نهاية
المحتاج إلى شرح المنهاج كِتَابُ بَيَانِ مَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ
مِنْ الْأَطْعِمَةِ وَهِيَ جَمْعُ طَعَامٍ وَمَعْرِفَتُهُمَا مِنْ آكَدِ
مُهِمَّاتِ الدِّينِ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فَرْضُ
عَيْنٍ، فَقَدْ وَرَدَ الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ عَلَى أَكْلِ الْحَرَامِ
بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّ لَحْمٍ نَبَتَ
مِنْ حَرَامٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ» وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى
{وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}
[الأعراف: 157] وَقَوْلُهُ {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ
أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 4] أَيْ مَا تَسْتَطِيبُهُ
النَّفْسُ وَتَشْتَهِيهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ الْحَلَالُ
لِأَنَّهُمْ سَأَلُوهُ عَمَّا يَحِلُّ لَهُمْ فَكَيْفَ يَقُولُ أُحِلَّ
لَكُمْ الْحَلَالُ (حَيَوَانُ الْبَحْرِ) وَهُوَ مَا لَا يَعِيشُ إلَّا
فِيهِ، وَإِذَا خَرَجَ مِنْهُ صَارَ عَيْشُهُ عَيْشَ مَذْبُوحٍ أَوْ حَيٍّ
لَكِنَّهُ لَا يَدُومُ (السَّمَكُ مِنْهُ حَلَالٌ كَيْفَ مَاتَ) بِسَبَبٍ
أَمْ غَيْرِهِ طَافِيًا أَمْ رَاسِبًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ
صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة: 96] أَيْ مَصِيدُهُ
وَمَطْعُومُهُ، وَفَسَّرَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ
طَعَامَهُ بِمَا طَفَا عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ، وَصَحَّ خَبَرُ «هُوَ
الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» نَعَمْ إنْ انْتَفَخَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: فِي الْوَلَدِ) أَيْ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (قَوْلُهُ:
وَرُزِقْت بِرَّهُ) وَيَحْصُلُ أَصْلُ السُّنَّةِ بِالدُّعَاءِ بِغَيْرِ
ذَلِكَ لِلْوَالِدِ أَوْ الْوَلَدِ.
كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ
(قَوْلُهُ: مَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ) أَيْ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ
كَإِطْعَامِ الْمُضْطَرِّ (قَوْلُهُ: وَهِيَ جَمْعُ طَعَامٍ) أَيْ
بِمَعْنَى مَطْعُومٍ (قَوْلُهُ: وَمَعْرِفَتُهُمَا) أَيْ مَا يَحِلُّ
وَيَحْرُمُ (قَوْلُهُ مَا تَسْتَطِيبُهُ النَّفْسُ وَتَشْتَهِيهِ) أَيْ
وَلَوْ لَمْ يَرِدْ نَصٌّ بِمَنْعِهِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ إلَخْ)
دَفَعَ بِهِ مَا يَرُدُّ عَلَى تَفْسِيرِ الطَّيِّبِ بِقَوْلِهِ أَيْ مَا
تَسْتَطِيبُهُ بِأَنَّ التَّفْسِيرَ بِمَا ذُكِرَ يُنَافِي مَا جَرَتْ
الْعَادَةُ بِهِ فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّيِّبِ
الْحَلَالُ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَحَلَّ حَمْلِ الطَّيِّبِ عَلَى الْحَلَالِ مَا لَمْ
يَمْنَعْ مِنْهُ مَانِعٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا لَا يَعِيشُ إلَّا فِيهِ)
تَفْسِيرُهُ بِمَا ذُكِرَ يُشْكِلُ عَلَيْهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَعْدُ
وَمَا يَعِيشُ دَائِمًا فِي بَرٍّ وَبَحْرٍ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ أَوْ ظَاهِرٌ
فِي أَنَّهُ مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ بِقَرِينَةِ ذِكْرِهِ قَبْلَ
حَيَوَانِ الْبَرِّ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنْ يُقَدَّرَ هُنَا مِنْهُ
مَا لَا يَعِيشُ إلَخْ، وَهُوَ قِسْمَانِ سَمَكٌ وَغَيْرُهُ وَمِنْهُ مَا
يَعِيشُ فِي بَرٍّ وَبَحْرٍ وَسَيَأْتِي (قَوْلُهُ صَارَ عَيْشُهُ عَيْشَ
مَذْبُوحٍ) أَيْ أَمَّا الْحَيَوَانُ الَّذِي نَشَأَ فِي الْبَحْرِ
وَلَكِنَّهُ يَعِيشُ فِيهِ وَفِي الْبَرِّ، فَإِنْ كَانَ لَهُ نَظِيرٌ فِي
الْبَرِّ يُؤْكَلُ حَلَّ إذَا ذُبِحَ كَنَظِيرِهِ وَإِلَّا حُرِّمَ
كَالضِّفْدَعِ وَنَحْوِهِ.
قِيلَ: وَمِنْ الْأَوَّلِ الْحَيَوَانُ الْمُسَمَّى عِنْدَهُمْ بِفَرَسِ
الْبَحْرِ فَإِنَّ لَهُ نَظِيرًا فِي الْبَرِّ مِنْ الْمَأْكُولَاتِ وَهُوَ
يَعِيشُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، فَإِنْ ذُبِحَ حَلَّ وَإِلَّا فَلَا
وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: أَوْ حَيٌّ) عَطْفٌ عَلَى مَذْبُوحٍ، وَعَلَيْهِ
فَالْمُرَادُ أَوْ حَيٌّ حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً وَإِلَّا فَمَا حَرَكَتُهُ
حَرَكَةَ مَذْبُوحٍ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ حَيٌّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
[كِتَابُ بَيَانِ مَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ]
كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ حَيٍّ لَكِنَّهُ لَا يَدُومُ) هَذَا
يُفِيدُ بِقَرِينَةِ مَا قَبْلَهُ أَنَّهُ لَا تَضِيرُ هُنَا الْحَيَاةُ
الْمُسْتَقِرَّةُ، وَسَيَأْتِي مُحْتَرَزُهُ فِي قَوْلِهِ
(8/150)
الطَّافِي وَأَضَرَّ حَرُمَ، وَيَحِلُّ
أَكْلُ الصَّغِيرِ وَيُتَسَامَحُ بِمَا فِي جَوْفِهِ وَلَا يَتَنَجَّسُ
بِهِ الدُّهْنُ وَيَحِلُّ شَيُّهُ وَقَلْيُهُ وَبَلْعُهُ وَلَوْ حَيًّا،
وَلَوْ وَجَدْنَا سَمَكَةً فِي جَوْفِ أُخْرَى وَلَمْ تَتَقَطَّعْ
وَتَتَغَيَّرْ حَلَّتْ وَإِلَّا فَلَا (وَكَذَا) يَحِلُّ كَيْفَ مَاتَ
(غَيْرُهُ فِي الْأَصَحِّ) مِمَّا لَمْ يَكُنْ عَلَى صُورَةِ السَّمَكِ
الْمَشْهُورِ فَلَا يُنَافِي تَصْحِيحَ الرَّوْضَةِ أَنَّ جَمِيعَ مَا
فِيهِ يُسَمَّى سَمَكًا، وَمِنْهُ الْقِرْشُ وَهُوَ اللَّخَمُ بِفَتْحِ
اللَّامِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَلَا نَظَرَ إلَّا تَقَوِّيهِ
بِنَابِهِ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ وَلَا بَقَاءَ لَهُ فِي غَيْرِ الْبَحْرِ،
بِخِلَافِ التِّمْسَاحِ لِقُوَّتِهِ وَحَيَاتِهِ فِي الْبَرِّ (وَقِيلَ
لَا) يَحِلُّ غَيْرُ السَّمَكِ لِتَخْصِيصِ الْحِلِّ بِهِ فِي خَبَرِ
«أُحِلَّ لَنَا مَيْتَتَانِ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ» وَرُدَّ بِمَا مَرَّ
مِنْ تَسْمِيَةِ كُلِّ مَا فِيهِ سَمَكًا (وَقِيلَ إنْ أُكِلَ مِثْلُهُ فِي
الْبَرِّ) كَالْغَنَمِ (حَلَّ وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُؤْكَلْ مِثْلُهُ
فِيهِ (فَلَا) يَحِلُّ (كَكَلْبٍ وَحِمَارٍ) لِتَنَاوُلِ الِاسْمِ لَهُ
أَيْضًا
(وَمَا يَعِيشُ) دَائِمًا (فِي بَرٍّ وَبَحْرٍ كَضِفْدَعٍ) بِكَسْرِ
أَوَّلِهِ وَفَتْحِهِ وَضَمِّهِ مَعَ كَسْرِ ثَالِثِهِ وَفَتْحِهِ فِي
الْأَوَّلِ وَكَسْرِهِ فِي الثَّانِي وَفَتْحِهِ فِي الثَّالِثِ
(وَسَرَطَانٍ) وَيُسَمَّى عَقْرَبَ الْمَاءِ وَنَسْنَاسٍ (وَحَيَّةٍ)
وَسَائِرِ ذَوَاتِ السُّمُومِ وَسُلَحْفَاةٍ وَتِرْسَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ
قِيلَ هِيَ السُّلَحْفَاةُ، وَقِيلَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
فَرْعٌ اسْتِطْرَادِيٌّ] وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ بِئْرٍ تَغَيَّرَ مَاؤُهَا
وَلَمْ يُعْلَمْ لِتَغَيُّرِهِ سَبَبٌ، ثُمًّ فَتَّشَ فِيهَا فَوَجَدَ
فِيهَا سَمَكَةً مَيِّتَةً فَأُحِيلَ التَّغَيُّرُ عَلَيْهِ فَهَلْ
الْمَاءُ طَاهِرٌ أَوْ مُتَنَجِّسٌ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ الظَّاهِرَ بَلْ
الْمُتَعَيَّنَ الطَّهَارَةُ لِأَنَّ مَيْتَةَ السَّمَكِ طَاهِرَةٌ
وَالْمُتَغَيِّرُ بِالطَّاهِرِ لَا يَتَنَجَّسُ، ثُمَّ إنْ لَمْ يَنْفَصِلْ
مِنْهَا أَجْزَاءٌ تُخَالِطُ الْمَاءَ وَتُغَيِّرُهُ فَهُوَ طَهُورٌ
لِأَنَّ تَغَيُّرَهُ بِمُجَاوِرٍ وَإِلَّا فَهُوَ غَيْرُ طَهُورٍ إنْ
كَثُرَ التَّغَيُّرُ بِحَيْثُ يَمْنَعُ إطْلَاقَ اسْمِ الْمَاءِ عَلَيْهِ
(قَوْلُهُ: حُرِّمَ) أَيْ تَنَاوُلُهُ مِنْ حَيْثُ الضَّرَرِ وَهُوَ بَاقٍ
عَلَى طَهَارَتِهِ (قَوْلُهُ: وَيَحِلُّ أَكْلُ الصَّغِيرِ) وَكَذَا
الْكَبِيرِ إنْ لَمْ يَضُرَّ: أَمَّا قَلْيُ الْكَبِيرِ وَشَيُّهُ قَالَ م
ر: فَمُقْتَضَى تَقْيِيدِهِمْ حَلَّ ذَلِكَ بِالصَّغِيرِ حُرْمَتُهُ،
وَأَقَرَّهُ سم عَلَى مَنْهَجٍ، وَيَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّغِيرِ
مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ عُرْفًا أَنَّهُ صَغِيرٌ فَيَدْخُلُ فِيهِ كِبَارُ
الْبِيسَارِيَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِمِصْرَ وَإِنْ كَانَ قَدْرَ أُصْبُعَيْنِ
مَثَلًا (قَوْلُهُ: وَلَا يَتَنَجَّسُ بِهِ الدُّهْنُ) أَيْ فَهُوَ بَاقٍ
عَلَى طَهَارَتِهِ وَلَيْسَ الدُّهْنُ بِنَجَسٍ مَعْفُوٍّ عَنْهُ
(قَوْلُهُ: وَيَحِلُّ شَيُّهُ وَقَلْيُهُ) قَالَ صَاحِبُ الْعُبَابِ:
يَحْرُمُ قَلْيُ الْجَرَادِ.
وَصَرَّحَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ بِجَوَازِ ذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى
السَّمَكِ اهـ.
وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ الْجَوَازِ لِأَنَّ حَيَاتَهُ مُسْتَقِرَّةٌ
بِخِلَافِ السَّمَكِ فَإِنَّ عَيْشَهُ عَيْشُ مَذْبُوحٍ فَالْتَحَقَ
بِالْمَيِّتِ (قَوْلُهُ: كَالْغَنَمِ) أَيْ مَا هُوَ عَلَى صُورَتِهِ
لَكِنَّهُ إذَا خَرَجَ تَكُونُ بِهِ حَيَاةٌ مُسْتَمِرَّةٌ
(قَوْلُهُ: وَسَرَطَانٍ) .
[فَائِدَةٌ] ذَكَرَ ابْنُ مُطَرِّفٍ أَنَّ السَّرَطَانَ يَتَوَلَّدُ مِنْ
اللَّحْمِ الَّذِي فِي الدَّنِيلَسِ اهـ عَمِيرَةُ.
وَلَيْسَ مِنْ السَّرَطَانِ الْمَذْكُورِ مَا وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهُ،
وَهُوَ أَنَّ بِبِلَادِ الصِّينِ نَوْعًا مِنْ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ
يُسَمُّونَهُ سَرَطَانًا، وَشَأْنُهُ أَنَّهُ مَتَى خَرَجَ مِنْ الْبَحْرِ
انْقَلَبَ حَجَرًا وَجَرَتْ عَادَتُهُمْ بِاسْتِعْمَالِهِ فِي
الْأَدْوِيَةِ، بَلْ هُوَ مِمَّا يُسَمَّى سَمَكًا لِانْطِبَاقِ تَعْرِيفِ
السَّمَكِ السَّابِقِ عَلَيْهِ فَهُوَ طَاهِرٌ يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ
فِي الْأَدْوِيَةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ: وَنَسْنَاسٍ) بِفَتْحِ
الْأَوَّلِ قِيلَ هُوَ ضَرْبٌ مِنْ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ، وَقِيلَ جِنْسٌ
مِنْ الْخَلْقِ يَثْبُتُ أَحَدُهُمْ عَلَى رِجْلٍ وَاحِدَةٍ انْتَهَى
مِصْبَاحٌ.
وَضَبَطَهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ بِكَسْرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
دَائِمًا عَقِبَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَمَا يَعِيشُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ
حَيًّا) شَمَلَ الْحَيَاةَ الْمُسْتَقِرَّةَ عَلَى مَا مَرَّ وَفِيهِ مَا
فِيهِ (قَوْلُهُ: مِمَّا لَمْ يَكُنْ عَلَى صُورَةِ السَّمَكِ
الْمَشْهُورِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ مِمَّا يَشْتَهِرُ بِاسْمِ السَّمَكِ
وَإِنْ كَانَ عَلَى صُورَتِهِ حَتَّى يَتَأَتَّى قَوْلُهُ بَعْدُ وَمِنْهُ
الْقِرْشُ وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى صُورَةِ السَّمَكِ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ) لَعَلَّ الضَّمِيرَ لِلْقِرْشِ نَفْسِهِ،
وَيَكُونُ مَعْنَى ضَعْفِهِ عَدَمُ عَيْشِهِ فِي الْبَرِّ فَيَكُونُ
قَوْلُهُ وَلَا بَقَاءَ لَهُ إلَخْ عَطْفَ تَفْسِيرٍ أَوْ مِنْ عَطْفِ
الْعِلَّةِ عَلَى الْمَعْلُولِ، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ بِضَعْفِ نَابِ
الْقِرْشِ مُخَالِفٌ لِلْمُشَاهَدِ، وَيَدُلُّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ قَوْلُهُ
فِي التِّمْسَاحِ الْآتِي لِقُوَّتِهِ فِي حَيَاتِهِ فِي الْبَرِّ.
(قَوْلُهُ: وَحَيَّةٍ) أَيْ مِنْ حَيَّاتِ الْمَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ
غَيْرُهُ (قَوْلُهُ: وَسُلَحْفَاةٍ) أَيْ بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ
اللَّامِ
(8/151)
اللَّجَاةُ هِيَ السُّلَحْفَاةُ (حَرَامٌ)
لِاسْتِخْبَاثِهِ وَضَرَرِهِ مَعَ صِحَّةِ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ
الضِّفْدَعِ اللَّازِمِ مِنْهُ حُرْمَتُهُ كَذَا فِي الرَّوْضَةِ
كَأَصْلِهَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّ
الصَّحِيحَ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ جَمِيعَ مَا فِي الْبَحْرِ تَحِلُّ
مَيْتَتُهُ إلَّا الضِّفْدَعُ، وَمَا فِيهِ سُمٌّ وَمَا ذَكَرَهُ
الْأَصْحَابُ أَوْ بَعْضُهُمْ مِنْ تَحْرِيمِ السُّلَحْفَاةِ وَالْحَيَّةِ
وَالنَّسْنَاسِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا فِي غَيْرِ الْبَحْرِ اهـ.
وَأَمَّا الدَّنِيلَسُ فَالْمُعْتَمَدُ حِلُّهُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ
الدَّمِيرِيِّ، وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ عَدْلَانِ وَأَئِمَّةُ عَصْرِهِ
وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -
(وَحَيَوَانُ الْبَرِّ يَحِلُّ مِنْهُ الْأَنْعَامُ) بِالْإِجْمَاعِ وَهِيَ
الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ (وَالْخَيْلُ) عَرَبِيَّةً أَوْ
غَيْرَهَا لِصِحَّةِ الْأَخْبَارِ بِحِلِّهَا، وَخَبَرُ النَّهْيِ عَنْ
لُحُومِهَا مُنْكَرٌ، وَبِفَرْضِ صِحَّتِهِ يَكُونُ مَنْسُوخًا
بِإِحْلَالِهَا يَوْمَ خَيْبَرَ، وَلَا دَلَالَةَ فِي قَوْلِهِ
{لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8] عَلَى تَحْرِيمِهَا عَلَى أَنَّ
الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَالْحُمُرُ لَمْ تُحَرَّمْ إلَّا
يَوْمَ خَيْبَرَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - لَمْ يُفْهَمْ مِنْ الْآيَةِ تَحْرِيمُ الْحُمُرِ فَكَذَا
الْخَيْلُ، وَالْمُرَادُ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ، وَيَأْتِي الذَّكَرُ
وَالْأُنْثَى (وَبَقَرُ وَحْشٍ وَحِمَارُهُ) وَإِنْ تَأَنَّسَا
لِأَنَّهُمَا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَكَلَ مِنْ الثَّانِي وَأَمَرَ بِهِ وَقِيسَ بِهِ الْأَوَّلُ
(وَظَبْيٌ) بِالْإِجْمَاعِ (وَضَبُعٌ) بِضَمِّ الْبَاءِ أَكْثَرُ مِنْ
إسْكَانِهَا، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "
الضَّبُعُ صَيْدٌ، فَإِذَا صَادَهُ الْمُحْرِمُ فَفِيهِ جَزَاءُ كَبْشٍ
مُسِنٍّ وَيُؤْكَلُ " وَلِأَنَّ نَابَهُ ضَعِيفٌ لَا يَتَقَوَّى بِهِ
وَخَبَرُ النَّهْيِ عَنْهُ لَمْ يَصِحَّ وَبِفَرْضِ صِحَّتِهِ فَهُوَ
لِلتَّنْزِيهِ، وَمِنْ عَجِيبِ أَمْرِهِ أَنَّهُ سَنَةً ذَكَرٌ وَسَنَةً
أُنْثَى وَيَحِيضُ (وَضَبٌّ) وَهُوَ حَيَوَانٌ لِلذَّكَرِ مِنْهُ ذَكَرَانِ
وَلِلْأُنْثَى فَرْجَانِ، وَلَا تَسْقُطُ أَسْنَانُهُ حَتَّى يَمُوتَ
لِأَنَّهُ أُكِلَ بِحَضْرَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَبَيَّنَ حِلَّهُ وَإِنَّ تَرْكَهُ لَهُ لِعَدَمِ إلْفِهِ (وَأَرْنَبٌ)
لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكَلَ مِنْهُ وَهُوَ
قَصِيرُ الْيَدَيْنِ طَوِيلُ الرِّجْلَيْنِ عَكْسُ الزَّرَافَةِ يَطَأُ
الْأَرْضَ بِمُؤَخِّرِ قَدَمَيْهِ (وَثَعْلَبٌ) بِمُثَلَّثَةِ أَوَّلِهِ،
وَيُسَمَّى أَبَا الْحُصَيْنِ لِأَنَّهُ مِنْ الطَّيِّبَاتِ،
وَالْخَبَرَانِ فِي تَحْرِيمِهِ ضَعِيفَانِ (وَيَرْبُوعٌ) وَهُوَ حَيَوَانٌ
قَصِيرُ الْيَدَيْنِ طَوِيلُ الرِّجْلَيْنِ لَوْنُهُ كَلَوْنِ الْغَزَالِ
لِأَنَّهُ طَيِّبٌ أَيْضًا وَنَابُهُمَا ضَعِيفٌ، وَمِثْلُهُمَا وَبْرٌ
وَأُمُّ حُبَيْنٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
النُّونِ (قَوْلُهُ: حَرَامٌ) أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نَظِيرٌ فِي
الْبَرِّ مَأْكُولٌ وَإِلَّا فَيَحِلُّ إنْ ذُبِحَ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ
مَعَ صِحَّةِ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الضِّفْدَعِ) أَيْ كَبِيرًا كَانَ أَوْ
صَغِيرًا (قَوْلُهُ: مَحْمُولٌ عَلَى مَا فِي غَيْرِ الْبَحْرِ) أَيْ
فَالْحَيَّةُ وَالنَّسْنَاسُ وَالسُّلَحْفَاةُ الْبَحْرِيَّةُ حَلَالٌ،
وَعَلَى أَنَّ السُّلَحْفَاةَ هِيَ التِّرْسَةُ الَّذِي قَدَّمَهُ تَكُونُ
التِّرْسَةُ الْمَعْرُوفَةُ الْآنَ حَلَالًا عَلَى مَا فِي الْمَجْمُوعِ
وَإِنْ كَانَتْ تَعِيشُ فِي الْبَرِّ فَاحْفَظْهُ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الدَّنِيلَسُ فَالْمُعْتَمَدُ حِلُّهُ) أَيْ
وَيَلْزَمُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الْمُطَرِّفِ فِي السَّرَطَانِ
أَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الدَّنِيلَسِ أَنَّهُ حَلَالٌ لِأَنَّ
الْحَيَوَانَ الْمُتَوَلِّدَ مِنْ الطَّاهِرِ طَاهِرٌ، وَتَقَدَّمَ
التَّصْرِيحُ بِحُرْمَةِ السَّرَطَانِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَجْهُ ذَلِكَ،
اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُطَرِّفِ
مَمْنُوعٌ، وَفِي تَصْرِيحِهِمْ بِحِلِّ الدَّنِيلَسِ وَحُرْمَةِ
السَّرَطَانِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَصْلٌ مُسْتَقِلٌّ
وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا مُتَوَلِّدًا مِنْ الْآخَرِ
(قَوْلُهُ: وَحِمَارِهِ وَإِنْ تَأَنَّسَا) أَخْذُ الْحِمَارِ غَايَةً
ظَاهِرٌ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّهُ إذَا تَأَنَّسَ صَارَ أَهْلِيًّا
فَيَحْرُمُ كَسَائِرِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، وَأَمَّا أَخْذُهُ غَايَةً
فِي الْبَقَرِ فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ وَجْهٌ لِأَنَّ الْأَهْلِيَّ مِنْ
الْبَقَرِ حَلَالٌ عِرَابًا كَانَ أَوْ جَوَامِيسَ (قَوْلُهُ: عَكْسُ
الزَّرَافَةِ) بِفَتْحِ الزَّايِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ
وَهِيَ غَيْرُ مَأْكُولَةٍ، قِيلَ لِأَنَّ النَّاقَةَ الْوَحْشِيَّةَ إذَا
وَرَدَتْ الْمَاءَ طَرَقَهَا أَنْوَاعٌ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ بَعْضُهَا
مَأْكُولٌ فَيَتَوَلَّدُ مِنْ ذَلِكَ هَذَا الْحَيَوَانُ، وَمَنْ اشْتَمَلَ
عَلَى أَشْيَاءَ لِحَيَوَانَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فَكَانَ مُتَوَلِّدًا بَيْنَ
مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ فَحَرُمَ تَبَعًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: كَذَا فِي الرَّوْضَةِ) الْإِشَارَةُ لِمَا فِي الْمَتْنِ.
(قَوْلُهُ: وَيُؤْكَلُ) هُوَ مِنْ تَمَامِ الْحَدِيثِ، وَلَعَلَّهُ
فَائِدَةٌ مُجَرَّدَةٌ بَيَّنَ بِهَا حُكْمَهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَإِلَّا
فَصَيْدُ الْمُحْرِمِ حَرَامٌ إلَّا إنْ صَادَهُ حَيًّا وَذُبِحَ، أَوْ
أَنَّ هَذَا هُوَ صُورَةُ مَا فِي الْحَدِيثِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ:
وَمِثْلُهُمَا وَبْرٌ) هُوَ بِإِسْكَانِ الْمُوَحَّدَةِ دُوَيْبَّةٌ
أَصْغَرُ مِنْ الْهِرِّ كَحْلَاءُ الْعَيْنِ لَا ذَنَبَ لَهَا.
(8/152)
بِمُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ فَمُوَحَّدَةٍ
مَفْتُوحَةٍ فَتَحْتِيَّةٌ تُشْبِهُ الضَّبَّ وَهِيَ أُنْثَى الْحَرَابِيّ
وَقُنْفُذٌ (وَفَنَكٌ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالنُّونِ وَهُوَ دُوَيْبَّةٌ
يُؤْخَذُ مِنْ جِلْدِهَا الْفَرْوُ لِلِينِهَا وَخِفَّتِهَا، وَسِنْجَابٌ
وَقَاقِمٌ وَحَوْصَلٌ (وَسَمُّورٌ) بِفَتْحِ السِّينِ وَضَمِّ الْمِيمِ
الْمُشَدَّدَةِ أَعْجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ وَهُوَ حَيَوَانٌ يُشْبِهُ
السِّنَّوْرَ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَسْتَطِيبُهُ وَمَا قَبْلَهُ سَوَاءٌ فِي
ذَلِكَ الْأُنْثَى وَالذَّكَرُ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ طَيْرٌ أَوْ نَبْتٌ
أَوْ مِنْ الْجِنِّ فَقَدْ غَلِطَ، وَيَحِلُّ دُلْدُلٌ وَابْنُ عُرْسٍ
(وَيَحْرُمُ) وَشْقٌ وَ (بَغْلٌ) لِنَهْيِهِ عَنْهُ كَالْحِمَارِ يَوْمَ
خَيْبَرَ وَلِتَوَلُّدِهِ بَيْنَ حَلَالٍ وَحَرَامٍ فَيُغَلَّبُ الْحَرَامُ
سَوَاءٌ كَانَ الْحَرَامُ ذَكَرًا أَمْ أُنْثَى، وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي
كُلِّ مُتَوَلِّدٍ بَيْنَ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ، وَمِنْهُ كَمَا قَالَهُ
بَعْضُهُمْ الزَّرَافَةُ، فَلَوْ تَوَلَّدَ بَيْنَ فَرَسٍ وَحِمَارٍ
وَحْشِيٍّ مَثَلًا حَلَّ بِالِاتِّفَاقِ (وَحِمَارٌ أَهْلِيٍّ) لِمَا
ذُكِرَ (وَكُلُّ ذِي نَابٍ) قَوِيٍّ يَعْدُو بِهِ (مِنْ السِّبَاعِ
وَمِخْلَبٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ: أَيْ ظُفُرٍ (مِنْ الطَّيْرِ) لِلنَّهْيِ
عَنْهُمَا فَالْأَوَّلُ (كَأَسَدٍ) وَفَهْدٍ (وَنَمِرٍ وَذِئْبٍ وَدُبٍّ
وَفِيلٍ وَقِرْدٍ وَ) الثَّانِي نَحْوُ (بَازٍ وَشَاهِينَ وَصَقْرٍ) هُوَ
عَامٌّ بَعْدَ خَاصٍّ لِشُمُولِهِ لِلْبُزَاةِ وَالشَّوَاهِينِ
وَغَيْرِهِمَا مِنْ كُلِّ مَا يَصِيدُ وَهُوَ بِالسِّينِ وَالصَّادِ
وَالزَّايِ (وَنَسْرٍ) وَهُوَ بِفَتْحِ النُّونِ أَشْهَرُ مِنْ ضَمِّهَا
وَكَسْرِهَا (وَعُقَابٍ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَجَمِيعِ جَوَارِحِ الطَّيْرِ،
وَذَهَبَ جَمْعٌ إلَى أَنَّهُ حُرْمَةُ النَّسْرِ لِاسْتِخْبَاثِهِ لَا
لِأَنَّ لَهُ مِخْلَبًا، وَإِنَّمَا لَهُ ظُفُرٌ كَظُفُرِ الدَّجَاجَةِ
(وَكَذَا ابْنُ آوَى) بِالْمَدِّ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَسْتَخْبِثُهُ وَهُوَ
حَيَوَانٌ كَرِيهُ الرِّيحِ فِيهِ شَبَهٌ مِنْ الذِّئْبِ وَالثَّعْلَبِ
وَهُوَ فَوْقَهُ وَدُونَ الْكَلْبِ (وَهِرَّةُ وَحْشٍ فِي الْأَصَحِّ)
لِأَنَّهَا تَعْدُو بِنَابِهَا.
وَالثَّانِي الْحِلُّ لِأَنَّ نَابَ الْأَوَّلِ ضَعِيفٌ وَبِالْقِيَاسِ
عَلَى الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ فِي الثَّانِي، وَفِي وَجْهٍ تَحِلُّ
الْهِرَّةُ الْأَهْلِيَّةُ أَيْضًا، وَيَحْرُمُ النِّمْسُ لِأَنَّهُ
يَفْتَرِسُ الدَّجَاجَ وَأَبُو مِقْرَضٍ عَلَى الْأَصَحِّ (وَيَحْرُمُ مَا
نُدِبَ قَتْلُهُ) إذْ لَوْ جَازَ أَكْلُهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِقَتْلِهِ
(كَحَيَّةٍ وَعَقْرَبٍ وَغُرَابٍ أَبْقَعَ) أَيْ فِيهِ بَيَاضٌ وَسَوَادٌ
(وَحِدَأَةٍ) بِوَزْنِ عِنَبَةٍ (وَفَأْرَةٍ وَكُلِّ) بِالْجَرِّ (سَبُعٍ)
بِضَمِّ الْبَاءِ (ضَارٍ) بِالتَّخْفِيفِ: أَيْ عَادٍ لِخَبَرِ
الشَّيْخَيْنِ «خَمْسٌ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ: الْفَأْرَةُ
وَالْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» وَفِي
رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «الْغُرَابُ الْأَبْقَعُ وَالْحَيَّةُ بَدَلُ
الْعَقْرَبِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ ذَكَرَ
السَّبُعَ الْعَادِيَ مَعَ الْخَمْسِ، وَمَرَّ أَنَّ الرَّاجِحَ عَدَمُ
جَوَازِ قَتْلِ بَهِيمَةٍ وَطِئَهَا آدَمِيٌّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ
بِقَتْلِهَا عَلَى الْقَوْلِ بِهِ لِعَارِضٍ فَلَا يُنَافِي حِلَّهَا
كَحَيَوَانٍ مَأْكُولٍ حَلَّ قَتْلُهُ لِصِيَالِهِ، وَتَقْيِيدُهُ
الْغُرَابَ بِالْأَبْقَعِ لِوُرُودِهِ فِي الْخَبَرِ وَلِكَوْنِهِ
مُتَّفَقًا عَلَى تَحْرِيمِهِ وَإِلَّا فَالْأَسْوَدُ وَهُوَ الْغُدَافُ
الْكَبِيرُ، وَيُسَمَّى الْجَبَلِيَّ لِأَنَّهُ لَا يَسْكُنُ إلَّا
الْجِبَالَ حَرَامٌ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَكَذَا الْعَقْعَقُ، وَهُوَ
ذُو لَوْنَيْنِ أَبْيَضَ وَأَسْوَدَ طَوِيلُ الذَّنَبِ قَصِيرُ الْجَنَاحِ
صَوْتُهُ الْعَقْعَقَةُ، وَخَرَجَ بِضَارٍ نَحْوُ ثَعْلَبٍ وَضَبُعٍ
لِضَعْفِ نَابِهِ كَمَا مَرَّ (وَكَذَا رَخَمَةٌ) لِلنَّهْيِ عَنْهَا
وَلِخُبْثِهَا (وَبُغَاثَةٌ) بِتَثْلِيثِ الْمُوَحَّدَةِ،
وَبِالْمُعْجَمَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ طَائِرٌ أَبْيَضُ، وَيُقَالُ أَغْبَرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
لِغَيْرِ الْمَأْكُولِ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ مِنْ الْحُرْمَةِ فِي كَلَامِ
الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: وَقُنْفُذٌ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ انْتَهَى
دَمِيرِيٌّ، وَبِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِهَا انْتَهَى مُخْتَارٌ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ بِضَمِّ الْفَاءِ وَتُفْتَحُ لِلتَّخْفِيفِ (قَوْلُهُ:
سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْأُنْثَى وَالذَّكَرِ) هَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ
السَّابِقِ، وَالْمُرَادُ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ وَيَأْتِي الذَّكَرُ
وَالْأُنْثَى
(قَوْلُهُ: حَلَّ بِالِاتِّفَاقِ) أَيْ لِأَنَّهُمَا مَأْكُولَانِ
(قَوْلُهُ: وَهُوَ فَوْقَهُ) أَيْ فَوْقَ الثَّعْلَبِ (قَوْلُهُ:
وَيَحْرُمُ النِّمْسُ) وَهُوَ دُوَيْبَّةٌ نَحْوُ الْهِرَّةِ تَأْوِي
الْبَسَاتِينَ غَالِبًا.
قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: وَيُقَالُ لَهَا الدَّلَقُ، وَقَالَ الْفَارَابِيُّ:
دُوَيْبَّةٌ تَقْتُلُ الثُّعْبَانَ، وَالْجَمْعُ نُمُوسٌ مِثْلُ حِمْلٍ
وَحُمُولٍ انْتَهَى مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ: وَفَأْرَةٍ) بِالْهَمْزِ انْتَهَى
مَحَلِّيٌّ (قَوْلُهُ وَالتِّرْمِذِيُّ ذَكَرَ السَّبُعَ) لَعَلَّهُ مَعَ
الرِّوَايَةِ الْأُولَى (قَوْلُهُ: لِعَارِضٍ) أَيْ وَهُوَ السَّتْرُ عَلَى
الْفَاعِلِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْغُدَافُ) هُوَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ
انْتَهَى دَمِيرِيٌّ (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْعَقْعَقُ) أَيْ يَحْرُمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَابْنُ مُقْرِضٍ) هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ
وَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَهُوَ الدَّلَقُ بِفَتْحِ اللَّامِ
(قَوْلُهُ: وَبُغَاثَةٌ) هِيَ غَيْرُ الْجُورِيَّةِ الْمُسَمَّاةُ
بِالنَّوْرَسَةِ وَقَدْ أَفْتَى بِحِلِّهَا وَالِدُ الشَّارِحِ.
(8/153)
دُونَ الرَّخَمَةِ بَطِيءُ الطَّيَرَانِ
لِخُبْثِهَا أَيْضًا (وَالْأَصَحُّ حِلُّ غُرَابِ زَرْعٍ) وَهُوَ أَسْوَدُ
صَغِيرٌ يُقَالُ لَهُ الزَّاغُ، وَقَدْ يَكُونُ مُحْمَرُّ الْمِنْقَارِ
وَالرِّجْلَيْنِ لِأَنَّهُ مُسْتَطَابٌ. وَالثَّانِي أَنَّهُ حَرَامٌ
لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْغِرْبَانِ.
وَأَمَّا الْغُدَافُ الصَّغِيرُ وَهُوَ أَسْوَدُ أَوْ رَمَادِيُّ اللَّوْنِ
فَمُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ حِلُّهُ، وَبِهِ صَرَّحَ جَمْعٌ
مِنْهُمْ الرُّويَانِيُّ. وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ يَأْكُلُ الزَّرْعَ وَهُوَ
الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ صَحَّحَ فِي الرَّوْضَةِ تَحْرِيمَهُ (وَيَحْرُمُ
بَبَّغَا) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَتَيْنِ وَتَشْدِيدِ الثَّانِيَةِ،
وَبِالْمُعْجَمَةِ وَبِالْقَصْرِ الطَّائِرُ الْمَعْرُوفُ بِالدُّرَّةِ
بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ، وَلَوْنُهَا مُخْتَلِفٌ وَالْغَالِبُ أَنَّهُ
أَخْضَرُ (وَطَاوُوسٌ) لِخُبْثِ غِذَائِهِمَا
(وَيَحِلُّ نَعَامَةٌ) بِالْإِجْمَاعِ (وَكُرْكِيٌّ) وَكَذَا الْحُبَارَى
وَالشَّقِرَّاقُ (وَبَطٌّ) قَالَ الدَّمِيرِيِّ: هُوَ الْإِوَزُّ الَّذِي
لَا يَطِيرُ (وَإِوَزٌّ) بِكَسْرٍ فَفَتْحٍ وَقَدْ تُحْذَفُ هَمْزَتُهُ
لَكِنْ فَسَّرَ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ الْإِوَزَّ بِالْبَطِّ.
وَيَحِلُّ سَائِرُ طُيُورِ الْمَاءِ إلَّا اللَّقْلَقَ (وَدَجَاجٌ)
بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَفْصَحُ مِنْ ضَمِّهِ وَكَسْرِهِ لِطِيبِهَا
(وَحَمَامٌ، وَهُوَ كُلُّ مَا عَبَّ) أَيْ شَرِبَ الْمَاءَ بِلَا تَنَفُّسٍ
وَمَصٍّ.
وَفِي الْقَامُوسِ: الْعَبُّ شُرْبُ الْمَاءِ أَوْ الْجَرْعُ أَوْ
تَتَابُعُهُ (وَهَدَرَ) أَيْ صَوَّتَ، وَهُوَ تَرْجِيعُ الصَّوْتِ
وَمُوَاصَلَتُهُ مِنْ غَيْرِ تَقْطِيعٍ لَهُ وَذِكْرُهُ تَأْكِيدٌ وَإِلَّا
فَهُوَ لَازِمٌ لِلْأَوَّلِ. وَمِنْ ثَمَّ اقْتَصَرَ فِي الرَّوْضَةِ فِي
مَوْضِعٍ عَلَى عَبَّ، وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ فِي دَعْوَى مُلَازَمَتِهِمَا
وَدَخَلَ فِي كَلَامِهِ الْقُمْرِيُّ وَالدُّبْسِيُّ وَالْيَمَامُ
وَالْفَوَاخِتُ وَالْقَطَا وَالْحَجْلُ وَهُوَ عَلَى قَدْرِ الْحَمَامِ
كَالْقَطَا أَحْمَرُ الْمِنْقَارِ وَالرِّجْلَيْنِ، وَيُسَمَّى دَجَاجَ
الْبَرِّ (وَمَا عَلَى شَكْلِ عُصْفُورٍ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَفْصَحُ مِنْ
فَتْحِهِ (وَإِنْ اخْتَلَفَ لَوْنُهُ وَنَوْعُهُ كَعَنْدَلِيبِ) وَهُوَ
الْهَزَارُ (وَصَعْوَةٍ) بِفَتْحِ الصَّادِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ
الْمُهْمَلَتَيْنِ، وَهُوَ عُصْفُورٌ أَحْمَرُ الرَّأْسِ (وَزُرْزُورٍ)
بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَنُغَرٍ وَبُلْبُلٍ وَكَذَا الْحُمَّرَةُ لِأَنَّهَا
مِنْ الطَّيِّبَاتِ (لَا خُطَّافٍ) بِضَمِّ الْخَاءِ وَتَشْدِيدِ الطَّاءِ
الْمُسَمَّى الْآنَ بِعُصْفُورِ الْجَنَّةِ لِلنَّهْيِ عَنْ قَتْلِهِ فِي
مُرْسَلٍ اعْتَضَدَ بِقَوْلِ صَحَابِيٍّ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْخُفَّاشِ
عِنْدَ اللُّغَوِيِّينَ وَهُوَ طَائِرٌ صَغِيرٌ لَا رِيشَ لَهُ. يُشْبِهُ
الْفَأْرَ يَطِيرُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فَقَدْ جَزَمَا
بِتَحْرِيمِهِ هُنَا.
وَلَا يُنَافِيهِ جَزْمُهُمَا بِلُزُومِ الْقِيمَةِ فِيهِ بِقَتْلِ
الْمُحْرِمِ لَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ حِلَّ أَكْلِهِ وَيُمْنَعُ
بِأَنَّهُ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ أَكْلِهِ، إذْ
الْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ حَرَامٌ مَعَ وُجُوبِ
الْجَزَاءِ فِيهِ فَلَعَلَّ الْخُفَّاشَ عِنْدَهُمَا مِنْ هَذَا (وَنَمْلٍ
وَنَحْلٍ) لِصِحَّةِ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِهِمَا، وَحَمَلُوهُ عَلَى
النَّمْلِ السُّلَيْمَانِيِّ، وَهُوَ الْكَبِيرُ لِانْتِفَاءِ أَذَاهُ،
بِخِلَافِ الصَّغِيرِ فَيَحِلُّ قَتْلُهُ لِكَوْنِهِ مُؤْذِيًا، بَلْ
وَحَرْقُهُ إنْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِدَفْعِهِ كَالْقَمْلِ (وَذُبَابٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَهُوَ أَسْوَدُ صَغِيرٌ) أَيْ فَلَوْ شَكَّ فِي شَيْءٍ هَلْ
هُوَ مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَيَنْبَغِي الْحُرْمَةُ
احْتِيَاطًا
(قَوْلُهُ: وَيَحِلُّ سَائِرُ طُيُورِ الْمَاءِ) وَهِيَ الطُّيُورُ الَّتِي
تَأْلَفُ الْمَاءَ غَالِبًا وَلَا تَغْرَقُ فِيهِ (قَوْلُهُ: إلَّا
اللَّقْلَقَ) اللَّقْلَاقُ بِالْفَتْحِ الصَّوْتُ وَاللَّقْلَاقُ طَائِرٌ
نَحْوُ الْإِوَزَّةِ طَوِيلُ الْعُنُقِ يَأْكُلُ الْحَيَّاتِ وَاللَّقْلَقُ
مَقْصُورٌ مِنْهُ انْتَهَى مِصْبَاحٌ.
قَالَ الشَّامِيُّ فِي سِيرَتِهِ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ فِيمَا أَكَلَهُ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْحَيَوَانَاتِ: رَوَى
الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْكُلُ لَحْمَ دَجَاجٍ» .
وَرَوَيَا عَنْ «أَبِي بَكْرٍ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْكُلُ لَحْمَ دَجَاجٍ» وَرَوَى أَبُو
الْحَسَنِ بْنُ الضَّحَّاكِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ
لَحْمَ دَجَاجٍ حَبَسَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» (قَوْلُهُ: إنْ تَعَيَّنَ
طَرِيقًا لِدَفْعِهِ) أَيْ بِأَنْ شَقَّ عَدَمُ الصَّبْرِ عَلَى أَذَاهُ
قَبْلَ قَتْلِهِ وَتَعَذَّرَ قَتْلُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ الشِّقِرَّاقُ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِهَا مَعَ كَسْرِ
الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَبِكَسْرِهَا مَعَ إسْكَانِ الْقَافِ
وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَيُقَالُ لَهَا الشِّرِقْرَاقُ، وَهُوَ طَائِرٌ
أَخْضَرُ مُلَوَّنٌ عَلَى قَدْرِ الْحَمَامِ (قَوْلُهُ: الْهَزَارُ) هُوَ
بِفَتْحِ الْهَاءِ (قَوْلُهُ: وَنُغَرٌ) بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ
الْمُعْجَمَةِ عُصْفُورٌ صَغِيرٌ أَحْمَرُ الْأَنْفِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا
الْحُمْرَةُ) هِيَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ كَمَا مَرَّ فِي
الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ إلَخْ)
هُوَ وَجْهُ الْمُنَافَاةِ الْمَنْفِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَيُمْنَعُ
بِأَنَّهُ) الْوَجْهُ حَذْفُ قَوْلِهِ وَيُمْنَعُ وَإِبْدَالُ الْبَاءِ
لَامًا (قَوْلُهُ: إذْ الْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ مَأْكُولٍ إلَخْ) يُتَأَمَّلُ
فِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ (قَوْلُهُ وَحَمَلُوهُ عَلَى النَّمْلِ
السُّلَيْمَانِيِّ)
(8/154)
بِضَمِّ أَوَّلِهِ (وَحَشَرَاتٍ) وَهِيَ
صِغَارُ دَوَابِّ الْأَرْضِ (كَخُنْفُسَاء) بِضَمِّ أَوَّلِهِ فَتْحِ
ثَالِثِهِ أَشْهَرُ مِنْ ضَمِّهِ وَبِالْمَدِّ، وَحُكِيَ ضَمُّ ثَالِثِهِ
مَعَ الْقَصْرِ لِخُبْثِ لَحْمِ الْجَمِيعِ (وَدُودٍ) مُنْفَرِدٍ عَلَى مَا
مَرَّ فِي الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ وَوَزَغٍ بِأَنْوَاعِهَا وَذَاتِ
سُمُومٍ وَإِبَرٍ وَصَرَارَةٍ لِاسْتِخْبَاثِهَا، نَعَمْ يَحِلُّ مِنْهَا
نَحْوُ يَرْبُوعٍ وَوَبْرٍ وَأُمِّ حُبَيْنٍ كَمَا مَرَّ، وَاسْتِدْلَالُ
الرَّافِعِيِّ عَلَى تَحْرِيمِ الْوَزَغِ بِالنَّهْيِ عَنْ قَتْلِهَا
سَبْقُ قَلَمٍ، فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ «أَنَّ مَنْ قَتَلَهَا فِي أَوَّلِ
ضَرْبَةٍ كُتِبَ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ دُونَ ذَلِكَ،
وَفِي الثَّالِثَةِ دُونَ ذَلِكَ» وَفِيهِ حَضٌّ وَأَيُّ حَضٍّ عَلَى
قَتْلِهَا.
قِيلَ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَنْفُخُ النَّارَ عَلَى إبْرَاهِيمَ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَكَذَا) يَحْرُمُ كُلُّ (مَا تَوَلَّدَ)
يَقِينًا (مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ) كَسِمْعٍ بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ
لِتَوَلُّدِهِ بَيْنَ ذِئْبٍ وَضَبُعٍ، وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا يَقِينًا مَا
لَوْ نَتَجَتْ شَاةٌ كَلْبَةً فَإِنَّهَا تَحِلُّ كَمَا قَالَهُ
الْبَغَوِيّ كَالْقَاضِي لِأَنَّهُ قَدْ تَقَعُ الْخِلْقَةُ عَلَى خِلَافِ
صُورَةِ الْأَصْلِ وَإِنْ كَانَ الْوَرَعُ تَرْكَهَا، وَذَهَبَ جَمْعٌ إلَى
أَنَّهُ إنْ كَانَ أَشْبَهَ بِالْحَلَالِ خِلْقَةً حَلَّ وَإِلَّا فَلَا،
وَيَجُوزُ شُرْبُ لَبَنِ فَرَسٍ وَلَدَتْ بَغْلًا وَشَاةٍ كَلْبًا
لِأَنَّهُ مِنْهَا لَا مِنْ الْفَحْلِ، وَلَوْ مُسِخَ حَيَوَانٌ يَحِلُّ
إلَى مَا لَا يَحِلُّ أَوْ عَكْسُهُ فَهَلْ يُعْتَبَرُ مَا قَبْلَ
الْمَسْخِ عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ عَمَلًا بِالْأَصْلِ أَوْ مَا
تَحَوَّلَ إلَيْهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي فَتْحِ الْبَارِي عَنْ
الطَّحَاوِيِّ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ.
وَالْأَوْجَهُ اعْتِبَارُ الْمَمْسُوخِ إلَيْهِ إنْ بُدِّلَتْ ذَاتُهُ
بِذَاتٍ أُخْرَى وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ تُبَدَّلْ إلَّا صِفَتُهُ فَقَطْ
اُعْتُبِرَ مَا قَبْلَ الْمَسْخِ، وَالْأَقْرَبُ اعْتِبَارُ الْأَصْلِ فِي
الْآدَمِيِّ الْمَمْسُوخِ مُطْلَقًا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْخَبَرُ
الصَّحِيحُ، وَلَوْ قُدِّمَ لِوَلِيٍّ مَالٌ مَغْصُوبٌ فَقُلِبَ كَرَامَةً
لَهُ دَمًا ثُمَّ أُعِيدَ إلَى صِفَتِهِ أَوْ صِفَةٍ غَيْرِ صِفَتِهِ
فَالْمُتَّجَهُ عَدَمُ حِلِّهِ لِأَنَّهُ بِعَوْدِهِ إلَى الْمَالِيَّةِ
عَادَ مِلْكُ مَالِكِهِ فِيهِ كَمَا قَالُوهُ فِي جِلْدِ مَيْتَةٍ دُبِغَ،
وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَلِيِّ بِقَلْبِهِ إلَى الدَّمِ كَمَا لَا ضَمَانَ
عَلَيْهِ إذَا قُتِلَ بِحَالِهِ (وَمَا لَا نَصَّ فِيهِ) مِنْ كِتَابٍ
وَلَا سُنَّةٍ خَاصٍّ وَلَا عَامٍّ بِتَحْلِيلٍ أَوْ تَحْرِيمٍ وَلَا بِمَا
يَدُلُّ عَلَى أَحَدِهِمَا كَالْأَمْرِ بِقَتْلِهِ أَوْ النَّهْيِ عَنْهُ
(إنْ اسْتَطَابَهُ أَهْلُ يَسَارٍ وَطِبَاعٍ سَلِيمَةٍ مِنْ الْعَرَبِ)
السَّاكِنِينَ فِي الْبِلَادِ وَالْقُرَى دُونَ أَهْلِ الْبَوَادِي
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ مَا دَبَّ وَدَرَجَ (فِي حَالِ رَفَاهِيَةٍ حَلَّ)
سَوَاءٌ مَا بِبِلَادِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ فِيمَا يَظْهَرُ (وَإِنْ
اسْتَخْبَثُوهُ فَلَا) يَحِلُّ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَنَاطَ الْحِلَّ
بِالطَّيِّبِ وَالْحُرْمَةَ بِالْخَبِيثِ، وَمُحَالٌ عَادَةً اجْتِمَاعُ
الْعَالَمِ عَلَى ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ طَبَائِعِهِمْ فَتَعَيَّنَ أَنَّ
الْمُرَادَ بَعْضُهُمْ، وَالْعَرَبُ أَوْلَى لِأَنَّهُمْ الْأَفْضَلُ
الْأَعْدَلُ طِبَاعًا وَالْأَكْمَلُ عُقُولًا، وَمِنْ ثَمَّ أُرْسِلَ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمْ وَنَزَلَ الْقُرْآنُ
بِلُغَتِهِمْ وَكَلَامِ أَهْلِ الْجَنَّةِ بِهَا كَمَا فِي حَدِيثٍ، وَفِي
آخَرَ «مَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا كَانَتْ تَنْفُخُ النَّارَ) أَيْ لِأَنَّ أَصْلَهَا
الَّذِي تَوَلَّدَتْ مِنْهُ كَانَ يَنْفُخُ إلَخْ فَثَبَتَتْ الْخِسَّةُ
لِهَذَا الْجِنْسِ إكْرَامًا لِإِبْرَاهِيمَ (قَوْلُهُ: مَا لَوْ نَزَا
كَلْبٌ عَلَى شَاةٍ) وَفِي نُسْخَةٍ مَا لَوْ نَتَجَتْ شَاةٌ كَلْبَةً
فَإِنَّهَا تَحِلُّ إلَخْ وَفِي حَجّ مَا يُوَافِقُ هَذِهِ النُّسْخَةَ
وَهِيَ الْأَقْرَبُ بَلْ الصَّوَابُ فَإِنَّهُ حَيْثُ عَلِمْنَا
بِنَزَوَانِ الْكَلْبِ ثُمَّ أَتَتْ بِحَيَوَانٍ حُكِمَ بِتَوَلُّدِهِ
مِنْهُمَا فَيَحْرُمُ، وَكَتَبَ أَيْضًا لَطَفَ اللَّهُ بِهِ قَوْلَهُ مَا
لَوْ نَزَا كَلْبٌ: أَيْ وَلَمْ نَعْلَمْ بِنَزَوَانِ الْكَلْبِ عَلَيْهَا
أَوْ عُلِمَ لَكِنْ فِي وَقْتٍ يُعْلَمُ مِنْهُ عَادَةً أَنَّ مَا وَلَدْته
لَيْسَ مِنْهُ (قَوْلُهُ: اُعْتُبِرَ مَا قَبْلَ الْمَسْخِ) أَيْ لَكِنْ
يَبْقَى النَّظَرُ فِي مَعْرِفَةِ مَا تَحَوَّلَ إلَيْهِ أَهُوَ الذَّاتُ
أَمْ الصِّفَةُ، فَإِنْ وُجِدَ مَا يُعْلَمُ بِهِ أَحَدُهُمَا فَظَاهِرٌ
وَإِلَّا فَيَنْبَغِي اعْتِبَارُ أَصْلِهِ لِأَنَّا لَمْ نَتَحَقَّقْ
تَبَدُّلَ الذَّاتِ فَنَحْكُمُ بِبَقَائِهَا وَأَنَّ الْمُتَحَوِّلَ هُوَ
الصِّفَةُ وَقَدْ عُهِدَ تَحَوُّلُ الصِّفَةِ فِي انْخِلَاعِ الْوَلِيِّ
إلَى صُوَرٍ كَثِيرَةٍ وَعُهِدَ رُؤْيَةُ الْجِنِّ وَالْمَلَكِ عَلَى
غَيْرِ صُورَتِهِمَا الْأَصْلِيَّةِ مَعَ الْقَطْعِ بِأَنَّ ذَاتَهُمَا
لَمْ تَتَحَوَّلْ وَإِنَّمَا تَحَوَّلَتْ الصِّفَةُ (قَوْلُهُ: فَبِحُبِّي
أَحَبَّهُمْ) أَيْ بِحُبِّهِ لِي فَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى
مَفْعُولِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
يُقَالُ عَلَيْهِ فَيَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ لِحُرْمَةِ أَكْلِ الصَّغِيرِ
(قَوْلُهُ وَإِبَرٌ) هُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ (قَوْلُهُ: فَالْمُتَّجَهُ
عَدَمُ حِلِّهِ) أَيْ لِغَيْرِ مَالِكِهِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ
السَّاكِنِينَ فِي الْبِلَادِ وَالْقُرَى) لَعَلَّهُ صِفَةٌ كَاشِفَةٌ
بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ، كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ إلَخْ
يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ صِفَةً كَاشِفَةً أَيْضًا لِمَا قَبْلَهُ
فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ مَا بِبِلَادِ الْعَرَبِ إلَخْ) أَيْ
فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْعَرَبِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، أَيْ خِلَافًا
لِمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُ إلَيْهِمْ فِيمَا بِبِلَادِ
الْعَجَمِ
(8/155)
فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ» لَكِنْ يُرْجَعُ
فِي كُلِّ عَصْرٍ إلَى أَكْمَلِ الْمَوْجُودِينَ فِيهِ وَهُمْ مَنْ
جَمَعُوا مَا ذُكِرَ كَمَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِي
أَمْرٍ مَجْهُولٍ.
أَمَّا مَا سَبَقَ فِيهِ كَلَامُ الْعَرَبِ قَبْلَهُمْ فَقَدْ صَارَ
مَعْلُومَ الْحُكْمِ فَلَا يُلْتَفَتُ لِكَلَامِهِمْ فِيهِ، وَمَا بَحَثَهُ
الزَّرْكَشِيُّ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِخَبَرِ عَدْلَيْنِ مِنْهُمْ وَأَنَّهُ
لَوْ خَالَفَهُمَا آخَرَانِ أُخِذَ بِالْحَظْرِ لِأَنَّهُ الْأَحْوَطُ
مَفْرُوضٌ فِي هَذَا التَّصْوِيرِ بِخُصُوصِهِ، وَإِلَّا فَقَدْ صَرَّحُوا
بِأَنَّهُ لَوْ اسْتَطَابَهُ الْبَعْضُ وَاسْتَخْبَثَهُ الْبَعْضُ أُخِذَ
بِالْأَكْثَرِ، فَإِنْ اسْتَوَوْا رُجِّحَ قُرَيْشٌ لِأَنَّهُمْ أَكْمَلُ
الْعَرَبِ عَمَلًا وَفُتُوَّةً، فَإِنْ اخْتَلَفَ الْقُرَشِيُّونَ وَلَا
مُرَجِّحَ أَوْ شَكُّوا أَوْ سَكَتُوا أَوْ لَمْ يُوجِدُوا هُمْ وَلَا
غَيْرُهُمْ مِنْ الْعَرَبِ أُلْحِقَ بِالْحَيَوَانِ الْأَكْثَرِ بِهِ
شَبَهًا، فَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِمَّا ذُكِرَ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِمْ
لِانْتِفَاءِ الثِّقَةِ بِقَوْلِهِمْ حِينَئِذٍ (وَإِنْ جُهِلَ اسْمُ
حَيَوَانٍ سُئِلُوا) عَنْهُ (وَعُمِلَ بِتَسْمِيَتِهِمْ) حِلًّا وَحُرْمَةً
(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ اسْمٌ عِنْدَهُمْ اُعْتُبِرَ بِالْأَشْبَهِ بِهِ)
مِنْ الْحَيَوَانِ صُورَةً أَوْ طَبْعًا مِنْ عَدُوٍّ أَوْ ضِدِّهِ أَوْ
طَعْمًا، وَالْمُتَّجَهُ تَقْدِيمُ الطَّبْعِ لِقُوَّةِ دَلَالَةِ
الْأَخْلَاقِ عَلَى الْمَعَانِي الْكَامِنَةِ فِي النَّفْسِ فَالطَّعْمُ
فَالصُّورَةُ، فَإِنْ اسْتَوَى الشَّبَهَانِ أَوْ لَمْ نَجِدْ لَهُ شَبَهًا
حَلَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ
مُحَرَّمًا} [الأنعام: 145] الْآيَةَ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا مَرَّ
عَنْ الزَّرْكَشِيّ مِنْ الْحُرْمَةِ لِأَنَّ التَّعَارُضَ فِي
الْأَخْبَارِ ثَمَّ أَقْوَى مِنْهُ هُنَا
(وَإِذَا ظَهَرَ تَغَيُّرُ لَحْمِ جَلَّالَةٍ) مِنْ طَعْمٍ أَوْ لَوْنٍ
أَوْ رِيحٍ، وَمَنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَخِيرِ أَرَادَ الْغَالِبَ وَهِيَ
آكِلَةُ الْجَلَّةِ بِفَتْحِ الْجِيمِ: أَيْ النَّجَاسَةِ كَالْعَذِرَةِ
(حَرُمَ) كَسَائِرِ أَجْزَائِهَا وَمَا تُولَدُ مِنْهَا كَبَيْضِهَا
وَلَبَنِهَا.
وَيُكْرَهُ إطْعَامُ شَاةٍ مَأْكُولَةٍ نَجَسًا (وَقِيلَ يُكْرَهُ)
الْجَلَّالَةُ (قُلْت: الْأَصَحُّ يُكْرَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ
النَّهْيَ لِتَغَيُّرِ اللَّحْمِ فَلَا يَقْتَضِي تَحْرِيمَهَا كَمَا لَوْ
نَتُنَ اللَّحْمُ الْمُذَكَّاةُ أَوْ بَيْضُهَا، وَيُكْرَهُ رَكُوبُهَا
مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ تَعَدَّى
الْحُكْمُ إلَى شَعْرِهَا وَصُوفِهَا الْمُنْفَصِلِ فِي حَيَاتِهَا.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالظَّاهِرُ إلْحَاقُ وَلَدِهَا بِهَا إذَا
ذُكِّيَتْ وَوُجِدَ فِي بَطْنِهَا مَيْتًا وَوُجِدَتْ الرَّائِحَةُ فِيهِ،
وَمِثْلُهَا سَخْلَةٌ رُبِّيَتْ بِلَبَنِ كَلْبَةٍ إذَا تَغَيَّرَ
لَحْمُهَا لَا زَرْعَ وَثَمَرَ سُقِيَ أَوْ رُبِّيَ بِنَجَسٍ، بَلْ يَحِلُّ
اتِّفَاقًا وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ.
نَعَمْ إنْ ظَهَرَ نَحْوُ رِيحِ النَّجَاسَةِ فِيهِ اتَّجَهَتْ
الْكَرَاهَةُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ أَصَابَهُ مِنْهُ نَجَسٌ يَطْهُرُ
بِغَسْلِهِ (فَإِنْ عُلِفَتْ طَاهِرًا) أَوْ نَجَسًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِي أَمْرٍ مَجْهُولٍ) أَيْ أَمْرِ حَيَوَانٍ
مَجْهُولٍ (قَوْلُهُ: أُخِذَ بِالْحَظْرِ) أَيْ الْحُرْمَةِ (قَوْلُهُ:
أَوْ لَمْ يُوجَدُوا) أَيْ فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ طَلَبُ الْمَاءِ مِنْهُ
فِيمَا يَظْهَرُ (قَوْلُهُ: مِنْ عَدْوٍ) وَفِي نُسْخَةٍ مِنْ غَدْرٍ
(قَوْلُهُ: لَحْمُ جَلَّالَةٍ) وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَيُقَالُ لَهَا
الْجَلَّالَةُ (قَوْلُهُ وَهِيَ آكِلَةُ الْجَلَّةِ) هِيَ مُثَلَّثَةُ
الْجِيمِ انْتَهَى قَامُوسٌ (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ إطْعَامُ شَاةٍ
مَأْكُولَةٍ نَجَسًا) الْمُتَبَادَرُ مِنْ النَّجَسِ نَجِسُ الْعَيْنِ.
وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إطْعَامُهَا الْمُتَنَجِّسَ (قَوْلُهُ
كَمَا لَوْ نَتُنَ) بَابُهُ سَهُلَ وَظَرُفَ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ
(قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ رَكُوبُهَا مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ
لَمْ تَعْرَقْ (قَوْلُهُ: وَوُجِدَتْ الرَّائِحَةُ فِيهِ) قَضِيَّةُ
التَّقْيِيدِ بِمَا ذُكِرَ انْتِفَاءُ كَرَاهَةِ الْجَنِينِ إذَا لَمْ
يُوجَدْ فِيهِ تَغَيُّرٌ، وَمُقْتَضَى كَوْنِهِ مِنْ أَجْزَائِهَا أَنَّهُ
لَا فَرْقَ بَيْنَ وُجُودِهِ مُتَغَيِّرًا وَعَدَمِهِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ وَهُمْ) أَيْ الْأَكْمَلُ (قَوْلُهُ: كَمَا بَحَثَهُ
الرَّافِعِيُّ) أَيْ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَّا
لِمَنْ كَانَ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: أَوْ لَمْ يُوجَدُوا
هُمْ وَلَا غَيْرُهُمْ) سَكَتَ عَمَّا إذَا فُقِدُوا وَوُجِدَ غَيْرُهُمْ
(قَوْلُهُ: فَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِمَّا ذَكَرَ) أَيْ فِي الْمَتْنِ
(قَوْلُهُ: حِلًّا وَحُرْمَةً) تَمْيِيزَانِ لِعَمَلٍ لَا لِتَسْمِيَتِهِمْ
كَمَا لَا يَخْفَى.
(قَوْلُهُ: كَسَائِرِ أَجْزَائِهَا) صَرِيحُ هَذَا السِّيَاقِ أَنَّهُ
يُكْرَهُ الْبِيضُ وَاللَّبَنُ وَنَحْوُهُمَا إذَا تَغَيَّرَ اللَّحْمُ
وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ فِيهَا تَغَيُّرٌ، وَانْظُرْ مَا الْفَرْقُ بَيْنَهَا
وَبَيْنَ وَلَدِ الْمُذَكَّاةِ الْآتِي حَيْثُ قَيَّدَهُ بِمَا إذَا
وُجِدَتْ فِيهِ الرَّائِحَةُ (قَوْلُهُ: الْجَلَّالَةُ عَقِبَ قَوْلِ
الْمُصَنِّفِ وَقِيلَ يُكْرَهُ) خُرُوجٌ عَنْ الظَّاهِرِ، وَالظَّاهِرُ
لَحْمُ الْجَلَّالَةِ (قَوْلُهُ: إذَا تَغَيَّرَ لَحْمُهَا) لَعَلَّ
الْمُرَادَ تَغَيُّرُهُ بِالْقُوَّةِ بِأَنْ يُقَدَّرَ لَوْ كَانَ بَدَلُ
اللَّبَنِ الَّذِي شَرِبَهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ عَذِرَةً مَثَلًا ظَهَرَ
فِيهِ التَّغَيُّرُ نَظِيرَ مَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْبَغَوِيّ،
وَإِلَّا فَاللَّبَنُ لَا يَظْهَرُ مِنْهُ تَغَيُّرٌ كَمَا لَا يَخْفَى
فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: نَعَمْ إنْ ظَهَرَ نَحْوُ رِيحِ النَّجَاسَةِ
فِيهِ اُتُّجِهَتْ الْكَرَاهَةُ) قَدْ يُقَالُ: لَا مَوْقِعَ لِهَذَا
الِاسْتِدْرَاكِ لِأَنَّ مَحَلَّ الْكَرَاهَةِ فِي الَّذِي قَبْلَهُ إذَا
ظَهَرَ فِيهِ ذَلِكَ
(8/156)
أَوْ مُتَنَجِّسًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ
كَلَامِ الرَّوْضِ أَوْ لَمْ تُعْلَفْ كَمَا اعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ
وَغَيْرُهُ، وَاقْتِصَارُ الْأَكْثَرِ عَلَى الْعَلَفِ الطَّاهِرِ جَرَى
عَلَى الْغَالِبِ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْعَلَفِ
وَأَنَّهُ الطَّاهِرُ (فَطَابَ) لَحْمُهَا (حَلَّ) هُوَ وَبَقِيَّةُ
أَجْزَائِهَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ فَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَيْهِمَا وَذَلِكَ
لِزَوَالِ الْعِلَّةِ وَلَا تَقْدِيرَ لِمُدَّةِ الْعَلَفِ، وَتَقْدِيرُهَا
بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي الْبَعِيرِ وَثَلَاثِينَ فِي الْبَقَرَةِ
وَسَبْعَةٍ فِي الشَّاةِ وَثَلَاثَةٍ فِي الدَّجَاجَةِ لِلْغَالِبِ، أَمَّا
طِيبُهُ بِنَحْوِ غَسْلٍ أَوْ طَبْخٍ فَلَا أَثَرَ لَهُ، وَلَوْ غُذِّيَتْ
شَاةٌ بِحَرَامٍ مُدَّةً طَوِيلَةً لَمْ تَحْرُمْ كَمَا قَالَهُ
الْغَزَالِيُّ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إذْ هُوَ حَلَالٌ فِي ذَاتِهِ،
وَالْحُرْمَةُ إنَّمَا هِيَ لِحَقِّ الْغَيْرِ، وَمَا فِي الْأَنْوَارِ
مِنْ التَّفْصِيلِ فِي ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى حُرْمَةِ الْجَلَّالَةِ
(وَلَوْ تَنَجَّسَ طَاهِرٌ كَخَلٍّ وَدِبْسٍ ذَائِبٍ) بِالْمُعْجَمَةِ
(حَرُمَ) تَنَاوُلُهُ لِتَعَذُّرِ طُهْرِهِ كَمَا مَرَّ، أَمَّا الْجَامِدُ
فَيُزِيلُهُ وَمَا حَوْلَهُ وَيَأْكُلُ بَاقِيَهُ، وَلَا يُكْرَهُ بَيْضٌ
صُلِقَ فِي مَاءٍ نَجِسٍ، وَلَا يَحْرُمُ مِنْ الطَّاهِرِ إلَّا نَحْوُ
تُرَابٍ وَحَجَرٍ وَمِنَّةُ مَدَرٌ وَطَفْلٌ لِمَنْ يَضُرُّهُ، وَعَلَى
ذَلِكَ يُحْمَلُ إطْلَاقُ جَمْعٍ حُرْمَتَهُ بِخِلَافِ مَا لَا يَضُرُّهُ
كَمَا قَالَهُ جَمْعٌ آخَرُونَ وَاعْتَمَدَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ،
وَسَمِّ وَإِنْ قَلَّ إلَّا لِمَنْ لَا يَضُرُّهُ وَنَبْتُ جَوْزٍ
سُمِّيَّتُهُ وَمُسْكِرٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الظَّاهِرُ إلْحَاقُ
وَلَدِهَا بِهَا إذَا ذُكِّيَتْ وَوُجِدَ فِي بَطْنِهَا مَيِّتًا أَوْ
ذُكِّيَ وَوُجِدَتْ فِيهِ الرَّائِحَةُ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا
وُجِدَ فِي بَطْنِهَا مَيِّتًا كُرِهَ مُطْلَقًا، وَأَنَّهُ إذَا خَرَجَ
حَيًّا ثُمَّ ذُكِّيَ فُصِّلَ فِيهِ بَيْنَ ظُهُورِ الرَّائِحَةِ
وَعَدَمِهِ (قَوْلُهُ: مُدَّةً طَوِيلَةً) يَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ
بِالطُّولِ أَنْ تُعْلَفَ قَدْرًا فِي مُدَّةٍ لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ مِنْ
الْجُلَّةِ لَغَيَّرَ لَحْمَهَا أَخْذًا مِنْ التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ
عَنْ الْأَنْوَارِ (قَوْلُهُ: وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ) وَهَلْ تُكْرَهُ
أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ: وَمَا فِي
الْأَنْوَارِ مِنْ التَّفْصِيلِ) وَهُوَ أَنَّ الْحَرَامَ إنْ كَانَ لَوْ
فُرِضَ نَجِسًا غَيْرَ اللَّحْمِ حَرُمَتْ وَإِلَّا فَلَا مَبْنَى إلَخْ
انْتَهَى حَجّ
(قَوْلُهُ: وَدِبْسٍ) هُوَ بِكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مَا سَالَ مِنْ
الرُّطَبِ (قَوْلُهُ: إلَّا لِمَنْ لَا يَضُرُّهُ) أَيْ الْقَلِيلُ مِنْهُ
أَمَّا الْكَثِيرُ فَيَحْرُمُ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: وَنَبْتِ جَوْزٍ
سُمَيَّتُهُ) أَيْ وَلَبَنِ جَوْزٍ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِ مَأْكُولٍ انْتَهَى
حَجّ.
وَيَظْهَرُ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ اللَّحْمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْحَيَوَانَ إلَخْ) يَجِبُ حَذْفُ اللَّامِ مِنْ
قَوْلِهِ لِأَنَّ كَمَا هُوَ كَذَلِكَ فِي التُّحْفَةِ (قَوْلُهُ: فَهُوَ
تَفْرِيعٌ عَلَيْهِمَا) قَدْ يُقَالُ إنَّ مَا قَرَّرَهُ لَا يُنْتِجُ لَهُ
هَذَا لِأَنَّهُ أَخَذَ الْحِلَّ فِي الْمَتْنِ بِمَعْنَى عَدَمِ
الْحُرْمَةِ الصَّادِقِ بِالْكَرَاهَةِ وَلِهَذَا احْتَاجَ لِلتَّقْيِيدِ
بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ.
وَاَلَّذِي يُنْتِجُ لَهُ مَا ذَكَرَ أَنْ يَقُولَ عَقِبَ قَوْلِ
الْمُصَنِّفِ حَلَّ: أَيْ لَمْ يَحْرُمْ وَلَمْ يُكْرَهْ فَالْمُرَادُ
أُبِيحَ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَالْحُرْمَةُ إنَّمَا هِيَ لِحَقِّ
الْغَيْرِ) أَيْ غَيْرُ الْمُكَلَّفِ لَا يُخَاطَبُ بِالْحُرْمَةِ
(قَوْلُهُ وَمَا فِي الْأَنْوَارِ مِنْ التَّفْصِيلِ مَبْنِيٌّ عَلَى
حُرْمَةِ الْجَلَّالَةِ) فِيهِ أُمُورٌ مِنْهَا أَنَّ كَوْنَهُ مَبْنِيًّا
عَلَى حُرْمَةِ الْجَلَّالَةِ مِنْ جُمْلَةِ مَا فِي الْأَنْوَارِ خِلَافًا
لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الشَّارِحِ فَإِنَّهُ نَقَلَ التَّفْصِيلَ
الْآتِيَ عَنْ الْبَغَوِيّ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى حُرْمَةِ
الْجَلَّالَةِ، وَمِنْهَا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ وَابْنُ عَبْدِ
السَّلَامِ هُوَ احْتِمَالٌ أَيْضًا لِلْبَغَوِيِّ الَّذِي مَا فِي
الْأَنْوَارِ مَنْقُولٌ عَنْهُ، خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ سِيَاقُ
الشَّارِحِ أَيْضًا، بَلْ هُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْبَغَوِيّ كَمَا
سَيَأْتِي عَنْهُ.
وَمِنْهَا أَنَّ قَوْلَهُ وَمَا فِي الْأَنْوَارِ إلَخْ لَا مَوْقِعَ لَهُ
بَعْدَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إذْ هُوَ
مُتَأَتٍّ عَلَى الْقَوْلِ بِالْحُرْمَةِ وَالْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ، إذْ
الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي الشَّاةِ الْمَذْكُورَةِ أَيْضًا
لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ،
وَلَعَلَّهُمَا إنَّمَا اقْتَصَرَا عَلَى نَفْيِ الْحُرْمَةِ لِأَنَّهَا
الَّتِي كَانَتْ تُتَوَهَّمُ مِنْ غِذَائِهَا بِالْحَرَامِ، وَقَدْ سَبَقَ
أَنَّ مَا قَالَاهُ سَبَقَهُمَا إلَيْهِ الْبَغَوِيّ، وَعِبَارَتُهُ فِي
الْفَتَاوَى: إذَا رُبِّيَتْ شَاةٌ بِعَلَفٍ مَغْصُوبٍ فَإِنْ كَانَ
قَدْرًا لَوْ كَانَ نَجِسًا لَظَهَرَ تَغَيُّرُهُ فِيهِ حَرُمَ وَإِلَّا
فَلَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: يَحِلُّ أَكْلُهُ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّ
الْعَلَفَ حَلَالٌ فِي الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا حَرُمَ لِحَقِّ الْغَيْرِ
وَاسْتَقَرَّتْ الْقِيمَةُ فِي الذِّمَّةِ، بِخِلَافِ الْمُرَبَّى بِلَبَنِ
الْكَلْبِ فَإِنَّ أَكْلَهُ حَرَامٌ وَهَذَا أَشْبَهُ انْتَهَتْ.
وَقَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ قَدْرًا إلَخْ هُوَ التَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرَ
الشَّارِحُ أَنَّهُ فِي الْأَنْوَارِ.
(قَوْلُ الْمَتْنِ حَرُمَ) أَيْ دَائِمًا وَهَذَا هُوَ الَّذِي امْتَازَ
بِهِ عَنْ سَائِرِ الْمُتَنَجِّسَاتِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي تَسْتَقِيمُ
مَعَهُ الْعِلَّةُ (قَوْلُهُ: فَيُزِيلُهُ) يَعْنِي النَّجَسَ
(8/157)
كَكَثِيرِ أَفْيُونٍ وَجَوْزَةِ طِيبٍ
وَزَعْفَرَانٍ وَجِلْدٍ دُبِغَ وَمُسْتَقْذَرٍ أَصَالَةً بِالنِّسْبَةِ
لِغَالِبِ ذَوِي الطِّبَاعِ السَّلِيمَةِ كَمُخَاطٍ وَمَنِيٍّ وَبُصَاقٍ
وَعَرَقٍ إلَّا لِعَارِضٍ كَغُسَالَةِ يَدٍ وَلَحْمٍ أَنْتَنَ، أَمَّا
رِيقٌ لَمْ يُفَارِقْ مَعْدِنَهُ فَيُتَّجَهُ فِيهِ عَدَمُ الْحُرْمَةِ
لِانْتِفَاءِ اسْتِقْذَارِهِ، وَلَوْ وَقَعَتْ مَيْتَةُ مَا لَا نَفَسَ
لَهَا سَائِلَةٌ وَلَمْ تَكْثُرْ بِحَيْثُ لَا يُسْتَقْذَرْ أَوْ قِطْعَةٌ
يَسِيرَةٌ مِنْ لَحْمِ آدَمِيٍّ فِي طَبِيخِ لَحْمٍ مُذَكَّى لَمْ يَحْرُمْ
أَكْلُ الْجَمِيعِ خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ فِي الثَّانِيَةِ، وَإِذَا
وَقَعَ بَوْلٌ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ جَازَ اسْتِعْمَالُ
الْجَمِيعِ كَمَا مَرَّ لِأَنَّهُ لَمَّا اُسْتُهْلِكَ فِيهِ صَارَ
كَالْعَدَمِ (وَمَا كُسِبَ بِمُخَامَرَةِ نَجِسٍ كَحِجَامَةٍ وَكَنْسٍ
مَكْرُوهٌ) لِلْحُرِّ وَإِنْ كَسَبَهُ قِنٌّ لِلنَّهْيِ الصَّحِيحِ عَنْ
كَسْبِ الْحَجَّامِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَحْرُمْ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى الْحَجَّامَ أُجْرَتَهُ» وَلَوْ حَرُمَ لَمْ
يُعْطِهِ لِأَنَّهُ حَيْثُ حَرُمَ الْأَخْذُ حَرُمَ الْإِعْطَاءُ
كَأُجْرَةِ النَّائِحَةِ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَإِعْطَاءِ ظَالِمٍ أَوْ قَاضٍ
أَوْ شَاعِرٍ خَوْفًا مِنْهُ فَيَحْرُمُ الْأَخْذُ فَقَطْ، وَأَمَّا خَبَرُ
مُسْلِمٍ «كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ» فَمُؤَوَّلٌ عَلَى حَدِّ {وَلا
تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] وَعِلَّةُ
خُبْثِهِ مُبَاشَرَةُ النَّجَاسَةَ عَلَى الْأَصَحِّ لَا دَنَاءَةُ
الْحِرْفَةِ، وَمِنْ ثَمَّ أَلْحَقُوا بِهِ كُلَّ كَسْبٍ حَصَلَ مِنْ
مُبَاشَرَتِهَا كَزَبَّالٍ وَدَبَّاغٍ وَقَصَّابٍ لَا فَصَّادٍ عَلَى
الْأَصَحِّ لِقِلَّةِ مُبَاشَرَتِهِ لَهَا، وَكَذَا حَلَّاقٌ وَحَارِسٌ
وَحَائِكٌ وَصَبَّاغٌ وَصَوَّاغٌ وَمَاشِطَةٌ إذْ لَا مُبَاشَرَةَ
لِلنَّجَاسَةِ فِيهَا (وَيُسَنُّ) لِلْحُرِّ (أَنْ لَا يَأْكُلَهُ) بَلْ
يُكْرَهُ لَهُ أَكْلُهُ عَلَى أَنَّهُ مِثَالٌ إذْ سَائِرُ وُجُوهِ
الْإِنْفَاقِ كَذَلِكَ حَتَّى التَّصَدُّقَ بِهِ كَمَا بَحَثَهُ
الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ (وَ) أَنْ (يُطْعِمَهُ رَقِيقَهُ
وَنَاضِحَهُ) أَيْ بَعِيرَهُ الَّذِي يُسْقَى عَلَيْهِ لِخَبَرِ
«أَعْلِفْهُ نَاضِحَك وَأَطْعِمْهُ رَقِيقَك» وَآثَرَ لَفْظَ الرَّقِيقِ
وَالنَّاضِحِ مَعَ لَفْظِ الْإِطْعَامِ تَبَرُّكًا بِلَفْظِ الْخَبَرِ،
وَإِلَّا فَالْمُرَادُ أَنْ يُمَوِّنَ بِهِ مَا يَمْلِكُهُ مِنْ رَقِيقٍ
وَغَيْرِهِ وَلِدَنَاءَةِ الرَّقِيقِ لَاقَ بِهِ الْكَسْبُ الدَّنِيءُ
بِخِلَافِ الْحُرِّ، وَيُنْدَبُ لِلْإِنْسَانِ التَّحَرِّي فِي مُؤْنَةِ
نَفْسِهِ وَمُؤْنَةِ مَا أَمْكَنَهُ، فَإِنْ عَجَزَ فَفِي مُؤْنَةِ
نَفْسِهِ، وَلَا تَحْرُمُ مُعَامَلَةُ مَنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ وَلَا
الْأَكْلُ مِنْهُ.
وَأَفْضَلُ الْمَكَاسِبِ الزِّرَاعَةُ ثُمَّ صِنَاعَةُ الْيَدِ ثُمَّ
التِّجَارَةُ
(وَيَحِلُّ جَنِينٌ وُجِدَ مَيِّتًا فِي بَطْنِ مُذَكَّاةٍ) وَإِنْ
أَشْعَرَ لِخَبَرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
وَكُتِبَ عَلَيْهِ سُمٌّ قَوْلُهُ وَبِلَبَنِ جَوْزٍ أَنَّهُ سُمٌّ أَوْ
مِنْ غَيْرِ مَأْكُولٍ كَذَا فِي الْعُبَابِ، قَالَ الشَّارِحُ: كَذَا
ذَكَرَهُ الْقَاضِي، قَالَ: وَكَذَا لَوْ وَجَدَ وَشَكَّ هَلْ ذَبَحَهُ
مَنْ يَحِلُّ ذَبْحُهُ أَوْ غَيْرُهُ، لَكِنْ اعْتَرَضَهُ النَّوَوِيُّ فِي
النَّبَاتِ وَاللَّبَنِ بِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ تَخْرِيجُهُمَا عَلَى
الْأَشْيَاءِ قَبْلَ الشَّرْعِ فَالصَّحِيحُ لَا حُكْمَ فَيَحِلَّانِ،
وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمَذْبُوحَةِ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا
التَّحْرِيمُ حَتَّى يُعْلَمَ الْمُبِيحُ وَلَمْ يُعْلَمْ خِلَافُهُمَا
فَإِنَّ الْأَصْلَ فِيهِمَا الْحِلُّ انْتَهَى كَلَامُ شَرْحِ الْعُبَابِ
وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَذْبُوحِ شَامِلٌ لِمَا إذَا غَلَبَ الْمُسْلِمُونَ
أَوَّلًا فَلْيُرَاجَعْ كَلَامُهُمْ فِي بَابِ الِاجْتِهَادِ فَإِنَّهُمْ
ذَكَرُوا هُنَا مَا ذُكِرَ وَفَصَّلُوا فِيهِ ثَمَّ انْتَهَى (قَوْلُهُ:
أَمَّا رِيقٌ لَمْ يُفَارِقْ مَعْدِنَهُ فَيُتَّجَهُ عَدَمُ الْحُرْمَةِ)
أَيْ مَا دَامَ فِيهِ وَمِنْ ثَمَّ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - يَمُصُّ لِسَانَ عَائِشَةَ» اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ لَا
يُسْتَقْذَرُ) أَيْ أَمَّا إذَا اُسْتُقْذِرَ فَيَحْرُمُ وَإِنْ لَمْ
يَسْتَقْذِرْهُ خُصُوصُ مَنْ أَرَادَ تَنَاوُلَهُ لِكَوْنِهِ لَيْسَ مِنْ
ذَوِي الطَّبَائِعِ السَّلِيمَةِ (قَوْلُهُ: فَيَحْرُمُ الْأَخْذُ فَقَطْ)
أَيْ وَلَا يَحْرُمُ الْإِعْطَاءُ لِمَا تَنْدَفِعُ بِهِ الضَّرُورَةُ،
أَمَّا مَا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ مَحَبَّةِ إظْهَارِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ
مِنْ الشُّعَرَاءِ فَيَحْمِلُهُمْ ذَلِكَ عَلَى التَّقْيِيدِ
بِإِكْرَامِهِمْ وَإِعْطَائِهِمْ زِيَادَةً عَلَى مَا تَنْدَفِعُ بِهِ
الضَّرُورَةُ لِلْغَرَضِ الْمَذْكُورِ فَهُوَ حَرَامٌ عَلَى مَا يُصَرِّحُ
بِهِ قَوْلُهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْهَا، وَقَدْ
يُقَالُ بِعَدَمِ الْحُرْمَةِ حَيْثُ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى وَصْفِهِ
بِحَرَامٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ حَيْثُ جَازَ الْإِعْطَاءُ جَازَ الْأَخْذُ
(قَوْلُهُ: وَمَاشِطَةٌ) أَيْ وَمِثْلُ ذَلِكَ الْقَابِلَةُ (قَوْلُهُ:
وَأَفْضَلُ الْمَكَاسِبِ الزِّرَاعَةُ) أَيْ وَلَوْ لَمْ يُبَاشِرْهَا
بِنَفْسِهِ بَلْ بِالْعَمَلَةِ (قَوْلُهُ ثُمَّ التِّجَارَةُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لَمْ يُفَارِقْ مَعْدِنَهُ) بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ إذْ هُوَ مَا
دَامَ فِي مَعْدِنِهِ يُقَالُ لَهُ رِيقٌ، فَإِذَا فَارَقَهُ يُقَالُ لَهُ
بُصَاقٌ، فَقَوْلُهُ أَمَّا رِيقُ إلَخْ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بُصَاقٌ
(قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ اسْتِقْذَارِهِ) قَدْ يُقَالُ بِمَنْعِ هَذَا
لِأَنَّهُ مُسْتَقْذَرٌ إلَّا لِعَارِضٍ نَحْوُ مَحَبَّةٍ وَهَذَا لَا
نَظَرَ إلَيْهِ فَهُوَ مُسْتَقْذَرٌ أَصَالَةً بِالنِّسْبَةِ لِغَالِبِ
الطِّبَاعِ السَّلِيمَةِ، إذْ اسْتِقْذَارُهُ إنَّمَا يَنْتَفِي
بِالنِّسْبَةِ لِنَحْوِ الْمُحِبِّ مِنْ الْأَفْرَادِ فَتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: أَعْطَى الْحَجَّامَ أُجْرَتَهُ) أَيْ حِينَ حَجَمَهُ كَمَا فِي
الصَّحِيحَيْنِ، وَحِينَئِذٍ فَهَذَا الدَّلِيلُ إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى
الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ
(8/158)
«ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» أَيْ
الَّتِي أَحَلَّتْهَا أَحَلَّتْهُ تَبَعًا لَهَا مَا لَمْ يَنْفَصِلْ
وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ وَإِلَّا اُشْتُرِطَتْ تَذْكِيَتُهُ، فَإِنْ
خَرَجَ وَبِهِ حَرَكَةُ مَذْبُوحٍ وَمَاتَ حَالًا حَلَّ، وَإِنْ خَرَجَ
بَعْدَ ذَبْحِ أُمِّهِ مَيِّتًا وَاضْطَرَبَ فِي بَطْنِهَا بَعْدَ
ذَبْحِهَا زَمَانًا طَوِيلًا ثُمَّ سَكَنَ لَمْ يَحِلَّ، أَوْ سَكَنَ
عَقِبَهُ حَلَّ، كَذَا ذَكَرَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ،
وَعَلَيْهِ لَوْ أَخْرَجَ رَأْسَهُ وَبِهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ لَمْ
يَجِبْ ذَبْحُهُ حَتَّى يَخْرُجَ، وَإِنْ أَخْرَجَ رَأْسَهُ مَيِّتًا ثُمَّ
ذُبِحَتْ أُمُّهُ قَبْلَ انْفِصَالِهِ لَمْ يَحِلَّ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ
كَلَامُ الْإِمَامِ وَهُوَ الْأَصَحُّ خِلَافًا لِلْبَغَوِيِّ، وَلَا بُدَّ
فِي الْحِلِّ مِنْ أَنْ تَكُونَ الذَّكَاةُ مُؤَثِّرَةً فِيهِ، فَلَوْ
كَانَ مُضْغَةً لَمْ تَتَبَيَّنْ بِهَا صُورَةٌ لَمْ تَحِلَّ، وَلَوْ كَانَ
لِلْمُذَكَّاةِ عُضْوٌ أَشَلُّ حَلَّ
(وَمَنْ) (خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مَوْتًا أَوْ مَرَضًا مَخُوفًا) أَوْ
غَيْرَ مَخُوفٍ أَوْ نَحْوِهِمَا مِنْ كُلِّ مَحْذُورٍ يُبِيحُ
التَّيَمُّمَ وَلَمْ يَجِدْ حَلَالًا وَهُوَ مَعْصُومٌ غَيْرُ عَاصٍ
بِسَفَرِهِ وَنَحْوِهِ (وَوَجَدَ مُحَرَّمًا) غَيْرَ مُسْكِرٍ كَمَيْتَةٍ
وَلَوْ مُغَلَّظَةً وَدَمٍ (لَزِمَهُ أَكْلُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى
{فَمَنِ اضْطُرَّ} [البقرة: 173] الْآيَةَ مَعَ قَوْلِهِ {وَلا تَقْتُلُوا
أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] وَكَذَا لَوْ خَافَ الْعَجْزَ عَنْ نَحْوِ
الْمَشْيِ أَوْ التَّخَلُّفِ عَنْ الرُّفْقَةِ إنْ حَصَلَ لَهُ بِهِ ضَرَرٌ
لَا نَحْوُ وَحْشَةٍ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ، وَكَذَا لَوْ أَجْهَدَهُ الْجُوعُ
وَعِيلَ صَبْرُهُ وَغَلَبَةُ الظَّنِّ فِي ذَلِكَ كَافِيَةٌ، بَلْ لَوْ
جَوَّزَ السَّلَامَةَ وَالتَّلَفَ عَلَى السَّوَاءِ حَلَّ لَهُ تَنَاوُلُ
الْمُحَرَّمِ كَمَا حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ صَرِيحِ كَلَامِهِمْ،
وَاكْتُفِيَ بِالظَّنِّ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى أَكْلِ ذَلِكَ فَلَا
يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّيَقُّنُ وَلَا الْإِشْرَافُ عَلَى الْمَوْتِ، بَلْ
لَوْ انْتَهَى إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَكْلُهُ إذْ لَا
فَائِدَةَ فِيهِ، وَلَوْ امْتَنَعَ مَالِكُ طَعَامٍ مِنْ بَذْلِهِ إلَّا
بَعْدَ وَطْئِهَا زَنَى لَمْ يَجُزْ لَهَا تَمْكِينُهُ بِنَاءً عَلَى
الْأَصَحِّ أَنَّ الْإِكْرَاهَ بِالْقَتْلِ لَا يُبِيحُهُ وَاللِّوَاطُ
وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَظِنَّةً فِي الْجُمْلَةِ لِاخْتِلَاطِ
الْأَنْسَابِ شُدِّدَ فِيهِ أَكْثَرَ (وَقِيلَ يَجُوزُ) كَمَا فِي
الِاسْتِسْلَامِ لِلْمُسْلِمِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ فِي هَذَا
إيثَارًا فِي الْجُمْلَةِ لِلشَّهَادَةِ بِخِلَافِ ذَاكَ، وَلَوْ وَجَدَ
مَيْتَةً يَحِلُّ مَذْبُوحُهَا وَأُخْرَى لَا يَحِلُّ: أَيْ كَآدَمِيٍّ
غَيْرِ مُحْتَرَمٍ فِيمَا يَظْهَرُ تَخَيَّرَ أَوْ مُغَلَّظَةٍ وَغَيْرِهَا
تَعَيَّنَ غَيْرُهَا: قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ.
وَاعْتِرَاضُ الْإِسْنَوِيِّ لَهُ مَرْدُودٌ، أَمَّا الْمُسْكِرُ فَلَا
يَحِلُّ تَنَاوُلُهُ لِجُوعٍ وَلَا عَطَشٍ كَمَا مَرَّ، وَأَمَّا الْعَاصِي
بِسَفَرِهِ وَنَحْوِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَنَاوُلُ الْمُحَرَّمِ حَتَّى
يَتُوبَ وَمِثْلُهُ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ مُرْتَدٌّ وَحَرْبِيٌّ
حَتَّى يُسْلِمَا، قَالَ: وَكَذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
وَلَا يُشْكِلُ تَقْدِيمُ الزِّرَاعَةِ عَلَى قَوْله تَعَالَى {أَنْفِقُوا
مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ
الأَرْضِ} [البقرة: 267] لِأَنَّهُ عَطَفَ فِي الْآيَةِ بِالْوَاوِ وَهِيَ
لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا
(قَوْلُهُ حَلَّ) أَيْ وَلَا يَتَوَقَّفُ حِلُّهُ عَلَى ذَبْحٍ (قَوْلُهُ:
وَاضْطَرَبَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ اضْطَرَبَ إلَخْ، وَإِنَّمَا حَرُمَ
وَالْحَالَةُ مَا ذَكَرَ لِأَنَّ اضْطِرَابَهُ عَلَامَةٌ عَلَى أَنَّ
مَوْتَهُ لَيْسَ بِتَذْكِيَةِ أُمِّهِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَجِبْ ذَبْحُهُ)
وَعَلَيْهِ فَلَوْ ذُبِحَتْ أُمُّهُ قَبْلَ انْفِصَالِهِ وَمَاتَ
بِذَبْحِهَا حَلَّ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ مُغَلَّظَةً) وَمَيْتَةُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ فِي
مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ أَخْذًا مِنْ إطْلَاقِهِ (قَوْلُهُ: وَعِيلَ) أَيْ
فَقَدَ (قَوْلُهُ: وَغَلَبَةُ الظَّنِّ) قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا
يُشْتَرَطُ فِي حُصُولِ الظَّنِّ الِاعْتِمَادُ عَلَى قَوْلِ طَبِيبٍ بَلْ
يَكْفِي مُجَرَّدُ ظَنِّهِ بِأَمَارَةٍ يُدْرِكُهَا، وَقِيَاسُ مَا فِي
التَّيَمُّمِ اشْتِرَاطُ الظَّنِّ مُسْتَنِدًا لِخَبَرِ عَدْلٍ رَوَاهُ
أَوْ مَعْرِفَتِهِ بِالطِّبِّ (قَوْلُهُ: بَلْ لَوْ جَوَّزَ السَّلَامَةَ
وَالتَّلَفَ عَلَى السَّوَاءِ حَلَّ) أَفْهَمَ أَنَّهُ إذَا جَوَّزَ
التَّلَفَ مَعَ كَوْنِ الْغَالِبِ السَّلَامَةَ لَمْ يَجُزْ تَنَاوُلُهُ
(قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ) أَيْ الزِّنَا (قَوْلُهُ: شَدَّدَ
فِيهِ أَكْثَرَ) أَيْ مِنْ اللِّوَاطِ (قَوْلُهُ: بِأَنَّ فِي هَذَا
إيثَارًا) أَيْ فِي الْجُمْلَةِ (قَوْلُهُ كَآدَمِيٍّ غَيْرِ مُحْتَرَمٍ)
هَلَّا وَجَبَ تَقْدِيمُ لَحْمِ الْمَيْتَةِ عَلَى لَحْمِ الْآدَمِيِّ
لِاحْتِرَامِ ذَاتِهِ، وَمِنْ ثَمَّ جَرَى الشَّارِحُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
فَضَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ لَوْ أَخْرَجَ رَأْسَهُ إلَخْ) هَذَا لَا
يَتَرَتَّبُ عَلَى مَا قَبْلَهُ كَمَا لَا يَخْفَى، فَالْوَجْهُ حَذْفُ
لَفْظِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَجِبْ ذَبْحُهُ حَتَّى يَخْرُجَ) أَيْ
فَيَحِلُّ إذَا مَاتَ عَقِبَ خُرُوجِهِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ وَإِنْ صَارَ
بِخُرُوجِ رَأْسِهِ مَقْدُورًا عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: مَعَ قَوْلِهِ {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29]
هَذَا لَا يَكْفِي فِي لُزُومِ أَكْلِ الْمُحَرَّمِ الْمَذْكُورِ
لِلْخَوْفِ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ فَيَحْتَاجُ لِدَلِيلٍ (قَوْلُهُ
وَاللِّوَاطَ) مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ فِي يُبِيحُهُ (قَوْلُهُ
وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَظِنَّةَ إلَخْ) الصَّوَابُ
(8/159)
مُرَاقُ الدَّمِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ
لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إسْقَاطِ الْقَتْلِ بِالتَّوْبَةِ كَتَارِكِ الصَّلَاةِ
وَالْقَاتِلِ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ، وَلَوْ وَجَدَ لُقْمَةً حَلَالًا
لَزِمَهُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْحَرَامِ (فَإِنْ تَوَقَّعَ حَلَالًا)
يَجِدُهُ (قَرِيبًا) أَيْ عَلَى قُرْبٍ بِأَنْ لَمْ يَخْشَ مَحْذُورًا
قَبْلَ وُصُولِهِ (لَمْ يَجُزْ غَيْرُ سَدِّ) بِالْمُهْمَلَةِ عَلَى
الْمَشْهُورِ أَوْ الْمُعْجَمَةِ (الرَّمَقِ) وَهُوَ بَقِيَّةُ الرُّوحِ
عَلَى الْمَشْهُورِ وَالْقُوَّةِ عَلَى مُقَابَلَةٍ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ
يَتَوَقَّعْهُ (فَفِي قَوْلِ يَشْبَعُ) لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ أَيْ يَكْسِرُ
سَوْرَةَ الْجُوعِ بِحَيْثُ لَا يُسَمَّى جَائِعًا إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ
لِلطَّعَامِ مَسَاغًا. أَمَّا مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَحَرَامٌ قَطْعًا،
وَلَوْ شَبِعَ فِي حَالَةِ امْتِنَاعِهِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْحِلِّ
لَزِمَهُ كَكُلِّ مَنْ تَنَاوَلَ مُحَرَّمًا التَّقَيُّؤُ إنْ أَطَاقَهُ
بِأَنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مِنْهُ مَشَقَّةٌ لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً
(وَالْأَظْهَرُ سَدُّ الرَّمَقِ) فَقَطْ لِانْتِفَاءِ الِاضْطِرَارِ
بَعْدُ، نَعَمْ إنْ تَوَقَّفَ قَطْعُهُ لِبَادِيَةٍ مُهْلِكَةٍ عَلَى
الشِّبَعِ وَجَبَ (إلَّا أَنْ يَخَافَ تَلَفًا) أَوْ مَحْذُورِ تَيَمُّمٍ
(إنْ اقْتَصَرَ) عَلَيْهِ: أَيْ عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ فَيَشْبَعُ
وُجُوبًا: أَيْ يَكْسِرُ سُورَةَ الْجُوعِ قَطْعًا لِبَقَاءِ الرُّوحِ،
وَعَلَيْهِ التَّزَوُّدُ إنْ لَمْ يَتَوَقَّعْ وُصُولَهُ لِحَلَالٍ
وَإِلَّا جَازَ.
بَلْ صَرَّحَ الْقَفَّالُ بِعَدَمِ مَنْعِهِ مِنْ حَمْلِ مَيِّتَةٍ لَمْ
تُلَوِّثْهُ وَإِنْ لَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ إلَى ذَلِكَ.
(وَلَهُ) أَيْ الْمَعْصُومِ بَلْ عَلَيْهِ (أَكْلُ آدَمِيٍّ مَيِّتٍ)
مُحْتَرَمٍ حَيْثُ لَمْ يَجِدْ مَيْتَةً غَيْرَهُ وَلَوْ مُغَلَّظَةً
لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَيِّ أَعْظَمُ، نَعَمْ لَوْ كَانَتْ مَيْتَةَ نَبِيٍّ
امْتَنَعَ الْأَكْلُ مِنْهَا جَزْمًا وَكَذَا مَيْتَةُ مُسْلِمٍ
وَالْمُضْطَرُّ ذِمِّيٌّ، وَالْوَجْهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ
عَدَمُ النَّظَرِ لِأَفْضَلِيَّةِ الْمَيِّتِ مَعَ اتِّحَادِهِمَا
إسْلَامًا وَعِصْمَةً، قِيلَ وَقِيَاسُهُ عَدَمُ اعْتِبَارِ اتِّحَادِهِمَا
نُبُوَّةً، وَيُتَصَوَّرُ فِي عِيسَى وَالْخَضِرِ صَلَّى اللَّه وَسَلَّمَ
عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
عَلَى تَحْرِيمِ اسْتِعْمَالِ شَيْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْحَرْبِيِّ
لِذَاتِهِ (قَوْلُهُ: لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إسْقَاطِ الْقَتْلِ
بِالتَّوْبَةِ) هَذَا ظَاهِرٌ فِيمَنْ أُهْدِرَ لِتَرْكِ الصَّلَاةِ
فَإِنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ التَّوْبَةِ فَيُعْصَمُ، بِخِلَافِ الزَّانِي
الْمُحْصَنِ وَقَاطِعِ الطَّرِيقِ فَإِنَّهُمَا بَعْدَ ظُهُورِ حَالِهِمَا
لِلْإِمَامِ لَا تُفِيدُ تَوْبَتُهُمَا الْعِصْمَةَ، وَيُصَرِّحُ بِذَلِكَ
قَوْلُ حَجّ: وَيَظْهَرُ فِيمَنْ لَا تُسْقِطُ تَوْبَتُهُ قَتْلَهُ كَزَانٍ
مُحْصَنٍ أَنَّهُ يَأْكُلُ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِقَتْلِ نَفْسِهِ،
اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُفْرَضَ كَلَامُهُ فِيمَنْ لَمْ يَبْلُغْ أَمْرُهُ
الْإِمَامَ (قَوْلُهُ: لَزِمَهُ تَقْدِيمُهَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَسُدَّ
رَمَقَهُ ثُمَّ يَتَعَاطَى مِنْ الْحَرَامِ مَا تَنْدَفِعُ بِهِ
الضَّرُورَةُ وَلَا يُقَالُ اللُّقْمَةُ لِقِلَّتِهَا كَالْعَدَمِ
فَيَتَنَاوَلُ الْكُلَّ مِنْ الْحَرَامِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ بَقِيَّةُ
الرُّوح عَلَى الْمَشْهُورِ) وَلَعَلَّ وَجْهَ التَّعْبِيرِ بِبَقِيَّةِ
الرُّوحِ أَنَّهُ نَزَّلَ مَا أَصَابَهُ مِنْ الْجُوعِ مَنْزِلَةَ ذَهَابِ
بَعْضِ رُوحِهِ الَّتِي بِهَا حَيَاتُهُ فَعَبَّرَ عَنْ حَالِهِ الَّذِي
وَصَلَ إلَيْهِ بِبَقِيَّةِ الرُّوحِ مَجَازًا وَإِلَّا فَالرُّوحُ لَا
تَتَجَزَّأُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ شَبِعَ فِي حَالَةِ امْتِنَاعِهِ)
قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يَمْتَنِعْ عَلَيْهِ تَنَاوُلُهُ أَوْ
امْتَنَعَ، لَكِنْ لَمْ يَقْدِرْ بَعْدَ التَّنَاوُلِ عَلَى الْحِلِّ لَا
يَجِبْ عَلَيْهِ التَّقَيُّؤُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، وَيُنَافِي ذَلِكَ مَا
تَقَدَّمَ لَهُ فِي أَوَّلِ الْأَشْرِبَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَيَلْزَمُهُ
كَكُلِّ آكِلِ أَوْ شَارِبِ حَرَامٍ تَقَايُؤُهُ إنْ أَطَاقَهُ كَمَا فِي
الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ، وَلَا نَظَرَ إلَى عُذْرِهِ وَإِنْ لَزِمَهُ
التَّنَاوُلُ لِأَنَّ اسْتِدَامَتَهُ فِي الْبَاطِنِ لَا انْتِفَاعَ بِهَا
وَهُوَ مُحَرَّمٌ وَإِنْ حَلَّ ابْتِدَاؤُهُ لِزَوَالِ سَبَبِهِ
فَانْدَفَعَ اسْتِبْعَادُ الْأَذْرَعِيِّ لِذَلِكَ، وَيُمْكِنُ أَنْ
يُجَابَ بِحَمْلِ مَا مَرَّ مِنْ الْوُجُوبِ عَلَى مَا لَوْ اسْتَقَرَّ فِي
جَوْفِهِ زَمَنًا تَصِلُ مَعَهُ خَاصَّتُهُ إلَى الْبَدَنِ بِحَيْثُ لَا
يَبْقَى فِي بَقَائِهِ فِي جَوْفِهِ نَفْعٌ وَمَا هُنَا عَلَى خِلَافِهِ
(قَوْلُهُ: امْتَنَعَ الْأَكْلُ مِنْهَا) أَيْ لِغَيْرِ نَبِيٍّ لِمَا
يَأْتِي فِيهِ (قَوْلُهُ: قِيلَ وَقِيَاسُهُ) قَائِلُهُ حَجّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
حَذْفُ الْوَاوِ (قَوْلُهُ: لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إسْقَاطِ الْقَتْلِ إلَخْ)
يَرِدُ عَلَيْهِ نَحْوُ الزَّانِي الْمُحْصَنِ وَعِبَارَةُ الْبُلْقِينِيِّ
الْمَنْقُولَةُ عَنْهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَكَذَا مُرَاقُ الدَّمِ مِنْ
الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إسْقَاطِ الْقَتْلِ بِالتَّوْبَةِ
كَتَارِكِ الصَّلَاةِ وَمَنْ قُتِلَ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ انْتَهَتْ.
فَجَعَلَ التَّمَكُّنَ الْمَذْكُورَ قَيْدًا لَا عِلَّةً كَمَا صَنَعَ
الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يُتَوَقَّعْ وُصُولُهُ لِحَلَالٍ) لَعَلَّ
الْمُرَادَ الْحَلَالُ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْمَيْتَةِ لَا
الْحَلَالُ أَصَالَةً فَلْيُرَاجَعْ.
(قَوْلُهُ: وَقِيَاسُهُ عَدَمُ اعْتِبَارِ اتِّحَادِهِمَا نُبُوَّةً)
عِبَارَةُ التُّحْفَةِ وَقِيَاسُهُ أَنَّهَا لَوْ اتَّحَدَا نُبُوَّةً لَمْ
يُنْظَرْ لِذَلِكَ أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَيُتَصَوَّرُ فِي عِيسَى
وَالْخَضِرِ) كَذَا فِي التُّحْفَةِ، وَمُرَادُهُ كَمَا لَا يَخْفَى مِنْ
كَلَامِهِ تَصْوِيرُ النَّبِيِّ الَّذِي يَأْكُلُ: أَيْ فَلَا يُقَالُ:
إنَّ الْأَنْبِيَاءَ قَدْ مَاتُوا فَلَا حَاجَةَ لِهَذَا الْبَحْثِ
فَصَوَّرَهُ
(8/160)
نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِمَا، وَالْمُتَّجَهُ
خِلَافُهُ إذْ هُمَا حَيَّانِ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ، وَإِذَا جَازَ
أَكْلُ الْآدَمِيِّ حَرُمَ طَبْخُهُ وَشَيُّهُ.
نَعَمْ قَيَّدَ ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ بَحْثًا بِمَا إذَا كَانَ
مُحْتَرَمًا، وَالْأَوْجَهُ الْأَخْذُ بِإِطْلَاقِهِمْ، وَقَيَّدَهُ
أَيْضًا بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا أَمْكَنَ أَكْلُهُ نِيئًا، وَيُؤَيِّدُهُ
تَعْلِيلُهُمْ بِانْدِفَاعِ الضَّرَرِ بِدُونِ نَحْوِ طَبْخِهِ وَشَيِّهِ
(وَ) لَهُ بَلْ عَلَيْهِ (قَتْلُ مُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ) وَزَانٍ مُحْصَنٍ
وَتَارِكِ صَلَاةٍ تَوَجَّهَ قَتْلُهُ شَرْعًا وَمَنْ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ
الْقَتْلُ وَإِنْ لَمْ يُؤْذِنْهُ الْإِمَامُ لِلضَّرُورَةِ، وَيُؤْخَذُ
مِنْ هَذَا أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا مُضْطَرِّينَ لَمْ يَلْزَمْ أَحَدًا
بَذْلُ طَعَامِهِ لَهُمْ (لَا ذِمِّيٍّ وَمُسْتَأْمَنٍ) لِعِصْمَتِهِمَا
(وَصَبِيٍّ حَرْبِيٍّ) امْرَأَةٍ حَرْبِيَّةٍ لِحُرْمَةِ قَتْلِهِمْ
(قُلْت: الْأَصَحُّ حِلُّ) (قَتْلِ الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ
الْحَرْبِيِّينَ) وَمِثْلُهُمَا الْخُنْثَى وَالْمَجْنُونُ (لِلْأَكْلِ) (،
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِعَدَمِ عِصْمَتِهِمْ، وَحُرْمَةُ قَتْلِهِمْ
إنَّمَا هُوَ لِحَقِّ الْغَانِمِينَ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ تَجِبْ فِيهِ
كَفَّارَةٌ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ كَمَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ إذَا لَمْ
يُسْتَوْلَ عَلَيْهِمْ وَإِلَّا صَارُوا أَرِقَّاءَ مَعْصُومِينَ لَا
يَجُوزُ قَتْلُهُمْ قَطْعًا لِحَقِّ الْغَانِمِينَ، وَبَحَثَ ابْنُ عَبْدِ
السَّلَامِ حُرْمَةَ قَتْلِ صَبِيٍّ حَرْبِيٍّ مَعَ وُجُودِ حَرْبِيٍّ
بَالِغٍ، وَيَمْتَنِعُ عَلَى وَالِدٍ قَتْلُ وَلَدِهِ لِلْأَكْلِ،
وَسَيِّدٍ قَتْلُ قِنِّهِ لِذَلِكَ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إلَّا أَنْ
يَكُونَ الْقِنُّ ذِمِّيًّا فَكَالْحَرْبِيِّ وَالْأَقْرَبُ خِلَافُهُ.
(وَلَوْ) (وَجَدَ) مُضْطَرٌّ (طَعَامَ غَائِبٍ) (وَلَمْ يَجِدْ سِوَاهُ)
(أَكَلَ) مِنْهُ حَتْمًا مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ فَقَطْ أَوْ مَا يُشْبِعُهُ
بِشَرْطِهِ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لِلضَّرُورَةِ، وَلِأَنَّ الذِّمَمَ
تَقُومُ مَقَامَ الْأَعْيَانِ (وَغَرِمَ) عِنْدَ قُدْرَتِهِ مِثْلَهُ إنْ
كَانَ مِثْلِيًّا وَقِيمَتَهُ إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا حِفْظًا لِحَقِّ
الْمَالِكِ. فَإِنْ كَانَ مَالِكُهُ الْغَائِبُ مُضْطَرًّا اتَّجَهَ مَنْعُ
أَكْلِهِ إنْ كَانَ قَرِيبًا بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ مِنْ زَوَالِ
اضْطِرَارِهِ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَغَيْبَةُ وَلِيِّ الْمَحْجُورِ
كَغَيْبَةِ الْمَالِكِ وَحُضُورُهُ كَحُضُورِهِ، وَيَجُوزُ لَهُ بَيْعُ
مَالِهِ نَسِيئَةً هُنَا وَبِلَا رَهْنٍ لِلضَّرُورَةِ وَإِنْ امْتَنَعَ
فِي غَيْرِ ذَلِكَ (أَوْ) وَجَدَ وَهُوَ غَيْرُ نَبِيٍّ طَعَامَ (حَاضِرٍ
مُضْطَرٍّ لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُهُ) لَهُ (إنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُ) بَلْ
هُوَ أَوْلَى لِخَبَرِ «ابْدَأْ بِنَفْسِك» أَمَّا النَّبِيُّ فَيَجِبُ
عَلَى غَيْرِهِ إيثَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ، وَلَوْ
كَانَ بِيَدِ إنْسَانٍ مَيْتَةٌ قَدَّمَ بِهَا ذُو الْيَدِ عَلَى غَيْرِهِ
كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ خِلَافًا لِلْقَاضِي، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ سَدِّ
رَمَقِهِ شَيْءٌ لَزِمَهُ بَذْلُهُ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَإِنْ
احْتَاجَ إلَيْهِ مَآلًا (فَإِنْ آثَرَ) فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَهُوَ
مِمَّنْ يَصْبِرُ عَلَى الْإِضَاقَةِ عَلَى نَفْسِهِ مُضْطَرًّا
(مُسْلِمًا) مَعْصُومًا (جَازَ) بَلْ نُدِبَ قَوْله تَعَالَى
{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:
9]
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: إذْ هُمَا حَيَّانِ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ) قَدْ يُقَالُ
هَذَا خِلَافُ فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ، إذْ الْكَلَامُ فِيمَا لَوْ مَاتَ
أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَلَا يُنْظَرُ إلَى أَفْضَلِيَّةِ
أَحَدِهِمَا، بَلْ الْحَيُّ يَأْكُلُ مِنْ الْمَيِّتِ وَإِنْ كَانَ
أَفْضَلَ مِنْهُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: مُرَادُهُ أَنَّ النَّبِيَّ حَيٌّ
بَعْدَ مَوْتِهِ فَهُوَ كَمَنْ لَمْ يَمُتْ، فَلَا يَجُوزُ لِلْحَيِّ
الْأَكْلُ مِنْ الْمَيِّتِ، وَقِيَاسُ هَذَا أَنَّ غَيْرَ الشَّهِيدِ
وَبَعْضَ الشُّهَدَاءِ مَعَ بَعْضٍ لَا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْ
الشَّهِيدِ لِمَا صَحَّ مِنْ أَنَّ الشُّهَدَاءَ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ
(قَوْلُهُ: وَحُرْمَةُ قَتْلِهِمْ إنَّمَا هُوَ لِحَقِّ الْغَانِمِينَ)
قَدْ يَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ قَتْلُ عَبْدِ
نَفْسِهِ لِيَأْكُلَهُ وَلَيْسَ مُرَادًا كَمَا سَيَأْتِي فَكَانَ
يَنْبَغِي الِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِهِ وَإِلَّا صَارُوا أَرِقَّاءَ
مَعْصُومِينَ إلَخْ فَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ لِعِصْمَتِهِمْ (قَوْلُهُ:
وَالْأَقْرَبُ خِلَافُهُ) أَيْ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الذِّمِّيِّ وَغَيْرِهِ
(قَوْلُهُ: أَوْ مَا يُشْبِعُهُ بِشَرْطِهِ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَخْشَ
مَحْذُورًا قَبْلَ وُجُودِ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَغَرِمَ عِنْدَ
قُدْرَتِهِ) أَيْ عِنْدَ الْأَكْلِ (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ) (لَهُ) أَيْ
الْوَلِيِّ، وَقَوْلُهُ بَيْعُ مَالِهِ: أَيْ الْمَحْجُورِ، وَقَوْلُهُ
لِلضَّرُورَةِ: أَيْ ضَرُورَةِ الْمُضْطَرِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
بِعِيسَى وَالْخَضِرِ إذَا أَكَلَا مِنْ جُثَّةِ نَبِيٍّ مِنْ
الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ مَاتُوا، ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ هَذَا
غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ إذْ النَّبِيُّ لَا يَتَقَيَّدُ بِرَأْيِ
غَيْرِهِ، وَالشَّارِحُ فُهِمَ عَنْهُ أَنَّ مُرَادَهُ التَّصْوِيرُ
بِعِيسَى وَالْخَضِرِ إذَا أَكَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَأَشَارَ إلَى
رَدِّهِ بِقَوْلِهِ وَالْمُتَّجَهُ خِلَافُهُ إلَخْ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ
هَذَا غَيْرُ مُرَادِ صَاحِبِ التُّحْفَةِ إذْ الْمَأْكُولُ لَيْسَ
مُحْتَاجًا لِتَصْوِيرِهِ (قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ قَطْعًا
لِحَقِّ الْغَانِمِينَ) الْمُرَادُ بِحَقِّ الْغَانِمِينَ هُنَا حَقُّ
الْمِلْكِ بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ قَبْلَهُ فَافْتَرَقَا.
(قَوْلُهُ: دُونَ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ ذَلِكَ الطَّعَامِ (قَوْلُهُ
وَغَيْبَةُ وَلِيِّ الْمَحْجُورِ كَغَيْبَةِ الْمَالِكِ إلَخْ) وَمَعْلُومٌ
أَنَّهُ لَا نَظَرَ لِاضْطِرَارِهِ وَإِنَّمَا يُنْظَرُ لِاضْطِرَارِ
الْمَحْجُورِ
(8/161)
أَمَّا الْمُسْلِمُ غَيْرُ الْمُضْطَرِّ
وَالذِّمِّيُّ وَالْبَهِيمَةُ وَالْمُسْلِمُ الْمُهْدَرُ فَيَمْتَنِعُ
إيثَارُهُ (أَوْ) وَجَدَ طَعَامَ حَاضِرٍ (غَيْرِ مُضْطَرٍّ لَزِمَهُ) أَيْ
مَالِكَ الطَّعَامِ (إطْعَامُ) أَيْ سَدُّ رَمَقِ (مُضْطَرٍّ) أَوْ
إشْبَاعُهُ عَلَى مَا مَرَّ مَعْصُومٌ مُسْلِمٌ (أَوْ ذِمِّيٌّ) أَوْ
مُؤْمِنٌ وَإِنْ احْتَاجَهُ الْمَالِكُ مَآلًا لِلضَّرُورَةِ النَّاجِزَةِ.
وَكَذَا بَهِيمَةٌ لِغَيْرِهِ مُحْتَرَمَةٌ، بِخِلَافِ نَحْوِ حَرْبِيٍّ
وَمُرْتَدٍّ وَزَانٍ مُحْصَنٍ وَكَلْبٍ عَقُورٍ، وَعَلَيْهِ ذَبْحُ شَاتِهِ
لِإِطْعَامِ كَلْبِهِ الْمُنْتَفَعِ بِهِ، وَلَهُ الْأَكْلُ مِنْ لَحْمِهَا
لِأَنَّهَا ذُبِحَتْ لِلْأَكْلِ، وَيَجِبُ إطْعَامُ نَحْوِ صَبِيٍّ
وَامْرَأَةٍ حَرْبِيِّينَ اُضْطُرَّ قَبْلَ اسْتِيلَاءٍ عَلَيْهِمَا
وَبَعْدَهُ، وَلَا يُعَارِضُهُ مَا مَرَّ مِنْ حِلِّ قَتْلِهِمَا لِأَنَّهُ
ثَمَّ لِضَرُورَةٍ فَلَمْ يَكُنْ مُنَافِيًا لِاحْتِرَامِهِمَا هُنَا
وَإِنْ كَانَا غَيْرَ مَعْصُومَيْنِ فِي نَفْسِهِمَا كَمَا مَرَّ آنِفًا
(فَإِنْ مَنَعَ) الْمَالِكُ مِنْ إطْعَامِهِ وَلَا اضْطِرَارَ بِهِ أَوْ
طَلَبَ مِنْهُ زِيَادَةً عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهِ بِقَدْرٍ لَا يَتَغَابَنُ
بِهِ (فَلَهُ) أَيْ الْمُضْطَرِّ وَلَا يَلْزَمُهُ وَإِنْ أَمِنَ
(قَهْرُهُ) عَلَى أَخْذِهِ (وَإِنْ قَتَلَهُ) وَيَكُونُ مُهْدَرًا وَإِنْ
قَتَلَ الْمَالِكُ الْمُضْطَرَّ فِي الدَّفْعِ عَنْ طَعَامِهِ لَزِمَهُ
الْقِصَاصُ، وَإِنْ مَنَعَ مِنْهُ الطَّعَامَ فَمَاتَ جُوعًا فَلَا ضَمَانَ
إذْ لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ فِعْلًا مُهْلِكًا.
وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ لِلْمُضْطَرِّ الذِّمِّيِّ قَتْلَ
الْمُسْلِمِ الْمَانِعِ لَهُ إذَا أَدَّى دَفْعُهُ إلَى ذَلِكَ. قِيلَ
وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَلَا يُنَافِيهِ مَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ
أَكْلِهِ مَيْتَةَ الْمُسْلِمِ لِانْتِفَاءِ تَقْصِيرِ الْمَأْكُولِ مِنْهُ
ثُمَّ يُوَجَّهُ بِخِلَافِ الْمُمْتَنِعِ مُهْدَرٌ لِنَفْسِهِ
بِعِصْيَانِهِ بِالْمَنْعِ وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ، أَمَّا إذَا رَضِيَ
بِبَذْلِهِ لَهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ وَلَوْ بِزِيَادَةٍ يَتَغَابَنُ بِهَا
فَيَلْزَمُهُ قَبُولُهُ بِهَا وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْقَهْرُ (وَإِنَّمَا
يَلْزَمُهُ) أَيْ الْمَالِكَ بَذْلُ مَا ذُكِرَ لِلْمُضْطَرِّ (بِعِوَضٍ
نَاجِزٍ) هُوَ ثَمَنُ الْمِثْلِ زَمَانًا وَمَكَانًا (إنْ حَضَرَ) مَعَهُ
(وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَحْضُرْ مَعَهُ عِوَضٌ بِأَنْ غَابَ مَالُهُ (فَ)
لَا يَلْزَمُهُ بَذْلُهُ مَجَّانًا مَعَ اتِّسَاعِ الْوَقْتِ بَلْ بِعِوَضٍ
(بِنَسِيئَةٍ) مُمْتَدَّةٍ لِزَمَنِ وُصُولِهِ، وَدَعْوَى أَنَّهُ
يَبِيعُهُ بِحَالٍ وَلَا يُطَالِبُهُ بِهِ إلَّا عِنْدَ يَسَارِهِ
مَرْدُودَةٌ لِأَنَّهُ قَدْ يُطَالِبُهُ بِهِ قَبْلَ وُصُولِهِ لِمَالِهِ
مَعَ عَجْزِهِ عَنْ إثْبَاتِ إعْسَارِهِ فَيَحْبِسُهُ، أَمَّا إذَا لَمْ
يَكُنْ لَهُ مَالٌ أَصْلًا فَلَا مَعْنَى لِوُجُوبِ الْأَجَلِ لِأَنَّهُ
لَا حَدَّ لِلْيَسَارِ يُؤَجَّلُ إلَيْهِ.
أَمَّا مَعَ الضِّيقِ لِلْوَقْتِ عَنْ تَقْدِيرِ عِوَضٍ بِأَنْ كَانَ لَوْ
قَدَّرَ مَاتَ فَيَلْزَمُهُ إطْعَامُهُ مَجَّانًا، وَلَوْ اشْتَرَاهُ
بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ وَلَوْ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَتَغَابَنُ
بِهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى قَهْرِهِ وَأَخْذِهِ مِنْهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ ذَبْحُ شَاةٍ لِإِطْعَامِ كَلْبِهِ الْمُنْتَفَعِ
بِهِ) قِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ لَهُ أَنَّ مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ وَلَا
مَضَرَّةَ مُحْتَرَمٌ ذَبْحُهَا لَهُ هُنَا، وَالْقِيَاسُ أَنَّ الْحُكْمَ
لَا يَتَقَيَّدُ بِكَلْبِهِ بَلْ يَجِبُ ذَبْحُ شَاتِهِ لِكَلْبِ غَيْرِهِ
الْمُحْتَرَمِ وِقَايَةً لِرُوحِهِ (قَوْلُهُ: وَلَا اضْطِرَارَ بِهِ) أَيْ
بِالْمَالِكِ وَيَصْدُقُ الْمَالِكُ فِي دَعْوَاهُ الِاضْطِرَارَ،
وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَى كَذِبِهِ فِي دَعْوَاهُ
الِاضْطِرَارَ لَمْ يُصَدَّقْ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَالْمُعْتَمَدُ
خِلَافُهُ) أَيْ فَلَوْ خَالَفَ وَقَتَلَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْتَلَ
فِيهِ لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ وَهِيَ الِاضْطِرَارُ
بَلْ يَضْمَنُهُ بِدِيَةِ عَمْدٍ (قَوْلُهُ: مَعَ اتِّسَاعِ الْوَقْتِ)
أَيْ لِزَمَنِ الصِّيغَةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا حَدَّ لِلْيَسَارِ
يُؤَجَّلُ إلَيْهِ) أَيْ فَيُطْعِمُهُ مَجَّانًا، وَعِبَارَةُ حَجّ: ثُمَّ
إنْ قَدَّرَ الْعِوَضَ وَأَفْرَزَ لَهُ الْمُعَوِّضُ مِلْكَهُ بِهِ
كَائِنًا مَا كَانَ وَإِنْ كَانَ الْمُضْطَرُّ مَحْجُورًا وَقَدَّرَهُ
وَلِيُّهُ بِأَضْعَافِ ثَمَنِ مِثْلِهِ لِلضَّرُورَةِ، وَإِنْ لَمْ
يُقَدِّرْهُ أَوْ لَمْ يُفْرِزْهُ لَهُ لَزِمَهُ مِثْلُ الْمِثْلِيِّ
وَقِيمَةُ الْمُتَقَوِّمِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ (قَوْلُهُ:
أَمَّا مَعَ إلَخْ) وَقَدْ يُسْتَشْكَلُ بِأَنَّ مَنْ لَا مَالَ لَهُ
يَجِبُ إطْعَامُهُ عَلَى أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا الْمُضْطَرُّ
لَا مَالَ لَهُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ هُنَا أَنَّ
مَالِكَ الطَّعَامِ لَيْسَ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ (قَوْلُهُ فَيَلْزَمُهُ
إطْعَامُهُ مَجَّانًا) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ مَجَّانًا أَنَّهُ
لَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرِ عِوَضٍ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُضْطَرُّ
غَنِيًّا وَجَبَ عَلَيْهِ الْبَدَلُ حَيْثُ أَعْطَاهُ بِنِيَّةِ الْبَدَلِ،
لَكِنْ فِي كَلَامِ حَجّ بَعْدَ هَذَا مَا نَصُّهُ: وَيُفَرَّقُ بَيْنَ
هَذَا وَمَا لَوْ أُوجِرَ الْمُضْطَرُّ قَهْرًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
وَإِنْ أَوْهَمَ التَّشْبِيهُ خِلَافَهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا ذُبِحَتْ
لِلْأَكْلِ) يُوهِمُ أَنَّهَا إذَا ذُبِحَتْ لِغَيْرِ الْأَكْلِ لَا
تَحِلُّ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ.
(8/162)
لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ عَجَزَ عَنْ
قَهْرِهِ وَأَخْذِهِ، وَلَا أُجْرَةَ لِمَنْ خَلَّصَ مُشْرِفًا عَلَى
هَلَاكٍ مَعَ ضِيقِ الْوَقْتِ عَنْ تَقْدِيرِ الْأُجْرَةِ لِلُزُومِ ذَلِكَ
عَلَيْهِ مَجَّانًا حِينَئِذٍ، فَإِنْ اتَّسَعَ لَمْ يَجِبْ تَخْلِيصُهُ
إلَّا بِهَا، كَذَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ (فَلَوْ
أَطْعَمَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ عِوَضًا فَالْأَصَحُّ لَا عِوَضَ) حَمْلًا لَهُ
عَلَى الْمُسَامَحَةِ الْمُعْتَادَةِ فِي الطَّعَامِ لَا سِيَّمَا فِي
حَقِّ الْمُضْطَرِّ.
وَالثَّانِي يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ خَلَّصَهُ مِنْ الْهَلَاكِ بِذَلِكَ
فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْبَدَلِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ كَمَا فِي الْعَفْوِ
عَنْ الْقِصَاصِ يَلْزَمُهُ مَعَهُ الدِّيَةُ مُفَرَّعٌ عَلَى رَأْيٍ
مَرْجُوحٍ فِي ذَلِكَ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ مَا لَمْ يُصَرِّحْ
بِالْإِبَاحَةِ، فَإِنْ صَرَّحَ بِهَا فَلَا عِوَضَ قَطْعًا.
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَكَذَا لَوْ ظَهَرَتْ قَرِينَتُهَا، فَإِنْ
اخْتَلَفَا فِي ذِكْرِ الْعِوَضِ صُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ، إذْ لَوْ
لَمْ يُصَدِّقْهُ لَرَغِبَ النَّاسُ عَنْ إطْعَامِ الْمُضْطَرِّ وَأَفْضَى
ذَلِكَ إلَى الضَّرَرِ
(وَلَوْ) (وَجَدَ مُضْطَرٌّ مَيْتَةً) غَيْرَ آدَمِيٍّ مُحْتَرَمٍ
(وَطَعَامَ غَيْرِهِ) الْغَائِبِ لَزِمَهُ أَكْلُهَا عَلَى الْمَذْهَبِ
لِإِبَاحَتِهَا لَهُ بِالنَّصِّ الَّذِي هُوَ أَقْوَى مِنْ الِاجْتِهَادِ
الْمُبِيحِ لَهُ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، أَمَّا الْحَاضِرُ
فَإِنْ بَذَلَهُ لَهُ وَلَوْ بِثَمَنِ مِثْلِهِ أَوْ بِزِيَادَةٍ
يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِهَا وَهُوَ مَعَهُ وَلَوْ بِبَذْلِ سَاتِرِ
عَوْرَتِهِ حَيْثُ لَمْ يَخَفْ هَلَاكًا بِنَحْوِ بَرْدٍ أَوْ رَضِيَ
بِذِمَّتِهِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْمَيْتَةُ أَوْ لَا يُتَغَابَنُ بِهَا
حَلَّتْ وَلَا يُقَاتِلُهُ هُنَا إنْ امْتَنَعَ مُطْلَقًا (أَوْ) وَجَدَ
مُضْطَرٌّ (مُحْرِمٌ) أَوْ بِالْحَرَمِ (مَيْتَةً وَصَيْدًا) حَيًّا
(فَالْمَذْهَبُ) أَنَّهُ يَلْزَمُهُ (أَكْلُهَا) لِعَدَمِ ضَمَانِهَا
وَذَبْحُ الصَّيْدِ حَرَامٌ وَيَصِيرُ بِهِ مَيْتَةً أَيْضًا، وَيَحْرُمُ
أَكْلُهُ وَيَجِبُ فِيهِ الْجَزَاءُ، فَفِي الْأَوَّلِ تَحْرِيمٌ وَاحِدٌ
فَكَانَتْ أَخَفَّ، أَوْ مَيْتَةً وَلَحْمَ صَيْدٍ ذَبَحَهُ مُحْرِمٌ
تَخَيَّرَ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ مُحْرِمٌ أَوْ مَنْ بِالْحَرَمِ
إلَّا صَيْدًا ذَبَحَهُ وَأَكَلَهُ وَافْتَدَى، أَوْ مَيْتَةً أَكَلَهَا
وَلَا فِدْيَةَ أَوْ صَيْدًا وَطَعَامَ الْغَيْرِ فَالظَّاهِرُ تَعَيُّنُ
الثَّانِي لِأَنَّهُمَا وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي الضَّمَانِ فَطَعَامُ
الْغَيْرِ حَلَالٌ وَالصَّيْدُ يَصِيرُ مَيْتَةً بِذَبْحِ الْمُحْرِمِ،
وَلَوْ عَمَّ الْحَرَامُ الْأَرْضَ جَازَ لَهُ الِاسْتِعْمَالُ مِنْهُ
بِقَدْرِ مَا تَمَسُّ حَاجَتُهُ إلَيْهِ دُونَ مَا سِوَى ذَلِكَ،
وَمَحَلُّهُ إذَا تَوَقَّعْنَا مَعْرِفَةَ أَرْبَابِهِ وَإِلَّا صَارَ
مَالًا ضَائِعًا فَيَنْتَقِلُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَيَأْخُذُ مِنْهُ
بِقَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّهُ فِيهِ (وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُ) (قَطْعِ
بَعْضِهِ) أَيْ بَعْضِ نَفْسِهِ (لِأَكْلِهِ) بِلَفْظِ الْمَصْدَرِ
لِتَوَقُّعِ الْهَلَاكِ مِنْهُ (قُلْت: الْأَصَحُّ جَوَازُهُ) لِمَا
يَسُدُّ بِهِ رَمَقَهُ أَوْ لِمَا يُشْبِعُهُ عَلَى مَا مَرَّ إذْ هُوَ
قَطْعُ بَعْضٍ لِاسْتِبْقَاءِ كُلٍّ فَأَشْبَهَ قَطْعَ يَدٍ مُتَآكِلَةٍ
(وَشَرْطُهُ) أَيْ حِلِّ قَطْعِ الْبَعْضِ (فَقْدُ الْمَيْتَةِ
وَنَحْوِهَا) كَطَعَامِ الْغَيْرِ فَمَتَى وَجَدَ مَا يَأْكُلُهُ حَرُمَ
ذَلِكَ قَطْعًا (وَأَنْ) لَا يَكُونَ فِي قَطْعِهِ خَوْفٌ أَصْلًا أَوْ
(يَكُونَ الْخَوْفُ فِي قَطْعِهِ أَقَلَّ) مِنْهُ فِي تَرْكِهِ، فَإِنْ
كَانَ مِثْلَهُ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ الْخَوْفُ فِي الْقَطْعِ فَقَطْ حَرُمَ
مُطْلَقًا.
وَإِنَّمَا جَازَ قَطْعُ السِّلْعَةِ فِي حَالَةِ تَسَاوِي الْخَطَرَيْنِ
لِأَنَّهَا لَحْمٌ زَائِدٌ وَيَزُولُ الشَّيْنُ بِقَطْعِهَا وَيَحْصُلُ
بِهِ الشِّفَاءُ، وَهَذَا تَغْيِيرٌ وَإِفْسَادٌ لِلْبِنْيَةِ
الْأَصْلِيَّةِ فَكَانَ أَضْيَقَ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ كَانَ مَا يُرَادُ
قَطْعُهُ نَحْوَ سِلْعَةٍ أَوْ يَدٍ مُتَآكِلَةٍ جَازَ هُنَا حَيْثُ
يَجُوزُ قَطْعُهَا فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ فِي الْأَوْلَى قَالَهُ
الْبُلْقِينِيُّ (وَيَحْرُمُ) (قَطْعُهُ) أَيْ الْبَعْضِ مِنْ نَفْسِهِ
(لِغَيْرِهِ) وَلَوْ مُضْطَرًّا مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْغَيْرُ نَبِيًّا
فَيَجِبُ لَهُ ذَلِكَ (وَمِنْ مَعْصُومٍ) لِأَجْلِ نَفْسِهِ (وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ) وَالْمَعْصُومُ هُنَا مَا يَمْتَنِعُ قَتْلُهُ لِلْأَكْلِ،
أَمَّا غَيْرُ الْمَعْصُومِ كَمُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ فَيَجُوزُ قَطْعُ
الْبَعْضِ مِنْهُ لِأَكْلِهِ، وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ
تَحْرِيمِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْذِيبِ رُدَّ بِأَنَّهُ أَخَفُّ
الضَّرَرَيْنِ، وَلَوْ وَجَدَ مَرِيضٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: لَزِمَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ: لَمْ يَجِبْ تَخْلِيصُهُ
إلَّا بِهَا) وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ حَجّ، وَلَوْ
قِيلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ مَا هُنَا وَثَمَّ بِأَنَّ النُّفُوسَ
مَجْبُولَةٌ عَلَى عَدَمِ بَذْلِ الْمَالِ بِخِلَافِ الْبَدَنِ لَمْ
يَبْعُدْ (قَوْلُهُ: صُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ) وَلَوْ اتَّفَقَا
عَلَى ذِكْرِهِ وَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ تَحَالَفَا ثُمَّ يَفْسَخَانِهِ
هُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ الْحَاكِمُ وَيَرْجِعُ إلَى الْمِثْلِ أَوْ
الْقِيمَةِ، فَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْقِيمَةِ بَعْدَ ذَلِكَ
صُدِّقَ الْغَارِمُ
(قَوْلُهُ: فَالظَّاهِرُ تَعَيُّنُ الْأَوَّلِ) وَفِي نُسْخَةٍ الثَّانِي
لِأَنَّهُمَا وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي الضَّمَانِ فَطَعَامُ الْغَيْرِ
حَلَالٌ وَالصَّيْدُ يَصِيرُ مَيْتَةً بِذَبْحِ الْمُحْرِمِ (قَوْلُهُ:
وَلَوْ عَمَّ الْحَرَامُ إلَخْ) وَهِيَ الظَّاهِرَةُ لِمَا عَلَّلَ بِهِ،
وَفِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ مَا يُوَافِقُ مَا فِي الْأَصْلِ
نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الْبَهْجَةِ (قَوْلُهُ: بِقَدْرِ مَا تَمَسُّ
حَاجَتُهُ إلَيْهِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى حَدِّ الضَّرُورَةِ
(قَوْلُهُ: أَوْ يَدٍ مُتَآكِلَةٍ) أَيْ أَوْ نَحْوِ يَدٍ (قَوْلُهُ فِي
حَالَةِ الِاخْتِيَارِ فِي الْأُولَى) عِبَارَةُ حَجّ:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(8/163)
طَعَامًا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ يَضُرُّهُ وَلَوْ بِزِيَادَةِ مَرَضِهِ
فَلَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ، وَيُكْرَهُ ذَمُّ الطَّعَامِ لَا صَنْعَتُهُ
وَالزِّيَادَةُ عَلَى الشِّبَعِ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ، وَلَا ضَرَرَ
عَلَيْهِ فِيهَا وَالثِّمَارُ وَالزَّرْعُ فِي التَّحْرِيمِ عَلَى غَيْرِ
مَالِكِهَا وَالْحِلُّ لَهُ كَغَيْرِهَا، فَلَوْ جَرَتْ الْعَادَةُ
بِأَكْلِ مَا تَسَاقَطَ مِنْهَا جَازَ، إلَّا إنْ حَوَّطَ عَلَيْهِ أَوْ
مَنَعَ مِنْهُ الْمَالِكَ، وَلَهُ الْأَكْلُ مِنْ طَعَامٍ غَلَبَ عَلَى
ظَنِّهِ رِضَا الْمَالِكِ بِهِ فَإِنْ شَكَّ حَرُمَ، وَنُدِبَ تَرْكُ
تَبَسُّطٍ فِي طَعَامٍ إلَّا فِي حَقِّ الضَّيْفِ.
كِتَابُ الْمُسَابَقَةِ عَلَى نَحْوِ خَيْلٍ
وَتُسَمَّى الرِّهَانَ وَقَدْ تَعُمُّ مَا بَعْدَهَا، بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِ
الْأَزْهَرِيِّ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لَهُمَا، فَعَلَيْهِ الْعَطْفُ
الْآتِي عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ مِنْ السَّبْقِ بِسُكُونِ الْبَاءِ
وَهُوَ التَّقَدُّمُ، وَأَمَّا بِالتَّحْرِيكِ فَهُوَ الْمَالُ
الْمَوْضُوعُ بَيْنَ السِّبَاقِ (وَالْمُنَاضَلَةُ) عَلَى نَحْوِ
السِّهَامِ مِنْ " نَضَلَهُ " بِمَعْنَى غَلَبَهُ.
وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {وَأَعِدُّوا
لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60] وَخَبَرُ
الصَّحِيحَيْنِ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجْرَى
مَا ضُمِّرَ مِنْ الْخَيْلِ مِنْ الْحَفْيَاءِ إلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ،
وَمَا لَمْ يُضَمَّرْ مِنْ الثَّنِيَّةِ إلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ.
وَهَذَا الْبَابُ لَمْ يَسْبِقْ لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
أَحَدٌ إلَى تَصْنِيفِهِ (هُمَا) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا (سُنَّةٌ)
لِلْمُتَأَهِّبِ لِلْجِهَادِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الرِّجَالِ كَمَا يَأْتِي
لِمَا ذُكِرَ دُونَ النِّسَاءِ وَالْخَنَاثَى لِعَدَمِ تَأَهُّلِهِمَا
لَهُمَا، وَيُتَّجَهُ حُرْمَةُ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا بِمَالٍ لَا بِغَيْرِهِ،
وَيُكْرَهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً لِمَنْ عَرَفَ الرَّمْيَ تَرَكَهُ لِخَبَرِ
مُسْلِمٍ «مَنْ تَعَلَّمَ الرَّمْيَ ثُمَّ تَرَكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا أَوْ
فَقَدْ عَصَى» وَالْمُنَاضَلَةُ آكَدُ مِنْ شَقِيقَتِهَا لِلْآيَةِ
وَلِخَبَرِ السُّنَنِ «ارْمُوا وَارْكَبُوا، وَأَنْ تَرْمُوا خَيْرٌ لَكُمْ
مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا» وَلِأَنَّهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
بِالْأَوْلَى وَهِيَ أَوْلَى (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ ذَمُّ الطَّعَامِ لَا
صَنْعَتُهُ) قَدْ يُقَالُ: ذَمُّ صَنْعَتِهِ يَسْتَلْزِمُ ذَمَّهُ
(قَوْلُهُ: وَنُدِبَ تَرْكُ تَبَسُّطٍ) أَيْ تَوَسُّعٍ (قَوْلُهُ: إلَّا
فِي حَقِّ الضَّيْفِ) أَيْ فَلَا يُنْدَبُ تَرْكُ التَّبَسُّطِ مِنْ
صَاحِبِ الطَّعَامِ إكْرَامًا لِلضَّيْفِ.
[تَتِمَّةٌ] فِي إعْطَاءِ النَّفْسِ حَظَّهَا مِنْ الشَّهَوَاتِ
الْمُبَاحَةِ مَذَاهِبُ ذَكَرَهَا الْمَاوَرْدِيُّ: أَحَدُهَا مَنْعُهَا
وَقَهْرُهَا كَيْ لَا تَطْغَى.
وَالثَّانِي إعْطَاؤُهَا تَحَيُّلًا عَلَى نَشَاطِهَا وَبَعْثِهَا
لِرُوحَانِيَّتِهَا.
وَالثَّالِثُ قَالَ وَالْأَشْبَهُ التَّوَسُّطُ لِأَنَّ فِي إعْطَاءِ
الْكُلِّ سَلَاطَةً وَفِي مَنْعِ الْكُلِّ بَلَادَةً اهـ عَمِيرَةٌ. |