نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج

بَابُ الْغُسْلِ
(قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ غُسْلِ الْمَيِّتِ) أَمَّا هُوَ فَلَا يَجِبُ فِيهِ النِّيَّةُ بَلْ يُسْتَحَبُّ فَقَطْ (قَوْلُهُ: الْأَشْهَرُ) صِفَةٌ كَاشِفَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِلْمُرَادِ بِالْأَفْصَحِ هُنَا، فَإِنَّ مَعْنَى الْفَصَاحَةِ الْمُقَرَّرِ فِي عُرْفِهِمْ لَا يَظْهَرُ مَعْنَاهُ هُنَا (قَوْلُهُ: أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ) أَيْ فِي الْفِعْلِ الرَّافِعِ لِلْحَدَثِ، أَمَّا إزَالَةُ النَّجَاسَةِ فَالْأَشْهَرُ فِي لِسَانِهِمْ الْفَتْحُ (قَوْلُهُ: وَلَا يَجِبُ فَوْرًا أَصَالَةً) خَرَجَ بِهِ مَا لَوْ ضَاقَ وَقْتُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لِنَجَاسَةٍ) لَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْهُ تَاءٌ قَبْلَ الْهَاءِ مِنْ الْكَتَبَةِ

(قَوْلُهُ: فَإِذَا قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ) عِبَارَةُ الدَّمِيرِيِّ فَإِذَا زَالَ وَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى الْأَصْلِ.

[بَابُ الْغُسْلِ]
[مُوجِبَاتُ الْغُسْل]
بَابُ الْغُسْلِ

(1/209)


وَالْكَلَامُ أَوَّلًا فِي مُوجِبَاتِهِ وَوَاجِبَاتِهِ وَسُنَنِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَقَدْ بَدَأَ مِنْهَا بِالْأَوَّلِ فَقَالَ (مُوجِبُهُ مَوْتٌ) لِمَا سَيَأْتِي فِي الْجَنَائِزِ، وَفِيهَا أَيْضًا أَنَّ الشَّهِيدَ يَحْرُمُ غُسْلُهُ، وَالْكَافِرُ لَا يَجِبُ غُسْلُهُ، وَالسَّقْطُ الَّذِي بَلَغَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَلَمْ تَظْهَرْ أَمَارَةُ حَيَاتِهِ يَجِبُ غُسْلُهُ مَعَ أَنَّا لَمْ نَعْلَمْ سَبْقَ مَوْتٍ لَهُ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ ذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ هُنَاكَ غُسْلَ السَّقْطِ الْمَذْكُورِ، وَلَا يَرُدُّ عَلَى عَدِّهِ الْمُوجِبَاتِ لَهُ تَنَجُّسُ جَمِيعِ الْبَدَنِ أَوْ بَعْضِهِ مَعَ الِاشْتِبَاهِ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ مُطْلَقُ الْإِزَالَةِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِغُسْلٍ بِعَيْنِهِ حَتَّى لَوْ فَرَضَ كَشْطَ جِلْدِهِ حَصَلَ الْغَرَضُ، وَالْمَوْتُ عَدَمُ الْحَيَاةِ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِمُفَارَقَةِ الرُّوحِ الْجَسَدِ، وَقِيلَ عَدَمُ الْحَيَاةِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ الْحَيَاةُ.
وَقِيلَ عَرَضٌ يُضَادُّهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} [الملك: 2] وَرَدَّ بِأَنَّ الْمَعْنَى قَدَّرَ وَالْعَدَمُ مُقَدَّرٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الصَّلَاةِ عَقِبَ الْجَنَابَةِ أَوْ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ فَيَجِبُ فِيهِ الْفَوْرُ لَا لِذَاتِهِ بَلْ لِإِيقَاعِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا (قَوْلُهُ: وَالْكَلَامُ أَوَّلًا فِي مُوجِبَاتِهِ) أَيْ وَثَانِيًا فِي وَاجِبَاتِهِ وَهَكَذَا، وَلَوْ أَسْقَطَ قَوْلَهُ أَوَّلًا اسْتَغْنَى عَنْ هَذَا التَّقْدِيرِ، وَتُعْلَمُ بُدَاءَتُهُ بِالْمُوجِبَاتِ مِنْ قَوْلِهِ وَقَدْ بَدَأَ بِالْأَوَّلِ. إلَخْ (قَوْلُهُ: وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ) أَيْ وَفِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا ذُكِرَ: أَيْ مِنْ الْمُوجِبَاتِ (قَوْلُهُ: فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَفِيهَا أَنَّ الشَّهِيدَ. إلَخْ لَا عَلَى قَوْلِهِ مَعَ أَنَّا لَمْ نَعْلَمْ. إلَخْ، لِأَنَّ ذَاكَ إنَّمَا يَقْتَضِي الْإِيرَادَ لَا عَدَمَهُ، وَلَعَلَّ الْغَرَضَ مِنْ ذِكْرِهِ الرَّدَّ عَلَى حَجّ حَيْثُ جَعَلَهُ مُسْتَفَادًا مِنْ كَوْنِ الْمَوْتِ مُوجِبًا حَيْثُ قَالَ مَا حَاصِلُهُ: إنَّهُ يُحْكَمُ بِمَوْتِهِ لِأَنَّ الْمَوْتَ عَدَمُ الْحَيَاةِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ الْحَيَاةُ وَهَذَا شَأْنُهُ الْحَيَاةُ (قَوْلُهُ: غَيْرُ أَنَّهُ) اعْتِذَارٌ عَمَّا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ، وَفِيهَا أَنَّ السِّقْطَ يَجِبُ غُسْلُهُ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمِنْهَاجِ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ لَكِنَّهُ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي كَلَامِهِمْ وَهُوَ كَافٍ فِي عَدَمِ الْوَارِدِ عَلَيْهِ هُنَا (قَوْلُهُ: عَلَى عَدِّهِ الْمُوجِبَاتِ) فِي نُسْخَةِ حَصْرِهِ الْمُوجِبَاتِ لَهُ فِيمَا ذَكَرَهُ تَنَجَّسَ إلَخْ، وَمَا فِي الْأَصْلِ أَوْلَى لِأَنَّ عِبَارَتَهُ لَا تُفِيدُ الْحَصْرَ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ عَدَمُ الْحَيَاةِ) ذَكَرَهُ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِهِ قَبْلَ عَدَمِ الْحَيَاةِ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَوَّلَ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مِنْ شَأْنِهِ الْحَيَاةُ، وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ وَيُعَبِّرُ عَنْهُ الِاشْتِرَاطُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: مُرَادُ صَاحِبِ هَذَا الْقِيلِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَحَقُّقُ الْحَيَاةِ، بَلْ مَتَى بَلَغَ زَمَانًا تَحْصُلُ فِيهِ الْحَيَاةُ لِمِثْلِهِ وَلَمْ تُوجَدْ عُدَّ مَيِّتًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ عَرَضٌ يُضَادُّهَا) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي سَبْقُ الْحَيَاةِ، فَيَدْخُلُ السِّقْطُ فِي الْمَيِّتِ عَلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ.
وَفِي التُّحْفَةِ مَا يَقْتَضِي خِلَافَهُ حَيْثُ جَعَلَ الْمَوْتَ عَلَى الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ صَادِقًا عَلَى السِّقْطِ، لَكِنْ نَظَرٌ فِيهِ سم بِالنِّسْبَةِ لِلْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ الْمُفَارَقَةِ سَبْقُ الْوُجُودِ، قَالَ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَا مَعْنَى الْعَدَمِ، وَيُجْعَلُ قَوْلُهُ: عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ إلَخْ رَاجِعًا إلَيْهِ أَيْضًا، لَكِنْ يَلْزَمُ حِينَئِذٍ اتِّحَادُ هَذَا مَعَ الثَّانِي اهـ.
هَذَا وَفِي الْمَقَاصِدِ إبْقَاءُ الْأَوَّلِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَرَدُّ الثَّانِي إلَيْهِ وَعِبَارَتُهُ وَالْمَوْتُ زَوَالُهَا: أَيْ الْحَيَاةِ: أَيْ عَدَمِ الْحَيَاةِ عَمَّا يَتَّصِفُ بِهَا الْفِعْلُ، وَهَذَا مُرَادُ مَنْ قَالَ عَدَمُ الْحَيَاةِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ: أَيْ عَمَّا يَكُونُ مِنْ أَمْرِهِ وَصِفَتِهِ الْحَيَاةُ بِالْفِعْلِ فَهُوَ عَدَمُ مِلْكِهِ لَهَا كَالْعَمَى الطَّارِقِ بَعْدَ الْبَصَرِ لَا كَمُطْلَقِ الْعَدَمِ (قَوْلُهُ: أَيْضًا وَقِيلَ عَرَضٌ إلَخْ) جَرَى عَلَى رَدِّ هَذَا الْقَوْلِ فِي الْمَقَاصِدِ أَيْضًا، لَكِنْ فِي تَفْسِيرِ ابْنِ عَادِلٍ عَنْ ابْنِ الْخَطِيبِ الْحَقُّ أَنَّهُ وُجُودِيٌّ، وَيُوَافِقُهُ مَا نَقَلَهُ الصَّفَوِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْوُدِّ أَنَّ عَدَمِيَّةَ الْمَوْتِ كَانَتْ مَنْسُوبَةً إلَى الْقَدَرِيَّةِ فَفَشَتْ.
اهـ.
هَذَا وَفِي حَوَاشِي السُّيُوطِيّ أَنَّ طَائِفَةً مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ الْمَوْتَ جِسْمٌ وَالْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ مُصَرِّحَةٌ بِذَلِكَ.
قَالَ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ هَذَا الْجِسْمُ الَّذِي عَلَى صُورَتِهِ كَبْشٌ كَمَا أَنَّ الْحَيَاةَ جِسْمٌ عَلَى صُورَةِ فَرَسٍ لَا يَمُرُّ بِشَيْءٍ إلَّا حَيِيَ.
وَأَمَّا الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالْبَدَنِ عِنْدَ مُفَارَقَةِ الرُّوحِ فَإِنَّمَا هُوَ أَثَرُهُ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَسْمِيَتُهُ بِالْمَوْتِ مِنْ بَابِ الْمَجَازِ لَا الْحَقِيقَةِ أَوْ بَابِ الْمُشْتَرَكِ، وَحِينَئِذٍ فَالْأَمْرُ فِي النِّزَاعِ قَرِيبٌ اهـ.
وَرَدَّهُ حَجّ فِي عَامَّةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: أَوَّلًا) يَنْبَغِي إسْقَاطُهُ، وَهُوَ تَابِعٌ فِيهِ لِشَرْحِ الْإِرْشَادِ لَكِنَّ ذَاكَ عَطَفَ مَا بَعْدَهُ بِالْفَاءِ لِتَرَتُّبِ الْمَذْكُورَاتِ فِي مَتْنِ الْإِرْشَادِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَلَمَّا لَمْ تَكُنْ مُرَتَّبَةً فِي الْمِنْهَاجِ كَذَلِكَ عَدَلَ الشَّارِحُ إلَى الْوَاوِ فَلَمْ يَبْقَ لِلَفْظَةِ أَوَّلًا مَوْقِعٌ (قَوْلُهُ: مَعَ أَنَّا لَمْ نَعْلَمْ سَبْقَ مَوْتٍ لَهُ) وَجْهُ عَدَمِ وُرُودِهِ أَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَيِّتِ بِدَلِيلِ ذِكْرِهِمْ لَهُ فِي الْجَنَائِزِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَفِيهَا أَيْضًا

(1/210)


(وَحَيْضٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] أَيْ الْحَيْضِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ وَفِيمَا يَأْتِي الِانْقِطَاعُ مَعَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا كَمَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ فِيهِ بِالِانْتِفَاعِ

(وَنِفَاسٌ) لِكَوْنِهِ دَمُ حَيْضٍ مُجْتَمِعٌ.

(وَكَذَا وِلَادَةٌ بِلَا بَلَلٍ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ بَلَلٍ وَإِنْ كُنَّا لَا نُشَاهِدُهُ، وَلِأَنَّهُ يَجِبُ بِخُرُوجِ الْمَاءِ الَّذِي يُخْلَقُ مِنْهُ الْوَلَدُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
فَتَاوِيهِ فَقَالَ: وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِجَوْهَرٍ وَلَا جِسْمٍ، وَحَدِيثُ «يُؤْتَى بِالْمَوْتِ فِي صُورَةِ كَبْشٍ» إلَخْ مِنْ بَابِ التَّمْثِيلِ اهـ.
ثُمَّ صَحَّحَ كَوْنَهُ أَمْرًا وُجُودِيًّا

(قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْتَزِلُوا} [البقرة: 222] إلَخْ) أَيْ وَلِخَبَرِ: «إذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْك الدَّمَ وَصَلِّي» وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ " فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي " سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: أَيْ الْحَيْضِ) أَيْ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ، وَلَعَلَّهُ لَمْ يَحْمِلْ الْمَحِيضَ فِي الْآيَةِ عَلَى زَمَنِ الْحَيْضِ أَوْ مَكَانِهِ كَمَا قِيلَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، لِأَنَّ هَذَا أَوْفَقُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمَتْنُ مِنْ أَنَّهُ الْمُوجِبُ عَلَى أَنَّ حَمْلَ الْمَحِيضِ عَلَى مَكَانِ الْحَيْضِ يُوهِمُ مَنْعَ قُرْبَانِهَا فِي مَحِلِّهِ وَلَوْ فِي غَيْرِ زَمَانِهِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ قَطْعًا (قَوْلُهُ: وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ) قَالَ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ: وَقِيلَ يَجِبُ بِالْخُرُوجِ فَقَطْ.
وَمِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ مَا إذَا قُلْنَا يُغَسَّلُ الشَّهِيدُ الْجُنُبُ فَاسْتَشْهَدَتْ حَائِضٌ فَإِنَّا نُغَسِّلُهَا عَلَى هَذَا دُونَ الْآخَرِ (قَوْلُهُ: إلَى الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا) كَالطَّوَافِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ فِيهِ إلَخْ) عِبَارَتُهُ الْخُرُوجُ وَإِرَادَةُ نَحْوِ الصَّلَاةِ اهـ.
وَمِنْ لَازِمِ إرَادَةِ نَحْوِ الصَّلَاةِ الِانْقِطَاعُ فَكَأَنَّهُ قَالَ: مُوجِبُهُ الْحَدَثُ وَالِانْقِطَاعُ وَإِرَادَةُ نَحْوِ الصَّلَاةِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الِانْقِطَاعَ صَرِيحًا، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ قَوْلِهِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ. إلَخْ.

(قَوْلُهُ: لِكَوْنِهِ دَمَ حَيْضٍ) هُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا لَمْ تَحِضْ وَهِيَ حَامِلٌ.
أَمَّا هِيَ فَيَجُوزُ أَنَّ الْخَارِجَ مِنْهَا حَالَ الْحَمْلِ الْبَعْضُ لَا الْكُلُّ، وَمُجْتَمِعٍ بِالْجَرِّ صِفَةٌ لِلْحَيْضِ وَإِضَافَةُ الدَّمِ إلَيْهِ بَيَانِيَّةٌ.

(قَوْلُهُ: وَكَذَا وِلَادَةٌ) هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْوِلَادَةُ مِنْ طَرِيقِهَا الْمُعْتَادِ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ فِي انْسِدَادِ الْفَرْج مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الِانْسِدَادُ عَارِضًا أَوْ خِلْقِيًّا.
وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ مِثْلُهُ، وَقَالَ فِي حَاشِيَتِهِ: وَيَجُوزُ جِمَاعُهَا بَعْدَ الْوِلَادَةِ بِلَا بَلَلٍ لِأَنَّهَا جَنَابَةٌ، وَهِيَ لَا تَمْنَعُ الْجِمَاعَ رَمْلِيٌّ.
أَقُولُ: وَتُفْطِرُ بِهَا إذَا كَانَتْ صَائِمَةً، وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْفِطْرِ بِهَا إذَا كَانَتْ صَائِمَةً يُشْكِلُ عَلَى جَوَازِ وَطْئِهَا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ عَلَّلَ وُجُوبَ الْغُسْلِ بِالْوِلَادَةِ تَارَةً بِأَنَّهَا مَظِنَّةُ النِّفَاسِ، وَتَارَةً بِأَنَّ الْوَلَدَ مَنِيٌّ مُجْتَمِعٌ، فَالثَّانِي مِنْ التَّعْلِيلَيْنِ يَقْتَضِي جَوَازَ الْوَطْءِ وَعَدَمَ الْفِطْرِ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ بِمُجَرَّدِهَا لَا تُبْطِلُ الصَّوْمَ، فَلَعَلَّهُمْ بَنَوْا جَوَازَ الْوَطْءِ عَلَى أَنَّ الْوِلَادَةَ جَنَابَةٌ، وَالْفِطْرُ عَلَى أَنَّهُ مَظِنَّةٌ لِلنِّفَاسِ احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْفِطْرِ وَتَخْفِيفًا عَلَى الزَّوْجِ لِلشَّكِّ فِي الْمُحَرَّمِ.
(فَرْعٌ) سَأَلَ م ر عَمَّا لَوْ عَضَّ كَلْبٌ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً فَخَرَجَ مِنْ فَرْجِهِ حَيَوَانٌ صَغِيرٌ عَلَى صُورَةِ الْكَلْبِ كَمَا يَقَعُ كَثِيرًا، فَهَلْ هَذَا الْحَيَوَانُ نَجِسٌ كَالْكَلْبِ كَالْمُتَوَلِّدِ مِنْ وَطْءِ الْكَلْبِ لِحَيَوَانٍ طَاهِرٍ حَتَّى يَجِبُ تَسْبِيعُ الْمَخْرَجِ مِنْهُ، وَهَلْ يَجِبُ الْغُسْلُ بِخُرُوجِهِ لِأَنَّهُ وِلَادَةٌ؟ فَأَجَابَ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ غَيْرُ نَجِسٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَوَلَّدْ مِنْ مَاءِ الْكَلْبِ، وَأَنَّهُ لَا غُسْلَ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ الْمُقْتَضِيَةَ لِلْغُسْلِ هِيَ الْوِلَادَةُ الْمُعْتَادَةُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ دُودٌ مِنْ الْجَوْفِ لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: أَيْ الْحَيْضِ) اللَّائِقُ: أَيْ زَمَنُ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَيَدُلُّ لَهُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ نَفْسَ الْحَيْضِ فِيمَا قَبْلَهُ بِلَفْظِ الْأَذَى، فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْمَحِيضِ الْحَيْضَ لَكَانَ الْمَقَامُ لِلْإِضْمَارِ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ كَغَيْرِهِ مِنْ التَّفْسِيرِ بِالْحَيْضِ يُحْوِجُ إلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ، وَهُوَ لَفْظُ زَمَنٍ

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ بَلَلٍ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ الْبَلَلَ هُوَ الْمُوجِبُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ

(1/211)


فَبِخُرُوجِ الْوَلَدِ أَوْلَى.
وَالثَّانِي لَا، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» وَلَوْ أَلْقَتْ بَعْضَ وَلَدٍ كَيَدٍ أَوْ رِجْلٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا الْغُسْلُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَمَا مَرَّ، وَقَدْ يُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ وِلَادَةٌ، وَيَجِبُ بِإِلْقَاءِ عَلَقَةٍ أَوْ مُضْغَةٍ كَالْوَلَدِ.

(وَجَنَابَةٌ) بِالْإِجْمَاعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] وَهِيَ لُغَةً الْبُعْدُ، وَشَرْعًا: أَمْرٌ مَعْنَوِيٌّ يَقُومُ بِالْبَدَنِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ حَيْثُ لَا مُرَخِّصَ، وَتَحْصُلُ (بِدُخُولِ حَشَفَةٍ) وَهِيَ كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَالْقَامُوسِ: مَا فَوْقَ الْخِتَانِ فَلَا تَحْصُلُ بِبَعْضِهَا وَلَوْ مَعَ أَكْثَرِ الذَّكَرِ بِأَنْ شُقَّ وَأُدْخِلَ أَحَدُ شِقَّيْهِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِهِمْ.
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» وَالْمُرَادُ بِالِالْتِقَاءِ الْمُحَاذَاةُ لِأَنَّ خِتَانَ الْمَرْأَةِ فَوْقَ مَدْخَلِ الذَّكَرِ وَإِنَّمَا يَتَحَاذَيَانِ بِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ (أَوْ قَدْرِهَا) مِنْ مَقْطُوعِهَا، وَإِنْ جَاوَزَ حَدَّ الِاعْتِدَالِ فَلَا يُعْتَبَرُ قَدْرُ حَشَفَةِ مُعْتَدِلٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي التَّحْلِيلِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ مِنْهُ إذْ الِاعْتِبَارُ بِصَاحِبِهَا أَوْلَى مِنْ الِاعْتِبَارِ بِغَيْرِهِ، وَلَا إدْخَالَ قَدْرِهَا مَعَ وُجُودِهَا فِيمَا يَظْهَرُ كَمَا لَوْ ثَنَى ذَكَرَهُ وَأَدْخَلَ قَدْرَهَا مِنْهُ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَلَا إدْخَالَ دُونَهَا وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ الذَّكَرِ غَيْرُهُ (فَرْجًا) قُبُلًا أَوْ دُبُرًا وَلَوْ مِنْ مَيِّتٍ أَوْ بَهِيمَةٍ كَسَمَكَةٍ وَغَيْرِ مُمَيِّزٍ وَإِنْ لَمْ يَشْتَهِ وَلَا حَصَلَ إنْزَالٌ وَلَا قَصْدٌ وَلَا انْتِشَارٌ وَلَا اخْتِيَارٌ أَوْ بِحَائِلٍ غَلِيظٍ، وَلَوْ كَانَتْ الْحَشَفَةُ أَوْ قَدْرُهَا مِنْ مَبَانٍ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
بِسَبَبِهِ مَعَ أَنَّهُ حَيَوَانٌ تَوَلَّدَ فِي الْجَوْفِ وَخَرَجَ مِنْهُ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ سم عَلَى حَجّ.
وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ مَتَى وُطِئَتْ الْمَرْأَةُ وَوَلَدَتْ وَلَوْ عَلَى صُورَةِ حَيَوَانٍ وَجَبَ الْغُسْلُ (قَوْلُهُ: «إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» ) وَجَوَابُهُ أَنَّ الْوَلَدَ مَنِيٌّ مُنْعَقِدٌ فَيَصْدُقُ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ (قَوْلُهُ: لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا الْغُسْلُ) أَيْ وَيَجِبُ عَلَيْهَا الْوُضُوءُ عَيْنًا (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ بِإِلْقَاءِ عَلَقَةٍ إلَخْ) ع: يَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ فِيهِمَا قَوْلُ الْقَوَابِلِ إنَّهُمَا أَصْلُ آدَمِيٍّ اهـ.
وَفِي الْعُبَابِ قَالَ: الْقَوَابِلُ هُمَا أَصْلُ آدَمِيٍّ، وَقَضِيَّةُ اشْتِرَاطِ هَذَا الْقَوْلِ عَدَمُ الْوُجُوبِ إذَا لَمْ تَقُلْ الْقَوَابِلُ ذَلِكَ لِعَدَمِهِنَّ أَوْ غَيْرِهِ تَأَمَّلْ سم عَلَى مَنْهَجٍ.
وَهُوَ ظَاهِرٌ، لَكِنْ فِيهِ عَلَى حَجّ مَا حَاصِلُهُ نَقْلًا عَنْ الزَّرْكَشِيّ أَنَّ مَحِلَّ التَّوَقُّفِ عَلَى قَوْلِهِنَّ إنْ لَمْ تَرَ بَلَلًا وَإِلَّا وَجَبَ الْغُسْلُ مُطْلَقًا اهـ.
وَفِي التَّفْرِقَةِ نَظَرٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمَرْئِيُّ دَمًا عَلَى صُورَةِ الْعَلَقَةِ وَالْمُضْغَةِ وَالْبَلَلُ بَلُّ الدَّمِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا أَثَرَ لَهُ، فَالْأَوْلَى الْأَخْذُ بِالْإِطْلَاقِ.
وَبَقِيَ مَا لَوْ اخْتَلَفَتْ الْقَوَابِلُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ مَا قِيلَ فِي الْإِخْبَارِ بِتَنَجُّسِ الْمَاءِ مِنْ تَقْدِيمِ الْأَوْثَقِ فَالْأَكْثَرِ عَدَدًا إلَخْ.
وَقَوْلُهُ: الْقَوَابِلُ: أَيْ أَرْبَعٌ مِنْهُنَّ إنْ قُلْنَا إنَّهُ شَهَادَةٌ، وَيُحْتَمَلُ الِاكْتِفَاءُ بِوَاحِدَةٍ لِحُصُولِ الظَّنِّ بِخَبَرِهَا وَهُوَ الْأَقْرَبُ، لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ أَصْلُ آدَمِيٍّ.

(قَوْلُهُ: وَتَحْصُلُ) زَادَ حَجّ: لِآدَمِيٍّ حَيٍّ فَاعِلٍ أَوْ مَفْعُولٍ بِهِ (قَوْلُهُ: بِدُخُولِ حَشَفَةٍ) أَيْ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ فِيمَا يَظْهَرُ (قَوْلُهُ: مَا فَوْقَ الْخِتَانِ) أَيْ مَا هُوَ الْأَقْرَبُ مِنْ الْخِتَانِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: هِيَ رَأْسُ الذَّكَرِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ شَقَّ وَأَدْخَلَ أَحَدَ شِقَّيْهِ) عِبَارَةُ حَجّ: وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ مُدْرَكًا أَنَّ بَعْضَ الْحَشَفَةِ يُقَدَّرُ مِنْ بَاقِي الذَّكَرِ قَدَرُهُ سَوَاءٌ بَعْضُ الطُّولِ وَبَعْضُ الْعَرْضِ.
وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم قَوْلُهُ: يُقَدَّرُ مِنْ بَاقِي الذَّكَرِ قَدْرُهُ اُنْظُرْ صُورَتَهُ فِي الطُّولِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ جَاوَزَ) أَيْ الْمَقْطُوعُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ الذَّكَرِ غَيْرُهُ) أَيْ بِأَنْ كَانَ الْحَزُّ فِي آخِرِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ بَهِيمَةٍ) ع: لَوْ كَانَ يَابِسًا قَدِيدًا كَذَكَرِ الثَّوْرِ الَّذِي يُضْرَبُ بِهِ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْوُجُوبِ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: وَغَيْرُ مُمَيِّزٍ) أَيْ وَجِنِّيَّةٍ إنْ تَحَقَّقَ كَعَكْسِهِ عَلَى الْأَوْجَهِ فِيهِمَا اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: أَوْ بِحَائِلٍ غَلِيظٍ) وَمِنْهُ قَصَبَةٌ أَدْخَلَهُ فِيهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَشَرْعًا أَمْرٌ مَعْنَوِيٌّ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ الْمَنْعَ وَالسَّبَبَ لَا يُسَمَّيَانِ جَنَابَةً (قَوْلُهُ: وَتَحْصُلُ) أَيْ لِلرَّجُلِ كَمَا قَيَّدَ بِهِ الْجَلَالُ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي، وَالْمَرْأَةُ كَرَجُلٍ

(1/212)


وَاعْتِبَارُ قَدْرِ الْحَشَفَةِ الْمُعْتَدِلَةِ مِنْ ذَكَرِ الْبَهِيمَةِ وَعَدَمِهِ يُوكَلُ إلَى نَظَرِ الْفَقِيهِ.
وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ يَرَى بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ كَمَا قَالُوا فِيمَنْ لَا مَرْفِقَ لَهُ وَلَا كَعْبٌ يُقَدَّرُ بِقَدْرِهِ.
وَلَا يُعَادُ غُسْلُ الْمَيِّتِ إذَا أُولِجَ فِيهِ أَوْ اسْتُولِجَ ذَكَرُهُ لِسُقُوطِ تَكْلِيفِهِ كَالْبَهِيمَةِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ غُسْلُهُ بِالْمَوْتِ تَنْظِيفًا وَإِكْرَامًا لَهُ، وَلَا يَجِبُ بِوَطْءِ الْمَيِّتَةِ حَدٌّ كَمَا سَيَأْتِي وَلَا مَهْرٌ، كَمَا لَا يَجِبُ بِقَطْعِ يَدِهَا دِيَةٌ، نَعَمْ تَفْسُدُ بِهِ الْعِبَادَاتُ وَتَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ فِي الصَّوْمِ وَالْحَجِّ، وَكَمَا يُنَاطُ الْغُسْلُ بِالْحَشَفَةِ يَحْصُلُ بِهَا التَّحْلِيلُ، وَيَجِبُ الْحَدُّ بِإِيلَاجِهَا عَلَى مَا يَأْتِي فِي مَحِلِّهِ، وَتَحْرُمُ بِهِ الرَّبِيبَةُ وَيَلْزَمُ الْمَهْرُ وَالْعِدَّةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَحْكَامِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُهُمْ وَإِنْ نُوزَع فِيهِ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: يُوَكَّلُ إلَى نَظَرِ الْفَقِيهِ) عِبَارَةُ الزِّيَادِيِّ: وَفِيمَا لَوْ خُلِقَ بِلَا حَشَفَةٍ يُعْتَبَرُ قَدْرُ الْمُعْتَدِلَةِ لِغَالِبِ أَمْثَالِهِ: أَيْ أَمْثَالِ ذَكَرِهِ، وَكَذَا فِي ذَكَرِ الْبَهِيمَةِ يُعْتَبَرُ قَدْرُ تَكَوُّنِ نِسْبَتِهِ إلَيْهِ كَنِسْبَةِ مُعْتَدِلِ ذَكَرِ الْآدَمِيِّ إلَيْهِ فِيمَا يَظْهَرُ.
وَبَقِيَ مَا لَوْ كَانَ ذَكَرُهُ الْمَوْجُودُ كَالشَّعِيرَةِ وَلَيْسَ لَهُ حَشَفَةٌ هَلْ يُقَدَّرُ لَهُ حَشَفَةٌ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ.
وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ سم عَلَى حَجّ قَوْلُهُ: أَوْ مَخْلُوقٍ بِدُونِهَا، يَشْمَلُ مَا لَوْ كَانَ بِلَوْنِ الْحَشَفَةِ وَصِفَتِهَا بِأَنْ كَانَ كُلُّهُ بِصِفَةِ الْحَشَفَةِ فَلَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُ الْغُسْلِ عَلَى إدْخَالِ جَمِيعِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، نَعَمْ إنْ حُزِّزَ مِنْ أَسْفَلِهِ بِصُورَةِ تَحْزِيزِ الْحَشَفَةِ فَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إدْخَالِ الْجَمِيعِ اهـ أَنَّهُ يُقَدَّرُ لَهُ حَشَفَةٌ بِأَنْ تُعْتَبَرَ نِسْبَةُ حَشَفَةِ مُعْتَدِلِ ذَكَرٍ إلَى بَاقِيه وَيُقَدَّرُ لَهُ مِثْلُهَا، فَإِنْ فُرِضَ أَنَّ حَشَفَةَ الْمُعْتَدِلِ رُبْعُ ذَكَرِهِ كَانَ رُبْعُ ذَكَرِ هَذَا هُوَ الْحَشَفَةُ.
[فَرْعٌ] قَالَ فِي الْعُبَابِ: وَمَنْ أَحَسَّ بِنُزُولِ مَنِيِّهِ فَأَمْسَكَ ذَكَرَهُ فَلَمْ يَخْرُجْ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ.
قَالَ فِي شَرْحِهِ: حَتَّى لَوْ كَانَ فِي صَلَاةٍ أَتَمَّهَا، وَإِنْ حَكَمْنَا بِبُلُوغِهِ بِذَلِكَ أَوْ قَطَعَ وَهُوَ فِيهِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمُنْفَصِلِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَالْبَارِزِيُّ اهـ.
وَلَا يَخْفَى إشْكَالُ مَا قَالَاهُ، وَالْوَجْهُ خِلَافُهُ لِأَنَّ الْمَنِيَّ فِيهِ انْفَصَلَ عَنْ الْبَدَنِ، وَمُجَرَّدُ اسْتِتَارِهِ بِمَا انْفَصَلَ مَعَهُ لَا أَثَرَ لَهُ سم عَلَى حَجّ اهـ وَحَيْثُ اُعْتُبِرَتْ النِّسْبَةُ كَانَتْ ضَابِطَةً فَلَعَلَّ اعْتِبَارَهَا بَيَانٌ لِمَا ظَهَرَ لِلْفَقِيهِ وَقَرَّرَهُ وَإِلَّا فَهُمَا مُتَبَايِنَانِ.
[فَرْعٌ] لَوْ أَدْخَلَ مِنْ الذَّكَرِ الْمُبَانِ الْحَشَفَةَ وَجَبَ الْغُسْلُ، أَوْ قَدْرَهَا مِنْ الطَّرَفِ الْآخَرِ لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ م ر [فَرْعٌ] ذَكَرٌ مُبَانٍ قُطِعَتْ حَشَفَتُهُ سُئِلَ م ر عَنْهُ فَقَالَ بَحْثًا إنْ أَدْخَلَ قَدْرَ الْحَشَفَةِ مِنْ أَيْ الطَّرَفَيْنِ وَجَبَ الْغُسْلُ اهـ فَلْيُرَاجَعْ وَلْيُحَرَّرْ.
ثُمَّ فِي مَرَّةٍ قَالَ: يَنْبَغِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ جِهَةُ مَوْضِعِ الْحَشَفَةِ. أَقُولُ: وَيُؤَيِّدُ قَوْلَهُ وَجَبَ الْغُسْلُ إطْلَاقُ قَوْلِهِمْ أَوْ قَدْرُهَا مِنْ فَاقِدِهَا لِشُمُولِهِ كُلًّا مِنْ الْجِهَتَيْنِ، وَقَوْلُ حَجّ أَيْضًا: وَلَوْ ثَنَاهُ وَأَدْخَلَ قَدْرَ الْحَشَفَةِ مِنْهُ مَعَ وُجُودِ الْحَشَفَةِ لَمْ يُؤَثِّرْ وَإِلَّا أَثَّرَ عَلَى الْوَجْهِ.
[فَرْعٌ] لَوْ قُطِعَ فَرْجُ الْمَرْأَةِ بِحَيْثُ بَقِيَ اسْمُهُ وَأُولِجَ فِيهِ ظَهَرَ عَلَى الْفَوْرِ، وَوَافَقَ م ر عَلَيْهِ كَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ إذْ لَا يُسَمَّى جِمَاعًا وَإِنْ نَقَضَ مِنْهُ فَلْيُحَرَّرْ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ جَوَّزَ أَنَّهُ إذَا بَقِيَ اسْمُهُ وَجَبَ الْغُسْلُ فَلْيُحَرَّرْ.
وَقَدْ يُوَجَّهُ بِأَنَّا نَمْنَعُ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى جِمَاعًا، أَوْ أَنَّ الْغُسْلَ غَيْرُ مَنُوطٍ بِكَوْنِهِ يُسَمَّى جِمَاعًا بَلْ بِمَا يُسَمَّى الْإِدْخَالُ فِي فَرْجٍ ثُمَّ صَمَّمَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ سم مَنْهَجٌ.
أَقُولُ: وَقِيَاسُ وُجُوبِهِ بِالذَّكَرِ الْمُبَانِ وُجُوبُهُ هُنَا عَلَى الْمُولِجِ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَوْلَجَ فِي فَرْجٍ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ) أَيْ الْفَقِيهُ (قَوْلُهُ: مِنْ بَقِيَّةِ الْأَحْكَامِ) هَذَا مَعَ قَوْلِهِ قَبْلَهُ مُتَّصِلٌ أَوْ مَقْطُوعٌ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَاعْتِبَارُ قَدْرِ الْحَشَفَةِ إلَخْ) عِبَارَةٌ قَلِقَةٌ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّقْدِيرِ، لَكِنَّ الْمُقَدَّرَ بِهِ يُوَكَّلُ إلَى نَظَرِ الْفَقِيهِ هَلْ يُعْتَبَرُ فِيهِ قَدْرُ الْحَشَفَةِ الْمُعْتَدِلَةِ أَيْ بِالنِّسْبَةِ أَوْ لَا يُعْتَبَرُ قَدْرُهَا بَلْ يُعْتَبَرُ بِغَيْرِهَا؟ ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ قَدْرُهَا (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ الْحَدُّ بِإِيلَاجِهَا إلَخْ) قَضِيَّةُ هَذَا مَعَ مَا مَرَّ مِنْ الْغَايَةِ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ كَانَتْ الْحَشَفَةُ أَوْ قَدْرُهَا مِنْ مُبَانٍ

(1/213)


وَيُسْتَثْنَى الْخُنْثَى فَلَا غُسْلَ بِإِيلَاجِ حَشَفَتِهِ وَلَا بِإِيلَاجٍ فِي قُبُلِهِ، لَا عَلَى الْمُولِجِ وَلَا عَلَى الْمَوْلَجِ فِيهِ فِيهِمَا إلَّا إذَا اجْتَمَعَا، وَلَوْ خُلِقَ لَهُ ذَكَرَانِ يَبُولُ بِهِمَا فَأَوْلَجَ أَحَدَهُمَا وَجَبَ الْغُسْلُ، وَلَوْ كَانَ يَبُولُ بِأَحَدِهِمَا وَجَبَ الْغُسْلُ بِإِيلَاجِهِ دُونَ الْآخَرِ إنْ لَمْ يُسَامِتْ الْعَامِلُ، وَلَوْ أَوْلَجَ خُنْثَى فِي دُبُرِ رَجُلٍ تَخَيَّرَا بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ.

(وَ) تَحْصُلُ (بِخُرُوجِ مَنِيٍّ) وَلَوْ بِلَوْنِ الدَّمِ لِكَثْرَةِ جِمَاعٍ وَنَحْوِهِ، فَيَكُونُ طَاهِرًا مُوجِبًا لِلْغُسْلِ إذَا وُجِدَتْ فِيهِ الْخَوَاصُّ الْآتِيَةُ، وَالْمُرَادُ مَنِيُّهُ لَيَخْرُجَ بِهِ مَنِيُّ غَيْرِهِ وَالْخَارِجُ أَوَّلَ مَرَّةٍ لِيَخْرُجَ مَا لَوْ اسْتَدْخَلْتَهُ ثُمَّ خَرَجَ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ خَرَجَ بِنَظَرٍ أَمْ فِكْرٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
ثُمَّ قَوْلُهُ: الْمُتَّصِلُ أَوْ الْمُنْفَصِلُ فِيهِمَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْمَهْرِ وَحُصُولِ التَّحْلِيلِ بِإِيلَاجِ الذَّكَرِ الْمُبَانِ وَهُوَ حَاصِلُ مَا فِي فَتَاوَى شَيْخِنَا الشِّهَابِ الرَّمْلِيِّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ فَلْيُرَاجَعْ.
وَقَدْ وَقَعَ الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ مَعَ وَلَدِهِ فَوَافَقَ عَلَى أَنَّهُ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ سم عَلَى حَجّ.
وَعِبَارَةُ حَجّ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ نَصُّهَا: وَنَقَلَ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِالْمَقْطُوعِ نَسَبٌ وَإِحْصَانٌ وَتَحْلِيلٌ وَمَهْرٌ وَعِدَّةٌ وَمُصَاهَرَةٌ وَإِبْطَالُ إحْرَامٍ، وَيُفَارِقُ الْغُسْلَ بِأَنَّهُ أَوْسَعُ بَابًا مِنْهَا اهـ.
هَذَا وَقَضِيَّتُهُ أَيْضًا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَنْ قُطِعَ ذَكَرُهُ ثُمَّ أَوْلَجَ فِي فَرْجٍ الْغُسْلُ، وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ لِأَنَّهُ بِانْفِصَالِهِ عَنْهُ انْقَطَعَتْ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ خِلَافًا لِمَنْ وَهِمَ فِيهِ فَتَنَبَّهْ لَهُ.
هَذَا وَقَدْ يُحْمَلُ مَا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ مِنْ قَوْلِهِ وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ ذَلِكَ قَوْلُهُ: قَبْلُ يُعْتَبَرُ قَدْرُهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا أَوْ مَخْلُوقٍ بِدُونِهَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عَقِبَهُ، فَفِي الْأَوَّلِ يُعْتَبَرُ قَوْلُ الذَّاهِبَةِ مِنْ بَقِيَّةِ ذَكَرِهَا وَإِنْ جَاوَزَ طُولُهَا الْعَادَةَ كَمَا يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُهُمْ، وَفِي الثَّانِي يُعْتَبَرُ قَدْرُ الْمُعْتَدِلَةِ بِغَالِبِ أَمْثَالِ ذَلِكَ الذَّكَرِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْحَمْلُ أَيْضًا مَا تَقَدَّمَ عَنْ شَرْحِ الْعُبَابِ لَهُ مِمَّا يُخَالِفُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ هُنَا مِنْ التَّعْمِيمِ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يُسَامِتْ الْعَامِلُ) لَمْ يَذْكُرْ هُنَا حُكْمَ مَا لَوْ اشْتَبَهَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، وَقَدْ سَوَّى حَجّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَصْلِيِّينَ وَهُوَ مُوَافِقٌ فِي ذَلِكَ لِمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ، لَكِنْ تَقَدَّمَ ثَمَّ عَنْ شَرْحِ الرَّوْضِ أَنَّ النَّقْضَ لَا يَكُونُ إلَّا بِهِمَا مَعًا، فَقِيَاسُهُ هُنَا أَنَّ الْغُسْلَ إنَّمَا يَكُونُ بِإِيلَاجِهِمَا، وَمِنْ ثَمَّ تَوَقَّفَ سم فِيمَا ذَكَرَهُ حَجّ هُنَا وَقَالَ مَا حَاصِلُهُ: الْقِيَاسُ أَنَّهُ إنَّمَا يُجَنَّبُ بِإِيلَاجِهِمَا مَعًا اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ مَحِلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى سَمْتِ الْأَصْلِيِّ، فَإِنْ كَانَ عَلَى سَمْتِهِ اتَّجَهَ مَا قَالَهُ حَجّ، وَلَعَلَّ وَجْهَ إطْلَاقِهِ أَنَّ الِاشْتِبَاهَ إنَّمَا يَكُونُ حِينَئِذٍ وَمَعَ هَذِهِ الْحَالَةِ لَا وَجْهَ إلَّا وُجُوبُ الْغُسْلِ بِإِيلَاجِ كُلٍّ مِنْهُمَا، لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ بِإِيلَاجِ الْمُتَمَيِّزِ حَيْثُ كَانَ عَلَى سَمْتِ الْأَصْلِيِّ كَانَ وُجُوبُهُ بِإِيلَاجِهِ حَالَةَ الِاشْتِبَاهِ أَوْلَى (قَوْلُهُ: تَخَيَّرَا بَيْنَ الْوُضُوءِ) وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ هُنَا مَا يَأْتِي فِيمَا لَوْ احْتَمَلَ كَوْنَ الْخَارِجِ مَنِيًّا أَوْ وَدْيًا (قَوْلُهُ: وَالْغُسْلُ) وَذَلِكَ فِي الْوَاضِحِ، لِأَنَّهُ إمَّا وَاجِبُهُ الْوُضُوءُ بِخُرُوجِ ذَكَرِ الْخُنْثَى مِنْ دُبُرِهِ، أَوْ الْغُسْلُ بِإِيلَاجِهِ فِيهِ وَفِي الْخُنْثَى، لِأَنَّهُ إمَّا وَاجِبُهُ الْغُسْلُ بِإِيلَاجِهِ أَوْ الْوُضُوءُ بِاللَّمْسِ، وَعَلَيْهِ فَمَحِلُّ ذَلِكَ فِي الْخُنْثَى حَيْثُ لَا مَانِعَ مِنْ النَّقْضِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مَحْرَمِيَّةٌ وَلَا صِغَرٌ.

(قَوْلُهُ: اسْتَدْخَلْتَهُ ثُمَّ خَرَجَ) قَالَ الْخَطِيبُ عَلَى الْغَايَةِ: أَمَّا إذَا خَرَجَ مِنْ قُبُلِ الْمَرْأَةِ مَنِيُّ جِمَاعِهَا بَعْدَ غُسْلِهَا فَلَا تُعِيدُ الْغُسْلَ إلَّا إذَا قَضَتْ شَهْوَتَهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا شَهْوَةٌ كَصَغِيرَةٍ أَوْ كَانَ وَلَمْ تَقْضِ كَنَائِمَةٍ لَا إعَادَةَ عَلَيْهَا، فَإِنْ قِيلَ إذَا قَضَتْ شَهْوَتَهَا لَمْ تَتَيَقَّنْ خُرُوجَ مَنِيِّهَا، وَيَقِينُ الطَّهَارَةِ لَا يُرْفَعُ بِظَنِّ الْحَدَثِ، إذْ حَدَثُهَا وَهُوَ خُرُوجُ مَنِيِّهَا غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ، وَقَضَاءُ شَهْوَتِهَا لَا يَسْتَدْعِي خُرُوجَ شَيْءٍ مِنْ مَنِيِّهَا كَمَا قَالَهُ فِي التَّوْشِيحِ.
أُجِيبُ بِأَنَّ قَضَاءَ شَهْوَتِهَا مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ نَوْمِهَا فِي خُرُوجِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
وُجُوبُ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ بِالذَّكَرِ الْمُبَانِ، وَهُوَ حَاصِلٌ فِي فَتَاوَى وَالِدِهِ.
وَقَالَ الشِّهَابُ ابْنُ قَاسِمٍ إنَّهُ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ لَكِنْ سَيَأْتِي فِي الْعَدَدِ تَقْيِيدُ الشَّارِحِ وُجُوبَ الْعِدَّةِ بِالذَّكَرِ الْمُتَّصِلِ

(قَوْلُهُ: سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِيمَا لَوْ اسْتَدْخَلَهُ ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى لَا يَتَكَرَّرَ مَعَ مَا يَأْتِي

(1/214)


أَمْ احْتِلَامٍ أَمْ غَيْرِهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَّا جَاءَتْهُ أُمُّ سُلَيْمٍ وَقَالَتْ لَهُ لَا يُسْتَحَى مِنْ الْحَقِّ هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إذَا هِيَ احْتَلَمَتْ؟ قَالَ: نَعَمْ، إذَا رَأَتْ الْمَاءَ» (مِنْ طَرِيقِهِ الْمُعْتَادِ) وَلَوْ مِنْ قُبُلَيْ مُشْكِلٍ (وَغَيْرِهِ) كَدُبُرٍ أَوْ ثُقْبَةٍ قِيَاسًا عَلَى الْمُعْتَادِ، وَتَسْوِيَتُهُ فِي الْخَارِجِ مِنْ الْمُعْتَادِ وَغَيْرِهِ هِيَ الْمُرَجَّحَةُ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمُصَحَّحَةُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ لَكِنْ جَزَمَ فِي التَّحْقِيقِ بِأَنَّ لِلْخَارِجِ مِنْ غَيْرِ الْمُعْتَادِ حُكْمُ الْمُنْفَتِحِ فِي بَابِ الْحَدَثِ، فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الِانْفِتَاحُ وَالِانْسِدَادُ وَالْأَعْلَى وَالْأَسْفَلُ، وَصَوَّبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ.
قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَهُوَ الْمَاشِي عَلَى الْقَوَاعِدِ فَلْيُعْمَلْ بِهِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالصُّلْبُ هُنَا كَالْمَعِدَةِ هُنَاكَ.
قَالَ فِي الْخَادِمِ: وَصَوَابُهُ كَتَحْتِ الْمَعِدَةِ هُنَاكَ، لِأَنَّ كَلَامَ الْمَجْمُوعِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْخَارِجَ مِنْ نَفْسِ الصُّلْبِ يُوجِبُ الْغُسْلَ اهـ.
وَهُوَ كَمَا قَالَ: وَعَلَيْهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذِهِ وَمَا مَرَّ حَيْثُ أَلْحَقَ ثُمَّ مَا انْفَتَحَ فِي الْمَعِدَةِ بِمَا فَوْقَهَا، بِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِأَنَّ مَا تُحِيلُهُ الطَّبِيعَةُ تُلْقِيهِ إلَى أَسْفَلَ وَمَا سِوَاهُ بِالْقَيْءِ أَشْبَهُ بِخِلَافِ مَا هُنَا، وَالصُّلْبُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ لِلرَّجُلِ أَمَّا الْمَرْأَةُ فَالْمُعْتَبَرُ فِيهَا مَا بَيْنَ تَرَائِبِهَا وَهِيَ عِظَامُ الصَّدْرِ، وَالْمُرَادُ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَالْبِكْرِ بُرُوزُهُ عَنْ الْفَرْجِ إلَى الظَّاهِرِ، وَيَكْفِي فِي الثَّيِّبِ وُصُولُهُ إلَى مَحِلٍّ يَجِبُ غَسْلُهُ فِي الْجَنَابَةِ، وَمَنْ أَحَسَّ بِنُزُولِ مَنِيِّهِ فَأَمْسَكَ ذَكَرَهُ فَلَمْ يَخْرُجْ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ.
ثُمَّ الْكَلَامُ فِي مَنِيٍّ مُسْتَحْكِمٍ فَإِنْ لَمْ يَسْتَحْكِمْ بِأَنْ خَرَجَ لِمَرَضٍ لَمْ يَجِبْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الْحَدَثِ، فَنَزَّلُوا الْمَظِنَّةَ مَنْزِلَةَ الْمَئِنَّةِ، وَخَرَجَ بِقُبُلِ الْمَرْأَةِ مَا لَوْ وُطِئَتْ فِي دُبُرِهَا فَاغْتَسَلَتْ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا مَنِيُّ الرَّجُلِ لَمْ يَجِب عَلَيْهَا إعَادَةُ الْغُسْلِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ.
[فَائِدَةٌ] وَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّا لَوْ دَخَلَ إنْسَانٌ فَرْجَ امْرَأَةٍ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَدْخَلَ ذَكَرَهُ فَرْجًا أَمْ لَا لِأَنَّهُ أَدْخَلَهُ تَابِعًا لَا مُسْتَقِلًّا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ هُوَ الْأَوَّلُ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ.
[فَائِدَةٌ أُخْرَى] سُئِلَ الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ عَمَّنْ أَدْخَلَ ذَكَرَهُ فِي ذَكَرِ آخَرَ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْغُسْلُ أَمْ لَا.
فَأَجَابَ بِالْوُجُوبِ اهـ.
وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَى هَذَا الْفِعْلِ أَنَّهُ دُخُولُ ذَكَرٍ فِي فَرْجٍ وَذَلِكَ مُوجِبٌ لِلْغُسْلِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ: أُمُّ سُلَيْمٍ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ: أُمُّ سُلَيْمٍ بِنْتُ مِلْحَانَ بْنِ خَالِدٍ الْأَنْصَارِيَّةُ وَالِدَةُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يُقَالُ اسْمُهَا سَهْلَةُ أَوْ رُمَيْلَةُ أَوْ رُمَيْثَةُ أَوْ مُلَيْكَةُ أَوْ أُنَيْفَةُ وَهِيَ الْغُمَيْصَاءُ أَوْ الرُّمَيْصَاءُ اُشْتُهِرَتْ بِكُنْيَتِهَا، وَكَانَتْ مِنْ الصَّحَابِيَّاتِ الْفَاضِلَاتِ، مَاتَتْ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ (قَوْلُهُ: حُكْمُ الْمُنْفَتِحِ فِي بَابِ الْحَدَثِ إلَخْ) تَقَدَّمَ لِلشَّارِحِ أَنَّ الْمَنَافِذَ الْأَصْلِيَّةَ لَا تُعْتَبَرُ، وَقِيَاسُهُ هُنَا أَنَّ الْخَارِجَ مِنْهَا لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ، فَقَوْلُهُ فِيمَا مَرَّ كَالدُّبُرِ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ حَجّ، أَوْ عَلَى مَا قَالَهُ هُوَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَنَافِذِ الْأَصْلِيَّةِ الْفَمَ وَنَحْوَهُ، وَأَمَّا الدُّبُرُ فَهُوَ مِنْ الْفَرْجِ، وَغَايَتُهُ أَنَّ خُرُوجَ الْمَنِيِّ مِنْهُ خُرُوجٌ لَهُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ الْمُعْتَادِ (قَوْلُهُ: وَالصُّلْبُ) أَيْ كُلُّهُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ كَمَا قَالَ) أَيْ فِي الْخَادِمِ مِنْ أَنَّ صَوَابَهُ كَتَحْتِ الْمَعِدَةِ فَيُنْقَضُ الْخَارِجُ مِنْ نَفْسِ الصُّلْبِ، وَخَالَفَ فِيهِ حَجّ فَجَعَلَ الْغُسْلَ مُخْتَصًّا بِمَا يَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ الصُّلْبِ وَتَحْتِ تَرَائِبِ الْمَرْأَةِ، وَتَبِعَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَقِّ (قَوْلُهُ: وَهِيَ عِظَامُ الصَّدْرِ) أَيْ كُلُّهَا (قَوْلُهُ: فَأَمْسَكَ ذَكَرَهُ إلَخْ) عِبَارَةُ سم عَلَى مَنْهَجٍ: وَأَفْهَمَ التَّعْبِيرَ بِالْخَارِجِ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِنُزُولِهِ لِقَصَبَةِ الذَّكَرِ وَإِنْ حَكَمْنَا بِبُلُوغِهِ وَلَا لِقَطْعِهِ، وَهُوَ فِيهِ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمُنْفَصِلِ شَيْءٌ كَمَا قَالَهُ الْبَارِزِيُّ وَالْإِسْنَوِيُّ اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ إذَا تَحَقَّقْنَا وُجُودَهُ فِي الْمُنْفَصِلِ، إذْ الْمَدَارُ عَلَى خُرُوجِ الْمَنِيِّ وَقَدْ وَجَدَ اهـ.
وَمَا نَظَرَ بِهِ تَقَدَّمَ مِثْلُهُ اعْتِرَاضًا عَلَى مَا فِي شَرْحِ الْعُبَابِ عَنْ الْإِسْنَوِيِّ وَالْبَارِزِيِّ لَكِنَّ عِبَارَتَهُ ثَمَّ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمُنْفَصِلِ، وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِقَوْلِهِ هُنَا مِنْ الْمُتَّصِلِ (قَوْلُهُ: فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ) أَيْ وَيُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ إنْ كَانَ صَغِيرًا (قَوْلُهُ: مُسْتَحْكِمٌ) أَيْ بِأَنْ وَجَدَ فِيهِ إحْدَى خَوَاصِّ الْمَنِيِّ طب وم ر.
وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: ثُمَّ الْكَلَامُ) أَيْ فِي الْخَارِجِ مِنْ الثُّقْبَةِ كَمَا هُوَ فَرْضُ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ خَرَجَ لِمَرَضٍ) هُوَ صُورَةُ

(1/215)


الْغُسْلُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ (وَيُعْرَفُ) الْمَنِيُّ (بِتَدَفُّقِهِ) وَهُوَ خُرُوجُهُ بِدَفَعَاتٍ، قَالَ تَعَالَى {مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق: 6] (أَوْ لَذَّةٍ) بِالْمُعْجَمَةِ (بِخُرُوجِهِ) أَيْ وُجْدَانِهَا وَإِنْ لَمْ يَتَدَفَّقْ لِقِلَّتِهِ وَيَلْزَمُهُ فُتُورُ الذَّكَرِ وَانْكِسَارُ الشَّهْوَةِ غَالِبًا (أَوْ رِيحُ عَجِينٍ) وَطَلْعِ نَخْلٍ (رَطْبًا وَبَيَاضَ بَيْضٍ جَافًّا) وَإِنْ لَمْ يَتَدَفَّقْ وَيُلْتَذَّ بِهِ كَأَنْ خَرَجَ مَا بَقِيَ مِنْهُ بَعْدَ الْغُسْلِ فَأَيُّ صِفَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ وُجِدَتْ كَفَتْ إذْ لَا يُوجَدُ شَيْءٌ مِنْهَا فِي غَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ رَطْبًا وَجَافًّا حَالَانِ مِنْ الْمَنِيِّ لَا مِنْ الْعَجِينِ وَبَيَاضِ الْبَيْضِ، وَلَا أَثَرَ لِثَخَانَةٍ أَوْ بَيَاضٍ فِي مَنِيِّ الرَّجُلِ وَلَا ضِدَّ ذَلِكَ فِي مَنِيِّ الْمَرْأَةِ (فَإِنْ فَقَدَتْ الصِّفَاتِ) أَيْ الْخَوَاصِّ الْمَذْكُورَةِ (فَلَا غُسْلَ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَنِيٍّ، فَلَوْ احْتَمَلَ كَوْنُ الْخَارِجِ مَنِيًّا أَوْ وَدْيًا كَمَنْ اسْتَيْقَظَ وَوَجَدَ الْخَارِجَ مِنْهُ أَبْيَضَ ثَخِينًا تَخَيَّرَ بَيْنَ حُكْمَيْهِمَا فَيَغْتَسِلُ أَوْ يَتَوَضَّأُ وَيَغْسِلُ مَا أَصَابَهُ مِنْهُ، فَلَوْ اخْتَارَ كَوْنَهُ مَنِيًّا لَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْهِ قَبْلَ اغْتِسَالِهِ مَا يُحَرَّمُ عَلَى الْجُنُبِ لِلشَّكِّ فِي الْجَنَابَةِ، وَلِهَذَا مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الِاحْتِيَاطِ بِفِعْلِ مُقْتَضَى الْحَدَثَيْنِ لَا يُوجَبُ عَلَيْهِ غَسْلُ مَا أَصَابَ ثَوْبَهُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَتُهُ، كَذَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ عَمَّا اخْتَارَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ، إذْ التَّفْوِيضُ إلَى خِيَرَتِهِ يَقْتَضِي ذَلِكَ.
وَإِنْ رَأَى مَنِيًّا فِي ثَوْبِهِ أَوْ فِي فِرَاشٍ نَامَ فِيهِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ مَنْ لَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ كَالْمَمْسُوحِ فِيمَا يَظْهَرُ كَمَا فِي الْخَادِمِ لَزِمَهُ الْغُسْلُ وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ احْتِلَامًا، وَلَزِمَهُ إعَادَةُ كُلِّ مَكْتُوبَةٍ لَا يُحْتَمَلُ حُدُوثُهُ بَعْدَهَا، وَيُنْدَبُ لَهُ إعَادَةُ مَا احْتَمَلَ أَنَّهُ فِيهَا كَمَا لَوْ نَامَ مَعَ مَنْ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ وَلَوْ نَادِرًا، كَالصَّبِيِّ بَعْدَ تِسْعٍ فَإِنَّهُ يُنْدَبُ لَهُمَا الْغُسْلُ، وَعُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ صِحَّةُ مَا قَيَّدَ الْمَاوَرْدِيُّ الْمَسْأَلَةَ بِهِ بِمَا إذَا رَأَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الْمُعْتَادِ، أَمَّا الْخَارِجُ مِنْهُ فَيُوجِبُ الْغُسْلَ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ حَاصِلُ شَرْحِ الرَّوْضِ وَمَا قَالَهُ م ر.
وَقَوْلُهُ: لِمَرَضٍ: أَيْ مَعَ كَوْنِهِ فِيهِ بَعْضُ الْخَوَاصِّ سم عَلَى مَنْهَجٍ.
وَيُسْتَفَادُ مَا ذُكِرَ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ ثُمَّ الْكَلَامُ إلَخْ، فَإِنَّ مُرَادَهُ بِهِ التَّفْصِيلُ فِي الْمَنِيِّ الْخَارِجِ مِنْ الْمُنْفَتِحِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا خَرَجَ مِنْ طَرِيقِهِ الْأَصْلِيِّ يُوجِبُ الْغُسْلَ مُطْلَقًا حَيْثُ عُلِمَ أَنَّهُ مَنِيٌّ بِوُجُودِ بَعْضِ الْخَوَاصِّ فِيهِ.
وَقَوْلُهُ: مُسْتَحْكِمٌ بِكَسْرِ الْكَافِ كَمَا فِي تَحْرِيرِ النَّوَوِيِّ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُهُ: الْمُخْتَارُ وَأَحْكَمَ فَاسْتَحْكَمَ: أَيْ صَارَ مُحْكَمًا اهـ.
فَصَرَّحَ بِأَنَّ اسْتَحْكَمَ لَازِمٌ فَالْوَصْفُ مِنْهُ اسْمُ فَاعِلٍ عَلَى مُسْتَفْعِلٍ بِالْكَسْرِ (قَوْلُهُ: أَوْ رِيحُ عَجِينٍ) أَيْ عَجِينُ حِنْطَةٍ وَنَحْوِهَا: أَيْ وَبِيضِ دَجَاجٍ وَنَحْوُهُ خَطِيبٌ، وَالْمُرَادُ بِنَحْوِ الْحِنْطَةِ: أَيْ مَا يُشْبِهُ رَائِحَةَ عَجِينِهَا، وَبِنَحْوِ بَيْضِ الدَّجَاجِ مَا يُشْبِهُ رَائِحَتَهُ رَائِحَتَهُ (قَوْلُهُ: فِي مَنِيِّ الْمَرْأَةِ) أَيْ مِنْ الرِّقَّةِ وَالصُّفْرَةِ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: أَيْ الْخَوَاصِّ) دَفَعَ مَا أُورِدَ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ صِفَاتِ مَنِيِّ الرَّجُلِ الْبَيَاضُ وَالثِّخَنُ مَعَ وُجُوبِ الْغُسْلِ بِانْتِفَائِهِمَا عَنْهُ، وَيُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ حَمْلِ أَلْ فِي الْمَتْنِ عَلَى الْعَهْدِ الذَّكَرِيِّ (قَوْلُهُ: لِلشَّكِّ فِي الْجَنَابَةِ) خِلَافًا لحج (قَوْلُهُ: وَهُوَ ظَاهِرٌ) وَعَلَيْهِ فَإِذَا رَجَعَ قَالَ حَجّ: فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِقَضِيَّةِ مَا رَجَعَ إلَيْهِ فِي الْمَاضِي أَيْضًا وَهُوَ الْأَحْوَطُ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ بِهَا إلَّا فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ قَضِيَّةَ الْأَوَّلِ بِفِعْلِهِ بِمُوجِبِهِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ الرُّجُوعُ فِيهِ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم (قَوْلُهُ: لَا يَعْمَلُ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْوَجْهُ اهـ.
[تَنْبِيهٌ آخَرُ] هَلْ غَيْرُ الْخَارِجِ مِنْهُ ذَلِكَ مِثْلُهُ فِي التَّخْيِيرِ الْمَذْكُورِ، وَعَلَيْهِ فَهَلْ يَلْزَمُ كُلًّا الْجَرْيُ عَلَى قَضِيَّةِ مَا اخْتَارَهُ حَتَّى لَوْ اخْتَارَ صَاحِبُهُ أَنَّهُ مَذْيٌ وَالْآخَرُ أَنَّهُ مَنِيٌّ لَمْ يَقْتَدِ بِهِ لِأَنَّهُ جُنُبٌ بِحَسَبِ مَا اخْتَارَهُ لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
غَيْرِ الْمُسْتَحْكِمِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِعَدَمِ اسْتِحْكَامِهِ خُلُوَّهُ عَنْ الصِّفَاتِ الْآتِيَةِ وَإِنْ قِيلَ بِهِ إذْ ذَاكَ غَيْرُ مَنِيٍّ أَصْلًا (قَوْلُهُ: عَجِينٍ) أَيْ مِنْ حِنْطَةٍ وَنَحْوِهَا (قَوْلُهُ: بِمَا إذَا رَأَى) بَدَلٌ مِنْ بِهِ

(1/216)


الْمَنِيَّ فِي بَاطِنِ الثَّوْبِ، فَإِنْ رَآهُ فِي ظَاهِرِهِ فَلَا غُسْلَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَصَابَهُ مِنْ غَيْرِهِ (وَالْمَرْأَةُ كَرَجُلٍ) فِيمَا مَرَّ مِنْ حُصُولِ الْجَنَابَةِ وَمَا يَعْرِفُ بِهِ الْمَنِيُّ مِنْ الْخَوَاصِّ الثَّلَاثِ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ اضْطِرَابٍ طَوِيلٍ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ.

(وَيُحَرَّمُ بِهَا) أَيْ بِالْجَنَابَةِ (مَا حُرِّمَ بِالْحَدَثِ) الْأَصْغَرِ لِأَنَّهَا أَغْلَظُ مِنْهُ (وَالْمُكْثُ بِالْمَسْجِدِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنِّي لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ» وَمِثْلُهُ رَحْبَتُهُ وَهَوَاؤُهُ وَجَنَاحٌ بِجِدَارِهِ وَإِنْ كَانَ كُلُّهُ فِي هَوَاءِ الشَّارِعِ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ، وَشَمِلَ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ الْمَسْجِدُ شَائِعًا فِي أَرْضٍ بَعْضُهَا مَمْلُوكٌ وَإِنْ قَلَّ غَيْرُ الْمِلْكِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَيُفَارِقُ التَّفْصِيلَ السَّابِقَ فِي التَّفْسِيرِ مَعَ أَنَّ حُرْمَةَ الْقُرْآنِ آكَدُ مِنْ حُرْمَةِ الْمَسْجِدِ، بِأَنَّ الْمَسْجِدِيَّةَ لَمَّا انْبَهَمَتْ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ تِلْكَ الْأَرْضِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الْمُكْثُ كَانَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَاكِثٌ فِي مَسْجِدٍ شَائِعٍ بِخِلَافِ الْقُرْآنِ مَعَ التَّفْسِيرِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُنْبَهِمٍ فِيهِ بَلْ مُتَمَيِّزٌ عَنْهُ، فَلَمْ يَصْدُقْ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَسَّ مُصْحَفًا شَائِعًا، وَأَيْضًا فَاخْتِلَاطُ الْمَسْجِدِيَّةِ بِالْمِلْكِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ يُسَمَّى مَسْجِدًا، وَلَا كَذَلِكَ الْمُصْحَفُ إذَا اخْتَلَطَ بِالتَّفْسِيرِ فَإِنَّهُ يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ يُسَمَّى مُصْحَفًا إنْ زَادَ عَلَيْهِ التَّفْسِيرُ كَمَا مَرَّ، وَمَحَلُّ حُرْمَةِ مَا تَقَدَّمَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
شَيْئًا، وَاَلَّذِي يَنْقَدِحُ أَنَّ الثَّانِيَ لَا يَلْزَمُهُ غَسْلُ مَا أَصَابَهُ مِنْهُ لِلشَّكِّ وَأَنَّهُ لَا يُقْتَدَى بِهِ فِي الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ اهـ حَجّ.
وَبَقِيَ مَا لَوْ تَذَكَّرَ بَعْدَ اخْتِيَارِهِ أَنَّهُ مَنِيٌّ كَوْنُهُ مَنِيًّا حَقِيقَةً هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْغُسْلِ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ تَوَضَّأَ احْتِيَاطًا ثُمَّ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُخَاطَبًا بِالْأَحَدِ الدَّائِرِ وَأَتَى بِهِ تَحَقَّقَ فِي ضِمْنِهِ الْوَاجِبُ وَلَيْسَ مُتَبَرِّعًا بِالْفِعْلِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ فَصَلَّى الْخَمْسَ وَسِيلَةً لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ مِنْ الْوَاجِبِ ثُمَّ تَذَكَّرَ الْمَنْسِيَّةَ بِعَيْنِهَا، فَإِنَّ مَا أَتَى بِهِ يُجْزِئُهُ مَعَ تَرَدُّدِهِ فِي النِّيَّةِ، بِخِلَافِ وُضُوءِ الِاحْتِيَاطِ فِيمَا لَوْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، ثُمَّ رَأَيْت فِي سم عَلَى حَجّ فَرْعٌ: عَمِلَ بِمُقْتَضَى مَا اخْتَارَهُ، ثُمَّ بَانَ الْحَالُ عَلَى وَفْقِ مَا اخْتَارَهُ فَيَتَّجِهُ أَنْ يُجْزِئَهُ أَخْذًا مِمَّا فَرَّقُوا بِهِ بَيْنَ عَدَمِ الْإِجْزَاءِ إذَا بَانَ الْحَالُ فِي وُضُوءِ الِاحْتِيَاطِ وَالْإِجْزَاءِ إذَا بَانَ الْحَالُ فِي مَسْأَلَةِ الْمَنْسِيَّةِ بِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فِي وُضُوءِ الِاحْتِيَاطِ (قَوْلُهُ: فِي ظَاهِرِهِ) قَدْ يَتَوَقَّفُ فِيهِ مَعَ فَرْضِ الْكَلَامِ فِي كَوْنِهِ لَا يُمَكَّنُ مِنْ غَيْرِهِ وَمِنْ ثَمَّ عَمَّمَ غَيْرُهُ الْحُكْمَ.
وَعِبَارَةُ سم عَلَى مَنْهَجٍ: فَرْعٌ: قَالَ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ: وَإِنْ رَأَى فِي فِرَاشِهِ أَوْ ثَوْبِهِ وَلَوْ بِظَاهِرِهِ مَنِيًّا إلَخْ اهـ.
قَالَ حَجّ: وَمَحَلُّهُ حَيْثُ احْتَمَلَ ذَلِكَ عَادَةً فِيمَا يَظْهَرُ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَالْمُكْثُ) زَادَ حَجّ: وَهَلْ ضَابِطُهُ هُنَا كَمَا فِي الِاعْتِكَافِ أَوْ يُكْتَفَى هُنَا بِأَدْنَى طُمَأْنِينَةٍ لِأَنَّهُ أَغْلَظُ؟ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَالثَّانِي أَقْرَبُ اهـ.
وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُمْ إنَّمَا اعْتَبَرُوا فِي الِاعْتِكَافِ الزِّيَادَةَ لِأَنَّ مَا دُونَهَا لَا يُسَمَّى اعْتِكَافًا، وَالْمَدَارُ هُنَا عَلَى عَدَمِ تَعْظِيمِ الْمَسْجِدِ بِالْمُكْثِ فِيهِ مَعَ الْجَنَابَةِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِأَدْنَى مُكْثٍ، ثُمَّ قَالَ أَيْضًا: وَمِنْ خَصَائِصِهِ حِلُّ الْمُكْثِ لَهُ بِهِ جُنُبًا، وَلَيْسَ عَلَى مِثْلِهِ فِي ذَلِكَ وَخَبَرُهُ وَهُوَ كَمَا فِي شَرْحِ الْعُبَابِ عَنْ الْمَجْمُوعِ: «يَا عَلِيُّ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُجْنِبُ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ غَيْرِي وَغَيْرُك» ، ضَعِيفٌ وَإِنْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ اهـ.
وَقَضِيَّةُ اقْتِصَارِهِ فِي الْخُصُوصِيَّةِ عَلَى الْمُكْثُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَغَيْرِهِ فِي الْقِرَاءَةِ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ رَحْبَتُهُ) وَهِيَ مَا وَقَفَ لِلصَّلَاةِ حَالَ كَوْنِهَا جُزْءًا مِنْ الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ: شَائِعًا) أَيْ فَهُوَ كَالْمَسْجِدِ فِي حُرْمَةِ الْمُكْثِ فِيهِ عَلَى الْجُنُبِ وَنَحْوِهِ، وَتَجِبُ قِسْمَتُهُ فَوْرًا، وَيُسْتَحَبُّ لِدَاخِلِهِ التَّحِيَّةُ، وَلَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: أَيْ بِالْجَنَابَةِ) وَأَمَّا بِالْحَيْضِ فَسَيَأْتِي فِي بَابِهِ وَكَذَا النِّفَاسُ، وَأَمَّا الْمَوْتُ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ مَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: وَجَنَاحٌ بِجِدَارِهِ) فِيهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ دَاخِلًا فِي وَقْفِيَّتِهِ، فَهُوَ مَسْجِدٌ حَتَّى إنَّ الْمَسْجِدَ اسْمٌ لِهَذِهِ الْأَبْنِيَةِ الْمَخْصُوصَةِ مَعَ الْأَرْضِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِي وَقْفِيَّتِهِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ: إنْ زَادَ عَلَيْهِ التَّفْسِيرُ) لَا دَخْلَ لِهَذَا فِي التَّسْمِيَةِ وَعَدَمِهَا وَإِنَّمَا هُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ قُيِّدَتْ بِهِ الْحُرْمَةُ

(1/217)


إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ، فَإِنْ كَانَ كَإِغْلَاقِ بَابِهِ أَوْ خَوْفٍ لَوْ خَرَجَ وَلَوْ عَلَى مَالٍ وَتَعَذَّرَ غُسْلُهُ هُنَاكَ تَيَمَّمَ حَتْمًا لَا بِتُرَابِ الْمَسْجِدِ وَهُوَ الدَّاخِلُ فِي وَقْفِهِ فَيَحْرُمُ بِهِ كَتُرَابٍ مَمْلُوكٍ لِغَيْرِهِ وَيَصِحُّ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ؛ أَمَّا الْكَافِرُ فَلَهُ دُخُولُهُ إنْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ مُسْلِمٌ أَوْ وَجَدَ مَا يَقُومُ مَقَامَ إذْنِهِ فِيهِ وَدَعَتْ حَاجَةٌ إلَى دُخُولِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ جُنُبًا أَمْ لَا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِيهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الزِّيَادِيِّ.
قَالَ سم: وَالْفَرْقُ أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ التَّحِيَّةِ أَنْ لَا تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ الْمَسْجِدِ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ فِيهِ فَاسْتُحِبَّتْ فِي الشَّائِعِ لِأَنَّ بَعْضَهُ مَسْجِدٌ، بَلْ مَا مِنْ جُزْءٍ إلَّا وَفِيهِ جِهَةُ مَسْجِدِيَّةٍ، وَتَرْكُ الصَّلَاةِ يُخِلُّ بِتَعْظِيمِهِ، وَالِاعْتِكَافُ إنَّمَا يَكُونُ فِي مَسْجِدٍ وَالشَّائِعُ بَعْضُهُ لَيْسَ بِمَسْجِدٍ، فَالْمَاكِثُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ خَرَجَ بَعْضُهُ عَنْ الْمَسْجِدِ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ.
[فَائِدَةٌ] قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِتَيْسِيرِ الْوُقُوفِ عَلَى غَوَامِضِ أَحْكَامِ الْوُقُوفِ: ثُمَّ مَوْضِعُ الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ: أَيْ وَقْفِ الْجُزْءِ الْمُشَاعِ مَسْجِدًا مِنْ أَصْلِهِ حَيْثُ أَمْكَنَتْ قِسْمَةُ الْأَرْضِ أَجْزَاءً، وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا فِيهِ نَقْلًا وَهُوَ عَجِيبٌ، فَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي فَتَاوِيهِ الَّتِي جَمَعَهَا ابْنُ أَخِيهِ فَقَالَ: وَمِنْ الْغَرَائِبِ إذَا كَانَ لَهُ حِصَّةٌ فِي أَرْضٍ مُشَاعَةٍ وَهِيَ لَا تَنْقَسِمُ فَجَعَلَهَا مَسْجِدًا لَمْ يَصِحَّ اهـ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ الضَّرُورَةِ وَالْعُذْرِ مَا إذَا كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُمْكِنُهُ الْغُسْلُ إلَّا فِي الْحَمَّامِ لِخَوْفِ بَرْدِ الْمَاءِ أَوْ نَحْوِهِ وَلَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ أَخْذُ أُجْرَةِ الْحَمَّامِ إلَّا مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يَجِدْ مِنْ يُنَاوِلُهَا لَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ، وَهَذَا قِيَاسُ قَوْلِهِمْ إذَا كَانَ الْمَاءُ فِي الْمَسْجِدِ دَخَلَ لِأَخْذِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَمْكُثُ قَدْرَ الِاسْتِقَاءِ فَقَطْ، وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ فِي مَسْأَلَتِنَا إذَا أَمْكَنَهُ، ثُمَّ رَأَيْت م ر قَالَ: مَنْ احْتَاجَ لِلدُّخُولِ لِلْمَسْجِدِ وَهُوَ جُنُبٌ لِأَخْذِ أُجْرَةِ الْحَمَّامِ مَثَلًا جَازَ الدُّخُولُ إنْ تَيَمَّمَ وَمَكَثَ قَدْرَ حَاجَتِهِ، وَلَا يَجُوزُ بِلَا تَيَمُّمٍ.
وَقَوْلُهُ: تَيَمَّمَ حَتْمًا إلَخْ: أَيْ فَلَوْ وَجَدَ مَا يَكْفِي بَعْضَ أَعْضَائِهِ أَوْ وَجَدَ مَا يَكْفِي جَمِيعَهَا لَكِنْ مَنَعَهُ نَحْوُ الْبَرْدِ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ فِي جَمِيعِهَا وَلَمْ يَمْنَعْهُ فِي بَعْضِهَا، فَهَلْ يَجِبُ فِي الصُّورَتَيْنِ اسْتِعْمَالُ الْمَقْدُورِ تَقْلِيلًا لِلْحَدَثِ كَمَنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ وَوَجَدَ مَاءً لَا يَكْفِيه أَوْ مَاءً لَا يُمْكِنُهُ إلَّا اسْتِعْمَالُ بَعْضِهِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَا يَبْعُدُ الْوُجُوبُ فَتَأَمَّلْ سم عَلَى مَنْهَجٍ.
[فَائِدَةٌ] عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّ لِلْجُنُبِ أَنْ يَمْكُثَ بِالْمَسْجِدِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَلَوْ كَانَ الْغُسْلُ يُمْكِنُهُ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ اهـ (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَلَى مَالٍ) أَيْ وَإِنْ قَلَّ كَدِرْهَمٍ (قَوْلُهُ: لَا بِتُرَابِ الْمَسْجِدِ إلَخْ) هَلْ الْمُشْتَرِي لَهُ مِنْ غَلَّتِهِ كَأَجْزَائِهِ، أَوْ كَاَلَّذِي فَرَشَهُ بِهِ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِ وَقْفٍ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ، وَلَوْ شَكَّ فِي كَوْنِهِ مِنْ أَجْزَائِهِ فَفِيهِ تَرَدُّدٌ، وَلَعَلَّ التَّحْرِيمَ أَقْرَبُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ احْتِرَامُهُ وَكَوْنُهُ مِنْ أَجْزَائِهِ حَتَّى يُعْلَمَ مُسَوِّغٌ لِأَخْذِهِ حَاشِيَةَ إيضَاحٍ لحج. هَذَا وَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّرَدُّدِ فِي الْمُشْتَرَى مِنْ غَلَّتِهِ إنَّمَا يَأْتِي إذَا قُلْنَا إنَّ الدَّاخِلَ فِي وَقْفِيَّتِهِ لَا يُجْزِئُ فِي التَّيَمُّمِ، وَحَمَلَ التَّرَدُّدُ عَلَى أَنَّهُ هَلْ يُجْزِئُ أَوْ لَا بِخِلَافِ الْخَارِجِ عَنْهَا، أَمَّا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ الدَّاخِلَ فِي وَقْفِيَّتِهِ يَحْرُمُ وَيَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِهِ بِخِلَافِ الْخَارِجِ عَنْهُ، كَاَلَّذِي تَهُبُّ بِهِ الرِّيَاحُ فَلَا يَظْهَرُ التَّرَدُّدُ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ مُطْلَقًا وَيَصِحُّ (قَوْلُهُ: مُسْلِمٌ) رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ حَيْثُ كَانَ بَالِغًا، وَخَرَجَ بِالْمَسْجِدِ قُبُورُ الْأَنْبِيَاءِ فَلَا يَجُوزُ الْإِذْنُ لَهُ فِي دُخُولِهَا مُطْلَقًا تَعْظِيمًا لَهَا اهـ فَتَاوَى الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: وَدَعَتْ حَاجَةٌ) أَيْ تَتَعَلَّقْ بِمَصْلَحَتِنَا كَبِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَلَوْ تَيَسَّرَ غَيْرُهُ، أَوْ تَتَعَلَّقُ بِهِ لَكِنَّ حُصُولَهَا مِنْ جِهَتِنَا كَاسْتِفْتَائِهِ أَوْ دَعْوَاهُ عِنْدَ قَاضٍ، أَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ الْإِذْنُ لَهُ فِيهِ لِأَجْلِهِ كَدُخُولِهِ لِأَكْلٍ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ تَفْرِيغِ نَفْسِهِ فِي سِقَايَتِهِ الَّتِي يَدْخُلُ إلَيْهَا مِنْهُ، أَمَّا الَّتِي لَا يَدْخُلُ إلَيْهَا مِنْهُ فَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ دُخُولِهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: فَلَهُ دُخُولُهُ) بِمَعْنَى أَنَّا لَا نَمْنَعُهُ وَإِلَّا، فَهُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ

(1/218)


لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ حُرْمَتَهُ، أَمَّا الْكَافِرَةُ إذَا كَانَتْ حَائِضًا وَأَمِنَتْ التَّلْوِيثَ فَهَلْ تُمْنَعُ كَالْمُسْلِمَةِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ أَوْ لَا كَمَا صَرَّحَا بِهِ فِي بَابِ اللِّعَانِ؟ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي التَّرْجِيحِ، وَالْأَقْرَبُ حَمْلُ الْمَنْعِ عَلَى عَدَمِ حَاجَتِهَا الشَّرْعِيَّةِ وَعَدَمِهِ عَلَى وُجُودِ حَاجَتِهَا الشَّرْعِيَّةِ، وَمَحَلُّهَا أَيْضًا فِي الْبَالِغِ.
أَمَّا الصَّبِيُّ الْجُنُبُ فَيَجُوزُ لَهُ الْمُكْثُ فِيهِ كَالْقِرَاءَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ.
قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ فِي تَسْهِيلِ الْمَقَاصِدِ: وَمِنْ التَّرَدُّدِ فِيهِ أَنْ يَدْخُلَ لِيَأْخُذَ حَاجَةً مِنْ الْمَسْجِدِ وَيَخْرُجُ مِنْ الْبَابِ الَّذِي دَخَلَ مِنْهُ دُونَ وُقُوفٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ دَخَلَهُ يُرِيدُ الْخُرُوجَ مِنْ الْبَابِ الْآخَرِ ثُمَّ عَنَّ لَهُ الرُّجُوعُ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ (لَا عُبُورُهُ) لِكَوْنِهِ أَخَفَّ وَلَا يُكَلَّفُ الْإِسْرَاعَ بَلْ يَمْشِي عَلَى عَادَتِهِ.
نَعَمْ هُوَ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ عِنْدَ أَمْنِهِمَا تَلْوِيثَهُ مَكْرُوهٌ وَإِلَّا فَحَرَامٌ كَمَا سَيَأْتِي.
وَلِلْجُنُبِ خِلَافُ الْأَوْلَى إلَّا لِعُذْرٍ، وَلَوْ عَبَّرَ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ لَمْ يَحْرُمْ الْمُرُورُ فِيمَا يَظْهَرُ خِلَافًا لِابْنِ الْعِمَادِ، إذْ الْحُرْمَةُ إنَّمَا هِيَ لِقَصْدِ الْمَعْصِيَةِ لَا لِلْمُرُورِ، وَلَوْ رَكِبَ دَابَّةً وَمَرَّ فِيهِ لَمْ يَكُنْ مُكْثًا لِأَنَّ سَيْرَهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
بِلَا إذْنِ مُسْلِمٍ.
نَعَمْ لَوْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ تَنْجِيسُهُمْ مَاءَهَا أَوْ جُدْرَانَهَا مُنِعُوا وَلَا يَجُوزُ الْإِذْنُ لَهُمْ فِي الدُّخُولِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ حُرْمَتَهُ) قَالَ شَيْخُنَا زِيَادِيٌّ بَعْدَ نَقْلِهِ مِثْلَ مَا ذُكِرَ عَنْ حَجّ: وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلتَّمْكِينِ، أَمَّا هُوَ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ.
الْجُلُوسُ مَعَ الْجَنَابَةِ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالْفُرُوعِ خِطَابَ عِقَابٍ.
أَقُولُ: قَدْ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا رَبْطُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَسِيرَ مِنْ الْكُفَّارِ بِالْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ حَيْثُ كَانَ حَرَامًا وَلَوْ بِاعْتِبَارِ الْآخِرَةِ فَقَطْ لَا يَفْعَلُهُ مَعَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنْ يُقَالَ: فَعَلَ ذَلِكَ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يُقِرُّ الْكُفَّارَ عَلَى مَا لَا يَعْتَقِدُونَ حُرْمَتَهُ وَإِنْ كَانُوا يُعَاقَبُونَ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ، لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ تَصْرِيحُهُمْ بِحُرْمَةِ إطْعَامِنَا إيَّاهُمْ فِي رَمَضَانَ مَعَ أَنَّهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ حُرْمَتَهُ (قَوْلُهُ: وَعَدَمِهِ) أَيْ الْمَنْعِ وَهُوَ الْجَوَازُ (قَوْلُهُ: حَاجَتُهَا) يَعْنِي أَنَّا لَا نَمْنَعُهَا الدُّخُولَ عِنْدَ حَاجَتِهَا.
وَمَعَ ذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَيْهَا الدُّخُولُ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُ الْعُبَابِ: وَالذِّمِّيَّةُ مَعَ الْحَيْضِ لَا الْجَنَابَةِ كَالْمُسْلِمَةِ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ عَدَمِ الْمَنْعِ وَالْحُرْمَةِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الْمُكْثُ عَلَى الْجُنُبِ الْكَافِرِ، وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ التَّشْرِيعِ (قَوْلُهُ: فِي الْبَالِغِ) أَيْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ لَهُ) .
[فَرْعٌ] نَقَلَ م ر عَنْ الْبَكْرِيِّ فِي حَاشِيَتِهِ نَقْلًا عَنْ فَتَاوَى النَّوَوِيِّ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ يَحْرُمُ الْمُكْثُ وَالْقِرَاءَةُ عَلَى الْجُنُبِ الْمُمَيِّزِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ مُشْكِلٌ، وَلَوْ كَانَ مَفْرُوضًا فِيمَا إذَا احْتَاجَ الْمُمَيِّزُ لِلْقِرَاءَةِ أَوْ الْمُكْثَ لِلتَّعْلِيمِ لَكَانَ قَرِيبًا، وَقَدْ تَوَقَّفَ فِيهِ م ر وَقَالَ: رَاجَعْتُ فَتَاوَى النَّوَوِيِّ فَلَمْ أَجِدْ فِيهَا ذَلِكَ فَلْيُحَرَّرْ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ وَفِي حَوَاشِيهِ عَلَى حَجّ الْجَوَابُ بِأَنَّ لَهُ فَتَاوَى أُخْرَى غَيْرُ مَشْهُورَةٍ فَلَا أَثَرَ لِكَوْنِهِ لَيْسَ فِي الْمَشْهُورَةِ (قَوْلُهُ: نَعَمْ هُوَ) أَيْ الْعُبُورُ، وَخَرَجَ بِهِ التَّرَدُّدُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِمَا (قَوْلُهُ: إلَّا لِعُذْرٍ) أَيْ كَأَنْ تَعَيَّنَ الْمَسْجِدُ طَرِيقًا وَتَعَذَّرَ غُسْلُهُ فَلَا يُكْرَهُ لِلْحَائِضِ وَلَا يَكُونُ خِلَافَ الْأَوْلَى لِلْجُنُبِ، وَعِبَارَةُ حَجّ هُوَ أَعْنِي الْمُرُورَ بِهِ لِغَيْرِ غَرَضٍ خِلَافُ الْأَوْلَى اهـ.
وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا تَكُونُ خِلَافَ الْأَوْلَى إذَا كَانَ لِغَرَضٍ مَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ضَرُورَةً، وَيُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُ الرَّوْضِ، وَشَرْحُهُ لَا إنْ كَانَ الْعُبُورُ لِغَرَضٍ كَقُرْبِ طَرِيقٍ فَلَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَلَا خِلَافَ الْأَوْلَى (قَوْلُهُ: إذْ الْحُرْمَةُ إلَخْ) وَعَلَيْهِ فَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْعِمَادِ فِيمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: أَمَّا الْكَافِرَةُ إذَا كَانَتْ حَائِضَةً إلَخْ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهَا تُمْنَعُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مُطْلَقًا، وَبِهِ صَرَّحَ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ لَكِنْ سَيَأْتِي فِي الشَّرْحِ خِلَافُهُ فِي الْكَافِرِ الْجُنُبِ مُعَلَّلًا بِمَا يُفِيدُ عَدَمَ الْحُرْمَةِ هُنَا (قَوْلُهُ: أَنْ يَدْخُلَ إلَخْ) أَيْ وَفَعَلَ ذَلِكَ

(1/219)


مَنْسُوبٌ إلَيْهِ، بِخِلَافٍ نَحْوَ سَرِيرٍ يَحْمِلُهُ إنْسَانٌ، وَلَوْ دَخَلَ عَلَى عَزْمِ أَنَّهُ مَتَى وَصَلَ لِلْبَابِ الْآخَرِ رَجَعَ قَبْلَ مُجَاوَزَتِهِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ التَّرَدُّدَ، وَالسَّابِحُ فِي نَهْرٍ فِيهِ كَالْمَارِّ، وَمَنْ دَخَلَهُ فَنَزَلَ بِئْرَهُ وَلَمْ يَمْكُثْ حَتَّى اغْتَسَلَ لَمْ يَحْرُمُ فِيمَا يَظْهَرُ، وَيُحْتَمَلُ مَنْعُهُ لِأَنَّهُ حُصُولٌ لَا مُرُورٌ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِهِ بِئْرٌ وَدَلَّى نَفْسَهُ فِيهَا بِحَبْلٍ حُرِّمَ عَلَى مَا إذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُكْثٌ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِ نَفْسِهِ، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ مَاءً إلَّا فِيهِ جَازَ لَهُ الْمُكْثُ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ وَتَيَمَّمَ لِذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى، وَلَوْ جَامَعَ زَوْجَتَهُ فِيهِ وَهُمَا مَارَّانِ فَالْأَوْجَهُ الْحُرْمَةُ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ لَوْ مَكَثَ جُنُبٌ فِيهِ هُوَ وَزَوْجَتُهُ لِعُذْرٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ مُجَامَعَتُهَا، وَمِنْ كَلَامِهِمْ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ فِي تَوْجِيهِ كَوْنِ الْمَسْجِدِ شَرْطًا لِصِحَّتِهِ حَيْثُ قَالُوا: لَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ ذَكَرَ بِالْمَسَاجِدِ شَرْطًا لِمَنْعِ مُبَاشَرَةِ الْمُعْتَكِفِ فِي الْمَسْجِدِ، لِأَنَّ مَنْعَهَا فِيهِ لَا يَخْتَصُّ بِهِ فَغَيْرُ الْمُعْتَكِفِ كَذَلِكَ، وَخَرَجَ بِالْمَسْجِدِ الْمَدْرَسَةُ وَالرِّبَاطُ وَمُصَلَّى الْعِيدِ وَنَحْوِهَا؛ وَهَلْ شَرْطُ الْحُرْمَةِ تَحَقُّقُ الْمَسْجِدِيَّةِ أَوْ يُكْتَفَى بِالْقَرِينَةِ؟ فِيهِ احْتِمَالٌ، وَالْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِهِمْ الْأَوَّلُ، وَعَلَيْهِ فَالِاسْتِفَاضَةُ كَافِيَةٌ مَا لَمْ يُعْلَمْ أَصْلُهُ كَالْمَسَاجِدِ الْمُحْدَثَةِ بِمِنًى.

(وَالْقُرْآنُ) حَيْثُ تَلَفَّظَ بِهِ بِحَيْثُ أَسْمَعَ نَفْسَهُ مَعَ اعْتِدَالِ سَمْعِهِ وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ نَحْوُ لَغَطٍ وَلَوْ لِحَرْفٍ، لِأَنَّ نُطْقَهُ بِحَرْفٍ بِقَصْدِ الْقُرْآنِ شُرُوعٌ فِي الْمَعْصِيَةِ، فَالتَّحْرِيمُ لِذَلِكَ لَا لِكَوْنِهِ يُسَمَّى قَارِئًا.
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقْرَأُ الْجُنُبُ وَلَا الْحَائِضُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ» وَهُوَ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لَهُ مُتَابَعَاتٌ تُجْبِرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
مِنْ التَّرَدُّدِ مَا لَوْ دَخَلَ لِيَأْخُذَ حَاجَةً إلَخْ ضَعِيفٌ.
هَذَا، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ كَلَامَ الْعِمَادِ هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ قَصْدَ الْإِقَامَةِ صَيَّرَ مُرُورَهُ كَالتَّرَدُّدِ وَهُوَ حَرَامٌ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكْثِ فَكَذَا هَذَا (قَوْلُهُ: مَنْسُوبٌ إلَيْهِ) قَالُوا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْقِبْلَةِ إنَّمَا يَكُونُ مَنْسُوبًا إلَيْهِ لِتَبْطُلَ صَلَاتُهُ بِمَشْيِهَا ثَلَاثَ خُطُوَاتٍ إذَا كَانَ زِمَامُهَا بِيَدِهِ، فَإِنْ كَانَ بِيَدِ غَيْرِهِ أَوْ مُرْسَلًا لَمْ تَبْطُلْ لِأَنَّ سَيْرَهَا مَنْسُوبٌ إلَى غَيْرِهِ.
وَقِيَاسُهُ أَنْ يُقَالَ هُنَا كَذَلِكَ، فَيُقَالُ إنْ كَانَ زِمَامُهَا بِيَدِهِ لَمْ يَحْرُمْ الْمُرُورُ لِأَنَّهُ سَائِرٌ، وَإِنْ كَانَ بِيَدِ غَيْرِهِ حُرِّمَ لِاسْتِقْرَارِهِ فِي نَفْسِهِ وَنِسْبَةُ السَّيْرِ إلَى غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: إنْسَانٌ) أَيْ عَاقِلٌ (قَوْلُهُ: كَالْمَارِّ) أَمَّا لَوْ كَانَ فِي سَفِينَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ مَا فِي الدَّابَّةِ، فَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُسَيِّرُ لَهَا لَمْ يَحْرُمْ لِأَنَّ سَيْرَهَا مَنْسُوبٌ إلَيْهِ فَكَأَنَّهُ مَارٌّ، وَإِلَّا حُرِّمَ لِاسْتِقْرَارِهِ كَمَنْ جَلَسَ عَلَى سَرِيرٍ يَحْمِلُهُ رِجَالٌ (قَوْلُهُ: إلَّا فِيهِ) أَيْ الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ لَهُ مُجَامَعَتُهَا) أَيْ لِأَنَّ فِيهِ انْتِهَاكًا لِحُرْمَةِ الْمَسْجِدِ وَإِلَّا فَجِمَاعُهُ فِيهِ لَا يَزِيدُ عَلَى كَوْنِهِ جُنُبًا مَارًّا (قَوْلُهُ: وَالْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِهِمْ الْأَوَّلُ) وَفِي كَلَامِ حَجّ مَا يُرَجِّحُ الثَّانِيَ، وَاسْتَشْهَدَ لَهُ بِكَلَامِ السُّبْكِيّ فَلْيُرَاجَعْ، وَالْأَقْرَبُ مَا قَالَهُ حَجّ.

(قَوْلُهُ: وَالْقُرْآنُ) أَيْ مِنْ مُسْلِمٍ بَالِغٍ، وَلَوْ نَذَرَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ فَأَجْنَبَ فِيهِ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً يَغْتَسِلُ بِهِ وَلَا تُرَابًا يَتَيَمَّمُ بِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ، فَالْمُمْتَنِعُ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ التَّنَفُّلُ بِالْقِرَاءَةِ كَمَا فِي الْإِرْشَادِ اهـ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيُثَابُ أَيْضًا عَلَى قِرَاءَتِهِ الْمَذْكُورَةِ، وَهَذَا كَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ حَيْثُ أَوْجَبُوا عَلَيْهِ صَلَاةَ الْفَرْضِ وَقِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ فِيهِ، فَالْقِرَاءَةُ الْمَنْذُورَةُ هُنَا كَالْفَاتِحَةِ ثَمَّ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الصَّلَاةَ إنَّمَا وَجَبَتْ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ، وَمِنْ ثَمَّ يَجِبُ إعَادَتُهَا وَالنَّذْرُ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ شَرْعِيٌّ أَصَالَةً حَتَّى يُرَاعَى هَذَا، وَقِيلَ الِاكْتِفَاءُ بِالْقِرَاءَةِ فِي حَقِّ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ حَيْثُ قَصَدَ الْقِرَاءَةَ كَمَا قَالَهُ حَجّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ مَانِعَةٌ لَهُ مِنْ صَرْفِ مَا أَتَى بِهِ الْقُرْآنُ، وَلَمْ يَجْعَلُوا الْإِحْرَامَ بِالصَّلَاةِ مُوجِبًا لِحَمْلِ الْفَاتِحَةِ إذَا أَتَى بِمَا عَلَى الْقُرْآنِ: أَيْ بِنَاءً عَلَى هَذَا الْقِيلِ لِكَوْنِ الصَّلَاةِ لَا تَصِحُّ بِدُونِهَا، وَقِيَاسُ مَا ذَكَرَهُ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ فِي حَقِّ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ قَصْدِهَا بِالْأَوْلَى فِيمَا لَوْ نَذَرَ الْقِرَاءَةَ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَفَقَدَ الطَّهُورَيْنِ حَيْثُ قُلْنَا يَقْرَأُ (قَوْلُهُ: لَا يَقْرَأُ الْجُنُبُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ نَهْيٌ، وَبِضَمِّهَا خَبَرٌ بِمَعْنَاهُ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: لَهُ مُتَابَعَاتٌ) أَيْ وَذَلِكَ بِأَنْ يُرَدَّ مَعْنَاهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ إمَّا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
حَتَّى يُسَمَّى تَرَدُّدًا.
وَأَمَّا حُرْمَةُ الْقَصْدِ فَأَمْرٌ آخَرُ بِقَرِينَةِ مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: عَلَى عَزْمِ أَنَّهُ مَتَى وَصَلَ لِلْآخَرِ رَجَعَ) أَيْ وَفَعَلَ ذَلِكَ بِقَرِينَةِ مَا مَرَّ قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: الْمُحْدَثَةِ) خَرَجَ بِهِ مَسْجِدُ الْخَيْفِ كَنَمِرَةَ

(قَوْلُهُ وَلَوْ بِحَرْفٍ:) قَالَ الشِّهَابُ ابْنُ قَاسِمٍ: وَلَوْ بِقَصْدِ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ انْتَهَى.

(1/220)


ضَعْفَهُ بَلْ حَسَّنَهُ الْمُنْذِرِيُّ (وَتَحِلُّ أَذْكَارُهُ) لِلْجُنُبِ (لَا بِقَصْدِ قُرْآنٍ) كَقَوْلِهِ فِي الْأَكْلِ بِسْمِ اللَّهِ، وَعِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَعِنْدَ رُكُوبِهِ {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا} [الزخرف: 13] وَعِنْدَ الْمُصِيبَةِ {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] لِعَدَمِ الْإِخْلَالِ حِينَئِذٍ بِالتَّعْظِيمِ، إذْ الْقُرْآنُ إنَّمَا يَكُونُ قُرْآنًا بِالْقَصْدِ، وَشَمِلَ مَا إذَا قَصَدَ ذِكْرَهُ أَوْ مَوْعِظَتَهُ أَوْ حُكْمَهُ وَحْدَهُ، أَوْ أَطْلَقَ كَأَنْ جَرَى بِهِ لِسَانُهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَلَا يَحْرُمُ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَا لَا يُوجَدُ نَظْمُهُ إلَّا فِيهِ كَآيَةِ الْكُرْسِيِّ وَسُورَةِ الْإِخْلَاصِ، وَبَيْنَ مَا يُوجَدُ نَظْمُهُ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ كَمَا اعْتَمَدَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ الْأَقْرَبُ لِلْمَنْقُولِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْفَتْحَ عَلَى الْإِمَامِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ قَصْدِ الْقِرَاءَةِ، وَلَوْ لِمَا لَا يُوجَدُ نَظْمُهُ إلَّا فِي الْقُرْآنِ.
قَالَ الْجَوْجَرِيُّ: وَهُوَ قَضِيَّةُ تَسْوِيَةِ الْمَجْمُوعِ بَيْنَ الْأَذْكَارِ وَغَيْرِهَا، ثُمَّ قَالَ: إنَّ كَلَامَ الزَّرْكَشِيّ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا مَمْنُوعٌ وَضَعْفُهُ ظَاهِرٌ يُدْرَكُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ اهـ.
وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ قَوْلَهُ أَذْكَارُهُ مِثَالٌ، فَمَوَاعِظُهُ وَأَحْكَامُهُ وَقَصَصُهُ كَذَلِكَ، وَمَحَلُّ مَنْعِ قِرَاءَةِ الْجُنُبِ إذَا كَانَ مُسْلِمًا.
أَمَّا الْكَافِرُ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهَا لِعَدَمِ اعْتِقَادِهِ حُرْمَتَهَا، وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيمُهُ لِلْكَافِرِ الْمُعَانِدِ، وَيُمْنَعُ تَعَلُّمَهُ فِي الْأَصَحِّ، وَغَيْرُ الْمُعَانِدِ إنْ لَمْ يُرْجَ إسْلَامُهُ لَمْ يَجُزْ تَعْلِيمُهُ وَإِلَّا جَازَ، وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ مَسِّ الْمُصْحَفِ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ آكَدُ بِدَلِيلِ حُرْمَةِ حَمْلِهِ مَعَ الْحَدَثِ وَحُرْمَةِ مَسِّهِ بِنَجَسٍ بِخِلَافِهَا إذْ تَجُوزُ مَعَ الْحَدَثِ وَبِفَمٍ نَجِسٍ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ انْدِفَاعُ مَا فِي الْإِسْعَادِ هُنَا أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْمُهِمَّاتِ مِنْ قِيَاسِهَا عَلَيْهَا كَمَا رَدَّ ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ الْجَوْجَرِيُّ.
وَيَجُوزُ لِلْجُنُبِ إجْرَاءُ الْقُرْآنِ عَلَى قَلْبِهِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَالْهَمْسُ بِهِ بِتَحْرِيكِ شَفَتَيْهِ إنْ لَمْ يَسْمَعْ نَفْسَهُ وَالنَّظَرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
صَحِيحٌ أَوْ حَسَنٌ (قَوْلُهُ: لَا بِقَصْدِ قُرْآنٍ) أَيْ وَلَوْ مَعَ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: إنَّمَا يَكُونُ قُرْآنًا بِالْقَصْدِ) أَيْ مَعَ وُجُودِ الْمَانِعِ.
أَمَّا بِدُونِهِ فَالتَّلَفُّظُ بِالْقُرْآنِ مَصْرُوفٌ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ وَيُثَابُ عَلَيْهِ.
ثُمَّ رَأَيْت فِي حَجّ تَعْلِيلًا لِلْجَوَازِ مَا نَصُّهُ: لِأَنَّهُ أَيْ عِنْدَ وُجُودِ قَرِينَةٍ تَقْتَضِي صَرْفَهُ عَنْ مَوْضُوعِهِ كَالْجَنَابَةِ هُنَا لَا يَكُونُ قُرْآنًا إلَّا بِالْقَصْدِ (قَوْلُهُ: وَفِي غَيْرِهِ) كَالْمَلَكِ الْقُدُّوسِ مَثَلًا (قَوْلُهُ: وَلَوْ لِمَا لَا يُوجَدُ نَظْمُهُ إلَخْ) وَوَجْهُ التَّأْيِيدِ أَنَّ تَفْصِيلَهُمْ فِي الْفَتْحِ بَيْنَ مَا لَا يُوجَدُ نَظْمُهُ إلَّا فِي الْقُرْآنِ وَبَيْنَ مَا يُوجَدُ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ دَلِيلٌ عَلَى قَبُولِهِ الصَّرْفَ عَنْ كَوْنِهِ قُرْآنًا، وَحَيْثُ قَبِلَهُ فَلَا يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ لِانْتِفَاءِ الْقُرْآنِيَّةِ عَنْهُ.
(قَوْلُهُ: وَضَعْفُهُ ظَاهِرٌ) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ بَعْدَ اشْتَرَاك الْكُلِّ فِي الْقُرْآنِيَّةِ لَا وَجْهَ لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَ مَا لَا يُوجَدُ نَظْمُهُ فِيهِ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ ذَاتَ الْقُرْآنِيَّةِ لَا تَنْتَفِي عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ وَالْكَلَامُ فِي حُكْمِ الْقُرْآنِ، وَعَلَيْهِ لَا يُوجَدُ فَرْقٌ بَيْنَ مَا يُوجَدُ نَظْمُهُ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَقَصَصُهُ) أَيْ وَجُمْلَةُ الْقُرْآنِ لَا تَخْرُجُ عَمَّا ذُكِرَ فَكَأَنَّهُ قَالَ: تَحِلُّ قِرَاءَةُ جَمِيعِهِ حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ الْقُرْآنِيَّةَ (قَوْلُهُ: أَمَّا الْكَافِرُ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهَا) أَيْ الْقِرَاءَةِ بَلْ يُمَكَّنُ مِنْهَا.
أَمَّا قِرَاءَتُهُ مَعَ الْجَنَابَةِ فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ خِطَابَ عِقَابٍ اهـ زِيَادِيٌّ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ وَلَوْ كَانَ مُعَانِدًا، وَعِبَارَتُهُ عَلَى الْبَهْجَةِ نَعَمْ شَرْطُ تَمْكِينِ الْكَافِرِ مِنْ الْقِرَاءَةِ أَنْ لَا يَكُونَ مُعَانِدًا أَوْ رُجِيَ إسْلَامُهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَالْقِيَاسُ أَيْضًا مَنْعُهُ مِنْ كِتَابَةِ الْقُرْآنِ حَيْثُ مُنِعَ مِنْ قِرَاءَتِهِ (قَوْلُهُ: وَيُمْنَعُ تَعَلُّمُهُ) وَالْقِيَاسُ مَنْعُهُ مِنْ التِّلَاوَةِ حَيْثُ كَانَ مُعَانِدًا وَلَمْ يُرْجَ إسْلَامُهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَنْعِ كَوْنُهُ مِنْ الْإِمَامِ بَلْ يَجُوزُ مِنْ الْآحَادِ، لِأَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ وَهُوَ لَا يَخْتَصُّ بِالْإِمَامِ (قَوْلُهُ: بِنَجَسٍ) أَيْ غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهُ.
وَعِبَارَةُ حَجّ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ: وَيَحْرُمُ مَسُّهُ كَكُلِّ اسْمٍ مُعَظَّمٍ بِمُتَنَجَّسٍ بِغَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهُ، وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ تَعْظِيمًا لَهُ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِهَا) أَيْ الْقِرَاءَةِ (قَوْلُهُ: وَبِفَمٍ نَجِسٍ) وَلَوْ بِمُغَلَّظٍ وَإِنْ تَعَمَّدَ فِعْلَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: مِنْ قِيَاسِهَا) اُنْظُرْ مَرْجِعَ الضَّمِيرِ فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ، وَلَعَلَّهُ بِتَثْنِيَةِ الضَّمِيرِ فِي عَلَيْهِمَا وَعَلَيْهِ فَضَمِيرُ قِيَاسِهَا لِلْقِرَاءَةِ وَضَمِيرُ عَلَيْهِمَا لِمَسِّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلِهِ.
(قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ) أَيْ فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ (قَوْلُهُ: بِتَحْرِيكِ شَفَتَيْهِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: إنَّمَا يَكُونُ قُرْآنًا بِالْقَصْدِ) أَيْ عِنْدَ قِيَامِ الْمَانِعِ (قَوْلُهُ: مِنْ قِيَاسِهَا عَلَيْهَا) يُنْظَرُ مَا مَرْجِعُ الضَّمِيرِ

(1/221)


فِي الْمُصْحَفِ وَقِرَاءَةُ مَنْسُوخِ التِّلَاوَةِ وَمَا وَرَدَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ.

ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى وَاجِبَاتِهِ فَقَالَ (وَأَقَلُّهُ) أَيْ وَأَقَلُّ وَاجِبِ الْغُسْلِ الَّذِي لَا يَصِحُّ بِدُونِهِ (نِيَّةُ رَفْعِ جَنَابَةٍ) إنْ كَانَ جُنُبًا، فَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا نَوَتْ رَفْعَ حَدَثِ الْحَيْضِ (أَوْ) نِيَّةَ (اسْتِبَاحَةِ) شَيْءٍ (مُفْتَقِرٍ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْغُسْلِ كَالطَّوَافِ وَالصَّلَاةِ وَنِيَّةُ مُنْقَطِعَةِ حَيْضٍ اسْتِبَاحَةَ وَطْءٍ وَلَوْ مُحَرَّمًا فِيمَا يَظْهَرُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ ابْنِ الْمُقْرِي تَبَعًا لِأَصْلِهِ هُنَا، وَإِنْ قَيَّدَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ بِالزَّوْجِ وَنَحْوِهَا لِمَا سَبَقَ فِي الضَّوْءِ، فَإِنْ نَوَى مَا لَا يَفْتَقِرُ إلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ (أَوْ أَدَاءَ فَرْضِ الْغُسْلِ) أَوْ أَدَاءَ الْغُسْلِ، أَوْ فَرْضِ الْغُسْلِ، أَوْ الْغُسْلِ الْمَفْرُوضِ، أَوْ الْوَاجِبِ، أَوْ الطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ، أَوْ الْغُسْلِ لَهَا فِيمَا يَظْهَرُ لَا الْغُسْلِ فَقَطْ، لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَادَةً وَبِهِ فَارَقَ الْوُضُوءَ، أَوْ رَفْعَ الْحَدَثِ، أَوْ الْحَدَثَ الْأَكْبَرَ، أَوْ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ لِتَعَرُّضِهِ لِلْمَقْصُودِ فِيمَا سِوَى رَفْعِ الْحَدَثِ، وَلِاسْتِلْزَامِ رَفْعِ الْمُطْلَقِ رَفْعَ الْمُقَيَّدِ فِيهِمَا، إذْ رَفْعُ الْمَاهِيَّةِ يَسْتَلْزِمُ رَفْعَ كُلٍّ مِنْ أَجْزَائِهَا.
فَلَا يُقَالُ الْحَدَثُ حَيْثُ أُطْلِقَ مُنْصَرِفٌ لِلْأَصْغَرِ غَالِبًا، وَيَأْتِي مَا تَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ هُنَا مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى سَلَسِ الْمَنِيِّ نِيَّةٌ نَحْوُ الِاسْتِبَاحَةِ، إذْ لَا يَكْفِيهِ نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ أَوْ الطَّهَارَةِ عَنْهُ وَأَنَّهُ لَوْ نَفَى مِنْ أَحْدَاثِهِ غَيْرَ مَا نَوَاهُ أَجْزَأَهُ، وَأَنَّهُ لَوْ جَنَابَةَ جِمَاعٍ وَقَدْ احْتَلَمَ، أَوْ الْجَنَابَةَ الْمُخَالِفَ مَفْهُومَهَا لِمَفْهُومِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ (قَوْلُهُ: عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ) كَالْأَحَادِيثِ الْقُدْسِيَّةِ

(قَوْلُهُ: الَّذِي لَا يَصِحُّ بِدُونِهِ) قَالَ حَجّ: مِنْ جَنَابَةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَوْ لِسَبَبٍ مِمَّا سُنَّ لَهُ الْغُسْلُ، إذْ الْغُسْلُ الْمَنْدُوبُ كَالْمَفْرُوضِ فِي الْوَاجِبِ مِنْ جِهَةِ الِاعْتِدَادِ بِهِ وَالْمَنْدُوبِ مِنْ جِهَةِ كَمَالِهِ، نَعَمْ يَتَفَارَقَانِ فِي النِّيَّةِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ.
وَبِمَا تَقَرَّرَ يُعْلَمُ أَنَّ فِي عِبَارَتِهِ شِبْهَ اسْتِخْدَامٍ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْغُسْلِ فِي التَّرْجَمَةِ الْأَعَمَّ مِنْ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ، وَبِالضَّمِيرِ فِي مُوجِبِهِ الْوَاجِبَ وَفِي أَقَلِّهِ وَأَكْمَلِهِ الْأَعَمَّ، إذْ الْوَاجِبُ مِنْ حَيْثُ وَصْفُهُ بِالْوُجُوبِ لَا أَقَلَّ لَهُ وَلَا أَكْمَلَ اهـ.
وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ: وَبِمَا تَقَرَّرَ يُعْلَمُ إلَخْ.
أَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الضَّمِيرُ فِي مُوجِبِهِ لِلْأَعَمِّ: أَيْ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ أَيْضًا، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْمُوجِبَ لِجِنْسِ الْغُسْلِ: أَيْ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ الْأُمُورُ الْمَذْكُورَةُ، بَلْ لَا مَعْنًى لِرُجُوعِ الضَّمِيرِ لِلْوَاجِبِ إذْ يَصِيرُ الْمَعْنَى الْمُوجِبُ لِلْغُسْلِ الْوَاجِبِ مَا ذُكِرَ وَلَا وَجْهَ لَهُ فَتَأَمَّلْهُ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ مُحَرَّمًا) أَيْ كَالزِّنَا (قَوْلُهُ: وَنَحْوُهَا) أَيْ نَحْوُ الْمَذْكُورَاتِ كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: لَا الْغُسْلِ فَقَطْ) أَيْ أَوْ الطَّهَارَةِ فَقَطْ بِخِلَافِ فَرْضِ الطَّهَارَةِ، أَوْ الطَّهَارَةِ الْوَاجِبَةِ أَوْ الطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ، أَوْ أَدَاءِ الطَّهَارَةِ عَلَى قِيَاسِ مَا قَدَّمَهُ عَنْ إفْتَاءِ وَالِدِهِ فِي الْوُضُوءِ (قَوْلُهُ: أَوْ رَفْعِ الْحَدَثِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَأَدَاءَ فَرْضِ الْغُسْلِ (قَوْلُهُ: رَفْعِ كُلٍّ مِنْ أَجْزَائِهَا) الْمُنَاسِبُ؛ لِقَوْلِهِ رَفْعَ الْمُقَيَّدِ أَنْ يَقُولَ هُنَا مِنْ جُزْئِيَّاتِهَا لِأَنَّ الْمُقَيَّدَ مَعَ قَيْدِهِ إنَّمَا هُوَ جُزْئِيٌّ لَا جُزْءٌ (قَوْلُهُ: نَحْوُ الِاسْتِبَاحَةِ) أَيْ وَإِذَا أَتَى بِتِلْكَ النِّيَّةِ جَاءَ فِيهَا مَا قِيلَ فِي الْمُتَيَمِّمِ مِنْ أَنَّهُ إذَا نَوَى اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ اسْتَبَاحَ النَّفَلَ دُونَ الْفَرْضِ، وَإِذَا نَوَى اسْتِبَاحَةَ فَرْضِ الصَّلَاةِ اسْتَبَاحَ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ، وَإِذَا نَوَى اسْتِبَاحَةَ مَا يَفْتَقِرُ إلَى طُهْرٍ كَالْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ اسْتَبَاحَ مَا عَدَا الصَّلَاةَ.
وَنُقِلَ عَنْ فَتَاوَى الشَّمْسِ الرَّمْلِيِّ فِي بَابِ الْوُضُوءِ أَنَّهُ إذَا نَوَى فَرْضَ الْوُضُوءِ أَوْ نَحْوَهُ اسْتَبَاحَ النَّافِلَةَ تَنْزِيلًا لِلنِّيَّةِ عَلَى أَقَلِّ الدَّرَجَاتِ اهـ وَقِيَاسُ قَوْلِهِ: تَنْزِيلًا عَلَى أَقَلِّ الدَّرَجَاتِ أَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَبِيحُ بِذَلِكَ مَسَّ الْمُصْحَفِ وَنَحْوَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
[وَاجِبَاتُ الْغُسْل]
قَوْلُهُ: وَنَحْوِهَا) أَيْ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ وَنِيَّةِ مُنْقَطِعَةِ الْحَيْضِ إلَخْ، وَفِي نُسَخٍ: وَنَحْوِهِ وَهِيَ غَيْرُ صَحِيحَةٍ إذْ الرَّوْضَةُ إنَّمَا قَيَّدَتْ بِخُصُوصِ الزَّوْجِ فَقَطْ (قَوْلُهُ: مِنْ أَجْزَائِهَا) اللَّائِقُ جُزْئِيَّاتُهَا (قَوْلُهُ: فَلَا يُقَالُ: إلَخْ) مَا مَهَّدَهُ لَا يَدْفَعُ هَذَا، وَعِبَارَةُ الشِّهَابِ ابْنِ حَجَرٍ وَقَوْلُهُمْ: الْحَدَثُ إذَا أُطْلِقَ انْصَرَفَ لِلْأَصْغَرِ غَالِبًا، مُرَادُهُمْ إطْلَاقُهُ فِي عِبَارَةِ الْفُقَهَاءِ

(1/222)


الْحَيْضِ وَحَدَثُهُ حَيْضٌ أَوْ عَكْسُهُ صَحَّ مَعَ الْغَلَطِ، وَإِنْ كَانَ مَا نَوَاهُ مَعَهُ لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ مِنْهُ كَنِيَّةِ الرَّجُلِ رَفْعَ حَدَثِ الْحَيْضِ غَلَطًا كَمَا اعْتَمَدَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُتَعَمِّدًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ.
نَعَمْ يَرْتَفِعُ الْحَيْضُ بِنِيَّةِ النِّفَاسِ وَعَكْسِهِ مَعَ الْعَمْدِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ تَعْلِيلُهُمْ إيجَابَ الْغُسْلِ فِي النِّفَاسِ بِكَوْنِهِ دَمَ حَيْضٍ مُجْتَمِعٍ وَتَصْرِيحُهُمْ بِأَنَّ اسْمَ النِّفَاسِ مِنْ أَسْمَاءِ الْحَيْضِ وَذَلِكَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الِاسْمَ مُشْتَرَكٌ، وَقَدْ جَزَمَ بِذَلِكَ فِي الْبَيَانِ وَاعْتَمَدَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَلَوْ نَوَى الْجُنُبُ بِالْغُسْلِ رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ غَالِطًا وَصَحَّحْنَاهُ لَمْ تَرْتَفِعْ جَنَابَتُهُ عَنْ غَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، لِأَنَّ نِيَّتَهُ لَمْ تَتَنَاوَلْهُ وَلَا عَنْ رَأْسِهِ إذْ وَاجِبُ رَأْسِهِ الْغُسْلُ، وَاَلَّذِي نَوَاهُ فِيهَا إنَّمَا هُوَ الْمَسْحُ لِأَنَّهُ وَاجِبُ الْوُضُوءِ، وَالْغُسْلُ النَّائِبُ عَنْ الْمَسْحِ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْغُسْلِ وَتَرْتَفِعُ عَنْ بَاقِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ لِوُجُوبِهَا فِي الْحَدَثَيْنِ وَهَلْ يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ عَنْ رَأْسِهِ لِإِتْيَانِهِ بِنِيَّةٍ مُعْتَبَرَةٍ فِي الْوُضُوءِ، أَفْتَى الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِارْتِفَاعِهِ عَنْهُ أَخْذًا مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِهِمْ: إنَّ جَنَابَتَهُ لَا تَرْتَفِعُ عَنْ رَأْسِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ: إنَّهُ يُسَنُّ لَهُ الْوُضُوءُ، وَالْأَفْضَلُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْغُسْلِ وَيُنْوَى بِهِ رَفْعُ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ فَيَرْتَفِعُ عَنْ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ مَعَ بَقَاءِ جَنَابَتِهَا، وَلَا يَلْحَقُ بِالرَّأْسِ فِيمَا تَقَدَّمَ بَاطِنُ لِحْيَةِ الرَّجُلِ الْكَثِيفَةِ وَعَارِضَيْهِ لِأَنَّهُ مِنْ مَغْسُولِهِ أَصَالَةً فَتَرْتَفِعُ الْجَنَابَةُ عَنْهُ كَمَا أَفَادَهُ ابْنُ الْعِمَادِ، خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَارْتَضَاهُ فِي الْمُهِمَّاتِ (مَقْرُونَةً بِأَوَّلِ فَرْضٍ) لِمَا سَبَقَ فِي الْوُضُوءِ، وَأَوَّلُ فَرْضٍ هُنَا هُوَ أَوَّلُ مَغْسُولٍ مِنْ بَدَنِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ أَعْلَى أَمْ أَسْفَلَ لِعَدَمِ التَّرْتِيبِ فِيهِ، فَلَوْ نَوَى بَعْدَ غَسْلِ جُزْءٍ وَجَبَ إعَادَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
وَقِيَاسُ مَا ذَكَرَهُ فِي نِيَّةِ الْوُضُوءِ أَنْ يَأْتِيَ مِثْلُهُ فِي نِيَّةِ فَرْضِ الْغُسْلِ أَوْ أَدَائِهِ (قَوْلُهُ: وَحَدَثُهُ حَيْضٌ إلَخْ) قَدْ يُشْكِلُ تَصْوِيرُ الْغَلَطِ فِي ذَلِكَ مِنْ الرَّجُلِ فَإِنَّ صُورَتَهُ أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ مَا عَلَيْهِ يَظُنُّهُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِي حَقِّ الرَّجُلِ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَظُنَّ حُصُولَ الْحَيْضِ لَهُ.
وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ تَصَوُّرِهِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ خُنْثَى اتَّضَحَ بِالذُّكُورَةِ ثُمَّ خَرَجَ دَمٌ مِنْ فَرْجِهِ فَظَنَّهُ حَيْضًا فَنَوَاهُ، وَقَدْ أَجْنَبَ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ ذَكَرِهِ فَصَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ نَوَى غَيْرَ مَا عَلَيْهِ غَلَطًا وَلِجَوَازِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ ذَكَرِ الرَّجُلِ دَمٌ فَيَظُنُّهُ لِجَهْلِهِ حَيْضًا فَيَنْوِي رَفْعَهُ مَعَ أَنَّ جَنَابَتَهُ بِغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: مَعَ الْعَمْدِ) أَيْ مَا لَمْ تَنْوِ الْحَائِضُ النِّفَاسَ وَتُرِيدُ حَقِيقَتَهُ، أَوْ النُّفَسَاءُ الْحَيْضَ وَتُرِيدُ حَقِيقَتَهُ.
وَعِبَارَةُ حَجّ: وَيَصِحُّ رَفْعُ الْحَيْضِ بِنِيَّةِ النِّفَاسِ وَعَكْسُهُ مَا لَمْ يَقْصِدْ الْمَعْنَى الشَّرْعِيَّ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: وَصَحَّحْنَاهُ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي نَوَاهُ فِيهَا) الْقِيَاسُ أَنْ يَقُولَ فِيهِ لِأَنَّ الرَّأْسَ مُذَكَّرٌ (قَوْلُهُ: مَعَ بَقَاءِ جَنَابَتِهَا) هُوَ وَاضِحٌ حَيْثُ كَانَتْ نِيَّتُهُ رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ أَوْ الْوُضُوءَ.
أَمَّا إذَا كَانَتْ نِيَّتُهُ رَفْعَ الْحَدَثِ فَقَطْ مَثَلًا فَهَلْ تَرْتَفِعُ الْجَنَابَةُ لِأَنَّ مَا نَوَاهُ صَالِحٌ لَهُمَا أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ عَدَمُ رَفْعِ جَنَابَتِهِ لِمَا ذُكِرَ لِأَنَّ الْقَرِينَةَ صَارِفَةٌ عَنْ وُقُوعِ غُسْلِهِ عَنْ الْجَنَابَةِ، إذْ غُسْلُهُ لِلْأَعْضَاءِ الْمَخْصُوصَةِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهَا مُرَتَّبَةً ظَاهِرٌ فِي إرَادَةِ الْأَصْغَرِ فَتُحْمَلُ نِيَّتُهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مِنْ مَغْسُولِهِ) قَضِيَّةُ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ مِنْ مَغْسُولِهِ أَصَالَةً عَدَمُ ارْتِفَاعِ الْجَنَابَةِ عَمَّا زَادَ عَلَى الْوَاجِبِ مِنْ الْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ.
وَعِبَارَةُ حَجّ بَدَلُ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ مَنْ إلَخْ لِأَنَّهُ يُسَنُّ فَكَأَنَّهُ نَوَاهُ.
وَمِنْهُ يُؤْخَذُ ارْتِفَاعُ جَنَابَةِ مَحِلِّ الْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بِأَنَّ غَسْلَ الْوَجْهِ هُوَ الْأَصْلُ وَلَا كَذَلِكَ مَحَلُّ الْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ اهـ بِحُرُوفِهِ وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ مِنْ مَغْسُولِهِ أَصَالَةً لَا بَدَلًا، بِخِلَافِ مَسْحِ الرَّأْسِ فَإِنَّهُ بَدَلٌ وَكَوْنُهُ مِنْ مَغْسُولِهِ أَصَالَةً بِهَذَا الْمَعْنَى شَامِلٌ لِلْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: نَعَمْ يَرْتَفِعُ الْحَيْضُ بِنِيَّةِ النِّفَاسِ وَعَكْسِهِ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ نَوَى الْمَعْنَى الشَّرْعِيَّ وَلَا يُسَاعِدُهُ تَعْلِيلُهُ، وَالشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ قَيَّدَهُ بِمَا إذَا لَمْ يَنْوِ الْمَعْنَى الشَّرْعِيَّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي نَوَاهُ فِيهَا) صَوَابُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَغْسُولِهِ أَصَالَةً)

(1/223)


غُسْلِهِ.
وَإِذَا اقْتَرَنَتْ بِأَوَّلِ مَفْرُوضٍ لَمْ يُثَبْ عَلَى السُّنَنِ السَّابِقَةِ، وَقَوْلُهُ مَقْرُونَةٌ بِالرَّفْعِ فِي خَطِّ الْمُصَنِّفِ كَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ، وَيَصِحُّ نَصْبُهَا عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ عَامِلُهُ الْمَصْدَرُ الْمَلْفُوظُ بِهِ أَوَّلًا وَتَقْدِيرُهُ: وَأَقَلُّهُ أَنْ يَنْوِيَ كَذَا نِيَّةً مَقْرُونَةً (وَتَعْمِيمُ شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ) لِمَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَّا أَنَا فَيَكْفِينِي أَنْ أَصُبَّ عَلَى رَأْسِي ثَلَاثًا ثُمَّ أُفِيضَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِي» وَلِأَنَّ الْحَدَثَ عَمَّ جَمِيعَ الْبَدَنِ فَوَجَبَ تَعْمِيمُهُ بِالْغُسْلِ، وَيَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَنَابِتِ شَعْرٍ وَإِنْ كَثُفَ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ لِتَكَرُّرِهِ، وَيَجِبُ نَقْضُ ضَفَائِرَ لَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَى بَاطِنِهَا إلَّا بِالنَّقْضِ، وَغَسْلِ مَا ظَهَرَ مِنْ صِمَاخَيْ الْأُذُنَيْنِ، وَمَا يَبْدُو مِنْ شُقُوقِ الْبَدَنِ الَّتِي لَا غَوْرَ لَهَا، وَمَا تَحْتَ قُلْفَةِ أَقْلَفَ، وَمَا ظَهَرَ مِنْ بَاطِنِ أَنْفٍ مَجْذُوعٍ، وَمِنْ فَرْجِ الثَّيِّبِ عِنْدَ قُعُودِهَا لِحَاجَتِهَا، وَيُعْفَى عَنْ بَاطِنِ شَعْرٍ مَعْقُودٍ، نَعَمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
وَذَلِكَ شَامِلٌ لِمَا زَادَ عَلَى الْوَاجِبِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَثِبْ عَلَى السُّنَنِ إلَخْ) أَيْ بَلْ لَا يَحْصُلُ لَهُ شَيْءٌ مِنْهَا عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ فِي سُنَنِ الْوُضُوءِ عَنْ مُخْتَصَرِ الْكِفَايَةِ لِابْنِ النَّقِيبِ.
وَفِي بَعْضِ الْهَوَامِشِ عَزْوُ الْمُخْتَصَرِ الْمَذْكُورِ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ خَطَأٌ، فَإِنَّ ابْنَ الرِّفْعَةِ وُلِدَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ وَتُوُفِّيَ فِي ثَانِي عَشَرَ رَجَبَ فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ بَعْدَ السَّبْعِمِائَةِ، وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ تُوُفِّيَ بِمِصْرَ فِي الْعَاشِرِ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ سِتِّينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَفِي ذَلِكَ الزَّمَانِ لَمْ يَكُنْ ابْنُ الرِّفْعَةِ مُتَأَهِّلًا لِلتَّأْلِيفِ، بَلْ كَانَ فِي زَمَنِ التَّحْصِيلِ فَكَيْفَ يُتَوَهَّمُ أَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ يَخْتَصِرُ الْكِفَايَةَ.
وَأَمَّا ابْنُ النَّقِيبِ فَقَدْ تُوُفِّيَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ثَانِي عَشَرَ شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ (قَوْلُهُ: الْمَلْفُوظُ بِهِ أَوَّلًا) أَيْ وَهُوَ نِيَّةٌ (قَوْلُهُ: وَتَعْمِيمُ شَعْرِهِ) وَعَلَيْهِ فَلَوْ غَسَلَ أُصُولَ الشَّعْرِ دُونَ أَطْرَافِهِ بَقِيَتْ الْجَنَابَةُ فِيهَا وَارْتَفَعَتْ عَنْ أُصُولِهَا، فَلَوْ حَلَقَ شَعْرَهُ الْآنَ أَوْ قَصَّ مِنْهُ مَا يَزِيدُ عَلَى مَا لَمْ يَغْسِلْهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْغُسْلُ مَا ظَهَرَ بِالْقَطْعِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يَغْسِلْ الْأُصُولَ أَوْ غَسَلَهَا ثُمَّ قَصَّ مِنْ الْأَطْرَافِ مَا يَنْتَهِي لِحَدِّ الْمَغْسُولِ بِلَا زِيَادَةٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ مَا ظَهَرَ بِالْحَلْقِ أَوْ الْقَصِّ لِبَقَاءِ جَنَابَتِهِ بِعَدَمِ وُصُولِ الْمَاءِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: أَمَّا أَنَا فَيَكْفِينِي أَنْ أَصُبَّ إلَخْ) لَعَلَّهُ قِيلَ فِي مَقَامِ الرَّدِّ عَلَى مَنْ بَالَغَ فِي صَبِّ الْمَاءِ عَلَى بَدَنِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا شُرِعَ لَهُ شُرِعَ لِأُمَّتِهِ إلَّا مَا ثَبَتَ اخْتِصَاصُهُ بِهِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي فَتْحِ الْبَارِي مَا نَصُّهُ: قُسَيْمٌ أَمَّا مَحْذُوفٌ، وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ سَبَبَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَأَوَّلُهُ عِنْدَهُ: ذَكَرُوا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْغُسْلَ مِنْ الْجَنَابَةِ فَذَكَرَهُ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: «تَمَارَوْا فِي الْغُسْلِ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: فَأَمَّا أَنَا فَأَغْسِلُ رَأْسِي بِكَذَا وَكَذَا» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَهَذَا هُوَ الْقُسَيْمُ الْمَحْذُوفِ اهـ.
وَقَدَّرَهُ الْكَرْمَانِيُّ بِقَوْلِهِ: وَأَمَّا غَيْرَى فَلَا يَفِيضُ أَوْ فَلَا أَعْلَمُ اهـ (قَوْلُهُ: ضَفَائِرَ) جَمْعُ ضَفِيرَةٍ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ (قَوْلُهُ: مِنْ صِمَاخَيْ) هُوَ بِكَسْرِ الصَّادِ فَقَطْ كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَالْمُخْتَارُ (قَوْلُهُ: وَمَا تَحْتَ قُلْفَةِ أَقْلَفَ) أَيْ إنْ تَيَسَّرَ لَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا وَجَبَ إزَالَتُهَا، فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ صَلَّى كَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَلَا يَتَيَمَّمُ خِلَافًا لحج (قَوْلُهُ: مَجْدُوعٍ) أَيْ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ (قَوْلُهُ: مِنْ فَرْجِ الثَّيِّبِ إلَخْ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَدَاخِلُ الْفَمِ حَيْثُ عَدَّ هَذَا مِنْ الظَّاهِرِ وَذَاكَ مِنْ الْبَاطِنِ هُوَ أَنَّ بَاطِنَ الْفَمِ لَيْسَ لَهُ حَالَةٌ يَظْهَرُ فِيهَا تَارَةً وَيَسْتَتِرُ أُخْرَى، وَمَا يَظْهَرُ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ يَظْهَرُ فِيمَا لَوْ جَلَسَتْ عَلَى قَدَمَيْهَا وَيَسْتَتِرُ فِيمَا لَوْ قَامَتْ أَوْ قَعَدَتْ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الْهَيْئَةِ فَكَانَ كَمَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ، وَهِيَ مِنْ الظَّاهِرِ فَعُدَّ مِنْهُ فَوَجَبَ غَسْلُهَا دَائِمًا كَمَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ بِخِلَافِ دَاخِلِ الْفَمِ اهـ حَجّ بِتَصَرُّفٍ (قَوْلُهُ: شَعْرٍ مَعْقُودٍ) أَيْ بِنَفْسِهِ وَإِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
أُخِذَ مِنْهُ الِارْتِفَاعُ عَنْ مَحَلِّ الْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ فَيُقَيَّدُ عَدَمُ الِارْتِفَاعِ عَنْ الرَّأْسِ بِغَيْرِ مَحَلِّ الْغُرَّةِ (قَوْلُهُ: وَتَعْمِيمُ شَعْرِهِ) فَلَوْ لَمْ يَعُمَّهُ كَأَنْ غَسَلَ بَعْضَهُ بَقِيَتْ جَنَابَةُ الْبَاقِي فَيَجِبُ غَسْلُهُ عَنْ الْجَنَابَةِ حَتَّى لَوْ قَطَعَهُ وَلَوْ مِنْ أَسْفَلِ مَحَلِّ الْغُسْلِ أَوْ نَتَفَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ غَسْلُ مَا ظَهَرَ مِنْهُ بِالْقَطْعِ أَوْ النَّتْفِ كَمَا نَقَلَهُ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ عَنْ الْبَيَانِ وَأَقَرَّهُ وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَقِيَ بَعْضُ الشَّعْرِ بِلَا غَسْلٍ كَانَ مُخَاطَبًا بِرَفْعِ جَنَابَتِهِ بِالْغُسْلِ، وَالْقَطْعِ وَنَحْوُهُ لَا يَكْفِي عَنْهُ (قَوْلُهُ: مَعْقُودٍ)

(1/224)


شَعْرُ الْعَيْنِ وَالْأَنْفِ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ، وَمُرَادُهُ بِالْبَشَرَةِ مَا يَشْمَلُ الْأَظْفَارَ بِخِلَافِ نَقْضِ الْوُضُوءِ (وَلَا تَجِبُ) فِي الْغُسْلِ (مَضْمَضَةٌ وَلَا اسْتِنْشَاقٌ) بَلْ هُمَا مَسْنُونَانِ كَمَا فِي الْوُضُوءِ وَغُسْلِ الْمَيِّتِ، لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُجَرَّدَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ إلَّا إذَا كَانَ بَيَانًا لِمُجْمَلٍ تَعَلَّقَ بِهِ الْوُجُوبُ وَلَيْسَ الْأَمْرُ هُنَا كَذَلِكَ.

(وَأَكْمَلُهُ) أَيْ الْغُسْلِ (إزَالَةُ الْقَذَرِ) بِالْمُعْجَمَةِ طَاهِرًا أَوْ نَجِسًا اسْتِظْهَارًا فِيهِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ يَكْفِي غَسْلَةٌ لَهُمَا (ثُمَّ) بَعْدَ إزَالَتِهِ (الْوُضُوءُ) كَامِلًا لِلِاتِّبَاعِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ تَأْخِيرِ قَدَمَيْهِ عَنْهُ (وَفِي قَوْلٍ يُؤَخِّرُ غَسْلَ قَدَمَيْهِ) لِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ غَيْرَ غَسْلِ قَدَمَيْهِ» وَسَوَاءٌ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ قَدَّمَ الْوُضُوءَ كُلَّهُ أَمْ بَعْضَهُ أَمْ أَخَّرَهُ أَمْ فَعَلَهُ فِي أَثْنَاءِ الْغُسْلِ فَهُوَ مُحَصِّلٌ لِلسُّنَّةِ، لَكِنَّ الْأَفْضَلَ تَقْدِيمُهُ، ثُمَّ إنْ تَجَرَّدَتْ جَنَابَتُهُ عَنْ الْحَدَثِ نَوَى بِهِ سُنَّةَ الْغُسْلِ وَإِلَّا فَرَفْعُ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يُقَدِّمَ الْغُسْلَ عَلَى الْوُضُوءِ أَوْ يُؤَخِّرَهُ عَنْهُ، وَلَوْ تَرَكَ الْوُضُوءَ أَوْ الْمَضْمَضَةَ أَوْ الِاسْتِنْشَاقَ كُرِهَ لَهُ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَدَارَكَ ذَلِكَ، وَلَوْ تَوَضَّأَ قَبْلَ غُسْلِهِ ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ لَمْ يَحْتَجْ لِتَحْصِيلِ سُنَّةِ الْوُضُوءِ إلَى إعَادَتِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، بِخِلَافِ مَا لَوْ غَسَلَ يَدَيْهِ فِي الْوُضُوءِ ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ الْمَضْمَضَةِ مَثَلًا فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ فِي تَحْصِيلِ السُّنَّةِ إلَى إعَادَةِ غَسْلِهِمَا بَعْدَ نِيَّةِ الْوُضُوءِ، لِأَنَّ تِلْكَ النِّيَّةَ بَطَلَتْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
كَثُرَ اهـ حَجّ.
وَظَاهِرُهُ وَإِنْ قَصَّرَ صَاحِبُهُ بِأَنْ لَمْ يَتَعَهَّدْهُ بِدُهْنٍ وَنَحْوِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ تَعَهُّدَهُ (قَوْلُهُ: لَا يَجِبُ غَسْلُهُ) وَإِنْ طَالَ حَجّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْفِعْلَ) أَيْ فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُشْعِرِ بِهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْفِعْلَ إلَخْ) إذْ لَا يُحْتَاجُ لِلِاعْتِذَارِ بِمِثْلِ هَذَا إلَّا حَيْثُ ثَبَتَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِعْلُهُمَا (قَوْلُهُ: الْمُجَرَّدَ) أَيْ عَنْ الْقَرِينَةِ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ الْأَمْرُ هُنَا كَذَلِكَ) أَيْ بَلْ الثَّابِتُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُجَرَّدُ الْفِعْلِ لَا عَلَى وَجْهِ الْبَيَانِ لِشَيْءٍ

(قَوْلُهُ: اسْتِظْهَارًا) الِاسْتِظْهَارُ طَلَبُ الْأَمْرِ الَّذِي يُرِيدُهُ مِنْ وُضُوءٍ أَوْ غَيْرِهِ كَزَكَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا إلَخْ (قَوْلُهُ: لِلِاتِّبَاعِ) أَيْ الْمَنْقُولِ عَنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ: عَنْ الْحَدَثِ) أَيْ كَانَ احْتَلَمَ وَهُوَ قَاعِدٌ مُتَمَكِّنٌ (قَوْلُهُ: سُنَّةَ الْغُسْلِ) فَنِيَّتُهُ تُعَيِّنُ ذَلِكَ، وَأَنَّ غَيْرَ هَذِهِ مِنْ نِيَّاتِ الْوُضُوءِ كَنَوَيْتُ فَرْضَ الْوُضُوءِ لَا يَكْفِي، وَيُتَأَمَّلُ وَجْهُهُ فِي نَحْوِ نَوَيْت فَرْضَ الْوُضُوءِ، وَعِبَارَةُ حَجّ بَعْدَ لَفْظِ الْغُسْلِ: أَيْ أَوْ الْوُضُوءِ (قَوْلُهُ: أَوْ يُؤَخِّرُهُ عَنْهُ) وَوَجْهُهُ فِي التَّأَخُّرِ الْخُرُوجُ مِنْ خِلَافِ مِنْ مُنِعَ انْدِرَاجُهُ فِي الْأَكْبَرِ فَلَا يُقَالُ حَيْثُ اغْتَسَلَ عَنْ الْجَنَابَةِ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ حَدَثٌ أَصْغَرَ حَتَّى يَنْوِيَهُ (قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَدَارَكَ ذَلِكَ) أَيْ بِأَنْ يَأْتِيَ بِهِ بَعْدُ وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ (قَوْلُهُ: إلَى إعَادَتِهِ) قَدْ يُشْكِلُ بِأَنَّ قَضِيَّةَ مُرَاعَاةِ الْخِلَافِ الَّتِي هِيَ مَلْحَظٌ لِلسُّنَّةِ أَنْ تُسَنَّ الْإِعَادَةُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ الِانْدِرَاجِ.
وَيُجَابُ بِأَنَّهُ حَصَلَتْ السُّنَّةُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مِنْ سُنَنِ الْغُسْلِ الْمَأْمُورِ بِهَا لِلِاتِّبَاعِ، فَإِنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ الْخِلَافِ سُنَّ الْوُضُوءُ لِمُرَاعَاتِهِ، فَبِالْوُضُوءِ الْأَوَّلِ حَصَلَتْ سُنَّةُ الْغُسْلِ الْمَأْمُورِ بِهَا لِلِاتِّبَاعِ، وَبِالْوُضُوءِ ثَانِيًا حَصَلَ الْخُرُوجُ مِنْ الْخِلَافِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْوُضُوءَ الْوَاحِدَ لَا يَتَبَعَّضُ صِحَّةً وَفَسَادًا، فَبِالْحَدَثِ بَعْدَ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ بَطَلَ مَا فَعَلَهُ مِنْ الْوُضُوءِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
أَيْ مُنْعَقِدٍ وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ سم عَنْ الشَّارِحِ إنَّهُ يُتَّجَهُ عَدَمُ الْعَفْوِ عَمَّا يَعْقِدُهُ بِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ: شَعْرُ الْعَيْنِ) أَيْ الَّذِي فِي دَاخِلِهَا

(قَوْلُهُ: ثُمَّ الْوُضُوءُ) أَيْ وَلَوْ لِلْغُسْلِ الْمَنْدُوبِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْعُبَابُ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ (قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ إلَخْ) قَضِيَّةُ هَذَا الصَّنِيعِ أَنَّ هَذَا التَّعْمِيمَ فِي الْمَتْنِ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ إذْ الْمَتْنُ مَفْرُوضٌ فِي تَقْدِيمِ الْوُضُوءِ بِكَمَالِهِ الَّذِي هُوَ الْأَكْمَلُ الْمُطْلَقُ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي ثُمَّ تَعَهَّدَ إلَخْ وَلِهَذَا قَالَ هُوَ كَامِلًا عَقِبَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ ثُمَّ الْوُضُوءُ وَعِبَارَةُ الشِّهَابِ ابْنِ حَجَرٍ بَعْدَ حِكَايَةِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَتْنِ وَعَلَى كُلٍّ تَحْصُلُ سُنَّةُ الْوُضُوءِ بِتَقْدِيمِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ وَتَأْخِيرِهِ وَتَوَسُّطِهِ

(1/225)


بِالْحَدَثِ.

(ثُمَّ) بَعْدَ الْوُضُوءِ (تَعَهُّدُ مَعَاطِفِهِ) كَالْأُذُنَيْنِ وَطَبَقَاتِ الْبَطْنِ وَالْمُوقِ وَتَحْتَ الْمُقْبِلِ مِنْ الْأَنْفِ بِأَنْ يَأْخُذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ وَيَضَعُهَا بِرِفْقٍ عَلَيْهِ مُمِيلًا لَهَا لِيُصَلِّ لِمَعَاطِفِهَا مِنْ غَيْرِ نُزُولٍ لِصِمَاخِهِ فَيَضُرُّ بِهِ وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الصَّائِمِ، وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ يَتَعَيَّنُ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي الْمُبَالَغَةِ، وَإِنَّمَا سُنَّ تَعَهُّدُ مَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الثِّقَةِ بِوُصُولِ الْمَاءِ وَأَبْعَدُ عَنْ الْإِسْرَافِ فِيهِ.

(ثُمَّ يُفِيضُ) الْمَاءَ (عَلَى رَأْسِهِ وَيُخَلِّلُهُ) أَيْ أُصُولَ شَعْرِهِ بِأَصَابِعِهِ وَهِيَ مَبْلُولَةٌ اتِّبَاعًا وَالْمُسْتَحَبُّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ أَنْ يَكُونَ التَّخْلِيلُ قَبْلَ الْإِفَاضَةِ، وَلَا يُعَارِضُهُ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْوَاوِ لِأَنَّهَا لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا وَلَا يَتَقَيَّدُ الِاسْتِحْبَابُ بِالرَّأْسِ فَسَائِرُ شُعُورِ بَدَنِهِ كَذَلِكَ.

(ثُمَّ) يُفِيضُهُ (عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ) لِلِاتِّبَاعِ وَفَارَقَ غُسْلُ الْمَيِّتِ حَيْثُ لَا يَنْتَقِلُ لِلْمُؤَخَّرِ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْمُقَدَّمِ لِسُهُولَةِ ذَلِكَ عَلَى الْحَيِّ هُنَا خِلَافُهُ، ثُمَّ لِمَا يَلْزَمُ فِيهِ مِنْ تَكْرِيرِ تَقْلِيبِ الْمَيِّتِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَيْسَرِ، فَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ بِاسْتِوَائِهِمَا مَرْدُودٌ، وَعَلَى الْفَرْقِ لَوْ فَعَلَ هُنَا مَا يَأْتِي ثُمَّ كَانَ آتِيًا بِأَصْلِ السُّنَّةِ فِيمَا يَظْهَرُ بِالنِّسْبَةِ لِمُقَدَّمِ شِقِّهِ الْأَيْمَنِ دُونَ مُؤَخَّرِهِ لِتَأَخُّرِهِ عَنْ مُقَدَّمِ الْأَيْسَرِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ فِي الرَّأْسِ الْبُدَاءَةُ بِالْأَيْمَنِ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَاعْتَمَدَهُ الزَّرْكَشِيُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
بِخِلَافِ مَا لَوْ تَوَضَّأَ لِلْجَنَابَةِ ثُمَّ أَحْدَثَ بَعْدَ فَرَاغِ الْوُضُوءِ فَإِنَّ الْوُضُوءَ ثَمَّ هُنَا صَحِيحٌ فَحَصَلَتْ بِهِ السُّنَّةُ.

(قَوْلُهُ: مُمِيلًا لَهَا) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ فَيَجُوزُ لَهُ الِانْغِمَاسُ وَصَبُّ الْمَاءِ عَلَى رَأْسِهِ وَإِنْ أَمْكَنَ الْإِمَالَةُ، وَعَلَيْهِ فَهَلْ إذَا وَصَلَ مِنْهُ شَيْءٌ إلَى الصِّمَاخَيْنِ بِسَبَبِ الِانْغِمَاسِ مَعَ إمْكَانِ الْإِمَالَةِ يَبْطُلُ صَوْمُهُ لِمَا أَفَادَهُ قَوْلُهُمْ يَتَأَكَّدُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ فِي حَقِّهِ أَوَّلًا لِأَنَّهُ تَوَلَّدَ مِنْ مَأْذُونٍ فِيهِ؟ فِيهِ نَظَرٌ.
وَقِيَاسُ الْفِطْرِ بِوُصُولِ مَاءِ الْمَضْمَضَةِ إذَا بَالَغَ الْفِطْرَ، لَكِنْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَحِلَّ الْفِطْرِ إذَا كَانَ مِنْ عَادَتِهِ وُصُولُ الْمَاءِ إلَى بَاطِنِ أُذُنَيْهِ لَوْ انْغَمَسَ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَقَوْلُهُ: إذَا كَانَ مِنْ عَادَتِهِ: أَيْ وَلَا بُدَّ مِنْ تَكَرُّرِ ذَلِكَ فَلَا يَثْبُتُ هُنَا بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَالْكَلَامُ هُنَا فِي الْأَغْسَالِ الْوَاجِبَةِ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَهَا الْمَنْدُوبَةُ لِاشْتِرَاكِهَا مَعَهَا فِي الطَّلَبِ، أَمَّا لَوْ اغْتَسَلَ لِمُجَرَّدِ التَّبَرُّدِ أَوْ التَّنَظُّفِ وَوَصَلَ الْمَاءُ بِسَبَبِهِ إلَى بَاطِنِ الْأُذُنِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَضُرَّ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَوَلَّدْ مِنْ مَأْمُورٍ بِهِ وَهُوَ قَرِيبٌ فَلْيُرَاجَعْ.
ثُمَّ رَأَيْت فِي كِتَابِ الصَّوْمِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ سَبَقَ مَاءُ الْمَضْمَضَةِ إلَخْ مَا نَصُّهُ: بِخِلَافِ حَالَةِ الْمُبَالَغَةِ وَبِخِلَافِ سَبْقِ مَائِهِمَا غَيْرَ مَشْرُوعَيْنِ كَأَنْ جَعَلَ الْمَاءَ فِي أَنْفِهِ أَوْ فَمِهِ لَا لِغَرَضٍ، وَبِخِلَافِ سَبْقِ مَاءِ غُسْلِ التَّبَرُّدِ وَالْمَرَّةِ الرَّابِعَةِ مِنْ الْمَضْمَضَةِ أَوْ الِاسْتِنْشَاقِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِذَلِكَ بَلْ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي الرَّابِعَةِ، وَخَرَجَ بِمَا قَرَّرْنَاهُ سَبْقُ مَاءِ الْغُسْلِ مِنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ جَنَابَةٍ أَوْ مِنْ غُسْلٍ مَسْنُونٍ فَلَا يُفْطِرُ بِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَوْ غَسَلَ أُذُنَيْهِ فِي الْجَنَابَةِ وَنَحْوِهَا فَسَبَقَ الْمَاءُ الْجَوْفَ مِنْهُمَا لَا يُفْطِرُ، وَلَا نَظَرَ إلَى إمْكَانِ إمَالَةِ الرَّأْسِ بِحَيْثُ لَا يَدْخُلُ شَيْءٌ لِعُسْرِهِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ لَوْ عُرِفَ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ يَصِلُ الْمَاءُ مِنْهُ إلَى جَوْفِهِ أَوْ دِمَاغِهِ بِالِانْغِمَاسِ وَلَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ أَنْ يَحْرُمَ الِانْغِمَاسُ وَيُفْطِرُ قَطْعًا.
نَعَمْ مَحَلُّهُ إذَا تَمَكَّنَ مِنْ الْغُسْلِ لَا عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ وَإِلَّا فَلَا يُفْطِرُ فِيمَا يَظْهَرُ، وَكَذَا لَا يُفْطِرُ بِسَبْقِهِ مَنْ غَسَلَ نَجَاسَةً بِفِيهِ وَإِنْ بَالَغَ فِيهَا اهـ بِحُرُوفِهِ (قَوْلُهُ: وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ) أَيْ الْإِمَالَةُ (قَوْلُهُ: عَلَى ذَلِكَ) أَيْ التَّأَكُّدُ خِلَافًا لحج.

(قَوْلُهُ: بِأَصَابِعِهِ) قَالَ حَجّ: وَالْمُحْرِمُ كَغَيْرِهِ لَكِنْ يَتَحَرَّى الرِّفْقَ خَشْيَةَ الِانْتِتَافِ اهـ.
وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ وَظَاهِرُ عَدَمِ تَقْيِيدِ الشَّارِحِ لَهُ، لَكِنْ تَقَدَّمَ لِلشَّارِحِ فِي الْوُضُوءِ: أَنَّ الْمُعْتَمَدَ عَدَمُ سَنِّ التَّخْلِيلِ، وَعَلَيْهِ فَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَالْوُضُوءِ بِأَنَّهُ يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى بَاطِنِ الشَّعْرِ هُنَا مُطْلَقًا، بِخِلَافِهِ فِي الْوُضُوءِ لَا يَجِبُ إيصَالُهُ إلَى بَاطِنِ الْكَثِيفِ عَلَى مَا مَرَّ فَطَلَبُ التَّخْلِيلِ هُنَا مِنْ الْمُحْرِمِ اسْتِظْهَارًا بِخِلَافِ الْوُضُوءِ.

(قَوْلُهُ: عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ) أَيْ مِنْ أَمَامِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
أَثْنَاءَ الْغُسْلِ

(قَوْلُهُ: بِأَنْ يَأْخُذَ إلَخْ) رَاجِعٌ لِلْإِذْنِ فَقَطْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.

(1/226)


وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ كَانَ مَا يُفِيضُهُ يَكْفِي كُلَّ رَأْسِهِ، وَإِلَّا بَدَأَ بِالْأَيْمَنِ كَمَا يَبْدَأُ بِهِ الْأَقْطَعُ وَفَاعِلُ التَّخْلِيلِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ كَالْوُضُوءِ، فَيَغْسِلُ رَأْسَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ ثَلَاثًا ثُمَّ الْأَيْسَرَ ثَلَاثًا بِالنِّسْبَةِ لِأَصْلِ سُنَّةِ التَّثْلِيثِ فَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ بِالنِّسْبَةِ لِكَمَالِهَا.

(وَيُدَلِّكُ) بَدَنَهُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ (وَيُثَلِّثُ) كَالْوُضُوءِ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ انْغَمَسَ فِي مَاءٍ فَإِنْ كَانَ جَارِيًا كَفَى فِي التَّثْلِيثِ أَنْ يُمِرَّ عَلَيْهِ ثَلَاثَ جَرْيَاتٍ لَكِنْ يَفُوتُهُ الدَّلْكُ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ غَالِبًا تَحْتَ الْمَاءِ، وَإِنْ كَانَ رَاكِدًا انْغَمَسَ فِيهِ ثَلَاثًا إمَّا بِرَفْعِ رَأْسِهِ مِنْهُ، وَنَقْلِ قَدَمَيْهِ أَوْ انْتِقَالِهِ فِيهِ مِنْ مَقَامِهِ إلَى آخَرَ ثَلَاثًا، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى انْفِصَالِ جُمْلَتِهِ وَلَا رَأْسِهِ كَمَا فِي التَّطْهِيرِ مِنْ النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ إذْ حَرَكَتُهُ تَحْتَ الْمَاءِ كَجَرْيِ الْمَاءِ عَلَيْهِ.

(وَتُتْبِعُ) الْأُنْثَى غَيْرُ الْمُحْرِمَةِ وَالْمُحَدَّةِ (لِحَيْضٍ) أَوْ نِفَاسٍ وَلَوْ خَلِيَّةً أَوْ بِكْرًا أَوْ عَجُوزًا أَوْ ثُقْبَةَ أُنْثَى انْسَدَّ فَرْجُهَا أَوْ خُنْثَى حُكِمَ بِأُنُوثَتِهِ بِخِلَافِ دَمِ الْفَسَادِ وَغَيْرِ الدَّمِ (أَثَرَهُ) أَيْ الدَّمَ (مِسْكًا وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمِسْكُ (فَنَحْوُهُ) بِأَنْ تَجْعَلَهُ فِي قُطْنَةٍ وَتُدْخِلُهُ فَرْجَهَا بَعْدَ غُسْلِهَا ثُمَّ طِيبًا ثُمَّ طِينًا تَطْيِيبًا لِلْمَحِلِّ لَا لِسُرْعَةِ الْعُلُوقِ فَيُكْرَهُ تَرْكُهُ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّ التَّرْتِيبَ الْمَذْكُورَ شَرْطٌ لِكَمَالِ السُّنَّةِ، أَمَّا الْمُحْرِمَةُ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهَا اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ مُطْلَقًا كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَكَذَا الْمُحَدَّةُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهَا تَطْيِيبُ الْمَحَلِّ بِقَلِيلِ قُسْطٍ أَوْ أَظْفَارٍ وَلَوْ لَمْ تَجِدْ سِوَى الْمَاءِ كَفَى فِي دَفْعِ الْكَرَاهَةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لَا عَلَى السُّنَّةِ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ، وَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُنْدَبُ تَطْيِيبُ مَا أَصَابَهُ دَمُ الْحَيْضِ مِنْ بَقِيَّةِ بَدَنِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ أَمَّا الصَّائِمَةُ فَلَا تَسْتَعْمِلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَشَمِلَ تَعْبِيرُهُ بِأَثَرِ الدَّمِ الْمُسْتَحَاضَةَ إذَا شُفِيَتْ وَهُوَ مَا تَفَقَّهَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
وَخَلْفِهِ ثُمَّ الْأَيْسَرُ كَذَلِكَ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُ، وَأَفَادَهُ قَوْلُ الشَّارِحِ وَفَارَقَ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ إلَخْ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ بِتَثْلِيثٍ لِغَسْلِ جَمِيعِ الْبَدَنِ.

(قَوْلُهُ: وَالْمُحَدَّةِ) أَيْ وَغَيْرُ الصَّائِمَةِ أَيْضًا أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي: أَمَّا الصَّائِمَةُ. إلَخْ (قَوْلُهُ: أَوْ ثُقْبَةَ) أَيْ وَكَانَ مَحِلُّ حَيْضِهَا ثُقْبَةً اهـ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمِسْكُ) أَيْ بِأَنْ لَمْ تَجِدْهُ أَوْ لَمْ تَسْمَحْ بِهِ اهـ خَطِيب عَلَى أَبِي شُجَاعٍ، وَشَمِلَهُ قَوْلُ حَجّ: وَإِلَّا تُرِدْهُ (قَوْلُهُ: فَنَحْوُهُ) أَيْ مِمَّا فِيهِ حَرَارَةٌ كَالْقُسْطِ وَالْأَظْفَارِ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ طِيبًا فَطِينًا. إلَخْ خَطِيبٌ عَلَى أَبِي شُجَاعٍ (قَوْلُهُ: فَرْجَهَا) وَهُوَ مَا يَنْفَتِحُ مِنْهَا عِنْدَ جُلُوسِهَا عَلَى قَدَمَيْهَا كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُ حَجّ: الْوَاجِبُ غَسْلُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ: فَرْجَهَا (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ قُسْطًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، طَالَتْ مُدَّةُ مَا بَقِيَ مِنْ إحْرَامِهَا أَمْ لَا.
(قَوْلُهُ: بِقَلِيلِ قُسْطٍ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَالْقُسْطُ بِالضَّمِّ بَخُورٌ مَعْرُوفٌ، قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: عَرَبِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي دَفْعِ الْكَرَاهَةِ) ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِكِفَايَةِ الْمَاءِ هُوَ الْغُسْلُ الشَّرْعِيُّ، لَا إدْخَالَ مَاءٍ فِي الْفَرْجِ بَدَلَ الطِّيبِ الْمَذْكُورِ عَمِيرَةُ.
وَعِبَارَةُ حَجّ: بَلْ لَوْ جَعَلَتْ مَاءً غَيْرَ مَاءِ الرَّفْعِ بَدَلَ ذَلِكَ كَفَى فِي دَفْعِ كَرَاهَةِ تَرْكِ الِاتِّبَاعِ، بَلْ وَفِي حُصُولِ أَصْلِ سُنَّةِ النَّظَافَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ اهـ.
وَهِيَ مُخَالِفَةٌ كَمَا تَرَى لِمَا قَالَهُ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ (قَوْلُهُ: وَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُنْدَبُ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ بِأَنْ تَجْعَلَهُ فِي قُطْنَةٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَشَمِلَ تَعْبِيرُهُ بِأَثَرِ الدَّمِ إلَخْ) يُتَأَمَّلُ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ بِخِلَافِ دَمِ الْفَسَادِ وَغَيْرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: ثُمَّ طِيبًا) قَضِيَّتُهُ أَنَّ الطِّيبَ غَيْرُ نَحْوِ الْمِسْكِ، وَاَلَّذِي فِي التُّحْفَةِ تَفْسِيرُ النَّحْوِ بِالطِّيبِ (قَوْلُهُ: وَشَمِلَ تَعْبِيرُهُ بِأَثَرِ الدَّمِ الْمُسْتَحَاضَةَ) لَا يُنَافِيهِ مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ بِخِلَافِ دَمِ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ ذَاكَ عِنْدَ اسْتِرْسَالِ الدَّمِ.
قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَاسْتَثْنَى الزَّرْكَشِيُّ الْمُسْتَحَاضَةَ أَيْضًا فَقَالَ: يَنْبَغِي لَهَا أَنْ لَا تَسْتَعْمِلَهُ؛ لِأَنَّهُ يَنْجُسُ بِخُرُوجِ الدَّمِ فَيَجِبُ غَسْلُهُ فَلَا يَبْقَى لَهُ فَائِدَةٌ انْتَهَى.
وَصُورَةُ مَا هُنَا عِنْدَ الشِّفَاءِ كَمَا تَرَى، وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ مَا هُنَا عَلَى الِاسْتِحَاضَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْحَيْضِ قَالَ: فَالِاتِّبَاعُ فِي الْحَقِيقَةِ لِلْحَيْضِ، وَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى هَذَا الْحَمْلِ مُحَاوَلَةُ شُمُولِ الْمَتْنِ لِلصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ وَالشَّارِحُ كَمَا تَرَى إنَّمَا جَعَلَ الشَّامِلَ الدَّمَ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ خُصُوصِ الْحَيْضِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ وَقْفَةٌ عَلَى أَنَّ قَضِيَّةَ هَذَا الْحَمْلِ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ لَهَا الِاتِّبَاعُ لِلْحَيْضِ الَّذِي اُسْتُحِيضَتْ عَقِبَهُ وَلَك أَنْ تَمْنَعَهُ بِتَصْرِيحِهِمْ بِسَنِّهِ لِلْمُتَحَيِّرَةِ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ

(1/227)


وَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ عِنْدَ غُسْلِهَا كَذَلِكَ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ.
وَأَفْتَى الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِحُرْمَةِ جِمَاعِ مَنْ تَنَجَّسَ ذَكَرُهُ قَبْلَ غُسْلِهِ، وَيَنْبَغِي تَخْصِيصُهُ بِغَيْرِ السَّلَسِ لِتَصْرِيحِهِمْ بِحِلِّ وَطْءِ الْمُسْتَحَاضَةِ مَعَ جَرَيَانِ دَمِهَا.

(وَلَا يُسَنُّ) (تَجْدِيدُهُ) أَيْ الْغُسْلِ لِعَدَمِ وُرُودِهِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْحَرَجِ (بِخِلَافِ الْوُضُوءِ) فَيُسَنُّ تَجْدِيدُهُ إذَا صَلَّى بِالْأَوَّلِ صَلَاةً مَا وَلَوْ تَحِيَّةَ مَسْجِدٍ وَرَكْعَةً وَاحِدَةً إذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهَا، لَا سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ أَوْ شُكْرٍ لِعَدَمِ كَوْنِهِمَا صَلَاةً وَلَا طَوَافًا وَإِنْ كَانَ مُلْحَقًا بِالصَّلَاةِ.
وَلَوْ جَدَّدَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ كُرِهَ تَنْزِيهًا لَا تَحْرِيمًا، وَيَصِحُّ كَمَا أَوْضَحْت جَمِيعَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْعُيَّابِ.
نَعَمْ إنْ عَارِضَهُ فَضِيلَةُ أَوَّلِ الْوَقْتِ قُدِّمَتْ عَلَى التَّجْدِيدِ لِأَنَّهَا أَوْلَى مِنْهُ كَمَا أَفْتَى بِذَلِكَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَتَقَدَّمَ اسْتِحْبَابُهُ لِمَاسِحِ الْخُفِّ، وَيُسْتَحَبُّ تَجْدِيدُهُ أَيْضًا لِلْوُضُوءِ الْمُكَمَّلِ بِالتَّيَمُّمِ لِجِرَاحَةٍ وَنَحْوِهَا كَمَا نَقَلَهُ مُجَلِّي عَنْ الْقَفَّالِ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ.

(وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَنْقُصَ مَاءُ الْوُضُوءِ) فِيمَنْ اعْتَدَلَ جَسَدُهُ (عَنْ مُدٍّ) تَقْرِيبًا وَهُوَ رَطْلٌ وَثُلُثٌ بَغْدَادِيٌّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الدَّمِ، عَلَى أَنَّ التَّعْبِيرَ بِأَثَرِ الدَّمِ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فَإِنَّ عِبَارَتَهُ كَمَا تَرَى وَتَتَبُّعٌ لِحَيْضٍ فَلْيُتَأَمَّلْ، إلَّا أَنْ يُقَالَ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْحَيْضَ فِي كَلَامِهِ لَيْسَ بِقَيْدٍ حَيْثُ قَالَ: أَيْ أَثَرُ الدَّمِ.
وَقَدْ يُقَالُ فِي دَفْعِ التَّنَافِي لَمَّا كَانَ كُلُّ وَقْتٍ مِنْ أَوْقَاتِهَا يَحْتَمِلُ انْقِطَاعَ الْحَيْضِ فِيهِ طَلَبَ ذَلِكَ عِنْدَ كُلِّ غُسْلٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الدَّمَ الَّذِي اغْتَسَلَتْ عَقِبَهُ دَمُ حَيْضٍ لَا دَمُ فَسَادٍ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ تَعْلِيلُهُ بِقَوْلِهِ: لِاحْتِمَالِ إلَخْ، لَكِنَّ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ فِي الْمُتَحَيِّرَةِ لَا فِي غَيْرِهَا فَإِنَّ مَا وَقَعَ فِي غَيْرِ زَمَنِ حَيْضِهَا مُتَمَحَّضٌ لِكَوْنِهِ دَمَ فَسَادٍ، أَوْ يُقَالُ: إنَّهُ جَرَى فِي مَعْنَى الْمُسْتَحَاضَةِ هُنَا عَلَى مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمَحَلِّيُّ فِي بَابِ الْحَيْضِ مِنْ أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ هِيَ الَّتِي جَاوَزَ دَمُهَا أَكْثَرَ الْحَيْضِ وَاسْتَمَرَّ، وَلَوْ قَالَ بَعْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ: وَيَلْحَقُ بِالْحَيْضِ دَمُ الْمُسْتَحَاضَةِ إذَا شُفِيَتْ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: مَنْ تَنَجَّسَ ذَكَرُهُ) أَيْ بِغَيْرِ الْمَذْيِ، أَمَّا بِهِ فَلَا يَحْرُمُ بَلْ يُعْفَى عَنْ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْجِمَاعِ خَاصَّةً لِأَنَّ غَسْلَهُ يُفَتِّرُهُ، وَقَدْ يَتَكَرَّرُ ذَلِكَ مِنْهُ فَيَشُقُّ عَلَيْهِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْجِمَاعِ فَلَا يُعْفَى عَنْهُ، فَلَوْ أَصَابَ ثَوْبَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَنِيِّ الْمُخْتَلِطِ بِهِ وَجَبَ غَسْلُهُ، ثُمَّ مَا ذُكِرَ فِي الْمَذْيِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ مَنْ اُبْتُلِيَ بِهِ وَغَيْرِهِ، فَكُلُّ مَنْ حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ كَانَ حُكْمُهُ مَا ذُكِرَ وَإِنْ نَدَرَ خُرُوجُهُ.
وَقَضِيَّةُ قَوْلِ حَجّ: إنَّ مَنْ يُعْلَمُ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّ الْمَاءَ يُفَتِّرُهُ عَنْ جِمَاعٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ ذَكَرِهِ وَأَنَّ مَنْ اعْتَادَ عَدَمَ فُتُورِ الذَّكَرِ بِغَسْلِهِ.
وَإِنْ تَكَرَّرَ لَا يُعْفَى عَنْ الْمَذْيِ فِي حَقِّهِ.

(قَوْلُهُ: وَلَا يُسَنُّ تَجْدِيدُهُ) أَيْ بَلْ يُكْرَهُ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ جَدَّدَ وُضُوءَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ صَلَاةً مَا بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا غَيْرُ مَشْرُوعٍ (قَوْلُهُ: صَلَاةً مَا) يَشْمَل صَلَاةَ الْجِنَازَةِ سم عَلَى حَجّ، وَيَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّلَاةِ الصَّلَاةُ الْكَامِلَةُ فَلَوْ أَحْرَمَ بِهَا ثُمَّ فَسَدَتْ لَمْ يُسَنَّ لَهُ التَّجْدِيدُ.
[فَرْعٌ] كَثِيرٌ مِنْ الطَّلَبَةِ تَخَيَّلَ إشْكَالًا يَتَعَلَّقُ بِالْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ لِأَنَّهُ حَيْثُ صَلَّى بِالْأَوَّلِ طَلَبَ التَّجْدِيدَ فَيَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ.
وَأَقُولُ: لُزُومُ التَّسَلْسُلِ مَمْنُوعٌ وَتَخَيُّلُهُ غَفْلَةٌ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يَطْلُبُ التَّجْدِيدَ إذَا صَلَّى بِالْأَوَّلِ صَلَاةً مَا إنْ أَرَادَ صَلَاةً أُخْرَى مَعَ بَقَاءِ الْوُضُوءِ الْأَوَّلِ، وَإِرَادَةِ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى مَعَ بَقَاءِ الْوُضُوءِ الْأَوَّلِ كُلٌّ مِنْهُمَا غَيْرُ لَازِمٍ لِجَوَازِ أَنْ لَا يُرِيدَ وَأَنْ لَا يَبْقَى وُضُوءُهُ فَأَيْنَ لُزُومُ التَّسَلْسُلِ؟ فَاعْرِفْهُ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: وَلَوْ جَدَّدَهُ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ مِنْ مَاءٍ مُسِيلٍ (قَوْلُهُ: كُرِهَ تَنْزِيهًا) زَادَ حَجّ: نَعَمْ يَتَّجِهُ أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ بِهِ عِبَادَةً مُسْتَقِلَّةً حُرِّمَ لِتَلَاعُبِهِ اهـ.
وَلَعَلَّ مُرَادَهُ بِالْمُسْتَقِلَّةِ أَنَّهَا عِبَادَةٌ مَطْلُوبَةٌ مِنْهُ لِذَاتِهَا (قَوْلُهُ: نَعَمْ إنْ عَارَضَهُ) أَيْ تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ

(قَوْلُهُ: رَطْلٌ وَثُلُثٌ بَغْدَادِيٌّ) أَيْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
فَإِذَا سُنَّ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ مَعَ اسْتِرْسَالِ الدَّمِ فَأَوْلَى أَنْ يُسَنَّ مَعَ تَحَقُّقِهِ

(قَوْلُهُ: الْمُكَمَّلِ بِالتَّيَمُّمِ) أَيْ وَلَا يُجَدَّدُ التَّيَمُّمُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ

(1/228)


(وَالْغُسْلِ عَنْ صَاعٍ) تَقْرِيبًا وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُوَضِّئُهُ الْمُدُّ وَيُغَسِّلُهُ الصَّاعُ» ، أَمَّا مَنْ لَمْ يَعْتَدِلْ جَسَدُهُ فَيُعْتَبَرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى جَسَدِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - زِيَادَةً وَنَقْصًا كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ (وَلَا حَدَّ لَهُ) أَيْ لِمَاءِ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ، فَلَوْ نَقَصَ عَنْ ذَلِكَ مَعَ الْإِسْبَاغِ كَفَى، فَقَدْ نُقِلَ عَنْ إمَامِنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: قَدْ يُرْفِقُ الْفَقِيهُ بِالْقَلِيلِ فَيَكْفِيهِ، وَيَخْرِقُ الْأَخْرَقُ بِالْكَثِيرِ فَلَا يَكْفِيهِ.
وَيُسْتَحَبُّ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْمُدِّ وَالصَّاعِ لِأَنَّ الرِّفْقَ مَحْبُوبٌ وَيَنْقُصُ بِفَتْحِ الْيَاءِ، وَمَاءُ الْوُضُوءِ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ وَالْفَاعِلُ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الشَّخْصِ، وَفِي خَطِّ الْمُصَنِّفِ بِالرَّفْعِ وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا، وَحُكْمُ الْمُوَالَاةِ هُنَا كَالْوُضُوءِ.
قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَحْلِقَ أَوْ يُقَلِّمَ أَوْ يَسْتَحِدَّ أَوْ يُخْرِجَ دَمًا أَوْ يُبَيِّنَ مِنْ نَفْسِهِ جُزْءًا وَهُوَ جُنُبٌ، إذْ سَائِرُ أَجْزَائِهِ تُرَدُّ إلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ فَيَعُودُ جُنُبًا. وَيُقَالُ إنْ كُلَّ شَعْرَةً تُطَالِبُ بِجَنَابَتِهَا.

(وَمَنْ بِهِ) أَيْ بِبَدَنِهِ شَيْءٌ (نَجِسٌ يَغْسِلُهُ ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَلَا تَكْفِي لَهُمَا غَسْلَةٌ) وَاحِدَةٌ (وَكَذَا فِي الْوُضُوءِ) لِأَنَّهُمَا وَاجِبَانِ مُخْتَلِفَا الْجِنْسِ فَلَا يَتَدَاخَلَانِ (قُلْت: الْأَصَحُّ تَكْفِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ وَاجِبَهُمَا غَسْلُ الْعُضْوِ وَقَدْ وُجِدَ كَمَا لَوْ اغْتَسَلَتْ مِنْ جَنَابَةٍ وَحَيْضٍ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ وَالْعَيْنِيَّةِ، وَمَا وَقَعَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ فَرْضِ ذَلِكَ فِي النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ مِثَالٌ لَا قَيْدَ، وَقَيَّدَ السُّبْكِيُّ الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا لَمْ تَحُلْ بَيْنَ الْمَاءِ وَالْعُضْوِ وَكَثُرَ الْمَاءُ أَوْ قَلَّ وَأَزَالَهَا بِمُجَرَّدِ مُلَاقَاتِهِ لَهَا وَإِلَّا لَمْ يَكْفِ قَطْعًا، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهَا بِغَيْرِ الْمُغَلَّظَةِ أَيْضًا، فَغُسْلُهَا بِدُونِ تَرْتِيبٍ أَوْ بِهِ قَبْلَ اسْتِكْمَالِ السَّبْعِ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ، وَلَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ هُنَا مَا سَيَأْتِي فِي الْجَنَائِزِ مِنْ اشْتِرَاطِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ قَبْلَ غَسْلِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ تَرَكَ الِاسْتِدْرَاكَ ثُمَّ عَلَيْهِ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا هُنَا.

(وَمَنْ اغْتَسَلَ لِجَنَابَةٍ وَجُمُعَةٍ) بِنِيَّتِهِمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
وَهُوَ بِالْمِصْرِيِّ رَطْلٌ تَقْرِيبًا (قَوْلُهُ: قَدْ يَرْفُقُ الْفَقِيهُ) أَيْ لُغَةً، فَالْمُرَادُ بِهِ الْحَاذِقُ وَحِينَئِذٍ فَيَشْمَلُ الرِّفْقَ فِي سَائِرِ الْأَشْيَاءِ (قَوْلُهُ: وَيَخْرِقُ الْأَخْرَقُ) أَيْ الْأَحْمَقُ.
قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: الْخَرَقُ: بِفَتْحَتَيْنِ مَصْدَرُ الْأَخْرَقِ وَهُوَ ضِدُّ الرَّفِيقِ وَبَابُهُ طَرِبَ وَالِاسْمُ الْخُرْقُ بِالضَّمِّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الرِّفْقَ مَحْبُوبٌ) أَيْ فَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلَاثِ، وَصَبُّ مَا يَزِيدُ عَلَى مَا يَكْفِيه عَادَةٌ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَلَوْ الْأُولَى، وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَعْرِضْ لَهُ وَسْوَسَةٌ أَوْ شَكٌّ فِي تَيَقُّنِ الطَّهَارَةِ أَوْ فِي عَدَدِ مَا أَتَى بِهِ.
هَذَا وَقَدْ يَقَعُ لِلْإِنْسَانِ أَنَّهُ إذَا تَوَضَّأَ مِنْ مَاءٍ قَلِيلٍ أَوْ مَمْلُوكٍ لَهُ دَبَّرَهُ فَيَكْفِيهِ الْقَلِيلُ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ إذَا تَطَهَّرَ مِنْ مُسْبِلٍ أَوْ مِلْكِ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ كَالْحَمَّامَاتِ بَالَغَ فِي مِقْدَارِ الْغُرْفَةِ وَأَكْثَرَ مِنْ الْغُرُفَاتِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَحْرُمُ حَيْثُ كَانَ اسْتِعْمَالُهُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ كَالِاسْتِظْهَارِ فِي الطَّهَارَةِ (قَوْلُهُ: وَيَنْقُصُ بِفَتْحِ الْيَاءِ) أَيْ وَضَمِّ الْقَافِ مُخَفَّفَةٌ، وَيَجُوزُ ضَمُّ الْيَاءِ مَعَ كَسْرِ الْقَافِ مُشَدَّدًا (قَوْلُهُ: أَوْ يُقَلِّمَ) بَابُهُ ضَرَبَ (قَوْلُهُ: تُرَدُّ إلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الرَّدَّ لَيْسَ خَاصًّا بِالْأَجْزَاءِ الْأَصْلِيَّةِ وَفِيهِ خِلَافٌ.
وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ سَعْدِ الدِّينِ فِي الْعَقَائِدِ نَصُّهَا: رَدًّا عَلَى الْفَلَاسِفَةِ: وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَعَادَ إنَّمَا هُوَ الْأَجْزَاءُ الْأَصْلِيَّةُ الْبَاقِيَةُ مِنْ أَوَّلِ الْعُمُرِ إلَى آخِرِهِ (قَوْلُهُ: فَيَعُودُ جُنُبًا) ظَاهِرُ هَذَا الصَّنِيعِ أَنَّ الْأَجْزَاءَ الْمُنْفَصِلَةَ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ لَا تَرْتَفِعُ جَنَابَتُهَا بِغَسْلِهَا سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: وَيُقَالُ إنَّ كُلَّ شَعْرَةٍ. . إلَخْ) فَائِدَتُهُ التَّوْبِيخُ وَاللَّوْمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِفَاعِلِ ذَلِكَ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ حَيْثُ قَصَّرَ كَأَنْ دَخَلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَغْتَسِلْ وَإِلَّا فَلَا كَأَنْ فَجَأَهُ الْمَوْتُ.

(قَوْلُهُ: قَبْلَ اسْتِكْمَالِ السَّبْعِ) وَقَعَ السُّؤَالُ هَلْ تَصِحُّ النِّيَّةُ قَبْلَ السَّابِعَةِ؟ فَأَجَابَ م ر بِعَدَمِ صِحَّتِهَا قَبْلَهَا، إذْ الْحَدَثُ إنَّمَا يَرْتَفِعُ بِالسَّابِعَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَرْنِ النِّيَّةِ بِهَا.
وَعِنْدِي أَنَّهَا تَصِحُّ قَبْلَهَا حَتَّى مَعَ الْأُولَى، لِأَنَّ كُلَّ غَسْلَةٍ لَهَا مَدْخَلٌ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ فَقَدْ اقْتَرَنَتْ النِّيَّةُ بِأَوَّلِ الْغُسْلِ الْوَاقِعِ، وَالسَّابِعَةُ وَحْدَهَا لَمْ تَرْفَعْ، إذْ لَوْلَا الْغَسَلَاتُ السَّابِقَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَمَاءُ الْوُضُوءِ مَنْصُوبٌ) هَذَا لَا يُنَاسِبُهُ قَوْلُهُ: فِي حَلِّ الْمَتْنِ فِيمَنْ اعْتَدَلَ جَسَدُهُ، وَإِنَّمَا كَانَ الْمُنَاسِبُ إسْقَاطَ فِي، فَهُوَ جَارٍ فِي الْحَلِّ عَلَى الْإِعْرَابِ الثَّانِي

(قَوْلُهُ: شَيْءٌ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ

(1/229)


(حَصَلَا) كَمَا لَوْ نَوَى الْفَرْضَ وَتَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ (أَوْ لِأَحَدِهِمَا حَصَلَ فَقَطْ) عَمَلًا بِمَا نَوَاهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَنْدَرِجْ النَّفَلُ فِي الْفَرْضِ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ فَأَشْبَهَ سُنَّةَ الظُّهْرِ مَعَ فَرْضِهِ، وَفَارَقَ مَا لَوْ نَوَى بِصَلَاتِهِ الْفَرْضَ دُونَ التَّحِيَّةِ حَيْثُ تَحْصُلُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا بِأَنَّ الْقَصْدَ ثَمَّ إشْغَالُ الْبُقْعَةِ بِصَلَاةٍ وَقَدْ حَصَلَ، وَلَيْسَ الْقَصْدُ هُنَا النَّظَافَةَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ عِنْدَ عَجْزِهِ عَنْ الْمَاءِ، فَلَوْ نَوَى غُسْلَ الْجَنَابَةِ وَنَفَى غُسْلَ الْجُمُعَةِ وَقُلْنَا بِحُصُولِهِمَا بِنِيَّةِ أَحَدِهِمَا فَفِيهِ احْتِمَالَانِ: أَظْهَرُهُمَا عِنْدَ الْإِمَامِ عَدَمُ الْحُصُولِ نَعَمْ لَوْ طُلِبَتْ مِنْهُ أَغْسَالٌ مُسْتَحَبَّةٌ كَعِيدٍ وَكُسُوفٍ وَاسْتِسْقَاءٍ وَجُمُعَةٍ وَنَوَى أَحَدَهَا حَصَلَ الْجَمِيعُ لِمُسَاوَاتِهَا لِمَنْوِيِّهِ، وَقِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَسْبَابُ أَغْسَالٍ وَاجِبَةٍ وَنَوَى أَحَدَهَا لِأَنَّ مَبْنَى الطِّهَارَاتِ عَلَى التَّدَاخُلِ.

(قُلْت: وَلَوْ) (أَحْدَثَ ثُمَّ أَجْنَبَ أَوْ عَكْسُهُ) أَيْ أَجْنَبَ ثُمَّ أَحْدَثَ (كَفَى الْغُسْلُ) (عَلَى الْمَذْهَبِ، وَاَلَّذِي أَعْلَمُ) نَوَى الْوُضُوءَ مَعَهُ أَمْ لَمْ يَنْوِهِ غَسَلَ الْأَعْضَاءَ مُرَتَّبَةً أَمْ لَا، لِأَنَّهُمَا طَهَارَتَانِ فَتَدَاخَلَتَا، وَقَدْ نَبَّهَ الرَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ إنَّمَا يَقَعُ عَنْ الْجَنَابَةِ وَأَنَّ الْأَصْغَرَ يَضْمَحِلُّ مَعَهُ: أَيْ لَا يَبْقَى لَهُ حُكْمٌ فَلِهَذَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ كَفَى.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَكْفِي الْغُسْلُ وَإِنْ نَوَى مَعَهُ الْوُضُوءَ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْوُضُوءِ مَعَهُ.
وَالثَّالِثُ إنْ نَوَى مَعَ الْغُسْلِ الْوُضُوءَ كَفَى وَإِلَّا فَلَا.
وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ طَرِيقٌ قَاطِعٌ بِالِاكْتِفَاءِ لِتَقَدُّمِ الْأَكْبَرِ فِيهَا فَلَا يُؤْثَرُ بَعْدَهُ الْأَصْغَرُ، فَالطَّرِيقَانِ فِي مَجْمُوعِ الصُّورَتَيْنِ مِنْ حَيْثُ الثَّانِيَةُ لَا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، كَذَا قَالَ الشَّارِحُ جَوَابًا عَنْ اعْتِرَاضٍ أُورِدَ عَلَيْهِ، فَقَوْلُهُ لَا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا: أَيْ لَا فِي جَمِيعِهِمَا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
عَلَيْهَا مَا رَفَعَتْ فَلْيُتَأَمَّلْ سم عَلَى حَجّ

(قَوْلُهُ: حَصَلَا) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْأَكْمَلُ أَنْ يَغْتَسِلَ لِلْجَنَابَةِ ثُمَّ لِلْجُمُعَةِ، ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا اهـ عَمِيرَةُ (قَوْلُهُ: دُونَ التَّحِيَّةِ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا كَمَا أَشْعَرَ بِهِ قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا.
أَمَّا لَوْ نَفَاهَا فَلَا يَحْصُلُ، بِخِلَافِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ فَإِنَّهُ لَا يَنْتَفِي بِنَفْيِهِ بَلْ يَحْصُلُ وَإِنْ نَفَاهُ لِأَنَّهُ اضْمَحَلَّ مَعَ الْجَنَابَةِ (قَوْلُهُ: إشْغَالُ الْبُقْعَةِ) التَّعْبِيرُ بِهِ لُغَةً فَلْيُتَأَمَّلْ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: شَغْلٌ، وَفِي الْمُخْتَارِ شَغْلٌ بِسُكُونِ الْغَيْنِ وَضَمِّهَا، وَشَغْلٌ بِفَتْحِ الشِّين وَسُكُونِ الْغَيْنِ وَبِفَتْحَتَيْنِ فَصَارَتْ أَرْبَعَ لُغَاتٍ، وَالْجَمْعُ أَشْغَالٌ وَشَغَلَهُ مِنْ بَابِ قَطَعَ فَهُوَ شَاغِلٌ، وَلَا تَقُلْ أَشْغَلَهُ لِأَنَّهَا لُغَةٌ رَدِيئَةٌ (قَوْلُهُ: وَقُلْنَا بِحُصُولِهِمَا بِنِيَّةِ أَحَدِهِمَا) صَادِقٌ بِمَا إذَا نَوَى الْجُمُعَةَ وَحْدَهَا، وَلَيْسَ مُرَادًا فَإِنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ لَا تَرْتَفِعُ جَنَابَتُهُ قَطْعًا (قَوْلُهُ: حَصَلَ الْجَمِيعُ) الظَّاهِرُ مِنْهُ حُصُولُ ثَوَابِ الْكُلِّ، وَهُوَ قِيَاسُ مَا اعْتَمَدَهُ فِي تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ إذَا لَمْ يَنْوِهَا، لَكِنْ قَالَ حَجّ: وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِحُصُولِ غَيْرِ الْمَنْوِيِّ سُقُوطُ طَلَبِهِ كَمَا فِي التَّحِيَّةِ اهـ.
وَهُوَ جَارٍ عَلَى مِثْلِ مَا جَرَى عَلَيْهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ لِأَحَدِهِمَا حَصَلَ فَقَطْ) أَمَّا لَوْ نَوَى أَحَدَ وَاجِبَيْنِ فَيَحْصُلَانِ، وَكَتَبَ سم عَلَى حَجّ قَوْلُهُ: لِأَحَدِ وَاجِبَيْنِ إلَخْ، هَذَا ظَاهِرٌ فِي وَاجِبَيْنِ عَنْ حَدَثٍ، أَمَّا وَاجِبَانِ أَحَدُهُمَا عَنْ حَدَثٍ كَجَنَابَةٍ وَالْآخَرُ عَنْ نَذْرٍ، فَالْمُتَّجَهُ: أَيْ كَمَا قَالَهُ م ر أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ أَحَدُهُمَا بِنِيَّةِ الْآخَرِ، لِأَنَّ نِيَّةَ أَحَدِهِمَا لَا تَتَضَمَّنُ الْآخَرَ.
أَمَّا نِيَّةُ الْمَنْذُورِ فَلَيْسَ فِيهَا تَعَرُّضٌ لِرَفْعِ الْحَدَثِ مُطْلَقًا.
وَأَمَّا نِيَّةُ الْآخَرِ فَلِأَنَّ الْمَنْذُورَ جِنْسٌ آخَرُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا عَلَى الْمُحْدِثِ، بَلْ لَوْ كَانَ عَنْ نَذْرَيْنِ اتَّجَهَ عَدَمٌ بِحُصُولِ أَحَدِهِمَا بِنِيَّةِ الْآخَرِ أَيْضًا فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ.
وَذَلِكَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ النَّذْرَيْنِ أَوْجَبَ فِعْلًا مُسْتَقِلًّا غَيْرَ مَا أَوْجَبَهُ الْآخَرُ مِنْ حَيْثُ الشَّخْصُ وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي مُطْلَقِ الْغُسْلِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا لَوْ كَانَ عَلَى الْمَرْأَةِ حَيْضٌ وَنِفَاسٌ وَجَنَابَةٌ حَيْثُ أَجْزَأَهَا نِيَّةُ وَاحِدٍ مِنْهَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الثَّلَاثَةِ رَفْعُ مَانِعِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ إذَا ارْتَفَعَ بِالنِّسْبَةِ لِأَحَدِهَا ارْتَفَعَ ضَرُورَةً بِالنِّسْبَةِ لِبَاقِيهَا إذْ الْمَنْعُ لَا يَتَبَعَّضُ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ نُفِيَ بَعْضُهَا لَمْ يَنْتِفْ، فَكَانَتْ كُلُّهَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ.

(قَوْلُهُ: أَمْ لَمْ يَنْوِهِ) أَيْ بَلْ لَوْ نَفَاهُ لَمْ يَنْتِفْ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ اضْمِحْلَالِ الْأَصْغَرِ مَعَ الْأَكْبَرِ (قَوْلُهُ: وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ) هِيَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ عَكْسُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَقُلْنَا بِحُصُولِهِمَا) أَيْ عَلَى الضَّعِيفِ (قَوْلُهُ: بِنِيَّةِ أَحَدِهِمَا) شَمِلَ حُصُولَ الْجُمُعَةِ بِالْجَنَابَةِ وَعَكْسَهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ فَقَدْ قِيلَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا حَكَاهُ الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ وَغَيْرُهُ، فَمَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ مَمْنُوعٌ

(1/230)


فَيَكْفِي فِي صِدْقِ كَوْنِهِ فِي الْمَجْمُوعِ كَوْنُهُ فِي بَعْضِ الْأَفْرَادِ، بِخِلَافِ كَوْنِهِ فِي الْجَمِيعِ، وَلَوْ وُجِدَ الْحَدَثَانِ مَعًا فَهُوَ كَمَا لَوْ تَقَدَّمَ الْأَصْغَرُ.

وَيُبَاحُ لِلرَّجُلِ دُخُولُ الْحَمَّامِ وَيَجِبُ عَلَى دَاخِلِهِ غَضُّ الْبَصَرِ عَمَّا لَا يَحِلُّ، وَصَوْنُ عَوْرَتِهِ عَنْ كَشْفِهَا بِحَضْرَةِ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهَا أَوْ فِي غَيْرِ وَقْتِ حَاجَةِ كَشْفِهَا، وَنَهْيُ الْغَيْرِ عَنْ كَشْفِ عَوْرَتِهِ وَإِنْ عَلِمَ عَدَمَ امْتِثَالِهِ، وَيَحِلُّ لِلنِّسَاءِ دُخُولُهُ أَيْضًا مَعَ الْكَرَاهَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَالْخَنَاثَى كَالنِّسَاءِ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ الشَّيْخُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الِاقْتِصَارُ فِي الْمَاءِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ فَلَا يُجَاوِزُهَا وَلَا الْعَادَةَ.
وَمِنْ آدَابِهِ قَصْدُ التَّطَهُّرِ وَالتَّنَظُّفِ وَتَسْلِيمُ الْأُجْرَةِ قَبْلَ دُخُولِهِ وَالتَّسْمِيَةُ لِلدُّخُولِ ثُمَّ التَّعَوُّذُ كَالْخَلَاءِ وَتَقْدِيمُ يُسْرَاهُ دُخُولًا وَيُمْنَاهُ خُرُوجًا كَمَا مَرَّ، وَأَنْ يَذْكُرَ بِحَرَارَتِهِ حَرَّ جَهَنَّمَ، وَأَنْ لَا يَدْخُلَهُ إذَا رَأَى فِيهِ عَارِيًّا، وَأَنْ لَا يُعَجِّلَ بِدُخُولِ الْبَيْتِ الْحَارِّ حَتَّى يَعْرَقَ فِي الْأَوَّلِ، وَأَنْ لَا يُكْثِرَ الْكَلَامَ وَأَنْ يَدْخُلَ وَقْتَ الْخِلْوَةِ أَوْ يَتَكَلَّفَ إخْلَاءَ الْحَمَّامِ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا أَهْلُ الدِّينِ فَالنَّظَرُ إلَى الْأَبْدَانِ مَكْشُوفَةً فِيهِ شَوْبٌ مِنْ قِلَّةِ الْحَيَاءِ، وَأَنْ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ تَعَالَى، وَبَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ.
وَيُكْرَهُ أَنْ يَدْخُلَهُ قُبَيْلَ الْمَغْرِبِ وَبَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ لِأَنَّهُ وَقْتُ انْتِشَارِ الشَّيَاطِينِ، وَيُكْرَهُ لِلصَّائِمِ، وَصَبُّ الْمَاءِ الْبَارِدِ عَلَى الرَّأْسِ وَشُرْبُهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْهُ مِنْ حَيْثُ الطِّبُّ وَلَا بَأْسَ بِدَلْكِ غَيْرِهِ إلَّا عَوْرَةً أَوْ مَظِنَّةَ شَهْوَةٍ، وَلَا بَأْسَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ بِقَوْلِهِ لِغَيْرِهِ: عَافَاكَ اللَّهُ وَلَا بِالْمُصَافَحَةِ.
وَيُسَنُّ لِمَنْ يُخَالِطُ النَّاسَ التَّنْظِيفُ بِالسِّوَاكِ وَإِزَالَةُ الْأَوْسَاخِ مِنْ رِيحٍ كَرِيهٍ وَشَعْرٍ وَحُسْنُ الْأَدَبِ مَعَهُمْ.

بَابُ النَّجَاسَةِ
وَفِيهِ إزَالَتِهَا وَهِيَ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى مَعْرِفَتِهَا فَنَقُولُ: هِيَ لُغَةً كُلُّ مُسْتَقْذَرٍ، وَشَرْعًا مُسْتَقْذَرٌ يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ حَيْثُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَإِنْ عُلِمَ عَدَمُ امْتِثَالِهِ) وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَالْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ إنَّمَا يَجِبَانِ عِنْدَ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ، فَلَوْ خَافَ ضَرَرًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَالتَّسْمِيَةُ لِلدُّخُولِ) يَنْبَغِي أَنَّ مَحِلَّهَا عِنْدَ الْبَابِ الَّذِي يَدْخُلُ مِنْهُ لِلْمَسْلَخِ لِأَنَّ الْكُلَّ مَأْوَى الشَّيَاطِينِ، وَيَقُولُ فِي تَسْمِيَتِهِ وَاسْتِعَاذَتِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الرِّجْسِ النَّجِسِ الْخَبِيثِ الْمُخَبَّثِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَسْتَغْفِرَ) قَضِيَّةُ قَوْلِهِ وَبَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْهُ إلَخْ أَنَّهُ يَفْعَلُ الِاسْتِغْفَارَ قَبْلَ الْخُرُوجِ.
وَصِيغَةُ الِاسْتِغْفَارِ الْمَشْهُورَةِ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إلَيْهِ.
وَيَقُولُ: غَيْرَهَا مِنْ كُلِّ مَا يُفِيدُ طَلَبَ الْمَغْفِرَةِ، نَحْوَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي.
وَقِيَاسُ مَا مَرَّ فِي الْخَلَاءِ فَإِنَّهُ يَقُولُ عِنْدَ خُرُوجِهِ: غُفْرَانَكَ غُفْرَانَكَ، الْحَمْدُ لِلَّهِ إلَخْ، أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ مَشْغُولًا عَنْ الذِّكْرِ بِالتَّنْظِيفِ فَيُعَدُّ بِهِ مُعْرِضًا كَمَا عُدَّ بِاشْتِغَالِهِ بِتَفْرِيغِ نَفْسِهِ فِي الْخَلَاءِ مُعْرِضًا (قَوْلُهُ: يُصَلِّي) أَيْ فِي غَيْرِ مَسْلَخِهِ (قَوْلُهُ: رَكْعَتَيْنِ) أَيْ يَنْوِي بِهِمَا سُنَّةَ الْخُرُوجِ مِنْ الْحَمَّامِ أَوْ يُطْلِقَ (قَوْلُهُ: وَلَا بِالْمُصَافَحَةِ) أَفَادَ قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ إلَخْ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِسُنَّةٍ، غَايَتُهُ أَنَّهُ لَا لَوْمَ عَلَيْهِ فِي فِعْلِهِ بِحَيْثُ تُكْرَهُ لَهُ، وَمَا اعْتَادَهُ النَّاسُ مِنْ تَقْبِيلِ الْإِنْسَانِ يَدَ نَفْسِهِ بَعْدَ الْمُصَافَحَةِ يَنْبَغِي أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ أَيْضًا سِيَّمَا إذَا اُعْتِيدَ ذَلِكَ لِلتَّعْظِيمِ.