نهاية
المحتاج إلى شرح المنهاج فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْأَذَانِ
وَالْإِقَامَةِ (قَوْلُهُ: فِي بَيَانِ الْأَذَانِ) قَالَ الْخَطِيبُ
وَشُرِعَ الْأَذَانُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ الْهِجْرَةِ اهـ.
أَقُولُ: هَلْ يُكَفَّرُ جَاحِدُهُ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ
بِالضَّرُورَةِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ.
وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ الْأَذَانِ
وَالْإِقَامَةِ) أَيْ وَمَا يَتْبَعُهُمَا كَإِجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ
وَالْمُقِيمِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - عَقِبَ الْأَذَانِ (قَوْلُهُ: الْأَذَانُ وَالْأَذِينُ) اسْمَا
مَصْدَرٍ وَقَوْلُهُ وَالتَّأْذِينُ مَصْدَرٌ (قَوْلُهُ: وَأَذَانٌ) أَيْ
إعْلَامٌ (قَوْلُهُ: وَشَرْعًا إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْغَالِبَ فِي كُلِّ
حَقِيقَةٍ عُرْفِيَّةٍ أَنْ تَكُونَ أَخَصَّ مِنْ اللُّغَوِيَّةِ خُصُوصًا
مُطْلَقًا بِأَنْ يَكُونَ الْعُرْفِيُّ فَرْدًا مِنْ أَفْرَادِ
اللُّغَوِيِّ وَمَا هُنَا مِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ، لِأَنَّ الْقَوْلَ: أَيْ
اللَّفْظَ الْمَخْصُوصَ لَيْسَ فَرْدًا مِنْ أَفْرَادِ الْمَعْنَى
اللُّغَوِيِّ وَهُوَ الْإِعْلَامُ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ، بَلْ هُوَ
مِنْ اسْتِعْمَالِ الشَّيْءِ فِي سَبَبِهِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى
الْعُرْفِيُّ بِالنِّسْبَةِ لِلْغَوِيِّ مَجَازًا مُرْسَلًا، وَبَعْضُهُمْ
عَرَّفَ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيَّ بِقَوْلِهِ الْإِعْلَامُ بِدُخُولِ
وَقْتِ الصَّلَاةِ فَيَكُونُ مِنْ الْغَالِبِ فَتَأَمَّلْ.
وَعِبَارَةُ حَجّ: وَشَرْعًا ذِكْرُ مَخْصُوصٍ شُرِعَ أَصَالَةً
لِلْإِعْلَامِ بِالصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ اهـ.
وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ أَصَالَةً إلَى إخْرَاجِ مَا شُرِعَ فِيهِ الْأَذَانُ
لِغَيْرِ الصَّلَاةِ كَالْأَذَانِ لِلْمَهْمُومِ إلَخْ، كَذَا نَقَلَهُ سم
عَنْ شَرْحِ الْإِرْشَادِ لحج وَعَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ وَبَيَّنْت
بِهَامِشِهِ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِهَذَا الِاحْتِرَازِ لِأَنَّ الْأَذَانَ
لِغَيْرِ الصَّلَاةِ أَذَانٌ حَقِيقَةً وَإِنَّ هَذَا الْقَيْدَ لَا
يُخْرِجُهُ لِصِدْقِ التَّعْرِيفِ عَلَيْهِ اهـ.
وَلَعَلَّ هَذَا حِكْمَةُ إسْقَاطِ الشَّارِعِ لِهَذَا الْقَيْدِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: مَا يَسَعُ ذَلِكَ) أَيْ مَا قَدْرُ مَا تَجَمَّعَ مَعَهَا
أَيْضًا.
[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ]
فَصْلٌ
(1/398)
قَوْلٌ مَخْصُوصٌ يُعْلَمُ بِهِ وَقْتُ
الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ.
وَالْأَصْلُ فِيهِمَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ
لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] وَقَوْلُهُ {وَإِذَا
نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 58] وَمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ
فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ» وَفِي أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ قَالَ «لَمَّا أَمَرَ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّاقُوسِ يَعْمَلُ
لِيَضْرِبَ بِهِ النَّاسُ لِجَمْعِ الصَّلَاةِ طَافَ بِي وَأَنَا نَائِمٌ
رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ فَقُلْت: يَا عَبْدَ اللَّهِ
أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ؟ فَقَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ فَقُلْت: نَدْعُو
بِهِ إلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: أَوَلَا أَدُلُّك عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ
ذَلِكَ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: قَوْلٌ مَخْصُوصٌ) أَيْ الْإِتْيَانُ بِقَوْلٍ إلَخْ اهـ سم
عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: وَقْتَ الصَّلَاةِ) أَيْ وَقْتَ دُخُولِهَا
(قَوْلُهُ: إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ) أَيْ دَخَلَ وَقْتُهَا (قَوْلُهُ:
قَالَ: «لَمَّا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بِالنَّاقُوسِ» إلَخْ) عِبَارَةُ حَجّ: لَيْلَةٌ تَشَاوَرُوا، وَهِيَ
تُفِيدُ عَدَمَ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -،
وَيُوَافِقُهُ مَا فِي سِيرَةِ الشَّامِيِّ حَيْثُ قَالَ: «اهْتَمَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَيْفَ يَجْمَعُ النَّاسَ
لِلصَّلَاةِ، فَاسْتَشَارَ النَّاسَ فَقِيلَ: انْصِبْ رَايَةً وَلَمْ
يُعْجِبْهُ ذَلِكَ، فَذَكَرَ لَهُ الْقَنَعَ وَهُوَ الْبُوقُ فَقَالَ: هُوَ
مِنْ أَمْرِ الْيَهُودِ، فَذَكَرَ لَهُ النَّاقُوسَ فَقَالَ: هُوَ مِنْ
أَمْرِ النَّصَارَى، فَقَالُوا: لَوْ رَفَعْنَا نَارًا فَقَالَ: ذَاكَ
لِلْمَجُوسِ، فَقَالَ عُمَرُ: أَوَتَبْعَثُونَ رَجُلًا يُنَادِي
بِالصَّلَاةِ؟ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا بِلَالُ
قُمْ فَنَادِ بِالصَّلَاةِ» .
قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا النِّدَاءُ دُعَاءٌ إلَى الصَّلَاةِ غَيْرُ
الْأَذَانِ كَانَ شُرِعَ قَبْلَ الْأَذَانِ.
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: وَكَانَ الَّذِي يُنَادِي بِهِ بِلَالٌ
الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ اهـ.
وَهُوَ كَمَا تَرَى مُشْتَمِلٌ عَلَى النَّهْيِ عَنْ النَّاقُوسِ
وَالْأَمْرِ بِالذِّكْرِ.
ثُمَّ رَأَيْت فِي سِيرَةِ شَيْخِنَا الْحَلَبِيِّ بَعْدَ نَحْوِ مَا
ذَكَرَ مَا نَصُّهُ: وَقِيلَ «اهْتَمَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالنَّاقُوسِ: أَيْ اتَّفَقُوا
عَلَيْهِ فَنُحِتَ لِيَضْرِبَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ» اهـ.
وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْهُمْ يُفْهِمُ أَنَّهُ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ
الْأُمَّةِ فَلْيُرَاجَعْ، ثُمَّ رَأَيْت بِهَامِشِ نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ:
وَالْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا
قَالَهُ السُّيُوطِيّ فِي الْخَصَائِصِ اهـ، ثُمَّ رَأَيْت شَيْخَنَا
الْحَلَبِيَّ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي سِيرَتِهِ هَذَا.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ مَا نَصُّهُ: وَإِنَّمَا
ثَبَتَ حُكْمُ الْأَذَانِ بِرُؤْيَا عَبْدِ اللَّهِ مَعَ أَنَّ رُؤْيَا
غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَنْبَنِي عَلَيْهَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ
لِاحْتِمَالِ مُقَارَنَةِ الْوَحْيِ لِذَلِكَ.
وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَأَبِي دَاوُد فِي
الْمَرَاسِيلِ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرِ اللَّيْثِيِّ أَحَدِ
كِبَارِ التَّابِعِينَ «أَنَّ عُمَرَ لَمَّا رَأَى الْأَذَانَ جَاءَ
لِيُخْبِرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَجَدَ
الْوَحْيَ قَدْ وَرَدَ بِذَلِكَ، فَمَا رَاعَهُ إلَّا أَذَانُ بِلَالٍ،
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: سَبَقَك
بِذَلِكَ الْوَحْيُ» وَهَذَا أَصَحُّ مِمَّا حَكَى الدَّاوُدِيُّ «أَنَّ
جِبْرِيلَ أَتَى بِهِ قَبْلَ هَذِهِ الرُّؤْيَا بِثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ»
اهـ: وَأَخَذَ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْحَافِظِ فِي فَتْحِ الْبَارِي حَيْثُ
قَالَ: وَقَدْ اسْتَشْكَلَ إثْبَاتُ حُكْمِ الْأَذَانِ بِرُؤْيَا عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ لِأَنَّ رُؤْيَا غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَنْبَنِي
عَلَيْهَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ.
وَأُجِيبَ بِاحْتِمَالِ مُقَارَنَةِ الْوَحْيِ بِذَلِكَ، أَوْ لِأَنَّهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْرٌ بِمُقْتَضَاهَا لِيَنْظُرَ
أَيُقِرُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْ مِنْ اللَّهِ أَوْ لَا، وَلَا سِيَّمَا لَمَّا
رَأَى نَظْمَهَا يُبْعِدُ دُخُولَ الْوَسْوَاسِ فِيهِ، وَهَذَا يَنْبَنِي
عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ اجْتِهَادِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فِي الْأَحْكَامِ وَهُوَ الْمَنْصُورُ فِي الْأُصُولِ.
وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَأَبُو دَاوُد فِي
الْمَرَاسِيلِ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرِ اللَّيْثِيِّ أَحَدِ
كِبَارِ التَّابِعِينَ «أَنَّ عُمَرَ لَمَّا رَأَى الْأَذَانَ جَاءَ
لِيُخْبِرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَجَدَ
الْوَحْيَ قَدْ وَرَدَ بِذَلِكَ، فَمَا رَاعَهُ إلَّا أَذَانُ بِلَالٍ
وَقَالَ لَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: يُعْلَمُ بِهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ) قَالَ حَجّ أَصَالَةً
انْتَهَى.
وَظَاهِرٌ أَنَّ مُرَادَهُ بِذَلِكَ إدْخَالُ أَذَانِ الْمَهْمُومِ
وَنَحْوِهِ. مِمَّا يَأْتِي: أَيْ، فَهُوَ أَذَانٌ حَقِيقَةً، وَلَيْسَ
الْقَصْدُ بِتَقْيِيدٍ يُعْلَمُ بِهِ وَقْتَ الصَّلَاةِ إخْرَاجُهُ،
وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَالشِّهَابُ سم فَهِمَ
أَنَّ مُرَادَهُ بِهِ إخْرَاجُ مَا ذُكِرَ فَكَتَبَ عَلَيْهِ مَا نَصُّهُ:
قَوْلُهُ: أَصَالَةً احْتِرَازًا عَنْ الْأَذَانِ الَّذِي يُسَنُّ لِغَيْرِ
الصَّلَاةِ وَاسْتَدَلَّ عَنْ ذَلِكَ بِكَلَامِهِ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ
بِلَفْظِ الِاحْتِرَازِ فَتَأَمَّلْ.
(1/399)
فَقُلْت بَلَى، قَالَ تَقُولُ: اللَّهُ
أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ إلَى آخِرِ الْأَذَانِ، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ
عَنِّي غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ قَالَ: وَتَقُولُ إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ:
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ إلَى آخِرِ الْإِقَامَةِ، فَلَمَّا
أَصْبَحْت أَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَأَخْبَرْته بِمَا رَأَيْت فَقَالَ: إنَّهَا رُؤْيَا حَقٌّ إنْ شَاءَ
اللَّهُ، قُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْت فَإِنَّهُ
أَنْدَى مِنْك صَوْتًا، فَقُمْت مَعَ بِلَالٍ فَجَعَلْت أُلْقِيهِ عَلَيْهِ
فَيُؤَذِّنُ بِهِ، فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخِطَابِ وَهُوَ فِي
بَيْتِهِ فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ وَيَقُولُ: وَاَلَّذِي بَعَثَكَ
بِالْحَقِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَيْت مِثْلَ مَا رَأَى، فَقَالَ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَلِلَّهِ الْحَمْدُ» .
وَلَا يَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْأَحْكَامَ لَا تَثْبُتُ بِالرُّؤْيَا.
لِأَنَّا نَقُولُ: لَيْسَ مُسْتَنَدُ الْأَذَانِ الرُّؤْيَا وَإِنَّمَا
وَافَقَهَا نُزُولُ الْوَحْيِ فَالْحُكْمُ ثَبَتَ بِهِ لَا بِهَا، فَقَدْ
رَوَى الْبَزَّارُ «أَنَّ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أُرِيَ الْأَذَانَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَأُسْمِعَهُ مُشَاهَدَةً فَوْقَ
سَبْعِ سَمَوَاتٍ، ثُمَّ قَدَّمَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: سَبَقَك بِذَلِكَ
الْوَحْيُ» وَهَذَا أَصَحُّ مِمَّا حَكَى الدَّاوُدِيُّ عَنْ ابْنِ
إِسْحَاقَ «أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ بِالْأَذَانِ قَبْلَ أَنْ
يُخْبِرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ وَعُمَرُ بِثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ»
اهـ.
وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ
الْأَذَانَ شُرِعَ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ مِنْهَا لِلطَّبَرَانِيِّ
«أَنَّهُ لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ الْأَذَانَ فَنَزَلَ بِهِ فَعَلَّمَهُ
بِلَالًا» وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ فِي الْأَفْرَادِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ
«أَنَّ جِبْرِيلَ أَمَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بِالْأَذَانِ حِينَ فُرِضَتْ الصَّلَاةُ» وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا،
وَلِلْبَزَّارِ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ قَالَ «لَمَّا أَرَادَ
اللَّهُ أَنْ يُعَلِّمَ رَسُولَهُ الْأَذَانَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ بِدَابَّةٍ
يُقَالُ لَهَا الْبُرَاقُ، فَرَكِبَهَا فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ
أَكْبَرُ؛ وَفِي آخِرِهِ: ثُمَّ أَخَذَ الْمَلَكُ بِيَدِهِ فَأَقَامَ
أَهْلَ السَّمَاءِ» وَفِي إسْنَادِهِ مَتْرُوكٌ أَيْضًا.
وَيُمْكِنُ عَلَى تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى تَعَدُّدِ
الْإِسْرَاءِ فَيَكُونُ ذَلِكَ وَقَعَ بِالْمَدِينَةِ. وَالْحَقُّ أَنَّهُ
لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ اهـ بِاخْتِصَارٍ.
وَذَكَرَ الشَّامِيُّ مِثْلَهُ مَعَ زِيَادَةٍ فَلْيُرَاجَعْ كُلٌّ
مِنْهُمَا.
أَقُولُ: وَبِتَقْدِيرِ صِحَّةِ مَجِيءِ الْوَحْيِ قَبْلَهُ بِثَمَانِيَةِ
أَيَّامٍ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ أَوْحَى إلَيْهِ أَنْ يُعْلِمَ
النَّاسَ بِوَقْتِ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ لِمَا يُعْلِمُ بِهِ،
ثُمَّ بِسَبَبِ هَذَا الْإِجْمَالِ وَقَعَتْ الْمُشَاوَرَةُ فِيمَا
يُعْلِمُ بِهِ، ثُمَّ بَعْدَ الْمُشَاوَرَةِ جَاءَ الْوَحْيُ بِخُصُوصِ
كَلِمَاتِ الْأَذَانِ لَيْلَةَ الرُّؤْيَةِ، فَلَمَّا أُخْبِرَ
بِالرُّؤْيَةِ قَالَ: سَبَقَكَ الْوَحْيُ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ،
وَالْمُرَادُ سَبَقَك فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ
وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ حَدِيثِ أَنَّ جِبْرِيلَ حِينَ أَرَادَ أَنْ
يُعَلِّمَهُ الْأَذَانَ أَتَاهُ بِالْبُرَاقِ إلَخْ فَيُمْكِنُ أَنَّهُ
عَلَّمَهُ لِيَأْتِيَ بِهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْطِنِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ
مَشْرُوعِيَّتُهُ لِأَهْلِ الْأَرْضِ (قَوْلُهُ: فَلَمَّا أَصْبَحْت) فِي
رِوَايَةٍ أَنَّهُ جَاءَهُ لَيْلًا، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا
بِأَنَّهُ أَطْلَقَ عَلَى الْوَقْتِ الَّذِي جَاءَ فِيهِ لَيْلًا صَبَاحًا
لِقُرْبِهِ مِنْهُ (قَوْلُهُ: فَيُؤَذِّنُ بِهِ) ذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِي
مُنَاسَبَةِ اخْتِصَاصِهِ بِالْأَذَانِ دُونَ غَيْرِهِ كَوْنَهُ لَمَّا
عُذِّبَ لِيَرْجِعَ عَنْ الْإِسْلَامِ فَلَمْ يَرْجِعْ وَجَعَلَ يَقُولُ
أَحَدٌ أَحَدٌ جُوزِيَ بِوِلَايَةِ الْأَذَانِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى
التَّوْحِيدِ فِي ابْتِدَائِهِ وَانْتِهَائِهِ اهـ حَوَاشِي الْمَوَاهِبِ
لَشَيْخِنَا الشَّوْبَرِيِّ.
(قَوْلُهُ: لَقَدْ رَأَيْت مِثْلَ مَا رَأَى) أَيْ بَعْدَ مَا أَخْبَرَ
بِذَلِكَ: أَيْ بِالرُّؤْيَا الْمُتَقَدِّمَةِ إلَخْ فَلَا يُقَالُ مِنْ
أَيْنَ عَرَفَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: «فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: فَلِلَّهِ الْحَمْدُ» ) فِي رِوَايَةٍ «سَبَقَكَ بِهِ
الْوَحْيُ» وَبِهِ يَنْدَفِعُ السُّؤَالُ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ
وَلَا يُرَدُّ إلَخْ (قَوْلُهُ: إنَّ النَّبِيَّ أُرِيَ الْأَذَانَ إلَخْ)
لَيْسَ هَذَا بَيَانًا لِلْوَحْيِ بَلْ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ عَلِمَ بِهِ
لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَعَلَيْهِ فَلَعَلَّهُ إنَّمَا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ
عَقِبَ الْإِسْرَاءِ لِأَنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَخْ) الْمُتَبَادَرُ
مِنْ الرِّوَايَةِ أَوَّلًا أَنَّ الْإِشَارَةَ رَاجِعَةٌ إلَى الْأَذَانِ
خِلَافُ الْمُتَبَادَرِ مِنْهَا آخِرًا فِي قَوْلِهِ فَخَرَجَ يَجُرُّ
رِدَاءَهُ إلَخْ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُ أَنَّ الْإِشَارَةَ رَاجِعَةٌ
لِأَمْرِ الرُّؤْيَا، وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا فِي رِوَايَةِ " فَلَمَّا
سَمِعَ بِذَلِكَ " بِزِيَادَةِ الْبَاءِ فِي اسْمِ الْإِشَارَةِ،
وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ تَرْتِيبُ مَا ذُكِرَ عَلَى مُجَرَّدِ الْأَذَانِ
وَقَوْلُهُ، وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَلْيُحَرَّرْ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا
وَافَقَهَا نُزُولُ الْوَحْيِ) فَالْحُكْمُ ثَبَتَ بِهِ لَا بِهَا، لَكِنْ
لَك أَنْ تَقُولَ: لَوْ كَانَ الْحُكْمُ ثَبَتَ بِمَا ذُكِرَ لَصَلَّى بِهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَبِيحَةَ الْإِسْرَاءِ، فَلَعَلَّ
الْمُرَادَ أَنَّ جِبْرِيلَ أَخْبَرَهُ عِنْدَ الرُّؤْيَا الْمَذْكُورَةِ
أَنَّ مَا سَمِعَهُ فِي لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ
(1/400)
جِبْرِيلُ فَأَمَّ أَهْلَ السَّمَاءِ
وَفِيهِمْ آدَم وَنُوحٌ عَلَيْهِمْ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيمِ،
فَأَكْمَلَ لَهُ الشَّرَفَ عَلَى أَهْلِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ»
وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا يُعْلَمُ بِهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ مَا يُسَنُّ
لِغَيْرِهَا، وَلَهُ أَنْوَاعٌ يَأْتِي بَعْضُهَا فِي الْعَقِيقَةِ.
وَمِنْهَا أَنَّهُ يُسَنُّ لِلْمَهْمُومِ أَنْ يَأْمُرَ مَنْ يُؤَذِّنُ فِي
أُذُنِهِ فَإِنَّهُ يُزِيلُ الْهَمَّ كَمَا رَوَاهُ الدَّيْلَمِيُّ عَنْ
عَلِيٍّ يَرْفَعُهُ.
وَرَوَى أَيْضًا «مَنْ سَاءَ خُلُقُهُ مِنْ إنْسَانٍ أَوْ بَهِيمَةٍ
فَإِنَّهُ يُؤَذَّنُ فِي أُذُنِهِ» وَيُسَنُّ أَيْضًا إذَا تَغَوَّلَتْ
الْغِيلَانُ: أَيْ تَمَرَّدَتْ الْجَانُّ، لِأَنَّ الْأَذَانَ يَدْفَعُ
شَرَّهُمْ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ إذَا سَمِعَهُ أَدْبَرَ.
وَلَا تَرُدُّ هَذِهِ الصُّوَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي
أَذَانٍ مَعَهُ إقَامَةٌ وَهَذِهِ لَا إقَامَةَ فِيهَا سِوَى أَذَانِ
الْمَوْلُودِ. وَأَمَّا هُوَ فَأَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ فِي بَابِ
الْعَقِيقَةِ. (وَالْإِقَامَةُ) فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ أَقَامَ وَسُمِّيَ
بِهِ الذِّكْرُ الْمَخْصُوصُ لِأَنَّهُ يُقِيمُ إلَى الصَّلَاةِ.
وَمَشْرُوعِيَّةُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ ثَابِتَةٌ بِالْإِجْمَاعِ،
وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي كَيْفِيَّةِ مَشْرُوعِيَّتِهِمَا وَالْأَصَحُّ
أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا (سُنَّةٌ) عَلَى الْكِفَايَةِ وَلَوْ لِجُمُعَةٍ
فَيَحْصُلُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ كَابْتِدَاءِ السَّلَامِ، وَلَوْ أَذَّنَ
فِي جَانِبٍ مِنْ بَلَدٍ كَبِيرٍ حَصَلَتْ السُّنَّةُ لِأَهْلِ ذَلِكَ
الْجَانِبِ فَقَطْ.
أَمَّا فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ فَهُمَا سُنَّةُ عَيْنٍ.
وَالضَّابِطُ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ جَمِيعُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الْوَحْيَ بِهِ لَمْ يَكُنْ حَصَلَ إذْ ذَاكَ وَإِنَّمَا حَصَلَ وَقْتَ
الرُّؤْيَا (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا يَعْلَمُ بِهِ إلَخْ) قَالَ سم
عَلَى حَجّ: لَا حَاجَةَ لِهَذَا الِاحْتِرَازِ لِأَنَّ الْأَذَانَ
لِغَيْرِ الصَّلَاةِ أَذَانٌ حَقِيقَةً، وَأَنَّ هَذَا الْقَيْدَ لَا
يُخْرِجُهُ لِصِدْقِ التَّعْرِيفِ مَعَهُ عَلَيْهِ اهـ.
وَالتَّعْرِيفُ هُوَ قَوْلُهُ قَوْلٌ مَخْصُوصٌ (قَوْلُهُ: فِي أُذُنِهِ)
اُنْظُرْ أَيَّ أُذُنٍ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُزِيلُ الْهَمَّ)
أَيْ فَلَوْ لَمْ يَزُلْ بِمَرَّةٍ طَلَبَ تَكْرِيرَهُ وَكَذَا يُقَالُ
فِيمَا بِعِدَّةٍ (قَوْلُهُ: إذَا تَغَوَّلَتْ الْغِيلَانُ) زَادَ ابْنُ
حَجَرٍ: وَالْمَصْرُوعُ وَالْغَضْبَانُ وَعِنْدَ مُزْدَحَمِ الْجَيْشِ
وَعِنْدَ الْحَرِيقِ، قِيلَ وَعِنْدَ إنْزَالِ الْمَيِّتِ الْقَبْرَ
قِيَاسًا عَلَى أَوَّلِ خُرُوجِهِ لِلدُّنْيَا لَكِنْ رَدَدْته فِي شَرْحِ
الْعُبَابِ اهـ.
وَقَوْلُهُ سِوَى أَذَانِ الْمَوْلُودِ قَالَ شَيْخُنَا الشَّوْبَرِيُّ:
هَلْ وَلَوْ وُلِدَ كَافِرٌ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ.
وَلَا بُعْدَ فِي الْأَوَّلِ أَخْذًا بِإِطْلَاقِهِمْ أَنَّ كُلَّ
مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ اهـ.
أَقُولُ: وَقَدْ يُقَالُ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ وَإِنْ أُطْلِقَتْ
مَحْمُولَةٌ عَلَى أَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَعْنَى وِلَادَتِهِمْ
عَلَى الْفِطْرَةِ أَنَّ فِيهِمْ قَابِلِيَّةَ الْخِطَابِ لَوْ وُجِّهَ
إلَيْهِمْ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُعْطَوْا فِي الدُّنْيَا شَيْئًا مِنْ
أَحْكَامِنَا حَتَّى إذَا مَاتُوا لَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَلَا
يُدْفَنُونَ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الشَّيْطَانَ
إذَا سَمِعَهُ أَدْبَرَ) .
[فَائِدَةٌ] قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ عَلَى الْجَامِعِ
الصَّغِيرِ عِنْدَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ
الشَّيْطَانَ إذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ أَحَالَ لَهُ ضُرَاطٌ
حَتَّى لَا يَسْمَعَ صَوْتَهُ» إلَخْ مَا نَصُّهُ: قَالَ الْمُحَقِّقُ
أَبُو زُرْعَةَ: إنَّمَا يَكُونُ، أَيْ إدْبَارُهُ مِنْ أَذَانٍ شَرْعِيٍّ
مُجْتَمِعِ الشُّرُوطِ وَاقِعٍ بِمَحَلِّهِ أُرِيدَ بِهِ الْإِعْلَامُ
بِالصَّلَاةِ فَلَا أَثَرَ لِمُجَرَّدِ صُورَتِهِ اهـ.
أَقُولُ: وَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا قَالَهُ أَبُو زُرْعَةَ عَلَى مَا فَهِمَ
مِنْ الْحَدِيثِ مِنْ أَنَّهُ يُدِيرُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ
صَوْتَهُ، وَهُوَ لَا يُنَافِي أَنَّهُ إذَا سَمِعَ الْأَذَانَ عَلَى
غَيْرِ تِلْكَ الْهَيْئَةِ يُدْبِرُ فَيَكْفِي شَرُّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ
إدْبَارُهُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ (قَوْلُهُ: وَلَا تَرِدُ هَذِهِ الصُّورَةُ)
أَيْ الْمُعَبَّرُ عَنْهَا بِالْأَنْوَاعِ فِي قَوْلِهِ وَلَهُ أَنْوَاعٌ
يَأْتِي بَعْضُهَا فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ أَذَانَ
الْمَوْلُودِ حَتَّى يَسْتَثْنِيَهُ (قَوْلُهُ: سِوَى أَذَانِ
الْمَوْلُودِ) أَيْ وَسِوَى الْأَذَانِ خَلْفَ الْمُسَافِرِ فَإِنَّهُ
يُسَنُّ هُوَ وَالْإِقَامَةُ اهـ حَجّ.
أَقُولُ: وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ سَفَرُ
مَعْصِيَةٍ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُسَنَّ (قَوْلُهُ أَمَّا فِي حَقِّ
الْمُنْفَرِدِ) مُحْتَرِزُ مَا أَشْعَرَ بِهِ قَوْلُهُ عَلَى الْكِفَايَةِ
مِنْ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ لِلْجَمَاعَةِ سُنَّةٌ، وَقِيلَ فَرْضُ كِفَايَةٍ
(قَوْلُهُ: وَالضَّابِطُ أَنْ يَكُونَ إلَخْ) أَيْ فِي كِفَايَتِهِ لِمَنْ
شُرِعَ لَهُمْ أَنْ يَكُونَ إلَخْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
شُرُوعٌ لِلصَّلَاةِ، وَعَلَيْهِ فَالْوَحْيُ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا
هُوَ إخْبَارُ جِبْرِيلَ الْمَذْكُورُ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ
بِقَوْلِنَا يُعْلَمُ بِهِ وَقْتَ الصَّلَاةِ مَا يُسَنُّ لِغَيْرِهَا)
قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى أَذَانًا لَكِنَّ الَّذِي يَأْتِي
عَقِبَهُ يُخَالِفُهُ (قَوْلُهُ: وَلَا تَرِدُ هَذِهِ الصُّوَرُ) أَيْ
عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي وَإِنَّمَا يُشْرَعَانِ لِلْمَكْتُوبَةِ
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا هُوَ فَأَفْرَدَهُ إلَخْ) هَذَا لَا يَجْرِي مَعَ
الْحَصْرِ (قَوْلُهُ: فَيَحْصُلُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ) مَحَلُّ حُصُولِهِ
بِذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِظُهُورِ الشِّعَارِ بِقَرِينَةِ مَا يَأْتِي مِنْ
أَنَّهُ يُطْلَبُ مِنْ الْمُنْفَرِدِ وَإِنْ سَمِعَ أَذَانَ غَيْرِهِ
(قَوْلُهُ: وَالضَّابِطُ إلَخْ) هَذَا لَا يَنْسَجِمُ مَعَ الَّذِي
قَبْلَهُ، وَالشِّهَابُ حَجّ إنَّمَا رَتَّبَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ
فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَعِبَارَتُهُ
(1/401)
أَهْلِهَا لَوْ أَصْغَوْا إلَيْهِ، لَكِنْ
لَا بُدَّ فِي حُصُولِ السُّنَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِكُلِّ أَهْلِ الْبَلَدِ
مِنْ ظُهُورِ الشِّعَارِ كَمَا ذُكِرَ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُنَافِيهِ
مَا يَأْتِي أَنَّ أَذَانَ الْجَمَاعَةِ يَكْفِي سَمَاعُ وَاحِدٍ لَهُ،
لِأَنَّهُ بِالنَّظَرِ لِأَدَاءِ أَصْلِ سُنَّةِ الْأَذَانِ وَهَذَا
بِالنَّظَرِ لِأَدَائِهِ عَنْ جَمِيعِ أَهْلِ الْبَلَدِ.
قَالُوا: وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبَا لِأَنَّهُمَا إعْلَامٌ بِالصَّلَاةِ
وَدُعَاءٌ إلَيْهَا كَقَوْلِهِ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ، وَضَعَّفَهُ فِي
الْمَجْمُوعِ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ شِعَارٌ ظَاهِرٌ بِخِلَافِ
الْأَذَانِ. وَفِي الْمُهِمَّاتِ بِأَنَّ ذَاكَ دُعَاءٌ إلَى مُسْتَحَبٍّ
وَهَذَا دُعَاءٌ إلَى وَاجِبٍ.
وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْأَذَانِ أَيْضًا أَنَّهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرَكَهُ فِي ثَانِيَةِ الْجَمْعِ، وَلَوْ
كَانَ وَاجِبًا لَمَا تَرَكَهُ لِلْجَمْعِ الَّذِي لَيْسَ بِوَاجِبٍ،
وَلِذِكْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَبْرِ الْمُسِيءِ
صَلَاتَهُ كَمَا ذَكَرَ الْوُضُوءَ وَالِاسْتِقْبَالَ وَأَرْكَانَ
الصَّلَاةِ (وَقِيلَ) كُلٌّ (فَرْضُ كِفَايَةٍ) لِأَنَّهُمَا مِنْ
الشَّعَائِرِ الظَّاهِرَةِ وَفِي تَرْكِهِمَا تَهَاوُنٌ، فَعَلَيْهِ لَوْ
تَرَكَهُمَا أَهْلُ بَلْدَةٍ قُوتِلُوا بِخِلَافِ ذَلِكَ عَلَى الْأَوَّلِ
(وَإِنَّمَا يُشْرَعَانِ لِلْمَكْتُوبَةِ) مِنْ الْخَمْسِ خَرَجَ
الْمَنْذُورَةُ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَسَائِرُ النَّوَافِلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: كَمَا ذُكِرَ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ أَذَّنَ فِي جَانِبٍ
إلَخْ، غَيْرُ أَنَّ فِي إفَادَةِ هَذَا اعْتِبَارَ ظُهُورِ الشِّعَارِ
زِيَادَةً عَلَى سَمَاعِهِمْ بِالْقُوَّةِ نَظَرًا (قَوْلُهُ: يَكْفِي
سَمَاعٌ وَاحِدٌ لَهُ) ظَاهِرُهُ بِالْفِعْلِ لَا بِالْقُوَّةِ.
وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ حُضُورُ الصَّلَاةِ وَهُوَ لَا
يَحْصُلُ إلَّا بِذَلِكَ، وَعَلَيْهِ فَيُشْتَرَطُ فِي الَّذِي يَسْمَعُ
أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُطْلَبُ مِنْهُ الْحُضُورُ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا
لَمْ يَجِبَا إلَخْ) أَيْ عَمَلًا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ
أَحَدُكُمْ» (قَوْلُهُ: وَضَعَّفَهُ فِي الْمَجْمُوعِ) أَيْ الْقِيَاسَ
عَلَى الصَّلَاةِ جَامِعَةً (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُهِمَّاتِ بِأَنَّ ذَاكَ)
أَيْ الصَّلَاةَ جَامِعَةً (قَوْلُهُ: فِي خَبَرِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ)
قَدْ تُمْنَعُ هَذِهِ الْمُلَازَمَةُ بِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ فِي خَبَرِ
الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الصِّحَّةُ وَلَيْسَ
الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ مِنْهُ وَإِنْ قِيلَ بِالْوُجُوبِ اهـ.
وَقَالَ سم عَلَى بَهْجَةٍ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ إنْ تَرَكَهُ فِي
ثَانِيَةِ الْجَمْعِ لِكَوْنِهِ مِنْ رُخَصِ السَّفَرِ كَالْجَمْعِ،
وَإِنَّ تَرْكَهُ لِلْمُسِيءِ صَلَاتَهُ كَتَرْكِ ذِكْرِ بَعْضِ
الْوَاجِبَاتِ لَهُ لِعِلْمِهِ بِهَا اهـ.
وَأَشَارَ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ لِلتَّوَقُّفِ فِي كُلٍّ مِنْ
الثَّلَاثَةِ بِقَوْلِهِ قَالُوا حَيْثُ جَعَلَهُ مُسَلَّطًا عَلَيْهَا،
وَهُوَ خِلَافُ مَا سَلَكَهُ الشَّارِحُ هُنَا حَيْثُ غَيَّرَ
الْأُسْلُوبَ، فَعَبَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ بِقَالُوا وَعَنْ الْأَخِيرَيْنِ
بِقَوْلِهِ: وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ إلَخْ، هَذَا وَقَدْ
يَمْنَعُ أَنَّ فِي تَرْكِ الْأَذَانِ لِثَانِيَةِ الْجَمْعِ دَلَالَةً
عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ بِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ إذَا وَالَى بَيْنَ
الصَّلَوَاتِ يَكْتَفِي بِأَذَانٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ) أَيْ
عَلَى هَذَا الْقَوْلِ (قَوْلُهُ: قُوتِلُوا) أَيْ قِتَالُ الْبُغَاةِ لَا
قِتَالُ الْمُرْتَدِّينَ، بِخِلَافِ ذَلِكَ: أَيْ التَّرْكِ عَلَى
الْأَوَّلِ: أَيْ فَلَا يُقَاتِلُونَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ
فِيهِ، وَقَدْ يُشَكِّلُ بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي الْمُقَاتِلَةِ عَلَى
تَرْكِ الْجَمَاعَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ، ثُمَّ رَأَيْت فِي
كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّ كُلَّ مَا قِيلَ فِيهِ بِالسُّنِّيَّةِ، وَفِيهِ
شِعَارٌ ظَاهِرٌ إذَا تَرَكَهُ أَهْلُ بَلَدٍ قُوتِلُوا عَلَيْهِ، لَكِنَّ
الْخِلَافَ فِي غَيْرِ الْجَمَاعَةِ لَعَلَّهُ شَدِيدُ الضَّعْفِ فَلَمْ
يَذْكُرُوهُ (قَوْلُهُ: وَسَائِرُ النَّوَافِلِ) شَمَلَ الْمُعَادَةَ فَلَا
يُؤَذِّنُ لَهَا وَإِنْ لَمْ يُؤَذِّنْ لِلْأُولَى لِأَنَّهَا نَفْلٌ،
وَيُحْتَمَلُ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ حَيْثُ لَمْ يُؤَذِّنْ
لِلْأُولَى سَنَّ الْأَذَانَ لَهَا لَمَّا قِيلَ إنَّ فَرْضَهُ
الثَّانِيَةُ، وَفِي كَلَامِ سم عَلَى حَجّ التَّرَدُّدُ فِي ذَلِكَ
فَلْيُرَاجَعْ.
وَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ انْتَقَلَ إلَى مَحَلٍّ بَعْدَ
أَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فَوَجَدَ الْوَقْتَ لَمْ يَدْخُلْ مِنْ وُجُوبِ
الْإِعَادَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
بَعْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ سُنَّةٌ وَقِيلَ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَبَعْدَ
ذِكْرِهِ دَلِيلَ الْقَوْلِ الثَّانِي نَصَّهَا، وَهُوَ قَوِيٌّ وَمِنْ
ثَمَّ اخْتَارَهُ جَمْعٌ فَيُقَاتَلُ أَهْلُ بَلَدٍ تَرَكُوهُمَا أَوْ
أَحَدَهُمَا بِحَيْثُ لَمْ يَظْهَرْ الشِّعَارُ، فَفِي بَلَدٍ صَغِيرَةٍ
يَكْتَفِي بِمَحَلٍّ أَوْ كَبِيرَةٍ لَا بُدَّ مِنْ مَحَالٍّ نَظِيرُ مَا
يَأْتِي فِي الْجَمَاعَةِ.
وَالضَّابِطُ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ كُلُّ أَهْلِهَا لَوْ
أَصْغَوْا إلَيْهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا قِتَالَ لَكِنْ لَا بُدَّ فِي
حُصُولِ السُّنَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِكُلِّ أَهْلِ الْبَلَدِ مِنْ ظُهُورِ
الشِّعَارِ كَمَا ذَكَرَهُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُنَافِيهِ مَا يَأْتِي
أَنَّ أَذَانَ الْجَمَاعَةِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَبِهِ
يُعْلَمُ مَا فِي كَلَامِهِ (قَوْلُهُ يَكْفِي سَمَاعُ وَاحِدٍ لَهُ) أَيْ
بِالْقُوَّةِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُ الْآتِي وَلِتَأَتِّي
الْمُنَافَاةِ
(1/402)
فَلَا يُؤَذِّنُ لَهَا وَلَا يُقِيمُ
لِعَدَمِ وُرُودِهِمَا فِيهَا بَلْ يُكْرَهَانِ لِغَيْرِ الْمَكْتُوبَةِ
كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ، وَعَبَّرَ ب يُشْرَعَانِ دُونَ
يُسَنَّانِ إشَارَةً إلَى أَنَّ ذَلِكَ جَارٍ عَلَى الْقَوْلَيْنِ
(وَيُقَالُ فِي الْعِيدِ وَنَحْوِهِ) مِنْ كُسُوفٍ وَاسْتِسْقَاءٍ
وَتَرَاوِيحَ وَكُلِّ نَفْلٍ شُرِعَتْ لَهُ الْجَمَاعَةُ، وَكَذَا وَتْرٌ
سُنَّ جَمَاعَةً وَتَرَاخَى فِعْلُهُ عَنْ التَّرَاوِيحِ كَمَا هُوَ
ظَاهِرٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا فَعَلَ عَقِبَهَا فَإِنَّ النِّدَاءَ لَهَا
نِدَاءٌ لَهُ كَذَا قِيلَ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ يَقُولُهُ فِي كُلِّ
رَكْعَتَيْنِ مِنْ التَّرَاوِيحِ وَلِلْوِتْرِ مُطْلَقًا لِأَنَّهَا بَدَلٌ
عَنْ الْإِقَامَةِ لَوْ كَانَتْ مَطْلُوبَةً هُنَا (الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ)
بِنَصْبِ الْأَوَّلِ بِالْإِغْرَاءِ وَالثَّانِي بِالْحَالِيَّةِ
وَرَفْعِهِمَا عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرِ وَرَفْعِ أَحَدِهِمَا عَلَى
أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ حُذِفَ خَبَرُهُ أَوْ عَكْسُهُ، وَنَصْبُ الْآخِرِ
عَلَى الْإِغْرَاءِ فِي الْأَوَّلِ وَالْحَالِيَّةُ فِي الثَّانِي
لِوُرُودِ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ، وَقِيسَ بِهِ
الْبَاقِي وَكَالصَّلَاةِ جَامِعَةً هَلُمُّوا إلَى الصَّلَاةِ أَوْ
الصَّلَاةُ رَحِمَكُمْ اللَّهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
لِلْفَرْضِ فِيهِ إعَادَةُ الْأَذَانِ فِيمَا لَوْ انْتَقَلَ إلَى
الْمَحَلِّ الْمَذْكُورِ وَوَجَدَ الْوَقْتَ لَمْ يَدْخُلْ (قَوْلُهُ: بَلْ
يُكْرَهَانِ لِغَيْرِ الْمَكْتُوبَةِ) هَذَا يُشْكِلُ عَلَى مَا يَأْتِي
لِلشَّارِحِ مِنْ حُرْمَةِ الْأَذَانِ قَبْلَ الْوَقْتِ بِنِيَّتِهِ
مُعَلِّلًا لَهُ بِأَنَّهُ مُتَعَاطٍ عِبَادَةً فَاسِدَةً، إلَّا أَنْ
يُقَالَ: مَا هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَنْوِ أَوْ يُفَرِّقْ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَأْتِي بِأَنَّ هَذَا أَذَانٌ لِلصَّلَاةِ فِي
وَقْتِهَا وَهُوَ مَشْرُوعٌ فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ ذَاكَ، وَلَعَلَّ
هَذَا الْفَرْقَ أَقْرَبُ لِمَا ذَكَرَهُ حَجّ جَوَابًا عَنْ إيرَادِ مَا
ذُكِرَ عَلَى أَذَانِ الْمَرْأَةِ لِلنِّسَاءِ حَيْثُ لَمْ تَرْفَعْ بِهِ
صَوْتُهَا وَقَصَدَتْ بِهِ الْأَذَانَ مِنْ أَنَّ الْأَذَانَ قَبْلَ
الْوَقْتِ فِيهِ مُنَابَذَةٌ صَرِيحَةٌ لِلشَّرْعِ بِخِلَافِ هَذَا، إذْ
الَّذِي اقْتَضَاهُ الدَّلِيلُ فِيهِ عَدَمَ نَدْبِهِ لَا غَيْرُ
(قَوْلُهُ: جَارٍ عَلَى الْقَوْلَيْنِ) وَهُمَا السُّنِّيَّةُ
وَالْفَرْضِيَّةُ، فَمُرَادُهُ بِالْقَوْلَيْنِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ
لَكِنَّهُ عَلَى مَا يُفِيدُهُ اصْطِلَاحَ الْمُصَنِّفِ وَجْهَانِ لَا
قَوْلَانِ (قَوْلُهُ: وَيُقَالُ فِي الْعِيدِ) وَيَنْبَغِي نَدْبُهُ عِنْدَ
دُخُولِ الْوَقْتِ وَعِنْدَ الصَّلَاةِ لِيَكُونَ نَائِبًا عَنْ الْأَذَانِ
وَالْإِقَامَةِ اهـ حَجّ.
وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يُقَالُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً بَدَلًا عَنْ
الْإِقَامَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْأَذْكَارِ لِلنَّوَوِيِّ
رَمْلِيٌّ اهـ زِيَادِيٌ.
هَذَا وَقَدْ يُقَالُ فِي جَعْلِهِمْ إيَّاهُ بَدَلًا عَنْ الْإِقَامَةِ
نَظَرٌ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ بَدَلًا عَنْهَا لَشُرِعَ لِلْمُنْفَرِدِ،
بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ ذِكْرُ شَرْعٍ لِهَذِهِ الصَّلَاةِ اسْتِنْهَاضًا
لِلْحَاضِرِينَ وَلَيْسَ بَدَلًا عَنْ شَيْءٍ (قَوْلُهُ وَنَحْوِهِ) هَلْ
يُسَنُّ إجَابَةُ ذَلِكَ لَا يَبْعُدُ سَنُّهَا بِلَا حَوْلٍ وَلَا قُوَّةٍ
إلَّا بِاَللَّهِ وَيَنْبَغِي كَرَاهَةُ ذَلِكَ لِنَحْوِ الْجُنُبِ اهـ سم
عَلَى حَجّ، وَقَوْلُهُ كَرَاهَةُ ذَلِكَ: أَيْ قَوْلُهُ الصَّلَاةُ
جَامِعَةً لَا كَرَاهَةَ قَوْلِهِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا
بِاَللَّهِ لِمَا يَأْتِي مِنْ عَدَمِ كَرَاهَةِ إجَابَةِ نَحْوِ
الْحَائِضِ بِذَلِكَ وَنَحْوِهِ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يُوَجَّهَ اسْتِحْبَابُ إجَابَةِ ذَلِكَ بِلَا حَوْلٍ
وَلَا قُوَّةٍ إلَّا بِاَللَّهِ بِالْقِيَاسِ عَلَى إجَابَةِ الْمُقِيمِ
بِذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ
بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا يَسْتَنْهِضُ الْحَاضِرِينَ لِلْقِيَامِ إلَيْهَا.
وَأَمَّا أَخْذُهُ مِنْ إجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ بِذَلِكَ إذَا قَالَ: «أَلَا
صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ» ، فَفِيهِ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا قِيلَ لِفَوَاتِ
حُضُورِ الْجَمَاعَةِ عَلَيْهِمْ (قَوْلُهُ وَكُلِّ نَفْلٍ شُرِعَتْ لَهُ
الْجَمَاعَةُ) أَيْ وَإِنْ نَذَرَ فِعْلَهُ، وَعَلَيْهِ فَالْمُرَادُ
بِالْمَنْذُورَةِ الَّتِي لَا تُسَنُّ فِيهَا الْجَمَاعَةُ صَلَاةٌ لَمْ
تُطْلَبْ مِنْهُ فِيهَا الْجَمَاعَةُ بِدُونِ النَّذْرِ وَنَذْرُ فِعْلِهَا
كَسُنَّةِ الظُّهْرِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا فَعَلَهَا عَقِبَهَا)
قَالَ سم عَلَى حَجّ: وَقَدْ يُقَالُ هَذَا ظَاهِرٌ إنْ كَانَ قَوْلُهُ
الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ بِمَنْزِلَةِ الْأَذَانِ، فَإِنْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ
الْإِقَامَةِ فَقَدْ يُتَّجَهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَرَاخِي
فِعْلِهِ وَعَدَمِهِ، وَقِيَاسُ كَوْنِهِ بِمَنْزِلَةِ الْإِقَامَةِ
الْإِتْيَانُ بِهِ لِكُلِّ رَكْعَتَيْنِ مِنْ التَّرَاوِيحِ: أَيْ كَمَا
تَقَدَّمَ اهـ.
وَهُوَ مَضْمُونُ قَوْلِهِ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ يَقُولُهُ فِي كُلِّ
رَكْعَتَيْنِ مِنْ التَّرَاوِيحِ إلَخْ (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ
مُبْتَدَأٌ حُذِفَ خَبَرُهُ) فِيهِ عُسْرٌ وَيُمْكِنُ تَقْدِيرُهُ لَنَا:
أَيْ لَنَا جَامِعَةٌ: أَيْ كَائِنٌ لَنَا عِبَادَةٌ جَامِعَةٌ: أَيْ
وَهِيَ الصَّلَاةُ بِدَلِيلِ السِّيَاقِ أَوْ مِنْهَا جَامِعَةٌ، وَفِيهِ
شَيْءٌ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: وَكَالصَّلَاةِ جَامِعَةٍ هَلُمُّوا)
أَيْ فِي أَدَاءِ أَصْلِ السُّنَّةِ وَإِلَّا فَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ
لِوُرُودِهِ عَنْ الشَّارِعِ (قَوْلُهُ: أَوْ الصَّلَاةُ رَحِمَكُمْ
اللَّهُ) أَيْ أَوْ الصَّلَاةُ فَقَطْ عَلَى مَا يُفِيدُهُ كَلَامَ
الْمَنْهَجِ، أَوْ الصَّلَاةُ الصَّلَاةُ عَلَى مَا فِي حَجّ، قَالَ:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: مُبْتَدَأٌ حُذِفَ خَبَرُهُ) لَا يَتَأَتَّى فِي جَامِعَةٍ
(1/403)
أَوْ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ كَمَا فِي
الْعُبَابِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ فِي الْعِيدِ
وَنَحْوِهِ النَّافِلَةُ الَّتِي لَا تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِيهَا
وَاَلَّتِي تُسَنُّ فِيهَا إذَا صُلِّيَتْ فُرَادَى وَالْمَنْذُورَةُ
وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ لِأَنَّ الْمُشَيِّعِينَ لَهَا حَاضِرُونَ فَلَا
حَاجَةَ لِإِعْلَامِهِمْ
(وَالْجَدِيدُ نَدْبُهُ) أَيْ الْأَذَانِ (لِلْمُنْفَرِدِ) بِالصَّلَاةِ
فِي صَحْرَاءَ أَوْ غَيْرِهَا وَإِنْ سَمِعَ أَذَانَ غَيْرِهِ كَمَا فِي
التَّحْقِيقِ وَالتَّنْقِيحِ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ
وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَمَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ مِنْ أَنَّهُ إنْ سَمِعَ
أَذَانَ الْجَمَاعَةِ لَا يَشْرَعُ وَقَوَّاهُ الْأَذْرَعِيُّ يُحْمَلُ
عَلَى مَا إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ مَعَهُمْ، فَفِي كَلَامِ ابْنِ
الرِّفْعَةِ مَا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ، وَيَكْفِي فِي أَذَانِ الْمُنْفَرِدِ
إسْمَاعُ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ أَذَانِ الْإِعْلَامِ كَمَا يَأْتِي،
وَالْقَدِيمُ لَا يُنْدَبُ لَهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَذَانِ
الْإِعْلَامُ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الْمُنْفَرِدِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْجَدِيدِ
كَالْوَجِيزِ وَالْجُمْهُورُ اقْتَصَرُوا عَلَى أَنَّهُ يُؤَذِّنُ وَلَمْ
يَتَعَرَّضُوا لِلْخِلَافِ، وَأَفْصَحُوا فِي الرَّوْضَةِ بِتَرْجِيحِ
طَرِيقِهِمْ وَاكْتَفَى عَنْهَا هُنَا بِذِكْرِ الْجَدِيدِ كَالْمُحَرَّرِ
(وَيَرْفَعُ) الْمُنْفَرِدُ (صَوْتَهُ) نَدْبًا بِالْأَذَانِ فَوْقَ مَا
يُسْمِعُ نَفْسَهُ وَمَنْ يُؤَذِّنُ لِجَمَاعَةٍ فَوْقَ مَا يَسْمَعُ
وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَيُبَالِغُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي الْجَهْرِ مَا لَمْ
يُجْهِدْ نَفْسَهُ لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ «أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ
الْخُدْرِيَّ قَالَ لَهُ: إنِّي أَرَاك تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ،
فَإِذَا كُنْت فِي غَنَمِك أَوْ بَادِيَتِك فَأَذَّنْت لِلصَّلَاةِ
فَارْفَعْ صَوْتَك بِالنِّدَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ
الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -» : أَيْ سَمِعْت جَمِيعَ مَا قُلْته لَك بِخِطَابٍ إلَيَّ أَيْ
مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فَهِمَهُ
الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَأَوْرَدَهُ بِاللَّفْظِ
الدَّالِ عَلَى ذَلِكَ: أَيْ لَمْ يُورِدُوهُ بِلَفْظِ الْحَدِيثِ بَلْ
بِمَعْنَاهُ فَقَالُوا: إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَبِي سَعِيدِ إلَى آخِرِهِ، لِيَظْهَرَ بِهِ
الِاسْتِدْلَال عَلَى أَذَانِ الْمُنْفَرِدِ وَرَفْعِ صَوْتِهِ (إلَّا
بِمَسْجِدٍ) أَيْ وَنَحْوِهِ مِنْ مَدْرَسَةٍ وَرِبَاطٍ مِنْ أَمْكِنَةِ
الْجَمَاعَةِ (وَقَعَتْ فِيهِ جَمَاعَةٌ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ (قَوْلُهُ: الَّتِي لَا تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ
فِيهَا) أَيْ وَإِنْ صُلِّيَتْ جَمَاعَةً (قَوْلُهُ: فَلَا حَاجَةَ
لِإِعْلَامِهِمْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمُشَيَّعِينَ لَوْ كَثُرُوا
وَلَمْ يَعْلَمُوا وَقْتَ تَقَدُّمِ الْإِمَامِ لِلصَّلَاةِ سُنَّ ذَلِكَ
لَهُمْ وَلَا بُعْدَ فِيهِ
(قَوْلُهُ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ مَعَهُمْ) أَيْ
وَصَلَّى مَعَهُمْ: أَيْ لَكِنْ لَمْ يَتَّفِقْ ذَلِكَ لَهُ فَإِنْ لَمْ
يُتَّفَقْ صَلَاتُهُ مَعَهُمْ أَذَّنَ وَظَاهِرُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ
بَيْنَ تَرْكِ الصَّلَاةِ مَعَهُمْ لِعُذْرٍ أَمْ لَا وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ
فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِهِ صَلَّى فِي بَيْتِهِ أَوْ الْمَسْجِدِ، لَكِنْ
قَيَّدَ بَعْضُهُمْ كَلَامَ الْأَذْرَعِيِّ بِمَا إذَا صَلَّى مَعَهُمْ
كَمَا تَقَدَّمَ، وَعَلَيْهِ فَيُنْدَبُ لِلْمُنْفَرِدِ مُطْلَقًا سَمِعَ
أَذَانَ غَيْرِهِ أَوْ لَا أَرَادَ الصَّلَاةَ مَعَهُمْ أَوْ لَا
(قَوْلُهُ: وَيُبَالِغُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي الْجَهْرِ مَا لَمْ يُجْهِدْ
نَفْسَهُ) أَيْ فَيَحْصُلُ لَهُ أَصْلُ السُّنَّةِ بِمُجَرَّدِ الرَّفْعِ
فَوْقَ مَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ أَوْ أَحَدًا مِنْ الْمُصَلِّينَ وَكَمَالُ
السُّنَّةِ بِالرَّفْعِ طَاقَتُهُ بِلَا مَشَقَّةٍ، وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ
لَمْ يَسْمَعْ مِنْ الْبَلَدِ الْأَجَانِبُ لَمْ يَسْقُطُ الطَّلَبُ عَنْ
غَيْرِهِمْ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ مَدَى) أَيْ غَايَةُ صَوْتِ
الْمُؤَذِّنِ، فَالْمَدَى بِفَتْحِ الْمِيمِ يُكْتَبُ بِالْيَاءِ وَهُوَ
غَايَةُ الشَّيْءِ (قَوْله وَلَا إنْسٌ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ كَافِرًا
وَلَا مَانِعَ مِنْهُ (قَوْلُهُ: إلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)
أَيْ وَشَهَادَتُهُمْ سَبَبٌ لِقُرْبِهِ مِنْ اللَّهِ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ
شَهَادَتَهُمْ لَهُ بِالْقِيَامِ بِشَعَائِرِ الدِّينِ فَيُجَازِيهِ عَلَى
ذَلِكَ، وَهَذَا الثَّوَابُ الْعَظِيمُ إنَّمَا يَحْصُلُ لِلْمُؤَذِّنِ
احْتِسَابًا لِلْمُدَاوِمِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ يَحْصُلُ لَهُ
أَصْلُ الثَّوَابِ (قَوْلُهُ: وَقَعَتْ فِيهِ جَمَاعَةٌ) زَادَ حَجّ: أَوْ
صَلَّوْا فِيهِ فُرَادَى، وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَفِيهِ
أَيْضًا أَنَّهُ أَذَّنَ لِتِلْكَ الصَّلَاةِ وَعَلَيْهِ فَلَوْ صَلَّوْا
بِلَا أَذَانٍ اُسْتُحِبَّ الْأَذَانُ وَالرَّفْعُ مَعَ أَنَّ عِلَّةَ
الْمَنْعِ مَوْجُودَةٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
[الْأَذَانِ لِلْمُنْفَرِدِ بِالصَّلَاةِ]
قَوْلُهُ: يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ مَعَهُمْ) لَعَلَّ
الْمُرَادَ وَصَلَّى مَعَهُمْ، وَيُؤْخَذُ مِنْ مَفْهُومِهِ أَنَّ
الْجَمَاعَةَ الَّتِي لَمْ تُرِدْ الصَّلَاةَ مَعَ جَمَاعَةِ الْأَذَانِ
كَالْمُنْفَرِدِ
(قَوْلُهُ: مِنْ أَمْكِنَةِ الْجَمَاعَةِ) لَا مَوْقِعَ لِهَذَا الْبَيَانِ
الْمُتَقَدِّمِ.
(1/404)
فَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِهِ، وَقَوْلُ
الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَانْصَرَفُوا مِثَالٌ لَا قَيْدٌ، فَلَوْ لَمْ
يَنْصَرِفُوا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ إنْ طَالَ الزَّمَنُ بَيْنَ
الْأَذَانَيْنِ تَوَهَّمَ السَّامِعُونَ دُخُولَ وَقْتِ صَلَاةٍ أُخْرَى
وَإِلَّا تَوَهَّمُوا وُقُوعَ صَلَاتِهِمْ قَبْلَ الْوَقْتِ لَا سِيَّمَا
فِي يَوْمِ الْغَيْمِ
(وَيُقِيمُ لِلْفَائِتَةِ) الْمَفْرُوضَةِ مَنْ يُرِيدُ فِعْلَهَا
لِأَنَّهَا لِافْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَهُوَ مَوْجُودٌ (وَلَا يُؤَذِّنُ)
لَهَا (فِي الْجَدِيدِ) لِزَوَالِ وَقْتِهَا «وَقَدْ فَاتَهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَوَاتُ يَوْمِ الْخَنْدَقِ فَقَضَاهَا وَلَمْ
يُؤَذِّنْ لَهَا» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِيهِمَا
بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَجَازَ لَهُمْ تَأْخِيرُ
الصَّلَاةِ لِاشْتِغَالِهِمْ بِالْقِتَالِ وَلَمْ تَكُنْ صَلَاةُ الْخَوْفِ
وَالْقَدِيمُ يُؤَذِّنُ لَهَا: أَيْ حَيْثُ تَفْعَلُ جَمَاعَةٌ لِيُجَامِعَ
الْقَدِيمُ السَّابِقَ فِي الْمُؤَدَّاةِ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُؤَذِّنْ
الْمُنْفَرِدُ لَهَا فَالْفَائِتَةُ أَوْلَى كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ.
وَعَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ مِنْ اقْتِصَارِ الْجُمْهُورِ فِي
الْمُؤَدَّاةِ عَلَى أَنَّهُ يُؤَذِّنُ يَجْرِي الْقَدِيمُ هُنَا عَلَى
إطْلَاقِهِ، كَذَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ (قُلْت: الْقَدِيمُ أَظْهَرُ
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَهُوَ أَنَّهُ يُؤَذِّنُ لَهَا وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ
جَمَاعَةٌ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - نَامَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ عَنْ الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتْ
الشَّمْسُ، فَسَارُوا حَتَّى ارْتَفَعَتْ ثُمَّ نَزَلَ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ
أَذَّنَ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ وَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى صَلَاةَ الْغَدَاةِ
وَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ» وَالْأَذَانُ حَقٌّ
لِلْفَرِيضَةِ عَلَى الْقَدِيمِ الْأَصَحِّ وَعَلَى الْجَدِيدِ لِلْوَقْتِ
(فَإِنْ كَانَ فَوَائِتَ لَمْ يُؤَذِّنْ) مَنْ أَرَادَ قَضَاءَهَا فِي
وَقْتٍ وَاحِدٍ (لِغَيْرِ الْأُولَى) بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ
وَالرَّوْضَةِ.
أَمَّا الْأُولَى فَفِيهَا الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ، وَلَوْ كَانَتْ
الْأُولَى فَائِتَةً وَقَدَّمَهَا عَلَى الْحَاضِرَةِ أَوْ كَانَتْ غَيْرَ
فَرِيضَةِ الْوَقْتِ وَقَدْ قَدَّمَهَا فِي جَمْعِ التَّأْخِيرِ أَذَّنَ
لِلْأُولَى فَقَطْ كَمَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّهُ الثَّابِتُ مِنْ
فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَمَّا إذَا لَمْ يُوَالِ
فَيُؤَذِّنُ لِلثَّانِيَةِ.
وَلَوْ صَلَّى فَائِتَةً قُبَيْلَ الزَّوَالِ أَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ إذَا
دَخَلَ وَقْتُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
انْتَهَى سم (قَوْلُهُ: فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ) أَيْ أَنَّهُ لَا يُرْفَعُ
(قَوْلُهُ: «وَقَدْ فَاتَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
صَلَوَاتٌ» ) قَالَ الْمَحَلِّيُّ: وَهِيَ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ
وَالْمَغْرِبُ انْتَهَى.
وَقَدْ يُعَارِضُ هَذَا مَا مَرَّ لِلشَّارِحِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ:
وَيُسَنُّ تَقْدِيمُهُ: أَيْ الْفَائِتِ عَلَى الْحَاضِرَةِ الَّتِي لَا
يَخَافُ فَوْتَهَا مِنْ قَوْلِهِ اسْتِدْلَالًا عَلَى ذَلِكَ لِحَدِيثِ
الْخَنْدَقِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى
يَوْمَهُ الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا
الْمَغْرِبَ» انْتَهَى، فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمَغْرِبَ لَمْ
تَفُتْهُ، وَيُمْكِنُ أَنَّهُ تَعَدَّدَ الْفَوَاتُ فِي أَيَّامِهِ فَلَا
تَعَارُضَ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
نَامَ) اسْتَشْكَلَ هَذَا بِحَدِيثِ «نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ
تَنَامُ أَعْيُنُنَا وَلَا تَنَامُ قُلُوبُنَا» . وَأَجَابَ عَنْهُ
السُّبْكِيُّ بِأَنَّ لِلْأَنْبِيَاءِ نَوْمَيْنِ، فَكَانَ هَذَا النَّوْمُ
مِنْ النَّوْمِ الثَّانِي وَهُوَ خِلَافُ نَوْمِ الْعَيْنِ.
وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِجَوَابٍ حَسَنٍ وَهُوَ أَنَّ دُخُولَ الْوَقْتِ مِنْ
وَظَائِفِ الْأَعْيُنِ وَالْأَعْيُنُ كَانَتْ نَائِمَةً، وَهَذَا لَا
يُنَافِي اسْتِيقَاظَ الْقُلُوبِ انْتَهَى. وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي هَذَا
بِأَنَّ يَقَظَةَ الْقَلْبِ يُدْرِكُ بِهَا الشَّمْسَ كَمَا يَقَعُ ذَلِكَ
لِبَعْضِ أُمَّتِهِ فَكَيْفَ هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَقَدْ يُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِلتَّشْرِيعِ لِأَنَّ
مَنْ نَامَتْ عَيْنَاهُ لَا يُخَاطَبُ بِأَدَاءِ الصَّلَاةِ حَالَ
نَوْمِهِ، وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُشَارِكٌ
لِأُمَّتِهِ إلَّا فِيمَا اخْتَصَّ بِهِ وَلَمْ يَرِدْ اخْتِصَاصُهُ
بِالْخِطَابِ حَالَ نَوْمِ عَيْنَيْهِ دُونَ قَلْبِهِ فَتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: «ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ» ) أَيْ بِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ: «ثُمَّ صَلَّى صَلَاةَ الْغَدَاةِ» ) أَيْ
الصُّبْحِ (قَوْلُهُ: «كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ» ) أَيْ مِنْ
تَقْدِيمِ سُنَّةِ الصُّبْحِ وَالِاشْتِغَالِ بِالتَّسْبِيحِ مَثَلًا
بَعْدَ الْفَرْضِ إذْ كَانَ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ فَوَائِتُ لَمْ
يُؤَذِّنْ) أَيْ لَمْ يُشَرِّعُ لَهَا الْأَذَانَ وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى
التَّقْدِيمِ الرَّاجِحِ وَعَلَى مُقَابِلِهِ (قَوْلُهُ: فِي وَقْتٍ
وَاحِدٍ) أَيْ بِأَنْ كَانَ وَالَاهَا (قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا لَمْ
يُوَالِ) مُحْتَرَزُ الْمُوَالَاةِ الْمُشَارِ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ فِي
وَقْتٍ وَاحِدٍ كَمَا مَرَّ وَهَلْ يَضُرُّ فِي الْمُوَالَاةِ رَوَاتِبُ
الْفَرَائِضِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ حَجّ بَعْدَ
قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي وَشَرْطُهُ الْوَقْتُ إلَخْ مَا نَصُّهُ:
وَبِهِ يَعْلَمُ أَنَّ الْكَلَامَ لِحَاجَةٍ لَا يُؤَثِّرُ فِي طُولِ
الْفَصْلِ، وَأَنَّ الطُّولَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالسُّكُوتِ أَوْ
الْكَلَامِ غَيْرِ الْمَنْدُوبِ لَا لِحَاجَةٍ انْتَهَى أَنَّ الْفَصْلَ
بِالرَّوَاتِبِ لَا يَضُرُّ فِي الْمُوَالَاةِ لِأَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ،
وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ بَعْدَ إنَّ الْفَصْلَ بَيْنَ الْجُمُعَةِ
وَخُطْبَتِهَا يَضُرُّ إذَا كَانَ بِقَدْرِ رَكْعَتَيْنِ بِأَخَفِّ
مُمْكِنٍ كَالْفَصْلِ بَيْنَ صَلَاتَيْ الْجَمْعِ، بِخِلَافِ الْفَصْلِ
بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالصَّلَاةِ، وَبِخِلَافِ الْفَصْلِ بَيْنَ
الْأَذَانِ وَالْإِجَابَةِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ زِيَادَةٍ عَلَى
ذَلِكَ بِحَيْثُ لَا يُنْسَبُ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ أَصْلًا. قَالَ:
وَفَرَّقَ بَيْنَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(1/405)
الظُّهْرِ عَقِبَ سَلَامِهِ مِنْ
الْفَائِتَةِ أَذَّنَ لِلظُّهْرِ أَيْضًا، وَكَذَا لَوْ أَخَّرَ مُؤَدَّاةً
لِآخِرِ وَقْتِهَا وَأَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ عَقِبَ سَلَامِهِ دَخَلَ وَقْتُ
مُؤَدَّاةٍ أُخْرَى فَيُؤَذِّنُ لَهَا كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ.
وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِمْ أَنَّهُ لَوْ وَالَى بَيْنَ صَلَاتَيْنِ لَمْ
يُؤَذِّنْ لِغَيْرِ الْأُولَى مَا لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ الثَّانِيَةِ
أَنَّهُ لَوْ صَلَّى حَاضِرَةً وَأَذَّنَ لَهَا وَتَذَكَّرَ فَائِتَةً
وَفَعَلَهَا عَقِبَهَا لَمْ يُؤَذِّنْ لِلْفَائِتَةِ لِأَنَّ تَذَكُّرَهَا
لَيْسَ بِوَقْتٍ حَقِيقِيٍّ لَهَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَحَيْثُ لَمْ
يُؤَذِّنْ لِلثَّانِيَةِ فَمَا بَعْدَهَا أَقَامَ لِكُلٍّ «لِأَنَّهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ
وَالْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ» رَوَاهُ
الشَّيْخَانِ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَرُوِيَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ
عُمَرَ «أَنَّهُ صَلَّاهُمَا بِإِقَامَتَيْنِ» ، وَأَجَابُوا عَنْهُ
بِأَنَّهُ إنَّمَا حَفِظَ الْإِقَامَةَ وَقَدْ حَفِظَ جَابِرٌ الْأَذَانَ
فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ لِزِيَادَةِ عِلْمِهِ، وَبِأَنَّ جَابِرَ اسْتَوْفَى
حُجَّةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَتْقَنَهَا
فَهُوَ أَوْلَى بِالِاعْتِمَادِ
(وَيُنْدَبُ لِجَمَاعَةِ النِّسَاءِ الْإِقَامَةُ) بِأَنْ تَفْعَلَهَا
إحْدَاهُنَّ، فَلَوْ صَلَّتْ وَحْدَهَا أَقَامَتْ لِنَفْسِهَا أَيْضًا،
وَلَوْ أَقَامَتْ لِرَجُلٍ أَوْ خُنْثَى لَمْ يَصِحَّ (لَا الْأَذَانُ
عَلَى الْمَشْهُورِ) فِيهِمَا لِأَنَّ الْأَذَانَ يُخْشَى مِنْ رَفْعِ
الْمَرْأَةِ صَوْتَهَا بِهِ الْفِتْنَةُ وَالْإِقَامَةُ لِاسْتِنْهَاضِ
الْحَاضِرِينَ، وَلَيْسَ فِيهَا رَفْعٌ كَالْأَذَانِ، وَالثَّانِي
يُنْدَبَانِ بِأَنْ تَأْتِي بِهِمَا وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ لَكِنْ لَا
تَرْفَعُ صَوْتَهَا فَوْقَ مَا تَسْمَعُ صَوَاحِبُهَا، وَالثَّالِثُ لَا
يُنْدَبَانِ الْأَذَانُ لِمَا مَرَّ وَالْإِقَامَةُ تَبَعٌ لَهُ، وَلَوْ
أَذَّنَتْ الْمَرْأَةُ لِلرِّجَالِ أَوْ الْخَنَاثَى لَمْ يَصِحَّ
أَذَانُهَا وَأَثِمَتْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ
(قَوْلُهُ: عَقِبَ سَلَامِهِ مِنْ الْفَائِتَةِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ
دَخَلَ الْحَاضِرَةَ وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ الْفَائِتَةِ أَوْ قَبْلَ أَنْ
أَحْرَمَ لَكِنْ بَعْدَ الْأَذَانِ لَهَا لَا يُؤَذِّنُ لِلْحَاضِرَةِ،
وَقَضِيَّةُ قَوْلِ الْمَنْهَجِ لَمْ يَدْخُلُ وَقْتُهَا قَبْلَ شُرُوعِهِ
فِي الْأَذَانِ إلَخْ خِلَافُهُ وَهُوَ الْوَجْهُ فَلْيُتَأَمَّلْ
فَقَوْلُهُ عَقِبَ سَلَامِهِ مِثَالٌ لَا قَيْدٌ (قَوْلُهُ: أَذَّنَ
لِلظُّهْرِ أَيْضًا) لَعَلَّ وَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْأَذَانُ
قَبْلَ دُخُولِ الْحَاضِرَةِ لَمْ يَصْلُحْ لِكَوْنِهِ مِنْ سُنَنِهَا
(قَوْلُهُ: يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِمْ) وَجْهُ أَخْذِهِ أَنَّ الْوَقْتَ
حَيْثُ أَطْلَقَ فِي عِبَارَةِ الْفُقَهَاءِ انْصَرَفَ لِلْحَقِيقِيِّ
(قَوْلُهُ: وَتَذَكَّرَ فَائِتَةً وَفَعَلَهَا عَقِبَهَا لَمْ يُؤَذِّنْ)
بَقِيَ مَا لَوْ أَذَّنَ وَأَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ مَا
يَقْتَضِي التَّأْخِيرَ وَاسْتَمَرَّ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ فَهَلْ
يُؤَذِّنُ لَهَا أَخْذًا مِنْ إطْلَاقِهِمْ الْأَذَانَ لِلْفَائِتَةِ أَوْ
لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ لِأَنَّهُ وَقَعَ
مِنْهُ أَذَانٌ لِهَذِهِ الصَّلَاةِ وَإِنْ تَأَخَّرَتْ عَنْهُ،
وَالْمَوْلَاةُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالصَّلَاةِ لَا تُشْتَرَطُ (قَوْلُهُ:
اسْتَوْفَى حُجَّةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)
أَيْ تَتَبَّعَهَا وَاسْتَقَرَّاهَا فَضَبْطُ جَمِيعِ مَا وَقَعَ لَهُ
فِيهَا مِنْ الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ
(قَوْلُهُ وَلَوْ أَقَامَتْ لِرَجُلٍ أَوْ خُنْثَى لَمْ يَصِحَّ) وَقِيَاسُ
حُرْمَةِ الْأَذَانِ قَبْلَ الْوَقْتِ لِكَوْنِهِ عِبَادَةً فَاسِدَةً
حُرْمَةُ إقَامَتِهَا لِمَنْ ذُكِرَ، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ، وَهُوَ
الْأَقْرَبُ لِمَا مَرَّ عَنْ حَجّ فِي أَذَانِ الْمَرْأَةِ (قَوْلُهُ: لَا
الْأَذَانُ) أَيْ فَلَا يُنْدَبُ لَهُنَّ وَإِنْ فُقِدَ الرِّجَالُ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَذَانَ يُخْشَى مِنْ رَفْعِ الْمَرْأَةِ صَوْتَهَا
بِهِ الْفِتْنَةُ) الْأُولَى التَّعْلِيلُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْأَذَانَ
مِنْ وَظَائِفِ الرِّجَالِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ يَقْتَضِي
أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ أَجْنَبِيٌّ اُسْتُحِبَّ، وَهُوَ خِلَافُ
مَا اعْتَمَدَهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَذَّنَتْ الْمَرْأَةُ لِلرِّجَالِ
إلَخْ) الْمُتَبَادِرُ مِنْ السِّيَاقِ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا لَوْ
أَذَّنَتْ لِلرِّجَالِ الْمَرِيدِينَ لِلصَّلَاةِ، وَهُوَ يَفْهَمُ أَنَّهُ
لَا يُحَرِّمُ أَذَانَهَا خَلْفَ الْمُسَافِرِ وَلَوْ رَجُلًا وَلَا فِيمَا
لَوْ تَغَوَّلَتْ الْغِيلَانُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا شُرِعَ فِيهِ
الْأَذَانُ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ
الْعِلَّةَ فِي حُرْمَةِ أَذَانِهَا أَنَّهُ مِنْ وَظَائِفِ الرِّجَالِ،
وَفِي فِعْلِهَا لَهُ تَشَبُّهٌ بِهِمْ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ
أَنَّ الَّذِي مِنْ وَظَائِفِهِمْ الْأَذَانُ لِلصَّلَاةِ لَا مُطْلَقًا.
أَمَّا عَلَى التَّعْلِيلِ بِحُرْمَةِ نَظَرِهِمْ إلَيْهَا فَمُقْتَضَاهُ
حُرْمَةُ ذَلِكَ حَيْثُ كَانَ ثَمَّ أَجْنَبِيٌّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ:؛ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ
بَيْنَ الْمَغْرِبِ، وَالْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ» ) هَذَا إنَّمَا سَاقَهُ
فِي شَرْحِ الرَّوْضِ دَلِيلًا عَلَى سَنِّ الْأَذَانِ فِي أُولَى
الْمَجْمُوعَتَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا مَا صَنَعَهُ الشَّارِحُ
فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ ضَيَاعٌ (قَوْلُهُ: وَأَجَابُوا إلَخْ) فِيهِ أَنَّ
الْمُدَّعِيَ هُنَا سَنَّ الْإِقَامَةَ لِكُلٍّ، وَكُلٌّ مِنْ
الرِّوَايَتَيْنِ مُتَكَفِّلٌ بِهِ فَلَا حَاجَةَ لِلْجَوَابِ
(قَوْلُهُ: فِيهِمَا) أَيْ بِالنَّظَرِ لِلْمَجْمُوعِ بِدَلِيلِ حِكَايَةِ
الْمُقَابِلَيْنِ الْآتِيَيْنِ
(1/406)
لِحُرْمَةِ نَظَرِهِمَا إلَيْهَا وَكَذَا
لَوْ أَذَّنَ الْخُنْثَى لِلرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ وَرَفَعَ فِي هَذِهِ
صَوْتَهُ فَوْقَ مَا يُسْمِعُهُنَّ أَوْ الْخَنَاثَى كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ
لِحُرْمَةِ نَظَرِ الْكُلِّ إلَيْهِ وَقِيَاسًا عَلَى مَا يَأْتِي فِي
الْإِمَامَةِ وَإِنْ نُوزِعَ فِي الْقِيَاسِ وَلَا فَرْقَ فِي الرِّجَالِ
بَيْنَ الْمَحَارِمِ وَغَيْرِهِمْ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمَا وَهُوَ
الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ وَإِنْ قَالَ
الشَّيْخُ إنَّهُ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْأَذَانَ مِنْ شِعَارِ الرِّجَالِ
فَلَا يَصِحُّ لَهُمْ مِنْ غَيْرِهِمْ لَا سِيَّمَا وَفِي رَفْعِهِنَّ
الصَّوْتَ بِهِ تَشَبُّهً بِالرِّجَالِ. أَمَّا إذَا أَذَّنَ كُلٌّ مِنْ
الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى لِنَفْسِهِ أَوْ أَذَّنَتْ الْمَرْأَةُ
لِلنِّسَاءِ كَانَ جَائِزًا غَيْرَ مُسْتَحَبٍّ كَمَا مَرَّ. وَلَا
يُشْكِلُ حُرْمَةُ أَذَانِهَا بِجَوَازِ غِنَائِهَا مَعَ اسْتِمَاعِ
الرَّجُلِ لَهُ لِأَنَّ الْغِنَاءَ يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ اسْتِمَاعُهُ
وَإِنْ أَمِنَ الْفِتْنَةَ، وَالْأَذَانُ يُسْتَحَبُّ لَهُ اسْتِمَاعُهُ،
فَلَوْ جَوَّزْنَاهُ لِلْمَرْأَةِ لَأَدَّى إلَى أَنْ يُؤْمَرَ الرَّجُلُ
بِاسْتِمَاعِ مَا يُخْشَى مِنْهُ الْفِتْنَةُ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ،
وَلِأَنَّ فِيهِ تَشَبُّهًا بِالرِّجَالِ، بِخِلَافِ الْغِنَاءِ فَإِنَّهُ
مِنْ شِعَارِ النِّسَاءِ، وَلِأَنَّ الْغِنَاءَ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ
وَالْأَذَانَ عِبَادَةٌ وَالْمَرْأَةُ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِهَا فَيَحْرُمُ
عَلَيْهَا تَعَاطِيهَا كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا تَعَاطِي الْعِبَادَةِ
الْفَاسِدَةِ، وَلِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ النَّظَرُ إلَى الْمُؤَذِّنِ
حَالَةَ أَذَانِهِ، فَلَوْ اسْتَحْبَبْنَاهُ لِلْمَرْأَةِ لَأُمِرَ
السَّامِعُ بِالنَّظَرِ إلَيْهَا وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَقْصُودِ
الشَّارِعِ، وَلِأَنَّ الْغِنَاءَ مِنْهَا إنَّمَا يُبَاحُ لِلْأَجَانِبِ
الَّذِينَ يُؤْمَنُ افْتِتَانُهُمْ بِصَوْتِهَا، وَالْأَذَانُ مَشْرُوعٌ
لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ فَلَا يُحْكَمُ بِالْأَمْنِ مِنْ الِافْتِتَانِ
فَمُنِعَتْ مِنْهُ، وَفَارِقُ الرَّفْعِ هُنَا الرَّفْعُ بِالتَّلْبِيَةِ
بِأَنَّ الْإِصْغَاءَ إلَيْهَا غَيْرُ مَطْلُوبٍ. وَيُؤْخَذُ مِمَّا
تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ بَيْنِ غِنَائِهَا وَأَذَانِهَا مِنْ قَوْلِنَا
إنَّ الْأَذَانَ عِبَادَةٌ وَلَيْسَتْ مِنْ أَهْلِهَا، وَمِنْ أَنَّ فِيهِ
تَشَبُّهًا بِالرِّجَالِ، وَمِنْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ النَّظَرُ إلَى
الْمُؤَذِّنِ عَدَمُ حُرْمَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
مُطْلَقًا، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا يُسَنُّ النَّظَرُ لِلْمُؤَذِّنِ
حَيْثُ أَذَّنَ لِلصَّلَاةِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ بِالدَّرْسِ حُرْمَةُ أَذَانِهَا
فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَإِنَّ م ر سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَأَجَابَ بِأَنَّ
ظَاهِرَ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهَا لَا تُؤَذِّنُ انْتَهَى. وَمَا نُقِلَ عَنْ
م ر لَا يُفِيدُ حُرْمَةَ أَذَانِهَا وَإِنَّمَا يُفِيدُ عَدَمَ طَلَبِهِ
مِنْهَا لِتِلْكَ الْأَحْوَالِ، وَعَدَمُ الطَّلَبِ يَسْتَدْعِي
الْحُرْمَةَ (قَوْلُهُ: لِحُرْمَةِ نَظَرِهِمَا) أَيْ الْمُسَبِّبُ عَنْ
أَذَانِهَا فَإِنَّهُ يُسَنُّ النَّظَرُ إلَى الْمُؤَذِّنِ كَمَا يَأْتِي،
وَهَلْ يُحَرَّمُ عَلَى سَامِعِهَا السَّمَاعُ فَيَجِبُ سَدُّ الْآذَانِ
أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي لِأَنَّهُ لَا يُحَرَّمُ
سَمَاعُ الْغِنَاءِ مِنْهَا وَنَحْوِهِ إلَّا عِنْدَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ.
قَالَ فِي الْإِيعَابِ: وَحَيْثُ حُرِّمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَهَلْ تُثَابُ
أَمْ لَا كَمَا فِي الْجَهْرِ؟ مَحَلُّ نَظَرٍ. وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ
كَالصَّلَاةِ فِي الْمَغْصُوبِ انْتَهَى. أَقُولُ: وَقَدْ يُقَالُ: بَلْ
الْأَقْرَبُ الثَّانِي. وَيُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الصَّلَاةَ
مَطْلُوبَةٌ مِنْهَا شَرْعًا وَمُعَاقَبَةٌ عَلَى تَرْكِهَا فَأُثِيبَتْ
عَلَى فِعْلِهَا فِي الْمَكَانِ الْمَغْصُوبِ، وَجَازَ أَنْ يَكُونَ
الْعِقَابُ بِغَيْرِ حِرْمَانِ الثَّوَابِ، بِخِلَافِ مَا هُنَا فَإِنَّهَا
مَنْهِيَّةٌ عَنْهُ فَلَا تُثَابُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: فِي هَذِهِ) هِيَ
قَوْلُهُ أَوْ النِّسَاءُ (قَوْلُهُ: كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ
لَمْ يَرْفَعْ. وَيُشْكِلُ بِمَا قَدَّمَهُ فِي أَذَانِهِ لِلنِّسَاءِ
حَيْثُ قَدْ قَيَّدَ بِرَفْعِ الصَّوْتِ مَعَ أَنَّهُنَّ يَحْرُمُ
نَظَرُهُنَّ إلَيْهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: مُرَادُهُ تَشْبِيهُ أَذَانِ
الْخُنْثَى لِلْخَنَاثَى بِأَذَانِهِ لِلنِّسَاءِ فِي جَمِيعِ مَا
قَدَّمَهُ، وَقَوْلُهُ لِحُرْمَةِ إلَخْ: أَيْ لِأَنَّ أَذَانَهُ قَدْ
يَجُرُّ إلَى نَظَرِ الرِّجَالِ إلَيْهِ فَلَا تَتَوَقَّفُ الْحُرْمَةُ
عَلَى نَظَرِهِمْ إلَيْهِ بِالْفِعْلِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ أَذَّنَتْ الْمَرْأَةُ) أَيْ أَمَّا إذَا أَذَّنَتْ
الْخُنْثَى لِلْخَنَاثَى فَيَحْرُمُ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ،
وَفِيهِ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِنَا إلَّا أَنْ يُقَالَ: مُرَادُهُ تَشْبِيهُ
أَذَانِ الْخُنْثَى إلَخْ، وَقَوْلُهُ كَانَ جَائِزًا: أَيْ بِلَا
كَرَاهَةٍ حَيْثُ أَذَّنَتْ بِقَدْرِ مَا يَسْمَعْنَ وَلَمْ تَقْصِدْ
الْأَذَانَ الشَّرْعِيَّ، فَإِنْ رَفَعَتْ فَوْقَ ذَلِكَ أَوْ أَرَادَتْ
الْأَذَانَ الشَّرْعِيَّ حُرِّمَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ أَجْنَبِيٌّ
(قَوْلُهُ: وَالْمَرْأَةُ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِهَا) أَيْ مِنْ أَهْلِ
تِلْكَ الْعِبَادَةِ، وَجَعْلُ الْأَذَانِ عِبَادَةً لَا يَأْتِي بِنَاءً
عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي شَرْحِ الْمُنْفَرِجَةِ مِنْ أَنَّ
الْعِبَادَةَ مَا تَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةٍ فَلَعَلَّ لَهَا إطْلَاقَيْنِ
أَوْ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا، فَمِنْهُمْ مِنْ اعْتَبَرَ فِي
الْعِبَادَةِ مُجَرَّدَ الثَّوَابِ عَلَى الْفِعْلِ، وَمِنْهُمْ مِنْ
اعْتَبَرَ مَعَ ذَلِكَ التَّوَقُّفَ عَلَى النِّيَّةِ (قَوْلُهُ بِأَنَّ
الْإِصْغَاءَ إلَيْهَا) أَيْ التَّلْبِيَةَ (قَوْلُهُ: وَمِنْ أَنَّ فِيهِ
تَشَبُّهًا بِالرِّجَالِ) أَخَذَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَرَفَعَ فِي هَذِهِ صَوْتَهُ مَا يُسْمِعُهُنَّ) أَفْهَمَ
عَدَمَ الْإِثْمِ عِنْدَ انْتِفَاءِ فَوْقِ الرَّفْعِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ
مُشْكِلٌ مَعَ التَّعْلِيلِ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ لَهُمْ)
قَدْ يُقَالُ: لَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ لَهُمْ (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَمِنَ
الْفِتْنَةَ) لَعَلَّ الصَّوَابَ إسْقَاطُ الْوَاوِ (قَوْلُهُ: لَيْسَتْ
مِنْ أَهْلِهَا) أَيْ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ
الْمَخْصُوصَةِ
(1/407)
رَفْعِ صَوْتِهَا بِالْقِرَاءَةِ فِي
الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا، وَإِنْ كَانَ الْإِصْغَاءُ لِلْقِرَاءَةِ
مَنْدُوبًا وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ
تَعَالَى - فَقَدْ صَرَّحُوا بِكَرَاهَةِ جَهْرِهَا بِهَا فِي الصَّلَاةِ
بِحَضْرَةِ أَجْنَبِيٍّ وَعَلَّلُوهُ بِخَوْفِ الِافْتِتَانِ
(وَالْأَذَانُ) أَيْ مُعْظَمُهُ (مُثَنَّى) مَعْدُولٌ عَنْ اثْنَيْنِ
اثْنَيْنِ، لِأَنَّ كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ فِي آخِرِهِ مُفْرَدَةٌ
وَالتَّكْبِيرُ فِي أَوَّلِهِ أَرْبَعٌ لِلِاتِّبَاعِ (وَالْإِقَامَةُ)
أَيْ مُعْظَمُهَا (فُرَادَى) لِأَنَّ لَفْظَ الْإِقَامَةِ وَالتَّكْبِيرِ
فِي أَوَّلِهَا وَآخِرِهَا مُثَنًّى لِلِاتِّبَاعِ أَيْضًا، وَكَلِمَاتُ
الْأَذَانِ مَشْهُورَةٌ وَعِدَّتُهَا بِالتَّرْجِيعِ تِسْعَ عَشْرَةَ
كَلِمَةً وَعِدَّةُ كَلِمَاتِهَا إحْدَى عَشْرَةَ لِأَنَّ الْأَذَانَ
وَالْإِقَامَةَ أَمْرَانِ يَتَقَدَّمَانِ الصَّلَاةَ لِأَجْلِهَا، فَكَانَ
الثَّانِي مِنْهُمَا أَنْقَصَ مِنْ الْأَوَّلِ كَخُطْبَتَيْ الْجُمُعَةِ،
وَلِأَنَّ الْإِقَامَةَ ثَانٍ لِأَوَّلِ، وَيُفْتَتَحُ كُلٌّ مِنْهُمَا
بِتَكْبِيرَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ فَكَانَ الثَّانِي أَنْقَصَ مِنْ الْأَوَّلِ
كَتَكْبِيرَاتِ صَلَاةِ الْعِيدِ، وَلِأَنَّ الْأَذَانَ أَوْفَى صِفَةً
مِنْ الْإِقَامَةِ لِأَنَّهُ يُؤْتَى بِهِ مُرَتَّلًا وَيُرْفَعُ بِهِ
الصَّوْتُ فَكَانَ أَوْفَى قَدْرًا مِنْهَا، كَالرَّكْعَتَيْنِ
الْأُولَيَيْنِ لَمَّا كَانَتَا أَوْفَى صِفَةً بِالْجَهْرِ كَانَتَا
أَوْفَى قَدْرًا بِالسُّورَةِ (إلَّا لَفْظُ الْإِقَامَةِ) لِخَبَرِ أَنَسٍ
«أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يُشَفِّعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ إلَّا
لَفْظَ الْإِقَامَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاسْتِثْنَاءُ لَفْظِ
الْإِقَامَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ.
(وَيُسَنُّ إدْرَاجُهَا) أَيْ إدْرَاجُ كَلِمَاتِهَا وَهُوَ الْإِسْرَاعُ
بِهَا إذْ الْإِدْرَاجُ الطَّيُّ ثُمَّ اُسْتُعِيرَ لِإِدْخَالِ بَعْضِ
الْكَلِمَاتِ فِي بَعْضٍ لِمَا صَحَّ مِنْ الْأَمْرِ بِهِ وَلِأَنَّ
الْإِقَامَةَ لِلْحَاضِرِينَ، فَالْإِدْرَاجُ فِيهَا أَشْبَهُ وَالْأَذَانُ
لِلْغَائِبِينَ فَالتَّرْتِيلُ فِيهِ أَبْلَغُ، وَمَا قَالَهُ الْهَرَوِيُّ
مِنْ أَنَّ عَوَامَّ النَّاسِ يَقُولُونَ أَكْبَرُ بِضَمِّ الرَّاءِ إذَا
وَصَلَ هُوَ الْقِيَاسُ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ، وَإِنْ ذَهَبَ
الْمُبَرِّدُ إلَى فَتْحِ الرَّاءِ مِنْ أَكْبَرَ الْأُولَى وَتَسْكِينِ
الثَّانِيَةِ وَقَالَ لِأَنَّ الْأَذَانَ سُمِعَ مَوْقُوفًا فَكَانَ
الْأَصْلُ إسْكَانَهَا، لَكِنْ لَمَّا وَقَعَتْ قَبْلَ فَتْحَةِ هَمْزَةِ
اللَّهِ الثَّانِيَةِ فُتِحَتْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {الم - اللَّهُ} [آل
عمران: 1 - 2] وَجَرَى عَلَى كَلَامِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ إذْ
مَا عَلَّلَ بِهِ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ الْوَقْفَ لَيْسَ عَلَى أَكْبَرِ
الْأَوَّلِ وَلَيْسَ هُوَ مِثْلَ الم كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِلْمُتَأَمِّلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
بَعْضُهُمْ مِنْ هَذَا عَدَمَ حُرْمَةِ الْأَذَانِ عَلَى الْأَمْرَدِ
الْجَمِيلِ لِأَنَّهُ مِنْ الرِّجَالِ فَلَيْسَ فِي فِعْلِهِ تَشَبُّهٌ
بِغَيْرِ جِنْسِهِ، وَبَنَاهُ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ تَحْرِيمِ الْأَذَانِ
عَلَى الْمَرْأَةِ مُرَكَّبَةٌ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالرِّجَالِ وَحُرْمَةِ
النَّظَرِ إلَيْهَا وَخَوْفِ الْفِتْنَةِ بِسَمَاعِهَا وَالْحُكْمُ إذَا
عُلِّلَ بِعِلَّةٍ مُرَكَّبَةٍ مِنْ عِلَّتَيْنِ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ
إحْدَاهُمَا، وَالتَّشَبُّهُ مُنْتَفٍ فِي حَقِّ الْأَمْرَدِ فَيَنْتَفِي
تَحْرِيمُ الْأَذَانِ عَلَيْهِ
(قَوْلُهُ: وَعِدَّتُهَا بِالتَّرْجِيعِ) أَيْ وَهُوَ سُنَّةٌ كَمَا
يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَلَوْ تَرَكَهُ صَحَّ أَذَانُهُ
(قَوْلُهُ: تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً) أَيْ فَلَوْ تَرَكَ كَلِمَةً مِنْ
غَيْرِ التَّرْجِيعِ لَمْ يَصِحَّ أَذَانُهُ. وَقَضِيَّةُ قَوْلِ حَجّ
أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِكَلِمَةٍ مِنْهُ عَلَى وَجْهٍ يُخِلُّ بِمَعْنَاهَا
لَمْ يَصِحَّ أَنَّهُ إذَا خَفَّفَ مُشَدِّدًا بِحَيْثُ يُخِلُّ بِمَعْنَى
الْكَلِمَةِ لَمْ يَصِحَّ أَذَانَهُ، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ
ذَلِكَ فَكُّ الْإِدْغَامِ فِي أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ
لِأَنَّهُ أَتَى بِالْأَصْلِ وَلَا إخْلَالَ فِيهِ، وَعَلَيْهِ فَيُفَرِّقُ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ فَكِّ الْإِدْغَامِ فِي التَّشَهُّدِ حَيْثُ قِيلَ
بِأَنَّهُ يَضُرُّ بِأَنَّ أَمْرَ الصَّلَاةِ أَضْيَقُ مِنْ الْأَذَانِ
فَيُحَافَظُ فِيهِ عَلَى كَمَالِ صِفَاتِهِ (قَوْلُهُ: وَعِدَّةُ
كَلِمَاتِهَا) أَيْ الْإِقَامَةِ (قَوْلُهُ: كَخُطْبَتَيْ الْجُمُعَةِ)
قَضِيَّتُهُ أَنَّ الثَّانِيَةَ أَقْصَرُ مِنْ الْأُولَى، وَفِيهِ أَنَّ
الْأَرْكَانَ فِيهِمَا ثَلَاثَةٌ، وَأَنَّ الْآيَةَ تَكْفِي فِي
إحْدَاهُمَا، وَأَنَّهُ يَجِبُ الدُّعَاءُ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي
الثَّانِيَةِ فَالثَّانِيَةُ أَطْوَلُ مِنْ الْأُولَى، إلَّا أَنْ يُقَالَ:
يُسْتَحَبُّ تَطْوِيلُ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ بِأَذْكَارٍ زِيَادَةً
عَلَى الْأَرْكَانِ فَلْيُرَاجَعْ مِنْ بَابِهِ، أَوْ الْمُرَادُ أَنَّهَا
نَقْصٌ بِاعْتِبَارِ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْخُطَبَاءِ مِنْ
الْمُبَالَغَةِ فِي الْوَعْظِ فِي الْأُولَى وَالِاخْتِصَارِ فِي
الثَّانِيَةِ وَتَخْفِيفِهَا مَا أَمْكَنَ (قَوْلُهُ: إذْ مَا عَلَّلَ
بِهِ) أَيْ الْمُبَرِّدُ (قَوْلُهُ: كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِلْمُتَأَمِّلِ)
أَيْ فَإِنَّ وَضْعَ مِيمٍ عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ بِتَكْبِيرَاتٍ) فِيهِ تَسَاهُلٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْإِقَامَةِ
(قَوْلُهُ هُوَ الْقِيَاسُ) الضَّمِيرُ فِي الْمَعْنَى رَاجِعٌ إلَى قَوْلِ
الْعَوَامّ الَّذِي حَكَاهُ الْهَرَوِيُّ فَفِي الْعِبَارَةِ مُسَامَحَةٌ
(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ سُمِعَ مَوْقُوفًا) لَعَلَّ مُرَادَهُ
بِالْمَوْقُوفِ مَا قَابَلَ الْمُعْرَبَ، وَالْمَبْنِيَّ وَإِلَّا لَمْ
يَنْهَضْ مَا قَالَهُ؛ لِأَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ الْمَوْقُوفَ وَأَنَّ
الْمُعْرَبَ إذَا وُقِفَ عَلَيْهِ حُرِّكَ إنَّمَا يُحَرَّكُ بِحَرَكَةِ
إعْرَابِهِ، وَعَلَيْهِ فَلَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ رَدُّ الشَّارِحِ
الْآتِي. نَعَمْ فِي جَعْلِهِ ذَلِكَ مِنْ الْمَوْقُوفِ بِالْمَعْنَى
الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مَعَ وُجُودِ الْعَامِلِ وَقْفَةٌ فَتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِلْمُتَأَمِّلِ)
(1/408)
(وَتَرْتِيلُهُ) وَهُوَ التَّأَنِّي
(وَالتَّرْجِيعُ فِيهِ) أَيْ الْأَذَانِ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي
مَحْذُورَةَ، وَحِكْمَتُهُ تَدَبُّرُ كَلِمَتَيْ الْإِخْلَاصِ
لِكَوْنِهِمَا الْمُنْجِيَتَيْنِ مِنْ الْكُفْرِ الْمُدْخِلَتَيْنِ فِي
الْإِسْلَامِ وَتَذَكُّرُ خَفَائِهِمَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ
ظُهُورُهُمَا وَهُوَ الْإِسْرَارُ بِكَلِمَتَيْ الشَّهَادَتَيْنِ بَعْدَ
التَّكْبِيرِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ رَجَعَ إلَى الرَّفْعِ بَعْدَ
أَنْ تَرَكَهُ أَوْ إلَى الشَّهَادَتَيْنِ بَعْدَ ذَكَرِهِمَا فَهُوَ اسْمٌ
لِلْأَوَّلِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ وَالدَّقَائِقِ
وَالتَّحْرِيرِ. وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَنَّهُ
لَهُمَا، وَمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ مِنْ أَنَّهُ اسْمٌ
لِلثَّانِي نُسِبَ فِيهِ إلَى السَّهْوِ، وَالْأَوْجَهُ مَا فِي
الْمَجْمُوعِ.
وَالْمُرَادُ بِالْإِسْرَارِ بِهِمَا أَنْ يُسْمِعَ مَنْ بِقُرْبِهِ أَوْ
أَهْلَ الْمَسْجِدِ إنْ كَانَ وَاقِفًا عَلَيْهِمْ، وَالْمَسْجِدُ
مُتَوَسِّطُ الْخِطَّةِ كَمَا صَحَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَنَقَلَهُ عَنْ
النَّصِّ وَغَيْرِهِ وَمَا ذَكَرَهُ تَفْسِيرٌ مُرَادٌ، وَإِلَّا
فَحَقِيقَةُ الْإِسْرَارِ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ لِأَنَّهُ ضِدُّ
الْجَهْرِ
(وَ) يُسَنُّ (التَّثْوِيبُ) وَيُقَالُ التَّثْوِيبُ بِالْمُثَلَّثَةِ
فِيهِمَا (فِي) أَذَانَيْ (الصُّبْحِ) وَهُوَ أَنْ يَقُولَ
الْحَيْعَلَتَيْنِ «الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ» مَرَّتَيْنِ أَيْ
الْيَقِظَةُ لِلصَّلَاةِ خَيْرٌ مِنْ الرَّاحَةِ الَّتِي تَحْصُلُ مِنْ
النَّوْمِ لِوُرُودِهِ فِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ
جَيِّدٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَهُوَ مِنْ ثَابَ إذَا رَجَعَ لِأَنَّ
الْمُؤَذِّنَ دَعَا إلَى الصَّلَاةِ بِالْحَيْعَلَتَيْنِ ثُمَّ عَادَ
فَدَعَا إلَيْهَا بِذَلِكَ، وَخَصَّ بِالصُّبْحِ لِمَا يَعْرِضُ
لِلنَّائِمِ مِنْ التَّكَاسُلِ بِسَبَبِ النَّوْمِ، وَيَثُوبُ فِي أَذَانِ
الْفَائِتَةِ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عُجَيْلٍ الْيَمَنِيُّ
نَظَرًا لِأَصْلِهِ، وَيُكْرَهُ تَثْوِيبُهُ لِغَيْرِهَا لِخَبَرِ
الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ
فَهُوَ رَدٌّ» وَيُسَنُّ فِي اللَّيْلَةِ الْمَاطِرَةِ أَوْ الْمُظْلِمَةِ
أَوْ ذَاتِ الرِّيحِ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ الْأَذَانِ وَهُوَ الْأَوْلَى
أَوْ بَعْدَ الْحَيْعَلَتَيْنِ: «أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ» ، لِمَا
صَحَّ مِنْ الْأَمْرِ بِهِ. وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِمْ فِي قَوْلِ ابْنِ
عَبَّاسٍ بِرَفْعِهِ: «لَا تَقُلْ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ» : أَيْ لَا
تَقُلْ ذَلِكَ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ قَالَهُ عِوَضًا لَمْ
يَصِحَّ أَذَانُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ
خِلَافًا لِمَا فِي الْإِسْعَادِ وَشَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلْكَمَالِ
الدَّمِيرِيِّ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ مَعَ الْحَيْعَلَتَيْنِ: حَيَّ
عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
السُّكُونِ وَلَا كَذَلِكَ التَّكْبِيرُ (قَوْلُهُ: وَتَرْتِيلُهُ)
يُسْتَثْنَى التَّكْبِيرُ فَإِنَّهُ يَجْمَعُ كُلَّ تَكْبِيرَتَيْنِ فِي
نَفَسٍ لِخِفَّةِ لَفْظِهِ، كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا بِرّ عَلَى
الْمَحَلِّيِّ سم عَلَى حَجّ وَقَوْلُهُ فِي نَفَسٍ قَالَ حَجّ: أَيْ مَعَ
وَقْفَةٍ لَطِيفَةٍ عَلَى الْأُولَى، فَإِنْ لَمْ يَقِفْ فَالْأُولَى
الضَّمُّ وَقِيلَ الْفَتْحُ (قَوْلُهُ: وَالتَّرْجِيعُ فِيهِ) أَيْ
الْأَذَانِ إلَخْ. سُئِلَ م ر هَلْ يُسَنُّ التَّرْجِيعُ فِي الْأَذَانِ
فِي أُذُنِ الْمَوْلُودِ وَنَحْوِهِ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا
يُسَنُّ فِيهِ وَإِنَّمَا يُسَنُّ فِي الْأَذَانِ لِلصَّلَاةِ، هَكَذَا
قَرَأَهُ بَعْضُ الطَّلَبَةِ بِالدَّرْسِ وَقَرَأَ بَعْضٌ أَيْضًا
خِلَافَهُ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْإِسْرَارُ) أَيْ قَبْلَ
الْإِتْيَانِ بِهِمَا جَهْرًا، وَيَأْتِي بِالْأَرْبَعِ وَلَاءً. قَالَ فِي
الْعُبَابِ: فَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِهِمَا سِرًّا أَوَّلًا أَتَى بِهِمَا
بَعْدَ الْجَهْرِ انْتَهَى (قَوْلُهُ: فَهُوَ اسْمٌ لِلْأَوَّلِ) أَيْ
لِلْقَوْلِ سِرًّا، لَكِنَّ التَّعْلِيلَ بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِهِ
لِأَنَّهُ رَجَعَ إلَخْ لَا يُنَاسِبُهُ (قَوْلُهُ: مُتَوَسِّطُ
الْخُطَّةِ) أَيْ غَيْرُ كَبِيرٍ
(قَوْلُهُ وَهُوَ مَنْ ثَابَ إذَا رَجَعَ) وَأَصْلُهُ أَنْ يَجِيءَ
الرَّجُلُ مُسْتَصْرِخًا يَلُوحُ بِثَوْبٍ لِيُرَى فَسُمِّيَ الدُّعَاءُ
تَثْوِيبًا لِذَلِكَ، وَلِلْإِمَامِ احْتِمَالٌ بِرُكْنِيَّتِهِ انْتَهَى
سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: وَيَثُوبُ فِي أَذَانِ الْفَائِتَةِ) أَيْ
فِي كُلٍّ مِنْ أَذَانَيْ الصُّبْحِ عَلَى مَا يَأْتِي وَيُوَالِي بَيْنَ
أَذَانَيْهِ (قَوْلُهُ: فَهُوَ رَدٌّ) أَيْ مَرْدُودٌ (قَوْلُهُ: أَوْ
الْمُظْلِمَةُ) الْمُرَادُ بِهَا إظْلَامٌ يَنْشَأُ عَنْ نَحْوِ سَحَابٍ،
أَمَّا الظُّلْمَةُ الْمُعْتَادَةُ فِي أَوَاخِرِ الشَّهْرِ لِعَدَمِ
طُلُوعِ الْقَمَرِ فِيهَا فَلَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ فِيهَا (قَوْلُهُ: أَنْ
يَقُولَ بَعْدَ الْأَذَانِ) أَيْ بَدَلَ التَّثْوِيبِ (قَوْلُهُ: «أَلَا
صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ» ) أَيْ مَرَّتَيْنِ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ
التَّثْوِيبِ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَوْ قَالَهُ) أَيْ التَّثْوِيبَ،
وَقَوْلُهُ عِوَضًا: أَيْ عَنْ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ حَيَّ
عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ) أَيْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
وَجْهُهُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي مِيمٍ السُّكُونُ فَحُرِّكَ بِالْفَتْحِ
لِالْتِقَائِهِ مَعَ الْهَمْزَةِ الَّتِي الْأَصْلُ فِيهَا السُّكُونُ
أَيْضًا إذْ هِيَ هَمْزَةُ وَصْلٍ وَإِنَّمَا لَمْ تُحَرَّكْ بِالْكَسْرِ
لِتَوَالِي كَسْرَتَيْنِ، وَهُوَ ثَقِيلٌ بِخِلَافِ الرَّاءِ مِنْ
أَكْبَرُ، فَإِنَّ الْأَصْلَ فِيهَا التَّحْرِيكُ (قَوْلُهُ: فَهُوَ اسْمٌ
لِلْأَوَّلِ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُنَاسِبَ لِهَذَا التَّوْجِيهِ أَنْ
يَكُونَ اسْمًا لِلثَّانِي؛ لِأَنَّهُ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ
فَتَسْمِيَةُ الْأَوَّلِ بِهِ مَجَازٌ مِنْ تَسْمِيَةِ السَّبَبِ بِاسْمِ
الْمُسَبَّبِ إذْ هُوَ سَبَبُ الرُّجُوعِ
[التَّثْوِيبُ فِي أَذَانَيْ الصُّبْحِ]
(قَوْلُهُ: لِوُرُودِهِ) أَيْ التَّثْوِيبِ (قَوْلُهُ: أَوْ الْمُظْلِمَةِ)
قَالَ شَيْخُنَا فِي الْحَاشِيَةِ: أَيْ لِنَحْوِ سَحَابٍ لَا لِغَيْبَةِ
الْقَمَرِ فِي آخِرِ الشَّهْرِ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَوْ قَالَهُ) أَيْ
أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ عِوَضًا عَنْ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ
(1/409)
فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ
كَمَا صَرَّحَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ أَيْضًا خِلَافًا لِمَنْ وَهَمَ فِيهِ
(وَ) يُسَنُّ (أَنْ يُؤَذِّنَ قَائِمًا) «لِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَالًا بِالْقِيَامِ» وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي
الْإِعْلَامِ، فَيُكْرَهُ لِلْقَاعِدِ وَلِلْمُضْطَجِعِ أَشَدُّ
وَلِلرَّاكِبِ الْمُقِيمِ، بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ لَا يُكْرَهُ لَهُ
ذَلِكَ لِحَاجَتِهِ لِلرُّكُوبِ، لَكِنَّ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ لَا
يُؤَذِّنَ إلَّا بَعْدَ نُزُولِهِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ
لِلْفَرِيضَةِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ
تَرْكُ الْقِيَامِ وَلَوْ غَيْرَ رَاكِبٍ. وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ مِنْ شَأْنِ
السَّفَرِ التَّعَبَ وَالْمَشَقَّةَ فَسُومِحَ لَهُ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ
الْإِسْنَوِيُّ: وَلَا يُكْرَهُ لَهُ أَيْضًا تَرْكُ الِاسْتِقْبَالِ وَلَا
الْمَشْيُ لِاحْتِمَالِهِ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ فَفِي الْأَذَانِ أَوْلَى،
وَالْإِقَامَةُ كَالْأَذَانِ فِيمَا ذُكِرَ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّ كُلًّا
مِنْهُمَا يُجْزِي مِنْ الْمَاشِي وَإِنْ بَعُدَ عَنْ مَحَلِّ ابْتِدَائِهِ
بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ آخِرَهُ مَنْ سَمِعَ أَوَّلَهُ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ
لِنَفْسِهِ، فَإِنْ فَعَلَهُمَا لِغَيْرِهِ كَأَنْ كَانَ ثَمَّ مَعَهُ مَنْ
يَمْشِي وَفِي مَحَلِّ ابْتِدَائِهِ غَيْرُهُ اشْتَرَطَ أَنْ لَا يَبْعُدَ
عَنْ مَحَلِّ ابْتِدَائِهِ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ آخِرَهُ مَنْ سَمِعَ
أَوَّلَهُ وَإِلَّا لَمْ يُجْزِهِ كَمَا فِي الْمُقِيمِ. وَسُنَّ أَنْ
يَتَوَجَّهَ (لِلْقِبْلَةِ) لِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ سَلَفًا وَخَلَفًا
وَلِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْجِهَاتِ، فَلَوْ تَرَكَ ذَلِكَ مَعَ الْقُدْرَةِ
كُرِهَ وَأَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِهِ، وَيُسَنُّ أَنْ
يَلْتَفِتَ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ بِوَجْهِهِ لَا بِصَدْرِهِ مِنْ
غَيْرِ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْ مَحَلِّهِ وَلَوْ عَلَى مَنَارَةٍ مُحَافَظَةً
عَلَى الِاسْتِقْبَالِ يَمِينًا مَرَّةً فِي قَوْلِهِ حَيَّ عَلَى
الصَّلَاةِ مَرَّتَيْنِ وَيَسَارًا أُخْرَى فِي حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ
كَذَلِكَ حَتَّى يُتِمَّهُمَا فِي الِالْتِفَاتَتَيْنِ لِمَا رَوَاهُ
الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ «رَأَيْت بِلَالًا يُؤَذِّنُ،
فَجَعَلْت أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَهُنَا وَهَهُنَا، يَقُولُ يَمِينًا
وَشِمَالًا حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ» وَفِي
رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «فَلَمَّا بَلَغَ حَيَّ
عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ لَوَى عُنُقَهُ يَمِينًا
وَشِمَالًا وَلَمْ يَسْتَدِرْ» وَاخْتُصَّتْ الْحَيْعَلَتَانِ
بِالِالْتِفَاتِ لِأَنَّ غَيْرَهُمَا ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَهُمَا
خِطَابُ الْآدَمِيِّ كَالسَّلَامِ فِي الصَّلَاةِ يَلْتَفِتُ فِيهِ دُونَ
مَا سِوَاهُ مِنْ أَذْكَارِهَا، وَيُفَارِقُ كَرَاهَةَ الْتِفَاتِ
الْخَطِيبِ فِي الْخُطْبَةِ بِأَنَّهُ يَعِظُ الْحَاضِرِينَ، فَالْأَدَبُ
فِي حَقِّهِ أَنْ لَا يُعْرِضَ عَنْهُمْ، وَإِنَّمَا لَمْ يُكْرَهْ فِي
الْإِقَامَةِ بَلْ يُنْدَبُ كَمَا مَرَّ، لِأَنَّهُ الْقَصْدُ مِنْهَا
الْإِعْلَامُ فَلَيْسَ فِيهِ تَرْكُ أَدَبٍ، وَلَا يَلْتَفِتُ فِي قَوْلِهِ
الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَصَرَّحَ
بِهِ ابْنُ عُجَيْلٍ الْيَمَنِيُّ
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَذِّنَ عَلَى عَالٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
أَقْبِلُوا عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ
لَمْ يَصِحَّ) وَالْقِيَاسُ حِينَئِذٍ حُرْمَتُهُ لِأَنَّهُ بِهِ صَارَ
مُتَعَاطِيًا لِعِبَادَةٍ فَاسِدَةٍ
(قَوْلُهُ: وَلِلرَّاكِبِ الْمُقِيمِ) أَيْ جَالِسًا أَخْذًا مِنْ قَوْلِ ع
بَعْدَ رَاكِبًا جَالِسًا (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ) أَيْ فَلَا
يُكْرَهُ لَهُ الْأَذَانُ رَاكِبًا جَالِسًا عَمِيرَةُ (قَوْلُهُ: لَا
بُدَّ لَهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ النُّزُولِ (قَوْلُهُ: تَرْكُ الْقِيَامِ)
أَيْ لِلْمُسَافِرِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ وَيُوَجَّهُ إلَخْ، فَلَا
يُنَافِي مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ فَيُكْرَهُ لِلْقَاعِدِ إلَخْ (قَوْلُهُ:
وَالْأَوْجَهُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُجْزِئُ) قَدْ تُشْعِرُ عِبَارَتُهُ
بِاخْتِصَاصِ الْإِجْزَاءِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِالْمُسَافِرِ،
وَلَعَلَّهُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ غَيْرَهُ لَا يَمْشِي فِي
أَذَانِهِ وَلَا إقَامَةٍ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَمْ يُجِزْهُ) أَيْ لَمْ
يُجِزْ مَنْ لَمْ يُسْمِعْ الْكُلَّ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَا جَرَتْ
بِهِ الْعَادَةُ مِنْ الدَّوَرَانِ فِي الْأَذَانِ أَنَّهُ إنْ سَمِعَ
آخِرَهُ مَنْ سَمِعَ أَوَّلَهُ كَفَى وَإِلَّا فَلَا، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ
عَنْ سم (قَوْلُهُ: مَنَارَةٍ) أَيْ وَتُسَمَّى الْمِئْذَنَةُ أَيْضًا
(قَوْلُهُ: وَلَا يَلْتَفِتُ فِي قَوْلِهِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ
النَّوْمِ) أَيْ لَوْ تَرَتَّبَ عَلَى عَدَمِ الِالْتِفَاتِ عَدَمُ سَمَاعِ
بَعْضِهِمْ
(قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَذِّنَ عَلَى عَالٍ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ
لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْإِقَامَةِ
لَا يُسْتَحَبُّ فِيهَا ذَلِكَ إلَّا إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ، وَعِبَارَةُ
حَجّ: وَأَنْ يُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ قَائِمًا وَعَلَى عَالٍ اُحْتِيجَ
إلَيْهِ اهـ. وَظَاهِرُهُ رُجُوعُ الْقَيْدِ لِكُلٍّ مِنْ الْأَذَانِ
وَالْإِقَامَةِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى قَوْلِ الشَّارِحِ بِخِلَافِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ الدَّمِيرِيِّ وَغَيْرُهُ
(قَوْلُهُ: لَمْ يُجْزِهِ) لَعَلَّهُ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ فِي مَحَلِّ
ابْتِدَائِهِ إذْ لَا تَوَقُّفَ فِي إجْزَائِهِ لِمَنْ يَمْشِي مَعَهُ،
وَمِنْ ثَمَّ احْتَرَزَ بِالتَّصْوِيرِ الْمَذْكُورِ عَمَّا إذَا أَذَّنَ
لِمَنْ يَمْشِي مَعَهُ فَقَطْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، ثُمَّ رَأَيْت سم
تَوَقَّفَ فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ وَذَكَرَ أَنَّهُ بَحَثَ مَعَهُ فِيهَا
فَحَاوَلَ تَأْوِيلَهَا بِمَا لَا يَخْفَى مَا فِيهِ انْتَهَى.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَنْبَغِي حَذْفُ قَوْلِهِ كَأَنْ كَانَ ثَمَّ مَعَهُ
مَنْ يَمْشِي إذْ حُكْمُهُ حُكْمُ مَا إذَا كَانَ يُؤَذِّنُ لِنَفْسِهِ
(1/410)
كَمَنَارَةٍ وَسَطْحٍ لِلِاتِّبَاعِ
وَلِزِيَادَةِ الْإِعْلَامِ بِخِلَافِ الْإِقَامَةِ لَا يُسْتَحَبُّ فِيهَا
ذَلِكَ إلَّا إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِكِبَرِ الْمَسْجِدِ كَمَا فِي
الْمَجْمُوعِ. وَفِي الْبَحْرِ: لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَسْجِدِ مَنَارَةٌ
سُنَّ أَنْ يُؤَذِّنَ عَلَى الْبَابِ، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا
تَعَذَّرَ فِي سَطْحِهِ وَإِلَّا فَهُوَ أَوْلَى فِيمَا يَظْهَرُ.
وَيُسَنُّ لِلْمُؤَذِّنِ جَعْلُ أُصْبُعَيْهِ فِي صِمَاخَيْهِ لِمَا صَحَّ
مِنْ فِعْلِ بِلَالٍ بِحَضْرَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،
وَالْمُرَادُ أُنْمُلَتَا سَبَّابَتَيْهِ وَلِأَنَّهُ أَجْمَعُ لِلصَّوْتِ،
وَبِهِ يَسْتَدِلُّ الْأَصَمُّ أَوْ مَنْ هُوَ عَلَى بُعْدٍ عَلَى كَوْنِهِ
أَذَانًا فَيَكُونُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ فَيُجِيبُ إلَى فِعْلِ
الصَّلَاةِ لَا أَنَّهُ يُسَنُّ لَهُ إجَابَةُ الْمُؤَذِّنِ بِالْقَوْلِ،
بِخِلَافِ الْإِقَامَةِ لَا يُسَنُّ فِيهَا ذَلِكَ، وَلَوْ تَعَذَّرَتْ
إحْدَى يَدَيْهِ لِعِلَّةٍ جَعَلَ السَّلِيمَةَ فَقَطْ. نَعَمْ إنْ كَانَتْ
الْعَلِيلَةُ سَبَّابَتَيْهِ فَيَظْهَرُ جَعْلُ غَيْرِهِمَا مِنْ بَقِيَّةِ
أَصَابِعِهِ
(وَيُشْتَرَطُ) (تَرْتِيبُهُ) أَيْ الْأَذَانِ وَمِثْلُهُ الْإِقَامَةُ
لِلِاتِّبَاعِ وَلِأَنَّ تَرْكَهُ يُوهِمُ اللَّعِبَ وَيُخِلُّ
بِالْإِعْلَامِ، فَإِنْ عَكَسَ وَلَوْ نَاسِيًا لَمْ يَصِحَّ وَيَبْنِي
عَلَى الْمُنْتَظِمِ مِنْهُ وَالِاسْتِئْنَافُ أَوْلَى، وَلَوْ تَرَكَ
بَعْضَ الْكَلِمَاتِ فِي خِلَالِهِ أَتَى بِالْمَتْرُوكِ وَأَعَادَ مَا
بَعْدَهُ (وَ) يُشْتَرَطُ (مُوَالَاتُهُ) وَكَذَا الْإِقَامَةُ لِأَنَّ
تَرْكَ ذَلِكَ يُخِلُّ بِالْإِعْلَامِ فَلَا يَفْصِلُ بَيْنَ كَلِمَاتِهِ
بِسُكُوتٍ أَوْ كَلَامٍ طَوِيلٍ نَعَمْ لَا يَضُرُّ يَسِيرُهُمَا وَلَوْ
عَمْدًا كَيَسِيرِ نَوْمِ وَإِغْمَاءٍ وَجُنُونٍ لِعَدَمِ إخْلَالِهِ
بِالْإِعْلَامِ، وَيُسَنُّ أَنْ يَسْتَأْنِفَ فِي غَيْرِ الْأَوَّلَيْنِ
وَكَذَا فِيهِمَا فِي الْإِقَامَةِ فَكَأَنَّهَا لِقُرْبِهَا مِنْ
الصَّلَاةِ وَتَأَكُّدِهَا لَمْ يُسَامَحْ فِيهَا بِفَاصِلٍ أَلْبَتَّةَ،
بِخِلَافِ الْأَذَانِ، وَلَوْ عَطَسَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الْإِقَامَةِ، وَالْأَقْرَبُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّارِحِ لِأَنَّ
الْأَذَانَ شُرِعَ لِلْإِعْلَامِ، وَالْغَرَضُ بِهِ إظْهَارُ الشِّعَارِ
وَكَوْنُهُ عَلَى عَالٍ أَظْهَرُ فِي حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ. وَفِي سم
عَلَى مَنْهَجٍ قَالَ م ر: وَلَا يَدُورُ عَلَيْهِ فَإِنْ دَارَ كَفَى إنْ
سَمِعَ آخِرَ أَذَانِهِ مَنْ سَمِعَ أَوَّلَهُ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ
كَمَنَارَةٍ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ قَرُبَتْ مَوَاضِعُ الْأَذَانِ وَكَثُرَتْ،
وَالْمَنَارَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ جَمْعُهَا مَنَاوِرُ بِالْوَاوِ
لِأَنَّهُ مِنْ النُّورِ، وَمَنْ قَالَ مَنَائِرُ وَهَمَزَ فَقَدْ شَبَّهَ
الْأَصْلِيَّ بِالزَّائِدِ كَمَا قَالُوا مَصَائِبُ بِالْهَمْزِ،
وَأَصْلُهُ مَصَاوِبُ (قَوْلُهُ وَسَطْحٍ) لِلِاتِّبَاعِ الشَّيْخُ
عَمِيرَةُ، وَوَرَدَ أَيْضًا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّائِيِّ
أَنَّهُ قَالَ «رَأَيْت فِي الْمَنَامِ رَجُلًا قَامَ عَلَى جَزْمِ حَائِطٍ
فَأَذَّنَ» إلَخْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَالْجَزْمُ الْأَصْلُ اهـ سم
عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: مِنْ بَقِيَّةِ أَصَابِعِهِ) قَضِيَّتُهُ
اسْتِوَاؤُهَا فِي حُصُولِ السُّنَّةِ بِكُلٍّ مِنْهَا وَأَنَّهُ لَوْ
فُقِدَتْ أَصَابِعُهُ الْكُلُّ لَمْ يَضَعْ الْكَفَّ، وَفِي حَاشِيَةِ سم
عَلَى حَجّ قَوْلُهُ سَبَّابَتَيْهِ، فَلَوْ تَعَذَّرَا لِنَحْوِ
فَقْدِهِمَا اُتُّجِهَ جَعْلُ غَيْرِهِمَا مِنْ أَصَابِعِهِ، بَلْ لَا
يَبْعُدُ حُصُولُ أَصْلِ السُّنَّةِ بِجَعْلِ غَيْرِهِمَا وَلَوْ لَمْ
يَتَعَذَّرَا، وَعَلَيْهِ فَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَمَا قَالُوهُ
فِي التَّشَهُّدِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قُطِعَتْ سَبَّابَتُهُ لَا يَرْفَعُ
غَيْرَهَا أَنَّ غَيْرَ السَّبَّابَةِ طُلِبَ لَهُ صِفَةٌ يَكُونُ
عَلَيْهَا فَرَفْعُهَا بَدَلُ السَّبَّابَةِ يُفَوِّتُ صِفَتَهَا
بِخِلَافِهِ هُنَا
[تَرْتِيبُ الْأَذَانِ]
(قَوْلُهُ أَتَى بِالْمَتْرُوكِ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يُطِلْ الْفَصْلَ بِمَا
أَتَى بِهِ مِنْ غَيْرِ الْمُنْتَظِمِ بَيْنَ الْمُنْتَظِمِ وَمَا كَمُلَ
بِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ كَلَامٍ طَوِيلٍ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ
لِعُذْرٍ كَإِنْذَارِ أَعْمَى أَوْ إنْذَارِ مَنْ قَصَدَتْهُ حَيَّةٌ.
وَقَضِيَّةُ مَا مَرَّ عَنْ حَجّ مِنْ قَوْلِهِ لَا لِحَاجَةِ خِلَافِهِ،
وَكَذَا مَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ وَقَدْ يَجِبُ الْإِنْذَارُ
لِنَحْوِ حَيَّةٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَا يَضُرُّ) الْأَوْلَى أَنْ
يَقُولَ: وَخَرَجَ بِالطَّوِيلِ إلَخْ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ إخْلَالِهِ
بِالْإِعْلَامِ) قَالَ حَجّ: فَإِنْ فَحُشَ بِأَنَّ مَضَى ذَلِكَ: أَيْ
الزَّمَنُ الَّذِي يُخِلُّ بِالْإِعْلَامِ أَعَادَهُ، وَظَاهِرٌ أَنَّ
الْكَلَامَ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ: أَيْ فِي غَيْرِ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ
وَالصَّلَاةُ لِوُجُوبِ الْمُوَالَاةِ فِيهَا وَيُحْتَاطُ لِلْوَاجِبِ مَا
لَا يُحْتَاطُ لِغَيْرِهِ، وَمِنْ ثَمَّ يَنْبَغِي أَنْ يَضْبِطَ الطُّولَ
الْمُضِرَّ فِيهَا: أَيْ فِي الْجُمُعَةِ بِقَدْرِ رَكْعَتَيْنِ بِأَخَفِّ
مُمْكِنٍ أَخْذًا مِنْ نَظِيرِهِ فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ، وَلَا يَضُرُّ
الطُّولُ هُنَا بِذَلِكَ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَاجِبِ
وَالْمَنْدُوبِ (قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ الْأَوَّلِينَ) هُمَا يَسِيرُ
الْكَلَامِ وَالسُّكُوتِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَيَبْنِي عَلَى الْمُنْتَظِمِ مِنْهُ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ قَصَدَ
التَّكْمِيلَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفَاتِحَةِ لَائِحٌ
(قَوْلُهُ: طَوِيلٍ) وَصْفٌ لِلسُّكُوتِ، وَالْكَلَامِ إذْ الْعَطْفُ
بِأَوْ (قَوْلُهُ: لَمْ يُسَامَحْ فِيهَا بِفَاصِلٍ أَلْبَتَّةَ) لَعَلَّهُ
بِالنِّسْبَةِ لِلسُّنَّةِ بِقَرِينَةِ مَا قَبْلَهُ: أَيْ: فَالْأَذَانُ
سُومِحَ فِيهِ بِالسُّكُوتِ، وَالْكَلَامِ الْقَصِيرَيْنِ فَلَمْ يُسَنَّ
الِاسْتِئْنَافُ لِأَجْلِهِمَا، بِخِلَافِ يُسَنُّ الِاسْتِئْنَافُ فِيهَا
مُطْلَقًا
(1/411)
سُنَّ لَهُ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ فِي
نَفْسِهِ وَأَنْ يُؤَخِّرَ رَدَّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتَ الْعَاطِسِ إلَى
الْفَرَاغِ وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ.
وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَعْذُورًا سُومِحَ لَهُ فِي التَّدَارُكِ
مَعَ طُولِهِ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ بِوَجْهِ، فَإِنْ لَمْ يُؤَخِّرْ ذَلِكَ
لِلْفَرَاغِ فَخِلَافُ السُّنَّةِ كَالتَّكَلُّمِ وَلَوْ لِمَصْلَحَةٍ،
وَقَدْ يَجِبُ الْإِنْذَارُ لِنَحْوِ حَيَّةٍ تَقْصِدُ مُحْتَرَمًا أَوْ
رَأَى نَحْوَ أَعْمَى يُرِيدُ أَنْ يَقَعَ فِي نَحْوِ بِئْرٍ
وَلَا يُشْتَرَطُ لِلْأَذَانِ نِيَّةٌ بَلْ عَدَمُ الصَّارِفِ، فَلَوْ
ظَنَّ أَنَّهُ يُؤَذِّنُ لِلظُّهْرِ فَكَانَتْ الْعَصْرُ صَحَّ،
وَيُشْتَرَطُ فِي كُلٍّ مِنْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ عَدَمُ بِنَاءِ
غَيْرِهِ عَلَى مَا أَتَى بِهِ لِأَنَّ صُدُورَ ذَلِكَ يُورِثُ اللَّبْسَ
غَالِبًا، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَشْتَبِهَا صَوْتًا أَوْ لَا (وَفِي
قَوْلٍ: لَا يَضُرُّ كَلَامٌ وَسُكُوتٌ طَوِيلَانِ) بَيْنَ كَلِمَاتِهِمَا
كَبَقِيَّةِ الْأَذْكَارِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ حَيْثُ لَمْ يَفْحُشْ
الطُّولُ، فَإِنْ فَحُشَ بِحَيْثُ لَا يُسَمَّى مَعَ الْأَوَّلِ أَذَانًا
فِي الْأَذَانِ وَإِقَامَةً فِي الْإِقَامَةِ اسْتَأْنَفَ جَزْمًا
(وَشَرْطُ الْمُؤَذِّنِ) وَالْمُقِيمِ (الْإِسْلَامُ) فَلَا يَصِحَّانِ
مِنْ كَافِرٍ لِأَنَّ فِي إتْيَانِهِ بِهِمَا نَوْعَ اسْتِهْزَاءٍ إذْ لَا
يَعْتَقِدُ حَقِيقَةَ ذَلِكَ فَلَوْ فَعَلَ الْكَافِرُ ذَلِكَ حُكِمَ
بِإِسْلَامِهِ لِنُطْقِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَأَنْ يُؤَخِّرَ رَدَّ السَّلَامِ) أَيْ وَسُنَّ لَهُ أَنْ
يُؤَخِّرَ إلَخْ (قَوْلُهُ: لَمَّا كَانَ مَعْذُورًا سُومِحَ لَهُ)
قَضِيَّتُهُ وُجُوبُ الرَّدِّ بَعْدَ فَرَاغِ الْأَذَانِ وَهُوَ مُخَالِفٌ
لِمَا فِي الْأَبْيَاتِ الْمَشْهُورَةِ الَّتِي أَوَّلُهَا
رَدُّ السَّلَامِ وَاجِبٌ إلَّا عَلَى
إلَخْ، حَيْثُ عُدَّ فِيهَا الْأَذَانُ مِنْ الصُّوَرِ الْمُسْقِطَةِ
لِلرَّدِّ لَكِنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ مِنْ وُجُوبِ
الرَّدِّ عَلَى الْخَطِيبِ إذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يَجِبُ
الْإِنْذَارُ) أَيْ وَإِنْ طَالَ وَلَا يَبْطُلُ بِهِ الْأَذَانُ عَلَى مَا
مَرَّ
(قَوْلُهُ: بَلْ عَدَمُ الصَّارِفِ) قَالَ حَجّ: وَشَرْطُهُ عَدَمُ
الصَّارِفِ وَكَذَا الْإِقَامَةُ، فَلَوْ قَصَدَ تَعْلِيمَ غَيْرِهِ لَمْ
يُعْتَدَّ بِهِ لَا النِّيَّةُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَمِنْ ثَمَّ يَنْبَغِي
نَدْبُهَا، وَفُرِّعَ عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّهُ لَوْ كَبَّرَ
تَكْبِيرَتَيْنِ بِقَصْدِهِ ثُمَّ أَرَادَ صَرْفَهُمَا لِلْإِقَامَةِ لَمْ
يَنْصَرِفَا عَنْهُ فَيَبْنِي عَلَيْهِمَا، وَفِي التَّفْرِيعِ نَظَرٌ اهـ.
وَلَمْ يُبَيِّنْ وِجْهَةَ النَّظَرِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ عَدَمُ تَأَتِّي
النَّظَرِ فِيمَا قَالَهُ لِأَنَّ الصَّارِفَ إنَّمَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ
إذَا كَانَ مُقَارِنًا لِلَّفْظِ أَمَّا بَعْدَهُ فَلَا فَحَيْثُ قَصَدَ
الْأَذَانَ بِالتَّكْبِيرَتَيْنِ حُسِبَتَا مِنْهُ فَلَا يَأْتِي
صَرْفُهُمَا بَعْدُ، فَإِنْ لَمْ يُطِلْ الْفَصْلَ فَلَا وَجْهَ لِمَنْعِ
الْبِنَاءِ، وَبَقِيَ مَا لَوْ أَذَّنَ لِدَفْعِ تَغَوُّلِ الْغِيلَانُ
مَثَلًا وَصَادَفَ دُخُولَ الْوَقْتِ فَهَلْ يَكْفِي أَمْ لَا؟ فِيهِ
نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ: وَالْإِقَامَةُ عَدَمُ
بِنَاءِ غَيْرِهِ) وَمِنْهُ مَا يَقَعُ مِنْ الْمُؤَذِّنِينَ حَالَ
اشْتِرَاكِهِمْ فِي الْأَذَانِ مِنْ تَقْطِيعِ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ
بِحَيْثُ يَذْكُرُ وَاحِدٌ بَعْضَ الْكَلِمَةِ وَغَيْرُهُ بَاقِيَهَا،
وَيَنْبَغِي حُرْمَةُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَاطٍ لِعِبَادَةٍ فَاسِدَةٍ،
إلَّا أَنْ يُقَالَ طُرُوُّ ذَلِكَ يُبْطِلُ خُصُوصَ الْأَذَانِ وَيَبْقَى
كَوْنُهُ ذِكْرًا فَلَا يَحْرُمُ، لَكِنَّ مُقْتَضَى تَعْلِيلِ حُرْمَةِ
الْأَذَانِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ بِكَوْنِهِ عِبَادَةً فَاسِدَةً
خِلَافُهُ
[مِنْ شُرُوطُ الْمُؤَذِّنِ وَالْمُقِيمِ الْإِسْلَامُ]
(قَوْلُهُ لِنُطِقْهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا
يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْإِسْلَامِ عَطْفُ إحْدَى الشَّهَادَتَيْنِ عَلَى
الْأُخْرَى لِأَنَّ الشَّهَادَتَيْنِ فِي الْأَذَانِ لَا عَطْفَ
بَيْنَهُمَا وَقَدْ حُكِمَ بِالْإِسْلَامِ بِالنُّطْقِ بِهِمَا،
وَيُوَافِقُ ذَلِكَ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ فِي بَابِ الرِّدَّةِ أَنَّ
الشَّافِعِيَّ قَالَ: إذَا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ ارْتَدَّ وَهُوَ
مُسْلِمٌ لَمْ أَكْشِفْ عَنْ الْحَالِ وَقُلْت لَهُ: قُلْ أَشْهَدُ أَنْ
لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ
وَأَنَّك بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ دِينٍ يُخَالِفُ دِينَ الْإِسْلَامِ اهـ.
وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي بَابِ
الْكُفَّار أَنَّهُ ذَكَرَ الشَّافِعِيَّ أَنَّ الْإِسْلَامَ أَنْ تَشْهَدَ
أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ إلَخْ،
لِظُهُورِ أَنَّ الْوَاوَ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ مِنْ كَلَامِ
الشَّافِعِيِّ لِحِكَايَةِ صِيغَةِ الْإِسْلَامِ لَا مِنْ نَفْسِ صِيغَةِ
الْإِسْلَامِ الْمَحْكِيَّةِ فَتَدَبَّرْ اهـ سم عَلَى حَجّ. وَمَا ذُكِرَ
فِي صَدْرِ الْقَوْلَةِ مِنْ قَوْلِهِ لَا يُشْتَرَطُ إلَخْ هُوَ مَا
ذِكْرُ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ أَنَّ الشَّيْخَ: يَعْنِي الرَّمْلِيَّ
رَجَعَ إلَيْهِ آخِرًا بَعْدَ أَنْ قَرَّرَ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَة
أَنَّهُ أَتَى بِالْوَاوِ الْعَاطِفَةِ وَأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا لَمْ
يَحْكُمْ بِإِسْلَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا مَعَ تَرْكِ أَشْهَدُ فَلَا
بُدَّ مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
وَلَمْ يُسَامِحْ فِيهَا بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَأَنْ يُؤَخِّرَ رَدَّ
السَّلَامِ) هَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْمُسَلِّمُ يَمْكُثُ إلَى
الْفَرَاغِ فَإِنْ كَانَ يَذْهَبُ كَأَنْ سَلَّمَ، وَهُوَ مَارٌّ فَهَلْ
يَرُدُّ عَلَيْهِ حَالًا أَوْ يَتْرُكُ الرَّدَّ
(1/412)
مَا لَمْ يَكُنْ عِيسَوِيًّا
لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ إلَى الْعَرَبِ خَاصَّةً،
وَلَا يُعْتَدُّ بِأَذَانِ غَيْرِ الْعِيسَوِيِّ الْأَوَّلِ فَإِنْ
أَعَادَهُ اعْتَدَّ بِالثَّانِي، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُعِدْهُ
وَبِخِلَافِ الْعِيسَوِيِّ وَإِنْ أَعَادَهُ. وَلَوْ ارْتَدَّ الْمُؤَذِّنُ
ثُمَّ أَسْلَمَ قَرِيبًا بَنَى لِأَنَّ الرِّدَّةَ لَا تُبْطِلُ مَا مَضَى
إلَّا إنْ اتَّصَلَتْ بِالْمَوْتِ، وَإِنْ ارْتَدَّ بَعْدَهُ ثُمَّ
أَسْلَمَ وَلَوْ بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ جَازَتْ إقَامَتُهُ. نَعَمْ
يُسَنُّ أَنْ يُعِيدَ ذَلِكَ غَيْرُهُ لِأَنَّ رِدَّتَهُ تُورِثُ شُبْهَةً
فِي حَالِهِ (وَ) شَرْطُ مَنْ ذَكَرَ (التَّمْيِيزُ) وَلَوْ صَبِيًّا
فَيَتَأَدَّى بِأَذَانِهِ وَإِقَامَتِهِ الشِّعَارُ وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ
خَبَرُهُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ، وَمَا فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ قَبُولِ
خَبَرِهِ فِيمَا طَرِيقُهُ الْمُشَاهَدَةُ كَرُؤْيَةِ النَّجَاسَةِ ضَعِيفٌ
كَمَا ذَكَرَهُ فِي مَحَلٍّ آخَرَ. نَعَمْ قَدْ يُقْبَلُ خَبَرُهُ فِيمَا
احْتَفَتْ بِهِ قَرِينَةٌ كَإِذْنٍ فِي دُخُولِ دَارٍ وَإِيصَالِ هَدِيَّةٍ
وَإِخْبَارِهِ بِطَلَبِ ذِي وَلِيمَةٍ لَهُ فَتَجِبُ الْإِجَابَةُ إنْ
وَقَعَ فِي الْقَلْبِ صِدْقُهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الْوَاوِ، وَعِبَارَةُ الْعَلْقَمِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ
الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُخْلِصًا مِنْ قَلْبِهِ»
نَصُّهَا: وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي التَّلَفُّظِ
عِنْدَ الْإِسْلَامِ بِكَلِمَةِ الشَّهَادَةِ أَنْ يَقُولَ أَشْهَدُ وَهُوَ
الرَّاجِحُ الْمُعْتَمَدُ بَلْ هُوَ الصَّوَابُ، وَلَا يُغْتَرُّ بِمَا
ذَكَرَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعَصْرِ وَأَفْتَى بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ
مِنْ لَفْظِ أَشْهَدُ تَبَعًا لِظَاهِرِ كَلَامِهِمْ فِي مَوَاضِعَ،
وَمَوَاضِعُ أُخَرُ لَمْ يُصَرِّحُوا فِيهَا بِذَلِكَ بَلْ اكْتَفَوْا
بِقَوْلِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ
ذِكْرِ أَشْهَدُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: ذَكَرَ ابْنُ الرِّفْعَةَ
تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الشَّهَادَتَيْنِ، وَقَوْلُ
الْإِمَامِ: إنَّ قَائِلَهُ يَرَاهُ بَابًا مِنْ التَّعَبُّدِ أَنَّهُ لَا
بُدَّ مِنْ الْإِتْيَانِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ، حَتَّى لَوْ قَالَ
أَعْلَمُ وَأَتَحَقَّقُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا
رَسُولُ اللَّهِ لَا يَكُونُ بِذَلِكَ مُسْلِمًا: أَيْ خِلَافًا لِابْنِ
حَجَرٍ عَلَى الْأَرْبَعِينَ مِنْ أَنَّ كُلَّ مَا يَدُلُّ عَلَى الْعِلْمِ
وَالْإِقْرَارِ يُسَلَّمُ بِهِ، كَمَا أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ الشَّاهِدَ
لَوْ قَالَ أَعْلَمُ وَأَتَحَقَّقُ لَا يَقُومُ مَقَامَ أَشْهَدُ لِأَجْلِ
التَّعَبُّدِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ نَصَّهُ فِي
الْمُخْتَصَرِ وَالْأُمِّ هُنَا: يَعْنِي فِي كِتَابِ اللِّعَانِ ظَاهِرُهُ
اعْتِبَارُ لَفْظِ الشَّهَادَةِ، وَنَصُّهُ فِي بَابِ الْمُرْتَدِّ
ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالشَّهَادَتَيْنِ يَكْفِي فِي
حُصُولِ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَجْرَى كُلَّ نَصٍّ عَلَى ظَاهِرِهِ حَصَلَ
فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: قُلْت: وَالْوَجْهُ
عَدَمُ اشْتِرَاطِ لَفْظِ الشَّهَادَةِ كَمَا تَضَمَّنَ كَلَامُ
الْحَلِيمِيِّ نَقْلَ الِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ
الْقَفَّالِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ قَضِيَّةُ الْأَحَادِيثِ وَكَلَامُ
الشَّافِعِيِّ فِي مَوَاضِعَ وَكَلَامُ أَصْحَابِهِ وَالْأَحَادِيثُ
الدَّالَّةُ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرَةٌ. اُنْظُرْ إلَى «قَوْلِهِ لِعَمِّهِ
أَبِي طَالِبٍ يَا عَمُّ قُلْ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» وَلَمْ يَقُلْ
لَفْظُ أَشْهَدُ بَلْ مِنْ جِهَة الِاعْتِرَافِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ
وَالنُّبُوَّةِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِصِدْقِ الرَّسُولِ فِيمَا جَاءَ بِهِ
كَمَا بَيَّنَهُ الْإِمَامُ هُنَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَحْصُلُ
الْإِسْلَامُ إلَّا بِالشَّهَادَتَيْنِ وَرَأَى ذَلِكَ بَابًا مِنْ
التَّعَبُّدِ؛ حَتَّى إذَا قَالَ الْمُعَطِّلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ
لَمْ يَحْكُمْ بِإِسْلَامِهِ مَا لَمْ يَقُلْ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ
اهـ. وَهَذَا اسْتِدْرَاكٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا
اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، وَأَنَّ
الْمُرَادَ بِالشَّهَادَتَيْنِ ذَلِكَ لَا أَنْ يَقُولَ لَفْظَ
الشَّهَادَةِ فَاعْلَمْهُ، وَلَا نِزَاعَ فِيهِ وَلَا مِرْيَةَ، وَنَصَّ
فِي الْمُخْتَصَرِ فِي الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِالرِّدَّةِ قِيلَ لَهُ قُلْ
لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَجَرَى عَلَيْهِ
الْأَصْحَابُ، وَمَا رُوِيَ فِي الْأَحَادِيثِ مِنْ لَفْظِ الشَّهَادَةِ
فَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْإِتْيَانَ بِلَفْظِ أَشْهَدُ، وَمَنْ وَقَفَ
عَلَى طُرُقِ الْأَحَادِيثِ عَلِمَ ذَلِكَ اهـ كَلَامُ الْأَذْرَعِيُّ
بِحُرُوفِهِ. قُلْت: وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ
النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» . قَالَ بَعْضُ
شُيُوخِنَا: فَإِنْ قِيلَ فَكَيْفَ لَمْ يَذْكُرُ الرِّسَالَةَ؟
فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَجْمُوعُ وَصَارَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ
عَلَمًا عَلَيْهِ كَمَا تَقُولُ قَرَأْتُ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}
[الإخلاص: 1] أَيْ السُّورَةَ كُلَّهَا اهـ. قُلْت: فَظَهَرَ بِذَلِكَ
أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِمْ الشَّهَادَتَانِ أَوْ كَلِمَةُ
الشَّهَادَةِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ لَا
أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظِ أَشْهَدُ كَمَا تَقَدَّمَ اهـ بِحُرُوفِهِ
(قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَكُنْ عِيسَوِيًّا) قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ فِي
شَرْحِهِ: طَائِفَةٌ مِنْ الْيَهُودِ مَنْسُوبُونَ إلَى أَبِي عِيسَى
وَإِسْحَاقَ بْنِ يَعْقُوبَ الْأَصْفَهَانِيِّ الْيَهُودِيِّ كَانَ فِي
خِلَافَةِ الْمَنْصُورِ، وَكَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُعِثَ إلَى الْعَرَبِ خَاصَّةً، وَلَهُ
كِتَابٌ وَضَعَ فِيهِ الذَّبَائِحَ وَخَالَفَ الْيَهُودَ فِي أَحْكَامٍ
كَثِيرَةٍ (قَوْلُهُ: لَا أَنَّ الرِّدَّةَ لَا تُبْطِلُ مَا مَضَى) أَيْ
مِنْ الْأَعْمَالِ. أَمَّا الثَّوَابُ فَيَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ مُطْلَقًا
عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ أَوْ لَا (قَوْلُهُ: ذَلِكَ) أَيْ الْأَذَانُ
(قَوْلُهُ: نَعَمْ قَدْ يُقْبَلُ خَبَرُهُ) أَيْ فَإِنْ قَوِيَتْ
الْقَرِينَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(1/413)
أَمَّا غَيْرُ الْمُمَيِّزِ كَالْمَجْنُونِ
وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ أَذَانُهُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ
لِلْعِبَادَةِ. نَعَمْ يَصِحُّ أَذَانُ سَكْرَانَ فِي أَوَائِلِ نَشْأَتِهِ
لِانْتِظَامِ قَصْدِهِ وَفِعْلِهِ حِينَئِذٍ (وَ) شَرْطُهُ أَيْضًا
(الذُّكُورَةُ) وَلَوْ عَبْدًا، فَلَا يَصِحُّ أَذَانُ غَيْرِ الذَّكَرِ
كَمَا تَقَدَّمَ إيضَاحُهُ. نَعَمْ لَوْ أَذَّنَ الْخُنْثَى فَبَانَتْ
ذُكُورَتُهُ عَقِبَ أَذَانِهِ فَالْوَجْهُ إجْزَاؤُهُ كَمَا قَالَهُ
الْأَذْرَعِيُّ فِي غُنْيَتِهِ. وَيُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ نَصْبِ مُؤَذِّنٍ
رَاتِبٍ مِنْ قِبَلِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ أَوْ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ
النَّصْبِ شَرْعًا كَوْنُهُ عَارِفًا بِالْمَوَاقِيتِ بِأَمَارَةٍ أَوْ
بِخَبَرِ ثِقَةٍ عَنْ عِلْمٍ، وَأَنْ يَكُونَ بَالِغًا أَمِينًا، فَغَيْرُ
الْعَارِفِ لَا يَجُوزُ نَصْبُهُ وَإِنْ صَحَّ أَذَانُهُ، وَبِخِلَافِ مَنْ
يُؤَذِّنُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِجَمَاعَةٍ مِنْ غَيْرِ نَصْبٍ فَلَا
تُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهُ بِهَا، بَلْ مَتَى عَلِمَ دُخُولَ الْوَقْتِ صَحَّ
أَذَانُهُ كَأَذَانِ الْأَعْمَى، هَذَا حَاصِلُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ
الْمَجْمُوعِ خِلَافًا لِمَنْ فَهِمَ مِنْ كَلَامِهِ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ،
وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ كَصَاحِبِ الْإِسْعَادِ، وَلَوْ أَذَّنَ قَبْلَ
عِلْمِهِ بِالْوَقْتِ فَصَادَفَهُ اُعْتُدَّ بِأَذَانِهِ بِنَاءً عَلَى
عَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهِ وَبِهِ فَارَقَ التَّيَمُّمَ
وَالصَّلَاةَ
(وَيُكْرَهُ) الْأَذَانُ (لِلْمُحْدِثِ) حَدَثًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
هُنَا عَلَى صِدْقِهِ قَبْلَ خَبَرِهِ وَقِيَاسُ مَا يَأْتِي لَهُ فِي
الصَّوْمِ أَنَّ الْكَافِرَ إنْ أَخْبَرَ بِدُخُولِ الْوَقْتِ وَوَقَعَ فِي
الْقَلْبِ صِدْقُهُ قَبَلُ وَإِلَّا فَلَا وَأَنَّ الْفَاسِقَ كَذَلِكَ
(قَوْلُهُ: وَشَرْطُهُ أَيْضًا الذُّكُورَةُ) ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ
اشْتِرَاطُ ذَلِكَ فِي أَذَانِ الصَّلَاةِ وَأَذَانِ غَيْرِهَا مِنْ
الْأَذَانِ فِي أُذُنِ الْمَوْلُودِ وَغَيْرِهِ مِمَّا مَرَّ، وَلَوْ قِيلَ
بِعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ فِي أَذَانِ غَيْرِ الصَّلَاةِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا
وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: عَقِبَ أَذَانِهِ)
لَعَلَّهُ إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ
تُبْنَ حَالَا طَلَبِ الْأَذَانِ مِنْ غَيْرِهِ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ
بِإِذْنِهِ ظَاهِرًا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا تَبَيَّنَتْ
ذُكُورَتُهُ بَعْدَ مُدَّةٍ لَمْ يَعْتَدَّ بِأَذَانِهِ (قَوْلُهُ: مِنْ
قِبَلِ الْإِمَامِ) عِبَارَةُ حَجّ: وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ نَصْبِ نَحْوِ
الْإِمَامِ انْتَهَى وَهِيَ صَرِيحَةٌ فِي عَدَمِ الِاعْتِدَادِ
بِتَوْلِيَتِهِ، بِخِلَافِ قَوْلِ الشَّارِحِ، وَيُشْتَرَطُ لِجَوَازِ
إلَخْ فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ
الْجَوَازِ الْبُطْلَانُ لَكِنَّهُ الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ لَا سِيَّمَا
وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا يَفْعَلُ مَا فِيهِ
مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَمَتَى فَعَلَ خِلَافَ ذَلِكَ لَا يَعْتَدُّ
بِفِعْلِهِ، وَعَلَى مَا أَفْهَمَهُ إطْلَاقُ الشَّارِحِ مِنْ
الِاعْتِدَادِ بِتَوْلِيَتِهِ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ
عَدَمِ صِحَّةِ تَوْلِيَةِ الْإِمَامِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِذَلِكَ؟
وَلَعَلَّهُ أَنَّ الْخَلَلَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ الَّذِي يَخْشَى مِنْ
غَيْرِ الْأَهْلِ يَبْعُدُ عِلْمُ الْمَأْمُومِينَ بِهِ، وَلَا كَذَلِكَ
الْمُؤَذِّنُ فَإِنَّ أَذَانَهُ قَبْلَ الْوَقْتِ لَوْ فُرِضَ يُسَهِّلُ
عِلْمَ النَّاسِ بِهِ فَلَا يُقَلِّدُونَهُ فِي أَذَانِهِ، وَنُقِلَ عَنْ م
ر مَا يُوَافِقُ إطْلَاقَ شَرْحِهِ مِنْ صِحَّةِ تَوْلِيَتِهِ (قَوْلُهُ:
أَوْ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ النَّصْبِ شَرْعًا) كَالنَّاظِرِ الْمُفَوَّضِ
لَهُ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ الْوَاقِفِ (قَوْلُهُ: وَبِهِ فَارِقَ
التَّيَمُّمَ وَالصَّلَاةَ) وَقَضِيَّةُ هَذَا الْفَرْقِ أَنَّهُ لَوْ
خَطَبَ لِلْجُمُعَةِ جَاهِلًا بِدُخُولِ الْوَقْتِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ فِي
الْوَقْتِ أَجْزَأَهُ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْخُطْبَةِ،
وَيَحْتَمِلُ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ أَشْبَهَتْ
الصَّلَاةَ. وَقِيلَ إنَّهَا بَدَلٌ عَنْ رَكْعَتَيْنِ انْتَهَى حَجّ -
رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَوْلُهُ فَتَبَيَّنَ أَنَّ فِي الْوَقْتِ
أَجْزَأَهُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ
(قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ الْأَذَانُ لِلْمُحْدِثِ إلَخْ) أَيْ بِخِلَافِ
غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَذْكَارِ لَا يُكْرَهُ لِلْمُحْدِثِ لِأَنَّ
الْقُرْآنَ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ الْأَذْكَارِ لَا يُكْرَهُ لَهُ
فَبَقِيَّةُ الْأَذْكَارِ بِالْأَوْلَى. قَالَ فِي التِّبْيَانِ: فَصْلٌ
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ وَهُوَ عَلَى طَهَارَةٍ فَإِنْ قَرَأَ
مُحْدِثًا جَازَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ قَالَهُ الْإِمَامُ
الْحُسَيْنُ. وَلَا يُقَالُ ارْتَكَبَ مَكْرُوهًا بَلْ هُوَ تَارِكٌ
لِلْأَفْضَلِ انْتَهَى. وَفِي الْعُبَابِ: وَلَا تُكْرَهُ: أَيْ
التِّلَاوَةُ لِمُحْدِثٍ، قَالَ فِي شَرْحِهِ: لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ مَعَ الْحَدَثِ كَمَا صَحَّ عَنْهُ،
وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ كَوْنُهَا فِي حَقِّ الْمُحْدِثِ خِلَافَ
الْأَفْضَلِ انْتَهَى. وَبَيَّنَ قَوْلَ ذَلِكَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ
الْعُبَابُ نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ،
فَعَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ عِلَّةُ كَرَاهَةِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ
لِلْمُحْدِثِ مُجَرَّدَ كَوْنِهِمَا ذِكْرًا كَمَا تَوَهَّمَ، وَاَللَّهُ
تَعَالَى أَعْلَمُ. وَفِي فَتَاوَى السُّيُوطِيّ فِي بَابِ الْأَذَانِ:
وَلَا يُكْرَهُ الذِّكْرُ لِلْمُحْدِثِ بَلْ وَلَا لِلْجُنُبِ انْتَهَى.
وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَشَرْطُهُ) أَيْ الْمُؤَذِّنِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَتْنِ
بِقَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ
أَذَانُ غَيْرِ الذَّكَرِ) أَيْ لِلرِّجَالِ، وَالْخَنَاثَى بِخِلَافِهِ
لِلنِّسَاءِ بِلَا رَفْعِ صَوْتٍ عَلَى مَا مَرَّ فَيَجُوزُ وَلَا
يُسْتَحَبُّ، وَيَكُونُ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا ذَكَرَهُ حَجّ،
(1/414)
أَصْغَرَ لِخَبَرِ «كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ
اللَّهَ إلَّا عَلَى طُهْرٍ» أَوْ قَالَ " عَلَى طَهَارَةٍ " رَوَاهُ أَبُو
دَاوُد، وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّهُ صَحِيحٌ فَيُسْتَحَبُّ كَوْنُهُ
مُتَطَهِّرًا لِذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ يَدْعُو إلَى الصَّلَاةِ فَلْيَكُنْ
بِصِفَةِ مَنْ يُمْكِنُهُ فِعْلَهَا وَإِلَّا فَهُوَ وَاعِظٌ غَيْرُ
مُتَّعِظٍ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يُسَنُّ لَهُ
التَّطَهُّرُ مِنْ الْخُبْثِ أَيْضًا وَهُوَ كَذَلِكَ (وَ) الْكَرَاهَةُ
(لِلْجُنُبِ أَشَدُّ) مِنْهَا لِلْمُحْدِثِ لِكَوْنِ الْجَنَابَةِ أَغْلَظَ
وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْجُنُبُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الصَّلَاةِ فَوْقَ
مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمُحْدِثُ، وَالْمُرَادُ بِالْمُحْدِثِ مَنْ لَا
تُبَاحُ لَهُ الصَّلَاةُ. وَعِبَارَةُ الْعُبَابِ دَالَّةٌ عَلَى مَا
ذَكَرْنَاهُ حَيْثُ قَالَ: يُكْرَهُ أَذَانُ مُحْدِثٍ غَيْرِ مُتَيَمِّمٍ
(وَالْإِقَامَةُ) مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا (أَغْلَظُ) مِنْ الْأَذَانِ
لِقُرْبِهَا مِنْ الصَّلَاةِ، فَإِنْ انْتَظَرَهُ الْقَوْمُ لِيَتَطَهَّرَ
شُقَّ عَلَيْهِمْ وَإِلَّا سَاءَتْ بِهِ الظُّنُونُ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ
كَأَصْلِهِ أَنَّ كَرَاهَةَ إقَامَةِ الْمُحْدِثِ أَشَدُّ مِنْ كَرَاهَةِ
أَذَانِ الْجُنُبِ وَهُوَ الْأَوْجَهُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قُرْبِهَا مِنْ
الصَّلَاةِ لَكِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ يُتَّجَهُ مُسَاوَاتُهُمَا،
وَقِيَاسُ مَا ذَكَرُوهُ أَنْ يَكُونَ أَذَانُ الْمُحْدِثِ الْجُنُبِ
أَشَدَّ مِنْ الْجُنُبِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْحَيْضَ وَالنِّفَاسَ
أَغْلَظُ مِنْ الْجَنَابَةِ فَتَكُونُ الْكَرَاهَةُ مَعَهُمَا أَشَدَّ
مِنْهَا مَعَهَا، وَعُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ صِحَّةُ أَذَانِ الْجُنُبِ
وَإِقَامَتِهِ وَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ، وَمِثْلُهُ مَكْشُوفِ
الْعَوْرَةِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لِأَمْرٍ خَارِجٍ عَنْ الْأَذَانِ
وَالْإِقَامَةِ، فَإِنْ أَحْدَثَ وَلَوْ حَدَثًا أَكْبَرَ فِي أَذَانِهِ
اُسْتُحِبَّ إتْمَامُهُ، وَلَا يُسَنُّ قَطْعُهُ لِيَتَطَهَّرَ لِئَلَّا
يُوهِمَ التَّلَاعُبَ، فَإِنْ تَطَهَّرَ وَلَمْ يَطُلْ زَمَنُهُ بَنَى
عَلَى أَذَانِهِ وَالِاسْتِئْنَافُ أَوْلَى
(وَيُسَنُّ) لِلْأَذَانِ مُؤَذِّنٌ (صَيِّتٌ) أَيْ عَالِي الصَّوْتِ
«لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرَائِي الْأَذَانِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
إجَابَةُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ لِلْمُؤَذِّنِ انْتَهَى سم عَلَى حَجّ
(قَوْلُهُ: وَقَضِيَّتُهُ) أَيْ قَضِيَّةُ قَوْلِهِ وَلِأَنَّهُ يَدْعُو
إلَى الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالْمُحْدِثِ مِنْ لَا تُبَاحُ
لَهُ الصَّلَاةُ) أَيْ فَالْمُتَيَمِّمُ لَيْسَ مُحْدِثًا لِأَنَّهُ
تُبَاحُ لَهُ الصَّلَاةُ. وَقَضِيَّةُ التَّعْبِيرِ بِمَنْ لَا تُبَاحُ
لَهُ الصَّلَاةُ أَنَّ فَاقِدَ الطَّهُورَيْنِ كَالْمُتَيَمِّمِ وَبِهِ
صَرَّحَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ (قَوْلُهُ: فَإِنْ انْتَظَرَهُ) أَيْ
انْتَظَرُوا مَنْ أَقَامَ وَذَهَبَ لِيَتَطَهَّرَ شَقَّ إلَخْ (قَوْلُهُ:
وَإِلَّا سَاءَتْ بِهِ الظُّنُونُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْتَظِرُوهُ بِأَنْ
أَقَامَ لَهُمْ وَهُوَ مُحْدِثٌ أَوْ جُنُبٌ وَلَمْ يُصَلِّ سَاءَتْ بِهِ
الظُّنُونُ (قَوْلُهُ: وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ إلَخْ) فِي كَوْنِ مَا ذُكِرَ
قَضِيَّةَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ خَفَاءٌ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَقَدْ يُقَالُ
وَجْهُهُ أَنَّ حَذْفَ الْمَعْمُولِ فِي قَوْلِهِ وَالْإِقَامَةُ أَغْلَظُ
يُفِيدُ أَنَّهَا أَغْلَظُ مِنْ كُلٍّ مِنْ أَذَانِ الْمُحْدِثِ
وَالْجُنُبِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ يُتَّجَهُ إلَخْ)
ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ: أَشَدُّ مِنْ الْجُنُبِ) أَيْ الْمُتَوَضِّئِ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ حَدَثًا أَكْبَرَ فِي أَذَانِهِ اُسْتُحِبَّ إتْمَامُهُ)
أَيْ فَلَوْ كَانَ الْأَذَانُ فِي مَسْجِدٍ حُرِّمَ الْمُكْثُ وَوَجَبَ
قَطْعُ الْأَذَانِ انْتَهَى سم عَلَى حَجّ بِالْمَعْنَى. أَقُولُ:
وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ وُجُوبِ الْقَطْعِ حَيْثُ لَمْ يَتَأَتَّ لَهُ
فِعْلُهُ بِلَا مُكْثٍ بِأَنْ لَمْ يَتَأَتَّ سَمَاعُ الْجَمَاعَةِ لَهُ
إلَّا إذَا أَكْمَلَهُ بِمَحَلِّهِ مَثَلًا وَإِلَّا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
وَعَلَيْهِ فَعَدَمُ الصِّحَّةِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عَلَى إطْلَاقِهِ
[كَرَاهَةُ الْأَذَانِ لِلْمُحْدِثِ]
(قَوْلُهُ: لِخَبَرِ «كَرِهْت أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ إلَّا عَلَى طُهْرٍ» )
قَضِيَّةُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ مَعَ الْحَدَثِ مِنْ
حَيْثُ كَوْنُ الْأَذَانِ ذِكْرًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ
الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ الْأَذْكَارِ لَا يُكْرَهُ مَعَ الْحَدَثِ كَمَا
بَيَّنَهُ الشِّهَابُ سم، وَمِنْ ثَمَّ حَكَمَ الشِّهَابُ الْمَذْكُورُ
بِوَهْمِ مَنْ ادَّعَى ذَلِكَ، وَالشِّهَابُ حَجّ اسْتَدَلَّ بِخَبَرِ «لَا
يُؤَذِّنُ إلَّا مُتَوَضِّئٌ» (قَوْلُهُ: مَنْ لَا تُبَاحُ لَهُ
الصَّلَاةُ) فَلَا كَرَاهَةَ فِي أَذَانِ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ كَمَا
بَحَثَهُ الشِّهَابُ سم وَصَرَّحَ بِهِ الدَّمِيرِيِّ وَإِنْ أَخْرَجَتْهُ
عِبَارَةُ الْعُبَابِ الْمَذْكُورَةُ، لَكِنْ بَحَثَ الشِّهَابُ
الْمَذْكُورُ فِي مَحَلٍّ آخَرَ الْكَرَاهَةَ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ:
إنْ كَانَ يُؤَذِّنُ لِنَفْسِهِ فَلَا يُكْرَهُ بِدَلِيلِ طَلَبِ نَحْوِ
السُّورَةِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ أَذَانُهُ لِتَأْدِيَةِ الشِّعَارِ كُرِهَ
إلَّا أَنْ يَكُونَ لِمِثْلِهِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَقَضِيَّةُ
كَلَامِهِ) أَيْ بِالنَّظَرِ لِمَا قَرَّرَهُ هُوَ بِهِ حَيْثُ أَطْلَقَ
فِي الْأَذَانِ مِنْ قَوْلِهِ مِنْ الْأَذَانِ وَأَمَّا غَيْرُهُ
فَأَضَافَهُ لِلضَّمِيرِ فَقَالَ مِنْ أَذَانِهِ، لَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ
فِي الْمَتْنِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ أَيُّ الْمَعْنَيَيْنِ أَظْهَرُ
(قَوْلُهُ: فَتَكُونُ الْكَرَاهَةُ مَعَهُمَا أَشَدَّ إلَخْ) مُرَادُهُ
أَذَانُهُمَا بِغَيْرِ رَفْعِ صَوْتٍ وَإِلَّا فَقَدْ مَرَّ أَنَّ أَذَانَ
الْمَرْأَةِ، وَالْخُنْثَى بِرَفْعِهِ حَرَامٌ كَذَا حَمَلَ عَلَيْهِ
الشِّهَابُ سم عِبَارَةَ شَرْحِ الرَّوْضِ، وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا
يُسَمَّى أَذَانًا وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ ذِكْرٍ، فَالْأَوْلَى
الْجَوَابُ بِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْإِقَامَةِ
(1/415)
أَلْقِهِ عَلَى بِلَالٍ فَإِنَّهُ أَنْدَى
صَوْتًا مِنْك» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ،
وَالْأَنْدَى هُوَ الْأَبْعَدُ مَدًى، لِأَنَّ حِكْمَةَ الْأَذَانِ هِيَ
إبْلَاغُ دُخُولِ الْوَقْتِ وَهُوَ فِي الصِّيتِ أَكْثَرُ (حَسَنُ
الصَّوْتِ) «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اخْتَارَ
أَبَا مَحْذُورَةَ لِحُسْنِ صَوْتِهِ» وَلِأَنَّهُ أَرَقَّ لِمَسَامِعِهِ
فَيَكُونُ مَيْلُهُمْ إلَى الْإِجَابَةِ أَكْثَرَ (عَدْلٌ) أَيْ عَدْلٌ
رِوَايَةً بِالنِّسْبَةِ لِأَصْلِ السُّنَّةِ. وَأَمَّا كَمَالُهَا
فَيُعْتَبَرُ فِيهِ كَوْنُهُ عَدْلَ شَهَادَةٍ، وَبِهِ يَجْمَعُ بَيْنَ
كَلَامِ الْوَالِدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِهِ عَلَى
الزُّبْدِ وَكَلَامِ شَيْخِهِ فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ
عَلَى الْوَقْتِ، فَإِنْ أَذَّنَ الْفَاسِقُ كُرِهَ، إذْ لَا يُؤْمَنُ مِنْ
أَنْ يُؤَذِّنَ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ وَلَا أَنْ يَنْظُرَ إلَى
الْعَوْرَاتِ لَكِنْ يَحْصُلُ بِأَذَانِهِ السُّنَّةُ وَإِنْ لَمْ يُقْبَلُ
خَبَرُهُ
وَيُكْرَهُ تَمْطِيطُ الْأَذَانِ: أَيْ تَمْدِيدُهُ وَالتَّغَنِّي بِهِ:
أَيْ التَّطْرِيبُ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ وَلَدِ
مُؤَذِّنِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
كَبِلَالٍ وَابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ وَأَبِي مَحْذُورَةَ وَسَعْدٍ
الْقُرَظِيِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَمِنْ أَوْلَادِ مُؤَذِّنِي
أَصْحَابِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَمِنْ أَوْلَادِ
الصَّحَابَةِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيُسَنُّ أَنْ يَتَحَوَّلَ
الْمُؤَذِّنُ مِنْ مَكَانِ الْأَذَانِ لِلْإِقَامَةِ وَلَا يُقِيمُ وَهُوَ
يَمْشِي، وَأَنْ يَفْصِلَ الْمُؤَذِّنُ وَالْإِمَامُ بَيْنَ الْأَذَانِ
وَالْإِقَامَةِ بِقَدْرِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ فِي مَحَلِّ الصَّلَاةِ
وَبِقَدْرِ فِعْلِ السُّنَّةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَيَفْصِلُ فِي
الْمَغْرِبِ بَيْنهمَا بِنَحْوِ سَكْتَةٍ لَطِيفَةٍ كَقُعُودٍ يَسِيرٍ
لِضِيقِ وَقْتِهَا وَلِاجْتِمَاعِ النَّاسِ لَهَا عَادَةً قَبْلَ
وَقْتِهَا، وَعَلَى تَصْحِيحِ الْمُصَنِّفِ مِنْ اسْتِحْبَابِ سُنَّةٍ
لِلْمَغْرِبِ قَبْلَهَا يَفْصِلُ بِقَدْرِ أَدَائِهَا أَيْضًا، وَيُكْرَهُ
أَذَانُ الْأَعْمَى حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ بَصِيرٌ يَعْرِفُ الْوَقْتَ
لِأَنَّهُ رُبَّمَا غَلِطَ فِيهِ أَوْ يُفَوِّتُ عَلَى النَّاسِ أَوَّلَ
الْوَقْتِ
(وَالْإِمَامَةُ أَفْضَلُ مِنْهُ) أَيْ الْأَذَانِ (فِي الْأَصَحِّ)
لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِيُؤَذِّنْ لَكُمْ
أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَلِأَنَّ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءَ
الرَّاشِدِينَ وَاظَبُوا عَلَى الْإِمَامَةِ دُونَ الْأَذَانِ وَإِنْ كَانَ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَذَّنَ فِي السَّفَرِ
رَاكِبًا، وَلِأَنَّ الْقِيَامَ بِالشَّيْءِ أَوْلَى مِنْ الدُّعَاءِ
إلَيْهِ (قُلْت: الْأَصَحُّ أَنَّهُ أَفْضَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) فَقَدْ
نَقَلَ عَنْ النَّصِّ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ عَلَى
الْوَقْتِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
فَيَجِبُ خُرُوجُهُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَيُكْمِلُ الْأَذَانَ فِي مُرُورِهِ
أَوْ بِبَابِ الْمَسْجِدِ إنْ أَرَادَ إكْمَالَهُ
(قَوْلُهُ: هُوَ الْأَبْعَدُ مَدًى) وَقِيلَ هُوَ الْأَحْسَنُ صَوْتًا
(قَوْلُهُ: فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ) أَيْ حَيْثُ اُعْتُبِرَ كَوْنُهُ عَدْلَ
شَهَادَةٍ (قَوْلُهُ: لَكِنْ يَحْصُلُ بِأَذَانِهِ) أَيْ الْفَاسِقِ،
وَقَضِيَّةُ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ أَنَّ
أَذَانَهُ فِي الْوَقْتِ وَلَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى أَذَانِهِ نَظَرٌ إلَى
الْعَوْرَاتِ كَأَنْ أَذَّنَ بِأَرْضِ الْمَسْجِدِ بَعْدَ عِلْمِنَا
بِدُخُولِ الْوَقْتِ لَمْ يُكْرَهْ، وَلَوْ قِيلَ بِالْكَرَاهَةِ لَمْ
يَبْعُدْ لِأَنَّ الدَّاعِيَ لِلصَّلَاةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى
أَكْمَلِ حَالٍ
(قَوْلُهُ: وَالتَّغَنِّي بِهِ) قَالَ حَجّ: مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ بِهِ
الْمَعْنَى وَإِلَّا حُرِّمَ، بَلْ كَثِيرٌ مِنْهُ كُفْرٌ فَلْيُنْتَبَهْ
لِذَلِكَ انْتَهَى (قَوْلُهُ فَمِنْ أَوْلَادِ الصَّحَابَةِ) قَالَ حَجّ:
وَيَظْهَرُ تَقْدِيمُ ذُرِّيَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
عَلَى ذُرِّيَّةِ مُؤَذِّنِي الصَّحَابَةِ وَعَلَى ذُرِّيَّةِ صَحَابِيٍّ
لَيْسَ مِنْهُمْ: أَيْ لَيْسَ مِنْ أَوْلَادِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - (قَوْلُهُ: وَيَفْصِلُ فِي الْمَغْرِبِ بَيْنَهُمَا) أَيْ
الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ
[الْإِمَامَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْأَذَانِ]
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ
أَذَّنَ فِي السَّفَرِ إلَخْ) رَوَى التِّرْمِذِيُّ «أَنَّهُمْ كَانُوا
مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَسِيرٍ
فَانْتَهَوْا إلَى مَضِيقٍ وَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَمُطِرُوا، فَأَذَّنَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَقَامَ
فَتَقَدَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَصَلَّى بِهِمْ يُومِئُ إيمَاءً» قَالَ
عَبْدُ الْحَقِّ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إسْنَادُهُ
حَسَنٌ، وَضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ وَابْنُ
الْقَطَّانِ، وَقَدْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
بِلَفْظِ «فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، أَوْ أَقَامَ
بِغَيْرِ أَذَانٍ» وَكَذَا هُوَ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَرَجَّحَ السُّهَيْلِيُّ
هَذِهِ الرِّوَايَةَ لِأَنَّهَا بَيَّنَتْ مَا أَجْمَلُ فِي رِوَايَةِ
التِّرْمِذِيِّ وَإِنْ كَانَ الرَّاوِي عِنْدَهُ شَدِيدَ الضَّعْفِ
انْتَهَى مُلَخَّصًا مِنْ التَّخْرِيجِ أَيْضًا، لَكِنْ قَالَ الشَّمْسُ
الشَّامِيُّ: جَزَمَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِأَنَّهُ
أَذَّنَ مَرَّةً، وَتَبِعَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيُّ قَالَ
الْحَافِظُ السُّيُوطِيّ: مَنْ قَالَ إنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ هَذِهِ
الْعِبَادَةَ بِنَفْسِهِ وَأَلْغَزَ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ مَا سُنَّةٌ
أَمَرَ بِهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ
يَفْعَلْهَا فَقَدْ غَفَلَ انْتَهَى (قَوْلُهُ: قُلْت الْأَصَحُّ أَنَّهُ
أَفْضَلُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَيُؤْخَذُ مِنْ اعْتِذَارِهِمْ عَنْ
عَدَمِ أَذَانِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءِ
بَعْدَهُ لِاشْتِغَالِهِمْ بِمُهِمَّاتِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْأَذَانَ
لَوْ وَقَعَ مِنْهُمْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ إمَامَتِهِمْ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(1/416)
فَهُوَ أَكْثَرُ نَفْعًا مِنْهَا وَلِمَا
صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ يَعْلَمُ
النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ لَاسْتَهَمُوا
عَلَيْهِ» أَيْ اقْتَرَعُوا، وَقَوْلُهُ «إنَّ خِيَارَ عِبَادِ اللَّهِ
يُرَاعُونَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ وَالْأَظِلَّةَ لِذِكْرِ
اللَّهِ» وَقَوْلُهُ «الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ أَعْنَاقًا يَوْمَ
الْقِيَامَةِ» أَيْ أَكْثَرُ رَجَاءً لِأَنَّ رَاجِيَ الشَّيْءِ يَمُدُّ
عُنُقَهُ إلَيْهِ، وَقِيلَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ: أَيْ إسْرَاعًا إلَى
الْجَنَّةِ، وَقَوْلُهُ «الْإِمَامُ ضَامِنٌ وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ،
اللَّهُمَّ أَرْشِدْ الْأَئِمَّةَ وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ»
وَالْأَمَانَةُ أَعْلَى مِنْ الضَّمَانِ وَالْمَغْفِرَةُ أَعْلَى مِنْ
الْإِرْشَادِ وَخَبَرُ «الْمُؤَذِّنُ يُغْفَرُ لَهُ مَدَى صَوْتِهِ
وَيَشْهَدُ لَهُ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ» وَإِنَّمَا وَاظَبَ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ بَعْدَهُ عَلَى
الْإِمَامَةِ وَلَمْ يُؤَذِّنُوا لِاشْتِغَالِهِمْ بِمُهِمَّاتِ الدِّينِ
الَّتِي لَا يَقُومُ غَيْرُهُمْ فِيهَا مَقَامَهُمْ، وَلِهَذَا قَالَ
عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْلَا الْخِلِّيفَى لَأَذَّنْت.
وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِذَلِكَ إنَّمَا يَمْنَعُ الْإِدَامَةَ
لَا الْفِعْلَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ لَا سِيَّمَا أَوْقَاتِ الْفَرَاغِ،
كَمَا اعْتَرَضَ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ لَوْ أَذَّنَ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَالَ إنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَهُوَ لَا يُجْزِئُ،
أَوْ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَلَا جَزَالَةَ فِيهِ بِأَنَّهُ
فِي غَايَةِ الْجَزَالَةِ كَكُلِّ إقَامَةِ ظَاهِرٍ مَقَامَ مُضْمَرٍ
لِنُكْتَةٍ. وَالْأَحْسَنُ فِي الْجَوَابِ أَنَّ عَدَمَ فِعْلِهِ
لِلْأَذَانِ لَا دَلَالَةَ فِيهِ لِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِاحْتِمَالِهِ،
وَأَمَّا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَوْ أَذَّنَ
لَوَجَبَ حُضُورُ الْجَمَاعَةِ فَقَدْ رَدَّهُ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّهُ
أَذَّنَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَرُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْجَمَاعَةَ
الَّذِينَ أَذَّنَ لَهُمْ كَانُوا حَاضِرِينَ مَعَهُ عَلَى أَنَّ مَعْنَى
أَذَّنَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ أَمْرٌ كَمَا فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، وَسَوَاءٌ
عَلَى رَأْيِ الْمُصَنِّفِ أَقَامَ الْإِمَامُ بِحُقُوقِ الْإِمَامَةِ أَمْ
لَا، وَسَوَاءٌ انْضَمَّ إلَيْهِ الْإِقَامَةُ أَمْ لَا، خِلَافًا
لِلْمُصَنِّفِ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْأَذَانُ
أَفْضَلَ مَعَ كَوْنِهِ سُنَّةً وَالْجَمَاعَةُ فَرْضُ كِفَايَةٍ لِأَنَّ
السُّنَّةَ قَدْ تَفْضُلُ الْفَرْضَ كَرَدِّ السَّلَامِ مَعَ ابْتِدَائِهِ
وَإِبْرَاءِ الْمُعْسِرِ وَإِنْظَارِهِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ سُنَّةٌ
وَالثَّانِي فَرْضٌ، عَلَى أَنَّ مَرْجُوحِيَّةَ الْإِمَامَةِ لَيْسَتْ
مِنْ جِهَةِ الْجَمَاعَةِ بَلْ مِنْ جِهَةِ خُصُوصِ كَوْنِهَا مَظِنَّةَ
التَّقْصِيرِ، وَأَيْضًا فَالْجَمَاعَةُ لَيْسَتْ خَاصَّةً بِالْإِمَامِ
لِأَنَّهَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ، وَشَمَلَ
كَلَامُ الْمُصَنِّفِ إمَامَةَ الْجُمُعَةِ فَالْأَذَانُ أَفْضَلُ مِنْهَا
أَيْضًا وَيَظْهَرُ أَنَّ إمَامَتَهَا أَفْضَلُ مِنْ خُطْبَتِهَا،
وَيَلْزَمُ مِنْ تَفْضِيلِ الْأَذَانِ عَلَى إمَامَتِهَا تَفْضِيلُهُ عَلَى
خُطْبَتِهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.
وَيُسَنُّ لِلْمُتَأَهِّلِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ
وَأَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ مُتَطَوِّعًا بِهِ فَإِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
لَكِنَّهُمْ لَمَّا تَرَكُوهُ لِأُمُورٍ مُهِمَّةٍ جَازَ أَنْ يَكُونَ
لَهُمْ فَضْلٌ عَلَى الْإِمَامَةِ يَزِيدُ عَلَى فَضْلِ الْأَذَانِ لَوْ
وَقَعَ مِنْهُمْ.
(قَوْلُهُ: لَاسْتَهَمُوا عَلَيْهِ) الضَّمِيرُ فِي عَلَيْهِ رَاجِعٌ لِمَا
مِنْ قَوْلِهِ مَا فِي النِّدَاءِ (قَوْلُهُ: مَدَى صَوْتِهِ) اُنْظُرْ مَا
مَعْنَى ذَلِكَ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَوْ جُسِّمَتْ ذُنُوبُهُ
وَبَلَغَتْ بِتَقْدِيرِهَا جِسْمًا مَكَانًا هُوَ غَايَةُ صَوْتِهِ
لَغُفِرَتْ لَهُ تِلْكَ الذُّنُوبُ بِسَبَبِ الْأَذَانِ فَلْيُرَاجَعْ.
ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ الْعُبَابِ لحج مَا نَصُّهُ: وَمَعْنَى يَغْفِرُ
لَهُ مَدَى صَوْتِهِ أَنَّ ذُنُوبَهُ لَوْ كَانَتْ أَجْسَامًا غُفِرَ لَهُ
مِنْهَا قَدْرُ مَا يَمْلَأُ الْمَسَافَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُنْتَهَى
صَوْتِهِ، وَقِيلَ تَمْتَدُّ لَهُ الرَّحْمَةُ بِقَدْرِ مَدَى الصَّوْتِ.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: يَبْلُغُ غَايَةَ الْمَغْفِرَةِ إذَا بَلَغَ
غَايَةَ رَفْعِ الصَّوْتِ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ انْتَهَى بِحُرُوفِهِ
(قَوْلُهُ: وَيَشْهَدُ لَهُ) أَيْ بِالْأَذَانِ وَمَنْ لَازَمَهُ إيمَانُهُ
لِنُطْقِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ فِيهِ (قَوْلُهُ: لَوْلَا الْخِلِّيفَى)
أَيْ الْقِيَامُ بِأَمْرِ الْخِلَافَةِ، وَفِي النِّهَايَةِ الْخِلِّيفَى
بِالْكَسْرِ وَالتَّشْدِيد وَالْقَصْرُ الْخِلَافَةُ وَهُوَ وَأَمْثَالُهُ
مِنْ الْأَبْنِيَةِ كَالرَّمْيَا، وَالدَّلِيلِيِّ، مَصَادِرُ تَدُلُّ
عَلَى مَعْنَى الْكَثْرَةِ يُرِيدُ بِهِ كَثْرَةَ اجْتِهَادِهِ فِي ضَبْطِ
الْأُمُورِ وَتَصْرِيفِ أَعِنَّتِهَا (قَوْلُهُ بِأَنَّهُ فِي غَايَةِ
الْجَزَالَةِ) صِلَةُ اعْتَرَضَ الْجَوَابَ إلَخْ (قَوْلُهُ: كَكُلِّ
إقَامَةِ ظَاهِرٍ مَقَامَ مُضْمِرٍ، لِنُكْتَةٍ) زَادَ حَجّ: عَلَى أَنَّهُ
صَحَّ أَنَّهُ أَذَّنَ مَرَّةً فِي السَّفَرِ رَاكِبًا فَقَالَ ذَلِكَ،
وَنُقِلَ عَنْهُ فِي تَشَهُّدِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي
بِأَحَدِهِمَا تَارَةً وَبِالْآخَرِ أُخْرَى انْتَهَى. وَقَوْلُهُ فَقَالَ
ذَلِكَ: أَيْ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ (قَوْلُهُ: وَالْأَحْسَنُ
فِي الْجَوَابِ) أَيْ عَنْ تَوْجِيهِ أَفْضَلِيَّةِ الْإِمَامَةِ
بِمُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَالْخُلَفَاءِ عَلَى الْإِمَامَةِ وَعَدَمِ الْأَذَانِ (قَوْلُهُ:
لِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ) أَيْ الْقَوْلُ بِأَفْضَلِيَّةِ الْأَذَانِ
وَالْقَوْلُ بِأَفْضَلِيَّةِ الْإِمَامَةِ (قَوْلُهُ: انْضَمَّ إلَيْهِ)
أَيْ الْأَذَانِ
(قَوْلُهُ: بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ) وَفِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ الْخِلِّيفَى) بِكَسْرِ الْخَاءِ وَاللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ
وَفَتْحِ الْفَاءِ مَصْدَرُ خَلَّفَهُ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ لِإِدَارَةِ
الْمُبَالَغَةِ كَحَثَّهُ حِثِّيثَى وَخَصَّهُ خِصِّيصَى (قَوْلُهُ أَنْ
يَجْمَعَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ) أَيْ خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَ
السُّنِّيَّةَ فِي ذَلِكَ وَلِمَنْ أَثْبَتَ فِيهِ الْكَرَاهَةَ،
(1/417)
أَبَى رَزَقَهُ الْإِمَامُ مِنْ مَالِ
الْمَصَالِحِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْزُقَ مُؤَذِّنًا وَهُوَ يَجِدُ
مُتَبَرِّعًا، فَإِنْ تَطَوَّعَ بِهِ فَاسِقٌ وَثَمَّ أَمِينٌ أَوْ أَمِينٌ
وَثَمَّ أَمِينٌ أَحْسَنُ صَوْتًا مِنْهُ وَأَبَى الْأَمِينُ فِي الْأُولَى
وَالْأَحْسَنُ صَوْتًا فِي الثَّانِيَةِ إلَّا بِالرِّزْقِ رَزَقَهُ
الْإِمَامُ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ عِنْدَ حَاجَتِهِ بِقَدْرِهَا أَوْ
مِنْ مَالِهِ مَا شَاءَ، وَيَجُوزُ لِلْوَاحِدِ مِنْ الرَّعِيَّةِ أَنْ
يَرْزُقَهُ مِنْ مَالِهِ. وَأَذَانُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَهَمُّ مِنْ
غَيْرِهِ، وَلِكُلٍّ مِنْ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ
وَالْأُجْرَةُ عَلَى جَمِيعِهِ، وَيَكْفِي الْإِمَامَ لَا غَيْرَهُ إنْ
اسْتَأْجَرَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَنْ يَقُولَ أَسْتَأْجَرْتُك كُلَّ
شَهْرٍ بِكَذَا فَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْمُدَّةِ كَالْجِزْيَةِ
وَالْخَرَاجِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَ مِنْ مَالِهِ أَوْ
اسْتَأْجَرَ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهَا عَلَى الْأَصْلِ
فِي الْإِجَارَةِ، وَتَدْخُلُ الْإِقَامَةُ فِي الِاسْتِئْجَارِ عَلَى
الْأَذَانِ ضِمْنًا فَيَبْطُلُ إفْرَادُهَا بِإِجَارَةٍ إذْ لَا كُلْفَةَ
فِيهَا وَفِي الْأَذَانِ كُلْفَةٌ لِرِعَايَةِ الْوَقْتِ. قَالَ فِي
الرَّوْضَةِ: وَلَيْسَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ بِصَافِيَةٍ عَنْ الْإِشْكَالِ.
وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَذَانِ
مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْأَذَانَ فِيهِ مَشَقَّةُ الصُّعُودِ
وَالنُّزُولِ وَمُرَاعَاةُ الْوَقْتِ وَالِاجْتِهَادِ فِيهِ بِخِلَافِ
الْإِقَامَةِ. الثَّانِي أَنَّ الْأَذَانَ يَرْجِعُ لِلْمُؤَذِّنِ
وَالْإِقَامَةُ لَا تَرْجِعُ لِلْمُقِيمِ بَلْ تَتَعَلَّقُ بِنَظَرِ
الْإِمَامِ بَلْ فِي صِحَّتِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ خِلَافٌ. وَشَرْطُ
الْإِجَارَةِ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ مُفَوَّضًا لِلْأَجِيرِ وَلَا يَكُونَ
مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِيهِ وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي الْإِتْيَانِ
بِالْإِقَامَةِ لِتَعَلُّقِ أَمْرِهَا بِالْإِمَامِ، فَكَيْفَ يُسْتَأْجَرُ
عَلَى شَيْءٍ لَمْ يُفَوَّضْ إلَيْهِ وَكَيْفَ تَصِحُّ إجَارَةُ عَيْنٍ
عَلَى أَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ فِعْلِهِ بِنَفْسِهِ
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْأَذَانُ بِقُرْبِ الْمَسْجِدِ وَأَنْ لَا
يَكْتَفِيَ أَهْلُ الْمَسَاجِدِ الْمُتَقَارِبَةِ بِأَذَانِ بَعْضِهِمْ
بَلْ يُؤَذَّنُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ، وَيُكْرَهُ خُرُوجُ الْمُؤَذِّنِ
وَغَيْرُهُ بَعْدَ الْأَذَانِ مِنْ مَحَلِّ الْجَمَاعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ
إلَّا لِعُذْرٍ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ وَقْتَ الْأَذَانِ
مَنُوطٌ بِنَظَرِ الْمُؤَذِّنِ وَوَقْتَ الْإِقَامَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
نُسْخَةٌ وَالْإِقَامَةُ، وَمَا فِي الْأَصْلِ أَوْلَى لِمَا يَأْتِي مِنْ
أَنَّ الرَّاتِبَ: أَيْ الْمُؤَذِّنَ الرَّاتِبَ أَوْلَى بِالْإِقَامَةِ
(قَوْلُهُ: رَزَقَهُ الْإِمَامُ) أَيْ وُجُوبًا (قَوْلُهُ عِنْدَ
حَاجَتِهِ) التَّقْيِيدُ بِالْحَاجَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ
غَنِيًّا أَوْ زَادَ مَا يَطْلُبُهُ عَلَى الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ دَفْعُ
شَيْءٍ لَهُ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ، وَهَذَا وَأَمْثَالُهُ مَتَى
عَبَّرَ بِهِ كَانَ فِيهِ خَفَاءٌ بِالنِّسْبَةِ لِمُقَابِلِهِ. وَقَدْ
يُقَالُ مَا الْمَانِعُ مِنْ أَنَّهُ يُعْطِي قَدْرَ أُجْرَةِ مِثْلِهِ
وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلٍ
فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَمَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ لَهُمْ يَجِبُ
عَلَيْهِ فِعْلُهُ. هَذَا وَقَدْ يُقَالُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِهِ
عِنْدَ حَاجَتِهِ بِقَدْرِهَا لَا يُنَافِي مَا ذَكَر لِجَوَازِ أَنْ
يُرَادَ إنْ كَانَ مُحْتَاجًا أَخَذَ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ وَإِلَّا أَخَذَ
بِقَدْرِ أُجْرَةِ مِثْلِهِ (قَوْلُهُ: وَأَذَانُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ
أَهَمُّ مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ فَيَزِيدُ ثَوَابُهُ عَلَى غَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ: الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْأَذَانِ (قَوْلُهُ
وَالْأُجْرَةُ عَلَى جَمِيعِهِ) أَيْ وَفَائِدَةُ ذَلِكَ تَظْهَرُ فِيمَا
لَوْ أَخَلَّ بِهِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَيَسْقُطُ مَا يُقَابِلُهُ
مِنْ الْمُسَمَّى بِقِسْطِهِ، أَمَّا لَوْ أَخَلَّ بِبَعْضِ كَلِمَاتِهِ
فَلَا شَيْءَ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي أَخَلَّ فِيهَا
لِأَنَّهُ بِتَرْكِ كَلِمَةٍ مِنْهُ أَوْ بَعْضِهَا بَطَلَ الْأَذَانُ
بِجُمْلَتِهِ (قَوْلُهُ: وَتَدْخُلُ الْإِقَامَةُ فِي الِاسْتِئْجَارِ)
أَيْ فَلَوْ تَرَكَهَا سَقَطَ مِنْ الْأُجْرَةِ مَا يُقَابِلُهَا، وَأَمَّا
مَا اُعْتِيدَ مِنْ فِعْلِ الْمُؤَذِّنِينَ مِنْ التَّسْبِيحَاتِ
وَالْأَدْعِيَةِ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ فَلَيْسَ دَاخِلًا فِي الْإِجَارَةِ
فِي الْأَذَانِ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْهُ لَمْ يَسْقُطْ مِنْ أُجْرَتِهِ
لِلْأَذَانِ شَيْءٌ (قَوْلُهُ: إفْرَادُهَا) أَيْ الْإِقَامَةُ (قَوْلُهُ
إذْ لَا كُلْفَةَ فِيهَا) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهَا
كُلْفَةٌ كَأَنْ احْتَاجَ فِي إسْمَاعِ النَّاسِ إلَى صُعُودِ مَحَلٍّ
عَالٍ فِي صُعُودِهِ مَشَقَّةٌ أَوْ مُبَالَغَةٌ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ
وَالتَّأَنِّي فِي الْكَلِمَاتِ لِيَتَمَكَّنَ النَّاسُ مِنْ سَمَاعِهِ
صَحَّتْ الْإِجَارَةُ لَهَا (قَوْلُهُ: وَلَيْسَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ) هِيَ
قَوْلُهُ فَيَبْطُلُ إفْرَادُهَا بِإِجَارَةٍ (قَوْلُهُ: بَلْ فِي
صِحَّتِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ خِلَافٌ) وَالرَّاجِحُ الصِّحَّةُ فَلَا
يَحْتَاجُ إلَى إعَادَتِهَا لَوْ وَقَعَتْ قَبْلَ إذْنِ الْإِمَامِ
(قَوْلُهُ: وَشَرْطُ الْإِجَارَةِ إلَخْ) تَوْجِيهٌ لِلْبُطْلَانِ مِنْ
الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَلَوْ قَالَ بَلْ قِيلَ بِبُطْلَانِهَا
عِنْدَ عَدَمِ الْإِذْنِ لِأَنَّ شَرْطَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
وَفِي نُسَخٍ، وَالْإِقَامَةُ بَدَلُ الْإِمَامَةِ
(قَوْلُهُ: الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مُطْلَقِ الْأَذَانِ
(قَوْلُهُ: الثَّانِي أَنَّ الْأَذَانَ يَرْجِعُ لِلْمُؤَذِّنِ إلَخْ) فِي
هَذَا الْوَجْهِ نَظَرٌ يُعْلَمُ بِمُرَاجَعَةِ كَلَامِهِمْ فِي بَابِ
الْإِجَارَةِ
(1/418)
بِنَظَرِ الْإِمَامِ لِمَا صَحَّ مِنْ
قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُؤَذِّنُ أَمْلَكُ
بِالْأَذَانِ وَالْإِمَامُ أَمْلَكُ بِالْإِقَامَةِ» وَلِأَنَّهُ لِبَيَانِ
الْوَقْتِ فَيَتَعَلَّقُ بِنَظَرِ الرَّاصِدِ لَهُ وَهُوَ الْمُؤَذِّنُ
وَهِيَ لِلْقِيَامِ إلَيَّ الصَّلَاةِ فَلَا تُقَامُ إلَّا بِإِشَارَتِهِ،
فَإِنْ أُقِيمَتْ بِغَيْرِهَا أَجْزَأَتْ، وَلَا يَصِحُّ الْأَذَانُ
لِغَيْرِهِ بِالْعَجَمِيَّةِ وَهُنَاكَ مَنْ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ،
بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَنْ لَا يُحْسِنُهَا، وَإِنْ أَذَّنَ لِنَفْسِهِ
وَهُوَ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ صَحَّ وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ
يُحْسِنُهَا وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ، حَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ
الْمَاوَرْدِيِّ وَأَقَرَّهُ
(وَشَرْطُهُ) أَيْ الْأَذَانِ (الْوَقْتُ) وَمِثْلُهُ الْإِقَامَةُ لِأَنَّ
الْمَقْصُودَ بِهِ الْإِعْلَامُ، وَلَا مَعْنَى لَهُ قَبْلَ الْوَقْتِ مَعَ
مَا فِيهِ مِنْ التَّدْلِيسِ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ صِحَّتَهُ مَا دَامَ
الْوَقْتُ بَاقِيًا، وَبِهِ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي مَسْأَلَةِ
الْمُوَالَاةِ الْأَخِيرَةِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ،
فَتَقْيِيدُ ابْنِ الرِّفْعَةِ بِوَقْتِ الِاخْتِيَارِ مَحْمُولٌ عَلَى
بَيَانِ الْأَفْضَلِ. نَعَمْ تَبْطُلُ مَشْرُوعِيَّتُهُ بِفِعْلِ
الصَّلَاةِ كَمَا نَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ، وَظَاهِرٌ
كَمَا قَالَهُ الْجَوْجَرِيُّ أَنَّ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُصَلِّي
فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ وَلَوْ أَذَّنَ قَبْلَ الْوَقْتِ بِنِيَّتِهِ
حُرِّمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُتَعَاطٍ عِبَادَةً فَاسِدَةً (إلَّا
الصُّبْحَ) أَيْ أَذَانَهُ (فَمِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ) شِتَاءً كَانَ أَوْ
صَيْفًا لِمَا صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ
«إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ
ابْنُ مَكْتُومٍ» وَشَمَلَ ذَلِكَ أَذَانَ الْجُمُعَةِ فَهُوَ كَغَيْرِهِ،
وَالْقِيَاسُ عَلَى الصُّبْحِ غَيْرُ صَحِيحٍ. أَمَّا الْإِقَامَةُ فَلَا
تَصِحُّ إلَّا فِي الْوَقْتِ وَلَوْ لِلصُّبْحِ. نَعَمْ يُشْتَرَطُ أَنْ
لَا يَطُولَ الْفَصْلُ عُرْفًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ، وَخَالَفَتْ
الصُّبْحُ غَيْرَهَا لِأَنَّ وَقْتَهَا يَدْخُلُ عَلَى النَّاسِ وَفِيهِمْ
الْجُنُبُ وَالنَّائِمُ، فَاسْتُحِبَّ تَقْدِيمُ أَذَانِهَا
لِيَتَنَبَّهُوا وَيَتَأَهَّبُوا لِيُدْرِكُوا فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ
(وَيُسَنُّ مُؤَذِّنَانِ لِلْمَسْجِدِ) وَنَحْوِهِ اقْتِدَاءً بِهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمِنْ فَوَائِدِهِ أَنَّهُ
(يُؤَذِّنُ وَاحِدٌ) لِلصُّبْحِ (قَبْلَ الْفَجْرِ وَآخَرُ بَعْدَهُ)
لِلْخَبَرِ الْمُتَقَدِّمِ وَتُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِمَا
بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ وَيَتَرَتَّبُونَ فِي أَذَانِهِمْ إنْ
اتَّسَعَ الْوَقْتُ لَهُ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ، فَإِنْ
ضَاقَ الْوَقْتُ وَالْمَسْجِدُ كَبِيرٌ تَفَرَّقُوا فِي أَقْطَارِهِ كُلُّ
وَاحِدٍ فِي قُطْرٍ، وَإِنْ صَغُرَ اجْتَمَعُوا إنْ لَمْ يُؤَدِّ
اجْتِمَاعُهُمْ إلَى اضْطِرَابٍ وَاخْتِلَاطٍ وَيَقِفُونَ عَلَيْهِ
كَلِمَةً كَلِمَةً، فَإِنْ أَدَّى إلَى تَشْوِيشٍ أَذَّنَ بَعْضُهُمْ
بِالْقُرْعَةِ إذَا تَنَازَعُوا. نَعَمْ لَنَا صُورَةٌ يُسْتَحَبُّ فِيهَا
اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الْإِجَارَةِ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ إلَخْ لَكَانَ أَوْلَى
(قَوْلُهُ: «الْمُؤَذِّنُ أَمْلَكُ بِالْأَذَانِ» ) أَيْ أَشَدُّ
اسْتِحْقَاقًا لِلنَّظَرِ فِي دُخُولِ وَقْتِهِ فَلَا يُرْجَعُ لِغَيْرِهِ
فِيهِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ أُقِيمَتْ بِغَيْرِهَا أَجْزَأَتْ) وَلَا إثْمَ
عَلَى الْفَاعِلِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ الْأَذَانُ لِغَيْرِهِ) أَيْ
غَيْرِ نَفْسِهِ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ) أَيْ يُسَنُّ
لَهُ
[شُرُوطُ الْأَذَانِ]
(قَوْلُهُ: صِحَّتُهُ) أَيْ صِحَّةُ الْأَذَانِ (قَوْلُهُ: نَعَمْ تَبْطُلُ
مَشْرُوعِيَّتُهُ بِفِعْلِ الصَّلَاةِ) أَيْ لِلْجَمَاعَةِ بِفِعْلِهِمْ
وَالْمُنْفَرِدُ بِفِعْلِهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مُتَعَاطٍ عِبَادَةً
فَاسِدَةً) فِيهِ مَا مَرَّ عَنْ شَرْحِ الْمُنْفَرِجَةِ (قَوْلُهُ: فَمِنْ
نِصْفِ اللَّيْلِ) قَالَ حَجّ: وَاخَتِيرَ تَحْدِيدُهُ بِالسَّحَرِ وَهُوَ
السُّدُسُ الْأَخِيرُ اهـ. وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم مَا حَاصِلُهُ لَوْ
أَذَّنَ قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ هَلْ يَحْرُمُ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ
اهـ. وَقَضِيَّةُ قَوْلِ الشَّارِحِ قَبْلُ وَلَوْ أَذَّنَ قَبْلَ
الْوَقْتِ بِنِيَّتِهِ حَرُمَ أَنْ يُقَالَ هُنَا بِالتَّحْرِيمِ حَيْثُ
أَذَّنَ بِنِيَّتِهِ (قَوْلُهُ: فَهُوَ كَغَيْرِهِ) أَيْ فَلَا يَصِحُّ
قَبْلَ الْوَقْتِ، وَلَوْ قَدَّمَهُ عَلَى قَوْلِهِ إلَّا الصُّبْحَ
لَكَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ: نَعَمْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَطُولَ الْفَصْلُ)
أَيْ وَذَلِكَ فِي الْجُمُعَةِ بِأَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى قَدْرِ
رَكْعَتَيْنِ بِأَخَفِّ مَا يُمْكِنُ وَفِي غَيْرِهَا أَنْ لَا يَطُولَ
الْفَصْلُ عُرْفًا لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الْمَنْدُوبِ مَا لَا
يُغْتَفَرُ فِي الْوَاجِبِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ حَجّ
(قَوْلُهُ: فِي قُطْرٍ) أَيْ نَاحِيَةٍ. قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: الْقُطْرُ
النَّاحِيَةُ وَالْجَانِبُ وَجَمْعُهُ أَقْطَارٌ (قَوْلُهُ: إلَى
اضْطِرَابٍ وَاخْتِلَاطٍ) عَطْفُ مُغَايِرٍ بِحَمْلِ الِاضْطِرَابِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَبِهِ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي مَسْأَلَةِ الْمُوَالَاةِ
الْأَخِيرَةِ) هُوَ تَابِعٌ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ لِلشِّهَابِ حَجّ فِي
شَرْحِ الْإِرْشَادِ بِبَعْضِ تَصَرُّفٍ، لَكِنَّ الشِّهَابَ الْمَذْكُورَ
ذَكَرَ قُبَيْلَ ذَلِكَ مَا نَصُّهُ: وَكَذَا لَوْ أَخَّرَ مُؤَدَّاةً
لِآخِرِ الْوَقْتِ فَأَذَّنَ لَهَا ثُمَّ عَقِبَ سَلَامِهَا دَخَلَ وَقْتُ
مُؤَدَّاةٍ أُخْرَى فَيُؤَذِّنُ لَهَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ انْتَهَى.
وَالشَّارِحُ قَدَّمَ هَذَا فِي أَوَائِلِ الْفَصْلِ عَقِبَ قَوْلِ
الْمُصَنِّفِ: فَإِنْ كَانَ فَوَائِتَ لَمْ يُؤَذِّنْ لِغَيْرِ الْأُولَى،
ثُمَّ ذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ هُنَا فَأَشْكَلَ مُرَادُهُ
(1/419)
الْأَذَانِ مَعَ اتِّسَاعِ الْوَقْتِ
وَهِيَ أَذَانُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ، نَصَّ
عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ، وَسَبَبُهُ التَّطْوِيلُ عَلَى
الْحَاضِرِينَ فَإِنَّهُمْ مُجْتَمِعُونَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ غَالِبًا
سِيَّمَا مَنْ امْتَثَلَ السُّنَّةَ وَبَكَّرَ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ
خِلَافُهُ لِتَصْرِيحِهِمْ ثُمَّ بِأَنَّ السُّنَّةَ كَوْنُ الْمُؤَذِّنِ
بَيْنَ يَدَيْهِ وَاحِدًا. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَعِنْدَ التَّرْتِيبِ
لَا يَتَأَخَّرُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ لِئَلَّا يَذْهَبَ أَوَّلُ
الْوَقْتِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ سُنَّ لَهُ أَنْ
يُؤَذِّنَ الْمَرَّتَيْنِ فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى مَرَّةٍ فَالْأَوْلَى
أَنْ تَكُونَ بَعْدَ الْفَجْرِ، وَالْمُؤَذِّنُ الْأَوَّلُ أَوْلَى
بِالْإِقَامَةِ مَا لَمْ يَكُنْ الرَّاتِبُ غَيْرَهُ فَيَكُونُ الرَّاتِبُ
أَوْلَى
(وَيُسَنُّ لِسَامِعِهِ) وَمُسْتَمِعِهِ وَمِثْلُهُ الْمُقِيمُ (مِثْلُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
عَلَى اخْتِلَالِ الْأَذَانِ وَالِاخْتِلَاطِ عَلَى اخْتِلَاطِ
الْأَصْوَاتِ وَاشْتِبَاهِهَا (قَوْلُهُ: وَسَبَبُهُ التَّطْوِيلُ)
الْأَوْلَى عَدَمُ التَّطْوِيلِ، وَوَجْهُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ الْمُرَادَ
التَّطْوِيلُ لَوْ تَرَتَّبُوا فِي أَذَانِهِمْ (قَوْلُهُ: لَكِنَّ
الْأَصَحَّ خِلَافُهُ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: أَنْ يُؤَذِّنَ
الْمَرَّتَيْنِ) أَيْ فَلَوْ لَمْ يُؤَذِّنْ قَبْلَ الْفَجْرِ فَهَلْ
يُسَنُّ بَعْدَهُ أَذَانَانِ نَظَرًا لِلْأَصْلِ أَوْ لَا، وَيَحْكُمُ
بِفَوَاتِ الْأَوَّلِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَلَوْ قَضَى فَائِتَةَ
الصُّبْحِ فَهَلْ يُسَنُّ لَهَا أَذَانَانِ أَوْ وَاحِدٌ فَقَطْ؟ قَالَ سم
عَلَى بَهْجَةٍ: فِي كُلٍّ مِنْهُمَا نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ
يُسَنُّ أَذَانَانِ نَظَرًا لِلْأَصْلِ كَمَا طَلَبَ التَّثْوِيبَ
فَائِتَتُهَا نَظَرًا لِذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى مَرَّةٍ)
يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَا يَقَعُ لِلْمُؤَذِّنَيْنِ فِي رَمَضَانَ
مِنْ تَقْدِيمِ الْأَذَانِ عَلَى الْفَجْرِ كَافٍ فِي أَدَاءِ السُّنَّةِ
لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى. وَقَدْ يُقَالُ مُلَاحَظَةُ مَنْعِ النَّاسِ
مِنْ الْوُقُوعِ فِيمَا يُؤَدِّي إلَى الْفِطْرِ إنْ أَخَّرَ الْأَذَانَ
إلَى الْفَجْرِ مَانِعٌ مِنْ كَوْنِهِ خِلَافَ الْأَوْلَى. لَا يُقَالُ:
لَكِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى مَفْسَدَةٍ أُخْرَى وَهِيَ صَلَاتُهُمْ قَبْلَ
الْفَجْرِ لِأَنَّا نَقُولُ: عِلْمُهُمْ بِاطِّرَادِ الْعَادَةِ
بِالْأَذَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ مَانِعٌ مِنْ ذَلِكَ. وَحَامِلٌ عَلَى
تَحَرِّي تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ لِيَتَيَقَّنَ دُخُولَ الْوَقْتِ أَوْ
ظَنَّهُ (قَوْلُهُ: أَوْلَى بِالْإِقَامَةِ) لَعَلَّهُ لِأَنَّهُ
بِتَقَدُّمِهِ اسْتَحَقَّ الْإِقَامَةَ فَأَذَانُ الثَّانِي بَعْدَهُ لَا
يَسْقُطُ مَا ثَبَتَ لِلْأَوَّلِ
(قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ لِسَامِعِهِ) شَامِلٌ لِلْأَذَانِ لِلصَّلَاةِ
وَلِغَيْرِهَا كَالْأَذَانِ فِي أُذُنِ الْمَوْلُودِ وَخَلْفَ
الْمُسَافِرِ، وَيُوَافِقُهُ عُمُومُ حَدِيثِ «إذَا سَمِعْتُمْ
الْمُؤَذِّنَ» إلَخْ الْآتِيَ فَإِنَّ الْمُتَبَادِرَ أَنَّ اللَّامَ فِيهِ
لِلِاسْتِغْرَاقِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: إذَا سَمِعْتُمْ أَيَّ مُؤَذِّنٍ
سَوَاءٌ أَذَّنَ لِلصَّلَاةِ أَوْ لِغَيْرِهَا، لَكِنْ نُقِلَ عَنْ م ر
أَنَّهُ لَا سُكْنَى إلَّا أَذَانَ الصَّلَاةِ، وَعَلَيْهِ فَاللَّامُ فِي
قَوْلِهِ إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ لِلْعَهْدِ فَلْيُرَاجَعْ،
وَظَاهِرُ قَوْلِهِ لِسَامِعِهِ أَنَّهُ يُجِيبُ وَلَوْ بِصَوْتٍ لَمْ
يَفْهَمْهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةَ حَجّ انْتَهَى سم عَلَى
مَنْهَجٍ، وَعِبَارَتُهُ عَلَى الْمِنْهَاجِ: وَيُسَنُّ لِسَامِعِهِ
كَالْإِقَامَةِ بِأَنْ يُفَسِّرَ اللَّفْظَ وَإِلَّا لَمْ يُعْتَدَّ
بِسَمَاعِهِ نَظِيرُ مَا يَأْتِي فِي السُّورَةِ لِلْإِمَامِ انْتَهَى.
وَفِي سم عَلَى الْبَهْجَةِ قَالَ فِي الْعُبَابِ: وَلَوْ ثَنَّى حَنَفِيٌّ
احْتَمَلَ أَنَّهُ لَا يُجِيبُهُ فِي الزِّيَادَةِ لِأَنَّهُ يَرَاهَا
خِلَافَ السُّنَّةِ وَقِيَاسًا عَلَى الِاعْتِبَارِ بِعَقِيدَةِ
الْمَأْمُومِ وَكَمَا لَوْ زَادَ فِي الْأَذَانِ تَكْبِيرًا أَوْ غَيْرَهُ
فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يُتَابِعُهُ انْتَهَى. وَهُوَ مُتَّجَهٌ
جِدًّا وَإِنْ أَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهَا سُنَّةٌ فِي اعْتِقَادِ
الْآتِي بِهَا سُنَّةُ الْإِقَامَةِ فَيُنْدَبُ إجَابَتُهَا، وَفَرَّقَ
بَيْنَهَا وَبَيْنَ اعْتِبَارِ عَقِيدَةِ الْمَأْمُومِ بِأَنَّ
الْإِمَامَةَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ رَابِطَةٍ وَهِيَ مُتَعَذِّرَةٌ مَعَ
اعْتِقَادِ الْمَأْمُومِ بُطْلَانَ صَلَاةِ الْإِمَامِ، وَهُنَا لَا
يَحْتَاجُ لِرَابِطَةٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزِّيَادَةِ فِي الْأَذَانِ
بِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِهَا يُعْتَدُّ بِهِ فَلَمْ يُرَاعِ خِلَافَهُ،
بِخِلَافِ تَثْنِيَةِ كَلَامِ الْإِقَامَةِ انْتَهَى فَلْيُتَأَمَّلْ.
ثُمَّ رَأَيْت قَوْلَ الشَّارِحِ الْآتِي فَلَوْ كَانَ الْمُؤَذِّنُ
يُثَنِّي الْإِقَامَةَ فَهَلْ يُثَنِّي السَّامِعُ إلَخْ وَهُوَ مُخَالِفٌ
لِمَا هُنَا.
[فَرْعٌ] لَوْ دَخَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي أَثْنَاءِ الْأَذَانِ بَيْنَ
يَدَيْ الْخَطِيبِ، فَفِي الْعُبَابِ تَبَعًا لِمَا اخْتَارَهُ أَبُو
شُكَيْلٍ أَنَّهُ يُجِيبُ قَائِمًا ثُمَّ يُصَلِّي التَّحِيَّةَ بِخِفَّةٍ
لِيَسْمَعَ أَوَّلَ الْخُطْبَةِ سم عَلَى حَجّ. وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّهُ
يُصَلِّي ثُمَّ يُجِيبُ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا لِأَنَّ الْإِجَابَةَ لَا
تَفُوتُ بِطُولِ الْفَصْلِ مَا لَمْ يَفْحُشُ الطُّولُ، عَلَى أَنَّهُ
يُمْكِنُهُ الْإِتْيَانُ بِالْإِجَابَةِ وَالْخَطِيبُ يَخْطُبُ، بِخِلَافِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَسَبَبُهُ التَّطْوِيلُ) أَيْ: خَشْيَتُهُ
(قَوْلُهُ: وَمُسْتَمِعِهِ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ
(1/420)
قَوْلِهِ) وَإِنْ كَانَ جُنُبًا وَحَائِضًا
وَنَحْوَهُمَا خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ فِي قَوْلِهِ لَا يُجِيبَانِ
لِخَبَرِ «كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ إلَّا عَلَى طُهْرٍ» قَالَ:
وَالتَّوَسُّطُ أَنَّهُ يُسَنُّ لِلْمُحْدِثِ لَا لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ
«لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَذْكُرُ اللَّهَ
عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ إلَّا الْجَنَابَةَ» ، وَلِابْنِهِ فِي
التَّوْشِيحِ فِي قَوْلِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُتَوَسَّطَ فَيُقَالُ تُجِيبُ
الْحَائِضُ لِطُولِ أَمَدِهَا بِخِلَافِ الْجُنُبِ، وَالْخَبَرَانِ لَا
يَدُلَّانِ عَلَى غَيْرِ الْجَنَابَةِ وَلَيْسَ الْحَيْضُ فِي مَعْنَاهَا
لِمَا ذُكِرَ انْتَهَى. إذْ فِي دَعْوَاهُ أَنَّ الْخَبَرَيْنِ لَا
يَدُلَّانِ عَلَى غَيْرِ الْجَنَابَةِ نَظَرٌ، بَلْ ظَاهِرُ الْأَوَّلِ
الْكَرَاهَةُ لِلثَّلَاثَةِ، وَقَدْ يُقَالُ: يُؤَيِّدُهَا كَرَاهَةُ
الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لَهُمْ. وَيُفَرِّقُ بِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ
وَالْمُقِيمَ مُقَصِّرَانِ حَيْثُ لَمْ يَتَطَهَّرُوا عِنْدَ
مُرَاقَبَتِهِمَا الْوَقْتَ وَالْمُجِيبُ لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ لِأَنَّ
إجَابَتَهُ تَابِعَةٌ لِأَذَانِ غَيْرِهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ غَالِبًا
وَقْتَ أَذَانِهِ، وَشَمَلَتْ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ الْمُجَامِعَ
وَقَاضِيَ الْحَاجَةِ غَيْرُ أَنَّهُمَا إنَّمَا يُجِيبَانِ بَعْدَ
فَرَاغِهِمَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ مَا لَمْ
يُطِلْ الْفَصْلَ عُرْفًا وَإِلَّا لَمْ يُسْتَحَبَّ لَهُمَا الْإِجَابَةُ
وَمَنْ فِي صَلَاةٍ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ اسْتِحْبَابِ الْإِجَابَةِ
فِي حَقِّهِ بَلْ هِيَ مَكْرُوهَةٌ، فَإِنْ قَالَ فِي التَّثْوِيبِ صَدَقْت
وَبَرَرْت، أَوْ قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ أَوْ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ
النَّوْمِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ صَدَقَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا تَبْطُلُ بِهِ كَمَا
فِي الْمَجْمُوعِ. وَلَوْ كَانَ الْمُصَلِّي يَقْرَأُ فِي الْفَاتِحَةِ
فَأَجَابَهُ قَطَعَ مُوَالَاتَهَا وَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْنِفَهَا
وَلَوْ كَانَ السَّامِعُ وَنَحْوُهُ فِي ذِكْرٍ أَوْ قِرَاءَةٍ سُنَّ لَهُ
الْإِجَابَةُ وَقَطْعُ مَا هُوَ فِيهِ أَوْ فِي طَوَافٍ أَجَابَهُ فِيهِ
كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُجِيبَ فِي كُلِّ
كَلِمَةٍ عَقِبَهَا بِأَنْ لَا يُقَارِنَهُ وَلَا يَتَأَخَّرَ عَنْهُ
قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَمُقْتَضَاهُ
الْإِجْزَاءُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَعَدَمُهُ عِنْدَ التَّقَدُّمِ وَهُوَ
كَذَلِكَ، وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ الْعِمَادِ مِنْ عَدَمِ حُصُولِ
سُنَّةِ الْإِجَابَةِ فِي حَالَةِ الْمُقَارَنَةِ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ
الْفَضِيلَةِ الْكَامِلَةِ، وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَدَمَ
اسْتِحْبَابِ الْإِجَابَةِ إذَا عَلِمَ بِأَذَانِ غَيْرِهِ: أَيْ أَوْ
إقَامَتِهِ وَلَمْ يَسْمَعْ ذَلِكَ لِصَمَمٍ أَوْ بُعْدٍ. وَقَالَ فِي
الْمَجْمُوعِ: إنَّهُ الظَّاهِرُ لِأَنَّهَا مُعَلَّقَةٌ بِالسَّمَاعِ فِي
خَبَرِ «إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ» وَكَمَا فِي نَظِيرِهِ فِي
تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ قَالَ: وَإِذَا لَمْ يَسْمَعْ التَّرْجِيعَ
فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تُسَنُّ الْإِجَابَةُ فِيهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ» وَلَمْ يَقُلْ
مِثْلَ مَا تَسْمَعُونَ، وَصَرَّحَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ
بِاسْتِحْبَابِ الْإِجَابَةِ فِي جَمِيعِهِ إذَا لَمْ يَسْمَعْ إلَّا
بَعْضَهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَمْتَنِعُ عَلَيْهِ إذَا طَالَ الْفَصْلُ
(قَوْلُهُ: وَنَحْوَهُمَا) أَيْ كَالنُّفَسَاءِ (قَوْلُهُ: عَلَى كُلِّ
أَحْيَانِهِ) أَيْ فِي كُلِّ أَحْيَانِهِ، وَقَوْلُهُ وَلِابْنِهِ: أَيْ
السُّبْكِيّ فِي التَّوْشِيحِ وَهُوَ التَّاجُ السُّبْكِيُّ (قَوْلُهُ مَا
لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ) قَدْ يُخَالِفُ هَذَا مَا مَرَّ لَهُ بَعْدَ قَوْلِ
الْمُصَنِّفِ وَمُوَالَاتِهِ مِنْ أَنَّهُ إذَا عَطَسَ أَوْ سَلَّمَ
عَلَيْهِ شَخْصٌ حَمِدَ اللَّهَ وَرَدَّ السَّلَامَ بَعْدَ الْفَرَاغِ
وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ، وَقَدْ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ مَا هُنَا
عَلَى مَا إذَا فَحُشَ الطُّولُ وَمَا مَرَّ عَلَى خِلَافِهِ بِأَنْ طَالَ
بِلَا فُحْشٍ (قَوْلُهُ: أَوْ قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ) خَرَجَ بِهِ
مَا لَوْ قَالَ فِي إجَابَةِ الْحَيْعَلَتَيْنِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ
إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ فَلَا يَضُرُّ، وَلَعَلَّ هَذَا
هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِ حَجّ: وَيُكْرَهُ لِمَنْ فِي صَلَاةٍ إلَّا
الْحَيْعَلَةَ وَالتَّثْوِيبَ أَوْ صَدَقْت فَإِنَّهُ يُبْطِلُهَا إنْ
عَلِمَ وَتَعَمَّدَ (قَوْلُهُ: قَطَعَ مُوَالَاتَهَا) أَيْ قَطَعَ فِعْلُهُ
وَهُوَ الْإِجَابَةُ مُوَالَاتَهَا (قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ)
وَهِيَ الْمُقَارَنَةُ وَالتَّأَخُّرُ (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَسْمَعْ إلَّا
بَعْضَهُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَلِابْنِهِ) أَيْ وَخِلَافًا لِابْنِ السُّبْكِيّ فِي كِتَابِهِ
التَّوْشِيحِ (قَوْلُهُ: وَالْخَبَرَانِ لَا يَدُلَّانِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ
الْمَجْمُوعُ إذْ الْأَوَّلُ وَإِنْ كَانَ عَامًّا، فَهُوَ مَخْصُوصٌ
بِالثَّانِي هَذَا هُوَ مُرَادُهُ فِيمَا يَظْهَرُ وَإِلَّا، فَهُوَ لَا
يَسَعُهُ أَنْ يُنْكِرَ عُمُومَ الْأَوَّلِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ وَبِهَذَا
يَنْدَفِعُ تَنْظِيرُ الشَّارِحِ الْآتِي فِي كَلَامِهِ فَتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: وَمَنْ فِي صَلَاةٍ إلَخْ) عِبَارَةُ الْإِمْدَادِ لِلشِّهَابِ
ابْنِ حَجَرٍ بَعْدَ قَوْلِ الْإِرْشَادِ وَيُجِيبُ لَا مُصَلِّيًا
وَنَحْوَهُ نَصُّهَا: مِمَّنْ يُكْرَهُ لَهُ الْكَلَامُ كَقَاضِ حَاجَةٍ
وَمُجَامِعٍ وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ يَأْتِي فَلَا تُسَنُّ لِهَؤُلَاءِ
الْإِجَابَةُ بَلْ تُكْرَهُ بَلْ إنْ كَانَتْ إجَابَةُ الْمُصَلِّي
بِحَيْعَلَتَيْهِ أَوْ تَثْوِيبٍ أَوْ صَدَقْت وَبَرَرْت أَوْ قَدْ قَامَتْ
الصَّلَاةُ بَطَلَتْ بِخِلَافِ صِدْقِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا وَتَتَأَكَّدُ
لَهُ الْإِجَابَةُ بَعْدَ الْفَرَاغِ إلَى أَنْ قَالَ: وَكَذَا يُقَالُ:
فِي كُلِّ مَنْ طُلِبَ مِنْهُ تَرْكُ الْإِجَابَةِ لِعُذْرٍ كَقَاضِي
الْحَاجَةِ، وَالْمُجَامِعِ وَمَنْ بِمَحَلِّ النَّجَاسَةِ إلَى آخِرِ مَا
ذَكَرَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: فِي هَذِهِ الْحَالَةِ) يَعْنِي
حَالَتَيْ الْمُقَارَنَةِ وَالتَّأَخُّرِ
(1/421)
كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ،
قَالَ فِيهِ: وَإِذَا سَمِعَ مُؤَذِّنًا بَعْدَ مُؤَذِّنٍ فَالْمُخْتَارُ
أَنَّ أَصْلَ الْفَضِيلَةِ فِي الْإِجَابَةِ شَامِلٌ لِلْجَمِيعِ إلَّا
أَنَّ الْأَوَّلَ مُتَأَكِّدٌ يُكْرَهُ تَرْكُهُ. وَقَالَ الْعِزُّ بْنُ
عَبْدِ السَّلَامِ: إنَّ إجَابَةَ الْأَوَّلِ أَفْضَلُ إلَّا أَذَانَيْ
الصُّبْحِ فَلَا أَفْضَلِيَّةَ فِيهِمَا لِتَقَدُّمِ الْأَوَّلِ وَوُقُوعِ
الثَّانِي فِي الْوَقْتِ وَإِلَّا أَذَانَيْ الْجُمُعَةِ لِتَقَدُّمِ
الْأَوَّلِ وَمَشْرُوعِيَّةِ الثَّانِي فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - وَمِمَّا عَمَّتْ الْبَلْوَى مَا إذَا أَذَّنَ
الْمُؤَذِّنُونَ وَاخْتَلَطَتْ أَصْوَاتُهُمْ عَلَى السَّامِعِ وَصَارَ
بَعْضُهُمْ يَسْبِقُ بَعْضًا وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تُسْتَحَبُّ
إجَابَةُ هَؤُلَاءِ، وَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ
أَنَّهُ تُسْتَحَبُّ إجَابَتُهُمْ (إلَّا فِي حَيْعَلَتَيْهِ) وَهُمَا
حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ (فَيَقُولُ) بَدَل كُلٍّ
مِنْهَا (لَا حَوْلَ) عَنْ الْمَعْصِيَةِ إلَّا بِعِصْمَةِ اللَّهِ (وَلَا
قُوَّةَ) عَلَى الطَّاعَةِ (إلَّا بِاَللَّهِ) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ،
وَلِأَنَّ الْحَيْعَلَتَيْنِ دُعَاءٌ إلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَلِيقُ
بِغَيْرِ الْمُؤَذِّنِ، إذْ لَوْ قَالَهُ السَّامِعُ لَكَانَ النَّاسُ
كُلُّهُمْ دُعَاةً فَمَنْ الْمُجِيبُ، فَسُنَّ لِلْمُجِيبِ ذَلِكَ
لِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ مَحْضٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى (قُلْت: وَإِلَّا فِي
التَّثْوِيبِ) فِي أَذَانِ الصُّبْحِ (فَيَقُولُ) بَدَلَ كَلِمَتَيْهِ
(صَدَقْت وَبَرَرْت، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) بِكَسْرِ الرَّاءِ الْأُولَى
وَحُكِيَ فَتْحُهَا: أَيْ صِرْت ذَا بِرٍّ: أَيْ خَيْرٍ كَثِيرٍ
لِلْمُنَاسَبَةِ وَلِوُرُودِ خَبَرٍ فِيهِ قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ،
وَادَّعَى الدَّمِيرِيِّ أَنَّهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ.
وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ مَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ،
فَلَوْ كَانَ الْمُؤَذِّنُ يُثَنِّي الْإِقَامَةَ فَهَلْ يُثَنِّي
السَّامِعُ؟ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ نَعَمْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَخْرُجَ
فِيهِ خِلَافٌ مِنْ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِعَقِيدَةِ الْإِمَامِ أَوْ
الْمَأْمُومِ، وَقَدْ تَعَرَّضَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ابْنُ كَجٍّ فِي
التَّجْرِيدِ وَجَزَمَ فِيهَا بِالْأَوَّلِ وَعِبَارَتُهُ: وَإِذَا ثَنَّى
الْمُؤَذِّنُ الْإِقَامَةَ يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مَنْ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ
مِثْلَهُ وَيُجِيبُ سَامِعُ الْإِقَامَةِ بِمِثْلِ مَا سَمِعَهُ إلَّا فِي
كَلِمَتَيْ الْإِقَامَةِ فَإِنَّهُ يَقُولُ: أَقَامَهَا اللَّهُ
وَأَدَامَهَا وَجَعَلَنِي مِنْ صَالِحِي أَهْلِهَا
(وَ) يُسَنُّ (لِكُلٍّ) مِنْ مُؤَذِّنٍ وَسَامِعٍ وَمُسْتَمِعٍ وَكَذَا
مُقِيمٌ لِحَدِيثٍ وَرَدَ فِيهِ رَوَاهُ ابْنُ السُّنِّيِّ وَذَكَرَهُ
الْمُصَنِّفُ فِي أَذْكَارِهِ (أَنْ يُصَلِّيَ) وَيُسَلِّمَ (عَلَى
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لِمَا مَرَّ مِنْ
كَرَاهَةِ إفْرَادِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخِرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ الْآخِرِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ
الْأَوَّلَ مُتَأَكِّدٌ) أَيْ جَوَابُهُ (قَوْلُهُ: مَا إذَا أَذَّنَ
الْمُؤَذِّنُونَ) أَيْ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ أَوْ مَحَالَّ وَسَمِعَ
الْجَمِيعُ (قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ)
مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: إنَّهُ تُسْتَحَبُّ إجَابَتُهُمْ) أَيْ إجَابَةٌ
وَاحِدَةٌ وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ بِأَنْ يَتَأَخَّرَ بِكُلِّ كَلِمَةٍ
حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنَّهُ أَنَّهُمْ أَتَوْا بِهَا بِحَيْثُ تَقَعُ
إجَابَتُهُ مُتَأَخِّرَةً أَوْ مُقَارِنَةً (قَوْلُهُ: وَبَرَرْت) زَادَ
فِي الْعُبَابِ وَبِالْحَقِّ نَطَقْت بِهِ (قَوْلُهُ: يُحْتَمَلُ أَنْ
يُقَالَ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: وَأَدَامَهَا) زَادَ حَجّ: مَا دَامَتْ
السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ.
وَقَوْلُهُ وَجَعَلَنِي مِنْ صَالِحِي أَهْلِهَا.
زَادَ حَجّ: لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِهِ
(قَوْلُهُ: أَنْ يُصَلِّيَ وَيُسَلِّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَتَحْصُلُ السُّنَّةُ بِأَيِّ لَفْظٍ أَتَى بِهِ
مِمَّا يُفِيدُ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-، وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَفْضَلَ الصِّيَغِ عَلَى الرَّاجِحِ صَلَاةُ
التَّشَهُّدِ فَيَنْبَغِي تَقْدِيمُهَا عَلَى غَيْرِهَا، وَمِنْ الْغَيْرِ
مَا يَقَعُ لِلْمُؤَذِّنِينَ مِنْ قَوْلِهِمْ بَعْدَ الْأَذَانِ:
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إلَى آخِرِ مَا
يَأْتُونَ بِهِ فَيَكْفِي.
[فَائِدَةٌ] قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: وَيَتَأَكَّدُ الصَّلَاةُ
عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَوَاضِعَ وَرَدَ
فِيهَا أَخْبَارٌ خَاصَّةٌ أَكْثَرُهَا بِأَسَانِيدَ جِيَادٍ عَقِبَ
إجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ وَأَوَّلَ الدُّعَاءِ وَأَوْسَطَهُ وَآخِرَهُ، وَفِي
أَوَّلِهِ آكَدُ وَفِي آخِرِ الْقُنُوتِ وَفِي أَثْنَاءِ تَكْبِيرَاتِ
الْعِيدِ وَعِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ عِنْدَ
الِاجْتِمَاعِ وَالتَّفَرُّقِ وَعِنْدَ السَّفَرِ وَالْقُدُومِ مِنْهُ
وَالْقِيَامِ لِصَلَاةِ اللَّيْلِ وَخَتْمِ الْقُرْآنِ وَعِنْدَ الْهَمِّ
وَالْكَرْبِ وَالتَّوْبَةِ وَقِرَاءَةِ الْحَدِيثِ وَتَبْلِيغِ الْعِلْمِ
وَالذِّكْرِ وَنِسْيَانِ الشَّيْءِ.
وَوَرَدَ أَيْضًا فِي أَحَادِيثَ ضَعِيفَةٍ عِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ
وَطَنِينِ الْأُذُنِ وَالتَّلْبِيَةِ وَعَقِبَ الْوُضُوءِ وَعِنْدَ
الذَّبْحِ وَالْعُطَاسِ.
وَوَرَدَ الْمَنْعُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَفَى بِهِمَا السُّنِّيَّةَ لَا الْإِجْزَاءَ
(قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ أَنَّهُ
تُسْتَحَبُّ إجَابَتُهُمْ) وَالصُّورَةُ أَنَّ الْأَذَانَ مَشْرُوعٌ، إذْ
الصُّورَةُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُؤَذِّنُ عَلَى حِدَةٍ لَكِنَّهُمْ
تَقَارَبُوا فَاشْتَبَهَتْ أَصْوَاتُهُمْ عَلَى السَّامِعِ
(1/422)
(بَعْدَ فَرَاغِهِ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ
(ثُمَّ) يَقُولُ عَقِبَ ذَلِكَ (اللَّهُمَّ) أَصْلُهُ يَا اللَّهُ حُذِفَتْ
يَاؤُهُ وَعَوَّضَتْ عَنْهَا الْمِيمُ وَلِهَذَا امْتَنَعَ الْجَمْعُ
بَيْنَهُمَا (رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ) بِفَتْحِ الدَّال: هِيَ دَعْوَةُ
الْأَذَانِ (التَّامَّةِ) سُمِّيَتْ تَامَّةً لِكَمَالِهَا وَسَلَامَتِهَا
مِنْ نَقْصٍ يَتَطَرَّقُ إلَيْهَا (وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ) أَيْ
الَّتِي سَتُقَامُ (آتِ) أَعْطِ (مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ) مَنْزِلَةً فِي
الْجَنَّةِ (وَالْفَضِيلَةَ) عَطْفُ بَيَانٍ أَوْ أَعَمُّ، وَحُذِفَ مِنْ
أَصْلِهِ وَغَيْرِهِ وَالدَّرَجَةَ الرَّفِيعَةَ، وَخَتَمَهُ بِيَا
أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ لِأَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُمَا، وَيُقَالُ أَنَّ
الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ قُبَّتَانِ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ
إحْدَاهُمَا مِنْ لُؤْلُؤَةٍ بَيْضَاءَ يَسْكُنُهَا مُحَمَّدٌ وَآلُهُ
وَالْأُخْرَى مِنْ يَاقُوتَةٍ صَفْرَاءَ يَسْكُنُهَا إبْرَاهِيمُ وَآلُهُ -
عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - (وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا) هُوَ مَقَامُ
الشَّفَاعَةِ فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (الَّذِي
وَعَدْته) الَّذِي مَنْصُوبٌ بَدَلٌ مِمَّا قَبْلَهُ أَوْ بِتَقْدِيرِ
أَعْنِي، أَوْ مَرْفُوعٌ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ.
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
كَمَا فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ «إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ
مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي
الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إلَّا
لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا
هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ»
وَالْحِكْمَةُ فِي سُؤَالِ ذَلِكَ لَهُ وَإِنْ كَانَ وَاجِبَ الْوُقُوعِ
بِوَعْدِ اللَّهِ تَعَالَى إظْهَارُ شَرَفِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
مِنْهَا عِنْدَهُمَا أَيْضًا انْتَهَى مُنَاوِيٌّ عِنْدَ قَوْلِهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ
عَلَيَّ زَكَاةٌ لَكُمْ» وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بِحَدِيثَيْنِ فِي شَرْحِ
قَوْلِهِ «صَلُّوا عَلَى أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ فَإِنَّ اللَّهَ
بَعَثَهُمْ كَمَا بَعَثَنِي» إلَخْ، وَحِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّةِ الصَّلَاةِ
عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ لَمَّا بَذَلُوا أَعْرَاضَهُمْ فِيهِ لِأَعْدَائِهِ
فَنَالُوا مِنْهُمْ وَسَبُّوهُمْ أَعْطَاهُمْ اللَّهُ الصَّلَاةَ
عَلَيْهِمْ، وَجَعَلَ لَهُمْ أَطْيَبَ الثَّنَاءِ فِي السَّمَاءِ
وَالْأَرْضِ وَأَخْلَصَهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ، فَالصَّلَاةُ
عَلَيْهِمْ مَنْدُوبَةٌ لَا وَاجِبَةٌ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ عَلَى
نَبِيِّنَا إذْ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ الْأُمَمَ السَّابِقَةَ كَانَ يَجِبُ
عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ كَذَا بَحَثَهُ
الْقَسْطَلَّانِيُّ انْتَهَى.
وَنَقَلَ بِالدَّرْسِ عَنْ الشَّيْخِ حَمْدَانَ نَقْلًا عَنْ
الشِّيرَازِيِّ أَنَّهُ تُسَنُّ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ الْإِقَامَةِ، وَانْظُرْ هَلْ يُقَالُ
مِثْلُهُ فِي الْأَذَانِ أَمْ لَا؟ ثُمَّ رَأَيْت بِهَامِشِ نُسْخَةٍ
صَحِيحَةٍ مِنْ شَرْحِ الْمَنْهَجِ بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ مَا
نَصُّهُ: قَوْلُهُ بَعْدَ فَرَاغٍ مِنْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ هَذَا
هُوَ الْمَنْقُولُ لَكِنْ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ وَتَبِعَهُ بَعْضُهُمْ
أَنَّ الصَّلَاةَ الْمَطْلُوبَةَ لِلْإِقَامَةِ إنَّمَا تَكُونُ قَبْلَهَا.
قَالَ السَّيِّدُ السَّمْهُودِيُّ فِي حَوَاشِي الرَّوْضَةِ: وَلَعَلَّهُ
سَبْقُ قَلَمٍ، فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ وَالْوَارِدَ فِي أَحَادِيثَ يُعْمَلُ
بِهَا فِي الْفَضَائِلِ أَنَّهُ بَعْدَهَا، وَقَدْ أَفْتَى شَيْخُنَا
الشَّوْبَرِيُّ بِنَدْبِهَا قَبْلَ الْإِقَامَةِ، فَإِنْ كَانَ
مُسْتَنَدُهُ مَا تَعَقَّبَهُ السَّمْهُودِيُّ فَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ،
وَإِلَّا فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ
طَلَبِهَا بَعْدَ الْإِقَامَةِ انْتَهَى بِحُرُوفِهِ (قَوْلُهُ: بَعْدَ
فَرَاغِهِ) وَلَوْ كَانَ اشْتِغَالُهُ بِالْإِجَابَةِ يُفَوِّتُ
تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ مَعَ الْإِمَامِ أَوْ بَعْضَ الْفَاتِحَةِ بَلْ
أَوْ كُلَّهَا فَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ لِلشَّارِحِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ
مِنْ أَنَّهُ يُقَدِّمُ سُنَنَ الْوُضُوءِ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ يُقَدِّمُ
الْإِجَابَةَ عَلَى أَنَّهُ قِيلَ بِوُجُوبِهَا (قَوْلُهُ أَيْ مِنْ
ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ (قَوْلُهُ:
ثُمَّ اللَّهُمَّ) وَظَاهِرٌ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْإِجَابَةِ وَالصَّلَاةِ
عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالدُّعَاءِ
سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، فَلَوْ تَرَكَ بَعْضَهَا سُنَّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ
بِالْبَاقِي (قَوْلُهُ عَطْفُ بَيَانٍ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْبَيَانِ
هُنَا التَّفْسِيرُ وَإِلَّا فَالْبَيَانُ لَا يَقْتَرِنُ بِالْوَاوِ
(قَوْلُهُ: يَسْكُنُهَا إبْرَاهِيمُ وَآلُهُ) وَلَا يُنَافِي هَذَا
سُؤَالُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمَا عَلَى هَذَا
الْجَوَازِ أَنْ يَكُونَ السُّؤَالُ لِتَنْجِيزِ مَا وَعَدَ بِهِ مِنْ
أَنَّهُمَا لَهُ، وَيَكُونُ سُكْنَى إبْرَاهِيمَ وَآلِهِ فِيهَا مِنْ
قَبْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إظْهَارًا لِشَرَفِهِ
عَلَى غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: مَقَامًا مَحْمُودًا) وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ
أَيْضًا الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: إظْهَارُ شَرَفِهِ)
وَمِنْ لَازِمِ طَلَبِ ذَلِكَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: أَيْ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ: الْأَذَانِ، وَالْإِجَابَةِ،
وَالْإِقَامَةِ (قَوْلُهُ: عَطْفَ بَيَانٍ) يَعْنِي عَطْفَ تَفْسِيرٍ،
وَلَيْسَ الْمُرَادُ عَطْفَ الْبَيَانِ الِاصْطِلَاحِيِّ إذْ هُوَ لَا
يَقْتَرِنُ بِالْوَاوِ (قَوْلُهُ: يَسْكُنُهَا إبْرَاهِيمُ وَآلُهُ)
يُقَالُ: عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ فَمَا مَعْنَى سُؤَالِهَا لِسَيِّدِنَا
مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِي
حَاشِيَةِ الشَّيْخِ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ مَا لَا يَشْفِي.
(1/423)
وَعِظَمِ مَنْزِلَتِهِ
وَيُسَنُّ الدُّعَاءُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِمَا وَرَدَ «إنَّ
الدُّعَاءَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لَا يُرَدُّ فَادْعُوا»
وَأَنْ يَقُولَ الْمُؤَذِّنُ وَمَنْ سَمِعَهُ بَعْدَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ:
اللَّهُمَّ هَذَا إقْبَالُ لَيْلِك وَإِدْبَارُ نَهَارِك وَأَصْوَاتُ
دُعَائِك اغْفِرْ لِي وَيَقُولُ كُلٌّ مِنْهُمَا بَعْدَ أَذَانِ الصُّبْحِ:
اللَّهُمَّ هَذَا إقْبَالُ نَهَارِك وَإِدْبَارُ لَيْلِك وَأَصْوَاتُ
دُعَاتِك اغْفِرْ لِي وَآكَدُ الدُّعَاءِ كَمَا فِي الْعُبَابِ سُؤَالُ
الْعَافِيَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. |