيْنِ، ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
أَنْ لَا يُؤَجِّرَ الْوَقْفَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ فَأَجَّرَهُ النَّاظِرُ سَنَةً فِي عَقْدٍ، ثُمَّ سَنَةً فِي عَقْدٍ آخَرَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، فَإِنَّ الْعَقْدَ الثَّانِيَ لَا يَصِحُّ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَإِنْ بَحَثَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ الصِّحَّةَ، وَلَوْ أَجَّرَ عَيْنًا فَأَجَّرَهَا الْمُسْتَأْجِرُ لِغَيْرِهِ ثُمَّ تَقَايَلَ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ الْأَوَّلُ - صَحَّتْ الْإِقَالَةُ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ، وَلَمْ تَنْفَسِخْ الثَّانِيَةُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَيُخَالِفُ نَظِيرَهُ فِي الْبَيْعِ بِانْقِطَاعِ عُلْقَتِهِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ، وَلَوْ أَجَرَهُ حَانُوتًا أَوْ نَحْوَهُ، مِمَّا يَسْتَمِرُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ عَادَةً أَيَّامَ شَهْرٍ لَا لَيَالِيِهِ أَوْ عَكَسَهُ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ زَمَانَ الِانْتِفَاعِ لَمْ يَتَّصِلْ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّهُمَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِلْإِجَارَةِ يُرَفَّهَانِ فِي اللَّيْلِ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى الْعَادَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُطِيقَانِ الْعَمَلَ دَائِمًا، ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ بِمَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ كِرَاءُ الْعُقَبِ فِي الْأَصَحِّ) الْمَنْصُوصِ جَمْعُ عُقْبَةٍ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَهِيَ النَّوْبَةُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَعْقُبُ صَاحِبَهُ وَيَرْكَبُ مَوْضِعَهُ (وَهُوَ) أَيْ كِرَاءُ الْعُقَبِ فِي (أَنْ يُؤَجِّرَ دَابَّةً رَجُلًا) مَثَلًا (لِيَرْكَبَهَا بَعْضَ الطَّرِيقِ) يَعْنِي كَنِصْفِهِ أَوْ رُبْعِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَالْمُؤَجِّرُ الْبَعْضَ الْآخَرَ تَنَاوُبًا مَعَ عَدَمِ شَرْطِ الْبُدَاءَةِ بِالْمُؤَجِّرِ، سَوَاءٌ أَشَرَطَاهَا لِلْمُسْتَأْجِرِ أَمْ أَطْلَقَا أَوْ قَالَا لِيَرْكَبْ أَحَدُنَا، وَسَوَاءٌ وَرَدَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى الْعَيْنِ أَمْ الذِّمَّةِ لِثُبُوتِ الِاسْتِحْقَاقِ حَالًا، وَالتَّأْخِيرُ الْوَاقِعُ مِنْ ضَرُورَةِ الْقِسْمَةِ. أَمَّا إذَا اشْتَرَطَا أَنْ يَرْكَبَهَا الْمُؤَجِّرُ أَوَّلًا فَإِنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ لِتَأْخِيرِ حَقِّ الْمُكْتَرِي وَتَعَلُّقِ الْإِجَارَةِ بِالْمُسْتَقْبَلِ، (أَوْ) يُؤَجِّرَهَا (رَجُلَيْنِ) مَثَلًا (لِيَرْكَبَ هَذَا أَيَّامًا) مَعْلُومَةً (وَذَا أَيَّامًا) كَذَلِكَ تَنَاوُبًا، (وَيُبَيِّنُ الْبَعْضَيْنِ) فِي الصُّورَتَيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَادَةٌ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ عَادَةً مَضْبُوطَةً بِزَمَانٍ أَوْ مَسَافَةٍ اُتُّبِعَتْ، (ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ) أَيْ الْمُكْرِي وَالْمُكْتَرِي فِي الْأُولَى، وَالْمُكْتَرِيَانِ فِي الثَّانِيَةِ: الرُّكُوبَ بِالتَّرَاضِي عَلَى الْوَجْهِ الْمُبَيَّنِ أَوْ الْمُعْتَادِ، فَإِنْ تَنَازَعَا فِي الِابْتِدَاءِ أُقْرِعَ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ أَوْجُهٌ أَصَحُّهَا الْمَنْعُ فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّهَا إجَارَةُ أَزْمَانٍ مُنْقَطِعَةٌ.
وَالثَّانِي: تَصِحُّ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ لِاتِّصَالِ زَمَنِ الْإِجَارَةِ فِيهَا دُونَ الْأُولَى. وَالثَّالِثُ: تَصِحُّ فِيهِمَا إنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ، وَلَا تَصِحُّ إنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً.
وَاعْلَمْ أَنَّ قَضِيَّةَ قَوْلِهِ: أَيَّامًا بِصِيغَةِ الْجَمْعِ جَوَازُ كَوْنِ النَّوْبَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ، وَهَذَا قَدْ يُخَالِفُهُ قَوْلُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا: لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا طَلَبُ الرُّكُوبِ ثَلَاثًا وَالْمَشْيَ ثَلَاثًا لِلْمَشَقَّةِ، قَالَ السُّبْكِيُّ: وَالْحَقُّ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُشَارِطَا عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْبَهِيمَةِ، وَكَلَامُ الرَّوْضَةِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْأَمْرِ عَلَى يَوْمٍ وَنَحْوِهِ لَيْسَ لَهُ طَلَبُ ثَلَاثٍ. قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: كَلَامُ الرَّوْضَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ

(3/452)


فَصْلٌ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مَعْلُومَةً،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
الْعَادَةُ يَوْمًا. اهـ. فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَحْصُلْ ضَرَرٌ لِلْمَاشِي وَلَا لِلدَّابَّةِ جَازَ كَمَا نَقَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ فِي الْبَيَانِ وَبَحَثَهُ بَعْضُهُمْ فِي الْأُولَى، وَالزَّمَانُ الْمَحْسُوسُ فِي الْمُبَادَرَةِ زَمَنُ السَّيْرِ دُونَ النُّزُولِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، حَتَّى لَوْ نَزَلَ أَحَدُهُمَا لِلِاسْتِرَاحَةِ أَوْ لِعَلَفِ الدَّابَّةِ لَمْ يُحْسَبْ زَمَنُ النُّزُولِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الزَّمَانِ غَيْرُ مَقْصُودٍ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ قَطْعُ الْمَسَافَةِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ اثْنَانِ دَابَّةً لَا تَحْمِلُهُمَا حُمِلَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى التَّعَاقُبِ، وَإِنْ كَانَتْ تَحْمِلُهُمَا رَكِبَاهَا جَمِيعًا، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا بَعْضَ الطَّرِيقِ مُتَوَالِيًا صَحَّ قَطْعًا، أَوْ أَطْلَقَ، أَوْ اسْتَأْجَرَ نِصْفَهَا إلَى مَوْضِعِ كَذَا صَحَّتْ الْإِجَارَةُ مُشَاعَةً كَبَيْعِ الْمُشَاعِ، وَيَقْتَسِمَانِ بِالزَّمَانِ أَوْ الْمَسَافَةِ، فَإِنْ تَنَازَعَا فِي الْبُدَاءَةِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا كَمَا مَرَّ.
تَنْبِيهٌ يُضَافُ إلَى مَا اسْتَثْنَاهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ مَسَائِلُ: الْأُولَى مَا لَوْ أَجَّرَ الشَّخْصُ نَفْسَهُ لِيَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ إجَارَةِ عَيْنٍ قَبْلَ وَقْتِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ يَصِحُّ إنْ لَمْ يَتَأَتَّ تَأْدِيَتُهُ مِنْ بَلَدِ الْعَقْدِ إلَّا بِالسَّيْرِ قَبْلَهُ، وَكَانَ بِحَيْثُ يَتَهَيَّأُ لِلْخُرُوجِ عَقِبَهُ.
الثَّانِيَةُ أَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ دَارٍ مَثَلًا بِبَلَدٍ آخَرَ، وَإِنْ كَانَ التَّسْلِيمُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِقَطْعِ الْمَسَافَةِ.
الثَّالِثَةُ أَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ دَارٍ مَشْحُونَةٍ بِأَمْتِعَةٍ يُمْكِنُ نَقْلُهَا فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ لَا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ الرَّابِعَةُ مَا سَبَقَ مِنْ صِحَّةِ اسْتِئْجَارِ أَرْضٍ لِلزِّرَاعَةِ، وَعَلَيْهَا الْمَاءُ قَبْلَ انْحِسَارِهِ.

فَرْعٌ اسْتِئْجَارُ مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ فِي الْحَالِ كَجَحْشٍ صَغِيرٍ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ مَوْضُوعَةٌ عَلَى تَعْجِيلِ الْمَنَافِعِ، بِخِلَافِ الْمُسَاقَاةِ عَلَى مَا لَا يُثْمِرُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَيُثْمِرُ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الثِّمَارِ يُحْتَمَلُ فِي كُلِّ مُسَاقَاةٍ.

[فَصْلٌ يُشْتَرَطُ فِي كَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مَعْلُومَةً]
ثُمَّ شَرَعَ فِي الشَّرْطِ الثَّالِثِ مُتَرْجِمًا لَهُ بِفَصْلٍ، فَقَالَ:
فَصْلٌ يُشْتَرَطُ فِي إجَارَةِ عَيْنٍ أَوْ ذِمَّةٍ فِيمَا لَهُ مَنَافِعُ كَدَارٍ (كَوْنُ الْمَنْفَعَةِ) فِي كُلٍّ مِنْهُمَا (مَعْلُومَةً) عَيْنًا وَصِفَةً وَقَدْرًا، وَلَمْ يَقُلْ: وَكَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مَعْلُومَةً كَمَا قَالَ سَابِقًا، وَكَوْنُ الْمُؤَجِّرِ قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِهَا لِكَثْرَةِ أَبْحَاثِ هَذَا الشَّرْطِ، فَلَا يَصِحُّ إيجَارُ أَحَدِ عَبْدَيْهِ، وَلَا إجَارَةُ الْغَائِبِ وَلَا إجَارَةُ مُدَّةٍ غَيْرِ مُقَدَّرَةٍ، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ دُخُولُ الْحَمَّامِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا حَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ بَيْعِ الْغَرَرِ مَعَ اخْتِلَافِ حَالِ الدَّاخِلِينَ فِي الْمُكْثِ وَاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ

(3/453)


ثُمَّ تَارَةً تُقَدَّرُ بِزَمَانٍ كَدَارٍ سَنَةً، وَتَارَةً بِعَمَلٍ كَدَابَّةٍ إلَى مَكَّةَ وَكَخَيَّاطَةِ ذَا الثَّوْبِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
الَّذِي يَأْخُذُهُ الْحَمَّامِيُّ أُجْرَةُ الْحَمَّامِ وَمَا يُسْكَبُ بِهِ الْمَاءُ وَالْإِزَارِ وَحِفْظِ الثِّيَابِ. أَمَّا الْمَاءُ فَغَيْرُ مَضْبُوطٍ عَلَى الدَّاخِلِ، وَالْحَمَّامِيُّ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ لَا يَضْمَنُ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: إنَّ الَّذِي يَأْخُذُهُ ثَمَنُ الْمَاءِ وَأُجْرَةُ الْحَمَّامِ وَمَا يُسْكَبُ بِهِ وَحِفْظِ الثِّيَابِ، وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ تَبَعًا لِابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ.
ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَيْنِ الْمُعَيَّنَةِ سِوَى مَنْفَعَةٍ وَاحِدَةٍ كَالْبِسَاطِ لِلْفُرُشِ حُمِلَ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَنَافِعُ كَالْأَرْضِ وَالدَّابَّةِ وَجَبَ الْبَيَانُ كَمَا قَالَ: (ثُمَّ تَارَةً تُقَدَّرُ) الْمَنْفَعَةُ (بِزَمَانٍ) فَقَطْ (كَدَارٍ) أَيْ كَإِجَارَةِ دَارٍ وَثَوْبٍ وَإِنَاءٍ (سَنَةً) مُعَيَّنَةً مُتَّصِلَةً بِالْعَقْدِ فَيَقُولُ: أَجَّرْتُك هَذِهِ الدَّارَ بِالسُّكْنَى سَنَةً. فَإِنْ قَالَ: عَلَى أَنْ تَسْكُنَهَا لَمْ يَصِحَّ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَلَوْ أَجَّرَهُ شَهْرًا مَثَلًا، وَأَطْلَقَ صَحَّ وَجَعَلَ ابْتِدَاءَ الْمُدَّةِ مِنْ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ الْمُتَعَارَفُ. وَإِنْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ مِنْ الْآنَ، وَلَا تَصِحُّ إجَارَةِ شَهْرٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ وَبَقِيَ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ شَهْرٍ لِلْإِبْهَامِ. فَإِنْ لَمْ يَبْقَ فِيهَا غَيْرُهُ صَحَّ، وَقَوْلُهُ أَجَّرْتُك مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ أَجَّرْتُك كُلَّ شَهْرٍ مِنْهَا بِدِرْهَمٍ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ فِيهَا مُدَّةً.
فَإِنْ قَالَ: أَجَرْتُك هَذِهِ السَّنَةَ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْإِجَارَةَ إلَى جَمِيعِ السَّنَةِ بِخِلَافِهِ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ. وَلَوْ قَالَ: أَجَّرْتُك هَذَا الشَّهْرَ بِدِينَارٍ وَمَا زَادَ فَبِحِسَابِهِ صَحَّ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ الْإِجَارَةِ شَهْرًا مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَقَدْ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَكِنْ إذَا أَجَّرَهُ شَهْرًا مُعَيَّنًا بِثَلَاثِينَ دِرْهَمًا كُلَّ يَوْمٍ مِنْهُ بِدِرْهَمٍ فَجَاءَ الشَّهْرُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ بَطَلَ، كَمَا لَوْ بَاعَ الصُّبْرَةَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَخَرَجَتْ تِسْعِينَ مَثَلًا. (وَتَارَةً) تُقَدَّرُ (بِعَمَلٍ) أَيْ مَحَلِّهِ مِنْ غَيْرِ مُدَّةٍ (كَدَابَّةٍ) مُعَيَّنَةٍ أَوْ مَوْصُوفَةٍ لِلرُّكُوبِ (إلَى مَكَّةَ) مَثَلًا، (وَكَخِيَاطَةِ ذَا الثَّوْبِ) الْمُعَيَّنِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَنَافِعَ مَعْلُومَةٌ فِي أَنْفُسِهَا فَلَمْ تَفْتَقِرْ إلَى تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ.
تَنْبِيهٌ قَدْ يُوهِمُ كَلَامُهُ تَعَيُّنَ التَّقْدِيرِ بِالْعَمَلِ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يَجُوزُ تَقْدِيرُهُ بِالزَّمَنِ أَيْضًا فَيَقُولُ: أَجِّرْنِي هَذِهِ الدَّابَّةَ لِأَرْكَبَهَا إلَى مَوْضِعِ كَذَا، أَوْ لِأَرْكَبَهَا شَهْرًا، أَوْ أَجِّرْنِي عَبْدَك لِيَحْفَظَ لِي هَذَا الثَّوْبَ أَوْ يَخِيطَ لِي شَهْرًا.
وَفِي الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ: مِنْ كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ الْمَنَافِعُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ لَا تُقَدَّرُ فِيهِ الْمَنْفَعَةُ إلَّا بِالْمُدَّةِ كَالْعَقَارِ وَالرَّضَاعِ وَالتَّطْيِينِ وَالتَّجْصِيصِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْعَقَارِ وَتَقْدِيرَ اللَّبَنِ إنَّمَا يَنْضَبِطُ بِالزَّمَانِ، وَسُمْكُ التَّطْيِينِ وَالتَّجْصِيصِ لَا يَنْضَبِطُ رِقَّةً وَثَخَانَةً. وَكَمَا فِي الِاكْتِحَالِ فَإِنَّ قَدْرَ الدَّوَاءِ لَا يَنْضَبِطُ وَيَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَتُقَدَّرُ الْمُدَاوَاةُ بِالْمُدَّةِ لَا بِالْبُرْءِ وَالْعَمَلِ. فَإِنْ بَرِيءَ قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ انْفَسَخَتْ

(3/454)


فَلَوْ جَمَعَهُمَا فَاسْتَأْجَرَهُ لِيَخِيطَهُ بَيَاضَ النَّهَارِ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ.

وَيُقَدَّرُ تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ بِمُدَّةٍ، أَوْ تَعْيِينِ سُوَرٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
الْإِجَارَةُ فِي الْبَاقِي. وَقِسْمٌ لَا تُقَدَّرُ فِيهِ الْمَنْفَعَةُ إلَّا بِالْعَمَلِ كَبَيْعِ الثَّوْبِ وَالْحَجِّ وَقَبْضِ شَيْءٍ مِنْ فُلَانٍ. وَقِسْمٌ يَجُوزُ فِيهِ الْأَمْرَانِ كَالدَّابَّةِ وَالْخِيَاطَةِ. هَذَا فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ، فَلَوْ قَالَ: أَلْزَمْت ذِمَّتَك الْخِيَاطَةَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ عَامِلًا يَخِيطُ وَلَا مَحَلًّا لِلْخِيَاطَةِ، بَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يُبَيِّنَ الثَّوْبَ وَمَا يُرِيدُ بِهِ مِنْ قَمِيصٍ أَوْ غَيْرِهِ وَالطُّولَ وَالْعَرْضَ، وَأَنْ يُبَيِّنَ الْخِيَاطَةَ أَهِيَ رُومِيَّةٌ أَوْ فَارِسِيَّةٌ؟ إلَّا أَنْ تَطَّرِدَ عَادَةً بِنَوْعٍ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ.
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: الرُّومِيُّ بِغُرْزَتَيْنِ وَالْفَارِسِيُّ بِغُرْزَةٍ، فَلَوْ أَعْطَاهُ ثَوْبًا وَقَالَ: إنْ خِطْته رُومِيًّا فَلَكَ دِرْهَمٌ وَإِنْ خِطْته فَارِسِيًّا فَنِصْفُهُ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ لِلْإِبْهَامِ، فَإِنْ خَاطَهُ كَيْفَ اتَّفَقَ كَانَ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ.
تَنْبِيهٌ تَارَةً نُصِبَتْ عَلَى الْمَصْدَرِ، وَمَعْنَاهَا الْوَقْتُ وَالْحِينُ، وَالْعَامِلُ فِيهِ مُقَدَّرٌ وَيُجْمَعُ عَلَى تَارَاتٍ كَسَاعَةٍ وَسَاعَاتٍ، وَفَسَّرَهَا الْجَوْهَرِيُّ بِالْمَرَّةِ، (فَلَوْ جَمَعَهُمَا) أَيْ الزَّمَانَ وَالْعَمَلَ (فَاسْتَأْجَرَهُ) أَيْ شَخْصًا (لِيَخِيطَهُ) أَيْ الثَّوْبَ (بَيَاضَ النَّهَارِ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ) لِلْغَرَرِ؛ فَقَدْ يَتَقَدَّمُ الْعَمَلُ أَوْ يَتَأَخَّرُ، كَمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي قَفِيزٍ حِنْطَةً بِشَرْطِ كَوْنِ وَزْنِهِ كَذَا لَا يَصِحُّ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَزِيدَ أَوْ يَنْقُصَ، وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الثَّوْبُ صَغِيرًا يُقْطَعُ بِفَرَاغِهِ فِي الْيَوْمِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَمَرَّ أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ التَّقْدِيرَ بِالْعَمَلِ وَذَكَرَ الْيَوْمَ: أَيْ شَرَطَهُ لِلتَّعْجِيلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ. وَالثَّانِي: يَصِحُّ إذْ الْمُدَّةُ مَذْكُورَةٌ لِلتَّعْجِيلِ فَلَا تُورِثُ الْفَسَادَ، وَهَذَا بَحْثُ السُّبْكِيّ،.

(وَيُقَدَّرُ تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ بِمُدَّةٍ) كَشَهْرٍ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ لَهُ شَهْرًا، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ لِتَفَاوُتِ السُّوَرِ وَالْآيَاتِ فِي سُهُولَةِ الْحِفْظِ وَصُعُوبَتِهِ.
تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الِاسْتِئْجَارِ لِجَمِيعِ الْقُرْآنِ أَوْ لِبَعْضِهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْمُرَادُ مَا يُسَمَّى قُرْآنًا. أَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَهُ مُدَّةً لِجَمِيعِهِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ فَإِنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الزَّمَانِ وَالْعَمَلِ، وَحِينَئِذٍ كَانَ يَنْبَغِي لَلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: تَعْلِيمُ قُرْآنٍ بِالتَّنْكِيرِ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَصَّ فِي بَابِ التَّدْبِيرِ: عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ لَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى جَمِيعِهِ. فَإِذَا قُدِّرَ التَّعْلِيمُ بِمُدَّةٍ كَشَهْرٍ هَلْ يَدْخُلُ الْجَمِيعُ أَوْ لَا؟ أَفْتَى الْغَزَالِيُّ بِأَنَّ أَيَّامَ السُّبُوتِ مُسْتَثْنَاةٌ فِي اسْتِئْجَارِ الْيَهُودِيِّ شَهْرًا لِاطِّرَادِ الْعُرْفِ بِهِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَيُقَاسُ عَلَيْهِ الْأَحَدُ لِلنَّصَارَى، وَالْجُمَعُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ كَذَلِكَ. (أَوْ تَعْيِينِ سُوَرٍ)

(3/455)


وَفِي الْبِنَاءِ يُبَيِّنُ الْمَوْضِعَ وَالطُّولَ وَالْعَرْضَ وَالسَّمْكَ وَمَا يُبْنَى بِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
أَوْ سُورَةٍ أَوْ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ كَذَا مِنْ أَوَّلِهَا أَوْ آخِرِهَا لِلتَّفَاوُتِ فِي ذَلِكَ، وَيُشْتَرَطُ عِلْمُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِمَا يَقَعُ الْعَقْدُ عَلَى تَعْلِيمِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمَاهُ وَكَّلَا مَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ، وَلَا يَكْفِي أَنْ يَفْتَحَ الْمُصْحَفَ وَيَقُولَ تُعَلِّمُنِي مِنْ هُنَا إلَى هُنَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ مَعْرِفَةَ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِسُهُولَةٍ أَوْ صُعُوبَةٍ.
تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُبَيِّنَ قِرَاءَةَ نَافِعٍ وَنَحْوِهِ إذْ الْأَمْرُ فِيهَا قَرِيبٌ، وَقَضِيَّتُهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ مَا شَاءَ مِنْ الْقِرَاءَاتِ. لَكِنْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ تَفْرِيعًا عَلَى ذَلِكَ: يُعَلِّمُهُ الْأَغْلَبَ مِنْ قِرَاءَةِ الْبَلَدِ كَمَا لَوْ أَصْدَقَهَا دَرَاهِمَ، فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ غَالِبُ دَرَاهِمِ الْبَلَدِ: أَيْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَغْلَبُ عَلَّمَهُ مَا شَاءَ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا أَوْجَهُ، فَإِنْ عَيَّنَ لَهُ قِرَاءَةً تَعَيَّنَتْ، فَإِنْ أَقْرَأَهُ غَيْرَهَا لَمْ يَسْتَحِقَّ أُجْرَةً فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْمُتَعَلِّمِ وَلَا اخْتِبَارُ حِفْظِهِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْمُسَابَقَةِ مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ حَالِ الْفَرَسِ. نَعَمْ يُشْتَرَطُ تَعْيِينُهُ، فَلَوْ وَجَدَ ذِهْنَهُ فِي الْحِفْظِ خَارِجًا عَنْ عَادَةِ أَمْثَالِهِ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةَ، وَلَوْ كَانَ يَنْسَى فَهَلْ عَلَى الْأَجِيرِ إعَادَةُ تَعْلِيمِهِ أَوْ لَا؟ الْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ الْغَالِبِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ غَالِبٌ فَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا اعْتِبَارُ مَا دُونَ الْآيَةِ، فَإِذَا عَلَّمَهُ بَعْضَهَا فَنَسِيَهُ قَبْلَ أَنْ يَفْرَغَ مِنْ بَاقِيهَا لَزِمَ الْأَجِيرَ إعَادَةُ تَعْلِيمِهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَقْرَأُ فِيهِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُتَعَلِّمِ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا أَوْ يُرْجَى إسْلَامُهُ، فَإِنْ لَمْ يُرْجَ لَمْ يُعَلَّمْ كَمَا لَا يُبَاعُ الْمُصْحَفُ مِنْ الْكَافِرِ، وَقَضِيَّةُ هَذَا الْقِيَاسِ جَوَازُ بَيْعِ الْمُصْحَفِ مِنْ الْكَافِرِ إذَا رُجِيَ إسْلَامُهُ وَلَيْسَ مُرَادًا.
فَرْعٌ الْإِجَارَةُ لِلْقُرْآنِ عَلَى الْقَبْرِ مُدَّةً مَعْلُومَةً أَوْ قَدْرًا مَعْلُومًا جَائِزَةٌ لِلِانْتِفَاعِ بِنُزُولِ الرَّحْمَةِ حَيْثُ يُقْرَأُ الْقُرْآنُ وَيَكُونُ الْمَيِّتُ كَالْحَيِّ الْحَاضِرِ، سَوَاءٌ أَعْقَبَ الْقُرْآنَ بِالدُّعَاءِ أَمْ جَعَلَ أَجْرَ قِرَاءَتِهِ لَهُ أَمْ لَا، فَتَعُودُ مَنْفَعَةُ الْقُرْآنِ إلَى الْمَيِّتِ فِي ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ الدُّعَاءَ يَلْحَقُهُ وَهُوَ بَعْدَهَا أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ وَأَكْثَرُ بَرَكَةً؛ وَلِأَنَّهُ إذَا جَعَلَ أُجْرَةَ الْحَاصِلِ بِقِرَاءَتِهِ لِلْمَيِّتِ فَهُوَ دُعَاءٌ بِحُصُولِ الْأَجْرِ لَهُ فَيَنْتَفِعُ بِهِ، فَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: إنَّ الْقِرَاءَةَ لَا تَحْصُلُ لَهُ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ.

(وَفِي الْبِنَاءِ) أَيْ الِاسْتِئْجَارِ لَهُ عَلَى أَرْضٍ أَوْ غَيْرِهَا كَسَقْفٍ (يُبَيِّنُ الْمَوْضِعَ) لِلْجِدَارِ، (وَالطُّولَ) وَهُوَ الِامْتِدَادُ مِنْ إحْدَى الزَّاوِيَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى، (وَالْعَرْضَ) وَهُوَ مَا بَيْنَ وَجْهَيْ الْجِدَارِ، (وَالسَّمْكَ) وَهُوَ بِفَتْحِ السِّينِ بِخَطِّهِ: الِارْتِفَاعُ، (وَ) يُبَيِّنُ أَيْضًا (مَا يُبْنَى بِهِ)

(3/456)


إنْ قُدِّرَ بِالْعَمَلِ.

وَإِذَا صَلُحَتْ الْأَرْضُ لِبِنَاءٍ وَزِرَاعَةٍ وَغِرَاسٍ اُشْتُرِطَ تَعْيِينُ الْمَنْفَعَةِ، وَيَكْفِي تَعْيِينُ الزِّرَاعَةِ عَنْ ذِكْرِ مَا يُزْرَعُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ قَالَ لِتَنْتَفِعَ بِهَا بِمَا شِئْت صَحَّ وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ شِئْت فَازْرَعْ وَإِنْ شِئْت فَاغْرِسْ فِي الْأَصَحِّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
الْجِدَارُ مِنْ طِينٍ وَلَبِنٍ أَوْ آجُرٍّ أَوْ غَيْرِهِ (إنْ قُدِّرَ بِالْعَمَلِ) لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِهِ، فَإِنْ قُدِّرَ بِالزَّمَانِ وَالْبِنَاءِ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى بَيَانِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. نَعَمْ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ مَا يُبْنَى بِهِ كَمَا قَالَهُ الْعِمْرَانِيُّ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ، وَمَحَلُّ هَذَا وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَا يُبْنَى بِهِ حَاضِرًا، وَإِلَّا فَمُشَاهَدَتُهُ تُغْنِي عَنْ تَبْيِينِهِ، وَيُبَيَّنُ فِي النِّسَاخَةِ عَدَدُ الْأَوْرَاقِ وَأَسْطُرُ الصَّفْحَةِ وَقَدْرُ الْقِطَعِ وَالْحَوَاشِي، وَيَجُوزُ التَّقْدِيرُ فِيهَا بِالْمُدَّةِ. وَيُبَيَّنُ فِي الرَّعْيِ الْمُدَّةُ وَجِنْسُ الْحَيَوَانِ وَنَوْعُهُ، وَيَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَى قَطِيعٍ مُعَيَّنٍ وَعَلَى قَطِيعٍ فِي الذِّمَّةِ، وَلَوْ لَمْ يُبَيَّنْ فِيهِ الْعَدَدُ اكْتَفَى بِالْعُرْفِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي. وَيُبَيَّنُ فِي الِاسْتِئْجَارِ لِضَرْبِ اللَّبِنِ إذَا قُدِّرَ بِالْعَمَلِ الْعَدَدُ وَالْقَالَبُ - بِفَتْحِ اللَّامِ - طُولًا وَعَرْضًا وَسَمْكًا إنْ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا، وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّبْيِينِ، وَإِنْ قُدِّرَ بِالزَّمَانِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِ الْعَدَدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعِمْرَانِيُّ وَغَيْرُهُ.

(وَإِذَا صَلُحَتْ الْأَرْضُ) بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِهَا (لِبِنَاءٍ وَزِرَاعَةٍ وَغِرَاسٍ) أَوْ لِاثْنَيْنِ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ (اُشْتُرِطَ تَعْيِينُ الْمَنْفَعَةِ) فِي الصُّورَتَيْنِ لِاخْتِلَافِ الضَّرَرِ اللَّاحِقِ بِاخْتِلَافِ مَنَافِعِ هَذِهِ الْجِهَاتِ، فَإِنْ أُطْلِقَ لَمْ يَصِحَّ. أَمَّا إذَا لَمْ تَصْلُحْ إلَّا لِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ يَكْفِي الْإِطْلَاقُ فِيهَا كَأَرَاضِي الْأَحْكَارِ فَإِنَّهُ يَغْلِبُ فِيهَا الْبِنَاءُ، وَبَعْضِ الْبَسَاتِينِ فَإِنَّهُ يَغْلِبُ فِيهِ الْغِرَاسُ، (وَيَكْفِي) فِي أَرْضٍ اُسْتُؤْجِرَتْ لِزَرْعٍ (تَعْيِينُ الزِّرَاعَةِ عَنْ ذِكْرِ مَا يُزْرَعُ) فِيهَا كَقَوْلِهِ: أَجَّرْتُكَهَا لِلزِّرَاعَةِ أَوْ لِتَزْرَعَهَا فَيَصِحُّ (فِي الْأَصَحِّ) لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ أَنْوَاعِ الزَّرْعِ، وَيَزْرَعُ مَا شَاءَ لِلْإِطْلَاقِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَكَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى أَقَلِّ الدَّرَجَاتِ، وَمَا بَحَثَهُ حَكَاهُ الْخُوَارِزْمِيُّ وَجْهًا.
وَالثَّانِي: لَا يَكْفِي؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الزَّرْعِ مُخْتَلِفٌ، وَيَجْرِي فِي قَوْلِهِ لِتَبْنِيَ أَوْ لِتَغْرِسَ لِتَفَاوُتِ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ السُّبْكِيُّ. نَعَمْ إنْ أَجَّرَ عَلَى غَيْرِهِ بِوِلَايَةٍ أَوْ نِيَابَةٍ لَمْ يَكْفِ الْإِطْلَاقُ لِوُجُوبِ الِاحْتِيَاطِ قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ وَغَيْرِهَا كَذَلِكَ، (وَلَوْ قَالَ: لِتَنْتَفِعَ بِهَا بِمَا شِئْت صَحَّ) فِي الْأَصَحِّ، وَيَصْنَعُ مَا شَاءَ لِرِضَاهُ بِهِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ عَدَمُ الْإِضْرَارِ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ: فَعَلَيْهِ أَنْ يُرِيحَ الْمَأْجُورَ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ كَمَا فِي إرَاحَةِ الدَّابَّةِ، (وَكَذَا) يَصِحُّ (لَوْ قَالَ) لَهُ: (إنْ شِئْت فَازْرَعْ) أَيْ الْأَرْضَ (وَإِنْ شِئْت فَاغْرِسْ فِي الْأَصَحِّ) وَيَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْغِرَاسِ، وَالزَّرْعُ أَهْوَنُ. وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ لِلْإِبْهَامِ. قَالَ

(3/457)


وَيُشْتَرَطُ فِي إجَارَةِ دَابَّةٍ لِرُكُوبٍ مَعْرِفَةُ الرَّاكِبِ بِمُشَاهَدَةٍ أَوْ وَصْفٍ تَامٍّ، وَقِيلَ لَا يَكْفِي الْوَصْفُ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا يَرْكَبُ عَلَيْهِ مِنْ مَحْمِلٍ وَغَيْرِهِ إنْ كَانَ لَهُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
السُّبْكِيُّ: لَا بُدَّ فِي تَصْوِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ زِيَادَةِ مَا شِئْت فَيَقُولُ: إنْ شِئْت فَازْرَعْ مَا شِئْت أَوْ اغْرِسْ مَا شِئْت، فَإِنْ لَمْ يَزِدْ مَا ذَكَرَ عَادَ الْخِلَافُ فِي وُجُوبِ تَعْيِينِ مَا يَزْرَعُ. اهـ.
وَهَذَا ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَلَوْ قَالَ: أَجَرْتُكَهَا لِتَزْرَعَ أَوْ تَغْرِسَ أَوْ فَازْرَعْ وَاغْرِسْ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْقَدْرَ، أَوْ لِتَزْرَعَ نِصْفًا وَتَغْرِسَ نِصْفًا، وَلَمْ يَخُصَّ كُلَّ نِصْفٍ بِنَوْعٍ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ فِي الثَّلَاثَةِ لِلْإِبْهَامِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأُولَى جَعَلَ لَهُ أَحَدَهُمَا لَا بِعَيْنِهِ، حَتَّى لَوْ قَالَ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَفْعَلُ أَيَّهُمَا شَاءَ صَحَّ كَمَا نُقِلَ عَنْ التَّقْرِيبِ فَتَكُونُ كَالْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ لَمْ يُبَيِّنْ كَمْ يَزْرَعُ وَكَمْ يَغْرِسُ؟ وَفِي الثَّالِثَةِ لَمْ يُبَيِّنْ الْمَغْرُوسَ وَالْمَزْرُوعَ فَصَارَ كَقَوْلِهِ بِعْتُك أَحَدَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ وَالْآخَرَ بِخَمْسِمِائَةٍ.

(وَيُشْتَرَطُ فِي إجَارَةِ دَابَّةٍ لِرُكُوبٍ) إجَارَةِ عَيْنٍ أَوْ ذِمَّةٍ (مَعْرِفَةُ الرَّاكِبِ بِمُشَاهَدَتِهِ) لَهُ (أَوْ وَصْفٍ تَامٍّ) لِجُثَّتِهِ لِيَنْتَفِيَ الْغَرَرُ.
تَنْبِيهٌ لَمْ يُبَيِّنْ الْمُرَادَ بِالْوَصْفِ التَّامِّ، فَقِيلَ بِأَنْ يَصِفَهُ بِالضَّخَامَةِ أَوْ الثَّخَانَةِ لِيَعْرِفَ وَزْنَهُ تَخْمِينًا، وَقِيلَ: يَصِفُهُ بِالْوَزْنِ وَلَمْ يُرَجِّحَا شَيْئًا، وَالْأَرْجَحُ الْأَوَّلُ كَمَا رَجَّحَهُ الْحَاوِي الصَّغِيرُ، (وَقِيلَ: لَا يَكْفِي الْوَصْفُ) فِيهِ وَتَتَعَيَّنُ الْمُشَاهَدَةُ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ لَيْسَ كَالْمُعَايَنَةِ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْخَبَرُ، (وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا يَرْكَبُ عَلَيْهِ مِنْ مَحْمِلٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ (وَغَيْرِهِ) مِنْ نَحْوِ زَامِلَةٍ (إنْ كَانَ لَهُ) أَيْ الْمُكْتَرِي، وَذُكِرَ فِي الْإِجَارَةِ وَلَمْ يَطَّرِدْ فِيهِ عُرْفٌ، فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهُ بِمُشَاهَدَتِهِ أَوْ وَصْفِهِ التَّامِّ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ لَهُ عَمَّا إذَا كَانَ الرَّاكِبُ مُجَرَّدًا لَيْسَ لَهُ مَا يَرْكَبُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ مَا يَرْكَبُ عَلَيْهِ وَيُرْكِبُهُ الْمُؤَجِّرُ عَلَى مَا شَاءَ مِنْ نَحْوِ سَرْجٍ عَلَى مَا يَلِيقُ بِالدَّابَّةِ، فَإِنْ اطَّرَدَ فِيهِ عُرْفٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ، وَيُحْمَلُ عَلَى الْمَعْهُودِ، وَبِهَذَا سَقَطَ قَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ يَطْلُبُ الْجَمْعَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ: إنَّ الْأَصَحَّ فِي السَّرْجِ اتِّبَاعُ الْعُرْفِ.
تَنْبِيهٌ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَا يَخْتَصُّ بِمَا يُرْكَبُ عَلَيْهِ، بَلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ نَحْوُ زَامِلَةٍ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ فَلَا وَجْهَ لِإِهْمَالِ الْمُصَنِّفِ لَهُ، وَيُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ الْوِطَاءِ، وَهُوَ الَّذِي يُفْرَشُ فِي الْمَحْمِلِ لِيَجْلِسَ عَلَيْهِ أَوْ وَصْفُهُ، وَالْغِطَاءُ الَّذِي يَسْتَظِلُّ بِهِ وَيَتَوَقَّى بِهِ مِنْ الْمَطَرِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ فَيَحْتَاجُ إلَى شَرْطِهِ، وَيُشْتَرَطُ رُؤْيَتُهُ أَوْ وَصْفُهُ إلَّا إذَا اطَّرَدَ بِهِ عُرْفٌ فَيَكْفِي الْإِطْلَاقُ، وَيُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ وَيَأْتِي مِثْلُهُ فِي الْوِطَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعِمْرَانِيُّ

(3/458)


وَلَوْ شَرَطَ حَمْلَ الْمَعَالِيقِ مُطْلَقًا فَسَدَ الْعَقْدُ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْهُ لَمْ يُسْتَحَقَّ، وَيُشْتَرَطُ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ تَعْيِينُ الدَّابَّةِ، وَفِي اشْتِرَاطِ رُؤْيَتِهَا الْخِلَافُ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ وَفِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ ذِكْرُ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالذُّكُورَةِ أَوْ الْأُنُوثَةِ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِمَا بَيَانُ قَدْرِ السَّيْرِ كُلَّ يَوْمٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
وَغَيْرُهُ، فَإِنْ كَانَ لِلْمَحْمِلِ طَرَفٌ فَكَالْغِطَاءِ، (وَلَوْ شَرَطَ) فِي الْإِجَارَةِ (حَمْلَ الْمَعَالِيقِ) جَمْعُ مُعْلُوقٍ بِضَمِّ الْمِيمِ وَهُوَ مَا يُعَلَّقُ عَلَى الْبَعِيرِ كَسُفْرَةٍ وَقِدْرٍ وَقَصْعَةٍ (مُطْلَقًا) أَيْ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ وَلَا وَصْفٍ (فَسَدَ الْعَقْدُ فِي الْأَصَحِّ) ، لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِيهَا، فَرُبَّمَا قَلَّتْ وَرُبَّمَا كَثُرَتْ. وَالثَّانِي يَصِحُّ وَيُحْمَلُ عَلَى الْوَسَطِ الْمُعْتَادِ.
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْمَعَالِيقِ إذَا كَانَتْ فَارِغَةً. فَإِنْ كَانَ فِيهَا مَاءٌ أَوْ طَعَامٌ فَكَسَائِرِ الْمَحْمُولَاتِ، (وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْهُ) أَيْ حَمْلَ الْمَعَالِيقِ (لَمْ يُسْتَحَقَّ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ حَمْلُهَا فِي الْأَصَحِّ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِيهِ. وَقِيلَ: يُسْتَحَقُّ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ تَقْتَضِيهِ، قَالَ الْإِمَامُ: وَالْمَعَالِيقُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَرْكُوبِ، فَمَعَالِيقُ الْحِمَارِ دُونَ مَعَالِيقِ الْبَعِيرِ.
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي دَابَّةٍ يُحْمَلُ عَلَيْهَا ذَلِكَ. أَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً بِسَرْجٍ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ حَمْلَهَا قَطْعًا (وَيُشْتَرَطُ فِي إجَارَةِ) الدَّابَّةِ إجَارَةِ (الْعَيْنِ) لِرُكُوبٍ (تَعْيِينُ الدَّابَّةِ) ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُؤَجِّرَهُ إحْدَى هَاتَيْنِ الدَّابَّتَيْنِ لِلْإِبْهَامِ (وَفِي اشْتِرَاطِ رُؤْيَتِهَا الْخِلَافُ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ) ، وَالْأَظْهَرُ الِاشْتِرَاطُ.
تَنْبِيهٌ: لَمْ يُحْتَرَزْ بِالتَّعْيِينِ عَنْ الْوَصْفِ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ إجَارَةَ الْعَيْنِ لَا تَكُونُ فِي الذِّمَّةِ بَلْ أَرَادَ بِالتَّعْيِينِ مُقَابِلَ الْإِبْهَامِ لِتَخْرُجَ الصُّورَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ، وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ؛ لِأَنَّ الْمُشَاهَدَةَ كَافِيَةٌ، (وَ) يُشْتَرَطُ (فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ) لِرُكُوبِ دَابَّةٍ (ذِكْرُ الْجِنْسِ) لَهَا كَالْإِبِلِ وَالْخَيْلِ (وَالنَّوْعِ) كَبَخَاتِيٍّ وَعِرَابٍ (وَالذُّكُورَةِ أَوْ الْأُنُوثَةِ) لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِذَلِكَ، فَإِنَّ الْأُنْثَى أَسْهَلُ سَيْرًا، وَالذَّكَرَ أَقْوَى، وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ صِفَةِ السَّيْرِ كَبَحْرٍ أَوْ قَطُوفٍ أَوْ مُهَمْلِجٍ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ الْغَرَضِ يَتَعَلَّقُ بِكَيْفِيَّةِ السَّيْرِ. وَالْبَحْرُ: الْوَاسِعُ الْمَشْيِ. وَالْقَطُوفُ بِفَتْحِ الْقَافِ: الْبَطِيءُ السَّيْرِ، وَالْمُهَمْلِجُ بِكَسْرِ اللَّامِ: حَسَنُ السَّيْرِ فِي سُرْعَةٍ، (وَيُشْتَرَطُ فِيهِمَا) أَيْ إجَارَتَيْ الْعَيْنِ وَالذِّمَّةِ لِلرُّكُوبِ (بَيَانُ قَدْرِ السَّيْرِ كُلَّ يَوْمٍ) ، إنْ كَانَ قَدْرًا تُطِيقُهُ الدَّابَّةُ غَالِبًا، وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الطُّرُقِ سُهُولَةً وَصُعُوبَةً، وَبِالْأَوْقَاتِ كَزَمَنِ وَحْلٍ أَوْ

(3/459)


إلَّا أَنْ يَكُونَ بِالطَّرِيقِ مَنَازِلُ مَضْبُوطَةٌ فَيَنْزِلُ عَلَيْهَا.

وَيَجِبُ فِي الْإِيجَارِ لِلْحَمْلِ أَنْ يَعْرِفَ الْمَحْمُولَ، فَإِنْ حَضَرَ رَآهُ وَامْتَحَنَهُ بِيَدِهِ إنْ كَانَ فِي ظَرْفٍ، وَإِنْ غَابَ قُدِّرَ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ، وَجِنْسُهُ لَا جِنْسَ الدَّابَّةِ، وَصِفَتَهَا إنْ كَانَتْ إجَارَةَ ذِمَّةٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
ثَلْجٍ أَوْ مَطَرٍ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا فِيهِمَا بَيَانُ وَقْتِ السَّيْرِ أَهُوَ اللَّيْلُ أَوْ النَّهَارُ؟ وَالنُّزُولِ فِي الْقُرَى أَوْ الصَّحْرَاءِ، (إلَّا أَنْ يَكُونَ بِالطَّرِيقِ مَنَازِلُ مَضْبُوطَةٌ فَيَنْزِلُ) قَدْرَ السَّيْرِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (عَلَيْهَا) فَإِنْ شُرِطَ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ اُتُّبِعَ، فَإِنْ زَادَ فِي يَوْمٍ عَلَى الْمَشْرُوطِ أَوْ نَقَصَ عَنْهُ فَلَا يُجْبَرَانِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ، بَلْ يَسِيرَانِ عَلَى الشَّرْطِ، وَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا زِيَادَةً أَوْ نَقْصًا لِخَوْفٍ.
أُجِيبَ إنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ الضَّرَرُ بِهِ، أَوْ لِغَصْبٍ أَوْ لِخَوْفٍ وَلَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ الضَّرَرُ بِهِ فَلَا يُجَابُ.

(وَيَجِبُ فِي الْإِيجَارِ لِلْحَمْلِ) إجَارَةِ عَيْنٍ أَوْ ذِمَّةٍ (أَنْ يَعْرِفَ) مُؤَجِّرُ الدَّابَّةِ (الْمَحْمُولَ) ، لِاخْتِلَافِ تَأْثِيرِهِ وَضَرَرِهِ، (فَإِنْ حَضَرَ رَآهُ) إنْ لَمْ يَكُنْ فِي ظَرْفٍ، (وَامْتَحَنَهُ بِيَدِهِ إنْ كَانَ فِي ظَرْفٍ) تَخْمِينًا لِوَزْنِهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ امْتِحَانُهُ بِالْيَدِ كَفَتْ الرُّؤْيَةُ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْوَزْنُ فِي الْحَالَيْنِ.
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: إنْ كَانَ فِي ظَرْفٍ يُوهِمُ أَنَّ مَا يَسْتَغْنِي عَنْ الظَّرْفِ كَالْأَحْجَارِ وَالْأَخْشَابِ لَا يُمْتَحَنُ بِالْيَدِ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَلَوْ قَالَ: وَامْتَحَنَهُ بِيَدِهِ إنْ أَمْكَنَ لَكَانَ أَوْلَى، (وَإِنْ غَابَ) الْمَحْمُولُ (قُدِّرَ بِكَيْلٍ) فِي مَكِيلٍ (أَوْ وَزْنٍ) فِي مَوْزُونٍ أَوْ مَكِيلٍ، فَإِنَّ الْوَزْنَ فِي كُلِّ شَيْءٍ أَوْلَى وَأَحْصَرُ، (وَ) أَنْ يَعْرِفَ (جِنْسَهُ) أَيْ الْمَحْمُولِ الْغَائِبِ لِاخْتِلَافِ تَأْثِيرِهِ فِي الدَّابَّةِ كَمَا فِي الْحَدِيدِ وَالْقُطْنِ، فَإِنَّ الْحَدِيدَ يَثْقُلُ فِي مَحَلٍّ أَقَلَّ مِنْ الْقُطْنِ، وَالْقُطْنُ يَعُمُّهَا وَيَتَثَاقَلُ بِالرِّيحِ، فَلَوْ قَالَ: مِائَةَ رِطْلٍ مِمَّا شِئْت صَحَّ، بَلْ وَبِدُونِ مِمَّا شِئْت كَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ قَطْعِ الْأَصْحَابِ، وَيَكُونُ رِضًا مِنْهُ بِأَضَرِّ الْأَجْنَاسِ. هَذَا فِي التَّقْدِيرِ بِالْوَزْنِ فَإِنَّهُ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ الْجِنْسِ. أَمَّا إذَا قُدِّرَ بِالْكَيْلِ، فَلَا يُغْنِي قَوْلُهُ: عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ مِمَّا شِئْت عَنْ ذِكْرِ الْجِنْسِ لِكَثْرَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الْكَيْلِ وَقِلَّتِهِ فِي الْوَزْنِ، وَأَيْنَ ثِقَلُ الْمِلْحِ مِنْ ثِقَلِ الذُّرَةِ، وَيُحْسَبُ مِنْ الْمِائَةِ الظَّرْفُ إنْ ذَكَرَهُ كَقَوْلِهِ: مِائَةُ رِطْلٍ حِنْطَةً بِظَرْفِهَا. فَإِنْ قَالَ: مِائَةُ رِطْلٍ حِنْطَةً أَوْ مِائَةُ قَفِيزٍ حِنْطَةً لَمْ يُحْسَبْ الظَّرْفُ فَيُشْتَرَطُ حِينَئِذٍ مَعْرِفَتُهُ إنْ كَانَ يَخْتَلِفُ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ غَرَائِرُ مُتَمَاثِلَةٌ اطَّرَدَ الْعُرْفُ بِاسْتِعْمَالِهَا حُمِلَ مُطْلَقُ الْعَقْدِ عَلَيْهَا. فَإِنْ قَالَ: لِتَحْمِلْ عَلَيْهَا مَا شِئْت لَمْ يَصِحَّ لِلْإِضْرَارِ بِهَا، بِخِلَافِ إجَارَةِ الْأَرْضِ لِزَرْعِهَا مَا شَاءَ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ لَا تُطِيقُ كُلَّ مَا تَحْمِلُ، (لَا جِنْسَ الدَّابَّةِ وَ) لَا (صِفَتَهَا) فَلَا تَجِبُ مَعْرِفَتُهَا فِي إجَارَةِ دَابَّةٍ لَحَمْلٍ (إنْ كَانَتْ إجَارَةَ ذِمَّةٍ)

(3/460)


إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَحْمُولُ زُجَاجًا وَنَحْوَهُ.

فَصْلٌ لَا تَصِحُّ إجَارَةُ مُسْلِمٍ لِجِهَادٍ وَلَا عِبَادَةٍ تَجِبُ لَهَا نِيَّةٌ إلَّا حَجٌّ وَتَفْرِقَةُ زَكَاةٍ، وَتَصِحُّ لِتَجْهِيزِ مَيِّتٍ وَدَفْنِهِ، وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
بِخِلَافِ مَا مَرَّ فِيهَا فِي الرُّكُوبِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا تَحْصِيلُ الْمَتَاعِ فِي الْمَوْضِعِ الْمَشْرُوطِ فَلَا يَخْتَلِفُ الْغَرَضُ بِاخْتِلَافِ حَامِلِهِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَحْمُولُ زُجَاجًا) بِتَثْلِيثِ الزَّايِ (وَنَحْوِهِ) كَخَزَفٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ حَالِ الدَّابَّةِ فِي ذَلِكَ صِيَانَةً لَهُ، وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنْ يَكُونَ فِي الطَّرِيقِ وَحْلٌ أَوْ طِينٌ. أَمَّا إجَارَةُ عَيْنِ دَابَّةٍ لِحَمْلٍ فَيُشْتَرَطُ رُؤْيَتُهَا وَتَعْيِينُهَا كَمَا فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ لِلرُّكُوبِ.

[فَصْلٌ فِي الِاسْتِئْجَارِ لِلْقُرَبِ]
ِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى الشَّرْطِ الرَّابِعِ، وَهُوَ حُصُولُ الْمَنْفَعَةِ لِلْمُسْتَأْجِرِ. وَالْقُرَبُ عَلَى قِسْمَيْنِ: مَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ، وَمَا لَا يَحْتَاجُ، وَالْقِسْمُ الثَّانِي إنْ كَانَ فَرْضَ كِفَايَةٍ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ شَائِعًا فِي الْأَصْلِ أَوْ لَا، وَقَدْ شَرَعَ فِيمَا هُوَ شَائِعٌ فِي الْأَصْلِ، فَقَالَ: (لَا تَصِحُّ) مِنْ إمَامٍ وَغَيْرِهِ (إجَارَةُ مُسْلِمٍ) وَلَوْ عَبْدًا (لِجِهَادٍ) ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَنْهُ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا حَضَرَ الصَّفَّ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ، وَاحْتُرِزَ بِالْمُسْلِمِ عَنْ الذِّمِّيِّ، وَهُوَ صَحِيحٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِمَامِ، أَمَّا الْآحَادُ فَيُمْتَنَعُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ السِّيَرِ. ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ، فَقَالَ: (وَلَا عِبَادَةٍ) أَيْ لَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ لِعِبَادَةٍ (تَجِبُ لَهَا نِيَّةٌ) كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، إذْ الْقَصْدُ مِنْهَا امْتِحَانُ الْمُكَلَّفِ بِكَسْرِ نَفْسِهِ بِفِعْلِهَا، وَلَا يَقُومُ الْأَجِيرُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ، وَهَلْ يَسْتَحِقُّ الْأَجِيرُ أُجْرَةَ مَا عَمِلَ؟ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ، لَكِنَّ قَضِيَّةَ قَوْلِهِمْ فِي النَّفَقَاتِ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ لَا يَسْتَحِقُّ فَاعِلُهُ أُجْرَةً لِلْعَمَلِ وَإِنْ عَمِلَ طَامِعًا فِي الْأُجْرَةِ عُدِمَ الِاسْتِحْقَاقُ، (إلَّا) الِاسْتِئْجَارَ لِقُرْبَةٍ مِنْ (حَجٍّ) أَوْ عُمْرَةٍ، وَرَكْعَتَيْ طَوَافٍ تَبَعًا لَهُمَا عَنْ مَيِّتٍ أَوْ عَاجِزٍ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِهِ، (وَتَفْرِقَةِ زَكَاةٍ) وَصَوْمٍ عَنْ مَيِّتٍ وَذَبْحِ هَدْيٍ وَأُضْحِيَّةٍ وَنَحْوِهَا فَيَجُوزُ. وَضَابِطُ هَذَا: أَنَّ كُلَّ مَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ مِنْ الْعِبَادَةِ يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ، وَمَا لَا فَلَا. ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ غَيْرُ شَائِعٍ فِي الْأَصْلِ، فَقَالَ: (وَتَصِحُّ) الْإِجَارَةُ (لِتَجْهِيزِ مَيِّتٍ) كَغُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ (وَدَفْنِهِ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ) أَوْ بَعْضِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَلَيْسَ بِشَائِعٍ فِي الْأَصْلِ، وَإِنْ تَعَيَّنَ عَلَى الْأَجِيرِ فِي الْأَصَحِّ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِفِعْلِهِ حَتَّى يَقَعَ

(3/461)


وَلِحَضَانَةٍ وَإِرْضَاعٍ مَعًا، وَلِأَحَدِهِمَا فَقَطْ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
عَنْهُ، وَلَا يَضُرُّ عُرُوضٌ تُعَيِّنُهُ عَلَيْهِ كَالْمُضْطَرِّ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ إطْعَامُهُ مَعَ تَغْرِيمِهِ الْبَدَلَ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ خَبَرَ «إنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ» . وَمَعْنَى عَدَمِ شُيُوعِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ فِي الْأَصْلِ فِي تَجْهِيزِ الْمَيِّتِ أَنَّ تَجْهِيزَ الْمَيِّتِ يَخْتَصُّ بِالتَّرِكَةِ، ثُمَّ بِمَالِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ الْقِيَامُ بِهَا، وَفِي تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ أَنَّ التَّعْلِيمَ بِالْمُؤَنِ يَخْتَصُّ بِمَالِ الْمُتَعَلِّمِ ثُمَّ بِمَالِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ الْقِيَامُ بِهَا.
تَنْبِيهٌ احْتَجَّ بَعْضُهُمْ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ بِعَامِلِ الصَّدَقَةِ، فَإِنَّهَا أُجْرَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَذِكْرُ الدَّفْنِ بَعْدَ التَّجْهِيزِ مِنْ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ لِدُخُولِهِ فِيهِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّرْته، وَلَا تَكْرَارَ فِي ذِكْرِ التَّعْلِيمِ؛ لِأَنَّهُ هُنَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عِبَادَةٌ، وَفِيمَا مَرَّ مِنْ حَيْثُ التَّقْدِيرُ، وَقَدْ مَرَّ عَنْ النَّصِّ أَنَّ الْقُرْآنَ بِالتَّعْرِيفِ لَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى جَمِيعِهِ، وَحِينَئِذٍ فَكَانَ يَنْبَغِي تَنْكِيرُهُ، فَإِنَّ بَعْضَهُ كَذَلِكَ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ، وَتَقْيِيدُهُ التَّعْلِيمَ بِالْقُرْآنِ قَدْ يُفْهِمُ امْتِنَاعَ الِاسْتِئْجَارِ لِتَدْرِيسِ الْعِلْمِ، وَهُوَ كَذَلِكَ. نَعَمْ إنْ عَيَّنَ أَشْخَاصًا وَمَسَائِلَ مَضْبُوطَةً يُعَلِّمُهَا لَهُمْ جَازَ، وَإِنْ تَعَيَّنَ عَلَى الْأَجِيرِ كَنَظِيرِهِ فِيمَا مَرَّ. وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخُنَا: أَنْ يَأْتِيَ مِثْلُهُ فِي الِاسْتِئْجَارِ لِلْقَضَاءِ، وَيَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ لِشِعَارٍ غَيْرِ فَرْضٍ كَالْآذَانِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ مَعَ زِيَادَةٍ، وَالْأُجْرَةُ تُؤْخَذُ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ، وَلَا يَبْعُدُ اسْتِحْقَاقُهَا عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - كَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، لَا عَلَى رَفْعِ الصَّوْتِ، وَلَا عَلَى رِعَايَةِ الْوَقْتِ، وَلَا عَلَى الْحَيْعَلَتَيْنِ كَمَا قِيلَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ لِلْإِمَامَةِ وَلَوْ نَافِلَةً: كَالتَّرَاوِيحِ؛ لِأَنَّ فَائِدَتَهَا مِنْ تَحْصِيلِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ لَا تَحْصُلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ بَلْ لِلْأَجِيرِ، وَيَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ لِلْمُبَاحَاتِ كَالِاصْطِيَادِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ، وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ بَيْتٍ لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا يُصَلِّي فِيهِ. وَصُورَتُهُ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الِانْتِصَارِ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ لِلصَّلَاةِ. أَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَجْعَلَهُ مَسْجِدًا فَلَا يَصِحُّ بِلَا خِلَافٍ.

وَالشَّرْطُ الْخَامِسُ فِي الْمَنْفَعَةِ: أَنْ لَا يَتَضَمَّنَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ اسْتِيفَاءَ عَيْنٍ قَصْدًا، فَاسْتِئْجَارُ الْبُسْتَانِ لِثَمَرَتِهِ، وَالشَّاةِ لِصُوفِهَا أَوْ نِتَاجِهَا أَوْ لَبَنِهَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تُمْلَكُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ قَصْدًا، بِخِلَافِ مَا إذَا تَضَمَّنَ اسْتِيفَاءَهَا تَبَعًا لِلضَّرُورَةِ أَوْ حَاجَةٍ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ: (وَ) تَصِحُّ الْإِجَارَةُ وَلَوْ مِنْ زَوْجٍ كَمَا سَبَقَ (لِحَضَانَةٍ) أَيْ حَضَانَةِ امْرَأَةٍ لِوَلَدٍ (وَإِرْضَاعٍ) لَهُ (مَعًا) ، نُصِبَ عَلَى الْحَالِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِمَا، (وَلِأَحَدِهِمَا فَقَطْ) . أَمَّا الْحَضَانَةُ فَلِأَنَّهَا نَوْعُ خِدْمَةٍ، وَهِيَ نَوْعَانِ: صُغْرَى وَكُبْرَى، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُمَا. وَأَمَّا الْإِرْضَاعُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ} [الطلاق: 6] الْآيَةَ، وَإِذَا جَازَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْإِرْضَاعِ وَحْدَهُ، فَلَهُ مَعَ الْحَضَانَةِ أَوْلَى، فَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ. وَمَرَّ أَنَّ الِاسْتِئْجَارَ

(3/462)


وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَسْتَتْبِعُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، وَالْحَضَانَةُ حِفْظُ صَبِيٍّ وَتَعَهُّدُهُ بِغَسْلِ رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ وَثِيَابِهِ وَدَهْنِهِ وَكَحْلِهِ وَرَبْطِهِ فِي الْمَهْدِ وَتَحْرِيكِهِ لِيَنَامَ وَنَحْوِهَا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
عَلَى الْإِرْضَاعِ يُقَدَّرُ بِالْمُدَّةِ فَقَطْ. وَيَجِبُ تَعْيِينُ الرَّضِيعِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَإِنَّمَا يُعْرَفُ بِالْمُشَاهَدَةِ: أَيْ أَوْ بِالْوَصْفِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْحَاوِي لِاخْتِلَافِ شُرْبِهِ بِاخْتِلَافِ سِنِّهِ. وَتَعْيِينُ مَوْضِعِ الْإِرْضَاعِ أَهُوَ بَيْتُهُ أَوْ بَيْتُهَا؟ لِأَنَّهُ فِي بَيْتِهِ أَشَدُّ تَوَثُّقًا بِهِ، وَفِي بَيْتِهَا أَسْهَلُ عَلَيْهَا، قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَعَلَى الْمُرْضِعَةِ أَنْ تَأْكُلَ وَتَشْرَبَ كُلَّ مَا يَكْثُرُ بِهِ اللَّبَنُ، وَلِلْمُكْتَرِي تَكْلِيفُهَا بِذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: الَّذِي قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ: أَيْ وَالصَّيْمَرِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: إنَّ لَهُ مَنْعَهَا مِنْ أَكْلِ مَا يَضُرُّ بِلَبَنِهَا. اهـ.
وَهَذَا أَظْهَرُ، وَيُوَافِقُهُ قَوْلُهُمْ فِي النَّفَقَاتِ: لِلزَّوْجِ مَنْعُ زَوْجَتِهِ مِنْ تَنَاوُلِ مَا يَضُرُّ بِهَا، وَإِذَا لَمْ يَقْبَلْ الرَّضِيعُ ثَدْيَهَا فَفِي انْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ وَجْهَانِ فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي، وَيَنْبَغِي عَدَمُ الِانْفِسَاخِ وَثُبُوتُ الْخِيَارِ، فَفِي الْحَاوِي وَالْبَحْرِ أَنَّ الطِّفْلَ إذَا لَمْ يَشْرَبْ لَبَنَهَا لِقِلَّةٍ فِي اللَّبَنِ فَهُوَ عَيْبٌ يُثْبِتُ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْفَسْخَ، وَلَوْ سَقَتْهُ لَبَنَ غَيْرِهَا اسْتَحَقَّتْ الْأُجْرَةَ إنْ كَانَتْ إجَارَةَ ذِمَّةٍ، وَإِلَّا فَلَا.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ صِحَّةُ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى إرْضَاعِ اللِّبَأِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ إرْضَاعُهُ وَاجِبًا عَلَى الْأُمِّ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ بَابِ النَّفَقَاتِ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ. وَيُشْتَرَطُ فِي الْإِجَارَةِ لِلرَّضَاعِ بُلُوغُ الْمُرْضِعَةِ تِسْعَ سِنِينَ كَمَا فِي الْبَيَانِ، وَخَرَجَ بِالْمَرْأَةِ الْبَهِيمَةُ كَاسْتِئْجَارِ الشَّاةِ لِإِرْضَاعِ سَخْلَةٍ أَوْ طِفْلٍ فَلَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ فِي الْأُولَى وَالْبُلْقِينِيُّ فِي الثَّانِيَةِ، قَالَ: بِخِلَافِ اسْتِئْجَارِ الْمَرْأَةِ لِإِرْضَاعِ السَّخْلَةِ فَالظَّاهِرُ صِحَّتُهُ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَسْتَتْبِعُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ) فِي الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهُمَا مَنْفَعَتَانِ، وَيَجُوزُ إفْرَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْعَقْدِ فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْمَنْعِ. وَالثَّانِي: نَعَمْ لِلْعَادَةِ بِتَلَازُمِهِمَا.
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْحَضَانَةِ، فَقَالَ: (وَالْحَضَانَةُ) الْكُبْرَى (حِفْظُ صَبِيٍّ) أَيْ جِنْسِهِ الصَّادِقِ بِالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، (وَتَعْهَدُهُ بِغَسْلِ رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ وَثِيَابِهِ) وَتَطْهِيرِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ، (وَدَهْنِهِ) بِفَتْحِ الدَّالِ اسْمٌ لِلْفِعْلِ. وَأَمَّا بِالضَّمِّ فَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَنَّهُ عَلَى الْأَبِ، فَإِنْ جَرَى عُرْفُ الْبَلَدِ بِخِلَافِهِ فَوَجْهَانِ. اهـ.
وَالظَّاهِرُ مِنْهُمَا اتِّبَاعُ الْعُرْفِ، (وَكَحْلِهِ) وَإِضْجَاعِهِ (وَرَبْطِهِ فِي الْمَهْدِ) وَهُوَ سَرِيرُ الرَّضِيعِ (وَتَحْرِيكِهِ) عَلَى الْعَادَةِ (لِيَنَامَ وَنَحْوِهَا) مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الرَّضِيعُ؛ لِاقْتِضَاءِ اسْمِ الْحَضَانَةِ عُرْفًا لِذَلِكَ؛ وَلِحَاجَةِ الرَّضِيعِ إلَيْهَا. وَاشْتِقَاقُهَا مِنْ الْحِضْنِ بِكَسْرِ الْحَاءِ. وَهُوَ مَا تَحْتَ الْإِبْطِ وَمَا يَلِيهِ؛ لِأَنَّ الْحَاضِنَةَ تَجْعَلُ الْوَلَدَ هُنَالِكَ. وَالْإِرْضَاعُ وَيُسَمَّى الْحَضَانَةَ الصُّغْرَى: أَنْ تُلْقِمَهُ بَعْدَ وَضْعِهِ فِي حِجْرِهَا مَثَلًا الثَّدْيَ

(3/463)


وَلَوْ اسْتَأْجَرَ لَهُمَا فَانْقَطَعَ اللَّبَنُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
وَتَعْصِرَهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ.
تَنْبِيهٌ إذَا اسْتَأْجَرَ لِلْحَضَانَةِ وَالْإِرْضَاعِ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ كِلَاهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا مَقْصُودَانِ، وَقِيلَ: اللَّبَنُ وَالْحَضَانَةُ تَابِعَةٌ، وَقِيلَ: عَكْسُهُ، وَإِذَا اسْتَأْجَرَ لِلرَّضَاعِ فَقَطْ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْحَضَانَةُ الصُّغْرَى، وَاللَّبَنُ تَابِعٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] ، عَلَّقَ الْأُجْرَةَ بِفِعْلِ الْإِرْضَاعِ لَا بِاللَّبَنِ؛ وَلِأَنَّ الْإِجَارَةَ مَوْضُوعَةٌ لِلْمَنَافِعِ كَمَا مَرَّ، وَإِنَّمَا الْأَعْيَانُ تَبَعٌ لِلضَّرُورَةِ، (وَلَوْ اسْتَأْجَرَ لَهُمَا) أَيْ الْحَضَانَةِ وَالْإِرْضَاعِ (فَانْقَطَعَ اللَّبَنُ

(3/464)


فَالْمَذْهَبُ انْفِسَاخُ الْعَقْدِ فِي الْإِرْضَاعِ دُونَ الْحَضَانَةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
فَالْمَذْهَبُ انْفِسَاخُ الْعَقْدِ فِي الْإِرْضَاعِ) ، وَيَسْقُطُ قِسْطُهُ مِنْ الْأُجْرَةِ (دُونَ الْحَضَانَةِ) ، فَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِيهَا بِنَاءً عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ خِلَافِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وَلَوْ أَتَى بِاللَّبَنِ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ وَلَمْ يَتَضَرَّرْ الْوَلَدُ جَازَ.

وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ الْقَنَاةِ وَهِيَ الْجَدْوَلُ الْمَحْفُورُ لِلزِّرَاعَةِ بِمَائِهَا الْجَارِي إلَيْهَا مِنْ النَّهْرِ لِلْحَاجَةِ، لَا اسْتِئْجَارُ قَرَارِهَا دُونَ الْمَاءِ بِأَنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَكُونَ أَحَقَّ بِمَائِهَا الَّذِي يَتَحَصَّلُ فِيهَا بِالْمَطَرِ وَالثَّلْجِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ لِمَنْفَعَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَجْرِيَ فِيهَا الْمَاءُ أَوْ لِيَحْبِسَ الْمَاءَ فِيهَا حَتَّى يَجْتَمِعَ فِيهَا السَّمَكُ، وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ الْبِئْرِ لِلِاسْتِقَاءِ مِنْ مَائِهَا لِلْحَاجَةِ، لَا اسْتِئْجَارُ الْفَحْلِ لِلضِّرَابِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا

(3/465)


وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ حِبْرٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
(وَالْأَصَحُّ) وَعَبَّرَ فِي الْمُحَرَّرِ بِالْمَشْهُورِ، وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا بِالْمَذْهَبِ (أَنَّهُ لَا يَجِبُ حِبْرٌ)

(3/466)


وَخَيْطٌ وَكُحْلٌ عَلَى وَرَّاقٍ وَخَيَّاطٍ وَكَحَّالٍ. قُلْت: صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الرُّجُوعَ فِيهِ إلَى الْعَادَةِ، فَإِنْ اضْطَرَبَتْ وَجَبَ الْبَيَانُ وَإِلَّا فَتَبْطُلُ الْإِجَارَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
بِكَسْرِ الْحَاءِ - اسْمٌ لِلْمِدَادِ (وَ) لَا (خَيْطٌ وَ) لَا (كُحْلٌ) وَلَا ذَرُورٌ وَلَا صِبْغٌ وَلَا طَلْعُ نَخْلٍ (عَلَى وَرَّاقٍ) أَيْ نَاسِخٍ، وَفِي الصِّحَاحِ أَنَّهُ الَّذِي يُورِقُ وَيَكْتُبُ. أَمَّا بَيَّاعُ الْوَرِقِ فَيُقَالُ لَهُ كَاغَدِيٌّ (وَ) لَا عَلَى (خَيَّاطٍ وَ) لَا (كَحَّالٍ) وَصَبَّاغٍ وَمُلَقِّحٍ فِي اسْتِئْجَارِهِمْ لِذَلِكَ اقْتِصَارًا عَلَى مَدْلُولِ اللَّفْظِ، وَالْأَعْيَانُ لَا تُسْتَحَقُّ بِالْإِجَارَةِ، وَأَمْرُ اللَّبَنِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِلضَّرُورَةِ، (قُلْت: صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الرُّجُوعَ فِيهِ) أَيْ الْمَذْكُورِ (إلَى الْعَادَةِ) لِلنَّاسِ، إذْ لَا ضَبْطَ فِي الشَّرْعِ، وَلَا فِي اللُّغَةِ، وَلَمْ يُعَبِّرْ الرَّافِعِيُّ بِالْأَصَحِّ بَلْ بِالْأَشْبَهِ، ثُمَّ قَالَ (فَإِنْ اضْطَرَبَتْ) أَوْ لَمْ يَكُنْ عَادَةٌ كَمَا فَهِمَ بِالْأُولَى (وَجَبَ الْبَيَانُ، وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُبَيَّنْ (فَتَبْطُلُ) أَيْ لَمْ تَنْعَقِدْ (الْإِجَارَةُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -) ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ عِنْدَ تَرَدُّدِ الْعَادَةِ وَعَدَمِ التَّقْيِيدِ يَلْتَحِقُ بِالْمُجْمَلَاتِ.
تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَنَّ التَّرَدُّدَ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ الْعَقْدُ عَلَى الذِّمَّةِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَيْنِ لَمْ يَجِبْ غَيْرُ نَفْسِ الْعَمَلِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمَتْنِ تَرْجِيحٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، بَلْ فَائِدَتُهُ أَنَّهُ نَقَلَ اخْتِلَافَ تَرْجِيحِ الرَّافِعِيِّ فِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ إيرَادَ كَلَامِ الشَّرْحِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِدْرَاكِ يُشْعِرُ بِتَرْجِيحِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ فِي الرَّوْضَةِ تَصْحِيحَهُ لَمْ يَتَعَقَّبْهُ بِمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَقَدْ يُقَالُ بِتَرْجِيحِ مَا فِي الْمُحَرَّرِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ بِمَا فِي الشَّرْحِ لَمْ يُرَجِّحْهُ، وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ، وَإِذَا أَوْجَبْنَا الْحِبْرَ وَنَحْوَهُ عَلَى الْوَرَّاقِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَجِبْ تَقْدِيرُهُ، وَإِنْ لَمْ نُوجِبْهُ عَلَيْهِ وَشُرِطَ عَلَيْهِ فَسَدَ الْعَقْدُ، وَيَلْحَقُ بِمَا ذُكِرَ قَلَمُ النُّسَّاخِ وَمِرْوَدُ الْكَحَّالِ وَإِبْرَةُ الْخَيَّاطِ.
وَأَمَّا الِاسْتِئْجَارُ عَلَى عَمَلِ النِّعَالِ، فَإِنْ ابْتَاعَ النَّعْلَيْنِ وَالشِّرَاكَيْنِ ثُمَّ اسْتَأْجَرَهُ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ عَلَى الْعَمَلِ - صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا كَمَا نُقِلَ عَنْ نَصِّ

(3/467)


فَصْلٌ يَجِبُ تَسْلِيمُ مِفْتَاحِ الدَّارِ إلَى الْمُكْتَرِي، وَعِمَارَتُهَا عَلَى الْمُؤَجِّرِ، فَإِنْ بَادَرَ وَأَصْلَحَهَا، وَإِلَّا فَلِلْمُكْتَرِي الْخِيَارُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
الْأُمِّ، وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الصَّبَّاغِ وَالْخَيَّاطِ مَعَ أَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِذَلِكَ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ بِاطِّرَادِ الْعَادَةِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ.

[فَصْلٌ فِيمَا يَجِبُ عَلَى مُكْرِي دَارٍ وَدَابَّةٍ]
فَصْلٌ فِيمَا يَجِبُ عَلَى مُكْرِي دَارٍ أَوْ دَابَّةٍ، وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ فَقَالَ: (يَجِبُ) عَلَيْهِ (تَسْلِيمُ مِفْتَاحِ الدَّارِ إلَى الْمُكْتَرِي) إذَا سَلَّمَهَا إلَيْهِ لِتَوَقُّفِ الِانْتِفَاعِ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْهُ فَلِلْمُكْتَرِي الْخِيَارُ، وَلَا يَأْثَمُ الْمُكْرِي بِالْمَنْعِ مِنْ التَّسْلِيمِ لِمَا سَيَأْتِي، وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ فِي مُدَّةِ الْمَنْعِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي، وَإِذَا تَسَلَّمَهُ الْمُكْتَرِي فَهُوَ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ فَلَا يَضْمَنُهُ بِلَا تَفْرِيطٍ، وَإِذَا ضَاعَ مِنْهُ بِلَا تَفْرِيطٍ وَلَمْ يُبَدِّلْهُ الْمُكْرِي لَهُ ثَبَتَ لَهُ الْفَسْخُ، وَلَا يُجْبَرُ الْمُكْرِي عَلَى الْإِبْدَالِ، هَذَا فِي مِفْتَاحِ غَلْقٍ مُثْبَتٍ. أَمَّا الْقُفْلُ الْمَنْقُولُ وَمِفْتَاحُهُ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُكْتَرِي وَإِنْ اُعْتِيدَ، وَلَا يَثْبُتُ لَهُ بِمَنْعِهِ مِنْهُمَا خِيَارٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ دُخُولِ الْمَنْقُولِ فِي الْعَقْدِ الْوَاقِعِ عَلَى الْعَقَارِ، وَالْمِفْتَاحُ تَابِعٌ لِلْغَلْقِ، (وَ) لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ (عِمَارَتُهَا) بَلْ هِيَ (عَلَى الْمُؤَجِّرِ) سَوَاءٌ أَقَارَنَ الْخَلَلُ الْعَقْدَ كَدَارٍ لَا بَابَ لَهَا أَمْ عَرَضَ لَهَا دَوَامًا؟ وَسَوَاءٌ أَكَانَ لَا يُحْتَاجُ لَعَيْنٍ زَائِدَةٍ كَإِقَامَةِ مَائِلٍ أَمْ يُحْتَاجُ: كَبِنَاءٍ وَتَطْيِينٍ؟ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهَا عَلَى الْمُؤَجِّرِ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى عِمَارَتِهَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (فَإِنْ بَادَرَ وَأَصْلَحَهَا) بِالْعِمَارَةِ فَذَاكَ، (وَإِلَّا فَلِلْمُكْتَرِي الْخِيَارُ) إنْ نَقَصَتْ الْمَنْفَعَةُ لِتَضَرُّرِهِ، فَإِذَا وَكَفَ الْبَيْتُ: أَيْ قَطَرَ سَقْفُهُ فِي الْمَطَرِ لِتَرْكِ التَّطْيِينِ ثَبَتَ الْخِيَارُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، فَإِذَا انْقَطَعَ زَالَ الْخِيَارُ، إلَّا إذَا حَصَلَ بِسَبَبِهِ نَقْصٌ وَهَذَا فِي الْخَلَلِ الْحَادِثِ. أَمَّا الْمُقَارِنُ لِلْعَقْدِ إذَا عَلِمَ بِهِ فَلَا خِيَارَ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ بَعْضُهُمْ.
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ عَدَمِ وُجُوبِ الْعِمَارَةِ فِي الْمُطْلَقِ. أَمَّا الْوَقْفُ فَيَجِبُ عَلَى النَّاظِرِ عِمَارَتَهُ حَيْثُ كَانَ فِيهِ رِيعٌ كَمَا أَوْضَحُوهُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ، وَفِي مَعْنَاهُ الْمُتَصَرِّفُ بِالِاحْتِيَاطِ كَوَلِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يُعَمِّرْ فَسَخَ الْمُسْتَأْجِرُ الْإِجَارَةَ وَتَضَرَّرَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُ الْمُؤَجِّرَ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ الْحَرِيقَ وَالنَّهْبَ وَغَيْرَهُمَا، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ وَرَدُّ الْأُجْرَةِ إنْ تَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ، وَإِذَا سَقَطَتْ الدَّارُ عَلَى مَتَاعِ الْمُسْتَأْجِرِ لَمْ يَلْزَمْ الْمُؤَجِّرَ ضَمَانُهُ وَلَا أُجْرَةُ تَخْلِيصِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْغَزَالِيُّ، وَلَوْ غُصِبَتْ الْعَيْنُ الْمُؤَجَّرَةُ وَقَدَرَ الْمَالِكُ عَلَى انْتِزَاعِهَا

(3/468)


وَكَسْحُ الثَّلْجِ عَنْ السَّطْحِ عَلَى الْمُؤَجِّرِ، وَتَنْظِيفُ عَرْصَةِ الدَّارِ عَنْ ثَلْجٍ وَكُنَاسَةٍ عَلَى الْمُكْتَرِي.

وَإِنْ أَجَّرَ دَابَّةً لِرُكُوبٍ فَعَلَى الْمُؤَجِّرِ إكَافٌ وَبَرْذَعَةٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
لَزِمَهُ كَمَا بَحَثَهُ فِي الرَّوْضَةِ هُنَا، وَلَكِنْ اعْتَرَضَ بِأَنَّ مَا بَحَثَهُ هُنَا يُخَالِفُ مَا قَالَهُ آخِرَ الْبَابِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْهَا الْحَرِيقَ وَالنَّهْبَ وَغَيْرَهُمَا كَمَا مَرَّ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَا هُنَاكَ فِيمَا بَعْدَ التَّسْلِيمِ أَوْ فِيمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى انْتِزَاعِهِ إلَّا بِكُلْفَةٍ، وَمَا هُنَا بِخِلَافِهِ فَلَزِمَهُ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مِنْ تَمَامِ التَّسْلِيمِ أَوْ لِعَدَمِ الْكُلْفَةِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ اللُّزُومِ فِي الْحَالَيْنِ، (وَكَسْحُ) أَيْ رَفْعُ (الثَّلْجِ عَنْ السَّطْحِ) فِي دَوَامِ الْإِجَارَةِ (عَلَى الْمُؤَجِّرِ) ؛ لِأَنَّهُ كَعِمَارَةِ الدَّارِ، فَإِنْ تَرَكَهُ وَحَدَث بِهِ عَيْبٌ ثَبَتَ لِلْمُكْتَرِي الْخِيَارُ، وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي دَارٍ لَا يَنْتَفِعُ سَاكِنُهَا بِسَطْحِهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ جَمَلُونَاتٌ، وَإِلَّا فَيَظْهَرُ أَنَّهُ كَالْعَرْصَةِ، (وَتَنْظِيفُ عَرْصَةِ الدَّارِ) وَهِيَ بُقْعَةٌ بَيْنَ الْأَبْنِيَةِ لَيْسَ فِيهَا بِنَاءٌ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْأَلْفَاظِ الْمُطْلَقَةِ، وَجَمْعُهَا عِرَاصٌ وَعَرَصَاتٍ (عَنْ ثَلْجٍ وَكُنَاسَةٍ عَلَى الْمُكْتَرِي) ، إنْ حَصَلَا فِي دَوَامِ الْمُدَّةِ.
أَمَّا الْكُنَاسَةُ، وَهِيَ مَا يَحْصُلُ مِنْ الْقُشُورِ وَنَحْوِهِ فَلِحُصُولِهَا بِفِعْلِهِ بِخِلَافِ التُّرَابِ الَّذِي يَجْتَمِعُ لِهُبُوبِ الرِّيحِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرُ. وَأَمَّا الثَّلْجُ؛ فَلِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ كَمَالُ الِانْتِفَاعِ لَا أَصْلُهُ، وَهُوَ مِمَّا يُتَسَامَحُ بِنَقْلِهِ عُرْفًا. نَعَمْ إنْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ أُجْبِرَ عَلَى نَقْلِ الْكُنَاسَةِ، دُونَ الثَّلْجِ، قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ، وَلَوْ كَانَ التُّرَابُ أَوْ الرَّمَادُ أَوْ الثَّلْجُ الْخَفِيفُ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ إزَالَتَهُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ، إذْ يَحْصُلُ بِهِ التَّسْلِيمُ التَّامُّ، وَنَقْلُ رَمَادِ الْحَمَّامِ وَغَيْرِهِ فِي الِانْتِهَاءِ مِنْ وَظِيفَةِ الْمُسْتَأْجِرِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ، يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ تَبَعًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ، وَتَفْرِيغُ الْبَالُوعَةِ وَمُنْتَقَعِ الْحَمَّامِ وَالْحَشِّ عَلَى الْمُكْتَرِي فِي الدَّوَامِ مَا لَمْ تَنْقَضِ الْمُدَّةُ، وَعَلَى الْمَالِكِ فِي الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ. وَفَارَقَ حُكْمُ الِانْتِهَاءِ هُنَا حُكْمَهُ فِيمَا قَبْلَهُ: بِأَنَّ الْحَادِثَ هُنَا مَعَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ ضَرُورِيٌّ بِخِلَافِهِ ثَمَّ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ تَسْلِيمُ بِئْرِ الْحَشِّ وَالْبَالُوعَةِ وَهُمَا فَارِغَانِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِكَوْنِ مَا ذُكِرَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ إجْبَارَهُ عَلَيْهِ، بَلْ إنَّهُ مِنْ وَظِيفَتِهِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي بَعْض الصُّوَرِ، حَتَّى إذَا تَرَكَ الْمُؤَجِّرُ مَا عَلَيْهِ ثَبَتَ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارُ، أَوْ الْمُسْتَأْجِرُ مَا عَلَيْهِ وَتَعَذَّرَ الِانْتِفَاعُ لَا خِيَارَ لَهُ، وَيُمْنَعُ مُسْتَأْجِرُ دَارٍ لِلسُّكْنَى مِنْ طَرْحِ الرَّمَادِ وَالتُّرَابِ فِي أَصْلِ حَائِطِ الدَّارِ، وَمِنْ رَبْطِ الدَّابَّةِ فِيهَا إلَّا إنْ اُعْتِيدَ رَبْطُهَا فِيهَا، فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الثَّانِي، فَقَالَ: (وَإِنْ أَجَّرَ دَابَّةً لِرُكُوبٍ) إجَارَةِ عَيْنٍ أَوْ ذِمَّةٍ وَأَطْلَقَ (فَعَلَى الْمُؤَجِّرِ إكَافٌ) وَقَدْ مَرَّ ضَبْطُهُ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُفَسَّرَ هُنَا بِغَيْرِ الْبَرْذَعَةِ لِقَوْلِهِ: وَبَرْذَعَةٌ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ. وَحُكِيَ إهْمَالُهَا. وَفَسَّرَهَا الْجَوْهَرِيُّ

(3/469)


وَحِزَامٌ وَثَفَرٌ وَبُرَةٌ وَخِطَامٌ، وَعَلَى الْمُكْتَرِي مَحْمِلٌ وَمِظَلَّةٌ وَوِطَاءٌ وَغِطَاءٌ وَتَوَابِعُهَا، وَالْأَصَحُّ فِي السَّرْجِ اتِّبَاعُ الْعُرْفِ، وَظَرْفُ الْمَحْمُولِ عَلَى الْمُؤَجِّرِ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ، وَعَلَى الْمُكْتَرِي فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ، وَعَلَى الْمُؤَجِّرِ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ الْخُرُوجُ مَعَ الدَّابَّةِ لِتَعَهُّدِهَا، وَإِعَانَةُ الرَّاكِبِ فِي رُكُوبِهِ وَنُزُولِهِ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
بِالْحِلْسِ الَّذِي يُلْقَى تَحْتَ الرَّحْلِ، وَمَنْ يُفَسِّرُ الْإِكَافَ بِالْبَرْذَعَةِ كَصَاحِبِ الْفَصِيحِ يَشْكُلُ عَلَيْهِ عَطْفُ الْمُصَنِّفِ الْبَرْذَعَةَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى عَطْفِ التَّفْسِيرِ، (وَحِزَامٌ) بِكَسْرِ الْحَاءِ بِخَطِّهِ: مَا يُشَدُّ بِهِ الْإِكَافُ (وَثَفَرٌ) بِمُثَلَّثَةٍ وَفَاءٍ مَفْتُوحَةٍ بِخَطِّهِ: مَا يُجْعَلُ تَحْتَ ذَنَبِ الدَّابَّةِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِمُجَاوَرَتِهِ ثَفْرَ الدَّابَّةِ بِسُكُونِ الْفَاءِ وَهُوَ حَيَاؤُهَا، (وَبُرَةٌ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ: حَلْقَةٌ تُجْعَلُ فِي أَنْفِ الْبَعِيرِ، (وَخِطَامٌ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ: خَيْطٌ يُشَدُّ فِي الْبُرَةِ ثُمَّ يُشَدُّ فِي طَرَفِ الْمِقْوَدِ بِكَسْرِ الْمِيمِ؛ لِأَنَّ التَّمْكِينَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَلَا يَحْصُلُ بِدُونِ ذَلِكَ، وَالْعُرْفُ مُطَّرِدٌ بِهِ.
تَنْبِيهٌ إنَّمَا تَجِبُ هَذِهِ الْأُمُورُ عِنْدَ إطْلَاقِ الْعَقْدِ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ لِلرُّكُوبِ، وَإِنْ شَرَطَ مَا ذُكِرَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ شَرَطَ عَدَمَ ذَلِكَ كَأَجَّرْتُكَ هَذِهِ الدَّابَّةَ عُرْيًا بِلَا حِزَامٍ وَلَا إكَافٍ وَلَا غَيْرِهِمَا اُتُّبِعَ الشَّرْطُ، (وَعَلَى الْمُكْتَرِي مَحْمِلٌ) وَقَدْ مَرَّ ضَبْطُهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ (وَمِظَلَّةٌ) يُظَلَّلُ بِهَا عَلَى الْمَحْمِلِ، وَمَرَّ ضَبْطُهَا فِي بَابِ الصُّلْحِ، (وَوِطَاءٌ وَغِطَاءٌ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِمَا مَمْدُودَيْنِ. وَالْأَوَّلُ: مَا يُفْرَشُ فِي الْمَحْمِلِ، وَالثَّانِي مَا يُغَطَّى بِهِ، (وَتَوَابِعُهَا) كَالْحَبْلِ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الْمَحْمِلُ عَلَى الْبَعِيرِ، أَوْ أَحَدِ الْمَحْمِلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَهُمَا عَلَى الْبَعِيرِ أَوْ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ تُرَادُ لِكَمَالِ الِانْتِفَاعِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ بِالْإِجَارَةِ، (وَالْأَصَحُّ) وَفِي الْمُحَرَّرِ الْأَشْبَهُ (فِي السَّرْجِ) لِلْفَرَسِ الْمُؤَجَّرِ (اتِّبَاعُ الْعُرْفِ) فِي مَوْضِعِ الْإِجَارَةِ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ.
وَالثَّانِي: عَلَى الْمُؤَجِّرِ كَالْإِكَافِ، (وَظَرْفُ الْمَحْمُولِ عَلَى الْمُؤَجِّرِ فِي إجَارَةِ) الدَّابَّةِ لِلْحَمْلِ إجَارَةَ (الذِّمَّةِ) ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ النَّقْلَ فَلْيُهَيِّئْ أَسْبَابَهُ، وَالْعَادَةُ مُؤَيِّدَةٌ لَهُ، (وَعَلَى الْمُكْتَرِي فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا تَسْلِيمُ الدَّابَّةِ بِالْإِكَافِ وَنَحْوِهِ كَمَا سَيَأْتِي، (وَعَلَى الْمُؤَجِّرِ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ الْخُرُوجُ مَعَ الدَّابَّةِ) بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ (لِتَعَهُّدِهَا) وَصَوْنِهَا، (وَ) عَلَيْهِ أَيْضًا (إعَانَةُ الرَّاكِبِ فِي رُكُوبِهِ) الدَّابَّةَ (وَنُزُولِهِ) عَنْهَا (بِحَسَبِ الْحَاجَةِ) ، وَتُرَاعَى الْعَادَةُ فِي كَيْفِيَّةِ الْإِعَانَةِ فَيُنِيخُ الْبَعِيرَ لِامْرَأَةٍ وَضَعِيفٍ بِمَرَضٍ أَوْ هَرَمٍ أَوْ سِمَنٍ مُفْرِطٍ وَنَحْوِهَا، وَيُقَرِّبُ الْحِمَارَ وَالْبَغْلَ مِنْ مَكَان مُرْتَفِعٍ لِيَسْهُلَ عَلَيْهِ الرُّكُوبُ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ النَّقْلَ وَالتَّبْلِيغَ وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِهَذِهِ الْأُمُورِ، وَلَا يَلْزَمُهُ

(3/470)


وَرَفْعُ الْمَحْمِلِ وَحَطُّهُ، وَشَدُّ الْمَحْمِلِ وَحَلُّهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ إلَّا التَّخْلِيَةُ بَيْنَ الْمُكْتَرِي وَالدَّابَّةِ.

وَتَنْفَسِخُ إجَارَةُ الْعَيْنِ بِتَلَفِ الدَّابَّةِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
إنَاخَةُ الْبَعِيرِ لِقَوِيٍّ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الْبَعِيرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ لِرُكُوبِهِ تَعَلَّقَ بِهِ وَرَكِبَ وَإِلَّا شَبَّكَ الْجَمَّالُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ لِيَرْقَى عَلَيْهَا وَيَرْكَبَ، وَالِاعْتِبَارُ فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ بِحَالَةِ الرُّكُوبِ لَا بِحَالَةِ الْعَقْدِ، وَعَلَيْهِ أَيْضًا الْوُقُوفُ لِيَنْزِلَ الرَّاكِبُ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَالطَّهَارَةِ وَصَلَاةِ الْفَرْضِ، وَانْتِظَارُ فَرَاغِهِ مِنْهَا، وَلَا يَلْزَمُهُ الْمُبَالَغَةُ فِي التَّخْفِيفِ وَلَا الْقَصْرُ وَلَا الْجَمْعُ، وَلَيْسَ لَهُ التَّطْوِيلُ وَلَوْ كَانَ عَادَتُهُ ذَلِكَ، فَإِنْ طَوَّلَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَلِلْمُؤَجِّرِ الْفَسْخُ، وَلَيْسَ لَهُ أَيْضًا النُّزُولُ لِمَا يَتَأَتَّى فِعْلُهُ عَلَى الدَّابَّةِ كَأَكْلٍ وَشُرْبٍ وَنَافِلَةٍ، وَلَهُ النَّوْمُ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي وَقْتِ الْعَادَةِ دُونَ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ النَّائِمَ يَثْقُلُ، وَفِي لُزُومِ الرَّجُلِ الْقَوِيِّ النُّزُولَ الْمُعْتَادَ لِلْإِرَاحَةِ، وَفِي الْعَقَبَاتِ وَجْهَانِ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ وُجُوبَهُ فِي الْعَقَبَةِ فَقَطْ، وَلَا يَجِبُ النُّزُولُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَالْمَرِيضِ وَالشَّيْخِ الْعَاجِزِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِهِمْ مَنْ لَهُ وَجَاهَةٌ ظَاهِرَةٌ وَشُهْرَةٌ يَحِلُّ مُرُوءَتُهُ فِي الْعَادَةِ الْمَشْيُ، (وَ) عَلَى الْمُؤَجِّرِ الْمَذْكُورِ (رَفْعُ الْمَحْمِلِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ بِخَطِّهِ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ (وَحَطُّهُ) عَلَى ظَهْرِهَا، وَقَوْلُهُ: (وَشَدُّ الْمَحْمِلِ) بِكَسْرِ الْمِيم بِخَطِّهِ يَصْدُقُ بِشَدِّ أَحَدِ الْمَحْمِلَيْنِ إلَى الْآخَرِ وَهُمَا عَلَى الْأَرْضِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، (وَحَلُّهُ) لِاقْتِضَاءِ الْعُرْفِ ذَلِكَ، (وَ) الْمُؤَجِّرُ (لَيْسَ عَلَيْهِ فِي إجَارَةِ) دَابَّةٍ لِرُكُوبٍ أَوْ حَمْلٍ إجَارَةُ (الْعَيْنِ إلَّا التَّخْلِيَةُ بَيْنَ الْمُكْتَرِي وَالدَّابَّةِ) لَا إعَانَتُهُ فِي رُكُوبٍ وَلَا حَمْلٍ وَنَحْوِهَا، وَالْمُرَادُ بِالتَّخْلِيَةِ التَّمْكِينُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالدَّابَّةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ قَبْضَهَا بِالتَّخْلِيَةِ لِئَلَّا يُخَالِفَ قَبْضَ الْمَبِيعِ، وَيُشْتَرَطُ فِي قَبْضِ الدَّابَّةِ سَوْقُهَا أَوْ قَوْدُهَا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَلَا يَكْفِي رُكُوبُهَا كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ.
تَنْبِيهٌ مُؤْنَةُ الدَّلِيلِ وَسَائِقُ الدَّابَّةِ وَأُجْرَةُ الْخَفِيرِ وَحِفْظُ الْمَتَاعِ فِي الْمَنْزِلِ وَالدَّلْوُ وَالرِّشَا فِي الِاسْتِئْجَارِ لِلِاسْتِقَاءِ كَالظَّرْفِ فِيمَا مَرَّ. وَأَمَّا حِفْظُ الدَّابَّةِ فَعَلَى صَاحِبِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ سَلَّمَهَا إلَيْهِ لِيُسَافِرَ عَلَيْهَا وَحْدَهُ فَيَلْزَمُهُ الْحِفْظُ صِيَانَةً لَهَا، لَا بِحُكْمِ الْإِجَارَةِ، قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، وَإِذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا إلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ فَوَصَلَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهَا مَعَهُ إلَّا بِإِذْنِ الْمَالِكِ، بَلْ يُسَلِّمُهَا لِقَاضِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، أَوْ إلَى أَمِينٍ، فَإِنْ تَعَذَّرَ اسْتَصْحَبَهَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْهَبُ وَلَا يَرْكَبُهَا، إلَّا أَنْ تَكُونَ جَمُوحًا كَالْوَدِيعَةِ.

(وَتَنْفَسِخُ) الْإِجَارَةُ فِي (إجَارَةِ الْعَيْنِ) فِي الْمُسْتَقْبَلِ (بِتَلَفِ الدَّابَّةِ) الْمُسْتَأْجَرَةِ، وَلَا تُبَدَّلُ لِفَوَاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ إجَارَةِ الذِّمَّةِ فَإِنَّهَا تُبَدَّلُ،

(3/471)


وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ بِعَيْبِهَا، وَلَا خِيَارَ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ، بَلْ يَلْزَمُهُ الْإِبْدَالُ، وَالطَّعَامُ الْمَحْمُولُ لِيُؤْكَلَ يُبْدَلُ إذَا أُكِلَ فِي الْأَظْهَرِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
(وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ) عَلَى التَّرَاخِي، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ خِلَافًا لِابْنِ السُّكَّرِيِّ مِنْ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ (بِعَيْبِهَا) الْمُقَارِنِ إذَا جُهِلَ، وَالْحَادِثِ لِتَضَرُّرِهِ بِالْبَقَاءِ، وَالْمُرَادُ بِالْعَيْبِ هُنَا مَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَنْفَعَةِ أَثَرًا يَظْهَرُ لَهُ تَفَاوُتٌ فِي الْأُجْرَةِ لَا فِي الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ مَوْرِدَ الْعَقْدِ الْمَنْفَعَةُ، قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَحَيْثُ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ وَأَجَازَ لَزِمَ الْمُسَمَّى، فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ فَاتَ الْخِيَارُ وَلَهُ الْأَرْشُ، وَإِنْ عَلِمَ بِهِ فِي الْأَثْنَاءِ وَفُسِخَ فَلَهُ الْأَرْشُ، وَإِنْ لَمْ يُفْسَخْ فَلَا أَرْشَ لِلْمُسْتَقْبَلِ، وَيُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْغَزِّيُّ وُجُوبُهُ فِيمَا مَضَى كَمَا فِي كُلِّ الْمُدَّةِ.
تَنْبِيهٌ خُشُونَةُ مَشْيِ الدَّابَّةِ لَيْسَ بِعَيْبٍ كَمَا جَزَمَا بِهِ وَخَالَفَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَجَعَلَهُ عَيْبًا، وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ قَالَ: وَبِهِ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ فِي عَيْبِ الْمَبِيعِ. اهـ.
وَجَمَعَ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ مَا هُنَاكَ بِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا خُشُونَةٌ لَا يَخَافُ مِنْهَا السُّقُوطَ بِخِلَافِهِ هُنَا، (وَلَا خِيَارَ) لِلْمُكْتَرِي (فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ) بِعَيْبِ دَابَّةٍ أَحْضَرَهَا الْمُكْرِي (بَلْ يَلْزَمُهُ الْإِبْدَالُ) ، كَمَا لَوْ وَجَدَ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ عَيْبًا؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الذِّمَّةِ بِصِفَةِ السَّلَامَةِ، وَهَذَا غَيْرُ سَلِيمٍ، فَإِذَا لَمْ يَرْضَ بِهِ رَجَعَ إلَى مَا فِي الذِّمَّةِ.
تَنْبِيهٌ سَكَتَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَنْ عَدَمِ انْفِسَاخِهَا بِالْمُتْلَفِ مَعَ أَنَّهُ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لِأَنَّهُ يُعْلَمُ مِنْ نَفْيِهِ الْخِيَارُ بِالْعَيْبِ مِنْ طَرِيقِ أَوْلَى، وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ، وَإِذَا لَمْ تَنْفَسِخْ بِإِتْلَافِهَا أُبْدِلَتْ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ إبْدَالِهَا فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: ثُبُوتُ الْخِيَارِ، وَلَيْسَ لِلْمُكْرِي أَنْ يُبَدِّلَ الدَّابَّةَ الْمُسَلَّمَةَ عَنْ الْإِجَارَةِ فِي الذِّمَّةِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُكْتَرِي، إذْ لِلْمُكْتَرِي إجَارَتُهَا بَعْدَ قَبْضِهَا، وَالِاعْتِيَاضُ عَنْهَا لَا قَبْلَ قَبْضِهَا عَمَّا الْتَزَمَ لَهُ الْمُكْرِي؛ لِأَنَّ إجَارَةَ الذِّمَّةِ كَالسَّلَمِ، وَتُبَدَّلُ هَذِهِ عِنْدَ الْعَيْبِ بِخِلَافِ الْمُعَيَّنَةِ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ أَفْلَسَ الْمُؤَجِّرُ قُدِّمَ بِمَنْفَعَتِهَا عَلَى الْغُرَمَاءِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ أَنْ يُؤَجِّرَ الْعَيْنَ الْمُؤَجَّرَةَ قَبْلَ قَبْضِهَا مِنْ أَجْنَبِيٍّ، وَفِي إجَارَتِهَا لِلْمُؤَجِّرِ وَجْهَانِ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: الْأَصَحُّ صِحَّتُهَا مِنْهُ. اهـ.
وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ بِأَنَّهُ يُتَسَامَحُ فِي الْمَنَافِعِ مَا لَا يُتَسَامَحُ فِي الْأَعْيَانِ، (وَالطَّعَامُ الْمَحْمُولُ) لَا لِيَصِلَ بَلْ (لِيُؤْكَلَ) فِي الطَّرِيقِ (يُبْدَلُ إذَا أُكِلَ فِي الْأَظْهَرِ) ، كَسَائِرِ الْمَحْمُولَاتِ إذَا بَاعَهَا أَوْ تَلِفَتْ. وَالثَّانِي: لَا يُبْدَلُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِي الزَّادِ أَنْ لَا يُبْدَلَ.
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ يَجِدُ الطَّعَامَ فِي الْمَنَازِلِ الْمُسْتَقْبَلَةِ بِسِعْرِ الْمَنْزِلِ الَّذِي

(3/472)


فَصْلٌ يَصِحُّ عَقْدُ الْإِجَارَةِ مُدَّةً تَبْقَى فِيهَا الْعَيْنُ غَالِبًا، وَفِي قَوْلٍ لَا يُزَادُ عَلَى سَنَةٍ وَفِي قَوْلٍ ثَلَاثِينَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
هُوَ فِيهِ، وَإِلَّا أُبْدِلَ قَطْعًا، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ إذَا أُكِلَ عَمَّا إذَا تَلِفَ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ بِسَرِقَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ يُبَدَّلُ جَزْمًا. وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَإِنْ شُرِطَ شَيْءٌ اُتُّبِعَ. وَأَمَّا الْمَاءُ الْمَحْمُولُ إذَا شُرِبَ فَإِنَّهُ يُبَدَّلُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ شُرَّاحِ التَّنْبِيهِ لِتَطَابُقِ اللَّفْظِ وَالْعُرْفِ عَلَى الْإِبْدَالِ، وَلَوْ حَمَلَ التَّاجِرُ مَتَاعًا يَبِيعُهُ فِي طَرِيقِهِ فَبَاعَ بَعْضَهُ، فَفِي فُرُوعِ ابْنِ الْقَطَّانِ يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ، وَيُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ هُوَ مِثْلُ الزَّادِ. اهـ. وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ.

[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الزَّمَنِ الَّذِي تُقَدَّرُ الْمَنْفَعَةُ بِهِ]
فَصْلٌ فِي بَابِ الزَّمَنِ الَّذِي تُقَدَّرُ الْمَنْفَعَةُ بِهِ، وَبَيَانُ مَنْ يَسْتَوْفِيهَا، وَغَيْرُ ذَلِكَ. (يَصِحُّ عَقْدُ الْإِجَارَةِ مُدَّةً) مَعْلُومَةً (تَبْقَى فِيهَا الْعَيْنُ) الْمُؤَجَّرَةُ (غَالِبًا) لِإِمْكَانِ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَلَا يُقَدَّرُ بِمُدَّةٍ إذْ لَا تَوْقِيفَ فِيهِ، وَالْمَرْجِعُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي تَبْقَى فِيهَا الْعَيْنُ غَالِبًا إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ، فَيُؤَجِّرُ الدَّارَ وَالرَّقِيقَ ثَلَاثِينَ سَنَةً، وَالدَّابَّةَ عَشْرَ سِنِينَ، وَالثَّوْبَ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ، وَالْأَرْضَ مِائَةَ سَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ، (وَفِي قَوْلٍ لَا يُزَادُ عَلَى سَنَةٍ) لِانْدِفَاعِ الْحَاجَةِ بِهَا، (وَفِي قَوْلٍ) عَلَى (ثَلَاثِينَ) سَنَةً؛ لِأَنَّهَا نِصْفُ الْعُمْرِ الْغَالِبِ.
تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْوَقْفِ وَالْمُطْلَقِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ صُوَرٌ: إحْدَاهَا مَا إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ لَا يُؤَجَّرَ وَقْفُهُ إلَّا سَنَةً وَنَحْوَهَا فَإِنَّهُ يُتَّبَعُ شَرْطُهُ عَلَى الْأَصَحِّ.
ثَانِيهَا إجَارَةُ الْإِقْطَاعِ لَا تَجُوزُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ كَمَا نَقَلَهُ الْغَزِّيُّ عَنْ ابْنِ جَمَاعَةَ وَأَقَرَّهُ.
ثَالِثُهَا الْمَنْذُورُ إعْتَاقُهُ كَقَوْلِهِ: إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ هَذَا الْعَبْدَ بَعْدَ سَنَةٍ، لَمْ تَجُزْ إجَارَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الْمُدَّةِ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ؛ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى اسْتِمْرَارِ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ بَعْدَ عِتْقِهِ، بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّ مَنْ آجَرَ عَبْدَ نَفْسِهِ ثُمَّ أَعْتَقَهُ لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ.
رَابِعُهَا الْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ. قَالَ الْبَغَوِيّ: إنْ تَحَقَّقَ عَدَمُ وُجُودِ الصِّفَةِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ، وَإِلَّا فَيَجِبُ أَنْ لَا تَجُوزَ كَالصَّبِيِّ، وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: يَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ وَإِنْ تَحَقَّقَ وُجُودُ الصِّفَةِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ لِجَوَازِ أَنْ يَبِيعَهُ فَيَرْتَفِعُ التَّعْلِيقُ، وَبَيْعُ الْمُسْتَأْجَرِ صَحِيحٌ عَلَى الْأَصَحِّ، فَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ كَلَامِ الْبَغَوِيِّ.
خَامِسُهَا إجَارَةُ الْمَرْهُونِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ عَلَى دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الصِّحَّةِ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا

(3/473)


وَلَلْمُكْتَرِي اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ فَيُرْكِبُ وَيُسَكِّنُ مِثْلَهُ، وَلَا يُسَكِّنُ حَدَّادًا وَقَصَّارًا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
بِأَجَلٍ يَحِلُّ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ أَوْ مَعَهَا.
سَادِسُهَا إجَارَةُ الْوَلِيِّ الصَّبِيَّ أَوْ مَالَهُ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ أَنَّهُ لَا يُجَاوِزُ مُدَّةَ بُلُوغِهِ بِالسِّنِّ، فَلَوْ كَانَ عُمْرُهُ عَشَرَ سِنِينَ فَأَجَّرَهُ عَشْرَ سِنِينَ بَطَلَ فِي الزَّائِدِ عَلَى مُدَّةِ الْبُلُوغِ، وَفِي الْبَاقِي قَوْلًا تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَجَّرَهُ مُدَّةً لَا يَبْلُغُ فِيهَا بِالسِّنِّ، وَإِنْ احْتَمَلَ بُلُوغَهُ بِالِاحْتِلَامِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الصَّبِيِّ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي أَكْثَرِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ. أَمَّا أَقَلُّهَا فَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ أَقَلُّ مُدَّةٍ تُؤَجَّرُ الْأَرْضُ فِيهَا لِلزِّرَاعَةِ مُدَّةُ زِرَاعَتِهَا، وَأَقَلُّ مُدَّةٍ تُؤَجَّرُ الدَّارُ لِلسُّكْنَى يَوْمٌ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهُ تَافِهٌ لَا يُقَابَلُ بِعِوَضٍ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ اشْتِرَاطِ بَيَانِ الْمُدَّةِ فِي الْإِجَارَةِ مَسَائِلُ: الْأُولَى سَوَادُ الْعِرَاقِ، فَإِنَّ الْأَصَحُّ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - آجَرَهُ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَاحْتَمَلَ ذَلِكَ لِلْمَصْلَحَةِ الْكُلِّيَّةِ. ثَانِيهَا
أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ إجَارَةِ الدَّارِ وَغَيْرِهَا شَهْرًا مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَقَدْ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ كَمَا مَرَّ عَنْ الْمَجْمُوعِ.
ثَالِثُهَا عَقْدُ الْجِزْيَةِ إذَا قُلْنَا إنَّهَا عَقْدُ إجَارَةٍ عَلَى إقَامَتِهِمْ فِي دَارِنَا وَهُوَ الْأَصَحُّ.
رَابِعُهَا اسْتِئْجَارُ الْعُلُوِّ لِحَقِّ الْبِنَاءِ وَلِإِجْرَاءِ الْمَاءِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ بَيَانُ الْمُدَّةِ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الصُّلْحِ. خَامِسُهَا اسْتِئْجَارُ الذِّمِّيِّ لِلْجِهَادِ مِنْ غَيْرِ تَبْيِينِ الْمُدَّةِ يَجُوزُ لِلضَّرُورَةِ، قَالَهُ فِي الشَّامِلِ فِي بَابِ الْغَنِيمَةِ.
سَادِسُهَا اسْتِئْجَارُ الْإِمَامِ لِلْأَذَانِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا كَمَا مَرَّ فِي فَصْلِ الْأَذَانِ.

وَالْمَنْفَعَةُ الْمُسْتَحَقَّةُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ تَتَوَقَّفُ عَلَى مُسْتَوْفٍ وَمُسْتَوْفًى مِنْهُ وَبِهِ وَفِيهِ، وَأَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: (وَلِلْمُكْتَرِي اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ) كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَ مَا اسْتَأْجَرَهُ مِنْ غَيْرِهِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَمَانَةُ مَنْ سَلَّمَهَا إلَيْهِ، فَلَوْ شَرَطَ اسْتِيفَاءَهَا عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ لَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ بَاعَهُ عَيْنًا وَشَرَطَ أَنْ لَا يَبِيعَهَا، وَلِابْنِ الرِّفْعَةِ فِي ذَلِكَ نَظَرٌ.
تَنْبِيهٌ تَعْبِيرُهُ بِالْمَنْفَعَةِ قَدْ يُخْرِجُ الِاسْتِئْجَارَ لِإِفَادَةِ عَيْنٍ كَالرَّضَاعِ وَالْبِئْرِ لِيَسْتَقِيَ مِنْهَا مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ فِي الْجَمِيعِ، وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ: بِغَيْرِهِ جَوَازَ إعَارَةِ الْمُكْتَرِي الْمَنْفَعَةَ لِغَيْرِهِ، وَقَدْ جَزَمَ بِهِ فِي الْمَتْنِ فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ، وَإِذَا جَازَ الِاسْتِيفَاءُ بِغَيْرِهِ (فَيُرْكِبُ) فِي اسْتِئْجَارِ دَابَّةٍ لِلرُّكُوبِ مِثْلَهُ ضَخَامَةً وَنَحَافَةً وَطُولًا وَعَرْضًا وَقِصَرًا أَوْ دُونَهُ فِيمَا ذُكِرَ، (وَيُسَكِّنُ) فِي اسْتِئْجَارِ دَارٍ لِلسُّكْنَى (مِثْلَهُ، وَلَا يُسَكِّنُ) إذَا كَانَ بَزَّازًا مَثَلًا (حَدَّادًا، وَ) لَا (قَصَّارًا) لِزِيَادَةِ الضَّرَرِ بِدَقِّهِمَا، وَكَذَا يُلْبِسُ الثَّوْبَ مِثْلَهُ وَدُونَهُ، وَيَنْبَغِي فِي اللَّابِسِ الْمُمَاثَلَةُ فِي النَّظَافَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ اسْتِيفَاءَ عَيْنِ الْمَنْفَعَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ بِغَيْرِ زِيَادَةٍ، وَلَعَلَّ ضَابِطَ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُسَاوِيَ الْمُسْتَأْجِرَ فِي الضَّرَرِ بِالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، وَيُعَبَّرُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْمُسْتَوْفِيَ يَجُوزُ إبْدَالُهُ، وَاسْتَثْنَى جَمْعٌ مِنْهُمْ

(3/474)


وَمَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ كَدَارٍ وَدَابَّةٍ مُعَيَّنَةٍ لَا يُبْدَلُ، وَمَا يُسْتَوْفَى بِهِ كَثَوْبٍ وَصَبِيٍّ عُيِّنَ لِلْخَيَّاطَةِ وَالِارْتِضَاعِ يَجُوزُ إبْدَالُهُ فِي الْأَصَحِّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
الْجُرْجَانِيِّ: مَا لَوْ قَالَ: لِتَسْكُنَهَا وَتُسْكِنَ مَنْ شِئْت لِلْإِذْنِ، كَمَا لَوْ قَالَ: ازْرَعْ مَا شِئْت، وَلِلْأَذْرَعِيِّ فِي ذَلِكَ نَظَرٌ. وَأَشَارَ لِلثَّانِي بِقَوْلِهِ: (وَمَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ) الْمَنْفَعَةُ (كَدَارٍ وَدَابَّةٍ مُعَيَّنَةٍ) هُوَ قَيْدٌ فِي الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّ الدَّارَ لَا تَكُونُ إلَّا مُعَيَّنَةً، وَلَوْ كَانَ قَيْدًا فِيهَا لَوَجَبَ التَّثْنِيَةُ (- لَا يُبْدَلُ) ؛ لِأَنَّهُ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ فَأَشْبَهَ الْمَبِيعَ، وَلِهَذَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِتَلَفِهِ وَيُرَدُّ بِالْعَيْبِ.
تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى مِنْ مَفْهُومِ الْمَتْنِ جَوَازُ الْإِبْدَالِ إذَا لَمْ تَكُنْ مُعَيَّنَةً مَا إذَا أَسْلَمَ دَابَّةً عَمَّا فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّهَا لَا تُبَدَّلُ بِغَيْرِ رِضَاهُ فِي الْأَصَحِّ كَمَا مَرَّ. وَأَشَارَ إلَى الثَّالِثِ بِقَوْلِهِ: (وَمَا يُسْتَوْفَى) الْمَنْفَعَةُ (بِهِ كَثَوْبٍ وَصَبِيٍّ عُيِّنَ) الْأَوَّلُ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ (لِلْخِيَاطَةِ، وَ) الثَّانِي: لِأَجْلِ (الِارْتِضَاعِ) أَوْ التَّعْلِيمِ (- يَجُوزُ إبْدَالُهُ) أَيْ مَا ذُكِرَ بِمِثْلِهِ (فِي الْأَصَحِّ) وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْأَجِيرُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعْقُودًا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا هُوَ طَرِيقٌ لِلِاسْتِيفَاءِ، فَأَشْبَهَ الرَّاكِبَ وَالْمَتَاعَ الْمُعَيَّنَ لِلْحَمْلِ. وَالثَّانِي الْمَنْعُ: كَالْمُسْتَوْفَى مِنْهُ، وَجَرَى عَلَيْهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْخُلْعِ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ وَابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ، وَرَجَّحَ الْأَوَّلَ فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ، وَرَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْمُسْتَوْفَى فِيهِ، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ إبْدَالُهُ، كَأَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِرُكُوبٍ فِي طَرِيقٍ لَهُ إبْدَالُ الطَّرِيقِ بِمِثْلِهِ أَوْ دُونِهِ.
تَنْبِيهٌ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ عُيِّنَ أَشَارَ بِهِ إلَى مَا نَقَلَاهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ وَأَقَرَّاهُ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إذَا الْتَزَمَ فِي ذِمَّتِهِ خِيَاطَةَ ثَوْبٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ حَمْلَ مَتَاعٍ مُعَيَّنٍ، أَمَّا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً مُعَيَّنَةً لِرُكُوبٍ أَوْ حَمْلِ مَتَاعٍ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ إبْدَالِ الرَّاكِبِ وَالْمَتَاعِ، وَفَرَّقَ بِأَنَّ الْعَقْدَ - وَالْحَالَةُ هَذِهِ - يَتَنَاوَلُ الْمُدَّةَ بِدَلِيلِ اسْتِقْرَارِ الْأُجْرَةِ بِتَسْلِيمِهَا وَإِنْ لَمْ يَرْكَبْ، وَإِذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ تَنَاوَلَ الْعَقْدُ الْعَمَلَ الْمُسْتَوْفَى بِهِ؛ فَكَأَنَّهُ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ، وَلِلْإِمَامِ نَحْوُهُ، وَلَوْ اعْتَاضَ عَنْ مَنْفَعَةٍ بِمَنْفَعَةٍ جَازَ قَطْعًا، وَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: وَعَيْنَا بِالتَّثْنِيَةِ فَإِنَّهُ صِفَةٌ لِصَبِيٍّ وَثَوْبٍ، وَإِيقَاعُ ضَمِيرِ الْمُفْرَدِ مَوْضِعَ التَّثْنِيَةِ شَاذٌّ.

فَرْعٌ لَوْ اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا لِلُّبْسِ لَمْ يَنَمْ فِيهِ لَيْلًا عَمَلًا بِالْعَادَةِ، وَلَوْ كَانَ الثَّوْبَ التَّحْتَانِيَّ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فَطَرِيقُهُ إذَا أَرَادَ النَّوْمَ فِيهِ أَنْ يَشْرُطَهُ وَيَنَامَ فِي الثَّوْبِ التَّحْتَانِيِّ نَهَارًا سَاعَةً أَوْ سَاعَتَيْنِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْفَوْقَانِيُّ فَلَا يَنَامُ فِيهِ وَلَا يَلْبَسُهُ كُلَّ وَقْتٍ، بَلْ عِنْدَ التَّجَمُّلِ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي جَرَتْ الْعَادَةُ فِيهَا بِالتَّجَمُّلِ كَحَالَةِ الْخُرُوجِ إلَى السُّوقِ وَنَحْوِهِ،

(3/475)


وَيَدُ الْمُكْتَرِي عَلَى الدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ يَدُ أَمَانَةٍ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ وَكَذَا بَعْدَهَا فِي الْأَصَحِّ.

وَلَوْ رَبَطَ دَابَّةً اكْتَرَاهَا لِحَمْلٍ أَوْ رُكُوبٍ وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا لَمْ يَضْمَنْ إلَّا إذَا انْهَدَمَ عَلَيْهَا إصْطَبْلٌ فِي وَقْتٍ لَوْ انْتَفَعَ بِهَا لَمْ يُصِبْهَا الْهَدْمُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
وَدُخُولِ النَّاسِ عَلَيْهِ، وَيَنْزِعُهُ فِي أَوْقَاتِ الْخَلْوَةِ عَمَلًا بِالْعُرْفِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَّزِرَ بِقَمِيصٍ اسْتَأْجَرَهُ لِلُبْسِهِ، وَلَا بِرِدَاءٍ اسْتَأْجَرَهُ لِلِارْتِدَاءِ بِهِ، وَلَهُ أَنْ يَرْتَدِيَ وَيَتَعَمَّمَ بِمَا اسْتَأْجَرَهُ لِلُّبْسِ وَالِاتِّزَارِ. وَلَوْ اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا يَوْمًا كَامِلًا فَمِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ، إذْ النَّهَارُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ، وَقِيلَ: مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الْغُرُوبِ، أَوْ يَوْمًا وَأَطْلَقَ فَمِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ إلَى مِثْلِهِ، أَوْ لِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ دَخَلَتْ اللَّيَالِي الْمُشْتَمِلَةُ عَلَيْهَا. (وَيَدُ الْمُكْتَرِي عَلَى) الْمُسْتَأْجَرِ مِنْ (الدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ) وَغَيْرِهِمَا (يَدُ أَمَانَةٍ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ) جَزْمًا، فَلَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ فِيهَا بِلَا تَقْصِيرٍ، إذْ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ حَقِّهِ، إلَّا بِوَضْعِ الْيَدِ عَلَيْهَا، وَعَلَيْهِ دَفْعُ مُتْلَفَاتِهَا كَالْمُودَعِ.
تَنْبِيهٌ لَوْ قَالَ: عَلَى الْمُسْتَأْجَرِ كَمَا قَدَّرْتُهُ بَدَلَ عَلَى الدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ، لَكَانَ أَخَصْرَ وَأَشْمَلَ، (وَكَذَا بَعْدَهَا) إذَا لَمْ يَسْتَعْمِلْهَا (فِي الْأَصَحِّ) اسْتِصْحَابًا لِمَا كَانَ كَالْمُودَعِ، فَلَا يَلْزَمُهُ رَدُّهَا، بَلْ التَّخْلِيَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَالِكِ كَالْوَدِيعَةِ. وَالثَّانِي: يَدُ ضَمَانٍ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: إنَّهَا بَعْدَ الْمُدَّةِ أَمَانَةٌ شَرْعِيَّةٌ كَثَوْبٍ أَلْقَتْهُ الرِّيحُ بِدَارِهِ، فَإِنْ تَلِفَتْ عَقِبَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ أَوْ إعْلَامِهِ فَلَا ضَمَانَ جَزْمًا. أَمَّا إذَا اسْتَعْمَلَهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا قَطْعًا.

تَنْبِيهٌ لَوْ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ بِسَبَبٍ وَلَمْ يُعْلِمْ الْمُسْتَأْجِرُ الْمَالِكَ بِالِانْفِسَاخِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهِ ضَمِنَهَا وَمَنَافِعَهَا لِتَقْصِيرِهِ بِعَدَمِ إعْلَامِهِ، فَإِنْ أَعْلَمَهُ أَوْ لَمْ يُعْلِمْهُ لِعَدَمِ عِلْمِهِ أَوْ كَانَ هُوَ عَالِمًا بِهِ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَلَا تَقْصِيرَ مِنْهُ، (وَلَوْ رَبَطَ دَابَّةً اكْتَرَاهَا لِحَمْلٍ أَوْ رُكُوبٍ) أَوْ غَيْرِهِ كَحَرْثٍ وَاسْتِقَاءٍ (وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا) وَتَلِفَتْ (لَمْ يَضْمَنْ) قِيمَتَهَا؛ لِأَنَّهَا بِيَدِهِ أَمَانَةٌ، وَسَوَاءٌ أُتْلِفَتْ فِي الْمُدَّةِ أَمْ بَعْدَهَا عَلَى الْأَصَحِّ، (إلَّا إذَا انْهَدَمَ عَلَيْهَا إصْطَبْلٌ) وَهُوَ عَجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ (فِي وَقْتٍ) لِلِانْتِفَاعِ (لَوْ انْتَفَعَ بِهَا) فِيهِ - خَارِجًا عَنْ إصْطَبْلِهَا وَقْتَ الِانْهِدَامِ - مَعَ جَرَيَانِ الْعَادَةِ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا ذَلِكَ الْوَقْتَ كَالنَّهَارِ، (لَمْ يُصِبْهَا الْهَدْمُ) ، بَلْ تَسْلَمُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِرَبْطِهَا فِيهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَلِفَتْ بِانْهِدَامِ سَقْفٍ فِي وَقْتٍ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِاسْتِعْمَالِهَا فِيهِ كَجُنْحِ اللَّيْلِ فِي الشِّتَاءِ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الضَّمَانَ بِذَلِكَ ضَمَانُ جِنَايَةٍ لَا ضَمَانُ يَدٍ، وَإِنْ تَرَدَّدَ فِيهِ السُّبْكِيُّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَسَكَتُوا عَمَّا لَوْ سَافَرَ بِهَا فَتَلِفَتْ فَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهَا التَّفْصِيلُ، فَيُقَالَ: إنْ سَافَرَ فِي وَقْتٍ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِالسَّيْرِ فِيهِ فَتَلِفَتْ بِآفَةٍ أَوْ نَقَصَتْ ضَمِنَ، وَلَوْ تَرَكَ

(3/476)


وَلَوْ تَلِفَ الْمَالُ فِي يَدِ أَجِيرٍ بِلَا تَعَدٍّ كَثَوْبٍ اُسْتُؤْجِرَ لِخِيَاطَتِهِ أَوْ صَبْغِهِ لَمْ يَضْمَنْ إنْ لَمْ يَنْفَرِدْ بِالْيَدِ بِأَنْ قَعَدَ الْمُسْتَأْجِرُ مَعَهُ أَوْ أَحْضَرَهُ مَنْزِلَهُ، وَكَذَا إنْ انْفَرَدَ فِي أَظْهَرِ الْأَقْوَالِ، وَالثَّالِثُ يَضْمَنُ الْمُشْتَرَكُ، وَهُوَ مَنْ الْتَزَمَ عَمَلًا فِي ذِمَّتِهِ، لَا الْمُنْفَرِدُ، وَهُوَ مَنْ أَجَرَ نَفْسَهُ مُدَّةً مُعَيَّنَةً لِعَمَلٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
الِانْتِفَاعَ بِهَا فِي وَقْتِ مَرَضٍ أَوْ خَوْفٍ عَرَضَ لَهُ فَتَلِفَتْ بِذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْخَوْفِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ.
تَنْبِيهٌ إنَّمَا قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ بِالرَّبْطِ لِيَسْتَثْنِيَ مِنْهَا، وَإِلَّا لَوْ تَلِفَ فِي مُدَّةِ الِانْتِفَاعِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَلَوْ حَمَلَ قِدْرًا لِلرَّدِّ عَلَى دَابَّةٍ فَانْكَسَرَتْ الْقِدْرُ بِتَعَثُّرِ الدَّابَّةِ، فَإِنْ كَانَ لَا يُسْتَقَلُّ بِحَمْلِهَا أَوْ كَانَ لَا يَلِيقُ بِهِ حَمْلُهَا كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِلَّا ضَمِنَ لِتَقْصِيرِهِ، إذْ الْعَادَةُ أَنَّ الْقِدْرَ لَا تُرَدُّ عَلَى الدَّابَّةِ مَعَ اسْتِقْلَالِ الْمُسْتَأْجِرِ بِحَمْلِهَا.

(وَلَوْ تَلِفَ الْمَالُ) أَوْ بَعْضُهُ (فِي يَدِ أَجِيرٍ) قَبْلَ الْعَمَلِ فِيهِ أَوْ بَعْدَهُ (بِلَا تَعَدٍّ) مِنْهُ فِيهِ (كَثَوْبٍ اُسْتُؤْجِرَ لِخِيَاطَتِهِ أَوْ صَبْغِهِ) بِفَتْحِ الصَّادِ بِخَطِّهِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَصْدَرِ مَا لَا يُصْبَغُ بِهِ (- لَمْ يَضْمَنْ إنْ لَمْ يَنْفَرِدْ) ذَلِكَ الْأَجِيرُ (بِالْيَدِ) ، وَفَسَّرَ عَدَمَ الِانْفِرَادِ بِهَا بِقَوْلِهِ: (بِأَنْ قَعَدَ الْمُسْتَأْجِرُ مَعَهُ أَوْ أَحْضَرَهُ مَنْزِلَهُ) وَلَمْ يَقْعُدْ، وَكَذَا لَوْ حَمَّلَهُ الْمَتَاعَ وَمَشَى خَلْفَهُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَالِكِ ثَابِتَةٌ عَلَى الْعَيْنِ حُكْمًا، وَإِنَّمَا اسْتَعَانَ بِالْأَجِيرِ فِي شُغْلِهِ كَالْمُسْتَعِينِ بِالْوَكِيلِ، (وَكَذَا إنْ انْفَرَدَ) بِالْيَدِ، سَوَاءٌ الْمُشْتَرَكُ وَالْمُنْفَرِدُ، فَإِنْ انْتَفَى مَا ذُكِرَ فِي الْقِسْمِ قَبْلَهُ لَا يَضْمَنُ (فِي أَظْهَرِ الْأَقْوَالِ) . وَالثَّانِي: يَضْمَنُ كَالْمُسْتَامِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ. وَدُفِعَ بِأَنَّهُ أَخَذَهُ لِمَنْفَعَةِ الْمُسْتَأْجِرِ أَيْضًا فَلَا يَضْمَنُ كَعَامِلِ الْقِرَاضِ. وَقَالَ الرَّبِيعُ: اعْتِقَادُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْأَجِيرِ، وَأَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِعِلْمِهِ، وَكَانَ لَا يَبُوحُ بِهِ خَشْيَةَ قُضَاةِ السُّوءِ وَأُجَرَاءِ السُّوءِ. وَقَالَ الْفَارِقِيُّ بَعْدَ أَنْ صَحَّحَ الْأَوَّلَ: إلَّا أَنْ يَعْمَلَ بِهِ: أَيْ بِالثَّانِي لِفَسَادِ النَّاسِ. قَالَ: وَلِي نَحْوُ ثَلَاثِينَ سَنَةً مَا أَفْتَيْتُ بِوَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَلَا حَكَمْتُ إلَّا بِالْمَصْلَحَةِ. (وَالثَّالِثُ: يَضْمَنُ) الْأَجِيرُ (الْمُشْتَرَكُ) ، وَفَسَّرَ الْمُشْتَرَكُ بِقَوْلِهِ: (وَهُوَ مَنْ الْتَزَمَ عَمَلًا فِي ذِمَّتِهِ) كَعَادَةِ الْقَصَّارِينَ وَالْخَيَّاطِينَ، وَسُمِّيَ مُشْتَرَكًا؛ لِأَنَّهُ إنْ الْتَزَمَ الْعَمَلَ لِجَمَاعَةٍ فَذَاكَ، أَوْ لِوَاحِدٍ أَمْكَنَهُ أَنْ يَلْتَزِمَ لِآخَرَ مِثْلَهُ، فَكَأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ النَّاسِ، (لَا) الْأَجِيرُ (الْمُنْفَرِدُ، وَهُوَ مَنْ أَجَرَ نَفْسَهُ مُدَّةً مُعَيَّنَةً لِعَمَلٍ) لِغَيْرِهِ لَا يُمْكِنُهُ شَرْعًا الْتِزَامُ مِثْلِهِ لِآخَرَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِانْفِرَادِ الْمُسْتَأْجِرِ بِمَنْفَعَتِهِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ مَنَافِعُهُ مُخْتَصَّةٌ بِالْمُسْتَأْجِرِ فِي الْمُدَّةِ، فَيَدُهُ كَالْوَكِيلِ مَعَ الْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرَكِ

(3/477)


وَلَوْ دَفَعَ ثَوْبًا إلَى قَصَّارٍ لِيُقَصِّرَهُ أَوْ خَيَّاطٍ لِيَخِيطَهُ فَفَعَلَ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ أُجْرَةً فَلَا أُجْرَةَ لَهُ، وَقِيلَ لَهُ، وَقِيلَ إنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ الْعَمَلِ فَلَهُ، وَإِلَّا فَلَا، وَقَدْ يُسْتَحْسَنُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
تَنْبِيهٌ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً لَيْسَ بِقَيْدٍ؛ لِأَنَّ الْمَأْخَذَ كَوْنُهُ أَوْقَعَ الْإِجَارَةَ عَلَى عَيْنِهِ، وَقَدْ يُقَدَّرُ بِالْعَمَلِ دُونَ الْمُدَّةِ كَعَكْسِهِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: " بِلَا تَعَدٍّ " عَمَّا إذَا تَعَدَّى فَيَضْمَنُ مُطْلَقًا قَطْعًا، كَمَا لَوْ أَسْرَفَ الْخَبَّازُ فِي الْوَقُودِ أَوْ تَرَكَ الْخُبْزَ فِي النَّارِ حَتَّى احْتَرَقَ، أَوْ ضَرَبَ عَلَى التَّأْدِيبِ وَالتَّعْلِيمِ الصَّبِيَّ فَمَاتَ؛ لِأَنَّ تَأْدِيبَهُ بِغَيْرِ الضَّرْبِ مُمْكِنٌ، وَمَتَى اخْتَلَفَا فِي التَّعَدِّي عُمِلَ بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَجِيرِ، وَحَيْثُ ضَمَّنَا الْأَجِيرَ، فَإِنْ كَانَ بِتَعَدٍّ فَبِأَقْصَى قِيَمِهِ مِنْ وَقْتِ الْقَبْضِ إلَى وَقْتِ التَّلَفِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِ فَبِوَقْتِ التَّلَفِ.
فَرْعٌ
الْأَجِيرُ لِحِفْظِ الدُّكَّانِ مَثَلًا لَا ضَمَان عَلَيْهِ إذَا أُخِذَ مَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لَهُ عَلَى الْمَالِ. قَالَ الْقَفَّالُ: وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْحَارِسِ فِي السِّكَّةِ لَوْ سُرِقَ مِنْ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ السِّكَّةِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَيُعْلَمُ مِنْهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَنَّ الْخُفَرَاءَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ. .

(وَلَوْ دَفَعَ ثَوْبًا) بِلَا اسْتِئْجَارٍ (إلَى قَصَّارٍ لِيُقَصِّرَهُ أَوْ) إلَى (خَيَّاطٍ لِيَخِيطَهُ) أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ كَغَسَّالٍ يَغْسِلُهُ (فَفَعَلَ) ذَلِكَ (وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ أُجْرَةً فَلَا أُجْرَةَ لَهُ) عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ وَقَوْلِ الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ لَهُ عِوَضًا فَصَارَ كَقَوْلِهِ: أَطْعِمْنِي فَأَطْعَمَهُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَسْكِنِّي دَارَك شَهْرًا فَأَسْكَنَهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ أُجْرَةً بِالْإِجْمَاعِ، (وَقِيلَ: لَهُ) أُجْرَةُ مِثْلٍ، لِاسْتِهْلَاكِ الدَّافِعِ عَمَلَهُ، (وَقِيلَ: إنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ الْعَمَلِ) بِأُجْرَةٍ (فَلَهُ) أُجْرَةُ الْمِثْلِ. وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ: تَجِبُ لَهُ الْأُجْرَةُ الَّتِي جَرَتْ بِهَا الْعَادَةُ لِذَلِكَ الْعَمَلِ وَإِنْ زَادَتْ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ، (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ الْعَمَلِ (فَلَا) أُجْرَةَ لَهُ، (وَقَدْ يُسْتَحْسَنُ) هَذَا الْوَجْهُ لِدَلَالَةِ الْعُرْفِ عَلَى ذَلِكَ وَقِيَامِهِ مَقَامَ اللَّفْظِ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ، وَعَلَى هَذَا عَمَلُ النَّاسِ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: إنَّهُ الْأَظْهَرُ. وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ: إنَّهُ الْأَصَحُّ، وَحَكَاهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ، وَقَالَ إنَّهُ الِاخْتِيَارُ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: وَبِهِ أُفْتِي بِهِ وَأَفْتَى بِهِ خَلَائِقُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَإِذَا قُلْنَا لَا أُجْرَةَ لَهُ عَلَى الْأَصَحِّ فَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إذَا كَانَ حُرًّا مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ. أَمَّا لَوْ كَانَ عَبْدًا أَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ وَنَحْوِهِ فَلَا، إذْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ بِمَنَافِعِهِمْ الْمُقَابَلَةِ بِالْأَعْوَاضِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: وَلَمْ يَذْكُرْ أُجْرَةً عَمَّا إذَا قَالَ: مَجَّانًا فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا قَطْعًا، وَمَا لَوْ ذَكَرَ أُجْرَةً فَيَسْتَحِقُّهَا جَزْمًا، وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً فَالْمُسَمَّى، وَإِلَّا فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَلَوْ عَرَّضَ

(3/478)


وَلَوْ تَعَدَّى الْمُسْتَأْجِرُ بِأَنْ ضَرَبَ الدَّابَّةَ أَوْ كَبَحَهَا فَوْقَ الْعَادَةِ أَوْ أَرْكَبَهَا أَثْقَلَ مِنْهُ أَوْ أَسْكَنَ حَدَّادًا أَوْ قَصَّارًا ضَمِنَ الْعَيْنَ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
بِذِكْرِ أُجْرَةٍ كَاعْمَلْ وَأَنَا أُرْضِيك أَوْ اعْمَلْ وَمَا تَرَى مِنِّي إلَّا مَا يَسُرُّك أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، كَقَوْلِهِ: حَتَّى أُحَاسِبَك اسْتَحَقَّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ كَمَا فِي الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ تُرَدُّ هَذِهِ عَلَى الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي هَذِهِ أُجْرَةً، إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ أُجْرَةً لَا تَصْرِيحًا وَلَا تَعْرِيضًا. وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَتْنِ مَسَائِلُ:
إحْدَاهَا عَامِلُ الْمُسَاقَاةِ إذَا عَمِلَ مَا لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِهَا بِإِذْنِ الْمَالِكِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَا تُسْتَثْنَى، لِأَنَّ عَمَلَهُ تَابِعٌ لِمَا فِيهِ أُجْرَةٌ، فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْأُجْرَةِ فِي الْجُمْلَةِ.
ثَانِيهَا عَامِلُ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْعِوَضَ وَلَوْ لَمْ يُسَمِّ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا تُسْتَثْنَى؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ ثَابِتَةٌ لَهُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ مُسَمَّاةٌ شَرْعًا وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهَا الْإِمَامُ.
ثَالِثُهَا عَامِلُ الْقِسْمَةِ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ فَلِلْقَاسِمِ الْأُجْرَةُ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ، كَذَا اسْتَثْنَاهَا بَعْضُهُمْ، وَنَازَعَ فِي التَّوْشِيحِ فِي اسْتِثْنَائِهَا، وَقَالَ: إنَّهُ كَغَيْرِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَأَمَّا دَاخِلُ الْحَمَّامِ بِلَا إذْنٍ مِنْ الْحَمَّامِيِّ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْرٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَصَّارِ وَنَحْوِهِ أَنَّ هَؤُلَاءِ، صَرَفُوا مَنَافِعَهُمْ لِغَيْرِهِمْ، وَالدَّاخِلُ لِلْحَمَّامِ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ الْحَمَّامِ بِسُكُونِهِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي الدُّخُولِ، فَالْحَمَّامِيُّ فِيهِ كَالْأَجِيرِ كَمَا قَالُوا بِهِ فِيمَنْ دَخَلَ سَفِينَةً بِإِذْنِ صَاحِبِهَا حَتَّى أَتَى السَّاحِلَ فَإِنَّهُ كَالْأَجِيرِ فِيمَا ذَكَرَ: أَيْ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ، فَإِنْ دَخَلَهَا بِغَيْرِ إذْنٍ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ الْأُجْرَةَ. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَلَعَلَّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ مَالِكُهَا حَتَّى سَيَّرَهَا، وَإِلَّا فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كَمَا لَوْ وَضَعَ مَتَاعَهُ عَلَى دَابَّةِ غَيْرِهِ فَسَيَّرَهَا مَالِكُهَا فَإِنَّهُ لَا أُجْرَةَ عَلَى مَالِكِهِ وَلَا ضَمَانَ.
فَرْعٌ
مَا يَأْخُذُهُ الْحَمَّامِيُّ أُجْرَةُ الْحَمَّامِ وَالْآلَةِ مِنْ سَطْلٍ وَإِزَارٍ وَنَحْوِهَا وَحِفْظِ الْمَتَاعِ، لَا ثَمَنُ الْمَاءِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْبُوطٍ فَلَا يُقَابَلُ بِعِوَضٍ، فَالْحَمَّامِيُّ مُؤَجِّرٌ لِلْآلَةِ وَأَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ فِي الْأَمْتِعَةِ فَلَا يَضْمَنُهَا كَسَائِرِ الْأُجَرَاءِ، وَالْآلَةُ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ عَلَى الدَّاخِلِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَأْجِرٌ لَهَا، وَلَوْ كَانَ مَعَ الدَّاخِلِ الْآلَةُ وَمَنْ يَحْفَظُ الْمَتَاعَ كَانَ مَا يَأْخُذُهُ الْحَمَّامِيُّ أُجْرَةَ الْحَمَّامِ فَقَطْ.

(وَلَوْ تَعَدَّى الْمُسْتَأْجِرُ بِأَنْ ضَرَبَ الدَّابَّةَ أَوْ كَبَحَهَا) بِمُوَحَّدَةٍ وَمُهْمَلَةٍ، وَيُقَالُ: بِمِيمٍ بَدَلَ الْمُوَحَّدَةِ، وَيُقَالُ: بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ بَدَلَ الْمُوَحَّدَةِ أَيْضًا، وَيُقَالُ: أَكْبَحَ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ جَذَبَهَا بِاللِّجَامِ لِتَقِفَ، وَقَوْلُهُ: (فَوْقَ الْعَادَةِ) قَيْدٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، (أَوْ أَرْكَبَهَا أَثْقَلَ مِنْهُ، أَوْ أَسْكَنَ حَدَّادًا أَوْ قَصَّارًا) وَهُمَا أَشَدُّ ضَرَرًا مِمَّا اسْتَأْجَرَ لَهُ (ضَمِنَ الْعَيْنَ) أَيْ دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ لِتَعَدِّيهِ،

(3/479)


وَكَذَا لَوْ اكْتَرَى لِحَمْلِ مِائَةِ رِطْلٍ مِنْ حِنْطَةٍ فَحَمَلَ مِائَةً شَعِيرًا أَوْ عَكَسَ أَوْ لِعَشَرَةِ أَقْفِزَةِ شَعِيرٍ فَحَمَلَ حِنْطَةً دُونَ عَكْسِهِ.

وَلَوْ اكْتَرَى لِمِائَةٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
وَالْقَرَارُ عَلَى الْمُسْتَعْمِلِ الثَّانِي إنْ عَلِمَ الْحَالَ، وَإِلَّا فَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ كَانَتْ يَدُ الثَّانِي يَدَ أَمَانَةٍ كَالْمُسْتَأْجِرِ؛ فَإِنْ كَانَتْ يَدَ ضَمَانٍ كَالْمُسْتَعِيرِ فَالْقَرَارُ عَلَيْهِ كَمَا أَوْضَحُوهُ فِي الْغَصْبِ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ. فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرُوهُ فِي الْغَصْبِ فِيمَنْ تَرَتَّبَتْ يَدُهُ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ وَهُنَا تَرَتَّبَتْ يَدُهُ عَلَى يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ لَا يَضْمَنُ.
أُجِيبَ بِأَنَّهُ بِإِرْكَابِهِ مَنْ هُوَ أَثْقَلُ مِنْهُ صَارَ فِي حُكْمِ الْغَاصِبِ، وَلِهَذَا ضَمِنَ الْعَيْنَ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ: إنَّهُ لَوْ أَرْكَبَ مِثْلَهُ فَجَاوَزَ الْعَادَةَ فِي الضَّرْبِ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ. أَمَّا الضَّرْبُ الْمُعْتَادُ إذَا أَفْضَى إلَى تَلَفٍ، فَلَا يُوجِبُ ضَمَانًا. فَإِنْ قِيلَ: ضَرْبُ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ الضَّرْبَ الْمُعْتَادَ يُوجِبُ الضَّمَانَ.
أُجِيبَ بِأَنَّ تَأْدِيبَهَا مُمْكِنٌ بِاللَّفْظِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الظَّنِّ بِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ إلَّا الضَّرْبُ فَهُوَ اجْتِهَادٌ فَاكْتَفَى بِهِ لِلْإِبَاحَةِ دُونَ سُقُوطِ الضَّمَانِ، وَلَوْ ارْتَدَفَ مَعَ مُكْتَرِيَيْ دَابَّةٍ رَكِبَاهَا ثَالِثٌ عُدْوَانًا ضَمِنَ الثُّلُثَ إنْ تَلِفَتْ تَوْزِيعًا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَا عَلَى قَدْرِ أَوْزَانِهِمْ؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يُوزَنُونَ غَالِبًا. وَلَوْ سَخَّرَ رَجُلًا وَبَهِيمَتَهُ فَمَاتَتْ فِي يَدِ صَاحِبِهَا قَبْلَ اسْتِعْمَالِهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسَخِّرِ؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِ صَاحِبِهَا. أَمَّا بَعْدَ اسْتِعْمَالِهَا فَهِيَ مُعَارَةٌ.
تَنْبِيهٌ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ إلَى أَنَّ التَّعَدِّيَ فِي رَقَبَةِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ - لِيَخْرُجَ مَا لَوْ آجَرَ الْأَرْضَ لِزَرْعِ حِنْطَةٍ فَزَرَعَ الذُّرَةَ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ ضَامِنًا لِلْأَرْضِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّهُ تَعَدَّى فِي الْمَنْفَعَةِ لَا الرَّقَبَةِ، وَيَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلذُّرَةِ، (وَكَذَا) يَصِيرُ ضَامِنًا (لَوْ اكْتَرَى) دَابَّة (لِحَمْلِ مِائَةِ رِطْلٍ مِنْ حِنْطَةٍ فَحَمَلَ) عَلَيْهَا (مِائَةً شَعِيرًا أَوْ عَكَسَ) ، بِأَنْ اكْتَرَاهَا لِحَمْلِ مِائَةِ رِطْلٍ شَعِيرٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا مِائَةَ حِنْطَةٍ؛ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ أَثْقَلُ فَيَجْتَمِعُ ثِقَلُهَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَالشَّعِيرُ أَخَفُّ؛ فَيَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ أَكْثَرَ، فَالضَّرَرُ مُخْتَلِفٌ، وَقِيسَ عَلَى الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ كُلُّ مُخْتَلِفَيْنِ فِي الضَّرَرِ كَالْقُطْنِ وَالْحَدِيدِ. قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ. وَسَوَاءٌ أُتْلِفَتْ بِذَلِكَ السَّبَبِ أَمْ بِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ صَارَتْ يَدَ عُدْوَانٍ، وَيُبَدَّلُ بِالْقُطْنِ الصُّوفُ وَالْوَبَرُ؛ لِأَنَّهُمَا مِثْلُهُ فِي الْحَجْمِ لَا الْحَدِيدُ، وَيُبَدَّلُ بِالْحَدِيدِ الرَّصَاصُ وَالنُّحَاسُ؛ لِأَنَّهُمَا مِثْلُهُ فِي الْحَجْمِ لَا الْقُطْنُ، (أَوْ) اكْتَرَاهَا (لِعَشَرَةِ أَقْفِزَةِ شَعِيرٍ فَحَمَلَ) عَشَرَةً (حِنْطَةً) فَإِنَّهُ يَصِيرُ ضَامِنًا لِلدَّابَّةِ؛ لِأَنَّهَا أَثْقَلُ، وَالْأَقْفِزَةُ جَمْعُ قَفِيزٍ، وَهُوَ مِكْيَالٌ يَسَعُ اثْنَيْ عَشَرَ صَاعًا، (دُونَ عَكْسِهِ) لِخِفَّةِ الشَّعِيرِ مَعَ اسْتِوَائِهِمَا فِي الْحَجْمِ.

(وَلَوْ اكْتَرَى) دَابَّةً (لِمِائَةٍ) أَيْ لِحَمْلِ مِائَةِ رِطْلٍ حِنْطَةً

(3/480)


فَحَمَلَ مِائَةً وَعَشَرَةً لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلزِّيَادَةِ، وَإِنْ تَلِفَتْ بِذَلِكَ ضَمِنَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهَا مَعَهَا، فَإِنْ كَانَ ضَمِنَ قِسْطَ الزِّيَادَةِ وَفِي قَوْلٍ نِصْفَ الْقِيمَةِ، وَلَوْ سَلَّمَ الْمِائَةَ وَالْعَشَرَةَ إلَى الْمُؤَجِّرِ فَحَمَّلَهَا جَاهِلًا ضَمِنَ الْمُكْتَرِي عَلَى الْمَذْهَبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
مَثَلًا (فَحَمَلَ) عَلَيْهَا (مِائَةً) مِنْهَا (وَعَشَرَةً لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلزِّيَادَةِ) مَعَ الْمُسَمَّى عَلَى الْمَشْهُورِ لِتَعَدِّيهِ بِذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ أَشَارَ بِتَمْثِيلِهِ بِالْعَشَرَةِ إلَى أَنَّ الزَّائِدَ قَدْ لَا يُتَسَامَحُ بِهِ. أَمَّا مَا يُتَسَامَحُ بِهِ كَاَلَّذِي يَقَعُ بِهِ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ فَإِنَّهُ لَا أُجْرَةَ لَهُ وَلَا ضَمَانَ بِسَبَبِهِ، وَلَوْ اكْتَرَى مَكَانًا لِوَضْعِ أَمْتِعَةٍ فِيهِ فَزَادَ عَلَيْهَا نَظَرْتَ: فَإِنْ كَانَ أَرْضًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ غَرْفَةً لَزِمَهُ الْمُسَمَّى وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلزَّائِدِ عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ الدَّابَّةِ، (وَإِنْ تَلِفَتْ) تِلْكَ الدَّابَّةُ (بِذَلِكَ) الزَّائِدِ (ضَمِنَهَا) ضَمَانَ يَدٍ (إنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهَا مَعَهَا) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ ضَامِنًا لَهَا بِحَمْلِ الزَّائِدِ، (فَإِنْ كَانَ) صَاحِبُهَا مَعَهَا (ضَمِنَ) الْمُسْتَأْجِرُ (قِسْطَ الزِّيَادَةِ) فَقَطْ ضَمَانَ جِنَايَةٍ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِقَدْرِ جِنَايَتِهِ، (وَفِي قَوْلٍ نِصْفَ الْقِيمَةِ) ؛ لِأَنَّهَا تَلِفَتْ بِمَضْمُونٍ وَغَيْرِهِ فَقُسِّطَتْ الْقِيمَةُ عَلَيْهِمَا، كَمَا لَوْ جَرَحَهُ وَاحِدٌ جِرَاحَةً وَآخَرُ جِرَاحَاتٍ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِتَيَسُّرِ التَّوْزِيعِ هُنَا، بِخِلَافِ الْجِرَاحَاتِ؛ لِأَنَّ نِكَايَاتِهَا لَا تَنْضَبِطُ.
تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ: " بِذَلِكَ " يُحْتَرَزُ بِهِ عَمَّا إذَا تَلِفَتْ بِغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا عِنْدَ انْفِرَادِهِ بِالْيَدِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانٌ بِالْيَدِ، لَا عِنْدَ عَدَمِ انْفِرَادِهِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ ضَمَانٌ بِالْجِنَايَةِ، وَإِذَا كَانَ فِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلٌ فَلَا يُرَدُّ، (وَلَوْ سَلَّمَ) الْمُسْتَأْجِرُ (الْمِائَةَ وَالْعَشَرَةَ إلَى الْمُؤَجِّرِ فَحَمَّلَهَا) بِمِيمٍ مُشَدَّدَةٍ (جَاهِلًا) بِالزِّيَادَةِ، كَأَنْ قَالَ لَهُ: هِيَ مِائَةٌ كَاذِبًا فَصَدَّقَهُ فَتَلِفَتْ الدَّابَّةُ بِهَا (ضَمِنَ الْمُكْتَرِي عَلَى الْمَذْهَبِ) كَمَا لَوْ حَمَلَ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ أَعْدَادَ الْمَجْهُولِ وَتَسْلِيمَهُ إلَى الْمُؤَجِّرِ بَعْدَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ كَالْإِلْجَاءِ إلَى الْحَمْلِ شَرْعًا، فَكَانَ كَشَهَادَةِ شُهُودِ الْقِصَاصِ، وَفِيمَا يَضْمَنُهُ الْقَوْلَانِ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَعَارُضِ الْغَرَرِ وَالْمُبَاشَرَةِ.
تَنْبِيهٌ لَوْ قَالَ: فَكَمَا لَوْ حَمَلَهَا الْمُكْتَرِي لَكَانَ أَوْلَى لِيَعُمَّ الضَّمَانَ وَأُجْرَةَ الزِّيَادَةِ، وَخَرَجَ بِالْجَاهِلِ الْعَالِمُ بِالزِّيَادَةِ: فَإِنْ قَالَ لَهُ الْمُسْتَأْجِرُ: احْمِلْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ، فَأَجَابَهُ فَقَدْ أَعَارَهُ إيَّاهَا لِحَمْلِ الزِّيَادَةِ فَلَا أُجْرَةَ لَهَا، وَإِنْ تَلِفَتْ الدَّابَّةُ لَا بِسَبَبِ الْعَارِيَّةِ ضَمِنَ الْقِسْطَ. أَمَّا بِسَبَبِهَا فَلَا ضَمَانَ كَمَا عُلِمَ مِنْ بَابِ الْعَارِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ الْمُسْتَأْجِرُ شَيْئًا فَحُكْمُهُ مَذْكُورٌ فِي

(3/481)


وَلَوْ وَزَنَ الْمُؤَجِّرُ وَحَمَّلَ فَلَا أُجْرَةَ لِلزِّيَادَةِ، وَلَا يَضْمَنُ إنْ تَلِفَتْ.

وَلَوْ أَعْطَاهُ ثَوْبًا لِيَخِيطَهُ فَخَاطَهُ قَبَاءً وَقَالَ أَمَرْتنِي بِقَطْعِهِ قَبَاءً فَقَالَ بَلْ قَمِيصًا فَالْأَظْهَرُ تَصْدِيقُ الْمَالِكِ بِيَمِينِهِ، وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ، وَعَلَى الْخَيَّاطِ أَرْشُ النَّقْصِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
قَوْلِهِ: (وَلَوْ وَزَنَ الْمُؤَجِّرُ وَحَمَّلَ) الدَّابَّةَ (فَلَا أُجْرَةَ لِلزِّيَادَةِ) تَعَمَّدَ ذَلِكَ أَمْ لَا، عَلِمَ الْمُسْتَأْجِرُ بِالزِّيَادَةِ وَسَكَتَ أَمْ جَهِلَهَا لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِي نَقْلِهَا، (وَلَا يَضْمَنُ) الْمُسْتَأْجِرُ الدَّابَّةَ (إنْ تَلِفَتْ) إذْ لَا يَدَ وَلَا تَعَدِّيَ، وَلِلْمُسْتَأْجِرِ مُطَالَبَةُ الْمُؤَجِّرِ بِرَدِّهَا إلَى الْمَنْقُولِ مِنْهُ، وَلَيْسَ لِلْمُؤَجِّرِ رَدُّهَا دُونَ رِضَاهُ، وَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالْبَدَلِ لِلْحَيْلُولَةِ، فَلَوْ غَرِمَ لَهُ بَدَلَهَا ثُمَّ رَدَّهَا إلَى مَكَانِهَا اسْتَرَدَّهُ وَرَدَّهَا إلَيْهِ، وَلَوْ كَالَ الْمُؤَجِّرُ وَحَمَلَ الْمُسْتَأْجِرُ، فَكَمَا لَوْ كَالَ بِنَفْسِهِ وَحَمَلَ، سَوَاءٌ أَكَانَ عَالِمًا بِالزِّيَادَةِ أَمْ لَا؟ وَلَوْ وَضَعَ الْمُسْتَأْجِرُ الْمِائَةَ وَالْعَشَرَةَ عَلَى الدَّابَّةِ فَسَيَّرَهَا الْمُؤَجِّرُ فَكَمَا لَوْ حَمَّلَهَا الْمُؤَجِّرُ، وَلَوْ كَالَ أَجْنَبِيٌّ وَحَمَلَ بِلَا إذْنٍ فِي الزِّيَادَةِ فَهُوَ غَاصِبٌ لِلزَّائِدِ وَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ لَلْمُؤَجِّرِ وَرَدُّهُ إلَى الْمَكَانِ الْمَنْقُولِ مِنْهُ إنْ طَالَبَهُ الْمُسْتَأْجِرُ، وَعَلَيْهِ ضَمَانُ الدَّابَّةِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ غَيْبَةِ صَاحِبِهَا وَحَضْرَتِهِ عَلَى مَا مَرَّ، وَإِنْ حَمَلَ بَعْدَ كَيْلِ الْأَجْنَبِيِّ الْمِائَةَ وَالْعَشَرَةَ أَحَدُ الْمُتَكَارِيَيْنِ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ السَّابِقُ بَيْنَ الْغَرَرِ وَعَدَمِهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الزِّيَادَةِ أَوْ قَدْرِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكْتَرِي بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الزِّيَادَةِ، وَلَوْ وُجِدَ الْمَحْمُولُ عَلَى الدَّابَّةِ نَاقِصًا عَنْ الْمَشْرُوطِ نَقْصًا يُؤَثِّرُ، وَقَدْ كَالَهُ الْمُؤَجِّرُ حُطَّ قِسْطُهُ مِنْ الْأُجْرَةِ إنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفِ بِالْمَشْرُوطِ، وَكَذَا إنْ كَانَتْ إجَارَةَ عَيْنٍ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُسْتَأْجِرُ النَّقْصَ، فَإِنْ عَلِمَهُ لَمْ يُحَطَّ شَيْءٌ مِنْ الْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّ التَّمْكِينَ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ قَدْ حَصَلَ، وَذَلِكَ كَافٍ فِي تَقْرِيرِ الْأُجْرَةِ. أَمَّا النَّقْصُ الَّذِي لَا يُؤَثِّرُ كَاَلَّذِي يَقَعُ بِهِ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ أَوْ الْوَزْنَيْنِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ.

(وَلَوْ أَعْطَاهُ) أَيْ خَيَّاطًا (ثَوْبًا لِيَخِيطَهُ) ، وَأَذِنَ لَهُ الْمَالِكُ فِي قَطْعِهِ، (فَخَاطَهُ قَبَاءً وَقَالَ) لِلْمَالِكِ: (أَمَرْتنِي بِقَطْعِهِ قَبَاءً، فَقَالَ) الْمَالِكُ لِلْخَيَّاطِ: (بَلْ) أَمَرْتُك بِقَطْعِهِ (قَمِيصًا) ، فَعَلَيْك الْأَرْشُ (فَالْأَظْهَرُ تَصْدِيقُ الْمَالِكِ بِيَمِينِهِ) ، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْإِذْنِ فَيَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَذِنَ لَهُ فِي قَطْعِهِ قَبَاءً، وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِلْقَمِيصِ. وَالثَّانِي: يُصَدَّقُ الْخَيَّاطُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْأَرْشَ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْمَذْهَبِ لَكَانَ أَوْلَى، فَإِنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ طُرُقًا أَصَحُّهَا طَرِيقَةُ الْقَوْلَيْنِ، (وَ) عَلَى الْأَوَّلِ (لَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ) أَيْ الْمَالِكِ لِلْخَيَّاطِ إذَا حَلَفَ الْمَالِكُ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْخَيَّاطِ صَارَ حِينَئِذٍ غَيْرَ مَأْذُونٍ فِيهِ (وَعَلَى الْخَيَّاطِ أَرْشُ النَّقْصِ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْتَفَى الْإِذْنُ

(3/482)


فَصْلٌ لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِعُذْرٍ كَتَعَذُّرِ وَقُودِ حَمَّامٍ وَسَفَرٍ وَمَرَضِ مُسْتَأْجِرِ دَابَّةٍ لِسَفَرٍ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
فَالْأَصْلُ الضَّمَانُ، وَفِي الْأَرْشِ الْوَاجِبِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَمَقْطُوعًا؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِي قَطْعِهِ قَبَاءً.
وَالثَّانِي مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مَقْطُوعًا قَمِيصًا وَمَقْطُوعًا قَبَاءً، لِأَنَّ أَصْلَ الْقَطْعِ مَأْذُونٌ فِيهِ، وَصَحَّحَ الْأَوَّلَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ إنَّهُ الْأَصَحُّ، وَصَحَّحَ الثَّانِي جَمْعٌ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وَقَالَ: لَا يَتَّجِهُ غَيْرُهُ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلِلْخَيَّاطِ نَزْعُ خَيْطِهِ وَعَلَيْهِ أَرْشُ النَّزْعِ إنْ حَصَلَ بِهِ نَقْصٌ، وَلَهُ مَنْعُ الْمَالِكِ مِنْ شَدِّ خَيْطٍ فِي خَيْطِ الْخِيَاطَةِ يَجُرُّهُ فِي الْمَدْرُوزِ مَكَانَهُ إذَا نُزِعَ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِرِضَاهُ، وَحَيْثُ قُلْنَا: لَا أُجْرَةَ لِلْخَيَّاطِ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ بِهَا عَلَى الْمَالِكِ، فَإِنْ نَكَلَ فَفِي تَجْدِيدِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ. قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَصَحُّهُمَا التَّجْدِيدَ وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ. وَلَوْ قَالَ الْمَالِكُ لِلْخَيَّاطِ: إنْ كَانَ هَذَا الثَّوْبُ يَكْفِينِي قَمِيصًا فَاقْطَعْهُ، فَقَطَعَهُ وَلَمْ يَكْفِهِ - ضَمِنَ الْأَرْشَ، لِأَنَّ الْإِذْنَ مَشْرُوطٌ بِمَا لَمْ يُوجَدْ، وَإِنْ قَالَ لَهُ فِي جَوَابِهِ: هُوَ يَكْفِيك، فَقَالَ: اقْطَعْهُ، فَقَطَعَهُ وَلَمْ يَكْفِهِ - لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ مُطْلَقٌ، وَلَوْ جَاءَ الْخَيَّاطُ مَثَلًا بِثَوْبٍ، وَقَالَ لِلْمَالِكِ: هَذَا ثَوْبُك، فَأَنْكَرَهُ صُدِّقَ الْخَيَّاطُ بِيَمِينِهِ كَمَا قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ، فَإِذَا حَلَفَ فَقَدْ اعْتَرَفَ لِلْمَالِكِ بِشَيْءٍ وَهُوَ يُنْكِرُهُ.

[فَصْلٌ فِي انْفِسَاخِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَالْخِيَارِ فِي الْإِجَارَةِ وَمَا يَقْتَضِيهِمَا]
. وَقَدْ شَرَعَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ، فَقَالَ: (لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ) عَيْنًا كَانَتْ أَوْ ذِمَّةً، وَلَا تُفْسَخُ (بِعُذْرٍ) فِي غَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لِمُؤَجِّرٍ أَوْ مُسْتَأْجِرٍ، فَالْأَوَّلُ كَمَرِيضٍ مُؤَجِّرٍ دَابَّةً عَجَزَ عَنْ خُرُوجِهِ مَعَهَا الَّذِي هُوَ مِنْ أَعْمَالِ الْإِجَارَةِ حَيْثُ كَانَتْ الدَّابَّةُ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ. وَالثَّانِي: (كَتَعَذُّرِ وَقُودِ حَمَّامٍ) عَلَى مُسْتَأْجِرٍ، وَالْوَقُودُ بِفَتْحِ الْوَاوِ بِخَطِّهِ مَا يُوقَدُ بِهِ مِنْ حَطَبٍ وَغَيْرِهِ، وَبِضَمِّهَا مَصْدَرُ وَقَدَتْ النَّارُ، (وَسَفَرٍ) بِفَتْحِ الْفَاءِ عَرَضَ لِمُسْتَأْجِرِ دَارٍ مَثَلًا لَا بِسُكُونِهَا كَمَا وَقَعَ لِلسُّبْكِيِّ فِي أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْمُسَافِرِ مِنْ رُفْقَةٍ، وَهُمْ السَّفْرُ: أَيْ الْمُسَافِرُونَ يَتَعَذَّرُ خُرُوجُهُمْ، (وَ) كَعُرُوضِ (مَرَضِ مُسْتَأْجِرِ دَابَّةٍ لِسَفَرٍ) عَلَيْهَا، وَالْمَعْنَى فِي الْجَمِيعِ أَنَّهُ لَا خَلَلَ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَالِاسْتِنَابَةُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا مُمَكَّنَةٌ، وَمَحَلُّ عَدَمِ الِانْفِسَاخِ فِي غَيْرِ الْعُذْرِ الشَّرْعِيِّ. أَمَّا هُوَ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ شَخْصًا لِقَلْعِ سِنٍّ مُؤْلِمَةٍ فَزَالَ الْأَلَمُ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ كَمَا مَرَّ أَوَائِلَ الْبَابِ؛ لِتَعَذُّرِ قَلْعِهَا حِينَئِذٍ شَرْعًا.

(3/483)


وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِزِرَاعَةِ فَزَرَعَ فَهَلَكَ الزَّرْعُ بِجَائِحَةٍ فَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ وَلَا حَطُّ شَيْءٍ مِنْ الْأُجْرَةِ، وَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الدَّابَّةِ وَالْأَجِيرِ الْمُعَيَّنَيْنِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا الْمَاضِي فِي الْأَظْهَرِ، فَيَسْتَقِرُّ قِسْطُهُ مِنْ الْمُسَمَّى،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ إجَارَةُ الْإِمَامِ ذِمِّيًّا لِلْجِهَادِ، وَتَعَذَّرَ لِصُلْحٍ حَصَلَ قَبْلَ مَسِيرِ الْجَيْشِ فَإِنَّهُ عُذْرٌ لِلْإِمَامِ يَسْتَرْجِعُ بِهِ كُلَّ الْأُجْرَةِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَإِفْلَاسُ الْمُسْتَأْجِرِ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْأُجْرَةِ وَمُضِيِّ الْمُدَّةَ فَإِنَّهُ يُوجِبُ لَلْمُؤَجِّرِ الْفَسْخَ كَمَا أَطْلَقَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي بَابِ التَّفْلِيسِ. وَعَدَمُ دُخُولِ النَّاسِ الْحَمَّامَ الْمُسْتَأْجَرَ بِسَبَبِ فِتْنَةٍ حَادِثَةٍ أَوْ خَرَابِ النَّاحِيَةِ لَيْسَ بِعَيْبٍ يُثْبِتُ الْخِيَارَ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، خِلَافًا لِلرُّويَانِيِّ إذْ لَا خَلَلَ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، (وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِزِرَاعَةٍ فَزَرَعَ فَهَلَكَ الزَّرْعُ بِجَائِحَةٍ) أَصَابَتْهُ مِنْ سَيْلٍ أَوْ شِدَّةِ بَرْدٍ أَوْ حَرٍّ أَوْ أَكْلِ جَرَادٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (فَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ وَلَا حَطُّ شَيْءٍ مِنْ الْأُجْرَةِ) ؛ لِأَنَّ الْجَائِحَةَ لَحِقَتْ زَرْعَ الْمُسْتَأْجِرِ لَا مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ، فَلَوْ تَلِفَتْ الْأَرْضُ بِجَائِحَةٍ أَبْطَلَتْ قُوَّةَ الْإِنْبَاتِ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فِي الْمُدَّةِ الْبَاقِيَةِ، فَلَوْ تَلِفَ الزَّرْعُ قَبْلَ تَلَفِ الْأَرْضِ وَتَعَذَّرَ إبْدَالُهُ قَبْلَ الِانْفِسَاخِ بِتَلَفِهَا - لَمْ يَسْتَرِدَّ مِنْ الْمُسَمَّى لِمَا قَبْلَ التَّلَفِ شَيْئًا كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي؛ لِأَنَّ صَلَاحِيَّةَ الْأَرْضِ لَوْ بَقِيَتْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِيهَا نَفْعٌ بَعْدَ فَوَاتِ الزَّرْعِ، وَأَمَّا بَعْدَ التَّلَفِ فَيُسْتَرَدُّ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْمُسَمَّى لِبُطْلَانِ الْعَقْدِ فِيهِ، وَإِنْ تَلِفَتْ الْأَرْضُ أَوَّلًا اسْتَرَدَّ أُجْرَةَ الْمُسْتَقْبَلِ وَكَذَا الْمَاضِي كَمَا فِي جَوَاهِرِ الْقَمُولِيِّ، وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ ابْنِ الْمُقْرِي خِلَافَهُ. (وَتَنْفَسِخُ) الْإِجَارَةُ (بِمَوْتِ الدَّابَّةِ وَالْأَجِيرِ الْمُعَيَّنَيْنِ) ، وَكَذَا مُعَيَّنُ غَيْرِهِمَا، لَكِنَّ الِانْفِسَاخَ (فِي) الزَّمَنِ (الْمُسْتَقْبَلِ) لِفَوَاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ قَبْلَ قَبْضِهَا، كَمَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِتَلَفِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ.
تَنْبِيهٌ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْتُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا كَإِتْلَافِ الْمُسْتَأْجِرِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ أَتْلَفَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الثَّمَنُ، فَهَلَّا كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ كَذَلِكَ؟ .
أُجِيبَ بِأَنَّ الْبَيْعَ وَرَدَ عَلَى الْعَيْنِ فَإِذَا أَتْلَفَهَا صَارَ قَابِضًا لَهَا، وَالْإِجَارَةُ وَارِدَةٌ عَلَى الْمَنَافِعِ، وَمَنَافِعُ الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ مَعْدُومَةٌ لَا يُتَصَوَّرُ وُرُودُ الْإِتْلَافِ عَلَيْهَا، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَتَنْفَسِخُ بِتَلَفِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَشْمَلَ وَاسْتَغْنَى عَمَّا قَدَرْته، (لَا) فِي الزَّمَنِ (الْمَاضِي) إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ وَلِمِثْلِهِ أُجْرَةٌ (فِي الْأَظْهَرِ) لِاسْتِقْرَارِهَا بِالْقَبْضِ، (فَيَسْتَقِرُّ قِسْطُهُ مِنْ الْمُسَمَّى) مُوَزَّعًا عَلَى قِيمَةِ الْمَنْفَعَةِ لَا عَلَى الزَّمَانِ، فَلَوْ كَانَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ سَنَةً مَثَلًا وَمَضَى نِصْفُهَا، وَأُجْرَةُ مِثْلِهِ ضِعْفُ أُجْرَةِ مِثْلِ النِّصْفِ الْبَاقِي وَجَبَ مِنْ الْمُسَمَّى ثُلُثَاهُ، وَإِنْ كَانَ بِالْعَكْسِ فَثُلُثُهُ، وَالِاعْتِبَارُ

(3/484)


وَلَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْعَاقِدَيْنِ وَمُتَوَلِّي الْوَقْفِ، وَلَوْ آجَرَ الْبَطْنَ الْأَوَّلَ مُدَّةً وَمَاتَ قَبْلَ تَمَامِهَا، أَوْ الْوَلِيُّ صَبِيًّا مُدَّةً لَا يَبْلُغُ فِيهَا بِالسِّنِّ فَبَلَغَ بِالِاحْتِلَامِ فَالْأَصَحُّ انْفِسَاخُهَا فِي الْوَقْفِ لَا الصَّبِيِّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
بِقِيمَةِ الْمَنْفَعَةِ حَالَةَ الْعَقْدِ لَا بِمَا بَعْدَهُ، قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ. وَالثَّانِي: يَنْفَسِخُ فِيهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَاحِدٌ، وَقَدْ انْفَسَخَ فِي الْبَعْضِ فَلْيَنْفَسِخْ فِي الْبَاقِي، أَمَّا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَمْ يَكُنْ لِمِثْلِهِ أُجْرَةٌ فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ فِي الْجَمِيعِ، وَاحْتُرِزَ بِالْمُعَيَّنِ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَنْفَسِخُ بِتَلَفِهِمَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهِمَا، فَإِذَا أُحْضِرَا وَمَاتَا فِي خِلَالِ الْمُدَّةِ أُبْدِلَا كَمَا مَرَّ، (وَلَا تَنْفَسِخُ) الْإِجَارَةُ وَلَوْ ذِمَّةً كَمَا فِي الْبَسِيطِ (بِمَوْتِ الْعَاقِدَيْنِ) أَوْ أَحَدِهِمَا، بَلْ تَبْقَى إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ لَازِمٌ فَلَا تَنْفَسِخُ بِالْمَوْتِ كَالْبَيْعِ، وَيَخْلُفُ الْمُسْتَأْجِرَ وَارِثُهُ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ، وَإِنَّمَا انْفَسَخَتْ بِمَوْتِ الْأَجِيرِ الْمُعَيَّنِ لِأَنَّهُ مَوْرِدُ الْعَقْدِ لَا لِأَنَّهُ عَاقِدٌ، فَلَا يُسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ الِانْفِسَاخِ. لَكِنْ اُسْتُثْنِيَ مِنْهُ مَسَائِلُ:
مِنْهَا مَا لَوْ آجَرَ عَبْدَهُ الْمُعَلَّقَ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ فَوُجِدَتْ مَعَ مَوْتِهِ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ. وَمِنْهَا مَا لَوْ آجَرَ أَمَّ وَلَدِهِ وَمَاتَ فِي الْمُدَّةِ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ خِلَافًا لِمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ الْوَقْفِ. وَمِنْهَا الْمُدَبَّرُ فَإِنَّهُ كَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ. وَمِنْهَا مَوْتُ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ كَمَا سَيَأْتِي. وَمِنْهَا الْمُوصَى لَهُ بِمَنْفَعَةِ دَارٍ مَثَلًا مُدَّةَ عُمْرِهِ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَنْفَعَةِ إبَاحَةٌ لَا تَمْلِيكٌ فَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهَا مَرْدُودٌ بِأَنَّ ذَلِكَ مَحَلُّهُ؛ كَمَا سَيَأْتِي - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْوَصِيَّةِ بِأَنْ يَنْتَفِعَ بِالدَّارِ لَا بِمَنْفَعَتِهَا كَمَا هُنَا، وَرَدَّ بَعْضُهُمْ اسْتِثْنَاءَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِأَنَّ الِانْفِسَاخَ لَيْسَ لِمَوْتِ الْعَاقِدِ بَلْ لِانْتِهَاءِ حَقِّهِ بِالْمَوْتِ، وَلَيْسَ الرَّدُّ بِظَاهِرٍ. (وَ) لَا تَنْفَسِخُ أَيْضًا بِمَوْتِ (مُتَوَلِّي) أَيْ نَاظِرِ (الْوَقْفِ) مِنْ حَاكِمٍ أَوْ مَنْصُوبِهِ أَوْ مَنْ شُرِطَ لَهُ النَّظَرُ عَلَى جَمِيعِ الْبُطُونِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ مَا لَوْ كَانَ النَّاظِرُ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ لِلْوَقْفِ وَأُجِرَ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ، فَإِذَا مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ انْفَسَخَتْ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، (وَلَوْ آجَرَ الْبَطْنَ الْأَوَّلَ) مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ الْعَيْنُ الْمَوْقُوفَةُ (مُدَّةً وَمَاتَ) الْبَطْنُ الْمُؤَجِّرُ (قَبْلَ تَمَامِهَا) وَشَرَطَ الْوَاقِفُ لِكُلِّ بَطْنٍ مِنْهُمْ النَّظَرَ فِي حِصَّتِهِ مُدَّةَ اسْتِحْقَاقِهِ فَقَطْ، (أَوْ الْوَلِيُّ صَبِيًّا) أَوْ مَالَهُ (مُدَّةً لَا يَبْلُغُ فِيهَا) الصَّبِيُّ (بِالسِّنِّ فَبَلَغَ) فِيهَا (بِالِاحْتِلَامِ) وَهُوَ رَشِيدٌ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ (فَالْأَصَحُّ انْفِسَاخُهَا) فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ (فِي الْوَقْفِ) ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ انْتَقَلَ اسْتِحْقَاقُهُ بِمَوْتِ الْمُؤَجِّرِ لِغَيْرِهِ، وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ وَلَا نِيَابَةَ (لَا) فِي (الصَّبِيِّ) فَلَا تَنْفَسِخُ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ بُنِيَ تَصَرُّفُهُ عَلَى الْمَصْلَحَةِ. وَالثَّانِي: لَا تَنْفَسِخُ فِي الْوَقْفِ كَالْمِلْكِ وَتَنْفَسِخُ فِي الصَّبِيِّ لِتَبَيُّنِ عَدَمِ

(3/485)


وَأَنَّهَا تَنْفَسِخُ بِانْهِدَامِ الدَّارِ.

لَا انْقِطَاعِ مَاءِ أَرْضٍ اُسْتُؤْجِرَتْ لِزِرَاعَةٍ، بَلْ يَثْبُتُ الْخِيَارُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
الْوِلَايَةِ فِيمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ. أَمَّا الْمَاضِي مِنْ الْمُدَّةِ فَلَا تَنْفَسِخُ فِيهِ، وَلَوْ كَانَتْ الْمُدَّةُ يَبْلُغُ فِيهَا بِالسِّنِّ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَفِيمَا قَبْلَهُ قَوْلًا تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ، وَلَوْ آجَرَ الْوَلِيُّ مَالَ الْمَجْنُونِ فَأَفَاقَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ فَكَبُلُوغِ الصَّبِيِّ بِالِاحْتِلَامِ. أَمَّا إذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ سَفِيهًا فَهُوَ كَالصَّبِيِّ فِي اسْتِمْرَارِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ.

تَنْبِيهٌ لَوْ آجَرَ أَحَدُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ الْمَشْرُوطُ لَهُ النَّظَرُ بِالْأَرْشَدِيَّةِ ثُمَّ مَاتَ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَاعْتَمَدَهُ الْغَزِّيُّ فِي الْفَتْوَى، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: الْبَطْنُ الْأَوَّلُ لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ كُلُّ الْبُطُونِ كَذَلِكَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ عَمَّا لَوْ كَانَ الْمُؤَجِّرُ الْحَاكِمَ أَوْ الْوَاقِفَ أَوْ مَنْصُوبَهُ وَمَاتَ عَنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ كَمَا أَوْضَحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، فَالصَّحِيحُ عَدَمُ الِانْفِسَاخِ؛ لِأَنَّ الْعَاقِدَ نَاظِرٌ لِلْكُلِّ، قَالَ: وَلَوْ آجَرَ النَّاظِرُ لِلْبَطْنِ الثَّانِي فَمَاتَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ انْتَقَلَتْ مَنَافِعُ الْوَقْفِ إلَيْهِمْ فَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَحِقَّ الْمَنَافِعِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ لِنَفْسِهِ عَلَى نَفْسِهِ، (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهَا تَنْفَسِخُ) فِي الْمُسْتَقْبَلِ (بِانْهِدَامِ) كُلِّ (الدَّارِ) لِزَوَالِ الِاسْمِ وَفَوَاتِ الْمَنْفَعَةِ، بِخِلَافِ الْمَبِيعِ الْمَقْبُوضِ لَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِتَلَفِهِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ فِي الْبَيْعِ حَصَلَ عَلَى جُمْلَةِ الْمَبِيعِ، وَالِاسْتِيلَاءُ عَلَى الْمَنَافِعِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا لَا يَحْصُلُ إلَّا شَيْئًا فَشَيْئًا.
تَنْبِيهٌ لَوْ هَدَمَهَا الْمُسْتَأْجِرُ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ، وَأَمَّا قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ فِي النِّكَاحِ: إنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَوْ خَرَّبَ الدَّارَ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى تَخْرِيبٍ يَحْصُلُ بِهِ تَعْيِيبٌ لَا هَدْمٌ كَامِلٌ، وَلِهَذَا زِدْت فِي الْمَتْنِ كُلَّ لِيَخْرُجَ مَا لَوْ انْهَدَمَ بَعْضُهَا، فَإِنَّهَا لَا تَنْفَسِخُ بَلْ يَثْبُتُ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارُ. نَعَمْ، إنْ أَمْكَنَ إصْلَاحُهُ فِي الْحَالِ وَأَصْلَحَهُ الْمُؤَجِّرُ سَقَطَ خِيَارُ الْمُسْتَأْجِرِ.

تَعْطِيلُ الرَّحَى لِانْقِطَاعِ الْمَاءِ وَالْحَمَّامِ لِخَلَلِ الْأَبْنِيَةِ أَوْ لِنَقْصِ الْمَاءِ فِي بِئْرِهِ.
(وَلَا) تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِسَبَبِ (انْقِطَاعِ مَاءِ أَرْضٍ اُسْتُؤْجِرَتْ لِزِرَاعَةٍ) لِبَقَاءِ الِاسْمِ مَعَ إمْكَانِ زَرْعِهَا بِغَيْرِ الْمَاءِ الْمُنْقَطِعِ، (بَلْ يَثْبُتُ الْخِيَارُ) لِلْعَيْبِ وَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي؛ لِأَنَّ بِسَبَبِهِ تَعَذَّرَ قَبْضُ الْمَنْفَعَةِ، وَذَلِكَ يَتَكَرَّرُ بِمُرُورِ الزَّمَانِ. هَذَا إنْ لَمْ يَسُقْ الْمُؤَجِّرُ الْمَاءَ إلَيْهَا مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ، مَعَ بَقَاءِ وَقْتِ الزِّرَاعَةِ، وَلَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ، وَإِلَّا فَلَا خِيَارَ.
تَنْبِيهٌ الِانْفِسَاخُ فِي الْأَوَّلِ وَثُبُوتُ الْخِيَارِ فِي الثَّانِيَةِ هُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِيهِمَا. وَمِنْهُمْ

(3/486)


وَغَصْبُ الدَّابَّةِ وَإِبَاقُ الْعَبْدِ يُثْبِتُ الْخِيَارَ.

وَلَوْ أَكْرَى جِمَالًا وَهَرَبَ وَتَرَكَهَا عِنْدَ الْمُكْتَرِي رَاجَعَ الْقَاضِيَ لِيَمُونَهَا مِنْ مَالِ الْجَمَّالِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَالًا اقْتَرَضَ عَلَيْهِ، فَإِنْ وَثِقَ بِالْمُكْتَرِي دَفَعَهُ إلَيْهِ، وَإِلَّا جَعَلَهُ عِنْدَ ثِقَةٍ، وَلَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
مَنْ نَقَلَ وَخَرَّجَ وَجَعَلَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَوْلَيْنِ، وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ زِرَاعَةُ الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْمَاءِ الْمُنْقَطِعِ، فَقَضِيَّةُ مَا ذُكِرَ أَنَّهُ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ، وَهُوَ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ظَاهِرٌ فَرْعٌ تَعْطِيلُ الرَّحَى لِانْقِطَاعِ الْمَاءِ، وَالْحَمَّامِ لِخَلَلِ الْأَبْنِيَةِ أَوْ لِنَقْصِ الْمَاءِ فِي بِئْرِهِ وَنَحْوُهُ كَانْهِدَامِ الدَّارِ كَمَا ذَكَرَاهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ آخِرَ الْبَابِ، وَقَضَيْتُهُ الِانْفِسَاخُ، وَالْقِيَاسُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ كَانْقِطَاعِ مَاءِ الْأَرْضِ لِبَقَاءِ اسْمِ الْحَمَّامِ وَالرَّحَى كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمُهِمَّاتِ، (وَغَصْبُ الدَّابَّةِ) وَنَدُّهَا (وَإِبَاقُ الْعَبْدِ) بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ إذَا وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى عَيْنِهِمَا (يُثْبِتُ الْخِيَارَ) لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ، وَإِذَا فُسِخَ انْفَسَخَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ، وَفِيمَا مَضَى الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي مَوْتِ الدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ. نَعَمْ إنْ بَادَرَ الْمُؤَجِّرُ وَانْتَزَعَ مِنْ الْغَاصِبِ وَرَدَّ النَّادَّةَ وَالْآبِقَ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ سَقَطَ خِيَارُ الْمُسْتَأْجِرِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ لِبَقَاءِ عَيْنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَجَازُوا التَّقْدِيرَ بِالْعَمَلِ كَبَعِيرٍ يَرْكَبُهُ إلَى مَكَّةَ اسْتَوْفَاهُ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمُقَدَّرَةَ بِعَمَلٍ وَإِنْ وَجَبَ تَسْلِيمُهَا عَقِبَ الْعَقْدِ لَا تَفُوتُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ أَوْ بِالزَّمَانِ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا انْقَضَى مِنْهُ، وَاسْتَعْمَلَ الْعَيْنَ فِي الْبَاقِي، فَإِنْ لَمْ يُفْسَخْ وَانْقَضَتْ الْمُدَّةُ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ، فَإِنْ كَانَ بِتَفْرِيطٍ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ لَزِمَهُ الْمُسَمَّى، كَمَا لَوْ فَرَّطَ فِي الرَّقَبَةِ ضَمِنَهَا، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ مُخَاصَمَةُ الْغَاصِبِ كَالْمُسْتَعِيرِ وَالْمُودِعِ.
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي غَصْبِ الْأَجْنَبِيِّ. أَمَّا إذَا غَصَبَهَا الْمَالِكُ بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ قَبْلَهُ بِامْتِنَاعِهِ مِنْ الْإِقْبَاضِ فَطَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: كَغَصْبِ الْأَجْنَبِيِّ، وَأَصَحُّهُمَا الْقَطْعُ بِالِانْفِسَاخِ، وَإِنْ غَصَبَهَا الْمُسْتَأْجِرُ وَيَتَصَوَّرُ بِأَخْذِهَا مِنْ الْمَالِكِ بِغَيْرِ إذْنِهِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْإِجَارَةِ اسْتَقَرَّتْ الْأُجْرَةُ عَلَيْهِ، وَفِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ لَا خِيَارَ وَعَلَى الْمُؤَجِّرِ الْإِبْدَالُ.

(وَلَوْ أَكْرَى جِمَالًا) بِعَيْنِهَا أَوْ فِي الذِّمَّةِ وَسَلَّمَ عَيْنَهَا (وَهَرَبَ وَتَرَكَهَا عِنْدَ الْمُكْتَرِي) فَلَا فَسْخَ لَهُ وَلَا خِيَارَ أَيْضًا، بَلْ إنْ شَاءَ تَبَرَّعَ بِمُؤْنَتِهَا، وَإِلَّا (رَاجَعَ الْقَاضِيَ لِيَمُونَهَا) وَمَنْ يَقُومُ بِحِفْظِهَا (مِنْ مَالِ الْجَمَّالِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَالًا) وَلَمْ يَكُنْ فِي الْجِمَالِ فَضْلٌ (اقْتَرَضَ) الْقَاضِي (عَلَيْهِ) مِنْ الْمُكْتَرِي أَوْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ بَيْتِ الْمَالِ، (فَإِنْ وَثِقَ) الْقَاضِي (بِالْمُكْتَرِي دَفَعَهُ) أَيْ مَا اقْتَرَضَهُ (إلَيْهِ) وَإِنْ اقْتَرَضَهُ مِنْهُ لِيُنْفِقَهُ عَلَيْهَا، (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَثِقْ بِهِ (جَعَلَهُ) أَيْ مَا اقْتَرَضَهُ الْقَاضِي (عِنْدَ ثِقَةٍ) يُنْفِقُ عَلَيْهَا، (وَلَهُ) أَيْ

(3/487)


أَنْ يَبِيعَ مِنْهَا قَدْرَ النَّفَقَةِ، وَلَوْ أَذِنَ لِلْمُكْتَرِي فِي الْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِهِ لِيَرْجِعَ جَازَ فِي الْأَظْهَرِ.

وَمَتَى قَبَضَ الْمُكْتَرِي الدَّابَّةَ أَوْ الدَّارَ وَأَمْسَكَهَا حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ اسْتَقَرَّتْ الْأُجْرَةُ وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
الْقَاضِي إنْ لَمْ يَجِدْ مَالًا يَقْتَرِضُهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا (أَنْ يَبِيعَ مِنْهُ قَدْرَ النَّفَقَةِ) عَلَيْهَا وَعَلَى مُتَعَهِّدِهَا.
تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَالًا أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الْجِمَالِ الْمَتْرُوكَةِ زِيَادَةٌ عَلَى حَاجَةِ الْمُسْتَأْجِرِ لَا يُقْتَرَضُ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ، بَلْ يَبِيعُ الْفَاضِلَ عَنْ الْحَاجَةِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: مِنْهَا إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ جَمِيعِهَا خَشْيَةَ أَنْ تَأْكُلَ أَثْمَانَهَا، وَبِهِ صَرَّحَ جَمْعٌ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي بَيْعِهَا وَيَكْتَرِي لِلْمُسْتَأْجِرِ مِنْ ثَمَنِهَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ، حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ مَالِ الْغَائِبِ لِلْمَصْلَحَةِ، (وَلَوْ أَذِنَ) الْقَاضِي (لِلْمُكْتَرِي فِي الْإِنْفَاقِ) عَلَى الْجِمَالِ وَمُتَعَهِّدِهَا (مِنْ مَالِهِ) أَوْ مَالِ غَيْرِهِ (لِيَرْجِعَ) بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهَا وَعَلَى مُتَعَهِّدِهَا (جَازَ فِي الْأَظْهَرِ) كَمَا لَوْ اقْتَرَضَ ثُمَّ دَفَعَ إلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ مَحَلُّ ضَرُورَةٍ فَقَدْ لَا يَجِدُ الْقَاضِي مَنْ يُقْرِضُهُ أَوْ لَا يَرَاهُ. وَالثَّانِي: الْمَنْعُ وَيُجْعَلُ مُتَبَرِّعًا.
تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ مَتَى أَنْفَقَ بِغَيْرِ إذْنِ الْحَاكِمِ لَمْ يَرْجِعْ، وَمَحَلُّهُ إذَا أَمْكَنَ، فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمٌ أَوْ عَسِرَ إثْبَاتُ الْوَاقِعَةِ عِنْدَهُ، فَأَنْفَقَ وَأَشْهَدَ عَلَى مَا أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ رَجَعَ وَيَحْفَظُهَا الْقَاضِي بَعْدَ الْمُدَّةِ أَوْ يَبِيعَ مِنْهَا بِقَدْرِ مَا اقْتَرَضَ، وَإِنْ خَشِيَ أَنْ تَأْكُلَ نَفْسَهَا لَوْ بَاعَ بَعْضَهَا بَاعَ الْكُلَّ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي قَدْرِ مَا أَنْفَقَ إذَا ادَّعَى نَفَقَةَ مِثْلِهِ فِي الْعَادَةِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: أَوَّلًا وَتَرَكَهَا عَمَّا لَوْ أَخَذَهَا الْجَمَّالُ مَعَهُ. وَحُكْمُهُ أَنَّ الْإِجَارَةَ إنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ اكْتَرَى الْحَاكِمُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَالًا اقْتَرَضَ عَلَيْهِ وَاكْتَرَى، فَإِنْ تَعَذَّرَ الِاكْتِرَاءُ عَلَيْهِ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ الْفَسْخُ، وَإِنْ كَانَتْ إجَارَةَ عَيْنٍ فَلَهُ الْفَسْخُ كَمَا إذَا نَدَّتْ الدَّابَّةُ.

(وَمَتَى قَبَضَ الْمُكْتَرِي) الْعَيْنَ الْمُؤَجَّرَةَ (الدَّابَّةَ أَوْ الدَّارَ) أَوْ غَيْرَهُمَا فِي إجَارَةِ عَيْنٍ أَوْ ذِمَّةٍ (وَأَمْسَكَهَا حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ اسْتَقَرَّتْ الْأُجْرَةُ) عَلَيْهِ، (وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ) لِتَلَفِ الْمَنَافِعِ تَحْتَ يَدِهِ فَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الْبَدَلُ كَالْمَبِيعِ إذَا تَلِفَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، وَسَوَاءٌ أَتَرَكَ الِانْتِفَاعَ اخْتِيَارًا أَمْ لِعُذْرٍ كَخَوْفِ الطَّرِيقِ أَوْ لِعَدَمِ الرُّفْقَةِ؟ مَعَ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ فِي حَالَةِ الْخَوْفِ ضَمِنَهَا، وَلَيْسَ لَهُ فَسْخٌ وَلَا إلْزَامُ الْمُكْرِي بِاسْتِرْدَادِ الدَّابَّةِ إلَى تَيَسُّرِ الْخُرُوجِ؛ لِأَنَّهُ إذَا خَافَ مِنْ

(3/488)


وَكَذَا لَوْ اكْتَرَى دَابَّةً لِرُكُوبٍ إلَى مَوْضِعٍ وَقَبَضَهَا وَمَضَتْ مُدَّةُ إمْكَانِ السَّيْرِ إلَيْهِ، وَسَوَاءٌ فِيهِ إجَارَةُ الْعَيْنِ وَالذِّمَّةِ إذَا سَلَّمَ الدَّابَّةَ الْمَوْصُوفَةَ وَتَسْتَقِرُّ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ بِمَا يَسْتَقِرُّ بِهِ الْمُسَمَّى فِي الصَّحِيحَةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
الْخُرُوجِ إلَى تِلْكَ الْبَلْدَةِ أَمْكَنَهُ السَّيْرُ إلَى بَلَدٍ آخَرَ وَاسْتِعْمَالُهَا تِلْكَ الْمُدَّةَ، وَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ فَلَيْسَ لَهُ الِانْتِفَاعُ، فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ مَعَ الْمُسَمَّى.
تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ قَوْلُهُ: قَبَضَهَا أَنَّ الْمُؤَجِّرَ لَوْ عَرَضَهَا عَلَيْهِ فَامْتَنَعَ أَوْ وَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّارِ وَمَضَتْ مُدَّةِ الْإِجَارَةُ أَنَّ الْأُجْرَةَ لَا تَسْتَقِرُّ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ تَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، (وَكَذَا لَوْ اكْتَرَى دَابَّةً لِرُكُوبٍ إلَى مَوْضِعٍ) مُعَيَّنٍ (وَقَبَضَهَا) ، أَوْ عُرِضَتْ عَلَيْهِ فَامْتَنَعَ أَوْ وَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ كَمَا مَرَّ (وَ) لَمْ يَسِرْ حَتَّى (مَضَتْ مُدَّةُ إمْكَانِ السَّيْرِ إلَيْهِ) فَإِنَّ الْأُجْرَةَ تَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ لِوُجُودِ التَّمْكِينِ مِنْ الْمُؤَجِّرِ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ فِي الْإِجَارَةِ الْمُقَدَّرَةِ بِالْعَمَلِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا فِي الْمُقَدَّرَةِ بِالْمُدَّةِ، (وَسَوَاءٌ فِيهِ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ (إجَارَةُ الْعَيْنِ وَالذِّمَّةِ) ، وَقَوْلُهُ: (إذَا سَلَّمَ) الْمُؤَجِّرُ (الدَّابَّةَ الْمَوْصُوفَةَ) لِلْمُسْتَأْجِرِ قَيْدٌ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ لِتَعَيُّنِ حَقِّهِ بِالتَّسَلُّمِ وَحُصُولِ التَّمْكِينِ، فَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْهَا إلَيْهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ الْأُجْرَةَ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَسْتَقِرُّ بَدَلُهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِيفَاءٍ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ.
تَنْبِيهٌ تَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ بِالدَّابَّةِ قَدْ يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ عَقَدَ عَلَى مَنْفَعَةِ الْحُرِّ وَلَمْ يَسْتَعْمِلْهُ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ لَا تَسْتَقِرُّ الْأُجْرَةُ، وَلَيْسَ مُرَادًا وَإِنْ قَالَ بِهِ الْقَفَّالُ، بَلْ تَسْتَقِرُّ كَمَا قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا، وَمَتَى قَبَضَ الْمُكْتَرِي الْمُؤَجَّرُ لَشَمِلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ.
ثُمَّ أَشَارَ لِفَرْعٍ مِنْ قَاعِدَةِ: أَنَّ فَاسِدَ كُلِّ عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ بِقَوْلِهِ (وَتَسْتَقِرُّ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ) سَوَاءٌ أَقُدِّرَتْ بِعَمَلٍ أَمْ بِمُدَّةٍ (أُجْرَةُ الْمِثْلِ) ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الْمُسَمَّى أَمْ لَا (بِمَا يَسْتَقِرُّ بِهِ الْمُسَمَّى فِي الصَّحِيحَةِ) ، سَوَاءٌ انْتَفَعَ بِهَا أَمْ لَا، بِخِلَافِ الْمَهْرِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْوَطْءِ، إذْ الْيَدُ لَا تَثْبُتُ عَلَى مَنَافِعِ الْبُضْعِ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ كَالْبَيْعِ، وَالْمَنْفَعَةَ كَالْعَيْنِ، وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ كَالصَّحِيحِ فِي الضَّمَانِ بِالْقَبْضِ فَكَذَا الْإِجَارَةُ.
تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى مِنْ التَّسْوِيَةِ التَّخْلِيَةُ فَإِنَّهَا تَكْفِي فِي قَبْضِ الْعَقَارِ فِي الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ وَلَا تَكْفِي فِي الْفَاسِدَةِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْقَبْضِ الْحَقِيقِيِّ، وَكَذَا الْوَضْعُ بَيْنَ يَدَيْهِ يَكْفِي فِي

(3/489)


وَلَوْ أَكْرَى عَيْنًا مُدَّةً وَلَمْ يُسَلِّمْهَا حَتَّى مَضَتْ انْفَسَخَتْ، وَلَوْ لَمْ يُقَدِّرْ مُدَّةً وَأَجَّرَ لِرُكُوبٍ إلَى مَوْضِعٍ وَلَمْ يُسَلِّمْهَا حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ السَّيْرِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَنْفَسِخُ.

وَلَوْ أَجَّرَ عَبْدَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
الصَّحِيحَةِ دُونَ الْفَاسِدَةِ، وَكَذَا لَوْ عَرَضَ الْمُؤَجِّرُ الْعَيْنَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، فَامْتَنَعَ لَمْ تَسْتَقِرَّ الْأُجْرَةُ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ إنَّمَا تَسْتَقِرُّ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ، وَيُتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ، أَوْ بِأَنْ تَتْلَفَ الْمَنْفَعَةُ تَحْتَ يَدِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ أَحَدُهُمَا. وَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فِي الْفَاسِدَةِ رَدُّ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ، وَلَيْسَ لَهُ حَبْسُهَا لِاسْتِرْدَادِ الْأُجْرَةِ كَمَا فِي التَّتِمَّةِ قَاعِدَةٌ كُلُّ عَقْدٍ فَسَدَ سَقَطَ فِيهِ الْمُسَمَّى إلَّا إذَا عَقَدَ الْإِمَامُ الذِّمَّةَ مَعَ الْكُفَّارِ عَلَى سُكْنَى الْحِجَازِ فَسَكَنُوا وَمَضَتْ الْمُدَّةُ فَيَجِبُ الْمُسَمَّى لِتَعَذُّرِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُمْ اسْتَوْفَوْا الْمَنْفَعَةَ وَلَيْسَ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ، إذْ لَا مِثْلَ لَهَا تُعْتَبَرُ أُجْرَتُهُ فَرَجَعَ إلَى الْمُسَمَّى، وَخَرَجَ بِالْفَاسِدَةِ الْبَاطِلَةُ، كَاسْتِئْجَارِ صَبِيٍّ بَالِغًا عَلَى عَمَلٍ فَعَمِلَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا.

(وَلَوْ أَكْرَى عَيْنًا مُدَّةً وَلَمْ يُسَلِّمْهَا) الْمُكْرِي (حَتَّى مَضَتْ) تِلْكَ الْمُدَّةُ (انْفَسَخَتْ) تِلْكَ الْإِجَارَةُ لِفَوَاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، سَوَاءٌ اسْتَوْفَى الْمُكْرِي تِلْكَ الْمَنْفَعَةَ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ أَمْسَكَهَا لِقَبْضِ الْأُجْرَةِ أَمْ لِغَيْرِهِ، فَإِنْ مَضَى بَعْضُ الْمُدَّةِ ثُمَّ سَلَّمَهَا انْفَسَخَتْ فِي الْمَاضِي وَثَبَتَ الْخِيَارُ فِي الْبَاقِي. (وَلَوْ لَمْ يُقَدِّرْ) فِي الْإِجَارَةِ (مُدَّةً وَأَجَّرَ) لَهُ دَابَّةً (لِرُكُوبٍ إلَى مَوْضِعٍ) مُعَيَّنٍ (وَلَمْ يُسَلِّمْهَا) إلَيْهِ (حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ) إمْكَانِ (السَّيْرِ) إلَيْهِ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا) أَيْ الْإِجَارَةَ (لَا تَنْفَسِخُ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْإِجَارَةَ مُعَلَّقَةٌ بِالْمَنْفَعَةِ لَا بِالزَّمَانِ فَلَمْ يَتَعَذَّرْ الِاسْتِيفَاءُ. وَالثَّانِي: تَنْفَسِخُ كَمَا لَوْ حَبَسَهَا الْمُكْتَرِي تِلْكَ الْمُدَّةَ فَإِنَّ الْأُجْرَةَ تَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ.
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ: بِأَنَّا لَوْ لَمْ نُقَدِّرْ عَلَيْهِ الْأُجْرَةَ لَضَاعَتْ الْمَنْفَعَةُ عَلَى الْمُكْرِي، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا خِيَارَ لِلْمُكْتَرِي كَمَا لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي إذَا امْتَنَعَ الْبَائِعُ مِنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ ثُمَّ سَلَّمَهُ.
تَنْبِيهٌ احْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِالْعَيْنِ عَنْ إجَارَةِ الذِّمَّةِ إذَا لَمْ يُسَلِّمْ مَا تُسْتَوْفَى مِنْهُ الْمَنْفَعَةُ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ الَّتِي يُمْكِنُ فِيهَا اسْتِيفَاؤُهَا فَلَا فَسْخَ وَلَا انْفِسَاخَ قَطْعًا؛ لِأَنَّهَا دَيْنٌ تَأَخَّرَ وَفَاؤُهُ.

(وَلَوْ أَجَّرَ عَبْدَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ) أَوْ بَاعَهُ أَوْ وَقَفَهُ (فَالْأَصَحُّ) - الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالصَّحِيحِ - (أَنَّهَا لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ) ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ تَبَرَّعَ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ وَلَمْ تَكُنْ الْمَنَافِعُ لَهُ وَقْتَ الْعِتْقِ، فَلَمْ يُصَادِفْ الْعِتْقُ إلَّا الرَّقَبَةَ مَسْلُوبَةَ الْمَنْفَعَةِ. وَالثَّانِي: تَنْفَسِخُ كَمَوْتِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ

(3/490)


وَأَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلْعَبْدِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى سَيِّدِهِ بِأُجْرَةِ مَا بَعْدَ الْعِتْقِ.

وَيَصِحُّ بَيْعُ الْمُسْتَأْجَرَةِ لَلْمُكْتَرِي،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
(تَنْبِيهٌ) احْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ أَعْتَقَهُ عَمَّا لَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ ثُمَّ آجَرَهُ فَوُجِدَتْ الصِّفَةُ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ، وَعَمَّا لَوْ أَجَّرَ أُمَّ وَلَدِهِ ثُمَّ عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا هُنَا، وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُهُمَا فِي بَابِ الْوَقْفِ خِلَافَهُ، وَلَوْ أَجَّرَ أَمَتَهُ مُدَّةً ثُمَّ اسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ - لَمْ تَنْفَسِخْ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ لِتَقَدُّمِ اسْتِحْقَاقِ الْمَنْفَعَةِ عَلَى سَبَبِ الْعِتْقِ، (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلْعَبْدِ) فِي فَسْخِ الْإِجَارَةِ بَعْدَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ سَيِّدَهُ تَصَرَّفَ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ فَلَا يُنْقَضُ، وَيَسْتَوْفِي الْمُسْتَأْجِرُ مَنْفَعَتَهُ. وَالثَّانِي: لَهُ الْخِيَارُ كَالْأَمَةِ تُعْتَقُ تَحْتَ عَبْدٍ. قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَهُوَ غَلَطٌ؛ لِأَنَّ خِيَارَهَا ثَبَتَ لِنَقْصِهِ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَفْقُودٌ هُنَا، (وَالْأَظْهَرُ) عَلَى الْأَوَّلِ (أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى سَيِّدِهِ بِأُجْرَةٍ مَا بَعْدَ الْعِتْقِ) إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ. وَالثَّانِي: يَرْجِعُ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ لِتَفْوِيتِ السَّيِّدِ لَهُ وَدَفْعِ هَذَا، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ فِي الْأُولَتَيْنِ بِأَنَّ الْإِعْتَاقَ تَنَاوَلَ الرَّقَبَةَ خَالِيَةً عَنْ الْمَنْفَعَةِ بَقِيَّةَ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ، وَلَا نَفَقَةَ عَلَى السَّيِّدِ وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ قَدْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ تَعَهُّدِ نَفْسِهِ.
تَنْبِيهٌ أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْمُؤَجِّرُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ وَارِثُهُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ الْعَبْدُ بِشَيْءٍ عَلَيْهِ قَطْعًا وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهِ عَقْدًا ثُمَّ نَقَضَهُ. ثَانِيهِمَا أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِعِتْقٍ سَابِقٍ عَلَى الْإِجَارَةِ عَتَقَ وَلَمْ يُقْبَلْ فِي بُطْلَانِ الْإِجَارَةِ، وَأَنَّهُ يَغْرَمُ لِلْعَبْدِ أُجْرَةَ مِثْلِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ قُبَيْلَ كِتَابِ الصَّدَاقِ وَأَقَرَّهُ.
وَكَمَا لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِطُرُوِّ الْحُرِّيَّةِ لَا تَنْفَسِخُ بِطُرُوِّ الرِّقِّ، فَلَوْ اسْتَأْجَرَ مُسْلِمٌ حَرْبِيًّا فَاسْتُرِقَّ، أَوْ اسْتَأْجَرَ مِنْهُ دَارًا فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ مَلَكَهَا الْمُسْلِمُونَ - لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ، وَإِنْ أَجَّرَ دَارًا بِعَبْدٍ ثُمَّ قَبَضَهُ وَأَعْتَقَهُ، ثُمَّ انْهَدَمَتْ - فَالرُّجُوعُ بِقِيمَتِهِ، وَلَوْ ظَهَرَ بِالْعَبْدِ عَيْبٌ بَعْدَ الْعِتْقِ وَفَسَخَ الْمُسْتَأْجِرُ الْإِجَارَةَ مَلَكَ الْعَتِيقُ مَنَافِعَ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَقِلًّا. فَإِنْ قِيلَ لَوْ بِيعَ الْمُؤَجَّرُ وَانْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ إنَّ الْمَنْفَعَةَ تَرْجِعُ لِلْبَائِعِ لَا لِلْمُشْتَرِي كَمَا يَأْتِي آخِرَ الْبَابِ، فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنَّهَا تَرْجِعُ لِلسَّيِّدِ كَمَا رَجَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْعِتْقَ لَمَّا كَانَ مُتَقَرَّبًا بِهِ وَالشَّارِعُ مُتَشَوِّفًا إلَيْهِ - كَانَتْ مَنَافِعُ الْعَتِيقِ لَهُ نَظَرًا لِمَقْصُودِ الْعِتْقِ مِنْ كَمَالِ تَقَرُّبِهِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ آجَرَ الْمُكَاتَبُ نَفْسَهُ ثُمَّ عَجَّزَهُ سَيِّدُهُ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ لِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا تَصِحُّ مُكَاتَبَةُ الْمُؤَجَّرِ، إذْ لَا يُمْكِنُهُ التَّصَرُّفُ لِنَفْسِهِ.

(وَيَصِحُّ بَيْعُ) الْعَيْنِ (الْمُسْتَأْجَرَةِ) قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ (لَلْمُكْتَرِي) ؛ لِأَنَّهَا

(3/491)


وَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ بَاعَهَا لِغَيْرِهِ جَازَ فِي الْأَظْهَرِ وَلَا تَنْفَسِخُ..
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
بِيَدِهِ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ، فَأَشْبَهَ بَيْعَ الْمَغْصُوبِ مِنْ الْغَاصِبِ، (وَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يُنَافِيهَا، وَلِهَذَا يَسْتَأْجِرُ مِلْكَهُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ. وَالثَّانِي: تَنْفَسِخُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ فَإِنَّ النِّكَاحَ يَنْفَسِخُ.
وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى الْمُشْتَرِي مَا كَانَ لِلْبَائِعِ، وَالْبَائِعُ حِينَ الْبَيْعِ مَا كَانَ يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّ السَّيِّدَ يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ بُضْعِ أَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ كَانَ الْمَهْرُ لِلسَّيِّدِ لَا لِلزَّوْجِ.
تَنْبِيهٌ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: فِي الْأَصَحِّ رَاجِعٌ إلَى الِانْفِسَاخِ. أَمَّا الْبَيْعُ فَصَحِيحٌ قَطْعًا كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، (وَلَوْ بَاعَهَا) الْمُؤَجِّرُ أَوْ وَهَبَهَا (لِغَيْرِهِ) أَذِنَ الْمُسْتَأْجِرُ أَمْ لَا (جَازَ فِي الْأَظْهَرِ) ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْعَقْدِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ لَا يَمْنَعُ بَيْعَ الرَّقَبَةِ كَالْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ. وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُسْتَأْجِرِ مَانِعَةٌ مِنْ التَّسْلِيمِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعَيْنَ تُؤْخَذُ مِنْهُ وَتُسَلَّمُ لِلْمُشْتَرِي، ثُمَّ تُعَادُ إلَيْهِ يَسْتَوْفِي مَنْفَعَتَهَا إلَى آخِرِ الْمُدَّةِ، وَيُعْفَى عَنْ الْقَدْرِ الَّذِي يَقَعُ التَّسْلِيمُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ لَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الْمُسْتَأْجِرِ، كَمَا لَوْ انْسَدَّتْ بَالُوعَةُ الدَّارِ فَلَا خِيَارَ؛ لِأَنَّ زَمَنَ فَتْحِهَا يَسِيرٌ.
تَنْبِيهٌ مَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الصِّحَّةِ تَبِعَ فِيهِ الْجُمْهُورَ، وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ مُقَدَّرَةً بِالْمُدَّةِ، فَإِنْ قُدِّرَتْ بِعَمَلٍ غَيْرِ مُقَدَّرٍ بِمُدَّةٍ كَأَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ إلَى بَلَدِ كَذَا، فَعَنْ أَبِي الْفَرَجِ الزَّازَانِ: الْبَيْعُ مُمْتَنِعٌ قَوْلًا وَاحِدًا لِجَهَالَةِ مُدَّةِ السَّيْرِ، ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَيُقَاسُ بِالْبَيْعِ مَا فِي مَعْنَاهُ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ مَسْأَلَةُ هَرَبِ الْجِمَالِ السَّابِقَةُ فَإِنَّهُ يُبَاعُ مِنْ الْجِمَالِ قَدْرُ النَّفَقَةِ، قَالَا: وَلَا يَخْرُجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي بَيْعِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ ضَرُورَةٍ، وَالْبَيْعُ الضِّمْنِيُّ كَأَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي عَلَى كَذَا فَأَعْتَقَهُ عَنْهُ وَهُوَ مُسْتَأْجَرٌ فَإِنَّهُ يَصِحُّ قَطْعًا لِقُوَّةِ الْعِتْقِ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْقَفَّالِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَأَقَرَّاهُ. (وَلَا تَنْفَسِخُ) الْإِجَارَةُ بِمَا ذُكِرَ قَطْعًا كَمَا لَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بِبَيْعِ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ مِنْ غَيْرِ الزَّوْجِ، فَتَبْقَى فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إنْ جَهِلَ الْإِجَارَةَ، وَكَذَا إنْ عَلِمَهَا وَجَهِلَ الْمُدَّةَ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ، وَلَوْ قَالَ: عَلِمْت بِالْإِجَارَةِ وَلَكِنْ ظَنَنْت أَنَّ لِي أُجْرَةَ مَا يَحْدُثُ عَلَى مِلْكِي مِنْ الْمَنْفَعَةِ. قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي فَتَاوِيهِ: ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ.
وَأَجَابَ أَبُو بَكْرٍ الشَّاشِيُّ بِالْمَنْعِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَخْفَى، فَإِنْ عَلِمَهَا وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَلَا خِيَارَ وَلَا أُجْرَةَ، وَإِنْ جَهِلَ ثُمَّ عَلِمَ وَأَجَازَ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ لِبَقِيَّةِ الْمُدَّةِ كَمَا قَالَهُ

(3/492)


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
الْبَغَوِيّ، وَلَوْ وَجَدَ الْمُسْتَأْجِرُ بِهِ عَيْبًا وَفَسَخَ الْإِجَارَةَ أَوْ عَرَضَ مَا تَنْفَسِخُ بِهِ الْإِجَارَةُ - فَمَنْفَعَتُهُ بَقِيَّةَ الْمُدَّةِ لِلْبَائِعِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي لَا لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ مَنَافِعَ تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَلِأَنَّ الْفَسْخَ يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينَئِذٍ لَا مِنْ أَصْلِهِ.

خَاتِمَةٌ لَوْ أَلْزَمَ ذِمَّتَهُ نَسْجَ ثَوْبٍ عَلَى أَنْ يَنْسِجَهُ بِنَفْسِهِ لَمْ يَصِحَّ الْتِزَامُهُ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا يَمُوتُ قَبْلَ النَّسْجِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ شَخْصًا لِلْخِدْمَةِ وَلَوْ مُطْلَقًا عَنْ ذِكْرِ وَقْتِهَا وَتَفْصِيلِ أَنْوَاعِهَا صَحَّ، وَحُمِلَ الْإِطْلَاقُ عَلَى الْعُرْفِ فِي الْمُسْتَأْجِرِ وَالْأَجِيرِ رُتْبَةً وَذُكُورَةً وَأُنُوثَةً وَمَكَانًا وَوَقْتًا وَغَيْرَهَا، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ لِلْخَبْزِ بَيَّنَ أَنَّ مَا يَخْبِزُهُ أَرْغِفَةٌ أَوْ أَقْرَاصٌ غِلَاظٌ أَوْ رُقَاقٌ، وَأَنَّهُ يَخْبِزُ فِي فُرْنٍ أَوْ تَنُّورٍ، وَحَطَبُ الْخَبَّازِ كَحِبْرِ النُّسَّاخِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْعُرْفُ، وَعَلَى الْأَجِيرِ لِغَسْلِ الثِّيَابِ أُجْرَةُ مَنْ يَحْمِلُهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّ حَمْلَهَا إلَيْهِ مِنْ تَمَامِ الْغُسْلِ، إلَّا إنْ شُرِطَتْ الْأُجْرَةُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَتَلْزَمُهُ. وَلَوْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا إلَى بَلَدٍ فَرَكِبَهَا إلَيْهِ رَدَّهَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي سَارَ مِنْهُ وَلَوْ رَاكِبًا لَهَا؛ لِأَنَّ الرَّدَّ لَازِمٌ لَهُ، فَالْإِذْنُ يَتَنَاوَلُهُ بِالْعُرْفِ، بِخِلَافِ الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا مَرَّ، إذْ لَا رَدَّ عَلَيْهِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِكِتَابَةِ صَكٍّ فِي بَيَاضٍ وَكَتَبَهُ غَلَطًا أَوْ بِلُغَةٍ أُخْرَى غَيْرِ الَّتِي عَيَّنَهَا لَهُ، أَوْ غَيَّرَ النَّاسِخُ تَرْتِيبَ الْكِتَابِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ - سَقَطَتْ أُجْرَتُهُ وَضَمِنَ نُقْصَانَ الْوَرَقِ.

وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِخِيَاطَةِ ثَوْبٍ، فَخَاطَ نِصْفَهُ مَثَلًا ثُمَّ تَلِفَ اسْتَحَقَّ النِّصْفَ مِنْ الْمُسَمَّى، إنْ كَانَ الْعَمَلُ فِي مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ بِحَضْرَتِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَقَعُ الْعَمَلُ مُسَلَّمًا، وَإِلَّا فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا، وَلَوْ تَلِفَتْ جَرَّةٌ حَمَلَهَا الْأَجِيرُ نِصْفَ الطَّرِيقِ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْخِيَاطَةَ تَظْهَرُ عَلَى الثَّوْبِ فَوَقَعَ الْعَمَلُ مُسَلَّمًا بِظُهُورِ أَثَرِهِ، وَالْحَمْلُ لَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ عَلَى الْجَرَّةِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِ الْقِسْطِ وُقُوعُ الْعَمَلِ مُسَلَّمًا وَظُهُورُ أَثَرِهِ عَلَى الْمَحَلِّ. وَغَرَقُ الْأَرْضِ تَنْفَسِخُ بِهِ الْإِجَارَةُ كَانْهِدَامِ الدَّارِ، فَإِنْ تُوُقِّعَ انْحِسَارُهُ فِي الْمُدَّةِ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا مَضَى وَثَبَتَ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارُ، وَإِنْ غَرِقَ بَعْضُهَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِيهِ، وَلَهُ الْخِيَارُ فِي الْبَاقِي فِي بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ، وَهَلْ الْخِيَارُ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي؟ اخْتَلَفَ مُفْتُو عَصْرِنَا فِيهِ، وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخِي؛ لِأَنَّهُ خِيَارُ عَيْبٍ. وَضَمَانُ الْعُهْدَةِ مِنْ شَخْصٍ لِلْمُسْتَأْجِرِ جَائِزٌ، وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ عِنْدَ ظُهُورِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَإِنْ تَوَجَّهَ الْحَبْسُ عَلَى أَجِيرِ الْعَيْنِ وَلَمْ يُمْكِنْ الْعَمَلُ فِي الْحَبْسِ - أَخْرَجَهُ الْقَاضِي مِنْهُ مُدَّةَ الْعَمَلِ تَقْدِيمًا لِحَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ، وَيَسْتَوْثِقُ عَلَيْهِ مُدَّةَ الْعَمَلِ إنْ رَآهُ كَأَنْ خَافَ هَرَبَهُ. أَمَّا أَجِيرُ الذِّمَّةِ فَلْيُطَالَبْ بِتَحْصِيلِ الْعَمَلِ بِغَيْرِهِ، فَإِنْ امْتَنَعَ حُبِسَ بِالْحَقَّيْنِ.

وَلَوْ أَكْرَهَ بَعْضُ الرَّعِيَّةِ شَخْصًا عَلَى غُسْلِ مَيِّتٍ لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، أَوْ الْإِمَامُ وَلِلْمَيِّتِ تَرِكَةٌ وَجَبَتْ فِيهَا، وَإِلَّا فَفِي بَيْتِ الْمَالِ إنْ وَسِعَ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ.

وَلِلْأَبِ إيجَارُ ابْنِهِ الصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ لِإِسْقَاطِ

(3/493)


..
....
....
....
..
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[مغني المحتاج]
نَفَقَتِهِ عَنْهُ، وَلَهُ اسْتِئْجَارُهُ كَمَا يَشْتَرِي مَالَهُ، وَلَوْ أَجَّرَ الْأَبُ لِابْنِهِ عَيْنًا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَوَرِثَهُ الْآخَرُ لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّهَا تَجْتَمِعُ مَعَ الْمِلْكِ، وَفَائِدَةُ عَدَمِ الِانْفِسَاخِ عَدَمُ تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، وَلَوْ خَلَّفَ الْمُؤَجِّرُ ابْنَيْنِ أَحَدُهُمَا مُسْتَأْجَرٌ مِنْهُ دُونُ الْآخَرِ فَالرَّقَبَةُ بَيْنَهُمَا بِالْإِرْثِ، وَالْإِجَارَةُ مُسْتَمِرَّةٌ. وَلَوْ اسْتَأْجَرَ سَفِينَةً فَدَخَلَ فِيهَا سَمَكٌ فَفِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ جَمَاعَةَ فِي فُرُوعِهِ، أَوْجَهُهُمَا أَنَّهُ لِلْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ مَنَافِعَ السَّفِينَةِ، وَيَدُهُ عَلَيْهَا فَكَانَ أَحَقَّ بِهِ.

(3/494)