نهاية
المحتاج إلى شرح المنهاج [بَابُ مَنْ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ]
ُ أَيْ زَكَاةُ الْمَالِ (وَمَا تَجِبُ فِيهِ) أَيْ شُرُوطُ مَنْ تَجِبُ
عَلَيْهِ وَشُرُوطُ الْمَالِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ
بِمَا تَجِبُ فِيهِ بَيَانَ الْأَعْيَانِ مِنْ مَاشِيَةٍ وَنَقْدٍ
وَغَيْرِهِمَا فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ عُلِمَ مِنْ الْأَبْوَابِ السَّابِقَةِ،
وَإِنَّمَا الْمُرَادُ اتِّصَافُ الْمَالِ الزَّكَوِيِّ بِمَا قَدْ
يُؤَثِّرُ فِي السُّقُوطِ، وَقَدْ لَا يُؤَثِّرُ كَالْغَصْبِ وَالْجُحُودِ
وَالضَّلَالِ أَوْ مُعَارَضَتِهِ بِمَا قَدْ يُسْقِطُهُ كَالدَّيْنِ
وَعَدَمِ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ. وَحَاصِلُ التَّرْجَمَةِ بَابُ شُرُوطِ
الزَّكَاةِ وَمَوَانِعِهَا وَخَتَمَهُ بِفَصْلَيْنِ آخَرَيْنِ
لِمُنَاسَبَتِهِمَا لَهُ وَبَدَأَ بِبَيَانِ مَنْ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ
فَقَالَ (شَرْطُ وُجُوبِ زَكَاةِ الْمَالِ) بِأَنْوَاعِهِ السَّابِقَةِ
مِنْ حَيَوَانٍ وَنَبَاتٍ وَنَقْدٍ وَمَعْدِنٍ وَرِكَازٍ وَتِجَارَةٍ عَلَى
مَالِكِهِ (الْإِسْلَامُ) فَلَا تَجِبُ عَلَى كَافِرٍ أَصْلِيٍّ
بِالْمَعْنَى السَّابِقِ فِي الصَّلَاةِ لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ فِي كِتَابِ
الصَّدَقَةِ: هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمُسْلِمِينَ،
وَاحْتُرِزَ بِزَكَاةِ الْمَالِ عَنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ فَإِنَّهَا قَدْ
تَلْزَمُ الْكَافِرَ عَنْ غَيْرِهِ كَمَا مَرَّ (وَالْحُرِّيَّةُ) فَلَا
تَجِبُ عَلَى الرَّقِيقِ وَلَوْ مُدَبَّرًا وَمُسْتَوْلِدَةً وَمُعَلَّقَ
الْعِتْقِ بِصِفَةٍ لِعَدَمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
بَابُ مَنْ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ) وَمَا تَجِبُ فِيهِ
(قَوْلُهُ: لِمُنَاسَبَتِهِمَا لَهُ) أَيْ فَكَأَنَّ التَّرْجَمَةَ
شَامِلَةٌ لَهُمَا فَسَاغَ التَّعْبِيرُ بِفَصْلٍ.
(قَوْلُهُ: شَرْطُ وُجُوبِ زَكَاةِ الْمَالِ الْإِسْلَامُ) يُسْتَثْنَى
مِنْ ذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ. قَالَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ فِي كِتَابِ
التَّنْوِيرِ مَا نَصُّهُ: وَمِنْ خَصَائِصِ الْأَنْبِيَاءِ إلَخْ -
صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ - عَدَمُ وُجُوبِ
الزَّكَاةِ عَلَيْهِمْ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَأَوْصَانِي
بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ} [مريم: 31] أَيْ زَكَاةِ الْبَدَنِ لَا الْمَالِ
كَمَا حَمَلَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ، أَوْ أَوْصَانِي بِالزَّكَاةِ:
أَيْ بِتَبْلِيغِهَا اهـ خَصَائِصُ السُّيُوطِيّ. وَقَوْلُهُ أَيْ زَكَاةِ
الْبَدَنِ الْمُرَادُ بِهَا زَكَاةُ النَّفْسِ عَنْ الرَّذَائِلِ الَّتِي
لَا تَلِيقُ بِمَقَامَاتِ الْأَنْبِيَاءِ، وَيَدُلُّ لَهُ مَا حَمَلَ
عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ الْآيَةَ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالزَّكَاةِ فِيهَا
الِاسْتِكْثَارُ مِنْ الْخَيْرِ كَمَا حَكَاهُ عَنْهُ الْوَاحِدِيُّ فِي
وَسِيطِهِ لَا زَكَاةُ الْفِطْرِ، لِأَنَّ مُقْتَضَى جَعْلِ عَدَمِ
الزَّكَاةِ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ زَكَاةِ
الْمَالِ وَالْبَدَنِ، هَذَا وَتَقَدَّمَ عَنْ الْمُنَاوِيِّ مَا فِي
عَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَعِبَارَتُهُ فِي شَرْحِ
الْخَصَائِصِ: وَهَذَا كَمَا تَرَاهُ بَنَاهُ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ عَلَى
مَذْهَبِ إمَامِهِ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ وَمَذْهَبُ
الشَّافِعِيِّ خِلَافُهُ.
(قَوْلُهُ: وَرِكَازٍ وَتِجَارَةٍ) عَطَفَهُمَا عَلَى النَّقْدِ
لِاخْتِصَاصِهِمَا بِاسْمَيْنِ وَمُخَالَفَةُ النَّقْدِ فِي بَعْضِ
الْأَحْكَامِ كَعَدَمِ اشْتِرَاطِ حَوَلَانِ الْحَوْلِ.
(قَوْلُهُ: عَلَى مَالِكِهِ) صِلَةُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وُجُوبٌ
وَلَيْسَتْ لِلِاحْتِرَازِ بَلْ لِمُجَرَّدِ بَيَانِ الْمُتَعَلِّقِ، وَلَا
فَرْقَ فِي الْمَالِكِ بَيْنَ الْبَالِغِ وَالصَّبِيِّ، وَلَا يُنَافِيهِ
مَا يَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَتَجِبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ
لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادَ بِوُجُوبِهَا فِي مَالِهِمَا أَنَّهَا
تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ كَتَعَلُّقِ الْأَرْشِ بِالْجَانِي بَلْ مَعْنَاهُ
أَنَّهَا ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِمَا، وَيَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ إخْرَاجُهَا
مِنْ مَالِهِمَا كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي كَلَامِ
الشَّارِحِ فِي فَصْلِ إنَّمَا تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ
إلَخْ.
(قَوْلُهُ: بِالْمَعْنَى السَّابِقِ فِي الصَّلَاةِ) وَهُوَ أَنَّهُ لَا
يُخَاطَبُ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُعَاقَبُ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ،
هَذَا وَقِيَاسُ مَا قَدَّمَهُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَضَاهَا
لَا تَصِحُّ مِنْهُ أَنَّهُ هُنَا لَوْ أَخْرَجَهَا لَا تَصِحُّ مِنْهُ لَا
قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَلَا بَعْدَهُ وَيَسْتَرِدُّهَا مِمَّنْ أَخَذَهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
بَابُ مَنْ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ) وَمَا تَجِبُ فِيهِ
(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا الْمُرَادُ اتِّصَافُ الْمَالِ الزَّكَوِيِّ إلَخْ)
وَحِينَئِذٍ فَكَانَ الْأَصْوَبُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَذَا الْمُرَادِ بَدَلَ
قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ وَشُرُوطُ الْمَالِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ كَمَا
صَنَعَ الشِّهَابُ حَجّ فِي تُحْفَتِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ مُعَارَضَتُهُ
بِمَا قَدْ يُسْقِطُهُ كَالدَّيْنِ إلَخْ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
مَا قَبْلَهُ أَنَّ ذَاكَ أَوْصَافٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِ الْمَالِ بِخِلَافِ
هَذَا، وَلِهَذَا غَايَرَ فِي الْأُسْلُوبِ وَكَانَ الْمُنَاسِبُ
التَّعْبِيرَ
(3/125)
مِلْكِهِ، فَلَوْ مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ
مَالًا لَمْ يَمْلِكْهُ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ سَيِّدِهِ فَتَلْزَمُهُ
زَكَاتُهُ. وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ
الْإِخْرَاجِ لَا لِأَصْلِ الطَّلَبِ، وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ أَنَّ
الشَّرْطَ الْآخَرَ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ الْكَامِلَةُ لِأَصْلِ الطَّلَبِ
لِأَنَّ مَدَارَ الْعَطْفِ عَلَى اشْتِرَاكِهِمَا فِي الشَّرْطِيَّةِ لَا
غَيْرُ وَهُمَا كَذَلِكَ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمُرَادُ بِهِمَا فَلَا
اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ.
(وَتَلْزَمُ الْمُرْتَدَّ) زَكَاةُ الْمَالِ الَّذِي حَالَ عَلَيْهِ حَوْلٌ
فِي رِدَّتِهِ (إنْ أَبْقَيْنَا مِلْكَهُ) مُؤَاخَذَةً لَهُ بِعَلَقَةِ
الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَزَلْنَاهُ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ،
فَإِنْ قُلْنَا بِوَقْفِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَمَوْقُوفَةٌ وَحِينَئِذٍ
فَالْمَفْهُومُ فِيهِ تَفْصِيلٌ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ. أَمَّا إذَا
وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِي الْإِسْلَامِ ثُمَّ ارْتَدَّ فَإِنَّهَا
تُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ سَوَاءٌ أَسْلَمَ أَمْ قُتِلَ
كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَيَجْزِيهِ الْإِخْرَاجُ فِي هَذِهِ حَالَ
الرِّدَّةِ وَفِي الْأُولَى عَلَى قَوْلِ اللُّزُومِ فِيهَا وَعَلَى قَوْلِ
الْوَقْفِ وَهُوَ الْأَصَحُّ إنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ (دُونَ
الْمُكَاتَبِ) فَلَا تَلْزَمُهُ لِضَعْفِ مِلْكِهِ وَصَرَّحَ بِهِ
لِأَنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ لَهُ مِلْكًا وُجُوبُهَا عَلَيْهِ،
وَالْحُرِّيَّةُ قَدْ يُرَادُ بِهَا الْقُرْبُ مِنْهَا فَلَا اعْتِرَاضَ
عَلَيْهِ لِخَبَرِ «لَيْسَ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ زَكَاةٌ حَتَّى
يُعْتَقَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: وَإِسْنَادُهُ
ضَعِيفٌ، وَمِثْلُهُ عَنْ عُمَرَ مَوْقُوفًا وَلَا مُخَالِفَ لَهُ
وَلِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ وَمَالُهُ غَيْرُ صَالِحٍ لَهَا. وَدَلِيلُهُ أَنْ
لَا تَلْزَمَهُ نَفَقَةُ قَرِيبِهِ وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ إذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
وَقَدْ يُقَالُ: إذَا أَخْرَجَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ بَلْ يُحْتَمَلُ أَوْ
قَبْلَهُ يَقَعُ لَهُ تَطَوُّعًا، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
الصَّلَاةِ بِمَا قَدَّمْنَاهُ.
(قَوْلُهُ: وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ إلَخْ) أَيْ فِي قَوْلِهِ
بِالنِّسْبَةِ لِلْإِسْلَامِ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ فِي الصَّلَاةِ
وَبِالنِّسْبَةِ لِلْحُرِّيَّةِ فِي قَوْلِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَى
الرَّقِيقِ إلَى قَوْلِهِ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ سَيِّدِهِ
فَيَلْزَمُهُ زَكَاتُهُ
. (قَوْلُهُ: فَالْمَفْهُومُ فِيهِ تَفْصِيلٌ) أَيْ مَفْهُومُ قَوْلِهِ إنْ
أَبْقَيْنَا مِلْكَهُ.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ جَزْمًا) وَفِي نُسْخَةٍ
عَلَى الْمَشْهُورِ.
(قَوْلُهُ: وَيُجْزِئُهُ الْإِخْرَاجُ فِي هَذِهِ) هِيَ قَوْلُهُ أَمَّا
إذَا وَجَبَتْ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: وَفِي الْأُولَى) هِيَ قَوْلُهُ وَتَلْزَمُ الْمُرْتَدَّ
زَكَاةُ الْمَالِ الَّذِي حَالَ عَلَيْهِ حَوْلٌ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: إنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ) أَيْ فَإِنْ لَمْ يَعُدْ إلَى
الْإِسْلَامِ لَمْ يُعْتَدَّ بِمَا دَفَعَهُ، وَيَسْتَرِدُّ مِنْ
الْقَابِضِ وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ عَلِمَ الْقَابِضُ أَنَّهَا زَكَاةٌ أَمْ
لَا. قَالَ حَجّ: وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُعَجَّلَةِ بِأَنَّ
الْمُخْرِجَ هُنَا لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْإِخْرَاجِ، بِخِلَافِهِ فِي
الْمُعَجَّلَةِ فَإِنَّ لَهُ وِلَايَةَ الْإِخْرَاجِ فِي الْجُمْلَةِ
فَحَيْثُ لَمْ يَعْلَمْ الْقَابِضُ بِأَنَّهَا مُعَجَّلَةٌ اُسْتُرِدَّتْ
مِنْهُ اهـ بِالْمَعْنَى. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ فِي الْفَرْقِ أَنَّهُ
حَيْثُ مَاتَ عَلَى الرِّدَّةِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَالَ خَرَجَ عَنْ
مِلْكِهِ مِنْ وَقْتِ الرِّدَّةِ، فَإِخْرَاجُهُ مِنْهُ تَصَرُّفٌ فِيمَا
لَا يَمْلِكُهُ فَضَمِنَهُ آخِذُهُ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ
رَدُّهُ إنْ بَقِيَ وَبَدَلُهُ إنْ تَلِفَ كَالْمَقْبُوضِ بِالشِّرَاءِ
الْفَاسِدِ.
وَأَمَّا فِي الْمُعَجَّلَةِ فَالْمُخْرِجُ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ
فَتَصَرُّفُهُ فِي مِلْكِهِ، وَالظَّاهِرُ مِنْهُ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْ
التَّعْجِيلَ أَنَّهُ صَدَقَةُ تَطَوُّعٍ أَوْ زَكَاةٌ غَيْرُ مُعَجَّلَةٍ،
وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَتَصَرُّفُهُ نَافِذٌ، وَبَقِيَ مَا لَوْ
ادَّعَى الْقَابِضُ أَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَ الْمَالَ مِنْهُ قَبْلِ
الرِّدَّةِ فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ
بَيِّنَةٍ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي لِأَنَّ الْأَصْلَ
عَدَمُ الدَّفْعِ قَبْلَ الرِّدَّةِ وَالْحَادِثُ يُقَدَّرُ بِأَقْرَبِ
زَمَنٍ.
(قَوْلُهُ: دُونَ الْمُكَاتَبِ) أَيْ كِتَابَةً صَحِيحَةً. أَمَّا
الْمُكَاتَبُ كِتَابَةً فَاسِدَةً فَتَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى سَيِّدِهِ؛
لِأَنَّ مَالَهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ.
(قَوْلُهُ: لِخَبَرٍ لَيْسَ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ
يَقُولَ وَلِخَبَرٍ بِالْوَاوِ لِأَنَّهُ عَطَفَ عَلَى لِضَعْفِ مِلْكِهِ
(قَوْلُهُ: وَلَا مُخَالِفَ لَهُ) أَيْ فَصَارَ إجْمَاعًا.
(قَوْلُهُ: وَدَلِيلُهُ) أَيْ دَلِيلُ كَوْنِهِ غَيْرَ صَالِحٍ
لِلْمُوَاسَاةِ.
(قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ) أَيْ بَلْ لَا يَجُوزُ لَهُ
الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
بِالْوَاوِ بَدَلَ أَوْ
(قَوْلُهُ: زَكَاةُ الْمَالِ الَّذِي حَالَ عَلَيْهِ حَوْلٌ فِي رِدَّتِهِ)
صَادِقٌ بِمَا إذَا مَضَى عَلَيْهِ جَمِيعُ الْحَوْلِ وَهُوَ مُرْتَدٌّ
أَوْ ارْتَدَّ فِي أَثْنَائِهِ وَاسْتَمَرَّ إلَى تَمَامِهِ وَلَمْ
يُقْتَلْ، وَبِالصُّورَتَيْنِ صَرَّحَ الْأَذْرَعِيُّ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ
الشَّارِحِ الَّذِي حَالَ عَلَيْهِ حَوْلٌ بِالتَّنْكِيرِ وَهِيَ قَاصِرَةٌ
عَلَى الصُّورَةِ الْأُولَى (قَوْلُهُ: وَحِينَئِذٍ فَالْمَفْهُومُ فِيهِ
تَفْصِيلٌ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ) قَدْ يُقَالُ: أَيُّ شَيْءٍ يَرِدُ
عَلَيْهِ حَتَّى يَنْدَفِعَ بِهَذَا الْجَوَابِ (قَوْلُهُ: لِخَبَرِ
«لَيْسَ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ زَكَاةٌ» إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى
تَقْدِيمَهُ عَلَى قَوْلِهِ وَصَرَّحَ
(3/126)
مَلَكَهُ وَلَا زَكَاةَ عَلَى السَّيِّدِ
بِسَبَبِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ لَهُ، فَإِنْ زَالَتْ
الْكِتَابَةُ بِعَجْزٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ غَيْرِهِ انْعَقَدَ حَوْلُهُ مِنْ
حِينِ زَوَالِهَا.
وَشَرْطُ وُجُوبِهَا أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْمَالِكُ مُعَيَّنًا فَلَا
زَكَاةَ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ وَتَجِبُ فِي الْمَوْقُوفِ
عَلَى مُعَيَّنٍ وَأَنْ يَكُونَ مُتَيَقَّنَ الْوُجُودِ، فَلَا زَكَاةَ فِي
مَالِ الْحَمْلِ الْمَوْقُوفِ لَهُ بِإِرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ لِعَدَمِ
الثِّقَةِ بِحَيَاتِهِ، فَلَوْ انْفَصَلَ الْجَنِينُ مَيِّتًا قَالَ
الْإِسْنَوِيُّ: إنَّ الْمُتَّجَهَ عَدَمُ لُزُومِهَا بَقِيَّةَ
الْوَرَثَةِ لِضَعْفِ مِلْكِهِمْ، وَنُوزِعَ بِأَنَّ الظَّاهِرَ خِلَافُهُ
وَقَدْ قَيَّدَ الْإِمَامُ الْمَسْأَلَةَ بِخُرُوجِ الْجَنِينِ حَيًّا
وَهُوَ قِيَاسُ مَا ذَكَرُوهُ فِيمَا إذَا بَدَا الصَّلَاحُ أَوْ
الِاشْتِدَادُ زَمَنَ خِيَارِهِمَا أَنَّ مَنْ ثَبَتَ لَهُ الْمِلْكُ
وَجَبَتْ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ مَعَ كَوْنِ الْمِلْكِ مَوْقُوفًا، وَقَدْ
يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْحَمْلِ حَكَمْنَا
بِانْتِقَالِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
تَبَرُّعٌ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ (قَوْلُهُ: وَلَا زَكَاةَ عَلَى
السَّيِّدِ) أَيْ لَا حَالًا وَلَا اسْتِقْبَالًا (قَوْلُهُ: بِسَبَبِ
مَالِهِ) أَيْ وَكَمَالِ الْكِتَابَةِ دُيُونُ الْمُعَامَلَةِ لِعَدَمِ
لُزُومِهَا اهـ سم عَنْ الرَّمْلِيِّ ومَرَّ. وَسَيَأْتِي مَا يُفِيدُ
ذَلِكَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: أَوْ كَانَ غَيْرَ لَازِمٍ خِلَافًا
لِلدَّمِيرِيِّ. .
(قَوْلُهُ: فَلَا زَكَاةَ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ)
ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانُوا مَحْصُورِينَ عِنْدَ حَوَلَانِ الْحَوْلِ
وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ تَعَيُّنَهُمْ عَارِضٌ وَيَحْتَمِلُ خِلَافُهُ
لِمِلْكِهِمْ لَهُ.
[فَرْعٌ] اسْتَحَقَّ نَقْدًا قَدْرَ نِصَابٍ مَثَلًا فِي وَقْفٍ مَعْلُومٍ
وَظِيفَةً بَاشَرَهَا وَمَضَى حَوْلٌ مِنْ حِينِ اسْتِحْقَاقِهِ مِنْ
غَيْرِ قَبْضٍ فَهَلْ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الدَّيْنِ عَلَى جِهَةِ
الْوَقْفِ وَلَهُ حُكْمُ الدُّيُونِ حَتَّى تَلْزَمَهُ الزَّكَاةُ وَلَا
يَلْزَمُهُ الْإِخْرَاجُ إلَّا أَنَّ قَبْضَهُ أَوَّلًا بَلْ هُوَ شَرِيكٌ
فِي أَعْيَانِ رِيعِ الْوَقْفِ بِقَدْرِ مَا شَرَطَ لَهُ الْوَاقِفُ،
فَإِنْ كَانَتْ الْأَعْيَانُ زَكَوِيَّةً لَزِمَتْهُ الزَّكَاةُ وَإِلَّا
فَلَا؟ فِيهِ نَظَرٌ اهـ سم عَلَى بَهْجَةٍ، وَاعْتَمَدَ مَرَّ الْأَوَّلَ.
(قَوْلُهُ: وَتَجِبُ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَى مُعَيَّنٍ) أَيْ وَإِنْ لَمْ
يَخُصَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُعَيَّنَيْنِ نِصَابٌ لِلشَّرِكَةِ،
وَصُورَتُهُ أَنَّهُ يَقِفُ بُسْتَانًا وَيَحْصُلُ مِنْ ثَمَرَتِهِ مَا
يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ.
(قَوْلُهُ: فَلَا زَكَاةَ فِي مَالِ الْحَمْلِ الْمَوْقُوفِ) أَيْ وَإِنْ
انْفَصَلَ حَيًّا، وَعِبَارَةُ الْعُبَابِ: لَا فِيمَا وُقِفَ لِجَنِينٍ
إذَا انْفَصَلَ حَيًّا اهـ سم عَلَى بَهْجَةٍ. وَبَقِيَ مَا لَوْ انْفَصَلَ
خُنْثَى وَوُقِفَ لَهُ مَالٌ هَلْ يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ إذَا
اتَّضَحَ بِمَا يَقْتَضِي اسْتِحْقَاقَهُ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ إذَا
تَبَيَّنَ عَدَمُ اسْتِحْقَاقِ الْخُنْثَى وَثُبُوتُهُ لِلْغَيْرِ كَمَا
لَوْ كَانَ الْخُنْثَى ابْنَ أَخٍ فَبِتَقْدِيرِ أُنُوثَتِهِ لَا يَرِثُ
وَبِتَقْدِيرِ ذُكُورَتِهِ يَرِثُ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ عَدَمُ
الْوُجُوبِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ خُصُوصِيِّ الْمُسْتَحِقِّ مُدَّةَ
التَّوَقُّفِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا لَوْ عَيَّنَ الْقَاضِي لِكُلٍّ مِنْ
غُرَمَاءِ الْمُفْلِسِ قَدْرًا مِنْ مَالِهِ وَمَضَى الْحَوْلُ قَبْلَ
قَبْضِهِمْ لَهُ فَإِنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ بِتَقْدِيرِ حُصُولِهِ
لَهُمْ بَعْدُ، وَلَا عَلَى الْمُفْلِسِ لَوْ انْفَكَّ الْحَجْرُ وَرَجَعَ
الْمَالُ إلَيْهِ وَعَلَّلُوهُ بِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْمُسْتَحِقِّ مُدَّةَ
التَّوَقُّفِ.
(قَوْلُهُ: لِعَدَمِ الثِّقَةِ بِحَيَاتِهِ) أَيْ مَا دَامَ حَمْلًا وَإِنْ
حَصَلَتْ حَرَكَةٌ فِي الْبَطْنِ جَازَ أَنْ تَكُونَ لِغَيْرِ حَمْلٍ
كَالرِّيحِ: وَقِيَاسُ مَا ذُكِرَ فِيمَا لَوْ انْفَصَلَ مَيِّتًا مِنْ
أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَى الْوَرَثَةِ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ إذَا
تَبَيَّنَ عَدَمُ الْحَمْلِ لِلتَّرَدُّدِ بَعْدَ مَوْتِ مَنْ لَهُ
الْمَالُ فِي عَيْنِ مَنْ انْتَقَلَ الْمَالُ لَهُ، وَلَكِنْ نُقِلَ عَنْ
الشَّيْخِ الزِّيَادِيِّ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِيمَا لَوْ تَبَيَّنَ أَنْ
لَا حَمْلَ لِحُصُولِ الْمِلْكِ لِلْوَرَثَةِ بِمَوْتِ الْمُوَرِّثِ اهـ.
وَهَذِهِ الْعِلَّةُ بِعَيْنِهَا مَوْجُودَةٌ فِيمَا لَوْ انْفَصَلَ
مَيِّتًا بِدَلِيلِ أَنَّ الْفَوَائِدَ الْحَاصِلَةَ فِي الْمَالِ يُحْكَمُ
بِهَا لِلْوَرَثَةِ لِحُصُولِ الْمِلْكِ مِنْ الْمَوْتِ وَقَوْلُهُ
لِعَدَمِ الثِّقَةِ إلَخْ أَخَذَ بَعْضُهُمْ مِنْهُ أَنَّا إذَا عَلِمْنَا
حَيَاتَهُ وَوُجُودَهُ بِخَبَرٍ مَعْصُومٍ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ.
أَقُولُ: وَلَيْسَ مُرَادًا لِأَنَّ خَبَرَ الْمَعْصُومِ لَا يَزِيدُ عَلَى
انْفِصَالِهِ حَيًّا، وَانْفِصَالُهُ حَيًّا مُحَقَّقٌ لِوُجُودِهِ قَبْلَ
الِانْفِصَالِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ نُوجِبْهَا بَعْدَ انْفِصَالِهِ
لِتَبَيُّنِ وُجُودِهِ عِنْدَ حَوَلَانِ الْحَوْلِ.
(قَوْلُهُ: قَالَ الْإِسْنَوِيُّ الْمُتَّجَهُ عَدَمُ لُزُومِهَا) أَيْ فِي
جَمِيعِ الْمَالِ الْمَوْقُوفِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ لَا فِيمَا
يَخْتَصُّ بِالْجَنِينِ أَنْ لَوْ كَانَ حَيًّا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.
(قَوْلُهُ: وَقَدْ قَيَّدَ الْإِمَامُ الْمَسْأَلَةَ إلَخْ) أَيْ وَهِيَ
عَدَمُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي مَالِ الْحَمْلِ.
(قَوْلُهُ: بِخُرُوجِ الْجَنِينِ حَيًّا) صَوَابُهُ بِعَدَمِ خُرُوجِهِ
إلَخْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
بِهِ إلَخْ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَيْضًا الْإِتْيَانُ فِيهِ بِالْوَاوِ
عَطْفًا عَلَى الْعِلَّةِ قَبْلَهُ
(قَوْلُهُ: وَتَجِبُ فِي الْمَوْقُوفِ) أَيْ فِي رِيعِهِ
(3/127)
الْمِلْكِ ظَاهِرًا وَانْفِصَالِهِ
مَيِّتًا لَمْ يَتَحَقَّقْ مَعَهُ انْتِفَاءُ سَبْقِ حَيَاةٍ لَهُ، وَلَا
كَذَلِكَ وَقْفُ الْمِلْكِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ وَنَحْوِهِ، وَيُمْكِنُ
الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ هَذَا الشَّرْطِ لِخُرُوجِهِ بِقَوْلِهِ (وَتَجِبُ
فِي مَالِ الصَّبِيِّ) وَالصَّبِيَّةِ لِشُمُولِ الْخَبَرِ الْمَارِّ
لَهُمَا وَلِخَبَرِ «ابْتَغُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى لَا
تَسْتَهْلِكُهَا الصَّدَقَةُ» وَفِي رِوَايَةِ الزَّكَاةِ، وَرَوَى
الدَّارَقُطْنِيّ خَبَرَ «مَنْ وَلِيَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ فَلْيَتَّجِرْ
فِيهِ وَلَا يَتْرُكْهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ» وَلِأَنَّ
الْمَقْصُودَ مِنْ الزَّكَاةِ سَدُّ الْخَلَّةِ وَتَطْهِيرُ الْمَالِ
وَمَالُهُمَا قَابِلٌ لِأَدَاءِ النَّفَقَاتِ وَالْغَرَامَاتِ وَلَيْسَتْ
الزَّكَاةُ مَحْضَ عِبَادَةٍ حَتَّى تَخْتَصَّ بِالْمُكَلَّفِ
(وَالْمَجْنُونِ) وَيُخَاطِبُ الْوَلِيُّ بِإِخْرَاجِهَا وَمَحِلُّ وُجُوبِ
ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ حَيْثُ كَانَ مِمَّنْ
يَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا عَلَى الْوَلِيِّ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ لَا
يَرَاهُ كَحَنَفِيٍّ فَلَا وُجُوبَ، وَالِاحْتِيَاطُ لَهُ أَنْ يَحْسِبَ
زَكَاتَهُ، فَإِذَا كَمَلَا أَخْبَرَهُمَا بِذَلِكَ وَلَا يُخْرِجُهَا
فَيُغَرِّمُهُ الْحَاكِمُ. قَالَهُ الْقَفَّالُ وَفَرَضَهُ فِي الطِّفْلِ
وَمِثْلُهُ الْمَجْنُونُ كَمَا مَرَّ وَالسَّفِيهُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ:
فَلَوْ كَانَ الْوَلِيُّ غَيْرَ مُتَمَذْهِبٍ بَلْ عَامِّيًّا صِرْفًا
فَإِنْ أَلْزَمَهُ حَاكِمٌ يَرَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
(قَوْلُهُ: وَيُمْكِنُ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ هَذَا الشَّرْطِ) هُوَ
قَوْلُهُ وَأَنْ يَكُونَ مُتَيَقَّنَ الْوُجُودِ (قَوْلُهُ: وَتَجِبُ فِي
مَالِ الصَّبِيِّ) أَيْ لِأَنَّ الْجَنِينَ لَا يُسَمَّى صَبِيًّا وَنَظَمَ
الْفَخْرُ الرَّازِيّ فَقَالَ: طَلَبْت مِنْ الْمَلِيحِ زَكَاةَ حَسَنٍ
عَلَى صِغَرٍ مِنْ السِّنِّ الْبَهِيِّ فَقَالَ: وَهَلْ عَلَى مِثْلِي
زَكَاةٌ عَلَى رَأْيِ الْعِرَاقِيِّ الْكَمِيِّ فَقُلْت الشَّافِعِيُّ
لَنَا إمَامٌ يَرَى أَنَّ الزَّكَاةَ عَلَى الصَّبِيِّ فَقَالَ اذْهَبْ
إذًا وَاقْبِضْ زَكَاتِي بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ مِنْ الْوَلِيِّ
وَتَمَّمَهُ التَّقِيُّ السُّبْكِيُّ فَقَالَ: فَقُلْت لَهُ فَدَيْتُك مِنْ
فَقِيهٍ أَيَطْلُبُ بِالْوَفَاءِ سِوَى الْمَلِيِّ نِصَابُ الْحَسَنِ
عِنْدَك ذُو امْتِنَاعٍ بِخَدِّك وَالْقَوَامِ السَّمْهَرِيِّ فَإِنْ
أَعْطَيْتنَا طَوْعًا وَإِلَّا أَخَذْنَاهُ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ
(قَوْلُهُ: لَا تَسْتَهْلِكُهَا) فِي حَجّ بَدَلَ لَا تَسْتَهْلِكْهَا لَا
تَأْكُلْهَا.
(قَوْلُهُ: سَدُّ الْخَلَّةِ) هِيَ بِالْفَتْحِ الْحَاجَةُ وَبِالضَّمِّ
الْمَحَبَّةُ (قَوْلُهُ: حَيْثُ كَانَ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ) كَشَافِعِيٍّ
(قَوْلُهُ: وَالِاحْتِيَاطُ لَهُ) أَيْ لِلْوَلِيِّ الْحَنَفِيِّ أَخْذًا
مِمَّا يَأْتِي عَنْ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ.
(قَوْلُهُ: أَنْ يُحْسَبَ) بِالضَّمِّ (قَوْلُهُ: وَلَا يُخْرِجُهَا) أَيْ
فَإِنْ أَخْرَجَهَا عَالِمًا عَامِدًا بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ عَلَيْهِ
فَيَنْبَغِي مَعَ عَدَمِ الْإِجْزَاءِ فِسْقُهُ وَانْعِزَالُهُ لِأَنَّهُ
تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِطَرِيقِ التَّعَدِّي، وَلَوْ أَخْرَجَ
حَيْثُ لَمْ يَفْسُقْ كَأَنْ جَهِلَ التَّحْرِيمَ ثُمَّ قَلَّدَ مَنْ
يُوجِبُ الزَّكَاةَ وَيَصِحُّ إخْرَاجُهُ فَيَنْبَغِي الِاعْتِدَادُ
بِإِخْرَاجِهِ السَّابِقِ م ر اهـ سم عَلَى بَهْجَةٍ.
(قَوْلُهُ: فَلَوْ كَانَ الْوَلِيُّ غَيْرَ مُتَمَذْهِبٍ) أَيْ وَلَا
يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ كَوْنُهُ غَيْرَ أَهْلٍ لِلْوِلَايَةِ لِجَوَازِ أَنْ
يَقَعَ السُّؤَالُ مِنْهُ وَيُعْمَلَ بِمُقْتَضَى مَا يُجِيبُهُ بِهِ
الْمَسْئُولُ وَإِنْ لَمْ يُلَاحِظْ مَذْهَبًا مَخْصُوصًا حِينَ الْعَمَلِ.
(قَوْلُهُ: بَلْ عَامِّيًّا صَرْفًا) قَدْ يُشْعِرُ هَذَا بِأَنَّ
الْعَامِّيَّ لَا يَلْزَمُهُ تَقْلِيدُ مَذْهَبٍ مِنْ الْمَذَاهِبِ
الْمُعْتَبَرَةِ. وَفِي حَجّ: وَالْوَلِيُّ مُخَاطَبٌ بِإِخْرَاجِهَا
مِنْهُ وُجُوبًا إنْ اعْتَقَدَ الْوُجُوبَ سَوَاءٌ الْعَامِّيُّ
وَغَيْرُهُ، وَزَعَمَ أَنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَيُمْكِنُ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ هَذَا الشَّرْطِ لِخُرُوجِهِ
بِقَوْلِهِ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، إذْ لَا حَصْرَ فِي قَوْلِهِ
الْمَذْكُورِ وَفِي الْعِبَارَةِ أَيْضًا مُسَامَحَةٌ (قَوْلُهُ: حَيْثُ
كَانَ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا) أَيْ وَإِنَّ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ
يُخَالِفُهُ فِي الْعَقِيدَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشِّهَابُ حَجّ
(قَوْلُهُ: وَالِاحْتِيَاطُ) أَيْ فِي حَقِّ الْحَنَفِيِّ كَمَا صَرَّحَ
بِهِ أَيْضًا الشِّهَابُ الْمَذْكُورُ: أَيْ أَمَّا الشَّافِعِيُّ فَهُوَ
مُخَاطَبٌ بِالْإِخْرَاجِ
(3/128)
إخْرَاجَهَا فَوَاضِحٌ، وَإِلَّا فَهَلْ
نَقُولُ يَسْتَفْتِي وَيَعْمَلُ بِذَلِكَ أَوْ يُؤَخِّرُ الْأَمْرَ إلَى
كَمَالِهِمَا أَوْ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى حَاكِمٍ عَدْلٍ مَأْمُونٍ
وَيَعْمَلُ بِمَا يَأْمُرُهُ بِهِ؟ لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا وَقَيِّمُ
الْحَاكِمِ يُرَاجِعُهُ وَيَعْمَلُ بِقَوْلِهِ اهـ.
وَالْأَوْجَهُ كَمَا أَفَادَهُ الشَّيْخُ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِمُقْتَضَى
مَذْهَبِهِ كَحَاكِمٍ أَنَابَهُ حَاكِمٌ آخَرُ يُخَالِفُهُ فِي مَذْهَبِهِ،
وَالْأَوْجَهُ فِيمَا فِيهِ التَّرْدِيدَاتُ الْمَذْكُورَةُ عَلَى قِيَاسِ
قَوْلِ الْقَفَّالِ السَّابِقِ الِاحْتِيَاطُ بِمِثْلِ مَا مَرَّ.
(وَكَذَا) تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى (مَنْ مَلَكَ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ
نِصَابًا) (فِي الْأَصَحِّ) لِتَمَامِ مِلْكِهِ، وَلِهَذَا نَصَّ إمَامُنَا
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى أَنَّهُ يُكَفِّرُ كَفَّارَةَ الْحُرِّ
الْمُوسِرِ. وَالثَّانِي لَا لِنُقْصَانِهِ بِالرِّقِّ فَأَشْبَهَ
الْعَبْدَ وَالْمُكَاتَبَ.
(وَ) تَجِبُ (فِي الْمَغْصُوبِ) إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى نَزْعِهِ
وَمِثْلُهُ الْمَسْرُوقُ بَلْ هُوَ دَاخِلٌ فِي الْأَوَّلِ إذْ حَدُّ
الْغَصْبِ يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ (وَالضَّالِّ) وَمَا وَقَعَ فِي بَحْرٍ
وَمَا دَفَنَهُ فِي مَحِلٍّ ثُمَّ نَسِيَ مَكَانَهُ (وَالْمَجْحُودِ) مِنْ
عَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ وَلَا بَيِّنَةَ بِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْقَاضِي
(فِي الْأَظْهَرِ) لِمِلْكِ النِّصَابِ وَتَمَامِ الْحَوْلِ. الثَّانِي
وَهُوَ الْقَدِيمُ لَا تَجِبُ لِامْتِنَاعِ النَّمَاءِ وَالتَّصَرُّفِ
فَأَشْبَهَ مَالَ الْمُكَاتَبِ لَا تَجِبُ فِيهِ زَكَاةٌ عَلَى سَيِّدِهِ،
أَمَّا إذَا قَدَرَ عَلَى نَزْعِ الْمَغْصُوبِ أَوْ كَانَ لَهُ
بِالْمَجْحُودِ بَيِّنَةٌ أَوْ عَلِمَ بِهِ الْقَاضِي فِي حَالَةٍ يُقْضَى
فِيهَا بِعِلْمِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قَطْعًا (وَلَا يَجِبُ
دَفْعُهَا حَتَّى يَعُودَ) الْمَغْصُوبُ وَغَيْرُهُ مِمَّا مَرَّ لِعَدَمِ
التَّمَكُّنِ قَبْلَهُ، فَإِذَا عَادَ زَكَّاهُ لِلْأَحْوَالِ
الْمَاضِيَةِ، وَلَوْ تَلِفَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ
وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمَالَ الْغَائِبَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
أَنَّ الْعَامِّيَّ لَا مَذْهَبَ لَهُ مَمْنُوعٌ بَلْ يَلْزَمُهُ تَقْلِيدُ
مَذْهَبٍ مُعْتَبَرٍ وَذَلِكَ إنَّمَا كَانَ قَبْلَ تَدْوِينِ
الْمَذَاهِبِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ يُؤَخَّرُ الْأَمْرُ إلَى كَمَالِهِمَا) قَالَ
الزِّيَادِيُّ: وَلَوْ أَخَّرَهَا مُعْتَقِدَ الْوُجُوبِ أَثِمَ وَلَزِمَ
الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ بَعْدَ كَمَالِهِ إخْرَاجُهَا وَلَوْ حَنَفِيًّا إذْ
الْعِبْرَةُ بِاعْتِقَادِ الْوَلِيِّ اهـ. وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي سم
عَلَى مَنْهَجٍ تَبَعًا لمر، وَعِبَارَتُهُ: وَانْظُرْ لَوْ اخْتَلَفَتْ
عَقِيدَةُ الْمَحْجُورِ وَالْوَلِيِّ بِأَنْ كَانَ الصَّبِيُّ شَافِعِيًّا
وَالْوَلِيُّ حَنَفِيًّا أَوْ بِالْعَكْسِ، وَقَدْ يُقَالُ: الْعِبْرَةُ
فِي اللُّزُومِ وَعَدَمِهِ بِعَقِيدَةِ الصَّبِيِّ، وَفِي وُجُوبِ
الْإِخْرَاجِ وَعَدَمِهِ بِعَقِيدَةِ الْوَلِيِّ لَكِنْ حَيْثُ لَزِمَ
الصَّبِيَّ، أَمَّا صَبِيٌّ حَنَفِيٌّ فَلَا يَنْبَغِي لِلْوَلِيِّ
الشَّافِعِيِّ أَنْ يُخْرِجَ زَكَاتَهُ إذْ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ
فَلْيُتَأَمَّلْ. وَفِي حَجّ: وَلَا عِبْرَةَ بِاعْتِقَادِ الْمَوْلَى
وَلَا بِاعْتِقَادِ أَبِيهِ غَيْرِ الْوَلِيِّ فِيمَا يَظْهَرُ (قَوْلُهُ:
وَالْأَوْجَهُ فِيمَا فِيهِ إلَخْ) أَيْ غَيْرِ الْمُتَمَذْهِبِ.
(قَوْلُهُ: الِاحْتِيَاطُ بِمِثْلِ مَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ تَجِبُ
زَكَاتُهُ إلَخْ وَلَهُ الرَّفْعُ لِلْحَاكِمِ.
(قَوْلُهُ عَلَى أَنَّهُ يُكَفِّرُ كَفَّارَةَ الْحُرِّ الْمُوسِرِ) أَيْ
بِغَيْرِ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ فَيُكَفِّرُ
بِالْإِطْعَامِ أَوْ الْكِسْوَةِ لَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ فِي أَنَّهُ
يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ التَّكْفِيرِ بِهِمَا الْيَسَارُ بِمَا يَفْضُلُ
عَمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْعُمْرِ الْغَالِبِ عَلَى مَا فِي
الْمَجْمُوعِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، فَهَلْ يُعْتَبَرُ يَسَارُهُ بِمَا
يَزِيدُ عَلَى نَفَقَتِهِ الْكَامِلَةِ أَوْ عَلَى نِصْفِهَا لِوُجُوبِ
النِّصْفِ الثَّانِي عَلَى سَيِّدِهِ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ
الْأَوَّلُ فَلْيُرَاجَعْ.
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْقَاضِي) أَيْ أَوْ عَلِمَ وَلَمْ
يَكُنْ مِمَّنْ يَسُوغُ لَهُ الْحُكْمُ بِعِلْمِهِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ
مُجْتَهِدًا أَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْحُكْمِ بِعِلْمِهِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ لَهُ بِالْمَجْحُودِ بَيِّنَةٌ) أَيْ أَوْ قَدَرَ
عَلَى الْأَخْذِ مِنْ مَالِ الْغَاصِبِ أَوْ نَحْوِهِ بِالظَّفَرِ كَمَا
يَأْتِي فِي كَلَامِهِ مِنْ قَوْلِهِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ
فَكَمَغْصُوبٍ فَلَوْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذٍ مِنْ مَالِ الْجَاحِدِ
بِالظَّفَرِ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: يَقْضِي فِيهَا بِعِلْمِهِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ مُجْتَهِدًا.
(قَوْلُهُ: حَتَّى يَعُودَ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ بَاقِيًا وَنَوَى
الْمَالِكُ بَعْدَ ذَلِكَ الزَّكَاةَ عَلَى مَنْ هُوَ بِيَدِهِ، وَقِيَاسُ
مَا يَأْتِي فِي التَّعْجِيلِ عَنْ سم عَلَى حَجّ فِي قَوْلِهِ تَنْبِيهٌ:
يُتَّجَهُ الِاكْتِفَاءُ بِذَلِكَ، ثُمَّ رَأَيْت فِيهِ أَيْضًا عِنْدَ
قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي فَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَمْ يَجُزْ عَلَى
الصَّحِيحِ مَا نَصُّهُ: وَيُجْرَى أَيْ الِاكْتِفَاءُ بِنِيَّةِ
الْمَالِكِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
حَالًا فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّأْخِيرُ
(قَوْلُهُ: وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمَالَ الْغَائِبَ إلَخْ) فِي
عِلْمِهِ مِنْ ذَلِكَ مَنْعٌ ظَاهِرٌ، وَإِنَّمَا هَذَا مُحْتَرَزُ
قَوْلِهِ الْآتِي قَرِيبًا: وَيَجِبُ الْإِخْرَاجُ فِي بَلَدِ الْمَالِ إنْ
اسْتَقَرَّ فِيهِ؛ أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ سَائِرًا فَكَانَ
الْأَصْوَبُ تَأْخِيرَهُ إلَى هُنَاكَ كَمَا صَنَعَ الشِّهَابُ حَجّ فِي
تُحْفَتِهِ، وَمُرَادُهُ بِكَوْنِهِ سَائِرًا كَوْنُهُ سَائِرًا إلَيْهِ
بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ
(3/129)
لَوْ كَانَ سَائِرًا لَمْ تَلْزَمْهُ
زَكَاتُهُ حَالًّا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ وُصُولِهِ لَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ
فِي الرَّوْضَةِ وَصَوَّبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَوْ كَانَ الْمَالُ
مَاشِيَةً اشْتَرَطَ أَنْ تَكُونَ سَائِمَةً عِنْدَ الْمَالِكِ لَا
الْغَاصِبِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ.
وَيُشْتَرَطُ زِيَادَةً عَلَى مَا تَقَرَّرَ أَنْ لَا يَنْقُصَ النِّصَابُ
بِمَا يَجِبُ إخْرَاجُهُ، فَإِنْ كَانَ نِصَابًا فَقَطْ وَلَيْسَ عِنْدَهُ
مِنْ جِنْسِهِ مَا يُعَوِّضُ قَدْرَ الْوَاجِبِ لَمْ تَجِبْ زَكَاةٌ مَا
زَادَ عَلَى الْحَوْلِ الْأَوَّلِ (وَ) تَجِبُ (فِي الْمُشْتَرَى قَبْلَ
قَبْضِهِ) قَطْعًا حَيْثُ مَضَى عَلَيْهِ حَوْلٌ مِنْ وَقْتِ دُخُولِهِ فِي
مِلْكِهِ، بِانْقِضَاءِ الْخِيَارِ لَا مِنْ الشِّرَاءِ (وَقِيلَ فِيهِ
الْقَوْلَانِ) فِي الْمَغْصُوبِ وَنَحْوِهِ لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّصَرُّفِ
فِيهِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَيْهِ
وَانْتِزَاعِهِ، بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي لِتَمَكُّنِهِ مِنْهُ بِتَسْلِيمِ
الثَّمَنِ فَيَجِبُ الْإِخْرَاجُ فِي الْحَالِّ إنْ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ
الْقَبْضِ مَانِعٌ كَالدَّيْنِ الْحَالِّ عَلَى مَلِيءٍ مُقِرٍّ (وَتَجِبُ
فِي الْحَالِّ عَنْ الْغَائِبِ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ كَالْمَالِ
الَّذِي فِي صُنْدُوقِهِ، وَيَجِبُ الْإِخْرَاجُ فِي بَلَدِ الْمَالِ إنْ
اسْتَقَرَّ فِيهِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْحَالِّ وُجُوبُ
الْمُبَادَرَةِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا بَعُدَ
بَلَدُ الْمَالِ عَنْ الْمَالِكِ وَمَنَعْنَا النَّقْلَ كَمَا هُوَ
الْأَصَحُّ فَلَا بُدَّ مِنْ وُصُولِ الْمَالِكِ أَوْ نَائِبِهِ إلَيْهِ،
اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ ثَمَّ سَاعٍ أَوْ حَاكِمٌ يَأْخُذُ
زَكَاتَهُ فِي الْحَالِّ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ
لِخَوْفِ طَرِيقٍ أَوْ انْقِطَاعِ خَبَرِهِ أَوْ شَكٍّ فِي سَلَامَتِهِ
(فَكَمَغْصُوبٍ) فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ فِي
الْمَوْضِعَيْنِ، وَالْأَوْجَهُ أَخْذًا مِنْ اقْتِضَاءِ كَلَامِهِمْ أَنَّ
الْعِبْرَةَ فِيهِ وَفِي نَحْوِ الْغَائِبِ بِمُسْتَحِقِّي مَحِلِّ
الْوُجُوبِ لَا التَّمَكُّنِ.
(وَالدَّيْنِ إنْ كَانَ مَاشِيَةً) لَا لِلتِّجَارَةِ كَأَنْ أَقْرَضَهُ
أَرْبَعِينَ شَاةً أَوْ أَسْلَمَ إلَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
فِيمَا لَوْ قَبَضَهُ الْمُسْتَحِقُّ بِلَا نِيَّةٍ ثُمَّ نَوَى الْمَالِكُ
وَمَضَى بَعْدَ نِيَّتِهِ إمْكَانُ الْقَبْضِ اهـ. وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا
ذُكِرَ.
(قَوْلُهُ: بَلْ لَا بُدَّ مِنْ وُصُولِهِ) أَيْ ثُمَّ بَعْدَ وُصُولِهِ
يُخْرِجُ زَكَاتَهُ لِمُسْتَحِقِّي مَحِلَّ الْوُجُوبِ كَمَا يَأْتِي فِي
قَوْلِهِ وَالْأَوْجَهُ أَخْذًا مِنْ اقْتِضَاءِ إلَخْ (قَوْلُهُ: لَا
الْغَاصِبِ كَمَا إلَخْ) لَعَلَّ صُورَتَهُ أَنْ يَأْذَنَ الْمَالِكُ
لِلْغَاصِبِ فِي سَامَّتِهَا، وَلَا فَاَلَّذِي مَرَّ لَهُ أَنَّهُ إذَا
أَسَامَهَا الْغَاصِبُ لَا زَكَاةَ فِيهَا، وَعِبَارَتُهُ ثُمَّ فِي فَصْلٍ
أَنْ تُحَدَّ نَوْعُ الْمَاشِيَةِ: وَلَوْ سَامَتْ الْمَاشِيَةُ
بِنَفْسِهَا أَوْ أَسَامَهَا غَاصِبٌ أَوْ مُشْتَرٍ شِرَاءً فَاسِدًا فَلَا
زَكَاةَ كَمَا يَأْتِي لِعَدَمِ إسَامَةِ الْمَالِكِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي
نُسْخَةٍ: لَا الْغَاصِبِ، وَعَلَيْهَا فَاتَّحَدَ مَا هُنَا وَثَمَّ،
لَكِنْ بِمُسَامَحَةٍ فِي قَوْلِهِ: عِنْدَ الْمَالِكِ لِأَنَّهُ يُوهِمُ
أَنَّهَا إذَا أُسِيمَتْ عِنْدَ الْمَالِكِ مُدَّةً ثُمَّ غُصِبَتْ تَجِبُ
زَكَاتُهَا، وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مَا مَرَّ
مِنْ نَسَامَةٍ لِمَالِكٍ جَمِيعَ الْحَوْلِ، وَعَلَيْهِ فَمَعْنَى
قَوْلِهِ عِنْدَ الْمَالِكِ أَنَّهَا أُسْمِيَتْ بِتَصَرُّفِهِ لَا
تَصَرُّفِ الْغَاصِبِ.
(قَوْلُهُ: بِانْقِضَاءِ الْخِيَارِ) قَدْ يُشْكِلُ عَلَى جَعْلِ الْحَوْلِ
مِنْ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ مَا مَرَّ لَهُ مِنْ أَنَّ مَنْ ثَبَتَ لَهُ
الْمِلْكُ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ إلَخْ مَعَ أَنَّهُ حَالَ بُدُوِّ
الصَّلَاحِ لَمْ يَكُنْ مِلْكُهُ مُسْتَقِرًّا، وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ
بِأَنَّ الْخِيَارَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِلْبَائِعِ بِخِلَافِ مَا
إذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لَهُمَا فَمِنْ الْعَقْدِ.
(قَوْلُهُ: إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ) وَمِنْ الْقُدْرَةِ مَا لَوْ كَانَ مَعَهُ
بَيِّنَةٌ أَوْ عَلِمَ بِهِ الْقَاضِي عَلَى مَا مَرَّ حَيْثُ سَهُلَ
الِاسْتِخْلَاصُ بِهِمَا، فَإِنْ لَمْ يَسْهُلْ بِأَنْ تُوَقَّفَ
اسْتِخْلَاصُهُ بِهِمَا عَلَى مَشَقَّةٍ أَوْ غُرْمِ مَالٍ لَمْ يَجِبْ
الْإِخْرَاجُ إلَّا بَعْدَ عَوْدِهِ لِيَدِهِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ حَاكِمٌ يَأْخُذُ زَكَاتَهُ فِي الْحَالِ) وَيُمْكِنُ
أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَالِ بِالنِّسْبَةِ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
السَّعْيُ فِي سَبَبِ الْإِخْرَاجِ كَالسَّفَرِ لَهُ أَوْ تَوْكِيلِ مَنْ
يَذْهَبُ لِإِخْرَاجِهَا أَوْ نَحْوِهَا.
(قَوْلُهُ: وَفِي نَحْوِ الْغَائِبِ بِمُسْتَحِقِّي) أَيْ إنْ كَانَ بِهِ
مُسْتَحِقٌّ وَمِنْهُ رُكَّابُ السَّفِينَةِ أَوْ الْقَافِيَّةِ مَثَلًا
الَّتِي بِهَا الْمَالُ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ تَعَذَّرَ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ
بَعْدَ وُصُولِ الْمَالِ لِمَالِكِهِ فَيُحْتَمَلُ وُجُوبُ إرْسَالِهِ
لِمُسْتَحِقِّي أَقْرَبِ بَلَدٍ لِمَوْضِعِ الْمَالِ وَقْتَ الْوُجُوبِ،
أَوْ دَفَعَهُ إلَى قَاضٍ يَرَى جَوَازَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
وُصُولِهِ لَهُ (قَوْلُهُ: كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ إلَخْ) أَيْ
خِلَافًا لِمَنْ جَعَلَهُ كَالْمَالِ الَّذِي حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ
وَهُوَ فِي بَرِّيَّةٍ فَيَجِبُ إخْرَاجُهَا فِي أَقْرَبِ بَلَدٍ إلَيْهِ
(قَوْلُهُ: وَلَيْسَ عِنْدَهُ مِنْ جِنْسِهِ مَا يُعَوِّضُ قَدْرَ
الْوَاجِبِ) اُنْظُرْ مَا الدَّاعِي إلَى هَذَا مَعَ أَنَّهُ إذَا كَانَ
عِنْدَهُ ذَلِكَ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّ مَا عِنْدَهُ نِصَابٌ فَقَطْ
(قَوْلُهُ: إنْ اسْتَقَرَّ فِيهِ) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ سَائِرًا:
أَيْ إلَيْهِ كَمَا مَرَّ قَرِيبًا بِمَا فِيهِ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ
أَخْذًا مِنْ اقْتِضَاءِ كَلَامِهِمْ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَغْصُوبِ
(3/130)
فِيهَا وَمَضَى عَلَيْهِ حَوْلٌ قَبْلَ
قَبْضِهِ (أَوْ) كَانَ (غَيْرَ لَازِمٍ كَمَالِ كِتَابَةٍ فَلَا زَكَاةَ
فِيهِ) لِأَنَّ السَّوْمَ فِي الْأُولَى شَرْطٌ وَمَا فِي الذِّمَّةِ لَا
يَتَّصِفُ بِالسَّوْمِ، وَلِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ فِي مَالٍ تَامٍّ
وَالْمَاشِيَةُ فِي الذِّمَّةِ لَا تَنْمُو، بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ
فَإِنَّ سَبَبَ وُجُوبِهَا فِيهَا كَوْنُهَا مُعَدَّةً لِلصَّرْفِ، وَلَا
فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ النَّقْدِ وَمَا فِي الذِّمَّةِ، وَمَا اعْتَرَضَ
بِهِ الرَّافِعِيُّ التَّعْلِيلَ مِنْ جَوَازِ ثُبُوتِ لَحْمِ رَاعِيَةٍ
فِي الذِّمَّةِ فَحَيْثُ جَازَ ذَلِكَ جَازَ أَنْ يُثْبِتَ فِيهَا
رَاعِيَةً رَدَّ بِأَنَّهُ إذَا الْتَزَمَهُ أَمْكَنَ تَحْصِيلُهُ مِنْ
الْخَارِجِ، وَالْكَلَامُ فِي أَنَّ السَّوْمَ لَا يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُهُ
فِي الذِّمَّةِ وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْخَارِجِ وَمِثْلُ
الْمَاشِيَةِ الْمُعَشَّرُ فِي الذِّمَّةِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ لِأَنَّ
شَرْطَهَا الزَّهْوُ فِي مِلْكِهِ وَلَمْ يُوجَدْ.
وَأَمَّا دَيْنُ الْكِتَابَةِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ إذْ لِلْعَبْدِ
إسْقَاطُهُ مَتَى شَاءَ بِتَعْجِيزِ نَفْسِهِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ فِي
مَوَاضِعَ أَنَّ الْآيِلَ لِلُّزُومِ حُكْمُهُ حُكْمُ اللَّازِمِ وَخَرَجَ
بِمَالِ كِتَابَةٍ إحَالَةُ الْمُكَاتَبِ سَيِّدَهُ بِالنُّجُومِ عَلَى
شَخْصٍ فَتَصِحُّ وَتَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَلَا
تَسْقُطُ عَنْ ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِتَعْجِيزِ الْمُكَاتَبِ
نَفْسَهُ وَلَا فَسْخِهِ، فَإِنْ كَانَ لِلسَّيِّدِ عَلَى مُكَاتَبِهِ
دَيْنُ مُعَامَلَةٍ وَعَجَّزَ نَفْسَهُ سَقَطَ كَمَا أَفْتَى بِهِ
الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
(أَوْ) (عَرَضًا) لِلتِّجَارَةِ (أَوْ نَقْدًا فَكَذَا) أَيْ لَا زَكَاةَ
فِيهِ (فِي الْقَدِيمِ) لِعَدَمِ الْمِلْكِ فِيهِ حَقِيقَةً (وَفِي
الْجَدِيدِ إنْ كَانَ حَالًّا) ابْتِدَاءً أَوْ انْتِهَاءً (وَتَعَذَّرَ
أَخْذُهُ لِإِعْسَارٍ وَغَيْرِهِ) كَمَطْلٍ وَغَيْبَةٍ وَجُحُودٍ وَلَا
بَيِّنَةَ وَنَحْوَهَا (فَكَمَغْصُوبٍ) فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ، وَلَوْ
كَانَ مُقِرًّا لَهُ فِي الْبَاطِنِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ دُونَ
الْإِخْرَاجِ قَطْعًا، قَالَهُ فِي الشَّامِلِ، فَلَوْ كَانَ يَقْدِرُ
عَلَى أَخْذِهِ مِنْ مَالِ الْجَاحِدِ بِالظَّفَرِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ
وَلَا ضَرَرٍ، فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ كَمَا لَوْ تَيَسَّرَ أَخْذُهُ
بِالْبَيِّنَةِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلَوْ كَانَ
الدَّيْنُ حَالًّا غَيْرَ أَنَّهُ نَذَرَ أَنْ لَا يُطَالِبَهُ بِهِ إلَّا
بَعْدَ سَنَةٍ أَوْ أَوْصَى بِأَنْ لَا يُطَالَبَ إلَّا بَعْدَ سَنَتَيْنِ
مِنْ مَوْتِهِ وَهُوَ عَلَى مَلِيءٍ بَاذِلٍ فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ
كَالْمُؤَجَّلِ لِتَعَذُّرِ الْقَبْضِ خِلَافًا لِلْجَلَالِ
الْبُلْقِينِيِّ (وَإِنْ تَيَسَّرَ) أَخْذُهُ بِأَنْ كَانَ عَلَى مَلِيءٍ
مُقِرٍّ حَاضِرٍ بَاذِلٍ أَوْ جَاحِدٍ وَبِهِ نَحْوُ بَيِّنَةٍ (وَجَبَتْ
تَزْكِيَتُهُ) (فِي الْحَالِ) لِقُدْرَتِهِ عَلَى قَبْضِهِ فَأَشْبَهَ
الْمُودَعَ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ إخْرَاجَهُ حَالًّا وَإِنْ لَمْ
يَقْبِضْهُ وَهُوَ كَذَلِكَ (أَوْ مُؤَجَّلًا) ثَابِتًا عَلَى مَلِيءٍ
حَاضِرٍ (فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ كَمَغْصُوبٍ) فَفِيهِ مَا مَرَّ (وَقِيلَ
يَجِبُ دَفْعُهَا قَبْلَ قَبْضِهِ) كَالْغَائِبِ الْمُتَيَسِّرِ
إحْضَارُهُ، وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ قَبْلَ حُلُولِهِ، إذْ
مَحِلُّ هَذَا الْوَجْهِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ عَلَى مَلِيءٍ وَلَا مَانِعَ
سِوَى الْأَجَلِ، وَحِينَئِذٍ فَمَتَى حَلَّ وَجَبَ الْإِخْرَاجُ قَبَضَ
أَمْ لَا.
وَأَفَادَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ حَيْثُ أَوْجَبْنَا الزَّكَاةَ فِي
الدَّيْنِ وَقُلْنَا: إنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ تَعَلُّقَ شَرِكَةٍ
اقْتَضَى أَنَّ تَمْلِيكَ أَرْبَابِ الْأَصْنَافِ رُبْعَ عُشْرِ الدَّيْنِ
فِي ذِمَّةِ الْمَدِينِ، وَذَلِكَ يَجُرُّ إلَى أُمُورٍ كَثِيرَةٍ وَاقِعٍ
فِيهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ كَالدَّعْوَى بِالصَّدَاقِ وَالدُّيُونِ،
لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ غَيْرُ مَالِكٍ لِلْجَمِيعِ فَكَيْفَ يَدَّعِي بِهِ،
إلَّا أَنَّ لَهُ الْقَبْضَ لِأَجْلِ أَدَاءِ الزَّكَاةِ فَيَحْتَاجُ إلَى
الِاحْتِرَازِ عَنْ ذَلِكَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
النَّقْلِ وَهَذَا أَقْرَبُ، وَإِلَّا فَلِلْمُسْتَحَقِّينَ بِأَقْرَبِ
مَحِلٍّ إلَيْهِ.
(قَوْلُهُ وَمَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَتَّصِفُ بِالسَّوْمِ) الْأَوْلَى
بِالْإِسَامَةِ مِنْ الْمَالِكِ (قَوْلُهُ: جَازَ أَنْ يُثْبِتَ فِيهَا
رَاعِيَةً) أَيْ فِي كُلًّا مُبَاحٌ.
قَوْلُهُ: أَنَّ الْآيِلَ لِلُّزُومِ حُكْمُهُ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ: أَيْ
كَثَمَنِ الْبَيْعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لِغَيْرِ الْبَائِعِ (قَوْلُهُ:
وَعَجَّزَ نَفْسَهُ سَقَطَ) أَيْ وَلَا زَكَاةَ فِيهِ قَبْلَ تَعْجِيزِ
الْمُكَاتَبِ وَإِنْ قَبَضَهُ مِنْهُ لِسُقُوطِهِ بِتَعْجِيزِ نَفْسِهِ
فَكَانَ كَنُجُومِ الْكِتَابَةِ وَتَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْ سم.
(قَوْلُهُ: وَلَا بَيِّنَةَ وَنَحْوَهَا) أَيْ مِنْ شَاهِدٍ وَيَمِينٍ أَوْ
عِلْمِ الْقَاضِي (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ تَيَسَّرَ أَخْذُهُ
بِالْبَيِّنَةِ) أَيْ فَيَجِبُ الْإِخْرَاجُ حَالًّا (قَوْلُهُ:
فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ) (كَالْمُؤَجَّلِ) أَيْ فَلَا تَجِبُ فِيهِ
الزَّكَاةُ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الْمُدَّةِ وَسُهُولَةِ الْأَخْذِ أَوْ
وُصُولِهِ لِيَدِهِ.
(قَوْلُهُ: فَيُحْتَاجُ إلَى الِاحْتِرَازِ) كَأَنْ يَقُولَ فِي ذِمَّتِهِ
كَذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ أَنَّ الْآيِلَ لِلُّزُومِ حُكْمُهُ حُكْمُ اللَّازِمِ)
قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يُنَافِي مَا مَرَّ لَهُ عِنْدَ قَوْلِ
الْمُصَنِّفِ فِي الْمُشْتَرِي قَبْلَ قَبْضِهِ، فَالصُّورَةُ أَنَّ هَذَا
بَعْدَ الْقَبْضِ
(قَوْلُهُ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ دُونَ الْإِخْرَاجِ قَطْعًا) أَيْ عَلَى
الْجَدِيدِ
(3/131)
فِي الدَّعْوَى، وَإِذَا حَلَفَ عَلَى
عَدَمِ الْمُسْقِطِ يَنْبَغِي أَنْ يَحْلِفَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ بَاقٍ فِي
ذِمَّتِهِ إلَى حِينِ حَلِفِهِ لَمْ يَسْقُطْ وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ
قَبْضَهُ حِينَ حَلِفِهِ وَلَا يَقُولُ إنَّهُ بَاقٍ لَهُ اهـ.
وَمِنْ ذَلِكَ مَا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى وَهُوَ تَعْلِيقُ طَلَاقِهَا
عَلَى إبْرَائِهَا مِنْ صَدَاقِهَا وَهُوَ نِصَابٌ وَمَضَى عَلَيْهِ حَوْلٌ
فَأَكْثَرُ فَأَبْرَأَتْهُ مِنْهُ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ لِعَدَمِ
مِلْكِهَا الْإِبْرَاءَ مِنْ جَمِيعِهِ، وَسَيَأْتِي مَبْسُوطًا فِي
بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(وَلَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ وُجُوبَهَا) حَالًّا كَانَ أَوْ مُؤَجَّلًا مِنْ
جِنْسِ الْمَالِ أَمْ لَا لِلَّهِ تَعَالَى كَزَكَاةٍ وَكَفَّارَةٍ
وَنَذْرٍ أَوْ لِغَيْرِهِ وَإِنْ اسْتَغْرَقَ دَيْنُهُ النِّصَابَ (فِي
أَظْهَرِ الْأَقْوَالِ) لِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ وَلِأَنَّ مَالَهُ لَا
يَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ إلَى الدَّيْنِ، وَالثَّانِي يَمْنَعُ كَمَا يَمْنَعُ
وُجُوبَ الْحَجِّ (وَالثَّالِثُ يَمْنَعُ فِي الْمَالِ الْبَاطِنِ وَهُوَ
النَّقْدُ) أَيْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَضْرُوبًا
وَالرِّكَازِ (وَالْعَرَضِ) وَزَكَاةِ الْفِطْرِ وَحَذَفَهَا لِأَنَّ
الْكَلَامَ فِي زَكَاةِ الْمَالِ لَا الْبَدَنِ وَلَمَّا تَكَلَّمُوا عَلَى
مَا يَشْمَلُهَا وَهُوَ أَنَّ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ بِنَفْسِهِ زَكَاةَ
الْمَالِ الْبَاطِنِ ذَكَرُوهَا فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ خِلَافًا لِمَا
وَقَعَ لِلْإِسْنَوِيِّ دُونَ الظَّاهِرِ وَهُوَ الزُّرُوعُ وَالثِّمَارُ
وَالْمَاشِيَةُ وَالْمَعْدِنُ، وَلَا تَرِدُ هَذِهِ عَلَى قَوْلِ
النَّقْدِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى إلَّا بَعْدَ التَّخْلِيصِ مِنْ
التُّرَابِ وَنَحْوِهِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الظَّاهِرَ يَنْمُو بِنَفْسِهِ
وَالْبَاطِنَ إنَّمَا يَنْمُو بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ وَالدَّيْنُ يَمْنَعُ
مِنْ ذَلِكَ وَيُحْوِجُ إلَى صَرْفِهِ فِي قَضَائِهِ، وَمُرَادُ مَنْ
عَدَّهَا مِنْ الْبَاطِنِ أَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِهِ، وَمَحِلُّ الْخِلَافِ
مَا لَمْ يَزِدْ الْمَالُ عَلَى الدَّيْنِ، فَإِنْ زَادَ وَكَانَ
الزَّائِدُ نِصَابًا وَجَبَتْ زَكَاتُهُ قَطْعًا وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ
لَهُ مِنْ غَيْرِ الْمَالِ الزَّكَوِيِّ مَا يَقْضِي بِهِ الدَّيْنَ فَإِنْ
كَانَ لَمْ يَمْنَعْ قَطْعًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَالْأَوْجَهُ إلْحَاقُ
دَيْنِ الضَّمَانِ بِالْإِذْنِ بِبَاقِي الدُّيُونِ (فَعَلَى الْأَوَّلِ)
الْأَظْهَرُ (لَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ لِدَيْنٍ فَحَالَ الْحَوْلُ فِي
الْحَجْرِ فَكَمَغْصُوبٍ) فَتَجِبُ زَكَاتُهُ وَلَا يَجِبُ الْإِخْرَاجُ
إلَّا عِنْدَ التَّمَكُّنِ لِأَنَّهُ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ
لِأَنَّ الْحَجْرَ مَانِعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ. نَعَمْ لَوْ عَيَّنَ
الْقَاضِي لِكُلِّ غَرِيمٍ مِنْ غُرَمَائِهِ شَيْئًا قَدْرَ دَيْنِهِ مِنْ
جِنْسِهِ أَوْ مَا يَخُصُّهُ بِالتَّقْسِيطِ وَمَكَّنَهُ مِنْ أَخْذِهِ
وَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَلَمْ يَأْخُذْهُ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ
عَلَيْهِمْ لِعَدَمِ مِلْكِهِمْ وَلَا عَلَى الْمَالِكِ لِضَعْفِ مِلْكِهِ
وَكَوْنِهِمْ أَحَقَّ بِهِ، وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ
أَخْذِهِمْ لَهُ بَعْدَ الْحَوْلِ وَتَرْكِهِمْ ذَلِكَ خِلَافًا لِبَعْضِ
الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلَوْ فَرَّقَ الْقَاضِي مَالَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ
فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ قَطْعًا لِزَوَالِ مِلْكِهِ، وَلَوْ تَأَخَّرَ
الْقَبُولُ فِي الْوَصِيَّةِ حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَمْ
يَلْزَمْ أَحَدًا زَكَاتُهَا لِخُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِ الْمُوصِي وَضَعْفِ
مِلْكِ الْوَارِثِ وَالْمُوصَى لَهُ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ،
وَإِنَّمَا لَزِمَتْ الْمُشْتَرِيَ إذَا تَمَّ الْحَوْلُ فِي زَمَنِ
الْخِيَارِ وَأُجِيزَ الْعَقْدُ لِأَنَّ وَضْعَ الْبَيْعِ عَلَى اللُّزُومِ
وَتَمَامِ الصِّيغَةِ وُجِدَ فِيهِ مِنْ ابْتِدَاءِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
وَلِيَ وِلَايَةُ قَبْضِهِ.
(قَوْلُهُ: عَلَى إبْرَائِهَا مِنْ صَدَاقِهَا) وَخَرَجَ مَا لَوْ عَلَّقَ
طَلَاقَهَا عَلَى إبْرَائِهَا مِنْ بَعْضٍ مِنْ صَدَاقِهَا، فَحَيْثُ
أَبْرَأْت مِنْهُ وَبَقِيَ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ قَدْرُ الزَّكَاةِ
وَقَعَ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ نِصَابٌ) خَرَجَ بِهِ مَا دُونَهُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ
فِي مِلْكِهَا مِنْ جِنْسِهِ مَا يَكْمُلُ بِهِ النِّصَابُ وَتَوَفَّرَتْ
فِيهِ شُرُوطُ الْوُجُوبِ.
(قَوْلُهُ: لِعَدَمِ مِلْكِهَا الْإِبْرَاءَ مِنْ جَمِيعِهِ) أَيْ
وَطَرِيقُهَا أَنْ تُخْرِجَ الزَّكَاةَ مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ تُبْرِئُهُ
مِنْهُ.
(قَوْلُهُ: وَمُرَادُ مَنْ عَدَّهَا) أَيْ وَزَكَاةَ الْفِطْرِ.
(قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ إلْحَاقُ دَيْنِ الضَّمَانِ بِالْإِذْنِ) إنَّمَا
قَيَّدَ بِالْإِذْنِ لِقَوْلِهِ الْأَوْجَهُ فَإِنَّهُ حَيْثُ لَا إذْنَ
لَا رُجُوعَ لَهُ بِمَا أَدَّاهُ فَالدَّيْنُ الَّذِي ضَمِنَهُ عَلَى
غَيْرِ حُكْمِهِ حُكْمُ مَا لَزِمَهُ مِنْ الدُّيُونِ قَطْعًا (قَوْلُهُ:
لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ) أَيْ كُلٍّ مِنْ الْوَارِثِ وَالْمُوصَى
لَهُ، أَمَّا الْوَارِثُ فَلِاحْتِمَالِ قَبُولِ الْمُوصَى لَهُ وَأَمَّا
الْمُوصَى لَهُ فَلِاحْتِمَالِ عَدَمِ قَبُولِهِ.
(قَوْلُهُ: فِي زَمَنِ الْخِيَارِ) أَيْ خِيَارِ الْعَيْبِ كَأَنْ وَجَدَ
فِيهِ مَا يَقْتَضِي الرَّدَّ لَكِنَّهُ لَمْ يَرُدَّ بَلْ أَجَازَ، أَوْ
أَنَّ الْمُرَادَ خِيَارُ الشَّرْطِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ عِبَارَتِهِ
وَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّ مُدَّةَ الْخِيَارِ مَحْسُوبَةٌ مِنْ
الْحَوْلِ، فَيَكُونُ ابْتِدَاؤُهُ مِنْ تَمَامِ الْعَقْدِ لَكِنْ هَذَا
يُشْكِلُ عَلَى مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ حَيْثُ مَضَى عَلَيْهِ حَوْلٌ مِنْ
وَقْتِ دُخُولِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَمُرَادُ مَنْ عَدَّهَا) أَيْ الْمَعَادِنَ (قَوْلُهُ:
وَالْأَوْجَهُ إلْحَاقُ دَيْنِ الضَّمَانِ) أَيْ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ،
وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْإِذْنِ لِأَنَّ لَهُ حِينَئِذٍ الرُّجُوعَ
فَيُتَوَهَّمُ حِينَئِذٍ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ مُقَابِلُ
الْأَظْهَرِ أَنَّهُ إذَا غَرِمَ رَجَعَ فَكَأَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ
(قَوْلُهُ: وَتَرْكُهُمْ ذَلِكَ) أَيْ تَرْكُهُمْ الْمَالَ لِلْمَحْجُورِ
عَلَيْهِ
(3/132)
الْمِلْكِ بِخِلَافِ مَا هُنَا (وَ) عَلَى
الْأَوَّلِ أَيْضًا (لَوْ اجْتَمَعَ زَكَاةٌ وَدَيْنُ آدَمِيٍّ فِي
تَرِكَةٍ) وَضَاقَتْ عَنْ وَفَاءِ مَا عَلَيْهِ (قُدِّمَتْ) أَيْ
الزَّكَاةُ وَلَوْ زَكَاةُ فِطْرٍ عَلَى الدَّيْنِ، وَإِنْ تَعَلَّقَ
بِالْعَيْنِ قَبْلَ الْمَوْتِ كَالْمَرْهُونِ تَقْدِيمًا لِدَيْنِ اللَّهِ
تَعَالَى لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ»
وَلِأَنَّ مَصْرِفَهَا أَيْضًا إلَى الْآدَمِيِّينَ فَقُدِّمَتْ
لِاجْتِمَاعِ الْأَمْرَيْنِ فِيهَا، وَالْخِلَافُ جَازَ فِي اجْتِمَاعِ
حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مُطْلَقًا مَعَ الدَّيْنِ فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ
الْحَجُّ وَجَزَاءُ الصَّيْدِ وَالْكَفَّارَةُ وَالنَّذْرُ. نَعَمْ
يُسَوَّى بَيْنَ دَيْنِ الْآدَمِيِّ وَالْجِزْيَةِ عَلَى الْأَصَحِّ مَعَ
أَنَّهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهَا مَعْنَى
الْأُجْرَةِ (وَفِي قَوْلٍ) يُقَدَّمُ (الدَّيْنُ) لِبِنَاءِ حُقُوقِ
الْآدَمِيِّ عَلَى الْمُضَايَقَةِ لِاحْتِيَاجِهِ وَافْتِقَارِهِ وَكَمَا
يُقَدَّمُ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَتْلِ بِالرِّدَّةِ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ
بِبِنَاءِ الْحُدُودِ عَلَى الدَّرْءِ (وَفِي قَوْلٍ يَسْتَوِيَانِ)
فَيُوَزَّعُ الْمَالُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ الْمَالِيَّ
الْمُضَافَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى يَعُودُ إلَى الْآدَمِيِّ أَيْضًا وَهُوَ
الْمُنْتَفَعُ بِهِ وَخَرَجَ بِدَيْنِ الْآدَمِيِّ دَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى
كَحَجٍّ وَزَكَاةٍ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ لَهُ إنْ كَانَ النِّصَابُ
كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ مَوْجُودًا قُدِّمَتْ أَوْ مَعْدُومًا وَاسْتَوَيَا
فِي التَّعَلُّقِ بِالذِّمَّةِ قُسِّمَ بَيْنَهُمَا عِنْدَ الْإِمْكَانِ
وَبِالتَّرِكَةِ مَا إذَا اجْتَمَعَا عَلَى حَيٍّ وَضَاقَ مَالُهُ
عَنْهُمَا فَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ قُدِّمَ حَقُّ الْآدَمِيِّ
وَإِلَّا قُدِّمَتْ الزَّكَاةُ وَيَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ
تَتَعَلَّقْ الزَّكَاةُ بِالْعَيْنِ وَإِلَّا قُدِّمَتْ مُطْلَقًا، وَلَوْ
مَلَكَ نِصَابًا فَنَذَرَ التَّصَدُّقَ بِهِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهُ أَوْ
جَعَلَهُ صَدَقَةً أَوْ أُضْحِيَّةً قَبْلَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ
وَبَعْدَ الْحِيَازَةِ وَانْقِضَاءِ الْقِتَالِ.
(إنْ) (اخْتَارَ الْغَانِمُونَ تَمَلُّكَهَا وَمَضَى بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ
اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ (حَوْلٌ) (وَالْجَمِيعُ صِنْفٌ زَكَوِيٌّ وَبَلَغَ
نَصِيبُ كُلِّ شَخْصٍ نِصَابًا أَوْ بَلَغَهُ الْمَجْمُوعُ) بِدُونِ
الْخُمُسِ (فِي مَوْضِعِ ثُبُوتِ الْخُلْطَةِ) مَاشِيَةً كَانَتْ أَوْ
غَيْرَهَا (وَجَبَتْ زَكَاتُهَا) كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ (وَإِلَّا) أَيْ
وَإِنْ انْتَفَى شَرْطٌ مِمَّا ذُكِرَ بِأَنْ لَمْ يَخْتَارُوا
تَمَلُّكَهَا أَوْ لَمْ يَمْضِ حَوْلٌ أَوْ مَضَى وَالْغَنِيمَةُ أَصْنَافٌ
أَوْ صِنْفٌ غَيْرُ زَكَوِيٍّ أَوْ لَمْ يَبْلُغُ نِصَابًا أَوْ بَلَغَهُ
بِخُمُسِ الْخُمُسِ (فَلَا) زَكَاةَ لِانْتِفَاءِ الْمِلْكِ أَوْ ضَعْفِهِ
لِسُقُوطِ الْإِعْرَاضِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ وَلِعَدَمِ
الْحَوْلِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الثَّانِي وَلِعَدَمِ مَعْرِفَةِ كُلٍّ
مِنْهُمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
فِي مِلْكِهِ بِانْقِضَاءِ الْخِيَارِ لَا مِنْ الشِّرَاءِ إلَّا أَنْ
يُخَصَّ ذَلِكَ بِخِيَارِ الْبَائِعِ وَمَا هُنَا بِغَيْرِهِ فَلَا
إشْكَالَ ثَمَّ وَلَا هُنَا.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ اجْتَمَعَ زَكَاةٌ وَدَيْنُ آدَمِيٍّ فِي تَرِكَةٍ
قُدِّمَتْ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْحَجُّ وَجَزَاءُ الصَّيْدِ إلَخْ)
أَيْ فَإِذَا اجْتَمَعَتْ قُدِّمَتْ كَالزَّكَاةِ إنْ كَانَ النِّصَابُ
بَاقِيًا إلَّا قُسِّمَ عَلَى مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَالْمُعْتَمَدُ
إلَخْ (قَوْلُهُ: قُسِّمَ بَيْنَهُمَا عِنْدَ الْإِمْكَانِ) أَمَّا إذَا
لَمْ يُمْكِنْ التَّوْزِيعُ كَأَنْ كَانَ مَا يَخُصُّ الْحَجَّ قَلِيلًا
بِحَيْثُ لَا يَفِي فَإِنَّهُ يُصْرَفُ لِلْمُمْكِنِ مِنْهُمَا، فَلَوْ
كَانَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ وَحَجٌّ وَلَمْ يُوجَدْ أَجِيرٌ يَرْضَى بِمَا
يَخُصُّ الْحَجَّ صُرِفَ كُلُّهُ لِلزَّكَاةِ، أَمَّا لَوْ اجْتَمَعَتْ
الزَّكَاةُ مَعَ غَيْرِ الْحَجِّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى
كَالنَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ فَيُوَزَّعُ الْحَاصِلُ
بَيْنَهَا وَلَا تَتَأَتَّى التَّفْرِقَةُ بَيْنَهَا لِإِمْكَانِ
التَّجْزِئَةِ دَائِمًا بِخِلَافِ الْحَجِّ، وَكَاجْتِمَاعِ الزَّكَاةِ
مَعَ الْحَجِّ اجْتِمَاعُ الْحَجِّ مَعَ بَقِيَّةِ الْحُقُوقِ، فَيُوَزَّعُ
الْوَاجِبُ إنْ أَمْكَنَ عَلَى الْحَجِّ وَغَيْرِهِ وَإِلَّا صُرِفَ
لِغَيْرِ الْحَجِّ، ثُمَّ مَا يَخُصُّ الْكَفَّارَةَ عِنْدَ التَّوْزِيعِ
إذَا كَانَتْ إعْتَاقًا وَلَمْ يَفِ مَا يَخُصُّهَا بِرَقَبَةٍ هَلْ
يَشْتَرِي بِهِ بَعْضَهَا وَإِنْ قَلَّ وَيُعْتِقُهُ أَوْ لَا لِأَنَّ
إعْتَاقَ الْبَعْضِ لَا يَقَعُ كَفَّارَةً؟ فِيهِ نَظَرٌ، فَيُحْتَمَلُ
وُجُوبُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَيْسُورَ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ،
وَيُحْتَمَلُ وَهُوَ الظَّاهِرُ الثَّانِي وَيَنْتَقِلُ إلَى الصَّوْمِ
فَيُخْرَجُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا قُدِّمَتْ) أَيْ عَلَى دَيْنِ الْآدَمِيِّ وَلَوْ
اجْتَمَعَتْ الزَّكَاةُ وَحُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى وَضَاقَ الْمَالُ
عَنْهَا قُسِّطَتْ إنْ أَمْكَنَ. كَمَا فُعِلَ بِهِ فِيمَا لَوْ
اجْتَمَعَتْ فِي التَّرِكَةِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(قَوْلُهُ: إذَا لَمْ تَتَعَلَّقْ الزَّكَاةُ بِالْعَيْنِ) أَيْ بِأَنْ
كَانَ النِّصَابُ أَوْ بَعْضُهُ بَاقِيًا.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا قُدِّمَتْ مُطْلَقًا) أَيْ حُجِرَ عَلَيْهِ أَمْ لَا
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الذِّمَّةِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ كَحَجٍّ وَزَكَاةٍ) تَصْوِيرٌ لِاجْتِمَاعِ حَقِّ اللَّهِ
تَعَالَى مَعَ الزَّكَاةِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا قُدِّمَتْ مُطْلَقًا) أَيْ
سَوَاءٌ أَحُجِرَ عَلَيْهِ أَمْ لَا
(قَوْلُهُ عِنْدَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ) الْأَصْوَبُ أَنْ
يَقُولَ بَدَلَهُ فِي الْأُولَى كَمَا صَنَعَ فِي التُّحْفَةِ، وَكَذَا
يُقَالُ فِي قَوْلِهِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ
فَالْأَصْوَبُ أَنَّهُ يَقُولَ فِي الثَّانِيَةِ إلَخْ
(3/133)
مَاذَا يُصِيبُهُ وَكَمْ نَصِيبُهُ عِنْدَ
انْتِفَاءِ الثَّالِثِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِيهَا عَدَمُ الْفَرْقِ
بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَ كُلٌّ زِيَادَةَ نَصِيبِهِ عَلَى نِصَابٍ وَأَنْ لَا
وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ وَإِنْ اسْتَبْعَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَلِعَدَمِ
الْمَالِ الزَّكَوِيِّ عِنْدَ انْتِفَاءِ الرَّابِعِ وَلِعَدَمِ بُلُوغِهِ
نِصَابًا عِنْدَ انْتِفَاءِ الْخَامِسِ وَلِعَدَمِ ثُبُوتِ الْخُلْطَةِ
عِنْدَ انْتِفَاءِ السَّادِسِ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ مَعَ أَهْلِ
الْخُمُسِ، إذْ لَا زَكَاةَ فِيهِ لِأَنَّهُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ.
(فَلَوْ أَصْدَقَهَا نِصَابَ سَائِمَةٍ مُعَيَّنًا لَزِمَهَا زَكَاتُهُ
إذَا تَمَّ حَوْلٌ مِنْ الْإِصْدَاقِ) وَإِنْ لَمْ يَتَقَرَّرْ بِأَنْ لَمْ
تَقْبِضْهُ أَوْ لَمْ يَطَأْ، وَفَارَقَ مَا سَيَأْتِي فِي الْأُجْرَةِ
بِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ فِي مُقَابَلَةِ الْمَنَافِعِ فَبِفَوَاتِهَا
يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ مِنْ أَصْلِهِ، بِخِلَافِ الصَّدَاقِ فَإِنَّهَا
مَلَّكَتْهُ بِالْعَقْدِ مِلْكًا تَامًّا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ
بِمَوْتِهَا قَبْلَ الْوَطْءِ وَإِنْ لَمْ تُسَلِّمْ الْمَنَافِعَ
لِلزَّوْجِ، وَتَشْطِيرُهُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِتَصَرُّفِ الزَّوْجِ
بِالطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ وَلَيْسَ مِنْ مُقْتَضَى عَقْدِ النِّكَاحِ،
وَخَرَجَ بِالْمُعَيَّنِ مَا فِي الذِّمَّةِ فَلَا زَكَاةَ لِأَنَّ
السَّوْمَ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ كَمَا مَرَّ، بِخِلَافِ إصْدَاقِ
النَّقْدَيْنِ تَجِبُ فِيهِمَا الزَّكَاةُ وَإِنْ كَانَا فِي الذِّمَّةِ،
فَإِذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَبَعْدَ الْحَوْلِ رَجَعَ فِي
نِصْفِ الْجَمِيعِ شَائِعًا إنْ أَخَذَ السَّاعِي الزَّكَاةَ مِنْ غَيْرِ
الْعَيْنِ الْمُصْدَقَةِ أَوْ لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا، فَإِنْ طَالَبَهُ
السَّاعِي بَعْدَ الرُّجُوعِ وَأَخَذَهَا مِنْهَا أَوْ كَانَ قَدْ
أَخَذَهَا مِنْهَا قَبْلَ الرُّجُوعِ فِي بَقِيَّتِهَا رَجَعَ أَيْضًا
بِنِصْفِ قِيمَةِ الْمُخْرَجِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ
وَقَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ عَادَ إلَيْهِ نِصْفُهَا وَلَزِمَ كُلًّا
مِنْهُمَا نِصْفُ شَاةٍ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ إنْ دَامَتْ الْخُلْطَةُ،
وَإِلَّا فَلَا زَكَاةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِعَدَمِ تَمَامِ
النِّصَابِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَحِلَّ الْوُجُوبِ عَلَيْهَا حَيْثُ عَلِمَتْ
بِالسَّوْمِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّ قَصْدَ السَّوْمِ شَرْطٌ،
وَلَوْ طَالَبَتْهُ الْمَرْأَةُ فَامْتَنَعَ كَانَ كَالْمَغْصُوبِ، قَالَهُ
الْمُتَوَلِّي وَعِوَضُ الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ
كَالصَّدَاقِ، وَلَا يَلْحَقُ بِذَلِكَ مَالُ الْجَعَالَةِ خِلَافًا
لِابْنِ الرِّفْعَةِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى مَا بَعْدَ
فَرَاغِ الْعَمَلِ.
(وَلَوْ) (أَكْرَى) غَيْرَهُ (دَارًا أَرْبَعَ سِنِينَ بِثَمَانِينَ
دِينَارًا) مُعَيَّنَةً أَوْ فِي الذِّمَّةِ كُلَّ سَنَةٍ بِعِشْرِينَ
دِينَارًا (وَقَبَضَهَا) مِنْ الْمُكْتَرِي (فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا
يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْرِجَ إلَّا زَكَاةَ مَا اسْتَقَرَّ) عَلَيْهِ
مِلْكُهُ؛ لِأَنَّ مَا لَمْ يَسْتَقِرَّ مُعَرَّضٌ لِلسُّقُوطِ
بِانْهِدَامِ الدَّارِ فَمِلْكُهُ ضَعِيفٌ، وَإِنْ حَلَّ وَطْءُ
الْجَارِيَةِ الْمَجْعُولَةِ أُجْرَةً؛ لِأَنَّ الْحِلَّ لَا يَتَوَقَّفُ
عَلَى ارْتِفَاعِ الضَّعْفِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (فَيُخْرِجُ عِنْدَ تَمَامِ
السَّنَةِ الْأُولَى زَكَاةَ الْعِشْرِينَ) وَهُوَ نِصْفُ دِينَارٍ
لِأَنَّهَا الَّتِي اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عَلَيْهَا الْآنَ (وَلِتَمَامِ)
السَّنَةِ (الثَّانِيَةِ زَكَاةَ عِشْرِينَ لِسَنَةٍ) وَهِيَ الَّتِي
زَكَّاهَا (وَ) زَكَاةَ (عِشْرِينَ لِسَنَتَيْنِ) وَهِيَ الَّتِي
اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عَلَيْهَا الْآنَ (وَلِتَمَامِ) السَّنَةِ
(الثَّالِثَةِ زَكَاةَ أَرْبَعِينَ سَنَةً) وَهِيَ الَّتِي زَكَّاهَا (وَ)
زَكَاةَ (عِشْرِينَ لِثَلَاثِ سِنِينَ) وَهِيَ الَّتِي اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ
عَلَيْهَا الْآنَ (وَلِتَمَامِ) السَّنَةِ (الرَّابِعَةِ زَكَاةَ سِتِّينَ
لِسَنَةٍ) وَهِيَ الَّتِي زَكَّاهَا (وَ) زَكَاةَ (عِشْرِينَ لِأَرْبَعٍ)
وَهِيَ الَّتِي اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عَلَيْهَا الْآنَ، وَمَحِلُّ ذَلِكَ
إذَا أَدَّى الزَّكَاةَ مِنْ غَيْرِ الْأُجْرَةِ مُعَجَّلًا، فَإِنْ أَدَّى
الزَّكَاةَ مِنْ عَيْنِهَا زَكَّى كُلَّ سَنَةٍ مَا ذَكَرْنَاهُ نَاقِصًا
قَدْرَ مَا أَخْرَجَ عَمَّا قَبْلَهَا وَمَا إذَا تَسَاوَتْ الْأُجْرَةُ،
فَإِنْ اخْتَلَفَتْ فَكُلٌّ مِنْهَا بِحِسَابِهِ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ إذَا
انْفَسَخَتْ تُوَزَّعُ الْأُجْرَةُ الْمُسَمَّاةُ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ
فِي الْمُدَّتَيْنِ الْمَاضِيَةِ وَالْمُسْتَقْبِلَةِ (وَ) الْقَوْلُ
(الثَّانِي يُخْرِجُ لِتَمَامِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ أَصْلُهُ فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ عَيَّنَ مَا بِيَدِهِ عَنْهُ.
(قَوْلُهُ: لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ) الْأَوْلَى، فِيمَا فِي
الذِّمَّةِ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: رَجَعَ) أَيْ عَلَى الزَّوْجَةِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ يَجْرِي
فِيمَا لَوْ اطَّلَعَ فِي الْمَبِيعِ عَلَى عَيْبٍ بَعْدَ وُجُوبِ
الزَّكَاةِ فِيهِ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّهُ قَهْرًا إلَّا إذَا أَخْرَجَهَا
مِنْ غَيْرِ الْمَبِيعِ، فَإِنْ قَبِلَهُ الْمُشْتَرِي وَأَخَذَ السَّاعِي
الزَّكَاةَ مِنْهُ رَجَعَ بِقِيمَةِ مَا أَخَذَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي
لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ قَبْلَ الرَّدِّ، وَرِضَا الْبَائِعِ بِهِ جَوَّزَ
رَدَّهُ مَعَ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ
سُقُوطُ مَا وَجَبَ عَلَى الْمُشْتَرِي عَنْهُ وَتَحَمُّلُ الْبَائِعِ
لَهُ.
(قَوْلُهُ: عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ) قَضِيَّتُهُ الْبِنَاءُ عَلَى مَا
مَضَى مِنْ الْحَوْلِ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ، بَلْ
الْمُرَادُ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ الَّذِي يُبْتَدَأُ مِنْ الطَّلَاقِ.
(قَوْلُهُ: فَلَا زَكَاةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ
عِنْدَ أَحَدِهِمَا مَا يَكْمُلُ بِهِ النِّصَابُ.
(قَوْلُهُ: حَيْثُ عَلِمْت بِالسَّوْمِ) أَيْ وَأَذِنْت فِيهِ أَوْ
اسْتَنَبْت مَنْ يَسُومُهَا وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ عِلْمِهَا لَيْسَ
إسَامَةً مِنْهَا.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَلْحَقُ بِذَلِكَ مَالُ الْجَعَالَةِ) أَيْ لِأَنَّهُ
لَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بِفَرَاغٍ مِنْ الْعَمَلِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(3/134)
السَّنَةِ (الْأُولَى زَكَاةَ
الثَّمَانِينَ) لِأَنَّهُ مَلَكَهَا مِلْكًا تَامًّا، وَلِهَذَا لَوْ
كَانَتْ الْأُجْرَةُ أَمَةً حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا كَمَا مَرَّ، وَلَوْ
انْهَدَمَتْ الدَّارُ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ
فِيمَا بَقِيَ وَتَبَيَّنَّا اسْتِقْرَارَ مِلْكِهِ عَلَى قِسْطِ الْمَاضِي
وَالْحُكْمُ فِي الزَّكَاةِ كَمَا مَرَّ. وَعَنْ الْمَاوَرْدِيِّ
وَالْأَصْحَابِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَخْرَجَ
زَكَاةَ جَمِيعِ الْأُجْرَةِ قَبْلَ الِانْهِدَامِ لَمْ يَرْجِعْ بِمَا
أَخْرَجَهُ مِنْهَا عِنْدَ اسْتِرْجَاعِ قِسْطِ مَا بَقِيَ لِأَنَّ ذَلِكَ
حَقٌّ لَزِمَهُ فِي مِلْكِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ عَلَى
غَيْرِهِ.
فَصْلٌ فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي
الْبَابِ وَمَرَّ رَدُّهُ بِأَنَّهُ مُنَاسِبٌ لَهُ فَصَحَّ إدْخَالُهُ
فِيهِ، إذْ الْأَدَاءُ مُرَتَّبٌ عَلَى الْوُجُوبِ وَكَذَا يُقَالُ فِي
الْفَصْلِ بَعْدَهُ (تَجِبُ) (الزَّكَاةُ) أَيْ أَدَاؤُهَا (عَلَى
الْفَوْرِ) لِأَنَّهُ حَقٌّ لَزِمَهُ وَقَدَرَ عَلَى أَدَائِهِ وَدَلَّتْ
الْقَرِينَةُ عَلَى طَلَبِهِ وَهِيَ حَاجَةُ الْأَصْنَافِ (إذَا تَمَكَّنَ)
مِنْ الْأَدَاءِ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِدُونِهِ تَكْلِيفٌ بِمَا لَا
يُطَاقُ أَوْ بِمَا يَشُقُّ. نَعَمْ أَدَاءُ زَكَاةِ الْفِطْرِ مُوَسَّعٌ
بِلَيْلَةِ الْعِيدِ وَيَوْمِهِ كَمَا مَرَّ (وَذَلِكَ) أَيْ التَّمَكُّنُ
(بِحُضُورِ الْمَالِ) وَإِنْ عَسِرَ الْوُصُولُ لَهُ (وَ) بِحُضُورِ
(الْأَصْنَافِ) أَيْ مَنْ تُصْرَفُ لَهُ مِنْ إمَامٍ أَوْ سَاعٍ أَوْ
مُسْتَحِقِّهَا وَلَوْ فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ لِاسْتِحَالَةِ
الْإِعْطَاءِ مِنْ غَيْرِ قَابِضٍ، وَلَا يَكْفِي حُضُورُ
الْمُسْتَحِقِّينَ وَحْدَهُمْ حَيْثُ وَجَبَ الصَّرْفُ إلَى الْإِمَامِ
بِأَنْ طَلَبَهَا مِنْ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ كَمَا يَأْتِي فَلَا
يَحْصُلُ التَّمَكُّنُ بِذَلِكَ وَبِجَفَافٍ فِي الثِّمَارِ وَتَنْقِيَةٍ
مِنْ نَحْوِ تِبْنٍ فِي حَبٍّ وَتُرَابٍ فِي مَعْدِنٍ وَخُلُوِّ مَالِكٍ
مِنْ مُهِمٍّ دُنْيَوِيٍّ أَوْ دِينِيٍّ كَمَا فِي رَدِّ الْوَدِيعَةِ،
فَلَوْ حَضَرَ بَعْضُ مُسْتَحِقِّيهَا دُونَ بَعْضٍ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ
حَتَّى لَوْ تَلِفَ الْمَالُ ضَمِنَ حِصَّتَهُمْ وَلَهُ تَأْخِيرُهَا
لِانْتِظَارِ أَحْوَجَ أَوْ أَصْلَحَ أَوْ قَرِيبٍ أَوْ جَارٍ لِأَنَّهُ
تَأْخِيرٌ لِغَرَضٍ ظَاهِرٍ، وَهُوَ حِيَازَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ لَمْ يَرْجِعْ بِمَا أَخْرَجَهُ) أَيْ بِنَاءً عَلَى هَذَا
الْقَوْلِ، ثُمَّ رَأَيْت سم عَلَى حَجّ نَقَلَ عِبَارَةَ شَرْحِ
الرَّوْضِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَقُولُ لَعَلَّ فَاعِلَ الِاسْتِرْجَاعِ فِي
قَوْلِهِ عِنْدَ الِاسْتِرْجَاعِ إلَخْ الْمُسْتَأْجِرُ، وَلَعَلَّ
الْمُرَادَ مِنْ عَدَمِ الرُّجُوعِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ
يَدْفَعَ لِلْمُسْتَأْجِرِ حِصَّةَ مَا بَعْدَ الِانْهِدَامِ مِنْ
الْأُجْرَةِ نَاقِصًا قَدْرَ الزَّكَاةِ الَّتِي أَخْرَجَهَا عَنْ تِلْكَ
الْحِصَّةِ اهـ.
وَهُوَ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ قَوْلِ الشَّارِحِ لَمْ يَرْجِعْ بِمَا
أَخْرَجَهُ مِنْهَا إلَخْ. .
[فَصْلٌ فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ]
(فَصْلٌ) فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ (قَوْلُهُ: أَيْ أَدَاؤُهَا) دَفَعَ بِهِ
مَا يُقَالُ الزَّكَاةُ اسْمُ عَيْنٍ لِأَنَّهَا الْمَالُ الْمُخَرَّجُ
عَنْ بَدَنٍ أَوْ مَالٍ وَالْأَعْيَانُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ،
ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْأَدَاءِ دَفْعُ الزَّكَاةِ لَا الْأَدَاءُ
بِالْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا وَقْتَ لَهَا
مَحْدُودٌ حَتَّى تَصِيرَ قَضَاءً بِخُرُوجِهِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ عَسِرَ الْوُصُولُ لَهُ) لِاتِّسَاعِ الْبَلَدِ مَثَلًا
أَوْ ضَيَاعِ مِفْتَاحٍ أَوْ نَحْوِهِ (قَوْلُهُ: وَبِحُضُورِ
الْأَصْنَافِ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبُوا، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ
بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ دَيْنِ الْآدَمِيِّ حَيْثُ لَا يَجِبُ دَفْعُهُ
إلَّا بِالطَّلَبِ أَنَّ الدَّيْنَ لَزِمَ ذِمَّةَ الْمَدِينِ
بِاخْتِيَارِهِ وَرِضَاهُ فَتَوَقَّفَ وُجُوبُ دَفْعِهِ عَلَى طَلَبِهِ،
بِخِلَافِ مَا هُنَا فَإِنَّهُ وَجَبَ لَهُ بِحُكْمِ الشَّرْعِ وَدَلَّتْ
الْقَرِينَةُ عَلَى احْتِيَاجِهِ، إذْ الْفَرْضُ أَنَّهُ فَقِيرٌ فَلَمْ
يَتَوَقَّفْ وُجُوبُ دَفْعِهِ عَلَى طَلَبٍ (قَوْلُهُ: وَلَوْ فِي
الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ) أَيْ فَعَدَمُ وُجُوبِ دَفْعِهَا لِلْإِمَامِ
فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ لَا يَمْنَعُ مِنْ كَوْنِ الْمَالِكِ
تَمَكَّنَ مِنْ دَفْعِهَا حَيْثُ وُجِدَ الْإِمَامُ مَعَ عَدَمِ
الْمُسْتَحِقِّينَ.
(قَوْلُهُ: فَلَوْ حَضَرَ بَعْضُ مُسْتَحِقِّيهَا) أَيْ وَيَكْفِي فِي
التَّمَلُّكِ حُضُورُ ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ وُجِدَ (قَوْلُهُ ضَمِنَ
حِصَّتَهُمْ) أَيْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
(فَصْلٌ) فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ فِي الْأَمْوَالِ
الْبَاطِنَةِ) غَايَةٌ فِي حُضُورِ الْإِمَامِ وَالسَّاعِي أَيْ فَحُضُورُ
وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُقْتَضٍ لِلْوُجُوبِ الْفَوْرِيِّ، وَإِنْ قُلْنَا إنَّ
لَهُ أَنْ يُفَرِّقَهَا بِنَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ غَايَةً فِي
الْمُسْتَحَقِّ لَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَلَوْ فِي الْأَمْوَالِ
الظَّاهِرَةِ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ الْخِلَافِ هَلْ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَهَا
بِنَفْسِهِ أَوْ لَا (قَوْلُهُ ضَمِنَ حِصَّتَهُمْ) يَعْنِي الْحَاضِرِينَ
(3/135)
الْفَضِيلَةِ، وَكَذَا لِيَتَرَوَّى حَيْثُ
تَرَدَّدَ فِي اسْتِحْقَاقِ الْحَاضِرِينَ وَيَضْمَنُ إنْ تَلِفَ الْمَالُ
فِي مُدَّةِ التَّأْخِيرِ لِحُصُولِ الْإِمْكَانِ، وَإِنَّمَا أَخَّرَ
لِغَرَضِ نَفْسِهِ فَيَتَقَيَّدُ جَوَازُهُ بِشَرْطِ سَلَامَةِ
الْعَاقِبَةِ، وَلَوْ تَضَرَّرَ الْحَاضِرُ بِالْجُوعِ حَرُمَ التَّأْخِيرُ
مُطْلَقًا إذْ دَفْعُ ضَرَرِهِ فَرْضٌ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ لِحِيَازَةِ
فَضِيلَةٍ (وَلَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ بِنَفْسِهِ) مَا لَمْ يَكُنْ مَحْجُورًا
عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْحَجْرِ.
(زَكَاةُ الْمَالِ الْبَاطِنِ) وَهُوَ النَّقْدُ وَعَرَضُ التِّجَارَةِ
وَالرِّكَازُ كَمَا مَرَّ لِمُسْتَحِقِّيهَا وَإِنْ طَلَبَهَا الْإِمَامُ،
وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِقَبْضِهَا بِالْإِجْمَاعِ كَمَا
فِي الْمَجْمُوعِ، فَإِنْ عَلِمَ مِنْ شَخْصٍ أَنَّهُ لَا يُؤَدِّيهَا أَوْ
لَا يُؤَدِّي نَحْوَ كَفَّارَةٍ لَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: ادْفَعْ
بِنَفْسِك أَوْ إلَيَّ لِأُفَرِّقَهَا إزَالَةً لِلْمُنْكَرِ عِنْدَ
تَضْيِيقِ ذَلِكَ (وَكَذَا الظَّاهِرُ) وَهُوَ النَّعَمُ وَالْمُعَشَّرُ
وَالْمَعْدِنُ (فِي الْجَدِيدِ) قِيَاسًا عَلَى الْبَاطِنِ وَالْقَدِيمُ
يَجِبُ صَرْفُهَا إلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى
{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] الْآيَةَ وَظَاهِرُهُ
الْوُجُوبُ، هَذَا حَيْثُ لَمْ يَطْلُبْ الْإِمَامُ الظَّاهِرَةَ وَإِلَّا
وَجَبَ تَسْلِيمُهَا إلَيْهِ بَذْلًا لِلطَّاعَةِ، وَيُقَاتِلُهُمْ إنْ
امْتَنَعُوا مِنْ تَسْلِيمِ ذَلِكَ لَهُ وَإِنْ قَالُوا نُسَلِّمُهَا
لِمُسْتَحِقِّيهَا لِافْتِيَاتِهِمْ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ جَائِرًا
لِنَفَاذِ حُكْمِهِ وَعَدَمِ انْعِزَالِهِ بِالْجَوْرِ وَيَبْرَأُ
بِالدَّفْعِ لَهُ وَإِنْ قَالَ أَنَا آخُذُهَا مِنْك وَأَصْرِفُهَا فِي
الْفِسْقِ، بِخِلَافِ زَكَاةِ الْمَالِ الْبَاطِنِ إذْ لَا نَظَرَ لَهُ
فِيهِ كَمَا مَرَّ.
(وَلَهُ) مَعَ الْأَدَاءِ بِنَفْسِهِ فِي الْمَالَيْنِ (التَّوْكِيلُ)
فِيهِ لِأَنَّهُ حَقٌّ مَالِيٌّ فَجَازَ أَنْ يُوَكِّلَ فِي أَدَائِهِ
كَدُيُونِ الْآدَمِيِّينَ وَشَمِلَ إطْلَاقُهُ مَا لَوْ كَانَ الْوَكِيلُ
كَافِرًا أَوْ رَقِيقًا أَوْ سَفِيهًا أَوْ صَبِيًّا مُمَيِّزًا. نَعَمْ
يُشْتَرَطُ فِي الْكَافِرِ وَالصَّبِيِّ تَعْيِينُ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ
كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَذَكَرَ الْبَغَوِيّ مِثْلَهُ فِي الصَّبِيِّ
وَسَكَتَ عَنْ الْكَافِرِ (وَالصَّرْفُ) بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ (إلَى
الْإِمَامِ) أَوْ السَّاعِي؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمُسْتَحِقِّينَ فَجَازَ
الدَّفْعُ إلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
كَانَ يَبْعَثُ السُّعَاةَ لِأَخْذِ الزَّكَوَاتِ (وَالْأَظْهَرُ أَنَّ
الصَّرْفَ إلَى الْإِمَامِ أَفْضَلُ) مِنْ تَفْرِيقِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ
وَكِيلِهِ إلَى الْمُسْتَحِقِّينَ لِأَنَّ الْإِمَامَ أَعْرَفُ بِهِمْ
وَأَقْدَرُ عَلَى الِاسْتِيعَابِ وَلِتَيَقُّنِ الْبَرَاءَةِ
بِتَسْلِيمِهِ، بِخِلَافِ تَفْرِقَةِ الْمَالِكِ أَوْ نَائِبِهِ فَقَدْ
يُعْطِيهَا لِغَيْرِ مُسْتَحِقٍّ، وَلَوْ اجْتَمَعَ الْإِمَامُ وَالسَّاعِي
فَالدَّفْعُ إلَى الْإِمَامِ أَوْلَى كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (إلَّا
أَنْ يَكُونَ جَائِزًا) فَتَفْرِيقُ الْمَالِكِ بِنَفْسِهِ أَفْضَلُ مِنْ
التَّسْلِيمِ إلَيْهِ كَمَا أَنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ التَّسْلِيمِ
لِوَكِيلِهِ لِأَنَّهُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ فِعْلِ نَفْسِهِ وَفِي شَكٍّ
مِنْ فِعْلِ غَيْرِهِ، وَالتَّسْلِيمُ لِلْوَكِيلِ أَفْضَلُ مِنْهُ إلَى
الْجَائِرِ لِظُهُورِ خِيَانَتِهِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إلَّا
الظَّاهِرَةَ فَبِتَسْلِيمِهَا إلَى الْإِمَامِ وَلَوْ جَائِرًا أَفْضَلُ
مِنْ تَفْرِيقِ الْمَالِكِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الْحَاضِرِينَ.
(قَوْلُهُ: لِيَتَرَوَّى) أَيْ لِيَتَأَمَّلْ فِي أَمْرِهِ، وَيَنْبَغِي
أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ ثَبَتَ اسْتِحْقَاقُهُ ظَاهِرًا
وَتَرَدَّدَ فِيمَا بَلَغَهُ مِنْ اسْتِحْقَاقِهِ، وَإِلَّا فَفِي
الضَّمَانِ حِينَئِذٍ نَظَرٌ لِعُذْرِهِ بِالِامْتِنَاعِ إذْ لَمْ يَجُزْ
لَهُ الدَّفْعُ إلَّا إذَا عَلِمَ بِاسْتِحْقَاقِ الطَّالِبِ.
(قَوْلُهُ: حَرُمَ التَّأْخِيرُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ قَصَدَ
بِتَأْخِيرِهِ التَّرَوِّيَ أَوْ غَيْرَهُ، وَيُصَدَّقُ الْفُقَرَاءُ فِي
دَعْوَاهُمْ مَا لَمْ تَدُلَّ قَرِينَةٌ عَلَى كَذِبِهِمْ.
(قَوْلُهُ: أَنْ يُطَالِبَهُ بِقَبْضِهَا) أَيْ بِتَسْلِيمِهَا وَلَوْ
قَالَ أَنْ يُطَالِبَهُ بِإِقْبَاضِهَا لَكَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ:
لَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ إلَخْ) وَمِثْلُ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ الْآحَادُ
لَكِنْ فِي الْأَمْرِ بِالدَّفْعِ لَا فِي الطَّلَبِ.
(قَوْلُهُ: عِنْدَ تَضْيِيقِ ذَلِكَ) أَيْ وَذَلِكَ بِحُضُورِ الْمَالِ
وَطَلَبِ الْأَصْنَافِ أَوْ شِدَّةِ احْتِيَاجِهِمْ.
(قَوْلُهُ: وَعَدَمِ انْعِزَالِهِ بِالْجَوْرِ) أَيْ فَلَا يَجِبُ
دَفْعُهَا لِلْإِمَامِ وَإِنْ طَلَبَهَا بَلْ لَا يَجُوزُ لَهُ طَلَبُهَا
كَمَا تَقَدَّمَ، وَمَعَ ذَلِكَ يَبْرَأُ الْمَالِكُ بِالدَّفْعِ لَهُ
كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: وَأَصْرِفُهَا فِي الْفِسْقِ) أَيْ سَوَاءٌ صَرَفَهَا بَعْدَ
ذَلِكَ لِمُسْتَحِقِّيهَا أَوْ تَلِفَتْ فِي يَدِهِ أَوْ صَرَفَهَا فِي
مَصْرِفٍ آخَرَ وَلَوْ حَرَامًا (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ زَكَاةِ الْمَالِ
الْبَاطِنِ) أَيْ فَلَا يَجِبُ دَفْعُهَا لِلْإِمَامِ وَإِنْ طَلَبَهَا،
بَلْ لَا يَجُوزُ لَهُ طَلَبُهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَمَعَ ذَلِكَ يَبْرَأُ
الْمَالِكُ بِالدَّفْعِ لَهُ كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَهُ
أَنْ يُؤَدِّيَ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: تَعْيِينُ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ) أَيْ وَيُشْتَرَطُ
لِلْبَرَاءَةِ الْعِلْمُ بِوُصُولِهَا لِلْمُسْتَحِقِّ.
(قَوْلُهُ: وَسَكَتَ عَنْ الْكَافِرِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ
التَّعْيِينُ فِي السَّفِيهِ وَلَا فِي الرَّقِيقِ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُمَا
كَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ.
(قَوْلُهُ: إلَى الْإِمَامِ أَفْضَلُ) أَيْ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ زَكَاةُ
الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ.
(قَوْلُهُ: فَقَدْ يُعْطِيهَا لِغَيْرِ مُسْتَحِقٍّ) أَيْ فَلَا
تُجْزِئُهُ.
(قَوْلُهُ: وَفِي شَكٍّ مِنْ فِعْلِ غَيْرِهِ) هَذَا لَا يَتَأَتَّى فِيمَا
لَوْ حَضَرَ عِنْدَ أَدَاءِ الْوَكِيلِ، لَكِنْ يَخْلُفُهُ شَيْءٌ آخَرُ
وَهُوَ مُبَاشَرَتُهُ لِلْعِبَادَةِ بِنَفْسِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(3/136)
أَوْ وَكِيلِهِ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا
قَرَّرْنَاهُ صِحَّةُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَأَنَّهَا لَا
تُخَالِفُ مَا فِي الْمَجْمُوعِ. لِأَنَّا نَقُولُ: قَوْلُهُ إلَّا أَنْ
يَكُونَ جَائِزًا فِيهِ تَفْصِيلٌ، وَالْمَفْهُومُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا
يُرَدُّ، ثُمَّ إنْ لَمْ يَطْلُبْهَا الْإِمَامُ فَلِلْمَالِكِ
تَأْخِيرُهَا مَا دَامَ يَرْجُو مَجِيءَ السَّاعِي فَإِنْ أَيِسَ مِنْ
مَجِيئِهِ وَفَرَّقَ فَجَاءَ وَطَالَبَهُ وَجَبَ تَصْدِيقُهُ، وَيَحْلِفُ
نَدْبًا إنْ اُتُّهِمَ وَلَوْ طَلَبَ أَكْثَرَ مِنْ الْوَاجِبِ، لَمْ
يُمْنَعْ مِنْ الْوَاجِبِ، وَإِذَا أَخَذَهَا الْإِمَامُ فَهَلْ
بِالْوِلَايَةِ لَا بِالنِّيَابَةِ كَمَا فِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي وَهُوَ
الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ نُوزِعَ فِيهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُتَوَقَّفُ
أَخْذُهَا عَلَى مُطَالَبَةِ الْمُسْتَحِقِّينَ، وَالْمُرَادُ بِالْعَدْلِ
الْعَدْلُ فِي الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ جَائِرًا فِي غَيْرِهَا كَمَا فِي
الْكِفَايَةِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ
لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي الْمُرَادِ بِالْعَدْلِ وَالْجَوْرِ هُنَا،
وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ تَفْضِيلُ الصَّرْفِ إلَى الْإِمَامِ مُطْلَقًا.
وَقِيلَ: الْمَالِكُ بِنَفْسِهِ مُطْلَقًا.
(وَتَجِبُ) (النِّيَّةُ) فِي الزَّكَاةِ لِلْخَبَرِ الْمَشْهُورِ
وَالِاعْتِبَارُ فِيهَا بِالْقَلْبِ كَغَيْرِهَا (فَيَنْوِي هَذَا فَرْضُ
زَكَاةِ مَالٍ أَوْ فَرْضُ صَدَقَةِ مَالِي أَوْ نَحْوِهَا) كَزَكَاةِ
مَالِي الْمَفْرُوضَةِ، أَوْ الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ، أَوْ
الْوَاجِبَةِ، أَوْ فَرْضُ الصَّدَقَةِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ
الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ، وَلَا يَضُرُّ شُمُولُهُ لِصَدَقَةِ الْفِطْرِ
خِلَافًا لِمَا فِي الْإِرْشَادِ لِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ عَلَى
الْمَقْصُودِ، وَلَوْ نَوَى زَكَاةَ الْمَالِ دُونَ الْفَرِيضَةِ
أَجْزَأَهُ، وَجَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَهُمَا لَيْسَ بِشَرْطٍ إذْ
الزَّكَاةُ لَا تَكُونُ إلَّا فَرْضًا، بِخِلَافِ صَلَاةِ الظُّهْرِ
مَثَلًا فَإِنَّهَا قَدْ تَكُونُ نَفْلًا، وَلَوْ قَالَ: هَذِهِ زَكَاةٌ
أَجْزَأَهُ أَيْضًا (وَلَا يَكْفِي) هَذَا (فَرْضُ مَالِي) لِصِدْقِهِ
عَلَى النَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَمَا قِيلَ مِنْ ظُهُورِ
ذَلِكَ إنْ كَانَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ غَيْرُ الزَّكَاةِ رُدَّ
بِأَنَّ الْقَرَائِنَ الْخَارِجِيَّةَ لَا تُخَصِّصُ النِّيَّةَ فَلَا
عِبْرَةَ بِكَوْنِ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَوْ لَا نَظَرًا لِصِدْقِ مَنْوِيِّهِ
بِالْمُرَادِ وَغَيْرِهِ (وَكَذَا الصَّدَقَةُ) أَيْ صَدَقَةُ مَالِي أَوْ
الْمَالِ لَا يَكْفِي (فِي الْأَصَحِّ) لِصِدْقِ ذَلِكَ عَلَى صَدَقَةِ
التَّطَوُّعِ، وَالثَّانِي يَكْفِي لِظُهُورِهَا فِي الزَّكَاةِ. أَمَّا
لَوْ نَوَى الصَّدَقَةَ فَقَطْ لَمْ يُجْزِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ.
(وَلَا يَجِبُ) فِي النِّيَّةِ (تَعْيِينُ الْمَالِ) الْمُخْرَجِ عَنْهُ
لِأَنَّ الْغَرَضَ لَا يَخْتَلِفُ بِهِ كَالْكَفَّارَاتِ، فَلَوْ مَلَكَ
مِنْ الدَّرَاهِمِ نِصَابًا حَاضِرًا وَنِصَابًا غَائِبًا عَنْ مَحِلِّهِ
فَأَخْرَجَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ مُطْلَقًا ثُمَّ بَانَ
تَلَفُ الْغَائِبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
(قَوْلُهُ: وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ) أَيْ بِمَا نَقَلَهُ عَنْ
الْمَجْمُوعِ.
(قَوْلُهُ: لَمْ يُمْنَعْ مِنْ الْوَاجِبِ) أَيْ بَلْ يُعْطَاهُ وَلَا
يُقَالُ بِطَلَبِهِ الزَّائِدِ انْعَزَلَ عَنْ وِلَايَةِ الْقَبْضِ
(قَوْلُهُ: وَظَاهِرُهُ) أَيْ مَا فِي الْكِفَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ
وَالْمُرَادُ بِالْعَدْلِ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْمَالِكُ) أَيْ صَرَفَ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: لِلْخَبَرِ الْمَشْهُورِ) وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» إلَخْ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَضُرُّ شُمُولُهُ) أَيْ فَرْضَ الصَّدَقَةِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا قَدْ تَكُونُ نَفْلًا) أَيْ فَتَجِبُ نِيَّةُ
الْفَرْضِيَّةِ فِيهَا لِيَتَمَيَّزَ الْفَرْضُ مِنْ النَّفْلِ، وَهَذَا
التَّعْلِيلُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَادَةَ لَا تَجِبُ فِيهَا نِيَّةُ
الْفَرْضِيَّةِ، وَقَدْ قَدَّمَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ خِلَافُهُ. اللَّهُمَّ
إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْفَرْضِيَّةَ فِي الْمُعَادَةِ وَإِنْ وَجَبَتْ
فَالْمُرَادُ بِهَا إعَادَةُ مَا كَانَ فَرْضًا بِالْأَصَالَةِ أَوْ
نَحْوِهِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي مَحِلِّهِ وَالْفَرْضُ الْمُمَيِّزُ
لِلْأَصْلِيَّةِ عَنْ الْمُعَادَةِ الْحَقِيقِيُّ فَلَا تَعَارُضَ
فَلْيُتَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْت التَّصْرِيحَ بِالْجَوَابِ الْمَذْكُورِ
فِي كَلَامِ الشَّارِحِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي وَفِي
الْأَدَاءِ وَالْفَرْضِيَّةِ وَالْإِضَافَةِ إلَخْ حَيْثُ قَالَ: وَلَا
يُرَادُ اشْتِرَاطُ نِيَّتِهَا فِي الْمُعَادَةِ أَيْضًا كَمَا مَرَّ
لِمُحَاكَاةِ مَا فَعَلَهُ أَوَّلًا.
(قَوْلُهُ: الصَّدَقَةَ فَقَطْ لَمْ يُجْزِهِ) أَيْ لِصِدْقِهَا بِصَدَقَةِ
التَّطَوُّعِ.
(قَوْلُهُ: فَأَخْرَجَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ إلَخْ) قَيَّدَهُ فِي شَرْحِ
الْبَهْجَةِ بِمَا إذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَقَدْ عُلِمَ بِمَا قَرَّرْنَاهُ صِحَّةُ عِبَارَةِ
الْمُصَنِّفِ هُنَا وَأَنَّهَا لَا تُخَالِفُ مَا فِي الْمَجْمُوعِ) أَيْ
بِالنَّظَرِ إلَى مَا سَيَذْكُرُهُ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّا نَقُولُ إلَخْ،
وَإِلَّا فَمَا ذَكَرَهُ بِمُجَرَّدِهِ لَا يُفِيدُ نَفْيَ الْمُخَالَفَةِ
كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي هَذَا السِّيَاقِ قَلَاقَةٌ (قَوْلُهُ:
وَالْمَفْهُومُ إذَا كَانَ فِيهِ تَفْصِيلٌ إلَخْ) أَيْ فَكَأَنَّ
الْمُصَنِّفَ قَالَ: الصَّرْفُ إلَى الْإِمَامِ أَفْضَلُ إلَّا أَنْ
يَكُونَ جَائِرًا فَلَيْسَ الصَّرْفُ إلَيْهِ أَفْضَلَ عَلَى الْإِطْلَاقِ
بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ (قَوْلُهُ: لَا بِالنِّيَابَةِ) أَيْ عَنْ
الْفُقَرَاءِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا بَعْدَهُ
(قَوْلُهُ: فَلَوْ مَلَكَ مِنْ الدَّرَاهِمِ نِصَابًا حَاضِرًا وَنِصَابًا
غَائِبًا) أَيْ وَهُوَ سَائِرٌ إلَيْهِ أَوْ فِي بَرِّيَّةٍ، وَالْبَلَدُ
الَّذِي بِهِ الْمَالِكُ أَقْرَبُ بَلَدٍ إلَيْهَا، أَوْ كَانَ يَدْفَعُهَا
لِلْإِمَامِ، وَإِلَّا
(3/137)
فَلَهُ جَعْلُ الْمُخْرَجِ عَنْ الْحَاضِرِ
(وَلَوْ عُيِّنَ لَمْ يَقَعْ) أَيْ الْمُخْرَجُ (عَنْ غَيْرِهِ) وَلَوْ
بَانَ الْمُعَيَّنُ تَالِفًا لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ الْغَيْرِ
فَلَوْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً وَخَمْسَةَ أَبْعِرَةٍ فَأَخْرَجَ شَاةً
عَنْ الْأَبْعِرَةِ فَبَانَتْ تَالِفَةً لَمْ تَقَعْ عَنْ الشِّيَاهِ هَذَا
إنْ لَمْ يَنْوِ أَنَّهُ بَانَ الْمَنْوِيُّ عَنْهُ تَالِفًا فَعَنْ
غَيْرِهِ، فَإِنْ نَوَى ذَلِكَ فَبَانَ تَالِفًا وَقَعَ عَنْ الْآخَرِ،
فَلَوْ قَالَ هَذَا زَكَاةُ مَالِي الْغَائِبِ إنْ كَانَ بَاقِيًا فَبَانَ
بَاقِيًا أَجْزَأَهُ عَنْهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ هَذِهِ زَكَاةُ مَالِي إنْ
كَانَ مُوَرِّثِي قَدْ مَاتَ فَبَانَ مَوْتُهُ حَيْثُ لَا يَجْزِيهِ
وَالْفَرْقُ عَدَمُ الِاسْتِصْحَابِ لِلْمِلْكِ فِي هَذِهِ إذْ الْأَصْلُ
فِيهَا بَقَاءُ الْحَيَاةِ وَعَدَمُ الْإِرْثِ وَفِي تِلْكَ بَقَاءُ
الْمَالِ كَمَا لَوْ قَالَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ أَصُومُ
غَدًا مِنْ رَمَضَانَ إنْ كَانَ مِنْهُ حَيْثُ يَصِحُّ بِخِلَافِ مَا لَوْ
قَالَهُ لَيْلَةَ ثَلَاثِينَ شَعْبَانَ.
(وَيَلْزَمُ الْوَلِيَّ النِّيَّةُ إذَا أَخْرَجَ زَكَاةَ الصَّبِيِّ
وَالْمَجْنُونِ) وَالسَّفِيهِ لِوُجُوبِ النِّيَّةِ وَقَدْ تَعَذَّرَتْ
مِنْ الْمَالِكِ فَنَابَ الْوَلِيُّ عَنْهُ فِيهَا، فَلَوْ دَفَعَ مِنْ
غَيْرِ نِيَّةٍ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ وَضَمِنَ الْمَدْفُوعَ، وَلَوْ فَوَّضَ
الْوَلِيُّ النِّيَّةَ لِلسَّفِيهِ جَازَ.
(وَتَكْفِي نِيَّةُ الْمُوَكِّلِ عِنْدَ الصَّرْفِ إلَى الْوَكِيلِ) وَلَا
يَحْتَاجُ الْوَكِيلُ لِنِيَّةٍ عِنْدَ صَرْفِ ذَلِكَ لِمُسْتَحِقِّهِ (فِي
الْأَصَحِّ) لِحُصُولِ النِّيَّةِ مِمَّنْ خُوطِبَ بِهَا مُقَارَنَةً
لِفِعْلِهِ (وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَنْوِيَ الْوَكِيلَ عِنْدَ التَّفْرِيقِ)
عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ (أَيْضًا) خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ. وَالثَّانِي
لَا تَكْفِي نِيَّةُ الْمُوَكِّلِ وَحْدَهُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ
الْوَكِيلِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا لَا تَكْفِي نِيَّةُ الْمُسْتَنِيبِ فِي
الْحَجِّ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْعِبَادَةَ فِي الْحَجِّ فِعْلُ
النَّائِبِ فَوَجَبَتْ النِّيَّةُ مِنْهُ، وَهِيَ هُنَا بِمَالِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
كَانَ الْغَائِبُ فِي بَلَدٍ لَا مُسْتَحِقَّ فِيهِ وَبَلَدُ الْمَالِكِ
أَقْرَبُ الْبِلَادِ إلَيْهِ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ الْمَالِكِ
الْوَكِيلُ وَالْوَلِيُّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ
الْمَنْهَجِ: وَالْمُرَادُ الْغَائِبُ عَنْ مَجْلِسِهِ لَا عَنْ الْبَلَدِ
اهـ. وَكَتَبَ عَلَيْهِ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ أَيْ أَوْ عَنْهَا فِي
مَحِلٍّ لَا مُسْتَحِقَّ فِيهِ وَبَلَدُ الْمَالِكِ أَقْرَبُ الْبِلَادِ
إلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: فَلَهُ جَعْلُ الْمُخْرَجِ عَنْ الْحَاضِرِ) عِبَارَةُ شَرْحِ
الْبَهْجَةِ الْكَبِيرِ: فَلَهُ أَنْ يَحْسِبَهَا عَنْ الْبَاقِي إلَخْ،
وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم: ظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تَقَعُ عَنْ الْبَاقِي
بِدُونِ حُسْبَانِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ بَانَ الْمُعَيَّنُ) غَايَةُ
(قَوْلِهِ فَإِنْ نَوَى ذَلِكَ) أَيْ وَيُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: فَبَانَ مَوْتُهُ حَيْثُ لَا يَجْزِيهِ) وَيَنْبَغِي أَنَّ
مِثْلَهُ فِي عَدَمِ الْإِجْزَاءِ مَا لَوْ تَرَدَّدَ كَأَنْ قَالَ هَذَا
زَكَاةُ مَالِي إنْ كَانَ مُوَرِّثِي إلَخْ وَإِلَّا فَعَنْ مَالِي
الْحَاضِرِ، وَوَجْهُ عَدَمِ الصِّحَّةِ فِيهِ التَّرْدِيدُ بَيْنَ مَا
يَجِبُ وَمَا لَا يَجِبُ.
(قَوْلُهُ: حَيْثُ يَصِحُّ إلَخْ) وَيُخَالِفُ مَا لَوْ نَوَى الصَّلَاةَ
عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ إنْ دَخَلَ الْوَقْتُ وَإِلَّا فَعَنْ الْفَائِتِ
حَيْثُ لَا يَجْزِيهِ لِاعْتِبَارِ التَّعْيِينِ فِي الْعِبَادَاتِ
الْبَدَنِيَّةِ، إذْ الْأَمْرُ فِيهَا أَضْيَقُ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ
فِيهَا النِّيَابَةُ اهـ. شَرْحُ الْبَهْجَةِ الْكَبِيرِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ فَوَّضَ الْوَلِيُّ النِّيَّةَ لِلسَّفِيهِ جَازَ) أَيْ
بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَلَوْ مُمَيِّزًا عَلَى مَا أَفْهَمَهُ تَعْبِيرُهُ
بِالسَّفِيهِ، لَكِنْ مُقْتَضَى إطْلَاقِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ
الْمُصَنِّفِ وَلَهُ التَّوْكِيلُ خِلَافُهُ وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ،
وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم عَلَى مَنْهَجٍ: بَلْ يَنْبَغِي كَمَا وَافَقَ
عَلَيْهِ مَرَّ عَلَى الْبَدِيهَةِ أَنَّهُ يَكْفِي نِيَّةُ السَّفِيهِ
وَإِنْ لَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهِ الْوَلِيُّ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ.
أَقُولُ: قَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ، وَيُقَالُ بِعَدَمِ الِاكْتِفَاءِ
لِأَنَّ السَّفِيهَ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِأَخْذِ الْمَالِ إلَّا
أَنْ يُصَوِّرَ مَا قَالَهُ بِمَا إذَا عَزَلَ قَدْرَ الزَّكَاةِ أَوْ
عَيَّنَهُ لَهُ وَقَالَ لَهُ: ادْفَعْهُ لِلْفُقَرَاءِ فَدَفَعَهُ
وَاتَّفَقَ لَهُ أَنَّهُ نَوَى الزَّكَاةَ.
(قَوْلُهُ: وَتَكْفِي نِيَّةُ الْمُوَكِّلِ عِنْدَ الصَّرْفِ) أَيْ وَلَا
تَكْفِي نِيَّةُ الْوَكِيلِ بِإِذْنٍ مِنْ الْمُوَكِّلِ عِنْدَ صَرْفِ
الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ إنَّمَا اُغْتُفِرَتْ النِّيَّةُ مِنْ الْوَكِيلِ
إذَا أَذِنَ لَهُ فِي تَفْرِقَةِ الزَّكَاةِ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ تَبَعًا
كَمَا صَرَّحَ بِهِ حَجّ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ
«وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» لَكِنَّهُ صَرَّحَ فِي بَابِ
الْوَكَالَةِ بِخِلَافِهِ، وَعِبَارَتُهُ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ:
وَأَنْ يَكُونَ قَابِلًا لِلنِّيَابَةِ فَلَا يَصِحُّ فِي عِبَادَةٍ إلَّا
الْحَجُّ وَتَفْرِقَةُ الْأُضْحِيَّةِ سَوَاءٌ أَوَكَّلَ الذَّابِحَ
الْمُسْلِمَ الْمُمَيِّزَ فِي النِّيَّةِ أَمْ وَكَّلَ فِيهَا مُسْلِمًا
مُمَيِّزًا غَيْرَهُ لِيَأْتِيَ بِهَا عِنْدَ ذَبْحِهِ كَمَا لَوْ نَوَى
الْمُوَكِّلُ عِنْدَ ذَبْحِ وَكِيلِهِ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: لَا يَجُوزُ
أَنْ يُوَكَّلَ فِيهَا آخَرُ مَرْدُودٌ اهـ. فَقَوْلُهُ لِيَأْتِيَ بِهَا
عِنْدَ ذَبْحِهِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ التَّوْكِيلَ فِي النِّيَّةِ وَحْدَهَا
صَحِيحٌ (قَوْلُهُ فَوَجَبَتْ النِّيَّةُ وَهِيَ مِنْهُ) أَيْ
الِاسْتِنَابَةِ هُنَا بِتَفْرِقَةِ مَالِ الْمُوَكِّلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
فَالْغَائِبُ لَا تَصِحُّ الزَّكَاةُ عَنْهُ إلَّا فِي مَحَلِّهِ كَمَا
مَرَّ
(قَوْلُهُ: لِوُجُوبِ النِّيَّةِ وَقَدْ تَعَذَّرَتْ مِنْ الْمَالِكِ) أَيْ
الصَّبِيِّ أَوْ الْمَجْنُونِ.
(3/138)
الْمُوَكِّلِ فَكَفَتْ نِيَّتُهُ، وَعَلَى
الْأَوَّلِ لَوْ نَوَى الْوَكِيلُ وَحْدَهُ لَمْ يَكْفِ إنْ لَمْ يُفَوِّضْ
لَهُ الْمُوَكِّلُ النِّيَّةَ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا لَا كَافِرٌ وَصَبِيٌّ
أَوْ مَجْنُونٌ، وَلَوْ نَوَى الْمُوَكِّلُ وَحْدَهُ عِنْدَ تَفْرِقَةِ
الْوَكِيلِ جَازَ قَطْعًا، وَلَوْ عَزَلَ مِقْدَارَ الزَّكَاةِ وَنَوَى
عِنْدَ الْعَزْلِ جَازَ وَلَا يَضُرُّ تَقْدِيمُهَا عَلَى التَّفْرِقَةِ
كَالصَّوْمِ لِعُسْرِ الِاقْتِرَانِ بِإِعْطَاءِ كُلِّ مُسْتَحِقٍّ
وَلِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الزَّكَاةِ سَدُّ حَاجَةِ مُسْتَحِقِّهَا، وَلَوْ
نَوَى بَعْدَ الْعَزْلِ وَقَبْلَ التَّفْرِقَةِ أَجْزَأَهُ أَيْضًا وَإِنْ
لَمْ تُقَارِنْ النِّيَّةُ أَخْذَهَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَفِيهِ عَنْ
الْعَبَّادِيِّ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ مَالًا إلَى وَكِيلِهِ لِيُفَرِّقَهُ
تَطَوُّعًا ثُمَّ نَوَى بِهِ الْفَرْضَ ثُمَّ فَرَّقَهُ الْوَكِيلُ وَقَعَ
عَنْ الْفَرْضِ إنْ كَانَ الْقَابِضُ مُسْتَحِقًّا. أَمَّا تَقْدِيمُهَا
عَلَى الْعَزْلِ أَوْ إعْطَاءِ الْوَكِيلِ فَلَا يَجْزِي كَأَدَاءِ
الزَّكَاةِ بَعْدَ الْحَوْلِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ
وَلَوْ نَوَى الزَّكَاةَ مَعَ الْإِفْرَازِ فَأَخَذَهَا صَبِيٌّ أَوْ
كَافِرٌ وَدَفَعَهَا لِمُسْتَحِقِّهَا أَوْ أَخَذَهَا الْمُسْتَحِقُّ
لِنَفْسِهِ ثُمَّ عَلِمَ الْمَالِكُ بِذَلِكَ أَجْزَأَهُ وَبَرِئَتْ
ذِمَّتُهُ مِنْهَا لِوُجُودِ النِّيَّةِ مِنْ الْمُخَاطَبِ بِالزَّكَاةِ
مُقَارَنَةً لِفِعْلِهِ وَيَمْلِكُهَا الْمُسْتَحِقُّ لَكِنْ إذَا لَمْ
يَعْلَمْ الْمَالِكُ بِذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ إخْرَاجُهَا، وَلَوْ
أَفْرَزَ قَدْرَهَا وَنَوَاهَا لَمْ يَتَعَيَّنْ ذَلِكَ الْقَدْرُ
الْمُفْرَزِ لِلزَّكَاةِ إلَّا بِقَبْضِ الْمُسْتَحِقِّ لَهُ سَوَاءٌ
أَكَانَتْ زَكَاةَ مَالٍ أَوْ بَدَنٍ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ
وَالشَّاةِ الْمُعَيَّنَةِ لِلتَّضْحِيَةِ أَنَّ الْمُسْتَحِقِّينَ
لِلزَّكَاةِ شُرَكَاءُ لِلْمَالِكِ بِقَدْرِهَا فَلَا تَتَقَطَّعُ
شَرِكَتُهُمْ إلَّا بِقَبْضٍ مُعْتَبَرٍ، أَفْتَى بِجَمِيعِ ذَلِكَ
الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
(وَلَوْ) (دَفَعَ) الزَّكَاةَ (إلَى السُّلْطَانِ كَفَتْ النِّيَّةُ
عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ الدَّفْعِ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ السُّلْطَانُ
عِنْدَ الدَّفْعِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ لِأَنَّهُ نَائِبُهُمْ فَالدَّفْعُ
إلَيْهِ كَالدَّفْعِ لَهُمْ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ
الزَّكَاةُ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمَالِكِ شَيْءٌ وَالسَّاعِي فِي ذَلِكَ
كَالسُّلْطَانِ (فَإِنْ لَمْ يَنْوِ) الْمَالِكُ عِنْدَ الدَّفْعِ إلَى
السُّلْطَانِ (لَمْ يَجُزْ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ نَوَى السُّلْطَانُ)
عِنْدَ الصَّرْفِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ لِأَنَّهُ نَائِبُهُمْ فَالدَّفْعُ
لَهُمْ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لَا يَجْزِي فَكَذَا نَائِبُهُمْ مَا لَمْ
يَنْوِ الْمَالِكُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَبْلَ تَفْرِقَةِ السُّلْطَانِ عَلَى
مُسْتَحِقِّيهَا. وَالثَّانِي يَجْزِي نَوَى السُّلْطَانُ أَمْ لَا، إذْ
الْعَادَةُ فِيمَا يَأْخُذُهُ الْإِمَامُ وَيُفَرِّقُهُ عَلَى الْأَصْنَافِ
إنَّمَا هُوَ الْفَرْضُ فَأَغْنَتْ هَذِهِ الْقَرِينَةُ عَنْ النِّيَّةِ،
فَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي النِّيَّةِ جَازَ كَغَيْرِهِ (وَالْأَصَحُّ
أَنَّهُ) (يَلْزَمُ السُّلْطَانَ النِّيَّةُ إذَا أَخَذَ زَكَاةَ
الْمُمْتَنِعِ) مِنْ أَدَائِهَا نِيَابَةً عَنْهُ. وَالثَّانِي لَا
تَلْزَمُهُ، وَتُجْزِئُهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ
نِيَّتَهُ تَكْفِي) فِي الْإِجْزَاءِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لِقِيَامِهِ
مَقَامَهُ فِي النِّيَّةِ كَمَا فِي التَّفْرِقَةِ، وَتَكْفِي نِيَّتُهُ
عِنْدَ الْأَخْذِ أَوْ التَّفْرِقَةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
فَكَفَتْ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: لَا كَافِرٌ وَصَبِيٌّ) أَيْ غَيْرُ مُمَيِّزٍ وَمَفْهُومُهُ
الْجَوَازُ مِنْ الْمُمَيِّزِ، لَكِنْ قَالَ سم عَلَى حَجّ: قَضِيَّةُ
كَلَامِ شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَالرَّوْضِ وَالْعُبَابِ خِلَافُهُ
وَأَقَرَّهُ حَيْثُ لَمْ يَتَعَقَّبْهُ لَكِنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِيهِ:
إنَّهُ الْأَوْجَهُ وَلَا نَقَلَ فِيهِ عَنْ مَرَّ شَيْئًا عَلَى
عَادَتِهِ، وَالْأَقْرَبُ مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ حَجّ مِنْ الْجَوَازِ؛
لِأَنَّ الْمُمَيِّزَ مِنْ أَهْلِ النِّيَّةِ فَحَيْثُ اُعْتُدَّ
بِدَفْعِهِ فَيَنْبَغِي الِاعْتِدَادُ بِنِيَّتِهِ، لَكِنْ عِبَارَةُ
الزِّيَادِيِّ قَيَّدَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِمَنْ هُوَ أَهْلٌ لَهَا بِأَنْ
يَكُونَ مُسْلِمًا بَالِغًا عَاقِلًا لَا صَبِيًّا وَلَوْ مُمَيِّزًا
وَكَافِرًا كَمَا اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ وَلَا رَقِيقًا اهـ.
أَقُولُ: يُتَأَمَّلُ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ السَّابِقِ فَلَا فَرْقَ فِي
الْوَكِيلِ بَيْنَ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ أَوْ لَا، وَقَدْ
يُجَابُ أَنَّ مَا سَبَقَ فِي صِحَّةِ التَّوْكِيلِ فِي الدَّفْعِ وَلَا
يَلْزَمُ مِنْهُ التَّفْوِيضُ فِي النِّيَّةِ وَعَلَيْهِ فَيَنْوِي
الْمَالِكُ الزَّكَاةَ عِنْدَ الدَّفْعِ لِلصَّبِيِّ أَوْ الْكَافِرِ.
(قَوْلُهُ: لَكِنْ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمَالِكُ) أَذًى بِإِعْطَاءِ
الصَّبِيِّ إلَخْ (قَوْلُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ إخْرَاجُهَا) أَيْ وَتَقَعُ
الثَّانِيَةُ تَطَوُّعًا.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَنْوِ السُّلْطَانُ) غَايَةُ (قَوْلِهِ
وَالسَّاعِي فِي ذَلِكَ) أَيْ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِالنِّيَّةِ عِنْدَ
الدَّفْعِ لَهُ وَعَدَمُ الضَّمَانِ إذَا تَلِفَ الْمَالِيُّ فِي يَدِهِ.
(قَوْلُ الْمَتْنِ وَإِنْ نَوَى السُّلْطَانُ) غَايَةُ.
(قَوْلِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ نِيَّتَهُ تَكْفِي)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
أَمَّا السَّفِيهُ فَسَيَأْتِي صِحَّتُهَا مِنْهُ
(قَوْلُهُ: فَأَخَذَهَا صَبِيٌّ أَوْ كَافِرٌ وَدَفَعَهَا
لِمُسْتَحِقِّهَا) اُنْظُرْهُ مَعَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ
تَعْيِينِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ لَهُمَا (قَوْلُهُ: ثُمَّ عَلِمَ
الْمَالِكُ بِذَلِكَ أَجْزَأَهُ) أَيْ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا: أَيْ بِخِلَافِ
مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَإِنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ ظَاهِرًا فَيَجِبُ
عَلَيْهِ ظَاهِرًا أَنْ يُخْرِجَ بَدَلَهَا لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِالْحَالِ
كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ ذَلِكَ الْقَدْرُ) أَيْ فَلَهُ
أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ وَيَدْفَعَ بَدَلَهُ (قَوْلُهُ: إلَّا بِقَبْضِ
الْمُسْتَحِقِّ لَهُ) أَيْ وَلَوْ بِلَا إذْنٍ كَمَا هُوَ صَرِيحُ مَا
مَرَّ قُبَيْلَهُ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الشِّهَابُ حَجّ
(3/139)
وَالثَّانِي لَا تَكْفِي لِانْتِفَاءِ
نِيَّةِ الْمَالِكِ الْمُتَعَبَّدِ بِهَا. وَمَحِلُّ لُزُومِ النِّيَّةِ
لِلسُّلْطَانِ مَا لَمْ يَنْوِ الْمُمْتَنِعُ عِنْدَ الْأَخْذِ مِنْهُ
قَهْرًا، فَإِنْ نَوَى كَفَى وَبَرِئَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَتَسْمِيَتُهُ
حِينَئِذٍ مُمْتَنِعًا بِاعْتِبَارِ مَا سَبَقَ لَهُ مِنْ الِامْتِنَاعِ
كَمَا قَالَهُ جَمْعٌ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِلَّا فَقَدْ صَارَ
بِنِيَّتِهِ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ، فَلَوْ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامُ وَلَا
الْمَأْخُوذُ مِنْهُ لَمْ يَبْرَأْ مِنْهَا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا،
وَيَجِبُ رَدُّ الْمَأْخُوذِ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَبَدَلَهُ إنْ كَانَ
تَالِفًا.
فَصْلٌ فِي تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ (لَا يَصِحُّ
تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ) فِي مَالٍ حَوْلِيٍّ (عَلَى مِلْكِ النِّصَابِ) فِي
زَكَاةٍ عَيْنِيَّةٍ كَأَنْ مَلَكَ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَعَجَّلَ خَمْسَةَ
دَرَاهِمَ لِتَكُونَ زَكَاةً إذَا تَمَّ النِّصَابُ وَحَالَ الْحَوْلُ
عَلَيْهِ وَاتَّفَقَ ذَلِكَ فَلَا يُجْزِئُهُ إذْ لَمْ يُوجَدْ سَبَبُ
وُجُوبِهَا لِعَدَمِ الْمَالِ الزَّكَوِيِّ فَأَشْبَهَ أَدَاءَ الثَّمَنِ
قَبْلَ الْبَيْعِ وَالدِّيَةَ قَبْلَ الْقَتْلِ وَالْكَفَّارَةَ قَبْلَ
الْيَمِينِ، وَلَوْ مَلَكَ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ فَعَجَّلَ شَاتَيْنِ
فَبَلَغَتْ بِالتَّوَالُدِ عَشْرًا لَمْ يُجْزِهِ مَا عَجَّلَهُ عَنْ
النِّصَابِ الَّذِي كَمُلَ الْآنَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْدِيمِ زَكَاةِ
الْعَيْنِ عَلَى النِّصَابِ فَهُوَ شَبِيهٌ بِمَا لَوْ أَخْرَجَ زَكَاةَ
أَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَلَا يَمْلِكُ إلَّا مِائَتَيْنِ، وَلَوْ
عَجَّلَ شَاةً عَنْ أَرْبَعِينَ شَاةً ثُمَّ وَلَدَتْ أَرْبَعِينَ ثُمَّ
هَلَكَتْ الْأُمَّهَاتُ لَمْ يُجْزِهِ الْمُعَجَّلُ عَنْ السِّخَالِ
لِأَنَّهُ عَجَّلَ الزَّكَاةَ عَنْ غَيْرِهَا فَلَمْ يُجْزِهِ عَنْهَا،
وَلَوْ مَلَكَ مِائَةً وَعِشْرِينَ شَاةً فَعَجَّلَ عَنْهَا شَاتَيْنِ
فَحَدَثَتْ سَخْلَةٌ قَبْلَ الْحَوْلِ لَمْ يُجْزِهِ مَا عَجَّلَهُ عَنْ
النِّصَابِ الَّذِي كَمُلَ الْآنَ كَمَا نَقَلَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ
عَنْ تَصْرِيحِ الْأَكْثَرِينَ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْكَبِيرِ خِلَافًا
لِمَا فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَخَرَجَ بِالزَّكَاةِ الْعَيْنِيَّةِ
زَكَاةُ التِّجَارَةِ فَيَجُوزُ التَّعْجِيلُ فِيهَا بِنَاءً عَلَى مَا
مَرَّ مِنْ أَنَّ النِّصَابَ فِيهَا مُعْتَبَرٌ بِآخِرِ الْحَوْلِ، فَلَوْ
اشْتَرَى عَرَضًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ فَعَجَّلَ زَكَاةَ مِائَتَيْنِ أَوْ
قِيمَتُهُ مِائَتَانِ فَعَجَّلَ زَكَاةَ أَرْبَعِمِائَةٍ وَحَالَ الْحَوْلُ
وَهُوَ يُسَاوِي ذَلِكَ أَجْزَأَهُ وَكَأَنَّهُمْ اغْتَفَرُوا لَهُ
تَرَدُّدَ النِّيَّةِ إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ الزِّيَادَةِ لِضَرُورَةِ
التَّعْجِيلِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ تَعْجِيلٌ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَا
يَدْرِي مَا حَالُهُ عِنْدَ آخِرِ الْحَوْلِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
وَمَحِلُّهُ إنْ عَلِمَ الْمَالِكُ نِيَّةَ السُّلْطَانِ فَإِنْ شَكَّ
فِيهَا لَمْ يَبْرَأْ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النِّيَّةِ.
(قَوْلُهُ: الْمُتَعَبَّدُ بِهَا) أَيْ الَّتِي طَلَبَ الشَّارِعُ مِنْ
الْمَالِكِ الْعِبَادَةَ بِهَا (قَوْلُهُ: فَإِنْ نَوَى كَفَى) أَيْ عِنْدَ
الْأَخْذِ مِنْهُ كَفَى وَكَذَا لَوْ نَوَى بَعْدَ أَخْذِ السُّلْطَانِ
وَقَبْلَ صَرْفِهِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ أَوْ بَعْدَ أَخْذِهِمْ حَيْثُ مَضَى
بَعْدَ نِيَّتِهِ مَا يُمْكِنُ فِيهِ الْقَبْضُ.
(قَوْلُهُ: وَيَجِبُ رَدُّ الْمَأْخُوذِ) أَيْ عَلَى مَنْ الْمَالُ فِي
يَدِهِ مِنْ إمَامٍ أَوْ مُسْتَحِقٍّ لَكِنْ لِلْإِمَامِ طَرِيقٌ إلَى
إسْقَاطِ الْوُجُوبِ بِأَنْ يَنْوِيَ قَبْلَ التَّفْرِقَةِ.
قَالَ حَجّ: تَنْبِيهٌ: أَفْتَى شَارِحُ الْإِرْشَادِ الْكَمَالَ
الرِّدَادَ فِيمَنْ يُعْطِي الْإِمَامَ أَوْ نَائِبَهُ الْمَكْسَ بِنِيَّةِ
الزَّكَاةِ فَقَالَ: لَا يَجْزِي ذَلِكَ أَبَدًا وَلَا يَبْرَأُ عَنْ
الزَّكَاةِ بَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ بِحَالِهَا لِأَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا
يَأْخُذُ ذَلِكَ مِنْهُمْ فِي مُقَابَلَةِ قِيَامِهِ بِسَدِّ الثُّغُورِ
وَقَمْعِ الْقُطَّاعِ وَالْمُتَلَصَّصِينَ عَنْهُمْ وَعَنْ أَمْوَالِهِمْ،
وَقَدْ أَوْقَعَ جَمْعٌ مِمَّنْ يُنْسَبُ إلَى الْفُقَهَاءِ وَهُمْ بِاسْمِ
الْجَهْلِ أَحَقُّ أَهْلُ الزَّكَوَاتِ وَرَخَّصُوا لَهُمْ فِي ذَلِكَ
فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا اهـ.
وَمَرَّ ذَلِكَ بِزِيَادَةٍ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ فَإِنَّهُ
نَفِيسٌ، وَنُقِلَ عَنْ إفْتَاءِ الشِّهَابِ الرَّمْلِيِّ الْإِجْزَاءُ
إذَا كَانَ الْآخِذُ مُسْلِمًا، وَنُقِلَ مِثْلُهُ أَيْضًا بِالدَّرْسِ
عَنْ الزِّيَادِيِّ بِبَعْضِ الْهَوَامِشِ. .
[فَصْلٌ فِي تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ]
(فَصْلٌ) فِي تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ عَلَى الْيَمِينِ أَيْ
وَتَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ.
(قَوْلُهُ: فَعَجَّلَ زَكَاةَ مِائَتَيْنِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ.
(قَوْلُهُ: تَرَدُّدَ النِّيَّةِ) أَيْ التَّرَدُّدَ فِي النِّيَّةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
(فَصْلٌ) فِي تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ (قَوْلُهُ إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ
الزِّيَادَةِ) عِلَّةٌ لِلتَّرَدُّدِ وَقَوْلُهُ لِضَرُورَةِ التَّعْجِيلِ
عِلَّةُ الِاغْتِفَارِ
(3/140)
وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا لِلسُّبْكِيِّ
هُنَا.
(وَيَجُوزُ) تَعْجِيلُهَا فِي الْمَالِ الْحَوْلِيِّ (قَبْلَ) تَمَامِ
(الْحَوْلِ) فِيمَا انْعَقَدَ حَوْلُهُ وَوُجِدَ النِّصَابُ فِيهِ
لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْخَصَ فِي
التَّعْجِيلِ لِلْعَبَّاسِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ
إسْنَادَهُ، وَلِأَنَّهُ وَجَبَ بِسَبَبَيْنِ فَجَازَ تَقْدِيمُهُ عَلَى
أَحَدِهِمَا كَتَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْحِنْثِ، وَمَحِلُّ ذَلِكَ
فِي غَيْرِ الْوَلِيِّ، أَمَّا هُوَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّعْجِيلُ عَنْ
مُوَلِّيهِ سَوَاءٌ الْفِطْرَةُ وَغَيْرُهَا. نَعَمْ إنْ عَجَّلَ مِنْ
مَالِهِ فَجَازَ فِيمَا يَظْهَرُ.
(وَلَا يُعَجِّلُ لِعَامَيْنِ فِي الْأَصَحِّ) وَلَا لِأَكْثَرَ مِنْهُمَا
بِالْأَوْلَى إذْ زَكَاةُ غَيْرِ الْأَوَّلِ لَمْ يَنْعَقِدْ حَوْلُهُ
وَالتَّعْجِيلُ قَبْلَ انْعِقَادِ الْحَوْلِ مُمْتَنِعٌ، فَإِنْ عَجَّلَ
لِأَكْثَرَ مِنْ عَامٍ أَجْزَأَهُ عَنْ الْأَوَّلِ مُطْلَقًا دُونَ
غَيْرِهِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ أَكَانَ قَدْ مَيَّزَ حِصَّةَ كُلِّ عَامٍ
أَمْ لَا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ
وَالْإِسْنَوِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُمَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ
مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَ مَنْ عَلَيْهِ
خَمْسَةُ دَرَاهِمَ عَشَرَةً وَنَوَى بِهَا الزَّكَاةَ وَالتَّطَوُّعَ
وَقَعَ الْكُلُّ تَطَوُّعًا ظَاهِرًا، وَحَمَلَ الْأَصْحَابُ تَسَلُّفَهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْعَبَّاسِ صَدَقَةَ عَامَيْنِ
عَلَى تَسَلُّفِهَا فِي عَامَيْنِ أَوْ عَلَى صَدَقَةِ مَالَيْنِ لِكُلِّ
وَاحِدٍ حَوْلٌ مُفْرَدٌ. وَالثَّانِي يَجُوزُ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ
الْمَارِّ، وَعَلَيْهِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَبْقَى بَعْدَ التَّعْجِيلِ
نِصَابٌ كَتَعْجِيلِ شَاتَيْنِ مِنْ ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ شَاةً، وَمَا
ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ أَنَّ الْعِرَاقِيِّينَ وَجُمْهُورَ
الْخُرَاسَانِيِّينَ إلَّا الْبَغَوِيّ عَلَى الْإِجْزَاءِ وَنَقَلَهُ
ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ عَنْ النَّصِّ وَأَنَّ الرَّافِعِيَّ حَصَلَ
لَهُ فِي ذَلِكَ انْعِكَاسٌ فِي النَّقْلِ حَالَةَ التَّصْنِيفِ قَالَ:
وَلَمْ يَظْفَرْ بِأَحَدٍ صَحَّحَ الْمَنْعَ إلَّا الْبَغَوِيّ بَعْدَ
الْفَحْصِ الشَّدِيدِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ يُرَدُّ بِأَنَّ
مَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ.
(وَلَهُ) (تَعْجِيلُ الْفِطْرَةِ مِنْ أَوَّلِ) لَيْلَةٍ مِنْ (رَمَضَانَ)
لِانْعِقَادِ السَّبَبِ الْأَوَّلِ إذْ هِيَ وَجَبَتْ بِسَبَبَيْنِ
رَمَضَانُ وَالْفِطْرُ مِنْهُ وَقَدْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا فَجَازَ
تَقْدِيمُهَا عَلَى الْآخَرِ وَلِأَنَّ التَّقْدِيمَ بِيَوْمٍ أَوْ
يَوْمَيْنِ جَائِزٌ بِاتِّفَاقِ الْمُخَالِفِ فَأُلْحِقَ الْبَاقِي بِهِ
قِيَاسًا بِجَامِعِ إخْرَاجِهَا فِي جُزْءٍ مِنْهُ (وَالصَّحِيحُ مَنْعُهُ)
أَيْ التَّعْجِيلِ (قَبْلَهُ) أَيْ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ تَقْدِيمٌ
عَلَيْهِمَا مَعًا كَزَكَاةِ الْمَالِ وَكَمَا لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ
كَفَّارَةٍ قَبْلَ نَحْوِ يَمِينٍ. وَالثَّانِي يَجُوزُ لِأَنَّ وُجُودَ
الْمُخْرَجِ عَنْهُ فِي نَفْسِهِ سَبَبٌ.
(وَ) الصَّحِيحُ (أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ زَكَاةِ الثَّمَرِ قَبْلَ
بَدْوِ صَلَاحِهِ وَلَا الْحَبِّ قَبْلَ اشْتِدَادِهِ) لِأَنَّهُ لَمْ
يَظْهَرْ مَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ مِقْدَارِهِ تَحْقِيقًا وَلَا ظَنًّا
فَصَارَ كَمَا لَوْ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ قَبْلَ خُرُوجِ الثَّمَرِ
وَانْعِقَادِ الْحَبِّ، وَلِأَنَّ وُجُوبَهَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ
إدْرَاكُ الثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ فَيَمْتَنِعُ التَّقْدِيمُ عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي يَجُوزُ كَزَكَاةِ الْمَوَاشِي وَالنُّقُودِ قَبْلَ الْحَوْلِ
وَمَحِلُّ الْخِلَافِ فِيمَا بَعْدَ ظُهُورِهِ أَمَّا قَبْلَهُ
فَيَمْتَنِعُ قَطْعًا (وَ) الصَّحِيحُ (أَنَّهُ يَجُوزُ بَعْدَهُمَا) أَيْ
بَعْدَ صَلَاحِ الثَّمَرِ وَاشْتِدَادِ الْحَبِّ قَبْلَ الْجَفَافِ
وَالتَّصْفِيَةِ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ حُصُولُ النِّصَابِ كَمَا قَالَ
فِي الْبَحْرِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: نَعَمْ إنْ عَجَّلَ مِنْ مَالِهِ جَازَ لَهُ فِيمَا يَظْهَرُ)
وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الصَّبِيِّ وَإِنْ نَوَى الرُّجُوعَ لِأَنَّهُ
إنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ فِيمَا يَصْرِفُهُ عَنْهُ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ.
(قَوْلُهُ: أَجْزَأَهُ عَنْ الْأَوَّلِ مُطْلَقًا) أَيْ مَيَّزَ مَا
لِكُلِّ عَامٍ أَوْ لَا.
(قَوْلُهُ: وَقَعَ الْكُلُّ تَطَوُّعًا ظَاهِرًا) وَهُوَ أَنَّهُ فِي
مَسْأَلَةِ الْبَحْرِ جَمَعَ بَيْنَ فَرْضٍ وَنَفْلٍ وَفِي هَذِهِ نَوَى
مَا يَجْزِي وَمَا لَا يَجْزِي مِمَّا لَيْسَ عِبَادَةً أَصْلًا فَلَمْ
يَصْلُحْ مُعَارِضًا لِمَا نَوَاهُ.
(قَوْلُهُ: وَلَهُ تَعْجِيلُ الْفِطْرَةِ) يُشْعِرُ بِأَنَّ التَّأْخِيرَ
أَفْضَلُ وَهُوَ ظَاهِرٌ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ مَنَعَهُ (قَوْلُهُ:
رَمَضَانَ وَالْفِطْرِ) أَيْ بِأَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ شَوَّالٍ وَتَقَدَّمَ
فِي كَلَامِ سم عَلَى أَوَّلِ الْفِطْرَةِ عَلَى حَجّ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ
السَّبَبَ الْأَوَّلَ وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ رَمَضَانَ
كُلِّهِ وَبَعْضِهِ بِشَرْطِ إدْرَاكِ الْجُزْءِ الْأَخِيرِ.
(قَوْلُهُ: وَالثَّانِي يَجُوزُ) أَيْ فِي السَّنَةِ مُحَلِّي فَمَا
يُوهِمُهُ إطْلَاقُهُ وَتَعْلِيلُهُ لَيْسَ مُرَادًا.
(قَوْلُهُ: قَبْلَ الْجَفَافِ وَالتَّصْفِيَةِ) أَيْ حَيْثُ كَانَ
الْإِخْرَاجُ مِنْ غَيْرِ الثَّمَرِ وَالْحَبِّ اللَّذَيْنِ أَرَادَ
الْإِخْرَاجَ عَنْهُمَا لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَ مِنْ
الرُّطَبِ أَوْ الْعِنَبِ قَبْلَ جَفَافِهِ لَا يَجْزِي وَإِنْ جَفَّ
وَتَحَقَّقَ أَنَّ الْمُخْرَجَ يُسَاوِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ
إلَى قَوْلِهِ ظَاهِرًا) أَيْ وَهُوَ أَنَّهُ جَمَعَ فِي هَذَا بَيْنَ
فَرْضٍ وَنَفْلٍ بِخِلَافِ ذَاكَ (قَوْلُهُ وَأَنَّ الرَّافِعِيَّ حَصَلَ
لَهُ فِي ذَلِكَ انْعِكَاسٌ فِي النَّقْلِ) أَيْ لِأَنَّهُ نَقَلَ مَنْعَ
التَّعْجِيلِ لِعَامَيْنِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ: أَيْ وَالْوَاقِعُ أَنَّ
الْأَكْثَرِينَ عَلَى الْجَوَازِ كَمَا ادَّعَاهُ
(3/141)
قَدْ ثَبَتَ إلَّا أَنَّ الْإِخْرَاجَ لَا
يَجِبُ إلَّا بَعْدَ الْجَفَافِ وَالتَّصْفِيَةِ. وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ
لِلْجَهْلِ بِالْقَدْرِ، وَلَوْ أَخْرَجَ مِنْ عِنَبٍ لَا يَتَزَبَّبُ أَوْ
رُطَبٍ لَا يَتَتَمَّرُ أَجْزَأَ قَطْعًا إذْ لَا تَعْجِيلَ.
(وَشَرْطُ إجْزَاءٍ) أَيْ وُقُوعِ (الْمُعَجَّلِ) زَكَاةً (بَقَاءُ
الْمَالِكِ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ) عَلَيْهِ (إلَى آخِرِ الْحَوْلِ)
وَبَقَاءُ الْمَالِ إلَى آخِرِهِ أَيْضًا، فَلَوْ مَاتَ أَوْ تَلِفَ
الْمَالُ أَوْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ وَلَمْ يَكُنْ مَالَ تِجَارَةٍ لَمْ
يُجْزِهِ الْمُعَجَّلُ، وَقَدْ يَبْقَى الْمَالُ وَأَهْلِيَّةُ الْمَالِكِ
وَلَكِنْ تَتَغَيَّرُ صِفَةُ الْوَاجِبِ كَمَا لَوْ عَجَّلَ بِنْتَ مَخَاضٍ
عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَتَوَالَدَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ وَبَلَغَتْ سِتًّا
وَثَلَاثِينَ فَلَا تَجْزِيهِ الْمُعَجَّلَةُ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ
صَارَتْ بِنْتَ لَبُونٍ فِي يَدِ الْقَابِضِ بَلْ يَسْتَرِدُّهَا
وَيُعِيدُهَا أَوْ يُعْطِي غَيْرَهَا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ
وُجُودِ الشَّرْطِ وُجُودُ الْمَشْرُوطِ، وَإِنْ تَلِفَتْ لَمْ يَلْزَمْ
إخْرَاجٌ لِبِنْتِ لَبُونٍ لِأَنَّا إنَّمَا نَجْعَلُ الْمُخْرَجَ
كَالْبَاقِي إذَا وَقَعَ مَحْسُوبًا عَنْ الزَّكَاةِ وَإِلَّا فَلَا بَلْ
هُوَ كَتَلَفِ بَعْضِ الْمَالِ قَبْلَ الْحَوْلِ، وَلَا تَجْدِيدَ لِبِنْتِ
الْمَخَاضِ لِوُقُوعِهَا مَوْقِعَهَا، وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ خَمْسَةٌ
وَعِشْرُونَ بَعِيرًا لَيْسَ فِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ فَعَجَّلَ ابْنَ
لَبُونٍ ثُمَّ اسْتَفَادَ بِنْتَ مَخَاضٍ فِي آخِرِ الْحَوْلِ فَوَجْهَانِ
أَصَحُّهُمَا الْإِجْزَاءُ كَمَا اخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ خِلَافًا
لِلْقَاضِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِعَدَمِ بِنْتِ الْمَخَاضِ
حَالَ الْإِخْرَاجِ لَا حَالَ الْوُجُوبِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا مَرَّ،
وَالْمُرَادُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَكُونَ الْمَالِكُ
مُتَّصِفًا بِصِفَةِ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ ثَبَتَتْ
بِالْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ وَلَا يَلْزَمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الْوَاجِبَ أَوْ يَزِيدُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: إذْ لَا تَعْجِيلَ) قَدْ
يُقَالُ لَا يَلْزَمُ مِنْ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِيمَا ذُكِرَ وُجُوبُ
الْإِخْرَاجِ، فَإِنَّ الْبُدُوَّ يَحْصُلُ بِالْأَخْذِ فِي الْحُمْرَةِ
مَثَلًا، وَالْإِخْرَاجُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ صَيْرُورَتِهِ رُطَبًا
وَعِنَبًا فَلَوْ أَخْرَجَ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَقَبْلَ
صَيْرُورَتِهِ رُطَبًا كَانَ تَعْجِيلًا كَمَا لَوْ أَخْرَجَ قَبْلَ
التَّتَمُّرِ اهـ. إلَّا أَنْ يُقَالَ كَلَامُهُ فِيمَا قَبْلَ الْجَفَافِ
وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يَجْزِي.
(قَوْلُهُ: أَوْ يُعْطِي غَيْرَهَا) . [تَنْبِيهٌ] يُتَّجَهُ أَنَّ مَحَلَّ
مَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ الْإِجْزَاءِ بِاعْتِبَارِ الدَّفْعِ السَّابِقِ
وَالنِّيَّةِ السَّابِقَةِ، فَلَوْ نَوَى بَعْدَ أَنْ صَارَتْ بِنْتَ
لَبُونٍ وَمَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ الْقَبْضُ وَهِيَ بِيَدِ
الْمُسْتَحِقِّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ حِينَئِذٍ عَلَى الزَّكَاةِ
أَخْذًا مِنْ الْحَاشِيَةِ السَّابِقَةِ فِي الْفَصْلِ عَلَى قَوْلِ
الْمُصَنِّفِ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَمْ يَجُزْ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ
نَوَى السُّلْطَانُ اهـ سم عَلَى حَجّ.
(قَوْلُهُ: فَعَجَّلَ ابْنَ لَبُونٍ) أَيْ وَأَمَّا لَوْ أَرَادَ تَعْجِيلَ
بِنْتِ لَبُونٍ عَنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ وَلَمْ يَأْخُذْ جُبْرَانًا وَجَبَ
قَبُولُهَا، وَإِذَا وَجَدَ بِنْتَ الْمَخَاضِ بَعْدُ فَلَيْسَ لَهُ
اسْتِرْدَادُ بِنْتِ اللَّبُونِ لِأَنَّهُ بِدَفْعِهَا وَقَعَتْ
الْمَوْقِعَ وَهُوَ مُتَبَرِّعٌ بِالزَّائِدِ، وَإِنْ أَرَادَ دَفْعَهَا
وَطَلَبَ الْجُبْرَانَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ
إلَى التَّعْجِيلِ وَتَغْرِيمِ الْجُبْرَانِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ،
وَبِتَقْدِيرِ الصِّحَّةِ فَلَوْ وَجَدَ بِنْتَ الْمَخَاضِ آخِرَ الْحَوْلِ
هَلْ يَجِبُ دَفْعُهَا وَاسْتِرْدَادُ بِنْتِ اللَّبُونِ وَرَدُّ
الْجُبْرَانِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَا يَبْعُدُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: فَتَوَالَدَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ وَبَلَغَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ)
أَيْ: بِاَلَّتِي أَخْرَجَهَا (قَوْلُهُ: بَلْ يَسْتَرِدُّهَا) أَيْ إنْ
كَانَتْ بَاقِيَةً (قَوْلُهُ: وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ
وُجُودِ الشَّرْطِ وُجُودُ الْمَشْرُوطِ) مُرَادُهُ بِذَلِكَ مَا فِي
التُّحْفَةِ لِلشِّهَابِ حَجّ وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَتُهُ قَاصِرَةً
عَنْهُ، وَعِبَارَتُهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الصُّورَةَ الْمَذْكُورَةَ
نَصُّهَا: قِيلَ وَلَا تَرِدُ هَذِهِ عَلَى الْمَتْنِ لِأَنَّهُ لَا
يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الشَّرْطِ وُجُودُ الْمَشْرُوطِ اهـ. فَيَكُونُ
الشَّارِحُ قَدْ ارْتَضَى هَذَا الْقِيلَ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ وَذَلِكَ
لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ إلَخْ تَعْلِيلًا لِمُقَدَّرٍ: أَيْ وَلَا تَرِدُ
هَذِهِ عَلَى الْمَتْنِ وَذَلِكَ إلَخْ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى
كَلَامِ الشَّارِحِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا فِي التُّحْفَةِ أَنَّهُ
لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ هُنَا كَوْنُهَا الْآنَ
بِصِفَةِ الْإِجْزَاءِ وُجُودُ الْمَشْرُوطِ وَهُوَ الْإِجْزَاءُ: أَيْ
لِقِيَامِ الْمَانِعِ (قَوْلُهُ لَمْ يَلْزَمْ خَرَاجُ بِنْتِ لَبُونٍ)
أَنَّ النَّقْصَ الَّذِي يُخْرِجُ عَنْهُ بِتَلَفِ الْمُخْرَجِ عَنْ سِتٍّ
وَثَلَاثِينَ (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنْ
يَكُونَ الْمَالِكُ مُتَّصِفًا بِصِفَةِ الْوُجُوبِ) يُقَالُ عَلَيْهِ
فَحِينَئِذٍ عَطْفُ قَوْلِهِ وَبَقَاءُ الْمَالِ إلَخْ
(3/142)
مِنْ وَصْفِهِ بِالْأَهْلِيَّةِ وَصْفُهُ
بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ (وَكَوْنُ الْقَابِضِ) لَهُ (فِي آخِرِ
الْحَوْلِ مُسْتَحِقًّا) فَلَوْ مَاتَ قَبْلَهُ أَوْ ارْتَدَّ لَمْ
يُحْسَبْ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ عَنْ الزَّكَاةِ لِخُرُوجِهِ عَنْ
الْأَهْلِيَّةِ عِنْدَ الْوُجُوبِ. وَالْقَبْضُ السَّابِقُ إنَّمَا يَقَعُ
عَنْ هَذَا الْوَقْتِ (وَقِيلَ إنْ) (خَرَجَ عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ فِي
أَثْنَاءِ الْحَوْلِ) كَأَنْ ارْتَدَّ ثُمَّ عَادَ (لَمْ يُجْزِهِ) أَيْ
الْمَالِكَ الْمُعَجَّلُ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْأَخْذِ
مُسْتَحِقًّا ثُمَّ صَارَ كَذَلِكَ فِي آخِرِ الْحَوْلِ، وَالْأَصَحُّ
الْإِجْزَاءُ اكْتِفَاءً بِالْأَهْلِيَّةِ فِي طَرَفَيْ الْوُجُوبِ
وَالْأَدَاءِ، وَقَدْ يُفْهَمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ
بِكَوْنِهِ مُسْتَحِقًّا فِي آخِرِ الْحَوْلِ: أَيْ وَلَوْ
بِالِاسْتِصْحَابِ، فَلَوْ غَابَ عِنْدَ الْحَوْلِ أَوْ قَبْلَهُ وَلَمْ
يَعْلَمْ حَيَاتَهُ أَوْ احْتِيَاجَهُ أَجْزَأَهُ الْمُعَجَّلُ كَمَا فِي
فَتَاوَى الْحَنَّاطِيِّ وَهُوَ أَقْرَبُ الْوَجْهَيْنِ فِي الْبَحْرِ،
وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ حَصَلَ الْمَالُ عِنْدَ الْحَوْلِ بِبَلَدٍ
غَيْرِ بَلَدِ الْقَابِضِ فَإِنَّ الْمَدْفُوعَ يَجْزِي عَنْ الزَّكَاةِ
كَمَا اعْتَمَدَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، إذْ لَا
فَرْقَ بَيْنَ غَيْبَةِ الْقَابِضِ عَنْ بَلَدِ الْمَالِ وَخُرُوجِ
الْمَالِ عَنْ بَلَدِ الْقَابِضِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ،
وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْقَابِضُ مُعْسِرًا
فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ لَزِمَ الْمَالِكَ دَفْعُ الزَّكَاةِ ثَانِيًا
لِلْمُسْتَحِقِّينَ وَهُوَ كَذَلِكَ وَفِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ قَضِيَّةُ
كَلَامِ الْجُمْهُورِ (وَلَا يَضُرُّ غِنَاهُ بِالزَّكَاةِ) الْمُعَجَّلَةِ
لِكَثْرَتِهَا أَوْ تَوَالُدِهَا أَوْ تِجَارَتِهِ فِيهَا أَوْ غَيْرِ
ذَلِكَ إذْ الْقَصْدُ بِصَرْفِ الزَّكَاةِ لَهُ غِنَاهُ وَلِأَنَّا لَوْ
أَخَذْنَاهَا لَافْتَقَرَ وَاحْتَجْنَا إلَى رَدِّهَا لَهُ، فَإِثْبَاتُ
الِاسْتِرْجَاعِ يُؤَدِّي إلَى نَفْيِهِ وَلَوْ مَاتَ الْمُعَجِّلُ
لِزَكَاتِهِ لَمْ يَقَعْ مَا عَجَّلَهُ عَنْ زَكَاةِ وَارِثِهِ،
وَكَزَكَاةِ الْحَوْلِ فِيمَا ذُكِرَ زَكَاةُ الْفِطْرِ، وَلَوْ اسْتَغْنَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الْوُجُوبُ.
(قَوْلُهُ: فِي آخِرِ الْحَوْلِ مُسْتَحِقًّا) أَيْ وَإِنْ خَرَجَ عَنْ
الِاسْتِحْقَاقِ فِي أَثْنَائِهِ.
(قَوْلُهُ: مَا لَوْ حَصَلَ الْمَالُ عِنْدَ الْحَوْلِ) أَيْ آخِرَهُ
(قَوْلُهُ: كَمَا اعْتَمَدَهُ الْوَالِدُ) وَهَلْ يَجْرِي ذَلِكَ فِي
الْبَدَنِ فِي الْفِطْرَةِ حَتَّى لَوْ عَجَّلَ الْفِطْرَةَ ثُمَّ كَانَ
عِنْدَ الْوُجُوبِ فِي بَلَدٍ آخَرَ أَجْزَأَ أَوْ لَا، وَلَا بُدَّ مِنْ
الْإِخْرَاجِ ثَانِيًا إذَا كَانَ عِنْدَ الْوُجُوبِ بِبَلَدٍ آخَرَ، فِيهِ
نَظَرٌ اهـ سم عَلَى حَجّ. وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِلْعِلَّةِ
الْمَذْكُورَةِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ، فَإِنَّ قَضِيَّتَهَا أَنَّهُ لَا
فَرْقَ بَيْنَ زَكَاةِ الْمَالِ وَالْبَدَنِ.
(قَوْلُهُ: وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ) أَيْ حَيْثُ قَالَ: وَكَوْنُ
الْقَابِضِ فِي آخِرِ الْحَوْلِ مُسْتَحِقًّا لِأَنَّ بِمَوْتِهِ قَبْلَ
فَرَاغِ الْحَوْلِ يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ آخِرَ الْحَوْلِ غَيْرُ
مُسْتَحَقٍّ سَوَاءٌ أَمَاتَ مُعْسِرًا أَوْ مُوسِرًا، وَحَيْثُ لَمْ
يَجُزْ بَقِيَتْ الزَّكَاةُ عَلَى الْمَالِكِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يُخْرَجْ،
وَهَذِهِ الصُّورَةُ فُهِمَتْ مِنْ إطْلَاقِ قَوْلِهِ أَوَّلًا فَلَوْ
مَاتَ قَبْلَهُ أَوْ ارْتَدَّ إلَخْ، وَلَكِنَّهُ ذَكَرَهَا هُنَا إشَارَةً
إلَى أَنَّ إعْسَارَهُ لَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ عَنْ الْمَالِكِ فَلَا
يُقَالُ: إنَّهُ بِتَعْجِيلِهِ لِقَصْدِ التَّوْسِعَةِ عَلَى الْفُقَرَاءِ
لَا يُعَدُّ مُقَصِّرًا فَيَسْقُطُ الضَّمَانُ عَنْهُ.
(قَوْلُهُ: لَوْ مَاتَ الْقَابِضُ مُعْسِرًا) أَيْ أَوْ مُوسِرًا
بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّا لَوْ أَخَذْنَاهَا) أَيْ بَعْدَ
غِنَاهُ بِهَا.
(قَوْلُهُ: لَمْ يَقَعْ مَا عَجَّلَهُ عَنْ زَكَاةِ وَارِثِهِ) أَيْ بَلْ
تُسْتَرَدُّ إنْ عَلِمَ الْقَابِضُ التَّعْجِيلَ وَمَحِلُّهُ مَا لَمْ
تَكُنْ بِيَدِ الْقَابِضِ وَيَعْلَمُ بِهَا الْوَارِثُ وَيَنْوِي بِهَا
الزَّكَاةَ وَيَمْضِي زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ الْقَبْضُ قِيَاسًا عَلَى مَا
تَقَدَّمَ عَنْ سم فِي قَوْلِهِ تَنْبِيهٌ يُتَّجَهُ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: وَكَزَكَاةِ الْحَوْلِ فِيمَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ
يُعْتَبَرُ كَوْنُ الْمُزَكِّي وَقْتَ الْوُجُوبِ بِصِفَتِهِ وَالْقَابِضِ
بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ وَأَنَّهُ لَوْ انْتَقَلَ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ
إلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ جَيِّدٍ (قَوْلُهُ: وَقَضِيَّةُ كَلَامِ
الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْقَابِضُ مُعْسِرًا إلَخْ) يُغْنِي
عَنْهُ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ فَلَوْ مَاتَ قَبْلَهُ عَقِبَ قَوْلِ
الْمُصَنِّفِ مُسْتَحَقًّا، لَا أَنَّهُ نَبَّهَ هُنَا عَلَى أَنَّهُ
قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَذَكَرَ فِيهِ كَلَامَ الْمَجْمُوعِ
(3/143)
بِزَكَاةٍ أُخْرَى مُعَجَّلَةٍ أَوْ غَيْرِ
مُعَجَّلَةٍ فَكَاسْتِغْنَائِهِ بِغَيْرِ الزَّكَاةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ
الْفَارِقِيُّ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّ عِبَارَةَ الْأُمِّ تَشْهَدُ
لَهُ، وَتُتَصَوَّرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِمَا إذَا تَلِفَتْ
الْمُعَجَّلَةُ ثُمَّ حَصَلَ غِنَاءٌ مِنْ زَكَاةٍ أُخْرَى وَنَمَتْ فِي
يَدِهِ بِقَدْرِ مَا يُوفِي مِنْهَا بَدَلَ التَّالِفِ وَيَبْقَى غِنَاهُ،
وَبِمَا إذَا بَقِيَتْ وَكَانَ حَالَةَ قَبْضِهِمَا مُحْتَاجًا إلَيْهِمَا
ثُمَّ تَغَيَّرَ حَالُهُ فَصَارَ فِي آخِرِ الْحَوْلِ يَكْتَفِي
بِإِحْدَاهُمَا وَهُمَا فِي يَدِهِ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ
مُعَجَّلَتَيْنِ مَعًا وَكُلٌّ مِنْهُمَا تُغْنِيهِ تَخَيَّرَ فِي دَفْعِ
أَيِّهِمَا شَاءَ فَإِنْ أَخَذَهُمَا مُرَتَّبًا اُسْتُرِدَّتْ الْأُولَى
عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْفَارِقِيِّ، وَالْمُعْتَمَدُ كَمَا جَرَى
عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ أَنَّ الثَّانِيَةَ أَوْلَى بِالِاسْتِرْجَاعِ،
وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَغَيْرِهِ: لَوْ كَانَ
الْمَدْفُوعُ عَلَيْهِ الْمُعَجَّلَةُ غَنِيًّا عِنْدَ الْأَخْذِ فَقِيرًا
عِنْدَ الْوُجُوبِ لَمْ يُجْزِهِ قَطْعًا لِفَسَادِ الْقَبْضِ، وَلَوْ
كَانَتْ الثَّانِيَةُ غَيْرَ مُعَجَّلَةٍ فَالْأُولَى هِيَ
الْمُسْتَرَدَّةُ وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ، إذْ لَا مُبَالَاةَ بِعُرُوضِ
الْمَانِعِ بَعْدَ قَبْضِ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ، وَلَوْ اسْتَغْنَى
بِالزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا لَمْ يَضُرَّ أَيْضًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ
الْمُصَنِّفِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ لِأَنَّهُ بِدُونِهَا لَيْسَ
بِغَنِيٍّ خِلَافًا لِلْجُرْجَانِيِّ فِي شَافِيهِ.
(وَإِذَا لَمْ يَقَعْ الْمُعَجَّلُ زَكَاةً) لِعُرُوضِ مَانِعٍ وَجَبَتْ
ثَانِيًا كَمَا مَرَّ.
نَعَمْ لَوْ عَجَّلَ شَاةً مِنْ أَرْبَعِينَ فَتَلِفَتْ فِي يَدِ
الْقَابِضِ لَمْ يَجِبْ التَّجْدِيدُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْقِيمَةُ وَلَا
يَكْمُلُ بِهَا نِصَابُ السَّائِمَةِ وَ (اسْتَرَدَّ) الْمَالِكُ (إنْ
كَانَ شَرَطَ الِاسْتِرْدَادَ إنْ عَرَضَ مَانِعٌ) عَمَلًا بِالشَّرْطِ
لِأَنَّهُ دَفَعَهُ عَمَّا يَسْتَحِقُّهُ الْقَابِضُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ
فَإِذَا عَرَضَ مَانِعُ الِاسْتِحْقَاقِ اسْتَرَدَّ كَمَا إذَا عَجَّلَ
أُجْرَةَ الدَّارِ ثُمَّ انْهَدَمَتْ فِي الْمُدَّةِ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ
عَدَمَ الِاسْتِرْدَادِ قَبْلَ عُرُوضِ الْمَانِعِ وَهُوَ كَذَلِكَ
لِتَبَرُّعِهِ بِالتَّعْجِيلِ فَامْتَنَعَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ فِيهِ
كَمَنْ عَجَّلَ دَيْنًا مُؤَجَّلًا وَعُلِمَ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ
شَرَطَ الِاسْتِرْدَادَ بِدُونِ مَانِعٍ لَمْ يَسْتَرِدَّ وَهُوَ كَذَلِكَ،
وَالْقَبْضُ حِينَئِذٍ صَحِيحٌ فِيمَا يَظْهَرُ إنْ كَانَ عَالِمًا
بِفَسَادِ الشَّرْطِ لِتَبَرُّعِهِ حِينَئِذٍ بِالدَّفْعِ.
(وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ) (قَالَ) عِنْدَ دَفْعِهِ ذَلِكَ (هَذِهِ زَكَاتِي
الْمُعَجَّلَةُ فَقَطْ) أَوْ عَلِمَ الْقَابِضُ أَنَّهَا مُعَجَّلَةٌ
عِلْمًا مُقَارِنًا لِقَبْضِ الْمُعَجَّلِ وَكَذَا الْحَادِثُ بَعْدَهُ
كَمَا رَجَّحَهُ السُّبْكِيُّ (اسْتَرَدَّ) فِي كُلٍّ مِنْهُمَا
الْمُعَجَّلَ وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ الرُّجُوعَ لِلْعِلْمِ بِالتَّعْجِيلِ
وَقَدْ بَطَلَ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ أَعَلِمَ حُكْمَ التَّعْجِيلِ أَمْ
لَا كَمَا شَمِلَهُ إطْلَاقُهُ. نَعَمْ لَوْ قَالَ: هَذِهِ زَكَاتِي
الْمُعَجَّلَةُ فَإِنْ لَمْ تَقَعْ زَكَاةً فَهِيَ نَافِلَةٌ لَمْ
يَسْتَرِدَّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ هَذِهِ زَكَاتِي
الْمُعَجَّلَةُ مَا لَوْ أَعْلَمَهُ بِأَنَّهَا زَكَاةٌ فَلَا يَكْفِي عَنْ
عِلْمِ التَّعْجِيلِ فَلَا يَسْتَرِدُّهَا لِتَفْرِيطِهِ بِتَرْكِ ذَلِكَ
وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ لَا يَسْتَرِدُّ وَيَكُونُ مُتَطَوِّعًا، وَمَحِلُّ
الْخِلَافِ فِي دَفْعِ الْمِلْكِ بِنَفْسِهِ فَإِنْ فَرَّقَ الْإِمَامُ
اسْتَرَدَّ قَطْعًا إذَا ذَكَرَ التَّعْجِيلَ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ)
(إنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّعْجِيلِ) بِأَنْ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ
الزَّكَاةِ كَمَا مَرَّ أَوْ سَكَتَ فَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا (وَلَمْ
يَعْلَمْهُ الْقَابِضُ) (لَمْ يَسْتَرِدَّ) وَتَكُونُ تَطَوُّعًا
لِتَفْرِيطِ الدَّافِعِ بِسُكُوتِهِ.
وَالثَّانِي يَسْتَرِدُّ لِظَنِّهِ الْوُقُوعَ عَنْ الزَّكَاةِ وَلَمْ
يَقَعْ عَنْهَا وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذُكِرَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَالِكِ
(وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُمَا لَوْ) (اخْتَلَفَا فِي مُثْبِتِ
الِاسْتِرْدَادِ) كَعِلْمِ الْقَابِضِ بِالتَّعْجِيلِ أَوْ تَصْرِيحِ
الْمَالِكِ بِهِ أَوْ بِاشْتِرَاطِ الرُّجُوعِ عِنْدَ عُرُوضِ مَانِعٍ
(صَدَقَ الْقَابِضُ) أَوْ وَارِثُهُ (بِيَمِينِهِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ
عَدَمُهُ وَلِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى انْتِقَالِ الْمِلْكِ وَالْأَصْلُ
اسْتِمْرَارُهُ وَلِأَنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
غَيْرِ بَلَدِ الْمُسْتَحِقِّ أَجْزَأَتْهُ.
(قَوْلُهُ: فَكَاسْتِغْنَائِهِ بِغَيْرِ الزَّكَاةِ) أَيْ فَتُسْتَرَدُّ
الْأُولَى.
(قَوْلُهُ: لَمْ يَجِبْ التَّجْدِيدُ) أَيْ عَلَى الْمَالِكِ.
(قَوْلُهُ: وَاسْتَرَدَّ الْمَالِكُ) أَيْ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ
لِلْقَابِضِ فِي مُقَابَلَةِ النَّفَقَةِ لِأَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَى نِيَّةِ
أَنْ لَا يَرْجِعَ قِيَاسًا عَلَى الْغَاصِبِ إذَا جَهِلَ كَوْنَهُ
مَغْصُوبًا وَعَلَى الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا.
(قَوْلُهُ: إنْ كَانَ عَالِمًا بِفَسَادِ الشَّرْطِ) أَيْ فَإِنْ كَانَ
جَاهِلًا بِهِ فَالْقَبْضُ فَاسِدٌ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ تَقَعْ زَكَاةٌ) مِنْ تَتِمَّةِ صِفَتِهِ.
(قَوْلُهُ: إذَا ذَكَرَ التَّعْجِيلَ) أَيْ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الرُّجُوعَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَعَكْسُهُ) أَيْ بِأَنْ كَانَتْ الثَّانِيَةُ هِيَ
الْمُعَجَّلَةَ، وَقَوْلُهُ بِعَكْسِهِ: أَيْ فَالثَّانِيَةُ هِيَ
الْمُسْتَرَدَّةُ وَهِيَ الْمُعَجَّلَةُ أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَلَوْ
اسْتَغْنَى بِالزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا) أَيْ بِمَجْمُوعِهِمَا
(قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ عَجَّلَ شَاةً مِنْ أَرْبَعِينَ فَتَلِفَتْ فِي
يَدِ الْقَابِضِ) أَيْ وَالصُّورَةُ أَنَّهُ عَرْضٌ مَانِعٌ مِنْ
وُقُوعِهَا زَكَاةً
(قَوْلُهُ: كَعِلْمِ الْقَابِضِ بِالتَّعْجِيلِ) سَيَأْتِي أَنَّهُ لَيْسَ
مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ
(3/144)
الْغَالِبَ هُوَ الْأَدَاءُ فِي الْوَقْتِ،
وَيَحْلِفُ الْقَابِضُ عَلَى الْبَتِّ وَوَارِثُهُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ
وَعِبَارَتُهُ شَامِلَةٌ لِمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي نَفْسِ الْمَالِ عَنْ
النِّصَابِ أَوْ تَلَفِهِ قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ
كَذَلِكَ وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِيهِ وَقْفَةٌ وَلَمْ أَرَ فِيهِ
نَصًّا. وَالثَّانِي يُصَدَّقُ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ
بِقَصْدِهِ، وَلِهَذَا لَوْ أَعْطَى ثَوْبًا لِغَيْرِهِ وَاخْتَلَفَا فِي
أَنَّهُ عَارِيَّةٌ أَوْ هِبَةٌ صَدَقَ الدَّافِعُ، وَمَحِلُّ الْخِلَافِ
فِي غَيْرِ عِلْمِ الْقَابِضِ بِالتَّعْجِيلِ أَمَّا فِيهِ فَيُصَدَّقُ
الْقَابِضُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ،
وَلَا بُدَّ مِنْ حَلِفِهِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِالتَّعْجِيلِ عَلَى
الْأَصَحِّ فِي الْمَجْمُوعِ لِأَنَّهُ لَوْ اعْتَرَفَ بِمَا قَالَهُ
الدَّافِعُ لَضَمِنَ.
(وَمَتَى) (ثَبَتَ) الِاسْتِرْدَادُ (وَالْمُعَجَّلُ تَالِفٌ) (وَجَبَ
ضَمَانُهُ) بِبَدَلِهِ مِنْ مِثْلٍ فِي الْمِثْلِيِّ كَالدَّرَاهِمِ
وَقِيمَةٍ فِي الْمُتَقَوِّمِ كَالْغَنَمِ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِغَرَضِ
نَفْسِهِ وَلَا يَجِبُ هُنَا الْمِثْلُ الصُّورِيُّ مُطْلَقًا عَلَى
الْأَصَحِّ وَقَوْلُهُمْ مِلْكُ الْمُعَجَّلِ مِلْكُ الْقَرْضِ مَعْنَاهُ
أَنَّهُ مُشَابِهٌ لَهُ فِي كَوْنِهِ مِلْكَهُ بِلَا بَدَلٍ أَوْ لَا
(وَالْأَصَحُّ) فِي الْمُتَقَوِّمِ (اعْتِبَارُ قِيمَتِهِ يَوْمَ) أَيْ
وَقْتَ (الْقَبْضِ) لَا يَوْمَ التَّلَفِ وَلَا بِأَقْصَى الْقِيَمِ
لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى قِيمَةِ يَوْمِ الْقَبْضِ زَادَ عَلَى مِلْكِ،
الْمُسْتَحِقِّ فَلَا يَضْمَنُهُ. وَالثَّانِي قِيمَتُهُ وَقْتَ التَّلَفِ
لِأَنَّهُ وَقْتُ انْتِقَالِ الْحَقِّ إلَى الْقِيمَةِ وَفِي مَعْنَى
تَلَفِهِ الْبَيْعُ وَنَحْوُهُ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ إنْ) (وَجَدَهُ
نَاقِصًا) نَقْصَ صِفَةٍ كَمَرَضٍ وَهُزَالٍ حَدَثَ قَبْلَ سَبَبِ الرَّدِّ
(فَلَا أَرْشَ) لَهُ لِحُدُوثِهِ فِي مِلْكِ الْقَابِضِ فَلَا يَضْمَنُهُ.
نَعَمْ لَوْ كَانَ الْقَابِضُ غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ حَالَ الْقَبْضِ
اسْتَرَدَّ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَخَرَجَ بِنَقْصِ الصِّفَةِ نَقْصُ الْعَيْنِ
كَمَنْ عَجَّلَ بَعِيرَيْنِ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ يَسْتَرِدُّ
الْبَاقِيَ وَقِيمَةَ التَّالِفِ وَبِحُدُوثِ ذَلِكَ قَبْلُ لِسَبَبِ
حُدُوثِهِ بَعْدَهُ أَوْ مَعَهُ فَيَسْتَرِدُّهُ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ
لَهُ أَرْشُهُ لِأَنَّ جُمْلَتَهُ مَضْمُونَةٌ فَكَذَلِكَ جُزْؤُهُ (وَ)
الْأَصَحُّ (أَنَّهُ) (لَا يَسْتَرِدُّ زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً) حَقِيقَةً
كَوَلَدٍ وَكَسْبٍ أَوْ حُكْمًا كَلَبَنٍ بِضَرْعٍ وَصُوفٍ عَلَى ظَهْرٍ
لِأَنَّهَا حَدَثَتْ فِي مِلْكِهِ.
وَالثَّانِي يَسْتَرِدُّهَا مَعَ الْأَصْلِ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ
لَمْ يَقَعْ الْمَوْقِعَ وَاحْتُرِزَ بِالْمُنْفَصِلَةِ عَنْ
الْمُتَّصِلَةِ كَسَمْنٍ فَإِنَّهَا تَتْبَعُ الْأَصْلَ، وَلَوْ وُجِدَ
الْمُعَجَّلُ بِحَالِهِ وَأَرَادَ الْقَابِضُ رَدَّ بَدَلِهِ وَأَبَى
الْمَالِكُ أُجِيبَ الْمَالِكُ كَمَا فِي الْقَرْضِ.
ثُمَّ خَتَمَ هَذَا الْبَابَ بِمَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِهِ دُونَ خُصُوصِ
التَّعْجِيلِ وَلَمْ يُتَرْجِمْ لَهَا بِفَصْلٍ وَإِنْ كَانَ فِي أَصْلِهِ
اخْتِصَارًا أَوْ اعْتِمَادًا عَلَى ظُهُورِ الْمُرَادِ، عَلَى أَنَّ
الْحَقَّ أَنَّ لَهَا تَعَلُّقًا ظَاهِرًا بِالتَّعْجِيلِ إذْ التَّأْخِيرُ
ضِدُّهُ، وَسَلَكَ الضِّدَّيْنِ فِي سِيَاقٍ وَاحِدٍ مَعَ تَقْدِيمِ مَا
هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُمَا غَيْرَ مَعِيبِ بَلْ هُوَ حَسَنٌ لِمَا فِيهِ
مِنْ رِعَايَةِ التَّضَادِّ الَّذِي هُوَ مِنْ أَظْهَرِ أَنْوَاعِ
الْبَدِيعِ.
وَأَمَّا مَسَائِلُ التَّعَلُّقِ فَلَهَا مُنَاسَبَةٌ بِالتَّعْجِيلِ
أَيْضًا إشَارَةً إلَى أَنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا شُرَكَاءَ لَهُ قَطَعَ
تَعَلُّقَهُمْ بِالدَّفْعِ لَهُمْ وَلَوْ قَبْلَ الْوُجُوبِ وَمِنْ غَيْرِ
الْمَالِ لِأَنَّهَا غَيْرُ شَرِكَةٍ حَقِيقَةً، كَذَا أَفَادَهُ بَعْضُ
أَهْلِ الْعَصْرِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ اعْتِرَاضُ الْإِسْنَوِيِّ كَغَيْرِهِ
(وَتَأْخِيرُ) الْمَالِكِ أَدَاءَ (الزَّكَاةِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ) وَقَدْ
مَرَّ (يُوجِبُ الضَّمَانَ) أَيْ إخْرَاجَ قَدْرِ الزَّكَاةِ
لِمُسْتَحِقِّيهِ وَإِنْ لَمْ يَأْثَمْ كَأَنْ أَخَّرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: صُدِّقَ الدَّافِعُ) أَيْ فِي أَنَّهُ عَارِيَّةٌ ثُمَّ بَعْدَ
ذَلِكَ يُصَدَّقُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ فِي قَدْرِ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ
الْغَارِمُ مَا لَمْ تَكُنْ ثَمَّ بَيِّنَةٌ.
(قَوْلُهُ: وَالْمُعَجَّلُ تَالِفٌ) وَبَقِيَ مَا لَوْ وَجَدَهُ مَرْهُونًا
وَالْأَقْرَبُ فِيهِ أَخْذُ قِيمَتِهِ لِلْحَيْلُولَةِ أَوْ يَصْبِرُ إلَى
فِكَاكِهِ أَخْذًا مِمَّا فِي الْبَيْعِ.
(قَوْلُهُ: بِبَدَلِهِ مِنْ مِثْلٍ فِي الْمِثْلِيِّ) أَيْ مِثْلِيًّا أَوْ
مُتَقَوِّمًا.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَجِبُ هُنَا الْمِثْلُ الصُّورِيُّ مُطْلَقًا) أَيْ
مِثْلِيًّا أَوْ مُتَقَوِّمًا (قَوْلُهُ: اسْتَرَدَّ) أَيْ الْأَرْشَ
(قَوْلُهُ: وَصُوفٍ عَلَى ظَهْرٍ) أَيْ حَالَ الِاسْتِرْدَادِ فِيهِمَا.
(قَوْلُهُ: اخْتِصَارًا) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَلَمْ يُتَرْجِمْ لَهَا.
(قَوْلُهُ: إشَارَةً) عِلَّةُ الْخَتْمِ (قَوْلُهُ: كَذَا أَفَادَهُ بَعْضُ
أَهْلِ الْعَصْرِ) مُرَادُهُ حَجّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
فَلَا يَصِحُّ التَّمْثِيلُ بِهِ لِمَحَلِّ الْخِلَافِ (قَوْلُهُ:
وَعِبَارَتُهُ شَامِلَةٌ لِمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي نَقْصِ الْمَالِ عَنْ
النِّصَابِ أَوْ أَتْلَفَهُ قَبْلَ الْحَوْلِ) وَظَاهِرٌ أَنَّهُ إنَّمَا
يَحْلِفُ فِي هَذَيْنِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ:
أَوْ تَلَفُهُ قَبْلَ الْحَوْلِ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ ادَّعَى التَّلَفَ
بِسَبَبٍ خَفِيٍّ، وَفِيهِ وَقْفَةٌ لَا تَخْفَى
(قَوْلُهُ: حُدُوثُهُ بَعْدَهُ أَوْ مَعَهُ فَيَسْتَرِدُّهُ) يَعْنِي
يَأْخُذُ الْأَرْشَ وَظَاهِرُهُ وَإِنْ حَدَثَ النَّقْصُ بِلَا تَقْصِيرٍ
كَآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْعَيْنَ فِي ضَمَانِهِ
حَتَّى يُسَلِّمَهَا لِمَالِكِهَا لِأَنَّهُ قَبَضَهَا لِغَرَضِ نَفْسِهِ
فَلْيُرَاجَعْ
(قَوْلُهُ: إشَارَةً إلَى أَنَّهُمْ إلَخْ) بَيَانٌ لِلْمُنَاسَبَةِ
كَأَنَّهُ قَالَ: فَلَهَا مُنَاسَبَةٌ بِالتَّعْجِيلِ وَتِلْكَ
الْمُنَاسَبَةُ هِيَ الْإِشَارَةُ إلَخْ،
(3/145)
لِطَلَبِ الْأَحْوَجِ كَمَا مَرَّ
لِحُصُولِ الْإِمْكَانِ وَإِنَّمَا أَخَّرَ لِغَرَضِ نَفْسِهِ
فَيَتَقَيَّدُ جَوَازُهُ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ (وَإِنْ تَلِفَ
الْمَالُ) الْمُزَكَّى أَوْ أُتْلِفَ وَبِمَا قَرَّرْنَا بِهِ كَلَامَ
الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّ مُرَادَهُ بِالضَّمَانِ الْإِخْرَاجُ سَقَطَ
الْقَوْلُ بِأَنَّ إدْخَالَ الْوَاوِ عَلَى " لَوْ " خَطَأٌ هَهُنَا
سَوَاءٌ جَعَلْت يُوجِبُ بِمَعْنَى يَقْتَضِي أَوْ يُكَلَّفُ فَإِنَّهُ
يَقْتَضِي اشْتَرَاكَ مَا بَعْدَ ذَلِكَ وَمَا قَبْلَهُ فِي الْحُكْمِ
وَيَكُونُ مَا بَعْدَهُ أَوْلَى بِعَدَمِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ (وَلَوْ
تَلِفَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ) مِنْ غَيْرِ تَقْصِيرٍ (فَلَا) ضَمَانَ
سَوَاءٌ كَانَ تَلَفُهُ بَعْدَ الْحَوْلِ أَمْ قَبْلَهُ وَلِهَذَا أَطْلَقَ
هُنَا، وَقَيَّدَ فِي الْإِتْلَافِ بِبَعْدِ الْحَوْلِ لِانْتِفَاءِ
تَقْصِيرِهِ فَإِنْ قَصَّرَ كَأَنْ وَضَعَهُ فِي غَيْرِ حِرْزِ مِثْلِهِ
كَانَ ضَامِنًا.
(وَلَوْ) (تَلِفَ بَعْضُهُ) بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ
وَبَقِيَ بَعْضُهُ وَلَا تَفْرِيطَ وَكَأَنَّهُ اسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِ
هُنَا بِذِكْرِهِ فِيمَا بَعْدَهُ (فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَغْرَمُ قِسْطَ
مَا بَقِيَ) بَعْدَ إسْقَاطِ الْوَقْصِ فَلَوْ تَلِفَ وَاحِدٌ مِنْ خَمْسٍ
مِنْ الْإِبِلِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ فَفِي الْبَاقِي أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ
شَاةٍ، أَوْ مَلَكَ تِسْعَةً حَوْلًا فَهَلَكَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ
خَمْسَةٌ وَجَبَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ شَاةٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ
التَّمَكُّنَ شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ وَأَنَّ الْأَوْقَاصَ عَفْوٌ وَهُوَ
الْأَظْهَرُ فِيهِمَا أَوْ أَرْبَعَةً وَجَبَتْ شَاةٌ، وَالثَّانِي لَا
شَيْءَ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّمَكُّنَ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ
عَلَى أَنَّ الْمَتْنَ قَدْ يَصَّدَّقُ بِهَذِهِ لِأَنَّ الشَّاةَ قِسْطُ
الْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ بِمَعْنَى أَنَّهَا وَاجِبُهَا (وَإِنْ)
(أَتْلَفَهُ) الْمَالِكُ (بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ) (لَمْ
تَسْقُطْ الزَّكَاةُ) سَوَاءٌ أَقُلْنَا: إنَّ التَّمَكُّنَ شَرْطٌ
لِلضَّمَانِ أَمْ لِلْوُجُوبِ لِتَعَدِّيهِ بِإِتْلَافٍ، فَإِنْ أَتْلَفَهُ
أَجْنَبِيٌّ وَقُلْنَا: إنَّهُ شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ وَأَنَّ الزَّكَاةَ
تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ وَهُوَ الْأَصَحُّ فِيهِمَا انْتَقَلَ الْحَقُّ
لِلْقِيمَةِ كَمَا لَوْ قُتِلَ الرَّقِيقُ الْجَانِي الْمَرْهُونُ.
(وَهِيَ) أَيْ الزَّكَاةُ (تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ) الَّذِي تَجِبُ فِي
عَيْنِهِ (تَعَلُّقَ شَرِكَةٍ) بِقَدْرِهَا إنْ كَانَ مِنْ الْجِنْسِ
كَشَاةٍ مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً وَهِيَ الْوَاجِبُ شَاةٌ لَا بِعَيْنِهَا
أَوْ شَائِعٌ أَيْ جُزْءٌ مِنْ كُلِّ شَاةٍ وَجْهَانِ أَقْرَبُهُمَا إلَى
كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ الثَّانِي، إذْ الْقَوْلُ بِالْأَوَّلِ يَقْتَضِي
الْجَزْمَ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ لِلْمَالِ لِإِبْهَامِ الْمَبِيعِ،
وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ لِلْمَالِكِ تَعْيِينُ وَاحِدَةٍ مِنْهَا أَوْ مِنْ
غَيْرِهَا وَمِنْ الْقِيمَةِ إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ كَشَاةٍ فِي خَمْسٍ
مِنْ الْإِبِلِ، فَإِذَا تَمَّ الْحَوْلُ شَارَكَهُ الْمُسْتَحِقُّ فِيهَا
بِقَدْرِ قِيمَةِ الشَّاةِ الْوَاجِبَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ
يَتْبَعُ الْمَالَ فِي الصِّفَةِ حَتَّى يُؤْخَذَ مِنْ الْمِرَاضِ
مَرِيضَةٌ كَمَا مَرَّ، وَلِأَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ مِنْ الزَّكَاةِ
أَخَذَهَا الْإِمَامُ مِنْ الْعَيْنِ كَمَا يُقَسَّمُ الْمَالُ
الْمُشْتَرَكُ قَهْرًا إذَا امْتَنَعَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ مِنْ
الْقِسْمَةِ، وَإِنَّمَا جَازَ الْأَدَاءُ مِنْ مَالٍ آخَرَ لِبِنَاءِ
الزَّكَاةِ عَلَى الرِّفْقِ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُشَارِكْ الْمُسْتَحِقُّ
الْمَالِكَ فِيمَا يَحْدُثُ مِنْهَا بَعْدَ الْوُجُوبِ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا
فِي الشَّرِكَةِ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ (وَفِي قَوْلٍ تَعَلُّقَ
رَهْنٍ) بِقَدْرِهَا مِنْهُ فَيَكُونُ الْوَاجِبُ فِي ذِمَّةِ الْمَالِكِ
وَالنِّصَابُ مَرْهُونٌ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْأَدَاءِ
وَلَمْ يَجِدْ الْوَاجِبَ فِي مَالِهِ بَاعَ الْإِمَامُ بَعْضَهُ
وَاشْتَرَى وَاجِبَهُ كَمَا يُبَاعُ الْمَرْهُونُ فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ وَلَوْ تَلِفَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ) خَرَجَ بِهِ مَا لَوْ مَاتَ
الْمَالِكُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ فَلَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ بَلْ
يَتَعَلَّقُ الْوَاجِبُ بِتَرْكِهِ.
(قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ تَلَفُهُ بَعْدَ الْحَوْلِ إلَخْ) تَعْمِيمٌ فِي
نَفْيِ الضَّمَانِ لَا بِقَيْدِ الْوُجُوبِ.
(قَوْلُهُ قَدْ يُصَدَّقُ بِهَذِهِ) هِيَ قَوْلُهُ أَوْ مَلَكَ تِسْعَةً
مِنْهَا حَوْلًا إلَخْ وَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُهُ عَقِبَهَا.
(قَوْلُهُ أَقْرَبُهُمَا إلَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ الثَّانِي) هُوَ
قَوْلُهُ أَوْ شَائِعٌ.
(قَوْلُهُ: وَمِنْ الْقِيمَةِ إنْ كَانَ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ
بِقَدْرِهَا إنْ كَانَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَالنِّصَابُ مَرْهُونٌ بِهِ)
يُتَأَمَّلُ مَعَ جَعْلِ الْغَرَضِ أَنَّ التَّعَلُّقَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
فَهُوَ بَدَلٌ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ
خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ مِنْ كَوْنِهِ عِلَّةً
لِلْخَتْمِ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَبِمَا
قَرَّرْنَا بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ
عَلَيْهِ أَنَّ الْمُوجِبَ لِلْإِخْرَاجِ إنَّمَا هُوَ التَّأْخِيرُ لَا
نَفْسُ التَّمَكُّنِ وَهُوَ خِلَافُ مَا مَرَّ، مَعَ أَنَّهُ يَلْزَمُ
عَلَيْهِ التَّكْرَارُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَعَدَمُ تَعَرُّضِهِ
لِحُكْمِ الضَّمَانِ فَالْأَصْوَبُ فِي دَفْعِ الِاعْتِرَاضِ جَعْلُ
الْوَاوِ لِلْحَالِ (قَوْلُهُ: كَانَ ضَامِنًا) يَعْنِي فِي صُورَةِ مَا
إذَا كَانَ التَّلَفُ بَعْدَ الْحَوْلِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ
(قَوْلُهُ وَكَأَنَّهُ اسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِ) يَعْنِي قَوْلَهُ بَعْدَ
الْحَوْلِ
(قَوْلُهُ وَمِنْ ثَمَّ) أَيْ مِنْ أَجْلِ بِنَائِهَا عَلَى الرِّفْقِ
وَإِلَّا فَكَانَ الْأَخْذُ بِإِطْلَاقِ كَوْنِهَا شَرِكَةً يَقْتَضِي
خِلَافَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَالنِّصَابُ مَرْهُونٌ بِهِ) إنَّمَا يُنَاسِبُ
الْقَوْلَ الْآتِيَ أَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِهِ
(3/146)
الدَّيْنِ، وَقِيلَ: تَتَعَلَّقُ
بِجَمِيعِهِ (وَفِي قَوْلٍ) تَتَعَلَّقُ (بِالذِّمَّةِ) وَلَا تَعَلُّقَ
لَهَا بِالْعَيْنِ كَزَكَاةِ الْفِطْرِ.
(فَلَوْ) (بَاعَهُ) أَيْ الْمَالَ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ (وَقَبْلَ
إخْرَاجِهَا) (فَالْأَظْهَرُ بُطْلَانُهُ) أَيْ الْبَيْعِ (فِي قَدْرِهَا
وَصِحَّتُهُ فِي الْبَاقِي) سَوَاءٌ أَبْقَاهُ بِنِيَّةِ صَرْفِهِ إلَى
الزَّكَاةِ أَمْ بِغَيْرِهَا كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الْمُشْتَرَكَةِ
بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَالْقَدْرُ الْبَاقِي بِلَا بَيْعٍ
وَنَحْوِهِ فِي صُورَةِ الْبَعْضِ قَدْرُ الزَّكَاةِ مِنْهُ بَاقٍ
بِحَالِهِ لِمُسْتَحِقِّهَا، وَيَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي وَالْمُرْتَهِنُ
إنْ جَهِلَ وَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ مَحِلٍّ آخَرَ لِأَنَّهُ وَإِنْ فَعَلَ
ذَلِكَ فَالْعَقْدُ لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا فِي قَدْرِهَا، فَإِنْ أَجَازَ
الْمُشْتَرِي فِي الْبَاقِي لَزِمَهُ قِسْطُهُ مِنْ الثَّمَنِ وَامْتِنَاعُ
الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ جَارٍ فِي زَكَاةِ النَّعَمِ وَالنَّقْدِ
وَالْمُعَشَّرَاتِ لَا فِي زَكَاةِ التِّجَارَةِ فَلَا يَمْتَنِعُ بَيْعُ
مَالِهَا وَرَهْنُهُ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَهَا الْقِيمَةُ دُونَ الْعَيْنِ
وَهِيَ لَا تَفُوتُ بِالْبَيْعِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَهَبَ أَمْوَالَ
التِّجَارَةِ فَهُوَ كَبَيْعِ مَا وَجَبَتْ فِي عَيْنِهِ، وَمُقَابِلُ
الْأَظْهَرِ بُطْلَانُهُ فِي الْجَمِيعِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ
اسْتَثْنَى قَدْرَ الزَّكَاةِ فِي غَيْرِ الْمَاشِيَةِ كَبِعْتُك هَذَا
إلَّا قَدْرَ الزَّكَاةِ صَحَّ كَمَا جَزَمَا بِهِ فِي بَابِهِ لَكِنْ
يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ أَهُوَ عُشْرٌ أَمْ نِصْفُهُ كَمَا نُقِلَ عَنْ
الْمَاوَرْدِيِّ وَالرُّويَانِيِّ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَنْ يَجْهَلُهُ
كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ ظَاهِرٌ. أَمَّا الْمَاشِيَةُ فَنَقَلَ
ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ إنْ عَيَّنَ كَقَوْلِهِ
إلَّا هَذِهِ الشَّاةَ صَحَّ فِي كُلِّ الْمَبِيعِ وَإِلَّا فَلَا فِي
الْأَظْهَرِ وَلَا يُشْكِلُ ذَلِكَ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ بُطْلَانِ
الْبَيْعِ فِي قَدْرِهَا وَإِنْ بَقِيَ ذَلِكَ الْقَدْرُ، لِأَنَّ
اسْتِثْنَاءَ الشَّاةِ الَّتِي هِيَ قَدْرُ الزَّكَاةِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ
عَيْنُهَا لَهَا وَأَنَّهُ إنَّمَا بَاعَ مَا عَدَاهَا بِخِلَافِ مَا مَرَّ
وَمَحِلُّ مَا تَقَرَّرَ فِي غَيْرِ الثَّمَرِ الْمَخْرُوصِ، أَمَّا هُوَ
بَعْدَ التَّضْمِينِ فَيَصِحُّ بَيْعُ جَمِيعِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ
الْمُصَنِّفُ ثَمَّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
بِقَدْرِهَا مِنْهُ فَإِنَّ الْمُنَاسِبَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ:
وَقَدْرُهَا مِنْ النِّصَابِ مَرْهُونٌ بِالْوَاجِبِ.
(قَوْلُهُ: أَيْ الْبَيْعِ فِي قَدْرِهَا) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ
الْوَاجِبُ مِنْ الْجِنْسِ أَوْ غَيْرِهِ كَشَاةٍ فِي فَمِهِ مِنْ
الْإِبِلِ لَكِنْ قَالَ حَجّ فِي هَذِهِ: إنَّ الْأَوْجَهَ الْبُطْلَانُ
فِي الْجَمْعِ لِلْجَهْلِ بِقِيمَةِ الشَّاةِ (قَوْلُهُ: فَهُوَ كَبَيْعِ
مَا وَجَبَتْ فِي عَيْنِهِ) أَيْ فَيَبْطُلُ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ
وَمِثْلُ الْهِبَةِ كُلُّ مُزِيلٍ لِلْمِلْكِ بِلَا عِوَضٍ كَالْعِتْقِ
وَنَحْوِهِ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي سِرَايَةُ الْعِتْقِ لِلْبَاقِي كَمَا لَوْ
أَعْتَقَ جُزْءًا لَهُ مِنْ مُشْتَرَكٍ فَإِنَّهُ يَسْرِي إلَى حِصَّةِ
شَرِيكِهِ.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَظْهَرِ) أَيْ فَتَبْطُلُ فِي
الْجَمِيعِ لِأَنَّ قَدْرَ الزَّكَاةِ الَّذِي اسْتَثْنَاهُ شَاةٌ
مُبْهَمَةٌ وَإِبْهَامُهَا يُؤَدِّي إلَى الْجَهْلِ بِالْمَبِيعِ.
(قَوْلُهُ: كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ) أَيْ فِيمَا سَبَقَ. .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
لَا بِقَدْرِهَا فَقَطْ
(قَوْلُهُ سَوَاءٌ أَبْقَاهُ بِنِيَّةِ صَرْفِهِ إلَخْ) مَبْنِيٌّ عَلَى
كَلَامٍ سَاقِطٍ فِي نُسَخِ الشَّارِحِ وَهُوَ وَإِنْ أَبْقَى ذَلِكَ
الْقَدْرَ عَقِبَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي قَدْرِهَا كَمَا وَجَدْت
مُلْحَقًا فِي نُسْخَةٍ مِنْهُ وَبِهَا يَنْتَظِمُ الْكَلَامُ الْآتِي فِي
قَوْلِهِ فِي صُورَةِ الْبَعْضِ.
(3/147)
|