نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج

[بَابُ الضَّمَانِ الشَّامِلِ لِلْكَفَالَةِ]
ِ هُوَ لُغَةً: الِالْتِزَامُ، وَشَرْعًا: يُطْلَقُ عَلَى الْتِزَامِ الدَّيْنِ وَالْبَدَنِ وَالْعَيْنِ الْآتِي كُلٌّ مِنْهَا وَعَلَى الْعَقْدِ الْمُحَصِّلِ لِذَلِكَ، وَيُسَمَّى مُلْتَزَمُ ذَلِكَ أَيْضًا ضَامِنًا وَضَمِينًا وَحَمِيلًا وَزَعِيمًا وَكَفِيلًا وَصَبِيرًا.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: غَيْرَ أَنَّ الْعُرْفَ خَصَّصَ الْأَوَّلَيْنِ بِالْمَالِ وَالْحَمِيلَ بِالدِّيَةِ وَالزَّعِيمَ بِالْمَالِ الْعَظِيمِ وَالْكَفِيلَ بِالنَّفْسِ وَالصَّبِيرَ يَعُمُّ الْكُلَّ، وَمِثْلُهُ الْقَبِيلُ.
وَأَصْلُهُ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ الْخَبَرُ الصَّحِيحُ «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» «وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحَمَّلَ عَنْ رَجُلٍ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ» ، وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِجِنَازَةٍ، فَقَالَ: هَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟ قَالُوا لَا، قَالَ: هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قَالُوا: ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ، قَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ؛ قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: صَلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَيَّ دَيْنُهُ، فَصَلَّى عَلَيْهِ» لَا يُقَالُ: لَا دَلَالَةَ فِيهِ إلَّا عَلَى بَرَاءَةِ الْمَيِّتِ بِالِالْتِزَامِ عَنْهُ لَا عَلَى الضَّمَانِ وَإِلَّا لَكَانَ الْمَانِعُ مِنْ الصَّلَاةِ بَاقِيًا وَهُوَ اشْتِغَالُ ذِمَّتِهِ.
لِأَنَّا نَمْنَعُ هَذِهِ الدَّعْوَى؛ إذْ الضَّمَانُ عَنْهُ لَا يَزِيدُ عَلَى مَا لَوْ خَلَّفَ تَرِكَةً، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
بَابُ الضَّمَانِ)
(قَوْلُهُ: الشَّامِلِ) عِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ: وَيُذْكَرُ مَعَهُ الْكَفَالَةُ، وَمَا سَلَكَهُ الشَّارِحُ مُخَالِفٌ لَهُ حَيْثُ جَعَلَ الْكَفَالَةَ قِسْمًا مِنْ الضَّمَانِ هُنَا، وَصَرَّحَ بِهِ بَعْدُ فِي قَوْلِهِ وَشَرْعًا يُطْلَقُ عَلَى الْتِزَامِ إلَخْ، وَكَأَنَّ الْمَحَلِّيَّ جَرَى عَلَى كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ الْقَائِلِ بِتَخْصِيصِ الضَّمَانِ بِالْمَالِ وَالْكَفَالَةِ بِالْبَدَنِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْتِزَامِ الدَّيْنِ) وَلَوْ مَنْفَعَةً (قَوْلُهُ: وَالْبَدَنُ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ
(قَوْلُهُ: وَعَلَى الْعَقْدِ الْمُحَصَّلِ) أَيْ فَالضَّمَانُ يُطْلَقُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الضَّمَانِ وَالْأَثَرِ وَهُوَ الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ وَنَفْسِ الْمَصْدَرِ أَنَّ الْفِعْلَ لَا بُدَّ مِنْ تَعَلُّقِهِ بِالْفَاعِلِ وَالْأَثَرِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ، فَهُوَ مَعَ مُلَاحَظَةِ التَّعَلُّقِ الْأَوَّلِ مَصْدَرٌ وَمَعَ مُلَاحَظَةِ التَّعَلُّقِ الثَّانِي اسْمٌ لِلْمَصْدَرِ، وَيُسَمَّى الْحَاصِلَ بِالْمَصْدَرِ
(قَوْلُهُ: خَصَّصَ الْأَوَّلَيْنِ) عِبَارَةُ حَجّ: خَصَّصَ الضَّمِينَ بِالْمَالِ، قَالَ: أَيْ وَمِثْلُهُ الضَّامِنُ فَفِي نِسْبَةِ الشَّارِحِ الْأَوَّلَيْنِ لِلْمَاوَرْدِيِّ مُسَامَحَةٌ (قَوْلُهُ: بِالْمَالِ) أَيْ عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا (قَوْلُهُ: بِالْمَالِ الْعَظِيمِ) : ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ دِيَةً
(قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ) مِنْ كَلَامِ م ر (قَوْلُهُ «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» ) قَالَ ع: لَفْظَةُ الْعَارِيَّةِ مُؤَدَّاةٌ: أَيْ مَرْدُودَةٌ وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ وَالدَّيْنُ مَقْضِيٌّ: أَيْ مُوَفًّى اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: لِأَنَّا نُمْنَعُ هَذِهِ الدَّعْوَى) لَا يُفِيدُ فِي رَدِّ كَلَامِ السَّائِلِ فَإِنَّ حَاصِلَهُ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي امْتِنَاعِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ شَغْلُ ذِمَّتِهِ بِبَقَاءِ الْحَقِّ، فَلَوْ لَمْ يُحْمَلْ تَحَمُّلَ أَبِي قَتَادَةَ عَنْهُ عَلَى الْبَرَاءَةِ لَمْ تَظْهَرْ الْحِكْمَةُ فِي امْتِنَاعِهِ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْحَقَّ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا قَبْلَ التَّحَمُّلِ
(قَوْلُهُ: إذْ الضَّمَانُ عَنْهُ إلَخْ) سَيَأْتِي لِلشَّارِحِ فِي بَقِيَّةِ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ مَا نَصُّهُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَبِي قَتَادَةَ: هُمَا عَلَيْك وَفِي مَالِكَ، وَالْمَيِّتُ مِنْهُمَا بَرِيءٌ، فَقَالَ نَعَمْ، فَصَلَّى عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِبَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ، وَعَلَيْهِ فَلَا يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ بِمَا أَجَابَ بِهِ الشَّارِحُ لَكِنْ سَيَأْتِي لَهُ الِاعْتِذَارُ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ بَرِيءٌ: أَيْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ
(قَوْلُهُ: وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
(بَابُ الضَّمَانِ) (قَوْلُهُ: عَلَى الْتِزَامِ الدَّيْنِ إلَخْ) أَيْ الَّذِي هُوَ أَحَدُ شِقَّيْ الْعَقْدِ: أَيْ الْإِيجَابِ، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى مَجْمُوعِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَهَذَا نَظِيرُ مَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَيْعِ أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى مَا يُقَابِلُ الشِّرَاءَ وَعَلَى الْعَقْدِ الْمُشْتَمِلِ عَلَيْهِمَا، وَهَذَا

(4/432)


عَلَى أَنَّ الْمَاوَرْدِيَّ وَغَيْرَهُ صَرَّحُوا بِأَنَّ نَفْسَ الْمُؤْمِنِ إنَّمَا تَكُونُ مُرْتَهِنَةً بِدَيْنِهِ إذَا لَمْ يَخْلُفْ وَفَاءً وَامْتِنَاعُهُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا شَفَاعَةٌ وَشَفَاعَتُهُ مَقْبُولَةٌ، وَنَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ.
قَالَ جَابِرٌ: وَكَانَ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ وَفِي الْمَالِ قِلَّةٌ.
فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ الْفُتُوحَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، مَنْ خَلَّفَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ، وَمَنْ خَلَّفَ دَيْنًا أَوْ كَلًّا فَكُلُّهُ إلَيَّ وَدَيْنُهُ عَلَيَّ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَى كُلِّ إمَامٍ بَعْدَك؟ قَالَ: وَعَلَى كُلِّ إمَامٍ بَعْدِي» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَمُقْتَضَاهُ وُجُوبُ قَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ الْمُعْسِرِ عَلَى كُلِّ إمَامٍ لَكِنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَعِدَاتِهِ بِدَلِيلِ قَضَائِهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ فَيُحْمَلُ الْخَبَرُ بِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ عَلَى تَأَكُّدِ نَدْبِ ذَلِكَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ خَبَرِ التَّحَمُّلِ مَعَ قَوْلِهِمْ: إنَّهُ مَعْرُوفٌ الْآتِي أَنَّهُ سُنَّةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي حَقِّ قَادِرٍ عَلَيْهِ أُمِنَ مِنْ غَائِلَتِهِ.

وَأَرْكَانُ ضَمَانِ الذِّمَّةِ خَمْسَةٌ: ضَامِنٌ، وَمَضْمُونٌ، وَمَضْمُونٌ لَهُ، وَمَضْمُونٌ فِيهِ، وَصِيغَةٌ وَكُلُّهَا تُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ وَبَدَأَ بِشَرْطِ الضَّامِنِ فَقَالَ (شَرْطُ الضَّامِنِ) لِيَصِحَّ ضَمَانُهُ (الرُّشْدُ) بِالْمَعْنَى السَّابِقِ فِي الْحَجْرِ لَا الصَّوْمِ فِي قَوْلِهِ: أَوْ صِبْيَانٌ رُشَدَاءُ فَإِنَّهُ مَجَازٌ وَالِاخْتِيَارُ كَمَا يُعْلَمُ مَعَ صِحَّةِ ضَمَانِ السَّكْرَانِ مِنْ كَلَامِهِ فِي بَابِ الطَّلَاقِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ سَوَاءٌ خَلَّفَ وَفَاءً أَمْ لَا عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَصَرَّحَ بِهِ أَيْضًا حَجّ فِي أَوَّلِ الرَّهْنِ لَا يُقَالُ: مَا الْحِكْمَةُ فِي حَبْسِ رُوحِهِ إذَا لَمْ يُخَلِّفْ وَفَاءً مَعَ أَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُعْسِرِ وَالْمُعْسِرُ لَا يُحْبَسُ فِي الدُّنْيَا وَلَا يُلَازَمُ لِأَنَّا نَقُولُ: أَمْرُ الْآخِرَةِ يُغَايِرُ أَمْرَ الدُّنْيَا، فَإِنَّ حَبْسَ الْمُعْسِرِ فِي الدُّنْيَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَقَّعُ مِنْهُ وَفَاءٌ مَا دَامَ مَحْبُوسًا، وَيُظَنُّ مِنْهُ الْوَفَاءُ إذَا لَمْ يُحْبَسْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكْتَسِبُ مَا يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ.
وَأَمَّا الْآخِرَةُ فَالْحَبْسُ فِيهَا مُجَازَاةٌ لَهُ عَلَى بَقَاءِ الْحَقِّ فِي ذِمَّتِهِ حِفْظًا لِحَقِّ صَاحِبِ الدَّيْنِ وَيُسْتَوْفَى مِنْهُ بِأَخْذِ الْحَسَنَاتِ وَرَدِّ السَّيِّئَاتِ فَأَشْبَهَ مَنْ لَهُ مَالٌ فِي الدُّنْيَا فَيُنْتَظَرُ بِحَبْسِهِ حُضُورُ مَالِهِ، وَعَلَيْهِ فَهُوَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى
(قَوْلُهُ: أَوْ كَلًّا) أَيْ عِيَالًا (قَوْلُهُ: كَعِدَاتِهِ) أَيْ فَإِنَّهُ كَانَ إذَا وَعَدَ بِشَيْءٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ: بِدَلِيلِ قَضَائِهَا) أَيْ الْعِدَاتِ
(قَوْلُهُ: فِي حَقِّ قَادِرٍ عَلَيْهِ إلَخْ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا فَقَدَ أَحَدَ الشَّرْطَيْنِ لَا يُسَنُّ، وَهَلْ هُوَ مُبَاحٌ حِينَئِذٍ أَوْ مَكْرُوهٌ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ
(قَوْلُهُ: مِنْ غَائِلَتِهِ) وَمِنْهَا: أَنْ لَا يَكُونَ مَالُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ إذَا ضَمِنَ بِإِذْنِهِ فِيهِ شُبْهَةٌ سَلَّمَ مِنْهَا مَالَ الضَّامِنِ

(قَوْلُهُ: وَأَرْكَانُ ضَمَانِ الذِّمَّةِ) إنَّمَا قَيَّدَ بِالذِّمَّةِ لِقَوْلِهِ بَعْدُ: وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَضْمُونِ كَوْنُهُ ثَابِتًا إلَخْ، وَإِلَّا فَكَوْنُهَا خَمْسَةً لَا يَتَقَيَّدُ بِذَلِكَ بَلْ يُجْرَى فِي ضَمَانِ الْعَيْنِ أَيْضًا، لَكِنْ هَذَا ظَاهِرٌ عَلَى مَا سَلَكَهُ الْمَحَلِّيُّ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ الْآتِيَ ثَابِتًا صِفَةٌ لِ دَيْنًا الْمَحْذُوفَ.
أَمَّا عَلَى مَا سَلَكَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّهُ حَذَفَ دَيْنًا لِيَعُمَّ الثَّابِتُ الْعَيْنَ وَالدَّيْنَ فَلَا يَظْهَرُ هَذَا الْجَوَابُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: تُسْمَحُ فَأَرَادَ بِضَمَانِ الذِّمَّةِ مَا يَشْمَلُ ضَمَانَ الْعَيْنِ تَغْلِيبًا (قَوْلُهُ: لِيَصِحَّ ضَمَانُهُ) إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الضَّامِنَ اسْمُ ذَاتٍ، وَالشُّرُوطُ لَا تَتَعَلَّقُ بِالذَّوَاتِ، وَإِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ، وَحَيْثُ رُوعِيَتْ الْحَيْثِيَّةُ كَانَ الْمَعْنَى وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الضَّمَانِ الرُّشْدُ
(قَوْلُهُ: الرُّشْدُ) أَيْ وَلَوْ حُكْمًا وَقَوْلُهُ بِالْمَعْنَى إلَخْ، قَدْ يُقَالُ إنَّمَا يُفِيدُ ذَلِكَ فِي دَفْعِ الِاعْتِرَاضِ لَوْ كَانَ هَذَا الْمَارُّ فِي الْمَتْنِ اهـ سم عَلَى حَجّ.
إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ ذَلِكَ صَارَ مُرَادًا لِلْفُقَهَاءِ حَيْثُ عَبَّرُوا بِالرُّشْدِ، أَوْ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ فِي الْحَجْرِ قَوْلَهُ وَالرُّشْدُ صَلَاحُ الدَّيْنِ وَالْمَالِ، وَقَدْ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: لَا الصَّوْمِ فَإِنَّ فِيهِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ إنَّمَا اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ شُمُولِهِ لِلصَّبِيِّ
(قَوْلُهُ: بِالْمَعْنَى السَّابِقِ) أَيْ وَهُوَ عَدَمُ الْحَجْرِ
(قَوْلُهُ: لَا الصَّوْمِ) وَهُوَ عَدَمُ تَجْرِبَةِ الْكَذِبِ مِنْ الصَّبِيِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
أَوْلَى مِمَّا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ مَعَ مَا فِيهِ كَمَا يُعْلَمُ بِمُرَاجَعَتِهِ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ) أَيْ أَوْ يَضْمَنُ عَنْهُ: أَيْ وَالصُّورَةُ أَنَّهُ لَمْ يَخْلُفْ وَفَاءً عَلَى مَا مَرَّ (قَوْلُهُ: عَلَى تَأَكُّدِ نَدْبِ ذَلِكَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ) لَعَلَّهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ: أَمِنَ مِنْ غَائِلَتِهِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِيهِ لِلضَّمَانِ: أَيْ: بِأَنْ يَجِدَ مَرْجِعًا إذَا

(4/433)


فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِصِبًا أَوْ جُنُونٍ أَوْ سَفَهٍ وَمَرَّ أَنَّ فِي حُكْمِهِ أَخْرَسَ لَا يُفْهِمُ وَنَائِمًا، وَأَنَّ مَنْ بَذَّرَ بَعْدَ رُشْدِهِ وَلَمْ يُعَدَّ عَلَيْهِ الْحَجَرُ وَمَنْ فَسَقَ كَالرَّشِيدِ حُكْمًا، وَسَيَذْكُرُ ضَمَانَ الْمُكَاتَبِ قَرِيبًا فَلَا يَرِدُ عَلَى عِبَارَتِهِ شَيْءٌ خِلَافًا لِمَنْ ادَّعَاهُ، وَأَيْضًا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الشَّرْطِ وُجُودُ الْمَشْرُوطِ؛ إذْ يَتَخَلَّفُ لِعَوَارِضَ كَمَا هُنَا، وَلَيْسَ فِي الْعِبَارَةِ كُلُّ رَشِيدٍ يَصِحُّ ضَمَانُهُ، وَقَدْ زَادَ الْمَوْرِدُ عَلَى عِبَارَتِهِ فَقَالَ: يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَزِيدَ، وَالِاخْتِيَارُ وَأَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعُ وَصِحَّةُ الْعِبَارَةِ، وَلَوْ ادَّعَى الضَّامِنُ كَوْنَهُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا وَقْتَ الضَّمَانِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إنْ أَمْكَنَ الصِّبَا وَعَهْدُ الْجُنُونِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى ذَلِكَ بَعْدَ تَزْوِيجِ أَمَتِهِ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ الزَّوْجُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ قُبَيْلَ الصَّدَاقِ؛ إذْ الْأَنْكِحَةُ يُحْتَاطُ لَهَا غَالِبًا، فَالظَّاهِرُ وُقُوعُهَا بِشُرُوطِهَا، وَإِنْ نَظَرَ فِي ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يَجْهَلُ الشُّرُوطَ، وَالْغَالِبُ عَلَى الْعُقُودِ الَّتِي يَنْفَرِدُ بِهَا الْعَوَامُّ الِاحْتِلَالُ، وَسَكَتُوا عَمَّا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ وَقْتَ الضَّمَانِ وَالْأَوْجَهُ: إلْحَاقُهُ بِدَعْوَى الصِّبَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إقْدَامُهُ عَلَى الضَّمَانِ مُتَضَمِّنٌ لِدَعْوَاهُ الرُّشْدَ فَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ أَنَّهُ كَانَ سَفِيهًا بِخِلَافِ الصِّبَا
(وَضَمَانُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ كَشِرَائِهِ) بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ فَيَصِحُّ كَضَمَانِ الْمَرِيضِ نَعَمْ إنْ اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ مَالَ الْمَرِيضِ وَقَضَى بِهِ بَانَ بُطْلَانُ ضَمَانِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَدَثَ لَهُ مَالٌ أَوْ أُبْرِئَ، وَلَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ قُدِّمَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
(قَوْلُهُ: وَمَرَّ أَنَّ فِي حُكْمِهِ) أَيْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِصِبًا إلَخْ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ
(قَوْلُهُ: لَا يُفْهِمُ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْهَاءِ: أَيْ لَا يُفْهِمُ غَيْرَهُ بِإِشَارَةٍ وَلَا كِتَابَةٍ، بِخِلَافِ مَنْ لَهُ إشَارَةٌ مُفْهِمَةٌ، ثُمَّ إنْ فَهِمَ إشَارَتَهُ كُلُّ أَحَدٍ فَصَرِيحُهُ، وَإِنْ اخْتَصَّ بِفَهْمِهَا الْفَطِنُ فَكِنَايَةٌ، وَمِنْهَا الْكِتَابَةُ، فَإِنْ احْتَفَتْ بِقَرَائِنَ أُلْحِقَتْ بِالصَّرِيحِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ هُنَا، وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ حَجّ بِالْمَعْنَى
(قَوْلُهُ: وَنَائِمٌ) أَيْ وَمِثْلُهُ (قَوْلُهُ: وَسَيُذْكَرُ) أَيْ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ وَضَمَانُ عَبْدٍ
(قَوْلُهُ: وَلَيْسَ فِي الْعِبَارَةِ كُلُّ رَشِيدٍ إلَخْ) أَيْ لَكِنْ هَذَا الْجَوَابُ الثَّانِي لَا يَدْفَعُ الِاعْتِرَاضَ بِمَنْ بَذَّرَ وَلَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ الْقَاضِي وَلَا بِالْفَاسِقِ، وَمَنْ تَعَدَّى بِسُكْرِهِ لِانْتِفَاءِ الرُّشْدِ عَنْهُمْ (قَوْلُهُ وَصِحَّةُ الْعِبَارَةِ) وَالْجَوَابُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّشِيدِ غَيْرُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) أَيْ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَنَا الْآنَ غَيْرُ بَالِغٍ وَأَمْكَنَ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ بِلَا يَمِينٍ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: تَزْوِيجِ أَمَتِهِ) أَيْ مَثَلًا (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ الزَّوْجُ) أَيْ وَإِنْ أَمْكَنَ الصِّبَا وَعَهْدُ الْجُنُونِ
(قَوْلُهُ: يَحْتَاطُ لَهَا) أَيْ حَالَ الْإِقْدَامِ عَلَيْهَا
(قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ إلْحَاقُهُ بِدَعْوَى الصِّبَا) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ إلْحَاقُهُ بِدَعْوَى الْجُنُونِ لِأَنَّ مَحَلَّ تَصْدِيقِ السَّفِيهِ فِي دَعْوَاهُ أَنْ يُعْهَدَ لَهُ سَفَهٌ وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ إمْكَانِهِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ
(قَوْلُهُ: كَضَمَانِ الْمَرِيضِ) أَيْ فَإِنَّهُ يَصِحُّ ظَاهِرًا أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ نَعَمْ إنْ اُسْتُغْرِقَ
(قَوْلُهُ: نَعَمْ إنْ اُسْتُغْرِقَ الدَّيْنُ) أَيْ الَّذِي عَلَى الْمَرِيضِ (قَوْلُهُ: وَقَضَى بِهِ) أَيْ الدَّيْنِ بِأَنْ دَفَعَ الْمَالَ لِأَرْبَابِ الدُّيُونِ
(قَوْلُهُ: بَانَ بُطْلَانُ ضَمَانِهِ) فِيهِ نَظَرٌ، وَهَلَّا قِيلَ بِصِحَّةِ ضَمَانِهِ وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْمُطَالَبَةِ فَسَادُ الضَّمَانِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ ضَمَانِ الْمُعْسِرِ، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ ذِمَّةَ الْمَرِيضِ آيِلَةٌ إلَى الْخَرَابِ بِالْمَوْتِ فَهِيَ ضَعِيفَةٌ بِخِلَافِ الْمُعْسِرِ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ بِالْمَعْنَى (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَقَرَّ) أَيْ الْمَرِيضُ (قَوْلُهُ: قُدِّمَ) أَيْ الدَّيْنُ، وَإِنْ تَأَخَّرَ الْإِقْرَارُ بِهِ عَنْ الضَّمَانِ اهـ.
حَجّ.
وَهُوَ شَامِلٌ لِمَا تَأَخَّرَ بِسَبَبِ لُزُومِهِ عَنْ الضَّمَانِ، كَمَا لَوْ ضَمِنَ فِي أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ ثُمَّ أَقَرَّ بِأَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
غَرِمَ نَظِيرَ مَا مَرَّ فِي الْخَبَرِ أَوَّلَ الْحَوَالَةِ فَلْيُرَاجَعْ

. (قَوْلُهُ: وَأَيْضًا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الشَّرْطِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ إنَّمَا يَنْفَعُ فِيمَا وَرَدَ عَلَى الْمَنْطُوقِ وَهُوَ أَنَّ الرَّشِيدَ يَصِحُّ ضَمَانُهُ مِنْ عَدَمِ صِحَّتِهِ مِنْ الْمُكْرَهِ وَنَحْوِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَنْفَعُ فِيمَا وَرَدَ عَلَى الْمَفْهُومِ وَهُوَ أَنَّ غَيْرَ الرَّشِيدِ لَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ مِنْ صِحَّةِ ضَمَانِ السَّكْرَانِ وَنَحْوِهِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: نَعَمْ إنْ اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ مَالَهُ) يَعْنِي دَيْنَ الْمَرِيضِ الْمُتَعَلِّقَ بِذِمَّتِهِ غَيْرَ دَيْنِ الضَّمَانِ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: لَا مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمَحْجُورِ سَفَهٍ

(4/434)


وَضَمَانُهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ إلَّا مِنْ مُعْسِرٍ أَوْ حَيْثُ لَا رُجُوعَ فَمِنْ الثُّلُثِ (وَضَمَانُ عَبْدٍ) أَيْ رَقِيقٍ وَلَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ (بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ) (بَاطِلٌ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ إثْبَاتُ مَالٍ فِي الذِّمَّةِ بِعَقْدٍ فَأَشْبَهَ النِّكَاحَ، وَإِنَّمَا صَحَّ خُلْعُ أَمَةٍ بِمَالٍ فِي ذِمَّتِهَا بِلَا إذْنٍ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَضْطَرُّ إلَيْهِ لِنَحْوِ سُوءِ عِشْرَتِهِ.
نَعَمْ يَصِحُّ ضَمَانُ مُبَعَّضٍ فِي نَوْبَتِهِ بِلَا إذْنٍ، وَيَصِحُّ ضَمَانُ الْمُكَاتَبِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَالْمَوْقُوفُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنٍ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، فَإِنْ ضَمِنَ بِإِذْنِ مَالِكِ مَنْفَعَتِهِ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ بِإِذْنِهِ سَلَّطَ عَلَى التَّعَلُّقِ بِكَسْبِهِ الْمُسْتَحَقَّ لَهُ، وَعَلَيْهِ فَيُحْتَمَلُ بُطْلَانُهُ إذَا انْتَقَلَ الْوَقْفُ لِغَيْرِهِ، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ وَهُوَ أَقْرَبُ، وَالْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ دُونَ رَقَبَتِهِ أَوْ بِالْعَكْسِ كَالْقِنِّ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ فِي الْمَطْلَبِ، لَكِنَّ الْأَوْجَهَ كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اعْتِبَارُ إذْنِهِمَا مَعًا؛ إذْ التَّعَلُّقُ بِكَسْبِهِ شَامِلٌ لِلْمُعْتَادِ مِنْهُ وَالنَّادِرِ، فَإِنْ أَذِنَ فِيهِ مَالِكُ الرَّقَبَةِ فَقَطْ صَحَّ وَتَعَلَّقَ بِكَسْبِهِ النَّادِرِ أَوْ مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ فَقَطْ صَحَّ وَتَعَلَّقَ بِالْمُعْتَادِ وَضَمَانُ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
سِلْعَةً فِي صَفَرٍ، وَلَمْ يُؤَدِّ ثَمَنَهَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي هَذِهِ بِاسْتِوَاءِ الدَّيْنَيْنِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ ضَمِنَ وَقَعَ ضَمَانُهُ صَحِيحًا مُسْتَوْفِيًا لِلشُّرُوطِ
(قَوْلُهُ: وَضَمَانُهُ) أَيْ الْمَرِيضِ
(قَوْلُهُ: إلَّا عَنْ مُعْسِرٍ) أَيْ وَاسْتَمَرَّ إعْسَارُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، أَمَّا إذَا أَيْسَرَ وَأَمْكَنَ أَخْذُ الْمَالِ مِنْهُ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ ضَمَانَهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ
(قَوْلُهُ: لَا رُجُوعَ) بِأَنْ ضَمِنَ بِغَيْرِ إذْنٍ
(قَوْلُهُ: لِنَحْوِ سُوءِ عِشْرَتِهِ) أَيْ وَمَعَ ذَلِكَ إنَّمَا تُطَالَبُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَالْيَسَارِ
(قَوْلُهُ: فِي نَوْبَتِهِ) خَرَجَ بِنَوْبَتِهِ نَوْبَةُ السَّيِّدِ وَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِذْنِ، ثُمَّ إذَا أَذِنَ السَّيِّدُ فِي نَوْبَتِهِ فَهَلْ يَكُونُ مَا يُؤَدِّيهِ مِنْ الْكَسْبِ الْوَاقِعِ فِي نَوْبَةِ السَّيِّدِ دُونَ الْعَبْدِ أَوْ مِنْ كَسْبِهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ فِي نَوْبَةِ السَّيِّدِ أَوْ الرَّقِيقِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ اهـ.
وَلَوْ ادَّعَى الْمُبَعَّضُ أَنَّ ضَمَانَهُ بِغَيْرِ الْإِذْنِ كَانَ فِي نَوْبَةِ السَّيِّدِ فَيَنْبَغِي تَصْدِيقُهُ عِنْدَ الِاحْتِمَالِ كَمَا لَوْ ادَّعَى الضَّامِنُ الصِّبَا عِنْدَ الضَّمَانِ وَأَمْكَنَ اهـ سم عَلَى حَجّ.
وَأَمَّا هِبَةُ الْمُبَعَّضِ لِغَيْرِهِ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ فَتَصِحُّ فِي نَوْبَةِ السَّيِّدِ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ كَمَا فِي حَجّ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الضَّمَانِ
(قَوْلُهُ: وَهُوَ أَقْرَبُ) أَيْ خِلَافًا لحج، وَقَدْ يُشْكِلُ بِمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَوَالَةِ فِيمَا لَوْ أَجَّرَ الْجُنْدِيُّ أَقْطَاعَهُ وَأَحَالَ عَلَى بَعْضِ الْأُجْرَةِ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ حَيْثُ قِيلَ ثَمَّ بِبُطْلَانِ الْحَوَالَةِ عَلَى مَا زَادَ عَلَى مَا اسْتَقَرَّ فِي حَيَاتِهِ، وَبِمَا يَأْتِي فِي الْوَقْفِ مِنْ أَنَّ الْبَطْنَ الْأَوَّلَ إذَا أُجِّرَ وَشَرَطَ لَهُ النَّظَرَ مُدَّةَ اسْتِحْقَاقِهِ مِنْ بُطْلَانِ الْإِجَارَةِ بِمَوْتِهِ وَمِنْ ثَمَّ جَزَمَ حَجّ بِالْبُطْلَانِ، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ بِمَوْتِ الْجُنْدِيِّ وَانْتِقَالِ الْوَقْفِ لِلْبَطْنِ الثَّانِي تَبَيَّنَ عَدَمُ اسْتِحْقَاقِ الْمُؤَجَّرِ لِمَا أَجَّرَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْجُنْدِيِّ وَعَدَمِ وِلَايَةِ النَّاظِرِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَقْفِ، وَكَذَلِكَ يَتَبَيَّنُ عَدَمُ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ، بِخِلَافِ مَا هُنَا فَإِنَّهُ وَقْتَ الْإِذْنِ مَالِكٌ لِلْمَنْفَعَةِ، وَعَلَى مَا قَالَهُ الشَّارِحُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَدْفَعَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ مَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ صَارَ لَهُ وَحَيْثُ امْتَنَعَ مَنْ انْتَقَلَ لَهُ الْوَقْفُ مِنْ الْإِذْنِ فَفَائِدَةُ الضَّمَانِ احْتِمَالُ أَنْ يَتَبَرَّعَ أَحَدٌ عَنْ الضَّامِنِ بِمَا لَزِمَهُ أَوْ يَسْمَحَ مَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ الْوَقْفُ بِالْإِذْنِ بَعْدَ ذَلِكَ
(قَوْلُهُ: وَالْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُؤَقَّتَةِ وَغَيْرِهَا، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِغَيْرِ الْمُؤَقَّتَةِ، وَأَمَّا هِيَ فَإِنْ ضَمِنَ بِإِذْنِ مَالِكِ الرَّقَبَةِ تَعَلَّقَ بِالْأَكْسَابِ النَّادِرَةِ مُدَّةَ الْوَصِيَّةِ بِالْمَنْفَعَةِ وَبِالْأَكْسَابِ مُطْلَقًا بَعْدَ فَرَاغِ مُدَّةٍ، وَإِنْ ضَمِنَ بِإِذْنِ مَالِكِ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ، أَدَّى مِنْ الْمُعْتَادَةِ بَقِيَّةَ الْمُدَّةِ دُونَ مَا بَعْدَهَا فَلَا يُؤَدَّى مِنْ الْمُعْتَادَةِ وَلَا غَيْرِهَا (قَوْلُهُ: كَالْقِنِّ) فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِ الرَّقَبَةِ
(قَوْلُهُ: اعْتِبَارُ إذْنِهِمَا) أَيْ لِيَتَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِالْكَسْبِ مُطْلَقًا مُعْتَادًا أَوْ نَادِرًا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي، فَلَا يُنَافِي مَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ فَإِنْ أَذِنَ فِيهِ إلَخْ وَالضَّمِيرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
وَمَرِيضٍ مَرَضَ الْمَوْتِ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ مُكَاتَبًا) لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا تَتَأَتَّى فِيهِ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ الْآتِيَةِ. (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ فَيُحْتَمَلُ بُطْلَانُهُ) وَفِي نُسْخَةٍ مَا نَصُّهُ: وَعَلَيْهِ فَالْأَوْجَهُ بُطْلَانُهُ إذَا انْتَقَلَ الْوَقْفُ لِغَيْرِهِ اهـ

(4/435)


صَحِيحٌ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهَا، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ يَصِحُّ وَيُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ وَيَسَارِهِ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى سَيِّدِهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِإِتْلَافِ مَالٍ وَكَذَّبَهُ السَّيِّدُ (وَيَصِحُّ بِإِذْنِهِ) ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ كَانَ لِحَقِّهِ وَلَيْسَ لَهُ إكْرَاهُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَسَلُّطَ لَهُ عَلَى ذِمَّتِهِ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الِاسْتِخْدَامَات، وَلَا بُدَّ مِنْ عِلْمِ السَّيِّدِ بِقَدْرِ الْمَالِ الْمَأْذُونِ فِي ضَمَانِهِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَإِذَا أَدَّى بَعْدَ الْعِتْقِ فَالرُّجُوعُ لَهُ لِأَنَّهُ أَدَّى مِلْكَهُ بِخِلَافِهِ قَبْلَهُ، وَلَوْ ضَمِنَ السَّيِّدُ دَيْنًا وَجَبَ عَلَى عَبْدِهِ بِمُعَامَلَةٍ صَحَّ وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ بِمَا أَدَّاهُ عَنْهُ وَلَوْ بَعْدَ عِتْقِهِ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الضَّمَانِ، وَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ لِعَبْدِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا لَهُ فِي مُعَامَلَةٍ ثَبَتَ عَلَيْهِ بِهَا دَيْنٌ، وَلَا ضَمَانُ الْقِنِّ لِسَيِّدِهِ مَا لَمْ يَكُنْ مُكَاتَبًا فِيمَا يَظْهَرُ (فَإِنْ عَيَّنَ لِلْأَدَاءِ كَسْبَهُ أَوْ غَيْرَهُ) مِنْ أَمْوَالِ السَّيِّدِ (قَضَى مِنْهُ) عَمَلًا بِتَعْيِينِهِ.
نَعَمْ إنْ لَمْ يَفِ مَا عَيَّنَهُ لَهُ وَلَوْ لِتَعَلُّقِ دَيْنٍ بِهِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى الضَّمَانِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
لِلْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ وَمَالِكِ الرَّقَبَةِ
(قَوْلُهُ: وَيُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَأَتَّ عِتْقُهُ بِأَنْ كَانَ مَوْقُوفًا لَا يَجْرِي فِيهِ هَذَا الْوَجْهُ وَبِهِ صَرَّحَ ع.
[فَرْعٌ] لَوْ عَتَقَ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ وَمَنْفَعَتِهِ هَلْ يَصِحُّ ضَمَانُهُ؟ الْوَجْهُ صِحَّتُهُ خِلَافًا لِمَا قَدْ تَوَهَّمَهُ بَعْضُ الطَّلَبَةِ مُدَّعِيًا أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لَهُ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ فَائِدَتَهُ أَنَّهُ قَدْ يُوَفَّى غَيْرُهُ بِضَمَانٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَأَنَّ مُسْتَحِقَّ الْمَنْفَعَةِ قَدْ يَسْمَحُ لَهُ بِهَا أَوْ بِاكْتِسَابِهِ فَهُوَ مِنْ ذَلِكَ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ مِنْ عِلْمِ السَّيِّدِ) أَيْ وَالْعَبْدِ اهـ حَجّ: أَيْ وَسَوَاءٌ عَيَّنَ السَّيِّدُ لِلْأَدَاءِ جِهَةً مِنْ مَالِهِ خَاصَّةً أَوْ لَا (قَوْلُهُ: بِقَدْرِ الْمَالِ) أَيْ وَبِالْمَضْمُونِ لَهُ اهـ زِيَادِيٌّ وحج
(قَوْلُهُ: وَإِذَا أَدَّى بَعْدَ الْعِتْقِ) أَيْ وَكَانَ الْمَضْمُونُ غَيْرَ سَيِّدِهِ لِمَا سَنَذْكُرُهُ
(قَوْلُهُ: فَالرُّجُوعُ لَهُ) أَيْ الْعَبْدِ عَنْ الْمَضْمُونِ عَنْهُ
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِهِ) أَيْ فَالرُّجُوعُ لِلسَّيِّدِ
(قَوْلُهُ: بِمُعَامَلَةٍ) أَيْ أَذِنَ فِيهَا السَّيِّدُ أَمْ لَا، وَخَرَجَ بِالْمُعَامَلَةِ دُيُونُ الْإِتْلَافِ فَتَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهَا
(قَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ وَلَوْ ضَمِنَ السَّيِّدُ دَيْنًا وَجَبَ إلَخْ
(قَوْلُهُ: لِعَبْدِهِ) أَيْ بِأَنْ ضَمِنَ مَا عَلَى عَبْدِهِ لِغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا لَهُ فِي مُعَامَلَةٍ) أَيْ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ صَحَّ ضَمَانُ مَا عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ ضَمِنَ السَّيِّدُ دَيْنًا وَجَبَ إلَخْ
(قَوْلُهُ: وَلَا ضَمَانُ الْقِنِّ لِسَيِّدِهِ) أَيْ لَا يَصِحُّ ضَمَانُ الْقِنِّ مَالًا لِسَيِّدِهِ عَلَى أَجْنَبِيٍّ.
أَمَّا ضَمَانُ مَا عَلَى سَيِّدِهِ لِأَجْنَبِيٍّ بِإِذْنِهِ فَيَصِحُّ كَمَا شَمِلَهُ إطْلَاقُ الْمَتْنِ أَوَّلًا، وَيُصَرِّحُ بِهَذَا قَوْلُهُ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ: فَإِنْ ضَمِنَ الرَّقِيقُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ صَحَّ، وَلَوْ عَنْ السَّيِّدِ لَا لَهُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي مِنْ كَسْبِهِ وَهُوَ لِسَيِّدِهِ اهـ شَرْحُ الْبَهْجَةِ الْكَبِيرُ، وَمِثْلُهُ حَجّ.
ثُمَّ إذَا غَرِمَ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى سَيِّدِهِ وَإِنْ أَدَّى بَعْدَ الْعِتْقِ كَمَا يَأْتِي لِلشَّارِحِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلِلضَّامِنِ الرُّجُوعُ عَلَى الْأَصِيلِ إلَخْ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ لَمَّا جَرَى سَبَبُ الْوُجُوبِ قَبْلَ الْعِتْقِ كَانَ الْمَغْرُومُ بِسَبَبِ الضَّمَانِ كَأَنَّهُ مِنْ مَالِ السَّيِّدِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ عَيَّنَ) قَالَ حَجّ فِي إذْنِهِ لِلضَّمَانِ لَا بَعْدَهُ؛ إذْ لَا يُعْتَبَرُ تَعْيِينُهُ حِينَئِذٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ انْتَهَى.
وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ مَا لَوْ عَيَّنَ جِهَةً بَعْدَ الْإِذْنِ وَقَبْلَ الضَّمَانِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ لَا بَعْدَهُ
(قَوْلُهُ: نَعَمْ إنْ لَمْ يَفِ مَا عَيَّنَهُ) أَيْ مِنْ غَيْرِ الْكَسْبِ لِيُلَاقِيَ قَوْلَهُ بَعْدُ إذْ التَّعْيِينُ إلَخْ وَسَوَاءٌ كَانَ مَا عَيَّنَهُ مِنْ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ أَوْ غَيْرِهَا (قَوْلُهُ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى الضَّمَانِ) أَيْ أَمَّا لَوْ لَزِمَتْهُ الدُّيُونُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ لِعَبْدِهِ) بِأَنْ يَضْمَنَ لَهُ الدَّيْنَ الَّذِي لَهُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الرَّوْضِ وَغَيْرِهِ وَمَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ مِنْ تَصْوِيرِهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَكْرَارٌ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا لَهُ فِي مُعَامَلَةٍ ثَبَتَ عَلَيْهِ بِهَا دَيْنٌ) أَيْ: بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَأْذُونًا لَهُ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِمَا فِيهِ مِنْ تَوْفِيَةِ مَا عَلَى الْعَبْدِ: أَيْ بِاللَّازِمِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ حِينَئِذٍ يَصِيرُ مُطَالِبًا لِلسَّيِّدِ بِمَا يُوَفِّي بِهِ دَيْنَهُ، وَوَجْهُ عَدَمِ الصِّحَّةِ عِنْدَ انْتِفَاءِ مَا ذُكِرَ أَنَّ السَّيِّدَ يَصِيرُ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ. (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَكُنْ مُكَاتَبًا) أَيْ: وَإِلَّا فَتَصِحُّ: أَيْ بِالْإِذْنِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ وَلَوْ بِالْإِذْنِ إذْ السَّيِّدُ لَا يَثْبُتُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ مَالٌ.

(4/436)


مَا لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ وَإِلَّا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ الضَّمَانُ أَصْلًا أُتْبِعَ الْقِنُّ بِالْبَاقِي بَعْدَ عِتْقِهِ كَمَا اعْتَمَدَهُ السُّبْكِيُّ إذْ التَّعْيِينُ قَصْرُ الطَّمَعِ عَنْ تَعَلُّقِهِ بِالْكَسْبِ الَّذِي اعْتَمَدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ (وَإِلَّا) بِأَنْ اقْتَصَرَ لَهُ عَلَى الْإِذْنِ فِي الضَّمَانِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ جِهَةٍ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ تَعَلَّقَ) غُرْمُ الضَّمَانِ (بِمَا فِي يَدِهِ) رِبْحًا وَرَأْسَ مَالٍ (وَمَا يَكْسِبُهُ بَعْدَ الْإِذْنِ) لَهُ فِي الضَّمَانِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا فِيهَا (فَ) لَا يَتَعَلَّقُ الضَّمَانُ إلَّا (بِمَا يَكْسِبُهُ) بَعْدَ الْإِذْنِ فِيهِ كَمُؤْنَةِ النِّكَاحِ الْوَاجِبِ بِإِذْنٍ فِي الصُّورَتَيْنِ سَوَاءٌ أَكَانَ مُعْتَادًا أَمْ نَادِرًا.
نَعَمْ لَا يَتَعَلَّقُ فِي النِّكَاحِ إلَّا بِكَسْبٍ حَدَثَ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا بِهِ، بِخِلَافِ الْمَضْمُونِ بِهِ لِثُبُوتِهِ حَالَ الْإِذْنِ فَانْدَفَعَ قَوْلُ مَنْ سَوَّى بَيْنَهُمَا وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فِي الرَّهْنِ صِحَّةُ ضَمِنْت مَا لَك عَلَى زَيْدٍ فِي رَقَبَةِ عَبْدِي هَذَا فَيَتَعَلَّقُ بِهَا فَقَطْ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ فِي الْقِسْمَيْنِ يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ

ثُمَّ ذَكَرَ الرُّكْنَ الثَّانِيَ فَقَالَ (وَالْأَصَحُّ) (اشْتِرَاطُ مَعْرِفَةِ) الضَّامِنِ لِعَيْنِ (الْمَضْمُونِ لَهُ) وَهُوَ رَبُّ الدَّيْنِ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي الْمُطَالَبَةِ تَشْدِيدًا أَوْ تَسْهِيلًا فَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ نَسَبِهِ، وَإِنَّمَا كَفَتْ مَعْرِفَةُ عَيْنِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عُنْوَانُ الْبَاطِنِ، وَتَقُومُ مَعْرِفَةُ وَكِيلِهِ مَقَامَ مَعْرِفَتِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَبَعًا لِابْنِ الصَّلَاحِ وَخِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرِهِ؛ إذْ أَحْكَامُ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِهِ.
وَالْغَالِبُ أَنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
بَعْدَ الضَّمَانِ لَمْ يَبْطُلْ تَعْيِينُ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَهُ بَعْدَ تَعْيِينِ السَّيِّدِ يَصِيرُ مَا عَيَّنَهُ السَّيِّدُ مُسْتَحَقًّا لِتَوْفِيَةِ حَقِّ الْمَضْمُونِ لَهُ مِنْهُ فَلَا تَتَعَلَّقُ الدُّيُونُ إلَّا بِمَا زَادَ
(قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ) أَيْ مُطْلَقًا قَبْلَ الضَّمَانِ أَوْ بَعْدَهُ فَهُوَ قَيْدٌ لِاعْتِبَارِ تَقَدُّمِ الدَّيْنِ عَلَى الضَّمَانِ.
أَمَّا إنْ حَجَرَ عَلَيْهِ فَلَا يَتَعَلَّقُ دَيْنُ الضَّمَانِ بِهِ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ) أَيْ بِمَا عَيَّنَهُ السَّيِّدُ
(قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ جِهَةٍ) أَيْ بِأَنْ قَالَ: اضْمَنْ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ قَالَ: اضْمَنْ وَأَدِّ وَلَمْ يُعَيِّنْ جِهَةً لِلْأَدَاءِ، وَبَقِيَ مَا لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الضَّمَانِ وَعَيَّنَ وَاحِدَةً مِنْ جِهَتَيْنِ كَأَنْ قَالَ: أَدِّ إمَّا مِنْ كَسْبِك أَوْ مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ فَهَلْ يَفْسُدُ هَذَا الْإِذْنُ لِإِبْهَامِ الْجِهَةِ الَّتِي يَدْفَعُ مِنْهَا أَوْ يَصِحُّ وَيَتَخَيَّرُ الْعَبْدُ فَيَدْفَعُ مِمَّا شَاءَ أَوْ يَتَخَيَّرُ الْمَضْمُونُ لَهُ فَيَأْخُذُ مِنْ أَيِّهِمَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي، وَبَقِيَ أَيْضًا مَا لَوْ أَذِنَ السَّيِّدُ لِلْمُبَعَّضِ فِي نَوْبَتِهِ فَأَخَّرَ حَتَّى دَخَلَتْ نَوْبَةُ الْمُبَعَّضِ وَانْقَضَتْ ثُمَّ دَخَلَتْ نَوْبَةُ السَّيِّدِ الثَّانِيَةُ فَهَلْ يَحْتَاجُ إلَى إذْنٍ جَدِيدٍ لِتَخَلُّلِ نَوْبَتِهِ بَيْنَ نَوْبَتَيْ سَيِّدِهِ أَوْ يَكْتَفِي بِالْإِذْنِ السَّابِقِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي لِأَنَّ إذْنَهُ مُطْلَقٌ فَيُحْمَلُ عَلَى مَا يَتَوَقَّفُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ عَلَى إذْنِهِ وَهُوَ شَامِلٌ لِجَمِيعِ النُّوَبِ (قَوْلُهُ رِبْحًا) وَلَوْ قَدِيمًا خِلَافًا لِمَا فِي الْعُبَابِ حَيْثُ قَيَّدَ بِالْحَادِثِ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: إلَّا بِمَا يَكْسِبُهُ) أَيْ فَلَوْ اسْتَخْدَمَهُ السَّيِّدُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ هَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ لَهُ أُجْرَةٌ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَقِيَاسُ مَا فِي النِّكَاحِ مِنْ أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ بِإِذْنِهِ وَاسْتَخْدَمَهُ مِنْ وُجُوبِ أُجْرَتِهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ هُنَا كَذَلِكَ
(قَوْلُهُ: سَوَاءٌ أَكَانَ مُعْتَادًا) أَيْ الِاكْتِسَابُ
(قَوْلُهُ: حَدَثَ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ النِّكَاحِ وَبَعْدَ الْوُجُوبِ وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَوْلَى
(قَوْلُهُ: فِي رَقَبَةِ عَبْدِي) وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: اضْمَنْ مَا عَلَى زَيْدٍ فِي كَذَا لَمْ يَصِحَّ خِلَافًا لِلْقَاضِي الْحُسَيْنِ انْتَهَى عَمِيرَةُ، وَقَدْ يُشْكِلُ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ: فَيَتَعَلَّقُ بِهَا) أَيْ الرَّقَبَةِ فَلَوْ فَاتَتْ الرَّقَبَةُ فَاتَ الضَّمَانُ

(قَوْلُهُ: فَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ نَسَبِهِ) ظَاهِرٌ وَإِنْ اُشْتُهِرَ بِذَلِكَ شُهْرَةً تَامَّةً كَسَادَاتِنَا الْوَفَائِيَّةِ، وَلَوْ قِيلَ بِالِاكْتِفَاءِ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا لِأَنَّ مَنْ اُشْتُهِرَ بِمَا ذُكِرَ يُعْرَفُ حَالُهُ أَكْثَرَ مِمَّا يُدْرِكُهُ مِنْهُ بِمُجَرَّدِ الْمُشَاهَدَةِ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الظَّاهِرَ عُنْوَانُ الْبَاطِنِ) أَيْ غَالِبًا
(قَوْلُهُ: وَتَقُومُ مَعْرِفَةُ وَكِيلِهِ) أَيْ مَا دَامَ وَكِيلًا، فَلَوْ انْعَزَلَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِيهِ: إنْ انْعَزَلَ بِسَبَبٍ لَا اخْتِيَارَ لِلْمُوَكِّلِ فِيهِ كَأَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ كَفَى مَعْرِفَتُهُ بَعْدَ الْعَزْلِ، أَوْ أَنَّ عَزْلَهُ اخْتِيَارًا لَا يَكْفِي لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ مِثْلَهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ لَا تَكْفِي مَعْرِفَتُهُ الْآنَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّوْفِيَةِ لَهُ فَلَا فَائِدَةَ فِي مَعْرِفَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ إنَّمَا اُشْتُرِطَتْ لِيُعْلَمَ حَالُ مَنْ يُسْتَوْفَى مِنْهُ: وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ
(قَوْلُهُ: كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ) خِلَافًا لحج
(قَوْلُهُ: تَتَعَلَّقُ بِهِ) يُتَأَمَّلُ كَوْنُ مَا ذُكِرَ مُقْتَضِيًا لِلِاكْتِفَاءِ بِمَعْرِفَةِ الْوَكِيلِ فَإِنَّ عَقْدَ الضَّمَانِ لَيْسَ لَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(4/437)


الشَّخْصَ يُوَكِّلُ مَنْ يُشْبِهُهُ.
وَيُؤَيِّدُ مَا تَقَرَّرَ أَنَّا إذَا شَرَطْنَا رِضَا الْمَضْمُونِ لَهُ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: كَفَى رِضَا وَكِيلِهِ.
وَالثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ الرِّضَا (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ وَ) لَا (رِضَاهُ) لِأَنَّ الضَّمَانَ مَحْضُ الْتِزَامٍ لَا مُعَاوَضَةَ فِيهِ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ الرِّضَا ثُمَّ الْقَبُولُ لَفْظًا، وَقِيلَ الرِّضَا دُونَ الْقَبُولِ لَفْظًا

ثُمَّ ذَكَرَ الرُّكْنَ الثَّالِثَ فَقَالَ (وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمَضْمُونِ عَنْهُ قَطْعًا) لِجَوَازِ أَدَاءِ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ فَالْتِزَامُهُ أَوْلَى وَفِيهِ وَجْهٌ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ لِشُذُوذِهِ (وَلَا مَعْرِفَتُهُ) حَيًّا أَوْ مَيِّتًا (فِي الْأَصَحِّ) كَرِضَاهُ، وَلِأَنَّ ضَمَانَهُ مَعْرُوفٌ مَعَهُ، وَهُوَ يَفْعَلُ مَعَ أَهْلِهِ وَغَيْرِ أَهْلِهِ.
وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ لِيُعْلَمَ يَسَارُهُ أَوْ مُبَادَرَتُهُ إلَى وَفَاءِ دَيْنِهِ أَوْ اسْتِحْقَاقِهِ لِصُنْعِ الْمَعْرُوفِ مَعَهُ وَرُدَّ بِمَا مَرَّ، نَعَمْ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مَدِينًا كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُهُ

(وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَضْمُونِ كَوْنُهُ) أَشَارَ بِحَذْفِهِ دَيْنًا هُنَا، وَذَكَرَهُ فِي الرَّهْنِ لِلْعَيْنِ الْمَضْمُونَةِ، وَمِنْهَا الزَّكَاةُ بَعْدَ التَّمَكُّنِ وَالْعَمَلِ الْمُلْتَزَمِ فِي الذِّمَّةِ بِالْإِجَارَةِ أَوْ الْمُسَاقَاةِ (ثَابِتًا) حَالَ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ فَلَا تَتَقَدَّمُ ثُبُوتَ الْحَقِّ كَالشَّهَادَةِ، فَلَا يَكْفِي جَرَيَانُ سَبَبِ وُجُوبِهِ كَنَفَقَةِ الْغَدِ لِلزَّوْجَةِ، وَيَكْفِي فِي ثُبُوتِهِ اعْتِرَافُ الضَّامِنِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَى الْمَضْمُونِ شَيْءٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ، بَلْ الضَّمَانُ مُتَضَمِّنٌ لِاعْتِرَافِهِ بِتَوَفُّرِ شَرَائِطِهِ كَقَبُولِ الْحَوَالَةِ، وَإِنَّمَا أَهْمَلَ رَابِعًا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ قَابِلًا لِتَبَرُّعٍ بِهِ فَخَرَجَ نَحْوُ قَوَدٍ وَحَقِّ شُفْعَةٍ لِفَسَادِهِ، إذْ يَرِدُ عَلَى طَرْدِهِ حَقُّ الْمَقْسُومِ لَهَا لِلْمَظْلُومَةِ يَصِحُّ تَبَرُّعُهَا بِهِ، وَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ لَهَا، وَعَلَى عَكْسِهِ دَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى كَزَكَاةٍ وَدَيْنِ مَرِيضٍ مُعْسِرٍ أَوْ مَيِّتٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
حُكْمٌ يَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ هُنَا، وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ الِاكْتِفَاءُ بِقَوْلِهِ وَالْغَالِبُ إلَخْ (قَوْلُهُ: مَنْ يُشْبِهُهُ) أَيْ صُعُوبَةً وَضِدَّهَا (قَوْلُهُ: رِضَا الْمَضْمُونِ) عَلَى الْمَرْجُوحِ الْآتِي (قَوْلُهُ: لَا مُعَاوَضَةَ فِيهِ) وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ رَدُّهُ اهـ حَجّ، وَعِبَارَةُ سم عَلَى مَنْهَجٍ: لَكِنَّهُ يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ انْتَهَى.
وَالْأَقْرَبُ مَا قَالَهُ سم وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ إذَا أَبْرَأَ الضَّامِنَ بَرِئَ وَبَقِيَ حَقُّهُ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَرَدُّهُ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ إبْرَائِهِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الرِّضَا لِصِحَّةِ الضَّمَانِ كَوْنُهُ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ يُشْتَرَطُ الرِّضَا) اُنْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِهِ عَلَى هَذَا هَلْ هُوَ مُجَرَّدُ عَدَمِ الْإِكْرَاهِ بِأَنْ يَقْبَلَ مُخْتَارًا أَوْ لَا بُدَّ لِلِاعْتِدَادِ بِهِ مِنْ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ كَرَضِيت، فِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْقَبُولَ مُغْنٍ عَنْ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الرِّضَا، لَكِنْ قَوْلُ ع: وَإِنْ تَأَخَّرَ أَيْ الرِّضَا عَنْ الْقَبُولِ فَهُوَ إجَارَةٌ إنْ جَوَّزْنَا وَقْفَ الْعُقُودِ عَلَى الْقَدِيمِ اهـ قَدْ يَقْتَضِي الثَّانِيَ

(قَوْلُهُ: وَهُوَ يَفْعَلُ مَعَ أَهْلِهِ) أَيْ ثُمَّ إنْ ضَمِنَ بِإِذْنِهِ رَجَعَ وَإِلَّا فَلَا عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ

(قَوْلُهُ: وَيَكْفِي فِي ثُبُوتِهِ اعْتِرَافُ الضَّامِنِ) أَيْ فَيُطَالَبُ بِهِ وَلَا رُجُوعَ لَهُ إذَا غَرِمَ
(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا أَهْمَلَا رَابِعًا) أَيْ مِنْ شُرُوطِ الْمَضْمُونِ فِيهِ وَاقْتَصَرَا عَلَى كَوْنِهِ ثَابِتًا لَازِمًا مَعْلُومًا، وَلَوْ أَخَّرَ هَذَا عَنْ بَيَانِ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ لَكَانَ أَوْضَحَ
(قَوْلُهُ: إذْ يُرَدُّ عَلَى طَرْدِهِ) أَيْ الرَّابِعِ
(قَوْلُهُ: وَعَلَى عَكْسِهِ) أَيْ لَكِنْ عَدَمُ ذِكْرِهِ يَقْتَضِي صِحَّةَ ضَمَانِ الْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ مَعَ أَنَّهُ بَاطِلٌ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: اقْتِصَارُهُ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ الشُّرُوطِ لِكَوْنِهَا مُصَرَّحًا بِهَا فِي كَلَامِهِمْ، وَعَدَمُ صِحَّةِ ضَمَانِ الْقِصَاصِ إلَخْ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَاعِدَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ
(قَوْلُهُ: كَزَكَاةٍ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالزَّكَاةِ هُنَا مَا يَشْمَلُ عَيْنَهَا بِأَنْ كَانَ النِّصَابُ بَاقِيًا، وَبَدَلَهَا بِأَنْ كَانَ تَالِفًا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ لَهُ فِي الْحَوَالَةِ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الْحَوَالَةِ بِدَيْنِ الزَّكَاةِ وَعَلَيْهِ وَكَذَا بِنَفْسِ الزَّكَاةِ
(قَوْلُهُ: وَدَيْنٍ مَرِيضٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لِلْعَيْنِ الْمَضْمُونَةِ) قَالَ الشِّهَابُ سم: قَدْ يَتَوَقَّفُ فِي اتِّصَافِ الْعَيْنِ بِالثُّبُوتِ وَاللُّزُومِ. (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا الزَّكَاةُ) أَيْ مِنْ الْعَيْنِ الْمَضْمُونَةِ فَالصُّورَةُ أَنَّ تَعَلُّقَهَا بِالْعَيْنِ بَاقٍ بِأَنْ لَمْ يَتْلَفْ النِّصَابُ، أَمَّا دَيْنُهَا فَدَاخِلٌ فِي جُمْلَةِ الدُّيُونِ (قَوْلُهُ: وَالْعَمَلِ الْمُلْتَزَمِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ لِلْعَيْنِ (قَوْلُهُ: رَابِعًا) أَيْ لِثَلَاثَةٍ الَّتِي ذَكَرَهَا هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: حَقُّ الْمَقْسُومِ لَهَا إلَخْ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ حَقُّ الْقَسْمِ لِلْمَظْلُومَةِ. (قَوْلُهُ: كَزَكَاةٍ) أَيْ كَأَنْ تَبَرَّعَ بِهَا الْمُسْتَحِقُّونَ قَبْلَ قَبْضِهَا

(4/438)


وَلَا يَصِحُّ التَّبَرُّعُ بِهِ (وَصَحَّحَ الْقَدِيمُ ضَمَانَ مَا سَيَجِبُ) وَإِنْ لَمْ يَجْرِ سَبَبُ وُجُوبِهِ كَثَمَنِ مَا سَيَبِيعُهُ؛ إذْ الْحَاجَةُ قَدْ تَمَسُّ لَهُ، وَلَا يَجُوزُ ضَمَانُ نَفَقَةٍ لِلْقَرِيبِ مُسْتَقْبَلَةٍ قَطْعًا؛ إذْ سَبِيلُهَا الْبِرُّ وَالصِّلَةُ لَا الدُّيُونُ، وَلَوْ قَالَ: أَقْرِضْ هَذَا مِائَةً وَأَنَا ضَامِنُهَا فَفَعَلَ ضَمِنَهَا عَلَى الْقَدِيمِ أَيْضًا.

(وَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ ضَمَانِ الدَّرَكِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِهَا وَهُوَ التَّبَعَةُ: أَيْ الْمُطَالَبَةُ سُمِّيَ بِهِ لِالْتِزَامِهِ الْغَرَامَةَ عِنْدَ إدْرَاكِ الْمُسْتَحِقِّ عَيْنَ مَالِهِ وَيُسَمَّى ضَمَانَ الْعُهْدَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فِي نَحْوِ غَرِيبٍ لَوْ خَرَجَ مَبِيعُهُ أَوْ ثَمَنُهُ مُسْتَحَقًّا لَمْ يَظْفَرْ بِهِ، عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَمَانِ مَا لَمْ يَجِبْ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْمُقَابِلَ لَوْ خَرَجَ عَمَّا شُرِطَ تَبَيَّنَ وُجُوبُ رَدِّ الْمَضْمُونِ (بَعْدَ قَبْضِ) مَا يُضْمَنُ مِنْ (الثَّمَنِ) فِي التَّصْوِيرِ الْآتِي وَالْمَبِيعِ فِيمَا يَذْكُرُهُ بَعْدُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ حِينَئِذٍ وَقَبْلَ الْقَبْضِ، وَكَذَا مَعَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ، فَخَرَجَ مَا لَوْ بَاعَ الْحَاكِمُ عَقَارَ غَائِبٍ لِلْمُدَّعِي بِدَيْنِهِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَضْمَنَ لَهُ دَرَكَهُ لِعَدَمِ الْقَبْضِ وَنَحْوِهِ، وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ لَوْ أَجَّرَ الْمَدِينُ وَقْفًا عَلَيْهِ بِدَيْنِهِ وَضَمِنَ ضَامِنٌ دَرَكَهُ فَبَانَ بُطْلَانُ الْإِجَارَةِ لَمْ يَلْزَمْ الضَّامِنَ شَيْءٌ مِنْ الْأُجْرَةِ لِبَقَاءِ الدَّيْنِ الَّذِي هُوَ أُجْرَةٌ بِحَالِهِ فَلَمْ يُفَوِّتْ عَلَيْهِ شَيْئًا (وَهُوَ أَنْ يَضْمَنَ لِلْمُشْتَرِي الثَّمَنَ) وَقَدْ عَلِمَ قَدْرَهُ (إنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا) أَوْ مَأْخُوذًا بِشُفْعَةٍ كَبَيْعٍ سَابِقٍ (أَوْ مَعِيبًا) وَرَدَّهُ الْمُشْتَرِي (أَوْ نَاقِصًا لِنَقْصِ الصَّنْجَةِ) بِفَتْحِ الصَّادِ، وَفِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ
(قَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ التَّبَرُّعُ) أَيْ مِنْ الْمَرِيضِ
(قَوْلُهُ: وَالصِّلَةُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ
(قَوْلُهُ: أَيْضًا) أَيْ كَمَا يَصِحُّ ضَمَانُ ثَمَنِ مَا سَيَبِيعُهُ، لَكِنْ عِبَارَةُ حَجّ قَدْ تَقْتَضِي الصِّحَّةَ عَلَى الْجَدِيدِ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِ الشَّارِحِ ضَمِنَهَا عَلَى الْأَوْجَهِ نَظِيرَ مَا يَأْتِي فِي: أَلْقِ مَتَاعَك فِي الْبَحْرِ وَعَلَى ضَمَانِهِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالضَّمَانِ مَا فِي هَذَا الْبَابِ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ: أَقْرِضْ هَذَا إلَخْ عِبَارَةُ الْعُبَابِ: فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ مَا لَمْ يَثْبُتْ كَ أَقْرِضْهُ أَلْفًا وَعَلَى ضَمَانِهِ، وَلَمْ يُخَالِفْهُ فِي شَرْحِهِ بَلْ صَرَّحَ بِأَنَّ قَوْلَ ابْنِ سُرَيْجٍ بِالصِّحَّةِ ضَعِيفٌ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَلَوْ قَالَ أَقْرِضْ هَذَا مِائَةً

(قَوْلُهُ: لَوْ خَرَجَ) أَيْ بِأَنْ وَجَدَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الرَّدَّ (قَوْلُهُ: فِيمَا يَذْكُرُهُ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَذَكَرَ الضَّمَانَ لِلْمُشْتَرِي إلَخْ
(قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَضْمَنَ لَهُ دَرَكَهُ) أَيْ الثَّمَنَ وَهُوَ الدَّيْنُ الَّذِي فِي ذِمَّةِ الْغَائِبِ، وَقَضِيَّةُ الْعِلَّةِ أَنَّ مِثْلَ بَيْعِ الْقَاضِي مَا لَوْ بَاعَ الْمَدِينُ عَقَارًا أَوْ غَيْرَهُ لِرَبِّ الدَّيْنِ بِمَا لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ
(قَوْلُهُ: وَنَحْوُهُ) أَيْ مِمَّا يُصَيِّرُهُ فِي ذِمَّتِهِ، وَعِبَارَةُ حَجّ: وَنَحْوُهُ إفْتَاءُ ابْنِ الصَّلَاحِ وَهِيَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُصَحِّحَ لِضَمَانِ الدَّرَكِ هُوَ قَبْضُ الْعِوَضِ فَقَطْ، وَلَمْ يَبْقَ فَرَدٌّ لِقَوْلِهِ وَنَحْوُهُ
(قَوْلُهُ: وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ) تَأْيِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ
(قَوْلُهُ: لَوْ أَجَّرَ الْمَدِينُ) أَيْ لِدَائِنِهِ
(قَوْلُهُ: لِبَقَاءِ الدَّيْنِ) وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّ مِثْلَ الْوَقْفِ غَيْرُهُ، وَأَنَّهُ مَتَى كَانَ الْعِوَضُ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمُؤَجِّرِ أَوْ الْبَائِعِ لَا يَلْزَمُ الضَّامِنَ شَيْءٌ لِبَقَاءِ حَقِّ الْمَضْمُونِ لَهُ فِي ذِمَّةِ خَصْمِهِ، وَلَعَلَّهُ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْوَقْفِ لِكَوْنِهِ صُورَةَ الْوَاقِعَةِ الَّتِي سُئِلَ عَنْهَا ابْنُ الصَّلَاحِ
(قَوْلُهُ: أَوْ مَأْخُوذًا بِشُفْعَةٍ) صُورَتُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ حِصَّةً مِنْ عَقَارٍ ثُمَّ يَبِيعَهَا لِآخَرَ وَيَقْبِضَ مِنْهُ الثَّمَنَ فَيَضْمَنَ لِلْمُشْتَرِي الثَّانِي رَدَّ الثَّمَنِ إنْ أَخَذَهَا الشَّرِيكُ الْقَدِيمُ بِالشُّفْعَةِ
(قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الصَّادِ) ، وَالسِّينُ أَفْصَحُ مِنْهَا كَمَا فِي الْقَامُوسِ اهـ حَجّ.
وَفِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
لِغَيْرِ مُسْتَحِقٍّ كَغَنِيٍّ

[ضَمَانِ الدَّرَكِ]
. (قَوْلُهُ: فِي نَحْوِ غَرِيبٍ إلَخْ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: فِي غَرِيبٍ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ لَوْ خَرَجَ مَبِيعُهُ أَوْ ثَمَنُهُ مُسْتَحَقًّا إلَخْ، فَلَعَلَّ لَفْظَ مِمَّنْ سَقَطَ مِنْ نُسَخِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ) أَيْ أَوْ الْمُشْتَرِي. (قَوْلُهُ: فَخَرَجَ مَا لَوْ بَاعَ الْحَاكِمُ إلَخْ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَعَلَى قِيَاسِهِ لَوْ بَاعَهَا صَاحِبُهَا بِالدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ وَضَمِنَ الدَّرَكَ لَا يَصِحُّ قَالَ: وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ ضَمَانُ الدَّرَكِ فِي الِاعْتِيَاضِ عَنْ الدَّيْنِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَضْمَنَ لَهُ دَرَكَهُ) أَيْ لَا يَصِحُّ ضَمَانُ الْعَقَارِ لِلْمُشْتَرِي، وَقَوْلُهُ: بِعَدَمِ الْقَبْضِ: أَيْ قَبْضِ الثَّمَنِ، وَقَوْلُهُ: وَنَحْوُهُ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى مَا لَوْ بَاعَ وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ وَنَحْوُهُ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ مَمْدُودًا بِغَيْرِ عَطْفٍ فَهُوَ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ.
(قَوْلُهُ: أَوْ مَأْخُوذًا بِشُفْعَةٍ إلَخْ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: كَأَنْ خَرَجَ

(4/439)


نُسْخَةٍ بَدَلَ اللَّامِ كَافٌ فَيَشْمَلُ نَقْصَ الْقَدْرِ وَنَقْصَ الصِّفَةِ الْمَشْرُوطَةِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِشَرْطِ كَوْنِهِ مِنْ نَوْعِ كَذَا وَضَمِنَ ضَامِنٌ عُهْدَةَ ذَلِكَ وَأَلْ فِي الثَّمَنِ لِلْجِنْسِ فَشُمِلَ كُلُّهُ كَمَا تَقَرَّرَ وَمَا لَوْ ضَمِنَ بَعْضَهُ إنْ خَرَجَ بَعْضُ مُقَابِلِهِ مُسْتَحَقًّا أَوْ مَعِيبًا أَوْ نَاقِصًا لِنَقْصِ صَنْجَةٍ أَوْ صِفَةٍ وَحِينَئِذٍ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ وَإِنْ صَوَّرَهُ جَمْعٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ لِخُرُوجِهِ عَمَّا الْكَلَامُ فِيهِ، وَلَوْ أَطْلَقَ ضَمَانَ الْعُهْدَةِ أَوْ الدَّرَكِ اخْتَصَّ بِمَا إذَا خَرَجَ بِالثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ مُسْتَحَقًّا؛ إذْ هُوَ الْمُتَبَادَرُ لَا مَا خَرَجَ فَاسِدًا بِغَيْرِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَذِكْرِ الضَّمَانِ لِلْمُشْتَرِي كَأَنَّهُ لِلْغَالِبِ لِصِحَّتِهِ لِلْبَائِعِ بِأَنْ يَضْمَنَ لَهُ الْمَبِيعَ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي لَهُ إنْ خَرَجَ الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ مُسْتَحَقًّا مَثَلًا، وَلَوْ ضَمِنَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَوْ الْأَجِيرِ الدَّرَكَ صَحَّ أَيْضًا عَلَى وِزَانِ مَا ذُكِرَ، وَمِثْلُهُ ضَمَانُ دَرَكِ زَيْفٍ أَوْ نَقْصِ صَنْجَةِ مَا قُبِضَ مِنْ الدَّيْنِ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ.
قَالَ: فَإِنْ طَلَبَ الضَّامِنُ أَنْ يُعْطِيَهُ الْمُؤَدَّى لِيُبَدِّلَهُ لَهُ لَمْ يُعْطِهِ: أَيْ بَلْ يُبَدِّلُهُ لَهُ وَيَبْقَى نَحْوُ الْمَعِيبِ فِي يَدِهِ حَتَّى يَأْتِيَ مَالِكُهُ.
قِيلَ: وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ ضَعْفُ قَوْلِ الْأَنْوَارِ: وَلَا يُطَالِبُ الْبَائِعُ الضَّامِنَ قَبْلَ رَدِّ نَحْوِ الْمَعِيبِ لِلْمُشْتَرِي، وَفِيهِ نَظَرٌ لِإِمْكَانِ حَمْلِ كَلَامِهِ عَلَى عَدَمِ مُطَالَبَتِهِ قَبْلَ وُجُودِ الرَّدِّ الْمُقْتَضِي لِلْمُطَالَبَةِ بِالْأَصَالَةِ، بَلْ كَلَامُهُمْ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْمُطَالَبَةِ مِنْ رَدِّهِ بِعَيْبٍ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا ضَمِنَهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مُتَعَلِّقَ ضَمَانِ الدَّرَكِ عَيْنُ الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ إنْ بَقِيَ وَسَهُلَ رَدُّهُ وَبَدَلُهُ: أَيْ قِيمَتُهُ إنْ عَسِرَ رَدُّهُ لِلْحَيْلُولَةِ، وَمِثْلُ الْمِثْلِيِّ وَقِيمَةِ الْمُتَقَوِّمُ إنْ تَلِفَ، وَتَعَلُّقُهُ بِالْبَدَلِ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى غَيْرِ قَاعِدَةِ ضَمَانِ الْأَعْيَانِ، وَمِنْ صِحَّةِ الضَّامِنِ الدَّرَكَ يَغْرَمُ بَدَلَ الْعَيْنِ عِنْدَ تَلَفِهَا، بِخِلَافِ ضَامِنِ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ وَالْمُسْتَعَارَةِ، وَقَوْلُ الْمَطْلَبِ لَيْسَ الْمَضْمُونُ هُنَا رَدَّ الْعَيْنِ: أَيْ وَحْدَهَا وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا تَجِبَ قِيمَتُهَا عِنْدَ التَّلَفِ، بَلْ الْمَضْمُونُ الْمَالِيَّةُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الرَّدِّ حَتَّى لَوْ بَانَ الِاسْتِحْقَاقُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الْمُخْتَارِ صَنْجَةُ الْمِيزَانِ مُعَرَّبٌ.
وَلَا تَقُلْ سَنْجَةً
(قَوْلُهُ: أَوْ الْأَجِيرِ) اُنْظُرْ مَا صُورَتُهُ ثُمَّ رَأَيْت فِي سم عَلَى حَجّ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ وَلِلْمُسْتَأْجِرِ: أَيْ بِأَنْ يَضْمَنَ لَهُ دَرَكَ الْأُجْرَةِ إنْ اُسْتُحِقَّتْ الْمَنْفَعَةُ، وَقَوْلُهُ أَوْ الْأَجِيرِ لَعَلَّ صُورَتَهُ ضَمَانُ دَرَكِ الْمَنْفَعَةِ إنْ خَرَجَتْ الْأُجْرَةُ مُسْتَحَقَّةً مَثَلًا، وَقَضِيَّةُ اعْتِبَارِ قَبْضِ الْمَضْمُونِ دَرَكُهُ تَوَقُّفُ الصِّحَّةِ هُنَا عَلَى الْعَمَلِ كَيْ تَصِيرَ الْمَنْفَعَةُ مَقْبُوضَةً فَلْيُرَاجَعْ اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ: يُكْتَفَى بِقَبْضِ الْعَيْنِ الَّتِي تَعَلَّقَتْ بِهَا الْمَنْفَعَةُ، وَكَذَا يُقَالُ: يُمْكِنُ تَصْوِيرُ مَسْأَلَةِ الْأَجِيرِ بِأَنْ يَضْمَنَ لَهُ الْأُجْرَةَ إنْ خَرَجَتْ مَنْفَعَةُ الْأَجِيرِ مُسْتَحَقَّةً، وَلَعَلَّ هَذَا أَوْلَى مِمَّا صَوَّرَ بِهِ الْمُحَشِّي لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ بَعْدَ اسْتِيفَائِهَا لَا يُمْكِنُ رَدُّهَا
(قَوْلُهُ: فِي يَدِهِ) أَيْ الْمَضْمُونُ
(قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ) أَيْ قَوْلِهِ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ إلَخْ
(قَوْلُهُ: حَمْلِ كَلَامِهِ) أَيْ الْأَنْوَارِ
(قَوْلُهُ: قَبْلَ وُجُودِ الرَّدِّ) فَالْمُرَادُ بِالرَّدِّ فِي عِبَارَةِ الْأَنْوَارِ فَسْخُ الْعَقْدِ
(قَوْلُهُ: أَوْ الثَّمَنِ إنْ بَقِيَ) أَيْ حَيْثُ كَانَ مُعَيَّنًا أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَالْحَاصِلُ إلَخْ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ تَعَذَّرَ إحْضَارُهُ بِلَا تَلَفٍ لَا يَجِبُ عَلَى الضَّامِنِ شَيْءٌ لِأَنَّ الْعَيْنَ إذَا تَعَذَّرَ إحْضَارُهَا لَمْ يَجِبْ عَلَى مُلْتَزِمِهَا شَيْءٌ، نَعَمْ ضَمَانُ مَا ذُكِرَ، وَإِنْ كَانَ ضَمَانَ عَيْنٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
مَرْهُونًا أَوْ مَأْخُوذًا بِشُفْعَةٍ إلَخْ، وَلَعَلَّ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ سَقَطَ مِنْ نُسَخِ الشَّارِحِ مِنْ الْكَتَبَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ ضَمِنَ لِلْمُسْتَأْجِرِ) أَيْ بِأَنْ يَضْمَنَ لَهُ دَرَكَ الْأُجْرَةِ فَإِنْ اُسْتُحِقَّتْ الْمَنْفَعَةُ، وَقَوْلُهُ: أَوْ الْأَجِيرُ لَعَلَّ صُورَتَهُ ضَمَانُ دَرَكِ الْمَنْفَعَةِ إنْ خَرَجَتْ الْأُجْرَةُ مُسْتَحَقَّةً مَثَلًا، وَقَضِيَّتُهُ اعْتِبَارُ قَبْضِ الْمَضْمُونِ دَرَكُهُ تَوَقُّفُ الصِّحَّةِ هُنَا عَلَى الْعَمَلِ كَيْ تَصِيرَ الْمَنْفَعَةُ مَقْبُوضَةً فَلْيُرَاجَعْ، كَذَا فِي حَوَاشِي التُّحْفَةِ لِلشِّهَابِ سم، قَالَ الشَّيْخُ فِي الْحَاشِيَةِ: وَقَدْ يُقَالُ يُكْتَفَى بِقَبْضِ الْعَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَاعْلَمْ أَنَّ مُتَعَلِّقَ ضَمَانِ الدَّرَكِ إلَخْ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ فِي الذِّمَّةِ لِمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: وَبَدَلُهُ) أَيْ قِيمَتُهُ إنْ عَسُرَ رَدُّهُ لِلْحَيْلُولَةِ: أَيْ وَمِثْلُ الْمِثْلِيِّ وَقِيمَةُ الْمُتَقَوِّمِ إنْ تَلِفَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشِّهَابُ حَجّ. (قَوْلُهُ: وَقَوْلُ الْمَطْلَبِ لَيْسَ الْمَضْمُونُ هُنَا) أَيْ فِي ضَمَانِ الثَّمَنِ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ شَرْحِ الرَّوْضِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا الْمَحَلُّ يَحْتَاجُ إلَى تَحْرِيرٍ. (قَوْلُهُ: أَيْ وَحْدَهَا إلَخْ) هَذَا التَّفْسِيرُ قَدْ لَا يُلَاقِي آخِرَ كَلَامِ الْمَطْلَبِ، عَلَى أَنَّا إذَا نَظَرْنَا لِهَذَا التَّفْسِيرِ فِي كَلَامِ الْمَطْلَبِ لَمْ يَكُنْ

(4/440)


وَالثَّمَنُ فِي الْبَائِعِ لَا يُطَالَبُ الضَّامِنُ بِقِيمَتِهِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يُخَالِفُهُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ ضَمَانَ الْعُهْدَةِ يَكُونُ ضَمَانَ عَيْنٍ فِيمَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُعَيَّنًا بَاقِيًا لَمْ يَتْلَفْ، وَضَمَانَ ذِمَّةٍ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ، وَلَا يَجْرِي ضَمَانُ الدَّرَكِ فِي نَحْوِ الرَّهْنِ كَمَا بَحَثَهُ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ لِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ فِيهِ

(وَكَوْنُهُ) أَيْ الْمَضْمُونِ (لَازِمًا) وَلَوْ غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ كَمَهْرٍ قَبْلَ دُخُولٍ أَوْ مَوْتٍ وَثَمَنِ مَبِيعٍ قَبْلَ قَبْضٍ وَدَيْنِ سَلَمٍ (لَا كَنُجُومِ كِتَابَةٍ) ؛ إذْ لِلْمُكَاتَبِ إسْقَاطُهَا مَتَى شَاءَ فَلَا مَعْنَى لِلتَّوَثُّقِ بِهَا، وَمِثْلُ ذَلِكَ جَعْلُ الْجَعَالَةِ قَبْلَ الْفَرَاغِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ، وَالْمُرَادُ بِاللَّازِمِ مَا لَا يَتَسَلَّطُ عَلَى فَسْخِهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ وَلَوْ بِاعْتِبَارِ وَضْعِهِ (وَ) مِنْ ثَمَّ (يَصِحُّ) (ضَمَانُ الثَّمَنِ) لِلْبَائِعِ (فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ) لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ آيِلٌ لِلُّزُومِ فَاحْتِيجَ فِيهِ لِلتَّوَثُّقِ.
وَالثَّانِي يُنْظَرُ إلَى أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ الْآنَ، وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ صِحَّةُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ وَهُوَ أَنَّ تَصْحِيحَ الضَّمَانِ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ لَا يَمْنَعُ نَقْلَ الْمِلْكِ فِي الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ، أَمَّا إذَا مَنَعَهُ فَهُوَ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ، فَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ لَمْ يَصِحَّ الضَّمَانُ، وَقَوْلُهُمَا عَنْ الْمُتَوَلِّي بِصِحَّةِ الضَّمَانِ هُنَا بِلَا خِلَافٍ مَبْنِيٌّ عَلَى مَرْجُوحٍ، وَهُوَ أَنَّ مِلْكَ الْمَبِيعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي

(وَضَمَانُ الْجُعْلِ كَالرَّهْنِ بِهِ) فَيَصِحُّ بَعْدَ الْفَرَاغِ لِلُزُومِهِ لَا قَبْلَهُ لِجَوَازِهِ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ آيِلٍ لِلُزُومِ بِنَفْسِهِ بَلْ بِالْعَمَلِ وَبِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
يُخَالِفُ ضَمَانَ الْعَيْنِ فِي أَنَّهُ إذَا تَلِفَ يُطَالَبُ بِبَدَلِهِ، وَالْعَيْنُ إذَا تَلِفَتْ لَا يُطَالَبُ بِشَيْءٍ
(قَوْلُهُ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يُخَالِفُهُ) أَيْ فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ بَدَلِ الثَّمَنِ وَإِنْ كَانَ بَاقِيًا فِي يَدِ الْبَائِعِ، وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ قَبْلُ عَيْنُ الْمَبِيعِ إنْ بَقِيَ إلَخْ خِلَافُهُ، وَمِنْ ثَمَّ ذَكَرَ حَجّ مَا فِي الطَّلَبِ كَالتَّأْيِيدِ لِمَا قَبْلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يُخَالِفُهُ.
[فَرْعٌ] قَالَ حَجّ: وَلَوْ اخْتَلَفَ الضَّامِنُ وَالْبَائِعُ فِي نَقْصِ صَنْجَةِ الثَّمَنِ وَلَا بَيِّنَةَ حَلَفَ الضَّامِنُ لِأَصْلِ بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ، أَوْ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي حَلَفَ الْبَائِعُ لِأَنَّ ذِمَّةَ الْمُشْتَرِي كَانَتْ مَشْغُولَةً، وَبِحَلِفِ الْبَائِعِ يُطَالَبُ الْمُشْتَرِي وَكَذَا الضَّامِنُ إنْ أَقَرَّ أَوْ ثَبَتَ بِحُجَّةٍ أُخْرَى اهـ: أَيْ إنْ ادَّعَى نَقْصَ الثَّمَنِ وَقِيَاسُهُ حَلِفُ الْمُشْتَرِي إنْ ادَّعَى نَقْصَ الْمَبِيعِ، ثُمَّ قَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ ذِمَّةَ الْمُشْتَرِي إلَخْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الثَّمَنُ مُعَيَّنًا أَوْ الْمَبِيعُ وَشُرِطَ كَوْنُ وَزْنِهِ أَوْ ذَرْعِهِ كَذَا ثُمَّ اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي كَوْنِهِ نَاقِصًا عَمَّا قُدِّرَ بِهِ أَنَّ الْمُصَدَّقَ الْمُشْتَرِي إنْ ادَّعَى الْبَائِعُ نَقْصَ الثَّمَنِ، وَالْبَائِعُ إنْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي نَقْصَ الْمَبِيعِ لِعَدَمِ اشْتِغَالِ ذِمَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ فَلْيُرَاجَعْ.
ثُمَّ مَا ذَكَرَ ظَاهِرٌ إنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بَعْدَ تَلَفِ الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ، أَمَّا مَعَ بَقَائِهِمَا فَيُعَادُ تَقْدِيرُ مَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِيهِ بِكَيْلِهِ أَوْ وَزْنِهِ أَوْ ذَرْعِهِ ثَانِيًا
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ فِيهِ) أَيْ وَلِأَنَّ الْعِلَّةَ وَهِيَ فَوَاتُ الْحَقِّ مُنْتَفِيَةٌ فِيهِ

(قَوْلُهُ: لَا كَنُجُومِ كِتَابَةٍ) وَقِيَاسُ مَا مَرَّ فِي الْحَوَالَةِ صِحَّةُ ضَمَانِ دُيُونِ الْمُعَامَلَةِ الَّتِي لِلسَّيِّدِ عَلَى عَبْدِهِ وَإِنْ كَانَتْ مُعَرَّضَةً لِلسُّقُوطِ بِتَعْجِيزِهِ نَفْسَهُ، لَكِنَّ الَّذِي اعْتَمَدَهُ حَجّ خِلَافُهُ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الضَّمَانَ فِيهِ شَغْلُ ذِمَّةٍ فَارِغَةٍ فَاحْتِيطَ لَهُ بِاشْتِرَاطِ عَدَمِ قُدْرَةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ عَلَى إسْقَاطِهِ لِئَلَّا يَغْرَمَ ثُمَّ يَحْصُلُ التَّعْجِيزُ فَيَتَضَرَّرُ الضَّامِنُ حِينَئِذٍ بِفَوَاتِ مَا أُخِذَ مِنْهُ لَا لِمَعْنَى، بِخِلَافِ الْحَوَالَةِ فَإِنَّ الَّذِي فِيهَا مُجَرَّدُ التَّحَوُّلِ الَّذِي لَا ضَرَرَ عَلَى الْمُحْتَالِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ قَبَضَ مِنْ الْمُكَاتَبِ فَذَاكَ، وَإِلَّا أَخَذَ مِنْ السَّيِّدِ فَلَمْ يَنْظُرْ لِقَدْرِهِ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ عَلَى ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ خَفِيٌّ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ بِاعْتِبَارِ وَضْعِهِ) دَفَعَ بِهِ مَا يُقَالُ لَا حَاجَةَ لِلْجَمْعِ بَيْنَ قَوْلِهِ لَازِمًا وَقَوْلِهِ ثَابِتًا؛ إذْ اللَّازِمُ لَا يَكُونُ إلَّا ثَابِتًا.
وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ اللَّازِمَ قَدْ يُطْلَقُ بِاعْتِبَارِ مَا وَضَعَهُ ذَلِكَ فَثَمَنُ الْمَبِيعِ يُقَالُ لَهُ لَازِمٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّ وَضْعَهُ ذَلِكَ وَلَوْ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِثَابِتٍ فَأَحَدُهُمَا لَا يُغْنِي عَنْ الْآخَرِ
(قَوْلُهُ: فَلَوْ كَانَ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ، وَلَوْ قَالَ: أَمَّا لَوْ كَانَ إلَخْ كَانَ أَوْضَحَ
(قَوْلُهُ: هُنَا) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
مُخَالِفًا لِكَلَامِهِمْ فَلَا يَتَأَتَّى قَوْلُهُ: فِيهِ إنَّهُ مُخَالِفٌ لِكَلَامِهِمْ. (قَوْلُهُ: وَالْحَاصِلُ إلَخْ) هَذَا الْحَاصِلُ لَا يُنَاسِبُ مَا قَرَّرَهُ وَإِنَّمَا يُنَاسِبُ مَا قَرَّرَهُ الشِّهَابُ حَجّ تَبَعًا لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ كَمَا يُعْلَمُ بِمُرَاجَعَتِهِ
.

(4/441)


فَارَقَ الثَّمَنَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ

(وَكَوْنُهُ) أَيْ الْمَضْمُونِ (مَعْلُومًا) لِلضَّامِنِ فَقَطْ جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً، وَعَيْنًا (فِي الْجَدِيدِ) ؛ لِأَنَّهُ إثْبَاتُ مَالٍ فِي الذِّمَّةِ لِآدَمِيٍّ بِعَقْدٍ فَلَمْ يَصِحَّ مَعَ الْجَهْلِ كَالثَّمَنِ، وَالْقَدِيمُ لَا يَشْتَرِطُ ذَلِكَ لِتَيَسُّرِ مَعْرِفَتِهِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي مَجْهُولٍ تَمَكَّنَ الْإِحَاطَةُ بِهِ كَ ضَمِنْت مِثْلَ مَا بِعْت مِنْ زَيْدٍ فَإِنْ قَالَ: ضَمِنْت شَيْئًا مِنْهُ بَطَلَ جَزْمًا.
نَعَمْ لَوْ قَالَ: ضَمِنْت لَك الدَّرَاهِمَ الَّتِي عَلَى فُلَانٍ كَانَ ضَامِنًا لِثَلَاثَةٍ فِيمَا يَظْهَرُ، وَمِثْلُهُ لَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَلَا نَظَرَ لِمَنْ قَالَ أَقَلُّ الْجَمْعِ اثْنَانِ لِشُذُوذِهِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ لَزِمَهُ ثَلَاثَةٌ

(وَالْإِبْرَاءُ) الْمُوَقَّتُ وَالْمُعَلَّقُ بِغَيْرِ الْمَوْتِ.
أَمَّا الْمُعَلَّقُ بِهِ كَإِذَا مِتُّ فَأَنْتَ بَرِيءٌ أَوْ أَنْتَ بَرِيءٌ بَعْدَ مَوْتِي فَهُوَ وَصِيَّةٌ وَ (مِنْ الْمَجْهُولِ) وَاَلَّذِي لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ الْمُبْرَأُ مِنْهُ، وَلَا نَوَى، وَمُرَادُهُ جَهَالَةُ الدَّائِنِ لَا وَكِيلُهُ أَوْ الْمَدِينِ إلَّا فِيمَا فِيهِ مُعَاوَضَةٌ كَإِنْ أَبْرَأْتنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ (بَاطِلٌ فِي الْجَدِيدِ) لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ تَتَوَقَّفُ عَلَى الرِّضَا وَهُوَ غَيْرُ مَعْقُولٍ مَعَ الْجَهْلِ وَالْقَدِيمُ أَنَّهُ صَحِيحٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إسْقَاطٌ مَحْضٌ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الدَّيْنِ، أَمَّا الْإِبْرَاءُ مِنْ الْعَيْنِ فَبَاطِلٌ جَزْمًا نَعَمْ لَا أَثَرَ لِجَهْلٍ يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ: لَوْ كَاتَبَهُ بِدَرَاهِمَ ثُمَّ وَضَعَ عَنْهُ دِينَارَيْنِ مُرِيدًا مَا يُقَابِلُهُمَا مِنْ الْقِيمَةِ صَحَّ وَيَكْفِي فِي النَّقْدِ الرَّائِجِ عِلْمُ الْعَدَدِ وَفِي الْإِبْرَاءِ مِنْ حِصَّتِهِ مِنْ مُوَرِّثِهِ عِلْمُ قَدْرِ التَّرِكَةِ وَإِنْ جَهِلَ قَدْرَ حِصَّتِهِ، وَلِأَنَّ الْإِبْرَاءَ، وَمِثْلُهُ التَّحْلِيلُ وَالْإِسْقَاطُ وَالتَّرْكُ تَمْلِيكٌ لِلْمَدِينِ مَا فِي ذِمَّتِهِ: أَيْ الْغَالِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ دُونَ الْإِسْقَاطِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ قَالَ لِأَحَدِ غَرِيمَيْهِ أَبْرَأْت أَحَدَكُمَا لَمْ يَصِحَّ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَلِمَهُ وَجَهِلَ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ.
وَإِنَّمَا لَمْ يُشْتَرَطْ قَبُولُ الْمَدِينِ نَظَرًا لِشَائِبَةِ الْإِسْقَاطِ، وَإِنَّمَا غَلَّبُوا فِي عِلْمِهِ شَائِبَةَ التَّمْلِيكِ، وَفِي قَبُولِهِ شَائِبَةَ الْإِسْقَاطِ؛ لِأَنَّ الْقَبُولَ أَدْوَنُ أَلَا تَرَى إلَى اخْتِيَارِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ جَوَازَ الْمُعَاطَاةِ فِي نَحْوِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَلَمْ يَخْتَارُوا صِحَّةَ بَيْعِ الْغَائِبِ وَهِبَتِهِ، وَلَوْ أَبْرَأَ ثُمَّ ادَّعَى الْجَهْلَ قُبِلَ بَاطِنًا لَا ظَاهِرًا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا فِي الْأَنْوَارِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَعَيْنًا) أَيْ فِيمَا لَوْ كَانَ ضَمَانَ عَيْنٍ كَالْمَغْصُوبِ
(قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ قَالَ) أَيْ الْجَاهِلُ بِالْقَدْرِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ حَجّ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ ذَلِكَ الْعَالِمُ بِهِ كَانَ ضَامِنًا لِلْكُلِّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ وَمِثْلُهُ إلَخْ يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ مِثْلُ ذَلِكَ

(قَوْلُهُ: وَالْإِبْرَاءُ الْمُوَقَّتُ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ كَأَنْ يَقُولَ: أَبْرَأْتُك مِنْ مَالِي عَلَيْك سَنَةً
(قَوْلُهُ: أَمَّا الْمُعَلَّقُ بِهِ) أَيْ بِالْمَوْتِ
(قَوْلُهُ: فَهُوَ وَصِيَّةٌ) أَيْ فَفِيهِ تَفْصِيلُهَا وَهُوَ أَنَّهُ إنْ خَرَجَ الْمُبْرَأُ مِنْهُ مِنْ الثُّلُثِ بَرِئَ، وَإِلَّا تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ فِيمَا زَادَ
(قَوْلُهُ: مِنْ الْعَيْنِ) أَيْ كَأَنْ غَصَبَ مِنْهُ كِتَابًا مَثَلًا
(قَوْلُهُ: لَا أَثَرَ لِجَهْلٍ يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ) تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي مَجْهُولٍ يُمْكِنُ الْإِحَاطَةُ بِهِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ ضَمَانُ الْمَجْهُولِ وَإِنْ أَمْكَنَتْ مَعْرِفَتُهُ فَانْظُرْ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِبْرَاءِ، وَلَعَلَّهُ أَنَّ الضَّمَانَ لِكَوْنِهِ إثْبَاتَ مَالٍ فِي الذِّمَّةِ بِعَقْدٍ يُحْتَاطُ لَهُ مَا لَا يُحْتَاطُ لِلْإِبْرَاءِ؛ إذْ قَدْ يَغْلِبُ فِيهِ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ
(قَوْلُهُ: عَلِمَ قَدْرَ التَّرِكَةِ) كَأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ قَدْرَهَا أَلْفٌ وَقَوْلُهُ: بِأَنْ جَهِلَ بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَ مَا يَخُصُّهُ أَهْوَ الرُّبْعُ أَوْ غَيْرُهُ؟ (قَوْلُهُ: الْغَالِبُ عَلَيْهِ) وَقَدْ يُغَلِّبُونَ الْإِسْقَاطَ وَمِنْهُ عَدَمُ عِلْمِ الْمُبْرَأِ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ، وَعَدَمُ اشْتِرَاطِ قَبُولِهِ، وَعَدَمُ اشْتِرَاطِ عِلْمِ الْوَكِيلِ بِهِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا لَوْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَمِنْ الْمَجْهُولِ بَاطِلٌ
(قَوْلُهُ: عَلِمَهُ) أَيْ الدَّيْنَ
(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا غَلَّبُوا فِي عِلْمِهِ) أَيْ الدَّائِنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَعَيْنًا) أَيْ فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ أَحَدِ الدَّيْنَيْنِ مِنْهُمَا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ قَالَ ضَمِنْت الدَّرَاهِمَ إلَخْ) أَيْ وَالصُّورَةُ أَنَّهُ يَجْهَلُهُ

. (قَوْلُهُ: عَلِمَ قَدْرَ التَّرِكَةِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ عِلْمُ قَدْرِ الدَّيْنِ فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْإِبْرَاءَ إلَخْ) تَعْلِيلٌ ثَانٍ لِلْجَدِيدِ وَلَوْ أَخَّرَ حِكَايَةَ الْقَدِيمِ عَنْهُ لَكَانَ أَوْلَى. (قَوْلُهُ: وَجَهِلَ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ الدَّيْنُ وَاحِدًا وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُ عَيْنَ الْمَدِينِ فَهُوَ جَهْلٌ وَمَا قَبْلَهُ إبْهَامٌ. (قَوْلُهُ: فِي عِلْمِهِ) أَيْ الْمُبْرَأِ مِنْهُ وَكَذَا الضَّمِيرُ فِي قَبُولِهِ

(4/442)


أَنَّهُ إنْ بَاشَرَ سَبَبَ الدَّيْنِ لَمْ يُقْبَلْ وَإِلَّا كَدَيْنٍ وَرِثَهُ قَبْلُ، وَفِي الْجَوَاهِرِ نَحْوُهُ، وَفِيهَا عَنْ الزَّبِيلِيِّ تُصَدَّقُ الصَّغِيرَةُ الْمُزَوَّجَةُ إجْبَارًا بِيَمِينِهَا فِي جَهْلِهَا بِمَهْرِهَا.
قَالَ الْغَزِّيِّ: وَكَذَا الْكَبِيرَةُ الْمُجْبَرَةُ إنْ دَلَّ الْحَالُ عَلَى جَهْلِهَا، وَهَذَا أَيْضًا يُؤَيِّدُ مَا فِي الْأَنْوَارِ، وَيَجُوزُ بَذْلُ الْعِوَضِ فِي مُقَابَلَةِ الْإِبْرَاءِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، وَعَلَيْهِ فَيَمْلِكُ الدَّائِنُ الْعِوَضَ الْمَبْذُولَ لَهُ بِالْإِبْرَاءِ وَيَبْرَأُ الْمَدِينُ، وَطَرِيقُ الْإِبْرَاءِ مِنْ الْمَجْهُولِ أَنْ يُبْرِئَهُ مِنْ قَدْرٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ عَنْ دَيْنِهِ كَأَلْفٍ شَكَّ هَلْ يَبْلُغُهَا أَوْ يَنْقُصُ عَنْهَا.
نَعَمْ يَكْفِي فِي الْغِيبَةِ إذَا لَمْ تَبْلُغْ الْمُغْتَابَ النَّدَمُ وَالِاسْتِغْفَارُ، فَإِنْ بَلَغَتْهُ لَمْ يَصِحَّ الْإِبْرَاءُ مِنْهَا إلَّا بَعْدَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
(قَوْلُهُ: إنْ بَاشَرَ سَبَبَ الدَّيْنِ) أَيْ أَوْ رُوجِعَ فِيهِ كَمَهْرِ الثَّيِّبِ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ وَفِيهَا) أَيْ الْأَنْوَارِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْكَبِيرَةُ الْمُجْبَرَةُ) وَكَذَا غَيْرُهَا إنْ لِمَ تَتَعَرَّضْ لِلْمَهْرِ فِي الْإِذْنِ وَلَا رُوجِعَتْ فِيهِ
(قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ بَذْلُ الْعِوَضِ) أَيْ كَأَنْ يُعْطِيَهُ ثَوْبًا مَثَلًا فِي مُقَابَلَةِ الْإِبْرَاءِ مِمَّا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ.
أَمَّا لَوْ أَعْطَاهُ بَعْضَ الدَّيْنِ عَلَى أَنْ يُبْرِئَهُ مِنْ الْبَاقِي فَلَيْسَ مِنْ التَّعْوِيضِ فِي شَيْءٍ بَلْ مَا قَبَضَهُ بَعْضُ حَقِّهِ، وَالْبَاقِي مَا عَدَاهُ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ فَيَمْلِكُ الدَّائِنُ) عِبَارَةُ الشَّارِحِ قُبَيْلَ فَصْلِ الطَّرِيقِ النَّافِذِ إلَخْ نَصُّهَا: إنْكَارُ حَقِّ الْغَيْرِ حَرَامٌ.
فَلَوْ بَذَلَ لِلْمُنْكِرِ مَالًا لِيُقِرَّ فَفَعَلَ لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ بَلْ يَحْرُمُ بَذْلُهُ وَأَخْذُهُ لِذَلِكَ وَلَا يَكُونُ بِهِ مُقِرًّا كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ كَجٍّ وَغَيْرُهُ وَرَجَّحَهُ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِشَرْطٍ.
قَالَ فِي الْخَادِمِ: يَنْبَغِي التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَعْتَقِدَ فَسَادَ الصُّلْحِ فَيَصِحَّ أَوْ يَجْهَلَهُ فَلَا كَمَا فِي نَظَائِرِهِ مِنْ الْمُنْشَآتِ عَلَى الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ اهـ.
أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُصَوَّرَ مَا هُنَا بِمَا لَوْ وَقَعَ ذَلِكَ بِالْمُوَاطَأَةِ مِنْهُمَا قَبْلَ الْعَقْدِ ثُمَّ دَفَعَ ذَلِكَ قَبْلَ الْبَرَاءَةِ أَوْ بَعْدَهَا.
فَلَوْ قَالَ: أَبْرَأْتُكَ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي كَذَا كَانَ كَمَا لَوْ قَالَ: صَالَحْتُك عَلَى أَنْ تُقِرَّ لِي عَلَى أَنَّ لَك عَلَيَّ كَذَا فَكَمَا قِيلَ فِي ذَلِكَ بِالْبُطْلَانِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الشَّرْطِ يُقَالُ هُنَا كَذَلِكَ لِاشْتِمَالِ الْبَرَاءَةِ عَلَى الشَّرْطِ فَلْيُرَاجَعْ
(قَوْلُهُ: وَطَرِيقُ الْإِبْرَاءِ مِنْ الْمَجْهُولِ إلَخْ) ذَكَرَ حَجّ فِي غَيْرِ شَرْحِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ مِنْ الْمَجْهُولِ بِالنِّسْبَةِ لِلدُّنْيَا.
أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْآخِرَةِ فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمُبْرِئَ رَاضٍ بِذَلِكَ اهـ.
هَكَذَا رَأَيْته بِهَامِشٍ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعَصْرِ (قَوْلُهُ وَالِاسْتِغْفَارُ) أَيْ لِلْمُغْتَابِ اهـ حَجّ.
كَأَنْ يَقُولَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِفُلَانٍ أَوْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ فِي غَيْبَةِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ.
وَأَمَّا غَيْبَةُ الصَّبِيِّ فَهَلْ يُقَالُ فِيهَا بِمِثْلِ ذَلِكَ التَّفْصِيلِ وَهُوَ أَنَّهَا إذَا بَلَغَتْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ بُلُوغِهِ وَذِكْرِهَا لَهُ وَذِكْرِ مَنْ ذُكِرَتْ عِنْدَهُ أَيْضًا بَعْدَ الْبُلُوغِ لِأَنَّ بَرَاءَتَهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ أَوْ يَكْفِي مُجَرَّدُ الِاسْتِغْفَارِ حَالًّا مُطْلَقًا لِتَعَذُّرِ الِاسْتِحْلَالِ مِنْهُ الْآنَ؟ فِيهِ نَظَرٌ.
الْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ، وَقَالَ سم عَلَى حَجّ: قَوْلُهُ وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُ: أَيْ وَلَوْ بَلَغَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ إلَّا بَعْدَ تَعْيِينِهَا بِالشَّخْصِ أَطْلَقَ السُّيُوطِيّ فِي فَتَاوِيهِ اعْتِبَارَ التَّعْيِينِ وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ الْمُغْتَابَ وَهُوَ مَمْنُوعٌ.
وَقَالَ فِيمَنْ خَانَ رَجُلًا فِي أَهْلِهِ بِزِنًا وَغَيْرِهِ لَا تَصِحُّ التَّوْبَةُ مِنْهُ إلَّا بِالشُّرُوطِ الْأَرْبَعَةِ.
وَمِنْهَا اسْتِحْلَالُهُ بَعْدَ أَنْ يُعَرِّفَهُ بِهِ بِعَيْنِهِ، ثُمَّ لَهُ حَالَانِ أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ بِأَنْ أَكْرَهَهَا فَهَذَا كَمَا وَصَفْنَا.
وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ بِأَنْ تَكُونَ مُطَاوَعَةً، فَهَذَا قَدْ يَتَوَقَّفُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ سَاعٍ فِي إزَالَةِ ضَرَرِهِ فِي الْآخِرَةِ بِضَرَرِ الْمَرْأَةِ فِي الدُّنْيَا، وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَسُوغَ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إخْبَارُهُ بِهِ، وَإِنْ أَدَّى إلَى بَقَاءِ ضَرَرِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عُذْرًا، وَيُحْكَمُ بِصِحَّةِ تَوْبَتِهِ إذَا عَلِمَ اللَّهُ مِنْهُ حُسْنَ النِّيَّةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُكَلَّفَ الْإِخْبَارَ بِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَكِنْ يَذْكُرُ مَعَهُ مَا يَنْفِي الضَّرَرَ عَنْهَا بِأَنْ يَذْكُرَ أَنَّهُ أَكْرَهَهَا.
وَيَجُوزُ الْكَذِبُ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَهَذَا فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ، لَكِنَّ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ عِنْدِي، وَلَوْ خَافَ مِنْ ذِكْرِ ذَلِكَ الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ عُذْرًا، لِأَنَّ التَّخَلُّصَ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ بِضَرَرِ الدُّنْيَا مَطْلُوبٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَإِلَّا كَدَيْنٍ وَرِثَهُ قَبْلُ) أَيْ بِأَنْ ادَّعَى أَنَّهُ يَجْهَلُ قَدْرَ التَّرِكَةِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ آنِفًا فَلْيُرَاجَعْ..

(4/443)


تَعْيِينِهَا بِالشَّخْصِ وَتَعْيِينِ حَاضِرِهَا فِيمَا يَظْهَرُ حَيْثُ اخْتَلَفَ بِهِ الْغَرَضُ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ مُعَيَّنٍ مُعْتَقِدًا عَدَمَ اسْتِحْقَاقِهِ لَهُ فَتَبَيَّنَ خِلَافُ ذَلِكَ بَرِئَ (إلَّا) الْإِبْرَاءَ (مِنْ إبِلِ الدِّيَةِ) فَيَصِحُّ مَعَ الْجَهْلِ بِصِفَتِهَا لِاغْتِفَارِهِمْ ذَلِكَ فِي إثْبَاتِهَا فِي ذِمَّةِ الْجَانِي فَكَذَا هُنَا وَإِلَّا لَتَعَذَّرَ الْإِبْرَاءُ مِنْهَا، بِخِلَافِ غَيْرِهَا لِإِمْكَانِ مَعْرِفَتِهِ بِالْبَحْثِ عَنْهُ (وَيَصِحُّ ضَمَانُهَا فِي الْأَصَحِّ) كَالْإِبْرَاءِ لِلْعِلْمِ لِسِنِّهَا وَعَدَدِهَا، وَيَرْجِعُ فِي صِفَتِهَا لِغَالِبِ إبِلِ الْبَلَدِ، وَالثَّانِي لَا لِجَهَالَةِ وَصْفِهَا، وَالْإِبْرَاءُ مَطْلُوبٌ فَوَسِعَ فِيهِ بِخِلَافِ الضَّمَانِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَرْجِعُ ضَامِنُهَا بِالْإِذْنِ إذَا غَرِمَهَا بِمِثْلِهِ لَا قِيمَتِهَا كَالْقَرْضِ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي.

وَلَا يَصِحُّ ضَمَانُ الدِّيَةِ عَنْ الْعَاقِلَةِ قَبْلَ الْحُلُولِ، وَلَوْ ضَمِنَ عَنْهُ زَكَاتَهُ أَوْ كَفَّارَتَهُ صَحَّ كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ، وَيُعْتَبَرُ الْإِذْنُ عِنْدَ الْأَدَاءِ إنْ ضَمِنَ عَنْ حَيٍّ، فَإِنْ كَانَ عَنْ مَيِّتٍ لَمْ يَتَوَقَّفْ الْأَدَاءُ عَلَى إذْنٍ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ (وَلَوْ) (قَالَ ضَمِنْت مِمَّا لَك عَلَى زَيْدٍ) أَوْ أَبْرَأْتُك أَوْ نَذَرْت لَك مَثَلًا (مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ) (فَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ) لِانْتِفَاءِ الْغَرَضِ بِذِكْرِ الْغَايَةِ وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ لِجَهَالَةِ الْمِقْدَارِ، فَإِنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الدِّرْهَمِ وَالْعَشَرَةِ (وَ) عَلَى الْأَوَّلِ فَالْأَصَحُّ (أَنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا لِعَشَرَةٍ) إنْ كَانَتْ عَلَيْهِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا وَمُبْرَأً مِنْهَا وَنَاذِرًا لَهَا إدْخَالًا لِلطَّرَفَيْنِ فِي الِالْتِزَامِ (قُلْت: الْأَصَحُّ) أَنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا وَمُبْرَأً وَنَاذِرًا (لِتِسْعَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) إدْخَالًا لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ مُبْتَدَأُ الِالْتِزَامِ وَلِتَرَتُّبِ صِحَّةِ مَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ لِثَمَانِيَةٍ إخْرَاجًا لَهُمَا؛ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ، وَلَا يَتَأَيَّدُ الْأَوَّلُ بِقَوْلِهِمْ: إنَّ الْغَايَةَ مَتَى كَانَتْ مِنْ جِنْسِ الْمُغَيَّا دَخَلَتْ؛ لِأَنَّ هَذَا فِي غَيْرِ مَا نَحْنُ فِيهِ، إذْ هُوَ فِي الْأُمُورِ الِاعْتِبَارِيَّةِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ فِي الْأُمُورِ الْإِلْزَامِيَّةِ وَهِيَ مِمَّا يُحْتَاطُ لَهَا، وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي الْإِقْرَارِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ، وَلَوْ لَقَّنَ صِيغَةً نَحْوَ إبْرَاءٍ ثُمًّ ادَّعَى جَهْلَهُ بِمَدْلُولِهَا قُبِلَ مِنْهُ ذَلِكَ بِيَمِينِهِ إنْ أَمْكَنَ خَفَاءُ ذَلِكَ عَلَيْهِ عَادَةً وَإِلَّا فَلَا كَمَا يَأْتِي فِي النَّذْرِ، وَلَا يُعَارِضُ مَا مَرَّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ حَيْثُ تَقَعُ الثَّلَاثُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
يُعْذَرُ بِذَلِكَ وَيُرْجَى مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَرْضَى عَنْهُ خَصْمُهُ إذَا عَلِمَ حُسْنَ نِيَّتِهِ، وَلَوْ لَمْ يَرْضَ صَاحِبُ الْحَقِّ فِي الْغِيبَةِ وَالزِّنَا وَنَحْوِهِمَا أَنَّهُ يَعْفُو إلَّا بِبَذْلِ مَالٍ فَلَهُ بَذْلُهُ سَعْيًا فِي خَلَاصِ ذِمَّتِهِ.
ثُمَّ رَأَيْت الْغَزَالِيَّ قَالَ فِيمَنْ خَانَهُ فِي أَهْلِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ نَحْوِهِ: لَا وَجْهَ لِلِاسْتِحْلَالِ وَالْإِظْهَارِ فَإِنَّهُ يُوَلِّدُ فِتْنَةً وَغَيْظًا، بَلْ يَفْزَعُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِيُرْضِيَهُ عَنْهُ اهـ بِاخْتِصَارٍ اهـ.
أَقُولُ: الْأَقْرَبُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ حَتَّى لَوْ أَكْرَهَ الْمَرْأَةَ عَلَى الزِّنَا لَا يَسُوغُ لَهُ ذِكْرُ ذَلِكَ لِزَوْجِهَا إذَا لَمْ يَبْلُغْهُ مِنْ غَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ عِرْضِهَا.
وَبَقِيَ مَا لَوْ اغْتَابَ ذِمِّيًّا فَهَلْ يَسُوغُ الدُّعَاءُ لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ لِيَتَخَلَّصَ هُوَ مِنْ إثْمِ الْغِيبَةِ أَوَّلًا، وَيَكْتَفِي بِالنَّدَمِ لِامْتِنَاعِ الدُّعَاءِ بِالْمَغْفِرَةِ لِلْكَافِرِ؟ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ يَدْعُو لَهُ بِمَغْفِرَةِ غَيْرِ الشِّرْكِ أَوْ كَثْرَةِ الْمَالِ وَنَحْوِهِ مَعَ النَّدَمِ.
وَوَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّا لَوْ أَتَى بَهِيمَةَ غَيْرِهِ فَهَلْ يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ إظْهَارٌ لِقُبْحِ مَا صَنَعَ أَمْ لَا وَيَكْفِي النَّدَمُ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَا يَبْعُدُ الثَّانِي، وَيُفَارِقُ مَا لَوْ أَتَى أَهْلَ غَيْرِهِ حَيْثُ امْتَنَعَ الْإِخْبَارُ بِمَا وَقَعَ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إضْرَارًا لِلْمَرْأَةِ وَلِأَهْلِهَا فَامْتَنَعَ لِذَلِكَ، وَلَا كَذَلِكَ الْبَهِيمَةُ
(قَوْلُهُ: وَتَعْيِينِ حَاضِرِهَا) هَذَا مِمَّا لَا مَحِيصَ عَنْهُ، وَلَوْ مَاتَ بَعْدَ أَنْ بَلَغَتْهُ قَبْلَ الْإِبْرَاءِ مِنْهَا لَمْ يَصِحَّ إبْرَاءُ وَارِثِهِ بِخِلَافِهِ فِي الْمَالِ اهـ م ر اهـ سم عَلَى حَجّ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَبْرَأهُ مِنْ مُعَيَّنٍ) فِي الْوَاقِعِ

(قَوْلُهُ: وَيُعْتَبَرُ الْإِذْنُ) أَيْ مِنْ الْمَضْمُونِ عَنْهُ (قَوْلُهُ: عِنْدَ) أَيْ لِأَجْلِ
(قَوْلُهُ: الْأَدَاءِ) أَيْ لِلزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ
(قَوْلُهُ: مِمَّا لَك) مِثْلُهُ مَا لَكَ ع
(قَوْلُهُ: أَوْ نَذَرْت لَك) وَمِثْلُهُ مَا لَوْ قَالَ رَهَنْت عَلَى مَا لَك عَلَيَّ مِنْ الدَّيْنِ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ اهـ حَجّ.
وَانْظُرْ مَا حُكْمُ بَقِيَّةِ التَّصَرُّفَاتِ فِيهِ نَظَرٌ وَلَا يَبْعُدُ إلْحَاقُهَا بِمَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ حَيْثُ حَمَلَ الْمَجْهُولَ عَلَى جُمْلَةِ مَا قَبْلَ الْغَايَةِ كَانَ كَالْمُعَيَّنِ
(قَوْلُهُ: دَخَلَتْ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ دُخُولَ الْغَايَةِ فِيمَا ذُكِرَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ وَالرَّاجِحُ فِيهَا عَدَمُ الدُّخُولِ (قَوْلُهُ الِاعْتِبَارِيَّةِ) كَغَسْلِ الْوَجْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: وَيُعْتَبَرُ الْإِذْنُ) أَيْ: لِصِحَّتِهَا زَكَاةً. (قَوْلُهُ: إذْ هُوَ فِي الْأُمُورِ الِاعْتِبَارِيَّةِ) وَنَازَعَ الشِّهَابُ سم فِي هَذِهِ التَّفْرِقَةِ

(4/444)


مَحْصُورٌ فِي عَدَدٍ فَالظَّاهِرُ اسْتِيفَاؤُهُ، بِخِلَافِ الدُّيُونِ لَا حَصْرٌ لِأَفْرَادِهَا، وَلَوْ ضَمِنَ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةٍ لَزِمَهُ ثَمَانِيَةٌ، وَلَوْ مَاتَ مَدِينٌ فَسَأَلَ وَارِثُهُ دَائِنَهُ أَنْ يُبْرِئَهُ وَيَكُونَ ضَامِنًا لِمَا عَلَيْهِ فَأَبْرَأَهُ ظَانًّا صِحَّةَ الضَّمَانِ، وَأَنَّ الدَّيْنَ انْتَقَلَ إلَى ذِمَّةِ الضَّامِنِ لَمْ يَصِحَّ الْإِبْرَاءُ؛ لِأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى ظَنِّ انْتِقَالِهِ لِلضَّامِنِ وَلَمْ يَنْتَقِلْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَيَدُلُّ لِبُطْلَانِ الْإِبْرَاءِ قَوْلُ الْأُمِّ وَتَبِعُوهُ: لَوْ صَالَحَهُ مِنْ أَلْفٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ صُلْحَ إنْكَارٍ ثُمَّ أَبْرَأَهُ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ ظَانًّا صِحَّةَ الصُّلْحِ لَمْ يَصِحَّ الْإِبْرَاءُ عَيَّنَ الْخَمْسَمِائَةِ الَّتِي أَبْرَأَ مِنْهَا أَمْ لَا، وَقَوْلُهُمْ لَوْ أَتَى الْمُكَاتَبُ لِسَيِّدِهِ بِالنُّجُومِ فَأَخَذَهَا مِنْهُ، وَقَالَ: اذْهَبْ فَأَنْت حُرٌّ خَرَجَ الْمَالُ مُسْتَحَقًّا بَانَ عَدَمُ عِتْقِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَتَقَهُ بِظَنِّ سَلَامَةِ الْعِوَضِ، وَقَوْلُهُمْ: لَوْ أَتَى بِالْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فِي بَيْعٍ ظَانًّا صِحَّةَ الشَّرْطِ بَطَلَ أَوْ عَالِمًا فَسَادَهُ صَحَّ، وَلَا يُنَافِيهِ صِحَّةُ الرَّهْنِ بِظَنِّ الْوُجُوبِ لِمَا مَرَّ.
وَلَمَّا ذَكَرَ الْبُلْقِينِيُّ ذَلِكَ قَالَ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَأْتِيَّ بِهِ فِي نَحْوِ ذَلِكَ عَلَى مَا أَعْتَقِدُهُ مُخَالِفًا لِمَا فِي الْبَاطِنِ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ، وَتَزْيِيفُ الْإِمَامِ لِقَوْلِ الْقَاضِي الْمُوَافِقِ لِذَلِكَ مُزَيَّفٌ اهـ.
وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ فِي نَحْوِ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي تَصْدِيقِهِ مِنْ قَرِينَةٍ تَقْتَضِي صِدْقَ مَا ادَّعَاهُ مِنْ الظَّنِّ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ فِي الدُّنْيَا دُونَ الْآخِرَةِ بَرِئَ فِيهِمَا لِأَنَّ أَحْكَامَ الْآخِرَةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الدُّنْيَا، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ مُسَاوَاةُ عَكْسِهِ لَهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ إبْرَاءٌ مُعَلَّقٌ، لَكِنْ مَرَّ صِحَّةُ تَعْلِيقِهِ بِالْمَوْتِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هَذَا مِثْلُهُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ أَصْلِيٌّ وَدَيْنُ ضَمَانٍ عَلَى آخَرَ فَقَالَ أَبْرَأْتُك مِمَّا لِي عَلَيْك بَرِئَ مِنْهُمَا.

(فَصْلٌ) فِي قَسْمِ الضَّمَانِ الثَّانِي وَهُوَ كَفَالَةُ الْبَدَنِ وَفِيهِ خِلَافٌ، وَأَصْلُهُ قَوْلُ إمَامِنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّهَا ضَعِيفَةٌ: أَيْ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ وَ (الْمَذْهَبُ) مِنْهُ (صِحَّةُ كَفَالَةِ الْبَدَنِ) وَهِيَ الْتِزَامُ إحْضَارِ الْمَكْفُولِ أَوْ جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْهُ كَنِصْفِهِ أَوْ مَا لَا يَبْقَى بِدُونِهِ كَرَأْسِهِ أَوْ قَلْبِهِ أَوْ رُوحِهِ حَيْثُ كَانَ الْمُتَكَفِّلُ بِجُزْئِهِ حَيًّا كَمَا فِي الْإِرْشَادِ لِإِطْبَاقِ النَّاسِ عَلَيْهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَعَشَرَةٍ) أَيْ وَإِلَى عَشَرَةٍ اهـ زِيَادِيٌّ (قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ شَرَطَ الْمَرْهُونَ بِهِ إلَخْ لِوُجُودِ مُقْتَضِيهِ، وَالْمُرَادُ بِمُقْتَضِيهِ وُجُودُ الدَّيْنِ
(قَوْلُهُ: فِي نَحْوِ ذَلِكَ عَلَى) أَيْ بِنَاءً عَلَى إلَخْ
(قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ بَرِئَ مِنْهُمَا) أَيْ فَلَوْ قَالَ: أَرَدْت الْإِبْرَاءَ مِنْ دَيْنِ الضَّمَانِ دُونَ الثَّمَنِ مَثَلًا لَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا مَا لَمْ تَدُلَّ قَرِينَةٌ عَلَى ذَلِكَ

(فَصْلٌ) فِي قَسْمِ الضَّمَانِ الثَّانِي، وَهُوَ كَفَالَةُ الْبَدَنِ (قَوْلُهُ: فِي قَسْمِ الضَّمَانِ الثَّانِي) أَيْ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ كَكَوْنِهِ يَغْرَمُ أَوَّلًا (قَوْلُهُ:: وَالْمَذْهَبُ مِنْهُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
وَقَالَ: إنَّهَا لَا مُسْتَنَدَ لَهَا. (قَوْلُهُ: مُخَالِفًا) حَالٌ مِنْ الْمَأْتِيِّ بِهِ. (قَوْلُهُ: عَلَى آخَرَ) خَبَرُ كَانَ.

[فَصْلٌ فِي قَسْمِ الضَّمَانِ الثَّانِي وَهُوَ كَفَالَةُ الْبَدَنِ]
(فَصْلٌ) فِي قِسْمِ الضَّمَانِ الثَّانِي (قَوْلُهُ: أَيْ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ) هَذَا التَّفْسِيرُ لَا مَحَلَّ لَهُ هُنَا؛ لِأَنَّا لَوْ نَظَرْنَا إلَيْهِ لَمْ يَتَأَتَّ خِلَافٌ، وَإِنَّمَا مَنْشَأُ الْخِلَافِ إطْلَاقُ الْعِبَارَةِ الْمَذْكُورَةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ، فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ الضَّعْفَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَمَنَعَ الْكَفَالَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الضَّعْفِ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ فَصَحَّحَهَا وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَمِنْ ثَمَّ أَخَّرَ الشِّهَابُ حَجّ هَذَا التَّفْسِيرَ عَنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْمَذْهَبُ صِحَّةُ كَفَالَةِ الْبَدَنِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ جَوَابٌ مِنْ جِهَةِ الْمَذْهَبِ عَمَّا يُورِدُهُ عَلَيْهِ مُقَابِلُهُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ الْمَذْكُورِ. (قَوْلُهُ: حَيْثُ كَانَ الْمُتَكَفِّلُ بِجُزْئِهِ حَيًّا) هَذَا قَيْدٌ فِي الرُّوحِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَحِينَئِذٍ فَكَانَ اللَّائِقُ أَنْ يَقُولَ حَيْثُ كَانَ

(4/445)


وَمَسِيسِ الْحَاجَةِ لَهَا، وَيُشْتَرَطُ تَعْيِينُهُ فَلَا يَصِحُّ كَفَلْت بَدَنَ أَحَدِ هَذَيْنِ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِالْأَوَّلِ (فَإِنْ كَفَلَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا (بَدَنَ مَنْ عَلَيْهِ مَالٌ) أَوْ عِنْدَهُ مَالٌ وَلَوْ أَمَانَةً (لَمْ يُشْتَرَطْ الْعِلْمُ بِقَدْرِهِ) لِمَا يَأْتِي أَنَّهُ لَا يَغْرَمُهُ

(وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ) أَيْ الْمَالِ الْمَكْفُولِ بِسَبَبِهِ (مِمَّا يَصِحُّ ضَمَانُهُ) فَلَا يَصِحُّ بِبَدَنِ مُكَاتَبٍ بِالنُّجُومِ وَلَا بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ عَلَى مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، لَكِنْ خَالَفَهُ الْأَذْرَعِيُّ فَبَحَثَ صِحَّتَهَا إذَا صَحَّ ضَمَانُهَا فِي الذِّمَّةِ (وَالْمَذْهَبُ) (صِحَّتُهَا بِبَدَنِ) كُلِّ مَنْ اسْتَحَقَّ حُضُورُهُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ عِنْدَ الِاسْتِعْدَاءِ عَلَيْهِ لِحَقِّ آدَمِيٍّ كَأَجِيرٍ وَكَفِيلٍ وَقِنٍّ آبِقٍ لِمَوْلَاهُ وَامْرَأَةٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ الْخِلَافُ (قَوْلُهُ: وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) لَمْ يُصَرِّحْ فِيمَا سَبَقَ بِبَيَانِ الثَّانِي لَكِنَّهُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا وَفِيهِ خِلَافٌ وَالْمَذْهَبُ مِنْهُ صِحَّةُ إلَخْ، وَعِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ بَعْدَ تَقْرِيرِ كَلَامِ الْمَتْنِ: وَفِي قَوْلٍ لَا تَصِحُّ وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالْأَوَّلِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ (قَوْلُهُ: الْقَطْعُ بِالْأَوَّلِ) أَيْ وَإِذَا قُلْنَا بِالصِّحَّةِ فَإِنْ كَفَلَ إلَخْ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْمَحَلِّيُّ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: صِحَّةُ كَفَالَةِ الْبَدَنِ فِي الْجُمْلَةِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي أَصْلِ الْكَفَالَةِ خِلَافًا، فَفِي قَوْلٍ: هِيَ بَاطِلَةٌ مُطْلَقًا وَالرَّاجِحُ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ كَفَلَ إلَخْ
(قَوْلُهُ: فَإِنْ كَفَلَ) قَضِيَّةُ مَا فِي الْمُخْتَارِ أَنَّهُ إنَّمَا يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ إذَا كَانَ بِمَعْنًى عَالَ، وَأَنَّهُ إذَا كَانَ بِمَعْنَى ضَمِنَ تَعَدَّى بِالْبَاءِ وَعِبَارَتُهُ: وَالْكَفِيلُ الضَّامِنُ.
وَقَدْ كَفَلَ بِهِ يَكْفُلُ بِالضَّمِّ كَفَالَةً، وَكَفَلَ عَنْهُ بِالْمَالِ لِغَرِيمِهِ وَأَكْفَلَهُ بِالْمَالِ لِغَرِيمِهِ، وَأَكْفَلَهُ الْمَالَ ضَمَّنَهُ إيَّاهُ وَكَفَلَهُ إيَّاهُ بِالتَّخْفِيفِ، فَكَفَلَ هُوَ مِنْ بَابِ نَصَرَ وَدَخَلَ وَكَفَّلَهُ إيَّاهُ تَكْفِيلًا مِثْلُهُ، وَتَكَفَّلَ بِدَيْنِهِ وَالْكَافِلُ الَّذِي يَكْفُلُ إنْسَانًا يَعُولُهُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران: 37] اهـ.
ثُمَّ رَأَيْت فِي حَجّ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ كَفَلَ بَدَنَ مَا نَصُّهُ: عَدَّاهُ كَغَيْرِهِ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى ضَمِنَ، لَكِنْ قِيلَ: إنَّ أَئِمَّةَ اللُّغَةِ لَمْ يَسْتَعْمِلُوهُ إلَّا مُتَعَدِّيًا بِالْبَاءِ اهـ.
وَلَعَلَّهُ لِكَوْنِهِ الْأَفْصَحَ، أَمَّا كَفَلَ بِمَعْنَى عَالَ كَمَا فِي الْآيَةِ فَمُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ دَائِمًا: أَيْ وَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ الْغَامِدِيَّةِ الْآتِي الْبَاءُ فِيهِ زَائِدَةٌ تَأْكِيدًا اهـ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَمَانَةً) قَدْ يُخَالِفُ هَذَا مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مِمَّا يَصِحُّ ضَمَانُهُ؛ إذْ الْأَمَانَةُ لَا يَصِحُّ ضَمَانُهَا، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ فِيمَا يَأْتِي لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى مَا ذَكَرَ بَلْ ذَكَرَ بَعْدَهُ صِحَّةَ كَفَالَةِ مَنْ عَلَيْهِ عُقُوبَةٌ لِآدَمِيٍّ وَأُلْحِقَ بِهَا مَنْ عَلَيْهِ حَقُّ الْآدَمِيِّ يَسْتَحِقُّ بِسَبَبِهِ حُضُورَهُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ إذَا طُلِبَ لَهُ، وَمِنْهُ الْوَدِيعُ وَالْأَجِيرُ وَنَحْوُهُمَا فَإِنَّهُمْ إذَا طُلِبُوا وَجَبَ عَلَيْهِمْ الْحُضُورُ لَكِنْ قَدْ يُتَوَقَّفُ فِي الْوَدِيعِ فَإِنَّ اللَّازِمَ لَهُ التَّخْلِيَةُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحُضُورُ لِمَجْلِسِ الْحُكْمِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: قَدْ يَطْرَأُ عَلَيْهِ مَا يُوجِبُ حُضُورَهُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ كَمَا لَوْ ادَّعَى ضَيَاعَ الْعَيْنِ فَطَلَبَ مَالِكُهَا حُضُورَهُ
(قَوْلُهُ: إنَّهُ لَا يَغْرَمُهُ) أَيْ لَا يُطَالَبُ بِالْغُرْمِ فَلَا يُنَافِي مَا سَيَأْتِي لِلشَّارِحِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ يُحْبَسُ مَا لَمْ يُؤَدِّ الْمَالَ؛ لِأَنَّ التَّأْدِيَةَ تَبَرُّعٌ مِنْهُ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ حَضَرَ الْمَكْفُولُ أَوْ تَعَذَّرَ حُضُورُهُ اسْتَرَدَّ مَا غَرِمَهُ

(قَوْلُهُ: أَيْ الْمَالُ) أَيْ الَّذِي عَلَيْهِ بِصِفَةِ كَوْنِهِ دَيْنًا أَوْ عِنْدَهُ وَهُوَ عَيْنٌ (قَوْلُهُ: بِالنُّجُومِ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُ بَدَنِهِ بِدُيُونِ الْمُعَامَلَةِ الَّتِي لِلسَّيِّدِ عَلَى الْعَبْدِ الْمُكَاتَبِ، وَفِيهِ أَنَّ قِيَاسَ مَا قَدَّمْنَا عَنْ حَجّ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَكَوْنُهُ لَازِمًا عَدَمُ صِحَّةِ بَدَنِهِ (قَوْلُهُ: فَبَحَثَ صِحَّتَهَا) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: فِي الذِّمَّةِ) تَقْيِيدُهُ بِالذِّمَّةِ قَدْ يَخْرُجُ مَا لَوْ كَانَ النِّصَابُ بَاقِيًا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَيْنِ، وَقَدْ مَرَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ صِحَّةُ ضَمَانِهَا فَالْقِيَاسُ صِحَّةُ ضَمَانِ مَنْ هِيَ لَازِمَةٌ لَهُ
(قَوْلُهُ: وَقِنٍّ آبِقٍ) وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ الْآبِقُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
الْمُتَكَفِّلُ بِرُوحِهِ. (قَوْلُهُ: وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِالْأَوَّلِ) ذَكَرَ الشَّارِحُ الْجَلَالُ قَبْلَ هَذَا قَوْلًا بِعَدَمِ الصِّحَّةِ، فَمَا فِي الْمَتْنِ هُوَ أَحَدُ وَجْهَيْ الطَّرِيقَةِ الْحَاكِيَةِ، لَكِنَّ عِبَارَةَ الْجَلَالِ وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالْأَوَّلِ فَكَأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ هَذَا الْقَطْعُ مَشْهُورًا لَمْ يُحْمَلْ الْمَتْنُ عَلَيْهِ

. (قَوْلُهُ: أَيْ الْمَالِ الْمَكْفُولِ بِسَبَبِهِ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: أَيْ مَا عَلَى الْمَكْفُولِ انْتَهَتْ.
فَأَخْرَجَ بِذَلِكَ مَا عِنْدَهُ مِنْ الْعَيْنِ فَتَلَخَّصَ أَنَّهُ إنْ كَفَلَهُ بِسَبَبِ عَيْنٍ عِنْدَهُ صَحَّ وَإِنْ كَانَتْ أَمَانَةً، وَإِنْ كَفَلَهُ بِسَبَبِ دَيْنٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَصِحُّ ضَمَانُهُ. (قَوْلُهُ: كَأَجِيرٍ وَكَفِيلٍ وَقِنٍّ إلَخْ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْأَجِيرَ وَالْقِنَّ مِمَّنْ اُسْتُحِقَّ حُضُورُهُ مَجْلِسَ

(4/446)


لِمَنْ يَدَّعِي نِكَاحَهَا لِيُثْبِتَهُ أَوْ لِمَنْ ثَبَتَ نِكَاحُهَا لِيُسَلِّمَهَا لَهُ، وَكَذَا عَكْسُهُ كَمَا لَا يَخْفَى، وَ (مَنْ عَلَيْهِ عُقُوبَةُ آدَمِيٍّ كَقِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ) وَتَعْذِيرٍ؛ لِأَنَّهُ لِحَقٍّ لَازِمٍ فَأَشْبَهَ الْمَالَ مَعَ أَنَّ الْأَوَّلَ يَدْخُلُهُ الْمَالُ وَلِذَا مَثَّلَ بِالْمِثَالَيْنِ، وَفِي قَوْلٍ: لَا تَصِحُّ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الدَّرْءِ فَتُقْطَعُ الذَّرَائِعُ الْمُؤَدِّيَةُ إلَى تَوْسِيعِهَا (وَمَنَعَهَا فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى) وَتَعَازِيرِهِ كَحَدِّ خَمْرٍ وَزِنًا وَسَرِقَةٍ؛ لِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِسَتْرِهَا وَالسَّعْيِ فِي إسْقَاطِهَا مَا أَمْكَنَ، وَمَعْنَى تَكَفَّلَ الْأَنْصَارِيُّ بِالْغَامِدِيَّةِ بَعْدَ ثُبُوتِ زِنَاهَا إلَى أَنْ تَلِدَ: أَنَّهُ قَامَ بِمُؤَنِهَا وَمَصَالِحِهَا عَلَى حَدِّ {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران: 37] فَلَا يُشْكِلُ بِمَا ذُكِرَ هُنَا مَعَ وُجُوبِ الِاسْتِيفَاءِ فَوْرًا.
وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا إذَا تَحَتَّمَ اسْتِيفَاءُ الْعُقُوبَةِ وَهُوَ مَا اقْتَضَاهُ تَعْلِيلُهُمْ وَاعْتَمَدَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ.
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي قَوْلَانِ ثَانِيهِمَا الصِّحَّةُ كَحُدُودِ الْآدَمِيِّينَ (وَتَصِحُّ بِبَدَنِ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ) لِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَحِقُّ إحْضَارَهُمَا لِيَشْهَدَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ اسْمَهُمَا وَنَسَبَهُمَا عَلَيْهِمَا بِنَحْوِ إتْلَافٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ إذْنِ وَلِيِّهِمَا فَيُطَالَبُ بِإِحْضَارِهِمَا عِنْدَ الْحَاجَةِ مَا بَقِيَ حَجْرُهُ عَلَيْهِمَا.
أَمَّا السَّفِيهُ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ اعْتِبَارُ إذْنِهِ، وَمُطَالَبَتُهُ دُونَ وَلِيِّهِ لِصِحَّةِ إذْنِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَدَنِ، وَاسْتَظْهَرَ الْأَذْرَعِيُّ اعْتِبَارَ إذْنِ وَلِيِّهِ دُونَهُ، قَالَ: وَمِثْلُهُ الْقِنُّ فَيُعْتَبَرُ إذْنُهُ لَا إذْنُ سَيِّدِهِ انْتَهَى.
وَإِنَّمَا يَظْهَرُ فِيمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
فِي ذَلِكَ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُ، لَكِنْ قَيَّدَهُ سم عَلَى حَجّ بِمَا لَوْ أَذِنَ، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مَا يَشْمَلُهُ فِي قَوْلِهِ وَمِثْلُهُ الْقِنُّ فَيُعْتَبَرُ إذْنُهُ
(قَوْلُهُ: وَكَذَا عَكْسُهُ) وَهُوَ كَفَالَةُ الزَّوْجِ لِامْرَأَةٍ ادَّعَتْ نِكَاحَهُ لِتُثْبِتَهُ أَوْ تَطْلُبَ النَّفَقَةَ وَالْمَهْرَ إنْ كَانَ نِكَاحُهُ ثَابِتًا (قَوْلُهُ: وَمَنْ عَلَيْهِ) عَطْفٌ عَلَى كَأَجِيرٍ (قَوْلُهُ: يَدْخُلُهُ الْمَالُ) أَيْ حَيْثُ عَفَا عَنْهُ وَلِيُّهُ
(قَوْلُهُ: فَتُقْطَعُ) أَيْ تُدْفَعُ (قَوْلُهُ: الذَّرَائِعُ) أَيْ الْوَسَائِلُ
(قَوْلُهُ: إلَى تَوْسِيعِهَا) أَيْ إلَى تَوْسِيعِ الطُّرُقِ الْمُؤَدِّيَةِ لِاسْتِيفَائِهَا
(قَوْلُهُ: وَمَنْعِهَا) أَيْ وَإِنْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْ الْمَكْفُولِ وَظَهَرَ عَلَيْهِ التَّسَاهُلُ عَلَى الْإِقْدَامِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَعَدَمِ الْمُبَالَاةِ
(قَوْلُهُ: إذَا تَحَتَّمَ اسْتِيفَاءُ الْعُقُوبَةِ) كَقَاطِعِ الطَّرِيقِ
(قَوْلُهُ: وَمَجْنُونٍ) أَيْ سَوَاءٌ أَطْبَقَ جُنُونُهُ أَوْ تَقَطَّعَ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ أَذِنَ فِي زَمَنِ الْإِفَاقَةِ ثُمَّ جُنَّ هَلْ يَبْطُلُ إذْنُهُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي لِأَنَّهُ حَيْثُ أَذِنَ.
وَهُوَ صَحِيحُ الْعِبَارَةِ اعْتَدَّ بِهِ مِنْهُ بِنَاءً عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ فِي حَيَاتِهِ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى إذْنٍ مِنْ الْوَرَثَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ بِالْأَوَّلِ فَيُعْتَبَرُ إذْنُ الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إحْضَارُهُ إلَّا إذَا أَذِنَ، وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ
(قَوْلُهُ: مَا بَقِيَ حَجْرُهُ) شَمِلَ قَوْلُهُ مَا بَقِيَ حَجْرُهُ مَا لَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ غَيْرَ رَشِيدٍ.
وَقَضِيَّةُ مَا يَأْتِي فِي السَّفِيهِ أَنَّ الطَّلَبَ مُتَعَلِّقٌ بِهِ دُونَ الْوَلِيِّ، وَقَدْ يُقَالُ لِمَا سَبَقَ إذْنُ الْوَلِيِّ اُسْتُصْحِبَ.
وَعَلَيْهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْكَفَالَةِ بِبَدَنِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ سَفِيهًا وَبَيْنَ الْكَفَالَةِ بِهِ قَبْلَ بُلُوغِهِ إذَا بَلَغَ كَذَلِكَ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مَا بَقِيَ حَجْرُهُ مَا لَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ رَشِيدًا وَأَفَاقَ الْمَجْنُونُ فَيَتَوَجَّهُ الطَّلَبُ عَلَيْهِمَا وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ مِنْهُمَا إذْنٌ اكْتِفَاءً بِإِذْنِ وَلِيِّهِمَا
(قَوْلُهُ: أَمَّا السَّفِيهُ) قَسِيمُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ: أَيْ سَوَاءٌ بَلَغَ غَيْرَ مُصْلِحٍ لِدِينِهِ وَمَالِهِ وَاسْتَمَرَّ الْحَجْرُ عَلَيْهِ أَوْ بَلَغَ مُصْلِحًا لَهُمَا ثُمَّ فَسَقَ وَبَذَّرَ حُجِرَ عَلَيْهِ أَوَّلًا
(قَوْلُهُ: فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: إذْنِ وَلِيِّهِ) أَيْ السَّفِيهِ
(قَوْلُهُ: دُونَهُ) وَحَيْثُ قُلْنَا إنَّ السَّفِيهَ لَا تَصِحُّ كَفَالَتُهُ إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهِ فَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا تَرَتَّبَ عَلَى كَفَالَتِهِ فَوَاتُ مَالٍ أَوْ اكْتِسَابٌ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ
(قَوْلُهُ: قَالَ وَمِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ السَّفِيهِ بِنَاءً عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ لَا عَلَى مَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِيهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
الْحُكْمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ: بِمَنْ لَزِمَهُ إجَابَةٌ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ أَوْ اسْتَحَقَّ إحْضَارَهُ، إلَى أَنْ قَالَ: وَبِبَدَنِ آبِقٍ وَأَجِيرٍ فَجَعَلَهُمَا مَعْطُوفَيْنِ عَلَى الضَّابِطِ. (قَوْلُهُ: فَلَا يُشْكِلُ بِمَا ذُكِرَ هُنَا) أَيْ مِنْ مَنْعِ الْكَفَالَةِ فِي حُدُودِهِ تَعَالَى، وَقَوْلُهُ: مَعَ وُجُوبِ إلَخْ إشَارَةٌ إلَى دَفْعِ إشْكَالٍ ثَانٍ يَرِدُ عَلَى قِصَّةِ الْغَامِدِيَّةِ وَهُوَ أَنَّ الْحَدَّ يَجِبُ فِيهِ الْفَوْرُ فَلِمَ أَخَّرَ حَدَّهَا؟ وَالْحَاصِلُ أَنَّ قِصَّةَ الْغَامِدِيَّةِ مُشْكِلَةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ الْقِنُّ) فِيهِ أَمْرَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْأَذْرَعِيِّ فَإِسْنَادُهُ إلَيْهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ. الثَّانِي: أَنَّهُ جَعَلَ ضِدَّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ مَعَ أَنَّ إلْحَاقَ الْقِنِّ بِالسَّفِيهِ بَحْثٌ لِغَيْرِ

(4/447)


لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى السَّيِّدِ كَإِتْلَافِهِ الثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ (وَمَحْبُوسٍ) بِإِذْنِهِ لِتَوَقُّعِ خَلَاصِهِ كَمَا يَصِحُّ ضَمَانُ مُعْسِرِ الْمَالِ (وَغَائِبٍ) لِذَلِكَ وَلَوْ فَوْقَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَإِنْ جُهِلَ مَكَانُهُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْأَنْوَارِ فَيَلْزَمُهُ الْحُضُورُ مَعَهُ حَيْثُ عَرَفَ مَكَانَهُ لِإِذْنِهِ السَّابِقِ الْمُقْتَضِي لِذَلِكَ فَهُوَ الْمُوَرِّطُ لِنَفْسِهِ، وَمُخَالَفَةُ الْإِمَامِ فِيهِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَرْجُوحٍ (وَمَيِّتٍ لِيَحْضُرَهُ فَيُشْهَدَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَالِثِهِ (عَلَى صُورَتِهِ) لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ؛ إذْ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ، وَمَحَلُّهُ قَبْلَ دَفْنِهِ لَا بَعْدَهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَمَعَ عَدَمِ النَّقْلِ الْمُحَرَّمِ وَأَنْ لَا يَتَغَيَّرَ فِي مُدَّةِ الْإِحْضَارِ وَإِذْنُ الْوَلِيِّ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ لَغْوٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْتَرَطُ إذْنُ الْوَارِثِ كَمَا بَحَثَهُ فِي الْمَطْلَبِ: أَيْ إنْ تَأَهَّلَ وَإِلَّا فَوَلِيُّهُ كَنَاظِرِ بَيْتِ الْمَالِ، وَوَافَقَهُ الْإِسْنَوِيُّ، ثُمَّ بَحَثَ اشْتِرَاطَ إذْنِ كُلِّ الْوَرَثَةِ وَتَعَقَّبَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّ كَثِيرِينَ صَوَّرُوا مَسْأَلَةَ الْمَتْنِ بِمَا لَوْ كَفَلَهُ بِإِذْنِهِ فِي حَيَاتِهِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَأْذَنْ.
وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ عِنْدَ مَوْتِهِ اُعْتُبِرَ إذْنُ الْوَلِيِّ مِنْ وَرَثَتِهِ فَقَطْ وَإِلَّا فَكُلُّهُمْ، فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ قَامَ وَلِيُّهُ مَقَامَهُ.
أَمَّا مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ كَذِمِّيٍّ مَاتَ وَلَمْ يَأْذَنْ فَالْأَوْجَهُ عَدَمُ صِحَّةِ كَفَالَتِهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَمَحْبُوسٌ) أَيْ سَوَاءٌ حُبِسَ بِحَقٍّ أَمْ لَا خِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ الْحَقِّ حَيْثُ قَيَّدَ بِالْأَوَّلِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الشَّارِحِ لِتَوَقُّعِ خَلَاصِهِ إلَخْ
(قَوْلُهُ: وَغَائِبٌ لِذَلِكَ) أَيْ لِتَوَقُّعِ خَلَاصِهِ: أَيْ مِنْ الْغَيْبَةِ بِأَنْ يَحْضُرَ
(قَوْلُهُ: وَإِنْ جُهِلَ مَكَانُهُ) خِلَافًا لحج، وَقَدْ يُوَجَّهُ بِأَنَّ فَائِدَةَ الْكَفَالَةِ إحْضَارُ الْمَكْفُولِ وَلَا يَتَأَتَّى إلَّا إذَا عُرِفَ مَكَانُهُ، وَيُرَدُّ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْجَهْلِ بِمَكَانِهِ وَقْتَ الْكَفَالَةِ اسْتِمْرَارُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَيَلْزَمُهُ الْحُضُورُ مَعَهُ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بِبَلَدٍ بِهَا حَاكِمٌ حَالَ الْكَفَالَةِ أَوْ بَعْدَهَا طَلَبَ إحْضَارَهُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَقِّ أَوْ قَبْلَهُ لِلْمُخَاصَمَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: وَمُخَالَفَةُ الْإِمَامِ فِيهِ) أَيْ فِي صِحَّةِ كَفَالَةِ مَنْ فَوْقَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ (قَوْلُهُ: وَمَيِّتٌ) : أَيْ وَلَوْ كَانَ عَالِمًا وَوَلِيًّا وَنَبِيًّا، وَلَا نَظَرَ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْمَشَقَّةِ فِي حُضُورِهِمْ فِي جَانِبِ الْخُرُوجِ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ
(قَوْلُهُ: وَمَحَلُّهُ) أَيْ مَحَلُّ صِحَّةِ كَفَالَةِ الْمَيِّتِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ الْمَحَلِّيِّ حَيْثُ قَالَ عَقِبَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَمَيِّتٌ قَبْلَ دَفْنِهِ (قَوْلُهُ: قَبْلَ دَفْنِهِ) الْمُرَادُ بِالدَّفْنِ وَضْعُهُ فِي الْقَبْرِ، وَإِنْ لَمْ يُهَلْ عَلَيْهِ التُّرَابُ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ الْوَضْعِ إدْلَاؤُهُ فِي الْقَبْرِ.
ثُمَّ رَأَيْت فِي سم عَلَى حَجّ فِي الْعَارِيَّةِ وَعِبَارَتُهُ: بَلْ يُتَّجَهُ امْتِنَاعُ الرُّجُوعِ: أَيْ فِي الْعَارِيَّةِ بِمُجَرَّدِ إدْلَائِهِ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى أَرْضِ الْقَبْرِ لِأَنَّ فِي عَوْدِهِ مِنْ هَوَاءِ الْقَبْرِ بَعْدَ إدْلَائِهِ إزْرَاءً بِهِ فَتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: كَمَا بَحَثَهُ) أَيْ ابْنُ الرِّفْعَةِ
(قَوْلُهُ: إنْ تَأَهَّلَ) أَيْ بِأَنْ كَانَ رَشِيدًا، أَمَّا غَيْرُهُ وَلَوْ سَفِيهًا فَيُعْتَبَرُ إذْنُ وَلِيِّهِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ، وَعَلَيْهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْكَفَالَةِ بِبَدَنِ السَّفِيهِ حَيْثُ يُعْتَبَرُ إذْنُهُ دُونَ وَلِيِّهِ وَبَيْنَ كَفَالَةِ مُوَرِّثِهِ بِأَنَّ الْحَقَّ فِي كَفَالَةِ الْمُوَرِّثِ مُتَعَلِّقٌ بِغَيْرِ السَّفِيهِ وَقَدْ تَكُونُ الْمَصْلَحَةُ فِي عَدَمِ إحْضَارِهِ وَهُوَ لَا يَعْرِفُهَا
(قَوْلُهُ: ثُمَّ بَحَثَ اشْتِرَاطَ إذْنِ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: كُلِّ الْوَرَثَةِ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَأْذَنْ فِي حَيَاتِهِ لِمَا يَأْتِي مِنْ الْحَمْلِ
(قَوْلُهُ: مِنْ وَرَثَتِهِ) التَّقْيِيدُ بِهِ يَقْتَضِي تَخْصِيصَ الْوَلِيِّ بِالْأَبِ وَالْجَدِّ دُونَ الْوَصِيِّ وَالْقَيِّمِ إنْ كَانَا غَيْرَ وَارِثَيْنِ.
وَعِبَارَةُ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ: وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ وَلِيٌّ قَبْلَ مَوْتِهِ اُعْتُبِرَ إذْنُهُ فَقَطْ لَا إذْنُ الْوَرَثَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ قَبْلَ مَوْتِهِ اُعْتُبِرَ إذْنُ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ إنْ كَانُوا أَهْلًا لِلْإِذْنِ، وَإِلَّا فَإِذْنُ أَوْلِيَائِهِمْ، وَهِيَ تُفِيدُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْوَلِيِّ بَيْنَ الْوَصِيِّ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ قَامَ وَلِيُّهُ) وَمَحَلُّ الِاعْتِدَادِ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ حَيْثُ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى إحْضَارِهِ نَقْلٌ مُحْتَرَمٌ وَلَا خِيفَ تَغَيُّرُهُ كَمَا سَبَقَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
الْأَذْرَعِيِّ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَبَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ اشْتِرَاطَ إذْنِ وَلِيِّ السَّفِيهِ، وَلَهُ احْتِمَالٌ بِخِلَافِهِ وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ رَأَيْتُ غَيْرَهُ: أَيْ غَيْرَ الْأَذْرَعِيِّ قَالَ: وَمِثْلُهُ الْقِنُّ إلَخْ.
وَعِبَارَةُ الْأَذْرَعِيِّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي كَفَالَةِ بَدَنِ السَّفِيهِ إذْنُ وَلِيِّهِ لَا إذْنُهُ وَيُحْتَمَلُ غَيْرُهُ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: كَنَاظِرِ بَيْتِ الْمَالِ) أَيْ فِيمَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ خَاصٌّ
.

(4/448)


(ثُمَّ إنْ) (عَيَّنَ مَكَانَ التَّسْلِيمِ) فِي الْكَفَالَةِ (تَعَيَّنَ) إنْ كَانَ صَالِحًا كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ صَالِحًا أَوْ كَانَ لَهُ مُؤْنَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ، وَلَوْ خَرَجَ عَنْ الصَّلَاحِيَّةِ بَعْدَهُ تَعَيَّنَ أَقْرَبُ مَحَلٍّ إلَيْهِ قِيَاسًا عَلَى السَّلَمِ، وَإِنْ فَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَهُمَا لِإِمْكَانِ رَدِّهِ بِأَنَّ الْمَدَارَ فِي الْبَابَيْنِ عَلَى الْعُرْفِ وَهُوَ قَاضٍ بِذَلِكَ فِيهِمَا.
وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَأْذَنَ فِيهِ الْمَكْفُولُ بِبَدَنِهِ فِيمَا يَظْهَرُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فَسَدَتْ، وَلَا يُغْنِي عَنْ ذَلِكَ مُطْلَقُ الْإِذْنِ فِي الْكَفَالَةِ وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ ثَمَّ مُؤْنَةٌ أَمْ لَا (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُعَيِّنْ مَكَانًا (فَمَكَانُهَا) إنْ صَلَحَ

(وَيَبْرَأُ الْكَفِيلُ بِتَسْلِيمِهِ) أَوْ تَسْلِيمِ وَكِيلِهِ (فِي مَكَانِ التَّسْلِيمِ) الْمُتَعَيَّنِ بِمَا ذُكِرَ وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْهُ بِهِ (بِلَا حَائِلٍ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَكْفُولِ لَهُ لِإِتْيَانِهِ بِمَا لَزِمَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا سَلَّمَهُ لَهُ بِحَضْرَةِ مَانِعٍ (كَمُتَغَلِّبٍ) يَمْنَعُهُ مِنْهُ فَلَا يَبْرَأُ لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ.
نَعَمْ لَوْ قِيلَ مُخْتَارًا بَرِئَ وَخَرَجَ بِمَكَانِ التَّسْلِيمِ غَيْرُهُ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ فِيهِ حَيْثُ امْتَنَعَ لِغَرَضٍ بِأَنْ كَانَ لِمَحَلِّ التَّسْلِيمِ بَيِّنَةٌ أَوْ مَنْ يُعِينُهُ عَلَى خَلَاصِهِ، وَإِلَّا أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى قَبُولِهِ فَإِنْ صَمَّمَ تَسَلَّمَهُ عَنْهُ، فَإِنْ فُقِدَ الْحَاكِمُ أَشْهَدَ أَنَّهُ سَلَّمَهُ لَهُ وَبَرِئَ، وَيُجْرَى هَذَا التَّفْصِيلُ فِيمَا لَوْ أَحْضَرَهُ قَبْلَ زَمَنِهِ الْمُعَيَّنِ، وَيَبْرَأُ بِتَسْلِيمِهِ لَهُ مَحْبُوسًا بِحَقٍّ أَيْضًا لِإِمْكَانِ إحْضَارِهِ وَمُطَالَبَتِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ (حُبِسَ بِغَيْرِ حَقِّ) لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِهِ، وَلَوْ ضَمِنَ لَهُ إحْضَارَهُ كُلَّمَا طَلَبَهُ الْمَكْفُولُ لَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ غَيْرُ مَرَّةٍ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا بَعْدَهَا مُعَلَّقٌ لِلضَّمَانِ عَلَى طَلَبِ الْمَكْفُولِ لَهُ وَتَعْلِيقُ الضَّمَانِ يُبْطِلُهُ، قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ بِأَنَّ مُقْتَضَى اللَّفْظِ تَعْلِيقُ أَصْلِ الضَّمَانِ عَنْ الطَّلَبِ، وَتَعْلِيقُهُ مُبْطِلٌ لَهُ مِنْ أَصْلِهِ (وَبِأَنْ) (يَحْضُرَ الْمَكْفُولُ) الْبَالِغُ الْعَاقِلُ مَحَلَّ التَّسْلِيمِ، وَلَا حَائِلَ (وَيَقُولُ) لِلْمَكْفُولِ لَهُ (سَلَّمْت نَفْسِي عَنْ جِهَةِ الْكَفِيلِ) وَلَوْ فِي غَيْرِ زَمَنِ التَّسْلِيمِ، وَمَحَلُّهُ حَيْثُ لَا غَرَضَ فِي الِامْتِنَاعِ فَيَشْهَدُ أَنَّهُ سَلَّمَ نَفْسَهُ عَنْ كَفَالَةِ فُلَانٍ وَيَبْرَأُ الْكَفِيلُ، كَذَا أَطْلَقَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَالْأَوْجَهُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ قَبْلَهُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي إشْهَادُهُ إلَّا إنْ فُقِدَ الْحَاكِمُ.
أَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لِصِبًا أَوْ جُنُونٍ فَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِهِ إلَّا إنْ رَضِيَ بِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَكَانِ
(قَوْلُهُ: وَلَا يُغْنِي عَنْ ذَلِكَ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ) أَيْ بِأَنْ يُقَالَ حَيْثُ أَذِنَ فِي ذَلِكَ لَا تَتَفَاوَتُ الْأَمَاكِنُ فِيهِ، وَيُرَدُّ بَيْنَ الْأَمَاكِنِ قَدْ تَخْتَلِفُ بِالنِّسْبَةِ لَهُ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ غَرَضٌ فِيمَا أَذِنَ فِيهِ بِخُصُوصِهِ كَمَعْرِفَةِ أَهْلِهِ لَهُ مَثَلًا
(قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ أَكَانَ ثَمَّ مُؤْنَةٌ) أَيْ فِي حُضُورِ الْمَكْفُولِ (قَوْلُهُ: فَمَكَانُهَا) وَالْمُرَادُ بِهِ قِيَاسًا عَلَى مَا فِي السَّلَمِ تِلْكَ الْمَحَلَّةُ لَا ذَلِكَ الْمَحِلُّ بِعَيْنِهِ

(قَوْلُهُ: أَوْ تَسْلِيمِ وَكِيلِهِ) أَيْ وَكِيلِ الْكَفِيلِ.
وَعِبَارَةُ حَجّ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِتَسْلِيمِهِ: أَيْ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ إلَى الْمَكْفُولِ وَهِيَ صَرِيحَةٌ فِيمَا قُلْنَاهُ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي إحْضَارُ وَكِيلِ الْمَكْفُولِ بِبَدَنِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ لَمْ يَتَسَلَّمْهُ الْمَكْفُولُ لَهُ
(قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ قَبِلَ) أَيْ الْمَكْفُولُ لَهُ
(قَوْلُهُ: تَسَلَّمَهُ) أَيْ الْحَاكِمُ
(قَوْلُهُ: فَإِنْ فَقَدَ) أَيْ الْكَفِيلُ الْحَاكِمَ أَيْ بِغَيْبَتِهِ عَنْ الْبَلَدِ إلَى مَا فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى أَوْ مَشَقَّةِ الْوُصُولِ إلَيْهِ لِتَحَجُّبِهِ أَوْ طَلَبِ دَرَاهِمَ، وَإِنْ قَلَّتْ (قَوْلُهُ: وَيَبْرَأُ بِتَسْلِيمِهِ) الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّ الْكَفِيلَ إذَا سَلَّمَ الْمَكْفُولَ لِلْمَكْفُولِ لَهُ، وَهُوَ مَحْبُوسٌ بَرِئَ إنْ كَانَ الْحَبْسُ بِحَقٍّ كَأَنْ كَانَ عَلَى دَيْنٍ لِمَا عَلَّلَ بِهِ الشَّارِحُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَكْفُولُ تَحْتَ يَدِ مُتَغَلِّبٍ فَلَا يَبْرَأُ لِمَا عَلَّلَ بِهِ أَيْضًا
(قَوْلُهُ: وَتَعْلِيقُهُ مُبْطِلٌ) أَيْ فَلَا يَلْزَمُهُ إحْضَارُهُ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: الْبَالِغُ الْعَاقِلُ) أَيْ وَلَوْ سَفِيهًا (قَوْلُهُ: فَيَشْهَدُ) أَيْ الْمَكْفُولُ
(قَوْلُهُ: فَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِهِ) وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّهُ مَا لَمْ يَحْضُرْ وَيَقُولُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: إنْ كَانَ صَالِحًا) اُنْظُرْ لَوْ كَانَ غَيْرَ صَالِحٍ هَلْ تَبْطُلُ الْكَفَالَةُ أَوْ تَصِحُّ وَيُحْمَلُ عَلَى أَقْرَبِ مَحَلٍّ إلَيْهِ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْمُتَبَادَرُ الْأَوَّلُ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ صَالِحًا، أَوْ كَانَ لَهُ مُؤْنَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ إلَى قَوْلِهِ وَهُوَ قَاضٍ بِذَلِكَ فِيهِمَا) لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ وَضْعِهِ وَإِنَّمَا مَوْضِعُهُ عَقِبَ قَوْلِهِ إنْ صَلُحَ الْآتِي عَقِبَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَمَكَانُهَا

. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ بِتَسْلِيمِهِ) يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ فِيهِ لِلْكَافِرِ فَالْمَصْدَرُ مُضَافٌ إلَى فَاعِلِهِ، وَأَنْ يَكُونَ لِلْمَكْفُولِ لَهُ فَهُوَ مُضَافٌ

(4/449)


الْمَكْفُولُ لَهُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَتَسْلِيمُ وَلِيِّ الْمَكْفُولِ كَتَسْلِيمِهِ (وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ حُضُورِهِ) مِنْ غَيْرِ قَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ لِانْتِفَاءِ تَسْلِيمِهِ أَوْ أَحَدٍ مِنْ جِهَتِهِ إلَيْهِ حَتَّى لَوْ ظَفِرَ بِهِ الْمَكْفُولُ لَهُ، وَلَوْ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ وَادَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يَبْرَأْ الْكَفِيلُ،

وَلَوْ سَلَّمَهُ إلَيْهِ أَجْنَبِيٌّ عَنْ جِهَةِ الْكَفِيلِ بِإِذْنِهِ بَرِئَ، وَإِلَّا فَلَا إنْ لَمْ يَقْبَلْ، فَإِنْ قَبِلَ وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ بَرِئَ الْكَفِيلُ

وَلَوْ تَكَفَّلَ بِهِ اثْنَانِ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا فَسَلَّمَهُ أَحَدُهُمَا لَمْ يَبْرَأْ الْآخَرُ، وَإِنْ قَالَ سَلَّمْته عَنْ صَاحِبِي

وَلَوْ كَفَلَ وَاحِدٌ لِاثْنَيْنِ فَسَلَّمَ إلَى أَحَدِهِمَا لَمْ يَبْرَأْ مِنْ حَقِّ الْآخَرِ، فَإِنْ تَكَافَلَا بَرِئَ مَحْضَرُهُ مِنْ الْكَفَالَتَيْنِ، وَالْآخَرُ مِنْ الْأُخْرَى فَقَطْ، وَإِنْ قَالَ الْمَكْفُولُ لَهُ أَبْرَأْتُك مِنْ حَقِّي بَرِئَ أَوَّلًا حَقٌّ لِي عَلَى الْأَصِيلِ أَوْ قَبْلَهُ فَوَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا بَرَاءَةُ الْأَصِيلِ وَالْكَفِيلِ بِذَلِكَ

(فَإِنْ) (غَابَ) الْمَكْفُولُ (لَمْ يَلْزَمْ الْكَفِيلَ إحْضَارُهُ إنْ جُهِلَ مَكَانُهُ) لِعُذْرِهِ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي جَهْلِهِ ذَلِكَ بِيَمِينِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ عُلِمَ مَكَانُهُ (فَيَلْزَمُهُ) عِنْدَ أَمْنِ الطَّرِيقِ، وَلَوْ فِي بَحْرٍ غَلَبَتْ فِيهِ السَّلَامَةُ فِيمَا يَظْهَرُ، وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَنْ يَمْنَعُهُ مِنْهُ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ فِي دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ أَمْ فِيهَا وَإِنْ طَالَتْ، وَمَا يَغْرَمُهُ الْكَفِيلُ مِنْ مُؤْنَةِ السَّفَرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فِي مَالِهِ وَقَوْلُ الشَّارِحِ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَمَا دُونَهَا مُرَادُهُ بِهِ مِنْ مَسَافَةٍ تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ لَا التَّقْيِيدُ بِمَرْحَلَتَيْنِ، وَقَوْلُهُ وَبِمَسَافَةِ الْإِحْضَارِ تَتَقَيَّدُ غَيْبَتُهُ فِي صِحَّةِ كَفَالَتِهِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ إمَّا مُفَرَّعٌ عَلَى الْمَرْجُوحِ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَرَّرْنَا بِهِ كَلَامَهُ، وَلَوْ كَانَ الْمَكْفُولُ بِبَدَنِهِ يَحْتَاجُ لِمُؤَنِ السَّفَرِ وَلَا شَيْءَ مَعَهُ اُتُّجِهَ أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ مَا لَوْ كَانَ الْمَكْفُولُ مَحْبُوسًا بِحَقٍّ، وَقَدْ ذَكَرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
أَرْسَلَنِي وَلِيِّي إلَيْك لِأُسَلِّمَ نَفْسِي عَنْ جِهَةِ الْكَفَالَةِ، وَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِي الْإِذْنِ فِي دُخُولِ الدَّارِ وَإِيصَالِ الْهَدِيَّةِ
(قَوْلُهُ: كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: أَوْ أَحَدٍ) أَيْ بِأَنْ كَانَ وَلِيًّا

(قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ) يَنْبَغِي مَا لَمْ يَرْضَ الْمَكْفُولُ لَهُ بِذَلِكَ

(قَوْلُهُ: وَالْآخَرُ مِنْ الْأُخْرَى) أَيْ وَهِيَ كَفَالَةُ صَاحِبِهِ دُونَ كَفَالَةِ الْمَكْفُولِ بِبَدَنِهِ (قَوْلُهُ: أَصَحُّهُمَا بَرَاءَةُ الْأَصِيلِ وَالْكَفِيلِ بِذَلِكَ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَظُنَّ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِي عَدَمِ سُقُوطِ الْحَقِّ عَلَى مَا يَأْتِي فِي قَوْلِ سم عَلَى مَنْهَجٍ: فَرْعٌ مِنْ الْوَقَائِعِ مُسْتَحِقٌّ طَالَبَ إلَخْ

(قَوْلُهُ: إنْ جَهِلَ مَكَانَهُ) وَلَا يُكَلَّفُ السَّفَرَ إلَى النَّاحِيَةِ الَّتِي عَلِمَ ذَهَابَهُ إلَيْهَا وَجَهِلَ خُصُوصَ الْقَرْيَةِ الَّتِي هُوَ بِهَا لِيَبْحَثَ عَنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ بِهِ
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ إلَخْ) .
[تَنْبِيهٌ] مِنْ الْوَاضِحِ أَنَّهُ إنَّمَا يُلْزَمُ بِالسَّفَرِ لِلْإِحْضَارِ وَيُمَكَّنُ مِنْهُ إنْ وَثِقَ الْحَاكِمُ مِنْهُ بِذَلِكَ وُثُوقًا ظَاهِرًا لَا يَتَخَلَّفُ عَادَةً، وَإِلَّا فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَلْزَمُ حِينَئِذٍ بِكَفِيلٍ كَذَلِكَ، فَإِنْ تَعَذَّرَ حُبِسَ حَتَّى يَزِنَ الْمَالَ قَرْضًا أَوْ يَيْأَسَ مِنْ إحْضَارِهِ انْتَهَى حَجّ
(قَوْلُهُ: مِنْ مُؤْنَةِ السَّفَرِ) أَيْ عَلَى نَفْسٍ، وَأَمَّا مَعْرِفَةُ الْمَكْفُولِ فَسَتَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ كَانَ الْمَكْفُولُ بِبَدَنِهِ إلَخْ
(قَوْلُهُ: فِي مَالِهِ) أَيْ مَالِ نَفْسِهِ
(قَوْلُهُ: أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَرَّرْنَا بِهِ كَلَامَهُ) أَيْ فِي قَوْلِهِ: مُرَادُهُ بِهِ مِنْ مَسَافَةٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
لِمَفْعُولِهِ الثَّانِي، وَأَمَّا رُجُوعُهُ لِلْمَكْفُولِ فَهُوَ وَإِنْ صَحَّ فِي الْمَتْنِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ إلَّا أَنَّهُ يَأْبَاهُ قَوْلُ الشَّارِحِ أَوْ تَسْلِيمُ وَكِيلِهِ وَيَمْنَعُ الثَّانِي أَيْضًا أَنَّهُ سَيَأْتِي فِي قَوْلِ الشَّارِحِ وَلَوْ سَلَّمَهُ إلَيْهِ أَجْنَبِيٌّ بِإِذْنِهِ بَرِئَ، وَحِينَئِذٍ فَيَتَعَيَّنُ فِي الشَّارِحِ حَمْلُهُ عَلَى الْأَوَّلِ. (قَوْلُهُ: كَتَسْلِيمِهِ) أَيْ الْمَكْفُولِ الْمُعْتَبَرِ تَسْلِيمُهُ. (قَوْلُهُ: وَادَّعَى عَلَيْهِ) أَيْ وَلَمْ يَسْتَوْفِ مِنْهُ الْحَقَّ بِقَرِينَةِ مَا يَأْتِي آخِرَ السَّوَادَةِ

. (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَكَافَلَا) مَحَلُّ وَضْعِهِ قَبْلَ قَوْلِهِ وَلَوْ كَفَلَ وَاحِدٌ لِاثْنَيْنِ

(قَوْلُهُ: فِي هَذِهِ الْحَالَةِ) أَيْ حَالَةِ إلْزَامِهِ إحْضَارَهُ. (قَوْلُهُ: وَبِمَسَافَةِ الْإِحْضَارِ تَتَقَيَّدُ غَيْبَتُهُ) هَذَا إنَّمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ الْجَلَالُ عَقِبَ قَوْلِ الْمَتْنِ الْآتِي: وَقِيلَ إنْ غَابَ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ صِحَّةَ كَفَالَةِ الْغَائِبِ تَابِعَةٌ لِلُزُومِ إحْضَارِهِ، فَالْمَحَلُّ الَّذِي يَلْزَمُهُ إحْضَارُهُ مِنْهُ لَوْ طَرَأَتْ غَيْبَتُهُ هُوَ الَّذِي تَصِحُّ كَفَالَتُهُ فِيهِ لَوْ كَانَ غَائِبًا ابْتِدَاءً فَسَيَأْتِي فِيهِ الْقَوْلَانِ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ هُنَا أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الْمَرْجُوحِ فِيهِ وَقْفَةٌ ظَاهِرَةٌ. (قَوْلُهُ: عَلَى مَا قَرَّرْنَا بِهِ كَلَامَهُ) يُتَأَمَّلُ مَعَ عِبَارَةِ الشَّارِحِ الْجَلَالِ

(4/450)


صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ فِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ مَعَ حَبْسِهِ بِحَقٍّ فِي غَيْرِ مَحَلِّ التَّسْلِيمِ يَلْزَمُ بِإِحْضَارِهِ وَبِحَبْسِ مَا لَمْ يَتَسَبَّبْ فِي تَحْصِيلِهِ، وَلَوْ بِبَذْلِ مَا عَلَيْهِ (وَيُمْهَلُ مُدَّةَ ذَهَابٍ وَإِيَابٍ) عَلَى الْعَادَةِ لِأَنَّهُ الْمُمْكِنُ.
وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ أَنْ يُعْتَبَرَ مَعَ ذَلِكَ مُدَّةُ إقَامَةِ الْمُسَافِرِينَ لِلِاسْتِرَاحَةِ وَتَجْهِيزِ الْمَكْفُولِ، وَهُوَ كَمَا أَفَادَهُ الشَّيْخُ فِي الْأُولَى ظَاهِرٌ فِي مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَأَكْثَرَ بِخِلَافِ مَا دُونَهَا، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ إمْهَالُهُ عِنْدَ الذَّهَابِ وَالْعَوْدِ لِانْتِظَارِ رُفْقَةٍ يَأْمَنُ بِهِمْ، وَعِنْدَ الْأَمْطَارِ وَالثُّلُوجِ الشَّدِيدَةِ وَالْأَوْحَالِ الْمُؤْذِيَةِ الَّتِي لَا تُسْلَكُ عَادَةً وَلَا يُحْبَسُ مَعَ هَذِهِ الْأَعْذَارِ (فَإِنْ مَضَتْ) الْمُدَّةُ الْمَذْكُورَةُ (وَلَمْ يُحْضِرْهُ حُبِسَ) مَا لَمْ يُؤَدِّ الدَّيْنَ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ، فَلَوْ أَدَّاهُ ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ فَالْأَوْجَهُ أَنَّ لَهُ اسْتِرْدَادَهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا، وَبَدَلَهُ إنْ تَلِفَ خِلَافًا لِلْغَزِّيِّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَبَرِّعٍ بِالْأَدَاءِ وَإِنَّمَا غَرِمَهُ لِلْفُرْقَةِ، وَيُتَّجَهُ كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنْ يَلْحَقَ بِقُدُومِهِ تَعَذُّرُ حُضُورِهِ بِمَوْتٍ وَنَحْوِهِ حَتَّى يَرْجِعَ بِهِ، وَإِذَا حُبِسَ أَدِيمٌ حَبَسَهُ إلَى تَعَذُّرِ إحْضَارِ الْغَائِبِ بِمَوْتٍ أَوْ جَهْلٍ بِمَوْضِعِهِ أَوْ إقَامَتِهِ عِنْدَ مَنْ يَمْنَعُهُ، قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ (وَقِيلَ: إنْ غَابَ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَمْ يَلْزَمْهُ إحْضَارُهُ) لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ غَيْبَتِهِ الْمُنْقَطِعَةِ، وَرُدَّ بِأَنَّ مَالَ الْمَدِينِ لَوْ غَابَ إلَيْهِ لَزِمَهُ إحْضَارُهُ فَكَذَا هُوَ، وَلَا فَرْقَ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ بَيْنَ أَنْ تَطْرَأَ الْغَيْبَةُ أَوْ يَكُونَ غَائِبًا وَقْتَ الْكَفَالَةِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا مَاتَ وَدُفِنَ) أَوْ هَرَبَ أَوْ تَوَارَى وَلَمْ يُعْرَفْ مَحَلُّهُ (لَا يُطَالَبُ الْكَفِيلُ بِالْمَالِ) فَالْعُقُوبَةُ أَوْلَى جَزْمًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ
(قَوْلُهُ: إنَّهُ يَلْزَمُهُ) أَيْ الْكَفِيلَ
(قَوْلُهُ: قَضَاؤُهُ) أَيْ الدَّيْنِ: أَيْ فَيُقَالُ هُنَا يَلْزَمُهُ مُؤَنُ السَّفَرِ، ثُمَّ إنْ كَانَ قَضَاؤُهُ لِلدَّيْنِ بِإِذْنِ الْمَدِينِ وَصَرَفَهُ عَلَى الْمَكْفُولِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ بِإِذْنٍ رَجَعَ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِذَلِكَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ نَشَأَ عَنْ الضَّمَانِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْأَدَاءِ وَالصَّرْفِ عَلَى الْمَكْفُولِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَهُ الرَّفْعُ إلَى قَاضٍ يَأْذَنُ لِلْكَفِيلِ فِي صَرْفِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ قَرْضًا؛ لِأَنَّ الْمَكْفُولَ بِإِذْنِهِ فِي الْكَفَالَةِ الْتَزَمَ الْحُضُورَ مَعَ الْكَفِيلِ لِلْقَاضِي وَمَنْ لَازَمَهُ صَرْفُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ
(قَوْلُهُ: فِي الْأُولَى) وَالثَّانِيَةُ هِيَ قَوْلُهُ: وَتَجْهِيزِ الْمَكْفُولِ (قَوْلُهُ: فِي مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَأَكْثَرَ) يَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَعْذَارِ مَا لَوْ غُرِّبَ الْمَكْفُولُ لِزِنًا ثَبَتَ عَلَيْهِ فَيُمْهَلُ الْكَفِيلُ مُدَّةَ التَّغْرِيبِ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ) عِلَّةٌ لِلْحَبْسِ
(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا غَرِمَهُ لِلْفُرْقَةِ) أَيْ الْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ، وَزَادَ حَجّ بَعْدَ قَوْلِهِ لِلْفُرْقَةِ: وَالْكَلَامُ حَيْثُ لَمْ يَنْوِ الْوَفَاءَ عَنْهُ وَإِلَّا لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ لِتَبَرُّعِهِ بِأَدَاءِ دَيْنِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ
(قَوْلُهُ: وَيُتَّجَهُ) وَلَوْ تَعَذَّرَ رُجُوعُهُ عَلَى الْمُؤَدَّى إلَيْهِ فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَى الْمَكْفُولِ؛ لِأَنَّ أَدَاءَهُ عَنْهُ يُشْبِهُ الْقَرْضَ الضِّمْنِيَّ لَهُ أَوَّلًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرَاعِ فِي الْأَدَاءِ جِهَةَ الْمَكْفُولِ بَلْ مَصْلَحَةَ نَفْسِهِ بِتَخْلِيصِهِ لَهَا بِهِ مِنْ الْحَبْسِ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ.
وَالثَّانِي أَقْرَبُ اهـ حَجّ
(قَوْلُهُ: لَا يُطَالَبُ الْكَفِيلُ بِالْمَالِ) .
[فَرْعٌ] كَفَلَهُ إلَى أَوَّلِ شَهْرِ رَجَبٍ بِإِذْنِهِ لِيُحْضِرَهُ بَعْدَ حُلُولِهِ ثُمَّ مَاتَ الْمَكْفُولُ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ هَلْ يَلْزَمُهُ إحْضَارُهُ الْآنَ لِحُلُولِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ، وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ إلَى رَجَبٍ مَثَلًا عَلَى لَازِمِهِ وَهُوَ حُلُولُ الدَّيْنِ فَمَتَى حَلَّ بِمَوْتِهِ لَزِمَهُ إحْضَارُهُ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا لَوْ ضَمِنَ دَيْنًا مُؤَجَّلًا فَمَاتَ الْمَضْمُونُ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ حَيْثُ بَقِيَ الْأَجَلُ فِي حَقِّ الضَّامِنِ مَعَ حُلُولِهِ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ بِأَنَّ بَقَاءَ الْأَجَلِ ثَمَّ فِي حَقِّ الضَّامِنِ لَا يَلْزَمُهُ تَفْوِيتٌ وَبَقَاؤُهَا هُنَا يُؤَدِّي إلَى فَوَاتِ مَقْصُودِ الْكَفَالَةِ؛ إذْ يَتَعَذَّرُ إحْضَارُهُ بَعْدَ الدَّفْنِ وَإِنْ حَلَّ الْأَجَلُ
(قَوْلُهُ: فَالْعُقُوبَةُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: فِي الْأُولَى) أَيْ الِاسْتِرَاحَةِ: يَعْنِي، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَهُوَ ظَاهِرٌ فِيهَا مُطْلَقًا، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ، وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ عَقِبَ كَلَامِ الْإِسْنَوِيِّ الْمَذْكُورِ نَصُّهَا: وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ فِي مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَأَكْثَرَ اهـ.
فَاسْتَظْهَرَ كَلَامَ الْإِسْنَوِيِّ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ، وَالشَّارِحُ أَرَادَ أَنْ يُوَافِقَهُ فِي تَقْيِيدِ الْأُولَى وَيُبْقِيَ الثَّانِيَةَ عَلَى إطْلَاقِهَا فَعَبَّرَ بِمَا قَالَهُ بِمَا فِيهِ مِنْ الْقَلَاقَةِ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يَرْجِعَ بِهِ) أَيْ حَتَّى يَرْجِعَ الْكَفِيلُ بِمَا غَرِمَهُ. (قَوْلُهُ: فَالْعُقُوبَةُ أَوْلَى جَزْمًا) يُوهِمُ أَنَّ الْجَزْمَ

(4/451)


لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهُ أَصْلًا بَلْ النَّفْسُ وَقَدْ فَاتَتْ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ الدَّفْنُ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَهُ قَدْ يُطَالَبُ بِإِحْضَارِهِ لِلْإِشْهَادِ عَلَى صُورَتِهِ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّهُ يُطَالَبُ قَبْلَهُ بِالْمَالِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.
وَالثَّانِي يُطَالَبُ بِهِ لَا عَنْ الْإِحْضَارِ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فَائِدَةُ هَذِهِ الْوَثِيقَةِ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ الْفَرْقِ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ بَيْنَ أَنْ يُخَلِّفَ الْمَكْفُولُ وَفَاءً أَمْ لَا، لَكِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ تَبَعًا لِلسُّبْكِيِّ: إنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ اخْتِصَاصُهُ بِمَا إذَا لَمْ يُخَلِّفْ ذَلِكَ، وَلَا شَيْءَ عَلَى مَنْ تَكَفَّلَ بِبَدَنِ رَقِيقٍ فَمَاتَ أَوْ زَوْجَةٍ فَمَاتَتْ

(وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ فِي الْكَفَالَةِ أَنَّهُ يَغْرَمُ الْمَالَ) وَلَوْ مَعَ قَوْلِهِ (إنْ فَاتَ التَّسْلِيمُ بَطَلَتْ) الْكَفَالَةُ؛ إذْ هُوَ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَاهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَغْرَمُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَالثَّانِي تَصِحُّ بِنَاءً عَلَى مُقَابِلِهِ، وَإِنَّمَا صَحَّ قَرْضٌ شُرِطَ فِيهِ رَدُّ نَحْوِ مُكَسَّرٍ عَنْ نَحْوِ صَحِيحٍ، وَضَمَانٌ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمَضْمُونِ لَهُ أَوْ حُلُولِ الْمُؤَجَّلِ؛ لِأَنَّ الْغُرْمَ هُنَا مُسْتَقِلٌّ يُفْرَدُ بِعَقْدٍ فَأَثَرُ شَرْطِهِ كَشَرْطِ عَقْدٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا ذُكِرَ صِفَةً تَابِعَةً لَا يَحِلُّ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَأُلْغِيَتْ وَحْدَهَا، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ أَنْ يَقُولَ: كَفَلْت بَدَنَهُ بِشَرْطِ الْغُرْمِ، أَوْ عَلَى أَنِّي أَغْرَمُ أَوْ نَحْوَهُ، فَلَوْ قَالَ: كَفَلْت بَدَنَهُ فَإِنْ مَاتَ فَعَلَى الْمَالِ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ وَبَطَلَ الْتِزَامُ الْمَالِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الشَّرْطَ: أَيْ وَإِلَّا بَطَلَتْ الْكَفَالَةُ أَيْضًا، وَمَا عُورِضَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الِاخْتِلَافِ فِي دَعْوَى الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ وَالْأَصَحُّ تَصْدِيقُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ كَمَا مَرَّ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ، وَإِنْ رَجَعَ إلَى ذَلِكَ بَطَلَتْ أَيْضًا كَمَا لَوْ بَاعَ ذِرَاعًا مِنْ أَرْضٍ وَقَالَ: أَرَدْت بِهِ مُعَيَّنًا؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِنِيَّتِهِ، وَلَوْ قَالَ كَفَلْت لَكَ نَفْسَهُ عَلَى أَنَّهُ إنْ مَاتَ فَأَنَا ضَامِنُهُ بَطَلَتْ الْكَفَالَةُ وَالضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِيهَا أَيْضًا

(وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهَا لَا تَصِحُّ بِغَيْرِ رِضَا الْمَكْفُولِ) أَوْ وَلِيِّهِ؛ لِأَنَّهُ مَعَ عَدَمِ إذْنِهِ لَا يَلْزَمُهُ الْحُضُورُ مَعَهُ، فَتَبْطُلُ فَائِدَتُهَا، وَالثَّانِي تَصِحُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَغْرَمُ فَيَلْزَمُهُ الْمَالُ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ إحْضَارِهِ، وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ رِضَا الْمَكْفُولِ لَهُ بِالْكَفِيلِ كَمَا فِي ضَمَانِ الْمَالِ، فَلَوْ كَفَلَ بِهِ بِلَا إذْنٍ لَمْ تَلْزَمْهُ إجَابَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ مِنْ حَدٍّ أَوْ غَيْرِهِ
(قَوْلُهُ: قَبْلَهُ) أَيْ الدَّفْنِ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: وَلَا شَيْءَ عَلَى مَنْ تَكَفَّلَ) أَيْ قَطْعًا، وَإِلَّا فَهَذَا مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا مَاتَ إلَخْ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَالِ وَمَنْ ذُكِرَ مِنْ الْعَبْدِ إلَخْ

(قَوْلُهُ: كَشَرْطِ عَقْدٍ) أَيْ فِي عَقْدٍ
(قَوْلُهُ: فَأُلْغِيَتْ وَحْدَهَا) يُتَأَمَّلُ مَعْنَى إلْغَاءِ شَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمَضْمُونِ لَهُ فَإِنَّهُ صَاحِبُ الْحَقِّ وَمُتَمَكِّنٌ مِنْ الْإِبْرَاءِ مَتَى شَاءَ فَاشْتِرَاطُ الْخِيَارِ لَهُ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ مَعْنَى إلْغَائِهَا أَنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ يَزِيدُ عَلَى مُقْتَضَى الْعَقْدِ (قَوْلُهُ: وَمَا عُورِضَ بِهِ) أَيْ قَوْلُهُ كَمَا قَالَ وَالزَّرْكَشِيُّ إلَخْ
(قَوْلُهُ: فِي دَعْوَى الصِّحَّةِ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ (قَوْلُهُ: مِنْ أَرْضٍ) أَيْ الدَّيْنِ

(قَوْلُهُ: بِغَيْرِ رِضَا الْمَكْفُولِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهَا بِدُونِ الْإِذْنِ بَاطِلَةٌ وَلَوْ قَدِرَ الْكَفِيلُ عَلَى إحْضَارِ الْمَكْفُولِ قَهْرًا عَلَيْهِ، وَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ صِحَّةِ كَفَالَةِ الْعَيْنِ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى انْتِزَاعِهَا، الصِّحَّةُ هُنَا أَيْضًا، إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الْعَيْنَ وُجُوبُ إحْضَارِهَا مِمَّنْ قَدِرَ عَلَيْهَا لَا تَتَوَقَّفُ إلَّا عَلَى مُجَرَّدِ رِضَا مَالِكِهَا بِإِحْضَارِهَا وَالْبَدَنُ يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُوبِ حُضُورِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ طَلَبِ الْقَاضِي مِنْ مَسَافَةِ الْعَدْوَى فَمَا دُونَهَا، عَلَى أَنَّهُ قَدْ لَا يَجِبُ الْحُضُورُ مَعَ ذَلِكَ كَمَا لَوْ قَامَ بِهِ مَانِعٌ كَمَرَضٍ فَاحْتِيجَ إلَى إذْنِهِ لَيَجِبَ عَلَيْهِ مُوَافَقَةُ الطَّالِبِ إذَا أَرَادَ إحْضَارَهُ وَلَوْ مِنْ مَوْضِعٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحُضُورُ مِنْهُ كَكَوْنِهِ فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى (قَوْلُهُ: أَوْ وَلِيِّهِ) وَمِثْلُهُ سَيِّدُ الْعَبْدِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ إذْنُ السَّيِّدِ فِيمَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ كَالْإِتْلَافِ الثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ
(قَوْلُهُ: عَدَمُ اشْتِرَاطِ رِضَا الْمَكْفُولِ) وَهَلْ يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ أَوَّلًا فِيهِ مَا قَدَّمْنَا فِي رَدِّ الْمَضْمُونِ لَهُ مِنْ كَلَامِ حَجّ وسم عَلَى مَنْهَجٍ إلَخْ
(قَوْلُهُ: فَلَوْ كَفَلَ) مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَأَنَّهَا إلَخْ (قَوْلُهُ: بِلَا إذْنٍ) هَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
بِالنِّسْبَةِ لِلْأَوْلَوِيَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ فَالْعُقُوبَةُ أَوْلَى فَلِهَذَا لَمْ يُطَالِبْ بِهَا جَزْمًا. (قَوْلُهُ: وَلَا شَيْءَ عَلَى مَنْ تَكَفَّلَ بِبَدَنِ رَقِيقٍ) أَيْ قَطْعًا وَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْ الْكَتَبَةِ

. (قَوْلُهُ: وَمَا عُورِضَ بِهِ) أَيْ وَمَا عُورِضَ بِهِ مَا اقْتَضَاهُ قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ مَا إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الشَّرْطَ مِنْ تَصْدِيقِهِ فِي هَذِهِ الْإِرَادَةِ.
وَحَاصِلُ الْمُعَارَضَةِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُبْنَى عَلَى دَعْوَى

(4/452)


الْكَفِيلِ فَلَيْسَ لِلْكَفِيلِ مُطَالَبَتُهُ وَإِنْ طَالَبَ الْمَكْفُولُ لَهُ الْكَفِيلَ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ إنَّهُ الْأَقْرَبُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَجَّهْ أَمْرُهُ بِطَلَبِهِ.
قَالَ: وَتَوْجِيهُ اللُّزُومِ بِتَضَمُّنِ الْمُطَالَبَةِ التَّوْكِيلَ بَعِيدٌ إلَّا إنْ سَأَلَهُ الْمَكْفُولُ لَهُ إحْضَارَهُ إلَى الْحَاكِمِ فَيَجِبُ حَتْمًا؛ إذْ هُوَ وَكِيلُ رَبِّ الدَّيْنِ، وَلَا حَبْسَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يُحْضِرْهُ مُطْلَقًا لِمَا مَرَّ أَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَتْ الْإِجَابَةُ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مَعَ اسْتِدْعَاءِ الْحَاكِمِ، أَمَّا الْكَفِيلُ بِالْإِذْنِ فَيُحْبَسُ إنْ لَمْ يُحْضِرْهُ كَمَا مَرَّ

وَلَوْ مَاتَ الْكَفِيلُ بَطَلَتْ الْكَفَالَةُ وَلَا شَيْءَ لِلْمَكْفُولِ لَهُ فِي تَرِكَتِهِ أَوْ الْمَكْفُولُ لَهُ فَلَا وَيَبْقَى الْحَقُّ لِوَرَثَتِهِ، فَلَوْ خَلَّفَ وَرَثَةً وَوَصِيًّا وَغُرَمَاءَ لَمْ يَبْرَأْ الْكَفِيلُ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ لِلْجَمِيعِ، وَيَكْفِي التَّسْلِيمُ إلَى الْمُوصَى لَهُ عَنْ التَّسْلِيمِ إلَى الْوَصِيِّ فِي أَوْجَهِ الْوَجْهَيْنِ إنْ كَانَ الْمُؤَدَّى لَهُ مَحْصُورًا لَا كَالْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ: هَذَا إنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِسَبَبِ مَالٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِسَبَبِهِ فَالْمُسْتَحِقُّ لِلْكَفَالَةِ الْوَارِثُ وَحْدَهُ

، وَيَصِحُّ التَّكَفُّلُ لِمَالِكِ عَيْنٍ وَلَوْ خَفِيفَةً لَا مُؤْنَةَ لِرَدِّهَا بِرَدِّهَا لَا قِيمَتِهَا لَوْ تَلِفَتْ مِمَّنْ هِيَ بِيَدِهِ إنْ كَانَتْ يَدُهُ يَدَ ضَمَانٍ وَأَذِنَ مَنْ هِيَ تَحْتَ يَدِهِ أَوْ قَدِرَ عَلَى انْتِزَاعِهَا مِنْهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ رَدُّهَا لِنَحْوِ تَلَفٍ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
أَوَّلًا لِأَنَّهُ مَعَ عَدَمِ إذْنِهِ إلَخْ، لَكِنَّهُ ذَكَرَهُ هُنَا لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ
(قَوْلُهُ: مِنْهُ) أَيْ الْمَكْفُولِ
(قَوْلُهُ: مُطَالَبَتُهُ) أَيْ الْمَكْفُولِ حَيْثُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الْكَفَالَةِ (قَوْلُهُ: وَأَنَّ) غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يُوَجَّهْ) أَيْ لَمْ يُوجَدْ وَجْهٌ لِطَلَبِهِ الْحُضُورَ لِبُطْلَانِ الْكَفَالَةِ مِنْ أَصْلِهَا (قَوْلُهُ: وَتَوْجِيهُ اللُّزُومِ) أَيْ عَلَى كُلِّ مَنْ كَفَلَ بِلَا إذْنٍ مِنْ الْمَكْفُولِ
(قَوْلُهُ: يَتَضَمَّنُ الْمُطَالَبَةَ) أَيْ مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ
(قَوْلُهُ: وَلَا حَبْسَ عَلَيْهِ) أَيْ فِيمَا لَوْ سَأَلَهُ الْمَكْفُولُ إحْضَارَهُ وَقَدْ كَفَلَ بِلَا إذْنٍ

(قَوْلُهُ: إنْ كَانَ الْمُؤَدَّى لَهُ) أَيْ وَهُوَ الْمُوصَى لَهُ، وَفِي نُسْخَةٍ الْمُوصَى لَهُ وَهِيَ أَظْهَرُ

(قَوْلُهُ: وَيَصِحُّ التَّكَفُّلُ) ذَكَرَهُ هُنَا، وَلَمْ يَكْتَفِ بِمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ مِنْ شُمُولِ الْمَتْنِ لَهُ فِي قَوْلِهِ وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَضْمُونِ كَوْنُهُ ثَابِتًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِضَمَانِ الْعَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ: أَيْ فَيُصَدَّقُ مُدَّعِي عَدَمِ نِيَّةِ الشَّرْطِيَّةِ

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يُوَجَّهْ أَمْرُهُ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ: وَقِيلَ تَلْزَمُهُ إجَابَتُهُ فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ إنْ طَالَبَهُ الْمَكْفُولُ لَهُ كَأَنْ قَالَ لَهُ اُخْرُجْ عَنْ حَقِّي؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَضَمَّنُ التَّوْكِيلَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ وَمَا رَجَّحَهُ: أَيْ ابْنُ الْمُقْرِي: أَيْ مِنْ عَدَمِ لُزُومِ الْإِجَابَةِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ إنَّهُ الْأَقْرَبُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَجَّهْ أَمْرُهُ بِطَلَبِهِ، فَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إلَخْ رَدٌّ لِاكْتِفَاءِ الضَّعِيفِ بِتَضَمُّنِ قَوْلِ الْمَكْفُولِ لَهُ إخْرَاجٌ عَنْ حَقِّي لِتَوْكِيلِهِ فِي الْمُطَالَبَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا كَفَلَ بِغَيْرِ إذْنٍ لَا يَلْزَمُ الْمَكْفُولَ إجَابَتُهُ، وَإِنْ طَالَبَهُ الْمَكْفُولُ لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ تَلْزَمُهُ فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ إنْ طَلَبَهُ الْمَكْفُولُ لَهُ كَأَنْ قَالَ اُخْرُجْ عَنْ حَقِّي لَكِنْ لَا لِلْكَفَالَةِ بَلْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَضَمَّنُ التَّوْكِيلَ فِي الطَّلَبِ فَكَأَنَّهُ صَارَ وَكِيلَ الْمَكْفُولِ لَهُ فِي طَلَبِ الْمَكْفُولِ فَتَلْزَمُهُ إجَابَتُهُ لَكِنْ بِشَرْطِ اسْتِدْعَاءِ الْقَاضِي، وَالصَّحِيحُ لَا يُكْتَفَى بِذَلِكَ وَيَقُولُ لَا بُدَّ مِنْ تَوْجِيهِ الْأَمْرِ بِطَلَبِهِ صَرِيحًا بِشَرْطِهِ وَبِهَذَا يُعْلَمُ مَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ (قَوْلُهُ: إلَّا إنْ سَأَلَهُ الْمَكْفُولُ لَهُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ لَمْ تَلْزَمْهُ إجَابَةُ الْكَفِيلِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ. (قَوْلُهُ: فَيَجِبُ حَتْمًا) أَيْ إنْ اسْتَدْعَاهُ الْقَاضِي بِقَرِينَةِ مَا يَأْتِي.

(4/453)


(فَصْلٌ) فِي صِيغَتَيْ الضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ وَهِيَ الرُّكْنُ الْخَامِسُ لِلضَّمَانِ، وَفِي مُطَالَبَةِ الضَّامِنِ وَأَدَائِهِ وَرُجُوعِهِ وَتَوَابِعَ لِذَلِكَ، وَعَبَّرَ عَنْ الرُّكْنِ بِالشَّرْطِ فَقَالَ (يُشْتَرَطُ فِي الضَّمَانِ) لِلْمَالِ (وَالْكَفَالَةِ) لِلْبَدَنِ أَوْ الْعَيْنِ (لَفْظٌ) غَالِبًا إذْ مِثْلُهُ الْكِتَابَةُ مَعَ النِّيَّةِ وَإِشَارَةُ أَخْرَسَ مُفْهِمَةٌ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ فِي مَوَاضِعَ (يُشْعِرُ بِالِالْتِزَامِ) كَغَيْرِهِ وَمِنْ الْعُقُودِ وَدَخَلَ فِي يُشْعِرُ الْكِنَايَةَ فَهُوَ أَوْضَحُ مِنْ قَوْلِ الرَّوْضَةِ كَغَيْرِهَا تَدُلُّ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ دَالَّةً: أَيْ دَلَالَةً ظَاهِرَةً ثُمَّ الصَّرِيحُ (كَ ضَمِنْت) وَإِنْ لَمْ يَضُمَّ لَهُ لَك كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ عَدَمُ ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ لَهَا وَإِنْ ذَكَرَهَا كَالرَّافِعِيِّ فِي كُتُبٍ فَقَدْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ (دَيْنَكَ عَلَيْهِ) أَيْ فُلَانٍ (أَوْ تَحَمَّلْته أَوْ تَقَلَّدْته) أَوْ الْتَزَمْته (أَوْ تَكَفَّلْت بِبَدَنِهِ أَوْ أَنَا بِالْمَالِ) الَّذِي عَلَى عَمْرٍو مَثَلًا (أَوْ بِإِحْضَارِ الشَّخْصِ) الَّذِي هُوَ فُلَانٌ (ضَامِنٌ أَوْ كَفِيلٌ أَوْ زَعِيمٌ أَوْ حَمِيلٌ) أَوْ قَبِيلٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
[فَصْلٌ فِي صِيغَتَيْ الضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ]
(قَوْلُهُ: وَهِيَ) أَيْ الصِّيغَةُ
(قَوْلُهُ: لِلضَّمَانِ) أَيْ وَلِلْكَفَالَةِ أَيْضًا وَأَرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُهَا (قَوْلُهُ: وَتَوَابِعِ ذَلِكَ) كَمِقْدَارِ مَا يَرْجِعُ بِهِ أَوْ جِنْسِهِ وَحُكْمِ مَا لَوْ أَدَّى دَيْنَ غَيْرِهِ بِلَا ضَمَانٍ
(قَوْلُهُ: وَعَبَّرَ عَنْ الرُّكْنِ بِالشَّرْطِ) أَيْ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِالشَّرْطِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فَيَصْدُقُ بِالرُّكْنِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: عَبَّرَ بِالشَّرْطِ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْكَلَامُ مِنْ الْقَيْدِ وَهُوَ قَوْلُهُ يُشْعِرُ بِالِالْتِزَامِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: يُشْتَرَطُ إشْعَارُ اللَّفْظِ بِالِالْتِزَامِ
(قَوْلُهُ: إذْ مِثْلُهُ الْكِتَابَةُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهَا مِنْ الْأَخْرَسِ أَوْ غَيْرِهِ، وَنَقَلَ سم عَلَى مَنْهَجٍ عَنْ الشَّارِحِ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَعِبَارَةُ حَجّ فِي أَوَّلِ الْبَابِ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ شَرْطُ الضَّامِنِ الرُّشْدُ نَصُّهَا: تَنْبِيهٌ: وَقَعَ لَهُمَا هُنَا مَا يَقْتَضِي أَنَّ كِتَابَةَ الْأَخْرَسِ الْمُنْضَمِّ إلَيْهَا قَرَائِنُ تُشْعِرُ بِالضَّمَانِ صَرِيحَةٌ وَإِنْ كَانَ لَهُ إشَارَةٌ مُفْهِمَةٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ لِإِطْلَاقِهِمْ أَنَّ كِتَابَتَهُ كِنَايَةٌ، وَلِقَوْلِهِمْ: الْكِنَايَةُ لَا تَنْقَلِبُ إلَى الصَّرِيحِ بِالْقَرَائِنِ وَإِنْ كَثُرَتْ كَأَنْتِ بَائِنٌ مُحَرَّمَةٌ أَبَدًا لَا تَحِلِّينَ لِي، وَعَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمَا فَهَلْ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالضَّمَانِ أَوْ يَعُمُّ كُلَّ عَقْدٍ وَحِلٍّ وَيُقَيَّدُ بِهَذَا مَا أَطْلَقُوهُ ثَمَّ لِلنَّظَرِ فِيهِ مَجَالٌ، وَالْأَوَّلُ بَعِيدُ الْمَعْنَى لِأَنَّ الضَّمَانَ عَقْدُ غَرَرٍ، وَغَيْرُ مُحْتَاجٍ فَلَا يُنَاسِبُ جَعْلَ تِلْكَ الْكِتَابَةِ صَرِيحَةً فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ.
وَالثَّانِي بَعِيدٌ مِنْ كَلَامِهِمْ اهـ: أَيْ فَالْكِتَابَةُ كِنَايَةٌ سَوَاءٌ انْضَمَّ إلَيْهَا قَرَائِنُ أَمْ لَا وُجِدَتْ مِنْ الْأَخْرَسِ أَوْ النَّاطِقِ فَيُوَافِقُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ م ر وَسَوَاءٌ فِي الْأَخْرَسِ أَكَانَ لَهُ إشَارَةٌ مُفْهِمَةٌ أَمْ لَا
(قَوْلُهُ: وَدَخَلَ فِي يُشْعِرُ الْكِنَايَةَ) بِالنُّونِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْإِشْعَارَ أَمْرٌ خَفِيٌّ، وَقَدْ يُخَالِفُهُ قَوْلُ الْبَيْضَاوِيِّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة: 9] لَا يُحِسُّونَ بِذَلِكَ لِتَمَادِي غَفْلَتِهِمْ جَعَلَ لُحُوقَ وَبَالِ الْخِدَاعِ وَرُجُوعَ ضَرَرِهِ إلَيْهِمْ فِي الظُّهُورِ كَالْمَحْسُوسِ الَّذِي لَا يَخْفَى إلَّا عَلَى مُؤَفِّ الْحَوَاسِّ: أَيْ الَّذِي أُصِيبَتْ حَوَاسُّهُ بِالْآفَةِ حَتَّى فَسَدَتْ وَالشُّعُورُ الْإِحْسَاسُ وَمَشَاعِرُ الْإِنْسَانِ حَوَاسُّهُ اهـ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا) أَيْ الْكِنَايَةَ بِالنُّونِ
(قَوْلُهُ: دَيْنُك عَلَيْهِ) هُوَ ظَاهِرٌ إنْ اتَّحَدَ الدَّيْنُ وَتَوَافَقَا عَلَيْهِ، فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنُ قَرْضٍ، وَثَمَنُ مَبِيعٍ مَثَلًا وَطَالَبَهُ رَبُّ الدَّيْنِ فَقَالَ الْكَفِيلُ ضَمِنْت دَيْنَك عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: أَنَا ضَمِنْت شَيْئًا خَاصًّا كَدَيْنِ الْقَرْضِ مَثَلًا فَهَلْ يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَيَنْبَغِي تَصْدِيقُ الْكَفِيلِ إنْ دَلَّتْ عَلَيْهِ قَرِينَةٌ كَمَا لَوْ طَالَبَهُ بِدَيْنِ الْقَرْضِ فَقَالَ ذَلِكَ، فَلَوْ لَمْ تَقُمْ عَلَى ذَلِكَ قَرِينَةٌ حُمِلَ عَلَى جَمِيعِ الدُّيُونِ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُفْرَدٌ مُضَافٌ إلَى مَعْرِفَةٍ فَيَعُمُّ
(قَوْلُهُ: أَوْ أَنَا بِالْمَالِ أَوْ بِإِحْضَارِ الشَّخْصِ الَّذِي هُوَ فُلَانٌ) قَالَ حَجّ بَعْدَ مِثْلِ مَا ذُكِرَ: وَإِنَّمَا قَيَّدْت الْمَالَ وَالشَّخْصَ بِمَا ذَكَرْته لِمَا هُوَ وَاضِحٌ أَنَّهُ لَا يَكْفِي ذِكْرُ مَا فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
فَصْلٌ) فِي صِيغَتَيْ الضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ.

(4/454)


أَوْ عَلَيَّ مَا عَلَى فُلَانٍ وَمَا لَك عَلَى فُلَانٍ عَلَيَّ لِثُبُوتِ بَعْضِهَا نَصًّا وَبَاقِيهَا قِيَاسًا مَعَ اشْتِهَارِ لَفْظِ الْكَفَالَةِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَالْكِنَايَةُ نَحْوُ: دَيْنُ فُلَانٍ إلَيَّ أَوْ عِنْدِي

وَلَوْ تَكَفَّلَ ثُمَّ أَبْرَأَهُ الْمُسْتَحِقُّ ثُمَّ وَجَدَهُ مُلَازِمًا لِخَصْمِهِ فَقَالَ خَلِّهِ وَأَنَا عَلَى مَا كُنْت عَلَيْهِ مِنْ الْكَفَالَةِ صَارَ كَفِيلًا وَفَارَقَ مَا لَوْ قَالَ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ بَعْدَ فَسْخِ الْكِتَابَةِ أَقْرَرْتُك عَلَيْهَا حَيْثُ لَمْ تَعُدْ بَانَ الضَّمَانُ مَحْضَ غَرَرٍ وَغَبْنٍ فَكَفَى فِيهِ ذَلِكَ مِنْ الْمُلْتَزَمِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ وَنَحْوِهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصَرَاحَةِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ ذِكْرُ الْمَالِ فَنَحْوُ ضَمِنْت فُلَانًا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ مَالٍ كِنَايَةٌ فِيمَا يَظْهَرُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا مَرَّ فِي إلَيَّ أَوْ عِنْدِي

(وَلَوْ قَالَ أُؤَدِّي الْمَالَ أَوْ أُحْضِرُ الشَّخْصَ فَهُوَ وَعْدٌ) بِالِالْتِزَامِ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ لِأَنَّ الصِّيغَةَ غَيْرُ مُشْعِرَةٍ بِالِالْتِزَامِ.
نَعَمْ إنْ حَفَّتْ بِهِ قَرِينَةٌ تَصْرِفُهُ إلَى الْإِنْشَاءِ انْعَقَدَ بِهِ كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَأَيَّدَهُ السُّبْكِيُّ بِكَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ وَغَيْرِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ أَنَّ الْقَرِينَةَ تَلْحَقُهُ بِالصَّرِيحِ، لَكِنْ الْأَذْرَعِيُّ اشْتَرَطَ النِّيَّةَ مِنْ الْعَامِّيِّ وَجَعَلَ غَيْرَهُ مُحْتَمَلًا.
نَعَمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الْمَتْنِ وَحْدَهُ.
فَإِنْ قُلْت: يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ ذِكْرِهِمَا، وَتَكُونُ أَلْ لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ بَلْ، وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهُمَا ذِكْرٌ حَمْلًا لَهَا عَلَى الْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ.
قُلْت: لَا يَصِحُّ هَذَا الْحَمْلُ، وَإِنْ أَوْهَمَهُ قَوْلُ الشَّارِحِ الْمَعْهُودُ بَلْ الَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّهُ فِيهَا كِنَايَةٌ لِمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلْقَرِينَةِ فِي الصَّرَاحَةِ اهـ
(قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى مَا عَلَى فُلَانٍ) أَيْ إذَا ضَمَّ إلَيْهِ لَك بِأَنْ قَالَ مَا لَك عَلَيَّ إلَخْ فِيمَا يَظْهَرُ

(قَوْلُهُ: ثُمَّ أَبْرَأهُ) أَيْ الْكَافِلُ (قَوْلُهُ: الْمُسْتَحِقَّ) أَيْ الْمَكْفُولَ لَهُ
(قَوْلُهُ: ثُمَّ وَجَدَهُ) أَيْ الْكَفِيلُ
(قَوْلُهُ: لِخَصْمِهِ) أَيْ الْمَكْفُولِ
(قَوْلُهُ: صَارَ كَفِيلًا) أَيْ فَيَكُونُ صَرِيحًا
(قَوْلُهُ: حَيْثُ لَمْ تَعِدْ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ قَبِلَ الْعَبْدُ، وَلَكِنْ يُخَالِفُ هَذَا مَا تَقَدَّمَ عَنْ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ نَقْلًا عَنْ بَعْضِ الْهَوَامِشِ فِي بَابِ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِلَّا فَيَفْسَخَانِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ الْحَاكِمُ إلَخْ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنْ قَالَا: أَبْقَيْنَا الْعَقْدَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ أَوْ أَقْرَرْنَاهُ عَادَ الْعَقْدُ بَعْدَ فَسْخِهِ لِمِلْكِ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ صِيغَةِ بِعْت وَاشْتَرَيْت وَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ بَعْدَ مَجْلِسِ الْفَسْخِ الْأَوَّلِ اهـ وَيُخَالِفُ أَيْضًا مَا يَأْتِي فِي الْقِرَاضِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ فَقَرَّرَ الْوَارِثُ الْعَقْدَ صَحَّ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي الْقِرَاضِ مِنْ أَنَّ الْبَائِعَ لَوْ قَرَّرَ الْعَقْدَ بَعْدَ فَسْخِهِ وَقَبِلَهُ الْمُشْتَرَى اكْتَفَى بِهِ عَنْ الصِّيغَةِ مَعَ أَنَّ الْبَيْعَ وَنَحْوَهُ لَيْسَا مَبْنِيَّيْنِ عَلَى الْغَرَرِ.
نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ لَا يُرَادَ عَقْدُ الْكِتَابَةِ لِمَا فَرَّقَ بِهِ الشَّارِحُ ثُمَّ بَيَّنَ الْبَيْعَ وَالنِّكَاحَ مِنْ أَنَّ النِّكَاحَ يُعْتَبَرُ لَهُ صِيغَةٌ خَاصَّةٌ وَهِيَ الْإِنْكَاحُ أَوْ التَّزْوِيجُ فَلَمْ يَكْتَفِ فِيهِ بِالتَّقْرِيرِ فَيُقَالُ مِثْلُهُ فِي الْكِتَابَةِ وَيَبْقَى غَيْرُهُمَا عَلَى إشْكَالِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلضَّمَانِ فَلْيُنْظَرْ هَذَا.
وَقَوْلُهُ: وَنَحْوُهَا يَنْبَغِي عَلَى مَا فَرَّقَ بِهِ قَصْرُهُ عَلَى النِّكَاحِ خَاصَّةً حَتَّى لَوْ فَسَخَ نِكَاحَ زَوْجَتِهِ أَوْ طَلَّقَهَا ثُمَّ قَالَ قَرَّرْت نِكَاحَهَا لَا تَعُودُ الزَّوْجِيَّةُ (قَوْلُهُ: وَنَحْوِهَا) أَيْ فَإِنَّهَا عُقُودُ مُعَاوَضَةٍ لَا غَرَرَ فِيهَا وَلَا غَبْنَ
(قَوْلُهُ: فِيمَا يَظْهَرُ) أَيْ فَإِنْ نَوَى بِهِ ضَمَانَ الْمَالِ وَعَرَفَ قَدْرَهُ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا.
وَقَالَ ع مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ ضَمَانَ الْمَالِ حُمِلَ عَلَى كَفَالَةِ الْبَدَنِ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا مَعْرِفَةُ قَدْرِ الْمَالِ الْمَضْمُونِ اهـ.
وَقَدْ يُحْمَلُ كَلَامُ الشَّارِحِ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ بِمَا ذَكَرَهُ الْتِزَامًا كَانَ لَغْوًا، وَإِنْ نَوَى بِهِ الْتِزَامَ الْمَالِ أَوْ الْبَدَنِ عَمِلَ بِمَا نَوَاهُ، وَإِنْ نَوَى بِهِ الِالْتِزَامَ لَا بِقَيْدِ الْمَالِ وَلَا الْبَدَنِ حُمِلَ عَلَى الْبَدَنِ (قَوْلُهُ: كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا مَرَّ) لَمْ يُقَدَّمْ فِي قَوْلِهِ: وَالْكِنَايَةُ نَحْوُ دَيْنِ فُلَانٍ إلَيَّ أَوْ عِنْدِي مَا يَظْهَرُ مِنْهُ الدَّلَالَةُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ، وَعِبَارَةُ حَجّ كَعِبَارَةِ الشَّارِحِ أَوَّلًا وَآخِرًا

(قَوْلُهُ: إلَى الْإِنْشَاءِ) أَيْ كَأَنْ رَأَى صَاحِبَ الْحَقِّ يُرِيدُ حَبْسَ الْمَدْيُونِ فَقَالَ الضَّامِنُ: أَنَا أُؤَدِّي الْمَالَ فَذَلِكَ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ يُرِيدُ أَنَا ضَامِنُهُ وَلَا تَتَعَرَّضُ لَهُ
(قَوْلُهُ: بِكَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ) وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: إنْ سَلَّمَ مَالِي أَعْتَقْت عَبْدِي انْعَقَدَ نَذْرُهُ اهـ حَجّ
(قَوْلُهُ: مُحْتَمَلًا) أَيْ لَأَنْ يُوَافِقَ ابْنَ الرِّفْعَةِ مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: صَارَ كَفِيلًا) أَيْ فَاللَّفْظُ صَرِيحٌ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ. (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ مَالٍ كِنَايَةٌ إلَخْ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ مَالٍ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً كَخَلِّ عَنْ مُطَالَبَةِ فُلَانٍ الْآنَ فَإِنَّهُ كِنَايَةٌ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا مَرَّ إلَخْ، فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ يَدُلُّ عَلَيْهِ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ كَخَلِّ عَنْ مُطَالَبَةِ فُلَانٍ وَهُوَ سَاقِطٌ مِنْ عِبَارَةِ الشَّارِحِ فَلْيُحَرَّرْ

. (قَوْلُهُ: وَجَعَلَ غَيْرَهُ مُحْتَمِلًا)

(4/455)


قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ عَنْ الْبُوشَنْجِيِّ فِي: طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ: أُطَلِّقُ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ حَالًا؛ لِأَنَّ مُطْلَقَهُ لِلِاسْتِقْبَالِ فَإِنْ أَرَادَتْ بِهِ الْإِنْشَاءَ وَقَعَتْ حَالًا.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَا شَكَّ فِي جَرَيَانِهِ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ يُؤَثِّرُ مَعَ النِّيَّةِ وَحْدَهَا لَا مَعَ عَدَمِهَا سَوَاءٌ الْعَامِّيُّ وَغَيْرُهُ وُجِدَتْ قَرِينَةٌ أَمْ لَا، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ مَحَلَّ مَا مَرَّ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ إنْ نَوَى بِهِ الِالْتِزَامَ وَإِلَّا لَمْ تَنْعَقِدْ

(وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ) (تَعْلِيقُهُمَا) أَيْ الضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ (بِشَرْطٍ) لِأَنَّهُمَا عَقْدَانِ كَالْبَيْعِ.
وَالثَّانِي يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْقَبُولَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا فَجَازَ تَعْلِيقُهُمَا كَالطَّلَاقِ (وَلَا تَوْقِيتُ الْكَفَالَةِ) كَأَنَا كَفِيلُ يَزِيدَ إلَى شَهْرٍ وَبَعْدَهُ أَنَا بَرِيءٌ.
وَالثَّانِي يَجُوزُ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي تَسْلِيمِهِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، بِخِلَافِ الْمَالِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْأَدَاءُ فَلِهَذَا امْتَنَعَ تَأْقِيتُ الضَّمَانِ قَطْعًا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُهُ حَيْثُ أَفْرَدَهَا وَلَا يَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ لِلضَّامِنِ أَوْ الْكَفِيلِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ لِمُنَافَاتِهِ مَقْصُودَهُمَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَيْهِ لِأَنَّ الْمُلْتَزَمَ فِيهِمَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ الْغَرَرِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِضَمَانٍ أَوْ كَفَالَةٍ بِشَرْطِ خِيَارٍ مُفْسِدٍ أَوْ قَالَ الضَّامِنُ أَوْ الْكَفِيلُ لَا حَقَّ عَلَى مَنْ ضَمِنْت أَوْ كَفَلْت بِهِ أَوْ قَالَ الْكَفِيلُ بَرِئَ الْمَكْفُولُ صُدِّقَ الْمُسْتَحِقُّ بِيَمِينِهِ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الضَّامِنُ وَالْكَفِيلُ وَبَرِئَا دُونَ الْمَضْمُونِ عَنْهُ وَالْمَكْفُولِ بِهِ، وَيَبْطُلُ الضَّمَانُ بِشَرْطِ إعْطَاءِ مَالٍ لَا يُحْسَبُ مِنْ الدَّيْنِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الِاكْتِفَاءِ بِالْقَرِينَةِ وَأَنْ يَأْخُذَ بِإِطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَغْوٌ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ ظَاهِرُ الْآتِي
(قَوْلُهُ: فَإِنْ أَرَادَتْ بِهِ) أَيْ أُطَلِّقُ (قَوْلُهُ: وَقَعَتْ) أَيْ تِلْكَ الطَّلْقَةُ (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ الْعَامِّيُّ وَغَيْرُهُ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: أَنَّ مَحَلَّ مَا مَرَّ) أَيْ عَنْ حَجّ فِي قَوْلِهِ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ سَلَّمَ مَالَ إلَخْ

(قَوْلُهُ: حَيْثُ أَفْرَدَهَا) أَيْ الْكَفَالَةَ
(قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ) أَيْ فَإِنْ شَرَطَهُ فَسَدَ الْعَقْدُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي وَلَوْ أَقَرَّ بِضَمَانٍ إلَخْ
(قَوْلُهُ: أَوْ أَجْنَبِيٍّ) أَيْ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرَطَهُ لِلْمَضْمُونِ لَهُ أَوْ الْمَكْفُولِ لَهُ فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي فَسَادَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَهُ الْخِيَارُ وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ
(قَوْلُهُ: بِشَرْطِ خِيَارٍ مُفْسِدٍ) أَيْ بِأَنْ شَرَطَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ (قَوْلُهُ: لَا يُحْسَبُ مِنْ الدَّيْنِ) هَذَا الْقَيْدُ إنَّمَا يَظْهَرُ إذَا كَانَ الدَّافِعُ هُوَ الضَّامِنَ أَوْ الْمَضْمُونَ عَنْهُ، وَكَانَ الْآخِذُ هُوَ الْمَضْمُونَ لَهُ، وَعَلَيْهِ فَهَلَّا قِيلَ بِإِلْغَاءِ الشَّرْطِ مَعَ صِحَّةِ الضَّمَانِ كَمَا لَوْ أَقْرَضَهُ صِحَاحًا بِشَرْطِ رَدِّ مُكَسَّرٍ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمَالَ الْمَغْرُومَ هُنَا لَيْسَ صِفَةً لِلْعَقْدِ فَأَثَّرَ اشْتِرَاطُهُ، بِخِلَافِ شَرْطِ الْمُكَسَّرِ عَنْ الصِّحَاحِ فَإِنَّهُ صِفَةٌ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ ذِكْرُهُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ لِلشَّارِحِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
أَيْ حَيْثُ سَكَتَ عَنْ حُكْمِهِ إذْ سُكُوتُهُ عَنْهُ صَارَ حُكْمُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا مُحْتَمِلًا لَا يُدْرَى حُكْمُهُ عِنْدَهُ، وَإِلَّا فَالْأَذْرَعِيُّ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِغَيْرِ الْعَامِّيِّ وَعِبَارَتُهُ: وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ كِنَايَةٌ فَإِنَّ الْعَامِّيَّ يَقْصِدُ بِهِ الِالْتِزَامَ، فَإِنْ اعْتَرَفَ بِقَصْدِهِ بِهِ الضَّمَانَ أَوْ الْكَفَالَةَ أُلْزِمَ ذَلِكَ انْتَهَتْ.
وَلَمَّا قَالَ الشِّهَابُ حَجّ وَالْأَذْرَعِيُّ: لَا يُشْتَرَطُ إلَّا النِّيَّةُ مِنْ الْعَامِّيِّ أَعْقَبَهُ بِقَوْلِهِ وَيُحْتَمَلُ فِي غَيْرِهِ أَنْ يُوَافِقَ ابْنَ الرِّفْعَةِ: أَيْ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ مَعَ الْقَرِينَةِ كَمَا قَرَّرَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَأْخُذَ بِإِطْلَاقِهِمْ إنَّهُ لَغْوٌ اهـ.
وَلَك أَنْ تَقُولَ: مَا الْمَانِعُ مِنْ جَعْلِ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِ الْأَذْرَعِيِّ فَإِذَا اعْتَرَفَ رَاجِعًا إلَى مُطْلَقِ الْقَائِلِ الْمَفْهُومِ مِنْ الْمَقَامِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ فِي مَطْلَعِ كَلَامِهِ جَعَلَهُ كِنَايَةً مُطْلَقًا، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ اسْتَظْهَرَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْعَامِّيَّ يَقْصِدُ بِهِ الِالْتِزَامَ: أَيْ فَقَصْدُ الِالْتِزَامِ بِهِ وَاقِعٌ فِي الْجُمْلَةِ مِنْ الْعَامِّيِّ فَلَا بُعْدَ فِي كَوْنِهِ كِنَايَةً، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَذْرَعِيَّ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَجْعَلَهُ كِنَايَةً مِنْ الْعَامِّيِّ دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَظِيرَ لَهُ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ مَحَلَّ مَا مَرَّ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ إنْ نَوَى إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ لَا يَذْكُرُ كَلَامَ الْمَاوَرْدِيِّ فِيمَا مَرَّ وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ فِي بَابِ النَّذْرِ إذَا قَالَ إنْ سَلَّمَ مَالِي أَعْتَقْت عَبْدِي انْعَقَدَ نَذْرُهُ

(4/456)


وَلَوْ كَفَلَ بِزَيْدٍ عَلَى أَنَّ لِي عَلَيْك كَذَا، أَوْ إنْ أَحْضَرْته وَإِلَّا فَبِعَمْرٍو أَوْ بِشَرْطِ إبْرَاءً الْكَفِيلِ وَأَنَا كَفِيلُ الْمَكْفُولِ لَمْ تَصِحَّ (وَلَوْ) (نَجَّزَهَا) أَيْ الْكَفَالَةَ (وَشَرَطَ تَأْخِيرَ الْإِحْضَارِ شَهْرًا) كَضَمِنْت إحْضَارَهُ وَأَحْضَرَهُ بَعْدَ شَهْرٍ (جَازَ) ؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامٌ بِعَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ فَكَانَ كَعَمَلِ الْإِجَارَةِ يَجُوزُ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا وَمَنْ عَبَّرَ بِجَوَازِ تَأْجِيلِ الْكَفَالَةِ أَرَادَ هَذِهِ الصُّورَةَ وَخَرَجَ بِشَهْرٍ مَثَلًا نَحْوُ الْحَصَادِ فَلَا يَصِحُّ التَّأْجِيلُ إلَيْهِ.

(وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُ الْحَالِّ مُؤَجَّلًا أَجَلًا مَعْلُومًا) إذْ الضَّامِنُ تَبَرَّعَ، وَالْحَاجَةُ تَدْعُو لَهُ فَكَانَ عَلَى حَسَبِ مَا الْتَزَمَهُ وَيَثْبُتُ الْأَجَلُ فِي حَقِّ الضَّامِنِ، وَفُهِمَ مِنْهُ بِالْأَوْلَى جَوَازُ زِيَادَةِ الْأَجَلِ وَنَقْصِهِ وَإِسْقَاطِ الْمَالِ مِنْ قَوْلٍ أَصْلُهُ ضَمَانُ الْمَالِ الْحَالِّ لِيَشْمَلَ مَنْ تَكَفَّلَ كَفَالَةً مُؤَجَّلَةً بِبَدَنِ مَنْ تَكَفَّلَ بِغَيْرِهِ كَفَالَةً حَالَّةً، وَعُلِمَ مِنْ اشْتِرَاطِ مَعْرِفَةِ الضَّامِنِ لِجِنْسِ الدَّيْنِ اشْتِرَاطُ مَعْرِفَةِ كَوْنِهِ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا.
وَالثَّانِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الْكَفَالَةِ إلَخْ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِنَّمَا صَحَّ قَرْضُ شَرْطٍ فِيهِ رَدُّ نَحْوِ مُكَسَّرٍ عَنْ صَحِيحٍ إلَخْ
(قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ لِي عَلَيْك) أَيْ الْمَكْفُولِ لَهُ قَدْ يُشْكِلُ عَدَمُ صِحَّةِ الضَّمَانِ بِشَرْطِ عِوَضٍ عَلَى الْمَضْمُونِ لَهُ بِجَوَازِ الْتِزَامِ الْعِوَضِ فِي مُقَابَلَةِ الْبَرَاءَةِ عَلَى مَا مَرَّ لِلشَّارِحِ عَنْ الْمُتَوَلِّي، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الصِّحَّةَ فِي الْبَرَاءَةِ مُصَوَّرَةٌ بِمَا إذَا تَرَاضَيَا قَبْلَ الْبَرَاءَةِ عَلَى دَفْعِ الْمَالِ فِي مُقَابَلَتِهَا وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِلشَّرْطِ فِي الْبَرَاءَةِ
(قَوْلُهُ: أَوْ إنْ أَحْضَرَتْهُ) أَيْ فَذَاكَ
(قَوْلُهُ: وَأَنَا كَفِيلُ الْمَكْفُولِ) مَعْنَاهُ إبْرَاءُ الْكَفِيلِ بِأَنْ يَقُولَ تَكَفَّلْت بِإِحْضَارِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ عَلَى أَنَّ مَنْ تَكَفَّلَ بِهِ قَبْلُ بَرِئَ
(قَوْلُهُ: بَعْدَ شَهْرٍ) أَيْ: فَلَوْ أَسْقَطَ قَوْلَهُ وَأَحْضَرَهُ وَاقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ ضَمِنَتْ إحْضَارَهُ بَعْدَ شَهْرٍ قَالَ حَجّ: فَإِنْ نَوَى تَعَلُّقًا بَعْدُ بِإِحْضَارِهِ صَحَّ، فَإِنْ عَلَّقَهُ بِ ضَمِنْت فَوَاضِحٌ أَنَّهُ يَبْطُلُ وَأَنَّ كَلَامَهُمْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ الصِّحَّةُ، وَيُوَجَّهُ بِمَا مَرَّ أَنَّ كَلَامَ الْمُكَلَّفِ يُصَانُ عَنْ الْإِلْغَاءِ اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ لَوْ قِيلَ بِالْبُطْلَانِ كَانَ لَهُ وَجْهٌ لِمَا قَالُوهُ فِي الْكِنَايَةِ: إنَّهُ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ النِّيَّةِ، وَأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْوِ لَغَتْ وَلَمْ يَقُولُوا بِصِحَّتِهَا صَوْنًا لِعِبَارَةِ الْمُكَلَّفِ، وَأَيْضًا فَالْأَصْلُ هُنَا بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الضَّامِنِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَمَلِ الْفِعْلُ، فَإِذَا كَانَ فِي الْكَلَامِ فِعْلٌ وَغَيْرُهُ تَعَلَّقَ الظَّرْفُ بِالْفِعْلِ، وَهُنَا الْإِحْضَارُ مَصْدَرٌ وَضَمِنَ فِعْلٌ، وَالتَّعَلُّقُ بِالْفِعْلِ هُنَا يُوجِبُ الْفَسَادَ فَكَانَ هُوَ الْأَصْلَ
(قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ التَّأْجِيلُ) أَيْ مَا لَمْ يُرِيدَا وَقْتَهُ وَيَكُونُ مَعْلُومًا لَهُمَا، فَلَوْ أَرَادَهُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ أَوْ أَطْلَقَا كَانَ بَاطِلًا.
وَبَقِيَ مَا لَوْ تَنَازَعَا فِي إرَادَةِ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ وَعَدَمِهِ هَلْ يُصَدَّقُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ أَوْ مُدَّعِي الْفَسَادِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي، وَلَا يُعَارِضُهُ تَقْدِيمُ قَوْلِ مُدَّعِي الصِّحَّةِ عَلَى مُدَّعِي الْفَسَادِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ مَحَلُّهُ مَا لَمْ يُعَارِضْهُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ، وَقَدْ عَارَضَهُ هُنَا كَوْنُ الْأَصْلِ بَرَاءَةَ ذِمَّةِ الضَّامِنِ، وَأَنَّ الْإِرَادَةَ لَا تُعْلَمُ إلَّا مِنْهُ.
(قَوْلُهُ: الَّذِي شُرِطَ فِيهِ التَّسْلِيمُ) أَيْ وَصَوَابُهُ: لَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ فِيهِ حَيْثُ امْتَنَعَ لِغَرَضٍ بِأَنْ كَانَ بِمَحَلِّ التَّسْلِيمِ بَيِّنَةٌ، أَوْ مَنْ يُعِينُهُ عَلَى خَلَاصِهِ وَإِلَّا أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى قَبُولِهِ إلَخْ

(قَوْلُهُ: أَجَلًا مَعْلُومًا) أَيْ لِلضَّامِنِ كَمَا يَأْتِي
(قَوْلُهُ: فِي حَقِّ الضَّامِنِ) أَيْ دُونَ الْأَصِيلِ
(قَوْلُهُ: وَفُهِمَ مِنْهُ بِالْأَوْلَى) لَوْ أُخِّرَ هَذَا عَنْ قَوْلِهِ وَأَنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُ الْمُؤَجَّلِ حَالًّا كَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ: لِجِنْسِ الدَّيْنِ) أَيْ الْمُتَقَدِّمِ قَبْلَ الْكَفَالَةِ
(قَوْلُهُ: اشْتِرَاطِ إلَخْ) قَدْ يَمْنَعُ اسْتِفَادَةُ ذَلِكَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْحُلُولِ وَالتَّأْجِيلِ صِفَةٌ، وَهِيَ لَا تُعْلَمُ مِنْ الْجِنْسِ الَّذِي هُوَ كَوْنُ الدَّيْنِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً مَثَلًا، إلَّا أَنْ يُقَالَ أَرَادَ بِالْجِنْسِ مَا يَشْمَلُ الصِّفَةَ
(قَوْلُهُ: أَوْ مُؤَجَّلًا) أَيْ بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَلَوْ كَفَلَ بِزَيْدٍ عَلَى أَنَّ إلَخْ) أَيْ قَائِلًا عَلَى أَنَّ إلَخْ. (قَوْلُهُ: كَضَمِنْتُ إحْضَارَهُ وَأَحْضَرَهُ بَعْدَ شَهْرٍ) عِبَارَةُ الْمُحَقِّقِ الْمَحَلِّيِّ: نَحْوُ أَنَا كَفِيلٌ بِزَيْدٍ أُحْضِرُهُ بَعْدَ شَهْرٍ

. (قَوْلُهُ: وَنَقَصَهُ) أَيْ وَلَا يَلْحَقُ النَّقْصُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ

(4/457)


لَا يَصِحُّ الضَّمَانُ لِلْمُخَالَفَةِ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُحَرَّرِ تَصْحِيحُهُ، وَنَبَّهَ فِي الدَّقَائِقِ عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ مَا فِي بَقِيَّةِ النُّسَخِ وَالْمِنْهَاجِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُ الْمُؤَجَّلِ حَالًّا) لِتَبَرُّعِهِ بِالْتِزَامِ التَّعْجِيلِ فَصَحَّ كَأَصْلِ الضَّمَانِ، وَيُفَارِقُ مَا لَوْ رَهَنَ بِدَيْنٍ حَالٍّ، وَشَرَطَ فِي الرَّهْنِ أَجَلًا أَوْ عَكْسَهُ حَيْثُ لَمْ يَصِحَّ مَعَ أَنَّ كُلًّا وَثِيقَةٌ بِأَنَّ الرَّهْنَ عَيْنٌ وَهِيَ لَا تَقْبَلُ تَأْجِيلًا وَلَا حُلُولًا، وَالضَّمَانُ ضَمُّ ذِمَّةٍ لِذِمَّةٍ، وَالذِّمَّةُ قَابِلَةٌ لِالْتِزَامِ الْحَالِّ مُؤَجَّلًا وَعَكْسِهِ.
وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ لِمَا مَرَّ (وَ) الْأَصَحُّ عَلَى الْأَوَّلِ (أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّعْجِيلُ) كَمَا لَوْ الْتَزَمَهُ الْأَصِيلُ فَيَثْبُتُ الْأَجَلُ فِي حَقِّهِ تَبَعًا لَا مَقْصُودًا فِي أَوْجَهِ الْوَجْهَيْنِ كَمَا رَجَّحَهُ صَاحِبُ التَّعْجِيزِ فِي شَرْحِهِ.
وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنَّهُ الْأَقْرَبُ، فَلَوْ مَاتَ الْأَصِيلُ حَلَّ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ يَحِلُّ عَلَى الضَّامِنِ بِمَوْتِهِ مُطْلَقًا وَإِنْ ثَبَتَ الْأَجَلُ فِي حَقِّهِ تَبَعًا.
نَعَمْ فِيمَا لَوْ ضَمِنَ مُؤَجَّلًا لِشَهْرَيْنِ مُؤَجَّلًا لِشَهْرٍ لَا يَحِلُّ بِمَوْتِ الْأَصِيلِ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ الْأَقْصَرِ.
وَالثَّانِي يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ تَبَرُّعٌ لَزِمَ فَلَزِمَتْ صِفَتُهُ كَمَا لَوْ نَذَرَ إعْتَاقَ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ (وَلِلْمُسْتَحِقِّ) الشَّامِلِ لِلْمَضْمُونِ لَهُ وَلِوَارِثِهِ، وَلَا يَشْمَلُ الْمُحْتَالُ، وَإِنْ قِيلَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ بِالنِّسْبَةِ لِلضَّامِنِ لِمَا مَرَّ مِنْ بَرَاءَتِهِ بِهَا (مُطَالَبَةُ الضَّامِنِ) وَضَامِنِهِ وَهَكَذَا، وَإِنْ كَانَ بِالدَّيْنِ رَهْنٌ وَافٍ (وَالْأَصِيلِ) اجْتِمَاعًا وَانْفِرَادًا وَتَوْزِيعًا بِأَنْ يُطَالِبَ كُلًّا بِبَعْضِ الدَّيْنِ لِبَقَاءِ الدَّيْنِ عَلَى الْأَصِيلِ وَلِلْخَبَرِ الْمَارِّ «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» وَلَا مَحْذُورَ فِي مُطَالَبَتِهِمَا وَإِنَّمَا الْمَحْذُورُ فِي تَغْرِيمِهِمَا مَعًا كُلَّ الدَّيْنِ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الذِّمَّتَيْنِ إنَّمَا اُشْتُغِلَتَا بِدَيْنٍ وَاحِدٍ كَالرَّهْنَيْنِ بِدَيْنٍ وَاحِدٍ فَهُوَ كَفَرْضِ الْكِفَايَةِ يَتَعَلَّقُ بِالْكُلِّ وَيَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ، فَالتَّعَدُّدُ فِيهِ لَيْسَ فِي ذَاتِهِ بَلْ بِحَسَبِ ذَاتَيْهِمَا، وَلِهَذَا حَلَّ عَلَى أَحَدِهِمَا فَقَطْ وَيَتَأَجَّلُ فِي حَقِّ أَحَدِهِمَا كَذَلِكَ

وَلَوْ أَفْلَسَ الْأَصِيلُ فَطَلَبَ الضَّامِنُ بَيْعَ مَالِهِ أَوَّلًا.
أُجِيبَ إنْ ضَمِنَ بِإِذْنِهِ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ مُوَطِّنٌ نَفْسَهُ عَلَى عَدَمِ الرُّجُوعِ، وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ قَالَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ فِي حَقِّهِ) أَيْ الضَّامِنِ
(قَوْلُهُ: فَلَوْ مَاتَ الْأَصِيلُ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ تَبَعًا لَا مَقْصُودًا
(قَوْلُهُ: عَلَى الضَّامِنِ بِمَوْتِهِ) أَيْ نَفْسِهِ
(قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) سَوَاءٌ قُلْنَا يَثْبُتُ تَبَعًا أَوْ مَقْصُودًا
(قَوْلُهُ: وَإِنْ ثَبَتَ) هِيَ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ الْأَقْصَرِ) أَيْ لِأَنَّهُ ثَبَتَ مَقْصُودًا فِي حَقِّ الضَّامِنِ فَلَا يَحِلُّ بِمَوْتِ الْأَصِيلِ
(قَوْلُهُ: رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) أَيْ فَإِنَّهَا تَلْزَمُهُ بِصِفَةِ الْإِيمَانِ فَلَا يَكْفِي غَيْرُهَا
(قَوْلُهُ: وَلَا يَشْمَلُ الْمُحْتَالَ) أَيْ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَبِهِ كَفِيلٌ ثُمَّ أَحَالَ الْمَدِينُ الدَّائِنَ عَلَى آخَرَ لَمْ يُطَالِبْ الْمُحْتَالُ الضَّامِنَ لِبَرَاءَتِهِ بِالْحَوَالَةِ (قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ مِنْ بَرَاءَتِهِ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُحِيلُ لِلضَّامِنِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَحَالَ عَلَيْهِمَا فَلَا يَبْرَأُ فَيُطَالِبُ الْمُحْتَالُ كُلًّا مِنْ الْأَصِيلِ وَالضَّامِنِ كَمَا مَرَّ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ صَاحِبِ الْقِيلِ عَلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ: اجْتِمَاعًا وَانْفِرَادًا) .
[فَرْعٌ] مِنْ الْوَقَائِعِ مُسْتَحِقٌّ طَالَبَ الضَّامِنِ، فَقِيلَ لَهُ: طَالِبْ الْأَصِيلَ، فَقَالَ مَا لِي بِهِ شُغْلٌ، فَقِيلَ لَهُ الْحَقُّ لَك قِبَلَهُ، فَقَالَ لَا حَقَّ لِي قِبَلَهُ، وَهُوَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ الْحَالُ وَيَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِي إسْقَاطِ حَقِّهِ وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ الْإِقْرَارَ بِسُقُوطِ حَقِّهِ، فَأَفْتَى م ر بِأَنَّ حَقَّهُ بَاقٍ وَأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِذَلِكَ لِجَهْلِهِ وَخَفَاءِ الْحَالِ عَلَيْهِ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ

(قَوْلُهُ: أَوَّلًا)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: كَأَصْلِ الضَّمَانِ) اُنْظُرْ مَا فَائِدَةُ صِحَّتِهِ مَعَ عَدَمِ لُزُومِ الْوَفَاءِ بِهِ. (قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ) أَيْ فِي بَابِ الْحَوَالَةِ. (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا حَلَّ عَلَى أَحَدِهِمَا فَقَطْ) قَالَ الشِّهَابُ سم: قَدْ يُقَالُ هَذَا بِالتَّعَدُّدِ أَنْسَبُ مِنْهُ بِعَدَمِهِ

(قَوْلُهُ: فَطَلَبَ الضَّامِنُ بَيْعَ مَا لَهُ أَوَّلًا) مُرَادُهُ بِذَلِكَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشِّهَابُ سم فِي حَوَاشِي التُّحْفَةِ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَفْلَسَ الْأَصِيلُ وَالضَّامِنُ وَأَرَادَ الْحَاكِمُ بَيْعَ مَالِهِمَا فِي دَيْنِهِمَا فَقَالَ الضَّامِنُ: ابْدَأْ بِمَالِ الْأَصِيلِ وَقَالَ الضَّامِنُ: ابْدَأْ بِمَالِ أَيِّكُمَا شِئْت بِدَيْنِي إنْ كَانَ الضَّمَانُ بِأَمْرِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ فَالْمُجَابُ الضَّامِنُ أَوَّلًا بِإِذْنِهِ فَالْخِيَرَةُ إلَى الدَّائِنِ. (قَوْلُهُ: وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي إلَخْ) فِي اقْتِضَاءِ كَلَامِهِ لِمَا ذُكِرَ وَقْفَةٌ لَا تَخْفَى
.

(4/458)


اثْنَانِ لِآخَرَ ضَمِنَّا مَا لَك عَلَى زَيْدٍ وَهُوَ أَلْفٌ مَثَلًا مُطَالَبَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ الْأَلْفِ وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ صَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي كَمَا لَوْ قَالَا: رَهَنَّا عَبْدَنَا هَذَا بِأَلْفٍ لَك عَلَى فُلَانٍ فَإِنَّ حِصَّةَ كُلٍّ مِنْهُمَا رَهْنٌ بِجَمِيعِ الْأَلْفِ، وَصَوَّبَهُ السُّبْكِيُّ مُعَلِّلَا لَهُ بِأَنَّ الضَّمَانَ تَوْثِقَةٌ كَالرَّهْنِ وَالْبُلْقِينِيُّ وَأَفْتَى بِهِ فُقَهَاءُ عَصْرِ السُّبْكِيّ.
وَالثَّانِي أَنَّهُ يُطَالِبُ كُلًّا مِنْهُمَا بِالنِّصْفِ فَقَطْ كَمَا لَوْ قَالَا: اشْتَرَيْنَا عَبْدَك بِأَلْفٍ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالرُّويَانِيُّ وَالصَّيْمَرِيُّ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالْقَلْبُ إلَيْهِ أَمْيَلُ، وَبِهِ أَفْتَى الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ، وَشَغْلُ ذِمَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ بِالزَّائِدِ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَبِذَلِكَ أَفْتَى الْبَدْرُ بْنِ شُهْبَةٌ عِنْدَ دَعْوَى أَحَدِ الضَّامِنَيْنِ ذَلِكَ وَحَلِفِهِمَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ ظَاهِرٌ فِيهِ، وَبِالتَّبْعِيضِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْأَصَحِّ فِي مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ الْمُشَبَّهِ بِهَا أَنَّ حِصَّةَ كُلٍّ مَرْهُونَةٌ بِالنِّصْفِ فَقَطْ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ: لَا وَجْهَ لِلْأَوَّلِ

(وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ) الضَّمَانُ، وَمِثْلُهُ الْكَفَالَةُ (بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ) لِمُنَافَاتِهِ مُقْتَضَاهُ.
وَالثَّانِي يَصِحُّ كُلٌّ مِنْ الضَّمَانِ وَالشَّرْطِ لِخَبَرِ جَابِرٍ فِي «ضَمَانِ أَبِي قَتَادَةَ لِلْمَيِّتِ حَيْثُ قَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُمَا عَلَيْك وَفِي مَالِك وَالْمَيِّتُ مِنْهُمَا بَرِيءٌ، فَقَالَ نَعَمْ، فَصَلَّى عَلَيْهِ» قَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ.
وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ بَرِيءٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ

(وَلَوْ) (أَبْرَأَ الْأَصِيلَ) أَوْ بَرِئَ بِنَحْوِ اعْتِيَاضٍ أَوْ حَوَالَةٍ أَوْ أَدَاءٍ، وَإِنَّمَا آثَرَ لَفْظَ أَبْرَأَ لِتَعَيُّنِهِ فِي صُورَةِ الْعَكْسِ (بَرِئَ الضَّامِنُ) وَضَامِنُهُ وَهَكَذَا لِسُقُوطِ الْحَقِّ (وَلَا عَكْسَ) فَلَوْ بَرِئَ الضَّامِنُ بِإِبْرَاءٍ لَمْ يَبْرَأْ الْأَصِيلُ، وَلَا مَنْ قَبْلَهُ بِخِلَافِ مَنْ بَعْدَهُ، وَكَذَا فِي كَفِيلِ الْكَفِيلِ وَكَفِيلِهِ وَهَكَذَا؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطُ وَثِيقَةٍ فَلَا يَسْقُطُ بِهَا الدَّيْنُ كَفَكِّ الرَّهْنِ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَرِئَ بِنَحْوِ أَدَاءً، وَلَوْ قَالَ الْمَضْمُونُ لَهُ الضَّامِنُ فَإِنْ قَصَدَ إبْرَاءَهُ بَرِئَ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ فَإِنْ قَبِلَ فِي الْمَجْلِسِ بَرِئَ وَإِلَّا فَلَا كَمَا بَحَثَهُ الشَّيْخُ وَقَالَ: إنَّهُ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ.
قَالَ: وَيُصَدَّقُ الْمَضْمُونُ لَهُ فِي أَنَّ الضَّامِنَ لَمْ يَقْبَلْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ أَبْرَأَ الضَّامِنَ مِنْ الدَّيْنِ فَلَا يَبْرَأُ الْأَصِيلُ إلَّا إنْ قَصَدَ إسْقَاطَهُ عَنْ الْمَضْمُونِ عَنْهُ

(وَلَوْ) (مَاتَ أَحَدُهُمَا) أَوْ اُسْتُرِقَّ وَالدَّيْنُ مُؤَجَّلٌ (حَلَّ عَلَيْهِ) لِخَرَابِ ذِمَّتِهِ (دُونَ الْآخَرِ) فَلَا يَحِلُّ عَلَيْهِ لِارْتِفَاقِهِ بِالْأَجَلِ، فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ الْأَصِيلَ، وَلَهُ تَرِكَةٌ فَلِلضَّامِنِ مُطَالَبَةُ الْمُسْتَحِقِّ بِأَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَوْ يُبْرِئَهُ لِاحْتِمَالِ تَلَفِهَا، فَلَا يَجِدُ مَرْجِعًا إذَا غَرِمَ.
وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ ضَمِنَ بِغَيْرِ الْإِذْنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ إذْ لَا رُجُوعَ لَهُ، وَهُوَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ قَبْلَ غُرْمِ الضَّامِنِ كَأَنْ قَالَ بِيعُوا مَالَ الْمُفْلِسِ وَوَفُّوا مِنْهُ مَا يَخُصُّ دَيْنَ الْمَضْمُونِ لَهُ فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ غَرِمْته، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمَضْمُونَ لَهُ يُقَدَّمُ بِدَيْنِهِ عَلَى بَقِيَّةِ الْغُرَمَاءِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ حِصَّةَ كُلٍّ مِنْهُمَا رَهْنٌ) ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ وَالثَّانِي) أَيْ وَالْوَجْهُ الثَّانِي (قَوْلُهُ: لِلْأَوَّلِ) أَيْ مُطَالَبَةُ كُلٍّ بِجَمِيعِ الْأَلْفِ

(قَوْلُهُ: بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ) هُوَ ظَاهِرٌ فِي الضَّمَانِ، وَيُصَوَّرُ فِي الْكَفَالَةِ بِإِبْرَاءِ كَفِيلِ الْكَفِيلِ بِأَنْ يَقُولَ تَكَفَّلْت بِإِحْضَارِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ عَلَى أَنَّ مَنْ تَكَفَّلَ بِهِ قَبْلُ بَرِئَ
(قَوْلُهُ: هُمَا عَلَيْك) الَّذِي مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ أَنَّ قَدْرَ الدَّيْنِ الَّذِي ضَمِنَهُ أَبُو قَتَادَةَ ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ فَلَعَلَّهُمَا وَاقِعَتَانِ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ وَلَوْ وَقَعَ لَنُقِلَ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَبْرَأَ الْأَصِيلَ) يَنْبَغِي أَنَّ مِنْ الْبَرَاءَةِ مَا لَوْ قَالَ لَهُ أَبْرَأْتَنِي فَقَالَ نَعَمْ، فَيَبْرَأُ بِذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ قِيلَ لَهُ الْتِمَاسًا طَلَّقْت زَوْجَتَك فَقَالَ: نَعَمْ، وَمِثْلُهُ أَيْضًا مَا لَوْ قَالَ ضَمِنْت لِي مَا عَلَى فُلَانٍ مِنْ الدَّيْنِ فَقَالَ: نَعَمْ فَيَكُونُ ضَامِنًا لَهُ
(قَوْلُهُ: وَلَا مَنْ قَبِلَهُ) أَيْ الضَّامِنِ الْمُبْرَأِ
(قَوْلُهُ: بِنَحْوِ أَدَاءً) أَيْ فَإِنَّ الْأَصِيلَ يَبْرَأُ
(قَوْلُهُ: فَإِنْ قَبِلَ فِي الْمَجْلِسِ) أَيْ مَجْلِسِ الْإِيجَابِ بِأَنْ لَا يَطُولَ الْفَصْلُ عُرْفًا بَيْنَ لَفْظَيْهِمَا (قَوْلُهُ لَمْ يَقْبَلْ) أَيْ الْإِقَالَةَ
(قَوْلُهُ: عَنْ الْمَضْمُونِ عَنْهُ) أَيْ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَطْلَقَ أَوْ قَصَدَ إبْرَاءَ الضَّامِنِ وَحْدَهُ أَوْ لِتُرَاضِي أَوْ ارْتَدَّ وَاتَّصَلَتْ رِدَّتُهُ بِالْمَوْتِ

(قَوْلُهُ: وَقَضِيَّتُهُ إلَخْ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لَمْ يَبْرَأْ الْأَصِيلُ وَلَا مَنْ قَبْلَهُ إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ: وَإِنْ ضَمِنَ بِهِ أَوْ كَفَلَ آخَرُ وَبِالْآخَرِ آخَرُ وَهَكَذَا طَالَبَهُمْ، فَإِنْ بَرِئَ الْأَصِيلُ بَرَءُوا أَوْ غَيْرُهُ بَرِئَ وَمَنْ بَعْدُ لَا مَنْ قَبْلُهُ انْتَهَتْ
.

(4/459)


قِيَاسُ مَا مَرَّ فِي إفْلَاسِ الْأَصِيلِ، وَلَوْ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ فِيهِمَا مُطْلَقًا حَتَّى لَا يَغْرَمَ لَمْ يَبْعُدْ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِعَدَمِ الِاسْتِئْذَانِ، وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ الضَّامِنَ وَأَخَذَ الْمُسْتَحِقُّ الدَّيْنَ مِنْ تَرِكَتِهِ لَمْ يَكُنْ لِوَرَثَتِهِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ الْآذِنِ فِي الضَّمَانِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ، وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ لَوْ أَعَارَ عَيْنًا لِيَرْهَنَهَا ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَحِلَّ الدَّيْنُ لِتَعَلُّقِهِ بِهَا لِمَا مَرَّ أَنَّهُ ضَمَانٌ فِي رَقَبَتِهَا دُونَ الذِّمَّةِ

(وَإِذَا) (طَالَبَ الْمُسْتَحِقُّ الضَّامِنَ) بِالدَّيْنِ (فَلَهُ مُطَالَبَةُ الْأَصِيلِ) أَوْ وَلِيِّهِ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ (بِتَخْلِيصِهِ بِالْأَدَاءِ إنْ ضَمِنَ بِإِذْنِهِ) لِأَنَّهُ الَّذِي وَرَّطَهُ فِي الْمُطَالَبَةِ، نَعَمْ لَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ وَإِنْ حُبِسَ وَلَا مُلَازَمَتُهُ، فَفَائِدَتُهَا إحْضَارُهُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ، وَتَفْسِيقُهُ بِالِامْتِنَاعِ إذَا ثَبَتَ لَهُ مَالٌ.
أَمَّا لَوْ ضَمِنَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّطْهُ عَلَيْهِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُطَالِبُهُ) بِالدَّيْنِ الْحَالِّ (قَبْلَ أَنْ يُطَالِبَ) بِهِ كَمَا لَا يُغَرِّمُهُ قَبْلَ أَنْ يَغْرَمَ.
وَالثَّانِي يُطَالَبُ بِتَخْلِيصِهِ كَمَا لَوْ اسْتَعَارَ عَيْنًا لِلرَّهْنِ وَرَهَنَهَا فَإِنَّ لِلْمَالِكِ الْمُطَالَبَةَ بِفَكِّهَا، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الرَّهْنَ مَحْبُوسٌ بِالدَّيْنِ وَفِيهِ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ، بِخِلَافِ الضَّامِنِ، وَلَيْسَ لَهُ عَلَى الْأَوَّلِ مُطَالَبَةُ الْمَضْمُونِ لَهُ بِأَنْ يُطَالِبَهُ أَوْ يُبْرِئَهُ وَلَا مُطَالَبَةُ الْأَصِيلِ بِالْمَالِ حَيْثُ كَانَ ضَامِنًا بِالْإِذْنِ مَا لَمْ يُسَلِّمْهُ، فَلَوْ دَفَعَ لَهُ الْأَصِيلُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مُطَالَبَةٍ لَمْ يَمْلِكْهُ وَلَزِمَهُ رَدُّهُ وَضَمَانُهُ إنْ تَلِفَ كَالْمَقْبُوضِ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ، فَلَوْ قَالَ لَهُ: اقْضِ بِهِ مَا ضَمِنْته عَنِّي كَانَ وَكِيلًا، وَالْمَالُ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ وَلَوْ أَبْرَأَ الضَّامِنُ الْأَصِيلَ أَوْ صَالَحَ عَمَّا سَيَغْرَمُ فِيهِمَا أَوْ رَهَنَهُ الْأَصِيلُ شَيْئًا بِمَا ضَمِنَهُ أَوْ أَقَامَ بِهِ كَفِيلًا لَمْ يَصِحَّ؛ إذْ لَمْ يَثْبُتْ لِلضَّامِنِ حَقٌّ بِمُجَرَّدِ الضَّمَانِ، وَلَوْ شَرَطَ الضَّامِنُ حَالَ الضَّمَانِ أَنْ يَرْهَنَهُ الْأَصِيلُ شَيْئًا أَوْ يُقِيمَ لَهُ بِهِ ضَامِنًا فَسَدَ لِفَسَادِ الشَّرْطِ (وَلِلضَّامِنِ) بَعْدَ أَدَائِهِ مِنْ مَالِهِ، وَلَمْ يَقْصِدْ الْأَدَاءَ عَنْ غَيْرِ جِهَةِ الضَّمَانِ كَمَا أَفَادَهُ السِّيَاقُ (الرُّجُوعُ عَلَى الْأَصِيلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ فِيهِمَا) أَيْ فِي الضَّمَانِ بِالْإِذْنِ وَعَدَمِهِ وَيُحْتَمَلُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ رُجُوعُهُ لِمَا لَوْ مَاتَ الْأَصِيلُ وَالضَّمَانُ بِغَيْرِ إذْنٍ، وَلِمَا لَوْ أَفْلَسَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَالضَّمَانُ بِغَيْرِ إذْنٍ
(قَوْلُهُ: ثُمَّ مَاتَ) أَيْ الْمُعِيرُ
(قَوْلُهُ: دُونَ الذِّمَّةِ) وَذِكْرُ الْعَارِيَّةِ مِثَالٌ، وَالْمَدَارُ عَلَى تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِالْعَيْنِ بِضَمَانٍ فِيهِمَا أَوْ رَهْنٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَدِينِ اهـ حَجّ

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الَّذِي وَرَّطَهُ) أَيْ أَوْقَعَهُ فِي مَشَقَّةِ الْمُطَالَبَةِ.
وَأَصْلُ التَّوْرِيطِ الْإِيقَاعُ فِي الْهَلَاكِ.
فَفِي الْمُخْتَارِ الْوَرْطَةُ الْهَلَاكُ، وَأَوْرَطَهُ وَوَرَّطَهُ تَوْرِيطًا أَوْقَعَهُ فِي الْوَرْطَةِ اهـ، فَكَأَنَّهُ قَالَ أَوْقَعَهُ فِي الْهَلَاكِ بِسَبَبِ الْمُطَالَبَةِ (قَوْلُهُ نَعَمْ) لَا مَوْقِعَ لِلِاسْتِدْرَاكِ بَلْ كَانَ الْأَوْلَى جَعْلَهُ مُسْتَأْنَفًا
(قَوْلُهُ: لَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ) قَالَ فِي الْأَنْوَارِ: لَكِنْ لَهُ أَنْ يَقُولَ احْبِسْهُ مَعِي اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ: أَيْ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْبِسَهُ مَعَهُ بَلْ يَتَخَيَّرُ، وَعَلَيْهِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ لَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ: أَيْ لَيْسَ لَهُ الْإِلْزَامُ بِحَبْسِهِ (قَوْلُهُ فَفَائِدَتُهَا) أَيْ الْمُطَالَبَةِ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلضَّامِنِ عِبَارَةُ سم عَلَى مَنْهَجٍ وَلَهُ عَلَى الْأَوْجَهِ كَمَا فِي الشَّامِلِ، وَحَكَاهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالرُّويَانِيُّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَأَقَرَّهُ أَنْ يَقُولَ لِلْمُسْتَحِقِّ إمَّا أَنْ تُطَالِبَنِي أَوْ تُبْرِئَنِي اهـ فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَلَيْسَ لَهُ عَلَى الْأَوَّلِ إلَخْ إشَارَةٌ إلَى رَدِّ ذَلِكَ
(قَوْلُهُ: بِأَنْ يُطَالِبَهُ) أَيْ الضَّامِنُ
(قَوْلُهُ: فَلَوْ دَفَعَ لَهُ) أَيْ الضَّامِنُ
(قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ مُطَالَبَةٍ) أَيْ مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ
(قَوْلُهُ: لَمْ يَمْلِكْهُ) أَيْ الضَّامِنُ قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ الضَّامِنُ إذَا دَفَعَهُ لَهُ الْأَصِيلُ بَعْدَ مُطَالَبَةِ رَبِّ الدَّيْنِ لَهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الضَّامِنَ مَا لَمْ يَغْرَمْ لَا يَثْبُتُ لَهُ حَقٌّ عَلَى الْأَصِيلِ، فَقَبْضُهُ لِنَفْسِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ إلَّا أَنْ يُصَوَّرَ بِمَا إذَا غَرِمَ لَهُ الدَّيْنَ ثُمَّ قَبَضَ مِنْ الْأَصِيلِ بَعْدَ الْغُرْمِ
(قَوْلُهُ: فِيهِمَا) أَيْ الضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ
(قَوْلُهُ: فَسَدَ) أَيْ الضَّمَانُ وَلَا يُغْنِي عَنْ هَذَا قَوْلُهُ قَبْلُ: أَوْ رَهَنَهُ الْأَصِيلُ شَيْئًا بِمَا ضَمِنَهُ إلَخْ؛ لِأَنَّ مَا سَبَقَ نَبَّهَ بِهِ عَلَى أَنَّهُ إذَا وَقَعَ ذَلِكَ بَعْدَ الضَّمَانِ لَغَا وَلَمْ يَبْطُلْ الضَّمَانُ وَنَبَّهَ بِمَا هُنَا عَلَى أَنَّ الضَّمَانَ يَفْسُدُ بِفَسَادِ الشَّرْطِ
(قَوْلُهُ: عَنْ غَيْرِ جِهَةِ الضَّمَانِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَلَمْ يَقْصِدْ الْأَدَاءَ عَنْ غَيْرِ جِهَةِ الضَّمَانِ إلَخْ) أَيْ: بِأَنْ قَصَدَ جِهَةَ الضَّمَانِ أَوْ أَطْلَقَ، وَيَنْبَغِي فِي صُورَةِ الْإِطْلَاقِ

(4/460)


إنْ وَجَدَ إذْنَهُ فِي الضَّمَانِ وَالْأَدَاءِ) لِصَرْفِهِ مَالَهُ لِغَرَضِ الْغَيْرِ بِإِذْنِهِ.
أَمَّا لَوْ أَدَّى مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ خِلَافًا لِلْمُتَوَلِّي، وَكَذَا لَوْ ضَمِنَ سَيِّدُهُ ثُمَّ أَدَّى بَعْدَ عِتْقِهِ أَوْ ضَمِنَ السَّيِّدُ دَيْنًا عَلَى عَبْدِهِ غَيْرِ الْمُكَاتَبِ بِإِذْنِهِ، وَأَدَّاهُ قَبْلَ عِتْقِهِ أَوْ عَلَى مُكَاتَبِهِ بِإِذْنِهِ وَأَدَّاهُ بَعْدَ تَعْجِيزِهِ أَوْ ضَمِنَ فَرْعٌ عَنْ أَصْلِهِ صَدَاقَ زَوْجَتِهِ بِإِذْنِهِ ثُمَّ طَرَأَ إعْسَارُهُ بِحَيْثُ وَجَبَ إعْفَافُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَامْتَنَعَتْ الزَّوْجَةُ مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا حَتَّى تَقْبِضَ الصَّدَاقَ فَأَدَّاهُ الضَّامِنُ فَلَا رُجُوعَ وَإِنْ أَيْسَرَ الْمَضْمُونُ، وَكَذَا لَوْ ضَمِنَهُ عَنْهُ عِنْدَ وُجُوبِ الْإِعْفَافِ بِإِذْنِهِ ثُمَّ أَدَّى أَوْ نَذَرَ ضَامِنٌ بِالْإِذْنِ الْأَدَاءَ وَعَدَمَ الرُّجُوعِ (إنْ انْتَفَى) إذْنُهُ (فِيهِمَا) أَيْ الضَّمَانِ وَالْأَدَاءِ (فَلَا) رُجُوعَ لَهُ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ، وَشَمِلَ مَا لَوْ أَذِنَ لَهُ الْمَدْيُونُ فِي أَدَاءِ دَيْنِهِ فَضَمِنَهُ وَأَدَّى عَنْ جِهَةِ الضَّمَانِ وَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: أَدِّ عَنِّي مَا ضَمِنْته لِتَرْجِعَ بِهِ عَلَيَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
بِأَنْ قَصَدَ الْأَدَاءَ عَنْ جِهَةٍ أَوْ أَطْلَقَ
(قَوْلُهُ: أَمَّا لَوْ أَدَّى) أَيْ الضَّامِنُ وَهُوَ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ أَوَّلًا مِنْ مَالِهِ
(قَوْلُهُ: وَكَذَا إلَخْ) مُسْتَثْنَى، وَيُمْكِنُ دُخُولُهُ فِيمَا خَرَجَ بِمَالِهِ بِمَا ذُكِرَ مِنْ التَّوْجِيهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ بَعْدُ فِي قَوْلِنَا: لَعَلَّ وَجْهَهُ إلَخْ
(قَوْلُهُ: لَوْ ضَمِنَ سَيِّدُهُ) أَيْ بِإِذْنِهِ
(قَوْلُهُ: ثُمَّ أَدَّى بَعْدَ عِتْقِهِ) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ لَمَّا جَرَى سَبَبُ الْوُجُوبِ قَبْلَ الْعِتْقِ كَانَ الْمَغْرُومُ بِسَبَبِ الضَّمَانِ كَأَنَّهُ مِنْ مَالِ السَّيِّدِ (قَوْلُهُ: وَأَدَّاهُ قَبْلَ عِتْقِهِ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ أَدَّى بَعْدَ عِتْقِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ، وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا أَدَّاهُ الْعَبْدُ بَعْدَ عِتْقِهِ وَقَدْ ضَمِنَ سَيِّدُهُ بِأَنَّ مَا أَدَّاهُ الْعَبْدُ لَمَّا جَرَى سَبَبُهُ، وَهُوَ فِي مِلْكِ السَّيِّدِ نُزِّلَ مَنْزِلَةَ مَا غَرِمَهُ قَبْلَ الْعِتْقِ وَهُوَ بِتَقْدِيرِ ذَلِكَ إنَّمَا يُؤَدَّى مِنْ مَالِ السَّيِّدِ، وَلَا يَسُوغُ الرُّجُوعُ عَلَى السَّيِّدِ بِمَا أَدَّاهُ مِنْ مَالِهِ
(قَوْلُهُ: فَلَا رُجُوعَ) أَيْ لِأَنَّ مَا أَدَّاهُ صَارَ وَاجِبًا عَلَيْهِ بِإِعْسَارِ أَصْلِهِ.
وَعَلَى هَذَا لَوْ تَزَوَّجَ الْأَصْلُ زَوْجَتَيْنِ وَضَمِنَ صَدَاقَهُمَا الْفَرْعُ بِإِذْنِ أَصْلِهِ ثُمَّ أَعْسَرَ الْأَصْلُ فَيَنْبَغِي أَنَّ الْفَرْعَ إذَا غَرِمَ يَرْجِعُ بِصَدَاقِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِحُصُولِ الْإِعْفَافِ بِهَا وَتَكُونُ الْخِيَرَةُ لِلْفَرْعِ فِيمَا يَرْجِعُ بِهِ مِنْ الصَّدَاقَيْنِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَيْسَرَ الْمَضْمُونُ) أَيْ الْأَصْلُ (قَوْلُهُ: وَعَدَمُ الرُّجُوعِ) أَيْ فَإِنْ نَذَرَ الْأَدَاءَ وَلَمْ يَذْكُرْ الرُّجُوعَ ثُمَّ أَدَّى لَمْ يَرْجِعْ، قَالَهُ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ صَارَ وَاجِبًا فَيَقَعُ الْأَدَاءُ عَنْ الْوَاجِبِ، وَنَازَعَهُ م ر فِي نَفْسِ انْعِقَادِ النَّذْرِ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ وَاجِبٌ، وَالْوَاجِبُ لَا يَصِحُّ نَذْرُهُ اهـ.
وَقَدْ يُورَدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ الْأَدَاءُ بِالطَّلَبِ فَقَبِلَهُ لَا وُجُوبَ فَيَنْعَقِدُ، وَقَدْ يُدْفَعُ بِمَنْعِ ذَلِكَ، كَمَا أَنَّ صَلَاةَ الظُّهْرِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَاجِبَةُ الْأَدَاءِ مَعَ تَوَقُّفِ وُجُوبِ أَدَائِهَا عَلَى ضِيقِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهَا فَلْيُحَرَّرْ انْتَهَى سم عَلَى مَنْهَجٍ.
وَقَوْلُهُ: وَقَدْ يُدْفَعُ بِمَنْعِ ذَلِكَ إلَخْ فِيهِ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ نَذَرَ صَلَاةَ الظُّهْرِ لَا بِقَيْدِ أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَلَا غَيْرِهِ، فَعَدَمُ الِانْعِقَادِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْذِرْ إلَّا مَا هُوَ مُخَاطَبٌ بِهِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ نَذَرَ تَعْجِيلَهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَلَا وَجْهَ إلَّا صِحَّةُ النَّذْرِ.
وَعِبَارَةُ حَجّ بَدَلٌ وَعَدَمُ الرُّجُوعِ أَوْ عَدَمُ الرُّجُوعِ، وَهِيَ ظَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَافٍ فِي عَدَمِ الرُّجُوعِ (قَوْلُهُ: وَأَدَّى عَنْ جِهَةِ الضَّمَانِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا أَدَّى عَنْ جِهَةِ الْإِذْنِ فِي الْأَدَاءِ أَوْ أَطْلَقَ رَجَعَ، لَكِنْ فِي سم عَلَى مَنْهَجٍ مَا نَصُّهُ: قَالَ م ر: إنْ أَدَّى عَنْ جِهَةِ الْإِذْنِ السَّابِقِ رَجَعَ أَوْ عَنْ الضَّمَانِ لَا رُجُوعَ، وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَ وَقَرَّرَ فِي الْعَكْسِ كَذَلِكَ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا ضَمِنَ بِلَا إذْنٍ ثُمَّ أَدَّى بِشَرْطِ الرُّجُوعِ رَجَعَ إنْ أَدَّى عَنْ جِهَةِ الْأَدَاءِ، وَإِلَّا فَلَا اهـ فَرَاجِعْهُ.
وَفِي حَجّ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مَتَى ضَمِنَ بِلَا إذْنٍ بَعْدَ الْإِذْنِ فِي الْأَدَاءِ لَا رُجُوعَ لَهُ سَوَاءٌ قَصَدَ الْأَدَاءَ عَنْ الضَّمَانِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
أَنَّ مَحَلَّهَا إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ آخَرُ لِلْمَضْمُونِ لَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لِغَرَضِ الْغَيْرِ) أَيْ الْوَاجِبِ عَلَى ذَلِكَ الْغَيْرِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ فِي الْقَرْضِ. (قَوْلُهُ: وَأَدَّى عَنْ جِهَةِ الضَّمَانِ) خَرَجَ بِهِ مَا لَوْ أَدَّى عَنْ جِهَةِ الْإِذْنِ أَوْ أَطْلَقَ فَيَرْجِعُ، لَكِنَّ الشِّهَابَ سم نَقَلَ عَنْهُ فِي حَوَاشِي الْمَنْهَجِ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ فِي صُورَةِ الْإِطْلَاقِ، فَلَعَلَّ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ هُنَا غَيْرُ مُرَادٍ لَهُ فَلْيُرَاجَعْ

(4/461)


وَأَدَّى لَا عَنْ جِهَةِ الْإِذْنِ (فَإِنْ أَذِنَ) لَهُ (فِي الضَّمَانِ فَقَطْ) أَيْ دُونَ الْأَدَاءِ، وَلَمْ يَنْهَهُ عَنْهُ (رَجَعَ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الضَّمَانَ هُوَ الْأَصْلُ، وَالْإِذْنُ فِيهِ إذْنٌ فِيمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي لَا يَرْجِعُ لِانْتِفَاءِ الْإِذْنِ فِي الْأَدَاءِ، أَمَّا لَوْ نَهَاهُ بَعْدَ الضَّمَانِ فَلَا تَأْثِيرَ لَهُ أَوْ قَبْلَهُ وَانْفَصَلَ عَنْ الْإِذْنِ كَانَ رُجُوعًا عَنْهُ، وَإِلَّا أَفْسَدَهُ قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَقَدْ لَا يَرْجِعُ بِأَنْ أَنْكَرَ أَصْلَ الضَّمَانِ فَثَبَتَ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ مَعَ إذْنِ الْأَصِيلِ لَهُ فِيهِ فَكَذَّبَهَا، لِأَنَّهُ بِتَكْذِيبِهَا صَارَ مَظْلُومًا بِزَعْمِهِ وَالْمَظْلُومُ لَا يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِ ظَالِمِهِ وَهُوَ هُنَا الْمُسْتَحِقُّ (وَلَا عَكْسَ فِي الْأَصَحِّ) بِأَنْ ضَمِنَ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَأَدَّى بِإِذْنِهِ لِأَنَّ وُجُوبَ الْأَدَاءِ سَبَبُهُ الضَّمَانُ وَلَمْ يَأْذَنْ فِيهِ.
نَعَمْ إنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْأَدَاءِ بِشَرْطِ الرُّجُوعِ رَجَعَ، وَحَيْثُ ثَبَتَ الرُّجُوعُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْقَرْضِ حَتَّى يُرَدَّ فِي الْمُتَقَوِّمِ مِثْلُهُ صُورَةً كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ.
وَالثَّانِي: يَرْجِعُ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ الدَّيْنَ عَنْ الْأَصِيلِ بِإِذْنِهِ.

(وَلَوْ) (أَدَّى مُكَسَّرًا عَنْ صِحَاحٍ أَوْ صَالَحَ عَنْ مِائَةٍ) ضَمِنَهَا (بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ خَمْسُونَ) (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِمَا غَرِمَ) لِأَنَّهُ الَّذِي بَذَلَهُ، أَمَّا الْقَدْرُ الَّذِي حَصَلَتْ بِهِ الْمُسَامَحَةُ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى الْأَصِيلِ مَا لَمْ يَقْصِدْ الدَّائِنُ مُسَامَحَتَهُ بِهِ أَيْضًا، قَالَهُ شَارِحُ التَّعْجِيزِ.
وَالْأَوْجَهُ بَرَاءَةُ الْأَصِيلِ مِنْهُ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَمْ يُسَامِحْ هُنَا بِقَدْرٍ وَإِنَّمَا أَخَذَ بَدَلًا عَنْ الْكُلِّ، وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ صُلْحُهُ عَنْ مُكَسَّرٍ بِصَحِيحٍ، وَعَنْ عِشْرِينَ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ خَمْسُونَ فَلَا يَرْجِعُ إلَّا بِالْأَصْلِ، فَتَلَخَّصَ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِمَّا أَدَّاهُ وَالدَّيْنِ وَبِالصُّلْحِ مَا لَوْ بَاعَهُ بِمِائَةٍ ثُمَّ وَقَعَ تَقَاصٌّ فَيَرْجِعُ بِالْمِائَةِ قَطْعًا وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ الثَّوْبَ بِمَا ضَمِنَهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا مَرَّ فِي الصُّلْحِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ الْمُسَامَحَةُ بِتَرْكِ بَعْضِ الْحَقِّ، وَعَدَمِ مُقَابَلَةِ الْمُصَالَحِ بِهِ الْجَمِيعَ الْمُصَالَحَ عَنْهُ فَيَرْجِعُ بِالْأَقَلِّ، وَفِي الْبَيْعِ الْمُشَاحَّةُ، وَمُقَابَلَةُ جَمِيعِ الثَّمَنِ بِجَمِيعِ الْمَبِيعِ مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ لِشَيْءٍ مِنْهُمَا فَرَجَعَ بِالثَّمَنِ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ الصُّلْحُ بَيْعٌ أَيْضًا

وَلَوْ صَالَحَ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى بَعْضِهِ أَوْ أَدَّى بَعْضَهُ وَأَبْرَأَ مِنْ الْبَاقِي رَجَعَ بِمَا أَدَّى وَبَرِئَ فِيهِمَا، وَكَذَا الْأَصِيلُ لَكِنْ فِي صُورَةِ الصُّلْحِ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَنْ أَصْلِ الدَّيْنِ مَعَ أَنَّ لَفْظَهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَا بِالنَّظَرِ لِمَنْ جَرَى مَعَهُ يُشْعِرُ بِقَنَاعَةِ الْمُسْتَحِقِّ بِالْقَلِيلِ عَنْ الْكَثِيرِ دُونَ صُورَةِ الْإِبْرَاءِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَقَعَ لِلضَّامِنِ عَنْ الْوَثِيقَةِ دُونَ أَصْلِ الدَّيْنِ

وَلَوْ ضَمِنَ لِذِمِّيٍّ دَيْنًا عَلَى مُسْلِمٍ ثُمَّ تَصَالَحَا عَلَى خَمْرٍ لَمْ يَرْجِعْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
أَوْ بِسَبَبِ الْإِذْنِ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا (قَوْلُهُ: وَأَدَّى) أَيْ فَلَا رُجُوعَ لَهُ
(قَوْلُهُ: عَنْ جِهَةِ الْإِذْنِ) أَيْ بِأَنْ أَدَّى عَنْ جِهَةِ الضَّمَانِ أَوْ أَطْلَقَ فَلْيُتَأَمَّلْ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي النِّيَّةِ وَعَدَمِهَا صُدِّقَ الدَّافِعُ فَإِنَّ النِّيَّةَ لَا تُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَنْهَهُ عَنْهُ) أَيْ الْأَدَاءِ
(قَوْلُهُ: أَمَّا لَوْ نَهَاهُ) أَيْ عَنْ الْأَدَاءِ
(قَوْلُهُ: فَلَا تَأْثِيرَ لَهُ) أَيْ النَّهْيِ فَيَرْجِعُ بِمَا أَدَّى (قَوْلُهُ: وَانْفَصَلَ عَنْ الْإِذْنِ) بِأَنْ طَالَ الزَّمَنُ بَيْنَهُمَا
(قَوْلُهُ: كَانَ) أَيْ النَّهْيُ رُجُوعًا عَنْهُ أَيْ الْإِذْنِ، وَهُوَ صَحِيحٌ

(قَوْلُهُ: إلَّا بِمَا غَرِمَ) قَضِيَّتُهُ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ حَيْثُ ثَبَتَ الرُّجُوعُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْقَرْضِ إلَخْ أَنْ يَرْجِعَ بِمِثْلِ الثَّوْبِ لَا قِيمَتِهِ
(قَوْلُهُ: قَالَهُ شَارِحُ التَّعْجِيزِ) هُوَ ابْنُ يُونُسَ (قَوْلُهُ: فَلَا يَرْجِعُ إلَّا بِالْأَصْلِ) وَهُوَ الْمُكَسَّرُ وَالْعِشْرِينَ لِتَبَرُّعِهِ بِالزِّيَادَةِ
(قَوْلُهُ: مَا لَوْ بَاعَهُ) أَيْ الْمُصَالَحَ عَلَيْهِ
(قَوْلُهُ: فَيَرْجِعُ بِالْمِائَةِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُسَاوِ مَا بَاعَهُ مَا بَاعَ الثَّوْبَ بِهِ
(قَوْلُهُ: مَا مَرَّ فِي الصُّلْحِ) أَيْ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ خَمْسُونَ عَنْ مِائَةٍ حَيْثُ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِمَا غَرِمَ

(قَوْلُهُ: وَأَبْرَأَ) أَيْ الضَّامِنُ
(قَوْلُهُ: وَبَرِئَ) أَيْ الضَّامِنُ
(قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي صُورَةِ الصُّلْحِ) أَيْ دُونَ صُورَةِ الْإِبْرَاءِ
(قَوْلُهُ: دُونَ أَصْلِ الدَّيْنِ) أَيْ فَيُطَالَبُ بِهِ الْأَصِيلُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: بَعْدَ الضَّمَانِ) حَقُّ الْعِبَارَةِ: أَمَّا لَوْ نَهَاهُ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الضَّمَانِ إلَخْ

. (قَوْلُهُ: وَلَوْ ضَمِنَ لِذِمِّيٍّ دَيْنًا إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ وَشَرْحُهُ: وَلَوْ ضَمِنَ ذِمِّيٌّ لِذِمِّيٍّ عَنْ مُسْلِمٍ دَيْنًا فَصَالَحَ صَاحِبَهُ عَلَى خَمْرٍ لَغَا الصُّلْحُ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ أَدَاءَ الضَّامِنِ يَتَضَمَّنُ إقْرَاضَ الْأَصْلِ مَا أَدَّاهُ وَتَمَلُّكَهُ إيَّاهُ وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ هُنَا فَلَا يَبْرَأُ الْمُسْلِمُ كَمَا لَوْ دَفَعَ الْخَمْرَ بِنَفْسِهِ انْتَهَتْ.
وَعُلِمَ مِنْهَا

(4/462)


لِتَعَلُّقِهَا بِالْمُسْلِمِ وَلَا قِيمَةَ لِلْخَمْرِ عِنْدَهُ

وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُحْتَالُ الضَّامِنَ لَمْ يَرْجِعْ فِيمَا يَظْهَرُ خِلَافًا لِلْجَلَالِ الْبُلْقِينِيِّ لِأَنَّهُ لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ يَرْجِعُ بِالصِّحَاحِ وَالْمِائَةِ لِحُصُولِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ، وَالنُّقْصَانُ جَرَى مِنْ رَبِّ الْمَالِ مُسَامَحَةً لِلضَّامِنِ

(وَمَنْ) (أَدَّى دَيْنَ غَيْرِهِ) وَلَيْسَ أَبًا وَلَا جَدًّا (بِلَا ضَمَانٍ وَلَا إذْنٍ) (فَلَا رُجُوعَ) لَهُ لِتَبَرُّعِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْجَرَ مُضْطَرًّا؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إطْعَامُهُ مَعَ تَرْغِيبِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ أَمَّا الْأَبُ وَالْجَدُّ إذَا أَدَّى دَيْنَ مَحْجُورِهِ أَوْ ضَمِنَهُ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ (وَإِنْ) (أَذِنَ) لَهُ فِي الْأَدَاءِ (بِشَرْطِ الرُّجُوعِ) (رَجَعَ) عَلَيْهِ وَفَاءً بِالشَّرْطِ (وَكَذَا إنْ أَذِنَ) لَهُ إذْنًا (مُطْلَقًا) عَنْ شَرْطِ الرُّجُوعِ فَأَدَّى لَا بِقَصْدِ التَّبَرُّعِ فِيمَا يَظْهَرُ (فِي الْأَصَحِّ) كَمَا لَوْ قَالَ: اعْلِفْ دَابَّتِي، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الرُّجُوعَ، وَيُفَارِقُ مَا لَوْ قَالَ: أَطْعِمْنِي رَغِيفًا بِجَرَيَانِ الْمُسَامَحَةِ فِي مِثْلِهِ، وَمِنْ ثَمَّ لَا أُجْرَةَ فِي نَحْوِ اغْسِلْ ثَوْبِي؛ لِأَنَّ الْمُسَامَحَةَ فِي الْمَنَافِعِ أَكْثَرُ مِنْهَا فِي الْأَعْيَانِ.
وَقَوْلُ الْقَاضِي: لَوْ قَالَ لِشَرِيكِهِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ: عَمِّرْ دَارِي أَوْ أَدِّ دَيْنَ فُلَانٍ عَلَى أَنْ تَرْجِعَ عَلَيَّ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ؛ إذْ لَا يَلْزَمُهُ عِمَارَةُ دَارِهِ، وَلَا أَدَاءُ دَيْنِ غَيْرِهِ، بِخِلَافِ اقْضِ دَيْنِي وَأَنْفِقْ عَلَى زَوْجَتِي أَوْ عَبْدِي اهـ ضَعِيفٌ بِالنِّسْبَةِ لِشِقِّهِ الْأَوَّلِ لِمَا مَرَّ فِي أَوَائِلِ الْقَرْضِ أَنَّهُ مَتَى شَرَطَ الرُّجُوعَ هُنَا وَفِي نَظَائِرِهِ رَجَعَ وَفَارَقَ نَحْوَ أَدِّ دَيْنِي وَاعْلِفْ دَابَّتِي بِوُجُوبِهِمَا عَلَيْهِ فَيَكْفِي الْإِذْنُ فِيهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ الرُّجُوعُ، وَأُلْحِقَ بِذَلِكَ فِدَاءُ الْأَسِيرِ؛ لِأَنَّهُمْ اعْتَنَوْا فِي وُجُوبِ السَّعْيِ فِي تَحْصِيلِهِ مَا لَمْ يَعْتَنُوا بِهِ فِي غَيْرِهِ.
قَالَ الْقَاضِي أَيْضًا: وَلَوْ قَالَ أَنْفِقْ عَلَى امْرَأَتِي مَا تَحْتَاجُهُ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَهُ صَحَّ ضَمَانُ نَفَقَةِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ دُونَ مَا بَعْدَهُ اهـ.
وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا بَعْدَ الْأَوَّلِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ ذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لَيْسَ حَقِيقَةَ الضَّمَانِ الْمَارِّ بَلْ مَا يُرَادُ بِقَوْلِهِ: عَلَى أَنْ تَرْجِعَ عَلَيَّ بَلْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْقَاضِي نَفْسِهِ أَنَّ أَنْفِقْ عَلَى زَوْجَتِي لَا يَحْتَاجُ لِشَرْطِ الرُّجُوعِ، فَإِنْ أَرَادَ حَقِيقَةَ الضَّمَانِ فَالْأَوْجَهُ تَصْدِيقُهُ بِيَمِينِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ سِوَى الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَيُمْكِنُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: لَمْ يَرْجِعْ) عِبَارَةُ حَجّ كَشَيْخِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ يَرْجِعْ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَرْجُوحِ وَهُوَ سُقُوطُ الدَّيْنِ اهـ.
فَقَوْلُهُ لَمْ يَرْجِعْ فِي إطْلَاقِهِ مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي صِحَّةَ الصُّلْحِ
(قَوْلُهُ: لِتَعَلُّقِهَا) أَيْ الْمُصَالَحَةِ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُحْتَالَ) يُتَأَمَّلُ مَا ذُكِرَ فَإِنَّ الضَّمَانَ إنْ كَانَ قَبْلَ الْحَوَالَةِ فَقَدْ بَرِئَ الضَّامِنُ بِالْحَوَالَةِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الدَّيْنَ يَنْتَقِلُ لِلْمُحْتَالِ بِدُونِ الْوَثِيقَةِ الَّتِي بِالدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهَا فَلَا وَجْهَ لِلتَّعْبِيرِ بِالْمُحْتَالِ.
وَيُجَابُ بِأَنَّ الْحَوَالَةَ عَلَى الضَّامِنِ وَبِهَا سَقَطَ حَقُّ الْمُحِيلِ وَبَقِيَ الْحَقُّ لِلْمُحْتَالِ، فَإِذَا أَبْرَأَ الضَّامِنَ سَقَطَ الْحَقُّ عَنْ الْأَصِيلِ، وَلَا رُجُوعَ لِلضَّامِنِ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَغْرَمْ

(قَوْلُهُ: بِلَا ضَمَانٍ وَلَا إذْنٍ) لَيْسَ هَذَا مُكَرَّرًا مَعَ مَا سَبَقَ فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ انْتَفَى فِيهِمَا فَلَا؛ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ فِيمَا لَوْ وُجِدَ ضَمَانٌ وَأَدَّى بِلَا إذْنٍ فِي الضَّمَانِ وَالْأَدَاءِ وَمَا هُنَا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ ضَمَانٌ وَمَعَ ذَلِكَ أَدَّى بِلَا إذْنٍ فِي الْأَدَاءِ (قَوْلُهُ مَا لَوْ أُوجِرَ) وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ وَصَلَ إلَى حَالَةٍ لَا يُمْكِنُ الْعَقْدُ مَعَهُ فِيهَا (قَوْلُهُ: إذَا أَدَّى) أَيْ أَحَدُهُمَا
(قَوْلُهُ: أَوْ ضَمِنَهُ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ) وَيُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَا تُعْلَمُ إلَّا مِنْهُ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ قَالَ اعْلِفْ دَابَّتِي) فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِذَلِكَ
(قَوْلُهُ: أَطْعِمْنِي رَغِيفًا) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ، وَإِنْ دَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَدْفَعُ بِمُقَابِلٍ كَأَنْ قَالَ ذَلِكَ لِمَنْ حِرْفَتُهُ بَيْعُ الْخُبْزِ
(قَوْلُهُ: فِي نَحْوِ اغْسِلْ ثَوْبِي) أَيْ وَإِنْ كَانَ عَادَتُهُ الْغُسْلَ بِالْأُجْرَةِ
(قَوْلُهُ: ضَعِيفٌ بِالنِّسْبَةِ إلَخْ) أَيْ فَيَكُونُ الْمُعْتَمَدُ فِيهِ الرُّجُوعَ حَيْثُ شَرَطَهُ.
وَصُورَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْآلَةَ لِمَالِكِ الدَّارِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: عَمِّرْ دَارِي بِآلَتِك فَلَا رُجُوعَ لِتَعَذُّرِ الْبَيْعِ كَمَا مَرَّ، وَالْآلَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ حَجّ قُبَيْلَ الْحَوَالَةِ (قَوْلُهُ لِشِقِّهِ الْأَوَّلِ) هُوَ قَوْلُهُ: عَمِّرْ دَارِي أَوْ أَدِّ دَيْنَ فُلَانٍ عَلَى أَنْ تَرْجِعَ عَلَيَّ إلَخْ وَالثَّانِي هُوَ قَوْلُهُ بِخِلَافِ اقْضِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَفَارَقَ) أَيْ قَوْلُهُ: عَمِّرْ دَارِي إلَخْ (قَوْلُهُ: وَأُلْحِقَ بِذَلِكَ) أَيْ بِ أَدِّ دَيْنِي إلَخْ
(قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُهُ سِوَى الْيَوْمِ الْأَوَّلِ) يُتَأَمَّلُ وَجْهُ ذَلِكَ فَإِنَّ مَا تَأْخُذُهُ الزَّوْجَةُ تَمْلِكُهُ فَلَمْ يَبْقَ ثَمَّ أَصِيلٌ وَضَامِنٌ حَتَّى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
عَدَمُ الرُّجُوعِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ

. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُحْتَالُ الضَّامِنَ) أَيْ: بِأَنْ أَحَالَ الْمُسْتَحِقُّ ثَالِثًا عَلَى الضَّامِنِ فَأَبْرَأَهُ الْمُحْتَالُ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَرْجِعْ فِيمَا يَظْهَرُ) وَهَلْ يَسْقُطُ الدَّيْنُ عَنْ الْأَصِيلِ بِإِبْرَاءِ الْمُحْتَالِ، الظَّاهِرُ نَعَمْ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ سَقَطَ حَقُّهُ بِالْحَوَالَةِ وَالْمُحْتَالُ لَمْ يَتَوَجَّهْ مُطَالَبَتُهُ إلَّا عَلَى الضَّامِنِ لَا عَلَى الْأَصِيلِ فَلْيُرَاجَعْ، وَسَيَأْتِي أَنَّ حَوَالَةَ الْمُسْتَحِقِّ

(4/463)


حَمْلُ كَلَامِ الْقَاضِي عَلَيْهِ

وَلَوْ قَالَ بِعْ لِهَذَا بِأَلْفٍ وَأَنَا أَدْفَعُهُ لَك فَفَعَلَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْأَلْفُ خِلَافًا لِابْنِ سُرَيْجٍ

، وَلَوْ ضَمِنَ شَخْصٌ الضَّامِنَ بِإِذْنِ الْأَصِيلِ وَغَرِمَ رَجَعَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: أَدِّ دَيْنِي فَأَدَّاهُ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ لَا إذْ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْإِذْنِ الرُّجُوعُ

(وَالْأَصَحُّ أَنَّ مُصَالَحَتَهُ) أَيْ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي الْأَدَاءِ (عَلَى غَيْرِ جِنْسِ الدَّيْنِ لَا تَمْنَعُ الرُّجُوعَ) إذْ مَقْصُودُ الْإِذْنِ الْبَرَاءَةُ، وَقَدْ حَصَلَتْ فَيَرْجِعُ بِالْأَقَلِّ كَمَا مَرَّ.
وَالثَّانِي: تَمْنَعُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَذِنَ فِي الْأَدَاءِ دُونَ الْمُصَالَحَةِ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ، وَإِحَالَةُ الْمُسْتَحِقِّ عَلَى الضَّامِنِ لَهُ قَبْضٌ، وَمَتَى وَرِثَ الضَّامِنُ الدَّيْنَ رَجَعَ بِهِ مُطْلَقًا

(ثُمَّ إنَّمَا يَرْجِعُ الضَّامِنُ وَالْمُؤَدِّي) بِشَرْطِهِمَا الْمَارِّ (إذَا أَشْهَدَا بِالْأَدَاءِ) مَنْ لَمْ يُعْلَمْ سَفَرُهُ عَنْ قُرْبٍ (رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ) وَلَوْ مَسْتُورَيْنِ وَإِنْ بَاتَا فَاسِقَيْنِ لِعَدَمِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ بَاطِنًا (وَكَذَا رَجُلٌ) يَكْفِي إشْهَادُهُ (لِيَحْلِفَ مَعَهُ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ كَافٍ فِي إثْبَاتِ الْأَدَاءِ، وَإِنْ كَانَ حَاكِمُ الْبَلَدِ حَنَفِيًّا كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ.
نَعَمْ لَوْ كَانَ كُلُّ الْإِقْلِيمِ كَذَلِكَ فَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِهِ، وَالثَّانِي لَا لِاحْتِمَالِ تَرَافُعِهِمَا إلَى حَنَفِيٍّ لَا يَقْضِي بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فَكَانَ ذَلِكَ ضَرْبًا مِنْ التَّقْصِيرِ.
وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ أَحَدٌ إشْهَادَ مَنْ يَتَّفِقُ الْعُلَمَاءُ عَلَى قَبُولِهِ، وَقَوْلُهُ لِيَحْلِفَ مَعَهُ عِلَّةٌ غَائِيَّةٌ فَلَا يُشْتَرَطُ عَزْمُهُ عَلَى الْحَلِفِ حِينَ الْإِشْهَادِ فِيمَا يَظْهَرُ كَمَا أَفَادَهُ الزَّرْكَشِيُّ بَلْ أَنْ يَحْلِفَ عِنْدَ الْإِثْبَاتِ، فَقَوْلُ الْحَاوِي إنْ لَمْ يَقْصِدْهُ كَانَ كَمَنْ لَمْ يَشْهَدْ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْلِفْ أَصْلًا

(فَإِنْ) (لَمْ يَشْهَدْ) أَيْ الضَّامِنُ بِالْأَدَاءِ وَأَنْكَرَ رَبُّ الدَّيْنِ أَوْ سَكَتَ (فَلَا رُجُوعَ لَهُ إنْ أَدَّى فِي غَيْبَةِ الْأَصِيلِ وَكَذِبِهِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْأَدَاءِ وَهُوَ مُقَصِّرٌ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ (وَكَذَا إنْ صَدَّقَهُ فِي الْأَصَحِّ) لِعَدَمِ انْتِفَاعِهِ بِأَدَائِهِ، إذْ الْمُطَالَبَةُ بَاقِيَةٌ.
وَالثَّانِي يَرْجِعُ لِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّهُ أَبْرَأَ ذِمَّتَهُ بِإِذْنِهِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَأْمُرْهُ الْأَصِيلُ بِإِشْهَادٍ فَإِنْ أَمَرَهُ بِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَرْجِعْ جَزْمًا، أَوْ أَذِنَ لَهُ فِي تَرْكِهِ رَجَعَ، قَالَهُ فِي الْبَحْرِ وَجَزَمَ بِهِ الدَّارِمِيُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
يُوجَدَ فِيهِ حَقِيقَةُ الضَّمَانِ بَلْ الدَّافِعُ كَالْمُقْرِضِ وَالْآذِنُ كَالْمُقْتَرِضِ، إلَّا أَنْ يُصَوِّرَ كَلَامَ الْقَاضِي بِمَا لَوْ صَدَرَ ذَلِكَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَيَتِمَّ مَا ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ تَجِبُ بِطُلُوعِ فَجْرِهِ فَتُوجَدُ فِيهَا حَقِيقَةُ الضَّمَانِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ صِحَّةُ ضَمَانِ نَفَقَةِ الْيَوْمِ، وَمَا قَبْلَهُ، بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْغَدِ، وَمَعَ ذَلِكَ فِيهِ شَيْءٌ فَإِنَّهَا، وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَى الزَّوْجِ فَالْمُنْفِقُ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنَّمَا أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ بِمُقْتَضَى قَوْلِهِ عَلَى أَنَّى ضَامِنٌ لَهُ

(قَوْلُهُ: خِلَافًا لِابْنِ سُرَيْجٍ) مِثْلُهُ فِي حَجّ وَتَقَدَّمَ لَهُ فِيمَا لَوْ قَالَ: أَقْرِضْهُ كَذَا، وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ مَا يُخَالِفُهُ فَلْيُرَاجَعْ

(قَوْلُهُ: بِإِذْنِ) مُتَعَلِّقٌ بِ ضَمِنَ، وَهُوَ شَامِلٌ لِمَا لَوْ لَمْ يَأْذَنْ الْأَصِيلُ لِلضَّامِنِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: الْأَصِيلِ) مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ
(قَوْلُهُ: وَغَرِمَ) أَيْ الضَّامِنُ الثَّانِي
(قَوْلُهُ: رَجَعَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْأَصِيلِ

(قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ فِيمَا لَوْ ضَمِنَ بِالْإِذْنِ، وَصَالَحَ عَنْ الدَّيْنِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ
(قَوْلُهُ: قَبْضٌ) أَيْ فَيَرْجِعُ عَلَى الْأَصِيلِ بِمُجَرَّدِ الْحَوَالَةِ، وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ لِلْمُحْتَالِ، وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يُبْرِئْهُ الْمُحْتَالُ لَيْلًا ثُمَّ مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُحْتَالُ الضَّامِنَ لَمْ يَرْجِعْ إلَخْ، ثُمَّ رَأَيْت فِي الْخَطِيبِ هُنَا مَا نَصُّهُ: فُرُوعٌ: لَوْ أَحَالَ الْمُسْتَحِقَّ عَلَى الضَّامِنِ ثُمَّ أَبْرَأَ الْمُحْتَالُ الضَّامِنَ هَلْ يَرْجِعُ الضَّامِنُ عَلَى الْأَصِيلِ أَوْ لَا؟ رَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ الْأَوَّلَ، وَالْمُعْتَمَدُ الثَّانِي لِقَوْلِ الْأَصْحَابِ إذَا غَرِمَ رَجَعَ بِمَا غَرِمَ وَهَذَا لَمْ يَغْرَمْ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ وَهَبَهُ الْمُسْتَحِقُّ الدَّيْنَ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَبَضَهُ مِنْهُ ثُمَّ وَهَبَهُ لَهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ، كَمَا لَوْ وَهَبَتْ الْمَرْأَةُ الصَّدَاقَ لِلزَّوْجِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَبْرَأَتْهُ مِنْهُ قَبْلَ قَبْضِهَا فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ اهـ وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَاهُ
(قَوْلُهُ: رَجَعَ بِهِ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ أَدَّاهُ لِمُوَرِّثِهِ أَوْ لَا

(قَوْلُهُ: عَنْ قُرْبٍ) أَيْ عُرْفًا فِيمَا يَظْهَرُ، وَيُحْتَمَلُ ضَبْطُهُ بِمَنْ لَا يُعْلَمُ سَفَرُهُ قَبْلَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ اهـ حَجّ
(قَوْلُهُ: فَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِهِ) أَيْ الرَّجُلِ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَقْصِدْهُ) أَيْ الْحَلِفَ

(قَوْلُهُ: رَجَعَ) أَيْ إنْ صَدَّقَهُ الْأَصِيلُ فِي الدَّفْعِ
(قَوْلُهُ: قَالَهُ فِي الْبَحْرِ) أَيْ لِلرُّويَانِيِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَبْضٌ

. (قَوْلُهُ: وَمَتَى وَرِثَ الضَّامِنُ الدَّيْنَ رَجَعَ بِهِ مُطْلَقًا) أَيْ: سَوَاءٌ ضَمِنَ بِالْإِذْنِ أَمْ بِدُونِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ لَهُ وَهُوَ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالرُّجُوعِ وَإِنْ كَانَتْ الصُّورَةُ أَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُمْ نَزَّلُوا انْتِقَالَ الدَّيْنِ لَهُ بِالْإِرْثِ مَنْزِلَةَ

(4/464)


فِي الثَّانِيَةِ وَلَوْ لَمْ يَشْهَدْ ثُمَّ أَدَّى ثَانِيًا وَأَشْهَدَ فَهَلْ يَرْجِعُ بِالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ الْمُبْرِئُ لِلذِّمَّةِ أَوْ بِالثَّانِي؛ لِأَنَّهُ الْمُسْقِطُ لِلضَّمَانِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ تَظْهَرُ فَائِدَتُهُمَا فِيمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا صِحَاحًا، وَالْآخَرُ مُكَسَّرًا مَثَلًا، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ بِأَقَلِّهِمَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَهُوَ بِزَعْمِهِ مَظْلُومٌ بِالثَّانِي، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَهُوَ الْمُبْرِئُ لِكَوْنِهِ أَشْهَدَ بِهِ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْأَصِيلِ مِنْ الزَّائِدِ (فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمَضْمُونُ لَهُ) أَوْ وَارِثُهُ الْخَاصُّ لَا الْعَامُّ، وَقَدْ كَذَّبَهُ الْأَصِيلُ، وَلَا بَيِّنَةَ عَلَى مَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ، وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ لِسُقُوطِ الطَّلَبِ بِذَلِكَ حَيْثُ اعْتَرَفَ الْوَارِثُ الْمَذْكُورُ بِقَبْضِهِ.
أَمَّا إقْرَارُ الْعَامِّ بِقَبْضِ الْمُوَرِّثِ فَغَيْرُ مَقْبُولٍ كَإِقْرَارِ الْوَلِيِّ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ (أَوْ أَدَّى بِحَضْرَةِ الْأَصِيلِ) وَأَنْكَرَ الْمَضْمُونُ لَهُ (رَجَعَ عَلَى الْمَذْهَبِ) لِسُقُوطِ الطَّلَبِ فِي الْأُولَى بِإِقْرَارِ ذِي الْحَقِّ، وَلِأَنَّ الْمُقَصِّرَ هُوَ الْأَصِيلُ فِي الثَّانِيَةِ حَيْثُ لَمْ يَحْتَطْ لِنَفْسِهِ، وَكَالضَّامِنِ فِيمَا ذُكِرَ الْمُؤَدِّي.
نَعَمْ يَظْهَرُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ تَصْدِيقُهُ فِي نَحْوِ: أَطْعِمْ دَابَّتِي، وَأَنْفِقْ عَلَى مَحْجُورِي فِي أَصْلِ الْإِطْعَامِ وَالْإِنْفَاقِ، وَفِي قَدْرِهِ حَيْثُ كَانَ مُحْتَمَلًا كَمَا هُوَ قِيَاسُ مَا يَأْتِي فِي نَحْوِ تَعْمِيرِ الْمُسْتَأْجِرِ وَإِنْفَاقِ الْوَصِيِّ، وَالثَّانِي فِي الْأُولَى يَقُولُ تَصْدِيقُ رَبِّ الدَّيْنِ لَيْسَ حُجَّةً عَلَى الْأَصِيلِ

وَلَوْ قَالَ أَشْهَدْت بِالْأَدَاءِ شُهُودًا وَمَاتُوا أَوْ غَابُوا أَوْ طَرَأَ فِسْقُهُمْ وَكَذَّبَهُ الْأَصِيلُ فِي الْإِشْهَادِ قُبِلَ قَوْلُ الْأَصِيلِ بِيَمِينِهِ وَلَا رُجُوعَ، وَإِنْ كَذَّبَهُ الشُّهُودُ فَكَمَا لَوْ لَمْ يَشْهَدْ، وَإِنْ قَالُوا لَا نَدْرِي وَرُبَّمَا نَسِينَا فَلَا رُجُوعَ كَمَا رَجَّحَهُ الْإِمَامُ

وَلَوْ شَهِدَ الْأَصِيلُ لِآخَرَ بِأَنَّهُ لَمْ يَضْمَنْ قُبِلَتْ مَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الضَّمَانِ عَنْهُ كَذَا قِيلَ، وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ إذْ هُوَ نَفْيُ غَيْرِ مَحْصُورٍ، وَلَا تُقْبَلُ بِهِ الشَّهَادَةُ، فَإِنْ حُمِلَ عَلَى نَفْيِ مَحْصُورٍ كَوَقْتٍ مُعَيَّنٍ كَانَ صَحِيحًا وَلِلضَّامِنِ بَاطِنًا إذَا أَدَّى لِلْمُسْتَحِقِّ فَأَنْكَرَ وَطَالَبَ الْأَصِيلَ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ اسْتَوْفَى الْحَقَّ الْمُدَّعَى بِهِ كَشَهَادَةِ بَعْضِ قَافِلَةٍ عَلَى قُطَّاعٍ أَنَّهُمْ قَطَعُوا الطَّرِيقَ مَا لَمْ يَقُولُوا عَلَيْنَا ذَكَرَهُ الْقَفَّالُ

وَلَوْ ضَمِنَ صَدَاقَ زَوْجَةِ ابْنِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَمَاتَ وَلَهُ تَرِكَةٌ فَلَهَا أَنْ تُغَرِّمَ الْأَبَ وَتَفُوزَ بِإِرْثِهَا مِنْ التَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ، وَقَوْلُ الْفَزَارِيِّ لَهُ الِامْتِنَاعُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
(قَوْلُهُ: فِي الثَّانِيَةِ) هِيَ قَوْلُهُ أَوْ أَذِنَ لَهُ فِي تَرْكِهِ إلَخْ
(قَوْلُهُ: قَالَ فِي الرَّوْضَةِ) هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ) أَيْ الْأَقَلَّ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ) أَيْ فَتَصْدِيقُ الْعَامِّ كَالْخَاصِّ
(قَوْلُهُ: الْوَارِثُ الْمَذْكُورُ) أَيْ الْعَامُّ كَالْخَاصِّ
(قَوْلُهُ: بِقَبْضِهِ) بِأَنْ اعْتَرَفَ الْوَارِثُ بِأَنَّهُ قَبَضَ مِنْ الضَّامِنِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ صَدَقَ الضَّامِنُ فِي أَنَّهُ دَفَعَ لِلْمَضْمُونِ لَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ وَهِيَ صُورَةُ الْإِقْرَارِ الْمَذْكُورَةُ
(قَوْلُهُ: وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْأَوَّلِ) هُوَ قَوْلُهُ وَلَا بَيِّنَةَ عَلَى مَا بَحْثَهُ إلَخْ
(قَوْلُهُ: عَلَيْهِ) عَلَى قَوْلِهِ أَمَّا إقْرَارُ الْعَامِّ إلَخْ
(قَوْلُهُ: فِي الْأُولَى) هِيَ قَوْلُهُ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمَضْمُونُ

(قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالُوا: لَا نَدْرِي إلَخْ) فِي ع هَذَا التَّفْصِيلُ بَيْنَ الْإِشْهَادِ وَتَرْكِهِ وَكَوْنُهُ بِحَضْرَةِ الْأَصِيلِ أَوْ لَا وَكَوْنُ الْمُسْتَحِقِّ مُصَدَّقًا عَلَى الْأَدَاءِ أَوْ لَا يُجْرَى مِثْلُهُ فِي أَدَاءِ الْوَكِيلِ، فَحَيْثُ رَجَعَ الْمُؤَدِّي هُنَا خَرَجَ الْوَكِيلُ عَنْ الْعُهْدَةِ، وَحَيْثُ لَا فَلَا، إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ مَا لَوْ وَكَّلَهُ بِأَدَاءِ شَيْءٍ لِمَنْ لَا دَيْنَ لَهُ عَلَيْهِ فَأَدَّاهُ بِغَيْرِ حُضُورِ الْمُوَكِّلِ بِغَيْرِ إشْهَادٍ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيَبْرَأُ عَنْ الْعُهْدَةِ م ر فَلْيُرَاجَعْ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ: أَقُولُ: وَهُوَ وَاضِحٌ إنْ أَذِنَ فِي الْأَدَاءِ لِمَنْ لَا دَيْنَ لَهُ عَلَيْهِ عَلَى جِهَةِ التَّبَرُّعِ.
أَمَّا إنْ أَمَرَهُ بِدَفْعِهِ لِمَنْ يَتَصَرَّفُ لَهُ فِيهِ بِبَيْعٍ أَوْ نَحْوِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالدَّيْنِ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ شَهِدَ الْأَصِيلُ) أَيْ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ (قَوْلُهُ: لِآخَرَ) أَيْ مَنْ ادَّعَى رَبُّ الدَّيْنِ أَنَّهُ ضَامِنٌ
(قَوْلُهُ: قُبِلَتْ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ) أَيْ الْأَصِيلَ

(قَوْلُهُ: بِغَيْرِ إذْنِهِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
الْأَدَاءِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ

(4/465)


مِنْ الْأَدَاءِ لِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِالتَّرِكَةِ تَعَلُّقَ شَرِكَةٍ فَقُدِّمَ مُتَعَلَّقُ الْعَيْنِ عَلَى مُتَعَلَّقِ الذِّمَّةِ كَدَيْنٍ بِهِ رَهْنٌ لَا يَلْزَمُ الْأَدَاءُ مِنْ غَيْرِهِ مَرْدُودٌ، وَمَا عَلَّلَ بِهِ مَمْنُوعٌ، وَالْخِيَرَةُ فِي الْمُطَالَبَةِ لِلْمَضْمُونِ لَهُ لَا لِلضَّامِنِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الضَّمَانَ كَالرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ ضَمُّ ذِمَّةٍ، وَالرَّهْنُ ضَمُّ عَيْنٍ إلَى ذِمَّةٍ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ

وَلَوْ بَاعَ مِنْ اثْنَيْنِ وَشَرَطَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَكُونُ ضَامِنًا لِلْآخَرِ بَطَلَ الْبَيْعُ.
قَالَ السُّبْكِيُّ: وَرَأَيْت ابْنَ الرِّفْعَةِ فِي حِسْبَتِهِ يَمْنَعُ أَهْلَ سُوقِ الرَّقِيقِ مِنْ الْبَيْعِ مُسْلَمًا.
وَمَعْنَاهُ إلْزَامُ الْمُشْتَرِي بِمَا يَلْحَقُ الْبَائِعَ مِنْ الدَّلَالَةِ وَغَيْرِهَا، قَالَ: وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالرَّقِيقِ، وَهَذَا إذَا كَانَ مَجْهُولًا، فَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا فَلَا، وَكَأَنَّهُ جَعَلَ جُزْءًا مِنْ الثَّمَنِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ ضَمَانِ أَحَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ لِلْآخَرِ لَا يُمْكِنُ فِيهَا ذَلِكَ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَكِنَّهُ هُنَا شَرَطَ عَلَيْهِ أَمْرًا آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَدْفَعَ كَذَا إلَى جِهَةِ كَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُبْطِلًا مُطْلَقًا اهـ وَهُوَ كَمَا قَالَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ الِابْنِ
(قَوْلُهُ: فَلَهَا أَنْ تُغَرِّمَ الْأَبَ) فَإِنْ امْتَنَعَ أُجْبِرَ أَيْ: وَلَهَا الْأَخْذُ مِنْ عَيْنِ التَّرِكَةِ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا رُجُوعَ) أَيْ لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِي الضَّمَانِ
(قَوْلُهُ: وَقَوْلُ الْفَزَارِيِّ لَهُ) أَيْ لِلْأَبِ

(قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) مَعْلُومًا كَانَ أَوْ لَا (قَوْلُهُ: وَهُوَ كَمَا قَالَ) هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ سم عَلَى مَنْهَجٍ عَنْهُ هُنَا مِنْ قَوْلِهِ: وَحَاصِلُ مَا قَرَّرَهُ م ر أَنَّهُ لَوْ قَالَ: بِعْتُك بِكَذَا دَلَالَةً وَثَمَنًا صَحَّ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الدَّلَالَةَ عَلَى وَذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ بِكَذَا سَالِمًا وَأَرَادَ أَنَّ الدَّلَالَةَ عَلَى الْمُشْتَرِي بَطَلَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيْهِ فَهُوَ شَرْطٌ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَلَمَّا قَدَّمَهُ عَنْهُ فِي بَابِ التَّوْلِيَةِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ قَالَ: بِعْتُك بِمَا قَامَ عَلَيَّ إلَخْ مِنْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ الْتَزَمَ أُجْرَةَ الْكَيَّالِ مُعَيَّنَةً أَوْ أُجْرَةَ دَلَّالِ الْمَبِيعِ مُعَيَّنَةً صَحَّ وَكَانَتْ عَلَيْهِ اهـ فَلْيُرَاجَعْ وَلْيُتَأَمَّلْ، وَمَعَ ذَلِكَ فَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الشَّرْحِ هُنَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْأَوَّلِ) أَيْ قَوْلُهُ: لَا الْعَامُّ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ. (قَوْلُهُ: تَصْدِيقُهُ) أَيْ: الْمُطْعِمِ أَوْ الْمُنْفِقِ الْآتِي ذِكْرُهُمَا وَهَذَا اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا عُلِمَ مِنْ الْمَتْنِ مِنْ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ إلَّا إذَا صَدَّقَهُ الْمَضْمُونُ لَهُ أَوْ أَدَّى بِحَضْرَةِ الْأَصِيلِ (قَوْلُهُ: وَالثَّانِي فِي الْأُولَى إلَخْ) أَسْقَطَ ذِكْرَ الثَّانِي فِي الثَّانِيَةِ وَعِبَارَةُ الْجَلَالِ فِيهِ: وَفِي الثَّانِيَةِ يَقُولُ لَمْ يَنْتَفِعْ الْأَصِيلُ بِالْأَدَاءِ لِتَرْكِ الْإِشْهَادِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ الْمُقَصِّرُ بِتَرْكِ الْإِشْهَادِ

. (قَوْلُهُ: وَلَوْ شَهِدَ الْأَصِيلُ لِآخَرَ) وَهُوَ مَنْ ادَّعَى ضَمَانَهُ

(4/466)


«مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» (حَدِيثٌ شَرِيفٌ) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الشِّرْكَةِ
بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ، وَحُكِيَ فَتْحٌ فَكَسْرٌ وَفَتْحٌ فَسُكُونٌ، وَقَدْ تُحْذَفُ تَاؤُهَا فَتَصِيرُ بِمَعْنَى النَّصِيبِ.
وَهِيَ لُغَةً: الِاخْتِلَاطُ. وَشَرْعًا: ثُبُوتُ الْحَقِّ شَائِعًا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ أَوْ عَقْدٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ الْخَبَرُ الصَّحِيحُ الْقُدْسِيُّ «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَإِذَا خَانَهُ خَرَجْت مِنْ بَيْنِهِمَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ.
وَالْمَعْنَى: أَنَا مَعَهُمَا بِالْحِفْظِ وَالْإِعَانَةِ فَأَمُدُّهُمَا بِالْمُعَاوَنَةِ فِي أَمْوَالِهِمَا وَإِنْزَالِ الْبَرَكَةِ فِي تِجَارَتِهِمَا، فَإِذَا وَقَعَتْ الْخِيَانَةُ بَيْنَهُمَا رَفَعْت الْبَرَكَةَ وَالْإِعَانَةَ عَنْهُمَا، وَهُوَ مَعْنَى خَرَجْت مِنْ بَيْنِهِمَا.
وَمَقْصُودُ الْبَابِ شَرِكَةٌ تَحْدُثُ بِالِاخْتِيَارِ بِقَصْدِ التَّصَرُّفِ وَتَحْصِيلِ الرِّبْحِ وَلَيْسَتْ عَقْدًا مُسْتَقِلًّا، بَلْ هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ وَكَالَةٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ