نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج

 [كِتَابُ الْإِجَارَةِ]
ُ بِتَثْلِيثِ الْهَمْزَةِ وَالْكَسْرِ أَفْصَحُ، وَهِيَ لُغَةٌ: اسْمٌ لِلْأُجْرَةِ ثُمَّ اُشْتُهِرَتْ فِي الْعَقْدِ: وَشَرْعًا: تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ بِعِوَضٍ بِالشُّرُوطِ الْآتِيَةِ مِنْهَا عِلْمُ عِوَضِهَا وَقَبُولُهَا لِلْبَذْلِ وَالْإِبَاحَةِ، فَخَرَجَ بِالْأَخِيرِ نَحْوُ مَنْفَعَةِ الْبُضْعِ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَمْلِكْهَا وَإِنَّمَا مَلَكَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا وَبِالْعِلْمِ الْمُسَاقَاةُ وَالْجَعَالَةُ عَلَى عَمَلٍ مَجْهُولٍ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْأَوَّلِ عِلْمُ الْعِوَضِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَكُونُ مَعْلُومًا كَأَنْ سَاقَاهُ عَلَى ثَمَرَةٍ مَوْجُودَةٍ، وَقَدْ تَقَعُ الثَّانِيَةُ عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَمُنَازَعَةُ الْإِسْنَوِيِّ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَا مَرْدُودَةٌ، إذْ مُفَادُهَا وَقَوْلُهُ الْإِرْضَاعُ لِلْآبَاءِ وَهُوَ مُسْتَلْزِمُ الْإِذْنِ لَهُنَّ فِيهِ بِعِوَضٍ وَإِلَّا كَانَ تَبَرُّعًا، وَهَذَا الْإِذْنُ بِالْعِوَضِ هُوَ الْعَقْدُ، وَقَوْلُهُ أَيْضًا {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ} [الطلاق: 6] الْآيَةَ، وَأَخْبَارٌ كَاسْتِئْجَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصِّدِّيقُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي الدِّيلِ يُقَالُ لَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
كِتَابُ الْإِجَارَةِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ اُشْتُهِرَتْ) أَيْ لُغَةً عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَشَرْعًا (قَوْلُهُ وَقَبُولِهَا لِلْبَذْلِ وَالْإِبَاحَةِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى الْبَذْلِ، وَيَدُلُّ مَا عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي بَيَانِ الْمُحْتَرَزِ: فَخَرَجَ بِالْأَخِيرِ وَبِالْعِلْمِ (قَوْلُهُ: نَحْوُ مَنْفَعَةِ الْبُضْعِ) أَيْ فَلَا تَصِحُّ أُجْرَةُ الْجَوَارِي لِلْوَطْءِ، وَقَوْلُهُ عَلَى أَنَّ إلَخْ أَشَارَ بِهِ إلَى عَدَمِ وُرُودِ عَقْدِ النِّكَاحِ (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ) أَيْ فَلَا حَاجَةَ لِلْإِخْرَاجِ (قَوْلُهُ: وَبِالْعِلْمِ) أَيْ بِالْعِوَضِ (قَوْلُهُ عَلَى عَمَلٍ) قَيَّدَ فِي الْجَعَالَةِ فَإِنَّ عَمَلَهَا قَدْ يَكُونُ مَعْلُومًا، بِخِلَافِ الْمُسَاقَاةِ فَإِنَّ عَمَلَهَا مَجْهُولٌ دَائِمًا. نَعَمْ عِوَضُهَا قَدْ يَكُونُ مَعْلُومًا كَأَنْ عَقَدَ عَلَى ثَمَرَةٍ مَوْجُودَةٍ (قَوْلُهُ: فَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ الْمُسَاقَاةُ أَشَارَ بِهِ إلَى دَفْعِ مَا أَوْرَدَ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ التَّعْرِيفَ غَيْرُ مَانِعٍ إذْ يَدْخُلُ فِيهِ الْمُسَاقَاةُ إذَا كَانَ عِوَضُهَا مَعْلُومًا وَالْجَعَالَةُ إذَا كَانَ عَمَلُهَا مَعْلُومًا. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْعَمَلِ وَالْعِوَضِ شَرْطٌ فِي الْإِجَارَةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ شَرْطًا فِي الْمُسَاقَاةِ وَالْجَعَالَةِ وَإِنْ اتَّفَقَ وُجُودُهُ. وَاعْتَرَضَ سم عَلَى حَجّ هَذَا الْجَوَابَ بِأَنَّ عَدَمَ الِاشْتِرَاطِ لَا دَخْلَ لَهُ فِي دَفْعِ الِاعْتِرَاضِ، لِأَنَّهُ مَتَى دَخَلَ فِي التَّعْرِيفِ فَرْدٌ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ مَانِعًا اهـ. وَأَقُولُ أَمَّا الْمُسَاقَاةُ فَلَا تُرَدُّ لِأَنَّ الْعِوَضَ وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا لَكِنَّ الْعَمَلَ مَجْهُولٌ فَلَا تَصْدُقُ الْإِجَارَةُ عَلَيْهَا، وَأَمَّا الْجَعَالَةُ فَيُمْكِنُ إخْرَاجُهَا بِأَنْ يُزَادُ فِي التَّعْرِيفِ مَا يُؤْخَذُ مِنْ صِيغَتِهَا الْآتِيَةِ أَنَّهَا بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ أَوْ نَحْوِهَا (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ) أَيْ الْعِوَضُ (قَوْلُهُ {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ} [الطلاق: 6] الْآيَةَ) قَالَ حَجّ: وَلَك أَنْ تَقُولَ إنْ أَرَادَ الْمُنَازَعَةَ عَلَى أَصْلِ الْإِيجَارِ فَرَدُّهُ بِمَا ذُكِرَ وَاضِحٌ، أَوْ مَعَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ لَمْ يَصْلُحْ ذَلِكَ لِرَدِّهِ إذْ لَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى الْقَبُولِ لَفْظًا بِوَجْهٍ، وَالصَّدِيقُ مَفْعُولٌ مَعَهُ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى الضَّمِيرِ فَهُوَ بِالْجَرِّ (قَوْلُهُ: مِنْ بَنَى الدِّيلِ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَسُكُونِ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
كِتَابُ الْإِجَارَةِ (قَوْلُهُ: مِنْهَا عُلِمَ عِوَضُهَا) يَعْنِي عِوَضَ الْإِجَارَةِ الشَّامِلَ لِلْمَنْفَعَةِ وَالْأُجْرَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي: وَبِالْعِلْمِ الْمُسَاقَاةُ وَالْجَعَالَةُ عَلَى عَمَلٍ مَجْهُولٍ، أَمَّا الضَّمِيرُ فِي قَبُولِهَا فَهُوَ لِلْمَنْفَعَةِ بِدَلِيلِ مَا أَخْرَجَهُ بِذَلِكَ أَيْضًا.
وَلَك أَنْ تَقُولَ: إذَا كَانَ الضَّمِيرُ فِي عِوَضِهَا لِلْإِجَارَةِ كَمَا تَقَرَّرَ فَلَا تَرِدُ الْمُسَاقَاةُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْعِوَضَيْنِ فِيهَا وَهُوَ الْعَمَلُ لَا يَكُونُ إلَّا مَجْهُولًا فَهِيَ خَارِجَةٌ بِاشْتِرَاطِ الْعِلْمِ فِي الْعِوَضَيْنِ هُنَا. (قَوْلُهُ: عَلَى عَمَلٍ مَجْهُولٍ) فِيهِ أَنَّ الْجَدَّ حِينَئِذٍ غَيْرُ مَانِعٍ لِدُخُولِ

(5/261)


عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأُرَيْقِطِ، وَأَمَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمُؤَاجَرَةِ، وَالْحَاجَةُ بَلْ الضَّرُورَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا. .

أَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ: صِيغَةٌ وَأُجْرَةٌ، وَمَنْفَعَةٌ، وَعَاقِدٌ. وَلِكَوْنِهِ الْأَصْلَ بَدَأَ بِهِ فَقَالَ (شَرْطُهُمَا) أَيْ الْمُؤَجِّرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ الدَّالِ عَلَيْهِمَا لَفْظُ الْإِجَارَةِ (كَبَائِعٍ وَمُشْتَرٍ) لِأَنَّهَا صِنْفٌ مِنْ الْبَيْعِ، فَاشْتُرِطَ فِي عَاقِدِهَا مَا يُشْتَرَطُ فِي عَاقِدِهِ مِمَّا مَرَّ كَالرُّشْدِ وَعَدَمِ الْإِكْرَاهِ بِغَيْرِ حَقٍّ. نَعَمْ اسْتِئْجَارُ كَافِرٍ لِمُسْلِمٍ وَلَوْ إجَارَةَ عَيْنٍ صَحِيحٍ لَكِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ، وَمِنْ ثَمَّ أُجْبِرَ فِيهَا عَلَى إيجَارِهِ لِمُسْلِمٍ وَإِيجَارِ سَفِيهٍ نَفْسَهُ لِمَا لَا يَقْصِدُ مِنْ عَمَلِهِ كَالْحَجِّ لِجَوَازِ تَبَرُّعِهِ بِهِ. وَيَصِحُّ بَيْعُ السَّيِّدِ لِلْعَبْدِ نَفْسَهُ لَا إجَارَتُهُ إيَّاهَا لِإِفْضَاءِ بَيْعِهِ إلَى عِتْقِهِ فَاغْتُفِرَ فِيهِ مَا لَمْ يُغْتَفَرْ فِي الْإِجَارَةِ لِعَدَمِ أَدَائِهَا إلَيْهِ. وَلَوْ كَانَ لِوَقْفِ نَاظِرَانِ فَأَجَّرَ أَحَدَهُمَا الْآخَرَ أَرْضًا لِلْوَقْفِ صَحَّ إنْ اسْتَقَلَّ كُلٌّ مِنْهُمَا وَإِلَّا فَلَا عَلَى مَا بَحَثَهُ الْعِرَاقِيُّ، وَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ فِي الْوَصِيَّيْنِ وَالْعَامِلَيْنِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
وَقِيلَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ مَهْمُوزًا اهـ فَتْحُ الْبَارِي أَيْ لِيَدُلَّهُمْ عَلَى طَرِيقِ الْمَدِينَةِ حِينَ الْهِجْرَةِ (قَوْلُهُ بِالْمُؤَاجَرَةِ) هُوَ بِالْهَمْزِ، يَقُولُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ أَجَّرَهُ إيجَارًا وَمُؤَاجَرَةً، وَيَجُوزُ إبْدَالُ الْهَمْزَةِ وَاوًا لِكَوْنِهِ مَفْتُوحًا بَعْدَ ضَمَّةٍ (قَوْلُهُ: دَاعِيَةٌ إلَيْهَا) أَيْ الْإِجَارَةِ.

(قَوْلُهُ: كَبَائِعٍ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إجَارَةٌ لِلْأَعْمَى لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ. نَعَمْ لَهُ أَنْ يُؤْجِرَ نَفْسَهُ كَمَا لِلْعَبْدِ الْأَعْمَى أَنْ يَشْتَرِيَ نَفْسَهُ، قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذِّبِ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ، وَكَذَا لِلْغَيْرِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ ذِمَّتَهُ لِأَنَّهَا سَلَمٌ. وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ وَكَذَا لِلْغَيْرِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ ذِمَّتَهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ أَنْ يَلْزَمَ ذِمَّةَ الْغَيْرِ، وَقِيَاسُ مَا فِي السَّلَمِ مِنْ جَوَازِ كَوْنِهِ مُسْلِمًا وَمُسْلَمًا إلَيْهِ جَوَازُ ذَلِكَ هُنَا، وَقَوْلُهُ كَبَائِعٍ: أَيْ كَشَرْطِ بَائِعٍ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا صِنْفٌ مِنْ الْبَيْعِ) أَيْ لِأَنَّهَا فِي الْمَنَافِعِ، وَالسَّلَمُ صِنْفٌ مِنْ الْبَيْعِ (قَوْلُهُ: نَعَمْ اسْتِئْجَارُ كَافِرٍ إلَخْ) هُوَ وَمَا بَعْدَهُ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ كَبَائِعٍ وَمُشْتَرٍ مِنْ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ إجَارَةُ السَّفِيهِ كَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَمِنْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ الْكَافِرِ مُسْلِمًا كَمَا لَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ لَهُ (قَوْلُهُ: لَكِنَّهَا) أَيْ إجَارَةُ الْعَيْنِ، وَمَفْهُومُهُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ (قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ أُجْبِرَ إلَخْ) مُجَرَّدُ الْكَرَاهَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِجْبَارَ عَلَى إزَالَةِ الْيَدِ عَنْهُ. وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَمِنْ ذَلِكَ يُجْبَرُ عَلَى إيجَارِهِ إلَخْ. وَقَوْلُهُ فِيهَا: أَيْ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ (قَوْلُهُ: عَلَى إيجَارِهِ) أَيْ فَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ وَخَدَمَهُ بِنَفْسِهِ اسْتَحَقَّ الْإِجَارَةَ الْمُسَمَّاةَ (قَوْلُهُ: لِمَا لَا يَقْصِدُ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ غَنِيًّا بِمَالِهِ عَنْ كَسْبٍ يَصْرِفُهُ عَلَى نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَمَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ أَخْذًا مِمَّا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ فِي بَابِ الْحَجْرِ (قَوْلُهُ: وَيَصِحُّ بَيْعُ السَّيِّدِ لِلْعَبْدِ نَفْسَهُ) أَيْ وَأَمَّا لَوْ وَكَّلَ شَخْصٌ عَبْدًا فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ أَوْ اسْتِئْجَارِهَا لِمُوَكِّلِهِ فَيَصِحُّ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْخِيَارِ (قَوْلُهُ: وَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ) وَهُوَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ امْتِنَاعُ مُعَامَلَةِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ مُطْلَقًا خِلَافًا لحج ثَمَّ وَهُنَا عِبَارَةُ الشَّارِحِ ثُمَّ، وَلَوْ كَانَ لَهُ عَامِلَانِ مُسْتَقِلَّانِ فَهَلْ لِأَحَدِهِمَا مُعَامَلَةُ الْآخَرِ؟ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا نَعَمْ إنْ أَثْبَتَ الْمَالِكُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الِاسْتِقْلَالَ بِالتَّصَرُّفِ أَوْ الِاجْتِمَاعَ فَلَا كَالْوَصِيَّيْنِ عَلَى مَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِيهِمَا وَرَجَّحَهُ غَيْرُهُ، لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ كَمَا فِي آدَابِ الْقَضَاءِ لِلْإِصْطَخْرِيِّ مَنْعُ بَيْعِ أَحَدِهِمَا فَيَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ فِي الْعَامِلَيْنِ، لَكِنَّ حَجّ إنَّمَا ذَكَرَ الصِّحَّةَ فِيمَا لَوْ اشْتَرَى أَحَدُ وَصِيَّيْنِ مِنْ الْآخَرِ شَيْئًا لِأَحَدِ مَحْجُورِيهِمَا مِنْ مَالِ الْآخَرِ، وَعَلَّلَ الصِّحَّةَ فِيهِ بِعَدَمِ التُّهْمَةِ، بِخِلَافِ النَّاظِرَيْنِ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا يَشْتَرِي لِنَفْسِهِ مِنْ الْآخَرِ وَفِيهِ تُهْمَةٌ، فَإِنْ حُمِلَ كَلَامُ الشَّارِحِ فِي الْوَصِيَّيْنِ عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا يَشْتَرِي لِنَفْسِهِ مِنْ الْآخَرِ كَانَتْ مَسْأَلَةً غَيْرَ الَّتِي فُرِضَ الْكَلَامُ فِيهَا حَجّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
الْمُسَاقَاةِ وَالْجَعَالَةِ عَلَى مَعْلُومٍ، فَلَا يَكُونُ فِي التَّعْرِيفِ مَا يُخْرِجُهُمَا، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَبِالْعِلْمِ الْمُسَاقَاةُ وَالْجَعَالَةُ كَالْحَجِّ بِالرِّزْقِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا عِلْمُ الْعِوَضِ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَكُونُ مَعْلُومًا كَمُسَاقَاةٍ عَلَى ثَمَرَةٍ مَوْجُودَةٍ وَجَعَالَةٍ عَلَى مَعْلُومٍ انْتَهَتْ.
فَجَعَلَ الْمُسَاقَاةَ وَالْجَعَالَةَ خَارِجَيْنِ مُطْلَقًا بِقَيْدِ اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ هُنَا؛ لِأَنَّهُمَا وَإِنْ وَقَعَا عَلَى مَعْلُومٍ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الِاشْتِرَاطِ

(قَوْلُهُ: وَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ فِي الْوَصِيَّيْنِ وَالْعَامِلَيْنِ) أَيْ: فَلَا يَصِحُّ إيجَارُ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ مُطْلَقًا عَلَى قِيَاسِ مَا اخْتَارَهُ ثَمَّ

(5/262)


(وَالصِّيغَةُ) مُعْتَبَرَةٌ هُنَا كَالْبَيْعِ فَيَجْرِي فِيهَا خِلَافُ الْمُعَاطَاةِ. وَيُشْتَرَطُ فِيهَا جَمِيعُ مَا مَرَّ فِي صِيغَةِ الْبَيْعِ إلَّا عَدَمَ التَّأْقِيتِ. وَهِيَ صَرِيحَةٌ وَكِنَايَةٌ، فَمِنْ الصَّرِيحِ (أَجَّرْتُك هَذَا أَوْ أَكْرَيْتُك) هَذَا أَوْ عَوَّضْتُك مَنْفَعَةَ هَذِهِ الدَّارِ سَنَةً بِمَنْفَعَةِ دَارِك كَمَا اقْتَضَاهُ إفْتَاءُ الْقَاضِي (أَوْ مَلَّكْتُك مَنَافِعَهُ سَنَةً) لَيْسَ ظَرْفًا لِأَجْرٍ وَمَا بَعْدَهُ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ وَهُوَ يَنْقَضِي بِانْقِضَاءِ لَفْظِهِ بَلْ لِمُقَدَّرٍ، نَحْوُ انْتَقِعْ بِهِ سَنَةً، وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى {فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ} [البقرة: 259] أَيْ وَأَلْبَثَهُ مِائَةَ عَامٍ، وَلَا يُقَالُ: يَصِحُّ جَعْلُهُ ظَرْفًا لِمَنَافِعِهِ الْمَذْكُورَةِ فَلَا يَحْتَاجُ لِتَقْدِيرٍ وَلَيْسَ كَالْآيَةِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ. لِأَنَّا نَقُولُ: الْمَنَافِعُ أَمْرٌ مَوْهُومٌ الْآنَ وَالظَّرْفِيَّةُ تَقْتَضِي خِلَافُ ذَلِكَ، فَكَانَ تَقْدِيرُ مَا ذُكِرَ أَوْلَى أَوْ مُتَعَيِّنًا (بِكَذَا) وَإِنْ لَمْ يَقُلْ مِنْ الْآنَ. وَتَخْتَصُّ إجَارَةُ الذِّمَّةِ بِنَحْوِ أَلْزَمْت ذِمَّتَك أَوْ سَلَّمْت إلَيْك هَذِهِ الدَّرَاهِمَ فِي خِيَاطَةِ هَذَا أَوْ فِي دَابَّةٍ صِفَتُهَا كَذَا أَوْ فِي حَمْلِي إلَى مَكَّةَ (فَيَقُولُ) الْمُخَاطَبُ مُتَّصِلًا (قَبِلْت أَوْ اسْتَأْجَرْت أَوْ اكْتَرَيْت) أَوْ اسْتَكْرَيْت، وَمِنْ الْكِنَايَةِ جَعَلْت لَك مَنْفَعَتَهُ سَنَةً بِكَذَا أَوْ اُسْكُنْ دَارِي شَهْرًا بِكَذَا. وَمِنْهَا الْكِتَابَةُ، وَتَنْعَقِدُ بِاسْتِيجَابٍ وَإِيجَابٍ وَبِإِشَارَةِ أَخْرَسَ أَفْهَمَتْ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ اعْتِبَارَ التَّوْقِيتِ وَذِكْرَ الْأُجْرَةِ لِانْتِفَاءِ الْجَهَالَةِ حِينَئِذٍ، وَمَوْرِدُهَا إجَارَةُ الْعَيْنِ وَالذِّمَّةُ الْمَنَافِعُ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودَةُ لَا الْعَيْنُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (وَالْأَصَحُّ انْعِقَادُهَا) أَيْ الْإِجَارَةِ (بِقَوْلِهِ أَجَّرْتُك) أَوْ أَكْرَيْتُكَ (مَنْفَعَتَهَا) أَيْ الدَّارِ سَنَةً بِكَذَا، إذْ الْمَقْصُودُ مِنْهَا الْمَنْفَعَةُ فَذِكْرُهَا تَأْكِيدٌ. وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِأَنَّ لَفْظَ الْإِجَارَةِ وُضِعَ مُضَافًا لِلْعَيْنِ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا مَنْفَعَةَ لَهَا فَكَيْفَ يُضَافُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا (وَ) الْأَصَحُّ (مَنْعُهَا) أَيْ مَنْعُ انْعِقَادِهَا (بِقَوْلِهِ) (بِعْتُك) أَوْ اشْتَرَيْت (مَنْفَعَتَهَا) لِأَنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَأَلْبَثَهُ مِائَةَ عَامٍ) عِبَارَةُ الْبَيْضَاوِيِّ: فَأَلْبَثَهُ مَيْتًا مِائَةَ عَامٍ أَوْ أَمَاتَهُ اللَّهُ فَلَبِثَ مَيْتًا مِائَةَ عَامٍ، وَعِبَارَةُ حَجّ: وَنَظِيرُهُ فِي التَّقْدِيرِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ فِي الْآيَةِ قَوْله تَعَالَى {فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ} [البقرة: 259] أَيْ وَأَلْبَثَهُ مِائَةَ عَامٍ اهـ. وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ فِي الْآيَةِ أَنَّ ثَمَّ مَنْ لَا يُقَدِّرُ فِي الْآيَةِ مَحْذُوفًا فَلَا يَكُونُ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَالظَّرْفِيَّةُ تَقْتَضِي إلَخْ) يُنْظَرُ وَجْهُ هَذَا الِاقْتِضَاءِ. وَعَلَيْهِ فَيُرَدُّ مَا قَدَّرَهُ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ أَمْرٌ مَوْهُومٌ الْآنَ مَعَ أَنَّ مَعْنَى انْتَفِعْ اسْتَوْفِ مَنَافِعَهُ. وَبِالْجُمْلَةِ فَدَعْوَى هَذَا الِاقْتِضَاءِ مِمَّا لَا سَنَدَ لَهَا إلَّا مُجَرَّدَ التَّخَيُّلِ، وَمَا يَقُولُ فِي نَحْوِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ هَذِهِ السَّنَةَ أَوْ أَنْ أَعْتَكِفَ هَذَا الْيَوْمَ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ أَمْرٌ مَوْهُومٌ الْآنَ مَعَ ظَرْفِيَّةِ السَّنَةِ وَالْيَوْمِ لَهُمَا بِالْإِجْمَاعِ ظَرْفِيَّةٍ لَا شُبْهَةَ فِي صِحَّتِهَا لِأَحَدٍ اهـ سم عَلَى حَجّ. وَقَدْ يُقَالُ: يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الِاعْتِكَافَ وَالصَّوْمَ مَعْنَاهُمَا فِعْلٌ مَخْصُوصٌ مِنْ الْمُعْتَكِفِ وَالصَّائِمِ يُمْكِنُ أَنْ يُتَصَوَّرَ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ يُصَيِّرُهُ عِنْدَهُ كَالْمَحْسُوسِ، وَلَا كَذَلِكَ الْمَنَافِعُ فَإِنَّ تَصَوُّرَهَا يَكُونُ بِأَمْرٍ إجْمَالِيٍّ يَخْتَلِفُ مُتَعَلَّقُهُ بِاخْتِلَافِ الْمَنَافِعِ قِلَّةً وَكَثْرَةً (قَوْلُهُ: خِلَافَ ذَلِكَ) أَيْ الْمُحَقَّقِ: أَيْ خِلَافَ الْمَوْهُومِ بِأَنْ يَكُونَ الْمَظْرُوفُ مُحَقَّقًا (قَوْلُهُ: فَكَانَ تَقْدِيرُ مَا ذُكِرَ) أَيْ إنْ جُعِلَ ظَرْفًا لِمَنَافِعَ وَمُتَعَيِّنًا إنْ جُعِلَ ظَرْفًا لِأَجْرٍ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ مِنْ الْآنَ) عِبَارَةُ حَجّ: لَا يُشْتَرَطُ عِنْدَهُمَا وَإِنْ نُوزِعَا فِيهِ أَنْ يَقُولَ مِنْ الْآنَ (قَوْلُهُ وَتَخْتَصُّ) أَيْ زِيَادَةً عَلَى مَا مَرَّ مِنْ الصِّيَغِ
(قَوْلُهُ: بِنَحْوِ أَلْزَمْت ذِمَّتَك) أَيْ كَذَا، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَذْكُرَهُ وَخَرَجَ بِهِ مَا لَوْ قَالَ أُلْزِمْتُك فَإِنَّهُ إجَارَةُ عَيْنٍ كَمَا نَقَلَ سم عَلَى مَنْهَجٍ عَنْ الدَّمِيرِيِّ أَنَّهُ أَقْرَبُ احْتِمَالَيْنِ، وَعِبَارَتُهُ: وَلَوْ قَالَ لِلْأَجِيرِ أُلْزِمْتُك عَمَلَ كَذَا فَهَلْ هُوَ إجَارَةُ عَيْنٍ أَوْ ذِمَّةٍ؟ ذَكَرَ فِيهِ الدَّمِيرِيِّ احْتِمَالَيْنِ، وَقَالَ: الْأَقْرَبُ أَنَّهُ إجَارَةُ عَيْنٍ اهـ (قَوْلُهُ: أَوْ فِي دَابَّةٍ) أَيْ لِحَمْلِ كَذَا أَوْ نَحْوِهِ وَإِلَّا فَهَذِهِ الصِّيغَةُ إنَّمَا هِيَ فِي الدَّابَّةِ نَفْسِهَا (قَوْلُهُ: وَتَنْعَقِدُ بِاسْتِيجَابٍ) كَآجَرَنِي وَإِيجَابٍ وَاسْتِقْبَالٍ وَقَبُولٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ: وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ) أَيْ زِيَادَةً عَلَى مَا مَرَّ مِنْ الصِّيَغِ (قَوْلُهُ: لِانْتِقَاءِ الْجَهَالَةِ) أَيْ وَهُوَ كَذَلِكَ لِانْتِفَاءِ الْجَهَالَةِ فَلَيْسَ عِلَّةً لِلْإِفْهَامِ (قَوْلُهُ: مُضَافًا إلَى الْعَيْنِ) أَيْ مُرْتَبِطًا بِهَا وَإِنْ كَانَ الْمَقْصِدُ بِهِ الْمَنْفَعَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(5/263)


لَفْظَ الْبَيْعِ مَوْضُوعٌ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ فَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَنْفَعَةِ كَمَا لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ كِنَايَةً وَالْقَوْلُ بِذَلِكَ مَرْدُودٌ بِاخْتِلَالِ الصِّيغَةِ حِينَئِذٍ، إذْ لَفْظُ الْبَيْعِ يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ فَيُنَافِي ذِكْرَ الْمُدَّةِ، وَلَوْ قَالَ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ أَلْزَمْت ذِمَّتَك كَذَا كَفَاهُ عَنْ لَفْظِ الْإِجَارَةِ وَنَحْوِهَا.

(وَهِيَ قِسْمَانِ) : (وَارِدَةٌ عَلَى عَيْنٍ كَإِجَارَةِ الْعَقَارِ) وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِمَا بَعْدَهُ إشَارَةً إلَى عَدَمِ تَصَوُّرِ إجَارَةِ الذِّمَّةِ فِيهِ لِانْتِفَاءِ ثُبُوتِهِ فِيهَا (وَدَابَّةٍ أَوْ شَخْصٍ) أَيْ آدَمِيٍّ، وَلِكَوْنِهِ ضِدُّ الدَّابَّةِ اتَّضَحَتْ التَّثْنِيَةُ الْمُغَلَّبُ فِيهَا الْمُذَكَّرُ لِشَرَفِهِ فِي قَوْلِهِ (مُعَيَّنَيْنِ) فَيُتَصَوَّرُ فِيهِمَا إجَارَةُ الذِّمَّةِ أَوْ الْعَيْنِ. وَمَا بَحَثَهُ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ إلْحَاقِ السُّفُنِ بِهِمَا لَا بِالْعَقَارِ أَفْتَى الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِخِلَافِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ إجَارَتُهَا، إلَّا إجَارَةُ عَيْنٍ كَالْعَقَارِ بِدَلِيلِ عَدَمِ صِحَّةِ السَّلَمِ فِي السُّفُنِ وَالْمُرَادُ بِالْعَيْنِ هُنَا مُقَابِلُ الذِّمَّةِ، وَهُوَ مَا يَتَقَيَّدُ الْعَقْدُ بِهِ، وَفِي صُورَةِ الْخِلَافِ السَّابِقَةِ آنِفًا مُقَابِلُ الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ مَا يُرَدُّ الْعَقْدُ عَلَيْهِ. وَلَوْ أَذِنَ أَجِيرُ الْعَيْنِ لِغَيْرِهِ فِي الْعَمَلِ بِأُجْرَةٍ فَعَمِلَ فَلَا أُجْرَةَ لِلْأَوَّلِ مُطْلَقًا. وَأَمَّا الثَّانِي فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ: أَيْ عَلَى الْآذِنِ لَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (وَ) وَارِدَةٌ (عَلَى الذِّمَّةِ كَاسْتِئْجَارِ دَابَّةٍ) مَثَلًا (مَوْصُوفَةٍ) بِالصِّفَاتِ الْآتِيَةِ (وَ) يُتَصَوَّرُ أَيْضًا (بِأَنْ يَلْزَمَ ذِمَّتَهُ) عَمَلًا، وَمِنْهُ أَنْ يَلْزَمَهُ حَمْلُهُ إلَى كَذَا أَوْ (خِيَاطَةً أَوْ بِنَاءً) بِشَرْطِهِمَا الْآتِي أَوْ يُسَلِّمُ إلَيْهِ فِي إحْدَاهُمَا أَوْ فِي دَابَّةٍ مَوْصُوفَةٍ لِيَحْمِلَهُ إلَى مَكَّةَ مَثَلًا بِكَذَا (وَلَوْ قَالَ اسْتَأْجَرْتُك) أَوْ اكْتَرَيْتُك (لِتَعْمَلَ كَذَا) أَوْ لِكَذَا أَوْ لِعَمَلِ كَذَا (فَإِجَارَةُ عَيْنٍ) لِأَنَّ الْخِطَابَ دَالٌ عَلَى ارْتِبَاطِهَا بِعَيْنِ الْمُخَاطَبِ كَاسْتَأْجَرُت عَيْنَك (وَقِيلَ) إجَارَةَ (ذِمَّةٍ) لِأَنَّ الْقَصْدَ حُصُولُ الْعَمَلِ لَا بِالنَّظَرِ لِفَاعِلِهِ، وَيُرَدُّ بِمَنْعِ ذَلِكَ نَظَرًا لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْخِطَابُ.

(وَيُشْتَرَطُ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ) إنْ عُقِدَتْ بِلَفْظِ إجَارَةٍ أَوْ سَلَمٍ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: كَمَا لَا يَنْعَقِدُ) أَيْ الْبَيْعُ (قَوْلُهُ: وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ) أَيْ بِعْتُك مَنْفَعَتَهَا (قَوْلُهُ: وَالْقَوْلُ بِذَلِكَ) مَشَى عَلَيْهِ حَجّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ إلَخْ) هَذِهِ الصُّورَةُ عُلِمَتْ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلًا، وَتَخْتَصُّ بِنَحْوِ: أَلْزَمْت ذِمَّتَك. وَأَمَّا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى عَمَلِ كَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ الذِّمَّةِ فَإِجَارَةُ عَيْنٍ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الدَّمِيرِيِّ.

(قَوْلُهُ: لَمْ يُقَيِّدْهُ بِمَا بَعْدَهُ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ مُعَيَّنٌ (قَوْلُهُ: فَيُتَصَوَّرُ فِيهِمَا) أَيْ الدَّابَّةِ وَالشَّخْصِ (قَوْلُهُ: أَفْتَى الْوَالِدُ إلَخْ) أَيْ خِلَافًا لحج (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا) أَيْ مَحْسُوسٌ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ السَّابِقَةِ آنِفًا) هِيَ قَوْلُهُ وَمَوْرِدُ إجَارَةِ الْعَيْنِ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَلَا أُجْرَةَ لِلْأَوَّلِ) أَيْ عَلَى الْأَوَّلِ وَقَوْلُهُ مُطْلَقًا عُلِمَ الْفَسَادُ أَوْ لَا (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الثَّانِي) وَفِي نُسْخَةٍ: وَلَا لِلثَّانِي إنْ عُلِمَ الْفَسَادُ وَإِلَّا فَلَهُ إلَخْ، وَتَعَقَّبَهُ سم بِمَا صُورَتُهُ تُقَدَّمُ فِي الْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ أَنَّهُ قَدْ يَسْتَحِقُّ مَعَ عِلْمِ الْفَسَادِ فَمَا الْفَرْقُ اهـ سم عَلَى حَجّ. قَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّهُ ثَمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْمَالِ بِإِذْنٍ مِنْ الْمَالِكِ فَكَانَ عَمَلُهُ فِيهِ جَائِزًا، وَمَا هُنَا بِغَيْرِ إذْنٍ مِنْهُ فَهُوَ كَمَأْذُونِ الْغَاصِبِ وَعَمَلُهُ مُهْدَرٌ مَعَ الْعِلْمِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ كَانَتْ الْمُسَاقَاةُ عَلَى عَيْنِهِ وَسَاقَى غَيْرَهُ انْفَسَخَتْ الْمُسَاقَاةُ عَلَى مَا مَرَّ، وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ إنْ عُلِمَ الْفَسَادُ، وَقَوْلُ سم قَدْ يَسْتَحِقُّ مَعَ عِلْمٍ إلَخْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ مَعَ عِلْمِ الْفَسَادِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ عَامِلًا ثَانِيًا، بَلْ مُرَادُهُ أَنَّ الْعَامِل مِنْ حَيْثُ هُوَ يَسْتَحِقُّ كَمَا لَوْ قَالَ سَاقَيْتُك عَلَى أَنَّ لَك مِنْ الثَّمَرَةِ أَوْ الرِّبْحِ جُزْءًا (قَوْلُهُ عَلَى الْآذِنِ) أَيْ لَا عَلَى الْمَالِكِ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ أَنْ يَلْزَمَهُ حَمْلُهُ) أَيْ بِأَنْ يَقُولَ أَلْزَمْتُك حَمْلِي إلَى كَذَا لَكِنْ قَدَّمْنَا عَنْ الدَّمِيرِيِّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَلْزَمْتُك عَمَلَ كَذَا كَانَ إجَارَةَ عَيْنٍ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَا هُنَا مُفَرَّعٌ عَلَى كَلَامِ غَيْرِ الدَّمِيرِيِّ فَمَا عَنْ الدَّمِيرِيِّ خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَا هُنَا مُصَوَّرٌ بِمَا لَوْ قَالَ أَلْزَمْت ذِمَّتَك حَمْلِي إلَى كَذَا فَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا لَهُ (قَوْلُهُ أَوْ يُسَلِّمُ إلَيْهِ فِي أَحَدِهِمَا) أَيْ الْخِيَاطَةِ وَالْبِنَاءِ (قَوْلُهُ: أَوْ لِعَمَلِ كَذَا) أَيْ أَوْ أَلْزَمْتُك عَمَلَ كَذَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الدَّمِيرِيِ، وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَمْثِلَةِ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ التَّعْبِيرِ بِالْفِعْلِ وَالْمَصْدَرِ.

(قَوْلُهُ إنْ عُقِدَتْ إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ عُقِدَتْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: وَلِكَوْنِهِ ضِدَّ الدَّابَّةِ) أَيْ: الْعُرْفِيَّةِ الَّتِي هِيَ ذَاتُ الْأَرْبَعِ (قَوْلُهُ: اتَّضَحَتْ التَّثْنِيَةُ) وَلَا يَقْدَحُ فِيهِ كَوْنُ الْعَطْفِ بِأَوْ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ تَعَيُّنِ الْإِفْرَادِ بَعْدَهَا إذَا كَانَتْ لِلشَّكِّ أَوْ نَحْوِهِ، لَا لِلتَّنْوِيعِ

(قَوْلُهُ: بِلَفْظِ إجَارَةٍ) ،

(5/264)


(تَسْلِيمُ الْأُجْرَةِ فِي الْمَجْلِسِ) كَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ لِأَنَّهَا سَلَمٌ فِي الْمَنَافِعِ فَيَمْتَنِعُ فِيهَا تَأْجِيلُ الْأُجْرَةِ سَوَاءٌ أَتَأَخَّرَ الْعَمَلُ فِيهَا عَنْ الْعَقْدِ أَمْ لَا وَالِاسْتِبْدَالُ عَنْهَا وَالْحَوَالَةُ بِهَا وَعَلَيْهَا وَالْإِبْرَاءُ مِنْهَا. وَإِنَّمَا اشْتَرَطُوا ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ وَلَمْ يَشْتَرِطُوهُ فِي الْعَقْدِ عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ بِلَفْظِ الْبَيْعِ مَعَ كَوْنِهِ سَلَمًا فِي الْمَعْنَى أَيْضًا لِضَعْفِ الْإِجَارَةِ حَيْثُ وَرَدَتْ عَلَى مَعْدُومٍ وَتَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهَا دَفْعَةً، وَلَا كَذَلِكَ بَيْعُ مَا فِي الذِّمَّةِ فِيهِمَا فَجَبَّرُوا ضَعْفَهَا بِاشْتِرَاطِ قَبْضِ أُجْرَتِهَا فِي الْمَجْلِسِ (وَإِجَارَةُ الْعَيْنِ) الْأُجْرَةُ فِيهَا كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ فَحِينَئِذٍ (لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ) أَيْ تَسْلِيمُ الْأُجْرَةِ (فِيهَا) فِي الْمَجْلِسِ مُعَيَّنَةً أَوْ فِي الذِّمَّةِ. نَعَمْ يَتَعَيَّنُ لِتَسْلِيمِهَا مَحَلُّ الْعَقْدِ عَلَى مَا مَرَّ فِي السَّلَمِ.

(وَيَجُوزُ) فِي الْأُجْرَةِ (فِيهَا) أَيْ إجَارَةِ الْعَيْنِ (التَّعْجِيلُ وَالتَّأْجِيلُ) لِلْأُجْرَةِ (إنْ كَانَتْ) تِلْكَ الْأُجْرَةُ (فِي الذِّمَّةِ) كَالثَّمَنِ وَيَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهَا وَالْحَوَالَةُ بِهَا وَعَلَيْهَا وَالْإِبْرَاءُ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً لَمْ يَجُزْ تَأْجِيلُهَا لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تَقْبَلُ التَّأْجِيلَ (وَإِذَا أُطْلِقَتْ) الْأُجْرَةُ عَنْ ذِكْرِ تَأْجِيلٍ وَتَعْجِيلٍ (تَعَجَّلَتْ) كَثَمَنِ الْمَبِيعِ الْمُطْلَقِ وَلِأَنَّ الْمُؤَجِّرَ يَمْلِكُهَا بِالْعَقْدِ لَكِنْ لَا يَسْتَحِقُّ اسْتِيفَاءَهَا إلَّا بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ، فَإِنْ تَنَازَعَا فِيمَنْ يَبْدَأُ بِهِ فَكَمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ (وَإِنْ كَانَتْ) الْأُجْرَةُ (مُعَيَّنَةً) بِأَنْ رَبَطَهَا بِعَيْنٍ أَوْ مُطْلَقَةٍ أَوْ فِي الذِّمَّةِ (مُلِكَتْ فِي الْحَالِ) بِنَفْسِ الْعَقْد وَلَوْ مُؤَجَّلَةً كَمَا يَمْلِكُ الْمُسْتَأْجِرُ الْمَنْفَعَةَ بِهِ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ لَكِنَّ مِلْكًا مُرَاعًى كُلَّمَا مَضَى جُزْءٌ مِنْ الزَّمَانِ عَلَى السَّلَامَةِ بَانَ أَنَّ مِلْكَ الْمُؤَجَّرِ اسْتَقَرَّ عَلَى مَا يُقَابِلُ ذَلِكَ وَسَيُذْكَرُ أَنَّهَا لَا تَسْتَقِرُّ إلَّا بِاسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ أَوْ تَفْوِيتِهَا، وَلَوْ أَجَّرَ النَّاظِرُ الْوَقْفَ سِنِينَ وَقَبَضَ الْأُجْرَةَ جَازَ لَهُ دَفْعُ جَمِيعِهَا لِأَهْلِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ وَإِنْ عَلِمَ مَوْتَهُمْ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّتِهَا، فَلَوْ مَاتَ الْقَابِضُ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ لَمْ يَضْمَنْ الْمُسْتَأْجَرُ وَلَا النَّاظِرُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَبَعًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ، خِلَافًا لِلْقَفَّالِ لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ مَلَكَهَا فِي الْحَالِ ظَاهِرًا، وَعَدَمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
بِلَفْظِ إلَخْ فَالْمُرَادُ مِنْهُ التَّعْمِيمُ لَا التَّقْيِيدُ. وَيُرْشِدُ إلَى ذَلِكَ الْفَرْقِ الْآتِي بَيْنَ الْعَقْدِ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ وَبَيْنَهُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ (قَوْلُهُ: فَيَمْتَنِعُ فِيهَا) الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْوَاوِ وَامْتِنَاعُ التَّأْجِيلِ وَمَا بَعْدَهُ لَا يَتَفَرَّعُ عَلَى مُجَرَّدِ اشْتِرَاطِ تَسْلِيمِ الْأُجْرَةِ فِي الْمَجْلِسِ. نَعَمْ لَوْ قَالَ يُشْتَرَطُ لَهَا مَا شُرِطَ لِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ شَمِلَ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَيُمْكِنُ أَنَّ التَّفْرِيعَ بِالنَّظَرِ لَمَّا أَفَادَهُ التَّشْبِيهُ بِقَوْلِهِ كَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا اشْتَرَطُوا ذَلِكَ) أَيْ تَسْلِيمَ الْأُجْرَةِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَشْتَرِطُوهُ) أَيْ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِلشَّارِحِ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِيمَا ذُكِرَ أَنَّ الْأَحْكَامَ تَابِعَةٌ لِلَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ ثَمَّ، أَمَّا هُنَا فَعِبَارَتُهُ كَالشَّارِحِ (قَوْلُهُ: بِاشْتِرَاطِ قَبْضٍ) أَيْ وَعَدَمِ الِاسْتِبْدَالِ عَنْهَا إلَى آخَرِ مَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: مَحَلُّ الْعَقْدِ) أَيْ تِلْكَ الْمَحَلَّةُ حَيْثُ كَانَ الْمَحَلُّ صَالِحًا وَلَمْ يُعَيِّنَا غَيْرَهُ.

(قَوْلُهُ: وَالْإِبْرَاءُ مِنْهَا) أَيْ وَلَوْ فِي الْمَجْلِسِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَإِذَا أُطْلِقَتْ الْأُجْرَةُ) أَيْ الَّتِي فِي الذِّمَّةِ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ أَوْ الذِّمَّةِ (قَوْلُهُ فَكَمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ) أَيْ فَيَبْدَأُ هُنَا بِالْمُؤَجَّرِ إنْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ فِي الذِّمَّةِ وَإِلَّا فَيُجْبَرَانِ (قَوْلُهُ أَوْ فِي الذِّمَّةِ) أَيْ بِأَنْ صَرَّحَ فِيهَا بِذَلِكَ وَإِلَّا فَالْمُطْلَقَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الذِّمَّةِ، ثُمَّ رَأَيْته فِي سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَجَّرَ النَّاظِرُ الْوَقْفَ سِنِينَ) أَيْ مَعَ مُسَوِّغٍ لَهُ جَازَ لَهُ: أَيْ بِأَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدَّخِرَ مِنْهُ شَيْئًا لِجِهَةِ الْوَقْفِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ حَالًا (قَوْلُهُ: فَلَوْ مَاتَ الْقَابِضُ إلَخْ) أَيْ وَأَمَّا لَوْ مَاتَ النَّاظِرُ الْمُؤَجِّرُ، فَإِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
يَعْنِي كُلَّ لَفْظٍ مِنْ أَلْفَاظِهَا الْمَارَّةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ خُصُوصَ هَذَا اللَّفْظِ، وَكَانَ الْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ: سَوَاءٌ كَانَ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ أَوْ السَّلَمِ؛ إذْ الْمُرَادُ التَّعْمِيمُ لَا التَّقْيِيدُ

(قَوْلُهُ: لِلْأُجْرَةِ) بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ التَّعْجِيلُ وَالتَّأْجِيلُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ قَوْلِهِ فِي الْأُجْرَةِ السَّابِقَةِ عَقِبَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيَجُوزُ (قَوْلُهُ: أَوْ دَيْنٌ) أَيْ بِأَنْ قَالَ بِالْعَشَرَةِ الَّتِي فِي ذِمَّةِ فُلَانٍ. (قَوْلُهُ: أَوْ مُطْلَقَةٍ) عُطِفَ عَلَى مُعَيَّنَةٍ فِي الْمَتْنِ: أَيْ فَمَا فِي الْمَتْنِ لَيْسَ بِقَيْدٍ، وَالْمُرَادُ أَنَّهَا تُمْلَكُ فِي الْحَالِ سَوَاءٌ عَيَّنَهَا بِأَنْ

(5/265)


الِاسْتِقْرَارِ لَا يُنَافِي جَوَازَ التَّصَرُّفِ كَمَا نَصُّوا عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ فِيمَا لَوْ أَجَّرَ دَارِهِ سِنِينَ وَقَبَضَ الْأُجْرَةَ فَحَكَمُوا بِالْمِلْكِ فِيهَا وَأَوْجَبُوا زَكَاتَهَا بِمُجَرَّدِ مُضِيِّ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ عَلَى أَصَحِّ الطَّرِيقِينَ وَإِنْ كَانَ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْرِجَ إلَّا زَكَاةَ مَا اسْتَقَرَّ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَكَمَا حَكَمُوا بِأَنَّ الزَّوْجَةَ تَمْلِكُ الصَّدَاقَ وَتَتَصَرَّفُ فِي جَمِيعِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَكَذَلِكَ فِي الْمُوصِي لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ إذَا أَجَّرَ الدَّارَ وَقَبَضَ أُجْرَتَهَا لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا وَيَرْجِعُ الْمُسْتَحِقُّ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ الْمُسَمَّاةِ فِي تَرِكَةِ الْقَابِضِ. وَقَضِيَّةُ مِلْكِهَا فِي الْحَالِ وَلَوْ مُؤَجَّلَةً صِحَّةُ الْإِبْرَاءِ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ لَا خِيَارَ فِيهَا فَكَانَ كَالْإِبْرَاءِ مِنْ الثَّمَنِ بَعْدَ لُزُومِهِ، بِخِلَافِهِ قَبْلَهُ لِأَنَّ زَمَنَ الْخِيَارِ كَزَمَنِ الْعَقْدِ فَكَأَنَّهُ بَاعَ بِلَا ثَمَنٍ.

(وَيُشْتَرَطُ) لِصِحَّةِ الْإِجَارَةِ (كَوْنُ الْأُجْرَةِ مَعْلُومَةً) جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً إنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ وَإِلَّا كَفَتْ مُشَاهَدَتُهَا فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ وَالذِّمَّةِ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ فِي الثَّمَنِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ تَشْبِيهِهَا بِالثَّمَنِ أَنَّهَا لَوْ حَلَّتْ وَقَدْ تَغَيَّرَ النَّقْدُ وَجَبَ مِنْ نَقْدِ يَوْمِ الْعَقْدِ لَا يَوْمِ تَمَامِ الْعَمَلِ وَلَوْ فِي الْجَعَالَةِ، إذْ الْعِبْرَةُ فِي الْأُجْرَةِ حَيْثُ كَانَتْ نَقْدًا بِنَقْدِ بَلَدِ الْعَقْدِ وَقْتُهُ، فَإِنْ كَانَتْ بِبَادِيَةٍ اُعْتُبِرَ أَقْرَبُ الْبِلَادِ إلَيْهَا كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ. وَالْعِبْرَةُ فِي أُجْرَةِ الْمِثْلِ فِي الْفَاسِدَةِ بِمَوْضِعِ إتْلَافِ الْمَنْفَعَةِ نَقْدًا وَوَزْنًا، وَجَوَازُ الْحَجِّ بِالرِّزْقِ مُسْتَثْنًى تَوْسِعَةً فِي تَحْصِيلِ الْعِبَادَةِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِإِجَارَةِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ كَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ خِلَافًا لِلْوَلِيِّ الْعِرَاقِيِّ، بَلْ هُوَ نَوْعٌ مِنْ التَّرَاضِي وَالْمَعُونَةِ فَهُوَ جَعَالَةٌ اُغْتُفِرَ فِيهَا الْجَهْلُ بِالْجُعْلِ كَمَسْأَلَةِ الْعِلْجِ (فَلَا تَصِحُّ) إجَارَةٌ لِدَارٍ (بِالْعِمَارَةِ) لَهَا (وَ) لَا لِدَابَّةٍ بِصَرْفٍ أَوْ بِفِعْلِ (الْعَلَفِ) لَهَا بِفَتْحِ اللَّامِ الْمَعْلُوفِ بِهِ وَبِإِسْكَانِهَا كَمَا بِخَطِّهِ الْمَصْدَرُ لِلْجَهْلِ بِهِمَا وَإِنْ كَانَ عَيْنًا كَآجَرْتُكَهَا بِدِينَارٍ عَلَى أَنَّ تَصَرُّفَهُ فِي عِمَارَتِهَا أَوْ عَلَفِهَا لِلْجَهْلِ بِالصَّرْفِ فَتَصِيرُ الْأُجْرَةُ مَجْهُولَةً، فَإِنْ صَرَفَ وَقَصَدَ الرُّجُوعَ بِهِ رَجَعَ وَإِلَّا فَلَا، وَالْأَوْجَهُ أَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْجَهْلِ جَرَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ وَشَرَطَ لَهُ النَّظَرَ مُدَّةَ اسْتِحْقَاقِهِ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِهِ وَإِلَّا فَكَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: فَحَكَمُوا بِالْمِلْكِ فِيهَا) أَيْ الْأُجْرَةِ (قَوْلُهُ: وَأَوْجَبُوا زَكَاتَهَا) أَيْ زَكَاةَ جَمِيعِ الْأُجْرَةِ (قَوْلُهُ: وَيَرْجِعُ الْمُسْتَحِقُّ) وَهُوَ مَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ الْوَقْفُ (قَوْلُهُ: فِي تَرِكَةِ الْقَابِضِ) أَيْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَرِكَةٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى النَّاظِرِ كَمَا يَأْتِي بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي فَصْلٍ لَا تَنْفَسِخُ إجَارَةٌ إلَخْ وَلَا بِمَوْتِ مُتَوَلِّي الْوَقْفِ إلَخْ (قَوْلُهُ صِحَّةُ الْإِبْرَاءِ) هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقَوْلُهُ مِنْهَا: أَيْ الْأُجْرَةُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا خِيَارَ فِيهَا إلَخْ) أَيْ عَلَى الرَّاجِحِ. وَقَضِيَّةُ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ فِيهَا لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْهَا (قَوْلُهُ: بَعْدَ لُزُومِهِ) أَيْ الْعَقْدِ، وَقَوْلُهُ قَبْلَهُ: أَيْ اللُّزُومِ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ فِي الْجَعَالَةِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَكَالْأُجْرَةِ الْجَعَالَةُ لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ غَايَةً لِلْإِجَارَةِ (قَوْلُهُ: اُعْتُبِرَ أَقْرَبُ الْبِلَادِ إلَيْهَا) أَيْ فَلَوْ اسْتَوَى إلَيْهَا مَحَلَّانِ وَاخْتَلَفَ نَقْدَاهُمَا اشْتَرَطَ تَعْيِينَ نَقْدِ أَحَدِهِمَا كَمَا فِي الْبَيْعِ بِبَلَدٍ بِهَا نَقْدَانِ لَمْ يَغْلِبْ أَحَدُهُمَا (قَوْلُهُ: فَلَا تَصِحُّ إجَارَةٌ لِدَارٍ بِالْعِمَارَةِ) أَيْ حَيْثُ كَانَتْ الْعِمَارَةُ مَجْهُولَةً لِمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ فَإِنْ عُيِّنَتْ إلَخْ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ) غَايَةٌ إلَى مَا عَقَدَ عَلَيْهِ مِنْ الْأُجْرَةِ بِهِ، وَقَوْلُهُ عَيْنًا: أَيْ مَعْلُومًا (قَوْلُهُ: فَإِنْ صَرَفَ وَقَصَدَ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الرُّجُوعِ بِمَا صَرَفَهُ عِنْدَ نِيَّتِهِ بَيْنَ كَوْنِ الْآذِنِ مَالِكًا أَوْ غَيْرَهُ كَوَلِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَنَاظِرِ الْوَقْفِ. وَقَدْ يُقَالُ فِي جَوَازِ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ الْمَالِكِ نَظَرًا لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ الْإِذْنُ الْمَذْكُورُ بَلْ حَقُّهُ أَنْ يُبَاشِرَ بِنَفْسِهِ فَإِذْنُهُ لَاغٍ، لَكِنَّهُ إنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِذَلِكَ اُحْتُمِلَ الِاكْتِفَاءُ بِهِ فَلْيُرَاجَعْ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ رُجُوعُهُ عَلَى إشْهَادٍ وَهُوَ قَرِيبٌ. هَذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
رَبَطَهَا بِعَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ أَوْ قَالَ فِي ذِمَّتِي أَوْ أَطْلَقَ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ فِي الْجَعَالَةِ) الْأَوْلَى كَالْجَعَالَةِ (قَوْلُهُ: لِلْجَهْلِ بِالصَّرْفِ) أَيْ الْعَمَلِ، وَقَوْلُهُ: فَتَصِيرُ الْأُجْرَةُ مَجْهُولَةً: أَيْ؛ لِأَنَّهَا مَجْمُوعُ الدِّينَارِ وَالصَّرْفِ.
وَالْمَجْهُولُ إذَا انْضَمَّ إلَى مَعْلُومٍ صَيَّرَهُ مَجْهُولًا (قَوْلُهُ: فَإِنْ صُرِفَ وَفَقَدَ الرُّجُوعَ بِهِ رَجَعَ) أَيْ بِالْمَصْرُوفِ وَبِأُجْرَةِ عَمَلِهِ

(5/266)


عَلَى الْغَالِبِ، فَلَوْ كَانَ عَالِمًا بِالصَّرْفِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ كَبَيْعِ زَرْعٍ بِشَرْطِ أَنْ يَحْصُدَهُ الْبَائِعُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ هُنَاكَ شَرْطٌ بَطَلَتْ مُطْلَقًا وَإِلَّا كَآجَرْتُكَهَا بِعِمَارَتِهَا، فَإِنْ عُيِّنَتْ صَحَّتْ وَإِلَّا فَلَا. أَمَّا إذَا أَذِنَ لَهُ فِي صَرْفِهَا بَعْدَ الْعَقْدِ بِلَا شَرْطٍ فِيهِ وَتَبَرَّعَ الْمُسْتَأْجِرُ بِهِ فَيَجُوزُ، وَاغْتُفِرَ هُنَا اتِّحَادُ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ لِلْحَاجَةِ، عَلَى أَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ لَا اتِّحَادَ تَنْزِيلًا لِلْقَابِضِ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَيِّنًا مَنْزِلَةَ الْوَكِيلِ عَنْ الْمُؤَجِّرِ وَكَالَةً ضِمْنِيَّةً. وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ صِحَّةُ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي زَمَنِنَا مِنْ تَسْوِيغِ النَّاظِرِ الْمُسْتَحِقِّ بِاسْتِحْقَاقِهِ عَلَى سَاكِنِ الْوَقْفِ فِيمَا يَظْهَرُ وَيُصَدَّقُ الْمُسْتَأْجِرُ بِيَمِينِهِ فِي أَصْلِ الْإِنْفَاقِ وَقَدْرِهِ كَمَا رَجَّحَهُ السُّبْكِيُّ لِأَنَّهُ ائْتَمَنَهُ. وَمَحَلُّهُ إذَا ادَّعَى قَدْرًا لَائِقًا فِي الْعَادَةِ كَمَا يَأْتِي نَظِيرُهُ فِي الْوَصِيِّ وَأَوْلَى وَإِلَّا احْتَاجَ إلَى بَيِّنَةٍ، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ لَوْ قَالَ الْوَكِيلُ أَتَيْت بِالتَّصَرُّفِ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ صُدِّقَ الْمُوَكِّلُ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ شَيْءٌ فِي الْخَارِجِ يُحَالُ عَلَيْهِ قَوْلُ الْوَكِيلِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ مَا ادَّعَاهُ وَهُنَا الْعِمَارَةُ مَوْجُودَةٌ فِي الْخَارِجِ وَلَا تُسْتَغْنَى الدَّابَّةُ عَنْ الْعَلَفِ فَصَدَقَ الْمُسْتَأْجِرُ، وَحِينَئِذٍ فَلَا جَامِعَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَلَا تَكْفِي شَهَادَةُ الصُّنَّاعِ لَهُ أَنَّهُ صَرَفَ عَلَى أَيْدِيهِمْ كَذَا لِأَنَّهُمْ وُكَلَاؤُهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَوْ اكْتَرَى نَحْوَ حَمَّامٍ مُدَّةً يُعْلَمُ عَادَةُ تَعَطُّلِهَا فِيهَا لِنَحْوِ عِمَارَةٍ، فَإِنْ شَرَطَ احْتِسَابَ مُدَّةِ التَّعْطِيلِ مِنْ الْإِجَارَةِ وَجُهِلَتْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يَرْجِعُ بِمَا صَرَفَهُ عَلَى النَّاظِرِ وَالنَّاظِرُ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى جِهَةِ الْوَقْفِ، كَمَا لَوْ غَصَبَ شَاةً وَاسْتَأْجَرَ قَصَّابًا لِذَبْحِهَا فَذَبَحَهَا جَاهِلًا كَوْنِ الْمُسْتَأْجِرُ غَاصِبًا فَإِنَّ الْقَصَّابَ يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لِكَوْنِهِ حَمَلَهُ عَلَى الْفِعْلِ وَالْغَاصِبُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَالِكِ بِشَيْءٍ لِتَعَدِّيهِ، وَهَذَا الِاحْتِمَالُ هُوَ الظَّاهِرُ (قَوْلُهُ: بِشَرْطِ أَنْ يَحْصُدَهُ الْبَائِعُ) أَيْ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ (قَوْلُهُ: كَانَ هُنَاكَ شَرْطٌ) أَيْ أَوْ مَا فِي قُوَّةِ الشَّرْطِ كَآجَرْتُكَهَا بِعِمَارَتِهَا (قَوْلُهُ: فَإِنْ عُيِّنَتْ) أَيْ الْعِمَارَةُ كَآجَرْتُكَهَا بِعِمَارَةِ هَذَا الْمَحَلِّ (قَوْلُهُ: وَتَبَرَّعَ الْمُسْتَأْجِرُ بِهِ) أَيْ بِالْعَمَلِ (قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي الْمِلْكِ أَوْ الْوَقْفِ (قَوْلُهُ: مَنْزِلَةَ الْوَكِيلِ) فِيهِ أَنَّ تَنْزِيلَهُ مَنْزِلَةَ الْوَكِيلِ يَصِحُّ قَبْضُهُ عَنْ النَّاظِرِ فَيَكُونُ فِي يَدِهِ أَمَانَةً لِلنَّاظِرِ، وَدُخُولُهُ فِي مِلْكِهِ يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ قَابِضًا عَنْ النَّاظِرِ مُقْبِضًا لِنَفْسِهِ فَلَمْ يَنْتِفْ الِاتِّحَادُ الْمَذْكُورُ (قَوْلُهُ: وَكَالَةً ضِمْنِيَّةً) لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الشَّخْصُ لَا يَكُونُ وَكِيلًا عَنْ غَيْرِهِ فِي إزَالَةِ مِلْكِ نَفْسِهِ عَنْ الْأُجْرَةِ، وَقَدْ يُمْنَعُ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَيْسَ وَكِيلًا عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يُفْرِغُ ذِمَّتَهُ مِمَّا اشْتَغَلَتْ بِهِ وَالْعَمَلَةُ هُمْ الْوُكَلَاءُ عَنْ الْمُؤَجِّرِ فِي قَبْضِ الْأُجْرَةِ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ، لَكِنْ يَبْقَى الْإِشْكَالُ الْمُشَارُ إلَيْهِ فِيمَا مَرَّ بِأَنَّ فِيهِ اتِّحَادَ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ (قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِالْإِذْنِ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي الصَّرْفِ (قَوْلُهُ: وَيُصَدَّقُ الْمُسْتَأْجِرُ) هُوَ ظَاهِرٌ حَيْثُ كَانَتْ الْإِجَارَةُ مِنْ الْمَالِكِ. أَمَّا نَاظِرُ الْوَقْفِ إذَا وَقَعَ مِنْهُ مِثْلُ ذَلِكَ فَفِي تَصْدِيقِ الْمُسْتَأْجِرِ فِيمَا صَرَفَهُ نَظَرٌ فَلْيُرَاجَعْ لِأَنَّ تَصْدِيقَهُ لَيْسَ فِي مَمْلُوكٍ لَهُ بَلْ تَصْدِيقٌ عَلَى صَرْفِ مَالِ الْوَقْفِ وَقَدْ لَا يَكُونُ الْمُسْتَأْجِرُ فِيهِ صَادِقًا (قَوْلُهُ: وَهُنَا الْعِمَارَةُ مَوْجُودَةٌ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُوَكَّلُ فِيهِ نَحْوَ عِمَارَةٍ بِمَالٍ دَفَعَهُ إلَيْهِ وَاخْتَلَفَا بَعْدَ وُجُودِ عِمَارَةٍ بِالصِّفَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا صُدِّقَ الْوَكِيلُ اهـ سم عَلَى حَجّ. أَقُولُ: وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ صَرَفَ عَلَى أَيْدِيهِمْ كَذَا) أَيْ لِأَنْفُسِهِمْ. أَمَّا لَوْ شَهِدُوا بِأَنَّهُ اشْتَرَى الْآلَةَ الَّتِي بِهَا بِكَذَا وَكَانُوا عُدُولًا وَشَهِدَ بَعْضُهُمْ لِغَيْرِهِ بِأَنَّهُ دَفَعَ لَهُ كَذَا عَنْ أُجْرَتِهِ لَمْ يَمْتَنِعْ. أَوْ قَالُوا نَشْهَدُ بِأَنَّهُ صَرَفَ عَلَى عِمَارَةِ الْمَحَلِّ كَذَا وَلَمْ يُضِيفُوا ذَلِكَ لِأَنْفُسِهِمْ فَيَقْبَلُ الْقَاضِي شَهَادَتَهُمْ مَا لَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي أَنَّهُمْ يَعْنُونَ أَنْفُسَهُمْ (قَوْلُهُ: يَعْلَمُ عَادَةً)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَتَبَرُّعِ الْمُسْتَأْجِرِ بِهِ) أَيْ بِصَرْفِهِ بِمَعْنَى عَمَلِهِ (قَوْلُهُ: اتِّحَادُ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ) أَيْ: الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ أُقْبَضَ الْمُؤَجِّرَ ثُمَّ قَبَضَ مِنْهُ لِلصَّرْفِ هَكَذَا ظَهَرَ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: عَلَى أَيْدِيهِمْ) الْمُرَادُ عَلَى عَمَلِهِمْ وَمِنْ ثَمَّ عَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُمْ وُكَلَاؤُهُ أَيْ فَهِيَ شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلِ أَنْفُسِهِمْ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدُوا بِأَنَّهُ صَرْفُ كَذَا فَإِنَّهَا تُقْبَلُ إلَّا إنْ عَلِمَ الْحَاكِمُ أَنَّهُمْ يَعْنُونَ أَنْفُسَهُمْ قَالَهُ الزِّيَادِيُّ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ شَرَطَ احْتِسَابَ مُدَّةِ التَّعْطِيلِ مِنْ الْإِجَارَةِ) اُنْظُرْ مَا مَفْهُومَ هَذَا الشَّرْطِ، وَعِبَارَةُ الْعُبَابِ: لَوْ أَجَرَ

(5/267)


فَسَدَتْ وَإِلَّا فَفِيهَا وَفِيمَا بَعْدَهَا (وَلَا) الْإِيجَارُ (لِيَسْلَخَ) شَاةً مَذْبُوحَةً (بِالْجِلْدِ وَيَطْحَنَ) بُرًّا (بِبَعْضِ الدَّقِيقِ أَوْ النُّخَالَةِ) الَّتِي تَخْرُجُ مِنْهُ لِلْجَهْلِ بِثَخَانَةِ الْجِلْدِ وَرِقَّتِهِ وَنُعُومَةِ الدَّقِيقِ وَخُشُونَتِهِ لِانْتِفَاءِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمَا حَالًا وَلِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ، وَفُسِّرَ بِأَنْ يَجْعَلَ أُجْرَةَ الطَّحْنِ لِحَبٍّ مَعْلُومٍ قَفِيزًا مَطْحُونًا. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَمِنْهُ مَا يَقَعُ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ مِنْ جَعْلِ أُجْرَةِ الْجَابِي الْعُشْرَ مِمَّا يَسْتَخْرِجُهُ. قَالَ: فَإِنْ قِيلَ لَك نَظِيرَ الْعُشْرَ لَمْ تَصِحَّ الْإِجَارَةُ أَيْضًا، وَفِي صِحَّتِهِ جَعَالَةً نَظَرٌ، وَالْأَوْجَهُ فِيهَا الْبُطْلَانُ لِلْجَهْلِ بِالْجُعْلِ.

(وَلَوْ) (اسْتَأْجَرَهَا) أَيْ امْرَأَةً مَثَلًا (لِتُرْضِعَ رَقِيقًا) لَهُ أَيْ حِصَّتُهُ الْبَاقِيَةُ بَعْدَ مَا جَعَلَهُ مِنْهُ أُجْرَةَ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ (بِبَعْضِهِ) الْمُعَيَّنِ كَسُدُسِهِ (فِي الْحَالِ جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ) لِلْعِلْمِ بِالْأُجْرَةِ وَلَا أَثَرَ لِوُقُوعِ الْعَمَلِ الْمُكْتَرَى لَهُ فِي مِلْكِ غَيْرِ الْمُكْتَرِي لِوُقُوعِهِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ، كَمَا لَوْ سَاقَى شَرِيكَهُ وَشَرَطَ لَهُ زِيَادَةً مِنْ الثَّمَرِ وَانْتَصَرَ لِلْمُقَابِلِ بِمَا يَرُدُّهُ مَا مَرَّ مِنْ التَّفْصِيلِ، وَمِنْ ثَمَّ اخْتَارَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ إنْ اسْتَأْجَرَهَا عَلَى الْكُلِّ أَوْ أَطْلَقَ وَلَمْ تَدُلَّ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ حِصَّتُهُ فَقَطْ اُمْتُنِعَ، وَهُوَ مُرَادُ النَّصِّ لِوُقُوعِ الْعَمَلِ فِي مِلْكِ غَيْرِ الْمُكْتَرِي قَصْدًا أَوْ عَلَى حِصَّةِ الْمُسْتَأْجِرِ فَقَطْ جَازَ، لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ إطْلَاقُ الصِّحَّةِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ فِي الْحَالِ عَمَّا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا بِبَعْضِهِ بَعْدَ الْفِطَامِ مَثَلًا فَلَا يَصِحُّ قَطْعًا لِمَا مَرَّ أَنَّ الْأُجْرَةَ الْمُعَيَّنَةَ لَا تُؤَجَّلُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بَلْ طَرَأَ مَا يُوجِبُ تَعَطُّلَهَا عُدِمَ الِانْفِسَاخُ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي فِيمَا لَوْ غُصِبَتْ الدَّابَّةُ الْمُسْتَأْجَرَةُ مِنْ ثُبُوتِ الْخِيَارِ عَلَى مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: فَإِنْ شَرَطَ إلَخْ) أَيْ مِنْ جَانِبِ الْمُؤَجِّرِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَفِيهَا) أَيْ فَيَبْطُلُ فِيهَا إلَخْ، وَطَرِيقُهُمْ لِلصِّحَّةِ تَجْدِيدُ الْعَقْدِ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ (قَوْلُهُ: لِيَسْلَخَ) مِنْ بَابِ قَطَعَ وَدَخَلَ اهـ مُخْتَارٌ (قَوْلُهُ: وَيَطْحَنُ بُرًّا بِبَعْضِ الدَّقِيقِ) خَرَجَ بِالدَّقِيقِ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ بِبَعْضِ الْبُرِّ لِيَطْحَنَ بَاقِيَهُ فَلَا يَمْتَنِعُ. وَعِبَارَةُ حَجّ: وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ لِتَطْحَنَ الْكُلَّ بِقَفِيزٍ مِنْهُ أَوْ يُطْلِقُ، فَإِنْ قَالَ اسْتَأْجَرْتُك بِقَفِيزٍ مِنْ هَذَا لِتَطْحَنَ مَا عَدَاهُ صَحَّ، فَضَابِطُ مَا يَبْطُلُ أَنْ يَجْعَلَ الْأُجْرَةَ شَيْئًا تَحَصَّلَ بِعَمَلِ الْأَجِيرِ اهـ. وَقِيَاسُ مَا مَرَّ لِلشَّارِحِ فِيمَا لَوْ سَاقَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ شَرِيكَهُ وَمَا يَأْتِي فِيمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ امْرَأَةً لِإِرْضَاعِ رَقِيقٍ بِبَعْضِهِ فَيَصِحُّ سَوَاءٌ قَالَ لِتَطْحَنَ بَاقِيَهُ أَوْ كُلَّهُ الْآنَ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِيهِ الصِّحَّةُ مُطْلَقًا أَنَّهُ هُنَا كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: أَوْ النُّخَالَةِ) أَيْ ابْتِدَاءُ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ فِيهَا الْبُطْلَانُ) خِلَافًا لحج أَيْ وَيَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ.

(قَوْلُهُ: أَيْ امْرَأَةً مَثَلًا) أَيْ أَوْ ذَكَرًا أَوْ صَغِيرًا سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: لِتُرْضِعَ رَقِيقًا) أَيْ مَثَلًا أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ إلَخْ (قَوْلُهُ: الْمَذْكُورِ) هُوَ بِالْجَرِّ نَعْتٌ لِمَا. (قَوْلُهُ: وَانْتَصَرَ لِلْمُقَابِلِ بِمَا يَرُدُّهُ مَا مَرَّ) يُتَأَمَّلُ وَأَنَّ مَا مَرَّ فِي الْمُسَاقَاةِ لَيْسَ فِيهِ مَا يُرَدُّ مَا ذُكِرَ لِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِيهِ الصِّحَّةُ وَإِنْ قَالَ سَاقَيْتُك عَلَى جَمِيعِ هَذِهِ الْحَدِيقَةِ (قَوْلُهُ: لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ إطْلَاقُ الصِّحَّةِ) أَيْ هُنَا وَفِي الْمُسَاقَاةِ، وَمِثْلُهُ فِي الصِّحَّةِ اسْتِئْجَارُهُ لِطَحْنِ هَذِهِ الْوَيْبَةِ بِرُبُعِهَا فِي الْحَالِ، وَلَا يَضُرُّ وُقُوعُ الْعَمَلِ فِي الْمُشْتَرَكِ كَمَا فِي مُسَاقَاةِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ الْآخَرَ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ نُوزِعَ فِيهِ م ر اهـ سم عَلَى حَجّ. وَقَوْلُ سم وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ: أَيْ حَالَ كَوْنِهِ حَبًّا، وَمَا ذَكَرَهُ يُفْهِمُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
حَانُوتًا خَرَابًا عَلَى أَنْ يُعَمِّرَهُ مِنْ مَالِهِ وَيُحْسَبُ مِنْ الْأُجْرَةِ أَوْ حَمَّامًا عَلَى أَنَّ مُدَّةَ تَعَطُّلِهِ مَحْسُوبَةٌ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ بِمَعْنَى انْحِصَارِ الْأُجْرَةِ فِي الْبَاقِي، أَوْ عَلَى الْمُؤَجِّرِ بِمَعْنَى اسْتِيفَاءِ مِثْلِهَا بَعْدَ الْمُدَّةِ فَسَدَتْ لِجَهْلِ نِهَايَةِ الْمُدَّةِ؛ فَإِنْ عُلِمَتْ بِعَادَةٍ أَوْ تَقْدِيرٍ كَتَعَطُّلِ شَهْرِ كَذَا لِلْعِمَارَةِ بَطَلَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَمَا بَعْدَهَا وَصَحَّ فِيمَا اتَّصَلَ بِالْعَقْدِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: قَالَ السُّبْكِيُّ وَمِنْهُ مَا يَقَعُ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ إلَخْ) تُرَاجَعُ عِبَارَةُ التُّحْفَةِ

(قَوْلُهُ: أَيْ حِصَّتِهِ الْبَاقِيَةِ) تَبِعَ فِي هَذَا الْحَلِّ الشِّهَابَ ابْنَ حَجَرٍ الْمُخْتَارَ لِهَذَا التَّفْصِيلِ لَكِنَّهُ هُوَ يَخْتَارُ فِيمَا يَأْتِي الْإِطْلَاقَ فَكَانَ الْأَصْوَبُ حَذْفَ هَذَا التَّفْسِيرِ. (قَوْلُهُ: بِمَا يَرُدُّهُ مَا مَرَّ مِنْ التَّفْصِيلِ)

(5/268)


وَلِلْجَهْلِ بِهَا إذْ ذَاكَ، وَخَرَجَ بِنَحْوِ الْمَرْأَةِ اسْتِئْجَارُ شَاةٍ مَثَلًا لِإِرْضَاعِ طِفْلٍ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: أَوْ سَخْلَةٍ فَلَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ مَعَ عَدَمِ قُدْرَةِ الْمُؤَجِّرِ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَنْفَعَةِ كَالِاسْتِئْجَارِ لِضِرَابِ الْفَحْلِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ لِإِرْضَاعِ سَخْلَةٍ.

(وَ) يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا أَيْضًا (كَوْنُ الْمَنْفَعَةِ) مَعْلُومَةً كَمَا يَأْتِي (مُتَقَوِّمَةً) أَيْ لَهَا قِيمَةٌ لِيَحْسُنَ بَذْلُ الْمَالِ فِي مُقَابِلَتِهَا وَإِلَّا بِأَنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً أَوْ خَسِيسَةً كَانَ بَذْلُ الْمَالِ فِي مُقَابَلَتِهَا سَفَهًا، وَكَوْنُهَا وَاقِعَةً لِلْمُكْتَرِي وَكَوْنُ الْعَقْدِ عَلَيْهَا غَيْرَ مُتَضَمِّنٍ لِاسْتِيفَاءِ عَيْنٍ قَصْدًا كَاسْتِئْجَارِ بُسْتَانٍ لِثَمَرَتِهِ بِخِلَافِ نَحْوِ طِفْلٍ لِإِرْضَاعِهِ، وَكَوْنُهَا تُسْتَوْفَى مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ، وَكَوْنُهَا مُبَاحَةً مَمْلُوكَةً مَقْصُودَةً لَا كَتُفَّاحَةٍ لِلشَّمِّ فَإِنْ كَثُرَ التُّفَّاحُ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ لِأَنَّ مِنْهُ مَا هُوَ أَطْيَبُ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الرَّيَاحِينِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَإِنْ نَازَعَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ، وَكَوْنُهَا تُضْمَنُ بِالْبَدَلِ لَا كَكَلْبٍ وَتُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ لَا كَبُضْعٍ وَأَكْثَرُ هَذِهِ الْقُيُودِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ كَلَامِهِ (فَلَا يَصِحُّ) (اسْتِئْجَارُ بَيَّاعٍ عَلَى كَلِمَةٍ) وَمُعَلِّمٍ عَلَى حُرُوفٍ مِنْ قُرْآنٍ أَوْ غَيْرِهِ (لَا تُتْعِبُ) قَائِلَهَا عَادَةً فِيمَا يَظْهَرُ (وَإِنْ رُوِّجَتْ السِّلْعَةُ) إذْ لَا قِيمَةَ لَهَا، فَلَوْ اسْتَأْجَرَ عَلَيْهَا مَعَ انْتِفَاءِ التَّعَبِ بِتَرَدُّدٍ أَوْ كَلَامٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَإِلَّا فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ أَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى مَا لَا تَعَبَ فِيهِ فَتَعَبُهُ غَيْرُ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُ الشَّارِحِ السَّابِقِ وَفُسِّرَ بِأَنْ تَجْعَلَ إلَخْ (قَوْلُهُ: إذْ ذَاكَ) أَيْ وَقْتَ الْفِطَامِ (قَوْلُهُ: شَاةٍ مَثَلًا) أَيْ أَوْ قَنَاةٍ أَوْ بِئْرٍ لِلِانْتِفَاعِ بِمَائِهَا حَجّ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ الْحَاجَةِ) وَلِأَنَّهَا لَا تَنْقَادُ لِلْإِرْضَاعِ، بِخِلَافِ الْهِرَّةِ فَإِنَّهَا تَنْقَادُ بِطَبْعِهَا لِصَيْدِ الْفَأْرِ فَصَحَّ اسْتِئْجَارُهَا لَهُ اهـ سم عَلَى حَجّ. وَمِنْ طُرُقِ اسْتِحْقَاقِهِ أُجْرَةً لِلْهِرَّةِ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا لِعَدَمِ مَالِكٍ لَهَا وَيَتَعَهَّدُهَا بِالْحِفْظِ وَالتَّرْبِيَةِ فَيَمْلِكُهَا بِذَلِكَ كَالْوُحُوشِ الْمُبَاحَةِ حَيْثُ تَمَلُّكُهَا بِالِاصْطِيَادِ.

(قَوْلُهُ: كَاسْتِئْجَارِ بُسْتَانٍ) أَيْ وَلَا اسْتِئْجَارَ أَرْضٍ لِنَحْوِ جُدْرَانِهَا وَيَأْخُذُ مَا فِيهَا مِنْ الْآلَاتِ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ إنَّمَا تُسْتَحَقُّ بِهَا الْمَنْفَعَةُ لَا الْأَعْيَانُ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِلْبِنَاءِ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ حَفَرَ لِلتَّوَصُّلِ لِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي اسْتَأْجَرَ لَهَا فَوَجَدَ فِي الْأَرْضِ أَحْجَارًا مَدْفُونَةً أَوْ أُصُولَ جُدْرَانٍ عَلَى مِلْكِ الْمُؤَجِّرِ إنْ كَانَتْ مِلْكًا وَلِجِهَةِ الْوَقْفِ إنْ كَانَتْ وَقْفًا فَعَلَيْهِ دَفْعُهَا لِلْمَالِكِ حَيْثُ لَمْ يَعْرِضْ عَنْهَا، وَمَعَ ذَلِكَ لَا تُمَلَّكُ إلَّا بِعَقْدٍ أَوْ لِنَاظِرِ الْوَقْفِ، فَإِنْ تَصَرَّفَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ضَمِنَهَا ضَمَانَ الْغُصُوبِ، وَقَوْلُهُ لِثَمَرَتِهِ: أَيْ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ نَحْوِ طِفْلٍ) أَيْ بِخِلَافِ اسْتِئْجَارِ الْمَرْأَةِ لِإِرْضَاعِ نَحْوِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَإِنْ نَازَعَهُ) أَيْ فِي صِحَّةِ الْإِجَارَةِ (قَوْلُهُ: مَعَ انْتِفَاءِ التَّعَبِ) أَيْ وَفِعْلُهَا مَعَ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ) أَيْ بِأَنْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى كَلِمَةٍ لَا تُتْعِبُ وَاحْتَاجَ فِي الْإِتْيَانِ بِهَا إلَى تَرَدُّدٍ. وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ رَجُلٍ دَفَعَ لِآخَرَ بَيْضًا يَخْدُمُهُ إلَى أَنْ يُفَرِّخَ وَقَالَ لَهُ لَك مِنْهُ كَذَا هَلْ ذَلِكَ صَحِيحٌ أَمْ لَا؟ وَالْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ إنْ اسْتَأْجَرَهُ بِبَعْضِهِ حَالًّا صَحَّ وَاسْتَحَقَّهُ شَائِعًا وَإِلَّا كَانَ إجَارَةً فَاسِدَةً فَالْمُفَرَّخُ لِلْمَالِكِ وَعَلَيْهِ لِلْمَقُولِ لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِ عَمَلِهِ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ الِاسْتِئْجَارِ لِإِرْضَاعِ الرَّقِيقِ الْمَذْكُورَةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
هُوَ تَابِعٌ فِيهِ أَيْضًا لِلشِّهَابِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا مَرَّ لَهُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ

(قَوْلُهُ: وَكَوْنُهَا وَاقِعَةً لِلْمُكْتَرِي) أَيْ: أَوْ مُوَكِّلِهِ أَوْ مُوَلِّيهِ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ الْعِبَادَةُ الَّتِي لَا تَقْبَلُ النِّيَابَةَ كَالصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ نَحْوِ طِفْلٍ) صَوَابُهُ بِخِلَافِ اسْتِئْجَارِهَا لِارْتِضَاعِ نَحْوِ طِفْلٍ (قَوْلُهُ: وَكَوْنُهَا مُبَاحَةً) قَدْ يُقَالُ هَذَا يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مُتَقَوِّمَةً وَمِنْ ثَمَّ أَخْرَجَ هُوَ بِهَا الْمُحَرَّمَةَ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: مَعَ انْتِقَاءِ التَّعَبِ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الظَّرْفَ لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَيْهِ مَا يَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِهِ إلَّا لَفْظُ اسْتِئْجَارٍ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَعْنَى: لَوْ اسْتَأْجَرَ، وَالْحَالُ أَنَّ التَّعَبَ مُنْتَفٍ: أَيْ بِأَنْ كَانَ ذَلِكَ مَعْلُومًا وَقْتَ الْإِيجَارِ، وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ وَإِلَّا: أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِ التَّعَبُ بَلْ كَانَ مَوْجُودًا: أَيْ مَعْلُومًا عِنْدَ الْإِيجَارِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ تَعَلُّقِ الظَّرْفِ بِاسْتِئْجَارٍ، وَحِينَئِذٍ فَيُشْكِلُ؛ لِأَنَّ التَّعَبَ إذَا كَانَ مَعْلُومًا فَهُوَ صُورَةُ الصِّحَّةِ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ وَحَيْثُ لَمْ يَصِحَّ فَإِنْ تَعِبَ بِكَثْرَةِ تَرَدُّدٍ أَوْ كَلَامٍ فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلٍ وَإِلَّا فَلَا انْتَهَتْ.
فَجَعَلَ التَّعَبَ أَمْرًا عَارِضًا، وَالصُّورَةُ

(5/269)


فَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِهِ مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ عَادَةً إلَّا بِذَلِكَ. فَكَانَ كَالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَشَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَا كَانَ مُسْتَقِرَّ الْقِيمَةِ، وَمَا لَمْ يَسْتَقِرَّ خِلَافًا لِمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى إلَّا أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى مَا فِيهِ تَعَبٌ. أَمَّا مَا يَحْصُلُ فِيهِ تَعَبٌ مِنْ الْكَلِمَاتِ كَمَا فِي بَيْعِ الدُّورِ وَالرَّقِيقِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَخْتَلِفُ ثَمَنُهُ بِاخْتِلَافِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَيَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ.
وَفِي الْإِحْيَاءِ امْتِنَاعُ أَخْذِ طَبِيبٍ أُجْرَةٍ عَلَى كَلِمَةٍ بِدَوَاءٍ يَنْفَرِدُ بِهِ لِانْتِفَاءِ الْمَشَقَّةِ، بِخِلَافِ مَا هُوَ عُرْفُ إزَالَةِ اعْوِجَاجِ نَحْوِ سَيْفٍ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَشَقَّةٌ، إذْ هَذِهِ الصِّنَاعَاتُ يَتْعَبُ فِي تَعَلُّمِهَا لِيَكْتَسِبَ بِهَا وَيُخَفِّفَ عَنْ نَفْسِهِ التَّعَبَ، وَخَالَفَهُ الْبَغَوِيّ فِي هَذِهِ، وَرَجَّحَ الْأَذْرَعِيُّ الْأَوَّلَ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ (وَكَذَا دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ لِلتَّزْيِينِ) أَوْ الْوَزْنِ بِهَا أَوْ الضَّرْبِ عَلَى سِكَّتِهَا (وَ) نَحْوِ (كَلْبٍ لِلصَّيْدِ) أَوْ الْحِرَاسَةِ بِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ مَنْفَعَةَ التَّزَيُّنِ بِهِمَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ غَالِبًا بِدَلِيلِ عَدَمِ ضَمَانِ غَاصِبِهِمَا أُجْرَتَهُمَا وَنَحْوُ الْكَلْبِ لَا قِيمَةَ لِعَيْنِهِ وَلَا لِمَنْفَعَتِهِ، وَالثَّانِي يُنَازِعُ فِي ذَلِكَ. أَمَّا إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالتَّزْيِينِ أَوْ لَمْ يَكُنْ الْكَلْبُ مُعَلَّمًا فَلَا تَصِحُّ جَزْمًا، وَخَرَجَ بِالْكَلْبِ الْخِنْزِيرُ فَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ جَزْمًا وَالْمُتَوَلِّدُ مِنْهُمَا كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ. وَخَرَجَ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الْحُلِيُّ فَتَجُوزُ إجَارَتُهُ حَتَّى بِمِثْلِهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَيُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ فِي الزَّكَاةِ عَدَمُ صِحَّةِ إجَارَةِ دَنَانِيرَ مَثْقُوبَةٍ غَيْرِ مُعَارَةٍ لِلتَّزَيُّنِ بِهَا، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ شَجَرَةً لِلِاسْتِظْلَالِ بِظِلِّهَا أَوْ الرَّبْطِ بِهَا أَوْ طَائِرًا لِلْأُنْسِ بِصَوْتِهِ كَالْعَنْدَلِيبِ أَوْ لَوْنِهِ كَالطَّاوُوسِ صَحَّ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ الْمَذْكُورَةَ مَقْصُودَةٌ مُتَقَوِّمَةٌ. وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ هِرٍّ لِدَفْعِ الْفَأْرِ. وَشَبَكَةٍ وَبَازٍ وَشَاهِينَ لِصَيْدٍ لِأَنَّ مَنَافِعَهَا مُتَقَوِّمَةٌ.

(وَكَوْنُ الْمُؤَجِّرِ قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِهَا) بِتَسْلِيمِ مَحَلِّهَا حِسًّا وَشَرْعًا لِيَتَمَكَّنَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْهَا، وَالْقُدْرَةُ عَلَى ذَلِكَ تَشْمَلُ مِلْكَ الْأَصْلِ وَمِلْكَ الْمَنْفَعَةِ فَدَخَلَ الْمُسْتَأْجِرُ فَلَهُ إيجَارُ مَا اسْتَأْجَرَهُ وَالْمُقَطِّعِ لَهُ إجَارَةُ مَا أَقْطَعَهُ لَهُ الْإِمَامُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى) حَيْثُ قَالَ: مَحَلُّ عَدَمِ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ عَلَى كَلِمَةِ لَا تُتْعِبُ إذَا كَانَ الْمُنَادَى عَلَيْهِ مُسْتَقِرَّ الْقِيمَةِ اهـ شَيْخُنَا زِيَادِيٌّ بِالْمَعْنَى (قَوْلُهُ: فَيَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ) وَكَأَنَّهُمْ اغْتَفَرُوا جَهَالَةَ الْعَمَلِ هُنَا لِلْحَاجَةِ فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ مِقْدَارَ الْكَلِمَاتِ الَّتِي يَأْتِي بِهَا، وَلَا مِقْدَارَ الزَّمَانِ الَّذِي يَصْرِفُ فِيهِ التَّرَدُّدَ لِلنِّدَاءِ، وَلَا الْأَمْكِنَةَ الَّتِي يَتَرَدَّدُ إلَيْهَا (قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ الْمَشَقَّةِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ صِحَّةُ الْإِجَارَةِ عَلَى إبْطَالِ السِّحْرِ، لِأَنَّ فَاعِلَهُ يَحْصُلُ لَهُ مَشَقَّةٌ بِالْكِتَابَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ اسْتِعْمَالِ الْبَخُورِ وَتِلَاوَةِ الْأَقْسَامِ الَّتِي جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِاسْتِعْمَالِهَا.
وَمِنْهُ إزَالَةُ مَا يَحْصُلُ لِلزَّوْجِ مِنْ الِانْحِلَالِ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْعَامَّةِ بِالرِّبَاطِ، وَالْأُجْرَةُ عَلَى مَنْ الْتَزَمَ الْعِوَضَ وَلَوْ أَجْنَبِيًّا حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَانِعُ مِنْ الزَّوْجِ وَالْتَزَمَتْ الْمَرْأَةُ وَأَهْلُهَا الْعِوَضَ لَزِمَتْ الْأُجْرَةُ مِنْ الْتِزَامِهَا وَكَذَا عَكْسُهُ، وَلَا يَلْزَمُ مَنْ قَامَ الْمَانِعَ بِهِ الِاسْتِئْجَارُ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُدَاوَاةِ وَهِيَ غَيْرُ لَازِمَةٍ لِلْمَرِيضِ مِنْ الزَّوْجَيْنِ، ثُمَّ إنْ وَقَعَ إيجَارٌ صَحِيحٌ بِعَقْدٍ لَزِمَ الْمُسَمَّى وَإِلَّا فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَلَا يُنَافِي قَوْلُنَا أَوَّلًا وَلَوْ أَجْنَبِيًّا قَوْلَ الشَّارِحِ وَكَوْنُهَا وَاقِعَةً عَلَى الْمُكْتَرِي لِجَوَازِ أَنَّ مَا هُنَا مِنْ الْجَعَالَةِ لَا مِنْ الْإِجَارَةِ، وَقَدْ صَرَّحُوا فِيهَا بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ شَخْصٌ مَنْ رَدَّ عَبْدَ زَيْدٍ فَلَهُ كَذَا فَلُزُومُ الْجَعْلِ لِلْمُلْتَزِمِ عَلَى رَدِّ الْعَبْدِ (قَوْلُهُ: فِي هَذِهِ) أَيْ فِي ضَرْبَةِ السَّيْفِ (قَوْلُهُ الْأَوَّلَ) أَيْ الصِّحَّةَ (قَوْلُهُ: كَذَلِكَ) أَيْ لَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ جَزْمًا (قَوْلُهُ: حَتَّى بِمِثْلِهِ مِنْ ذَهَبٍ) أَيْ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ الْمَنْفَعَةُ فَلَا رِبَا فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ فِي بَيْعِ النَّقْدِ بِمِثْلِهِ (قَوْلُهُ: لِلتَّزَيُّنِ بِهَا) أَيْ لِحُرْمَةِ اسْتِعْمَالِهَا (قَوْلُهُ: كَالْعَنْدَلِيبِ) بِوَزْنِ الزَّنْجَبِيلِ طَائِرٌ يُقَالُ لَهُ الْهَزَارُ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَجَمْعُهُ عَنَادِلُ اهـ مُخْتَارُ الصِّحَاحِ.

(قَوْلُهُ: فَلَهُ إيجَارُ مَا اسْتَأْجَرَهُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ بِمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ وَلَا يَحْجُرُ عَلَى الشَّخْصِ فِي مِلْكِهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
أَنَّ الْكَلِمَةَ مِنْ شَأْنِهَا لَا تُتْعِبُ، فَلَعَلَّ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّارِحِ غَيْرُ مُرَادٍ لَهُ (قَوْلُهُ: مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ عَادَةً إلَّا بِذَلِكَ) قَدْ يُقَالُ هَذَا لَا يَرُدُّ بَحْثَ الْأَذْرَعِيِّ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى مَا مِنْ شَأْنِهِ عَدَمُ التَّعَبِ وَمَا الْعَادَةُ فِيهِ عَدَمُ التَّعَبِ

(5/270)


لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِمَنْفَعَتِهِ وَإِنْ خَالَفَهُ الْفَزَارِيّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ عَصْرِهِ وَأَفْتَوْا بِالْبُطْلَانِ فَإِنَّ الْمُقْطَعَ لَمْ يَمْلِكْ الْمَنْفَعَةَ وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا كَالْمُسْتَعِيرِ، وَفَصَلَ الزَّرْكَشِيُّ بَيْنَ أَنْ يَأْذَنَ الْإِمَامُ لَهُ فِي الْإِيجَارِ، أَوْ يَجْرِيَ بِهِ عُرْفٌ عَامٌّ، كَدِيَارِ مِصْرَ فَتَصِحُّ وَإِلَّا فَتُمْتَنَعُ اهـ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَجْمَعَ بِذَلِكَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ، وَتُوَجَّهُ الصِّحَّةُ مَعَ عَدَمِ مِلْكِهِ الْمَنْفَعَةَ بِأَنَّ اطِّرَادَ الْعُرْفِ بِذَلِكَ نَزَّلَهُ مَنْزِلَةَ إذْنِ الْإِمَامِ (فَلَا يَصِحُّ) (اسْتِئْجَارُ) مَنْ نَذَرَ عِتْقَهُ، أَوْ شَرَطَ فِي بَيْعِهِ، وَلَا اسْتِئْجَارُ (آبِقٍ وَمَغْصُوبٍ) لِغَيْرِ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ، وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى انْتِزَاعِهِ عَقِبَ الْعَقْدِ: أَيْ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي فِي التَّفْرِيغِ مِنْ نَحْوِ الْأَمْتِعَةِ وَذَلِكَ كَبَيْعِهِمَا. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ قُدْرَةَ الْمُؤَجِّرِ عَلَى الِانْتِزَاعِ كَذَلِكَ كَافِيَةٌ، وَأَلْحَقَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ بِذَلِكَ مَا لَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ الدَّارَ مَسْكَنُ الْجِنِّ وَأَنَّهُمْ يُؤْذُونَ السَّاكِنَ بِرَجْمٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ تَعَذَّرَ دَفْعُهُمْ، وَعَلَيْهِ فَطُرُوُّ ذَلِكَ بَعْدَ الْإِجَارَةِ كَطُرُوِّ الْغَصْبِ بَعْدَهَا (وَ) لَا اسْتِئْجَارَ (أَعْمَى لِلْحِفْظِ) بِالنَّظَرِ وَأَخْرَسَ لِلتَّعْلِيمِ إجَارَةَ عَيْنٍ لِاسْتِحَالَتِهِ، بِخِلَافِ الْحِفْظِ بِنَحْوِ يَدٍ وَإِجَارَةَ الذِّمَّةِ مُطْلَقًا لِأَنَّهَا سَلَمٌ وَعَلَى الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ تَحْصِيلُ الْمُسَلِّمِ فِيهِ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ.

(وَ) لَا اسْتِئْجَارَ (أَرْضٍ لِلزِّرَاعَةِ لَا مَاءَ لَهَا دَائِمٌ) أَيْ مُسْتَمِرٌّ (وَلَا يَكْفِيهَا الْمَطَرُ الْمُعْتَادُ) وَلَا مَا فِي مَعْنَاهُ كَثَلْجٍ أَوْ نَدَاوَةٍ، وَلَا تُسْقَى بِمَاءٍ غَالِبِ الْحُصُولِ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَمُجَرَّدُ الْإِمْكَانِ غَيْرُ كَافٍ كَإِمْكَانِ عَوْدِ الْآبِقِ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ قَالَ الْمُؤَجِّرُ أَحْفِرُ لَك بِئْرًا: أَيْ وَلَوْ قَبْلَ الْعَقْدِ فِيمَا يَظْهَرُ وَأَسْقِي أَرْضَك مِنْهَا، أَوْ أَسُوقُ الْمَاءَ إلَيْهَا مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ: أَيْ إنْ كَانَ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ مِنْ وَقْتِ الِانْتِفَاعِ بِهَا لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ، إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ يُتَخَيَّرُ عِنْدَ عَدَمِ وَفَائِهِ لَهُ بِذَلِكَ فِي فَسْخِ الْعَقْدِ، وَخَرَجَ بِالزِّرَاعَةِ مَا لَوْ عَمَّ كَاسْتِئْجَارِهَا لِمَا شَاءَ أَوْ لِغَيْرِ الزِّرَاعَةِ فَيَصِحُّ (وَيَجُوزُ) إيجَارُهَا (إنْ كَانَ لَهَا مَاءٌ دَائِمٌ) مِنْ نَحْوِ نَهْرٍ أَوْ عَيْنٍ لِسُهُولَةِ الزِّرَاعَةِ حِينَئِذٍ، وَيَدْخُلُ شُرْبُهَا إنْ اُعْتِيدَ دُخُولُهُ أَوْ شُرِطَ وَإِلَّا فَلَا لِعَدَمِ شُمُولِ اللَّفْظِ لَهُ، وَمَعَ دُخُولِهِ لَا يَمْلِكُ الْمُسْتَأْجِرُ الْمَاءَ بَلْ يَسْقِي بِهِ عَلَى مِلْكِ الْمُؤَجِّرِ كَمَا رَجَّحَهُ السُّبْكِيُّ، وَبَحَثَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ اسْتِئْجَارَ الْحَمَّامِ كَاسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ (وَكَذَا) يَجُوزُ إيجَارُهَا (إنْ كَفَاهَا الْمَطَرُ الْمُعْتَادُ أَوْ مَاءُ الثُّلُوجِ الْمُجْتَمَعَةِ) فِي نَحْوِ جَبَلٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِمَنْفَعَتِهِ) وَإِنْ جَازَ لِلسُّلْطَانِ الِاسْتِرْدَادُ اهـ حَجّ: أَيْ حَيْثُ كَانَ أَقْطَعَ إرْفَاقًا، أَمَّا إقْطَاعُ التَّمْلِيكِ يَمْتَنِعُ عَلَى الْإِمَامِ الرُّجُوعُ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَذَلِكَ كَبَيْعِهِمَا) التَّشْبِيهُ فِي أَصْلِ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ثَمَّ كَوْنُ الْقُدْرَةِ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لَهَا أُجْرَةٌ بَلْ الشَّرْطُ أَنْ يَقْدِرَ بِلَا مُؤْنَةٍ أَوْ كُلْفَةٍ لَهَا وَقَعَ (قَوْلُهُ: كَذَلِكَ) أَيْ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَأَلْحَقَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ بِذَلِكَ) أَيْ بِالْآبِقِ وَالْمَغْصُوبِ (قَوْلُهُ إنْ تَعَذَّرَ دَفْعُهُمْ) أَفْهَمَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَعَذَّرْ دَفْعُهُمْ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ، وَمِنْهُ مَا لَوْ أَمْكَنَ دَفْعُهُمْ بِكِتَابَةٍ أَوْ نَحْوِهَا كَتِلَاوَةِ قَسَمٍ وَالْأُجْرَةُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ حَيْثُ أَجَازَ الْإِجَارَةَ (قَوْلُهُ: كَطُرُوِّ الْغَصْبِ بَعْدَهَا) أَيْ فَلَا تَنْفَسِخُ بِهِ الْإِجَارَةُ وَيَثْبُتُ لِلْمُكْتَرِي الْخِيَارُ، فَإِنْ غَصَبَ بِغَيْرِ انْتِفَاعٍ بِهَا لِتَعَذُّرِهِ انْفَسَخَتْ فِيهَا كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: يُؤْذُونَ السَّاكِنَ بِرَجْمٍ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَكُنْ الدَّارُ مَعِدَةً لِلسُّكْنَى بَلْ لِخَزِينِ أَمْتِعَةٍ كَتِبْنٍ وَنَحْوِهِ صَحَّ اسْتِئْجَارُهَا لِذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَبِلَ) أَيْ الْقَوْلَ (قَوْلُهُ: إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُسْتَأْجِرِ (قَوْلُهُ: فَيَصِحُّ) أَوْ يَفْعَلُ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ فِي تَمَلُّكِ الْأَرْضِ (قَوْلُهُ لَا يَمْلِكُ الْمُسْتَأْجِرُ الْمَاءَ) أَيْ فَلَوْ فَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ عَنْ السَّقْيِ كَانَ لِلْمُؤَجِّرِ لِبَقَائِهِ عَلَى مِلْكِهِ (قَوْلُهُ: كَاسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ) أَيْ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَاءٌ مُعْتَادًا وَيَغْلِبُ حُصُولُهُ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يَجْمَعَ بِذَلِكَ إلَخْ) سَيَأْتِي أَنَّ الرَّاجِحَ صِحَّةُ إيجَارِهِ مُطْلَقًا، وَالْكَلَامُ فِي إقْطَاعِ الْأَوْقَافِ، أَمَّا إقْطَاعُ التَّمْلِيكِ فَيَصِحُّ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ: مَنْ نَذَرَ عِتْقَهُ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ تَنْقَضِي قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْعِتْقِ بِأَنْ كَانَ مُعَلَّقًا عَلَى شَيْءٍ كَقُدُومِ غَائِبٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ فَلْيُرَاجَعْ

(قَوْلُهُ: أَيْ مُسْتَمِرٌّ) دَفَعَ بِهِ إيهَامَ أَنَّ

(5/271)


(وَالْغَالِبُ حُصُولُهَا فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْغَالِبَ حُصُولُ الْغَالِبِ، وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الْوُثُوقِ بِحُصُولِ مَا ذُكِرَ، وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ أَرَاضِيِ مِصْرٍ لِلزِّرَاعَةِ بَعْدَ رِيِّهَا بِالزِّيَادَةِ وَإِنْ لَمْ يَنْحَسِرْ عَنْهَا الْمَاءُ حَيْثُ رُجِيَ انْحِسَارُهُ فِي وَقْتِهِ عَادَةً وَقَبْلَهُ إنْ كَانَ رَيُّهَا مِنْ الزِّيَادَةِ الْغَالِبَةِ، وَيُعْتَبَرُ فِي كُلِّ زَمَنٍ بِمَا يُنَاسِبُهُ، وَالتَّمْثِيلُ بَخَمْسَةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ الزَّمَنِ، وَلَوْ أَجَّرَهَا مَقِيلًا وَمُرَاحًا وَلِلزِّرَاعَةِ لَمْ تَصِحَّ مَا لَمْ يُبَيِّنْ عَيْنَ مَا لِكُلٍّ، وَيُتَّجَهُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا قَصَدَ تَوْزِيعَ أُجْرَةِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ عَلَى الْمَنَافِعِ أَخْذًا مِمَّا بَعْدَهَا، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْقَفَّالُ: لَوْ أَجَّرَهُ لِيَزْرَعَ النِّصْفَ وَيَغْرِسَ النِّصْفَ لَمْ يَصِحَّ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ عَيْنَ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا.

(وَالِامْتِنَاعُ) لِلتَّسْلِيمِ (الشَّرْعِيِّ) لِتَسْلِيمِ الْمَنْفَعَةِ (كَالْحِسِّيِّ) فِي حُكْمِهِ (فَلَا يَصِحُّ) (اسْتِئْجَارٌ لِقَلْعٍ) أَوْ قَطْعٍ مَا مَنَعَ الشَّرْعُ قَطْعَهُ أَوْ قَلْعَهُ مِنْ نَحْوِ (سِنٍّ صَحِيحَةٍ) وَعُضْوٍ سَلِيمٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ أَرَاضِيِ مِصْرَ) وَسَيَأْتِي أَنَّ هَذِهِ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ اشْتِرَاطِ اتِّصَالِ الْمَنْفَعَةِ بِالْعَقْدِ (قَوْلُهُ: لِلزِّرَاعَةِ) لَوْ تَأَخَّرَ إدْرَاكُ الزَّرْعِ عَنْ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَلَا تَقْصِيرَ لَمْ يَجِبْ الْقَلْعُ قَبْلَ أَوَانِهِ وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ م ر. وَقَوْلُهُ وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ يُخَالِفُهُ قَوْلُ الرَّوْضِ وَإِنْ تَأَخَّرَ الْإِدْرَاكُ لِعُذْرِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ مَطَرٍ أَوْ أَكْلِ جَرَادٍ لِبَعْضِهِ: أَيْ كَرُءُوسِهِ فَنَبَتَ ثَانِيًا كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِهِ بَقِيَ بِالْأُجْرَةِ إلَى الْحَصَادِ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ. أَقُولُ: وَيُمْكِنُ حَمْلُ قَوْلِ م ر وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ عَلَى مَا لَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ تُزْرَعُ مَرَّةً وَاحِدَةً وَاسْتَأْجَرَهَا لِزِرَاعَةِ الْحَبِّ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي زَرْعِ الْبُرِّ وَنَحْوِهِ فَتَأَخَّرَ الْإِدْرَاكُ عَنْ وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ فَلَا يُكَلَّفُ الْأُجْرَةَ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ فِي مِثْلِهِ بِتَبْقِيَةِ الزَّرْعِ إلَى وَقْتِ إدْرَاكِهِ وَإِنْ تَأَخَّرَ، وَحُمِلَ قَوْلُ الرَّوْضِ بَقِيَ بِالْأُجْرَةِ عَلَى مَا لَوْ قَدَّرَ مُدَّةً مَعْلُومَةً أَدْرَكَ الزَّرْعَ قَبْلَ فَرَاغِهَا فَيَلْزَمُ بِأُجْرَةِ مَا زَادَ عَلَى الْمُدَّةِ الْمُقَدَّرَةِ إذَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِانْتِفَاعٍ بِهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ بِزَرْعٍ آخَرَ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَنْحَسِرْ) أَيْ الْمَاءُ (قَوْلُهُ: فِي وَقْتِهِ عَادَةً) أَيْ فَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ الْوَقْتِ الْمُعْتَادِ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ (قَوْلُهُ: وَقَبْلَهُ) أَيْ الرَّيِّ، وَقَوْلُهُ وَالتَّمْثِيلُ بَخَمْسَةَ عَشَرَ: أَيْ ذِرَاعًا (قَوْلُهُ: وَيُتَّجَهُ تَقْيِيدُهُ) أَيْ عَدَمُ الصِّحَّةِ (قَوْلُهُ: بِمَا إذَا قَصَدَ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا أُطْلِقَ لَمْ يَصِحَّ وَيَنْبَغِي أَنَّ حَالَةَ الْإِطْلَاقِ مَحْمُولَةٌ عَلَى تَوْزِيعِ الْأُجْرَةِ عَنْ الْمَنَافِعِ الثَّلَاثِ، وَيَخْرُجُ بِذَلِكَ مَا لَوْ قَصَدَ تَعْمِيمَ الِانْتِفَاعِ وَأَنَّ الْمَعْنَى آجَرْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ لِتَنْتَفِعَ بِهَا مَا شِئْت، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمَنَافِعَ الثَّلَاثَ لِمُجَرَّدِ بَيَانِ مَا شَمِلَتْهُ الْمَنَافِعُ (قَوْلُهُ: لِيَزْرَعَ النِّصْفَ وَيَغْرِسَ إلَخْ) بَقِيَ مَا لَوْ أَجَّرَهُ لِيَزْرَعَ النِّصْفَ بُرًّا وَالنِّصْفَ شَعِيرًا هَلْ يَجِبُ أَنْ يُبَيِّنَ عَيْنَ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى قِيَاسِ مَا ذُكِرَ فِي الزَّرْعِ وَالْغِرَاسِ بِجَامِعِ اخْتِلَافِ الضَّرَرِ وَلِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ إبْدَالُ الشَّعِيرِ بِالْحِنْطَةِ، أَوْ يُفَرِّقُ بِاتِّحَادِ الْجِنْسِ هُنَا وَهُوَ الزَّرْعُ بِخِلَافِ الزَّرْعِ وَالْغِرَاسِ فَإِنَّهُمَا جِنْسَانِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَصَمَّمَ م ر عَلَى الْفَرْقِ فَلْيُحَرَّرْ اهـ سم عَلَى حَجّ. أَقُولُ: وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ الْفَرْقِ.

(قَوْلُهُ: كَالْحِسِّيِّ) أَيْ الَّذِي تَقَدَّمَ أَنَّهُ مَانِعٌ مِنْ الصِّحَّةِ فِي قَوْلِهِ وَكَوْنُ الْمُؤَجِّرِ قَادِرًا إلَخْ، وَهَذَا بِنَاءٌ مِنْهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُدْرَةِ فِيمَا مَرَّ الْحِسِّيَّةُ وَلَوْ حَمَلَهَا عَلَى الْأَعَمِّ لَاسْتَغْنَى بِمَا مَرَّ عَنْ ذِكْرِ هَذِهِ (قَوْلُهُ: مِنْ نَحْوِ سِنٍّ صَحِيحَةٍ) وَلَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ وَفَعَلَ لَمْ يَسْتَحِقَّ أُجْرَةً لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِيمَا فَعَلَهُ شَرْعًا كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ لِصَدْعِ إنَاءٍ ذَهَبٍ فَإِنَّهُ لَا أُجْرَةَ لَهُ. نَعَمْ لَوْ جَهِلَ الْأَجِيرُ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ فَيَنْبَغِي اسْتِحْقَاقُ الْأُجْرَةِ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ الْغَاصِبُ مَنْ يَذْبَحُ الشَّاةَ الْمَغْصُوبَةَ فَذَبَحَهَا جَاهِلًا فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَعَلَى هَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْمُؤَجِّرُ ظَنَنْتهَا وَجِعَةً وَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ بَلْ عَلِمْتهَا صَحِيحَةً فَالْأَقْرَبُ تَصْدِيقُ الْمُؤَجِّرِ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ، إذْ الْغَالِبُ أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَقَعُ إلَّا عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
الْمُرَادَ بِالدَّائِمِ الرَّاكِدُ كَمَا عَبَّرُوا بِهِ فِي الطَّهَارَةِ (قَوْلُهُ: وَيُتَّجَهُ تَقْيِيدُهُ) اُنْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِهِ وَمَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ لَمْ يَظْهَرْ لِي (قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ إلَخْ) هَذَا مِنْ تَعَلُّقِ مَا قَبْلَ التَّقْيِيدِ الْمَذْكُورِ، فَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَهُ عَقِبَهُ كَمَا هُوَ كَذَلِكَ فِي التُّحْفَةِ

(5/272)


آدَمِيٍّ لِلْعَجْزِ عَنْهُ شَرْعًا. أَمَّا مَا يَجُوزُ شَرْعًا كَسِنٍّ وَجِعَةٍ فَيَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ لِقَلْعِهَا إنْ صَعُبَ الْأَلَمُ وَقَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ: إنَّ قَلْعَهَا يُزِيلُ الْأَلَمَ، وَلَوْ اسْتَحَقَّ قَلْعَهَا فِي قِصَاصٍ أَوْ فِي نَظِيرِ مَا يَأْتِي فِي السِّلْعَةِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ فِي الْقِصَاصِ وَاسْتِيفَاءِ الْحُدُودِ جَائِزٌ، وَفِي الْبَيَانِ أَنَّ الْأُجْرَةَ عَلَى الْمُقْتَصِّ مِنْهُ إذَا لَمْ يَنْصِبْ الْإِمَامُ جَلَّادًا يُقِيمُ الْحُدُودَ وَيَرْزُقُهُ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ، وَلَوْ كَانَ السِّنُّ صَحِيحًا وَلَكِنْ انْصَبَّ تَحْتَهُ مَادَّةٌ مِنْ نَزْلَةٍ وَنَحْوِهَا وَقَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ لَا تَزُولُ الْمَادَّةُ إلَّا بِقَلْعِهَا، فَالْأَشْبَهُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ جَوَازُ الْقَلْعِ لِلضَّرُورَةِ، وَاسْتِشْكَالُهُ صِحَّتَهَا لِنَحْوِ الْفَصْدِ دُونَ كَلِمَةِ الْبَيَّاعِ رُدَّ بِأَنَّهُ فِي مَعْنَى إصْلَاحِ اعْوِجَاجِ السَّيْفِ بِنَحْوِ ضَرْبَةٍ لَا تُتْعِبُ بَلْ يَمْنَعُ دَعْوَى نَفْيِ التَّعَبِ لِأَنَّ تَمْيِيزَ الْعِرْقِ وَإِحْسَانَ ضَرْبِهِ لَا يَخْلُو عَنْ تَعَبٌ.
وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِقَلْعِ وَجِعَةً فَبَرِئَتْ لَمْ تَنْفَسِخْ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ إبْدَالِ الْمُسْتَوْفَى بِهِ، وَالْقَوْلُ بِانْفِسَاخِهَا مَبْنِيٌّ عَلَى مُقَابِلِهِ، فَإِنْ مَنَعَهُ مِنْ قَلْعِهَا وَلَمْ تَبْرَأْ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ وَيَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ وَمُضِيِّ مُدَّةِ إمْكَانِ الْعَمَلِ لَكِنَّهَا غَيْرُ مُسْتَقِرَّةٍ حَتَّى لَوْ سَقَطَتْ رَدَّ الْأُجْرَةَ كَمَنْ مَكَّنَتْ الزَّوْجَ فَلَمْ يَطَأْهَا ثُمَّ فَارَقَ، وَيُفَارِقُ ذَلِكَ مَا لَوْ حَبَسَ الدَّابَّةَ مُدَّةَ إمْكَانِ السَّيْرِ حَيْثُ تَسْتَقِرُّ الْأُجْرَةُ عَلَيْهِ لِتَلَفِ الْمَنَافِعِ تَحْتَ يَدِهِ، وَمَا تَقَرَّرَ هُنَا لَا يُنَافِي مَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ مِنْ اسْتِقْرَارِهَا، إذْ هُوَ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا تَبَيَّنَ عَدَمُ تَدَارُكِ الْفِعْلِ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَيْهِ وَمَا مَرَّ فِي إمْكَانِهِ (وَلَا) اسْتِئْجَارُ (حَائِضٌ) أَوْ نُفَسَاءَ مُسْلِمَةٍ (لِخِدْمَةِ مَسْجِدٍ) أَوْ تَعْلِيمِ قُرْآنٍ إجَارَةَ عَيْنٍ وَلَوْ مَعَ أَمْنِ التَّلْوِيثِ لِاقْتِضَاءِ الْخِدْمَةِ الْمُكْثَ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ، بِخِلَافِ الذِّمِّيَّةِ عَلَى مَا مَرَّ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَبِطُرُوِّ نَحْوِ الْحَيْضِ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ كَمَا يَأْتِي،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
ذَلِكَ (قَوْلُهُ: إنْ صَعُبَ) أَيْ قَوِيَ (قَوْلُهُ: فَكَذَلِكَ) أَيْ وَلَوْ صَحِيحَةً (قَوْلُهُ: لِلضَّرُورَةِ) أَيْ فَتَصِحُّ الْإِجَارَةُ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: لَمْ تَنْفَسِخْ) أَيْ خِلَافًا لحج (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى جَوَازِ إبْدَالِ الْمُسْتَوْفَى بِهِ) أَيْ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ حَيْثُ سَاوَى مَا يُعَوَّضُ عَنْهُ نَفْسًا وَاحِدَةً أَوْ زَادَ حَيْثُ رَضِيَ الْأَجِيرُ أَوْ نَقَصَ حَيْثُ رَضِيَ الْمُسْتَأْجِرُ (قَوْلُهُ يُجْبَرُ عَلَيْهِ) أَيْ الْقَلْعِ (قَوْلُهُ: لَوْ سَقَطَتْ) أَيْ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْمُؤَجِّرِ نَفْسَهُ (قَوْلُهُ: رَدَّ الْأُجْرَةَ) قَدْ يُقَالُ: يُشْكِلُ رَدُّ الْأُجْرَةِ هُنَا بِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ عَرَضَ الدَّابَّةَ الْمُسْتَأْجَرَةَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ عَرَضَ الْمِفْتَاحَ فَامْتَنَعَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ تَسْلِيمِ مَا ذُكِرَ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةٌ يُمْكِنُ فِيهَا اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ فَالْأَقْرَبُ الْأُجْرَةُ، عَلَى أَنَّ قِيَاسَ مَا مَرَّ لَهُ، وَيَأْتِي مِنْ جَوَازِ إبْدَالِ الْمُسْتَوْفَى بِهِ عَدَمُ الرَّدِّ وَأَنَّهُ يَسْتَعْمِلُ الْمُؤَجِّرُ فِيمَا يَقُومُ مَقَامَ قَلْعِ السِّنِّ الْمَذْكُورَةِ فَلْيُحَرَّرْ (قَوْلُهُ: لِتَلَفِ) أَيْ وَذَلِكَ لِتَلَفٍ إلَخْ
(قَوْلُهُ: فِيمَا إذَا تَبَيَّنَ عَدَمَ تَدَارُكِ) أَيْ عَدَمَ مُبَاشَرَةِ الْفِعْلِ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَيْهِ بِلَا مَانِعٍ مِنْهُ، وَفِي نُسْخَةٍ إذَا لَمْ يَطْرَأْ ثَمَّ مَا تَبَيَّنَ بِهِ عَدَمُ إمْكَانِ الْفِعْلِ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَيْهِ إلَخْ وَهِيَ أَقْعَدُ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الذِّمِّيَّةِ) مُحْتَرَزُ مُسْلِمَةٍ: أَيْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهَا. وَوَجَّهَ بِأَنَّهَا لَا تُمْنَعُ مِنْ الْمَسْجِدِ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ عَدَمِ مَنْعِ الْكَافِرِ الْجُنُبِ مِنْ الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ وَلَوْ قِيلَ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ، وَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِ الْمَنْعِ لَمْ يَبْعُدْ لِأَنَّ فِي صِحَّةِ الْإِجَارَةِ تَسْلِيطًا لَهَا عَلَى دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَمُطَالَبَتَهَا مِنَّا بِالْخِدْمَةِ. وَفَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مُجَرَّدِ عَدَمِ الْمَنْعِ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ حُرْمَةِ بَيْعِ الطَّعَامِ لِلْكَافِرِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ مَعَ أَنَّا لَا نَتَعَرَّضُ لَهُ إذَا وَجَدْنَاهُ يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ (قَوْلُهُ: عَلَى مَا مَرَّ) اُنْظُرْ فِي أَيِّ مَحَلٍّ مَرَّ (قَوْلُهُ: وَبِطُرُوِّ نَحْوِ الْحَيْضِ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ) هَذَا قَدْ يَشْكُلُ عَلَى جَوَازِ إبْدَالِ الْمُسْتَوْفَى بِهِ، إذْ قِيَاسُهُ عَدَمُ الِانْفِسَاخِ وَإِبْدَالُ خِدْمَةِ الْمَسْجِدِ بِخِدْمَةِ بَيْتٍ مِثْلِهِ، إذْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: فَإِنْ مَنَعَهُ مِنْ قَلْعِهَا إلَخْ) هَذَا التَّفْرِيعُ وَمَا بَعْدَهُ إلَى آخِرِ السَّوَادَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُقَابِلِ فَإِنَّهُ كَذَلِكَ بِرُمَّتِهِ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ بِنَاءً عَلَى اخْتِيَارِ الْمُقَابِلِ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ عَدَمُ الِانْفِسَاخِ وَاسْتِقْرَارُ الْأُجْرَةِ، وَفِي حَاشِيَةِ التُّحْفَةِ لِلشِّهَابِ سم التَّصْرِيجُ بِذَلِكَ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ فِي عِدَّةِ قَوْلَاتٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ عَدَمِ الِانْفِسَاخِ الَّذِي هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ سِيَاقِ الشَّارِحِ فَتَنَبَّهْ. (قَوْلُهُ: عَلَى مَا مَرَّ) أَيْ فِي بَابِ الْحَدَثِ

(5/273)


فَلَوْ دَخَلَتْ وَمَكَثَتْ عَصَتْ وَلَمْ تَسْتَحِقَّ أُجْرَةً، وَفِي مَعْنَى الْحَائِضِ الْمُسْتَحَاضَةُ وَمَنْ بِهِ سَلَسُ بَوْلٍ أَوْ جِرَاحَةٍ نَضَّاخَةٍ يُخْشَى مِنْهَا التَّلْوِيثُ، أَمَّا إجَارَةُ الذِّمَّةِ فَتَصِحُّ، وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ لِتَعْلِيمِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالسِّحْرِ وَالْفُحْشِ وَالنُّجُومِ وَالرَّمْلِ، وَلَا لِخِتَانِ صَغِيرٍ لَا يَحْتَمِلُ، وَلَا كَبِيرٍ فِي شِدَّةِ بَرْدٍ أَوْ حَرٍّ، وَلَا لِزَمْرٍ وَنِيَاحَةٍ وَحَمْلِ مُسْكِرٍ غَيْرِ مُحْتَرَمٍ إلَّا لِلْإِرَاقَةِ، وَلَا لِتَصْوِيرِ حَيَوَانٍ وَسَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَلَا يَحِلُّ أَخْذُ عِوَضٍ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَبَيْعِ مَيْتَةٍ، وَكَمَا يَحْرُمُ أَخْذُ عِوَضٍ عَلَى ذَلِكَ يَحْرُمُ إعْطَاؤُهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَفَكِّ أَسِيرٍ وَإِعْطَاءِ شَاعِرٍ دَفْعًا لِهَجْوِهِ وَظَالِمٍ دَفْعًا لِظُلْمِهِ.
(وَكَذَا) حُرَّةٌ (مَنْكُوحَةٌ لِرَضَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ) مِمَّا لَا يُؤَدِّي إلَى خَلْوَةٍ مُحَرَّمَةٍ فَلَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهَا إجَارَةَ عَيْنٍ (بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ عَلَى الْأَصَحِّ) مَا لَمْ يَكُنْ هُوَ الْمُسْتَأْجِرَ لِاسْتِغْرَاقِ أَوْقَاتِهَا بِحَقِّهِ. وَالثَّانِي يَجُوزُ لِأَنَّ مَحَلَّهُ غَيْرُ مَحَلِّ النِّكَاحِ، إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِي لَبَنِهَا وَخِدْمَتِهَا لَكِنَّ لَهُ فَسْخَهَا حِفْظًا لِحَقِّهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِ الْأَوَّلِ مَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ غَائِبًا أَوْ طِفْلًا فَأَجَّرَتْ نَفْسَهَا لِعَمَلٍ يَنْقَضِي قَبْلَ قُدُومِهِ أَوْ تَأَهُّلِهِ لِلتَّمَتُّعِ جَازَ. وَاعْتِرَاضُ الْغَزِّيِّ لَهُ بِأَنَّ مَنَافِعَهَا مُسْتَحَقَّةٌ لَهُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ مَمْنُوعٌ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهَا بَلْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يَنْتَفِعَ وَهُوَ مُتَعَذَّرٌ مِنْهُ، وَخَرَجَ بِالْحُرَّةِ الْأَمَةُ فَلِسَيِّدِهَا إيجَارُهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ فِي وَقْتٍ لَا يَلْزَمُ تَسْلِيمُهَا لَهُ. أَمَّا مَعَ إذْنِهِ فَتَصِحُّ مُطْلَقًا. نَعَمْ الْمُكَاتَبَةُ كَالْحُرَّةِ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لِانْتِفَاءِ سَلْطَنَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الْمَسْجِدُ نَظِيرُ الصَّبِيِّ الْمُعَيَّنِ لِلْإِرْضَاعِ، وَالثَّوْبِ الْمُعَيَّنِ لِلْخِيَاطَةِ، وَالْخِدْمَةُ نَظِيرُ الْإِرْضَاعِ وَالْخِيَاطَةِ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: وَلَمْ تَسْتَحِقَّ أُجْرَةً) ظَاهِرُهُ وَإِنْ أَتَتْ بِمَا اُسْتُؤْجِرَتْ لَهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِمَا قَرَّرَهُ مِنْ انْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ بِطُرُوِّ الْحَيْضِ فَإِنَّ مَا أَتَتْ بِهِ بَعْدَ الِانْفِسَاخِ كَالْعَمَلِ بِلَا اسْتِئْجَارٍ (قَوْلُهُ: أَمَّا إجَارَةُ الذِّمَّةِ فَتَصِحُّ) لَوْ أَتَتْ بِالْعَمَلِ بِنَفْسِهَا فِي هَذِهِ بِأَنْ كَنَسَتْ الْمَسْجِدَ بِنَفْسِهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَسْتَحِقَّ الْأُجْرَةَ وَإِنْ أَثِمَتْ بِالْمُكْثِ فِيهِ لِحُصُولِ الْمَقْصِدِ مَعَ ذَلِكَ، وَبِذَلِكَ يُفَارِقُ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عِنْدَ قَبْرٍ مَثَلًا فَقَرَأَهُ جُنُبًا فَإِنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ اسْتِحْقَاقِهِ الْأُجْرَةَ وَذَلِكَ لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصِدِ، لِأَنَّهُ لَمَّا أَتَى بِالْقُرْآنِ عَلَى وَجْهٍ مُحَرَّمٍ بِأَنْ قَصَدَ الْقِرَاءَةَ أَوْ عَلَى غَيْرِ وَجْهٍ مُحَرَّمٍ يَصْرِفُهُ عَنْ حُكْمِ الْقُرْآنِ كَأَنْ أَطْلَقَ انْتَفَى الْمَقْصُودُ أَوْ نَقَصَ وَهُوَ الثَّوَابُ أَوْ نُزُولُ الرَّحْمَةِ عِنْدَهُ م ر.
[فَرْعٌ] سَامِعُ قِرَاءَةِ الْجُنُبِ حَيْثُ حُرِّمَتْ هَلْ يُثَابُ؟ لَا يَبْعُدُ الثَّوَابُ لِأَنَّهُ اسْتِمَاعٌ لِلْقُرْآنِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ الْحُرْمَةَ عَلَى الْقَارِئِ م ر اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ لِتَعْلِيمِ التَّوْرَاةِ إلَخْ) أَيْ لِجَمِيعِ ذَلِكَ. أَمَّا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ الْبَعْضُ، فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا وَعُلِمَ عَدَمُ تَبْدِيلِهِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَفِي سم عَلَى مَنْهَجٍ: فَرْعٌ: لَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ ذِمِّيٍّ مُسْلِمًا لِبِنَاءِ كَنِيسَةٍ لِحُرْمَةِ بِنَائِهَا وَإِنْ أَقَرَّ عَلَيْهِ، وَمَا فِي الزَّرْكَشِيّ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى كَنِيسَةٍ لِنُزُولِ الْمَارَّةِ اهـ (قَوْلُهُ: بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ) .
[فَرْعٌ] ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلزَّوْجَةِ اسْتِئْجَارُ زَوْجِهَا، وَلَهَا مَنْعُهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ لَكِنْ تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا وَهُوَ وَاضِحٌ وَافَقَ عَلَيْهِ م ر، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّ لَهَا مَنْعَهُ وَقْتَ الْعَمَلِ لَا مُطْلَقًا اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.
أَقُولُ: وَفِي دَعْوَى السُّقُوطِ وَالْحَالَةِ مَا ذَكَرَ نَظَرٌ لِأَنَّهَا تَمْنَعُهُ حَقًّا وَجَبَ لَهُ عَلَيْهَا بَلْ هُوَ بِإِجَارَةِ نَفْسِهِ فَوَّتَ التَّمَتُّعِ عَلَى نَفْسِهِ فَكَانَ الْمَانِعُ مِنْهُ لَا مِنْهَا (قَوْلُهُ: لِعَمَلٍ) أَيْ يَعْمَلُهُ فِي بَيْتِهَا (قَوْلُهُ: جَازَ) فَلَوْ حَضَرَ قَبْلَ فَرَاغِ الْمُدَّةِ فَيَنْبَغِي الِانْفِسَاخُ فِي الْبَاقِي اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: وَاعْتِرَاضُ الْغَزِّيِّ لَهُ) أَيْ لِمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ (قَوْلُهُ: أَمَّا مَعَ إذْنِهِ) أَيْ الزَّوْجِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْإِذْنِ وَعَدَمِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: كَفَكِّ أَسِيرٍ إلَخْ) أَيْ: نَظِيرُ الْمَذْكُورَاتِ فِي حِلِّ الدَّفْعِ دُونَ الْأَخْذِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ فَالْمُرَادُ مِنْهُ مُجَرَّدُ التَّنْظِيرِ لِلْإِيضَاحِ وَإِلَّا فَفَكُّ الْأَسِيرِ وَمَا بَعْدَهُ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَكُنْ هُوَ الْمُسْتَأْجِرُ) فِيهِ أَنَّ هَذَا يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُ الْمَتْنِ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ إذْ اسْتِئْجَارُهُ إذْنٌ وَزِيَادَةٌ.

(5/274)


السَّيِّدِ عَلَيْهَا، وَالْعَتِيقَةُ الْمُوصَى بِمَنَافِعِهَا أَبَدًا لَا يُعْتَبَرُ إذْنُ الزَّوْجِ فِي إيجَارِهَا كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَبِغَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ الْمَنْكُوحَةُ لَهُ فَيَجُوزُ لَهُ اسْتِئْجَارُهَا وَلَوْ لِوَلَدِهِ مِنْهَا، وَمَحَلُّ مَا تَقَرَّرَ فِيمَنْ تَمَلَّكَ مَنَافِعَهَا، فَلَوْ كَانَتْ مُسْتَأْجَرَةُ الْعَيْنِ لَمْ تَصِحَّ إجَارَتُهَا نَفْسَهَا قَطْعًا، وَقَدْ عَمَّتْ الْبَلْوَى بِاسْتِئْجَارِ الْعَكَّامِينَ لِلْحَجِّ.
وَأَفْتَى السُّبْكِيُّ بِمَنْعِهِ لِوُقُوعِ الْإِجَارَةِ عَلَى أَعْيُنِهِمْ لِلْعَكْمِ فَكَيْفَ يُسْتَأْجَرُونَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا مُزَاحِمَةَ بَيْنَ أَعْمَالِ الْحَجِّ وَالْعَكْمِ إذْ يُمْكِنُهُ فِعْلُهَا فِي غَيْرِ أَوْقَاتِهِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَغْرِقُ الْأَزْمِنَةَ، وَلَيْسَ لِمُسْتَأْجِرِ الْمَنْكُوحَةِ وَلَوْ لِلْإِرْضَاعِ مَنْعُ زَوْجِهَا مِنْ وَطْئِهَا خَوْفَ الْحَبَلِ وَانْقِطَاعِ اللَّبَنِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْعِ الرَّاهِنِ مِنْ وَطْءِ الْمَرْهُونَةِ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي حَجَرَ عَلَى نَفْسِهِ بِتَعَاطِيهِ عَقْدَ الرَّهْنِ بِخِلَافِ الزَّوْجِ، وَإِذْنُهُ هُنَا لَيْسَ كَتَعَاطِي الْعَقْدِ كَمَا لَا يَخْفَى.

(وَيَجُوزُ) (تَأْجِيلُ الْمَنْفَعَةِ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ) إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ لِقَبُولِ الدَّيْنِ التَّأْجِيلَ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَإِنْ أُطْلِقَ كَانَ حَالًّا (كَأَلْزَمْت ذِمَّتَك الْحَمْلَ) بِكَذَا (إلَى مَكَّةَ أَوَّلَ شَهْرِ كَذَا) وَمُرَادُهُ. بِأَوَّلِ الشَّهْرِ هُنَا مُسْتَهَلُّهُ لِمَا مَرَّ أَنَّ التَّأْجِيلَ بِهِ بَاطِلٌ عَلَى مَا نَقَلَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَمَرَّ ثَمَّ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا نَقَلَاهُ عَنْ الْإِمَامِ وَالْبَغَوِيِّ أَنَّهُ يَصِحُّ وَيُحْمَلُ عَلَى الْجُزْءِ الْأَوَّلِ، وَعَلَيْهِ فَكَلَامُهُ هُنَا عَلَى إطْلَاقِهِ.

(وَلَا تَجُوزُ إجَارَةُ عَيْنٍ لِمَنْفَعَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ) كَإِجَارَةِ هَذِهِ الدَّارِ السَّنَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ أَوْ سَنَةً أَوَّلُهَا مِنْ غَدٍ، وَكَذَا إنْ قَالَ أَوَّلُهَا مِنْ أَمْسِ وَكَإِجَارَةِ أَرْضٍ مَزْرُوعَةٍ لَا يُمْكِنُ تَفْرِيغُهَا إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ، وَذَلِكَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ عَيْنًا عَلَى أَنْ يُسَلِّمَهَا لَهُ بَعْدَ سَاعَةٍ بِخِلَافِ إجَارَةِ الذِّمَّةِ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ قَالَ وَقَدْ عَقَدَ آخِرَ النَّهَارِ أَوَّلُهَا يَوْمَ تَارِيخِهِ لَمْ يَضُرَّ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْقَرِينَةَ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْيَوْمِ الْوَقْتُ أَوْ فِي التَّعْبِيرِ بِالْيَوْمِ عَنْ بَعْضِهِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا سَائِغٌ شَائِعٌ وَلَوْ قَالَا بِقِسْطَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ فِي السَّنَةِ، فَإِنْ أَرَادَ النِّصْفَ فِي أَوَّلِ أَوْ آخِرِ نِصْفِهَا الْأَوَّلِ وَالنِّصْفَ فِي أَوَّلِ أَوْ آخِرِ نِصْفِهَا الثَّانِي صَحَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
صُدِّقَ الزَّوْجُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِذْنِ (قَوْلُهُ: لَا يُعْتَبَرُ إذْنُ الزَّوْجِ) أَيْ بَلْ يُؤَجِّرُهَا مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ بِلَا إذْنٍ (قَوْلُهُ: وَبِغَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ) أَيْ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ مَا لَمْ يَكُنْ هُوَ الْمُسْتَأْجِرَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ مَا تَقَرَّرَ) أَيْ مِنْ الْوَجْهَيْنِ (قَوْلُهُ: بِاسْتِئْجَارِ الْعَكَّامِينَ لِلْحَجِّ) أَيْ عَنْ الْمَعْضُوبِ لِيَحُجُّوا عَنْهُ (قَوْلُهُ: وَرُدَّ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِهِ) أَيْ الْعِلْمِ (قَوْلُهُ: خَوْفَ الْحَبَلِ) أَيْ أَمَّا الْوَطْءُ الْمُضِرُّ بِالطِّفْلِ حَالًا فَيَمْتَنِعُ كَمَا يَأْتِي لَهُ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَتَصِحُّ لِحَضَانَةٍ وَإِرْضَاعٍ (قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ إلَخْ) وَهَذَا الْفَرْقُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السَّيِّدَ لَوْ أَجَّرَ أَمَتَهُ الْخَلِيَّةَ امْتَنَعَ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا لِأَنَّهُ حَجَرَ عَلَى نَفْسِهِ بِتَعَاطِيهِ عَقْدَ الْإِجَارَةِ وَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّاهِنِ لَائِحٌ اهـ سم عَلَى حَجّ. أَقُولُ: وَلَعَلَّهُ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ هُنَا لَا يُضَيِّعُ حَقَّهُ بِنُقْصَانِ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ لَهُ الْخِيَارُ بِتَعَيُّبِ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ فَانْفَسَخَ رَجَعَ بِمَا سَلَّمَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ أَوْ سَقَطَتْ عَنْهُ إنْ لَمْ يَكُنْ دَفَعَهَا، بِخِلَافِ الرَّاهِنِ فَإِنَّهُ بِتَقْدِيرِ تَلَفِ الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ يَفُوتُ التَّوَثُّقُ الْمَقْصُودُ مِنْ الرَّهْنِ بِلَا بَدَلٍ (قَوْلُهُ كَمَا لَا يَخْفَى) أَيْ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْعَقْدَ الْمُوجِبَ لِاسْتِحْقَاقِ الْمَنْفَعَةِ، بِخِلَافِ نَفْسِ الرَّهْنِ مَعَ الْإِقْبَاضِ فَإِنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِلْحَجْرِ عَلَيْهِ فِي الْمَرْهُونِ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ.

(قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ) أَيْ فِي السَّلَمِ، وَقَوْلُهُ أَنَّ التَّأْجِيلَ بِهِ أَيْ بِالْأُولَى.

(قَوْلُهُ وَكَذَا إنْ قَالَ أَوَّلُهَا مِنْ أَمْسِ) صَرِيحٌ هَذَا بُطْلَانُ الْإِجَارَةِ فِي الْجَمِيعِ، وَقَدْ تَصِحُّ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ بِالْقِسْطِ مِنْ الْمُسَمَّى وَتَبْطُلُ فِيمَا مَضَى تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ لِاشْتِمَالِ الْعَقْدِ عَلَى مَا يَقْبَلُ الْإِجَارَةَ وَمَا لَا يَقْبَلُهَا، وَلَوْ قَالَ بِقِسْطَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّ الْقِسْطَ الْأَوَّلَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ مُتَوَالِيَةٌ مِنْ أَوَّلِ السَّنَةِ وَالْقِسْطَ الثَّانِيَ سَنَةٌ مُتَوَالِيَةٌ تَلِي السَّنَةَ الْأُولَى (قَوْلُهُ: أَوْ آخِرِ نِصْفِهَا الْأَوَّلِ) وَالْمُرَادُ آخِرُ جُزْءٍ مِنْ النِّصْفِ الْأَوَّلِ أَوْ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ وَبِمَا بَعْدَهُ آخِرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لَا يُعْتَبَرُ إذْنُ الزَّوْجِ فِي إيجَارِهَا) ظَاهِرُهُ وَلَوْ فِي أَوْقَاتِ التَّمَتُّعِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ إذْ لَا تَتَقَاعَدُ عَنْ الْأَمَةِ. (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ مَا تَقَرَّرَ فِيمَنْ يَمْلِكُ مَنَافِعَهَا إلَخْ) هَذَا لَا يَخْتَصُّ بِالْمَنْكُوحَةِ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ: لِلْحَجِّ) مُتَعَلِّقٌ بِاسْتِئْجَارِ

(5/275)


كَمَا هُوَ وَاضِحٌ أَيْضًا لِاسْتِغْرَاقِهِمَا السَّنَةَ حِينَئِذٍ مَعَ احْتِمَالِ اللَّفْظِ لَهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا بَطَلَ لِلْجَهْلِ بِهِ إذْ يَصْدُقُ تَسَاوِيهُمَا بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مَثَلًا مِنْ السَّنَةِ وَذَلِكَ مَجْهُولٌ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْمَنْعِ فِي الْمُسْتَقْبَلَةِ صُوَرٌ كَمَا أَجَّرَهُ لَيْلًا لِمَا يَعْمَلُ نَهَارًا وَأَطْلَقَ نَظِيرَ مَا مَرَّ فِي إجَارَةِ أَرْضٍ لِلزِّرَاعَةِ قَبْلَ رَيِّهَا، وَكَإِجَارَةِ عَيْنِ شَخْصٍ لِلْحَجِّ عِنْدَ خُرُوجِ قَافِلَةِ بَلَدِهِ أَوْ تَهَيُّئِهِمْ لِلْخُرُوجِ وَلَوْ قَبْلَ أَشْهُرِهِ إذَا لَمْ يَتَأَتَّ الْإِتْيَانُ بِهِ مِنْ بَلَدِ الْعَقْدِ إلَّا بِالسَّيْرِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَفِي أَشْهُرِهِ قَبْلَ الْمِيقَاتِ لِيُحْرِمَ مِنْهُ وَإِجَارَةُ دَارٍ بِبَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِ الْعَاقِدَيْنِ وَدَارٍ مَشْغُولَةٍ بِأَمْتِعَةِ وَأَرْضٍ مَزْرُوعَةٍ يَتَأَتَّى تَفْرِيغُهَا قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لَهَا أُجْرَةٌ، وَكَمَا فِي قَوْلِهِ (فَلَوْ) (آجَرَ السَّنَةَ الثَّانِيَةَ لِمُسْتَأْجِرِ الْأُولَى) أَوْ مُسْتَحَقِّهَا بِنَحْوِ وَصِيَّةٍ أَوْ عِدَّةٍ بِالْأَشْهُرِ (قَبْلَ انْقِضَائِهَا) (جَازَ فِي الْأَصَحِّ) لِاتِّصَالِ الْمُدَّتَيْنِ مَعَ اتِّحَادِ الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا لَوْ آجَرَ مِنْهُ السَّنَتَيْنِ فِي عَقْدٍ، وَلَا نَظَرَ إلَى احْتِمَالِ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، فَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ لَمْ يَقْدَحْ فِي الثَّانِي كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْعَزِيزِ. وَالْوَجْهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
جُزْءٍ مِنْ النِّصْفِ الثَّانِي أَوْ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ فَأَوْ بِإِسْكَانِ الْوَاوِ، وَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ أَوْ الْآخِرُ عَلَى التَّعْيِينِ لَا وَاحِدَ مُبْهَمٌ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ: غَيْرِ بَلَدِ الْعَاقِدَيْنِ) هَلْ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ زَمَنِ الْوُصُولِ إلَيْهَا كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَوْنِ الْإِجَارَةِ لِمَنْفَعَةِ مُسْتَقْبَلَةٍ بِدَلِيلِ اسْتِثْنَائِهَا مِنْ الْمَنْعِ أَوْ مِنْ زَمَنِ الْعَقْدِ، وَعَلَيْهِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْمُدَّةِ السَّابِقَةِ أَوْ لَا تَلْزَمُهُ إلَّا أُجْرَةُ مَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ بَعْدَ الْوُصُولِ؟ وَلَوْ كَانَ الْوُصُولُ يَسْتَغْرِقُ الْمُدَّةَ فَهَلْ تُمْتَنَعُ الْإِجَارَةُ فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَلَمْ أَرَ مِنْهُ شَيْئًا، وَيُتَّجَهُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّ الْمُدَّةَ إنَّمَا تُحْسَبُ مِنْ زَمَنِ الْوُصُولِ فَلْيُحَرَّرْ اهـ حَجّ. وَنُقِلَ هَذَا عَنْ فَتَاوَى النَّوَوِيِّ قَالَ: فَلَا يَضُرُّ فَرَاغُ السَّنَةِ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهَا لِأَنَّ الْمُدَّةَ إنَّمَا تُحْسَبُ مِنْ وَقْتِ الْوُصُولِ إلَيْهَا وَالتَّمَكُّنِ مِنْهَا: أَيْ وَعَلَى الثَّانِي فَلَوْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةً (قَوْلُهُ: يَتَأَتَّى تَفْرِيغُهَا قَبْلَ) فِي كُلٍّ مِنْ الدَّارِ وَالْأَرْضِ (قَوْلُهُ: قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لَهَا أُجْرَةٌ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ زَمَنُ التَّفْرِيغِ يُقَابَلُ بِأُجْرَةِ عَدَمِ الصِّحَّةِ، وَقِيَاسُ مَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ الدَّارِ عَنْ إفْتَاءِ النَّوَوِيِّ الصِّحَّةُ هُنَا، وَتُحْسَبُ الْمُدَّةُ مِنْ التَّفْرِيغِ بِالْفِعْلِ وَالتَّمَكُّنِ مِنْهَا، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْعَاقِدَيْنِ لَمَّا كَانَا فِي مَحَلِّ الزَّرْعِ لَمْ يَكُنْ بِهَا ضَرُورَةٌ إلَى الْعَقْدِ قَبْلَ التَّفْرِيغِ، بِخِلَافِ الدَّارِ الْمُؤَجَّرَةِ إذَا كَانَتْ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْعَقْدِ سِيَّمَا إذَا فَرَّطَ بَعْدَهَا فَقَدْ تَتَعَذَّرُ الْإِجَارَةُ إذَا تَوَقَّفَتْ صِحَّتُهَا عَلَى الْوُصُولِ إلَى مَحَلِّهَا فَقُلْنَا بِصِحَّةِ الْعَقْدِ ثُمَّ لِلْحَاجَةِ بِخِلَافِهِ هُنَا (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ آجَرَ مِنْهُ) أَيْ لَهُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ وَجَدَ ذَلِكَ) أَيْ الِانْفِسَاخَ (قَوْلُهُ: لَمْ يَقْدَحْ) أَيْ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَام
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَإِجَارَةُ دَارٍ بِبَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِ الْعَاقِدَيْنِ) قَالَ الشِّهَابُ سم: هَلْ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ زَمَنِ الْوُصُولِ إلَيْهَا كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَوْنِ الْإِجَارَةِ لِمَنْفَعَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ بِدَلِيلِ اسْتِثْنَائِهَا مِنْ الْمَنْعِ، أَوْ مِنْ زَمَنِ الْعَقْدِ، وَعَلَيْهِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْمُدَّةِ السَّابِقَةِ عَلَى الْوُصُولِ أَوْ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا أُجْرَةُ مَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ بَعْدَ الْوُصُولِ، وَلَوْ كَانَ الْوُصُولُ يَسْتَغْرِقُ الْمُدَّةَ فَهَلْ تَمْتَنِعُ الْإِجَارَةُ؟ فِي كُلِّ ذَلِكَ نَظَرٌ، وَلَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا، وَيُتَّجَهُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّ الْمُدَّةَ إنَّمَا تُحْسَبُ مِنْ زَمَنِ الْوُصُولِ فَلْيُحَرَّرْ اهـ. مَا قَالَهُ الشِّهَابُ الْمَذْكُورُ.
قَالَ شَيْخُنَا فِي حَاشِيَتِهِ: وَنَقَلَ هَذَا: يَعْنِي الْأَوَّلَ الَّذِي اسْتَوْجَهَهُ سم عَنْ إفْتَاءِ النَّوَوِيِّ، قَالَ: أَيْ النَّوَوِيُّ، فَلَا يَضُرُّ فَرَاغُ السَّنَةِ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ إنَّمَا تُحْسَبُ مِنْ وَقْتِ الْوُصُولِ إلَيْهَا وَالتَّمَكُّنِ مِنْهَا اهـ. مَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ.
وَمَا نُقِلَ لَهُ عَنْ إفْتَاءِ النَّوَوِيِّ لَمْ أَرَهُ فِي فَتَاوِيهِ الْمَشْهُورَةِ.
وَفِي فَتَاوَى الشَّارِحِ خِلَافُهُ، وَهُوَ أَنَّ الْمُدَّةَ تُحْسَبُ مِنْ الْعَقْدِ، وَنَصُّ مَا فِيهَا: سُئِلَ عَمَّا لَوْ أَجَرَ دَارًا مَثَلًا بِمَكَّةَ شَهْرًا وَالْمُسْتَأْجِرُ بِمِصْرَ مَثَلًا هَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَى مَكَّةَ إلَّا بَعْدَ شَهْرٍ وَيَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ قَدْرٍ زَائِدٍ عَلَى مَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ فِيهِ، وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الْمُسَمَّى أَوْ الْقِسْطَ مِنْهُ بِقَدْرِ الزَّائِدِ الْمَذْكُورِ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ قَبْلَ وُصُولِهِ وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ، فَإِنْ زَادَتْ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقِسْطِ مَا بَقِيَ مِنْهَا فَقَطْ، وَفِيهَا: أَعْنِي فَتَاوَى الشَّارِحِ جَوَابٌ آخَرُ يُوَافِقُ هَذَا فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَقْدَحْ فِي الثَّانِي) قَالَ فِي التُّحْفَةِ: وَلِلْمُؤَجِّرِ حِينَئِذٍ إيجَارُ مَا انْفَسَخَتْ فِيهِ لِغَيْرِ مُسْتَأْجِرِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ

(5/276)


الثَّانِي لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ آجَرَهَا لِغَيْرِهِ، وَاحْتُرِزَ بِقَبْلِ انْقِضَائِهَا عَمَّا لَوْ قَالَ آجَرْتُكَهَا سَنَةً فَإِذَا انْقَضَتْ فَقَدْ آجَرْتُكهَا سَنَةً أُخْرَى فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ الثَّانِي كَمَا لَوْ عَلَّقَ بِمَجِيءِ الشَّهْرِ فَلَمْ تُرَدُّ عَلَى كَلَامِهِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ سَنَةً فَلِلْمَالِكِ أَنْ يُؤَجِّرَهَا السَّنَةَ الْأُخْرَى مِنْ الثَّانِي لِأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْمَنْفَعَةِ، وَفِي إيجَارِهَا مِنْ الْأَوَّلِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا لِأَنَّهُ الْآنَ غَيْرُ مُسْتَحِقٌّ لِلْمَنْفَعَةِ، وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيِّ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الرَّوْضَةِ، وَيَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي لَمَّا آجَرَهُ الْبَائِعُ مِنْ غَيْرِهِ إيجَارُ ذَلِكَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ جَمْعٍ، خِلَافًا لِابْنِ الْمُقْرِي.

وَفِي جَوَازِ إيجَارِ الْوَارِثِ مَا آجَرَهُ الْمَيِّتُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ تَرَدُّدٌ الْأَقْرَبُ مِنْهُ الْجَوَازُ لِأَنَّهُ نَائِبُهُ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ إنَّهُ الظَّاهِرُ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَحْصُلُ فَصْلٌ بَيْنَ السَّنَتَيْنِ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ قَطْعًا، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ شَامِلٌ لِلطِّلْقِ وَالْوَقْفِ. نَعَمْ لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ لَا يُؤَجِّرَ الْوَقْفَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ فَأَجَّرَهُ النَّاظِرُ ثَلَاثًا فِي عَقْدٍ وَثَلَاثًا فِي عَقْدٍ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَالْمُعْتَمَدُ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَوَافَقَهُ السُّبْكِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَدَمُ صِحَّةِ الْعَقْدِ الثَّانِي، وَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّةِ إجَارَةِ الزَّمَانِ الْقَابِلِ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ اتِّبَاعًا لِشَرْطِ الْوَاقِفِ لِأَنَّ الْمُدَّتَيْنِ الْمُتَّصِلَتَيْنِ فِي الْعَقْدَيْنِ فِي مَعْنَى الْعَقْدِ الْوَاحِدِ، وَهَذَا بِعَيْنِهِ يَقْتَضِي الْمَنْعَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِوُقُوعِهِ زَائِدًا عَلَى مَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ، وَإِنْ خَالَفَهُ ابْنُ الْأُسْتَاذِ وَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ نَظَرًا إلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ وَلَوْ أَجَّرَ عَيْنًا فَأَجَّرَهَا الْمُسْتَأْجِرُ لِغَيْرِهِ ثُمَّ تَقَايَلَ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ الْأَوَّلُ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ صِحَّةُ الْإِقَالَةِ، وَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ الثَّانِيَةُ،.

وَلَوْ أَجَّرَهُ حَانُوتًا أَوْ نَحْوَهُ لِيَنْتَفِعَ بِهِ الْأَيَّامَ دُونَ اللَّيَالِي أَوْ عَكْسَهُ لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ اتِّصَالِ زَمَنِ الِانْتِفَاعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ فَتَصِحُّ لِأَنَّهُمَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِلْإِجَارَةِ يُرْفَعَانِ فِي اللَّيْلِ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى الْعَادَةِ لِعَدَمِ إطَاقَتِهِمَا الْعَمَلَ دَائِمًا وَكَمَا فِي قَوْلِهِ (وَيَجُوزُ) (كِرَاءُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ، وَقَوْلُهُ فِي الثَّانِي: وَفِي صِحَّةِ الْعَقْدِ الثَّانِي (قَوْلُهُ لِمَا آجَرَهُ الْبَائِعُ مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي، وَقَوْلُهُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ: أَيْ مُدَّةً ثَانِيَةً.

(قَوْلُهُ: مَا آجَرَهُ) أَيْ مُدَّةً ثَانِيَةً (قَوْلُهُ: شَامِلٌ لِلطِّلْقِ) أَيْ الْأَرْضُ الْمَمْلُوكَةُ وَعِبَارَةُ الْمُخْتَارُ وَالطِّلْقُ بِالْكَسْرِ الْحَلَالُ اهـ وَالْمُرَادُ هُنَا الْمَمْلُوكَةُ.
[فَرْعٌ] اسْتَأْجَرَ زَيْدٌ سَنَةً مِنْ عَمْرٍو ثُمَّ أَجَّرَ نِصْفَهَا لِبَكْرٍ: أَيْ شَائِعًا، فَهَلْ لِعَمْرٍو إيجَارُ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِاتِّصَالِهَا بِالنِّصْفِ الثَّانِي الَّذِي يَسْتَحِقُّ مَنْفَعَتَهُ أَوْ لَا لِأَنَّ زَيْدًا غَيْرُ مَالِكٍ لِلْمَنْفَعَةِ الْحَاضِرَةِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَبَادَرَ م ر إلَى الثَّانِي اهـ سم عَلَى حَجّ. أَقُولُ: الْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِمَا عُلِّلَ بِهِ مِنْ اتِّصَالِ الْمَنْفَعَةِ (قَوْلُهُ: عَدَمُ صِحَّةِ الْعَقْدِ) أَيْ مَا لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ ضَرُورَةٌ كَمَا يَأْتِي وَإِلَّا جَازَ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُدَّتَيْنِ الْمُتَّصِلَتَيْنِ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ امْتِنَاعُ مَا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ النَّاظِرِ يُؤَجِّرُهُ الْقَدْرَ الَّذِي شَرَطَهُ الْوَاقِفُ ثُمَّ قَبْلَ مُضِيِّهِ بِأَشْهُرٍ أَوْ أَيَّامٍ يَطْلُبُ الْمُسْتَأْجِرُ عَقْدًا آخَرَ خَوْفًا مِنْ تَعَدِّي غَيْرِهِ عَلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ: صِحَّةُ الْإِقَالَةِ) وَكَالْمُؤَجَّرَةِ مَا لَوْ اشْتَرَى عَيْنًا ثُمَّ بَاعَهَا وَتَقَايَلَ الْمُشْتَرِي مَعَ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَلَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ اهـ سم عَلَى حَجّ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: وَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ) أَيْ فَيَرْجِعُ الْمُسْتَأْجِرُ الْأَوَّلُ عَلَى الْمَالِكِ بِقِسْطِ الْمُسَمَّى مِنْ وَقْتِ التَّقَايُلِ وَلِلْمَالِكِ عَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِ مَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ وَيَسْتَحِقُّ الْمُسْتَأْجِرُ الْأَوَّلُ عَلَى الثَّانِي مَا سَمَّاهُ فِي إجَارَتِهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: سَنَةً) الظَّاهِرُ أَنَّهُ تَنَازَعَهُ مِنْ قَوْلِهِ اسْتَأْجَرْت وَقَوْلُهُ: الْمُسْتَأْجِرُ، احْتِرَازًا عَمَّا إذَا اُسْتُؤْجِرَتْ سَنَةً مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ لَهَا سَنَتَيْنِ فَلَا يَجُوزُ لِلْمَالِكِ أَنْ يُؤَجِّرَهَا إلَّا مِنْ الْأَوَّلِ لِتَأَخُّرِ مُدَّتِهِ

(قَوْلُهُ: وَهَذَا بِعَيْنِهِ يَقْتَضِي الْمَنْعَ إلَخْ) اُنْظُرْ مَا الْحَاجَةُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ صِحَّةُ الْإِقَالَةِ) قَالَ الشِّهَابُ ابْنُ قَاسِمٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا تَقَايَلَ الْمُسْتَأْجِرُ الْمُؤَجِّرَ الْأَوَّلَ رَجَعَ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ بِالْمُسَمَّى وَلَزِمَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ مِنْ حِينِ التَّقَايُلِ لَا الْمُسَمَّى لِارْتِفَاعِ الْعَقْدِ بِالتَّقَايُلِ وَقَدْ أَتْلَفَ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةَ بِإِيجَارِهَا فَلَزِمَهُ قِيمَتُهَا وَهِيَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَمَا سَبَقَ التَّقَايُلُ يَسْتَقِرُّ قِسْطُهُ مِنْ الْمُسَمَّى اهـ.

(5/277)


الْعُقْبِ) (فِي الْأَصَحِّ) بِضَمِّ الْعَيْنِ جَمْعُ عُقْبَةٍ: أَيْ نَوْبَةٍ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَعْقُبُ صَاحِبَهُ وَيَرْكَبُ مَوْضِعَهُ، وَأَمَّا خَبَرُ الْبَيْهَقِيّ «مَنْ مَشَى عَنْ رَاحِلَتِهِ عُقْبَةً فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَ رَقَبَةً» وَفَسَّرُوهَا بِسِتَّةِ أَمْيَالٍ فَلَعَلَّهُ وَضَعَهَا لُغَةً فَلَا يَتَقَيَّدُ مَا هُنَا بِذَلِكَ، وَخَرَجَ بِإِجَارَةِ الْعَيْنِ الَّتِي الْكَلَامُ فِيهَا إجَارَةُ الذِّمَّةِ فَتَصِحُّ اتِّفَاقًا لِمَا مَرَّ أَنَّ التَّأْجِيلَ فِيهَا جَائِزٌ (وَهُوَ أَنْ يُؤَجِّرَ دَابَّةً رَجُلًا) مَثَلًا (لِيَرْكَبَهَا بَعْضَ الطَّرِيقِ) وَيَمْشِيَ بَعْضَهَا أَوْ يَرْكَبَهُ الْمَالِكُ تَنَاوُبًا (أَوْ) يُؤَجِّرَهَا (رَجُلَيْنِ) مَثَلًا (لِيَرْكَبَ ذَا أَيَّامًا) مَعْلُومَةً (وَذَا أَيَّامًا) كَذَلِكَ تَنَاوُبًا وَمِنْ ذَلِكَ آجَرْتُك نِصْفَهَا لِمَحَلِّ كَذَا أَوْ كُلَّهَا لِتَرْكَبَهَا نِصْفَ الطَّرِيقِ فَيَصِحُّ كَبَيْعِ الْمُشَاعِ (وَيُبَيِّنُ الْبَعْضَيْنِ) فِي الصُّورَتَيْنِ كَنِصْفٍ أَوْ رُبُعٍ مَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ عَادَةٌ مَعْرُوفَةٌ مَضْبُوطَةٌ بِالزَّمَنِ أَوْ الْمَسَافَةِ كَيَوْمٍ وَيَوْمٍ أَوْ فَرْسَخٍ وَفَرْسَخٍ وَإِلَّا حُمِلَ عَلَيْهَا وَالْمَحْسُوبُ فِي الزَّمَنِ زَمَنُ السَّيْرِ دُونَ زَمَنِ النُّزُولِ لِعَلَفٍ أَوْ اسْتِرَاحَةٍ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي (ثُمَّ) بَعْدَ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ (يَقْتَسِمَانِ) ذَلِكَ بِالتَّرَاضِي، فَلَوْ تَنَازَعَ فِي الْبَادِئِ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا، وَذَلِكَ لِمِلْكِهِمَا الْمَنْفَعَةَ مَعًا وَيُغْتَفَرُ التَّأْخِيرُ الْوَاقِعُ لِضَرُورَةِ الْقِسْمَةِ. نَعَمْ لَوْ شَرَطَ الصِّحَّةَ فِي الْأُولَى تَقَدَّمَ رُكُوبُ الْمُسْتَأْجِرِ، وَإِلَّا بَطَلَتْ لِتَعَلُّقِهَا حِينَئِذٍ بِزَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ، وَالْقِنُّ كَالدَّابَّةِ. وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ أَيَّامًا جَوَازُ جَعْلِ النَّوْبَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ كَأَنْ يَتَّفِقَا عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ خَالَفَ الْعَادَةَ، أَوْ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ فِي الْعَقْدِ وَهُوَ كَذَلِكَ، حَيْثُ لَا يَضُرُّ بِالدَّابَّةِ أَوْ بِالْمَاشِي، وَيُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا. وَيُؤْخَذُ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ رِضَا مَالِكِ الدَّابَّةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَأَمَّا خَبَرُ الْبَيْهَقِيّ مَنْ مَشَى) أَيْ قَاصِدًا رَاحَتَهَا (قَوْلُهُ: وَفَسَّرُوهَا) أَيْ الْعُقْبَةَ (قَوْلُهُ: بِسِتَّةِ إلَخْ) وَقَدْرُهَا بِالسَّيْرِ الْمُعْتَادِ خَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ دَرَجَةً لِأَنَّ مَسَافَةَ الْقَصْرِ سَيْرُ يَوْمَيْنِ مُعْتَدِلَيْنِ أَوْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَقَدْرُ ذَلِكَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ دَرَجَةً، وَهِيَ إذَا قُسِّمَتْ عَلَى الْفَرَاسِخِ خَرَجَ لِكُلِّ فَرْسَخٍ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً وَنِصْفُ وَالْفَرْسَخُ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ، فَالسِّتَّةُ أَمْيَالٍ يُقَدَّرُ مِسَاحَتُهَا بِفَرْسَخَيْنِ وَمِقْدَارُ سَيْرِهِمَا مَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: لِتَرْكَبَهَا نِصْفَ الطَّرِيقِ) أَيْ ثُمَّ إنْ كَانَ ثَمَّ مَرَاحِلُ مَعْلُومَةٌ حَمَلَ عَلَيْهَا وَإِلَّا اشْتَرَطَ بَيَانَ مَا يَمْشِيهِ وَمَا يَرْكَبُهُ (قَوْلُهُ: فَلَوْ تَنَازَعَا إلَخْ) وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِلتَّعَاقُبِ فَإِنْ احْتَمَلَتْهُمَا رَكِبَاهَا مَعًا وَإِلَّا تَهَايَآ، فَإِنْ تَنَازَعَا فِيمَنْ يَبْدَأُ أَقْرَعَ اهـ حَجّ.
(قَوْلُهُ: فِي الْأُولَى) أَيْ بَشِقَيْهَا، وَهِيَ مَا لَوْ أَجَّرَ رَجُلًا لِيَرْكَبَ بَعْضَ الطَّرِيقِ إلَخْ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالتَّقَدُّمِ فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ تَقَدُّمُ رُكُوبِهِ عَلَى مَشْيِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ رُكُوبٌ مِنْ الْمَالِكِ (قَوْلُهُ يُقَدَّمُ رُكُوبُ الْمُسْتَأْجِرِ) ظَاهِرُهُ اعْتِبَارُ رُكُوبِهِ بِالْفِعْلِ، وَالْمُتَّجَهُ خِلَافُهُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ، بَلْ الْمُتَّجَهُ أَنَّهُ إذَا شَرَطَ فِي الْعَقْدِ رُكُوبَ الْمُسْتَأْجِرِ أَوَّلًا وَاقْتَسَمَا بَعْدَ الْعَقْدِ وَجَعَلَا نَوْبَةَ الْمُسْتَأْجِرِ أَوَّلًا فَسَامَحَ كُلٌّ الْآخَرَ بِنَوْبَتِهِ جَازَ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَقَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ إلَخْ قَدْ يُقَالُ يُغْنِي عَنْ هَذَا قَوْلُهُ السَّابِقُ مَا لَمْ يَضُرَّ بِالْبَهِيمَةِ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: أَوْ بِالْمَاشِي) عِبَارَةُ حَجّ: وَفِي تَوْجِيهِ النَّصِّ الْمَنْعُ عِنْدَ طَلَبِ أَحَدِهِمَا لِلثَّالِثِ مَا يُوَافِقُ فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّ ذَلِكَ إضْرَارٌ بِالْمَاشِي وَالْمَرْكُوبِ، لِأَنَّهُ إذَا رَكِبَ وَهُوَ غَيْرُ تَعِبٍ خَفَّ عَلَى الْمَرْكُوبِ، وَإِذَا رَكِبَ بَعْدَ كَلَالٍ وَتَعَبٍ وَقَعَ عَلَى الْمَرْكُوبِ كَالْمَيِّتِ اهـ (قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ) عِبَارَةُ حَجّ: وَيُؤْخَذُ مِنْ تَوْجِيهِ النَّصِّ الْمَنْعُ عِنْدَ طَلَبِ أَحَدِهِمَا الثَّلَاثَ اهـ. وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ أَخْذًا عِلَّةُ تَوْجِيهِ النَّصِّ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ رِضَا مَالِكِ الدَّابَّةِ) يُتَأَمَّلُ وَجْهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِإِجَارَةِ الْعَيْنِ) كَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَهُ عَنْ تَمَامِ الْمَسْأَلَةِ (قَوْلُهُ: نَعَمْ شَرْطُ الصِّحَّةِ فِي الْأُولَى تَقَدُّمُ رُكُوبِ الْمُسْتَأْجِرِ) قَالَ الشِّهَابُ ابْنُ قَاسِمٍ: ظَاهِرُهُ اعْتِبَارُ رُكُوبِهِ بِالْفِعْلِ، وَالْمُتَّجَهُ خِلَافُهُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ، بَلْ الْمُتَّجَهُ أَنَّهُ إذَا شَرَطَ فِي الْعَقْدِ رُكُوبَ الْمُسْتَأْجِرِ أَوَّلًا وَاقْتَسَمَا بَعْدَ الْعَقْدِ وَجَعَلَا نَوْبَةَ الْمُسْتَأْجِرِ أَوَّلًا فَسَامَحَ كُلٌّ الْآخَرَ بِنَوْبَتِهِ جَازَ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ إلَخْ) قَالَ الشِّهَابُ ابْنُ قَاسِمٍ: قَدْ يُقَالُ يُغْنِي عَنْ هَذَا قَوْلُهُ: السَّابِقُ مَا لَمْ يَضُرَّ بِالْبَهِيمَةِ.

(5/278)


بِذَلِكَ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَا يَجُوزُ النَّوْمُ عَلَى الدَّابَّةِ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ لِأَنَّ النَّائِمَ يَثْقُلُ، وَأَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْمَحْمُولُ لَمْ يُجْبَرْ مَالِكُ الدَّابَّةِ عَلَى حَمْلِهِ عَلَى مَا يَأْتِي.

(فَصْلٌ) فِي بَقِيَّةِ شُرُوطِ الْمَنْفَعَةِ، وَمَا تُقَدَّرُ بِهِ، وَفِي شَرْطِ الدَّابَّةِ الْمُكْتَرَاةِ وَمَحْمُولِهَا (يُشْتَرَطُ كَوْنُ) الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مَعْلُومًا بِالْعَيْنِ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ وَالصِّفَةِ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ، وَكَوْنُ (الْمَنْفَعَةِ مَعْلُومَةً) بِالتَّقْدِيرِ الْآتِي كَالْمَبِيعِ فِي الْكُلِّ، لَكِنَّ مُشَاهَدَةَ مَحَلِّ الْمَنْفَعَةِ غَيْرُ مُغْنِيَةٍ عَنْ تَقْدِيرِهَا، وَإِنَّمَا أَغْنَتْ مُشَاهَدَةُ الْمُعَيَّنِ فِي الْبَيْعِ عَنْ مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ لِأَنَّهَا تُحِيطُ بِهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْمَنْفَعَةُ لِأَنَّهَا أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ يَتَعَلَّقُ بِالِاسْتِقْبَالِ، فَعُلِمَ اعْتِبَارُ تَحْدِيدِ الْعَقَارِ حَيْثُ لَمْ يَشْتَهِرْ بِدُونِهِ، وَأَنَّهُ لَا تَصِحُّ إجَارَةُ غَائِبٍ وَأَحَدِ عَبْدَيْهِ مُدَّةً مَجْهُولَةً أَوْ عَمَلٍ كَذَلِكَ وَفِيمَا لَهُ مَنْفَعَةٌ وَاحِدَةٌ كَبِسَاطٍ يُحْمَلُ عَلَيْهَا وَغَيْرُهُ يُعْتَبَرُ بَيَانُهَا. نَعَمْ دُخُولُ الْحَمَّامِ بِأُجْرَةٍ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ مَعَ الْجَهْلِ بِقَدْرِ الْمُكْثِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
ذَلِكَ وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ رُكُوبِ أَحَدِهِمَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ وَالْآخَرُ مِثْلُهُ عَلَى الِاتِّصَالِ وَبَيْنَ رُكُوبِ أَحَدِهِمَا ثَلَاثًا وَالْآخَرُ كَذَلِكَ، مَعَ أَنَّ الْغَرَضَ انْتِفَاءُ الضَّرَرِ عَنْ الدَّابَّةِ وَالْمَاشِي بِذَلِكَ، وَقَدْ يُقَالُ يُؤْخَذُ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا مِمَّا مَرَّ عَنْ حَجّ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّهُ إنْ رَكِبَ وَهُوَ فِي تَعَبٌ خَفَّ عَلَى الْمَرْكُوبِ (قَوْلُهُ وَأَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْمَحْمُولُ) اُنْظُرْ لَوْ مَرِضَ اهـ سم عَلَى حَجّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَرَضَ مِثْلُ الْمَوْتِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ تَوْجِيهِ حَجّ لِلنَّصِّ بِأَنَّهُ إذَا رَكِبَ بَعْدَ كَلَالٍ وَتَعَبٍ وَقَعَ عَلَى الْمَرْكُوبِ كَالْمَيِّتِ.

(فَصْلٌ) فِي بَقِيَّةِ شُرُوطِ الْمَنْفَعَةِ (قَوْلُهُ فِي بَقِيَّةِ شُرُوطِ الْمَنْفَعَةِ) أَيْ زِيَادَةٌ عَلَى مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ وَكَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مُتَقَوِّمَةً إلَخْ (قَوْلُهُ لَكِنَّ مُشَاهَدَةَ مَحَلِّ الْمَنْفَعَةِ) أَيْ كَالدَّابَّةِ مَثَلًا (قَوْلُهُ: فَعُلِمَ اعْتِبَارُ تَحْدِيدِ الْعَقَارِ) لَعَلَّ فَائِدَةَ اشْتِرَاطِ التَّحْدِيدِ مَعَ أَنَّ إجَارَةَ الْعَقَارِ لَا تَكُونُ إلَّا عَيْنِيَّةً، وَالْإِجَارَةُ الْعَيْنِيَّةُ يُشْتَرَطُ فِيهَا لِكُلٍّ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ رُؤْيَةُ الْعَيْنِ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْعَقَارُ أَرْضًا مُتَّصِلَةً بِغَيْرِهَا فَيَرَاهَا كُلٌّ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ، وَلَكِنْ لَا يَعْرِفُ الْمُسْتَأْجِرُ مِقْدَارَ مَا يَسْتَأْجِرُهُ مِنْ الْأَرْضِ فَيَذْكُرُ الْمُؤَجِّرُ حُدُودَهَا لِتَتَمَيَّزَ عَنْ غَيْرِهَا، وَمُجَرَّدُ الرُّؤْيَةِ لَا يُفِيدُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: أَوْ عَمِلَ كَذَلِكَ) أَيْ مَجْهُولٌ (قَوْلُهُ وَفِيمَا لَهُ مَنْفَعَةٌ وَاحِدَةٌ) أَيْ عُرْفًا فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِغَيْرِ الْفُرُشِ كَجَعْلِهِ خَيْمَةً مَثَلًا (قَوْلُهُ: مَعَ الْجَهْلِ بِقَدْرِ الْمُكْثِ) أَيْ وَمَعَ ذَلِكَ يُمْنَعُ مِنْ الْمُكْثِ زِيَادَةً عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ نَوْعِهِ وَمِنْ الزِّيَادَةِ فِي اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ أَيْضًا وَقَالَ سم عَلَى حَجّ: وَانْظُرْ صُورَةَ الْمُعَاقَدَةِ الصَّحِيحَةِ عَلَى دُخُولِ الْحَمَّامِ مَعَ تَعَدُّدِ الدَّاخِلِينَ، فَإِنَّهُ مَثَلًا لَوْ قَالَ اسْتَأْجَرْت مِنْك هَذَا الْحَمَّامَ بِكَذَا وَقَدَّرَ مُدَّةً اسْتَحَقَّ مَنْفَعَةَ جَمِيعِهِ فَلَا يُمْكِنُ الْمُعَاقَدَةُ مَعَ غَيْرِهِ أَيْضًا، أَوْ لَمْ يُقَدِّرْ مُدَّةً فَبَعْدَ تَسْلِيمِ الصِّحَّةِ يَسْتَحِقُّ مَنْفَعَةَ الْجَمِيعِ أَيْضًا وَلَا تُمْكِنُ الْمُعَاقَدَةُ مَعَ غَيْرِهِ، وَلَعَلَّ مِنْ صُوَرِهَا أَذِنْت لَك فِي دُخُولِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
[فَصْلٌ فِي بَقِيَّةِ شُرُوطِ الْمَنْفَعَةِ]
ِ (قَوْلُهُ: كَالْمَبِيعِ فِي الْكُلِّ) أَيْ فِي أَنَّهُ إنْ وَرَدَ عَلَى مُعَيَّنٍ اشْتَرَطَ مَعْرِفَةَ عَيْنِهِ، وَتَقْدِيرُهُ عَلَى مَا يَأْتِي: وَإِنْ وَرَدَ عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ اشْتَرَطَ وَصْفَهُ وَتَقْدِيرَهُ، لَكِنْ مُشَاهَدَةُ الْأَوَّلِ تُغْنِي عَنْ تَقْدِيرِهِ. (قَوْلُهُ: فَعُلِمَ اعْتِبَارُ تَحْدِيدِ الْعَقَارِ) أَيْ: فَلَا يَكْفِي أَنْ يَقُولَ آجَرْتُكَ قِطْعَةً مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ مَثَلًا، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ إذَا آجَرَهُ دَارًا مَثَلًا كَفَتْ مُشَاهَدَتُهَا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّمَهُ (قَوْلُهُ: حَيْثُ لَمْ يَشْتَهِرْ بِدُونِهِ) أَيْ لِلْعَاقِدَيْنِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: إجَارَةُ غَائِبٍ) أَيْ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ، فَمُرَادُهُ

(5/279)


وَغَيْرِهِ، لَكِنَّ الْأُجْرَةَ فِي مُقَابَلَةِ الْآلَاتِ لَا الْمَاءِ، فَعَلَيْهِ مَا يُغْرَفُ بِهِ الْمَاءُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الدَّاخِلِ، وَثِيَابُهُ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ عَلَى الْحَمَّامِيِّ إنْ لَمْ يَسْتَحْفِظْهُ عَلَيْهَا وَيُجِيبُهُ إلَى ذَلِكَ، وَلَا يَجِبُ بَيَانُ مَا يَسْتَأْجِرُهُ لَهُ فِي الدَّارِ لِقُرْبِ التَّفَاوُتِ مِنْ السُّكْنَى وَوَضْعِ الْمَتَاعِ وَمِنْ ثَمَّ حُمِلَ الْعَقْدُ عَلَى الْمَعْهُودِ فِي مِثْلِهَا مِنْ سُكَّانِهَا، وَلَمْ يُشْتَرَطْ عَدَدُ مَنْ يَسْكُنُ اكْتِفَاءً بِمَا اُعْتِيدَ فِي مِثْلِهَا.

(ثُمَّ) إذَا تَوَفَّرَتْ الشُّرُوطُ فِي الْمَنْفَعَةِ (تَارَةً تُقَدَّرُ) الْمَنْفَعَةُ (بِزَمَانٍ) فَقَطْ. وَضَابِطُهُ كُلُّ مَا لَا يَنْضَبِطُ بِالْعَمَلِ، وَحِينَئِذٍ يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ كَرَضَاعِ هَذَا شَهْرًا، وَتَطْيِينِ أَوْ تَجْصِيصِ أَوْ اكْتِحَالِ أَوْ مُدَاوَاةِ هَذَا يَوْمًا، وَ (كَدَارٍ) وَأَرْضٍ وَثَوْبٍ وَآنِيَةٍ وَيَقُولُ فِي دَارٍ تُؤَجَّرُ لِلسُّكْنَى لِتَسْكُنَهَا، فَلَوْ قَالَ عَلَى أَنْ تَسْكُنَهَا أَوْ لِتَسْكُنَهَا وَحْدَك لَمْ تَصِحَّ كَمَا فِي الْبَحْرِ فِي الْأُولَى (سَنَةً) بِمِائَةٍ أَوَّلُهَا مِنْ فَرَاغِ الْعَقْدِ لِوُجُوبِ اتِّصَالِهَا بِالْعَقْدِ، فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ كَأَجَّرْتُكَهَا كُلَّ شَهْرٍ بِدِينَارٍ لَمْ تَصِحَّ، وَلَوْ مِنْ إمَامٍ اسْتَأْجَرَهُ مِنْ مَالِهِ لِلْأَذَانِ بِخِلَافِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَلَوْ قَالَ هَذَا الشَّهْرُ بِدِينَارٍ وَمَا زَادَ بِحِسَابِهِ صَحَّ فِي الْأَوَّلِ فَقَطْ، وَأَقَلُّ مُدَّةِ تُؤَجَّرُ لِلسُّكْنَى يَوْمٌ فَأَكْثَرُ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ مَرَّةً وَتَبِعَهُ الرُّويَانِيُّ، وَمَرَّةً أَقَلُّهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَالْأَوْجَهُ كَمَا أَفَادَهُ الْأَذْرَعِيُّ جَوَازُ بَعْضِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ فَقَدْ يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضُ مُسَافِرٍ وَنَحْوِهِ، وَالضَّابِطُ كَوْنُ الْمَنْفَعَةِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ مُتَقَوِّمَةً عِنْدَ أَهْلِ الْعُرْفِ أَيْ لِذَلِكَ الْمَحَلِّ لِيَحْسُنَ بِذَلِكَ الْمَالُ فِي مُقَابِلَتِهَا وَتَارَةً تُقَدَّرُ (بِعَمَلٍ) أَيْ بِمَحَلِّهِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ أَوْ بِزَمَنٍ (كَدَابَّةٍ) مُعَيَّنَةٍ أَوْ مَوْصُوفَةٍ لِلرُّكُوبِ أَوْ (لِحَمْلِ شَيْءٍ عَلَيْهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الْحَمَّامِ بِدِرْهَمٍ فَيَقُولُ أَذِنْت فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لَا الْمَاءِ) أَيْ أَمَّا هُوَ فَمَقْبُوضٌ بِالْإِبَاحَةِ (قَوْلُهُ: وَيُجِيبُهُ إلَى ذَلِكَ) أَيْ أَوْ يَأْخُذُ مِنْهُ الْأُجْرَةَ مَعَ صِيغَةِ اسْتِحْفَاظٍ

(قَوْلُهُ: أَوْ لِتَسْكُنَهَا وَحْدَك) أَيْ فَلَوْ تَقَدَّمَ الْقَبُولُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَشَرَطَ عَلَى نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ اسْتَأْجَرْتهَا بِكَذَا لِأَسْكُنَهَا وَحْدِي صَحَّ كَمَا بِبَعْضِ الْهَوَامِشِ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ. أَقُولُ: وَهُوَ قِيَاسُ مَا لَوْ شَرَطَ الزَّوْجُ عَلَى نَفْسِهِ عَدَمَ الْوَطْءِ، لَكِنَّ قَضِيَّةَ قَوْلِهِمْ الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ مُضِرَّةٌ سَوَاءٌ ابْتَدَأَ بِهَا الْمُؤَخَّرَ أَوْ الْقَابِلَ يَقْتَضِي خِلَافَهُ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ شَرْطٌ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَقَدْ يَمُوتُ الْمُسْتَأْجِرُ وَيَنْتَقِلُ الْحَقُّ لِوَارِثِهِ خَاصًّا كَانَ أَوْ عَامًّا، وَلَا يَلْزَمُ مُسَاوَاةُ الْوَارِثِ فِي السُّكْنَى لِلْمَيِّتِ (قَوْلُهُ: لَمْ تَصِحَّ) أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَجْرِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فِيمَا مَلَكَهُ بِالْإِجَارَةِ فِيهِمَا، وَقَالَ حَجّ فِي تَعْلِيلِ الْأُولَى: لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الِاشْتِرَاطِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: كُلُّ شَهْرٍ بِدِينَارٍ لَمْ تَصِحَّ) أَيْ حَتَّى فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ لِلْجَهْلِ بِمِقْدَارِ الْمُدَّةِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) أَيْ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يُقَدِّرْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
بِالْغَائِبِ غَيْرُ الْمَرْئِيِّ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَسْتَحْفِظْهُ عَلَيْهَا) فَإِنْ اسْتَحْفَظَهُ عَلَيْهَا صَارَتْ وَدِيعَةً يَضْمَنُهَا بِالتَّقْصِيرِ كَمَا يَأْتِي فِي مَحَلِّهِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَسْتَحْفِظْهُ عَلَيْهَا فَلَا يَضْمَنُهَا أَصْلًا وَإِنْ قَصَّرَ، وَمَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ مِنْ تَقْيِيدِ الضَّمَانِ بِمَا إذَا دَفَعَ إلَيْهِ أُجْرَةً فِي حِفْظِهَا لَمْ أَعْلَمْ مَأْخَذَهُ

. (قَوْلُهُ: ثُمَّ إذَا تَوَفَّرَتْ الشُّرُوطُ فِي الْمَنْفَعَةِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ قَاسِمٍ: قَدْ يُقَالُ مِنْ الشُّرُوطِ كَوْنُهَا مَعْلُومَةً بِالتَّقْدِيرِ الْآتِي فَانْظُرْ بَعْدَ ذَلِكَ حَاصِلَ الْمَعْنَى اهـ.
أَقُولُ: الْمُرَادُ بِشَرْطِ الْمَنْفَعَةِ شَرْطُهَا فِي نَفْسِهَا لِكَوْنِهَا مُتَقَوِّمَةً إلَى آخِرِ مَا مَرَّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَكَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مُتَقَوِّمَةً، فَالْمُرَادُ بِقِيمَتِهَا الَّذِي هُوَ الْمَنْفَعَةُ شَرَطَ لَهَا كَوْنَهَا مَعْلُومَةً فِي نَفْسِهَا غَيْرَ مُبْهَمَةٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْجَلَالُ الْمُحَقِّقُ بِقَوْلِهِ فَمَا لَهُ مَنَافِعُ يَجِبُ بَيَانُ الْمُرَادِ مِنْهَا اهـ.
وَأَمَّا تَقْدِيرُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا فَهُوَ بَيَانٌ لِكَيْفِيَّةِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا وَلَيْسَ شَرْطًا لَهَا فِي نَفْسِهَا، وَيُوَافِقُ هَذَا قَوْلَ الشَّارِحِ كَالْعَلَّامَةِ ابْنِ حَجَرٍ فِي تَرْجَمَةِ الْفَصْلِ فِي بَقِيَّةِ شُرُوطِ الْمَنْفَعَةِ وَمَا تُقَدَّرُ بِهِ، فَجَعَلَ مَا تُقَدَّرُ بِهِ قَدْرًا زَائِدًا عَلَى الشَّرْطِ، لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَى هَذَا قَوْلُهُمَا بِالتَّقْدِيرِ الْآتِي عَقِبَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مَعْلُومَةً؛ إذْ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْعِلْمَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالتَّقْدِيرِ الْمَذْكُورِ فَلْيُحَرَّرْ. (قَوْلُهُ: أَوَّلُهَا مِنْ فَرَاغِ الْعَقْدِ) يُوهِمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ الْمُؤَجِّرُ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ وَلَيْسَ مُرَادًا،

(5/280)


إلَى مَكَّةَ) أَوْ لِتَرْكَبَهَا شَهْرًا حَيْثُ بَيَّنَ النَّاحِيَةَ الْمَرْكُوبَ إلَيْهَا، وَمَحَلَّ تَسْلِيمِهَا لِلْمُؤَجِّرِ أَوْ نَائِبِهِ (وَكَخِيَاطَةِ ذَا الثَّوْبَ) أَوْ ثَوْبٌ صِفَتُهُ كَذَا، كَاسْتَأْجَرْتُكَ لِخِيَاطَتِهِ أَوْ أَلْزَمْت ذِمَّتَك خِيَاطَتَهُ لِتُمَيَّزَ هَذِهِ الْمَنَافِعُ فِي نَفْسِهَا مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ بِمُدَّةٍ، وكَاسْتَأْجَرْتُك لِلْخِيَاطَةِ شَهْرًا، وَيُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ بَيَانُ مَا يَخِيطُهُ، وَفِي الْكُلِّ كَمَا سَيُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ بَيَانُ كَوْنِهِ قَمِيصًا أَوْ غَيْرَهُ وَطُولِهِ وَعَرْضِهِ وَنَوْعِ الْخِيَاطَةِ أَوْ هِيَ رُومِيَّةٌ أَوْ غَيْرُهَا، وَمَحَلُّهُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْعَادَةِ وَإِلَّا حُمِلَ الْمُطْلَقُ عَلَيْهَا.
وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى التَّقْدِيرُ بِالزَّمَنِ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ، فَلَوْ قَالَ أَلْزَمْت ذِمَّتَك عَمَلَ الْخِيَاطَةِ شَهْرًا لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ عَامِلًا وَلَا مَحَلًّا لِلْعَمَلِ، وَقَيَّدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بَحْثًا لِعَدَمِ اطِّلَاعِهِ عَلَى كَلَامِ الْقَفَّالِ بِمَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ صِفَةَ الْعَمَلِ وَلَا مَحَلَّهُ وَإِلَّا بِأَنْ بَيَّنَ مَحَلَّهُ وَصِفَتَهُ صَحَّ، وَلَا فَرْقَ كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ بَيْنَ الْإِشَارَةِ إلَى الثَّوْبِ أَوْ وَصْفِهِ.

(فَلَوْ) (جَمَعَهُمَا) أَيْ الْعَمَلَ وَالزَّمَانَ (فَاسْتَأْجَرَهُ لِيَخِيطَهُ) أَيْ الثَّوْبَ يَوْمًا مُعَيَّنًا أَوْ لِيَحْرُثَ هَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ يَبْنِيَ هَذِهِ الْحَائِطَ (بَيَاضَ النَّهَارِ) الْمُعَيَّنِ (لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ) لِلْغَرَرِ إذْ قَدْ يَتَقَدَّمُ الْعَمَلُ أَوْ يَتَأَخَّرُ، كَمَا لَوْ أَسْلَمَ فِي قَفِيزِ حِنْطَةٍ عَلَى أَنَّ وَزْنَهُ كَذَا حَيْثُ لَا يَصِحُّ لِاحْتِمَالِ زِيَادَتِهِ أَوْ نَقْصِهِ، وَبِهِ يُعْلَمُ رَدُّ مَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الثَّوْبُ صَغِيرًا يُقْطَعُ بِفَرَاغِهِ فِي الْيَوْمِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِاحْتِمَالِ عُرُوضِ عَائِقٍ لَهُ عَنْ إكْمَالِهِ فِي ذَلِكَ النَّهَارِ، وَإِنْ أَجَابَ عَنْهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ وَالْغَالِبِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ غَفْلَةٌ مِنْهُ بِدَلِيلِ أَنَّ عِلَّةَ الْبُطْلَانِ الِاحْتِمَالُ، فَدَعْوَى أَنَّهُ خِلَافَ الْأَصْلِ مَرْدُودَةٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الْمُدَّةَ لِأَنَّهُ رِزْقٌ لَا أُجْرَةٌ (قَوْلُهُ: لِلْمُؤَجِّرِ أَوْ نَائِبِهِ) يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِمَحَلِّ كَذَا وَلَمْ يُعَيِّنْ الْمُؤَجَّرَ لَهُ مَنْ يَسْتَلِمُهَا مِنْهُ إذَا وَصَلَ ذَلِكَ الْمَحَلَّ لَمْ تَصِحَّ الْإِجَارَةُ، وَلَوْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ ثُمَّ إنْ كَانَ لِلْمُؤَجِّرِ وَكِيلٌ ثُمَّ سَلَّمَهَا لَهُ وَإِلَّا فَلِلْقَاضِي إنْ وُجِدَ وَإِلَّا أَوْدَعَهَا عِنْدَ أَمِينٍ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ، ثُمَّ رَأَيْت فِي حَجّ بَعْدَ قَوْلِهِ هُنَا أَوْ نَائِبِهِ مَا نَصُّهُ: وَلَا يُنَافِي هَذَيْنِ جَوَازُ الْإِبْدَالِ وَالتَّسْلِيمِ لِلْقَاضِي أَوْ نَائِبِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بَعْدَ بَيَانِ النَّاحِيَةِ وَمَحَلُّ التَّسْلِيمِ حَتَّى يُبَدَّلَا بِمِثْلِهِمَا اهـ. وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ شَخْصٍ يُسَلِّمُهَا لَهُ بَلْ يَكْفِي أَنْ يَقُولَ تَرْكَبُ إلَى مَحَلِّ كَذَا وَتُسَلِّمُهَا فِي مَحَلِّ كَذَا إلَيَّ أَوْ لِنَائِبِي مَثَلًا ثُمَّ بَعْدَ وُصُولِهِ إنْ وَجَدَهُ أَوْ نَائِبَهُ الْخَاصَّ سَلَّمَهَا لَهُ وَإِلَّا فَلِلْقَاضِي (قَوْلُهُ: وكَاسْتَأْجَرْتُك لِلْخِيَاطَةِ شَهْرًا) مِثَالٌ لِلتَّقْدِيرِ بِالزَّمَنِ وَهُوَ مِنْ صُوَرِ الْإِجَارَةِ الْعَيْنِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: وَبِمَا تَقَرَّرَ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وكَاسْتَأْجَرْتُك لِلْخِيَاطَةِ شَهْرًا مَعَ قَوْلِهِ وَفِي الْكُلِّ كَمَا سَيُعْلَمُ إلَخْ فَإِنَّهُ اقْتَصَرَ فِي تَصْوِيرِ التَّقْدِيرِ بِالزَّمَنِ عَلَى الْإِجَارَةِ الْعَيْنِيَّةِ. هَذَا وَلَمْ يَظْهَرْ وَجْهُ امْتِنَاعِ التَّقْدِيرِ بِالزَّمَنِ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ مِمَّا ذُكِرَ، بَلْ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْهُ صِحَّتُهُ حَيْثُ بَيَّنَ صِفَةَ الْعَمَلِ وَمَحَلَّهُ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، ثُمَّ قَالَ فِي مَرَّةٍ أُخْرَى: إلَّا أَنْ يُقَالَ هُوَ وَإِنْ بَيَّنَ صِفَةَ الْعَمَلِ لَكِنَّ الْعِلَّةَ تَخْتَلِفُ فِي مِقْدَارِ فِعْلِهَا بِاعْتِبَارِ خِفَّةِ الْيَدِ فِي الْعَمَلِ وَبُطْئِهَا، وَمُجَرَّدُ التَّقْدِيرِ بِالزَّمَنِ لَا يُحَصِّلُ مَقْصُودَ الْمُسْتَأْجِرِ (قَوْلُهُ: لَا يَتَأَتَّى التَّقْدِيرُ بِالزَّمَنِ) أَيْ وَخَرَجَ بِالزَّمَنِ التَّقْدِيرُ بِالْعَمَلِ فَيَقُولُ أَلْزَمْت ذِمَّتَك خِيَاطَةَ كَذَا ثُمَّ يُعَيِّنُ مَا يُرِيدُ خِيَاطَتَهُ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ فَيَصِحُّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ عَامِلًا) أَيْ لِأَنَّ الْعَمَلَ الْمُلْتَزَمَ فِي الذِّمَّةِ الْمَقْصُودُ مِنْهُ حُصُولُ الْعَمَلِ مِنْ غَيْرِ تَعَلُّقِهِ بِوَاحِدٍ بِعَيْنِهِ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ اطِّلَاعِهِ عَلَى كَلَامِ الْقَفَّالِ) أَيْ الْقَائِلِ بِذَلِكَ فَوَافَقَ بَحْثُهُ مَا قَالَهُ الْقَفَّالُ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
وَفِي التُّحْفَةِ زِيَادَةُ وَاوٍ قَبْلَ قَوْلِهِ لَهَا وَهِيَ تَحَقُّقُ الْإِيهَامِ (قَوْلُهُ: أَيْ: بِمَحَلِّهِ) قَالَ الشِّهَابُ ابْنُ قَاسِمٍ: أَيْ كَالْمَسَافَةِ إلَى مَكَّةَ (قَوْلُهُ: أَوْ بِزَمَنٍ) عُطِفَ عَلَى بِعَمَلٍ، فَقَدْ جَعَلَ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ مَا لَا يُقَدَّرُ إلَّا بِالزَّمَنِ وَالثَّانِيَ مَا يُقَدَّرُ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ الْعَمَلِ أَوْ الزَّمَنِ، وَسَيَأْتِي قِسْمٌ ثَالِثٌ وَهُوَ مَا لَا يُقَدَّرُ إلَّا بِالْعَمَلِ، كَذَا فِي حَوَاشِي الشِّهَابِ ابْنِ قَاسِمٍ عَلَى التُّحْفَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ إلَخْ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: قَالَ الْقَفَّالُ: إنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِشَارَةِ إلَى الثَّوْبِ أَوْ وَصْفِهِ

(قَوْلُهُ: فَدَعْوَى أَنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ مَرْدُودَةٌ) لَا يُنَاسِبُ مَا قَبْلَهُ الَّذِي حَاصِلُهُ الْبُطْلَانُ لِلِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ، وَإِنْ كَانَ

(5/281)


نَعَمْ الْأَوْجَهُ أَنَّهُ إنْ قَصَدَ التَّقْدِيرَ بِالْعَمَلِ خَاصَّةً وَإِنَّمَا ذَكَرَ الزَّمَانَ لِلتَّعْجِيلِ فَقَطْ صَحَّ، وَحِينَئِذٍ فَالزَّمَانُ غَيْرُ مَنْظُورٍ لَهُ عِنْدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ رَأْسًا. وَالثَّانِي يَصِحُّ. وَاعْلَمْ أَنَّ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الْإِجَارَةِ، نَعَمْ تَبْطُلُ بِاسْتِثْنَائِهَا مِنْ إجَارَةِ أَيَّامٍ مُعَيَّنَةٍ كَمَا فِي قَوَاعِدِ الزَّرْكَشِيّ لِلْجَهْلِ بِمِقْدَارِ الْوَقْتِ الْمُسْتَثْنَى مَعَ إخْرَاجِهِ عَنْ مُسَمَّى اللَّفْظِ وَإِنْ وَافَقَ الِاسْتِثْنَاءَ الشَّرْعِيَّ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَأَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِنْ نُوزِعَ فِيهِ.

(وَيُقَدَّرُ تَعْلِيمُ) نَحْوِ (الْقُرْآنِ بِمُدَّةٍ) كَشَهْرٍ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي نَحْوِ الْخِيَاطَةِ، وَلَا نَظَرَ لِاخْتِلَافِهِ سُهُولَةً وَصُعُوبَةً، إذْ لَيْسَ عَلَيْهِ قَدْرٌ مُعَيَّنٌ حَتَّى يُتْعِبَ نَفْسَهُ فِي تَحْصِيلِهِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ إرَادَتِهِ جَمِيعَ الْقُرْآنِ بَلْ مَا يُسَمَّى قُرْآنًا، فَإِنْ أَرَادَ جَمِيعَهُ كَانَ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ التَّقْدِيرِ بِالْعَمَلِ وَالزَّمَنِ، وَكَذَا إنْ أُطْلِقَا لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ إنَّ الْقُرْآنَ بِأَلْ لَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى الْكُلِّ: أَيْ غَالِبًا، وَإِلَّا فَقَدْ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ الشَّامِلُ لِلْبَعْضِ أَيْضًا، وَفِي دُخُولِ الْجُمَعِ فِي الْمُدَّةِ تَرَدُّدٌ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ ظَهْرًا لِيَرْكَبَهُ فِي طَرِيقٍ وَاعْتِيدَ نُزُولُ بَعْضِهَا هَلْ يَلْزَمُ لِلْمُكْتَرِي ذَلِكَ، وَالْأَوْجَهُ كَمَا رَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَدَمُ الدُّخُولِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُ حَجّ بَعْدَ قَوْلِهِ بَحْثًا وَسَبَقَهُ إلَيْهِ الْقَفَّالُ

(قَوْلُهُ: أَنَّهُ إنْ قَصَدَ التَّقْدِيرَ) أَيْ وَيُعْلَمُ قَصْدُهُ بِالْقَرِينَةِ (قَوْلُهُ: بِالْعَمَلِ خَاصَّةً) أَيْ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَصَدَ الِاشْتِرَاكَ أَوْ أَطْلَقَ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا ذَكَرَ الزَّمَانَ إلَخْ) أَيْ فَلَوْ أَخَّرَهُ لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ وَلَا خِيَارَ لِلْمُسْتَأْجِرِ (قَوْلُهُ: عِنْدَ التَّعَاقُدَيْنِ رَأْسًا) أَيْ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ (قَوْلُهُ: الصَّلَوَاتِ) أَيْ وَطَهَارَتَهَا وَرَاتِبَتَهَا وَزَمَنَ الْأَكْلِ وَقَضَاءَ الْحَاجَةِ (قَوْلُهُ مِنْ الْإِجَارَةِ) أَيْ فَيُصَلِّيهَا بِمَحَلِّهِ أَوْ بِالْمَسْجِدِ إنْ اسْتَوَى الزَّمَنَانِ فِي حَقِّهِ وَإِلَّا تَعَيَّنَ مَحَلُّهُ، وَاسْتِئْجَارُهُ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ (قَوْلُهُ وَمِنْ إجَارَةِ أَيَّامٍ مُعَيَّنَةٍ) لَمْ يَذْكُرْ مَفْهُومَهُ مَعَ أَنَّ الْإِجَارَةَ مَتَى قُدِّرَتْ بِزَمَانٍ كَانَتْ أَيَّامُهَا مُعَيَّنَةً، وَلَعَلَّهُ اُحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا لَوْ قَدَّرَ بِمَحَلِّ عَمَلٍ وَاسْتَثْنَى أَوْقَاتَ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ، لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِالْعَمَلِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ نَفْسُ الْعَمَلِ كَثُرَ زَمَنُهُ أَوْ قَلَّ (قَوْلُهُ: عَنْ مُسَمَّى اللَّفْظِ) وَسَيَأْتِي عَنْ حَجّ أَنَّهُ يَجِبُ السَّعْيُ لِلصَّلَاةِ وَلَوْ جُمُعَةً لَمْ يُخْشَ مِنْ الذَّهَابِ إلَيْهَا عَلَى عَمَلِهِ، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ زَادَ زَمَنُ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى زَمَنِ صَلَاتِهِ بِمَوْضِعِ عَمَلِهِ: أَيْ فَلَوْ ذَهَبَ إلَيْهَا وَصَلَّاهَا ثُمَّ شَكَّ فِي أَنَّهَا مَسْبُوقَةٌ أَمْ لَا صَلَّى الظُّهْرَ لِعَدَمِ إجْزَاءِ الْجُمُعَةِ فِي ظَنِّهِ، وَكَذَا لَوْ صَلَّى الْجُمُعَةَ أَوْ غَيْرَهَا ثُمَّ بَانَ عَدَمُ إجْزَاءِ صَلَاتِهِ لِنَجَاسَةٍ بِبَدَنِهِ أَوْ ثِيَابِهِ مَثَلًا أَوْ بَانَ بِإِمَامِهِ مَا يُوجِبُ الْإِعَادَةَ يَجِبُ إعَادَةُ مَا صَلَّاهُ لِعَدَمِ إجْزَاءِ مَا فَعَلَهُ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ مِنْ الْأُجْرَةِ مَا يُقَابِلُ فِعْلَ الْإِعَادَةِ لِأَنَّهُ زَائِدٌ عَلَى مَا يَنْصَرِفُ الْعَقْدُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَأَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ) بَقِيَ مَا لَوْ أَجَّرَ نَفْسَهُ بِشَرْطِ الصَّلَاةِ وَصَرَفَ زَمَنَهَا فِي الْعَمَلِ الْمُسْتَأْجَرِ لَهُ هَلْ تَصِحُّ الْإِجَارَةُ وَيَلْغُو الشَّرْطُ لِاسْتِثْنَائِهَا شَرْعًا أَمْ تَبْطُلُ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ

(قَوْلُهُ فَإِنْ أَرَادَ جَمِيعَهُ) أَيْ أَوْ بَعْضًا مُعَيَّنًا مِنْهُ وَإِنْ قُطِعَ بِحِفْظِهِ عَادَةً (قَوْلُهُ كَانَ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ التَّقْدِيرِ بِالْعَمَلِ وَالزَّمَنِ) أَيْ وَهُوَ بَاطِلٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَا إنْ أُطْلِقَا) أَيْ فَيَبْطُلُ أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَفِي دُخُولِ الْجُمَعِ) أَيْ أَيَّامِهَا (قَوْلُهُ فِي الْمُدَّةِ) أَيْ مُدَّةِ التَّعْلِيمِ، وَخَرَجَ بِهِ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ مُدَّةَ الْخِيَاطَةِ أَوْ بِنَاءٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَإِنَّ أَيَّامَ الْجُمَعِ تَدْخُلُ فِيمَا قَدَّرَهُ مِنْ الزَّمَنِ وَتُسْتَثْنَى أَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ عَلَى مَا مَرَّ، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ اطَّرَدَتْ عَادَتُهُمْ فِي مَحَلِّ الْعَقْدِ بِتَرْكِ الْعَمَلِ فِي أَيَّامِ الْجُمَعِ (قَوْلُهُ: هَلْ يَلْزَمُ الْمُكْتَرِيَ ذَلِكَ) أَيْ وَالرَّاجِحُ اللُّزُومُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ (قَوْلُهُ عَدَمُ الدُّخُولِ) قِيَاسُهُ بِالْأَوْلَى عَدَمُ دُخُولِ عِيدَيْ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى، بَلْ لَا يَبْعُدُ أَنَّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ كَذَلِكَ م ر اهـ سم عَلَى حَجّ. وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ مَا لَوْ اعْتَادُوا بَطَالَةَ شَيْءٍ قَبْلَ يَوْمِ الْعِيدِ أَوْ بَعْدَهُ بَلْ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كَالْأَيَّامِ الَّتِي اُعْتِيدَ فِيهَا خُرُوجُ الْمَحْمَلِ مَثَلًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
الْأَصْلُ وَالْغَالِبُ عَدَمَهُ، فَفِيهِ تَسْلِيمُ أَنَّ الْأَصْلَ وَالْغَالِبَ عَدَمُهُ لَكِنْ لَا نَظَرَ إلَى ذَلِكَ فَكَانَ الْأَصْوَبُ حَذْفَ قَوْلِهِ فَدَعْوَى إلَخْ

قَوْلُهُ (قَوْلُهُ: إذْ لَيْسَ عَلَيْهِ قَدْرٌ مُعَيَّنٌ إلَخْ) وَسَيَأْتِي فِي حَمْلِهِ لِكَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ الْآتِي أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِعْجَازُ

(5/282)


كَالْأَحَدِ لِلنَّصَارَى أَخْذًا مِنْ إفْتَاءِ الْغَزَالِيِّ بَعْدَ دُخُولِ السَّبْتِ فِي اسْتِئْجَارِ الْيَهُودِ شَهْرًا لِاطِّرَادِ الْعُرْفِ بِهِ.

(أَوْ تَعْيِينِ سُوَرٍ) أَوْ سُورَةٍ أَوْ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ كَذَا وَيَذْكُرُ مِنْ أَوَّلِهَا أَوْ آخِرِهَا أَوْ وَسَطِهَا لِلتَّفَاوُتِ فِي ذَلِكَ، وَشَرَطَ الْقَاضِي أَنْ يَكُونَ فِي التَّعْلِيمِ كُلْفَةٌ كَأَنْ لَا يَتَعَلَّمَ الْفَاتِحَةَ مَثَلًا إلَّا فِي نِصْفِ يَوْمٍ، فَإِنْ تَعَلَّمَهَا فِي مَرَّتَيْنِ لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِئْجَارُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّدَاقِ، وَالْأَوْجَهُ كَوْنُ الْمَدَارِ عَلَى الْكُلْفَةِ عُرْفًا كَإِقْرَائِهَا وَلَوْ مَرَّةً خِلَافُ مَا يُوهِمُهُ قَوْلُهُ نِصْفَ يَوْمٍ، وَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الِاسْتِئْجَارِ لِدُونِ ثَلَاثِ آيَاتٍ، لِأَنَّ تَعْيِينَ الْقُرْآنِ يَقْتَضِي الْإِعْجَازَ وَدُونَهَا لَا إعْجَازَ فِيهِ مَحَلُّ النَّظَرِ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ مَا دُونَهَا كَذَلِكَ. وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى مَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِتَعْلِيمِ قُرْآنٍ مُقَدَّرٍ بِزَمَنٍ فَيُعْتَبَرُ حِينَئِذٍ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِعْجَازُ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ قِرَاءَةِ نَافِعٍ مَثَلًا لِأَنَّ الْأَمْرَ قَرِيبٌ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ عَيَّنَ شَيْئًا تَعَيَّنَ، فَلَوْ أَقْرَأَهُ غَيْرُهُ اتَّجَهَ عَدَمُ اسْتِحْقَاقِهِ أُجْرَةً
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: كَالْأَحَدِ لِلنَّصَارَى) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَلْ يُلْحَقُ بِذَلِكَ بَقِيَّةُ أَعْيَادِهِمَا؟ فِيهِ نَظَرٌ لَا سِيَّمَا الَّتِي تَدُومُ أَيَّامًا، وَالْأَقْرَبُ الْمَنْعُ اهـ. وَلَا يُنَافِي اسْتِثْنَاءُ سَبْتِ الْيَهُودِ أَنَّهُ إذَا اسْتَعْدَى عَلَيْهِ يَوْمَ السَّبْتِ أُحْضِرَ لِأَنَّهُ لِحَقٍّ تَعَلَّقَ بِهِ وَالْإِجَارَةُ تَنْزِلُ عَلَى الْعَمَلِ الْمُعْتَادِ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: لِاطِّرَادِ الْعُرْفِ بِهِ) وَحِينَئِذٍ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ فِي حَالَةِ الْإِطْلَاقِ حَمْلًا لَهُ عَلَى الْبَعْضِ وَصَوْنًا لَهُ عَنْ الْبُطْلَانِ مُؤَلِّفُ فَتَكُونُ الْجُمَعُ مُسْتَثْنَاةً، وَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ مِنْ الْبُطْلَانِ لِلْإِجَارَةِ عِنْدَ اسْتِثْنَائِهَا أَنَّهُ هُنَا كَذَلِكَ

(قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ كَوْنُ الْمَدَارِ عَلَى الْكُلْفَةِ) أَيْ وَلَوْ حَرْفًا وَاحِدًا كَأَنْ نَقَلَ عَلَيْهِ النُّطْقَ بِهِ فَعَالَجَهُ لِيَعْرِفهُ لَهُ (قَوْلُهُ: عُرْفًا) أَيْ وَيَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ وَلَوْ لَمْ يُقْرِئْهُ بِالْأَحْكَامِ لِأَنَّهُ يُسَمَّى قِرَاءَةً عُرْفًا، وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِقِرَاءَةٍ عَلَى قَبْرٍ أَوْ قِرَاءَةِ لَيْلَةٍ مَثَلًا عِنْدَهُ (قَوْلُهُ: وَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ إلَخْ) .
[فَرْعٌ] لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِحِفْظِ كَذَا مِنْ الْقُرْآنِ هَلْ يَفْسُدُ الْعَقْدُ لِأَنَّ الْحِفْظَ لَيْسَ بِيَدِهِ كَمَا لَوْ شَرَطَ الشِّفَاءَ فِي الْمُدَاوَاةِ أَوْ يَصِحُّ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنْ التَّعْلِيمِ بِهِ وَيُفَرَّقُ؟ فِيهِ نَظَرٌ سم عَلَى حَجّ. وَلَا يَبْعُدُ الصِّحَّةُ بِمَا عُلِّلَ بِهِ مِنْ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّعْلِيمِ الْحِفْظُ، وَقَوْلُهُ وَيُفَرَّقُ: أَيْ بَيْنَ الْمُدَاوَاةِ وَالْحِفْظِ، وَلَعَلَّهُ أَنَّ التَّعْلِيمَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْحِفْظِ عَادَةً مُطَّرِدَةً غَايَتُهُ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ شِدَّةً وَضَعْفًا بِاعْتِبَارِ قُوَّةِ فَهْمِ الْمُتَعَلِّمِ وَضَعْفِهِ، وَلَا كَذَلِكَ الشِّفَاءُ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُدَاوَاةُ إذْ كَثِيرًا مَا تُوجَدُ وَلَا يُوجَدُ الشِّفَاءُ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ عَلَّمَهُ مُدَّةً تَقْتَضِي الْعَادَةُ مَعَهَا بِالْحِفْظِ لِلْبَلِيدِ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِ فَيَنْبَغِي اسْتِحْقَاقُ الْأُجْرَةِ لِأَنَّ التَّعْلِيمَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ هُوَ الْمَقْصُودُ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ تَعْيِينَ الْقُرْآنِ إلَخْ) أَيْ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَخْلُو عَنْ نَظَرٍ لِأَنَّ الْقُرْآنَ يُطْلَقُ عَلَى الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ وَالْمَدَارُ عَلَى الْكُلْفَةِ الْحَاصِلَةِ بِالتَّعْلِيمِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي سم عَلَى حَجّ بَعْدَ مِثْلِ مَا ذَكَرَ الشَّارِحُ وَأَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا لِأَنَّ بَعْضَ الْقُرْآنِ قُرْآنٌ وَإِنْ لَمْ يَتَّصِفْ بِالْإِعْجَازِ اسْتِقْلَالًا وَلِهَذَا يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ قِرَاءَةُ كَلِمَةٍ بَلْ حَرْفٍ مَثَلًا (قَوْلُهُ: أَنَّ مَا دُونَهَا كَذَلِكَ) أَيْ يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ لَهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ مَا دُونَ الثَّلَاثِ مُعْجِزٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ إلَخْ) أَيْ فَلَوْ أَطْلَقَهَا صَحَّ وَحُمِلَ عَلَى الْغَالِبِ فِي بَلَدِهِ إنْ كَانَ وَإِلَّا أَقْرَأَهُ مَا شَاءَ، فَإِنْ تَنَازَعَا فِيمَا يَعْلَمُهُ أُجِيبَ الْمُعَلَّمُ لِأَنَّهُ حَقٌّ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ فَيُؤَدِّيهِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ أَرَادَهَا قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدَانِ مُسْتَوِيَانِ فَيُخْرِجُ فِي الزَّكَاةِ وَفِي أَدَاءِ قِيمَةِ التَّلَفِ مَا شَاءَ (قَوْلُهُ فَلَوْ أَقْرَأَهُ غَيْرُهُ إلَخْ) هَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَةً لِلْكَلِمَاتِ الَّتِي فِيهَا الْخِلَافُ مَثَلًا بَيْنَ نَافِعٍ وَغَيْرِهِ أَوْ جَمِيعِ مَا عَلَّمَهُ إيَّاهُ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَا يَبْعُدُ الْأَوَّلُ وَإِنْ كَانَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ كَلَامِهِ الثَّانِي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: فَيُعْتَبَرُ حِينَئِذٍ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِعْجَازُ) اُنْظُرْ هَلْ الْمُرَادُ اعْتِبَارُ ذَلِكَ لِوُجُوبِ الْأُجْرَةِ حَتَّى إذَا لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ لَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَةً أَوْ اعْتِبَارُهُ لِمَاذَا؟ ثُمَّ رَأَيْت الشِّهَابَ ابْنَ قَاسِمٍ نَظَرَ فِي هَذَا الْحَمْلِ بِأَنَّ بَعْضَ الْقُرْآنِ يُسَمَّى قُرْآنًا وَإِنْ لَمْ

(5/283)


خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْمُتَعَلِّمِ وَإِسْلَامِهِ أَوْ رَجَاءَ إسْلَامِهِ، وَيُفَارِقُ مَنْعَ بَيْعِ نَحْوِ مُصْحَفٍ مِمَّنْ يُرْجَى إسْلَامُهُ بِأَنَّ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى خُلْفِ الرَّجَاءِ فِيهِ مِنْ الِامْتِهَانِ أَفْحَشُ مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَى التَّعْلِيمِ هُنَا، وَلَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَتُهُ وَلَا اخْتِيَارُ حِفْظِهِ. نَعَمْ لَوْ وَجَدَهُ خَارِجًا عَنْ عَادَةِ أَمْثَالِهِ تَخَيَّرَ كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَيُعْتَبَرُ عِلْمُهُمَا بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَإِلَّا وَكَّلَا مَنْ يُعَلِّمُهُ، وَلَا يَكْفِي فَتْحُ الْمُصْحَفِ وَتَعْيِينُهُمَا قَدْرًا مِنْهُ لِاخْتِلَافِ الْمُشَارِ إلَيْهِ صُعُوبَةً وَسُهُولَةً، وَفَارَقَ الِاكْتِفَاءَ بِمُشَاهَدَةِ الْكَفِيلِ فِي الْبَيْعِ كَمَا مَرَّ بِأَنَّهُ مَحْضُ تَوَثُّقٍ لِلْعَقْدِ لَا مَعْقُودَ عَلَيْهِ فَكَانَ أَمْرُهُ أَخَفَّ.

(وَفِي الْبِنَاءِ) أَيْ الِاسْتِئْجَارِ لَهُ عَلَى أَرْضٍ أَوْ نَحْوِ سَقْفٍ (يُبَيِّنُ الْمَوْضِعَ) الَّذِي يَبْنِي فِيهِ الْجِدَارَ (وَالطُّولَ) لَهُ وَهُوَ الِامْتِدَادُ مِنْ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى (وَالْعَرْضَ) وَهُوَ مَا بَيْنَ وَجْهَيْ الْجِدَارِ (وَالسَّمْكَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَهُوَ الِارْتِفَاعُ إنْ قُدِّرَ بِالْعَمَلِ (وَمَا يَبْنِي بِهِ) مِنْ حَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَكَيْفِيَّةَ الْبِنَاءِ أَهُوَ مُنَضَّدٌ أَوْ مُجَوَّفٌ أَوْ مُسَقَّمٌ (إنْ قُدِّرَ بِالْعَمَلِ) لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِهِ. نَعَمْ إنْ كَانَ مَا يَبْنِي بِهِ حَاضِرًا فَمُشَاهَدَتُهُ تُغْنِي عَنْ تَبْيِينِهِ، وَفَارَقَ مَا ذُكِرَ تَقْدِيرَ الْحَفْرِ بِالزَّمَنِ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ بَيَانُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْفَرْضَ فِي الْخِيَاطَةِ وَالْبِنَاءِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْحَفْرِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ مَحَلًّا لِلْبِنَاءِ عَلَيْهِ وَهُوَ نَحْوُ سَقْفٍ اُشْتُرِطَ جَمِيعُ ذَلِكَ أَوْ أَرْضٍ اُشْتُرِطَ مَا سِوَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
[فَرْعٌ] وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَنْ الِاسْتِئْجَارِ لِتَعْلِيمِ الْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ هَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا؟ فَأَجَبْنَا عَنْهُ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُرَادُهُ مِنْ تَعَلُّمِهَا الِاسْتِشْهَادَ بِهَا عَلَى قَوَاعِدِ النَّحْوِ أَوْ الِاحْتِرَازَ عَنْ الْقِرَاءَةِ بِهَا صَحَّتْ الْإِجَارَةُ، وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ الْقِرَاءَةَ بِهَا الْمُحَرَّمَةَ لَمْ تَصِحَّ الْإِجَارَةُ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ) هُوَ حَجّ فَإِنَّهُ يَقُولُ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ (قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْمُتَعَلِّمِ) أَيْ لِصِحَّةِ الْإِجَارَةِ (قَوْلُهُ: عَلَى خُلْفِ الرَّجَاءِ فِيهِ) أَيْ الْبَيْعِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَتُهُ) أَيْ الْمُتَعَلِّمِ (قَوْلُهُ نَعَمْ لَوْ وَجَدَهُ) أَيْ الْمُعَلَّمَ (قَوْلُهُ: وَيُعْتَبَرُ عِلْمُهُمَا بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ) وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُعْتَبَرَ بَيَانُ أَنَّ التَّعْلِيمَ مِنْ أَوَّلِ الْقُرْآنِ أَوْ مِنْ آخِرِهِ أَوْ مِنْ وَسَطِهِ لِأَنَّ الْغَرَضَ مُخْتَلِفٌ جِدًّا بِذَلِكَ اهـ سم عَلَى حَجّ. ثُمَّ رَأَيْت قَوْلَ الشَّارِحِ السَّابِقِ وَيَذْكُرُ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا (قَوْلُهُ وَإِلَّا وَكَّلَا) لَا يُقَالُ: كَيْفَ يَجْهَلُهُ الْمُعَلِّمُ؟ لِأَنَّا نَقُولُ: يَجُوزُ أَنَّهُ أَلْزَمَ ذِمَّتَهُ التَّعْلِيمَ وَهُوَ مُمْكِنٌ بِإِحْضَارِ غَيْرِهِ لَهُ وَبِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُعَلِّمَ مِنْ الْمُصْحَفِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ مَعْرِفَةُ السُّورَةِ الَّتِي يُرِيدُ الْعَقْدَ عَلَيْهَا.
[فَرْعٌ] قَالَ حَجّ: لَوْ كَانَ يَنْسَى مَا يَتَعَلَّمُهُ لِوَقْتِهِ فِيهِ وُجُوهٌ أَصَحُّهَا اعْتِبَارُ الْعُرْفِ: أَيْ إنْ اطَّرَدَ، وَإِلَّا فَاَلَّذِي يَظْهَرُ وُجُوبُ الْبَيَانِ فِي الْعَقْدِ، فَإِنْ طَرَأَ كَوْنُهُ يَنْسَى بَعْدَهُ احْتَمَلَ أَنْ يُقَالَ يُخَيَّرُ الْأَجِيرُ وَأَنْ يُقَالَ لَا يَلْزَمُهُ التَّحْدِيدُ لِمَا حَفِظَ سَوَاءٌ فِيمَا ذَكَرَ نَسْيَهُ قَبْلَ كَمَالِ الْآيَةِ أَوْ بَعْدَهَا ثُمَّ رَأَيْت شَيْخَنَا إلَخْ فَرَاجِعْهُ

(قَوْلُهُ: وَفَارَقَ مَا ذُكِرَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَ مَنْ يَبْنِي لَهُ اشْتَرَطَ أَنْ يُبَيِّنَ الْمَوْضِعَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَهُوَ نَحْوُ سَقْفٍ) أَيْ كَجِدَارٍ، وَأَفْتَى ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي اسْتِئْجَارِ عُلُوِّ دُكَّانٍ مَوْقُوفَةٍ لِلْبِنَاءِ عَلَيْهِ بِجَوَازِهِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ حَالَةَ الْوَقْفِ بِنَاءٌ وَتَعَذَّرَتْ إعَادَتُهُ: أَيْ مِنْ جِهَةِ نَاظِرِ الْوَقْفِ حَالًا وَمَآلًا وَلَمْ يَضُرَّ بِالسُّفْلِ. قَالَ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وَاعْتِيدَ انْتِفَاعُ الْمُسْتَأْجِرِ بِسَطْحِهِ وَكَانَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
يَتَّصِفْ بِالْإِعْجَازِ اسْتِقْلَالًا، وَلِهَذَا يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ قِرَاءَةُ كَلِمَةٍ بَلْ حَرْفٍ مَثَلًا (قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْمُتَعَلِّمِ) أَيْ: فَلَا يَصِحُّ اسْتَأْجَرْتُكَ لِتُعَلِّمَ أَحَدَ عَبْدَيْ

(قَوْلُهُ: إنْ قُدِّرَ بِالْعَمَلِ) تَبِعَ فِي ذِكْرِهِ هُنَا الْعَلَّامَةَ ابْنَ حَجَرٍ، لَكِنْ إنَّمَا ذَكَرَ هَذَا هُنَا لِلزِّيَادَةِ الَّتِي زَادَهَا عَقِبَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنْ قُدِّرَ بِالْعَمَلِ حَيْثُ قَالَ أَوْ بِالزَّمَنِ عَلَى مَا يَأْتِي فِيهِ، فَكَانَ عَلَى الشَّارِحِ ذِكْرُهُ أَيْضًا (قَوْلُهُ: لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِهِ) إلَى قَوْلِهِ بِخِلَافِ الْحَفْرِ مُتَعَلِّقٌ بِالزَّمَنِ الَّذِي زَادَهُ فِي التُّحْفَةِ فَأَسْقَطَهُ الشَّارِحُ وَذَكَرَ هَذَا فَلَمْ يَصِحَّ، وَلَعَلَّ إسْقَاطَهُ مِنْ الْكَتَبَةِ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ عَقِبَ الْمَتْنِ نَصُّهَا: أَوْ بِالزَّمَنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعِمْرَانِيُّ وَغَيْرُهُ؛ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِهِ وَاعْتَمَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي خِيَاطَةٍ قُدِّرَتْ بِزَمَنٍ أَنَّهُ لَا بُدَّ

(5/284)


الِارْتِفَاعِ وَمَا يَبْنِي بِهِ وَصِفَةُ الْبِنَاءِ لِأَنَّهَا تَحْمِلُ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُعَيِّنُ فِي النِّسَاخَةِ عَدَدَ الْأَوْرَاقِ وَأَسْطُرَ الصَّفْحَةِ وَقَدْرَ الْقَطْعِ وَالْحَوَاشِي، وَيَجُوزُ التَّقْدِيرُ فِيهَا بِالْمُدَّةِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَا يَبْعُدُ اشْتِرَاطُ الْمُسْتَأْجِرِ خَطَّ الْأَجِيرِ وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِبَيَانِ دِقَّةِ الْخَطِّ وَغِلَظِهِ، وَالْأَوْجَهُ اعْتِبَارُهُ إنْ اخْتَلَفَ بِهِ غَرَضٌ وَإِلَّا فَلَا، وَيُبَيِّنُ فِي الرَّعْيِ الْمُدَّةَ وَجِنْسَ الْحَيَوَانِ وَنَوْعَهُ، وَيَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَى قَطِيعٍ مُعَيَّنٍ وَعَلَى قَطِيعٍ فِي الذِّمَّةِ، وَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْ فِيهِ الْعَدَدَ اكْتَفَى بِالْعُرْفِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَيُبَيِّنُ فِي الِاسْتِئْجَارِ لِضَرْبِ اللَّبَنِ إذَا قُدِّرَ بِالْعَمَلِ الْعَدَدَ وَالْقَالَبَ بِفَتْحِ اللَّامِ طُولًا وَعَرْضًا وَسَمْكًا إنْ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّبْيِينِ، فَإِنْ قُدِّرَ بِالزَّمَانِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِ الْعَدَدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعُمْرَانِيُّ وَغَيْرُهُ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ فَإِنْ قُدِّرَ بِالزَّمَانِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى بَيَانِ مَا ذُكِرَ: أَيْ جَمِيعُهُ فَلَا يُنَافِيهِ وُجُوبُ بَيَانِ صِفَتِهِ.

(وَإِذَا صَلَحَتْ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَضَمِّهَا (الْأَرْضُ لِبِنَاءٍ وَزِرَاعَةٍ وَغِرَاسٍ) أَوْ لِاثْنَيْنِ مِنْ ذَلِكَ (اُشْتُرِطَ) فِي صِحَّةِ إجَارَتِهَا (تَعْيِينُ) نَوْعِ (الْمَنْفَعَةِ) الْمُسْتَأْجَرِ لَهَا لِاخْتِلَافِ ضَرَرِهَا، فَلَوْ أُطْلِقَ لَمْ تَصِحَّ. أَمَّا إذَا لَمْ تَصْلُحْ إلَّا لِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ يَكْفِي الْإِطْلَاقُ فِيهَا كَأَرَاضِي الْأَحْكَارِ فَإِنَّهُ يَغْلِبُ فِيهَا الْبِنَاءُ وَبَعْضُ الْبَسَاتِينِ فَإِنَّهُ يَغْلِبُ فِيهَا الْغِرَاسُ (وَيَكْفِي تَعْيِينُ الزِّرَاعَةِ) بِأَنْ يَقُولَ لِلزِّرَاعَةِ أَوْ لِتَزْرَعَهَا (عَنْ ذِكْرِ مَا يَزْرَعُ وَالْأَصَحُّ) فَيَزْرَعُ مَا شَاءَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الْبِنَاءُ عَلَيْهِ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَيَنْقُصُ بِسَبَبِهِ أُجْرَتُهُ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ زَادَتْ أُجْرَةُ الْبِنَاءِ عَلَى مَا نَقَصَ مِنْ أُجْرَتِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ تَغْيِيرٌ لِلْوَقْفِ مَعَ إمْكَانِ بَقَائِهِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ جَازَ. وَاعْتَرَضَ السُّبْكِيُّ مَا قَالَهُ مِنْ الْجَوَازِ بِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَنْقُولِ لِقَوْلِهِمْ لَوْ انْقَلَعَ الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ لَمْ يُؤَجِّرْ الْأَرْضَ لِيَبْنِيَ فِيهَا غَيْرَ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ بَلْ يُنْتَفَعُ بِهَا بِزَرْعٍ أَوْ نَحْوِهِ إلَى أَنْ تُعَادَ لِمَا كَانَتْ عَلَيْهِ وَخِلَافُ الْمُدْرِكِ لِأَنَّ الْبَانِيَ قَدْ يَسْتَوْلِي عَلَيْهِ وَيَدَّعِي مِلْكَ السُّفْلِ وَيَعْجِزُ النَّاظِرُ عَنْ بَيِّنَةٍ تَدْفَعُهُ حَجّ. وَهُوَ شَامِلٌ لِمَا إذَا مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَنْقُصْ بِسَبَبِهِ الْأُجْرَةُ فَلْيُتَأَمَّلْ سم عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَقَدَّرَ الْقَطْعَ) أَيْ كَوْنُهُ فِي نِصْفِ الْفَرْخِ أَوْ كَامِلِهِ مَثَلًا (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ التَّقْدِيرُ فِيهَا بِالْمُدَّةِ) وَلَا بُدَّ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ حِينَئِذٍ مِنْ كَوْنِهَا إجَارَةَ عَيْنٍ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ التَّقْدِيرَ بِالزَّمَنِ لَا يَتَأَتَّى فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ ثُمَّ حَيْثُ صَحَّ الْعَقْدُ لَا تَدْخُلُ أَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ وَقَضَاءُ الْحَاجَةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ فِيهِ بِعَدَمِ الْفَسْخِ (قَوْلُهُ: فَقَوْلُ الشَّارِحِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْبِنَاءِ (قَوْلُهُ وَيُبَيِّنُ فِي الرَّعْيِ) أَيْ فِي الِاسْتِئْجَارِ لَهُ (قَوْلُهُ اكْتَفَى بِالْعُرْفِ) أَيْ حَيْثُ كَانَ ثَمَّ عُرْفٌ مُطَّرِدٌ فِي مَحَلِّ الْعَقْدِ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ عَدَدٍ (قَوْلُهُ فَإِنْ قَدَّرَ بِالزَّمَانِ إلَخْ) أَيْ وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ غَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَوْصَافِ.

(قَوْلُهُ: وَإِذَا صَلَحَتْ) أَيْ بِحَسَبِ الْعَادَةِ، وَإِلَّا فَغَالِبُ الْأَرَاضِيِ يَتَأَتَّى فِيهَا كُلٌّ مِنْ الثَّلَاثَةِ (قَوْلُهُ: نَوْعِ الْمَنْفَعَةِ) أَيْ فَلَوْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ فَيَنْبَغِي تَصْدِيقُ الْمَالِكِ (قَوْلُهُ: وَيَكْفِي تَعْيِينُ الزِّرَاعَةِ إلَخْ) .
[وَاقِعَةٌ] أَجَّرَ أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ فَعَطَّلَهَا الْمُسْتَأْجِرُ فَنَبَتَ فِيهَا عُشْبٌ فَلِمَنْ يَكُونُ؟ أَجَابَ شَيْخُنَا بِأَنَّهُ لِلْمَالِكِ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تُمَلَّكُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ وَتُمَلَّكُ الْمَنَافِعُ اهـ دَمِيرِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أَيْ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأُجْرَةَ الَّتِي وَقَعَ بِهَا الْعَقْدُ تَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهَا تَجِبُ بِقَبْضِ الْعَيْنِ. وَقِيَاسُ مَا أَجَابَ بِهِ أَنَّ مَا يَطْلُعُ فِي خِلَالِ الزَّرْعِ مِنْ غَيْرِ بَذْرِ الْمُسْتَأْجِرِ كَالْحَشِيشِ مَثَلًا يَكُونُ لِمَالِكِ الْأَرْضِ (قَوْلُهُ: فَيَزْرَعُ مَا شَاءَ) أَيْ مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ وَلَوْ مِنْ أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
أَنْ يُعَيِّنَ مَا يَخِيطَهُ، وَفَارَقَ مَا ذُكِرَ تَعْيِينَ الْحَفْرِ بِالزَّمَنِ إلَى آخِرِ مَا فِي الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعِمْرَانِيُّ) صَوَابُهُ الْفَارِقِيُّ كَمَا هُوَ كَذَلِكَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ الَّذِي نَقَلَ الشَّارِحُ عِبَارَتَهُ مَعَ الْمَتْنِ بِالْحَرْفِ (قَوْلُهُ: فَقَوْلُ الشَّارِحِ) يَعْنِي فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الزَّمَنِ أَثْبَتَهُ الشَّارِحُ فِيمَا مَرَّ كَالتُّحْفَةِ وَأَنَّ إسْقَاطَهُ مِنْ الْكَتَبَةِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَقَوْلُ

(5/285)


إذْ تَفَاوُتُ أَنْوَاعِ الزَّرْعِ قَلِيلٌ وَمِنْ ثَمَّ يُنَزَّلُ عَلَى أَقَلِّهَا ضَرَرًا وَأَجْرَيَا ذَلِكَ فِي لِتَغْرِسَ أَوْ لِتَبْنِيَ فَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ أَفْرَادِهِمَا فَيَغْرِسَ أَوْ يَبْنِيَ مَا شَاءَ، وَمَا اُعْتُرِضَ بِهِ مِنْ كَثْرَةِ التَّفَاوُتِ فِي أَنْوَاعِ هَذَيْنِ رُدَّ بِمَنْعِ ذَلِكَ، فَإِبْهَامُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِالزِّرَاعَةِ لَيْسَ مُرَادًا. وَالثَّانِي لَا يَكْفِي لِأَنَّ ضَرَرَ الزَّرْعِ مُخْتَلِفٌ. وَمَحَلُّ مَا تَقَرَّرَ فِيمَنْ أَجَّرَ عَنْ نَفْسِهِ، فَإِنْ فَعَلَ عَنْ غَيْرِهِ بِوِلَايَةٍ أَوْ نِيَابَةٍ لَمْ يَكْفِ الْإِطْلَاقُ لِوُجُوبِ الِاحْتِيَاطِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَوْ لَمْ تَصْلُحْ إلَّا لِلزِّرَاعَةِ وَغَصَبَهَا غَاصِبٌ فِي سِنِي جَدْبٍ فَالْأَقْرَبُ لُزُومُ أُجْرَةِ مِثْلِهَا مُدَّةَ اسْتِيلَائِهِ عَلَيْهَا لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا بِنَحْوِ رَبْطِ دَوَابَّ فِيهَا، وَلَا نَظَرَ إلَى أَنَّهُ لَا أُجْرَةَ لَهَا ذَلِكَ الْوَقْتَ وَيُلْحَقُ بِهِ فِيمَا يَظْهَرُ بُيُوتُ مِنًى فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْمَوْسِمِ لِأَنَّا لَا نَعْتَبِرُ فِي تَغْرِيمِ الْغَاصِبِ أَنْ يَكُونَ لِلْمَغْصُوبِ أُجْرَةٌ بِالْفِعْلِ بَلْ بِالْإِمْكَانِ فَحَيْثُ أَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَجَبَتْ أُجْرَتُهُ.

(وَلَوْ) (قَالَ) آجَرْتُكهَا (لِتَنْتَفِعَ بِهَا بِمَا شِئْت) صَحَّ وَيَفْعَلُ مَا شَاءَ لِرِضَاهُ بِهِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يُنْتَفَعَ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ فِي الْعَارِيَّةِ وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعَدَمُ الْإِضْرَارِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ، فَعَلَيْهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ إرَاحَةُ الْمَأْجُورِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ كَمَا فِي إرَاحَةِ الدَّابَّةِ، وَلَا أَثَرَ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ إتْعَابَ الدَّابَّةِ الْمُضِرُّ بِهَا حَرَامٌ حَتَّى عَلَى مَالِكِهَا، بِخِلَافِ الْأَرْضِ لِأَنَّ الْعَادَةَ مُحَكَّمَةٌ وَتَعْمِيمُ مَحْمُولٍ عَلَيْهَا لِلُحُوقِ الضَّرَرِ لِلْمَالِكِ بِمُخَالَفَتِهَا، وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ إلْحَاقِ الْآدَمِيِّ بِهِمَا فَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهُمَا لِيَنْتَفِعَ بِهِ الْمُؤَجِّرُ مَا شَاءَ.

(وَكَذَا) يَصِحُّ (لَوْ) (قَالَ) لَهُ إنْ شِئْت فَازْرَعْهَا وَإِنْ شِئْت فَاغْرِسْهَا (فِي الْأَصَحِّ) وَيُتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا فَيَصْنَعُ مَا شَاءَ مِنْ زَرْعٍ وَغَرْسٍ لِرِضَاهُ بِالْأَضَرِّ. وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ لِلْإِبْهَامِ، وَلَا بُدَّ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ أَخْذًا مِنْ تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ بِزِيَادَةِ مَا شِئْت بِأَنْ يَقُولَ إنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
ثُمَّ رَأَيْته فِي الزِّيَادِيِّ وَفِي كَلَامِهِ الْآتِي (قَوْلُهُ: فَيَغْرِسُ أَوْ يَبْنِي مَا شَاءَ) أَيْ وَلَوْ بِغَرْسِ الْبَعْضِ وَبِنَاءِ الْبَعْضِ.
(قَوْلُهُ: فِي سِنِي) بِسُكُونِ الْيَاءِ وَأَصْلُهُ فِي سِنِينَ حُذِفَتْ النُّونُ لِلْإِضَافَةِ فَمَنْ قَرَأَهَا بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ لَمْ يُصِبْ (قَوْلُهُ: جَدْبٍ) هُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْقَحْطُ (قَوْلُهُ: فَالْأَقْرَبُ لُزُومُ أُجْرَةِ مِثْلِهَا إلَخْ) لَعَلَّهُ لِلِانْتِفَاعِ الْمُمْكِنِ اهـ سم حَجّ. وَعَلَيْهِ فَلَوْ لَمْ يُمْكِنْ الِانْتِفَاعُ بِهَا إلَّا فِي الزِّرَاعَةِ لَمْ يَسْتَحِقَّ أُجْرَةً لِمُدَّةِ الْغَصْبِ

(قَوْلُهُ وَيَفْعَلُ مَا شَاءَ) شَامِلٌ لِنَحْوِ الْقَصَبِ وَالْأُرْزِ مَعَ شِدَّةِ ضَرَرِهِ بِالنِّسْبَةِ لِبَقِيَّةِ أَنْوَاعِ الزَّرْعِ، وَالْوَجْهُ أَنْ يَتَقَيَّدَ بِالْمُعْتَادِ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْأَرْضِ وَإِنْ عُمِّمَ فَقَالَ لِتَزْرَعْ مَا شِئْت م ر اهـ سم عَلَى حَجّ: أَيْ فَطَرِيقُهُ إذَا أَرَادَ زَرْعَ ذَلِكَ وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِزَرْعِهِ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ أَنْ يَنُصَّ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَرْضِ وَلَوْ نَادِرًا، وَلَا نَظَرَ لِخُصُوصِ الْمُسْتَأْجِرِ حَتَّى لَوْ كَانَ مِثْلُهُ لَا يَزْرَعُ إلَّا الْحِنْطَةَ مَثَلًا وَاعْتِيدَ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ أَنْ تُزْرَعَ مِنْ غَيْرِ مَا اعْتَادَهُ نَحْوُ الْمُسْتَأْجِرِ كَالسِّمْسِمِ وَالْقَصَبِ مَثَلًا جَازَ لَهُ فِعْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ عَادَتِهِ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ إلْحَاقِ الْآدَمِيِّ) أَيْ حُرًّا كَانَ أَوْ رَقِيقًا، وَلَوْ قِيلَ بِالصِّحَّةِ وَيُحْمَلُ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي اسْتِئْجَارِ مِثْلِهِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ.

(قَوْلُهُ: لِرِضَاهُ بِالْأَضَرِّ) يُتَّجَهُ أَنْ يَجُوزَ لَهُ زَرْعُ الْبَعْضِ وَغَرْسُ الْبَعْضِ لِأَنَّهُ أَخَفُّ قَطْعًا مِنْ غَرْسِ الْجَمِيعِ الْجَائِزِ لَهُ، وَغَايَةُ زَرْعِ الْبَعْضِ فَقَطْ أَنَّهُ عُدُولٌ عَنْ غَرْسِ ذَلِكَ الْبَعْضِ الْجَائِزِ إلَى مَا هُوَ أَخَفُّ مِنْهُ وَلَا وَجْهَ لِمَنْعِهِ، بَلْ لَوْ قَالَ لَهُ إنْ شِئْت فَاغْرِسْ وَإِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
الشَّارِحِ إلَى آخِرِهِ إنَّمَا يَنْتَظِمُ مَعَهُ

(قَوْلُهُ: أَوْ يَبْنِي مَا شَاءَ) أَيْ: مِنْ دَارٍ أَوْ حَمَّامٍ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَقَدْ مَرَّ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْمَوْضِعِ وَالطُّولِ وَالْعَرْضِ. (قَوْلُهُ: فَالْأَقْرَبُ لُزُومُ أُجْرَةِ مِثْلِهَا) قَالَ الشِّهَابُ ابْنُ قَاسِمٍ: لَعَلَّهُ الِانْتِفَاعُ الْمُمْكِنُ (قَوْلُهُ: وَيَلْحَقُ بِهِ فِيمَا يَظْهَرُ بُيُوتُ مِنًى) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْآلَةُ، وَإِلَّا فَأَرْضُهَا لَا تُمْلَكُ وَمَا يُبْنَى فِيهَا وَاجِبُ الْهَدْمِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ عَقِبَ مَا ذَكَرَ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قِيلَ فِي آلَاتِ مِنًى لَا أُجْرَةَ فِيهَا مُطْلَقًا لَمْ يَبْعُدْ؛ لِأَنَّ مَالِكَهَا مُتَعَدٍّ بِوَضْعِهَا فَلَمْ يُنَاسِبْ وُجُوبَ أُجْرَةِ مِثْلِهَا

(قَوْلُهُ: لِيَنْتَفِعَ بِهَا الْمُؤَجَّرُ) كَذَا فِي نُسَخِ الشَّارِحِ، وَحِينَئِذٍ فَتَتَعَيَّنُ قِرَاءَتُهُ

(5/286)


شِئْت فَازْرَعْ مَا شِئْت أَوْ اغْرِسْ مَا شِئْت، فَإِنْ لَمْ يَزِدْ مَا ذُكِرَ عَادَ الْخِلَافُ فِي وُجُوبِ تَعْيِينِ مَا يُزْرَعُ، وَلَوْ قَالَ وَآجَرْتُكهَا لِتَزْرَعَ أَوْ تَغْرِسَ أَوْ فَازْرَعْ وَاغْرِسْ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْقَدْرَ أَوْ لِتَزْرَعَ نِصْفًا وَتَغْرِسَ نِصْفًا وَلَمْ يَخُصَّ كُلَّ نِصْفٍ بِنَوْعٍ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ فِي الثَّلَاثَةِ لِلْإِبْهَامِ، وَصَرَّحَ بِالْأَخِيرَةِ الْقَفَّالُ.

(وَيُشْتَرَطُ فِي إجَارَةِ دَابَّةٍ لِرُكُوبٍ) عَيْنًا أَوْ ذِمَّةً (مَعْرِفَةُ الرَّاكِبِ بِمُشَاهَدَةٍ أَوْ وَصْفٍ تَامٍّ) لَهُ لِيَنْتَفِيَ الْغَرَرُ وَذَلِكَ بِنَحْوِ ضَخَامَةٍ أَوْ نَحَافَةٍ كَمَا فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ خِلَافًا لِلْجَلَالِ الْبُلْقِينِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ اعْتِبَارِ الْوَزْنِ إذْ وَزْنُهُ يُخِلُّ بِحِشْمَتِهِ، وَإِنَّمَا اعْتَبَرُوا فِي نَحْوِ الْمَحْمَلِ الْوَصْفَ مَعَ الْوَزْنِ، لِأَنَّهُ إذَا عُيِّنَ لَا يَتَغَيَّرُ وَالرَّاكِبُ قَدْ يَتَغَيَّرُ بِسِمَنٍ أَوْ هُزَالٍ فَلَمْ يُعْتَبَرْ جَمْعُهُمَا فِيهِ (وَقِيلَ لَا يَكْفِي الْوَصْفُ) وَتَتَعَيَّنُ الْمُشَاهَدَةُ لِخَبَرِ «لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ» وَلِمَا يَأْتِي مِنْ عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِوَصْفِ الرَّضِيعِ (وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا) مَعَهُ مِنْ زَامِلَةٍ وَنَحْوِهَا كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَلَا تُرَدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَإِنْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ وُرُودَهَا لِأَنَّ كَلَامَهُ الْآتِي فِي الْحَمْلِ يُفِيدُهُ، وَفِيمَا (يَرْكَبُ عَلَيْهِ مِنْ مَحْمَلٍ وَغَيْرِهِ) كَسَرْجٍ أَوْ إكَافٍ (إنْ) فَحُشَ تَفَاوُتُهُ وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عُرْفٌ مُطَّرِدٌ أَوْ (كَانَ) ذَلِكَ (لَهُ) أَيْ لِلْمُكْتَرِي أَيْ تَحْتَ يَدِهِ وَلَوْ بِعَارِيَّةٍ فَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهُ بِمُشَاهَدَتِهِ أَوْ وَصْفِهِ التَّامِّ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ لَهُ عَمَّا لَوْ كَانَ الرَّاكِبُ مُجَرَّدًا لَيْسَ لَهُ مَا يَرْكَبُ عَلَيْهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ مَا يَرْكَبُ عَلَيْهِ وَيَرْكَبُهُ الْمُؤَجِّرُ عَلَى مَا شَاءَ مِنْ نَحْوِ سَرْجٍ يَلِيقُ بِالدَّابَّةِ، فَإِنْ اطَّرَدَ عُرْفٌ لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِهِ وَيُحْمَلُ عَلَى الْمَعْهُودِ، وَبِهَذَا يُرَدُّ قَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ بِطَلَبِ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِمْ الْآتِي يُتَّبَعُ فِي السَّرْجِ الْعُرْفُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا بُدَّ فِي نَحْوِ الْمَحْمَلِ مِنْ وِطَاءٍ وَهُوَ مَا يُجْلَسُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
شِئْت فَابْنِ احْتَمَلَ جَوَازَ غَرْسِ الْبَعْضِ وَالْبِنَاءَ فِي الْبَعْضِ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِكُلٍّ مِنْ ضَرَرَيْ غَرْسِ الْجَمِيعِ وَبِنَائِهِ، وَضَرَرُ التَّبْعِيضِ إنْ لَمْ يَكُنْ أَقَلَّ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا مَا زَادَ عَلَيْهِ، وَيُحْتَمَلُ الْمَنْعُ م ر لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ رِضَاهُ بِمَحْضِ ضَرَرِ كُلٍّ رِضَاهُ بِالْمُلَفَّقِ مِنْهُمَا، إذْ قَدْ يَرْضَى بِمَحْضِ ضَرَرِ ظَاهِرِ الْأَرْضِ كَمَا فِي الْبِنَاءِ أَوْ بِمَحْضِ ضَرَرِ بَاطِنِهَا فِي الْغَرْسِ دُونَ الْمُتَبَعِّضِ مِنْهُمَا فَلْيُتَأَمَّلْ فَلَعَلَّ هَذَا أَوْجَهُ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: عَادَ الْخِلَافُ) وَالرَّاجِحُ مِنْهُ الصِّحَّةُ (قَوْلُهُ: أَوْ تَغْرِسَ) لَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ الصُّورَةِ وَصُورَةِ الْمَتْنِ أَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ جَعَلَ مَوْرِدَ الْإِجَارَةِ الْأَرْضَ غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ بِقَيْدٍ وَخَيَّرَهُ بَعْدَ تَمَامِ الصِّيغَةِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الشَّارِحِ فَإِنَّهُ جَعَلَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الزَّرْعِ وَالْغِرَاسِ مَوْرِدًا لِلْإِجَارَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ شَيْخُنَا مِنْ لَفْظِهِ. وَعِبَارَةُ حَجّ: لِتَزْرَعَ وَتَغْرِسَ، وَالْبُطْلَانُ عَلَيْهَا ظَاهِرٌ لِعَدَمِ بَيَانِ مِقْدَارِ مَا يُزْرَعُ وَمَا يُغْرَسُ اهـ.
وَقَدْ يُؤْخَذُ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا مِنْ الْفَرْقِ مِنْ قَوْلِ سم عَلَى حَجّ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ مَا نَصُّهُ: وَلَا يَصِحُّ لِتَزْرَعَ أَوْ تَغْرِسَ لِلْإِبْهَامِ لِأَنَّهُ جَعَلَ لَهُ أَحَدَهُمَا لَا بِعَيْنِهِ حَتَّى لَوْ قَالَ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَفْعَلُ أَيَّهُمَا شَاءَ صَحَّ كَمَا نَقَلَهُ عَنْ التَّقْرِيبِ اهـ. وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ جَعَلَ لَهُ أَحَدَهُمَا لَا بِعَيْنِهِ مَعَ قَوْلِهِ حَتَّى إلَخْ يُعْلَمُ مِنْهُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبُطْلَانِ فِي لِتَزْرَعَ أَوْ تَغْرِسَ وَالصِّحَّةِ فِي إنْ شِئْت فَازْرَعْ وَإِنْ شِئْت فَاغْرِسْ (قَوْلُهُ: أَوْ لِتَزْرَعَ نِصْفًا) أَيْ أَوْ تَزْرَعَ نِصْفًا وَتَبْنِيَ نِصْفًا أَوْ تَغْرِسَ نِصْفًا وَتَبْنِيَ نِصْفًا اهـ (قَوْلُهُ: بِنَوْعٍ) وَمِثْلُهُ لِتَزْرَعَ أَوْ تَبْنِيَ أَوْ تَغْرِسَ أَوْ تَبْنِيَ (قَوْلُهُ: لِلْإِبْهَامِ) أَيْ أَوْ فَازْرَعْ وَابْنِ أَوْ اغْرِسْ وَابْنِ.

(قَوْلُهُ فَلَمْ يُعْتَبَرْ جَمْعُهُمَا) أَيْ الْوَصْفُ مَعَ الْوَزْنِ (قَوْلُهُ: لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ) وَفِي رِوَايَةٍ كَالْعِيَانِ (قَوْلُهُ: يَلِيقُ بِالدَّابَّةِ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَلِقْ بِالرَّاكِبِ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ عَدَمَ تَعْيِينِهِ مَا يُرْكَبُ عَلَيْهِ رِضًا مِنْهُ بِمَا يَصْلُحُ بِالدَّابَّةِ وَإِنْ لَمْ يَلِقْ بِهِ. وَقَدْ يُقَالُ لَا بُدَّ مِنْ لِيَاقَتِه بِكُلٍّ مِنْ الرَّاكِبِ وَالدَّابَّةِ فَلَوْ لَاقَ بِالدَّابَّةِ أَنْوَاعٌ يَرْكَبُ عَلَى كُلٍّ اُعْتُبِرَ مِنْهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
بِفَتْحِ الْجِيمِ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ أَيْ: الْمُؤَجَّرِ لَهُ

(قَوْلُهُ: فَإِنْ اطَّرَدَ عُرْفٌ لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِهِ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: مَا لَوْ اطَّرَدَ عُرْفٌ بِمَا يَرْكَبُ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِلرَّاكِبِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَتِهِ، وَيُحْمَلُ فِي الْأَوَّلِ عَلَى الْعُرْفِ

(5/287)


عَلَيْهِ وَكَذَا غِطَاءٌ لَهُ إنْ شُرِطَ فِي الْعَقْدِ وَيُعْرَفُ أَحَدُهُمَا بِأَحَدِ ذَيْنِك مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ عُرْفٌ مُطَّرِدٌ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ الْإِطْلَاقُ.

(وَلَوْ) (شُرِطَ) فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ (حَمْلُ الْمَعَالِيقِ) جَمْعُ مُعْلُوقٍ بِضَمِّ الْمِيمِ وَقِيلَ مِعْلَاقٌ: وَهُوَ مَا يُعَلَّقُ عَلَى الْبَعِيرِ كَسُفْرَةٍ وَقِدْرٍ وَقَصْعَةٍ فَارِغَةٍ أَوْ فِيهَا مَاءٌ أَوْ زَادٍ وَصَحْنٍ وَإِبْرِيقٍ وَإِدَاوَةٍ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَمِضْرَبَةٍ وَمِخَدَّةٍ (مُطْلَقًا) عَنْ الرُّؤْيَةِ مَعَ الِامْتِحَانِ بِالْيَدِ وَعَنْ الْوَصْفِ مَعَ الْوَزْنِ (فَسَدَ الْعَقْدُ فِي الْأَصَحِّ) لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِيهَا قِلَّةً وَكَثْرَةً وَلَا يُشْتَرَطُ تَقْدِيرُ مَا يَأْكُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ. وَالثَّانِي يَصِحُّ وَيُحْمَلُ عَلَى الْوَسَطِ الْمُعْتَادِ (وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْهُ) أَيْ حَمْلَ الْمَعَالِيقِ (لَمْ يُسْتَحَقَّ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (حَمْلُهَا فِي الْأَصَحِّ) وَلَا حَمْلُ بَعْضِهَا لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِيهِ، وَقِيلَ يُسْتَحَقُّ لِأَنَّ الْعَادَةَ تَقْتَضِيهِ وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ خَفِيفَةً كَإِدَاوَةٍ اُعْتِيدَ حَمْلُهَا كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ أَوْ لَا لِمَا مَرَّ.

(وَيُشْتَرَطُ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ) لِدَابَّةٍ لِرُكُوبٍ أَوْ حَمْلٍ (تَعْيِينُ الدَّابَّةِ) أَيْ عَدَمُ إبْهَامِهَا فَلَا يَكْفِي تَعْيِينُ أَحَدِ هَذَيْنِ وَلَا يُقْدَحُ فِي ذِكْرِ هَذَا الْعِلْمُ بِهِ مِمَّا مَرَّ إذْ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ التَّصْرِيحَ بِهِ (وَفِي اشْتِرَاطِ رُؤْيَتِهَا الْخِلَافُ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ) وَالْأَظْهَرُ الِاشْتِرَاطُ، وَيُشْتَرَطُ قُدْرَتُهَا عَلَى مَا اُسْتُؤْجِرَتْ لِحَمْلِهِ، بِخِلَافِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ لِأَنَّ الْمُشَاهَدَةَ كَافِيَةٌ.

(وَ) يُشْتَرَطُ (فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ) لِلرُّكُوبِ (ذِكْرُ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالذُّكُورَةِ أَوْ الْأُنُوثَةِ) كَبَعِيرٍ بُخْتِيٍّ ذَكَرٍ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِذَلِكَ، إذْ الذَّكَرُ فِي الْأَخِيرَةِ أَقْوَى وَالْأُنْثَى أَسْهَلُ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا ذِكْرُ كَيْفِيَّةِ سَيْرِهَا كَكَوْنِهَا بَحْرًا أَوْ قَطُوفًا (وَيُشْتَرَطُ فِيهِمَا) أَيْ فِي كُلٍّ مِنْ إجَارَةِ الذِّمَّةِ وَالْعَيْنِ لِلرُّكُوبِ (بَيَانُ قَدْرِ السَّيْرِ كُلَّ يَوْمٍ) وَكَوْنُهُ نَهَارًا أَوْ لَيْلًا وَالنُّزُولُ فِي عَامِرٍ أَوْ صَحْرَاءَ لِتَفَاوُتِ الْأَغْرَاضِ بِذَلِكَ، وَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا مُجَاوَزَةَ الْمَحَلِّ الْمَشْرُوطِ أَوْ نَقْصًا مِنْهُ لِخَوْفٍ غَالِبٍ عَلَى الظَّنِّ لُحُوقُ ضَرَرٍ مِنْهُ جَازَ دُونَ غَيْرِهِ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِبَلَدٍ وَيَعُودُ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ لَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ مُدَّةَ إقَامَتِهَا لِخَوْفٍ (إلَّا أَنْ يَكُونَ بِالطَّرِيقِ مَنَازِلُ مَضْبُوطَةٌ) بِالْعَادَةِ (فَيُنَزَّلُ) قَدْرُ السَّيْرِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (عَلَيْهَا)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
مَا يَلِيقُ بِالرَّاكِبِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: بِأَحَدِ ذَيْنِك) أَيْ الْوَصْفِ أَوْ الرُّؤْيَةِ اهـ.

(قَوْلُهُ: مُعْلُوقٍ بِضَمِّ الْمِيمِ) أَيْ مَعَ اللَّامِ زِيَادِيٌّ (قَوْلُهُ: تَقْدِيرُ مَا يَأْكُلُهُ) أَيْ فَيَأْكُلُ عَلَى الْعَادَةِ لِمِثْلِهِ. وَبَقِيَ مَا لَوْ اتَّفَقَ لَهُ عَدَمُ الْأَكْلِ مِنْهُ لِضِيَافَةٍ أَوْ تَشْوِيشٍ مَثَلًا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُجْبَرَ عَلَى التَّصَرُّفِ فِيمَا كَانَ يَأْكُلُهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَّفِقُ كَثِيرًا. نَعَمْ لَوْ ظَهَرَ مِنْهُ قَصْدُ ذَلِكَ كَأَنْ اشْتَرَى مِنْ السُّوقِ مَا أَكَلَهُ وَقَصَدَ ادِّخَارَ مَا مَعَهُ مِنْ الزَّادِ لِيَبِيعَهُ إذَا ارْتَفَعَ سِعْرُهُ كُلِّفَ نَقْصَ مَا كَانَ يَأْكُلُهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ عَادَةً، فَلَوْ امْتَنَعَ لَزِمَهُ أُجْرَةُ مِثْلِ حَمْلِهِ بَقِيَّةَ الطَّرِيقِ، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالطَّعَامُ الْمَحْمُولُ لِيُؤْكَلَ إلَخْ مَا لَهُ تَعَلُّقٌ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ) وَيَجُوزُ بِنَاؤُهُ لِلْفَاعِلِ بِعَوْدِ الضَّمِيرِ لِلْمُؤَجِّرِ بَلْ هُوَ أَنْسَبُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْهُ انْتَهَى

(قَوْلُهُ كَكَوْنِهَا بَحْرًا) أَيْ وَاسِعَةَ الْخُطْوَةِ وَهُوَ بِالتَّنْوِينِ، فَفِي الْمُخْتَارِ وَيُسَمَّى الْفَرَسُ الْوَاسِعُ الْجَرْيِ بَحْرًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَنْدُوبٍ فَرَسِ أَبِي طَلْحَةَ " إنْ وَجَدْنَاهُ بَحْرًا " انْتَهَى بِحُرُوفِهِ: أَيْ إنَّا وَجَدْنَاهُ بَحْرًا، فَإِنْ مُخَفَّفَةٌ مِنْ الثَّقِيلَةِ انْتَهَى. ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّ مَا ذُكِرَ يُوصَفُ بِهِ الْإِبِلُ وَالْخَيْلُ وَغَيْرُهُمَا، وَفِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ مَا نَصُّهُ: وَقَضِيَّةُ سِيَاقِهِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ فِي الْإِبِلِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ، لَكِنَّ الْمَاوَرْدِيَّ وَالرُّويَانِيَّ وَصَاحِبَ الْمُهَذَّبِ خَصُّوهُ بِالْخَيْلِ. وَلَا شَكَّ فِي إلْحَاقِ الْبَغْلِ بِهِ وَلَا يُوصَفُ بِذَلِكَ غَيْرُهُمَا اهـ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: جَازَ) أَيْ وَمَعَ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ مِثْلِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْقَدْرِ الزَّائِدِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ مَا نَقَصَ مِنْ الْمَسَافَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
وَيَرْكَبُ الْمُؤَجَّرُ فِي الثَّانِيَةِ عَلَى مَا يَلِيقُ بِالدَّابَّةِ كَمَا يَأْتِي اهـ.

(قَوْلُهُ: بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَيِّنٍ

(قَوْلُهُ: فَلَا يَكْفِي تَعْيِينُ أَحَدِ هَذَيْنِ) الصَّوَابُ حَذْفُ لَفْظِ تَعْيِينُ

(قَوْلُهُ: إذْ الذَّكَرُ فِي الْأَخِيرَةِ إلَخْ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَوَجْهُهُ

(5/288)


فَإِنْ لَمْ يَنْضَبِطْ اُشْتُرِطَ بَيَانُ الْمَنَازِلِ أَوْ التَّقْدِيرِ بِالزَّمَنِ وَحْدَهُ، وَمَحَلُّهُ عِنْدَ أَمْنِ الطَّرِيقِ وَإِلَّا امْتَنَعَ التَّقْدِيرُ بِالسَّيْرِ بِهِ لِعَدَمِ تَعَلُّقِهِ بِالِاخْتِيَارِ، كَذَا قَالَهُ جَمْعٌ، قَالَ: وَمُقْتَضَاهُ امْتِنَاعُ التَّقْدِيرِ بِالزَّمَانِ أَيْضًا، وَحِينَئِذٍ يَتَعَذَّرُ الِاسْتِئْجَارُ فِي طَرِيقِ مَخُوفَةٍ لَا مَنَازِلَ بِهَا مَضْبُوطَةٌ انْتَهَى. وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّامِلِ كَمَا أَفَادَهُ الْأَذْرَعِيُّ صِحَّةُ تَقْدِيرِهِ مِنْ بَلَدِ كَذَا إلَى بَلَدِ كَذَا لِلضَّرُورَةِ.

(وَيَجِبُ فِي الْإِجَارَةِ لِلْحَمْلِ) عَيْنًا أَوْ ذِمَّةً (أَنْ يُعْرَفَ الْمَحْمُولُ) لِاخْتِلَافِ تَأْثِيرِهِ وَضَرَرِهِ (فَإِنْ حَضَرَ رَآهُ) إنْ ظَهَرَ (وَامْتَحَنَهُ بِيَدِهِ إنْ) لَمْ يَظْهَرْ كَأَنْ كَانَ فِي ظُلْمَةٍ أَوْ (كَانَ فِي ظَرْفٍ) وَأَمْكَنَ تَخْمِينًا لِوَزْنِهِ (وَإِنْ غَابَ قُدِّرَ بِكَيْلٍ) إنْ كَانَ مَكِيلًا (أَوْ وَزْنٍ) إنْ كَانَ مَوْزُونًا لِأَنَّ ذَلِكَ طَرِيقٌ لِمَعْرِفَتِهِ، وَالْوَزْنُ فِي كُلِّ شَيْءٍ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَحْصَرُ وَأَضْبَطُ (وَ) أَنْ يُعْرَفَ (جِنْسُهُ) أَيْ الْمَحْمُولِ الْمَكِيلِ لِاخْتِلَافِ تَأْثِيرِهِ فِي الدَّابَّةِ وَإِنْ اتَّحَدَ كَيْلُهُ كَمَا فِي الْمِلْحِ وَالذُّرَةِ، أَمَّا الْمَوْزُونُ كَآجَرْتُكَهَا لِتَحْمِلَ عَلَيْهَا مِائَةَ رِطْلٍ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ مِمَّا شِئْت كَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ قَطْعِ الْأَصْحَابِ فَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ جِنْسِهِ لِأَنَّهُ رِضًا مِنْهُ بِأَضَرِّ الْأَجْنَاسِ. بِخِلَافِ عَشَرَةِ أَقْفِزَةٍ مِمَّا شِئْت فَإِنَّهُ لَا يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ الْجِنْسِ لِكَثْرَةِ الِاخْتِلَافِ مَعَ الِاتِّحَادِ فِي الْكَيْلِ، وَأَيْنَ ثِقَلُ الْمِلْحِ مِنْ ثِقَلِ الذُّرَةِ وَقِلَّتُهُ مَعَ اتِّحَادِ الْوَزْنِ، وَلَا يَصِحُّ لِتَحْمِلَ عَلَيْهَا مَا شِئْت، بِخِلَافِ لِتَزْرَعَهَا مَا شِئْت إذْ الْأَرْضُ تَحْمِلُ كُلَّ شَيْءٍ وَمَتَى قُدِّرَ بِوَزْنٍ لِلْمَحْمُولِ كَمِائَةِ رِطْلِ حِنْطَةٍ أَوْ كَيْلٍ لَمْ يَدْخُلْ الظَّرْفَ فَتُشْتَرَطُ رُؤْيَتُهَا كَحِبَالِهِ أَوْ وَصْفُهُمَا مَا لَمْ يَطَّرِدْ الْعُرْفُ ثُمَّ بِغَرَائِرَ مُتَمَاثِلَةٍ: أَيْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
إنْ قُدِّرَ بِالزَّمَنِ، وَيُحَطُّ عَنْهُ أُجْرَةُ مَا نَقَصَ إنْ قُدِّرَ بِمَحَلِّ الْعَمَلِ (قَوْلُهُ: بِهِ) أَيْ بِقَدْرِ السَّيْرِ كُلَّ يَوْمٍ كَفَرْسَخٍ أَوْ مِيلٍ (قَوْلُهُ: كَمَا أَفَادَهُ الْأَذْرَعِيُّ) هُوَ مُقَابِلٌ لِمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ مِنْ الْبُطْلَانِ مُطْلَقًا وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَكْفِي التَّقْدِيرُ فِي زَمَنِ الْخَوْفِ بِالْإِجَارَةِ إلَى بَلَدِ كَذَا طَالَ زَمَنُ السَّيْرِ لَهُ لِكَثْرَةِ الْخَوْفِ أَوْ قَلَّ (قَوْلُهُ: صِحَّةُ تَقْدِيرِهِ) مُعْتَمَدٌ.

(قَوْلُهُ: إنْ كَانَ مَوْزُونًا) أَيْ أَوْ مَكِيلًا حَجّ (قَوْلُهُ: لَمْ يَدْخُلْ الظَّرْفَ) نَقَلَ سم عَلَى مَنْهَجٍ عَنْ الرَّوْضِ وَغَيْرِهِ دُخُولَهُ فِيمَا لَوْ قُدِّرَ بِالْوَزْنِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا قَالَ مِائَةُ رِطْلٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ فَيُخَالِفُ مَا هُنَا مِنْ قَوْلِهِ مِائَةُ رِطْلِ حِنْطَةٍ.
[فَرْعٌ] لَوْ أَجَّرَ دَابَّةً لِرُكُوبِ شَخْصٍ فَهَزَلَ عَمَّا كَانَ هَلْ لَهُ خِيَارٌ أَوْ رُجُوعٌ عَلَى الْمُؤَجِّرِ يُقَسِّطُ مَا نَقَصَ أَوْ حَمْلُ شَيْءٍ آخَرَ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ؟ قَالَ م ر: يَنْبَغِي تَخْيِيرُ الْمُؤَجِّرِ كَمَا خَيَّرُوا مَنْ آجَرَ دَابَّةً لِحَمْلِ حَبٍّ فَتَنَدَّى وَثَقُلَ انْتَهَى سم عَلَى مَنْهَجٍ. وَقَوْلُهُ تَخْيِيرُ الْمُؤَجِّرِ لَعَلَّهُ الْمُسْتَأْجِرُ وَفِي عَكْسِهِ يُخَيَّرُ، ثُمَّ رَأَيْت فِي نُسْخَةٍ قَالَ م ر: يَنْبَغِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَلَوْ أَجَّرَهَا لِهَزِيلٍ فَسَمِنَ وَثَقُلَ قَالَ م ر: يَنْبَغِي تَخْيِيرُ الْمُؤَجِّرِ إلَخْ، وَعَلَيْهِ فَانْظُرْ الْفَرْقَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
فِي الْأَخِيرَةِ أَنَّ الذَّكَرَ أَقْوَى إلَخْ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا امْتَنَعَ التَّقْدِيرُ بِالسَّيْرِ بِهِ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ تَقْدِيرُ السَّيْرِ فِيهِ انْتَهَتْ. وَانْظُرْ مَا مَرْجِعُ الضَّمِيرِ فِي الْعِبَارَتَيْنِ وَعِبَارَةِ الْقُوتِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: إنْ كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا لَمْ يَجُزْ تَقْدِيرُ السَّيْرِ فِيهِ انْتَهَتْ. فَمَرْجِعُ الضَّمِيرِ فِيهَا الطَّرِيقُ

(قَوْلُهُ: وَقِلَّتِهِ) عُطِفَ عَلَى كَثْرَةٍ مِنْ قَوْلِهِ لِكَثْرَةِ الِاخْتِلَافِ وَمَا بَيْنَهُمَا مُعْتَرِضٌ (قَوْلُهُ: فَتُشْتَرَطُ رُؤْيَتُهُ كَحِبَالِهِ إلَخْ) اسْتَشْكَلَهُ الشِّهَابُ ابْنُ قَاسِمٍ بِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ ظَرْفَ الْمَحْمُولِ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ عَلَى الْمُؤَجَّرِ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ رُؤْيَتِهِ لَهُ أَوْ وَصْفِهِ، وَأَجَابَ عَنْهُ بِاحْتِمَالِ فَرْضِ هَذَا فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ، أَوْ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ اشْتَرَطَ هَذَا مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ: وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا سَيَأْتِي مِنْ إدْخَالِ الظَّرْفِ فِي الْحِسَابِ؛ إذْ سَيَأْتِي أَنَّهُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ، وَأَجَابَ عَنْ هَذَا أَيْضًا بِأَنَّهُ قَدْ يُقَالُ إنَّهُ حَيْثُ أَدْخَلَهُ فِي الْحِسَابِ دَلَّ عَلَى إرَادَتِهِ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ وَهَذَا أَقْرَبُ.

(5/289)


قَرِيبَةِ التَّمَاثُلِ عُرْفًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَيَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ فِيمَا لَوْ أَدْخَلَ الظَّرْفَ فِي الْحِسَابِ، فَفِي مِائَةٍ بِظَرْفِهَا يُعْتَبَرُ ذِكْرُ جِنْسِ الظَّرْفِ أَوْ يَقُولُ مِائَةٌ مِمَّا شِئْت، وَفِي مِائَةِ قَدَحِ بُنٍّ بِظَرْفِهَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ عُرْفًا كَمَا ذُكِرَ، أَمَّا لَوْ قَالَ مِائَةُ رِطْلٍ فَالظَّرْفُ مِنْهَا (لَا جِنْسُ الدَّابَّةِ وَ) لَا (صِفَتُهَا) فَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهُمَا فِي الْإِجَارَةِ لِلْحَمْلِ (إنْ كَانَتْ إجَارَةَ ذِمَّةٍ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مُجَرَّدُ نَقْلِ الْمَتَاعِ الْمُلْتَزَمِ فِي الذِّمَّةِ وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الدَّوَابِّ (إلَّا أَنْ يَكُونَ) فِي الطَّرِيقِ نَحْوُ وَحْلٍ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ أَوْ يَكُونُ (الْمَحْمُولُ) الَّذِي شُرِطَ فِي الْعَقْدِ (زُجَاجًا) بِتَثْلِيثِ أَوَّلِهِ (وَنَحْوَهُ) مِمَّا يَسْرُعُ انْكِسَارُهُ كَالْخَزَفِ فَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ جِنْسِ الدَّابَّةِ وَصِفَتُهَا كَمَا فِي الْإِجَارَةِ لِلرُّكُوبِ مُطْلَقًا لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِاخْتِلَافِهَا فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَشْتَرِطُوا فِي الْمَحْمُولِ التَّعَرُّضَ لِسَيْرِ الدَّابَّةِ مَعَ اخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِهِ سُرْعَةً وَإِبْطَاءً عَنْ الْقَافِلَةِ لِأَنَّ الْمَنَازِلَ تَجْمَعُهُمْ وَالْعَادَةُ تُبَيِّنُ وَالضَّعْفُ فِي الدَّابَّةِ عَيْبٌ، وَبَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ وُجُوبَ تَعْيِينِهَا فِي التَّقْدِيرِ بِالزَّمَنِ لِاخْتِلَافِ السَّيْرِ بِاخْتِلَافِ الدَّوَابِّ.

(فَصْلٌ) فِي مَنَافِعَ يَمْتَنِعُ الِاسْتِئْجَارُ لَهَا، وَمَنَافِعَ يَخْفَى الْجَوَازُ فِيهَا وَمَا يُعْتَبَرُ فِيهَا.
(لَا تَصِحُّ إجَارَةُ مُسْلِمٍ لِجِهَادٍ) وَلَوْ صَبِيًّا وَعَبْدًا وَإِنْ قَصَدَ إقَامَةَ هَذَا الشِّعَارِ وَصَرَفَ عَائِدَتَهُ لِلْإِسْلَامِ فِيمَا يَظْهَرُ لِتَعَيُّنِهِ عَلَيْهِ بِحُضُورِ الصَّفِّ مَعَ وُقُوعِهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَبِهِ فَارَقَ حِلَّ أَخْذِهِ الْأُجْرَةِ عَلَى نَحْوِ تَعْلِيمٍ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ، وَأَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ بِإِلْحَاقِ الْمُرَابِطَةِ عِوَضًا عَنْ الْجُنْدِيِّ بِالْجِهَادِ فِي عَدَمِ صِحَّةِ الِاسْتِئْجَارِ لَهَا، أَمَّا الذِّمِّيُّ فَتَصِحُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
بَيْنَ الصُّورَةِ الْأُولَى وَالصُّورَةِ الثَّانِيَةِ (قَوْلُهُ: لَوْ أَدْخَلَ الظَّرْفَ) أَيْ الظَّرْفَ وَحِبَالَهُ (قَوْلُهُ الْمُلْتَزَمِ فِي الذِّمَّةِ) مِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِنَقْلِ أَحْمَالٍ فِي الْبَحْرِ مِنْ السُّوَيْسِ إلَى جُدَّةَ مَثَلًا لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ السَّفِينَةِ الَّتِي يُحْمَلُ فِيهَا لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنَّهُ يَحْمِلُهُ فِي سَفِينَةٍ تَلِيقُ عُرْفًا بِحَمْلِ مِثْلِ ذَلِكَ انْتَهَى (قَوْلُهُ: عَيْبٌ) أَيْ فَيُتَخَيَّرُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ.

(فَصْلٌ) فِي مَنَافِعَ يَمْتَنِعُ الِاسْتِئْجَارُ لَهَا وَمَنَافِعَ يَخْفَى الْجَوَازُ فِيهَا (قَوْلُهُ: إجَارَةُ مُسْلِمٍ) شَامِلٌ لِلْعَيْنِ وَالذِّمَّةِ، وَقَوْلُهُ مُسْلِمٍ يَنْبَغِي أَوْ مُرْتَدٍّ وَالْمُسْلِمُ شَامِلٌ لِلْإِمَامِ، فَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ الْآحَادُ لِلْجِهَادِ لَمْ يَصِحَّ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ إجَارَةَ ذِمَّةٍ، وَإِنْ أَمْكَنَ إبْدَالُ نَفْسِهِ بِاسْتِئْجَارِ ذِمِّيٍّ لِأَنَّهُ فَرَّعَهُ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: لِلْإِسْلَامِ) أَيْ فَائِدَتُهُ (قَوْلُهُ: لِتَعَيُّنِهِ عَلَيْهِ) أَيْ حَقِيقَةً بِأَنْ كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا أَوْ حُكْمًا بِأَنْ كَانَ صَبِيًّا، فَإِنَّا لَوْ قُلْنَا بِالصِّحَّةِ كَانَ عَلَى وَلِيِّهِ مَنْعُهُ مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ الصَّفِّ (قَوْلُهُ: عَنْ الْجُنْدِيِّ) وَمِثْلُهُ غَيْرُهُ بِالْأَوْلَى وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِهِ لِكَوْنِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
[فَصْلٌ فِي مَنَافِعَ يَمْتَنِعُ الِاسْتِئْجَارُ لَهَا]
فَصْلٌ) فِي مَنَافِعَ لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ لَهَا.
(قَوْلُهُ: وَصَرْفُ عَائِدَتِهِ لِلْإِسْلَامِ) أَيْ: خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِالصِّحَّةِ حِينَئِذٍ (قَوْلُهُ: وَبِهِ فَارَقَ حِلَّ أَخْذِهِ الْأُجْرَةَ عَلَى نَحْوِ تَعْلِيمٍ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ) قَالَ الشِّهَابُ ابْنُ قَاسِمٍ: يُتَأَمَّلُ الْفَرْقُ فَإِنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِوُقُوعِهِ عَنْ نَفْسِهِ خُرُوجُهُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِكَوْنِهِ أَدَّى مَا لَزِمَهُ فَالتَّعْلِيمُ الْمَذْكُورُ كَذَلِكَ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّ فَائِدَةَ الْجِهَادِ تَقَعُ لَهُ وَتَعُودُ إلَيْهِ فَقَدْ يُمْنَعُ بِأَنَّهَا إنَّمَا تَعُودُ عَلَى الْإِسْلَامِ أَوْ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ هُوَ أَحَدُهُمَا، كَمَا أَنَّ فَائِدَةَ التَّعْلِيمِ لَا تَعُودُ عَلَى الْمُعَلِّمِ بَلْ لِلْمُتَعَلِّمِ، قَالَ: إلَّا أَنْ يُقَالَ يَكْفِي عَوْدُ الْفَائِدَةِ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ تَخُصَّهُ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ.
أَقُولُ: وَالْفَرْقُ حَاصِلٌ أَيْضًا بِقَوْلِهِ لِتَعَيُّنِهِ عَلَيْهِ بِحُضُورِ الصَّفِّ إذْ مَعْنَى تَعْيِينِهِ عَلَيْهِ الَّذِي امْتَازَ بِهِ عَنْ الْمُعَلِّمِ أَنَّهُ إذَا حَضَرَ الصَّفَّ كَانَ التَّعَيُّنُ عَلَيْهِ عَيْنِيًّا لِذَاتِهِ بِحَيْثُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِفِعْلِ الْغَيْرِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ الْكِفَايَةُ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ التَّعْلِيمِ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: أَمَّا الذِّمِّيُّ فَتَصِحُّ إلَخْ) أَيْ: وَيُغْتَفَرُ الْجَهْلُ بِالْعَمَلِ

(5/290)


لَكِنْ لِلْإِمَامِ فَقَطْ اسْتِئْجَارُهُ لِلْجِهَادِ كَمَا يَأْتِي فِي بَابِهِ (وَلَا) لِفِعْلِ (عِبَادَةٍ يَجِبُ لَهَا) أَيْ فِيهَا (نِيَّةٌ) لَهَا أَوْ لِمُتَعَلِّقِهَا بِحَيْثُ يَتَوَقَّفُ أَصْلُ حُصُولِهَا عَلَيْهَا، فَمُرَادُهُ بِالْوُجُوبِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّ الْقَصْدَ امْتِحَانُ الْمُكَلَّفِ بِهَا بِكَسْرِ نَفْسِهِ بِالِامْتِثَالِ وَغَيْرُهُ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ فِيهِ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجِيرُ شَيْئًا وَإِنْ عَمِلَ طَامِعًا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ كُلُّ مَا لَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ لَهُ لَا أُجْرَةَ لِفَاعِلِهِ وَإِنْ عَمِلَ طَامِعًا وَأَلْحَقُوا بِتِلْكَ الْإِمَامَةَ وَلَوْ لِنَفْلٍ لِأَنَّهُ مُصَلٍّ لِنَفْسِهِ، فَمَنْ أَرَادَ اقْتَدَى بِهِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ وَتَوَقُّفُ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ عَلَى نِيَّتِهَا فَائِدَةٌ تَخْتَصُّ بِهِ، وَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ جَعْلِ جَامَكِيَّةٍ عَلَى ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْإِرْزَاقِ وَالْإِحْسَانِ وَالْمُسَامَحَةِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّهَا مِنْ بَابِ الْمُعَاوَضَةِ، أَمَّا مَا لَا تَجِبُ لَهُ نِيَّةٌ كَالْأَذَانِ فَيَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ، وَالْأُجْرَةُ مُقَابِلَةٌ لِجَمِيعِهِ لَا عَلَى رِعَايَةِ الْوَقْتِ أَوْ رَفْعِ الصَّوْتِ أَوْ الْحَيْعَلَتَيْنِ، وَشَمِلَ كَلَامُهُ زِيَارَةَ قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، فَزِيَارَةُ قَبْرِ غَيْرِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الْمَسْئُولَ عَلَيْهِ فِي الِاسْتِفْتَاءِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ لِلْإِمَامِ فَقَطْ) ظَاهِرُهُ امْتِنَاعُ ذَلِكَ مِنْ الْقَاضِي، وَنَحْوُهُ أَيْضًا سم عَلَى حَجّ قَالَ شَيْخُنَا: وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَجُوزُ لَهُ إلَّا فِعْلُ مَا فَوَّضَهُ لَهُ الْإِمَامُ انْتَهَى (قَوْلُهُ: أَوْ لِمُتَعَلَّقِهَا) أَيْ كَالْإِمَامَةِ فَإِنَّ مُتَعَلَّقَهَا الصَّلَاةُ، ثُمَّ رَأَيْت سم عَلَى مَنْهَجٍ صَرَّحَ بِمَا ذَكَرَهُ (قَوْلُهُ: كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ كُلُّ مَا لَا يَصِحُّ) كَانَ الْمُرَادُ لَا يَقْبَلُ الصِّحَّةَ وَإِلَّا فَالْإِجَارَةُ الْفَاسِدَةُ يَجِبُ فِيهَا الْأُجْرَةُ اهـ سم عَلَى حَجّ: أَيْ مَعَ أَنَّهَا بِصِفَةِ الْفَسَادِ لَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا وَمَعَ ذَلِكَ يَجِبُ فِيهَا الْأُجْرَةُ اهـ (قَوْلُهُ: الِاسْتِئْجَارُ لَهُ) وَمِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ الْحَائِضَ لِخِدْمَةِ الْمَسْجِدِ فَلَا أُجْرَةَ لَهَا وَإِنْ عَمِلَتْ طَامِعَةً لِعَدَمِ صِحَّةِ الِاسْتِئْجَارِ، وَبِهِ يُعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ سم السَّابِقِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا حَائِضٌ لِخِدْمَةِ مَسْجِدٍ اهـ (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَمِلَ طَامِعًا) وَمِنْ ذَلِكَ مَا يَقَعُ لِكَثِيرٍ مِنْ أَرْبَابِ الْبُيُوتِ كَالْأُمَرَاءِ أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ لِمَنْ يُصَلِّي بِهِمْ قَدْرًا مَعْلُومًا فِي كُلِّ شَهْرٍ مِنْ غَيْرِ عَقْدِ إجَارَةٍ فَلَا يَسْتَحِقُّونَ مَعْلُومًا لِأَنَّ هَذِهِ إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ، وَمَا كَانَ فَاسِدًا لِكَوْنِهِ لَيْسَ مَحَلًّا لِلصِّحَّةِ أَصْلًا لَا شَيْءَ فِيهِ لِلْأَجِيرِ، وَإِنْ عَمِلَ طَامِعًا فَطَرِيقُ مَنْ يُصَلِّي أَنْ يَطْلُبَ مِنْ صَاحِبِ الْبَيْتِ أَوْ غَيْرِهِ أَنْ يَنْذِرَ لَهُ شَيْئًا مُعَيَّنًا مَا دَامَ يُصَلِّي فَيَسْتَحِقَّهُ عَلَيْهِ اهـ
(قَوْلُهُ: بِتِلْكَ) أَيْ بِتِلْكَ الْعِبَادَةِ الَّتِي يَتَوَقَّفُ أَصْلُ حُصُولِهَا عَلَى النِّيَّةِ (قَوْلُهُ: بِتِلْكَ الْإِمَامَةِ) وَكَالْإِمَامَةِ الْخَطَابَةُ م ر انْتَهَى بِهَامِشِ الْعُبَابِ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْأَرْزَاقِ) وَمِنْهُ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ اسْتِنَابَةِ صَاحِبِ الْوَظِيفَةِ لِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فِيهَا فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ مَا جَعَلَهُ لَهُ وَيَكُونُ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ جِهَةِ الْوَاقِفِ وَلَيْسَ أُجْرَةً حَقِيقَةً، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ غَيْرَهُ إلَّا بِإِذْنٍ مِنْ مُنِيبِهِ وَلِلْأَصِيلِ بَاقِي الْمَعْلُومِ الْمَشْرُوطِ (قَوْلُهُ: كَالْأَذَانِ) وَمِثْلُهُ الْخُطْبَةُ (قَوْلُهُ: فَيَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ) أَيْ وَلَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ وَلَوْ مِنْ الْإِمَامِ حَيْثُ كَانَ مِنْ مَالِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ فِي مُسَمَّى الْأَذَانِ إذَا اُسْتُؤْجِرَ لَهُ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ بَعْدَ الْأَذَانِ فِي غَيْرِ الْمَغْرِبِ لِأَنَّهُمَا وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ مُسَمَّاهُ شَرْعًا صَارَا مِنْهُ بِحَسَبِ الْعُرْفِ (قَوْلُهُ: لَا عَلَى رِعَايَةِ الْوَقْتِ) عِبَارَةُ حَجّ: مَعَ نَحْوِ رِعَايَةِ الْوَقْتِ اهـ. وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِكَلَامِ الشَّارِحِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ لَا عَلَى رِعَايَةِ الْوَقْتِ وَحْدَهَا (قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا) مُعْتَمَدٌ، وَلَعَلَّ وَجْهَ الشُّمُولِ أَنَّ تَسْمِيَتَهَا زِيَارَةٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
الْمُسْتَأْجَرِ لَهُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ فِي فَصْلِ يَصِحُّ عَقْدُ الْإِجَارَةِ مُدَّةً تَبْقَى فِيهَا غَالِبًا (قَوْلُهُ: أَيْ فِيهَا) إنَّمَا فَسَّرَ بِهِ لِيَشْمَلَ مَا إذَا كَانَتْ النِّيَّةُ لَهَا أَوْ لِمُتَعَلِّقِهَا الَّذِي صَرَّحَ بِهِ بَعْدُ (قَوْلُهُ: أَوْ لِمُتَعَلِّقِهَا) أَيْ كَالْإِمَامَةِ (قَوْلُهُ: مَا لَا بُدَّ مِنْهُ) أَيْ فِي الْحُصُولِ وَإِنْ لَمْ يَأْثَمْ بِتَرْكِهِ (قَوْلُهُ: كَالْأَذَانِ) قَالَ الشَّيْخُ فِي الْحَاشِيَةِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ فِي مُسَمَّى الْأَذَانِ إذَا اُسْتُؤْجِرَ لَهُ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ بَعْدَ الْأَذَانِ فِي غَيْرِ الْمَغْرِبِ؛ لِأَنَّهُمَا وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ مُسَمَّاهُ شَرْعًا صَارَا مِنْهُ بِحَسْبِ الْعُرْفِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَشَمِلَ كَلَامُهُ زِيَارَةَ قَبْرِ إلَخْ) صَرِيحٌ فِي وُجُوبِ النِّيَّةِ فِيهِ، وَلَا بُعْدَ فِيهِ لِتَمْتَازَ

(5/291)


أَوْلَى بِخِلَافِ الْجَعَالَةِ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الدُّعَاءِ عِنْدَ زِيَارَةِ قَبْرِهِ الْمُعَظَّمِ لِدُخُولِ النِّيَابَةِ فِيهِ وَإِنْ جُهِلَ، لَا عَلَى مُجَرَّدِ الْوُقُوفِ عِنْدَهُ وَمُشَاهَدَتِهِ لِأَنَّهُ لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ، وَبِخِلَافِ السَّلَامِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَدْخُلُهُ الْإِجَارَةُ وَالْجَعَالَةُ، وَاخْتَارَ الْأَصْبَحِيُّ جَوَازَ الِاسْتِئْجَارِ لِلزِّيَارَةِ، وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ سُرَاقَةَ (إلَّا حَجٍّ) وَعُمْرَةٍ فَيَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ لَهُمَا وَلِأَحَدِهِمَا عَنْ مَعْضُوبٍ أَوْ مَيِّتٍ كَمَا مَرَّ، وَتَقَعُ صَلَاةُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ تَبَعًا لَهُمَا لِوُقُوعِهِمَا عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ (وَتَفْرِقَةُ زَكَاةٍ) وَكَفَّارَةٍ وَأُضْحِيَّةٍ وَهَدْيٍ وَذَبْحٍ وَصَوْمٍ عَنْ مَيِّتٍ وَسَائِرِ مَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ وَإِنْ تَوَقَّفَ عَلَى النِّيَّةِ لِمَا فِيهَا مِنْ شَائِبَةِ الْمَالِ.

(وَتَصِحُّ) الْإِجَارَةُ لِكُلِّ مَا لَا تَجِبُ لَهُ نِيَّةٌ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ، وَلِهَذَا فَصَّلَهُ عَمَّا قَبْلَهُ الْمُسْتَثْنَى مِنْ الْمَنْطُوقِ فَتَصِحُّ لِتَحْصِيلِ مُبَاحٍ كَصَيْدٍ (وَلِتَجْهِيزِ مَيِّتٍ وَدَفْنِهِ) هُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ اهْتِمَامًا بِهِ وَإِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ لِوُجُوبِ مُؤَنِ ذَلِكَ فِي مَالِهِ بِالْأَصَالَةِ ثُمَّ فِي مَالِ مُمَوِّنِهِ ثُمَّ الْمَيَاسِيرِ، فَلَمْ يُقْصَدْ الْأَجِيرُ لِنَفْسِهِ حَتَّى يَقَعَ عَنْهُ وَلَا يَضُرَّ عُرُوضُ تَعَيُّنِهِ عَلَيْهِ كَالْمُضْطَرِّ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ إطْعَامُهُ مَعَ تَغْرِيمِهِ الْبَدَلَ (وَتَعْلِيمُ الْقُرْآنِ) كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ وَإِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ تَعْلِيمُهُ لِخَبَرِ «إنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ» وَصَرَّحَ بِهِ مَعَ عِلْمِهِ مِمَّا مَرَّ نَظَرًا أَوْ تَقْدِيرًا لِاسْتِثْنَائِهِ مِنْ الْعِبَادَةِ وَاهْتِمَامًا بِهِ لِشُهْرَةِ الْخِلَافِ فِيهِ وَكَثْرَةِ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ بِظَاهِرِهَا عَلَى امْتِنَاعِهِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى تَعْلِيمِ مَا نُسِخَ حُكْمُهُ فَقَطْ أَوْ تِلَاوَتُهُ كَذَلِكَ صَحَّ فِيمَا يَظْهَرُ، وَلَوْ قَالَ سَيِّدُ رَقِيقٍ صَغِيرٍ لِمُعَلِّمِهِ لَا تُمَكِّنُهُ مِنْ الْخُرُوجِ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ إلَّا مَعَ وَكِيلٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
وَتَرَتُّبُ الثَّوَابِ عَلَيْهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَصْدٍ فَكَأَنَّهُ نِيَّةٌ، وَإِلَّا فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ لَا يَشْمَلُهُ بَلْ يَقْتَضِي صِحَّةَ الْإِجَارَةِ عَلَيْهَا كَالْأَذَانِ، وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ تَوْجِيهًا لِلشُّمُولِ قَوْلُ حَجّ وَدَخَلَ فِي تَجِبُ زِيَارَةُ قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْجَعَالَةِ عَلَيْهِ) وَمِثْلُهَا الْإِجَارَةُ حَجّ. وَقَضِيَّةُ قَوْلِ الشَّارِحِ وَإِنْ جُهِلَ عَدَمُ اشْتِرَاطِ تَعْيِينِ مَا يَدْعُو بِهِ (قَوْلُهُ: وَاخْتَارَ الْأَصْبَحِيُّ إلَخْ) ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ: إلَّا حَجٍّ) بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ عِبَادَةٍ.

(قَوْلُهُ: وَلِهَذَا فَصَّلَهُ) أَيْ بِقَوْلِهِ وَيَصِحُّ (قَوْلُهُ فَيَصِحُّ لِتَحْصِيلِ مُبَاحٍ كَصَيْدٍ) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ قُدِّرَ بِالزَّمَانِ كَاسْتِئْجَارِهِ يَوْمًا لِلصَّيْدِ أَوْ بِمَحَلِّ الْعَمَلِ كَصَيْدِ هَذَا الْغَزَالِ مَثَلًا (قَوْلُهُ: وَلِتَجْهِيزِ مَيِّتٍ وَدَفْنِهِ) قَالَ الْبَغَوِيّ: لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ لِدَفْنِ مَيِّتٍ لِأَنَّ نَبْشَ الْقَبْرِ لَا يَجُوزُ قَبْلَ بَلَاءِ الْمَيِّتِ وَلَا يُعْرَفُ مَتَى يَكُونُ اهـ حَوَاشِي الرَّوْضِ لِوَالِدِ الشَّارِحِ. أَقُولُ: وَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْعَارِيَّةِ مِنْ صِحَّتِهَا لَهُ وَتَتَأَبَّدُ لِلْحَاجَةِ الصِّحَّةُ هُنَا وَيُغْتَفَرُ الْجَهْلُ بِالْمُدَّةِ لِلضَّرُورَةِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْمَيَاسِيرِ) لَمْ يَذْكُرْ بَيْتَ الْمَالِ مَعَ أَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى مَيَاسِيرِ الْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ: كَالْمُضْطَرِّ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ إطْعَامُهُ مَعَ تَغْرِيمِهِ الْبَدَلَ) لَا يُقَالُ: قَدْ يُشْكَلُ عَلَيْهِ تَعْلِيلُ عَدَمِ صِحَّةِ إجَارَةِ الْمُسْلِمِ لِلْجِهَادِ بِتَعْيِينِهِ عَلَيْهِ بِحُضُورِ الصَّفِّ بِأَنَّهُ عَارِضٌ كَمَا هُنَا. لِأَنَّا نَقُولُ: تَجْهِيزُ الْمَيِّتِ لَا يَتَعَيَّنُ بِالشُّرُوعِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَقُومَ مَقَامَ مَنْ يُجَهِّزُ الْمَيِّتَ لَمْ يَمْتَنِعْ عَلَى مُبَاشَرَةِ تَجْهِيزِهِ التَّرْكُ، بِخِلَافِ مَنْ حَضَرَ الصَّفَّ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ انْصِرَافُهُ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ بِوَجْهٍ وَقَامَ غَيْرُهُ مَقَامَهُ
(قَوْلُهُ: عَلَيْهِ أَجْرًا) أَيْ أُجْرَةً (قَوْلُهُ: صَحَّ فِيمَا يَظْهَرُ) وَكَانَ الْمُرَادُ الِاسْتِئْجَارَ عَلَى مَا ذُكِرَ عَلَى وَجْهِ الْقُرْآنِيَّةِ، وَأَفْهَمَ عَدَمَ صِحَّةِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى مَنْسُوخِ الْأَمْرَيْنِ: أَيْ عَلَى وَجْهِ الْقُرْآنِيَّةِ لَا مُطْلَقًا إذْ لَا يَنْقُصُ عَنْ نَحْوِ الشَّعْرِ م ر اهـ سم عَلَى حَجّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَكَذَلِكَ يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ لِتَعْلِيمِ مَنْسُوخِ التِّلَاوَةِ وَالْحُكْمِ مَعًا إذَا عَيَّنَ الْآيَةَ، وَمَفْهُومُ مَا هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ التَّعْيِينِ مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ سَيِّدُ رَقِيقٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
عَنْ الْحُضُورِ عِنْدَ قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا بِذَلِكَ الْقَصْدِ. وَعِبَارَةُ التُّحْفَة: وَدَخَلَ فِي تَجِبُ زِيَارَةُ قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْوُقُوفِ عِنْدَهُ وَمُشَاهَدَتِهِ، فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ لَهَا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، فَزِيَارَةُ قَبْرِ غَيْرِهِ أَوْلَى، بِخِلَافِ الدُّعَاءِ عِنْدَ زِيَارَةِ قَبْرِهِ الْمُكَرَّمِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ، وَبِخِلَافِ السَّلَامِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَدْخُلُهَا الْإِجَارَةُ وَالْجَعَالَةُ (قَوْلُهُ: لِمَا فِيهَا مِنْ شَائِبَةِ الْمَالِ) تَعْلِيلٌ لِلْمَتْنِ كَمَا هُوَ عَادَتُهُ، وَمِثْلُهُ مَا فِي مَعْنَاهُ وَإِلَّا فَالصَّوْمُ عَنْ الْمَيِّتِ لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ

(قَوْلُهُ: فِي مَالِ مُمَوِّنِهِ) لَعَلَّ صَوَابَهُ مَالِ مَائِنِهِ

(5/292)


فَوَكَّلَ بِهِ صَغِيرًا فَهَرَبَ مِنْهُ ضَمِنَهُ لِتَفْرِيطِهِ، وَلَا تَصِحُّ لِقَضَاءٍ وَلَا تَدْرِيسِ عِلْمٍ إلَّا إنْ عُيِّنَ الْمُتَعَلِّمُ وَمَا يُعَلِّمُهُ وَمِثْلُ ذَلِكَ الْإِعَادَةُ فِيمَا يَظْهَرُ، وَيَنْبَغِي مَجِيءُ مِثْلِهِ فِي الِاسْتِئْجَارِ لِلْقَضَاءِ، وَكَالتَّدْرِيسِ الْإِقْرَاءُ لِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ الْأَحَادِيثِ.
وَيَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ لِلْمُبَاحَاتِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ، وَاقْتَضَاهُ بِنَاءُ غَيْرِهِ لَهُ عَلَى جَوَازِ التَّوْكِيلِ فِيهَا، وَتَصِحُّ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عِنْدَ الْقَبْرِ أَوْ مَعَ الدُّعَاءِ بِمِثْلِ مَا حَصَلَ مِنْ الْأَجْرِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ عَقِبَهَا عَيَّنَ مَكَانًا أَوْ زَمَانًا أَوْ لَا لِلْمَيِّتِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ بِحَضْرَةِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَمَعَ ذِكْرِهِ فِي الْقَلْبِ حَالَتَهَا كَمَا أَفَادَهُ السُّبْكِيُّ لِأَنَّ مَوْضِعَهَا مَوْضِعُ بَرَكَةٍ وَتَنَزُّلِ رَحْمَةٍ وَالدُّعَاءُ بَعْدَهَا أَقْرَبُ إجَابَةً، وَإِحْضَارُ الْمُسْتَأْجِرِ فِي الْقَلْبِ سَبَبٌ لِشُمُولِ الرَّحْمَةِ لَهُ إذَا تَنَزَّلَتْ عَلَى قَلْبِ الْقَارِئِ، وَأُلْحِقَ بِهَا الِاسْتِئْجَارُ لِمَحْضِ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ عَقِبَهُ، وَسَيَأْتِي فِي الْوَصَايَا مَا يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ وُجُودَ اسْتِحْضَارِهِ بِقَلْبِهِ أَوْ كَوْنِهِ بِحَضْرَتِهِ كَافٍ وَإِنْ لَمْ يَجْتَمِعَا، وَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ بَعْدَهَا مِنْ قَوْلِهِ اجْعَلْ ثَوَابَ ذَلِكَ أَوْ مِثْلَهُ مُقَدَّمًا إلَى حَضْرَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ زِيَادَةً فِي شَرَفِهِ جَائِزٌ، كَمَا قَالَهُ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَ: إنَّهُ حَسَنٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ: خِلَافًا لِمَنْ وَهَمَ فِيهِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذِنَ لَنَا بِأَمْرِهِ بِنَحْوِ سُؤَالِ الْوَسِيلَةِ لَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
خَرَجَ بِهِ مَا لَوْ قَالَ وَلِيُّ صَغِيرٍ حُرٍّ لِمُعَلِّمِهِ مَثَلًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا تَرَكَهُ فَضَاعَ أَوْ سُرِقَ مِنْهُ مَتَاعٌ لِأَنَّ الْحُرَّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ، وَمَتَاعُهُ الَّذِي أُخِذَ مِنْهُ فِي يَدِ مَالِكِهِ لَا فِي يَدِ الْمُعَلِّمِ (قَوْلُهُ: فَوَكَّلَ بِهِ صَغِيرًا) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِالصَّغِيرِ هُنَا مَنْ لَا يَقْدِرُ عَادَةً عَلَى حِفْظِ مِثْلِ ذَلِكَ الرَّقِيقِ بِخِلَافِهِ الْمُرَاهِقُ بِالنِّسْبَةِ لِرَقِيقٍ سِنُّهُ نَحْوُ خَمْسِ سِنِينَ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا مَا لَمْ يَقُلْ سَيِّدُهُ تُوَكِّلُ بِهِ وَلَدًا مِنْ عِنْدِك وَخَرَجَ مَا لَوْ لَمْ يَقُلْ لَهُ ذَلِكَ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَوْكِيلُ مَنْ يَخْرُجُ مَعَهُ لِلْحِفْظِ وَإِنْ جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ (قَوْلُهُ وَكَالتَّدْرِيسِ الْإِقْرَاءُ لِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ) أَيْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ لِلْمُبَاحَاتِ إلَخْ) هَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ السَّابِقِ فَتَصِحُّ لِتَحْصِيلِ مُبَاحٍ كَصَيْدٍ (قَوْلُهُ: عَيَّنَ مَكَانًا) أَيْ الْمُسْتَأْجَرَ (قَوْلُهُ وَمَعَ ذِكْرِهِ فِي الْقَلْبِ) يَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِذِكْرِهِ فِي الْقَلْبِ فِي ابْتِدَاءِ الْقِرَاءَةِ وَإِنْ عَزَبَتْ النِّيَّةُ بَعْدُ حَيْثُ لَمْ يُوجَدْ صَارِفٌ كَمَا فِي نِيَّةِ الْوُضُوءِ مَثَلًا حَيْثُ اكْتَفَى بِهَا عِنْدَ غَسْلِ جُزْءٍ مِنْ الْوَجْهِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ اسْتِحْضَارُهَا فِي بَقِيَّتِهِ (قَوْلُهُ: وَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ بَعْدَهَا مِنْ قَوْلِهِ اجْعَلْ ثَوَابَ ذَلِكَ إلَخْ) .
[فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ] وَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّا يَقَعُ مِنْ الدَّاعِينَ عَقِبَ الْخَتَمَاتِ مِنْ قَوْلِهِمْ اجْعَلْ اللَّهُمَّ ثَوَابَ مَا قُرِئَ زِيَادَةً فِي شَرَفِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ يَقُولُ وَاجْعَلْ مِثْلَ ثَوَابِ ذَلِكَ وَأَضْعَافَ أَمْثَالِهِ إلَى رُوحِ فُلَانٍ أَوْ فِي صَحِيفَتِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ أَمْ يُمْتَنَعُ لِمَا فِيهِ مِنْ إشْعَارِ تَعْظِيمِ الْمَدْعُوِّ إلَيْهِ بِذَلِكَ حَيْثُ اعْتَنَى بِهِ فَدَعَا لَهُ بِأَضْعَافِ مِثْلِ مَا دَعَا بِهِ لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ لِأَنَّ الدَّاعِيَ لَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ تَعْظِيمًا لِغَيْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، بَلْ كَلَامُهُ مَحْمُولٌ عَلَى إظْهَارِ احْتِيَاجِ غَيْرِهِ لِلرَّحْمَةِ مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَاعْتِنَاؤُهُ بِهِ لِلِاحْتِيَاجِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: أَوْ مَعَ الدُّعَاءِ بِمِثْلِ إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى عِنْدَ الْقَبْرِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: بَعْدُ أَوْ بِحَضْرَةِ الْمُسْتَأْجِرِ: أَيْ أَوْ عِنْدَ غَيْرِ الْقَبْرِ مَعَ الدُّعَاءِ، وَقَوْلُهُ: لَهُ مُتَعَلِّقٌ بِ حَصَلَ، وَقَوْلُهُ: أَوْ بِغَيْرِهِ عُطِفَ عَلَى بِمِثْلِ: أَيْ كَالْمَغْفِرَةِ وَقَوْلُهُ: لِلْمَيِّتِ مُتَعَلِّقٌ بِالدُّعَاءِ (قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي فِي الْوَصَايَا مَا يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ وُجُودَ اسْتِحْضَارِهِ بِقَلْبِهِ إلَخْ) أَيْ: خِلَافَ مَا أَفَادَهُ قَوْلُهُ: قَبْلُ أَوْ بِحَضْرَةِ الْمُسْتَأْجِرِ وَمَعَ ذِكْرِهِ فِي الْقَلْبِ مِنْ اعْتِبَارِ اجْتِمَاعِهِمَا. فَالْحَاصِلُ صِحَّةُ الْإِجَارَةِ فِي أَرْبَعِ صُوَرٍ: الْقِرَاءَةِ عِنْدَ الْقَبْرِ، وَالْقِرَاءَةِ لَا عِنْدَهُ لَكِنْ مَعَ الدُّعَاءِ عَقِبَهَا، وَالْقِرَاءَةِ بِحَضْرَةِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَالْقِرَاءَةِ مَعَ ذِكْرِهِ فِي الْقَلْبِ. وَخَرَجَ بِذَلِكَ الْقِرَاءَةُ لَا مَعَ أَحَدِ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ، وَسَيَأْتِي قُبَيْلَ الْفَصْلِ مَا يُفِيدُ عَدَمَ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ لَهُ، وَأَمَّا مَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ مِنْ اعْتِمَادِ الصِّحَّةِ فِي الْآتِي فَلَمْ أَدْرِ مَأْخَذَهُ (قَوْلُهُ: جَائِزٌ كَمَا قَالَهُ جَمَاعَاتٌ) قَالَ الشِّهَابُ ابْنُ قَاسِمٍ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ جَعْلِ ذَلِكَ أَوْ مِثْلِهِ فِي صَحِيفَةِ فُلَانٍ

(5/293)


فِي كُلِّ دُعَاءٍ بِمَا فِيهِ زِيَادَةُ تَعْظِيمِهِ، وَحَذْفُ مِثْلُ فِي الْأُولَى كَثِيرٌ شَائِعٌ فِي اللُّغَةِ وَالِاسْتِعْمَالُ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي بِمَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ فَرَسَهُ، وَلَيْسَ فِي الدُّعَاءِ بِالزِّيَادَةِ فِي الشَّرَفِ إيهَامُ نَقْصٍ كَمَا أَوْضَحْت ذَلِكَ فِي إفْتَاءٍ طَوِيلٍ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي الْمَشْهُورِ «أَجْعَلُ لَك مِنْ صَلَاتِي» أَيْ دُعَائِي أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي الدُّعَاءِ عَقِبَ الْقِرَاءَةِ وَغَيْرِهَا، وَمِنْ الزِّيَادَةِ فِي شَرَفِهِ أَنْ يَتَقَبَّلَ اللَّهُ عَمَلَ الدَّاعِي بِذَلِكَ وَيُثِيبَهُ عَلَيْهِ، وَكُلُّ مَنْ أُثِيبَ مِنْ الْأُمَّةِ كَانَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلُ ثَوَابِهِ مُتَضَاعِفًا بِعَدَدِ الْوَسَائِطِ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ كُلِّ عَامِلٍ مَعَ اعْتِبَارِ زِيَادَةِ مُضَاعَفَةِ كُلِّ مَرْتَبَةٍ عَمَّا بَعْدَهَا، فَفِي الْأُولَى ثَوَابُ إبْلَاغِ الصَّحَابِيِّ وَعَمَلِهِ وَفِي الثَّانِيَةِ هَذَا وَإِبْلَاغُ التَّابِعِيِّ وَعَمَلِهِ، وَفِي الثَّالِثَةِ ذَلِكَ كُلُّهُ وَإِبْلَاغُ تَابِعِ التَّابِعِيِّ وَهَكَذَا وَذَلِكَ شَرَفٌ لَا نِهَايَةَ لَهُ. .

وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَقَرَأَ جُنُبًا وَلَوْ نَاسِيًا لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا إذْ الْقَصْدُ بِالِاسْتِئْجَارِ لَهَا حُصُولُ ثَوَابِهَا لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى نُزُولِ الرَّحْمَةِ وَقَبُولِ الدُّعَاءِ عَقِبَهَا، وَالْجُنُبُ لَا ثَوَابَ لَهُ عَلَى قِرَاءَتِهِ بَلْ عَلَى قَصْدِهِ فِي صُورَةِ النِّسْيَانِ، كَمَنْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ نَاسِيًا لَا يُثَابُ عَلَى أَفْعَالِ الصَّلَاةِ الْمُتَوَقِّفَةِ عَلَى الطَّهَارَةِ، بَلْ عَلَى مَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا كَالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَالْخُشُوعِ وَقَصْدِهِ فِعْلَ الْعِبَادَةِ مَعَ عُذْرِهِ، فَيُحْمَلُ إطْلَاقُ إثَابَةِ الْجُنُبِ النَّاسِي عَلَى إثَابَتِهِ عَلَى الْقَصْدِ فَقَطْ. وَإِثَابَتُهُ لَا تُحَصِّلُ غَرَضَ الْمُسْتَأْجِرِ الْمَذْكُورِ، وَيُؤَيِّدُ عَدَمَ الِاعْتِدَادِ بِقِرَاءَتِهِ نَفْيُ سُنِّيَّةِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ لَهَا كَمَا مَرَّ، وَقَوْلُهُمْ لَوْ نَذَرَهَا فَقَرَأَ جُنُبًا لَمْ يُجْزِئْهُ إذْ الْقَصْدُ مِنْ النَّذْرِ التَّقَرُّبُ لَا الْمَعْصِيَةُ: أَيْ وَلَوْ فِي الصُّورَةِ لِتَدْخُلَ قِرَاءَةُ النَّاسِي فَلَا يَتَقَرَّبُ بِهَا، وَبِهِ فَارَقَ الْبِرَّ بِقِرَاءَةِ الْجُنُبِ سَوَاءٌ أَنَصَّ فِي حَلِفِهِ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَحْدَهَا أَمْ مَعَ الْجَنَابَةِ، وَيَلْغُو النَّذْرُ إنْ نَصَّ عَلَيْهَا فِيهِ مَعَ الْجَنَابَةِ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ اسْتَحَقَّ وَإِنْ كَانَ جُنُبًا لِأَنَّ الثَّوَابَ هُنَا غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالذَّاتِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ التَّعْلِيمُ وَهُوَ حَاصِلٌ مَعَ الْجَنَابَةِ، وَلَوْ تَرَكَ مِنْ الْقِرَاءَةِ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَيْهَا آيَاتٍ فَالْأَوْجَهُ لُزُومُ قِرَاءَةِ مَا تَرَكَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ اسْتِئْنَافُ مَا بَعْدَهُ، وَأَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِقِرَاءَةٍ عَلَى قَبْرٍ لَا يَلْزَمُهُ عِنْدَ الشُّرُوعِ أَنْ يَنْوِيَ أَنَّ ذَلِكَ عَمَّا اُسْتُؤْجِرَ عَنْهُ بَلْ الشَّرْطُ عَدْلُ الصَّارِفِ، وَلَا يُنَافِيهِ تَصْرِيحُهُمْ فِي النَّذْرِ بِاشْتِرَاطِ نِيَّتِهِ أَنَّهَا عَنْهُ لِأَنَّ هُنَا قَرِينَةً صَارِفَةً لِوُقُوعِهَا عَمَّا اُسْتُؤْجِرَ لَهُ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ ثُمَّ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ اُسْتُؤْجِرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الْمَذْكُورِ وَلِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقُرْبِ مَكَانَتِهِ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْإِجَابَةُ بِالنِّسْبَةِ لَهُ مُحَقَّقَةٌ فَغَيْرُهُ لِبُعْدِ رُتْبَتِهِ عَمَّا أُعْطِيَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا تَتَحَقَّقُ الْإِجَابَةُ لَهُ بَلْ قَدْ لَا تَكُونُ مَظْنُونَةً فَنَاسَبَ تَأْكِيدَ الدُّعَاءِ لَهُ وَتَكْرِيرَهُ رَجَاءَ الْإِجَابَةِ.

(قَوْلُهُ: سُجُودِ التِّلَاوَةِ لَهَا) أَيْ لِقِرَاءَةِ الْجُنُبِ (قَوْلُهُ: لَوْ نَذَرَهَا) أَيْ الْقِرَاءَةَ (قَوْلُهُ: وَيَلْغُو) مُسْتَأْنَفٌ (قَوْلُهُ: إنْ نَصَّ عَلَيْهَا) أَيْ الْقِرَاءَةِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ جُنُبًا) وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَلْزَمَ ذِمَّتَهُ التَّعْلِيمُ أَوْ يَسْتَأْجِرَ عَيْنَهُ، وَلَا يَنُصُّ عَلَى أَنْ يَقْرَأَهُ جُنُبًا فَيَتَّفِقُ لَهُ الْجَنَابَةُ وَيُعَلَّمُ مَعَهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ عَيْنَهُ وَهُوَ جُنُبٌ لِيُعَلِّمَهُ فَلَا يَصِحُّ. لِأَنَّ مَا ذُكِرَ ثُمَّ عُقِدَ عَلَى مَعْصِيَةٍ وَهُوَ فَاسِدٌ. لَا يُقَالُ: الْمُؤَجِّرُ يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّعْلِيمِ بِقَصْدِ الذِّكْرِ. لِأَنَّا نَقُولُ: قَصْدُهُ لِلذِّكْرِ إنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ كَوْنِ الْمَأْتِيِّ بِهِ قُرْآنًا حِينَ التَّعْلِيمِ وَإِنْ حَصَلَ بِهِ الْمَقْصُودُ لِلْمُتَعَلِّمِ وَالِاسْتِئْجَارُ لِلتَّعْلِيمِ إنَّمَا أَوْرَدَهُ عَلَى كَوْنِ الْمُعَلَّمِ قُرْآنًا فَهُوَ تَنْصِيصٌ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَى فِعْلِ الْمَعْصِيَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ تَرَكَ مِنْ الْقِرَاءَةِ إلَخْ) .
[فَرْعٌ] أَفْتَى شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ بِجَوَازِ كِتَابَةِ الْقُرْآنِ بِالْقَلَمِ الْهِنْدِيِّ، وَقِيَاسُهُ جَوَازُهُ بِنَحْوِ التُّرْكِيِّ أَيْضًا.
[فَرْعٌ آخَرُ] الْوَجْهُ جَوَازُ تَقْطِيعِ حُرُوفِ الْقُرْآنِ فِي الْقِرَاءَةِ فِي التَّعْلِيمِ لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُهُ اسْتِئْنَافُ مَا بَعْدَهُ) أَيْ فَلَوْ لَمْ يَقْرَأْ سَقَطَ مَا يُقَابِلُ الْمَتْرُوكَ مِنْ الْمُسَمَّى (قَوْلُهُ: لِوُقُوعِهَا) مُتَعَلِّقٌ بِصَارِفَةٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَفِي الثَّانِيَةِ هَذَا وَإِبْلَاغُ التَّابِعِيِّ إلَخْ) قَالَ الشِّهَابُ ابْنُ قَاسِمٍ: يُتَأَمَّلُ هَذَا جِدًّا

(قَوْلُهُ: لِوُقُوعِهَا) مُتَعَلِّقٌ بِصَارِفَةٍ، وَقَوْلُهُ: عَمَّا اُسْتُؤْجِرَ لَهُ مُتَعَلِّقٌ بِوُقُوعِهَا: أَيْ أَنَّهَا تَصْرِفُ الْقِرَاءَةَ لِمَا اُسْتُؤْجِرَ لَهُ عَنْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ أَنَّهُ لَوْ اُسْتُؤْجِرَ

(5/294)


لِمُطْلَقِ الْقِرَاءَةِ وَصَحَّحْنَاهُ احْتَاجَ إلَى النِّيَّةِ فِيمَا يَظْهَرُ.

(وَ) تَصِحُّ الْإِجَارَةُ وَلَوْ مِنْ زَوْجٍ كَمَا مَرَّ لِحُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً إنْ أَمِنَتْ فِيمَا يَظْهَرُ (لِحَضَانَةٍ) وَهِيَ الْكُبْرَى الْآتِيَةُ فِي كَلَامِهِ مِنْ الْحَضْنِ وَهُوَ مِنْ الْإِبِطِ إلَى الْكَشْحِ لِأَنَّ الْحَاضِنَةَ تَضُمُّهُ إلَيْهِ (وَإِرْضَاعٍ) وَلَوْ لِلِّبَا (مَعًا) وَحِينَئِذٍ فَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ كِلَاهُمَا لِأَنَّهُمَا مَقْصُودَانِ (وَلِأَحَدِهِمَا فَقَطْ) لِأَنَّ الْحَضَانَةَ نَوْعُ خِدْمَةٍ وَلِآيَةِ الْإِرْضَاعِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَوَّلَ الْبَابِ، وَتَدْخُلُ الْحَضَانَةُ الصُّغْرَى فِيهِ وَهِيَ وَضْعُهُ فِي الْحِجْرِ وَإِلْقَامُهُ الثَّدْيَ وَعَصْرُهُ لَهُ لِتَوَقُّفِهِ عَلَيْهَا، وَمِنْ ثَمَّ كَانَتْ هِيَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا، وَاللَّبَنُ تَابِعٌ إذْ الْإِجَارَةُ مَوْضُوعَةٌ لِلْمَنَافِعِ، وَإِنَّمَا الْأَعْيَانُ تَتْبَعُ لِلضَّرُورَةِ، وَإِنَّمَا صَحَّتْ لَهُ مَعَ نَفْيِهَا تَوْسِعَةً فِيهِ لِمَزِيدِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ مُدَّةِ الْإِرْضَاعِ. وَمَحَلُّهُ أَهُوَ بَيْتُهُ لِأَنَّهُ أَحْفَظُ، أَوْ بَيْتُ الْمُرْضِعَةِ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ، فَإِنْ امْتَنَعَتْ مِنْ مُلَازَمَةِ مَا عَيَّنَ أَوْ سَافَرَتْ تَخَيَّرَ، وَلَا تَسْتَحِقُّ أُجْرَةً مِنْ وَقْتِ الْفَسْخِ وَمِنْ تَعْيِينِ الرَّضِيعِ بِرُؤْيَتِهِ أَوْ وَصْفِهِ كَمَا فِي الْحَاوِي لِاخْتِلَافِ شُرْبِهِ بِاخْتِلَافِ سِنِّهِ، وَتُكَلَّفُ الْمُرْضِعَةُ تَنَاوُلَ مَا يُكْثِرُ اللَّبَنَ وَتَرْكُ مَا يَضُرُّهُ كَوَطْءِ حَلِيلٍ يَضُرُّ بِخِلَافِ وَطْءٍ لَا ضَرَرَ فِيهِ، وَلَوْ وُجِدَ بِلَبَنِهَا عِلَّةٌ تُخَيِّرُ بِهِ الْمُسْتَأْجِرَ. وَشَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ كَانَتْ الْمُرْضِعَةُ صَغِيرَةً لَمْ تَبْلُغْ تِسْعَ سِنِينَ خِلَافًا لِمَا فِي الْبَيَانِ، وَلَوْ سَقَتْهُ لَبَنَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَصَحَّحْنَاهُ) أَيْ وَهُوَ الرَّاجِحُ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً) وَلَيْسَ هَذَا كَالْتِقَاطِ الْكَافِرَةِ لِلْمُسْلِمِ وَتَرْبِيَتِهَا لَهُ حَيْثُ امْتَنَعَ، لِأَنَّ فِي ذَلِكَ اسْتِيلَاءً تَامًّا عَلَى الْوَلَدِ وَإِظْهَارًا لِلْوِلَايَةِ عَلَيْهِ الْمُقْتَضِي لِحَقَارَةِ الْإِسْلَامِ عِنْدَ الْكُفَّارِ، وَلَا كَذَلِكَ هَذَا (قَوْلُهُ: الْإِبِطِ) بِالْكَسْرِ (قَوْلُهُ: الْكَشْحِ) اسْمٌ لِمَا تَحْتَ الْخَاصِرَةِ (قَوْلُهُ لِلِّبَا) بِالْقَصْرِ (قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ كَانَتْ) أَيْ الْحَضَانَةُ الصُّغْرَى (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا صَحَّتْ لَهُ) أَيْ الْإِرْضَاعُ (قَوْلُهُ: مَعَ نَفْيِهَا) أَيْ عَدَمِ ذِكْرِهَا لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلْإِرْضَاعِ وَنَفْيِ الْحَضَانَةِ الصُّغْرَى لَمْ يَصِحَّ، لَكِنَّهُ فِي التُّحْفَةِ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلْإِرْضَاعِ وَنَفْيِ الْحَضَانَةِ إلَخْ، وَعَبَّرَ هُنَا بِمِثْلِ مَا عَبَّرَ بِهِ الشَّارِحُ فَكَتَبَ عَلَيْهِ سم - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ وَإِنَّمَا صَحَّتْ مَعَ نَفْيِهَا إلَخْ ظَاهِرُهُ مَعَ نَفْيِ الصُّغْرَى وَكَلَامُ الرَّوْضَةِ صَرِيحٌ فِيهِ، لَكِنْ وَصَفَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ الْحَضَانَةَ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ نَفَى الْحَضَانَةَ جَازَ بِقَوْلِهِ الْكُبْرَى، وَعِبَارَةُ الزَّرْكَشِيّ: فَإِنْ اسْتَأْجَرَ لِلرَّضَاعِ وَنَفْيِ الْحَضَانَةِ فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ. ثُمَّ قَالَ: وَخَصَّ الْإِمَامُ الْخِلَافَ بِنَفْيِ الْحَضَانَةِ الصُّغْرَى. فَأَمَّا نَفْيُ الْحَضَانَةِ الْكُبْرَى فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ وَأَقَرَّاهُ، لَكِنْ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِيهَا أَيْضًا اهـ بِحُرُوفِهِ.
(قَوْلُهُ: مِنْ وَقْتِ الْفَسْخِ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِهِ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: كَوَطْءِ حَلِيلٍ) وَهَلْ تَصِيرُ نَاشِزَةً بِذَلِكَ فَلَا تَسْتَحِقُّ نَفَقَةً وَإِنْ أَذِنَ لَهَا فِي ذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ أَذِنَ لَهَا فِي السَّفَرِ لِحَاجَتِهَا وَحْدَهَا أَوْ لِحَاجَةِ أَجْنَبِيٍّ لِغَرَضِهَا أَمْ لَا تَصِيرُ نَاشِزَةً بِذَلِكَ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ، وَغَايَتُهُ أَنَّ الْإِذْنَ لَهَا فِي ذَلِكَ أَسْقَطَ عَنْهَا الْإِثْمَ فَقَطْ، وَإِذَا حَرُمَ عَلَيْهِ الْوَطْءُ هَلْ تَمْنَعُهُ مِنْهُ وَإِنْ خَافَ الْعَنَتَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْوَلَدِ الْمُتَرَدِّي إلَى قَتْلِهِ فَيَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ حِينَئِذٍ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ حُرْمَةِ الْوَطْءِ هُنَا مَعَ خَوْفِ الْعَنَتِ وَجَوَازِهِ فِي الْحَيْضِ لِذَلِكَ بِأَنَّ الْحُرْمَةَ فِي الْحَيْضِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُنَا لِحَقِّ آدَمِيٍّ فَلَا يَجُوزُ تَفْوِيتُهُ عَلَى صَاحِبِهِ لِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ. وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعَصْرِ خِلَافُ مَا قُلْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَاحْذَرْهُ وَلَا تَغْتَرَّ بِهِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ وَطْءٍ لَا ضَرَرَ فِيهِ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
لِمُطْلَقِ الْقِرَاءَةِ وَصَحَّحْنَاهُ) أَيْ خِلَافَ مَا مَرَّ مِنْ الْحَصْرِ فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ

(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا صَحَّتْ لَهُ مَعَ نَفْيِهَا) يَعْنِي مَعَ عَدَمِ ذِكْرِهَا كَمَا أَوَّلَهُ بِذَلِكَ الشَّيْخُ فِي الْحَاشِيَةِ حَتَّى لَا يُنَافِيَ مَا سَيَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ: وَلَا تَسْتَحِقُّ أُجْرَةً مِنْ وَقْتِ الْفَسْخِ) أَيْ وَإِنْ أَرْضَعَتْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ: بِاخْتِلَافِ سِنِّهِ) قَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِوَصْفِهِ ذِكْرُ سِنِّهِ فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ: مَا يُكْثِرُ اللَّبَنَ) يَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ كَثْرَةٌ إلَى حَدِّ الْكِفَايَةِ لَا غَيْرُ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: كَوَطْءِ حَلِيلٍ يَضُرُّ) وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ

(5/295)


غَيْرِهَا فِي إجَارَةِ ذِمَّةٍ اسْتَحَقَّتْ الْأُجْرَةَ أَوْ عَيْنٍ فَلَا (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ) أَيْ الشَّأْنَ (لَا يَسْتَتْبِعُ أَحَدُهُمَا) أَيْ الْإِرْضَاعُ وَالْحَضَانَةُ الْكُبْرَى (الْآخَرَ) لِأَنَّهُمَا مَنْفَعَتَانِ مَقْصُودَتَانِ يَجُوزُ إفْرَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْعَقْدِ فَأَشْبَهَا سَائِرَ الْمَنَافِعِ.
وَالثَّانِي نَعَمْ لِلْعَادَةِ بِتَلَازُمِهِمَا (وَالْحَضَانَةُ) الْكُبْرَى (حِفْظُ صَبِيٍّ) أَيْ جِنْسِهِ الصَّادِقِ بِالْأُنْثَى (وَتَعَهُّدُهُ بِغَسْلِ رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ وَثِيَابِهِ وَدَهْنِهِ) بِفَتْحِ الدَّالِ (وَكُحْلِهِ وَرَبْطِهِ فِي الْمَهْدِ وَتَحْرِيكِهِ لِيَنَامَ وَنَحْوَهَا) لِاقْتِضَاءِ اسْمِ الْحَضَانَةِ عُرْفًا لِذَلِكَ، أَمَّا الدُّهْنُ بِضَمِّ الدَّالِ فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ عَلَى الْأَبِ وَلَا تُتَّبَعُ فِيهِ الْعَادَةُ لِعَدَمِ انْضِبَاطِهَا (وَلَوْ) (اسْتَأْجَرَ لَهُمَا) أَيْ الْحَضَانَةِ الْكُبْرَى وَالْإِرْضَاعِ (فَانْقَطَعَ اللَّبَنُ) (فَالْمَذْهَبُ انْفِسَاخُ الْعَقْدِ فِي الْإِرْضَاعِ) فَيَسْقُطُ قِسْطُهُ مِنْ الْأُجْرَةِ (دُونَ الْحَضَانَةِ) لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَقْصُودٌ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ، وَالْحَضَانَةُ الصُّغْرَى أَنْ تُلْقِمَهُ بَعْدَ وَضْعِهِ فِي حِجْرِهَا مَثَلًا الثَّدْيَ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلْإِرْضَاعِ وَنَفْيِ الْحَضَانَةِ الصُّغْرَى لَمْ تَصِحَّ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ حِبْرٌ) بِكَسْرِ الْحَاءِ (وَخَيْطٌ وَكُحْلٌ) وَصِبْغٌ وَطَلْعٌ (عَلَى وَرَّاقٍ) وَهُوَ النَّاسِخُ (وَخَيَّاطٍ وَكَحَّالٍ) وَصَبَّاغٍ وَمُلَقِّحٍ، وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ قَلَمُ النُّسَّاخِ وَإِبْرَةُ الْخَيَّاطِ وَدُرُورُ الْكَحَّالِ وَمِرْوَدُهُ وَمَرْهَمُ الْجَرَائِحِيِّ وَصَابُونِ وَمَاءِ الْغَسَّالِ اقْتِصَارًا عَلَى مَدْلُولِ اللَّفْظِ مَعَ أَنَّ وَضْعَ الْإِجَارَةِ عَلَى عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ عَيْنٍ بِهَا وَأَمْرُ اللَّبَنِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِلضَّرُورَةِ (قُلْت: صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الرُّجُوعَ فِيهِ) أَيْ الْمَذْكُورِ (إلَى الْعَادَةِ) لِعَدَمِ وُرُودِ مَا يَضْبِطُهُ لُغَةً وَشَرْعًا (فَإِنْ اضْطَرَبَتْ) الْعَادَةُ (وَجَبَ الْبَيَانُ) نَفْيًا لِلْغَرَرِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ (فَتَبْطُلُ) الْإِجَارَةُ أَيْ لَمْ تَصِحَّ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِمَا فِيهَا مِنْ الْغَرَرِ الْمُفْضِي إلَى التَّنَازُعِ مِنْ غَيْرِ غَايَةٍ، وَحَيْثُ شُرِطَتْ عَلَى الْأَجِيرِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّقْدِيرِ فِي نَحْوِ الْمَرْهَمِ وَأَخَوَاتِهِ، فَإِنْ شَرَطَهُ مُطْلَقًا فَسَدَ الْعَقْدُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اقْتَضَى الْعُرْفُ كَوْنَهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ شَرَطَهُ عَلَيْهِ فَلَا يَجِبُ ذَلِكَ. وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَنَّ مَحَلَّ التَّرَدُّدِ فِي ذَلِكَ عِنْدَ صُدُورِ الْعَقْدِ عَلَى الذِّمَّةِ. فَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَيْنِ لَمْ يَجِبْ غَيْرُ نَفْسِ الْعَمَلِ وَهَذَا هُوَ الْأَوْجَهُ، وَفِي ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ كَلَامَ الشَّرْحِ إشْعَارٌ بِتَرْجِيحِ مَا فِيهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِذَا أَوْجَبْنَا الْخَيْطَ وَالصِّبْغَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الزَّوْجَ مِنْ الْوَطْءِ خَوْفُ الْحَبَلِ أَنَّ ذَاكَ أَمْرٌ مُتَوَقَّعٌ غَيْرُ مَظْنُونٍ بِخِلَافِ هَذَا (قَوْلُهُ: أَمَّا الدُّهْنُ) وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ الدُّهْنِ فِي كَوْنِهِ عَلَى الْأَبِ أُجْرَةُ الْقَابِلَةِ لِفِعْلِهَا الْمُتَعَلِّقِ بِإِصْلَاحِ الْوَلَدِ كَقَطْعِ سُرَّتِهِ دُونَ مَا يَتَعَلَّقُ بِإِصْلَاحِ الْأُمِّ مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ نَحْوِ مُلَازَمَتِهَا لَهَا قَبْلَ الْوِلَادَةِ وَغَسْلِ بَدَنِهَا وَثِيَابِهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْأَبِ بَلْ عَلَيْهَا كَصَرْفِهَا مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْمَرَضِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلْإِرْضَاعِ وَنَفْيِ الْحَضَانَةِ الصُّغْرَى لَمْ تَصِحَّ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ الْوَلَدُ لِذَلِكَ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْتِقَامِ الثَّدْيِ بِنَفْسِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا نَادِرٌ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَعْرِضُ لِلْوَلَدِ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ كَمَرَضٍ (قَوْلُهُ فَتَبْطُلُ الْإِجَارَةُ) أَيْ لَمْ تَصِحَّ: أَيْ وَعَلَى عَدَمِ الصِّحَّةِ فَيَجِبُ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِ عَمَلِهِ، وَإِذَا أَحْضَرَ مَنْ عِنْدَهُ الْمَرْهَمُ وَالْكُحْلُ وَنَحْوُهُمَا هَلْ يَرْجِعُ بِبَدَلِهَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ التَّبَرُّعَ بِهَا أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ فَيَرْجِعُ بِأُجْرَةِ مِثْلِ الْعَمَلِ وَبِقِيمَةِ مَا اسْتَعْمَلَهُ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِاسْتِعْمَالِهِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُؤَجِّرِ) أَيْ حَيْثُ جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ أَوْ شُرِطَ عَلَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
لِمُسْتَأْجِرِهَا لِلْإِرْضَاعِ مَنْعُ زَوْجِهَا مِنْ الْوَطْءِ خَوْفَ الْحَبَلِ وَانْقِطَاعِ اللَّبَنِ، فَلَعَلَّهُمْ يَرَوْنَ الْفَرْقَ بَيْنَ تَغَيُّرِ اللَّبَنِ وَاخْتِلَافِهِ عَلَى الطِّفْلِ لِأَنَّ هُنَاكَ مَنْدُوحَةٌ وَهِيَ الْفَسْخُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَا هُنَاكَ فِي مَنْعِ الْمُسْتَأْجِرِ لِلزَّوْجِ وَمَا هُنَا فِي امْتِنَاعِهِ عَلَى الْمَرْأَةِ وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَا هُنَاكَ فِي مُجَرَّدِ الْخَوْفِ وَمَا هُنَا فِي غَلَبَةِ الظَّنِّ، ثُمَّ رَأَيْت شَيْخَنَا جَزَمَ بِالْأَخِيرِ فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ: وَالْحَضَانَةُ الصُّغْرَى أَنْ تُلْقِمَهُ إلَخْ) أَيْ وَتَعْصِرَ لَهُ الثَّدْيَ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: وَذَرُورُ الْكَحَّالِ) قَدْ يُقَالُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَكُحْلٌ؛ لِأَنَّهُ هُوَ (قَوْلُهُ: وَأَخَوَاتُهُ) أَيْ مِمَّا يُسْتَهْلَكُ كَالْكُحْلِ بِخِلَافِ نَحْوِ الْإِبْرَةِ وَالْقَلَمِ كَذَا ظَهَرَ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُؤَجَّرِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ

(5/296)


فَالْأَوْجَهُ مِلْكُ الْمُسْتَأْجَرِ لَهُمَا فَيَنْصَرِفُ فِيهِ كَالثَّوْبِ لَا أَنَّ الْمُؤَجِّرَ أَتْلَفَهُ عَلَى مِلْكِ نَفْسِهِ، وَيَظْهَرُ لِي إلْحَاقُ الْحِبْرِ بِالْخَيْطِ وَالصِّبْغِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا، ثُمَّ رَأَيْت صَاحِبَ الْعُبَابِ جَزَمَ بِهِ وَيَقْرُبُ مِنْ ذَلِكَ مَاءُ الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ لِلزَّرْعِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِيهِ كَمَا أَفَادَهُ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ مَالِكِهَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ لِنَفْسِهِ، وَفِي اللَّبَنِ وَالْكُحْلِ كَذَلِكَ، وَأَمَّا الْخَيْطُ وَالصِّبْغُ فَالضَّرُورَةُ تُحَوِّجُ إلَى نَقْلِ الْمِلْكِ، وَأَلْحَقُوا بِمَا تَقَدَّمَ الْحَطَبَ الَّذِي يَقُدُّهُ الْخَبَّازُ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَتْلَفُ عَلَى مِلْكِهِ.

وَلَوْ شَرَطَ لِطَبِيبٍ مَاهِرٍ أُجْرَةً وَأَعْطَى ثَمَنَ الْأَدْوِيَةِ فَعَالَجَهُ بِهَا فَلَمْ يَبْرَأْ اسْتَحِقَّ الْمُسَمَّى إنْ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَإِلَّا فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَلَيْسَ لِلْعَلِيلِ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ عَلَيْهِ الْمُعَالَجَةُ دُونَ الشِّفَاءِ، بَلْ إنْ شَرَطَهُ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ لِأَنَّهُ بِيَدِ اللَّهِ تَعَالَى. نَعَمْ إنْ جَاعَلَهُ عَلَيْهِ صَحَّ وَلَمْ يَسْتَحِقَّ لِلْمُسَمَّى إلَّا بَعْدَ وُجُودِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.

فَصْلٌ فِيمَا يَلْزَمُ الْمُكْرِيَ أَوْ الْمُكْتَرِيَ لِعَقَارٍ أَوْ دَابَّةٍ (يَجِبُ) يَعْنِي يَتَعَيَّنُ لِدَفْعِ الْخِيَارِ الْآتِي عَلَى الْمُكْرِي (تَسْلِيمُ مِفْتَاحِ) ضَبَّةِ (الدَّارِ) مَعَهَا (إلَى الْمُكْتَرِي) لِتَوَقُّفِ الِانْتِفَاعِ عَلَيْهِ وَهُوَ أَمَانَةٌ بِيَدِهِ، فَلَوْ تَلِفَ وَلَوْ بِتَقْصِيرِ فَعَلَى الْمُكْرِي تَجْدِيدُهُ، فَإِنْ امْتَنَعَ لَمْ يُجْبَرْ وَلَمْ يَأْثَمْ. نَعَمْ يُتَخَيَّرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ) أَيْ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ: وَالْكُحْلُ كَذَلِكَ) أَيْ إنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْمُؤَجِّرِ وَيَنْتَفِعُ بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ

(قَوْلُهُ وَلَوْ شَرَطَ لِطَبِيبٍ مَاهِرٍ إلَخْ) أَمَّا غَيْرُ الْمَاهِرِ الْمَذْكُورِ فَقِيَاسُ مَا يَأْتِي أَوَّلَ الْجِرَاحِ وَالتَّعَازِيرِ مِنْ أَنَّهُ يَضْمَنُ مَا تَوَلَّدَ مِنْ فِعْلِهِ، بِخِلَافِ الْمَاهِرِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَةً وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِثَمَنِ الْأَدْوِيَةِ لِتَقْصِيرِهِ بِمُبَاشَرَتِهِ لِمَا لَيْسَ هُوَ لَهُ بِأَهْلٍ، وَمِنْ شَأْنِ هَذَا الْإِضْرَارُ لَا النَّفْعُ حَجّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم مَا نَصُّهُ: هَلْ اسْتِئْجَارُهُ صَحِيحٌ أَوْ لَا؟ إنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَقَدْ يُشْكَلُ الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَقَدْ يُقَيَّدُ الرُّجُوعُ بِثَمَنِ الْأَدْوِيَةِ بِالْجَهْلِ بِحَالِهِ م ر فَلْيُحَرَّرْ اهـ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وَالظَّاهِرُ الثَّانِي، وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ لِأَنَّهُ لَا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهِ، بَلْ الْغَالِبُ عَلَى عَمَلِ مِثْلِهِ الضَّرَرُ (قَوْلُهُ إنْ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ) أَيْ كَأَنْ قُدِّرَتْ بِزَمَانٍ مَعْلُومٍ (قَوْلُهُ: إنْ شَرَطَهُ) أَيْ الشِّفَاءَ.

[فَصْلٌ فِيمَا يَلْزَمُ الْمُكْرِيَ أَوْ الْمُكْتَرِيَ لِعَقَارٍ أَوْ دَابَّةٍ]
(فَصْلٌ) فِيمَا يَلْزَمُ الْمُكْرِيَ أَوْ الْمُكْتَرِيَ (قَوْلُهُ فِيمَا يَلْزَمُ الْمُكْرِيَ أَوْ الْمُكْتَرِيَ إلَخْ) أَيْ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنْ انْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ بِتَلَفِ الدَّابَّةِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ الْمُكْتَرِيَ) الْأَوْلَى حَذْفُ الْأَلِفِ وَبِهِ عَبَّرَ حَجّ (قَوْلُهُ: لِدَفْعِ الْخِيَارِ) أَيْ لَا لِدَفْعِ الْإِثْمِ (قَوْلُهُ: تَسْلِيمُ مِفْتَاحِ إلَخْ) .
[فَرْعٌ] هَلْ تَصِحُّ إجَارَةُ دَارٍ لَا بَابَ لَهَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَقَدْ يُتَّجَهُ الصِّحَّةُ إنْ أَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِهَا بِلَا بَابٍ كَأَنْ أَمْكَنَ التَّسَلُّقُ مِنْ الْجِدَارِ، وَعَلَى الصِّحَّةِ فَهَلْ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْجَاهِلِ كَأَنْ رَآهَا قَبْلُ ثُمَّ سُدَّ بَابُهَا ثُمَّ اسْتَأْجَرَهَا اعْتِمَادًا عَلَى الرُّؤْيَةِ السَّابِقَةِ الْوَجْهُ الثُّبُوتُ فَلْتُرَاجَعْ الْمَسْأَلَةُ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: فَعَلَى الْمُكْتَرِي تَجْدِيدُهُ) أَيْ مَعَ ضَمَانِ الْمُكْتَرِي لِقِيمَتِهِ الْآنَ إنْ تَلِفَ بِتَقْصِيرِ لَا مَا صَرَفَهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ امْتَنَعَ لَمْ يُجْبَرْ) أَيْ مِنْ التَّجْدِيدِ، وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ أَوَّلًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُؤَجَّرَ أَتْلَفَهُ) حِسًّا أَوْ حُكْمًا (قَوْلُهُ: أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ مَالِكِهَا) تَقَدَّمَ هَذَا آنِفًا وَلَعَلَّ الصُّورَةَ أَنَّهُ حَصَلَ بِهِ السُّقْيَا بِالْفِعْلِ حَتَّى يَكُونَ نَظِيرَ مَا نَحْنُ فِيهِ. (قَوْلُهُ: يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ لِنَفْسِهِ) أَيْ فِي الْأَرْضِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَفِي اللَّبَنِ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمَرْأَةَ تَمْلِكُ لَبَنَ نَفْسِهَا وَانْظُرْ فِي أَيِّ وَقْتٍ يُحْكَمُ بِمِلْكِهَا لَهُ هَلْ وَهُوَ فِي الضَّرْعِ أَوْ بَعْدَ الِانْفِصَالِ؟ يُرَاجَعُ.

(فَصْلٌ) فِيمَا يَلْزَمُ الْمُكْرِيَ أَوْ الْمُكْتَرِيَ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ بِتَقْصِيرٍ) وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ فِي حَالَةِ التَّقْصِيرِ يَضْمَنُهُ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ، وَظَاهِرٌ أَنَّ ضَمَانَهُ بِالْقِيمَةِ،

(5/297)


الْمُكْتَرِي وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي جَمِيعِ مَا يَأْتِي، (وَقَوْلُ الْقَاضِي بِانْفِسَاخِهَا فِي مُدَّةِ الْمَنْعِ غَيْرُ ظَاهِرٍ) لِتَقْصِيرِهِ بِعَدَمِ الْفَسْخِ مَعَ ثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهُ. نَعَمْ لَوْ كَانَ جَاهِلًا بِثُبُوتِهِ وَهُوَ مِمَّنْ يُعْذَرُ احْتَمَلَ مَا قَالَهُ، وَخَرَجَ بِالضَّبَّةِ الْقُفْلُ فَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ فَضْلًا عَنْ مِفْتَاحِهِ لِأَنَّهُ مَنْقُولٌ وَلَيْسَ بِتَابِعٍ (وَعِمَارَتُهَا عَلَى الْمُؤَجِّرِ) الشَّامِلَةُ لِنَحْوِ تَطْيِينِ سَطْحٍ وَإِعَادَةِ رُخَامٍ قَلَعَهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِ الْفَائِتِ بِهِ مُجَرَّدَ الزِّينَةِ لِأَنَّهَا غَرَضٌ مَقْصُودٌ وَمِنْ ثَمَّ امْتَنَعَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ قَلْعُهُ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا وَإِنْ احْتَاجَتْ لِآلَاتٍ جَدِيدَةٍ (فَإِنْ) (بَادَرَ) أَيْ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ (وَأَصْلَحَهَا) أَوْ سَلَّمَ الْمِفْتَاحَ فَذَاكَ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُبَادِرْ (فَلِلْمُكْتَرِي) قَهْرًا عَلَى الْمُؤَجِّرِ (الْخِيَارُ) إنْ نَقَصَتْ الْمَنْفَعَةُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِبْقَاءِ لِتَضَرُّرِهِ وَمِنْ ثَمَّ زَالَ بِزَوَالِهِ.
وَلَوْ وَكَفَ السَّقْفُ تَخَيَّرَ حَالَةَ وَكْفِهِ فَقَطْ إلَّا أَنْ يَتَوَلَّدَ مِنْهُ نَقْصٌ، وَبَحَثَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ سُقُوطَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ يَجِبُ: يَعْنِي يَتَعَيَّنُ لِدَفْعِ الْخِيَارِ لِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ الْمِفْتَاحِ أَيْضًا وَلَا يَأْثَمُ بِامْتِنَاعِهِ وَهُوَ مُشْكِلٌ، فَإِنَّهُ حَيْثُ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ اسْتَحَقَّ الْمُكْتَرِي الْمَنْفَعَةَ عَلَى الْمُكْرِي، فَعَدَمُ التَّسْلِيمِ وَالتَّجْدِيدِ امْتِنَاعٌ مِنْ حَقٍّ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ، فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِعَدَمِهِ وَيُجْبَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْبَائِعَ يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ حَيْثُ قَبَضَ الثَّمَنَ أَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا (قَوْلُهُ: وَقَوْلُ الْقَاضِي بِانْفِسَاخِهَا فِي مُدَّةِ الْمَنْعِ ظَاهِرٌ) وَفِي نُسْخَةٍ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِتَقْصِيرِهِ بِعَدَمِ الْفَسْخِ مَعَ ثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهُ. نَعَمْ لَوْ كَانَ جَاهِلًا بِثُبُوتِهِ وَهُوَ مِمَّنْ يُعْذَرُ احْتَمَلَ مَا قَالَهُ اهـ.
وَلَعَلَّ مَا فِي الْأَصْلِ هُوَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ بِامْتِنَاعِ الْمُؤَجِّرِ مِنْ تَسْلِيمِ الْمِفْتَاحِ فَاتَ جُزْءٌ مِنْ الْمَنْفَعَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا فَيَنْفَسِخُ فِيهَا الْعَقْدُ كَتَلَفِ بَعْضِ الْمَبِيعِ تَحْتَ يَدِ الْبَائِعِ، وَذَلِكَ مُقْتَضٍ لِثُبُوتِ الْخِيَارِ لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ، وَفِي سم عَلَى حَجّ مَا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ حَيْثُ قَالَ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ قَالَ الْقَاضِي وَيَنْفَسِخُ فِي مُدَّةِ الْمَنْعِ مَا قَالَهُ الْقَاضِي ظَاهِرٌ شَرَحَ م ر. وَيُؤَيِّدُهُ وَيُوَافِقُهُ مَا سَيَأْتِي فِي غَصْبِ نَحْوِ الدَّابَّةِ مِنْ ثُبُوتِ الْخِيَارِ وَالِانْفِسَاخِ فِي كُلِّ مُدَّةٍ مَضَتْ فِي زَمَنِ الْغَصْبِ، وَإِنْ لَمْ يَنْفَسِخْ فَفِي التَّنْظِيرِ فِي كَلَامِ الْقَاضِي وَتَخْصِيصِ صِحَّتِهِ بِحَالَةِ الْجَهْلِ الْمَذْكُورَةِ نَظَرٌ (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِالضَّبَّةِ الْقُفْلُ) أَيْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا غَلَقٌ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ: قَلَعَهُ هُوَ) أَيْ الْمُؤَجِّرُ أَوْ غَيْرُهُ وَلَوْ الْمُكْتَرِي وَضَمَانُهُ لِمَا فَعَلَهُ لَا يُسْقِطُ خِيَارَهُ حَيْثُ لَمْ يُعِدْهُ الْمُكْرِي (قَوْلُهُ: لِكَوْنِ الْفَائِتِ بِهِ) أَيْ الرُّخَامِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهَا أَيْ الزِّينَةَ (قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ امْتَنَعَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ قَلْعُهُ) أَيْ لِأَنَّهُ بِإِيجَارِهِ نَقَلَ الْمَنْفَعَةَ عَنْ مِلْكِهِ لِلْمُسْتَأْجِرِ بِتِلْكَ الصَّفْقَةِ فَقَلْعُ الرُّخَامِ أَوْ نَحْوِهِ تَفْوِيتٌ لِحَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ احْتَاجَتْ) غَايَةُ (قَوْلِهِ وَمِنْ ثَمَّ زَالَ) أَيْ الْخِيَارُ وَقَوْلُهُ بِزَوَالِهِ: أَيْ الضَّرَرِ، وَقَوْلُهُ وَلَوْ وَكَفَ: أَيْ نَزَلَ الْمَطَرُ مِنْهُ.
(قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَتَوَلَّدَ مِنْهُ نَقْصٌ) يُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ الدَّابَّةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَكْفُ لِخَلَلٍ فِي السَّقْفِ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَحِقَّ أَرْشَ النَّقْصِ لِمَا مَضَى سَوَاءٌ فَسَخَ الْإِجَارَةَ أَمْ لَا (قَوْلُهُ: وَبَحَثَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ سُقُوطَهُ) أَيْ الْخِيَارِ، وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَهُوَ أَمَانَةٌ بِيَدِهِ، فَإِذَا تَلِفَ بِتَقْصِيرٍ ضَمِنَهُ أَوْ عَدَمِهِ فَلَا، وَفِيهِمَا يَلْزَمُ الْمُكْرِيَ تَجْدِيدُهُ انْتَهَتْ.
وَكَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ أَنْ يُعَبِّرَ بِمِثْلِهِ وَإِلَّا فَمَا فَرَّعَهُ عَلَى الْأَمَانَةِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهَا (قَوْلُهُ: وَقَوْلُ الْقَاضِي بِانْفِسَاخِهَا فِي مُدَّةِ الْمَنْعِ غَيْرُ ظَاهِرٍ) لَعَلَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ غَيْرُ مُنْتَفِعٍ بِالدَّارِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَلْيُرَاجَعْ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا رَجَعَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بَعْدَ أَنْ كَانَ تَبِعَ ابْنَ حَجَرٍ فِي التَّنْظِيرِ فِي كَلَامِ الْقَاضِي (قَوْلُهُ: وَإِنْ احْتَاجَتْ لِآلَاتٍ جَدِيدَةٍ) غَايَةٌ فِي الْمَتْنِ. (قَوْلُهُ: بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِبْقَاءِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْخِيَارِ. (قَوْلُهُ: وَبَحَثَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ سُقُوطَهُ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الشَّارِحَ لَا يَرْتَضِي هَذَا أَخْذًا مِنْ إطْلَاقِهِ فِيمَا مَرَّ امْتِنَاعُ قَلْعِهِ وَبِقَرِينَةِ التَّعْلِيلِ الْمَارِّ مَعَ إسْنَادِ هَذَا لِقَائِلِهِ بَحْثًا الْمُشْعِرِ بِعَدَمِ تَسْلِيمِهِ

(5/298)


بِالْبَلَاطِ بَدَلَ الرُّخَامِ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَهُمَا لَيْسَ لَهُ كَبِيرُ وَقْعٍ، وَأَنَّهُ لَوْ شُرِطَ إبْقَاءُ الرُّخَامِ فُسِخَ بِخُلْفِ الشَّرْطِ، وَمَحَلُّ مَا تَقَرَّرَ فِي الْحَادِثِ، أَمَّا مُقَارَنُ عِلْمِ الْمُكْتَرَى بِهِ فَلَا خِيَارَ لَهُ، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ مِنْ وَظِيفَةِ الْمُكْرِي لِتَقْصِيرِهِ بِإِقْدَامِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِهِ، هَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ تَصَرَّفَ عَنْ نَفْسِهِ، أَمَّا الْمُتَصَرِّفُ عَنْ غَيْرِهِ وَالنَّاظِرُ فَتَجِبُ عَلَيْهِ الْعِمَارَةُ عِنْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْهَا لَكِنْ لَا مِنْ حَيْثُ الْإِجَارَةُ، وَيَلْزَمُ الْمُؤَجِّرَ أَيْضًا انْتِزَاعُ الْعَيْنِ مِمَّنْ غَصَبَهَا حَيْثُ قَدَرَ عَلَى تَسْلِيمِهَا ابْتِدَاءً أَوْ دَوَامًا إنْ أَرَادَ دَوَامَ الْإِجَارَةِ، وَإِلَّا فَلِلْمُكْتَرِي الْخِيَارُ كَدَفْعِ نَحْوِ حَرِيقٍ وَنَهْبٍ عَنْهَا، فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ غَيْرِ خَطَرٍ لَزِمَهُ كَالْوَدِيعِ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ قَصَّرَ ضَمِنَ وَأَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ النَّزْعُ مِنْ الْغَاصِبِ وَإِنْ سَهُلَ عَلَيْهِ كَالْمُودَعِ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي كَلَامِهِمْ (وَكَسْحُ الثَّلْجِ) أَيْ كَنْسُهُ (عَنْ السَّطْحِ) الَّذِي لَا يَنْتَفِعُ بِهِ السَّاكِنُ كَالْجَمَلُونِ (عَلَى الْمُؤَجِّرِ) بِالْمَعْنَى السَّابِقِ (وَتَنْظِيفُ عَرْصَةِ الدَّارِ) وَسَطْحِهَا الَّذِي يَنْتَفِعُ سَاكِنُهَا بِهِ كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ (عَنْ ثَلْجٍ) وَإِنْ كَثُرَ (وَكُنَاسَةٍ) حَصَلَا فِي دَوَامِ الْمُدَّةِ وَهِيَ مَا يَسْقُطُ مِنْ نَحْوِ قِشْرٍ وَطَعَامٍ.
وَمِثْلُهَا رَمَادُ الْحَمَّامِ كَمَا اعْتَمَدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَرَمَادُ غَيْرِهِ كَذَلِكَ (عَلَى الْمُكْتَرِي) بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ الْمُكْرِي لِتَوَقُّفِ كَمَالِ انْتِفَاعِهِ لَا أَصْلِهِ عَلَى رَفْعِ الثَّلْجِ، وَلِأَنَّ الْكُنَاسَةَ مِنْ فِعْلِهِ، وَالتُّرَابُ الْحَاصِلُ بِالرِّيحِ لَا يَلْزَمُ وَاحِدًا مِنْهُمَا نَقَلَهُ، وَبَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ يُجْبَرُ الْمُكْتَرِي عَلَى نَقْلِ الْكُنَاسَةِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
السُّقُوطِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الزِّينَةَ بِهِ مَقْصُودَةٌ وَقَدْ فَاتَتْ (قَوْلُهُ: لِتَقْصِيرِهِ بِإِقْدَامِهِ مَعَ عِلْمِهِ) وَمِنْهُ مَا لَوْ كَانَتْ الدَّارُ بِلَا بَابٍ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ سم (قَوْلُهُ: فَتَجِبُ عَلَيْهِ الْعِمَارَةُ عِنْدَ تَمَكُّنِهِ) أَيْ حَيْثُ تَرَتَّبَ عَلَى عَدَمِهَا ضَرَرٌ لِلْوَقْفِ أَوْ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ أَوْ الْوَاقِفِ، أَمَّا لَوْ كَانَ الْخَلَلُ يَسِيرًا لَا يَظْهَرُ بِهِ تَفَاوُتٌ فِي الْأُجْرَةِ وَلَا غَيْرِهَا كَانْصِدَاعٍ يَسِيرٍ فِي بَعْضِ السَّقْفِ أَوْ جِدَارٍ فَلَا (قَوْلُهُ: لَكِنْ لَا مِنْ حَيْثُ الْإِجَارَةُ) بَلْ مِنْ حَيْثُ رِعَايَةُ الْمَصْلَحَةِ لِلْوَقْفِ وَلِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ قَصَّرَ ضَمِنَ) أَيْ الْعَيْنَ بِقِيمَتِهَا وَقْتَ الْغَصْبِ وَيَكُونُ لِلْحَيْلُولَةِ حَتَّى لَوْ زَالَتْ يَدُ الْغَاصِبِ عَنْهَا وَرَجَعَتْ لِلْمَالِكِ اسْتَرَدَّهَا الْمُسْتَأْجِرُ مِنْهُ (قَوْله وَإِنْ سَهُلَ عَلَيْهِ) أَيْ كَمَا صَمَّمَ عَلَيْهِ م ر خِلَافُ مَا صَمَّمَ عَلَيْهِ طب اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ. وَكَتَبَ أَيْضًا: قَوْلُهُ وَإِنْ سَهُلَ عَلَيْهِ يُتَأَمَّلُ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ أَوَّلًا فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ غَيْرِ خَطَرٍ لَزِمَهُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ عَدَمَ اللُّزُومِ إذَا غَرِمَ الْقِيمَةَ لِلْحَيْلُولَةِ وَاللُّزُومِ قَبْلَ غُرْمِهَا فَلَا تَنَافِيَ. (قَوْلُهُ: كَالْجَمَلُونِ) أَيْ وَكَمَا لَوْ كَانَ السَّطْحُ لَا مَرْقَى لَهُ وَكَتَبَ أَيْضًا قَوْلُهُ كَالْجَمَلُونِ قَالَ فِي الْمَنْهَجِ وَإِلَّا فَيَظْهَرُ أَنَّهُ كَالْعَرْصَةِ أَيْ فَيَجِبُ تَنْظِيفُهُ مِنْهُ.
(قَوْلُهُ: بِالْمَعْنَى السَّابِقِ) أَيْ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ لِدَفْعِ الْخِيَارِ (قَوْلُهُ: لَا يَلْزَمُ وَاحِدًا مِنْهُمَا نَقْلُهُ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ تَعَذَّرَ الِانْتِفَاعُ بِهَا مَعَهُ لِأَنَّهُ لَا فِعْلَ فِيهِ مِنْ الْمُكْرِي وَالْمُكْتَرِي مُتَمَكِّنٌ مِنْ إزَالَتِهِ، وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي الْكُنَاسَةِ بَلْ عَدَمُ الْخِيَارِ فِيهَا أَوْلَى لِأَنَّ الْكُنَاسَةَ مِنْ فِعْلِهِ.
[فَائِدَةٌ] الْعَرْصَةُ: كُلُّ بُقْعَةٍ بَيْنَ الدُّورِ لَا شَيْءَ فِيهَا، وَجَمْعُهَا عِرَاصٌ وَعَرَصَاتٌ.
[فَرْعٌ] لَوْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ عَلَى مَتَاعِ الْمُسْتَأْجِرِ وَجَبَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ التَّنْحِيَةُ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ. وَكَتَبَ أَيْضًا لَطَفَ اللَّهُ بِهِ قَوْلُهُ لَا يَلْزَمُ وَاحِدًا مِنْهُمَا: أَيْ لَا فِي الْمُدَّةِ وَلَا بَعْدَهَا، وَعَلَيْهِ فَلَوْ اخْتَلَفَا هَلْ هُوَ مِنْ الرِّيَاحِ أَوْ غَيْرِهَا فَهَلْ يُصَدَّقُ الْمُكْرِي أَوْ الْمُكْتَرِي؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ لُزُومِ النَّقْلِ وَبَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ (قَوْلُهُ: يُجْبَرُ الْمُكْتَرِي عَلَى نَقْلِ الْكُنَاسَةِ) أَيْ دُونَ الثَّلْجِ. قَالَ حَجّ: وَكَذَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ إنْ أَضَرَّتْ بِالسَّقْفِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ لَوْ شَرَطَ إبْقَاءَ الرُّخَامِ إلَخْ) صَرِيحُ هَذَا السِّيَاقِ أَنَّهُ بَحْثٌ آخَرُ لِأَبِي زُرْعَةَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ بَحْثٌ لِابْنِ حَجَرٍ كَمَا يُعْلَمُ بِمُرَاجَعَةِ تُحْفَتِهِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ) أَيْ دَفْعَ نَحْوِ الْحَرِيقِ (قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ النَّزْعَ مِنْ الْغَاصِبِ) أَيْ: سَوَاءٌ تَوَقَّفَ عَلَى خُصُومَةٍ أَمْ لَا، لَكِنْ لَهُ النَّزْعُ إنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى خُصُومَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا تَوَقَّفَ عَلَيْهَا: أَيْ: مِنْ حَيْثُ الْمَنْفَعَةُ فَيُخَاصِمُ (قَوْلُهُ: بِالْمَعْنَى السَّابِقِ) أَيْ: إنْ أَرَادَ دَوَامَ الْإِجَارَةِ. (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ الْمُكْرِي)

(5/299)


وَعَلَيْهِ بِالْمَعْنَى الْمَارِّ تَفْرِيغُ بَالُوعَةٍ وَحَشٌّ مِمَّا حَصَلَ فِيهِمَا بِفِعْلِهِ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، وَفَارَقَا الْكُنَاسَةَ بِأَنَّهُمَا نَشَآ عَمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ بِخِلَافِهَا، وَبِأَنَّ الْعُرْفُ فِيهَا رَفْعُهَا أَوَّلًا فَأَوَّلًا بِخِلَافِهِمَا، وَيَلْزَمُ الْمُؤَجِّرَ تَسْلِيمُهُمَا عِنْدَ الْعَقْدِ فَارِغَيْنِ وَإِلَّا ثَبَتَ لِلْمُكْتَرِي الْخِيَارُ وَلَوْ مَعَ عِلْمِهِ بِامْتِلَائِهِمَا، وَيُفَارِقُ مَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ خِيَارِهِ بِالْعَيْبِ الْمُقَارِنِ بِأَنَّ اسْتِيفَاءَ مَنْفَعَةِ السُّكْنَى تَتَوَقَّفُ عَلَى تَفْرِيغِهِ، بِخِلَافِ تَنْقِيَةِ الْكُنَاسَةِ وَنَحْوِهَا لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ مَعَ وُجُودِهِمَا.

(وَإِنْ) (أَجَّرَ دَابَّةً لِرُكُوبٍ) عَيْنًا أَوْ ذِمَّةً (فَعَلَى الْمُؤَجِّرِ) عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (إكَافٌ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَضَمِّهِ وَهُوَ لِلْحِمَارِ كَالسَّرْجِ لِلْفَرَسِ وَكَالْقَتَبِ لِلْبَعِيرِ، وَفَسَّرَهُ كَثِيرٌ بِالْبَرْذَعَةِ، وَلَعَلَّهُ مُشْتَرَكٌ، وَفِي الْمَطْلَبِ أَنَّهُ يُطْلَقُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ) أَيْ الْمُكْتَرِي قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ (قَوْلُهُ: تَفْرِيغُ بَالُوعَةٍ وَحَشُّ) الْحَشُّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَضَمِّهَا كَمَا فِي مُخْتَارِ الصِّحَاحِ.
[فَرْعٌ] وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا لَوْ تَعَذَّرَ الْحَشُّ هَلْ يَلْزَمُهُ تَفْرِيغُ الْجَمِيعِ أَمْ تَفْرِيغُ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ فَقَطْ؟ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الظَّاهِرَ الثَّانِي، وَعَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ مَا زَادَ تُشَوِّشُ رَائِحَتُهُ عَلَى السَّاكِنِ وَأَوْلَادِهِ هَلْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ: إنْ كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ فَلَا خِيَارَ لَهُ وَإِلَّا ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ (قَوْلُهُ: مِمَّا حَصَلَ فِيهِمَا بِفِعْلِهِ) أَيْ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ تَوَلَّدَ مِنْهُ ضَرَرٌ لَلْجُدَرَانِ، فَإِنْ أَرَادَ الْمَالِكُ دَفْعَ الضَّرَرِ فَعَلَهُ لِحِفْظِ مِلْكِهِ، وَيَنْبَغِي كَمَا مَرَّ أَنَّ هَذَا فِيمَنْ يَتَصَرَّفُ عَنْ نَفْسِهِ، أَمَّا النَّاظِرُ وَالْوَلِيُّ فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا ذَلِكَ عَمَلًا بِالْمَصْلَحَةِ، هَذَا وَقِيَاسُ مَا ذَكَرَهُ حَجّ فِي الْكُنَاسَةِ إجْبَارُ الْمُكْتَرِي قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ عَلَى تَفْرِيغِ الْبَالُوعَةِ وَالْحَشِّ حَيْثُ تَوَلَّدَ مِنْهُمَا ضَرَرٌ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ سم عَلَى مَنْهَجٍ، وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ اللُّزُومِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّارِحِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْكُنَاسَةِ بِأَنَّهُ جَرَتْ الْعَادَةُ فِي الْكُنَاسَةِ بِأَنْ تُزَالَ شَيْئًا فَشَيْئًا وَأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَى وُجُودِهَا بِخِلَافِ الْبَالُوعَةِ وَالْحَشِّ.
[فَرْعٌ] وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا لَوْ اتَّسَخَ الثَّوْبُ الْمُؤَجَّرُ وَأُرِيدَ غَسْلُهُ هَلْ هُوَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ الْمُؤَجِّرِ؟ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنْ يُقَالَ: يَأْتِي فِيهِ جَمِيعُ مَا قِيلَ فِي الْكُنَاسَةِ، وَيُحْتَمَلُ وَهُوَ الْأَقْرَبُ أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ مَا فِي الْحَشِّ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُهُ لَا قَبْلَ فَرَاغِ الْمُدَّةِ وَلَا بَعْدَهَا لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ عَادَةً فِي الِاسْتِعْمَالِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ) بَقِيَ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ مُدَّةً تَلِي مُدَّتَهُ، فَإِنْ اسْتَأْجَرَ مُدَّةً أَوْ مُدَّتَيْنِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فِي عُقُودٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَالْكُلُّ كَالْمُدَّةِ الْوَاحِدَةِ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ بَعْدَ فَرَاغِ مُدَّتِهِ وَطَلَبَ مِنْ الْمُؤَجِّرِ التَّفْرِيغَ لَزِمَهُ، فَإِنْ لَمْ يُفَرِّغْهُ ثَبَتَ لِلْمُكْتَرِي الْخِيَارُ وَإِنْ كَانَ الِامْتِلَاءُ بِفِعْلِهِ لِعَدَمِ لُزُومِ التَّفْرِيغِ لَهُ (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُمَا) أَيْ مَا فِي الْبَالُوعَةِ وَالْحَشِّ (قَوْلُهُ: وَبِأَنَّ الْعُرْفَ فِيهَا) أَيْ الْكُنَاسَةِ (قَوْلُهُ فَارِغَيْنِ) أَيْ عَلَى وَجْهٍ يَتَأَتَّى مَعَهُ الِانْتِفَاعُ فَلَا يَضُرُّ اسْتِعْمَالُهَا بِمَا لَا يَمْنَعُ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ بِأَنَّ اسْتِيفَاءَ مَنْفَعَةِ السُّكْنَى تَتَوَقَّفُ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ سَلَّمَهُمَا لَهُ مَشْغُولَيْنِ بِمَا لَا يَمْنَعُ الْمَقْصُودَ ثُمَّ انْتَفَعَ بِهِمَا الْمُسْتَأْجِرُ فَصَارَا لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِمَا بِأَنْ امْتَلَآ هَلْ يَثْبُتُ لِلْمُكْتَرِي الْخِيَارُ أَمْ لَا لِأَنَّ عَدَمَ الِانْتِفَاعِ إنَّمَا نَشَأَ عَنْ فِعْلِهِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ مَنْعَ الِانْتِفَاعِ إنَّمَا حَصَلَ بِمَا كَانَ مَوْجُودًا قَبْلُ، وَكَتَبَ أَيْضًا لَطَفَ اللَّهُ بِهِ قَوْلُهُ فَارِغَيْنِ لَوْ اخْتَلَفَا فِي الِامْتِلَاءِ وَعَدَمِهِ فَهَلْ يُصَدَّقُ الْمُؤَجِّرُ أَوْ الْمُسْتَأْجِرُ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ فِي ذَلِكَ الرُّجُوعُ إلَى الْقَرَائِنِ، فَإِذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ مِنْهُ مُنْذُ شَهْرٍ مَثَلًا صُدِّقَ الْمُسْتَأْجِرُ وَإِلَّا صُدِّقَ الْمُؤَجِّرُ أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِيمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي جِرَاحَةٍ سَائِلَةٍ بِالْمَبِيعِ وَالْبَيْعُ وَالْقَبْضُ مِنْ أَمْسِ مَثَلًا حَيْثُ قَالُوا فِيهِ إنَّ الْمُصَدَّقَ الْمُشْتَرِي بِلَا يَمِينٍ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ لِلْحِمَارِ كَالسَّرْجِ إلَخْ) الْمُتَبَادِرُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّ الْإِكَافَ مُخْتَصٌّ بِالْحِمَارِ كَمَا أَنَّ السَّرْجَ مُخْتَصٌّ بِالْفَرَسِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
أَيْ مَعَ لُزُومِ تَنْظِيفِهِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْمُدَّةِ حَتَّى يُفَارِقَ الْغُبَارَ الْحَاصِلَ بِالرِّيحِ الْآتِي

(قَوْلُهُ: وَهُوَ لِلْحِمَارِ كَالسَّرْجِ إلَخْ)

(5/300)


فِي بِلَادِنَا عَلَى مَا يُوضَعُ فَوْقَ الْبَرْذَعَةِ وَيُشَدُّ عَلَيْهِ الْحِزَامُ اهـ. وَالْمُرَادُ هُنَا مَا تَحْتَ الْبَرْذَعَةِ (وَبَرْذَعَةٌ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ ثُمَّ ذَالٌ مُعْجَمَةٌ أَوْ مُهْمَلَةٌ وَهِيَ الْحِلْسُ الَّذِي تَحْتَ الرَّحْلِ كَذَا فِي الصِّحَاحِ فِي مَوْضِعٍ كَالْمَشَارِقِ. وَقَالَ فِي حِلْسٍ: الْحِلْسُ لِلْبَعِيرِ وَهُوَ كِسَاءٌ رَقِيقٌ يَكُونُ تَحْتَ الْبَرْذَعَةِ وَهِيَ الْآنَ لَيْسَتْ وَاحِدًا مِنْ هَذَيْنِ، بَلْ حِلْسٌ غَلِيظٌ مَحْشُوٌّ لَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ آخَرُ غَالِبًا (وَحِزَامٌ) وَهُوَ مَا يُشَدُّ بِهِ الْإِكَافُ (وَثَفَرٌ) بِمُثَلَّثَةٍ وَفَاءٍ مَفْتُوحَةٍ وَهُوَ مَا يُجْعَلُ تَحْتَ ذَنَبِ الدَّابَّةِ (وَبُرَةٌ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ حَلْقَةٌ تُجْعَلُ فِي أَنْفِ الْبَعِيرِ (وَخِطَامٌ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ يُشَدُّ فِي الْبُرَةِ ثُمَّ يُشَدُّ بِطَرَفِ الْمِقْوَدِ بِكَسْرِ الْمِيمِ لِتَوَقُّفِ التَّمْكِينِ اللَّازِمِ لَهُ عَلَيْهَا مَعَ اطِّرَادِ الْعُرْفِ بِهِ، فَانْدَفَعَ بَحْثُ الزَّرْكَشِيّ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ عِنْدَ اطِّرَادِ الْعُرْفِ بِهِ وَإِلَّا وَجَبَ الْبَيَانُ كَمَا مَرَّ فِي نَحْوِ الْحِبْرِ، أَمَّا إذَا شُرِطَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُهُ (وَعَلَى الْمُكْتَرِي مَحْمَلٌ وَمِظَلَّةٌ) أَيْ مَا يُظَلِّلُ بِهِ عَلَى الْمَحْمَلِ (وَوِطَاءٌ) وَهُوَ مَا يُفْرَشُ فِي الْمَحْمَلِ لِيَجْلِسَ عَلَيْهِ وَغِطَاءٌ بِكَسْرِ أَوَّلِهِمَا (وَتَوَابِعُهُمَا) كَحَبْلٍ يُشَدُّ بِهِ الْمَحْمَلُ عَلَى الْبَعِيرِ أَوْ أَحَدُ الْمَحْمَلَيْنِ إلَى الْآخَرِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُرَادُ لِكَمَالِ الِانْتِفَاعِ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ بِالْإِجَارَةِ، وَقَدْ نَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ اتِّفَاقِهِمْ أَنَّ الْحَبْلَ الْأَوَّلَ عَلَى الْجَمَّالِ لِأَنَّهُ مِنْ آلَةِ التَّمْكِينِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِكَوْنِهِ كَالْحِزَامِ، وَفَارَقَ الثَّانِي بِأَنَّ الثَّانِي لِإِصْلَاحِ مِلْكِ الْمُكْتَرِي (وَالْأَصَحُّ فِي السَّرْجِ) لِلْفَرَسِ الْمُسْتَأْجَرِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (اتِّبَاعُ الْعُرْفِ) قَطْعًا لِلنِّزَاعِ، وَمَحَلُّهُ عِنْدَ اطِّرَادِهِ بِمَحَلِّ الْعَقْدِ وَإِلَّا وَجَبَ الْبَيَانُ كَمَا مَرَّ. وَالثَّانِي أَنَّهُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ كَالْإِكَافِ. وَالثَّالِثُ الْمَنْعُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عَادَةٌ مُطَّرِدَةٌ وَلَوْ اطَّرَدَ الْعُرْفُ بِخِلَافِ مَا نَصُّوا عَلَيْهِ عُمِلَ بِهِ فِيمَا يَظْهَرُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاصْطِلَاحَ الْخَاصَّ يَرْفَعُ الِاصْطِلَاحَ الْعَامَّ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَإِنْ اقْتَضَى فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى عَدَمَهُ، لِأَنَّ الْعُرْفَ هُنَا مَعَ اخْتِلَافِهِ بِاخْتِلَافِ الْمَحَالِّ كَثِيرًا هُوَ الْمُسْتَقِلُّ بِالْحُكْمِ فَوَجَبَتْ إنَاطَتُهُ بِهِ مُطْلَقًا، وَبِهِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا مَرَّ فِي الْمُسَاقَاةِ وَمَا يَأْتِي فِي الْإِحْدَادِ (وَظَرْفُ الْمَحْمُولِ عَلَى الْمُؤَجِّرِ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ) لِالْتِزَامِهِ النَّقْلَ.

(وَعَلَى الْمُكْتَرِي فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ سِوَى تَسْلِيمِ الدَّابَّةِ مَعَ نَحْوِ إكَافِهَا وَحِفْظُ الدَّابَّةِ عَلَى صَاحِبِهَا مَا لَمْ يُسَلِّمْهَا لَهُ لِيُسَافِرَ عَلَيْهَا وَحْدَهُ فَيَلْزَمُهُ حِفْظُهَا صِيَانَةً لَهَا لِأَنَّهُ كَالْمُودَعِ (وَعَلَى الْمُؤَجِّرِ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ الْخُرُوجُ مَعَ الدَّابَّةِ) بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ (لِيَتَعَهَّدَهَا وَ) عَلَيْهِ أَيْضًا (إعَانَةُ الرَّاكِبِ فِي رُكُوبِهِ وَنُزُولِهِ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ) وَالْعُرْفُ فِي كَيْفِيَّةِ الْإِعَانَةِ فَيُنِيخُ الْبَعِيرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
وَالْقَتَبَ مُخْتَصٌّ بِالْبَعِيرِ، وَلَا يُفْهَمُ مِنْ هَذَا بَيَانُ حَقِيقَتِهِ، وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ وَفَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ إلَخْ بَيَانٌ لِمَا أَجْمَلَهُ مَنْ قَالَ هُوَ كَالسَّرْجِ إلَخْ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَظْهَرْ مَعْنَى قَوْلِهِ وَلَعَلَّهُ مُشْتَرَكٌ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ هُنَا مَا تَحْتَ الْبَرْدَعَةِ) وَهُوَ الْمُسَمَّى الْآنَ بِالْمَعْرَفَةِ لَا هِيَ لِعَطْفِهَا عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: كَالْمَشَارِقِ) اسْمُ كِتَابٍ (قَوْلُهُ: وَقَالَ فِي حِلْسٍ) أَيْ فِي مَادَّتِهَا (قَوْلُهُ: وَخِطَامٍ) وَعَلَيْهِ أَيْضًا نَعْلٌ اُحْتِيجَ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا شَرَطَ إلَخْ) مُحْتَرَزٌ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَفِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ: فَإِنْ اكْتَرَى الدَّابَّةَ عَرِيًّا كَأَنْ قَالَ اكْتَرَيْت مِنْك هَذِهِ الدَّابَّةَ الْعَارِيَّةَ فَقَبِلَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ الْآلَاتِ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: وَتَوَابِعُهُمَا) وَمِنْ ذَلِكَ الْآلَةُ الَّتِي تُسَاقُ بِهَا الدَّابَّةُ (قَوْلُهُ: عَلَى الْجَمَّالِ) ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَإِلَّا فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ عَلَى الْمُكْتَرِي (قَوْلُهُ: وَإِنْ اقْتَضَى فِي مَوَاضِعَ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَإِنْ جَرَوْا فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ عَلَى خِلَافِهِ.

(قَوْلُهُ: وَعَلَى الْمُؤَجِّرِ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ) وَمِنْهُ مَا يَقَعُ فِي مِصْرِنَا مِنْ قَوْلِهِ أَوْصِلْنِي لِلْمَحَلِّ الْفُلَانِيِّ بِكَذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
هَذَا تَفْسِيرٌ لَهُ بِاعْتِبَارِ اللُّغَةِ، وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ بِالْمَعْنَى الْمُرَادِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا يُشَدُّ بِهِ الْإِكَافُ) يَعْنِي بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَهُوَ مَا فَوْقَ الْبَرْذعَةِ، أَوْ نَفْسُ الْبَرْذعَةِ عَلَى مَا مَرَّ فِيهِ. (قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا شَرَطَ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (قَوْلُهُ: وَعَلَى الْمُكْتَرِي مَحْمَلٌ وَمِظَلَّةٌ إلَخْ) قَالَ الشِّهَابُ ابْنُ قَاسِمٍ: شَامِلٌ لِلْعَيْنِ وَالذِّمَّةِ بِدَلِيلِ تَعْمِيمِ الْقَسَمِ، وَيَتَحَصَّلُ مِمَّا هُنَا مَعَ قَوْلِهِ فِيمَا قَبْلَ الْفَصْلِ السَّابِقِ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا يَرْكَبُ عَلَيْهِ مِنْ مَحْمَلٍ وَغَيْرِهِ إنْ كَانَ لَهُ أَنَّ مَا ذَكَرَ مِنْ الْمَحْمَلِ وَغَيْرِهِ عَلَى الْمُكْتَرِي وَهُوَ مَا ذُكِرَ هُنَا، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ هُنَاكَ، وَإِلَّا لَمْ يَحْتَجْ لِمَعْرِفَتِهِ وَيَرْكَبُهُ

(5/301)


لِنَحْوِ امْرَأَةٍ وَضَعِيفٍ حَالَةَ الرُّكُوبِ وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا عِنْدَ الْعَقْدِ، وَيُقَرِّبُ نَحْوَ الْحِمَارِ مِنْ مُرْتَفِعٍ لِيَسْهُلَ رُكُوبُهُ وَيُنَزِّلُهُ لِمَا لَا يَتَأَتَّى فِعْلُهُ عَلَيْهَا كَصَلَاةِ فَرْضٍ لَا نَحْوُ أَصْلٍ وَيَنْتَظِرُ فَرَاغَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ مُبَالَغَةُ تَخْفِيفٍ وَلَا قَصْرٍ وَلَا جَمْعٍ، وَلَيْسَ لَهُ التَّطْوِيلُ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ: أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَسَطِ الْمُعْتَدِلِ مِنْ فِعْلِ نَفْسِهِ فِيمَا يَظْهَرُ، فَلَوْ طَوَّلَ ثَبَتَ لِلْمُكْرِي الْفَسْخُ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَلَهُ النَّوْمُ عَلَيْهَا وَقْتَ الْعَادَةِ دُونَ غَيْرِهِ لِثِقَلِ النَّائِمِ، وَلَا يَلْزَمُهُ النُّزُولُ عَنْهَا لِلْإِرَاحَةِ، بَلْ لِلْعَقَبَةِ إنْ كَانَ ذَكَرًا قَوِيًّا لَا وَجَاهَةَ ظَاهِرَةٌ لَهُ بِحَيْثُ يُخِلُّ الْمَشْيُ بِمُرُوءَتِهِ عَادَةً، وَعَلَيْهِ إيصَالُهُ إلَى أَوَّلِ الْبَلَدِ الْمُكْرَى إلَيْهَا مِنْ عُمْرَانِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا سُورٌ وَإِلَّا فَإِلَى السُّورِ دُونَ مَسْكَنِهِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إلَّا إنْ كَانَ الْبَلَدُ صَغِيرًا تَتَقَارَبُ أَقْطَارُهُ فَيُوصِلُهُ مَنْزِلَهُ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِحَمْلِ حَطَبٍ إلَى دَارِهِ وَأَطْلَقَ لَمْ يَلْزَمْهُ إطْلَاعُهُ السَّقْفَ وَهَلْ يَلْزَمُهُ إدْخَالُهُ الدَّارَ وَالْبَابُ ضَيِّقٌ أَوْ تَفْسُدُ الْإِجَارَةُ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا أَوَّلُهُمَا، وَلَوْ ذَهَبَ مُسْتَأْجِرُ الدَّابَّةِ بِهَا وَالطَّرِيقُ آمِنٌ فَحَدَثَ خَوْفٌ فَرَجَعَ بِهَا ضَمِنَ أَوْ مَكَثَ هُنَاكَ يَنْتَظِرُ الْأَمْنَ لَمْ تُحْسَبْ عَلَيْهِ مُدَّتُهُ، وَلَهُ حِينَئِذٍ حُكْمُ الْوَدِيعِ فِي حِفْظِهَا وَإِنْ قَارَنَ الْخَوْفُ الْعَقْدَ فَرَجَعَ فِيهِ لَمْ يَضْمَنْ إنْ عَرَفَهُ الْمُؤَجِّرُ، وَإِنْ ظَنَّ الْأَمْنَ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
فَإِنَّهُ إنْ اشْتَمَلَ ذَلِكَ عَلَى صِيغَةٍ صَحِيحَةٍ لَزِمَ فِيهَا الْمُسَمَّى وَإِلَّا فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا عِنْدَ الْعَقْدِ) وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلْمُكْرِي بِطُرُوِّ ذَلِكَ عَلَى الْمُكْتَرِي، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَرَضِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُكْتَرِيَ حَمْلُهُ مَرِيضًا لِأَنَّ مَرَضَ الْمُكْتَرِي يُؤَدِّي إلَى دَوَامِ ضَرَرٍ بِالدَّابَّةِ بِدَوَامِ رُكُوبِهِ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ مَا هُنَا فَإِنَّهُ يَسِيرٌ يُتَسَامَحُ بِمِثْلِهِ عَادَةً حَتَّى إنَّهُ يَقْصِدُ الْأَجَانِبَ فِي طَلَبِ الْإِعَادَةِ بِهِ مِنْهُمْ (قَوْلُهُ: وَيُقَرِّبُ نَحْوَ الْحِمَارِ) أَيْ فَلَوْ قَصَّرَ فِيمَا يَفْعَلُهُ مَعَ الرَّاكِبِ فَأَدَّى ذَلِكَ إلَى تَلَفِهِ أَوْ تَلَفِ شَيْءٍ مِنْهُ فَهَلْ يَضْمَنُ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الضَّمَانُ (قَوْلُهُ مِنْ فِعْلِ نَفْسِهِ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ خَالَفَ الْوَسَطَ الْمُعْتَدِلَ مِنْ غَالِبِ النَّاسِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُكْتَرِي بِحَالِهِ وَقْتَ الْإِجَارَةِ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ ذَكَرًا) وَخَرَجَ بِهِ الْمَرْأَةُ فَلَا يَلْزَمُهَا ذَلِكَ وَإِنْ قَدَرَتْ عَلَى الْمَشْيِ لِمَا فِيهِ مِنْ عَدَمِ السَّتْرِ لَهَا (قَوْلُهُ: لَا وَجَاهَةَ) أَيْ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ النُّزُولُ عَنْ الدَّابَّةِ (قَوْلُهُ: دُونَ مَسْكَنِهِ) وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ هَذَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، أَمَّا لَوْ نَصَّ لَهُ عَلَى الْوُصُولِ إلَى مَنْزِلِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا اُسْتُؤْجِرَ لَهُ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ النَّصِّ مَا لَوْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِإِيصَالِ الْمُكْتَرِي إلَى مَنْزِلِهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِحَمْلِ حَطَبٍ) وَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ السِّقَاءُ فَإِنَّهُ لَيْسَ مُسْتَأْجَرًا لِنَقْلِ الْمَاءِ بَلْ الْمَاءُ مَقْبُوضٌ مِنْهُ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ، فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ فِي الْعَقْدِ نَقْلَهُ إلَى مَحَلِّ الْمَاءِ الْمُعْتَادِ بَطَلَ الْعَقْدُ، وَإِلَّا صَحَّ وَلَا يَلْزَمُهُ نَقْلُهُ، فَإِنْ فَعَلَ تَبَرُّعًا فَذَاكَ وَإِلَّا فَعَلَى الْمُشْتَرِي إحْضَارُ أَوَانٍ لِلْمَوْضِعِ الَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ لِيَتَسَلَّمَ فِيهَا الْمَاءَ (قَوْلُهُ: وَالطَّرِيقُ آمِنٌ) أَيْ فِي الْوَاقِعِ (قَوْلُهُ فَرَجَعَ بِهَا ضَمِنَ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي هَذَا التَّفْصِيلِ بَيْنَ وُجُودِ وَكِيلٍ لِلْمَالِكِ أَوْ حَاكِمٍ أَوْ أَمِينٍ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي رَجَعَ مِنْهُ وَعَدَمِهِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِعُمُومِ مَا يَأْتِي عَنْ تَصْرِيحِ الْأَكْثَرِينَ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْفَرْضَ هُنَا أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهَا لِلذَّهَابِ بِهَا وَالْعَوْدِ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: فَرَجَعَ فِيهِ) أَيْ الْخَوْفِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ ظَنَّ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
الْمُؤَجِّرُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِدَابَّتِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَاكَ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ الشِّهَابُ الْمَذْكُورُ

(قَوْلُهُ: إلَى أَوَّلِ عِمْرَانِهَا) هَذَا إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ لِلرُّكُوبِ فَقَطْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ ذَهَبَ مُسْتَأْجِرُ الدَّابَّةِ بِهَا وَالطَّرِيقُ آمِنٌ إلَخْ) هَذِهِ عِبَارَةُ الْعُبَابِ بِالْحَرْفِ وَعِبَارَةُ الْأَنْوَارِ وَلَوْ كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا وَالْإِجَارَةُ لِلذَّهَابِ وَالْإِيَابِ فَذَهَبَ ثُمَّ حَدَثَ الْخَوْفُ لَمْ يَرْجِعْ إلَى أَنْ يَنْجَلِيَ وَلَا يَحْسِبُ زَمَنَ الْمُكْثِ، فَإِنْ رَجَعَ وَسَلِمَتْ الدَّابَّةُ مِنْ ذَلِكَ الْخَوْفِ وَلَكِنْ أَصَابَتْهَا آفَةٌ أُخْرَى ضَمِنَ؛ لِأَنَّ مَنْ صَارَ مُتَعَدِّيًا لَمْ يَتَوَقَّفْ الضَّمَانُ عَلَيْهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ التَّلَفُ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ، وَلَوْ كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا فِي الْأَوَّلِ،

(5/302)


عَدَمُ تَضْمِينِهِ

(وَ) عَلَيْهِ أَيْضًا (رَفْعُ الْحَمْلِ وَحَطُّهُ وَشَدُّ الْمَحْمَلِ وَحَلُّهُ) وَشَدُّ أَحَدِ الْمَحْمَلَيْنِ إلَى الْآخَرِ وَهُمَا بِالْأَرْضِ وَأُجْرَةِ دَلِيلٍ وَخَفِيرٍ وَقَائِدٍ وَسَائِقٍ وَحَافِظِ مَتَاعٍ فِي الْمَنْزِلِ، وَكَذَا نَحْوُ دَلْوٍ وَرِشَاءِ فِي اسْتِئْجَارٍ لِنَحْوِ الِاسْتِقَاءِ لِاقْتِضَاءِ الْعُرْفِ جَمِيعَ ذَلِكَ (وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ إلَّا التَّخْلِيَةُ بَيْنَ الْمُكْتَرِي وَالدَّابَّةِ) فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِمَّا مَرَّ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ سِوَى التَّمْكِينِ مِنْهَا الْمُرَادُ بِالتَّخْلِيَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ إنْ قَبَضَهَا بِالتَّخْلِيَةِ لِئَلَّا يُخَالِفَ قَبْضَ الْمَبِيعِ فَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ هُنَاكَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي قَبْضِ الدَّابَّةِ سَوْقُهَا أَوْ قَوْدُهَا زَادَ النَّوَوِيُّ: وَلَا يَكْفِي رُكُوبُهَا، وَتَسْتَقِرُّ الْأُجْرَةُ فِي الصَّحِيحَةِ دُونَ الْفَاسِدَةِ بِالتَّخْلِيَةِ فِي الْعَقَارِ وَبِالْوَضْعِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُسْتَأْجِرِ وَبِالْعَرْضِ عَلَيْهِ وَامْتِنَاعِهِ مِنْ الْقَبْضِ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، وَلَهُ قَبْلَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهَا مِنْ الْمُؤَجِّرِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ هُنَا لَا مِنْ غَيْرِهِ، وَفَرَّقَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَيْنَ عَدَمِ صِحَّتِهَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْبَيْعِ بِأَنَّ تَسْلِيمَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ هُنَا إنَّمَا يَتَأَتَّى بِاسْتِيفَائِهِ، وَبَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ لَا يَصِحُّ إيجَارُهُ.

(وَتَنْفَسِخُ إجَارَةُ الْعَيْنِ) بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْتَقْبَلِ كَمَا يَأْتِي، وَذَكَرَ هُنَا لِضَرُورَةِ التَّقْسِيمِ (بِتَلَفِ الدَّابَّةِ) الْمُسْتَأْجَرَةِ وَلَا تُبَدَّلُ لِفَوَاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَبِهِ فَارَقَ إبْدَالَهَا فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ، وَلَوْ كَانَ تَلَفُهَا أَثْنَاءَ الطَّرِيقِ اسْتَحَقَّ الْمَالِكُ لَهَا قِسْطَ الْأُجْرَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ لِحَمْلِهَا أَثْنَاءَ الطَّرِيقِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمَا لَوْ احْتَرَقَ الثَّوْبُ بَعْدَ خِيَاطَةِ بَعْضِهِ بِحَضْرَةِ الْمَالِكِ أَوْ فِي مِلْكِهِ اسْتَحَقَّ الْقِسْطَ لِوُقُوعِ الْعَمَلِ مُسَلَّمًا لَهُ، وَلَوْ اكْتَرَاهُ لِحَمْلِ جَرَّةٍ فَانْكَسَرَتْ فِي الطَّرِيقِ لَا شَيْءَ لَهُ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْخِيَاطَةَ تَظْهَرُ عَلَى الثَّوْبِ فَوَقَعَ الْعَمَلُ مُسَلَّمًا لِظُهُورِ أَثَرِهِ عَلَى الْمَحَلِّ، وَالْحَمْلُ لَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ عَلَى الْجَرَّةِ اهـ. وَبِمَا قَالَاهُ عُلِمَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِ الْقِسْطِ فِي الْإِجَارَةِ وُقُوعُ الْعَمَلِ مُسَلَّمًا وَظُهُورُ أَثَرِهِ عَلَى الْمَحَلِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ الْمُؤَجِّرُ (قَوْلُهُ: عَدَمُ تَضْمِينِهِ) أَيْ الْمُسْتَأْجِرِ

(قَوْلُهُ: وَحَافِظِ مَتَاعٍ فِي الْمَنْزِلِ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ فِي الْمَنَازِلِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْمَنْزِلِ وَالْمَنَازِلِ يُخْرِجُ حَالَ السَّيْرِ فَلْيُرَاجَعْ اهـ سم عَلَى حَجّ. أَقُولُ: قَوْلُهُ رَجَعَ يُعْلَمُ حُكْمُهُ مِنْ قَوْلِهِ وَأُجْرَةُ دَلِيلٍ وَخَفِيرٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَبِالْوَضْعِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُسْتَأْجِرِ) تَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ قَبْلَ قَبْضِهِ أَنَّ مَحَلَّ الِاكْتِفَاءِ بِذَلِكَ حَيْثُ كَانَ الْمَبِيعُ خَفِيفًا يُمْكِنُ تَنَاوُلُهُ بِالْيَدِ، وَقِيَاسُهُ أَنْ يَأْتِيَ مِثْلُهُ هُنَا (قَوْلُهُ: وَلَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ، وَقَوْلُهُ قَبْلَهُ: أَيْ الْقَبْضِ (قَوْلُهُ وَفَرَّقَ الْوَالِدُ) قَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ بِأَنَّ الْقَبْضَ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ وَهُوَ هُنَا بِقَبْضِ الْعَيْنِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُؤَجِّرُهَا مِنْ غَيْرِ الْمُكْرِي، فَلَوْ تَوَقَّفَ الْقَبْضُ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَ كَوْنِ الْإِيجَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ صَفْقَةً كَانَ قَبْضُهَا فِي الْمَجْلِسِ بِقَبْضِ مَحَلِّهَا وَلَوْ عَقَارًا اهـ حَجّ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ تَلَفُهَا) أَيْ الدَّابَّةِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ إلَخْ) أَيْ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَالِكِ مَعَ الْعَيْنِ أَمْ لَا، وَهُوَ لَا يُخَالِفُ مَا اسْتَنَدَ إلَيْهِ فِي قَوْلِهِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمَا إلَخْ لِمَا ذَكَرَهُ بَعْدُ مِنْ أَنَّ الْخِيَاطَةَ يَظْهَرُ أَثَرُهَا عَلَى الْمَحَلِّ (قَوْلُهُ: لَا شَيْءَ لَهُ) أَيْ لَا أُجْرَةَ لَهُ ثُمَّ إنْ قَصَّرَ حَتَّى تَلِفَتْ ضَمِنَهَا وَإِلَّا فَلَا، وَمِنْ التَّقْصِيرِ مَا لَوْ عَلِمَ الْمُكْرِي بِعَجْزِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
فَإِنْ عَلِمَ الْمُكْرِي وَأَجَازَ جَازَ لَهُ الرُّجُوعُ مَعَ قِيَامِ الْخَوْفِ وَلَا ضَمَانَ، وَإِنْ جَهِلَ فَوَجْهَانِ انْتَهَتْ

(قَوْلُهُ: وَفَرَّقَ الْوَالِدُ بَيْنَ عَدَمِ صِحَّتِهَا) أَيْ: وَبَيْنَ مَا هُنَا، وَلَعَلَّهُ أَسْقَطَهُ الْكَتَبَةُ (قَوْلُهُ: إنَّمَا يَتَأَتَّى بِاسْتِيفَائِهِ) وَبَعْدَ اسْتِيفَائِهِ لَا يَصِحُّ إيجَارُهُ: أَيْ فَلَوْ أَوْقَفْنَا صِحَّةَ إيجَارِهِ عَلَى قَبْضِهِ لَانْسَدَّ عَلَيْهِ بَابُ الْإِجَارَةِ، لَكِنْ هَذَا الْفَرْقُ قَدْ يَتَوَقَّفُ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلِ أَنَّهُمْ جَعَلُوا هُنَا قَبْضَ الْعَيْنِ قَائِمًا مَقَامَ قَبْضِ الْمَنْفَعَةِ وَحِينَئِذٍ فَيُقَالُ كَانَ الْمُتَبَادَرُ أَنْ لَا يَصِحَّ إيجَارُهُ إلَّا بَعْدَ قَبْضِ الْعَيْنِ الْقَائِمِ مَقَامَ قَبْضِ الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْقَبْضُ الْحَقِيقِيُّ بِقَبْضِ الْمَنْفَعَةِ فَمَا فِي حُكْمِهِ مِنْ قَبْضِ الْعَيْنِ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَالْمَيْسُورُ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ. الْوَجْهِ الثَّانِي: أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ يَقْتَضِي أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ إيجَارِهِ مِنْ الْمُؤَجِّرِ وَمِنْ غَيْرِهِ

(5/303)


وَلَوْ أَقَرَّ بَعْدَ دَفْعِ الْأُجْرَةِ بِأَنْ لَا حَقَّ لَهُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ ثُمَّ بَانَ فَسَادُ الْإِجَارَةِ رَجَعَ بِهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ

(وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ) عَلَى التَّرَاخِي عَلَى الْمَنْقُولِ الْمُعْتَمَدِ لِأَنَّ الضَّرَرَ يَتَجَدَّدُ بِمُرُورِ الزَّمَانِ (بِعَيْنِهَا) الْمُقَارِنِ لِلْعَقْدِ حَيْثُ كَانَ جَاهِلًا بِهِ وَالْحَادِثِ لِتَضَرُّرِهِ، وَهُوَ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ مَا أَثَّرَ فِي الْمَنْفَعَةِ تَأْثِيرًا يَظْهَرُ بِهِ تَفَاوُتُ أُجْرَتِهَا لِكَوْنِهَا تَتَعَثَّرُ أَوْ تَتَخَلَّفُ عَنْ الْقَافِلَةِ، بِخِلَافِ خُشُونَةِ مَشْيِهَا كَمَا جَزَمَا بِهِ، لَكِنْ صَوَّبَ الزَّرْكَشِيُّ قَوْلَ ابْنِ الرِّفْعَةِ أَنَّهُ عَيْبٌ كَصُعُوبَةِ ظَهْرِهَا، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ عَدَّهُمْ لَهُ فِي الْمَبِيعِ عَيْبًا، فَقَدْ أَجَابَ الشَّيْخُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَعْدُودَ لَيْسَ مُجَرَّدَ الْخُشُونَةِ بَلْ خُشُونَةٌ يُخْشَى مِنْهَا السُّقُوطُ، وَإِذَا عَلِمَ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْمُدَّةِ وَجَبَ لَهُ الْأَرْشُ أَوْ فِي أَثْنَائِهَا وَفُسِخَ وَجَبَ لِمَا مَضَى وَإِنْ لَمْ يَنْفَسِخْ لَمْ يَجِبْ لِلْمُسْتَقْبَلِ، وَتَرَدَّدَ السُّبْكِيُّ فِيمَا مَضَى وَرَجَّحَ الْغَزِّيِّ وُجُوبَهُ.

(وَلَا خِيَارَ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ) بِعَيْبِ الدَّابَّةِ الْمُحْضَرَةِ وَلَا بِتَلَفِهَا (بَلْ يَلْزَمُهُ الْإِبْدَالُ) كَمَا لَوْ وَجَدَ بِالْمُسَلَّمِ فِيهِ عَيْبًا لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الذِّمَّةِ بِصِفَةِ السَّلَامَةِ وَهَذَا غَيْرُ سَلِيمٍ، فَإِذَا لَمْ يَرْضَ بِهِ رَجَعَ إلَى مَا فِي الذِّمَّةِ، وَلَوْ عَجَزَ عَنْ الْإِبْدَالِ ثَبَتَ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَيَخْتَصُّ الْمُكْتَرِي بِمَا تَسَلَّمَهُ فَلَهُ إيجَارُهَا، وَيُمْنَعُ إبْدَالُهَا بِغَيْرِ رِضَاهُ وَيَتَقَدَّمُ بِمَنْفَعَتِهَا عَلَى جَمِيعِ الْغُرَمَاءِ (وَالطَّعَامُ الْمَحْمُولُ لِيُؤْكَلَ) فِي الطَّرِيقِ إذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ فِي الْعَقْدِ لِإِبْدَالِهِ وَلَا لِعَدَمِهِ (يُبَدَّلُ إذَا أُكِلَ فِي الْأَظْهَرِ) عَمَلًا بِمُقْتَضَى اللَّفْظِ لِتَنَاوُلِهِ حَمْلَ كَذَا إلَى كَذَا، وَكَأَنَّهُمْ إنَّمَا قَدَّمُوهُ عَلَى الْعَادَةِ بِأَنَّهُ لَا يُبَدَّلُ لِعَدَمِ اطِّرَادِهَا. وَالثَّانِي لِأَنَّ الْعَادَةَ عَدَمُ إبْدَالِ الزَّادِ وَلَوْ لَمْ يَجِدْهُ فِيمَا بَعْدَ مَحَلِّ الْفَرَاغِ بِسِعْرِهِ فِيهِ أَبْدَلَ جَزْمًا. نَعَمْ لَوْ شُرِطَ عَدَمُ إبْدَالِهِ اتَّبَعَ الشَّرْطَ، وَلَوْ شَرَطَ قَدْرًا فَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُؤَجِّرِ مُطَالَبَتُهُ بِنَقْصِ قَدْرٍ أَكَلَهُ اتِّبَاعًا لِلشَّرْطِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الدَّابَّةِ عَنْ حَمْلِ مِثْلِ مَا حَمَلَهُ لَهَا فَتَلِفَ بِسَبَبِ عَجْزِهَا وَمِنْ ذَلِكَ عِثَارُهَا (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَقَرَّ) أَيْ الْمُسْتَأْجِرُ (قَوْلُهُ: ثُمَّ بَانَ فَسَادُ الْإِجَارَةِ رَجَعَ بِهَا) أَيْ بِالْأُجْرَةِ الْمُسَمَّاةِ لِفَسَادِ الْإِجَارَةِ، وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمُدَّةِ وَضْعِ يَدِهِ عَلَى الْعَيْنِ وَقَدْ يَقَعُ التَّقَاصُّ. وَفِي حَجّ: وَلَوْ أَبْرَأَهُ الْمُؤَجِّرُ مِنْ الْأُجْرَةِ ثُمَّ تَقَايَلَا الْعَقْدَ لَمْ يَرْجِعْ الْمُكْتَرِي عَلَيْهِ بِشَيْءٍ اهـ. وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم: اُنْظُرْ لَوْ وَهَبَهُ الْمُؤَجِّرُ الْأُجْرَةَ بَعْدَ قَبْضِهَا مِنْهُ وَأَقْبَضَهَا لَهُ ثُمَّ تَقَايَلَا اهـ. أَقُولُ: الْقِيَاسُ الرُّجُوعُ كَمَا لَوْ وَهَبَتْ الْمَرْأَةُ صَدَاقَهَا لِلزَّوْجِ ثُمَّ فَسَخَ النِّكَاحَ (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَابُ حَادِثَةٍ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا، وَهِيَ أَنَّ شَخْصًا أَقَرَّ بِأَنَّ لِزَيْدٍ عَلَيْهِ كَذَا مِنْ الدَّرَاهِمِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ بِذَلِكَ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْعَقْدِ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا وَادَّعَى أَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى رِبًا وَأَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً وَأَرَادَ إسْقَاطَ الزِّيَادَةِ، وَأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ مِثْلُ مَا قَبَضَهُ مِنْهُ أَوْ قِيمَتُهُ وَهُوَ أَنَّهُ يَقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ عَمَلًا بِالْبَيِّنَةِ، وَلَا يُنَافِيهِ إقْرَارُهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا بَنَاهُ عَلَى ظَاهِرِ الْحَالِ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ.

(قَوْلُهُ بِخِلَافِ خُشُونَةِ مَشْيِهَا) وَالْمُرَادُ بِالْخُشُونَةِ إتْعَابُ رَاكِبِهَا كَأَنْ تَتَحَوَّلَ فِي مُنْعَطَفَاتِ الطَّرِيقِ مَثَلًا لِيُخَالِفَ صُعُوبَةَ ظَهْرِهَا (قَوْلُهُ: لَكِنْ صَوَّبَ الزَّرْكَشِيُّ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: وَرَجَّحَ الْغَزِّيِّ) مُعْتَمَدٌ.

(قَوْلُهُ يُبَدَّلُ إذَا أُكِلَ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ بِأَنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ مَقْصِدِهِ، وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّهُ لَا يُبَدِّلُهُ إلَّا إذَا كَانَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ قَبْلَ وُصُولِهِ مَقْصِدَهُ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا لَوْ أَكَلَ بَعْضَهُ (قَوْلُهُ: عَمَلًا بِمُقْتَضَى اللَّفْظِ) أَيْ لَفْظِ الْإِجَارَةِ، وَقَوْلُهُ وَحَمْلَ كَذَا إلَى كَذَا وَمَا أُكِلَ لَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ حَمَلَ لِلْمَحَلِّ الْمُعَيَّنِ (قَوْلُهُ: بِسِعْرِهِ) أَيْ بِأَنْ زَادَ قَدْرًا لَا يُتَغَابَنُ بِهِ (قَوْلُهُ: فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لِأَنَّ الضَّرَرَ) أَيْ بِسَبَبِ هَذَا الْعَيْبِ الْحَاصِلِ (قَوْلُهُ: فَقَدْ أَجَابَ الشَّيْخُ) يُوهِمُ أَنَّ هَذَا التَّقْيِيدَ مِنْ عِنْدِ الشَّيْخِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ كَذَلِكَ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَلَا تُخَالِفُ لِقَوْلِهِمْ فِي الْبَيْعِ إنَّهُ عَيْبٌ إنْ خَشَى مِنْهُ السُّقُوطَ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ الثَّانِي: يَعْنِي كَلَامَ الزَّرْكَشِيّ

(قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ شَرَطَ عَدَمَ إبْدَالِهِ اتَّبَعَ إلَخْ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَاخْتَارَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِبْدَالُ إلَّا إنْ شَرَطَ قَدْرًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَكْفِيهِ، وَإِذَا قُلْنَا لَا يُبَدَّلُ فَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ شَيْئًا فَهَلْ

(5/304)


وَيُحْتَمَلُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ لِلْعُرْفِ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِحَمْلِ الْجَمِيعِ فِي جَمِيعِ الطَّرِيقِ. قَالَ: وَهُوَ الَّذِي إلَيْهِ نَمِيلُ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ لِيُؤْكَلَ مَا حُمِلَ لِيُوصَلَ فَيُبَدَّلُ قَطْعًا وَبِقَوْلِهِ إذَا أُكِلَ مَا تَلِفَ بِسَرِقَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَيُبَدَّلُ قَطْعًا عَلَى نِزَاعٍ فِيهِ وَبِفَرْضِهِ الْكَلَامَ فِي الْمَأْكُولِ الْمَشْرُوبِ فَيُبَدَّلُ قَطْعًا لِلْعُرْفِ.

(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ غَايَةِ الْمُدَّةِ الَّتِي تُقَدَّرُ بِهَا الْمَنْفَعَةُ تَقْرِيبًا وَكَوْنُ يَدِ الْأَجِيرِ يَدَ أَمَانَةٍ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ (يَصِحُّ عَقْدُ الْإِجَارَةِ) عَلَى الْعَيْنِ (مُدَّةً تَبْقَى فِيهَا) تِلْكَ (الْعَيْنُ) بِصِفَاتِهَا الْمَقْصُودَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (غَالِبًا) لِإِمْكَانِ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ كَسَنَةٍ فِي نَحْوِ الثَّوْبِ وَعَشْرِ سِنِينَ فِي الدَّابَّةِ وَثَلَاثِينَ سَنَةً فِي الْعَبْدِ عَلَى مَا يَلِيقُ بِكُلٍّ مِنْهَا وَكَمِائَةِ سَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ فِي الْأَرْضِ طَلْقًا كَانَتْ أَوْ وَقْفًا لَمْ يَشْتَرِطْ وَاقِفُهُ لِإِيجَارِهِ مُدَّةً. قَالَ الْبَغَوِيّ: وَالْمُتَوَلِّي كَالْقَاضِي إلَّا أَنَّ الْحُكَّامَ اصْطَلَحُوا عَلَى مَنْعِ إجَارَةِ الْوَقْفِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ لِئَلَّا يَنْدَرِسَ الْوَقْفُ، وَفِي الْأَنْوَارِ أَنَّ مَا قَالَاهُ هُوَ الِاحْتِيَاطُ. قَالَ الشَّيْخَانِ: وَهَذَا الِاصْطِلَاحُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَلَعَلَّ سَبَبَهُ أَنَّ إجَارَةَ الْوَقْفِ تَحْتَاجُ إلَى أَنْ تَكُونَ بِالْقِيمَةِ وَتَقْوِيمُ الْمُدَّةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ الْبَعِيدَةِ صَعْبٌ. قَالَ: وَفِيهِ أَيْضًا مَنْعُ الِانْتِقَالِ إلَى الْبَطْنِ الثَّانِي وَقَدْ تَتْلَفُ الْأُجْرَةُ عَلَيْهِمْ، وَمَعَ ذَلِكَ تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ لِعِمَارَةٍ وَنَحْوِهَا فَالْحَاكِمُ يَجْتَهِدُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: مَا حُمِلَ لِيُوصَلَ) أَيْ فَتَلِفَ قَبْلَ الْوُصُولِ (قَوْلُهُ: فَيُبَدَّلُ قَطْعًا) أَيْ فَلَوْ لَمْ يُبَدِّلْهُ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ لَمْ يَسْقُطْ مِنْ الْمُسَمَّى شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُكْرِي مَانِعٌ.

(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ غَايَةِ الْمُدَّةِ
(قَوْلُهُ: كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ غَالِبًا) فَلَوْ أَجَّرَهُ مُدَّةً لَا تَبْقَى إلَيْهَا غَالِبًا فَهَلْ تَبْطُلُ فِي الزَّائِدِ فَقَطْ اهـ سم عَلَى حَجّ. أَقُولُ: الْقِيَاسُ نَعَمْ وَتَتَفَرَّقُ الصَّفْقَةُ، ثُمَّ رَأَيْته فِي الْعُبَابِ صَرَّحَ بِذَلِكَ، وَعِبَارَتُهُ: فَإِنْ زَادَ عَلَى الْجَائِزِ بَطَلَتْ فِي الزَّائِدِ فَقَطْ اهـ. وَعَلَيْهِ فَلَوْ أَخْلَفَ ذَلِكَ وَبَقِيَتْ عَلَى حَالِهَا بَعْدَ الْمُدَّةِ الَّتِي اُعْتُبِرَتْ لِبَقَائِهَا عَلَى صُورَتِهَا فَاَلَّذِي يَظْهَرُ صِحَّةُ الْإِجَارَةِ فِي الْجَمِيعِ لِأَنَّ الْبُطْلَانَ فِي الزِّيَادَةِ إنَّمَا كَانَ لِظَنٍّ تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ. (قَوْلُهُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا) وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ ذِكْرَ ذَلِكَ الْعَدَدِ لِلتَّمْثِيلِ لَا لِلتَّقْيِيدِ انْتَهَى حَجّ (قَوْلُهُ: وَكَمِائَةِ سَنَةٍ) .
[فَرْعٌ] وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا مَوْقُوفَةً وَهِيَ مُتَهَدِّمَةٌ مُدَّةً طَوِيلَةً هَلْ تُرَاعَى أُجْرَتُهَا الْآنَ وَهِيَ مُتَهَدِّمَةٌ أَمْ يَجِبُ مُرَاعَاةُ أُجْرَتِهَا بَعْدَ عَوْدِهَا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ يُفْرَضُ بِنَاؤُهَا عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي يَئُولُ أَمْرُهَا إلَيْهَا بِالْعَمَلِ عَادَةً ثُمَّ يُعْتَبَرُ أُجْرَةُ مِثْلِهَا مُعَجَّلَةً وَهِيَ دُونَ أُجْرَةِ مِثْلِهَا وَلَوْ قُسِّطَتْ عَلَى الْأَشْهُرِ وَالسِّنِينَ بِحَيْثُ يَقْبِضُ آخِرَ كُلِّ قِسْطٍ مَا يَخُصُّهُ، وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَا تِلْكَ الصِّفَةَ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ إيجَارِهَا كَذَلِكَ أَنْ تَبْنِيَ بِالْأُجْرَةِ الْمُعَجَّلَةِ، وَلَوْ اُعْتُبِرَتْ أُجْرَةُ مِثْلِهَا بِتِلْكَ الْحَالَةِ الَّتِي هِيَ عَلَيْهَا كَانَ إضَاعَةً لِلْوَقْفِ لِأَنَّهَا إنَّمَا يُرْغَبُ فِيهَا كَذَلِكَ بِأُجْرَةٍ قَلِيلَةٍ جِدًّا (قَوْلُهُ: طَلْقًا) أَيْ مَمْلُوكَةً (قَوْلُهُ قَالَ وَفِيهِ أَيْضًا) أَيْ قَالَ السُّبْكِيُّ (قَوْلُهُ لِعِمَارَةٍ أَوْ نَحْوِهَا)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
لِلْمُؤَجِّرِ مُطَالَبَتُهُ بِتَنْقِيصِ قَدْرِ أَكْلِهِ الَّذِي بَحَثَهُ السُّبْكِيُّ فِيمَا إذَا لَمْ يُقَدِّرْهُ وَحَمَلَ مَا يَحْتَاجُهُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ، وَفِيمَا إذَا قَدَّرَهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ اتِّبَاعًا لِلشَّرْطِ ثُمَّ مَالَ إلَى أَنَّهُ كَالْأَوَّلِ انْتَهَتْ.

[فَصْل فِي بَيَان غَايَة الْمُدَّة الَّتِي تَقْدِر بِهَا الْمَنْفَعَة]
(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ غَايَةِ الْمُدَّةِ إلَخْ

(5/305)


فِي ذَلِكَ وَيَقْصِدُ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى اهـ. وَبِمُقْتَضَى إطْلَاقِ الشَّيْخَيْنِ أَفْتَى الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَيُحْمَلُ قَوْلُ الْقَائِلِ بِالْمَنْعِ فِي ذَلِكَ كَالْأَذْرَعِيِّ عَلَى مَا إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ انْدِرَاسُ اسْمِ الْوَقْفِ وَتُمَلَّكُ الْعَيْنُ بِسَبَبِ طُولِ مُدَّتِهَا، وَإِذَا أَجَّرَ شَيْئًا أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ لَمْ يَجِبْ تَقْدِيرُ حِصَّةِ كُلِّ سَنَةٍ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ سَنَةً لَا يَجِبُ تَقْدِيرُ حِصَّةِ كُلِّ شَهْرٍ وَتُوَزَّعُ الْأُجْرَةُ عَلَى قِيمَةِ مَنَافِعِ السِّنِينَ
وَلَوْ آجَرَهُ شَهْرًا مَثَلًا، وَأَطْلَقَ فَابْتِدَاؤُهُ مِنْ وَقْتِهِ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ الْمُتَعَارَفُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَظَاهِرُهُ الصِّحَّةُ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ مِنْ الْآنَ، لَكِنْ نَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ جَزْمِ الْعِرَاقِيِّينَ خِلَافَهُ وَقَدْ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ كَمَا يَأْتِي فِي سَوَادِ الْعِرَاقِ، وَلَيْسَ مِثْلُهُ إيجَارُ وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ أَرَاضِيَهُ لِبِنَاءٍ أَوْ زَرْعٍ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ مُدَّةٍ بَلْ هُوَ بَاطِلٌ، إذْ لَا مَصْلَحَةَ كُلِّيَّةٌ يُغْتَفَرُ لِأَجْلِهَا ذَلِكَ، وَكَاسْتِئْجَارِ الْإِمَامِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِلْأَذَانِ أَوْ الذِّمِّيِّ لِلْجِهَادِ، وَكَالِاسْتِئْجَارِ لِلْعُلُوِّ لِلْبِنَاءِ أَوْ إجْرَاءِ الْمَاءِ، وَسَيَأْتِي أَنَّ الْوَلِيَّ لَا يُؤَجِّرُ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ أَوْ مَالَهُ إلَّا مُدَّةً لَا يَبْلُغُ فِيهَا بِالسِّنِّ وَإِلَّا بَطَلَتْ فِي الزَّائِدِ، وَمَرَّ أَنَّ الرَّاهِنَ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ إجَارَةُ الْمَرْهُونِ لِغَيْرِ الْمُرْتَهِنِ إلَّا مُدَّةً لَا تُجَاوِزُ حُلُولَ الدَّيْنِ، وَنَقَلَ الْبَدْرُ ابْنُ جَمَاعَةَ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ امْتِنَاعَ إجَارَةِ الْإِقْطَاعِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ، وَبَحَثَ الْبُلْقِينِيُّ فِي مَنْذُورٍ عِتْقُهُ بَعْدَ شِفَاءِ مَرِيضِهِ بِسَنَةٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إيجَارُهُ أَكْثَرَ مِنْهَا لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى دَوَامِهَا عَلَيْهِ بَعْدَ عِتْقِهِ لِمَا يَأْتِي أَنَّهَا لَا تَنْفَسِخُ بِطُرُوِّ الْعِتْقِ، وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا نَظَرٌ ظَاهِرٌ، وَالْأَوْجَهُ فِيهِمَا صِحَّةُ الْإِجَارَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى السَّنَةِ فَإِذَا سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْإِقْطَاعِ فِي الْأُولَى بَطَلَتْ، وَإِذَا عَتَقَ فِي الثَّانِيَةِ فَكَذَلِكَ لَا سِيَّمَا وَقَدْ يَتَأَخَّرُ الشِّفَاءُ عَنْ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ (وَفِي قَوْلٍ لَا يُزَادُ) فِيهَا (عَلَى سَنَةٍ) مُطْلَقًا لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَنْدَفِعُ بِهَا، وَمَا زَعَمَهُ السَّرَخْسِيُّ مِنْ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ فِي الْوَقْفِ شَاذٌّ بَلْ قِيلَ إنَّهُ غَلَطٌ (وَفِي قَوْلٍ) لَا تُزَادُ عَلَى (ثَلَاثِينَ) سَنَةً لِأَنَّ الْغَالِبَ تَغَيُّرُ الْأَشْيَاءِ بَعْدَهَا وَرُدَّ بِأَنَّ ذِكْرَهَا فِي النَّصِّ لِلتَّمْثِيلِ

(وَلِلْمُكْتَرِي اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ) الْأَمِينُ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ، فَلَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ اسْتِيفَاءَهَا بِنَفْسِهِ فَسَدَ الْعَقْدُ كَمَا لَوْ شَرَطَ عَلَى مُشْتَرٍ أَنْ لَا يَبِيعَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ مِمَّا تَكُونُ الْمَصْلَحَةُ فِيهِ لِعَيْنِ الْوَقْفِ لَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: وَبِمُقْتَضَى إطْلَاقِ الشَّيْخَيْنِ) أَيْ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ طَلْقًا كَانَ أَوْ وَقْفًا الْمَفْهُومُ مِنْ إطْلَاقِ الْمَتْنِ، وَالْمُرَادُ صِحَّتُهُ حَيْثُ اقْتَضَتْ الْمَصْلَحَةُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَابْتِدَاؤُهُ مِنْ وَقْتِهِ) أَيْ الْعَقْدِ (قَوْلُهُ: أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَجُوزُ إيجَارُ الْإِقْطَاعِ مُدَّةً يَبْقَى فِيهَا غَالِبًا وَإِنْ احْتَمَلَ رُجُوعَ السُّلْطَانِ فِيهِ قَبْلَ فَرَاغِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بَقَاءَ الْمُؤَجَّرِ تِلْكَ الْمُدَّةَ لِأَنَّهُ يُسْتَحَقُّ فِي الْحَالِ وَالْأَصْلُ الْبَقَاءُ، فَإِنْ رَجَعَ السُّلْطَانُ أَوْ مَاتَ الْمُؤَجِّرُ قَبْلَ فَرَاغِ الْمُدَّةِ انْفَسَخَتْ فِي الْبَاقِي وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ إيجَارُ الْبَطْنِ الْأَوَّلُ، فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ وَمِلْكِهِمْ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ وَجَوَازِ تَصَرُّفِهِمْ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ بَقَاؤُهُمْ تِلْكَ الْمُدَّةَ، فَإِنْ مَاتُوا قَبْلَ فَرَاغِهَا انْفَسَخَتْ فِي الْبَاقِي اهـ سم عَلَى حَجّ. وَمِنْ ذَلِكَ الْأَرْضُ الْمُرْصَدَةُ عَلَى الْمُدَرِّسِ وَالْإِمَامِ وَنَحْوِهِمَا إذَا كَانَ النَّظَرُ لَهُ وَأَجَّرَ مُدَّةً وَمَاتَ قَبْلَ تَمَامِهَا فَإِنَّهَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ (قَوْلُهُ وَإِذَا عَتَقَ فِي الثَّانِيَةِ إلَخْ) لَا يُقَالُ: بُطْلَانُ الْإِجَارَةِ بَعْدَ الْعِتْقِ يُنَافِيهِ مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَبْطُلُ بِعِتْقِ الْعَبْدِ. لِأَنَّا نَقُولُ: ذَاكَ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ سَبَبُ الْعِتْقِ عَلَى الْإِجَارَةِ وَإِلَّا فَتَبْطُلُ كَمَا لَوْ عَلَّقَ عِتْقَ الْعَبْدِ بِصِفَةٍ ثُمَّ أَجَّرَهُ ثُمَّ وُجِدَتْ الصِّفَةُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ وَتَبْطُلُ الْإِجَارَةُ كَمَا سَيَأْتِي فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ أَجَّرَ عَبْدَهُ إلَخْ، وَمَا هُنَا مِنْ ذَلِكَ لِتَقَدُّمِ النَّذْرِ عَلَى الْإِجَارَةِ (قَوْلُهُ: لَا سِيَّمَا) أَيْ حَيْثُ كَانَ الْإِيجَارُ قَبْلَ شِفَاءِ الْمَرِيضِ. أَمَّا لَوْ كَانَ بَعْدَهُ فَلَا يَتَأَتَّى هَذَا التَّوْجِيهُ (قَوْلُهُ: وَمَا زَعَمَهُ السَّرَخْسِيُّ) بِفَتْحَتَيْنِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَمُهْمَلَةٍ نِسْبَةٌ إلَى سَرْخَسَ مَدِينَةٍ بِخُرَاسَانَ اهـ لب لِلسُّيُوطِيِّ

(قَوْلُهُ: بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ) أَيْ حَيْثُ كَانَ مِثْلَهُ أَوْ دُونَهُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ فَيَرْكَبُ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَسَدَ الْعَقْدُ) أَيْ وَأَمَّا لَوْ شَرَطَ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ يَسْتَوْفِيهَا بِنَفْسِهِ فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ عِنْدَ قَوْلِهِ عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: فِي مَنْذُورٍ عِتْقُهُ) أَيْ: بِأَنْ نَذَرَ أَنْ يُعْتِقَهُ إذَا مَضَتْ سَنَةٌ بَعْدَ شِفَاءِ الْمَرِيضِ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ فِيهِمَا صِحَّةُ الْإِجَارَةِ) أَيْ: سَوَاءٌ أَكَانَ إقْطَاعَ تَمْلِيكٍ، أَوْ إرْفَاقٍ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: وَإِذَا عَتَقَ فِي الثَّانِيَةِ إلَخْ) قَالَ سم: وَيُفَارِقُ

(5/306)


(فَيَرْكَبُ وَيَسْكُنُ) وَيَلْبَسُ (مِثْلَهُ) فِي الضَّرَرِ اللَّاحِقِ بِالْعَيْنِ وَدُونَهُ بِالْأَوْلَى لِأَنَّ ذَلِكَ اسْتِيفَاءٌ لِلْمَنْفَعَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ

(وَلَا يُسْكِنُ حَدَّادًا وَلَا قَصَّارًا) حَيْثُ لَمْ يَكُنْ هُوَ كَذَلِكَ لِزِيَادَةِ الضَّرَرِ. قَالَ جَمْعٌ: إلَّا إذَا قَالَ لِتُسْكِنَ مَنْ شِئْت كَازْرَعْ مَا شِئْت، وَنَظَرَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ يُقْصَدُ بِهِ التَّوْسِعَةُ دُونَ الْإِذْنِ فِي الْإِضْرَارِ.
وَيُرَدُّ بِأَنَّ الْأَصْلَ خِلَافُهُ، وَلَا يَجُوزُ إبْدَالُ رُكُوبٍ بِحَمْلٍ وَحَدِيدٍ بِقُطْنٍ وَقَصَّارٍ بِحَدَّادٍ وَالْعُكُوسُ وَإِنْ قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ لَا يَتَفَاوَتُ الضَّرَرُ

(وَمَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ كَدَارٍ وَدَابَّةٍ مُعَيَّنَةٍ) قَيْدٌ فِي الدَّابَّةِ فَقَطْ لِمَا مَرَّ أَنَّ الدَّارَ لَا تَكُونُ إلَّا مُعَيَّنَةً (لَا يُبَدَّلُ) أَيْ لَا يَجُوزُ إبْدَالُهُ لِكَوْنِهِ مَعْقُودًا عَلَيْهِ، وَلِهَذَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ بِتَلَفِهِمَا وَثَبَتَ الْخِيَارُ بِعَيْبِهِمَا. أَمَّا فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ فَيُبَدَّلُ وُجُوبًا لِتَلَفٍ أَوْ عَيْبٍ وَيَجُوزُ عِنْدَ عَدَمِهِمَا لَكِنْ بِرِضَا الْمُكْتَرِي لِأَنَّهُ بِالْقَبْضِ اخْتَصَّ بِهِ كَمَا مَرَّ.

(وَمَا يُسْتَوْفَى بِهِ كَثَوْبٍ وَصَبِيِّ عَيْنٍ) الْأَوَّلُ (لِلْخِيَاطَةِ وَ) الثَّانِي لِفِعْلِ (الْإِرْضَاعِ) بِأَنْ الْتَزَمَ فِي ذِمَّتِهِ خِيَاطَةً أَوْ إرْضَاعَ مَوْصُوفٍ ثُمَّ عَيْنٍ، وَأَفْرَدَ الْمُصَنِّفُ الضَّمِيرَ لِأَنَّ الْقَصْدَ التَّوْسِيعُ فَسَقَطَ الْقَوْلُ بِأَنَّ إيقَاعَ ضَمِيرِ الْمُفْرَدِ مَوْقِعَ ضَمِيرِ الْمُثَنَّى شَاذٌّ (يَجُوزُ إبْدَالُهُ) بِمِثْلِهِ (فِي الْأَصَحِّ) وَإِنْ امْتَنَعَ الْأَجِيرُ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ لِلِاسْتِيفَاءِ لَا مَعْقُودَ عَلَيْهِ فَأَشْبَهَ الرَّاكِبَ وَالْمَتَاعَ الْمُعَيَّنَ لِلْحَمْلِ. وَالثَّانِي الْمَنْعُ كَالْمُسْتَوْفَى مِنْهُ وَعُزِيَ لِلْأَكْثَرِينَ وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي إبْدَالِهِ بِلَا مُعَاوَضَةٍ وَإِلَّا جَازَ قَطْعًا كَمَا يَجُوزُ لِمُسْتَأْجِرِ دَابَّةٍ أَنْ يُعَاوِضَ عَنْهَا كَسُكْنَى دَارٍ، أَمَّا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِحَمْلِ مُعَيَّنٍ فَيَجُوزُ إبْدَالُهُ بِمِثْلِهِ قَطْعًا، وَلَوْ أُبْدِلَ الْمُسْتَوْفَى فِيهِ كَطَرِيقٍ بِمِثْلِهَا مَسَافَةً وَسُهُولَةً وَحُزْنًا وَأَمْنًا جَازَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ مَحَلُّ التَّسْلِيمِ، إذْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَوْضِعِهِ كَمَا نَقَلَهُ الْقَمُولِيُّ، وَاعْتَمَدَهُ لِتَصْرِيحِ الْأَكْثَرِينَ بِأَنَّهُ لَوْ اكْتَرَى دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا إلَى مَحَلٍّ لَيْسَ لَهُ رَدُّهَا بَلْ يُسَلِّمُهَا ثُمَّ لِوَكِيلِ الْمَالِكِ ثُمَّ الْحَاكِمِ ثُمَّ الْأَمِينِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ رَدَّهَا لِلضَّرُورَةِ، وَحِينَئِذٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
أَنْ تَسْكُنَهَا وَحْدَك

(قَوْلُهُ بِأَنَّ الْأَصْلَ خِلَافُهُ) أَيْ فَيَسْكُنُهُمَا حِينَئِذٍ.
لَكِنْ فِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ لِزِيَادَةِ الضَّرَرِ بِدَفْعِهِمَا: أَيْ وَلَوْ قَالَ لَهُ وَتُسْكِنُ مَنْ شِئْت خِلَافًا لِلْجُرْجَانِيِّ وَغَيْرِهِ اهـ. وَيُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ لِتَزْرَعَ مَا شِئْت زَرْعَ مَا شَاءَ مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ ذَلِكَ الْمَحَلِّ لَا مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: لَا يَتَفَاوَتُ الضَّرَرُ) بَلْ وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّ مِثْلَهُ مَا لَوْ كَانَ الضَّرَرُ الْمَأْتِيُّ بِهِ أَخَفَّ مِنْ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ.

(قَوْلُهُ: بِأَنْ الْتَزَمَ فِي ذِمَّتِهِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الثَّوْبُ أَوْ الصَّبِيُّ مُعَيَّنَيْنِ فِي الْعَقْدِ لَا يَجُوزُ إبْدَالُهُمَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ وَأَنَّهُ إنَّمَا قُيِّدَ بِهِ لِبَيَانِ مَحَلِّ الْخِلَافِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي أَمَّا لَوْ اسْتَأْجَرَ لِمَحَلٍّ مُعَيَّنٍ فَيَجُوزُ إبْدَالُهُ إلَخْ، ثُمَّ رَأَيْت فِي الْخَطِيبِ مَا يُصَرِّحُ بِمَا قُلْنَاهُ وَعِبَارَتُهُ: تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " عَيَّنَ " أَشَارَ بِهِ إلَى مَا نَقَلَاهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ وَأَقَرَّاهُ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إذَا الْتَزَمَ فِي ذِمَّتِهِ خِيَاطَةَ ثَوْبٍ مُعَيَّنٍ أَوْ حَمْلَ مَتَاعٍ مُعَيَّنٍ. أَمَّا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً مُعَيَّنَةً لِرُكُوبٍ أَوْ حَمْلِ مَتَاعٍ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ إبْدَالِ الرَّاكِبِ وَالْمَتَاعِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَفْرَدَ الْمُصَنِّفُ الضَّمِيرَ) أَيْ فِي قَوْلِهِ عَيَّنَ (قَوْلُهُ وَإِلَّا جَازَ) أَيْ بِأَنْ كَانَ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى التَّعْوِيضِ كَقَوْلِهِ عَوَّضْتُك كَذَا عَنْ كَذَا (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ) أَيْ وَاحِدًا مِنْهُمْ (قَوْلُهُ: رَدَّهَا لِلضَّرُورَةِ) أَيْ وَلَا يَجُوزُ لَهُ رُكُوبُهَا مَا لَمْ يَعْسُرْ سَوْقُهَا مِنْ غَيْرِ رُكُوبٍ فَيَرْكَبُهَا وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ، وَهَلْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
مَا يَأْتِي فِيمَا لَوْ أَجَرَ عَبْدَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ أَنَّهُ تَسْتَمِرُّ الْإِجَارَةُ بِتَقَدُّمِ سَبَبِ الْعِتْقِ هُنَا عَلَى الْإِجَارَةِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ

(قَوْلُهُ: لِتَصْرِيحِ الْأَكْثَرِينَ إلَخْ) كَلَامُ الْأَكْثَرِينَ شَاهِدٌ عَلَى الْقَمُولِيِّ لَا شَاهِدَ لَهُ وَمِنْ ثَمَّ جَعَلَهُ فِي التُّحْفَةِ رَدًّا عَلَيْهِ، وَعِبَارَتُهُ عَقِبَ كَلَامِ الْقَمُولِيِّ نَصُّهَا: وَرَدَّ بِقَوْلِ الرَّوْضَةِ لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا إلَى مَوْضِعٍ فَعَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ لَهُ رَدُّهَا إلَى الْمَحَلِّ الَّذِي سَارَ مِنْهُ إنْ لَمْ يَنْهَهُ صَاحِبُهَا، وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: لَيْسَ لَهُ رَدُّهَا إلَخْ. وَوَجْهُ شَهَادَتِهِ عَلَى الْقَمُولِيِّ أَنَّهُ لَوْ وَجَبَ ذِكْرُ مَحَلِّ التَّسْلِيمِ لَمْ يَتَأَتَّ الْخِلَافُ بَيْنَ صَاحِبِ التَّقْرِيرِ وَالْأَكْثَرِينَ، فَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْ الْكَتَبَةِ مِنْ نُسَخِ الشَّارِحِ لَفْظُ وَهُوَ مَرْدُودٌ أَوْ نَحْوَهُ عَقِبَ كَلَامِ الْقَمُولِيِّ. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: الْآتِي وَحِينَئِذٍ فَيُحْمَلُ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ إلَخْ.

(5/307)


فَيُحْمَلُ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ تَعْيِينِ مَحَلِّ التَّسْلِيمِ عَلَى مَا إذَا كَانَ مَقْصِدُهُ غَيْرَ صَالِحٍ لِذَلِكَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ إنَّهُ يُسَلِّمُهَا لِحَاكِمٍ وَإِلَّا فَأَمِينٍ. وَحَاصِلُ مَا مَرَّ أَنَّهُ يَجُوزُ إبْدَالُ الْمُسْتَوْفَى كَالرَّاكِبِ وَالْمُسْتَوْفَى بِهِ كَالْمَحْمُولِ وَالْمُسْتَوْفَى فِيهِ كَالطَّرِيقِ بِمِثْلِهَا وَدُونَهَا مَا لَمْ يُشْرَطْ عَدَمُ الْإِبْدَالِ فِي الْأَخِيرَيْنِ، بِخِلَافِهِ فِي الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ يُفْسِدُ الْعَقْدَ كَمَا مَرَّ، وَمَحَلُّ جَوَازِهِ فِيهِمَا إنْ عُيِّنَا فِي الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ وَبَقِيَا، فَلَوْ عُيِّنَا بَعْدَهُ ثُمَّ تَلِفَ وَجَبَ الْإِبْدَالُ بِرِضَا الْمُكْتَرِي أَوْ عُيِّنَا فِيهِ ثُمَّ تَلِفَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ لَا الْمُسْتَوْفَى مِنْهُ بِتَفْصِيلِهِ الْمَارِّ، وَيُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِيفَاءِ الْعُرْفُ، فَمَا اسْتَأْجَرَهُ لِلُّبْسِ الْمُطْلَقِ لَا يَلْبَسُهُ وَقْتَ النَّوْمِ لَيْلًا وَإِنْ اطَّرَدَتْ عَادَتُهُمْ بِخِلَافِهِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ بِخِلَافِ مَا عَدَاهُ وَلَوْ وَقْتَ النَّوْمِ نَهَارًا
وَيَلْزَمُهُ نَزْعُ الْأَعْلَى فِي غَيْرِ وَقْتِ التَّجَمُّلِ أَمَّا الْإِزَارُ فَلَا يَلْزَمُهُ نَزْعُهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ إزَارًا فَلَهُ الِارْتِدَاءُ بِهِ لَا عَكْسُهُ أَوْ قَمِيصًا مُنِعَ مِنْ الِائْتِزَارِ بِهِ وَلَهُ التَّعْمِيمُ أَوْ لِلُّبْسِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ دَخَلَتْ اللَّيَالِي أَوْ يَوْمًا وَأُطْلِقَ فَمِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ إلَى مِثْلِهِ، أَوْ يَوْمًا كَامِلًا فَمِنْ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ، أَوْ نَهَارًا فَمِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ فِي أَوْجَهِ الْوَجْهَيْنِ، وَصُورَةُ ذَلِكَ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ أَنْ يُؤَجِّرَهَا مِنْ أَوَّلِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ (وَيَدُ الْمُكْتَرِي عَلَى الدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ) وَنَحْوِهِمَا (يَدُ أَمَانَةٍ) فَيَأْتِي فِيهِ مَا سَيَأْتِي فِي الْوَدِيعِ (مُدَّةَ الْإِجَارَةِ) إنْ قُدِّرَتْ بِزَمَنٍ أَوْ مُدَّةَ إمْكَانِ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ إنْ قُدِّرَتْ بِمَحَلِّ عَمَلٍ لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ لِلْمَنْفَعَةِ بِدُونِ وَضْعِ يَدِهِ، وَبِهِ فَارَقَ كَوْنَ يَدِهِ يَدَ ضَمَانٍ عَلَى ظَرْفٍ مَبِيعٍ قَبَضَهُ فِيهِ لِتَمَحُّضِ قَبْضِهِ لِغَرَضِ نَفْسِهِ، وَيَجُوزُ السَّفَرُ لِلْمُكْتَرِي بِالْعَيْنِ الْمُكْتَرَاةِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْخَطَرِ لِمِلْكِهِ الْمَنْفَعَةَ فَجَازَ لَهُ اسْتِيفَاؤُهَا حَيْثُ شَاءَ، وَظَاهِرُهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ إجَارَةِ الْعَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَالذِّمَّةِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ. نَعَمْ سَفَرُهُ بِهَا بَعْدَ الْمُدَّةِ كَسَفَرِ الْوَدِيعِ فِيمَا يَظْهَرُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ (وَكَذَا بَعْدَهَا فِي الْأَصَحِّ) إنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْهَا اسْتِصْحَابًا لِمَا كَانَ وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ سِوَى التَّخْلِيَةِ لَا الرَّدِّ وَلَا مُؤْنَتِهِ، بَلْ لَوْ شُرِطَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا فَسَدَتْ، وَمَا رَجَّحَهُ السُّبْكِيُّ مِنْ أَنَّهَا كَالْأَمَانَةِ الشَّرْعِيَّةِ فَعَلَيْهِ إعْلَامُ مَالِكِهَا بِهَا أَوْ رَدُّهَا فَوْرًا وَإِلَّا ضَمِنَهَا غَيْرَ مُعَوَّلٍ عَلَيْهِ لِظُهُورِ الْفَرْقِ بِأَنَّ هَذَا وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ بِإِذْنِ مَالِكِهِ ابْتِدَاءً بِخِلَافِ ذِي الْأَمَانَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ يَضْمَنُ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي الْإِمْسَاكِ كَانَ مُقَيَّدًا بِالْعَقْدِ وَقَدْ زَالَ وَلِأَنَّهُ أَخَذَهُ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ فَأَشْبَهَ الْمُسْتَعِيرَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ الْأَصَحُّ لَا يَلْزَمُ الْمُكْتَرِيَ إعْلَامُ الْمُكْرِي بِتَفْرِيغِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
مِثْلُ عُسْرِ سَوْقِهَا عَدَمُ لِيَاقَةِ الْمَشْيِ بِالْمُسْتَأْجِرِ كَمَا قَالُوهُ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ حَيْثُ جَوَّزُوا لَهُ الرُّكُوبَ حَالَةَ الرَّدِّ أَوَّلًا وَيُفَرَّقُ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّهُ فِي صُورَةِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ الْعَيْنُ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ وَالرُّكُوبُ مُضْطَرًّا إلَيْهِ لِلْوُصُولِ لِحَقِّهِ مِنْ الرَّدِّ، بِخِلَافِهِ هُنَا فَإِنَّ الْمُدَّةَ انْقَضَتْ وَوَاجِبُهُ التَّخَلِّي لَا الرَّدُّ (قَوْلُهُ: فِي الْأَخِيرَيْنِ) وَعَلَى هَذَا لَوْ شَرَطَ عَدَمَ إبْدَالِ مَا اُسْتُؤْجِرَ لِحَمْلِهِ فَتَلِفَ فِي الطَّرِيقِ فَيَنْبَغِي انْفِسَاخُ الْعَقْدِ فِيمَا بَقِيَ، وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ قُبَيْلَ الْفَصْلِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ لِيُوَكِّلَ مَا حُمِلَ لِيُوصَلَ فَيُبَدَّلُ قَطْعًا عَلَى مَا إذَا لَمْ يُشْرَطْ عَدَمُ الْإِبْدَالِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُفْسِدُ الْعَقْدَ كَمَا مَرَّ) وَفِي نُسْخَةٍ وَمَحَلُّ جَوَازِهِ فِيهِمَا إنْ عُيِّنَا فِي الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ وَبَقِيَا، فَلَوْ عُيِّنَا بَعْدَهُ ثُمَّ تَلِفَ وَجَبَ الْإِبْدَالُ بِرِضَا الْمُكْتَرِي أَوْ عُيِّنَا فِيهِ ثُمَّ تَلِفَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ لَا الْمُسْتَوْفَى مِنْهُ بِتَفْصِيلِهِ الْمَارِّ اهـ. وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم مَا نَصُّهُ: وَقَدْ كَانَ تَبِعَ م ر الشَّارِحَ فِي قَوْلِهِ وَمَحَلُّ قَوْلِهِ ثُمَّ تَلِفَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ ثُمَّ ضُرِبَ عَلَيْهِ اهـ (قَوْلُهُ وَإِنْ اطَّرَدَتْ عَادَتُهُمْ بِخِلَافِهِ) عِبَارَةُ الزِّيَادِيِّ: قَالَ الرَّافِعِيُّ عَمَلًا بِالْعَادَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَهُ كَانَ بِمَحَلٍّ لَا يَعْتَادُ أَهْلُهُ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ نَزْعُهُ مُطْلَقًا اهـ حَجّ. وَلَعَلَّهُ فِي غَيْرِ شَرْحِ الْمِنْهَاجِ (قَوْلُهُ: مِنْ أَوَّلِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ) أَيْ وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ الْإِجَارَةُ لِعَدَمِ اتِّصَالِ الْمَنْفَعَةِ بِالْعَقْدِ (قَوْلُهُ: لِتَمَحُّضِ قَبْضِهِ لِغَرَضِ نَفْسِهِ) أَيْ فَيَضْمَنُهُ إذَا تَلِفَ لَكِنَّهُ يُشْكَلُ الضَّمَانُ بِمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ كُوزَ السِّقَاءِ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى مُرِيدِ الشُّرْبِ بِعِوَضٍ لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ بِالْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَرَادَ الشُّرْبَ مِنْهُ بِلَا عِوَضٍ بِرِضَا الْمَالِكِ فَإِنَّهُ مَقْبُوضٌ بِالْعَارِيَّةِ الْفَاسِدَةِ فَيَضْمَنُهُ دُونَ مَا فِيهِ، إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ ذَاكَ جَرَتْ الْعَادَةُ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ مِنْ ظَرْفِهِ بِخِلَافِ مَا هُنَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ مِنْ ظَرْفِهِ كَأَوَانِي الطَّبَّاخِ (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ السَّفَرُ) وَقَضِيَّةُ الْجَوَازِ أَنَّ الدَّابَّةَ لَوْ تَلِفَتْ فِي الطَّرِيقِ بِلَا تَقْصِيرٍ لَمْ يَضْمَنْهَا (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُهُ عَدَمُ الْفَرْقِ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: كَسَفَرِ الْوَدِيعِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(5/308)


الْعَيْنِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ، بَلْ الشَّرْطُ أَنْ لَا يَسْتَعْمِلَهَا وَلَا يَحْبِسَهَا وَإِنْ لَمْ يَطْلُبَهَا، فَلَوْ أَغْلَقَ الدَّارَ أَوْ الْحَانُوتَ بَعْدَ تَفْرِيغِهِ لَزِمَتْهُ الْأُجْرَةُ فِيمَا يَظْهَرُ، فَقَدْ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ بِأَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ حَانُوتًا شَهْرًا فَأَغْلَقَ بَابَهُ وَغَابَ شَهْرَيْنِ لَزِمَهُ الْمُسَمَّى لِلشَّهْرِ الْأَوَّلِ وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلشَّهْرِ الثَّانِي. قَالَ: وَقَدْ رَأَيْت الشَّيْخَ الْقَفَّالَ قَالَ: لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً يَوْمًا فَإِذَا بَقِيَتْ عِنْدَهُ وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا وَلَا حَبَسَهَا عَنْ مَالِكِهَا لَا يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلْيَوْمِ الثَّانِي لِأَنَّ الرَّدَّ لَيْسَ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ التَّخْلِيَةُ إذَا طَلَبَ مَالِكُهَا، بِخِلَافِ الْحَانُوتِ لِأَنَّهُ فِي حَبْسِهِ وَعَلَقَتِهِ وَتَسْلِيمُ الْحَانُوتِ وَالدَّارِ لَا يَكُونُ إلَّا بِتَسْلِيمِ الْمِفْتَاحِ اهـ.
وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ حَتَّى فِي الْحَانُوتِ وَالدَّارِ لِأَنَّ غَلْقَهُمَا مُسْتَصْحِبٌ لِمَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فِي الْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَالِكِ فَلَا يُعَارِضُهُ جَزْمُ الْأَنْوَارِ بِأَنَّ مُجَرَّدَ غَلْقِ بَابِ الدَّارِ لَا يَكُونُ غَصْبًا لَهَا لِوُضُوحِ الْفَرْقِ، وَدَعْوَى تَقْصِيرِ الْمَالِكِ بِعَدَمِ وَضْعِ يَدِهِ عَلَى ذَلِكَ عَقِبَ الْمُدَّةِ وَأَنَّ الْمُكْتَرِيَ مُحْسِنٌ بِالْغَلْقِ لِصَوْنِهِ بِهِ عَنْ مَفْسَدَةٍ مَمْنُوعَةٍ بِأَنَّ التَّقْصِيرَ مِنْ الْمُكْتَرِي حَيْثُ حَالَ بَيْنَ الْمَالِكِ وَبَيْنَ مِلْكِهِ بِغَلْقِهِ وَلَمْ يُبَادِرْ بِعَرْضِ الْأَمْرِ عَلَى الْمَالِكِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ شَرْعًا. وَعُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ أَنَّ الْغَلْقَ مَعَ حُضُورِهِ فَهُوَ مَعَ غَيْبَتِهِ الْمُصَرَّحِ بِهَا فِي كَلَامِ الْبَغَوِيّ وَفِيمَا إذَا انْقَضَتْ وَالْإِجَارَةُ لِبِنَاءٍ أَوْ غِرَاسٍ وَلَمْ يَخْتَرْ الْمُسْتَأْجِرُ الْقَلْعَ يُتَخَيَّرُ الْمُؤَجِّرُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ السَّابِقَةِ فِي الْعَارِيَّةِ مَا لَمْ يُوقَفْ وَإِلَّا فَفِيمَا سِوَى التَّمَلُّكِ بِالْقِيمَةِ، وَلَوْ اسْتَعْمَلَ بَعْدَ الْمُدَّةِ الْعَيْنَ الْمُكْتَرَاةَ فِي نَحْوِ اللُّبْسِ لِدَفْعِ الدُّودِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِي الْوَدِيعَةِ لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ الْغَالِبِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَلَا نَظَرَ لِمَا يَتَجَدَّدُ بَعْدَهَا لِاسْتِقْرَارِ الْوَاجِبِ بِمُضِيِّهَا، إذْ وُجُوبُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ يَسْتَقِرُّ قَبْلَ طَلَبِهَا

(وَلَوْ) (رَبَطَ دَابَّةً اكْتَرَاهَا لِحَمْلٍ أَوْ رُكُوبٍ) مَثَلًا (وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا) وَتَلِفَتْ فِي الْمُدَّةِ وَبَعْدَهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ فَيَضْمَنُ حَيْثُ لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ ضَرُورَةٌ كَعُرُوضِ نَهْبٍ (قَوْلُهُ: لَزِمَتْهُ الْأُجْرَةُ) وَهَذَا ظَاهِرٌ حَيْثُ لَمْ تَدُلَّ الْقَرِينَةُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ حِفْظُهُ وَإِلَّا فَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: لِوُضُوحِ الْفَرْقِ) وَهُوَ أَنَّهُ ثَمَّ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ وَضْعُ يَدٍ عَلَى الْمَغْصُوبِ حَتَّى يُسْتَصْحَبَ بِخِلَافِهِ هُنَا (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُبَادِرْ بِعَرْضِ الْأَمْرِ إلَخْ) أَيْ فَتَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ (قَوْلُهُ وَالْإِجَارَةُ لِبِنَاءٍ أَوْ غِرَاسٍ) وَلَوْ فَرَغَتْ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ لِلدَّارِ وَاسْتَمَرَّتْ أَمْتِعَةُ الْمُسْتَأْجِرِ فِيهَا وَلَمْ يُطَالِبْهُ الْمَالِكُ بِالتَّفْرِيغِ وَلَمْ يُغْلِقْهَا لَمْ يَضْمَنْ أُجْرَةَ وَضْعِ الْأَمْتِعَةِ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْدُثْ مِنْهُ بَعْدَ الْمُدَّةِ شَيْءٌ وَالْأَمْتِعَةُ وَضَعَهَا بِإِذْنٍ فَيُسْتَصْحَبُ إلَى أَنْ يُطَالِبَ الْمَالِكُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَغْلَقَهَا فَيَضْمَنُ أُجْرَتَهَا: أَعْنِي الدَّارَ مُدَّةَ الْغَلْقِ لِأَنَّهُ حَالَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَالِكِهَا بِالْغَلْقِ، وَبِخِلَافِ مَا لَوْ مَكَثَ فِيهَا بِنَفْسِهِ بَعْدَ الْمُدَّةِ وَلَوْ بِاسْتِصْحَابِ مِلْكِهِ السَّابِقِ عَلَى مُضِيِّ الْمُدَّةِ لِأَنَّهُ مُسْتَوْلٍ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ مُجَرَّدِ بَقَاءِ الْأَمْتِعَةِ لَيْسَ اسْتِيلَاءً كَذَا قُرِّرَ ذَلِكَ م ر اهـ سم عَلَى حَجّ. وَفِيهِ فَرْعٌ فِي الرَّوْضِ: فَرْعٌ: وَإِنْ قَدَّرَ الْبِنَاءَ وَالْغِرَاسَ بِمُدَّةٍ وَشَرَطَ الْقَلْعَ قُلِعَ وَلَا أَرْشَ عَلَيْهِمَا، وَلَوْ شُرِطَ الْإِبْقَاءُ بَعْدَهَا أَوْ أُطْلِقَ صَحَّتْ وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْمُدَّةِ، وَإِنْ رَجَعَ فَلَهُ حُكْمُ الْعَارِيَّةِ بَعْدَ الرُّجُوعِ اهـ. أَقُولُ: وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي صُورَةِ الْإِطْلَاقِ فَإِنَّ الْعَقْدَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَا يَتَنَاوَلُ مَا زَادَ عَلَى الْمُدَّةِ الْمُقَدَّرَةِ فَبِانْتِهَائِهَا انْتَهَتْ الْإِجَارَةُ وَلَيْسَ ثَمَّ شَيْءٌ يَرْجِعُ عَنْهُ بَعْدَهَا.

فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَإِنْ رَجَعَ إلَخْ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهَا) هَذَا خَاصٌّ بِنَحْوِ الدَّارِ وَالْحَانُوتِ بِخِلَافِ نَحْوِ الدَّابَّةِ كَمَا سَيُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي عَنْ الْقَفَّالِ، وَفِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ تَقْيِيدُ هَذَا بِمَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِغَلْقِهَا حِفْظَهَا، وَقَدْ يُنَافِيهِ مَا يَأْتِي فِي الشَّارِحِ عَقِبَ كَلَامِ الْقَفَّالِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَلَوْ أَغْلَقَ الدَّارَ وَالْحَانُوتَ إلَخْ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُمَا مَفْتُوحَيْنِ لَمْ يَضْمَنْ الْأُجْرَةَ، وَقَوْلُ الْقَفَّالِ الْآتِي وَتَسْلِيمُ الْحَانُوتِ وَالدَّارِ لَا يَكُونُ إلَّا بِتَسْلِيمِ الْمِفْتَاحِ رُبَّمَا يَقْتَضِي خِلَافَهُ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ غَلْقَهُمَا مُسْتَصْحِبٌ لِمَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ كَلَامَ الْقَفَّالِ لَيْسَ فِيهِ غَلْقٌ بَلْ قَوْلُهُ: وَتَسْلِيمُ الْحَانُوتِ وَالدَّارِ لَا يَكُونُ إلَّا بِتَسْلِيمِ الْمِفْتَاحِ قَدْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُبَادِرْ بِعَرْضِ الْأَمْرِ عَلَى الْمَالِكِ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ

(5/309)


(لَمْ يَضْمَنْهَا) إذْ يَدُهُ يَدُ أَمَانَةٍ وَتَقْيِيدُهُ بِالرَّبْطِ لَيْسَ قَيْدًا فِي الْحُكْمِ بَلْ لِيُسْتَثْنَى مِنْهُ قَوْلُهُ (إلَّا إنْ انْهَدَمَ عَلَيْهَا إصْطَبْلٌ فِي وَقْتٍ) لِلِانْتِفَاعِ (لَوْ انْتَفَعَ بِهَا) فِيهِ (لَمْ يُصِبْهَا الْهَدْمُ) لِنِسْبَتِهِ إلَى تَقْصِيرٍ حِينَئِذٍ، إذْ الْغَرَضُ انْتِفَاءُ عُذْرِهِ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَأَخَذَ السُّبْكِيُّ مِنْ تَمْثِيلِهِمَا لِمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهَا فِيهِ بِجُنْحِ لَيْلِ شِتَاءٍ تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِمَا إذَا اُعْتِيدَ الِانْتِفَاعُ بِهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، لِأَنَّ الرَّبْطَ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِلتَّلَفِ إلَّا حِينَئِذٍ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْحَاصِلَ بِالرَّبْطِ ضَمَانُ جِنَايَةٍ لَا يَدٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لَوْ لَمْ تَتْلَفْ بِذَلِكَ خِلَافًا لِمَا رَجَّحَهُ السُّبْكِيُّ وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَلَوْ اكْتَرَاهَا لِيَرْكَبَهَا الْيَوْمَ وَيَرْجِعَ غَدًا فَأَقَامَهُ بِهَا وَرَجَعَ فِي الثَّالِثِ ضَمِنَهَا فِيهِ فَقَطْ لِاسْتِعْمَالِهِ لَهَا فِيهِ تَعَدِّيًا، وَلَوْ اكْتَرَى قِنًّا لِعَمَلٍ مَعْلُومٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَوْضِعَهُ فَذَهَبَ بِهِ مِنْ بَلَدِ الْعَقْدِ إلَى آخَرَ فَأَبَقَ ضَمِنَهُ مَعَ الْأُجْرَةِ أَيْضًا

(وَلَوْ تَلِفَ الْمَالُ فِي يَدِ أَجِيرٍ بِلَا تَعَدٍّ كَثَوْبٍ اُسْتُؤْجِرَ لِخِيَاطَتِهِ أَوْ صَبْغِهِ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ كَمَا بِخَطِّهِ مَصْدَرًا (لَمْ يَضْمَنْ إنْ لَمْ يَنْفَرِدْ بِالْيَدِ بِأَنْ قَعَدَ الْمُسْتَأْجِرُ مَعَهُ) يَعْنِي كَانَ بِحَضْرَتِهِ (أَوْ أَحْضَرَهُ مَنْزِلَهُ) وَلَوْ لَمْ يَقْعُدْ مَعَهُ أَوْ حَمَلَ الْمَتَاعَ وَمَشَى خَلْفَهُ لِثُبُوتِ يَدِ الْمَالِكِ عَلَيْهِ حُكْمًا، وَمَا نُقِلَ عَنْ قَضِيَّةِ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَدَ لِلْأَجِيرِ عَلَيْهِ يَظْهَرُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَدَ لَهُ عَلَيْهِ مُسْتَقِلَّةٌ (وَكَذَا إنْ انْفَرَدَ) بِالْيَدِ بِأَنْ انْتَفَى مَا ذُكِرَ فَلَا يَضْمَنُ أَيْضًا (فِي أَظْهَرْ الْأَقْوَالِ) لِأَنَّهُ إنَّمَا أَثْبَتَ يَدَهُ لِغَرَضِهِ وَغَرَضِ الْمَالِكِ فَهُوَ شَبِيهٌ بِالْمُسْتَأْجِرِ وَعَامِلِ الْقِرَاضِ فَإِنَّهُمَا لَا يَضْمَنَانِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: مُرَادُهُ بِالْإِطْلَاقِ الِاقْتِصَارُ عَلَى شَرْطِ الْإِبْقَاءِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ إلَى كَوْنِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ (قَوْلُهُ: لَوْ انْتَفَعَ بِهَا إلَخْ) هَذَا التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فِي الدَّابَّةِ يَنْبَغِي جَرَيَانُهُ فِي غَيْرِهَا كَثَوْبٍ اسْتَأْجَرَهُ لِلُبْسِهِ، فَإِذَا تَرَكَ لُبْسَهُ وَتَلِفَ أَوْ غُصِبَ فِي وَقْتٍ لَوْ لَبِسَهُ سَلِمَ مِنْ ذَلِكَ ضَمِنَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ) أَيْ فِي الْخَوْفِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ اهـ سم. وَيُلْحَقُ بِهِ نَحْوُ الْمَطَرِ وَالْوَحْلِ الْمَانِعَيْنِ مِنْ الرُّكُوبِ عَادَةً، وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَهُ مَرَضُ الدَّابَّةِ الْمَانِعُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا، وَهَلْ مِثْلُهُ مَرَضُ الرَّاكِبِ الْعَارِضُ لَهُ أَوْ لَا لِإِمْكَانِ الِاسْتِنَابَةِ مِنْ مَرَضِهِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ، ثُمَّ رَأَيْته صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: بِجُنْحِ لَيْلٍ) الْجُنْحُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَكَسَرَهَا طَائِفَةٌ مِنْهُ اهـ مُخْتَارٌ (قَوْلُهُ ضَمِنَهَا فِيهِ) أَيْ ضَمَانَ يَدٍ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ لِاسْتِعْمَالِهِ إلَخْ، وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَيَسْتَقِرُّ فِيهِ الْمُسَمَّى لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ فِيهِ مَعَ كَوْنِ الدَّابَّةِ فِي يَدِهِ، وَالْكَلَامُ فِيمَا إذَا تَأَخَّرَ لَا لِنَحْوِ خَوْفٍ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا أُجْرَةَ لِلْيَوْمِ الثَّالِثِ لِأَنَّ الثَّانِيَ لَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: فَأَبَقَ ضَمِنَهُ) هَذَا قَدْ يُشْكِلُ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ جَوَازِ السَّفَرِ بِالْعَيْنِ حَيْثُ لَا خَطَرَ، فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ عَدَمُ الضَّمَانِ بِتَلَفِهَا فِي السَّفَرِ إلَّا أَنْ يُصَوَّرَ مَا هُنَا بِمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ الْقِنَّ لِعَمَلٍ لَا يَكُونُ السَّفَرُ طَرِيقًا لِاسْتِيفَائِهِ كَالْخِيَاطَةِ دُونَ الْخِدْمَةِ، وَمَا مَرَّ بِمَا إذَا اُسْتُؤْجِرَتْ الْعَيْنُ لِعَمَلٍ يَكُونُ السَّفَرُ مِنْ طُرُقِ اسْتِيفَائِهِ كَالرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ فَلْيُرَاجَعْ.

(قَوْلُهُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَصَبَغْت الثَّوْبَ صَبْغًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْله بَلْ لِيُسْتَثْنَى مِنْهُ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ: يَلْزَمُ مِنْهُ مَا فَرَّ مِنْهُ ثُمَّ رَأَيْت الشِّهَابَ سم قَالَ: إنْ حَمَلَ الرَّبْطَ عَلَى مُطْلَقِ الْإِمْسَاكِ فَهَذَا وَاضِحٌ أَوْ عَلَى خُصُوصِهِ فَلَا؛ لِظُهُورِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى خُصُوصِ الرَّبْطِ اهـ.
(قَوْلُهُ: إلَّا إنْ انْهَدَمَ) قَالَ الشِّهَابُ الْمَذْكُورُ: أَوْ غُصِبَتْ أَوْ سُرِقَتْ مَثَلًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ ثُمَّ قَالَ: تَنْبِيهٌ: هَذَا التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فِي الدَّابَّةِ يَنْبَغِي جَرَيَانُهُ فِي غَيْرِهَا كَثَوْبٍ اسْتَأْجَرَهُ لِلُبْسِهِ؛ فَإِذَا تَرَكَ لُبْسَهُ وَتَلِفَ أَوْ غُصِبَ فِي وَقْتٍ لَوْ لَبِسَهُ سَلِمَ مِنْ ذَلِكَ ضَمِنَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَأَبَقَ ضَمِنَهُ مَعَ الْأُجْرَةِ) قَالَ الشِّهَابُ الْمَذْكُورُ: إنْ كَانَ الذَّهَابُ بِهِ إلَى الْبَلَدِ الْآخَرِ سَائِغًا أَشْكَلَ الضَّمَانُ، أَوْ مُمْتَنِعًا خَالَفَ قَوْلَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ: أَيْ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمَتْنِ وَيَدُ الْمُكْتَرِي يَدُ أَمَانَةٍ إلَخْ، وَلَهُ السَّفَرُ بِالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ حَيْثُ لَا خَطَرَ فِي السَّفَرِ، قَالَ: إلَّا أَنْ يَخْتَارَ الْأَوَّلَ، وَيُحْمَلُ عَلَى مَا لَوْ كَانَ فِي الذَّهَابِ خَطَرٌ أَوْ وُجِدَ مِنْهُ تَفْرِيطٌ، ثُمَّ نَظَرَ فِيهِ بِأَنَّهُ مَعَ الْخَطَرِ يَنْبَغِي الضَّمَانُ وَلَوْ بِدُونِ إبَاقٍ وَمَعَ التَّفْرِيطِ يَنْبَغِي الضَّمَانُ وَلَوْ بِدُونِ ذَهَابٍ، وَذَكَرَ أَنَّهُ

(5/310)


بِالْإِجْمَاعِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي يَضْمَنُ كَالْمُسْتَعِيرِ

(وَالثَّالِثُ) (يَضْمَنُ) الْأَجِيرُ (الْمُشْتَرَكُ) بَيْنَ النَّاسِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ التَّلَفِ (وَهُوَ مَنْ الْتَزَمَ عَمَلًا فِي ذِمَّتِهِ) كَخِيَاطَةٍ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْتِزَامُ عَمَلٍ عَلَى آخَرَ وَهَكَذَا (لَا الْمُنْفَرِدُ وَهُوَ مَنْ أَجَّرَ نَفْسَهُ) أَيْ عَيْنَهُ (مُدَّةً مُعَيَّنَةً لِعَمَلٍ) أَوْ أَجَّرَ عَيْنَهُ وَقَدَّرَ بِالْعَمَلِ لِاخْتِصَاصِ مَنَافِعَ هَذَا بِالْمُسْتَأْجِرِ كَانَ كَالْوَكِيلِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، وَلَا تَجْرِي هَذِهِ الْأَقْوَالُ فِي أَجِيرٍ لِحِفْظِ حَانُوتٍ مَثَلًا إذَا أَخَذَ غَيْرُهُ مَا فِيهَا فَلَا يَضْمَنُهُ قَطْعًا، قَالَ الْقَفَّالُ: لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهِ الْمَتَاعُ، وَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ حَارِسِ سِكَّةٍ سُرِقَ بَعْضُ بُيُوتِهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ الْخُفَرَاءَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ يُعَزُّ النَّقْلُ فِيهَا، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ بِلَا تَعَدٍّ مَا لَوْ تَعَدَّى كَأَنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَرْعَى دَابَّتَهُ فَأَعْطَاهَا آخَرَ يَرْعَاهَا فَيَضْمَنُهَا كُلٌّ مِنْهُمَا وَالْقَرَارُ عَلَى مَنْ تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أَيْ حَيْثُ كَانَ عَالِمًا، وَإِلَّا فَالْقَرَارُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَكَأَنْ أَسْرَفَ خَبَّازٌ فِي الْوَقُودِ أَوْ مَاتَ الْمُتَعَلِّمُ مِنْ ضَرْبِ الْمُعَلِّمِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَيُصَدَّقُ أَجِيرٌ فِي نَفْيِ تَعَدِّيهِ مَا لَمْ يَشْهَدْ خَبِيرَانِ بِخِلَافِهِ

(وَلَوْ) عَمِلَ لِغَيْرِهِ عَمَلًا بِإِذْنِهِ كَأَنْ (دَفَعَ ثَوْبًا إلَى قَصَّارٍ لِيُقَصِّرَهُ أَوْ) إلَى (خَيَّاطٍ لِيَخِيطَهُ فَفَعَلَ وَلَمْ يَذْكُرْ) أَحَدُهُمَا (أُجْرَةً) وَلَا مَا يُفْهِمُهَا (فَلَا أُجْرَةَ لَهُ) لِتَبَرُّعِهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَسْكِنِّي دَارَك شَهْرًا فَأَسْكَنَهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ أُجْرَةً بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَالْأَوْجَهُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وُجُوبُهَا فِي قِنٍّ وَمَحْجُورِ سَفَهٍ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ أَهْلٍ لِلتَّبَرُّعِ، وَمِثْلُهُمَا غَيْرُ الْمُكَلَّفِ بِالْأَوْلَى (وَقِيلَ لَهُ) أُجْرَةُ مِثْلِهِ لِاسْتِهْلَاكِهِ مَنْفَعَتَهُ (وَقِيلَ إنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
مِنْ بَابَيْ نَفَعَ وَقَتَلَ وَفِي لُغَةٍ مِنْ بَابِ ضَرَبَ

(قَوْلُهُ وَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ الْخُفَرَاءَ إلَخْ) وَيُؤْخَذُ مِنْ فَرْضِ ذَلِكَ فِي الْبُيُوتِ وَنَحْوِهَا وَمِنْ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ أَنَّ خَفِيرَ الْجُرْنِ وَخَفِيرَ الْغَيْطِ وَنَحْوِهَا عَلَيْهِمْ الضَّمَانُ حَيْثُ قَصَّرُوا، وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ خَفِيرِ الْبُيُوتِ خَفِيرُ الْمَرَاكِبِ لِلتَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الضَّائِعِ صُدِّقَ الْخَفِيرُ لِأَنَّهُ الْغَارِمُ، وَأَنَّ الْكَلَامَ كُلَّهُ إذَا وَقَعَتْ إجَارَةً صَحِيحَةً وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ ظَاهِرُهُ وَإِنْ قَصَّرُوا، وَفِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ خِلَافُهُ فِي التَّقْصِيرِ (قَوْلُهُ: وَالْقَرَارُ عَلَى مَنْ تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ) وَالْكَلَامُ كُلُّهُ حَيْثُ كَانَ الرَّاعِي بَالِغًا عَاقِلًا رَشِيدًا، أَمَّا لَوْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ سَفِيهًا فَلَا ضَمَانَ، وَإِنْ قَصَّرَ حَتَّى تَلِفَتْ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَتْلَفَهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الْإِتْلَافِ (قَوْلُهُ: أَوْ مَاتَ الْمُتَعَلِّمُ مِنْ ضَرْبِ الْمُعَلِّمِ) وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ مُعْتَادًا لِلتَّعْلِيمِ لَكِنْ يُشْكَلُ وَصْفُهُ حِينَئِذٍ بِالتَّعَدِّي، وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ التَّأْدِيبَ كَانَ مُمْكِنًا بِالْقَوْلِ وَظَنُّ عَدَمَ إفَادَتِهِ إنَّمَا يُفِيدُ الْإِقْدَامَ، وَإِذَا مَاتَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِهِ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَشْهَدْ خَبِيرَانِ بِخِلَافِهِ) أَيْ بِالْفِعْلِ الَّذِي فَعَلَهُ الْمُسْتَأْجِرُ وَهَلْ يَتَعَيَّنُ مِثْلُهُ لِلتَّأْدِيبِ أَوْ يَكْفِي مَا هُوَ دُونَهُ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَلَا رَجُلٌ وَيَمِينٌ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي وَقَعَ التَّنَازُعُ فِيهِ لَيْسَ مَالًا وَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ.

(قَوْلُهُ: وَلَا مَا يُفْهِمُهَا) أَيْ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يُفْهِمُهَا فَلَا يُقَالُ الْقَرِينَةُ دَالَّةٌ عَلَى الْأُجْرَةِ (قَوْلُهُ: فَلَا أُجْرَةَ لَهُ) نُقِلَ بِالدَّرْسِ عَنْ ابْنِ الْعِمَادِ بِبَعْضِ الْهَوَامِشِ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ فِي عَدَمِ لُزُومِ شَيْءٍ مَا لَوْ دَخَلَ عَلَى طَبَّاخٍ وَقَالَ لَهُ أَطْعِمْنِي رِطْلًا مِنْ لَحْمٍ فَأَطْعَمَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الثَّمَنَ وَالْبَيْعُ صَحَّ أَوْ فَسَدَ يُعْتَبَرُ فِيهِ ذِكْرُ الثَّمَنِ. أَقُولُ: وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِيمَا لَوْ قَصَدَ الطَّبَّاخُ بِدَفْعِهِ أَخْذَ الْعِوَضِ سِيَّمَا وَقَرِينَةُ الْحَالِ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ بَدَلُهُ وَيُصَدَّقُ فِي الْقَدْرِ الْمُتْلَفِ لِأَنَّهُ غَارِمٌ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَسْكِنِّي دَارَك إلَخْ) وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ أَنَّهُ يَتَّفِقُ أَنَّ إنْسَانًا يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً وَيَسْكُنُ بِهَا فِي بَيْتِ أَهْلِهَا مُدَّةً وَلَمْ تَجْرِ بَيْنَهُمَا تَسْمِيَةُ أُجْرَةٍ وَلَا مَا يَقُومُ مَقَامَ التَّسْمِيَةِ لَكِنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ أَسْكِنِّي دَارَك شَهْرًا إلَخْ يُفْهِمُ وُجُوبَ الْأُجْرَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الزَّوْجَ اسْتَوْفَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
بَحَثَ فِيهِ مَعَ الشَّارِحِ فَحَمَلَهُ عَلَى مَا إذَا وَقَعَ تَفْرِيطٌ، قَالَ: وَقَدْ عُلِمَ مَا فِيهِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ عَمِلَ لِغَيْرِهِ عَمَلًا بِإِذْنِهِ) قَيَّدَ بِالْإِذْنِ لِلْخِلَافِ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ) أَيْ: فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ

(5/311)


كَانَ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ الْعَمَلِ) بِالْأُجْرَةِ (فَلَهُ) أُجْرَةُ مِثْلِهِ (وَإِلَّا فَلَا، وَقَدْ يُسْتَحْسَنُ) تَرْجِيحُهُ لِوُضُوحِ مُدْرِكِهِ، إذْ هُوَ الْعُرْفُ وَهُوَ يَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ كَثِيرًا، وَنُقِلَ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ، فَإِنْ ذَكَرَ أُجْرَةً اسْتَحَقَّهَا قَطْعًا إنْ صَحَّ الْعَقْدُ وَإِلَّا فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَأَمَّا إذَا عَرَّضَ بِهَا كَأُرْضِيكَ أَوْ لَا أُخَيِّبُك أَوْ تَرَى مَا تُحِبُّهُ، أَوْ يَسُرُّك أَوْ أُطْعِمُك فَتَجِبُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. نَعَمْ فِي الْأَخِيرَةِ يُحْسَبُ عَلَى الْأَجِيرِ مَا أَطْعَمَهُ إيَّاهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، لِأَنَّهُ لَا تَبَرُّعَ مِنْ الْمَطْعَمِ وَقَدْ تَجِبُ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ وَلَا تَعْرِيضٍ بِهَا كَمَا فِي عَامِلِ الزَّكَاةِ اكْتِفَاءً بِثُبُوتِهَا بِالنَّصِّ فَكَأَنَّهَا مُسَمَّاةٌ شَرْعًا وَكَعَامِلِ مُسَاقَاةٍ عَمَلٌ مَا لَيْسَ بِلَازِمٍ لَهُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ اكْتِفَاءً بِذِكْرِ الْمُقَابِلِ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ لَا قَاسِمَ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ فَلَا شِرَاءَ لَهُ كَمَا أَفَادَهُ السُّبْكِيُّ بَلْ هُوَ كَغَيْرِهِ خِلَافًا لِجَمْعٍ، وَلَا يُسْتَثْنَى وُجُوبُهَا عَلَى دَاخِلِ الْحَمَّامِ أَوْ رَاكِبِ السَّفِينَةِ مَثَلًا مِنْ غَيْرِ إذْنِ لِاسْتِيفَائِهِ الْمَنْفَعَةَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصْرِفَهَا صَاحِبُهَا إلَيْهِ بِخِلَافِهِ بِإِذْنِهِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ أَسَيَّرَ السَّفِينَةَ بِعِلْمِ مَالِكِهَا أَمْ لَا، وَقَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ فِي الْمَطْلَبِ لَعَلَّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ مَالِكُهَا حِينَ سَيَّرَهَا وَإِلَّا فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كَمَا لَوْ وَضَعَ مَتَاعَهُ عَلَى دَابَّةِ غَيْرِهِ فَسَيَّرَهَا مَالِكُهَا فَإِنَّهُ لَا أُجْرَةَ عَلَى مَالِكِهِ وَلَا ضَمَانَ مَرْدُودٌ، فَقَدْ فَرَّقَ الْعِرَاقِيُّ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ رَاكِبَ السَّفِينَةِ بِغَيْرِ إذْنٍ غَاصِبٌ لِلْبُقْعَةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا وَلَوْ لَمْ يَسِرْ، بِخِلَافِ وَاضِعِ مَتَاعَهُ عَلَى الدَّابَّةِ لَا يَصِيرُ غَاصِبًا لَهَا بِمُجَرَّدِ وَضْعِ مَتَاعِهِ. وَيُفَرَّقُ أَيْضًا بِأَنَّ مُجَرَّدَ الْعِلْمِ لَا يُسْقِطُ الْأُجْرَةَ وَلَا الضَّمَانَ، فَإِنَّ السُّكُوتَ عَلَى إتْلَافِ الْمَالِ لَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ وَهُوَ عِلْمٌ وَزِيَادَةٌ وَمَالِكُ الدَّابَّةِ بِسَبِيلٍ مِنْ إلْقَاءِ الْمَتَاعِ قَبْلَ تَسْيِيرِهَا بِخِلَافِهِ فِي رَاكِبِ السَّفِينَةِ

(وَلَوْ) (تَعَدَّى الْمُسْتَأْجِرُ) فِي ذَاتِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ (بِأَنْ) أَيْ كَأَنْ (ضَرَبَ الدَّابَّةَ أَوْ كَبَحَهَا) بِمُوَحَّدَةٍ فَمُهْمَلَةٍ: أَيْ جَذَبَهَا بِلِجَامِهَا (فَوْقَ الْعَادَةِ) فِيهِمَا أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِمِثْلِ تِلْكَ الدَّابَّةِ كَمَا لَا يَخْفَى (أَوْ أَرْكَبَهَا أَثْقَلَ مِنْهُ أَوْ أَسْكَنَ حَدَّادًا أَوْ قَصَّارًا) دَقَّ وَهُمَا أَشَدُّ ضَرَرًا مِمَّا اسْتَأْجَرَ لَهُ (ضَمِنَ الْعَيْنَ) الْمُؤَجَّرَةَ: أَيْ دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ لِتَعَدِّيهِ: أَمَّا مَا هُوَ الْعَادَةُ فَلَا يَضْمَنُ بِهِ وَإِنَّمَا ضَمِنَ بِضَرْبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الْمَنْفَعَةَ بِسُكْنَاهُ فِي الدَّارِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ دَخَلَ الْحَمَّامَ بِغَيْرِ إذْنٍ، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ تَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ لِاسْتِيفَائِهِ الْمَنْفَعَةَ، ثُمَّ رَأَيْت الشَّارِحَ فِي النَّفَقَاتِ صَرَّحَ بِوُجُوبِ الْأُجْرَةِ وَعِبَارَتُهُ (قَوْلُهُ: فَتَجِبُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ) بَقِيَ مَا لَوْ أَطْعَمَهُ فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ وَقَالَ أَطْعَمْته عَلَى قَصْدِ حُسْبَانِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ اهـ سم عَلَى حَجّ. أَقُولُ: قَضِيَّةُ كَوْنِ الْعِبْرَةِ فِي أَدَاءِ الدَّيْنِ بِنِيَّةِ الدَّافِعِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ حُسْبَانُهُ عَلَى الْأَجِيرِ (قَوْلُهُ: يُحْسَبُ عَلَى الْأَجِيرِ مَا أَطْعَمَهُ إيَّاهُ) أَيْ وَيُصَدَّقُ الْآكِلُ فِي قَدْرِ مَا أَكَلَهُ لِأَنَّهُ غَارِمٌ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِهِ بِإِذْنِهِ) أَيْ فَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ، وَمِنْهُ مَا يَقَعُ مِنْ الْمَعَدَّاوِيِّ مِنْ قَوْلِهِ انْزِلْ أَوْ يَحْمِلُهُ وَيُنْزِلُهُ فِيهَا (قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ أَسَيَّرَ السَّفِينَةَ إلَخْ) أَيْ وَكَذَا لَوْ سَيَّرَهَا الْمَالِكُ نَفْسُهُ عَلِمَ بِالرَّاكِبِ أَمْ لَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَقَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ إلَخْ مَرْدُودٌ (قَوْلُهُ: وَلَا ضَمَانَ) أَيْ بَلْ عَلَى مَالِكِ الدَّابَّةِ ضَمَانُ الْعَيْنِ لَوْ تَلِفَتْ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ جَاهِلًا بِالْمَتَاعِ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى صَاحِبِ الْمَتَاعِ لِصَاحِبِ الدَّابَّةِ، وَسَيَأْتِي مَا يُوَافِقُهُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ وُزِنَ الْمُؤَجَّرُ وَحُمِلَ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: وَهُمَا أَشَدُّ ضَرَرًا) هَذَا قَدْ يُشْكَلُ بِمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ إبْدَالُ رُكُوبٍ بِحَمْلٍ وَحَدِيدٍ بِقُطْنٍ إلَخْ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ مَا هُنَا مِنْ جِنْسِ مَا لَوْ اُسْتُؤْجِرَ لَهُ وَهُوَ السُّكْنَى فَلَا تَضُرُّ مُخَالَفَتُهُ لَهُ حَيْثُ لَمْ يَزِدْ ضَرَرُهُ، بِخِلَافِ مَا مَرَّ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ فِيهِ لِسُكْنَى مَنْ يَعْمَلُ الْقِصَارَةَ أَوْ الْحَدِيدَ فَفِي إسْكَانِ غَيْرِهِ مُخَالَفَةٌ صَرِيحَةٌ (قَوْلُهُ: ضَمِنَ الْعَيْنَ) ضَمَانَ الْغُصُوبِ (قَوْلُهُ: أَيْ دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ) أَيْ وَلَوْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ الِاسْتِعْمَالِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَدَقُّهُمَا أَشَدُّ ضَرَرًا مِمَّا اسْتَأْجَرَ لَهُ) كَذَا فِي نُسَخِ الشَّارِحِ وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ دَقَّ وَهُمَا أَشَدُّ ضَرَرًا إلَخْ، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى تَقْيِيدِ الضَّمَانِ بِقَيْدَيْنِ: الْأَوَّلِ: وُقُوعِ الدَّقِّ بِالْفِعْلِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ تَبَعًا لِلْجَلَالِ الْمَحَلِّيِّ بِقَوْلِهِ دَقَّ الَّذِي هُوَ بِصِيغَةِ الْمَاضِي وَصْفًا لِلْحَدَّادِ وَالْقَصَّارِ وَالثَّانِي: كَوْنِ الْحَدَّادِ وَالْقَصَّارِ أَشَدَّ ضَرَرًا مِمَّا اُسْتُؤْجِرَ لَهُ. وَهَذَا زَادَهُ عَلَى مَا فِي شَرْحِ الْجَلَالِ فَلَعَلَّ قَوْلَ الشَّارِحِ وَدَقُّهُمَا مُحَرَّفٌ مِنْ الْكَتَبَةِ عَنْ قَوْلِ التُّحْفَةِ دَقَّ وَهُمَا. وَاعْلَمْ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ مَا مَرَّ

(5/312)


زَوْجَتِهِ لِإِمْكَانِ تَأْدِيبِهَا بِاللَّفْظِ وَظَنُّ تَوَقُّفِ إصْلَاحِهَا عَلَى الضَّرْبِ إنَّمَا يُبِيحُ الْإِقْدَامَ عَلَيْهِ خَاصَّةً، وَمَتَى أَرْكَبَ أَثْقَلَ مِنْهُ اسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَى الثَّانِي إنْ عَلِمَ وَإِلَّا فَالْأَوَّلُ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَتْ يَدُ الثَّانِي لَا تَقْتَضِي ضَمَانًا كَالْمُسْتَأْجِرِ، فَإِنْ اقْتَضَتْهُ كَالْمُسْتَعِيرِ فَالْقَرَارُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، وَفَارَقَ الْمُسْتَعِيرُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ بِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ هُنَا لَمَّا تَعَدَّى بِإِرْكَابِهِ صَارَ كَالْغَاصِبِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ لَوْ لَمْ يَتَعَدَّ بِأَنْ أَرْكَبَهَا مِثْلَهُ فَضَرَبَهَا فَوْقَ الْعَادَةِ ضَمِنَ الثَّانِي فَقَطْ وَخَرَجَ بِذَاتِ الْعَيْنِ مَنْفَعَتُهَا، كَأَنْ اسْتَأْجَرَهَا لِبُرٍّ فَزَرَعَ ذُرَةً فَلَا يَضْمَنُ الْأَرْضَ لِعَدَمِ تَعَدِّيه فِي عَيْنِهَا، بَلْ إنَّمَا تَعَدَّى فِي الْمَنْفَعَةِ فَيَلْزَمُهُ بَعْدَ حَصْدِهَا وَانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ عِنْدَ تَنَازُعِهِمَا مَا يَخْتَارُهُ الْمُؤَجِّرُ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِ زَرْعِ الذُّرَةِ وَالْمُسَمَّى مَعَ بَذْلِ زِيَادَةِ ضَرَرِ الذُّرَةِ، وَلَوْ اُرْتُدِفَ ثَالِثٌ خَلْفَ مُكْتَرِيَيْنِ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا ضَمِنَ الثَّالِثُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ (وَكَذَا) يَضْمَنُ وَلَوْ تَلِفَتْ بِسَبَبٍ آخَرَ

(لَوْ) (اكْتَرَى لِحَمْلِ مِائَةِ رِطْلِ حِنْطَةٍ فَحَمَلَ مِائَةً شَعِيرًا أَوْ عُكِسَ) لِاجْتِمَاعِهَا بِسَبَبِ ثِقَلِهَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَهُوَ لِخِفَّتِهِ يَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ أَكْثَرَ فَضَرَرُهَا مُخْتَلِفٌ، وَكَذَا كُلُّ مُخْتَلِفِي الضَّرَرِ كَحَدِيدٍ وَقُطْنٍ (أَوْ) اكْتَرَى (لِعَشَرَةِ أَقْفِزَةِ شَعِيرٍ) جَمْعُ قَفِيزٍ مِكْيَالٌ يَسَعُ اثْنَيْ عَشَرَ صَاعًا (فَحَمَلَ) عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ (حِنْطَةً) لِأَنَّهَا أَثْقَلُ (دُونَ عَكْسِهِ) بِأَنْ اكْتَرَاهُ لِحَمْلِ عَشَرَةِ أَقْفِزَةٍ حِنْطَةً فَحَمَلَ عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ شَعِيرًا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ أَصْلًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِاتِّحَادِ جُرْمِهِمَا بِاتِّحَادِ كَيْلِهِمَا مَعَ كَوْنِ الشَّعِيرِ أَخَفَّ (وَلَوْ اكْتَرَى لِ) حَمْلِ (مِائَةٍ فَحَمَّلَ) بِالتَّشْدِيدِ (مِائَةً وَعَشَرَةً) (لَزِمَهُ) مَعَ الْمُسَمَّى (أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلزِّيَادَةِ) لِتَعَدِّيهِ بِهَا. وَتَمْثِيلُهُ بِالْعَشَرَةِ لِإِفَادَةِ اغْتِفَارِ نَحْوِ الِاثْنَيْنِ مِمَّا يَقَعُ بِهِ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ عَادَةً (وَإِنْ تَلِفَتْ بِذَلِكَ) الْمَحْمُولِ أَوْ بِسَبَبٍ آخَرَ (ضَمِنَهَا) ضَمَانَ يَدٍ (إنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهَا مَعَهَا) لِصَيْرُورَتِهِ غَاصِبًا لَهَا بِحَمْلِ الزِّيَادَةِ (فَإِنْ كَانَ) صَاحِبُهَا مَعَهَا وَتَلِفَتْ بِسَبَبِ الْحَمْلِ دُونَ غَيْرِهِ إذْ ضَمَانُهَا ضَمَانَ جِنَايَةٍ لَا سِيَّمَا وَمَالِكُهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الَّذِي دَفَعَهَا لِأَجْلِهِ (قَوْلُهُ: فَالْقَرَارُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا) عَلِمَ أَوَّلًا (قَوْلُهُ وَانْقِضَاءُ الْمُدَّةِ) أَيْ مَا قَبْلَ انْقِضَائِهَا: أَمَّا أَيْ بَعْدَ انْقِضَائِهَا فَلِلْمُؤَجِّرِ تَكْلِيفُهُ الْقَلْعَ مَجَّانًا لِتَعَدِّيهِ، فَإِنْ رَضِيَ بِإِبْقَائِهَا لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ (قَوْلُهُ: عِنْدَ تَنَازُعِهِمَا) اُنْظُرْ مَا لَوْ تَلِفَتْ الْأَرْضُ بِسَبَبِ زَرْعِ الذُّرَةِ فَصَارَتْ لَا تُنْبِتُ شَيْئًا وَيُتَّجَهُ الضَّمَانُ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: مَا يَخْتَارُهُ الْمُؤَجِّرُ) أَيْ فَيَكُونُ اخْتِيَارُهُ لِأُجْرَةِ مِثْلِ الذُّرَةِ فَسْخًا لِلْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَاخْتِيَارُ الْمُسَمَّى إبْقَاءٌ لَهُ وَالْمُطَالَبَةُ بِالزِّيَادَةِ لِتَعَدِّي الْمُسْتَأْجِرِ هَذَا، وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ مَا نَصُّهُ: وَإِذَا اخْتَارَ أُجْرَةَ الْمِثْلِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَلَا بُدَّ مِنْ فَسْخِ الْإِجَارَةِ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ فِيمَا لَوْ كَانَ الْمُسَمَّى مِنْ غَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ كَأَنْ كَانَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ مِائَةً مَثَلًا وَالْمُسَمَّى نَحْوَ بُرٍّ، فَإِنْ اخْتَارَ أُجْرَةَ الْمِثْلِ لَزِمَتْ الْمِائَةُ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ، وَإِنْ اخْتَارَ الْمُسَمَّى اسْتَحَقَّهُ وَضُمَّ إلَيْهِ مَا بَقِيَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ، فَفِي الْمِثَالِ لَوْ كَانَ الْمُسَمَّى مِنْ نَحْوِ الْبُرِّ يُسَاوِي ثَمَانِينَ أَخَذَهُ الْمُؤَجِّرُ وَطَالَبَ بِعِشْرِينَ (قَوْلُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا ضَمِنَ الثَّالِثَ) وَفِي نُسْخَةٍ الثُّلُثَ بَدَلَ الثَّالِثِ (قَوْلُهُ: بِغَيْرِ إذْنِهِمَا) أَيْ وَكَذَا بِإِذْنِهِمَا إنْ لَمْ يُسَوَّغْ لِلْمُكْتَرِينَ الْإِعَارَةُ لِمِثْلِ ذَلِكَ بِأَنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِرُكُوبِ الثَّلَاثَةِ عَلَى مِثْلِ تِلْكَ الدَّابَّةِ، وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ لِأَنَّهُ مُسْتَعِيرٌ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ لِاتِّحَادِ جُرْمِهِمَا بِاتِّحَادِ كَيْلِهِمَا، وَلَوْ ابْتَلَّ الْمَحْمُولُ وَثَقُلَ بِسَبَبِ ذَلِكَ ثَبَتَ لِلْمُكْرِي الْخِيَارُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِهِ وَبِأَدَبَتِهِ أَخْذًا مِمَّا لَوْ مَاتَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
مِنْ أَنَّ الْحَدَّادَ لَا يَسْكُنُ قَصَّارًا مُطْلَقًا كَعَكْسِهِ إذْ مَا مَرَّ فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ وَمَا هُنَا فِي دُخُولِ الْعَيْنِ فِي ضَمَانِهِ فَالْإِسْكَانُ الْمَذْكُورُ وَإِنْ كَانَ مُمْتَنِعًا مُطْلَقًا إلَّا أَنَّ دُخُولَ الْعَيْنِ فِي ضَمَانِهِ مَشْرُوطٌ بِهَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ؛ إذْ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ، وَالضَّمَانِ وَعَدَمِهِ، هَكَذَا ظَهَرَ لِي فَانْظُرْهُ مَعَ مَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ (قَوْلُهُ: وَفَارَقَ الْمُسْتَعِيرُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ) حَقُّ التَّعْبِيرِ وَإِنَّمَا ضَمِنَ هُنَا مَعَ أَنَّهُ مُسْتَعِيرٌ مِنْ مُسْتَأْجِرٍ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَمَّا تَعَدَّى إلَخْ

(قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا مَعَهَا) أَيْ: مَعَ

(5/313)


مَعَهَا (ضَمِنَ قِسْطَ الزِّيَادَةِ فَقَطْ) لِاخْتِصَاصِ يَدِهِ بِهَا وَلِهَذَا

لَوْ سَخَّرَهُ مَعَ دَابَّتِهِ فَتَلِفَتْ لَمْ يَضْمَنْهَا الْمُسَخَّرُ لِتَلَفِهَا فِي يَدِ مَالِكِهَا (وَفِي قَوْلٍ) يَضْمَنُ (نِصْفَ الْقِيمَةِ) تَوْزِيعًا عَلَى الرُّءُوسِ كَجُرْحٍ مِنْ وَاحِدٍ وَجِرَاحَاتٍ مِنْ آخَرَ، وَرُدَّ بِتَيْسِيرِ التَّوْزِيعِ هُنَا بِخِلَافِهِ هُنَاكَ لِاخْتِلَافِ نِكَايَتِهَا بَاطِنًا (وَلَوْ) (سَلَّمَ الْمِائَةَ وَالْعَشَرَةَ إلَى الْمُؤَجِّرِ فَحَمَّلَهَا) بِالتَّشْدِيدِ (جَاهِلًا) بِالزِّيَادَةِ كَأَنْ قَالَ لَهُ هِيَ مِائَةٌ فَصَدَّقَهُ (ضَمِنَ الْمُكْتَرِي) الْقِسْطَ نَظِيرُ مَا مَرَّ وَأُجْرَةُ الزِّيَادَةِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) إذْ الْمُكْرِي لِجَهْلِهِ صَارَ كَالْآلَةِ لَهُ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَعَارُضِ الْغُرُورِ وَالْمُبَاشَرَةِ فَإِنْ كَانَ عَالِمًا فَكَمَا فِي قَوْلِهِ (وَلَوْ) وَضَعَ الْمُكْتَرِي ذَلِكَ بِظَهْرِهَا فَسَيَّرَهَا الْمُؤَجِّرُ أَوْ (وَزَنَ الْمُؤَجِّرُ وَحَمَّلَ) بِالتَّشْدِيدِ (فَلَا أُجْرَةَ لِلزِّيَادَةِ) وَإِنْ كَانَ غَالِطًا وَعَلِمَ بِهَا الْمُسْتَأْجِرُ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِي حَمْلِهَا بَلْ لَهُ مُطَالَبَةُ الْمُؤَجِّرِ بِرَدِّهَا لِمَحَلِّهَا وَلَيْسَ لَهُ رَدُّهَا بِدُونِ إذْنٍ وَإِذَا تَلِفَتْ ضَمِنَهَا، وَلَوْ وَزْن الْمُؤَجِّرُ أَوْ كَالَ أَوْ حَمَّلَ الْمُسْتَأْجِرُ فَكَمَا لَوْ كَالَ بِنَفْسِهِ إنْ عَلِمَ، وَكَذَا إنْ جَهِلَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُتَوَلِّي

(وَلَا ضَمَانَ) عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ (إنْ تَلِفَتْ) الدَّابَّةُ لِانْتِفَاءِ الْيَدِ وَالتَّعَدِّي بِالنَّقْلِ وَلَوْ قَالَ لَهُ الْمُسْتَأْجِرُ احْمِلْ هَذَا الزَّائِدَ فَكَمُسْتَعِيرٍ فَيَضْمَنُ الْقِسْطَ مِنْ الدَّابَّةِ إنْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ الْمَحْمُولِ دُونَ مَنْفَعَتِهَا (وَلَوْ أَعْطَاهُ ثَوْبًا لِيَخِيطَهُ) بَعْدَ قَطْعِهِ كَمَا صَوَّرَهُ بِذَلِكَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ ظَاهِرٌ (فَخَاطَهُ قَبَاءً وَقَالَ أَمَرْتنِي بِقَطْعِهِ قَبَاءً فَقَالَ بَلْ قَمِيصًا فَالْأَظْهَرُ تَصْدِيقُ الْمَالِكِ بِيَمِينِهِ) فِي عَدَمِ إذْنِهِ لَهُ فِي قَطْعِهِ قَبَاءً إذْ هُوَ الْمُصَدَّقُ فِي أَصْلِ الْإِذْنِ فَكَذَا فِي صِفَتِهِ. وَالثَّانِي يَتَحَالَفَانِ، وَانْتَصَرَ الْإِسْنَوِيُّ لَهُ نَقْلًا وَمَعْنًى، وَنَبَّهَ عَلَى أَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا قَبْلَ الْقَطْعِ تَحَالَفَا اتِّفَاقًا، وَكُلَّمَا وَجَبَ التَّحَالُفُ مَعَ بَقَائِهِ وَجَبَ مَعَ تَغَيُّرِ أَحْوَالِهِ انْتَهَى. وَعَلَيْهِ فَيَبْدَأُ بِالْمَالِكِ كَمَا قَالَاهُ نَقْلًا عَنْ ابْنِ كَجٍّ، وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّهُ مَمْنُوعٌ بَلْ بِالْخَيَّاطِ لِأَنَّهُ بَائِعُ الْمَنْفَعَةِ (وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ) بَعْدَ حَلِفِهِ إذْ لَا تَجِبُ إلَّا مَعَ الْإِذْنِ، وَقَدْ ثَبَتَ انْتِفَاؤُهُ بِيَمِينِهِ (وَعَلَى الْخَيَّاطِ أَرْشُ النَّقْصِ) لِمَا ثَبَتَ مِنْ عَدَمِ الْإِذْنِ وَالْأَصْلُ الضَّمَانُ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مَقْطُوعًا قَمِيصًا وَمَقْطُوعًا قَبَاءً كَمَا رَجَّحَهُ السُّبْكِيُّ، وَلِأَنَّ أَصْلَ الْقَطْعِ مَأْذُونٌ فِيهِ وَإِنْ رَجَّحَ الْإِسْنَوِيُّ كَابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ، وَجَزَمَ بِهِ الْقُونَوِيُّ وَالْبَارِزِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ شُرَّاحِ الْحَاوِي وَغَيْرِهِ أَنَّهُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَمَقْطُوعًا لِانْتِفَاءِ الْإِذْنِ مِنْ أَصْلِهِ، وَلَا يَقْدَحُ فِي تَرْجِيحِ الْأَوَّلِ عَدَمُ الْأُجْرَةِ لَهُ إذْ لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الضَّمَانِ، وَلِلْخَيَّاطِ نَزْعُ خَيْطِهِ وَعَلَيْهِ أَرْشُ نَقْصِ النَّزْعِ إنْ حَصَلَ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، وَلَهُ مَنْعُ الْمَالِكِ مِنْ شَدِّ خَيْطٍ فِيهِ بِجَرِّهِ فِي الدُّرُوزِ مَكَانَهُ، وَلَوْ قَالَ إنْ كَانَ هَذَا يَكْفِينِي قَمِيصًا فَاقْطَعْهُ فَقَطَعَهُ وَلَمْ يَكْفِهِ ضَمِنَ الْأَرْشَ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَحْصُلْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ هَلْ يَكْفِينِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الْمُسْتَأْجِرُ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى الْمَحَلِّ الْمُعَيَّنِ حَيْثُ قَالُوا فِيهِ لَا يَلْزَمُ الْمُؤَجِّرَ نَقْلُهُ إلَيْهِ لِثِقَلِ الْمَيِّتِ.

(قَوْلُهُ: لَوْ سَخَّرَهُ مَعَ دَابَّتِهِ فَتَلِفَتْ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهَا ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدَ اسْتِعْمَالِهَا فَهِيَ مُعَارَةٌ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي الْعَارِيَّةِ اهـ سم عَلَى حَجّ. أَقُولُ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ بَاشَرَ اسْتِعْمَالَهَا كَأَنْ رَكِبَهَا، أَمَّا لَوْ دَفَعَ لَهُ مَتَاعًا وَقَالَ لَهُ احْمِلْهُ فَحَمَلَهُ عَلَيْهَا فَلَا ضَمَانَ لِكَوْنِهَا فِي يَدِ مَالِكِهَا، ثُمَّ رَأَيْت الشَّارِحَ فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ صَرَّحَ بِذَلِكَ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ: كَأَنْ قَالَ لَهُ) أَيْ أَمَّا لَوْ لَمْ يَقُلْ لَهُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْقِسْطَ وَالتَّعَدِّيَ بِنَقْلِ: أَيْ بِالنَّقْلِ مِنْ الْمُؤَجِّرِ لِلْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرِ لِحَمْلِهَا

(قَوْلُهُ بَعْدَ قَطْعِهِ) أَيْ مِنْ الْخَيَّاطِ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ) أَيْ الثَّانِي وَقَوْلُهُ فَيَبْدَأُ بِالْمَالِكِ مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: إنْ حَصَلَ) أَيْ النَّقْصُ فِي الْقَمِيصِ نَفْسِهِ كَأَنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِنَزْعِ الْخَيْطِ عَنْ قِيمَتِهِ قُمَاشًا مُفَصَّلًا بِلَا خِيَاطَةٍ (قَوْلُهُ: ضَمِنَ الْأَرْشَ) أَيْ أَرْشَ الْقَطْعِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
الْمُكْتَرِي كَمَا هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ (قَوْلُهُ: لِاخْتِصَاصِ يَدِهِ بِهِمَا) الظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي بِهَا لِلزِّيَادَةِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ: أَيْ بِقِسْطِ الزِّيَادَةِ مِنْ الدَّابَّةِ؛ إذْ الْفَرْضُ أَنَّهُ مَعَهَا كَصَاحِبِهَا كَمَا مَرَّ

(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِي حَمْلِهَا) تَعْلِيلٌ لِلْمَتْنِ خَاصَّةً

(قَوْلُهُ: بَعْدَ قَطْعِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِيَخِيطَهُ.

(5/314)


فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ اقْطَعْ لِأَنَّ الْإِذْنَ مُطْلَقٌ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْأُجْرَةِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ أَوْ الْمُدَّةِ أَوْ قَدْرِ الْمَنْفَعَةِ أَوْ قَدْرِ الْمُسْتَأْجَرِ تَحَالَفَا وَفُسِخَتْ الْإِجَارَةُ وَوَجَبَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمَا اسْتَوْفَاهُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هُنَا وَمِنْ تَفْصِيلِهِمْ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا فِي الْمُخَالَفَةِ فِي الْفَسْخِ الْمُسْتَأْجَرِ لَهُ وَمِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِنَسْخِ كِتَابٍ فَغَيَّرَ تَرْتِيبَ أَبْوَابِهِ، فَإِنْ أَمْكَنَ الْبِنَاءُ عَلَى بَعْضِ الْمَكْتُوبِ كَأَنْ كَتَبَ الْبَابَ الْأَوَّلَ مُنْفَصِلًا بِحَيْثُ يَبْنِي عَلَيْهِ اُسْتُحِقَّ بِقِسْطِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ، إذْ مَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِتَضْرِيبِ ثَوْبٍ بِخُيُوطٍ مَعْدُودَةٍ وَقِسْمَةٍ بَيِّنَةٍ مُتَسَاوِيَةٍ فَخَاطَهُ بِأَنْقَصَ وَأَوْسَعَ فِي الْقِسْمَةِ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا لِمُخَالَفَتِهِ الْمَشْرُوطَ، إلَّا أَنْ يُمْكِنَ مِنْ إتْمَامِهِ كَمَا شَرَطَ وَأَتَمَّهُ فَيَسْتَحِقُّ الْكُلَّ أَوْ مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى بَعْضِهِ فَيَسْتَحِقُّ بِالْقِسْطِ وَقَدْ أَفْتَى بِذَلِكَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

(فَصْلٌ) فِيمَا يَقْتَضِي انْفِسَاخَ الْإِجَارَةِ وَالتَّخْيِيرَ فِي فَسْخِهَا وَعَدَمِهِمَا وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ (لَا تَنْفَسِخُ إجَارَةٌ) عَيْنِيَّةٌ أَوْ فِي الذِّمَّةِ بِنَفْسِهَا وَلَا بِفَسْخِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ (بِعُذْرٍ) لَا يُوجِبُ خَلَلًا فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ (كَتَعَذُّرِ وَقُودٍ) بِفَتْحِ الْوَاوِ كَمَا بِخَطِّهِ مَا يُوقَدُ بِهِ وَبِضَمِّهَا الْمَصْدَرُ (حَمَّامٍ) عَلَى مُسْتَأْجِرِهِ، وَمِثْلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ مَا لَوْ عَدِمَ دُخُولَ النَّاسِ فِيهِ لِفِتْنَةٍ أَوْ خَرَابِ مَا حَوْلَهُ، كَمَا لَوْ خَرِبَ مَا حَوْلَ الدَّارِ أَوْ الدُّكَّانِ أَوْ أَبْطَلَ أَمِيرُ الْبَلْدَةِ التَّفَرُّجَ فِي السُّفُنِ وَقَدْ اكْتَرَاهَا أَوْ دَارًا لِذَلِكَ، وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ فَقَدْ أَبْعَدَ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَمَقْطُوعًا (قَوْلُهُ: وَأَوْسَعَ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ لِأَنَّ كَلَامَهُمَا مُخَالِفٌ لِمَا شُرِطَ مِنْ التَّسَاوِي.

(فَصْلٌ) فِيمَا يَقْتَضِي انْفِسَاخَ الْإِجَارَةِ أَيْ وَكَامْتِنَاعِ الرَّضِيعِ مِنْ ثَدْيِ الْمُرْضِعَةِ بِلَا عِلَّةٍ تُقَوَّمُ بِالثَّدْيِ
(وَقَوْلُهُ وَبِضَمِّهَا الْمَصْدَرُ) هَذَا بَيَانٌ لِلْأَشْهَرِ، وَإِلَّا فَقِيلَ بِالضَّمِّ فِيهِمَا وَقِيلَ بِالْفَتْحِ فِيهِمَا (قَوْلُهُ: مَا لَوْ عَدِمَ إلَخْ) قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: هُوَ مِنْ بَابِ طَرِبَ وَتَصِحُّ قِرَاءَتُهُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ (قَوْلُهُ: وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ ذَلِكَ) الْإِشَارَةُ إلَى قَوْلِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
[فَصْل فِيمَا يَقْتَضِي انْفِسَاخَ الْإِجَارَةِ]
(قَوْلُهُ: وَعَدَمَهُمَا) الْأَوْلَى وَمَا لَا يَقْتَضِيهِمَا إذْ لَيْسَ فِي الْفَصْلِ بَيَانُ شَيْءٍ يَقْتَضِي عَدَمَ الِانْفِسَاخِ أَوْ التَّخْيِيرَ بَلْ ذَلِكَ الْعَدَمُ هُوَ الْأَصْلُ حَتَّى يُوجَدَ مَا يَرْفَعُهُ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ ذَلِكَ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَمِثْلُهُ عَلَى الْأَوْجَهِ مَا لَوْ عَدِمَ دُخُولَ النَّاسِ فِيهِ لِفِتْنَةٍ أَوْ خَرَابِ مَا حَوْلَهُ كَمَا لَوْ خَرِبَ مَا حَوْلَ الدَّارِ أَوْ الدُّكَّانِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا غَيْرُ صَحِيحٍ انْتَهَتْ.
فَالضَّمِيرُ فِي بَيْنَهُمَا لِمَسْأَلَةِ عَدَمِ دُخُولِ النَّاسِ الْحَمَّامَ الَّذِي قَاسَهَا، وَمَسْأَلَةِ خَرَابِ مَا حَوْلَ الدَّارِ وَالدُّكَّانِ الَّتِي قَاسَ عَلَيْهِمَا، وَمُرَادُهُ رَدُّ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ عَدَمَ دُخُولِ النَّاسِ الْحَمَّامَ الْمُسْتَأْجَرَ بِسَبَبِ فِتْنَةٍ حَادِثَةٍ، أَوْ خَرَابِ النَّاحِيَةِ عَيْبٌ، بِخِلَافِ الْحَانُوتِ وَالدَّارِ فَإِنَّهُمَا يُسْتَأْجَرَانِ لِلسُّكْنَى، وَهِيَ مُمْكِنَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، إذَا عَلِمْت ذَلِكَ عَلِمْت أَنَّ مُرَادَ الشَّارِحِ بِالْأَوَّلِ فِي قَوْلِهِ دُونَ الْأَوَّلِ مَسْأَلَةُ عَدَمِ دُخُولِ النَّاسِ الْحَمَّامَ لَكِنْ كَانَ حَقُّ التَّعْبِيرِ مِثْلَ مَا فِي التُّحْفَةِ، عَلَى أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا شَمِلَتْهُ الْإِشَارَةُ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ بَيْنَ ذَلِكَ مَسْأَلَةُ إبْطَالِ أَمِيرِ الْبَلْدَةِ التَّفَرُّجَ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْفَرْقِ الَّذِي قَصَدَ هُوَ الرَّدَّ عَلَيْهِ، وَمَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ مِنْ أَنَّ مُرَادَ الشَّارِحِ بِالْأَوَّلِ

(5/315)


فِيمَنْ اسْتَأْجَرَ رَحًى فَعَدِمَ الْحَبَّ لِقَحْطٍ أَنَّهُ يُتَخَيَّرُ (وَ) تَعَذُّرِ (سَفَرٍ) بِفَتْحِ الْفَاءِ بِالدَّابَّةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ لِطُرُوِّ خَوْفٍ مَثَلًا وَبِسُكُونِهَا جَمْعُ سَافِرٍ: أَيْ رُفْقَةٌ يَخْرُجُ مَعَهُمْ وَلَوْ عُطِفَ عَلَى تَعَذَّرَ صَحَّ وَالتَّقْدِيرُ وَكَسَفَرٍ: أَيْ طُرُّوهُ لِمُكْتَرِي دَارٍ مَثَلًا (وَ) نَحْوِ (مَرَضِ مُسْتَأْجِرِ دَابَّةٍ لِسَفَرٍ) وَمُؤَجِّرِهَا الَّذِي يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ مَعَهَا لِانْتِفَاءِ الْخَلَلِ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَالِاسْتِنَابَةُ مُمْكِنَةٌ. نَعَمْ التَّعَذُّرُ الشَّرْعِيُّ يُوجِبُ الِانْفِسَاخَ كَأَنْ اسْتَأْجَرَهُ لِقَلْعِ سِنٍّ مُؤْلِمٍ فَزَالَ أَلَمُهُ، وَإِمْكَانُ عَوْدِهِ لَا أَثَرَ لَهُ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ وَكَذَا الْحِسِّيُّ إنْ تَعَلَّقَ بِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ كَأَنْ اسْتَأْجَرَ الْإِمَامُ ذِمِّيًّا لِجِهَادٍ فَصَالَحَ قَبْلَ الْمَسِيرِ بِنَاءً فِيهِمَا عَلَى مَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ إبْدَالِ الْمُسْتَوْفَى بِهِ وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ، فَإِنْ أَوْجَبَ خَلَلًا فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ إجَارَةَ عَيْنٍ وَزَالَتْ الْمَنْفَعَةُ بِالْكُلِّيَّةِ انْفَسَخَتْ، وَإِنْ عَيَّبَهُ بِحَيْثُ أَثَّرَ فِي مَنْفَعَتِهِ تَأْثِيرًا يَظْهَرُ بِهِ تَفَاوُتُ الْأُجْرَةِ ثَبَتَ لِلْمُكْتَرِي الْخِيَارُ، وَسَيَذْكُرُ أَمْثِلَةً لِلنَّوْعَيْنِ

(وَلَوْ) (اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِلزَّارِعَةِ فَزَرَعَ فَهَلَكَ الزَّرْعُ بِجَائِحَةٍ) كَجَرَادٍ أَوْ سَيْلٍ (فَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ وَلَا حَطُّ شَيْءٍ مِنْ الْأُجْرَةِ) لِانْتِفَاءِ خَلَلٍ فِي مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ كَمَا لَوْ احْتَرَقَتْ أَمْتِعَةُ مُسْتَأْجِرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
وَمِثْلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ إلَخْ (وَقَوْلُهُ فِيمَنْ اسْتَأْجَرَ رَحًى) أَيْ طَاحُونًا (قَوْلُهُ: وَبَيَّنَ الْأَوَّلَ) تَعَذَّرَ الْوَقُودُ (قَوْلُهُ: وَتَعَذَّرَ سَفَرٌ) أَشَارَ بِهِ إلَى عَطْفِهِ عَلَى وَقُودِ، وَالتَّقْدِيرُ أَيْ عَلَى عَطْفِهِ عَلَى تَعَذَّرَ: أَيْ بِأَنْ كَانَتْ إجَارَةَ ذِمَّةٍ (قَوْلُهُ: جَمْعُ سَافِرٍ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: كَرَاكِبٍ وَرَكْبٍ، وَفِي الْقَامُوسِ وَرَجُلٌ سَفْرٌ وَقَوْمٌ سَفْرٌ وَسَافِرَةٌ وَأَسْفَارٌ وَسُفَّارٌ ذَوُو سَفَرٍ لِضِدِّ الْحَضَرِ، وَالسَّافِرُ الْمُسَافِرُ لَا فِعْلَ لَهُ اهـ. وَقَوْلُهُ لَا فِعْلَ لَهُ: أَيْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ فِعْلٌ بِهَذَا الْمَعْنَى، فَلَا يُقَالُ سَفَرَ بِمَعْنَى سَافَرَ وَإِنَّمَا يُقَالُ سَافَرَ فَهُوَ مُسَافِرٌ (قَوْلُهُ نَعَمْ التَّعَذُّرُ الشَّرْعِيُّ) هَذَا ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ: كَأَنْ اسْتَأْجَرَ الْإِمَامُ إلَخْ) ضَعِيفٌ. وَقَدْ يُشْكَلُ الِانْفِسَاخُ هُنَا بِأَنَّ الْأَصَحَّ جَوَازُ إبْدَالِ الْمُسْتَوْفَى بِهِ، وَكَأَنَّ هَذَا الْمُدْرَكُ أُخِّرَ لِكَوْنِ اسْتِئْجَارِ الذِّمِّيِّ لِلْجِهَادِ مَنُوطًا بِنَظَرِ الْإِمَامِ وَظُهُورِ الْمَصْلَحَةِ، وَقَدْ لَا يَتَحَقَّقُ فِي جِهَادٍ آخَرَ، وَلَا يَقُومُ أَحَدُ الْجِهَادَيْنِ مَقَامَ الْآخَرِ فِيهَا فَنَاسَبَ الِانْفِسَاخَ مُطْلَقًا م ر فَلْيُتَأَمَّلْ كَوْنُ هَذَا مِنْ الْمُسْتَوْفَى بِهِ اهـ سم عَلَى حَجّ. أَقُولُ: وَمَا نَقَلَهُ عَنْ م ر لَا يُوَافِقُ قَوْلَ الشَّارِحِ بِنَاءً فِيهِمَا إلَخْ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ الْمَقْصُودُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَكَأَنَّ هَذَا الْمَذْكُورَ أُخِّرَ إلَخْ. وَحَاصِلُهُ حِينَئِذٍ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ بِنَاءُ الِانْفِسَاخِ عَلَى امْتِنَاعِ إبْدَالِ الْمُسْتَوْفَى بِهِ، ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ قَوْلِهِ نَعَمْ إلَخْ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى عَدَمِ الِانْفِسَاخِ بِعُذْرٍ يُوجِبُ خَلَلًا فِي الْمَعْقُودِ، وَفِيهِ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إرْضَاعُ الْمُرْضِعَةِ وَلَمْ يَقُمْ بِهَا عُذْرٌ يُوجِبُ خَلَلًا فِيهِ (قَوْلُهُ: فَصَالَحَ) أَيْ الْإِمَامُ مَنْ أَرَادَ التَّوَجُّهَ إلَيْهِمْ (قَوْلُهُ بِنَاءً فِيهِمَا) أَيْ الشَّرْعِيِّ وَالْحِسِّيِّ (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ) أَيْ فِيهِمَا فَلَا انْفِسَاخَ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَوْجَبَ) مُحْتَرَزٌ لَا يُوجِبُ إلَخْ (قَوْلُهُ انْفَسَخَتْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَابُ مَا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى فِي غَالِبِ قُرَى مِصْرِنَا مِنْ أَنَّ مَا يُسَمُّونَهُ بِالْجَرَّافَةِ جَرَتْ عَادَتُهُمْ أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ بِهِ قِطْعَةً مِنْ الْأَرْضِ مَعَ مَا هُوَ مَزْرُوعٌ فِيهَا فَتَتَعَطَّلُ بِذَلِكَ مَنْفَعَةُ الْقِطْعَةِ الَّتِي أُخِذَ تُرَابُهَا وَيَتْلَفُ الزَّرْعُ وَهُوَ أَنَّ الْجُزْءَ الَّذِي أَخَذَتْ الْجَرَّافَةُ تُرَابَهُ تَنْفَسِخُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ حَيْثُ تَعَطَّلَ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَيَثْبُتُ لِلْمُكْتَرِي الْخِيَارُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْأَرْضِ. وَأَمَّا الزَّرْعُ فَيَضْمَنُهُ الْمُبَاشِرُ لِلْإِتْلَافِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُكْرَهًا، وَإِلَّا فَالضَّمَانُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمُكْرَهِ وَالْمُكْرِهِ وَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُكْرِهِ بِالْكَسْرِ فَتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ يَقَعُ كَثِيرًا.

(قَوْلُهُ وَلَا حَطُّ شَيْءٍ مِنْ الْأُجْرَةِ) أَيْ وَلَهُ أَنْ يَزْرَعَهَا ثَانِيًا زَرْعًا يُدْرَكُ قَبْلَ فَرَاغِ الْمُدَّةِ فِيمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
مَا فِي الْمَتْنِ إنَّمَا أَخَذَهُ بِمُجَرَّدِ الْفَهْمِ وَهُوَ لَا يُوَافِقُ الْوَاقِعَ كَمَا عَلِمْت. (قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْفَاءِ بِالدَّابَّةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ لِطُرُوِّ خَوْفٍ مَثَلًا) وَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ يَكُونُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَمَرِضَ مُسْتَأْجِرُ دَابَّةٍ لِسَفَرٍ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ؛ إذْ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ تَعَذُّرِ السَّفَرِ وَانْظُرْ مَا نُكْتَتُهُ (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْحِسِّيُّ إنْ تَعَلَّقَ بِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ كَأَنْ اسْتَأْجَرَ الْإِمَامُ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ إنَّ هَذَا أَيْضًا مِنْ التَّعَذُّرِ الشَّرْعِيِّ إذْ الْمَانِعُ مِنْ الْمُقَابَلَةِ بَعْدَ الصُّلْحِ إنَّمَا هُوَ الشَّرْعُ وَلَيْسَ هُنَاكَ مَانِعٌ حِسِّيٌّ فَتَأَمَّلْ.

(5/316)


حَانُوتٍ

(وَتَنْفَسِخُ) الْإِجَارَةُ بِتَلَفِ مُسْتَوْفًى مِنْهُ عُيِّنَ فِي عَقْدِهَا شَرْعًا كَمُسْلِمَةٍ اُسْتُؤْجِرَتْ نَفْسُهَا مُدَّةً لِخِدْمَةِ مَسْجِدٍ فَحَاضَتْ فِيهَا أَوْ حِسًّا كَالْمَوْتِ فَتَنْفَسِخُ (بِمَوْتِ) نَحْوِ (الدَّابَّةِ وَالْأَجِيرِ الْمُعَيَّنَيْنِ) وَلَوْ بِفِعْلِ الْمُسْتَأْجِرِ لِفَوَاتِ الْمَنْفَعَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا قَبْلَ قَبْضِهَا كَالْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَإِنَّمَا اسْتَقَرَّ بِإِتْلَافِ الْمُشْتَرِي لَهُ ثَمَنُهُ لِأَنَّهُ وَارِدٌ عَلَى الْعَيْنِ وَبِإِتْلَافِهَا صَارَ قَابِضًا لَهَا بِخِلَافِ الْمَنْفَعَةِ هُنَا لِأَنَّ الِانْفِسَاخَ إنَّمَا هُوَ (فِي) الزَّمَانِ (الْمُسْتَقْبَلِ) وَمَنَافِعُهُ مَعْدُومَةٌ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُرَدَّ الْإِتْلَافُ عَلَيْهَا (لَا) فِي الزَّمَنِ (الْمَاضِي) بَعْدَ الْقَبْضِ الَّذِي يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ فَلَا تَنْفَسِخُ (فِي الْأَظْهَرِ) لِاسْتِقْرَارِهِ بِالْقَبْضِ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ خِيَارٌ (فَيَسْتَقِرُّ قِسْطُهُ مِنْ الْمُسَمَّى) بِالنَّظَرِ لِأُجْرَةِ الْمِثْلِ بِأَنْ تُقَوَّمَ مَنْفَعَةُ الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ وَالْبَاقِيَةِ وَيُوَزَّعَ الْمُسَمَّى عَلَى نِسْبَةِ قِيمَتِهِمَا وَقْتَ الْعَقْدِ دُونَ مَا بَعْدَهُ، فَلَوْ كَانَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ سَنَةً وَمَضَى نِصْفُهَا وَأُجْرَةُ مِثْلِهِ مَثَلًا أُجْرَةُ النِّصْفِ الْبَاقِي وَجَبَ مِنْ الْمُسَمَّى ثُلُثَاهُ أَوْ بِالْعَكْسِ فَثُلُثُهُ لَا عَلَى نِسْبَةِ الْمُدَّتَيْنِ لِاخْتِلَافِهِمَا، إذْ قَدْ تَزِيدُ أُجْرَةُ شَهْرٍ عَلَى شُهُورٍ، وَخَرَجَ بِالْمُسْتَوْفَى مِنْهُ الْمُسْتَوْفَى بِهِ وَغَيْرُهُ مِمَّا مَرَّ فَلَا انْفِسَاخَ بِتَلَفِهِ عَلَى مَا مَرَّ فِيهِ

(وَلَا تَنْفَسِخُ) الْإِجَارَةُ بِنَوْعَيْهَا (بِمَوْتِ الْعَاقِدَيْنِ) أَوْ أَحَدِهِمَا لِلُزُومِهَا كَالْبَيْعِ، فَتَبْقَى الْعَيْنُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُكْرِي عِنْدَ الْمُكْتَرِي أَوْ وَارِثِهِ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْهَا الْمَنْفَعَةَ، فَإِنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ فَمَا الْتَزَمَهُ دَيْنٌ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ تَرِكَةٌ اُسْتُؤْجِرَ مِنْهَا وَإِلَّا تَخَيَّرَ الْوَارِثُ، فَإِنْ وَفَّى اسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ وَإِلَّا فَلِلْمُسْتَأْجِرِ الْفَسْخُ. وَاسْتَثْنَى مَسَائِلَ بَعْضُهَا الِانْفِسَاخُ فِيهِ لِكَوْنِهِ مَوْرِدَ الْعَقْدِ لَا لِكَوْنِهِ عَاقِدًا كَمَوْتِ الْأَجِيرِ الْمُعَيَّنِ، وَبَعْضُهَا الِانْفِسَاخُ فِيهِ بِغَيْرِ الْمَوْتِ كَمَا لَوْ أَجَّرَ مَنْ أَوْصَى لَهُ بِمَنْفَعَةِ دَارٍ حَيَاتِهِ فَانْفِسَاخُهَا بِمَوْتِهِ إنَّمَا هُوَ لِفَوَاتِ شَرْطِ الْمُوصَى، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ بِمَنَافِعِهِ وَإِنَّمَا قَالَ أَنْ يَنْتَفِعَ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْإِيجَارُ لِأَنَّهُ لَمْ يُمَلِّكْهُ الْمَنْفَعَةَ وَإِنَّمَا أَبَاحَ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ كَمَا يَأْتِي وَكَأَنْ أَجَّرَ الْمَقْطَعَ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ: أَيْ إقْطَاعَ إرْفَاقٍ لَا تَمْلِيكٍ، وَبَعْضُهَا مُفَرَّعٌ عَلَى مَرْجُوحٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
يَظْهَرُ، لِأَنَّا وَإِنْ مَنَعْنَاهُ مِنْ الزِّرَاعَةِ ثَانِيًا بَعْدَ أَوَانِ الْحَصَادِ مَثَلًا لِكَوْنِ الزِّرَاعَةِ الثَّانِيَةِ تُضْعِفُ قُوَّةَ الْأَرْضِ، لَكِنَّا لَا نَمْنَعُهُ هُنَا لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِمِثْلِهِ وَلَوْ عَلَى نُدُورٍ فَيُفْرَضُ الْأَوَّلُ كَالْعَدَمِ وَيَسْتَأْنِفُ زَرْعَهَا مِنْ نَوْعِ مَا اسْتَأْجَرَ لَهُ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا لَا يَزِيدُ ضَرَرُهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ إنْ تَأَخَّرَ عَنْ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ بَقِيَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لِذَلِكَ الزَّمَنِ، وَلَيْسَ بِمَا يُمْتَنَعُ زَرْعُهُ ثَانِيًا مَا جَرَتْ الْعَادَةُ فِيهِ بِتَكَرُّرِ الزَّرْعِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كَزَرْعِهَا أَوَّلًا بِرْسِيمًا مَثَلًا ثُمَّ ثَانِيًا سِمْسِمًا مَثَلًا فَلِلْمُسْتَأْجِرِ فِعْلُ ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: لِخِدْمَةِ مَسْجِدٍ فَحَاضَتْ) قِيَاسُ مَا يَأْتِي فِي غَصْبِ الدَّابَّةِ وَنَحْوِهِ تَخْصِيصُ الِانْفِسَاخِ بِمُدَّةِ الْحَيْضِ دُونَ مَا بَعْدَهَا وَثُبُوتُ الْخِيَارِ لِلْمُسْتَأْجِرِ، لَكِنَّ ظَاهِرَ إطْلَاقِ الشَّارِحِ الِانْفِسَاخُ فِي الْجَمِيعِ، وَبَقِيَ مَا لَوْ خَالَفَتْ وَخُصَّتْ بِنَفْسِهَا هَلْ تَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَتْ إجَارَةُ ذِمَّةٍ اسْتَحَقَّتْ الْأُجْرَةَ وَإِنْ كَانَتْ إجَارَةَ عَيْنٍ لَمْ تَصِحَّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِفِعْلِ الْمُسْتَأْجِرِ) أَيْ وَيَكُونُ بِإِتْلَافِ الدَّابَّةِ ضَامِنًا لِقِيمَتِهَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ وَارِدٌ عَلَى الْعَيْنِ) أَيْ إتْلَافُ الْمُشْتَرَى اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ وَأُجْرَةُ مِثْلِهِ) أَيْ النِّصْفُ (قَوْلُهُ: لِاخْتِلَافِهِمَا) أَيْ الْأُجْرَةِ (قَوْلُهُ: إذْ قَدْ تَزِيدُ أُجْرَةُ شَهْرٍ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ قَسَّطَ الْأُجْرَةَ عَلَى عَدَدِ الشُّهُورِ كَأَنْ قَالَ أَجَّرْتُكَهَا سَنَةً كُلُّ شَهْرٍ مِنْهَا بِكَذَا اُعْتُبِرَ مَا سَمَّاهُ مُوَزَّعًا عَلَى الشُّهُورِ وَلَمْ يُنْظَرْ لِأُجْرَةِ مِثْلِ الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ وَلَا الْمُسْتَقْبَلَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ عَمَلًا بِمَا وَقَعَ بِهِ الْعَقْدُ (قَوْلُهُ عَلَى مَا مَرَّ فِيهِ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ إذَا عُيِّنَ كُلٌّ مِنْ الْمُسْتَوْفَى بِهِ أَوْ فِيهِ بَعْدَ الْعَقْدِ ثُمَّ تَلِفَ وَجَبَ إبْدَالُهُ وَإِنْ لَمْ يَتْلَفْ جَازَ إبْدَالُهُ بِرِضَا الْمُكْتَرِي وَإِنْ عُيِّنَ فِي الْعَقْدِ ثُمَّ تَلِفَ انْفَسَخَ

(قَوْلُهُ: أَوْ وَارِثِهِ) أَيْ وَلَوْ عَامًا، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ وَارِثٌ كَأَنْ مَاتَ ذِمِّيٌّ لَا وَارِثَ لَهُ أَوْ مَنْ أَجَّرَ وَهُوَ مُسْلِمٌ ثُمَّ ارْتَدَّ وَمَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ فَمَالُهُ فَيْءٌ، وَمِنْهُ مَنْفَعَةُ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ فَيَتَصَرَّفُ فِيهَا وَكِيلُ بَيْتِ الْمَالِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ يَقُلْ) أَيْ الْمُوصِي، وَقَوْلُهُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ أَيْ الْمُوصَى لَهُ (قَوْلُهُ: وَبَعْضُهَا مُفَرَّعٌ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: الَّذِي يُقَابِلُ) وَصْفٌ لِلْمَاضِي

(قَوْلُهُ: بَعْضُهَا الِانْفِسَاخُ فِيهِ لِكَوْنِهِ إلَخْ) غَرَضُهُ بِذَلِكَ الِاعْتِرَاضُ عَلَى مَنْ اسْتَثْنَى مَا ذُكِرَ، وَأَنَّ اسْتِثْنَاءَهَا إنَّمَا هُوَ صُورِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ (قَوْلُهُ: وَبَعْضُهَا مُفَرَّعٌ عَلَى مَرْجُوحٍ) أَيْ مِمَّا لَمْ يَذْكُرْهُ

(5/317)


(وَ) لَا تَنْفَسِخُ أَيْضًا بِمَوْتِ (مُتَوَلِّي الْوَقْفِ) أَيْ نَاظِرِهِ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَلَوْ بِوَصْفٍ كَالْأَرْشَدِ فَالْأَرْشَدِ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ حَيْثُ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِمَا يَأْتِي أَوْ بِغَيْرِ شَرْطِهِ مُسْتَحِقًّا كَانَ أَوْ أَجْنَبِيًّا سَوَاءٌ أَجَّرَهُ لِلْمُسْتَحِقِّينَ أَمْ غَيْرِهِمْ لِأَنَّهُ لَمَّا شَمِلَ نَظَرُهُ جَمِيعَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَخْتَصَّ بِوَصْفِ اسْتِحْقَاقٍ وَلَا زَمَنِهِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ وَلِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ. نَعَمْ لَوْ كَانَ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ وَأَجَّرَ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَصَحَّحْنَاهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ انْفَسَخَتْ بِمَوْتِهِ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ

وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ صَرْفُ الْأُجْرَةِ الْمُعَجَّلَةِ لِأَهْلِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لَوْ مَاتَ الْآخِذُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَانْتَقَلَ الِاسْتِحْقَاقُ لِغَيْرِهِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ بَلْ يَرْجِعُ أَهْلُ الْبَطْنِ الثَّانِي عَلَى تَرِكَةِ الْقَابِضِ مِنْ وَقْتِ مَوْتِهِ كَمَا أَفْتَى بِذَلِكَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَبَعًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ خِلَافًا لِلْقَفَّالِ وَمَنْ تَبِعَهُ (وَلَوْ آجَرَ الْبَطْنَ الْأَوَّلَ) مَثَلًا أَوْ بَعْضُهُمْ الْوَقْفَ وَقَدْ شُرِطَ النَّظَرُ لَهُ لَا مُطْلَقًا بَلْ مُقَيَّدًا بِنَصِيبِهِ أَوْ بِمُدَّةِ اسْتِحْقَاقِهِ (مُدَّة) لِمُسْتَحِقٍّ أَوْ غَيْرِهِ (وَمَاتَ قَبْلَ تَمَامِهَا أَوْ الْوَلِيُّ صَبِيًّا) أَوْ مَالَهُ (مُدَّةً لَا يَبْلُغُ فِيهَا بِالسِّنِّ فَبَلَغَ) رَشِيدًا (بِاحْتِلَامٍ) أَوْ غَيْرِهِ (فَالْأَصَحُّ انْفِسَاخُهَا فِي الْوَقْفِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَسِيمُ قَوْلِهِ بَعْضُهَا الِانْفِسَاخُ فِيهِ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: بِمَوْتِ مُتَوَلِّي الْوَقْفِ) أَيْ ثُمَّ إنْ كَانَ قَبَضَ الْأُجْرَةَ وَتَصَرَّفَ فِيهَا لِنَفْسِهِ رَجَعَ عَلَى تَرِكَتِهِ بِقِسْطِ مَا بَقِيَ وَصَرَفَ لِأَرْبَابِ الْوَقْفِ (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ كَانَ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ) بِأَنْ كَانَ الْوَقْفُ أَهْلِيًّا وَانْحَصَرَ فِيهِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي طَبَقَتِهِ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ، فَإِنْ لَمْ يَنْحَصِرْ الْوَقْفُ فِيهِ وَأَجَّرَ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَهَلْ تَصِحُّ الْإِجَارَةُ فِي قَدْرِ نَصِيبِهِ وَتَبْطُلُ فِيمَا زَادَ تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ أَوْ فِي الْجَمِيعِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ الثَّانِي لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ حَيْثُ شَمِلَتْ وِلَايَتُهُ جَمِيعَ الْمُسْتَحَقِّينَ كَانَ كَوَلِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فَلَا يَتَصَرَّفُ إلَّا بِالْمَصْلَحَةِ فِي الْمَالِ (قَوْلُهُ: وَصَحَّحْنَاهَا) أَيْ عَلَى الرَّاجِحِ أَخْذًا مِمَّا سَنَذْكُرُهُ عَنْ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ انْفَسَخَتْ بِمَوْتِهِ) عِبَارَةُ الشَّارِحِ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِذَا أَجَّرَ النَّاظِرُ فَزَادَتْ الْأُجْرَةُ إلَخْ مَا نَصُّهَا: وَمَرَّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُؤَجِّرُ الْمُسْتَحِقَّ أَوْ مَأْذُونَهُ جَازَ إيجَارُهُ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ، وَعَلَيْهِ فَالْأَوْجَهُ انْفِسَاخُهَا بِانْتِقَالِهَا لِغَيْرِهِ مِمَّنْ يَأْذَنُ لَهُ فِي ذَلِكَ اهـ. وَبَقِيَ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ النَّظَرُ مُسْتَحَقًّا وَأَذِنَ لَهُ الْمُسْتَحِقُّ أَنْ يُؤَجِّرَ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَهَلْ لِلنَّاظِرِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْحَقَّ لِغَيْرِهِ وَقَدْ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا لِأَنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ إلَّا بِالْمَصْلَحَةِ وَإِجَارَتُهُ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَلَوْ بِإِذْنِ الْمُسْتَحِقِّ لَا مَصْلَحَةَ فِيهَا لِلْوَقْفِ، فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي.

(قَوْلُهُ: قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ) أَيْ وَلَوْ قَطَعَ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: عَلَى تَرِكَةِ الْقَابِضِ) أَيْ الْمُسْتَحِقِّ (قَوْلُهُ: أَوْ بِمُدَّةِ اسْتِحْقَاقِهِ) خَرَجَ بِذَلِكَ مَا يَقَعُ كَثِيرًا فِي شُرُوطِ الْوَاقِفِينَ مِنْ قَوْلِهِمْ وَقَفْت هَذَا عَلَى ذُرِّيَّتِي وَنَسْلِي وَعَقِبِي إلَى آخِرِ شُرُوطِهِ، وَيَجْعَلُونَ مِنْ ذَلِكَ النَّظَرَ لِلْأَرْشَدِ فَالْأَرْشَدِ فَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِ النَّاظِرِ الْمُسْتَحِقِّ لِلنَّظَرِ بِمُقْتَضَى الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ أَوْ بِغَيْرِ شَرْطِهِ مَا لَمْ يَكُنْ أَجَّرَ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرِهِ) كَالْحَيْضِ (قَوْلُهُ: بِمُدَّةِ اسْتِحْقَاقِهِ) قَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ بِغَيْرِ الْمَوْتِ كَأَنْ شَرَطَ النَّظَرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: أَوْ بِمُدَّةِ اسْتِحْقَاقِهِ) وَلَيْسَ مِنْهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مَا لَوْ جَعَلَ النَّظَرَ لِزَوْجَتِهِ مَا دَامَتْ عَزْبَاءَ وَلِوَلَدِهِ مَا لَمْ يَفْسُقْ، فَلَا يَنْفَسِخُ مَا أَجْرَاهُ بِالتَّزَوُّجِ أَوْ بِالْفِسْقِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ خِلَافًا لِمَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ فَالْأَصَحُّ انْفِسَاخُهَا فِي الْوَقْفِ) أَيْ: وَلَوْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ لِضَرُورَةٍ كَعِمَارَةٍ كَمَا هُوَ صَرِيحُ التَّعْلِيلِ الْآتِي، وَالْإِجَارَةُ الَّتِي لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ النَّاظِرِ إنَّمَا هِيَ إجَارَةُ النَّاظِرِ الْعَامِّ لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ وَهَذَا الْوَقْفُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ وَاقِفُهُ نَاظِرًا عَامًّا فَنَاظِرُهُ الْعَامُّ الْحَاكِمُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، كَمَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقُمْ الْوَاقِفُ نَاظِرًا أَصْلًا فَإِنَّ النَّظَرَ لِلْحَاكِمِ، وَحِينَئِذٍ فَالطَّرِيقُ فِي بَقَاءِ الْإِجَارَةِ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ أَنْ يُؤَجِّرَ الْحَاكِمُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَنْ يُفَوِّضُ إلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ أَوْ غَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا نَبَّهْتُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنِّي رَأَيْتُ مِنْ الْعُظَمَاءِ مَنْ أَفْتَى بِعَدَمِ انْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ بِمَوْتِ هَذَا النَّاظِرِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إذَا كَانَتْ إجَارَتُهُ لِلضَّرُورَةِ فَإِنْ قُلْت: هَلَّا

(5/318)


لِأَنَّهُ لَمَّا تَقَيَّدَ نَظَرُهُ مِنْ جِهَةِ الْوَاقِفِ بِمُدَّةِ اسْتِحْقَاقِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى الْمَنَافِعِ الْمُنْتَقِلَةِ لِغَيْرِهِ، وَبِهِ فَارَقَ النَّاظِرُ السَّابِقُ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَهُ النَّظَرُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ كَانَتْ وِلَايَتُهُ غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ بِشَيْءٍ فَسَرَّى أَثَرُهَا عَلَى غَيْرِهِ وَلَوْ بِمَوْتِهِ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذَا وَمَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ انْفِسَاخِهَا بِمَوْتِ مُتَوَلِّي الْوَقْفِ كَمَا أَوْضَحَ ذَلِكَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي فَتَاوِيهِ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا وَقَعَ لِكَثِيرٍ مِنْ الشُّرَّاحِ هُنَا، وَخَرَجَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ لَمْ يُشْرَطْ لَهُ نَظَرٌ عَامٌّ وَلَا خَاصٌّ فَلَا يَصِحُّ إيجَارُهُ وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِمَا مَا يُخَالِفُهُ، وَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ آجَرَهُ النَّاظِرُ وَلَوْ حَاكِمًا لِلْبَطْنِ الثَّانِي فَمَاتَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ انْفَسَخَتْ لِانْتِقَالِ اسْتِحْقَاقِ الْمَنَافِعِ إلَيْهِمْ، وَالشَّخْصُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا لَعَلَّهُ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَهُ شَيْخُهُ الْأَذْرَعِيُّ تَبَعًا لِلسُّبْكِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ مِنْ أَبِيهِ وَأَقْبَضَهُ الْأُجْرَةَ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ وَالِابْنُ جَائِزٌ سَقَطَ حُكْمُ الْإِجَارَةِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى أَبِيهِ دَيْنٌ ضَارَبَ مَعَ الْغُرَمَاءِ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ ابْنٌ آخَرُ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فِي حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ وَرَجَعَ بِنِصْفِ الْأُجْرَةِ فِي تَرِكَةِ أَبِيهِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَرْجُوحٍ. وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ هُنَا أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ، وَقِيَاسُهُ فِي صُورَةِ الزَّرْكَشِيّ عَدَمُ الِانْفِسَاخِ (لَا) فِي (الصَّبِيِّ) فَلَا تَنْفَسِخُ لِبِنَاءِ وَلِيِّهِ تَصَرُّفَهُ عَلَى الْمَصْلَحَةِ مَعَ عَدَمِ تَقْيِيدِ نَظَرِهِ، وَمِثْلُ بُلُوغِهِ بِالْإِنْزَالِ إفَاقَةُ مَجْنُونٍ وَرُشْدُ سَفِيهٍ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
لِزَوْجَتِهِ مَثَلًا مَا دَامَتْ عَازِبَةً أَوْ لِابْنِهِ إلَّا أَنْ يَفْسُقَ فَتَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ وَفَسَقَ أَنْ يَكُونَ كَالْمَوْتِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَبِهِ فَارَقَ النَّاظِرَ السَّابِقَ) الْمَذْكُورَ فِي قَوْلِهِ وَلَا بِمَوْتِ مُتَوَلِّي الْوَقْفِ إلَخْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ) أَيْ النَّاظِرَ السَّابِقَ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِمَوْتِهِ) أَيْ مَعَ مَوْتِهِ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ بَعْدَ مَوْتِهِ اهـ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِمَا مَا يُخَالِفُهُ) أَيْ بَلْ الَّذِي يُؤَجِّرُهُ الْحَاكِمُ أَوْ مَنْ وَلَّاهُ الْحَاكِمُ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مُوَلًّى مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ وَأَرَادَ الْمُسْتَحِقُّ الْإِيجَارَ فَطَرِيقُهُ أَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ وَيَسْأَلَهُ التَّوْلِيَةَ عَلَى الْوَقْفِ لِيَصِحَّ إيجَارُهُ وَعَلَى هَذَا لَوْ خَشِيَ مِنْ الرَّفْعِ إلَى الْحَاكِمِ تَغْرِيمَ دَرَاهِمَ لَهَا وَقَعَ أَوْ تَوْلِيَةَ غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ مِمَّنْ يَحْصُلُ مِنْهُ ضَرَرٌ لِلْوَقْفِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ الْإِجَارَةُ مِنْ الْمُسْتَحِقِّ لِلضَّرُورَةِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: ضَارَبَ) أَيْ بِالْأُجْرَةِ (قَوْلُهُ: وَرَجَعَ) أَيْ الْمُسْتَأْجِرُ (قَوْلُهُ: وَرُشْدُ سَفِيهٍ) أَيْ فَلَا تَنْفَسِخُ بِهِمَا الْإِجَارَةُ وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ كَانَ جُنُونُهُ مُطْبِقًا، فَإِنْ كَانَ مُتَقَطِّعًا وَأَجَّرَهُ فِي زَمَنِ جُنُونِهِ مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى مُدَّةِ الْجُنُونِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْعَقْدُ فَهَلْ تَبْطُلُ فِيمَا زَادَ عَلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ أَجَّرَ الصَّبِيُّ مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى بُلُوغِهِ بِالسِّنِّ أَوْ لَا، وَعَلَى الثَّانِي فَهَلْ تَنْفَسِخُ بِإِفَاقَتِهِ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الْأَصْلَ اسْتِمْرَارُ الْعَادَةِ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ خُولِفَتْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
تَثْبُتُ لَهُ هَذِهِ الْوِلَايَةُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا تَثْبُتُ لِلضَّرُورَةِ وِلَايَةُ إجَارَةِ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ وَإِنْ لَمْ يُثْبِتْهَا الْوَاقِفُ؟ قُلْت: الْفَرْقُ أَنَّ النَّاظِرَ وِلَايَتُهُ عَلَى الْغَيْرِ ثَابِتَةٌ بِقَوْلِ الْوَاقِفِ أَوْ الْحَاكِمِ وَإِنْ كَانَ تَصَرُّفُهُ مَشْرُوطًا بِشَرْطٍ، وَشُرُوطُ الْوَاقِفِينَ عُهِدَ مُخَالَفَتُهَا لِلضَّرُورَةِ؛ فَإِذَا وُجِدَتْ الضَّرُورَةُ جَازَ التَّصَرُّفُ عَلَى خِلَافِ الشَّرْطِ بِالْوِلَايَةِ الثَّابِتَةِ مِنْ جِهَةِ الْوَاقِفِ أَوْ الْحَاكِمِ وَأَمَّا هَذَا فَلَمْ يُثْبِتْ لَهُ الْوَاقِفُ وِلَايَةً عَلَى غَيْرِهِ أَصْلًا، وَالضَّرُورَةُ بِمُجَرَّدِهَا لَا تَصْلُحُ أَنْ تَثْبُتَ لَهُ وِلَايَةً لَمْ يُثْبِتْهَا لَهُ الْوَاقِفُ وَلَا الْحَاكِمُ.
نَعَمْ هُوَ كَالنَّاظِرِ الْعَامِّ فِي أَنَّ الضَّرُورَةَ تَجُوزُ لَهُ مُخَالَفَةُ شَرْطِ الْوَاقِفِ فِي الْمُدَّةِ لَكِنْ يَتَقَيَّدُ بَقَاؤُهَا بِمُدَّةِ اسْتِحْقَاقِهِ؛ فَإِذَا رَجَعَ الِاسْتِحْقَاقُ إلَى غَيْرِهِ انْفَسَخَتْ إجَارَتُهُ؛ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَى الْغَيْرِ كَمَا عَرَفْتَ، لَكِنْ يَبْقَى الْكَلَامُ فِيمَا إذَا انْفَسَخَتْ عَلَى مَنْ يَرْجِعُ الْمُسْتَأْجِرُ بِقِسْطِ مَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ مِنْ الْأُجْرَةِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى جِهَةِ الْوَقْفِ لِأَنَّ مَا أُخِذَ مِنْهُ لِمَصْلَحَةِ عِمَارَةِ الْوَقْفِ فَصَارَ كَالْمَأْخُوذِ لِذَلِكَ بِالْفَرْضِ فَلْيُحَرَّرْ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمَّا تَقَيَّدَ نَظَرُهُ مِنْ جِهَةِ الْوَاقِفِ بِمُدَّةِ اسْتِحْقَاقِهِ) أَيْ: وَلَوْ الْتِزَامًا لِيَشْمَلَ مَا إذَا كَانَ نَظَرُهُ عَلَى قَدْرِ حِصَّتِهِ (قَوْلُهُ: وَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ إلَخْ) مِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ إرْثُ الْمَنْفَعَةِ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَعَدَمِهِ

(5/319)


أَمَّا إذَا بَلَغَ بِالِاحْتِلَامِ سَفِيهًا فَلَا تَنْفَسِخُ جَزْمًا، وَأَمَّا إذَا أَجَّرَهُ مُدَّةً يَبْلُغُ فِيهَا بِالسِّنِّ فَتَبْطُلُ فِي الزَّائِدِ إنْ بَلَغَ رَشِيدًا، وَمِثْلُ الْبُلُوغِ بِالِاحْتِلَامِ الْحَيْضُ فِي الْأُنْثَى، وَلَوْ أَجَّرَ الْوَلِيُّ مَالَ مُوَلِّيهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً ثُمَّ مَاتَ الْمَالِكُ فِي أَثْنَائِهِ بَطَلَتْ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، لِأَنَّ وِلَايَتَهُ مَقْصُورَةٌ عَلَى مُدَّةِ مِلْكِ مُوَلِّيهِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى مَنْ انْتَقَلَ مِلْكُهَا إلَيْهِ وَلَا نِيَابَةَ فَأَشْبَهَ انْفِسَاخَ إجَارَةِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ بِمَوْتِهِ، وَإِجَارَةِ أُمِّ وَلَدِهِ بِمَوْتِهِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ بِوُجُودِهَا، وَمَا قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ فِي نَفْسِهِ دُونَ مَالِهِ مُفَرَّعٌ عَلَى رَأْيٍ مَرْجُوحٍ فِي مَسْأَلَةِ الْبُلُوغِ بِالِاحْتِلَامِ أَنَّ الْإِجَارَةَ تَسْتَمِرُّ فِي مَالِهِ وَلَا تَسْتَمِرُّ فِي نَفْسِهِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهَا تَنْفَسِخُ بِانْهِدَامِ الدَّارِ) كُلِّهَا وَلَوْ بِفِعْلِ الْمُكْتَرِي لِزَوَالِ الِاسْمِ وَفَوَاتِ الْمَنْفَعَةِ قَبْلَ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا إذْ لَا تَحْصُلُ إلَّا شَيْئًا فَشَيْئًا، وَإِنَّمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الْعَادَةُ وَاسْتَمَرَّ الْجُنُونُ كَانَ كَمَا لَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ غَيْرَ رَشِيدٍ فَتَدُومُ الْإِجَارَةُ إنْ لَمْ تَنْقَضِ الْمُدَّةُ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي الْإِجَارَةِ قَبْلَ الْإِفَاقَةِ
(قَوْلُهُ: إنْ بَلَغَ رَشِيدًا) عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ: ثُمَّ إنْ بَلَغَ سَفِيهًا لَمْ تَبْطُلْ لِبَقَاءِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ، وَيُؤْخَذُ مِمَّا ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ أَنَّ الصَّبِيَّ لَوْ غَابَ مُدَّةً يَبْلُغُ فِيهَا بِالسِّنِّ وَلَمْ يَعْلَمْ وَلِيُّهُ أَبَلَغَ رَشِيدًا أَمْ لَا لَمْ يَكُنْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ اسْتِصْحَابًا لِحُكْمِ الصِّغَرِ وَإِنَّمَا يَتَصَرَّفُ الْحَاكِمُ، ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ إذْ لَا تَرْتَفِعُ وِلَايَةُ الْوَلِيِّ بِمُجَرَّدِ بُلُوغِهِ، بَلْ بِالْبُلُوغِ رَشِيدًا وَلَمْ يَعْلَمْ م ر اهـ سم عَلَى حَجّ. أَقُولُ: قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ بُلُوغَهُ رَشِيدًا بِأَنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةِ الِانْفِسَاخِ حِينَ الْبُلُوغِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الشُّرُوطِ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَقَدْ بَانَ عَدَمُ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ. هَذَا وَيُرَدُّ عَلَى قَوْلِهِ نَعَمْ إنْ بَلَغَ سَفِيهًا لَمْ تَبْطُلْ لِبَقَاءِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ أَنَّهُ بِالْبُلُوغِ ذَهَبَ حَجْرُ الصَّبِيِّ وَخَلَفَهُ حَجْرُ السَّفَهِ وَالْوِلَايَةُ الَّتِي حُجِرَ الصَّبِيُّ بِسَبَبِهَا لَمْ تَبْقَ بَعْدَ الْبُلُوغِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: مُرَادُهُ الْوِلَايَةُ فِي الْجُمْلَةِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ سَبَبُهَا الصَّبِيَّ أَوْ غَيْرَهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ زَمَنٌ يَتَصَرَّفُ غَيْرُهُ فِيهِ عَنْهُ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُ الْبُلُوغِ بِالِاحْتِلَامِ الْحَيْضُ) هَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ السَّابِقِ بِالِاحْتِلَامِ أَوْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ ثُمَّ مَاتَ الْمَالِكُ) أَيْ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: فِي أَثْنَائِهِ) ذُكِرَ مَعَ رُجُوعِهِ لِلْمُدَّةِ لِكَوْنِهَا زَمَنًا (قَوْلُهُ: بَطَلَتْ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ) أَيْ وَلِلْمُسْتَأْجِرِ مُطَالَبَةُ الْوَلِيِّ بِالْقِسْطِ مِمَّا قَبَضَهُ، وَيَرْجِعُ الْوَلِيُّ عَلَى تَرِكَةِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ إنْ كَانَ لَهُ تَرِكَةٌ وَإِلَّا فَيَضِيعُ مَا غَرِمَهُ عَلَيْهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَمَا تَقَدَّمَ فِيمَا لَوْ تَعَجَّلَ النَّاظِرُ الْأُجْرَةَ وَدَفَعَهَا لِلْبَطْنِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْإِجَارَةَ ثَمَّ لَمْ تَنْفَسِخْ وَخَرَجَ الْمَالُ عَنْ يَدِهِ بِوُجُوبِ تَسْلِيمِهِ لِأَهْلِهِ، بِخِلَافِ مَا هُنَا فَإِنَّ الْإِجَارَةَ انْفَسَخَتْ وَالْمَالَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ تَصَرُّفِ الْوَلِيِّ وَحِيَازَتِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: وَلَا وِلَايَةَ لَهُ إلَخْ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ عَلَى الثَّانِي وِلَايَةٌ كَأَنْ كَانَ لَهُ وَصِيَّةٌ عَلَى أَخَوَيْنِ أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ، وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ وَيُقَالُ فِي الِانْفِسَاخِ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ حِينَ الْإِيجَارِ لَمْ يَكُنْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى مَنْ انْتَقَلَ الْحَقُّ إلَيْهِ الْآنَ فَقَدْ أَجَّرَ مَا لَا وِلَايَةَ عَلَيْهِ حِينَ الْإِيجَارِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِفِعْلِ الْمُكْتَرِي)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لِأَنَّ وِلَايَتَهُ مَقْصُورَةٌ عَلَى مُدَّةِ مِلْكِ مُوَلِّيهِ، وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى مَنْ انْتَقَلَ مِلْكُهَا إلَخْ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى مَنْ انْتَقَلَ مِلْكُهَا إلَيْهِ أَنَّهَا لَا تَنْفَسِخُ، وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ فِي الْحَاشِيَةِ، وَانْظُرْ لَوْ كَانَ الَّذِي انْتَقَلَ مِلْكُهَا إلَيْهِ هُوَ الْوَلِيُّ نَفْسُهُ بِأَنْ كَانَ أَبًا لِلْمَحْجُورِ. (قَوْلُهُ: وَإِجَارَةُ أُمِّ وَلَدِهِ بِمَوْتِهِ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ بِوُجُودِهَا) أَيْ: وَالصُّورَةُ أَنَّ التَّعْلِيقَ وَالْإِيلَاءَ سَابِقَانِ عَلَى الْإِجَارَةِ. (قَوْلُهُ: لِزَوَالِ الِاسْمِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ الْحُكْمَ دَائِرٌ مَعَ بَقَاءِ الِاسْمِ وَزَوَالِهِ، فَمَتَى زَالَ الِاسْمُ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ، وَمَا دَامَ بَاقِيًا فَلَا انْفِسَاخَ؛ وَإِنْ فَاتَتْ الْمَنْفَعَةُ الْمَقْصُودَةُ فَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ فِي الدَّارِ، مَثَلًا إلَّا بِزَوَالِ جَمِيعِ رُسُومِهَا إذْ اسْمُهَا يَبْقَى بَقَاءَ الرُّسُومِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْأَيْمَانِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُرَادٍ، وَأَنَّ الْمَدَارَ فِي الِانْفِسَاخِ وَعَدَمِهِ إنَّمَا هُوَ عَلَى بَقَاءِ الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ وَعَدَمِهِ؛ فَمَتَى فَاتَتْ الْمَنْفَعَةُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ وَإِنْ بَقِيَ الِاسْمُ فَتَنْفَسِخُ بِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ

(5/320)


حَكَمْنَا فِيهَا بِالْقَبْضِ لِيَتَمَكَّنَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ التَّصَرُّفِ فَتَنْفَسِخُ بِالْكُلِّيَّةِ إنْ وَقَعَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ وَإِلَّا فَفِي الْبَاقِي مِنْهَا دُونَ الْمَاضِي فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ مِنْ التَّوْزِيعِ، فَإِنْ انْهَدَمَ بَعْضُهَا ثَبَتَ لِلْمُكْتَرِي الْخِيَارُ إنْ لَمْ يُبَادِرْ الْمُكْرِي بِالْإِصْلَاحِ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لَا أُجْرَةَ لَهَا، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُهُمَا إنَّ تَخْرِيبَ الْمُكْتَرِي يُخَيِّرُهُ، إذْ مُرَادُهُمَا تَخْرِيبٌ يَحْصُلُ بِهِ تَعْيِيبٌ فَقَطْ وَتَعَطُّلُ الرَّحَى بِانْقِطَاعِ مَائِهَا وَالْحَمَّامِ بِنَحْوِ خَلَلِ أَبْنِيَتِهَا أَوْ نَقْصِ مَاءِ بِئْرٍ بِهَا يَفْسَخُهَا كَذَا قَالَاهُ، وَمَا اُعْتُرِضَ بِهِ مِنْ كَوْنِهِ مَبْنِيًّا عَلَى الضَّعِيفِ فِي الْمَسْأَلَةِ بَعْدَهُ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى تَعَذُّرِ سَوْقِ مَاءٍ إلَيْهَا مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ كَمَا يُرْشِدُ لِذَلِكَ قَوْلُهُمْ الْآتِي لِإِمْكَانِ سَقْيِهَا بِمَاءٍ آخَرَ. وَأَمَّا نَقْلُهُمَا عَنْ إطْلَاقِ الْجُمْهُورِ فِيمَا لَوْ طَرَأَتْ أَثْنَاءَ الْمُدَّةِ آفَةٌ بِسَاقِيَةِ الْحَمَّامِ الْمُؤَجَّرَةِ عَطَّلَتْ مَاءَهَا التَّخْيِيرُ سَوَاءٌ أَمَضَتْ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ أَمْ لَا، وَعَنْ الْمُتَوَلِّي عَدَمُهُ إذَا بَانَ الْعَيْبُ، وَقَدْ مَضَتْ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ وَقَالَا إنَّهُ الْوَجْهُ لِأَنَّهُ فَسْخٌ فِي بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَمُعْتَرَضٌ بِأَنَّ الْوَجْهَ مَا أَطْلَقَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ وَيَلْزَمُهُ أَرْشُ نَقْصِهَا لَا إعَادَةَ بِنَائِهَا (قَوْلُهُ: يُخَيِّرُهُ) أَيْ الْمُسْتَأْجِرُ (قَوْلُهُ: أَوْ نَقَصَ مَاءُ بِئْرٍ بِهَا) لَعَلَّ الْمُرَادَ نَقْصًا يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الِانْتِفَاعُ وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لِلِانْفِسَاخِ اهـ سم عَلَى حَجّ. وَقَوْلُهُ يُمْكِنُ حَمْلُهُ إلَخْ هَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي صُورَةِ نَحْوِ خَلَلِ أَبْنِيَةِ الْحَمَّامِ إلَّا أَنْ يُصَوَّرَ بِخَلَلٍ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الِانْتِفَاعُ. وَقَوْلُهُ عَطَّلَتْ مَاءَهَا لَعَلَّ الْمُرَادَ نَقَصَتْ بِحَيْثُ نَقَصَ الِانْتِفَاعُ وَلَمْ تَنْتَفِ بِالْكُلِّيَّةِ، أَمَّا لَوْ عَطَّلَتْهُ رَأْسًا بِحَيْثُ تَعَذَّرَ الِانْتِفَاعُ فَيَنْبَغِي الِانْفِسَاخُ أَخْذًا مِنْ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا مَعَ الَّذِي أَجَابَ بِهِ فِيهَا اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: كَذَا قَالَاهُ) وَالْمُعْتَمَدُ فِيهِ ثُبُوتُ التَّخْيِيرِ عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ نُقْصَانَ الْمَنْفَعَةِ يُثْبِتُ الْخِيَارَ فَقَطْ، فَإِنْ حُمِلَ مَا هُنَا عَلَى مَا لَوْ تَعَطَّلَتْ الْمَنْفَعَةُ مُطْلَقًا كَانَ الْمُعْتَمَدُ الِانْفِسَاخَ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ أَعَادَهُ الْمَالِكُ عَلَى وَجْهٍ يَزُولُ بِهِ تَعَطُّلُ الْمَنْفَعَةِ وَعَوْدُهَا كَمَا كَانَتْ لَمْ يَعُدْ اسْتِحْقَاقُهُ الْمَنْفَعَةَ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ التَّعْبِيرُ بِالِانْفِسَاخِ، وَقِيَاسُ مَا فِي الْغَصْبِ أَنْ يُبَيِّنَ اسْتِحْقَاقَهُ لِلْمَنْفَعَةِ وَيَثْبُتَ لِلْمُكْتَرِي الْخِيَارُ لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ وَيَجْرِي هَذَا فِي بَقِيَّةِ الصُّوَرِ الَّتِي قِيلَ فِيهَا بِالِانْفِسَاخِ
(قَوْلُهُ: وَمَا اُعْتُرِضَ بِهِ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ كَذَا قَالَاهُ (قَوْلُهُ: عَلَى الضَّعِيفِ فِي الْمَسْأَلَةِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
الدَّارِ: أَيْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا دَارًا فَأَلْ فِي الْمَنْفَعَةِ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ وَإِلَّا لَزِمَ لِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ بِانْهِدَامِهَا وَإِنْ زَالَ اسْمُهَا؛ إذْ الِانْتِفَاعُ مُتَأَتٍّ بِالْأَرْضِ لِعَدَمِ الِانْهِدَامِ فَلَا يَكُونُ لِإِنَاطَةِ الِانْفِسَاخِ بِالِانْهِدَامِ مَعْنًى، وَقَدْ اقْتَصَرَ غَيْرُ الشَّارِحِ فِي تَعْلِيلِ الِانْفِسَاخِ عَلَى فَوَاتِ الْمَنْفَعَةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَالْأَيْمَانِ عَلَى أَنَّ الْمَدَارَ فِي الْأَيْمَانِ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ الْأَلْفَاظُ الصَّادِرَةُ مِنْ الْحَالِفِ فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِبَقَاءِ اسْمِ الدَّارِ الْمَحْلُوفِ عَلَى دُخُولِهَا مَثَلًا: وَأَمَّا هُنَا فَالْمَدَارُ عَلَى بَقَاءِ الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ بِالْعَقْدِ وَعَدَمِهِ فَتَأَمَّلْ وَرَاجِعْ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ انْهَدَمَ بَعْضُهَا ثَبَتَ لِلْمُكْتَرِي الْخِيَارُ) أَيْ ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُنْهَدِمُ مِمَّا يُفْرَدُ بِالْعَقْدِ كَبَيْتٍ مِنْ الدَّارِ الْمُكْتَرَاةِ انْفَسَخَتْ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الدَّمِيرِيِّ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِمَّا سَيَأْتِي فِي الشَّارِحِ فِيمَا إذَا غَرِقَ بَعْضُ الْأَرْضِ بِمَا لَا يُتَوَقَّعُ انْحِسَارُهُ وَحِينَئِذٍ فَيَبْقَى التَّخْيِيرُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الدَّارِ وَإِنْ كَانَ الْمُنْهَدِمُ مِمَّا لَا يُفْرَدُ بِالْعَقْدِ كَسُقُوطِ حَائِطٍ ثَبَتَ الْخِيَارُ فِي الْجَمِيعِ إنْ لَمْ يُبَادِرْ الْمُكْرِي بِالْإِصْلَاحِ، وَهَذِهِ هِيَ مَحَلُّ كَلَامِ الشَّارِحِ بِدَلِيلِ تَقْيِيدِهِ الْمَذْكُورِ. (قَوْلُهُ: قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لَا أُجْرَةَ لِمِثْلِهَا) صَوَابُهُ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ (قَوْلُهُ: وَنَقْصُ مَاءِ بِئْرِهَا) أَيْ: وَالصُّورَةُ أَنَّهَا تَعَطَّلَتْ بِذَلِكَ كَمَا هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فَلَا يَحْتَاجُ لِمَا تَرَجَّاهُ الشِّهَابُ سم حَيْثُ قَالَ: لَعَلَّ الْمُرَادَ نَقْصًا يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الِانْتِفَاعُ وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لِلِانْفِسَاخِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَمَا اعْتَرَضَ بِهِ مِنْ كَوْنِهِ مَبْنِيًّا عَلَى الضَّعِيفِ إلَخْ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّعِيفِ فِي الْمَسْأَلَةِ بَعْدَهُ، وَيُجَابُ بِحَمْلِ هَذَا عَلَى مَا إذَا تَعَذَّرَ إلَخْ، فَعِبَارَةُ الشَّارِحِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِتَأْوِيلٍ، وَبِعِبَارَةِ التُّحْفَةِ هَذِهِ تَعْلَمُ مَا فِي حَلِّ الشَّيْخِ فِي حَاشِيَتِهِ لِعِبَارَةِ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ فَسَخَ فِي بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ) يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ فَرْضَ الْخِلَافِ بَيْنَ الْمُتَوَلِّي وَالْجُمْهُورِ فِيمَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَفْسَخَ فِي الْبَاقِي مِنْ الْمُدَّةِ فَقَطْ، أَمَّا الْفَسْخُ فِي الْجَمِيعِ فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ الْمُتَوَلِّي وَالْجُمْهُورِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ (قَوْلُهُ: فَمُعْتَرِضٌ بِأَنَّ الْوَجْهَ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُعْتَرِضَ إنَّمَا هُوَ

(5/321)


الْجُمْهُورُ وَصَرَّحَا بِنَظِيرِهِ فِي مَوَاضِعَ تَبَعًا لَهُمْ، مِنْهَا قَوْلُهُمْ لَوْ عَرَضَ أَثْنَاءَ الْمُدَّةِ مَا يُنْقِصُ الْمَنْفَعَةَ كَخَلَلٍ يَحْتَاجُ لِعِمَارَةٍ وَحُدُوثِ ثَلْجٍ بِسَطْحٍ حَدَثَ مِنْ تَرْكِهِ عَيْبٌ وَلَمْ يُبَادِرْ الْمُؤَجِّرُ لِإِصْلَاحِهِ تَخَيَّرَ الْمُسْتَأْجِرُ، وَقَوْلُهُمْ لَوْ اكْتَرَى أَرْضًا فَغَرِقَتْ وَتَوَقَّعَ انْحِسَارَ الْمَاءِ فِي الْمُدَّةِ تَخَيَّرَ الْمُسْتَأْجِرُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الْخِيَارَ عَلَى التَّرَاخِي فِيمَا لَوْ كَانَ الْعَيْبُ بِحَيْثُ يُرْجَى زَوَالُهُ كَمَا فِي مَسْأَلَتِنَا فَهَذَا مِنْهُمْ كَالصَّرِيحِ فِي التَّخْيِيرِ وَإِنْ مَضَتْ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ فَضْلًا عَنْ إطْلَاقِهِمْ بَلْ صَرَّحَا بِهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى فَوَاتِ الْمَنْفَعَةِ عَلَى مَا إذَا آجَرَ أَرْضًا فَغَرِقَتْ بِسَيْلٍ عَلَى أَنَّ مَا مَرَّ عَنْهُمَا فِي نَقْصِ مَاءِ بِئْرِ الْحَمَّامِ يَقْتَضِي الِانْفِسَاخَ فِي مَسْأَلَتِنَا فَضْلًا عَنْ التَّخْيِيرِ، فَقَوْلُهُمَا عَنْ مَقَالَةِ الْمُتَوَلِّي أَنَّهَا الْوَجْهُ: أَيْ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى عَلَى مَا فِيهِ أَيْضًا لَا مِنْ حَيْثُ الْمَذْهَبُ، وَتَوْجِيهُ ابْنِ الرِّفْعَةِ بِأَنَّ الْأَصْلَ يَقْتَضِي مَنْعَ الْإِجَارَةِ لِأَنَّهَا بَيْعٌ مَعْدُومٌ وَإِنَّمَا جُوِّزَتْ لِلْحَاجَةِ فَاغْتُفِرَ فِيهَا الْفَسْخُ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ يُقَالُ فِيهِ أَيْضًا الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَاضِحٌ إذْ الْعِلَّةُ فِيهِ التَّشْقِيصُ الْمُؤَدِّي إلَى سُوءِ الْمُشَارَكَةِ.

نَعَمْ يُحْمَلُ قَوْلُهُمَا فَالْوَجْهُ إلَى آخِرِهِ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ عَبْدًا أَوْ بَهِيمَةً أَوْ مَا يُؤَدِّي إلَى التَّشْقِيصِ (لَا انْقِطَاعَ مَاءِ أَرْضٍ اُسْتُؤْجِرَتْ لِزِرَاعَةٍ) فَلَا تَنْفَسِخُ بِهِ لِبَقَاءِ اسْمِ الْأَرْضِ مَعَ إمْكَانِ سَقْيِهَا بِمَاءٍ آخَرَ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ غَرِقَتْ هِيَ أَوْ بَعْضُهَا بِمَاءٍ لَمْ يُتَوَقَّعْ انْحِسَارُهُ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ قَبْلَ أَوَانِ الزَّرْعَ انْفَسَخَتْ فِي الْكُلِّ فِي الْأُولَى وَفِي الْبَعْضِ فِي الثَّانِيَةِ، وَيُتَخَيَّرُ حِينَئِذٍ عَلَى الْفَوْرِ لِأَنَّهُ خِيَارُ تَفْرِيقِ صَفْقَةٍ لَا خِيَارُ عَيْبِ إجَارَةٍ، كَمَا أَفْتَى بِذَلِكَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَغَلِطَ مَنْ قَالَ إنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي لِاشْتِبَاهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَيْهِ، وَيُلْحَقُ بِذَلِكَ أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُمْكِنْ سَقْيُهَا بِمَاءٍ أَصْلًا انْفَسَخَتْ وَهُوَ ظَاهِرٌ مُؤَيَّدٌ بِمَا مَرَّ فِي نَقْصِ مَاءِ بِئْرِ الْحَمَّامِ (بَلْ يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ) لِلْعَيْبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
هِيَ قَوْلُهُ لَا انْقِطَاعَ مَاءِ أَرْضٍ إلَخْ وَقَوْلُهُ يُمْكِنُ حَمْلُهُ أَيْ الْمَسْأَلَةِ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ يُرْجَى زَوَالُهُ) خَرَجَ مَا لَا يُرْجَى زَوَالُهُ وَفِي الرَّوْضِ آخِرَ الْبَابِ وَإِنْ رَضِيَ الْمُسْتَأْجِرُ بِعَيْبٍ يُتَوَقَّعُ زَوَالُهُ لَمْ يَنْقَطِعْ خِيَارُهُ وَإِلَّا انْقَطَعَ اهـ سم عَلَى حَجّ.
وَقَالَ أَيْضًا: لَكِنْ يَنْبَغِي تَصْوِيرُهُ بِمَا إذَا أَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ فِي الْجُمْلَةِ، أَمَّا إذَا تَعَذَّرَ رَأْسًا فَيَنْبَغِي الِانْفِسَاخُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ وَتَعَطُّلُ الرَّحَى (قَوْلُهُ كَمَا فِي مَسْأَلَتِنَا) هِيَ تَعَطُّلُ الرَّحَى بِانْقِطَاعِ مَائِهَا (قَوْلُهُ: يَقْتَضِي الِانْفِسَاخَ فِي مَسْأَلَتِنَا) هِيَ مَا لَوْ طَرَأَتْ أَثْنَاءَ الْمُدَّةِ آفَةٌ بِسَاقِيَةِ الْحَمَّامِ الْمُؤَجَّرَةِ

(قَوْلُهُ: بِمَاءٍ آخَرَ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ زِرَاعَتُهَا بِغَيْرِهِ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَسَيَأْتِي نَظِيرُهُ فِي انْقِطَاعِ مَاءِ الْحَمَّامِ اهـ سم عَلَى حَجّ. وَيُصَرِّحُ بِذَلِكَ قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي وَيُلْحَقُ بِذَلِكَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَيُتَخَيَّرُ) أَيْ فِي غَرَقِ الْبَعْضِ وَقَوْلُهُ عَلَى الْفَوْرِ خِلَافًا لحج (قَوْلُهُ: انْفَسَخَتْ) مِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ مَا يَقَعُ فِي أَرَاضِي مِصْرِنَا مِنْ أَنَّهُ يَسْتَأْجِرُهَا قَبْلَ أَوَانِ الزَّرْعِ وَهِيَ مِمَّا يُرْوَى غَالِبًا فَيَتَّفِقُ عَدَمُ الرَّيِّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ يُوجِبُ الِانْفِسَاخَ إنْ لَمْ يُرْوَ مِنْهَا شَيْءٌ أَصْلًا، وَيَثْبُتُ فِيمَا إذَا رُوِيَ بَعْضُهَا أَوْ كُلُّهَا، لَكِنْ عَلَى خِلَافِ الْمُعْتَادِ مِنْ كَمَالِ الرَّيِّ، وَهَذَا ظَاهِرٌ إنْ كَانَ الْعَقْدُ وَقَعَ عَلَى سَنَةٍ، فَإِنْ وَقَعَ عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ انْفَسَخَتْ السَّنَةُ الْأُولَى الَّتِي لَمْ يَشْمَلْهَا الرَّيُّ وَيَتَخَيَّرُ الْمُسْتَأْجِرُ فَوْرًا فِي الْبَاقِي، فَإِنْ فَسَخَ فَذَاكَ وَإِلَّا سَقَطَ عَنْهُ أُجْرَةُ السَّنَةِ الْأُولَى وَانْتَفَعَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُمَا فِي كَلَامِ الْمُتَوَلِّي إنَّهُ الْوَجْهُ فَقَطْ، وَلَيْسَ الْمُعْتَرِضُ نَقْلَهُمَا لِكَلَامِ الْجُمْهُورِ وَالْمُتَوَلِّي كَمَا يُفِيدُهُ هَذَا السِّيَاقُ فَكَانَ يَنْبَغِي خِلَافُ هَذَا التَّعْبِيرِ وَهُوَ تَابِعٌ فِيهِ لِلتُّحْفَةِ (قَوْلُهُ: وَتَوْجِيهُ ابْنِ الرِّفْعَةِ) يَعْنِي لِإِطْلَاقِ الْجُمْهُورِ الْمَارِّ، وَقَوْلُهُ: يُقَالُ فِيهِ أَيْضًا إلَخْ مُرَادُهُ بِهِ تَوْجِيهٌ آخَرُ لِإِطْلَاقِ الْجُمْهُورِ خِلَافُ مَا يُوهِمُهُ سِيَاقُهُ فَكَانَ حَقُّ التَّعْبِيرِ أَنْ يَقُولَ وَوَجَّهَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إطْلَاقَ الْجُمْهُورِ بِأَنَّ الْأَصْلَ إلَخْ، وَيُوَجَّهُ أَيْضًا بِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ أَيْ: اللَّذَيْنِ أَشَارَ الْمُتَوَلِّي فِي تَعْلِيلِهِ الْمَارِّ إلَى اتِّحَادِهِمَا وَاضِحٌ إذْ الْعِلَّةُ إلَخْ

(قَوْلُهُ: نَعَمْ يُحْمَلُ قَوْلُهُمَا إلَخْ) هَذَا حَمْلٌ ثَانٍ لِاسْتِيجَاهِ الشَّيْخَيْنِ لِكَلَامِ الْمُتَوَلِّي فَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ عَقِبَ قَوْلِهِ الْمَارِّ فَقَوْلُهُمَا عَنْ مَقَالَةِ الْمُتَوَلِّي أَنَّهَا الْوَجْهُ: أَيْ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى عَلَى مَا مَرَّ فِيهِ أَيْضًا

(5/322)


حَيْثُ لَمْ يُبَادِرْ الْمُؤَجِّرُ قَبْلَ مُضِيِّ مَا مَرَّ وَيَسُوقُ إلَيْهَا مَاءً يَكْفِيهَا وَلَا يَكْتَفِي بِوَعْدِهِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَالْخِيَارُ فِي هَذَا الْبَابِ حَيْثُ ثَبَتَ فَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لِأَنَّ سَبَبَهُ تَعَذُّرُ قَبْضِ الْمَنْفَعَةِ: أَيْ أَوْ بَعْضِهَا وَذَلِكَ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الزَّمَانِ

(وَغَصْبُ) غَيْرِ الْمُؤَجِّرِ لِنَحْوِ (الدَّابَّةِ وَإِبَاقُ الْعَبْدِ) فِي إجَارَةِ عَيْنٍ قُدِّرَتْ بِمُدَّةٍ بِلَا تَفْرِيطٍ مِنْ الْمُكْتَرِي وَكَانَ الْغَصْبُ عَلَى الْمَالِكِ (يَثْبُتُ الْخِيَارُ) إنْ لَمْ يُبَادِرْ بِالرَّدِّ كَمَا مَرَّ وَذَلِكَ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ، فَإِنْ فَسَخَ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ أَجَازَ وَلَمْ يَرُدَّ حَتَّى انْقَضَتْ مُدَّتُهَا انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فَيَسْتَقِرُّ قِسْطُ مَا اسْتَوْفَاهُ مِنْ الْمُسَمَّى،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
بِهَا بَقِيَّةَ الْمُدَّةِ إنْ شَمِلَهَا الرَّيُّ بِمَا يُقَابِلُهَا مِنْ الْأُجْرَةِ الْمُقَدَّرَةِ عَلَيْهِ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ أَوَّلًا (قَوْلُهُ: وَلَا يُكْتَفَى بِوَعْدِهِ) أَيْ لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِوَعْدِهِ بِسَوْقِ الْمَاءِ، لَكِنْ لَوْ أَخَّرَ اعْتِمَادًا عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ لَمْ يَتَّفِقْ لَهُ سَوْقٌ جَازَ لَهُ الْفَسْخُ قِيَاسًا عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ آجَرَهُ أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ لَا مَاءَ لَهَا وَوَعَدَهُ بِتَرْتِيبِ مَاءٍ يَكْفِيهَا صَحَّتْ الْإِجَارَةُ، ثُمَّ إنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ (قَوْلُهُ: فَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي) أَيْ إلَّا إذَا كَانَ سَبَبُهُ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ كَمَا مَرَّ قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ وَيُتَخَيَّرُ حِينَئِذٍ عَلَى الْفَوْرِ إلَخْ

(قَوْلُهُ: وَكَانَ الْغَصْبُ عَلَى الْمَالِكِ) أَيْ بِأَنْ غُصِبَ مِنْ يَدِهِ اهـ سم عَلَى حَجّ. أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فَهِمَهُ مِنْ قَوْلِهِ عَلَى الْمَالِكِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّهَا غُصِبَتْ مِنْ يَدِ الْمَالِكِ غَيْرُ مُرَادٍ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهَا غُصِبَتْ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ لِأَجْلِ كَوْنِهَا مَنْسُوبَةً إلَى الْمَالِكِ، كَأَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْغَاصِبِ وَالْمَالِكِ مَا يَحْمِلُهُ عَلَى الْغَصْبِ لِكَوْنِهِ حَقًّا لِلْمَالِكِ لِعَدَاوَةٍ بَيْنَهُمَا أَوْ تُهْمَةٍ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِغُصِبَتْ عَلَى الْمُسْتَأْجِر أَنَّهَا غُصِبَتْ مِنْهُ لَكِنْ لِعَدَاوَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغَاصِبِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ التَّأَمُّلِ الْآتِي (قَوْلُهُ: فَيَسْتَقِرُّ قِسْطُ مَا اسْتَوْفَاهُ) فَإِنْ اسْتَغْرَقَ الْغَصْبُ جَمِيعَ الْمُدَّةِ انْفَسَخَتْ فِي الْجَمِيعِ وَإِنْ زَالَ الْغَصْبُ وَبَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ شَيْءٌ ثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْمُسْتَأْجِرِ لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ وَالْخِيَارُ عَلَى الْفَوْرِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ فِي الشَّارِحِ اهـ. قُلْت: لَكِنَّ مَحَلَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ تَفْرِيقُ صَفْقَةٍ، أَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ تَفْرِيقُ صَفْقَةٍ فَهُوَ عَلَى الْفَوْرِ، كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ، وَقَدْ أَفْتَى شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ أَيْضًا بِأَنَّ الْغَصْبَ يَفْسَخُ الْإِجَارَةَ فَوَقَعَتْ الْفُتْيَا فِي يَدِ بَعْضِ أَكَابِرِ الْعُلَمَاءِ فَذَهَبَ بِهَا إلَى الْقَاضِي يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا زَمَنَ وِلَايَتِهِ بِمِصْرَ وَصَحِبَ مَعَهُ مَتْنَ الْمِنْهَاجِ وَقَالَ: الْعَجَبُ ثُمَّ الْعَجَبُ أَنَّ الشَّيْخَ نُورَ الدِّينِ الزِّيَادِيَّ أَفْتَى بِأَنَّ الْغَصْبَ يَفْسَخُ الْإِجَارَةَ، وَهَذَا مَتْنُ الْمِنْهَاجِ قَاضٍ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْغَصْبَ يُثْبِتُ الْخِيَارَ، وَإِنَّ هَذَا الْأَمْرَ عَجِيبٌ، فَبَلَغَ شَيْخَنَا الْمَذْكُورَ ذَلِكَ الْمَجْلِسُ فَكَتَبَ إلَى الْقَاضِي يَحْيَى وَهَذَا صُورَةُ مَا كَتَبَ وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت الْمَعْرُوضَ عَلَى الْمَسَامِعِ الْكَرِيمَةِ حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ كُلِّ سُوءٍ بِجَاهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ كَتَبَ فِيهَا بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ مُخَالِفًا لِمَا كَتَبْته، وَقَدْ سُئِلْت عَنْهَا مِنْ نَحْوِ عَشْرِ سِنِينَ فَكَتَبْت فِيهَا بِانْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ، وَقَدْ أَشَرْت إلَى الِانْفِسَاخِ فَإِنَّ الْمُطَالَبَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ لِلْمُتَحَدِّثِ: أَيْ النَّاظِرِ لَا لِلْمُسْتَأْجِرِ شَيْئًا فَشَيْئًا، فَإِنْ اسْتَغْرَقَ الْغَصْبُ جَمِيعَ الْمُدَّةِ انْفَسَخَتْ فِي الْجَمِيعِ، وَإِنْ زَالَ الْغَصْبُ وَبَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ شَيْءٌ ثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْمُسْتَأْجِرِ لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ وَالْخِيَارُ عَلَى الْفَوْرِ لِأَنَّهُ خِيَارُ تَفْرِيقِ صَفْقَةٍ.
وَقَدْ غَلِطَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَكَابِرِ الْمُتَأَخِّرِينَ فَقَالُوا إنَّ الْخِيَارَ عَلَى التَّرَاخِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ الْأَصْحَابَ أَطْلَقُوا أَنَّ خِيَارَ الْإِجَارَةِ عَلَى التَّرَاخِي، لَكِنَّ مَحَلَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ تَفْرِيقُ صَفْقَةٍ، أَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ تَفْرِيقُ صَفْقَةٍ فَهُوَ عَلَى الْفَوْرِ. فَوَقَعَتْ الْفُتْيَا فِي يَدِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الْعَمَائِمِ الْكِبَارِ فَذَهَبَ بِهَا إلَيْهِ وَقَالَ: هَذَا أَمْرٌ عَجِيبٌ أَنَّ فُلَانًا أَفْتَى بِانْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ بِالْغَصْبِ، فَقُلْت لَهُ: الْمَسْأَلَةُ مَنْقُولَةٌ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَشَرْحِ الْمَنْهَجِ، فَرَجَعَ إلَيَّ وَقَالَ: فِي أَيِّ بَابٍ؟ فَقُلْت لَهُ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ، ثُمَّ كَتَبْت ثَانِيًا فَوَقَعَتْ الْفُتْيَا فِي يَدِ بَعْضِ مُدَرِّسِي الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ، فَأَرْسَلَ إلَيَّ بَعْضُ تَلَامِذَتِهِ فَقَالَ لِي: فِي مَتْنِ الْمِنْهَاجِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
لَا مِنْ حَيْثُ الْمَذْهَبُ بِأَنْ يَقُولَ أَوْ يُحْمَلُ قَوْلُهُمَا الْمَذْكُورُ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ عَبْدًا إلَخْ

(قَوْلُهُ: وَكَانَ الْغَصْبُ عَلَى الْمَالِكِ)

(5/323)


أَمَّا إجَارَةُ الذِّمَّةِ فَيَلْزَمُ الْمُؤَجِّرَ فِيهَا الْإِبْدَالُ فَإِنْ امْتَنَعَ اسْتَأْجَرَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ، وَالْمُعَيَّنُ عَمَّا فِيهَا لَيْسَ كَالْمُعَيَّنِ فِي الْعَقْدِ فَيَنْفَسِخُ بِتَلَفِهِ التَّعْيِينُ لَا أَصْلُ الْعَقْدِ، وَأَمَّا إجَارَةُ عَيْنٍ مُقَدَّرَةٍ بِعَمَلٍ فَلَا تَنْفَسِخُ بِنَحْوِ غَصْبِهِ، بَلْ يَسْتَوْفِيهِ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهِ كَثَمَنٍ حَالٍّ آخَرَ قَبَضَهُ، وَأَمَّا وُقُوعُ ذَلِكَ بِتَفْرِيطِ الْمُكْتَرِي فَيَسْقُطُ خِيَارُهُ وَيَلْزَمُهُ الْمُسَمَّى، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا غَصَبَهَا مِنْ الْمَالِكِ، أَمَّا لَوْ غَصَبَهَا مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ فَلَا خِيَارَ وَلَا فَسْخَ عَلَى مَا بَحَثَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَخْذًا مِنْ النَّصِّ وَاسْتَشْهَدَ لَهُ الْغَزِّيِّ بِمَا فِيهِ نَظَرٌ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ مُشْكِلٌ، وَمَا أَظُنُّ الْأَصْحَابَ يَسْمَحُونَ بِهِ، وَأَمَّا غَصْبُ الْمُؤَجِّرِ لَهَا بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ قَبْلَهُ بِأَنْ امْتَنَعَ مِنْ تَسْلِيمِهَا حَتَّى انْقَضَتْ الْمُدَّةُ فَيَفْسَخُهَا كَمَا يَأْتِي، وَوَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّنْ اكْتَرَى لِحَمْلِ مَرِيضٍ مِنْ نَحْوِ الطَّائِفِ إلَى مَكَّةَ وَقَدْ عُيِّنَ فِي الْعَقْدِ فَمَاتَ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ حَمْلُهُ مَيِّتًا إلَيْهَا؟ وَالْأَقْرَبُ أَخْذًا مِنْ نَصٍّ لِلْبُوَيْطِيِّ صَرَّحَ فِيهِ بِأَنَّ الْمَيِّتَ أَثْقَلُ مِنْ الْحَيِّ أَنَّ مَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِحَمْلِ حَيٍّ مَسَافَةً مَعْلُومَةً فَمَاتَ فِي أَثْنَائِهَا وَأَرَادَ وَارِثُهُ نَقْلَهُ إلَيْهَا وَجَوَّزْنَاهُ كَأَنْ كَانَ بِقُرْبِ مَكَّةَ وَأُمِنَ تَغْيِيرُهُ أَنَّ لَهُ فَسْخَ الْإِجَارَةِ لِطُرُوِّ مَا هُوَ كَالْعَيْبِ فِي الْمَحْمُولِ وَهُوَ زِيَادَةُ ثِقَلِهِ حِسًّا أَوْ مَعْنًى عَلَى الدَّابَّةِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ لَا يَجُوزُ النَّوْمُ عَلَيْهَا فِي غَيْرِ وَقْتِ النَّوْمِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ لِأَنَّ النَّائِمَ يَثْقُلُ، وَلَا يُعَارِضُ قَوْلُهُمْ بِانْفِسَاخِهَا بِتَلَفِ الْمُسْتَوْفَى بِهِ الْمُعَيَّنَ فِي الْعَقْدِ تَارَةً عَلَى مَا فِي الرَّوْضَةِ وَبِعَدَمِهِ أُخْرَى، ثُمَّ إنْ عُيِّنَ فِيهِ أَوْ بَعْدَهُ وَبَقِيَ أُبْدِلَ جَوَازًا، وَإِنْ عُيِّنَ بَعْدَهُ وَتَلِفَ أُبْدِلَ وُجُوبًا بِرِضَا الْمُكْتَرِي لِأَنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
إنَّ الْغَصْبَ يُثْبِتُ الْخِيَارَ فَكَيْفَ تَكْتُبُ بِانْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ، فَنَهَرْت التِّلْمِيذَ فَرَجَعَ لِشَيْخِهِ وَجَاءَنِي بِمَتْنِ الْمِنْهَاجِ فَذَكَرْت لَهُ أَنَّ مَتْنَ الْمِنْهَاجِ لَا يَجُوزُ الْإِفْتَاءُ مِنْهُ إلَّا لِلْعَارِفِ. وَمَعْنَى مَتْنِ الْمِنْهَاجِ أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا أُزِيلَتْ يَدُهُ وَبَقِيَ مِنْ الْإِجَارَةِ شَيْءٌ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ، وَقَدْ اسْتَبْعَدَ السُّبْكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُبُوتَ الْخِيَارِ إذَا اسْتَغْرَقَ الْغَصْبُ جَمِيعَ الْمُدَّةِ، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ كَتَبُوا مُخَالِفًا لِمَا كَتَبْت رَجَعَ وَاعْتَرَفَ بِالْخَطَأِ، وَغَالِبُ الْجَمَاعَةِ لَمْ يَقْرَأْ عَلَى أَحَدٍ وَإِنَّمَا أُخِذَ الْعِلْمُ مِنْ الْوَرَقِ، وَالْفَقِيرُ إنَّمَا أَخَذَ الْعِلْمَ عَنْ مُحَقِّقِ الْعَصْرِ كَالشِّهَابِ الرَّمْلِيِّ وَالشَّيْخِ عَمِيرَةَ وَالشَّيْخِ نُورِ الدِّينِ الطَّنْدَتَائِيِّ وَالشَّيْخِ شِهَابِ الدِّينِ الْبُلْقِينِيِّ حَافِظِ الْعَصْرِ، وَقَدْ كَتَبَ لِي فِي الْإِجَارَةِ أَنَا مَدِينَةُ الْعِلْمِ وَعَلِيٌّ بَابُهَا، وَكَانَ مِنْ أَرْبَابِ الْأَحْوَالِ يَتَصَرَّفُ فِي الْكَوْنِ جِهَارًا وَالْفَقِيرُ لَهُ عَلُوفَةٌ تَكْفِيهِ وَلَيْسَ مُحْتَاجًا لِشَيْءٍ مِنْ الْوَظَائِفِ جَزَاكُمْ اللَّهُ خَيْرًا وَأَحْسَنَ إلَيْكُمْ اهـ. هَكَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ عَبْدُ الْبَرِّ الْأُجْهُورِيُّ (قَوْلُهُ أَمَّا إجَارَةُ الذِّمَّةِ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ فِي إجَارَةِ عَيْنٍ
(قَوْلُهُ: لَا أَصْلَ الْعَقْدِ) قَضِيَّتُهُ وَإِنْ كَانَ بِتَفْرِيطِ الْمُسْتَأْجِرِ اهـ سم عَلَى حَجّ وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا وُقُوعُ ذَلِكَ بِتَفْرِيطِ الْمُكْتَرِي) يُتَأَمَّلُ صُورَةُ تَفْرِيطِ الْمُسْتَأْجِرِ مَعَ أَنَّ الْغَصْبَ مِنْ يَدِ الْمَالِكِ إلَّا أَنْ يُصَوَّرَ بِمَا إذَا امْتَنَعَ مِنْ تَسَلُّمِهَا حَتَّى غُصِبَتْ وَلَوْ تَسَلَّمَهَا لَمْ تُغْصَبْ اهـ سم عَلَى حَجّ. وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِي قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يُصَوَّرَ إلَخْ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ عُرِضَ عَلَيْهِ مَبِيعٌ وَامْتَنَعَ مِنْ قَبْضِهِ وَتَلِفَ انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَيَرْجِعُ بِثَمَنِهِ إنْ كَانَ دَفَعَهُ لِلْبَائِعِ (قَوْلُهُ: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إلَخْ) إطْلَاقُ الشَّيْخِ فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْفَسْخِ وَالْخِيَارِ سَوَاءٌ كَانَ الْغَصْبُ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَى الْمَالِكِ، أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ فَيُوَافِقُ مَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُشْكِلٌ) أَيْ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْغَصْبِ عَلَى الْمَالِكِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ وَلَوْ مَعَ التَّفْرِيطِ غَايَتُهُ أَنَّهُ يَضْمَنُ الْقِيمَةَ إذَا فَرَّطَ (قَوْلُهُ: وَهُوَ زِيَادَةُ ثِقَلِهِ) قِيلَ يُؤْخَذُ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ هَذَا فِي غَيْرِ الشَّهِيدِ، أَمَّا هُوَ فَلَيْسَ لِلْمُؤَجِّرِ فَسْخُ الْإِجَارَةِ بِمَوْتِهِ لِأَنَّهُ حَيٌّ وَقَدْ يُمْنَعُ الْأَخْذُ بِأَنَّ حَيَاتَهُ لَيْسَتْ حِسِّيَّةً فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَثْقُلُ بَعْدَ الْمَوْتِ الْحِسِّيِّ وَإِنْ كَانَ حَيًّا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
لَيْسَ بِقَيْدٍ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ الْخِلَافِ) كَذَا فِي نُسَخِ الشَّارِحِ، وَلَعَلَّهُ مُحَرَّفٌ عَنْ قَوْلِهِ وَمَحَلُّ الْخِيَارِ وَإِلَّا فَالْمَسْأَلَةُ لَمْ يَتَقَدَّمْ فِيهَا خِلَافٌ. (قَوْلُهُ: وَالْأَقْرَبُ أَخْذًا مِنْ نَصٍّ لِلْبُوَيْطِيِّ إلَخْ) رُبَّمَا يُوهِمُ أَنَّ هَذَا الْأَخْذَ لَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ هَذَا الْأَخْذَ وَمَا بَعْدَهُ إلَى آخِرِ السَّوَادَةِ جَوَابٌ لِلشِّهَابِ حَجّ، وَهُوَ الَّذِي سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا يُعْلَمُ

(5/324)


هَذَا مَفْرُوضٌ فِي التَّلَفِ كَمَا تَرَى، وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ مِنْهُ لِإِمْكَانِ حَمْلِ الْمَيِّتِ وَإِنَّمَا حَدَثَ فِيهِ وَصْفٌ لَمْ يَكُنْ حَالَ الْعَقْدِ فَاقْتَضَى التَّخْيِيرَ مَا لَمْ يُبَدِّلْهُ بِمَنْ هُوَ مِثْلُهُ أَوْ دُونَهُ

(وَلَوْ) (أَكْرَى جَمَّالًا) عَيْنًا أَوْ ذِمَّةً (وَهَرَبَ وَتَرَكَهَا عِنْدَ الْمُكْتَرِي) فَلَا خِيَارَ لِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ بِمَا فِي قَوْلِهِ (رَاجَعَ) إنْ لَمْ يَتَبَرَّعْ بِمُؤْنَتِهَا (الْقَاضِي لِيَمُونَهَا) بِإِنْفَاقِهَا وَأُجْرَةِ مُتَعَهِّدِهَا كَمُتَعَهِّدِ إحْمَالِهَا إنْ لَزِمَ الْمُؤَجِّرَ (مِنْ مَالِ الْجَمَّالِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَالًا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهَا وَلَيْسَ فِيهَا زِيَادَةٌ عَلَى حَاجَةِ الْمُكْتَرِي وَإِلَّا بَاعَ الزَّائِدَ وَلَا اقْتِرَاضَ (اقْتَرَضَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ الْمُمْكِنُ وَاسْتِئْذَانُهُ الْحَاكِمَ لِحُرْمَةِ الْحَيَوَانِ، فَلَوْ وَجَدَ ثَوْبًا ضَائِعًا وَاحْتَاجَ فِي حِفْظِهِ لِمُؤْنَةٍ أَوْ عَبْدًا كَذَلِكَ فَلَهُ بَيْعُهُ حَالًا وَحِفْظُ ثَمَنِهِ إلَى ظُهُورِ مَالِكِهِ، قَالَهُ السُّبْكِيُّ، وَفِي اللُّقَطَةِ مَا يُؤَيِّدُهُ (فَإِنْ وَثِقَ) الْقَاضِي (بِالْمُكْتَرِي دَفَعَهُ) أَيْ الْمُقْرَضُ مِنْهُ أَوْ مَنْ غَيْرُهُ (إلَيْهِ) لِيَصْرِفَهُ فِيمَا ذُكِرَ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَثِقْ بِهِ (جَعَلَهُ عِنْدَ ثِقَةٍ) يَصْرِفُهُ كَذَلِكَ، وَالْأَوْلَى لَهُ تَقْدِيرُ النَّفَقَةِ وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْفِقِ بِيَمِينِهِ عِنْدَ الِاحْتِمَالِ (وَلَهُ) أَيْ الْقَاضِي عِنْدَ تَعَذُّرِ الِاقْتِرَاضِ، وَمِنْهُ أَنْ يَخَافَ عَدَمَ التَّوَصُّلِ لَهُ بَعْدُ إلَى اسْتِيفَائِهِ (أَنْ يَبِيعَ مِنْهَا) بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ (قَدْرَ النَّفَقَةِ) وَالْمُؤْنَةُ لِلضَّرُورَةِ وَخَرَجَ بِمِنْهَا جَمِيعُهَا فَلَا يَبِيعُهُ ابْتِدَاءً لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ بِأَعْيَانِهَا وَمُنَازَعَةِ مُجَلِّي فِيهِ بِأَنَّهُ لَا يَفُوتُ حَقُّهُ لِعَدَمِ انْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ بِهِ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ رَأَى الْحَاكِمُ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ مَصْلَحَةً فِي بَيْعِهَا وَالِاكْتِرَاءُ بِبَعْضِ الثَّمَنِ لِلْمُسْتَأْجِرِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ جَزْمًا حَيْثُ جَازَ لَهُ بَيْعُ مَالِ الْغَائِبِ بِالْمَصْلَحَةِ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَوْ رَأَى مُشْتَرِيًا لَهَا مَسْلُوبَةَ الْمَنْفَعَةِ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ لَزِمَهُ أَنْ يَبِيعَ مِنْهَا مَا يَحْتَاجُ لِبَيْعِهِ مُقَدِّمًا لَهُ عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ الْأَصْلَحُ (وَلَوْ أَذِنَ لِلْمُكْتَرِي فِي الْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِهِ لِيَرْجِعَ جَازَ فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهُ مَحَلُّ ضَرُورَةٍ وَقَدْ لَا يُرَى الِاقْتِرَاضُ، وَكَلَامُهُ يُفْهِمُ انْتِفَاءَ رُجُوعِهِ بِمَا أَنْفَقَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْحَاكِمِ، وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ وَجَدَهُ وَأَمْكَنَ إثْبَاتُ الْوَاقِعَةِ عِنْدَهُ وَإِلَّا أَشْهَدَ عَلَى إنْفَاقِهِ بِقَصْدِ الرُّجُوعِ ثُمَّ يَرْجِعُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ الْإِشْهَادُ لَمْ يَرْجِعْ بِمَا أَنْفَقَهُ فِيمَا يَظْهَرُ لِنُدُورِ الْعُذْرِ. وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى تَصْدِيقِهِ فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ عَلَى غَيْرِهِ بَلْ يَأْخُذُ الْمَالَ مِنْهُ وَيَدْفَعُهُ إلَى أَمِينٍ، ثُمَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
عِنْدَ اللَّهِ (قَوْلُهُ: فَاقْتَضَى التَّخْيِيرَ) أَيْ بَيْنَ الْفَسْخِ وَعَدَمِهِ، فَإِنْ لَمْ يُفْسَخْ أُلْزِمَ بِحَمْلِهِ قَهْرًا عَلَيْهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ زِيَادَةً عَلَى مَا سَمَّاهُ أَوَّلًا.

(قَوْلُهُ: إنْ لَزِمَ الْمُؤَجِّرَ) أَيْ بِأَنْ كَانَتْ إجَارَةَ ذِمَّةٍ (قَوْلُهُ: وَلَا اقْتِرَاضَ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ الِاقْتِرَاضُ أَنْفَعَ لِلْمَالِكِ مِنْ الْبَيْعِ، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ لِأَنَّ فِي الِاقْتِرَاضِ إلْزَامًا لِذِمَّةِ الْمَالِكِ وَقَدْ لَا يَتَيَسَّرُ تَوْفِيَتُهُ عِنْدَ الْمُطَالَبَةِ (قَوْلُهُ: لِحُرْمَةِ الْحَيَوَانِ) أَيْ مَعَ احْتِمَالِ تَقْصِيرِهِ فِي شَأْنِهِ مُحَافَظَةً عَلَى اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي اسْتَحَقَّهَا مِنْهُ وَلَا كَذَلِكَ الْعَبْدُ الْآتِي (قَوْلُهُ: فَلَهُ بَيْعُهُ حَالًّا) أَيْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ لَهُ الِاسْتِقْلَالَ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَلَا يَبِيعُهُ ابْتِدَاءً) وَفِي نُسْخَةٍ بَعْدَ ابْتِدَاءٍ خَشْيَةَ أَنْ تُؤْكَلَ أَثْمَانُهَا، وَالْأَوْلَى إسْقَاطُهَا لِأَنَّهُ عِنْدَ بَيْعِ كُلِّهَا لَا يَتَأَتَّى أَنْ تُؤْكَلَ أَثْمَانُهَا وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ إذَا بَاعَهَا شَيْئًا فَشَيْئًا لِمُؤْنَةِ بَاقِيهَا (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُحْمَلَ إلَخْ) هَذَا لَا يَصْلُحُ مَحَلًّا لِمُنَازَعَةِ مُجِلِّي إلَّا عَلَى وَجْهٍ بَعِيدٍ فَلْيُتَأَمَّلْ، إذْ الْمُتَبَادِرُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ مُجَرَّدَ عَدَمِ انْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ كَافٍ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ (قَوْلُهُ: وَأَمْكَنَ إثْبَاتُ الْوَاقِعَةِ) أَيْ بِأَنْ سَهُلَتْ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ وَقَبِلَهَا الْقَاضِي وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا وَإِنْ قَلَّ عَلَى مَا مَرَّ (قَوْلُهُ: فِيمَا يَظْهَرُ) أَيْ ظَاهِرًا، أَمَّا بَاطِنًا فَيَنْبَغِي أَنَّ لَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
بِمُرَاجَعَةِ تُحْفَتِهِ

(قَوْلُهُ: لِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ بِمَا فِي قَوْلِهِ رَاجِعٌ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ: إنَّ الَّذِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْمَذْكُورِ لَيْسَ طَرِيقًا لِلِاسْتِيفَاءِ، فَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ لِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِهِ (قَوْلُهُ: أَيْ: الْمُقْرِضُ مِنْهُ) ظَاهِرُ هَذَا التَّفْسِيرِ أَنَّهُ لَا يَدْفَعُ لَهُ مَالَ الْجَمَّالِ إذَا كَانَتْ الْمُؤْنَةُ مِنْهُ فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَبِيعُهُ ابْتِدَاءً) فِي نُسْخَةٍ عَقِبَ هَذَا مَا نَصُّهُ: خَشْيَةَ أَنْ تَأْكُلَ أَثْمَانَهَا، وَمِثْلُهُ فِي التُّحْفَةِ: قَالَ الشِّهَابُ سم: قَوْلُهُ: خَشْيَةَ أَنْ تَأْكُلَ أَثْمَانَهَا عِلَّةً لِلْمَنْفِيِّ اهـ. وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ إلَخْ)

(5/325)


الْأَمِينُ يَدْفَعُهُ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَاحْتُرِزَ بِتَرْكِهَا عَمَّا لَوْ هَرَبَ بِهَا فَإِنْ كَانَتْ إجَارَةَ عَيْنٍ تَخَيَّرَ نَظِيرَ مَا مَرَّ فِي الْإِبَاقِ، وَكَمَا لَوْ شَرَدَتْ الدَّابَّةُ وَإِنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ اكْتَرَى الْحَاكِمُ أَوْ اقْتَرَضَ نَظِيرَ مَا مَرَّ، وَلَا يُفَوَّضُ ذَلِكَ لِلْمُسْتَأْجِرِ لِامْتِنَاعِ تَوَكُّلِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ

فَإِنْ تَعَذَّرَ الِاكْتِرَاءُ فَلَهُ الْفَسْخُ (وَمَتَى قَبَضَ الْمُكْتَرِي) الْعَيْنَ الْمُكْتَرَاةَ وَلَوْ حُرًّا أَجَّرَ عَيْنَهُ أَوْ (الدَّابَّةَ) أَوْ الدَّارَ (وَأَمْسَكَهَا) هُوَ زِيَادَةُ إيضَاحٍ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ قَبَضَ، وَمِثْلُ قَبْضِهَا امْتِنَاعُهُ مِنْهُ بَعْدَ عَرْضِهَا عَلَيْهِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: إلَّا فِيمَا يَتَوَقَّفُ قَبْضُهُ عَلَى النَّقْلِ: أَيْ فَيَقْبِضُهُ الْحَاكِمُ، فَإِنْ صَمَّمَ أَجْرَهُ قَالَهُ فِي الْبَيَانِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ حَاضِرٌ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْعَيْنِ حَقٌّ لِلْغَيْرِ حَتَّى يُؤَجِّرَهَا لِأَجْلِهِ، وَإِيجَارُ الْحَاكِمِ إنَّمَا يَكُونُ لِغَيْبَةٍ أَوْ تَعَلُّقِ حَقٍّ، فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ بَعْدَ قَبْضِهَا وَتَصْمِيمِهِ عَلَى الِامْتِنَاعِ يَرُدُّهَا لِمَالِكِهَا (حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ اسْتَقَرَّتْ الْأُجْرَةُ وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ) وَلَوْ لِعُذْرٍ مَنَعَهُ مِنْهُ كَخَوْفٍ أَوْ مَرَضٍ لِتَلَفِ الْمَنَافِعِ تَحْتَ يَدِهِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ بَدَلُهَا، وَمَتَى خَرَجَ بِهَا مَعَ الْخَوْفِ صَارَ ضَامِنًا لَهَا إلَّا إذَا ذُكِرَ ذَلِكَ حَالَةَ الْعَقْدِ، وَلَيْسَ لَهُ فَسْخٌ وَلَا إلْزَامُ مُكْرٍ أَخَذَهَا إلَى الْأَمْنِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَسِيرَ عَلَيْهَا مِثْلَ تِلْكَ الْمَسَافَةِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ، وَمَا بَحَثَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّهُ لَوْ عَمَّ الْخَوْفُ كُلَّ الْجِهَاتِ وَكَانَ الْغَرَضُ الْأَعْظَمُ رُكُوبَهَا فِي السَّفَرِ وَرُكُوبُهَا فِي الْحَضَرِ تَافِهٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْ الْمُسْتَأْجِرَ أُجْرَةٌ يَظْهَرُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ بِذَلِكَ أَنَّهُ يُتَخَيَّرُ بِهِ إذْ هُوَ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي نَحْوِ انْقِطَاعِ مَاءِ الْأَرْضِ، وَمَتَى انْتَفَعَ بَعْدَ الْمُدَّةِ لَزِمَهُ مَعَ الْمُسَمَّى الْمُسْتَقَرُّ عَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِ ذَلِكَ الِانْتِفَاعِ

(وَكَذَا) تَسْتَقِرُّ الْأُجْرَةُ (لَوْ) (اكْتَرَى دَابَّةً لِرُكُوبٍ إلَى مَوْضِعٍ) مُعَيَّنٍ (وَقَبَضَهَا) أَوْ عُرِضَتْ عَلَيْهِ (وَمَضَتْ مُدَّةُ إمْكَانِ السَّيْرِ إلَيْهِ) لِكَوْنِهِ مُتَمَكِّنًا مِنْ الِاسْتِيفَاءِ، وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ هَذِهِ غَيْرُ الْأُولَى لِأَنَّ تِلْكَ مُقَدَّرَةٌ بِزَمَنٍ وَهَذِهِ بِعَمَلٍ فَتَسْتَقِرُّ بِمُضِيِّ مُدَّةِ الْعَمَلِ الَّذِي ضُبِطَتْ بِهِ الْمَنْفَعَةُ (وَسَوَاءٌ فِيهِ) أَيْ التَّقْدِيرِ بِمُدَّةٍ أَوْ عَمَلٍ (إجَارَةُ الْعَيْنِ وَالذِّمَّةِ إذَا سَلَّمَ) الْمُؤَجِّرُ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ (الدَّابَّةَ) مَثَلًا (الْمَوْصُوفَةَ) لِلْمُسْتَأْجِرِ لِتَعَيُّنِ حَقِّهِ بِالتَّسْلِيمِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يُسَلِّمْهَا فَلَا تَسْتَقِرُّ أُجْرَةٌ عَلَيْهِ لِبَقَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي الذِّمَّةِ وَكَالتَّسْلِيمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الرُّجُوعَ.

(قَوْلُهُ: إلَّا فِيمَا يَتَوَقَّفُ قَبْضُهُ إلَخْ) قَدْ يُشْكَلُ بِمَا تَقَرَّرَ فِي الْبَيْعِ أَنَّهُ لَوْ وَضَعَ الْمَبِيعَ عِنْدَهُ صَارَ قَبْضًا وَأَوْرَدْته عَلَى م ر فَاعْتَرَفَ بِإِشْكَالِهِ اهـ سم عَلَى حَجّ. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ مَحَلَّ الِاكْتِفَاءِ بِالْوَضْعِ فِي خَفِيفٍ يُمْكِنُ تَنَاوُلُهُ بِالْيَدِ، وَعَلَيْهِ فَيُمْكِنُ حَمْلُ قَوْلِ الْقَاضِي إلَّا فِيمَا يَتَوَقَّفُ إلَخْ عَلَى غَيْرِهِ كَالدَّوَابِّ وَالْأَحْمَالِ الثَّقِيلَةِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ صَمَّمَ) أَيْ الْمُسْتَأْجِرُ، قَالَ سم عَلَى الِامْتِنَاعِ اهـ. وَقَوْلُهُ أَجَّرَهُ: أَيْ الْحَاكِمُ، وَقَوْلُهُ وَتَصْمِيمُهُ: أَيْ الْمُسْتَأْجِرِ (قَوْلُهُ: رَدَّهَا عَلَى مَالِكِهَا) أَيْ وَتَسْتَقِرُّ الْأُجْرَةُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَإِمْكَانِ الْعَمَلِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ (قَوْلُهُ وَمَتَى خَرَجَ بِهَا) أَيْ الْمُسْتَأْجِرُ (قَوْلُهُ: حَالَةَ الْعَقْدِ) أَيْ أَوْ كَانَ الزَّمَنُ زَمَنَ خَوْفٍ وَعَلِمَ بِهِ الْمُؤَجِّرُ وَقَوْلُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَيْ الْمُكْتَرِي (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَسِيرَ عَلَيْهَا) أَيْ أَوْ يُؤَجِّرَهَا لِمَنْ يَسِيرُ عَلَيْهَا مِمَّنْ هُوَ مِثْلُ الْمُسْتَأْجِرِ (قَوْلُهُ أُجْرَةُ مِثْلِ ذَلِكَ) أَيْ وَإِذَا تَلِفَتْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ضَمِنَهَا ضَمَانَ الْغُصُوبِ، وَأَمَّا لَوْ جَاوَزَ الْمَحَلَّ الَّذِي اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَ لَهُ ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهَا إلَى مَحَلِّ الْعَقْدِ فَيَلْزَمُهُ أُجْرَةُ مَا زَادَ وَيَضْمَنُهَا إذَا تَلِفَتْ فِيهِ، وَإِذَا رَجَعَ إلَى الْمَحَلِّ الَّذِي جَاوَزَهُ جَازَ لَهُ الرُّكُوبُ مِنْهُ إلَى مَحَلِّ الْعَقْدِ لِعَدَمِ انْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ فِيهِ، وَإِذَا تَلِفَتْ فِي مُدَّةِ الْعَوْدِ فَهَلْ يَضْمَنُ لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا بِالْمُجَاوَزَةِ أَوَّلًا لِجَوَازِ انْتِفَاعِهِ بِهَا وَبَقَاءِ إجَارَتِهِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَمُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ إذَا تَعَدَّى بِضَرْبِ الدَّابَّةِ مَثَلًا صَارَ ضَامِنًا حَتَّى لَوْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ مَا تَعَدَّى بِهِ لَمْ يَسْقُطْ الضَّمَانُ الْأَوَّلُ.

(قَوْلُهُ أَوْ عُرِضَتْ عَلَيْهِ) هَذَا قَدْ يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ لِأَنَّ الدَّابَّةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَالَ الشِّهَابُ سم فِيهِ أَنَّ مُجَلِّيًا مُصَرِّحٌ بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ اهـ. فَتَأَمَّلْهُ

(قَوْلُهُ: هُوَ زِيَادَةُ إيضَاحٍ) قَدْ يُقَالُ بِمَنْعِهِ وَأَنَّهُ إنَّمَا أَتَى بِهِ لِيُعَلِّقَ قَوْلَهُ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ؛ إذْ لَا يَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِقَبْضٍ إلَّا بِتَأْوِيلٍ لِأَنَّ الْقَبْضَ يَنْقَضِي بِمُجَرَّدِ وُقُوعِهِ فَلَا يَسْتَمِرُّ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، وَإِنَّمَا الْمُسْتَمِرُّ الْإِمْسَاكُ، وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي آجَرْتُكَهُ سَنَةً

(5/326)


الْعَرْضُ كَمَا مَرَّ

(وَتَسْتَقِرُّ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ) سَوَاءٌ أَزَادَتْ عَلَى الْمُسَمَّى أَمْ نَقَصَتْ (بِمَا يَسْتَقِرُّ بِهِ الْمُسَمَّى فِي الصَّحِيحَةِ) مِمَّا ذُكِرَ وَلَوْ لَمْ يَنْتَفِعْ. نَعَمْ تَخْلِيَةُ الْعَقَارِ وَالْوَضْعُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَالْعَرْضُ عَلَيْهِ وَإِنْ امْتَنَعَ لَا يَكْفِي هُنَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْقَبْضِ الْحَقِيقِيِّ

(وَلَوْ) (أَكْرَى عَيْنًا مُدَّةً وَلَمْ يُسَلِّمْهَا) أَوْ غَصَبَهَا أَوْ حَبَسَهَا أَجْنَبِيٌّ وَلَوْ كَانَ الْحَبْسُ لِقَبْضِ الْأُجْرَةِ (حَتَّى مَضَتْ) تِلْكَ الْمُدَّةُ (انْفَسَخَتْ) الْإِجَارَةُ لِفَوَاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَلَوْ حَبَسَ بَعْضَهَا انْفَسَخَتْ فِيهِ فَقَطْ وَتَخَيَّرَ فِي الْبَاقِي وَلَا يُبَدَّلُ زَمَانٌ بِزَمَانٍ (وَلَوْ لَمْ يُقَدِّرْ مُدَّةً) وَإِنَّمَا قَدَّرَهَا بِعَمَلٍ (كَأَنْ أَجَّرَ) دَابَّةً (لِرُكُوبٍ) إلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ وَلَمْ يُسَلِّمْهَا حَتَّى مَضَتْ (مُدَّةُ) إمْكَانِ (السَّيْرِ) إلَيْهِ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا) أَيْ الْإِجَارَةَ (لَا تَنْفَسِخُ) وَلَا يُخَيَّرُ الْمُكْتَرِي إذْ هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَنْفَعَةِ لَا الزَّمَانِ وَلَمْ يَتَعَذَّرْ اسْتِيفَاؤُهَا. وَالثَّانِي تَنْفَسِخُ كَمَا لَوْ حَبَسَهَا الْمُكْتَرِي، وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ نُقَرِّرْ بِهِ الْأُجْرَةَ لَضَاعَتْ الْمَنْفَعَةُ عَلَى الْمُكْرِي، وَلَا فَسْخَ وَلَا خِيَارَ بِذَلِكَ فِي إجَارَةِ الذِّمَّةِ قَطْعًا لِأَنَّهُ دَيْنٌ نَاجِزٌ تَأَخَّرَ وَفَاؤُهُ

(وَلَوْ) (أَجَّرَ عَبْدَهُ) أَيْ رَقِيقَهُ (ثُمَّ أَعْتَقَهُ) أَوْ وَقَفَهُ مَثَلًا أَوْ اسْتَوْلَدَ الْأَمَةَ ثُمَّ مَاتَ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا) أَيْ الْقِصَّةَ فِي ذَلِكَ (لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ) لِأَنَّهُ أَزَالَ مِلْكَهُ عَنْ الْمَنَافِعِ مُدَّتَهَا قَبْلَ نَحْوِ عِتْقِهِ فَلَمْ يُصَادِفْ إلَّا رَقَبَةً مَسْلُوبَةَ الْمَنَافِعِ خُصُوصًا وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ. وَالثَّانِي تَنْفَسِخُ كَمَوْتِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، وَخَرَجَ بِثُمَّ أَعْتَقَهُ مَا لَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ ثُمَّ أَجَّرَهُ ثُمَّ وُجِدَتْ الصِّفَةُ فِي أَثْنَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّهَا تَنْفَسِخُ لِسَبْقِ اسْتِحْقَاقِ الْعِتْقِ عَلَى الْإِجَارَةِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ أَجَّرَ أُمَّ وَلَدِهِ ثُمَّ مَاتَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمَا هُنَا وَاعْتَمَدَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ، وَمَا لَوْ أَقَرَّ بِعِتْقٍ سَابِقٍ عَلَى الْإِجَارَةِ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي فَسْخِهَا، وَيَغْرَمُ لِلْعَبْدِ أُجْرَةَ مِثْلِهِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ) أَيْ الشَّأْنَ (لَا خِيَارَ لِلْعَبْدِ) بِعِتْقِهِ فِي فَسْخِهَا لِتَصَرُّفِ سَيِّدِهِ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ فَلَمْ يَمْلِكْ نَقْضَهُ. وَالثَّانِي لَهُ الْخِيَارُ كَالْأَمَةِ تَحْتَ عَبْدٍ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ سَبَبَ الْخِيَارِ وَهُوَ نَقْصُهُ مَوْجُودٌ، وَلَا سَبَبَ لِلْخِيَارِ هُنَا لِمَا مَرَّ مِنْ كَوْنِ الْمَنَافِعِ تَحْدُثُ مَمْلُوكَةً لِلْمُكْتَرِي (وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى سَيِّدِهِ بِأُجْرَةِ مَا) أَيْ الْمَنَافِعِ الَّتِي تُسْتَوْفَى مِنْهُ (بَعْدَ الْعِتْقِ) إلَى انْقِضَاءِ مُدَّتِهَا لِتَصَرُّفِهِ فِي مَنَافِعِهِ حِينَ كَانَ مَالِكًا لَهَا وَنَفَقَتُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
مِمَّا يَتَوَقَّفُ قَبْضُهَا عَلَى النَّقْلِ، فَالْوَجْهُ وِفَاقًا لِمَا رَجَعَ إلَيْهِ م ر أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِمُجَرَّدِ الْعَرْضِ إلَّا إذَا كَانَ عَلَى وَجْهٍ يُعَدُّ قَبْضًا فِي الْبَيْعِ اهـ سم عَلَى حَجّ. أَقُولُ: وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ لَا يَكْفِي هُنَا: أَيْ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَكْرَى عَيْنًا) أَيْ إجَارَةَ عَيْنٍ أَوْ ذِمَّةٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ اهـ سم عَلَى حَجّ

(قَوْلُهُ: أَيْ الْقِصَّةُ فِي ذَلِكَ) يَجُوزُ أَيْضًا رُجُوعُ الضَّمِيرِ لِلْإِجَارَةِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ الْإِجَارَةُ مِنْ الْإِظْهَارِ فِي مَوْضِعِ الْإِضْمَارِ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: الْبَطْنِ الْأَوَّلِ) بِمَوْتِهِ وَإِجَارَةِ أُمِّ وَلَدِهِ بِمَوْتِهِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ بِوُجُودِهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ ذِكْرِهَا ثَمَّ الِاسْتِدْلَال عَلَى انْفِسَاخِ إجَارَةِ مَالِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ بِمَوْتِهِ، وَالْغَرَضُ مِنْهَا هُنَا بَيَانُ الْحُكْمِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ ضَعِيفٌ) إنَّمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ مِنْ قِيَاسِهِ عَلَى صَحِيحِ اعْتِمَادِهِ (قَوْلُهُ مَا لَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ إلَخْ) لَيْسَ هَذَا تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ السَّابِقِ فَأَشْبَهَ انْفِسَاخَ إجَارَةِ (قَوْلُهُ: فِي أَثْنَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ) وَبَقِيَ مَا لَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ ثُمَّ آجَرَهُ وَوُجِدَتْ الصِّفَةُ مُقَارِنَةً لِلْإِيجَارِ هَلْ تَصِحُّ الْإِجَارَةُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ بِوُجُودِ الصِّفَةِ وَالْعِتْقِ إذَا قَارَنَ غَيْرَهُ بِقَدْرِ سَبْقِهِ لِشِدَّةِ تَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: مَا لَوْ آجَرَ أُمَّ وَلَدِهِ ثُمَّ مَاتَ) بَقِيَ مَا لَوْ آجَرَ أُمَّ وَلَدِهِ ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْفَسِخَ إلَّا بِالْمَوْتِ أَيْضًا اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: وَمَا لَوْ أَقَرَّ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَلَمْ يُسَلِّمْهَا) أَيْ: وَلَا عِوَضَهَا

(قَوْلُهُ:: وَهُوَ ضَعِيفٌ) أَيْ خِلَافُ مَا يَقْتَضِيهِ تَعْبِيرُهُ بِالْأَصَحِّ عَلَى مَا قَدَّمَهُ فِي الْخُطْبَةِ مِنْ اصْطِلَاحِهِ، عَلَى أَنَّ مُقَابِلَ الْأَصَحِّ صَحِيحٌ لَا ضَعِيفٌ. فَمُرَادُ الشَّارِحِ بِهَذَا التَّوَرُّكُ عَلَى الْمَتْنِ بِأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُعَبِّرَ بِالصَّحِيحِ بَدَلَ الْأَصَحِّ، لَكِنْ قَوْلُهُ: كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ فِيهِ تَسَمُّحٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ فِي الرَّوْضَةِ بِأَنَّ هَذَا ضَعِيفٌ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ هُنَاكَ بِالصَّحِيحِ فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مُقَابِلَهُ ضَعِيفٌ، وَبِمَا تَقَرَّرَ سَقْطُ مَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ مِمَّا لَا يَصِحُّ عِنْدَ التَّأَمُّلِ

(5/327)


فِي بَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ عَلَى مَيَاسِيرِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَفْهَمَ فَرْضُهُ الْكَلَامَ فِيمَا لَوْ أَجَّرَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ بِشَيْءٍ عَلَى وَارِثٍ أَعْتَقَ قَطْعًا إذْ لَمْ يُنْقَضْ مَا عَقَدَهُ، وَلَوْ فُسِخَتْ الْإِجَارَةُ بَعْدَ الْعِتْقِ بِعَيْبٍ مَلَكَ مَنَافِعَ نَفْسِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَقِلًّا، وَالْمُتَّجَهُ فِيمَا لَوْ أَوْصَى بِمَنْفَعَةِ عَبْدٍ لِزَيْدٍ وَبِرَقَبَتِهِ لِآخَرَ فَرَدَّ زَيْدٌ الْوَصِيَّةَ رُجُوعُ الْمَنَافِعِ لِلْوَرَثَةِ، فَلَوْ أَجَّرَ دَارِهِ ثُمَّ وَقَفَهَا ثُمَّ فُسِخَتْ الْإِجَارَةُ رَجَعَتْ لِلْوَاقِفِ كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَالثَّانِي يَرْجِعُ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تُسْتَوْفَى مِنْهُ قَهْرًا فَصَارَ كَمَا لَوْ أَكْرَهَهُ سَيِّدُهُ عَلَى الْعَمَلِ

(وَيَصِحُّ بَيْعُ) الْعَيْنِ (الْمُسْتَأْجَرَةِ) حَالَ الْإِجَارَةِ (لِلْمُكْتَرِي) قَطْعًا لِانْتِفَاءِ الْحَائِلِ كَمَا لَوْ بَاعَ الْمَغْصُوبُ مِنْ غَاصِبِهِ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ بَيْعُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ قَبْضِهِ لِلْبَائِعِ لِضَعْفِ مِلْكِهِ (وَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ فِي الْأَصَحِّ) لِوُرُودِهَا عَلَى الْمَنْفَعَةِ وَالْمِلْكُ عَلَى الرَّقَبَةِ فَلَا مُنَافَاةَ. وَالثَّانِي تَنْفَسِخُ لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَ الرَّقَبَةَ حَدَثَتْ الْمَنَافِعُ عَلَى مِلْكِهِ فَلَا تُسْتَوْفَى الْإِجَارَةُ وَكَمَا لَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى الْمُشْتَرِي مَا كَانَ لِلْبَائِعِ وَالْبَائِعُ حِينَ الْبَيْعِ مَا كَانَ يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّ السَّيِّدَ يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ بُضْعِ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ كَانَ الْمَهْرُ لِلسَّيِّدِ لَا لِلزَّوْجِ (فَلَوْ) (بَاعَهَا لِغَيْرِهِ) أَوْ وَقَفَهَا أَوْ وَهَبَهَا أَوْ أَوْصَى بِهَا وَقَدْ قُدِّرَتْ الْإِجَارَةُ بِزَمَنٍ (جَازَ فِي الْأَظْهَرِ) وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ الْمُكْتَرِي لِمَا مَرَّ مِنْ اخْتِلَافِ الْمَوْرِدَيْنِ، وَيَدُ الْمُسْتَأْجِرِ لَا تُعَدُّ حَائِلَةً فِي الرَّقَبَةِ لِأَنَّ يَدَهُ عَلَيْهَا يَدُ أَمَانَةٍ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُمْنَعْ الْمُشْتَرِي مِنْ تَسَلُّمِهَا لَحْظَةً لَطِيفَةً لِيَسْتَقِرَّ مِلْكُهُ ثُمَّ يَرْجِعُ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَيُغْتَفَرُ ذَلِكَ الْقَدْرُ الْيَسِيرُ لِلضَّرُورَةِ. وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِأَنَّ يَدَ الْمُسْتَأْجِرِ حَائِلَةٌ عَنْ التَّسْلِيمِ بِحَقٍّ لَازِمٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ بَعْدَ الْإِجَارَةِ (قَوْلُهُ: عَلَى وَارِثٍ أُعْتِقَ) أَيْ الْوَارِثُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ فُسِخَتْ الْإِجَارَةُ بَعْدَ الْعِتْقِ بِعَيْبٍ) أَيْ وَيَرْجِعُ الْمُسْتَأْجِرُ بِقِسْطِ مَا بَقِيَ عَلَى السَّيِّدِ أَوْ الْوَارِثِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ أَجَّرَ دَارِهِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَلَوْ أَجَّرَ إلَخْ، لِأَنَّ هَذَا لَا يَتَفَرَّعُ عَلَى مَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: رَجَعَتْ) أَيْ الْمَنْفَعَةُ لِلْوَاقِفِ، اُنْظُرْ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَا لَوْ فُسِخَتْ الْإِجَارَةُ بَعْدَ عِتْقِ الْعَبْدِ حَيْثُ يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ وَلَا تَرْجِعُ لِسَيِّدِهِ، ثُمَّ رَأَيْته فِي شَرْحِ الرَّوْضِ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْعِ بِمَا صُورَتُهُ: وَيُفَارِقُ: أَيْ مِلْكُ الْعَتِيقِ مَنَافِعَ نَفْسِهِ نَظِيرَهُ الْآتِي فِي صُورَةِ الْبَيْعِ مِنْ أَنَّهَا لِلْبَائِعِ وَإِنْ شَرِكَ بَيْنَهُمَا الْمُتَوَلِّي فِي الْبِنَاءِ الْآتِي، ثُمَّ أَخَذَ مِنْهُ الْإِسْنَوِيُّ تَرْجِيحَ أَنَّهَا لِلسَّيِّدِ بِأَنَّ الْعِتْقَ لَمَّا كَانَ مُتَقَرَّبًا بِهِ وَالشَّارِعُ مُتَشَوِّفًا إلَيْهِ كَانَتْ مَنَافِعُ الْعَتِيقِ لَهُ نَظَرًا لِمَقْصُودِ الْعِتْقِ مِنْ كَمَالِ تَقَرُّبِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بِمَا لَا يَشْفِي، وَمِنْ نَحْوِ الْبَيْعِ الْوَقْفُ فَإِنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَتَشَوَّفْ إلَيْهِ تَشَوُّفَهُ لِلْعِتْقِ، وَمِنْ ثَمَّ جَرَى الْخِلَافُ فِي مِلْك الْمَوْقُوفِ، وَكَتَبَ أَيْضًا " قَوْلُهُ رَجَعْت لِلْوَاقِفِ " أَيْ وَيَرْجِعُ الْمُسْتَأْجِرُ بِقِسْطِ مَا بَقِيَ عَلَى الْوَاقِفِ.

(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا امْتَنَعَ بَيْعُ الْمُشْتَرِي) قَدْ يُقَالُ لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِمَا الْكَلَامُ فِيهِ لِأَنَّ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ الْمُسْتَأْجِرُ بِالْإِجَارَةِ مَنْفَعَةُ الْعَيْنِ، وَاَلَّذِي أَوْرَدَ عَقْدَ الْبَيْعِ عَلَيْهِ مَحَلُّ الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ الْعَيْنُ وَلَيْسَتْ مُتَعَلَّقَ الْإِجَارَةِ فَلَا جَامِعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ الْمُشْتَرِي لِلْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ. نَعَمْ يُشْكَلُ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ صِحَّةِ إجَارَةِ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ مِنْ الْمُؤَجِّرِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّهَا الشَّبِيهَةُ بِبَيْعِ الْمَبِيعِ مِنْ الْبَائِعِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ وَالْكَلَامِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ السَّيِّدَ يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ بُضْعِ الْأَمَةِ) يُتَأَمَّلُ وَكَأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْمِلْكَ فِي النِّكَاحِ وَارِدٌ عَلَى الْمَنْفَعَةِ أَيْضًا إذْ الزَّوْجُ لَا يَمْلِكُهَا بَلْ يَمْلِكُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِشَيْءٍ مَخْصُوصٍ اهـ سم عَلَى حَجّ.
(قَوْلُهُ: وَقَدْ قُدِّرَتْ الْإِجَارَةُ) أَيْ فِي الثَّلَاثَةِ (قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَمْنَعْ الْمُسْتَأْجِرُ) أَيْ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ إلَخْ (قَوْلُهُ: لِلضَّرُورَةِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: فَصَارَ كَمَا لَوْ أَكْرَهَهُ سَيِّدُهُ عَلَى الْعَمَلِ) أَيْ: بَعْدَ الْعِتْقِ

(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا امْتَنَعَ بَيْعُ الْمُشْتَرِي إلَخْ) الْجَامِعُ بَيْنَ هَذَا وَمَسْأَلَتِنَا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِيهِ بَيْعُ الشَّخْصِ مَا لَيْسَ تَحْتَ يَدِهِ لِمَنْ هُوَ تَحْتَ يَدِهِ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَ الرَّقَبَةَ حَدَثَتْ الْمَنَافِعُ عَلَى مِلْكِهِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ مِلْكُ الرَّقَبَةِ لَا مِنْ حَيْثُ الْإِجَارَةُ، وَإِلَّا فَالْمَنَافِعُ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ

(5/328)


فَكَانَتْ أَوْلَى بِالْمَنْعِ مِنْ الْغَاصِبِ، وَرُدَّ بِمَا مَرَّ.
وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ كَانَتْ مَشْحُونَةً بِأَمْتِعَةٍ كَثِيرَةٍ لَا يُمْكِنُ تَفْرِيغُهَا إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِيمَا يَظْهَرُ، وَإِنْ تَوَقَّفَ قَبْضُهَا عَلَى تَفْرِيغِهَا عَلَى مَا مَرَّ فِي بَابِهِ، أَمَّا إذَا قُدِّرَتْ بِعَمَلٍ فَكَذَلِكَ خِلَافًا لِأَبِي الْفَرَجِ الْبَزَّارِ وَإِنْ تَبِعَهُ الْبُلْقِينِيُّ (وَلَا تَنْفَسِخُ) الْإِجَارَةُ قَطْعًا، بَلْ تَبْقَى فِي يَدِ الْمُكْتَرِي إلَى انْقِضَاءِ أَمَدِهَا، فَإِنْ جَهِلَ الْمُشْتَرِي تَخَيَّرَ وَلَوْ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ، وَسَوَاءٌ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَلَوْ مَعَ الْجَهْلِ أَكَانَ جَاهِلًا بِالْمُدَّةِ أَمْ عَالِمًا خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ، فَإِنْ أَجَازَ لَمْ يَسْتَحِقَّ أُجْرَةً لِبَقِيَّةِ الْمُدَّةِ، وَلَوْ عَلِمَهَا وَظَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْأُجْرَةِ فَإِنْ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ عَادَتْ الْمَنَافِعُ لِلْبَائِعِ بَقِيَّةَ الْمُدَّةِ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَهُوَ أَوْجَهُ مِمَّا رَجَّحَهُ السُّبْكِيُّ أَنَّهَا لِلْمُشْتَرِي، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا قَالَهُ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ لَوْ اشْتَرَى الرَّقَبَةَ ثُمَّ بَاعَهَا انْتَقَلَتْ بِمَنَافِعِهَا لِلْمُشْتَرِي، وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا مُدَّةً ثُمَّ اشْتَرَاهَا ثُمَّ بَاعَهَا وَالْمُدَّةُ بَاقِيَةٌ فَتَنْتَقِلُ بِجَمِيعِ مَنَافِعِهَا لِلْمُشْتَرِي، فَإِنْ اسْتَثْنَى الْبَائِعُ الْمَنْفَعَةَ الَّتِي لَهُ بِالْإِجَارَةِ بَطَلَ الْبَيْعُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَلَوْ أَجَّرَ لِبِنَاءٍ أَوْ غِرَاسٍ ثُمَّ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ فَأَجَّرَ لِآخَرَ قَبْلَ وُقُوعِ التَّخْيِيرِ السَّابِقِ نَظِيرُهُ فِي الْعَارِيَّةِ لَمْ يَصِحَّ فِيمَا يَضُرُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ الْبِنَاءَ أَوْ الشَّجَرَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِبَقَاءِ احْتِرَامِ مَالِ الْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ.
وَيَصِحُّ فِي غَيْرِ الْمُضِرِّ سَوَاءٌ أَخَصَّهُ بِالْعَقْدِ أَمْ لَمْ يَخُصَّهُ، وَكَانَ التَّوْزِيعُ عَلَى الْمُضِرِّ وَغَيْرِهِ مُمْكِنًا، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ يَصِحُّ إنْ أَمْكَنَ تَفْرِيغُهَا مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لَا أُجْرَةَ لِمِثْلِهَا وَلَمْ يَسْتُرْهَا الْغِرَاسُ، وَأَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ فِيمَنْ أَجَّرَ أَرْضَهُ مُدَّةً بِأُجْرَةٍ مُؤَجَّلَةٍ ثُمَّ مَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ قَبْلَ أَوَانِ الزَّرْعِ فَاسْتَوْلَى آخَرُ وَزَرَعَ عُدْوَانًا بِحُلُولِ الْأُجْرَةِ بِمَوْتِهِ وَعَدَمِ انْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ، هَذَا إنْ لَمْ يَضَعْ الْمُتَعَدِّي يَدَهُ وَإِلَّا ارْتَفَعَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
هُوَ ظَاهِرٌ حَيْثُ لَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ تُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يُجْبَرُ عَلَى تَفْرِيغِهَا، وَأَنَّهُ لَوْ رَضِيَ بِتَفْرِيغِهَا وَاحْتَاجَ التَّفْرِيغُ إلَى أُجْرَةٍ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا عَلَى الْمُؤَجِّرِ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ التَّفْرِيغِ تَعُودُ إلَيْهِ لِانْتِفَاعِهِ بِإِزَالَةِ الضَّمَانِ عَنْهُ وَاسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَوَقَّفَ قَبْضُهَا) قَضِيَّةُ قَوْلِهِ قَبْلَ لَحْظَةٍ لَطِيفَةٍ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ هُنَا عَلَى تَسْلِيمِهَا لِلْمُشْتَرِي حَيْثُ كَانَتْ مُدَّةُ التَّفْرِيغِ تُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ أَوْ فِيهَا مَشَقَّةٌ لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً، وَيُؤَخِّرُ الْمُشْتَرِي قَبْضَ الْعَيْنِ إلَى انْتِهَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ قَهْرًا عَلَيْهِ حَيْثُ اشْتَرَى عَالِمًا بِكَوْنِهَا مُؤَجَّرَةً فَقَدْ رَضِيَ بِبَقَائِهَا فِي يَدِهِ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِأَبِي الْفَرَجِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ كَلَامَ أَبِي الْفَرَجِ مُصَوَّرٌ بِمَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ لِغَيْرِ الْمُكْتَرِي (قَوْلُهُ: وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ) يُتَأَمَّلُ كَوْنُ ذَلِكَ مُؤَيِّدًا لِلْأَوَّلِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَظْهَرُ تَأْيِيدُهُ لِلثَّانِي: أَيْ وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ السُّبْكِيُّ (قَوْلُهُ: وَالْمُدَّةُ بَاقِيَةٌ) أَيْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ (قَوْلُهُ: وَيَصِحُّ فِي غَيْرِ الْمُضِرِّ) أَيْ وَيُتَخَيَّرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا مَرَّ، وَعِبَارَةُ الْمُحَقِّقِ الْجَلَالِ: لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ تَابِعَةٌ فِي الْبَيْعِ لِلرَّقَبَةِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ جَهِلَ الْمُشْتَرِي تَخَيَّرَ وَلَوْ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ وَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي إنْ جَهِلَ وَلَوْ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ، لَكِنْ بَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ بُطْلَانَ الْبَيْعِ عِنْدَ جَهْلِ الْمُدَّةِ انْتَهَتْ. فَقَوْلُهُ: وَلَوْ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ غَايَةٌ فِي الْجَهْلِ إشَارَةٌ إلَى رَدِّ مَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَكَأَنَّ الشَّارِحَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَهِمَ مِنْهَا غَيْرَ الْمُرَادِ فَتَصَرَّفْ فِيهَا بِمَا تَرَى (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَعَ الْجَهْلِ) صَوَابُهُ فِي حَالَةِ الْعِلْمِ إذْ الْجَهْلُ بِالْإِجَارَةِ لَا يَصِحُّ فِيهِ التَّعْمِيمُ بَعْدَهُ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَلِمَهَا وَظَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْأُجْرَةِ إلَخْ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَلَوْ عَلِمَهَا وَظَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْأُجْرَةِ تَخَيَّرَ عِنْدَ الْغَزَالِيِّ وَرَجَّحَهُ الزَّرْكَشِيُّ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَخْفَى. وَقَالَ الشَّاشِيُّ: لَا يَتَخَيَّرُ فَلَوْ انْفَسَخَتْ إلَخْ، فَآخِرُ الْعِبَارَةِ سَاقِطٌ مِنْ نُسَخِ الشَّارِحِ، إذْ لَا يَصِحُّ جَعْلُ قَوْلِهِ وَلَوْ عَلِمَهَا إلَخْ غَايَةٌ فِيمَا قَبْلَهُ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ عَقِبَ قَوْلِهِ إنْهَاءً لِلْمُشْتَرِي نَصُّهَا: وَلَوْ آجَرَ دَارِهِ مُدَّةً ثُمَّ اسْتَأْجَرَهَا تِلْكَ الْمُدَّةَ ثُمَّ بَاعَهَا فَهَلْ تَدْخُلُ الْمَنْفَعَةُ فِي الْبَيْعِ؟ اخْتَلَفَ فِيهِ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ، وَالْأَوْجَهُ نَعَمْ قِيَاسًا عَلَى مَا قَالَهُ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ إلَخْ. وَأَمَّا مَا فِي الشَّارِحِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ. (قَوْلُهُ: قَبْلَ وُقُوعِ التَّخْيِيرِ) وَظَاهِرٌ أَنَّ مِثْلَهُ بَعْدَهُ إذَا اخْتَارَ الْإِبْقَاءَ بِالْأُجْرَةِ (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ إلَخْ) يُتَأَمَّلُ

(5/329)


الْحُلُولُ الَّذِي سَبَّبَهُ مَوْتُ الْمُسْتَأْجِرِ، لِأَنَّ الْحُلُولَ إنَّمَا يَدُومُ حُكْمُهُ مَا دَامَتْ الْإِجَارَةُ بِحَالِهَا، فَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ وَيَدُ الْمُتَعَدِّي قَائِمَةٌ فَقَدْ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فِي الْجَمِيعِ وَارْتَفَعَ الْحُلُولُ وَيَلْزَمُ الْمُؤَجِّرَ رَدُّ مَا أَخَذَهُ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ عَلَى وَرَثَتِهِ. قَالَ: وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ نَفِيسَةُ لَمْ تَقَعْ لِي قَطُّ وَيَسْتَحِقُّ الْمُؤَجِّرُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ عَلَى الْمُتَعَدِّي وَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ تَعَلُّقٌ بِهِ اهـ.
وَيُؤَيِّدُ مَا مَرَّ فِي الْغَصْبِ وَلَوْ أَجَّرَ بِأُجْرَةٍ مُقَسَّطَةٍ فَكَتَبَ الشُّهُودُ الْأُجْرَةَ إجْمَالًا ثُمَّ قُسِّطَتْ بِمَا لَا يُطَابِقُ الْإِجْمَالَ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الْجَمْعُ تَحَالَفَا لِأَنَّ تَعَارُضَ ذَيْنِك أَوْجَبَ سُقُوطَهُمَا، وَإِنْ أَمْكَنَ كَأَنْ قَالُوا أَرْبَعَ سِنِينَ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ كُلُّ شَهْرٍ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَعَشَرَةُ دَرَاهِمَ حُمِلَ عَلَى تَقْسِيطِ الْمَبْلَغِ عَلَى أَوَّلِ الْمُدَّةِ فَيَفْضُلُ بَعْدَ تِسْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ تُقَسَّطُ عَلَى مَا يَخُصُّهَا مِنْ الشَّهْرِ وَهُوَ يَوْمٌ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ الْعِشْرِينَ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ يَوْمٍ لِأَنَّ حِصَّةَ كُلِّ يَوْمٍ سَبْعَةٌ، وَبِمَعْنَى ذَلِكَ أَفْتَى الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَعَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ مَا يُوَافِقُهُ.