إرشاد
السالك إلى أشرف المسالك في فقه الإمام مالك كتاب الطهارة
(2)
- لا يَرْفَعُ الْحَدَثَ (3) وَاَلْخَبَثَ إِلاَّ اَلْمَاءُ اَلْمُطْلَقُ.
وَهُوَ مَا كَانَ عَلى خِلْقَتِهِ أَوْ تَغَيَّرَ بِمَا لا يَنْفَكُّ
غَالِباً كَقَرَارِهِ (4) ، وَاَلْمُتَوَلِّدِ مِنْهُ (5) وَيُكْرَهُ
اَلْوُضُوءُ بِالْمُسْتَعْمَلِ (6) وَيَسِيرٌٍ حَلَّتْه نَجَاسَةً لَمْ
تُغَيِّرْهُ (7) ، وَسُؤْرِ مَا لا يَتَوَقَّى النَّجَاسَةَ لا مَا
أَفْضَلَتْهُ اَلْبَهَائِمُ، أَوْ تَطَهَّرَتْ مِنْهُ امْرَأَةٌ خَلَتْ
بِهِ، وَمَا تَغَيَّرَ بِمُخَالَطَةِ أَجْنَبِيٍّ كَالْخَلِّ وَالْبَوْلِ
سَلَبَهُ الطُّهُورِيَّةَ، وَأَكْسَبَهُ حُكْمَهُ، وَيُكْرَهُ مِنْ آنِيَةِ
عِظَامِ الْمَيْتَةِ وَجِلْدِهَا (8) ، وَيَحْرُمُ مِنَ النَّقْدَيْنِ
وَيُجْزِئُ (9) ، وَيَجِبُ التَّحَرِّي فِي اشْتِبَاهِ الطَّاهِرِ
بِالنَّجِسِ فَيَتَوَضَّأُ بِمَا يَغْلِبُ عَلى ظَنِّهِ طَهَارَتُهُ
وَقِيلَ يَتَوَضَّأُ مِنْ أَحَدِهِمَا
_________
(1) مذهب اسم مكان الذهاب وهو هنا مجاز إذ المراد به ما ذهب إليه مالك رحمه
الله تعالى من الأحكام الفقهية وما رآه فيها بحسب اجتهاده على أساس الأصول
التي اختارها وبنى اجتهاده عليها وهي سبعة عشر أصلاً: نص الكتاب، وظاهره أي
العموم، ودليله - أي مفهوم المخالفة - ويسمى دليل الخطاب، ومفهوم الكتاب
وهو مفهوم الموافقة الأولوي، وشبهه - أي الكتاب وهو للتنبيه على العلة.
ومثل هذه الخمسة من السنة. والإجماع، والقياس، وعمل أهل المدينة، وقول
الصحابي، والاستحسان، وسد الذرائع، والاستصحاب.
أما مراعاة الخلاف فلا يعتبرها دائماً بل بحسب ما تدعو إليها الحاجة.
وقد توسع متأخروا المالكية في الاستحسان وسد الذرائع، وفي دعوى عمل أهل
المدينة توسعاً خارجاً عن حد المعقول كما تبين من مراجعة كتب العمليات
والنوازل.
(2) الطهارة بفتح الطاء معناها التطهير وأما بضمها فهي الماء أو التراب
الذي يتطهر به وأما بكسرها فهي ما يضاف إلى الماء من صابون ونحوه وبدأ
المؤلف بالطهارة لأنها مفتاح الصلاة التي هي أعظم أركان الإسلام بعد
الشهادتين.
(3) الحدث وصف يقوم بالجسم أو بأعضاء الوضوء يمنع صحة صلاة قبل زواله وسببه
الجنابة أو الحيض والنفاس أو خروج شيء من السبيلين أو غير ذلك كما سيأتي في
أسباب الحدث، والخبث هو النجاسة، ومعنى رفعها تطهيرها بإزالة عينها وطعمها
وريحها بالماء أو في الاستنجاء.
(4) قرار الماء الأرض أو قاع الحوض ونحوه مما يحوي الماء.
(5) والمتولد منه كبعض النباتات الخضراء التي تتولد بنفسها من وجود الماء
كالطحلب والأعشاب الصغيرة والسمك والدود ونحوها.
(6) يكره أن يتوضأ الشخص بالماء المستعمل بشروط ثلاثة:
-1- أن يكون الماء يسيراً لا كثيراً فلو كان كثيراً واستعمل قبل ذلك في رفع
حدث فلا يضر ويجوز الوضوء به. -2- أن يكون استعمل في رفع حدث سابق على
الاستعمال الثاني. -3- أن يكون استعماله ثانياً في رفع حدث أيضاً فلو
استعمل الماء المستعمل أولاً في رفع حدث لإزالة حكم نجس جاز ذلك ولم يضره
الاستعمال الأول.
(7) أي يكره الوضوء بالماء القليل الذي فيه نجاسة لم تغيره فإذا غيرته لم
يصح به الوضوء.
(8) أي يكره الوضوء بالماء الموضوع في آنية من عظام الميتة أو من جلدها.
(9) أي يحرم الوضوء من آنية الذهب والفضة ولكنه يجزئ الوضوء به يرفع الحدث.
(1/3)
وَيُصَلِّي وَيَغْسِلُ أَعْضَاءَهُ مِنَ
الثَّانِي، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيُصَلِّي، فَإِنْ كَثُرَتْ زَادَ عَلى
عَدَدِ النَّجَاسَةِ وَاحِدَةً (1) وَإِذَا مَاتَ بَرِّيٌّ ذُو نَفْسٍ (2)
سَائِلَةٍ فِي بِئْرٍ، فَإِنْ تَغَيَّرَ وَجَبَ نَزْحُهُ حَتَّى يَزُولَ
التَّغَيُّرُ، فَإِنْ زَالَ بِنَفْسِهِ فَالظَّاهِرُ عَوْدُهُ إِلى
أَصْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرِ اسْتُحِبَّ النَّزْحُ بِحَسَبِ الْمَاءِ
وَالْمَيْتَةِ.
(فصل) الْمَيْتَاتُ وَالْمُسْكِرَاتُ
- الْمَيْتَاتُ وَالْمُسْكِرَاتُ كُلُّهَا نَجِسَةٌ إِلاَّ دَوَابُّ ومَا
لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ (3) وَأَجْزَاءُ الْمَيْتَةِ نَجِسَةٌ إِلاَّ
الشُّعُورُ وَمُشْبِهُهَا مِنَ الرِّيشِ، وَفِي طَرَفِ الْقَرْنِ
وَالظَّلْفِ وَالْعَاجِ خِلافٌ (4) . وَمَا أُبِينَ (5) مِنْ حَيٍّ فَهُوَ
مَيْتَةٌ، وَفِي طَهَارَةِ جِلْدِهَا بِالدِّبَاغِ خِلافٌ (6) ، وَسُؤْرُ
(7) الْحَيَوَانِ وَعَرَقُهُ طَاهِرٌ إِلاَّ مَا يَتَنَاوَلُ النَّجَاسَةَ
فَيُكْرَهُ إِلاَّ مَا كَانَ عَلى فِيهِ نَجَاسَةٌ ظَاهِرَة فَيَكُونُ
حُكْمُ سُؤْرِهِ حُكْمَ مَا حَلَّتْهُ، وَيَجِبُ غَسْلُ الإِنَاءِ مِن
وُلُوغِ الْكَلْبِ فِي الْمَاءِ سَبْعاً، وَفي إِلْحَاقِ الْخِنْزِيرِ
بِهِ، وَإِنَاءِ غَيْرِ الْمَاءِ وَالاِنَتِفَاعِ: بِمَا فِيهِ خِلافٌ وَلا
خِلافَ فِي نَجَاسَةِ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ (8) وَالأَرْوَاثُ
وَالأَبْوَالُ وَالْمَنْيُ تَوَابِعٌ (9) إِلاَّ أَنْ يَتَغَذَّى
الْمَأْكُولُ بِنَجَاسَةٍ فَيَنْجُسُ رَوْثُهُ وَبَوْلُهُ لا لَحْمُهُ
وَفِي لَبَنِهِ وَبَيْضِهِ وَرَمَادِ النَّجَاسَةِ وَالْمُسْتَحْجِرِ مِنَ
الْخَمْرِ فِي أَوَانِيهَا خِلافٌ وَفِي الآدَمِيِّ لا خِلافَ فِي
نَجَاسَةِ الْبَوْلِ
_________
(1) هذا ما مشى عليه خليل حيث قال: وإذا اشتبه طهور بمتنجس أو نجس صلى بعدد
النجس وزيادة إناء أهـ.
(2) أي له دم يسيل، فإذا لم يكن الميت له دم يسيل كالجراد والذباب فلا يضر
موته الماء إذا كثر كثرة تغير الماء، وقوله بري خرج البحري كالسمك ونحوه
مما لا يعيش إلا في الماء فلا تضر ميتته.
(3) مثل ذلك ميتة الآدمي فهي طاهرة على الصحيح ولو كان الميت كافراً لقوله
تعالى {ولقد كرمنا بني آدم} .
(4) أظهره النجاسة. وقيل يكره تنزيهاً.
(5) أي ما قطع من الحي كرجل وذراع أو قطعة من لحمه وهو حي فهو ميتة يحكم
لها بما يحكم للحيوان بعد موته.
(6) الراجح في المذهب عدم طهارة الجلد، بالدباغ، وأما قوله صَلى اللهُ
عَليه وَسَلَم "أيما إهاب دبغ فقد طهر" والإهاب الجلد فمحمول على الطهارة
اللغوية وبعض أهل المذهب جمله على الطهارة الشرعية حملاً لألفاظ الشارع على
الحقائق الشرعية وعلى هذا الرأي بالطهارة أبو حنيفة والشافعي وأحمد ولكنه
ضعيف عند المالكية.
(7) سؤر الحيوان أي ما يبقى بعد شربه.
(8) أي السائل أما الدم الجامد كالكبد والطحال فهي طاهرة.
(9) فهي من مأكول اللحم المباح طاهرة ومن المحرم والمكروه نجسة.
(1/4)
وَالْعَذْرَةِ وَالدَّمِ وَشِبْهِهِ
وَالْقَيْءِ الْمُتَغَيِّرِ عَنْ حَالِ الطَّعَامِ وَلا خِلافَ فِي
طَهَارَةِ الدَّمْعِ وَالبُصَاقِ وَالْمُخَاطِ وَاللَّبَنِ، وَالْمَشْهُورُ
نَجَاسَةُ مَنِيِّهِ، وَهَلُ يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ قَوْلانِ (1)
وَالْمِسْكُ طَاهِرٌ، وَإِذَا مَاتَتْ فَأْرَةٌ وَنَحْوُهَا فِي زَيْتٍ
أَوْ سَمْنٍ جَامِد وَنَحْوِهِ طُرِحَتْ وَمَا حَوْلَهَا، وَفِي مَائِعٍ
يَنْجُسُ، وَلا تَطْهُرُ أَوَانِي الْخَمْرِ بِغَسْلِهَا وَيَكْفِي فِي
الصَّقِيلِ كَالسَّيْفِ مُبَالَغَةُ الْمَسْحِ.
(فصل) آداب الحاجة
- مُريد الْبَرَازِ (2) فِي الصَّحْرَاءِ يَطْلُبُ مَوْضِعاً مُطْمَئِنّاً
رَخْواً بَعِيداً عَنِ النَّاِس لا يَسْتَقْبِلُ وَلا يَسْتَدْبِرُهَا وَلا
يَكْشِفُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنَ الأَرْضِ وَيَتَّقِي الظِّلَّ
وَالشَّاطِئَ الرَّاكِدَ (3) وَالْحَجَرَ، وَفِي الْكَنِيفِ يُزِيلُ عَنْهُ
اسْمَ اللهِ تَعَالى، يُقَدِّمُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى قَائِلاً: بِسْمِ
اللهِ أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ، وَمِنَ الرِّجْسِ
النَّجِسِ، وَمِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَالْيُمْنَى فِي الْخُرُوجِ
قَائِلاً: الْحَمُد لِلّهِ الّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الأَذَى وَعَافَانِي،
وَيَجْتَهِدُ فِي الاِسْتِبْرَاءِ وَيَسْتَجْمِرُ بِثَلاثَةِ أَحْجَارٍ
وَفِي مَعْنَاهَا كُلُّ جَامِدٍ طَاهِرٍ غَيْرِ مُحْتَرَمٍ، وَيُجْزِئُ
الْوَاحِدُ إِنْ أَنْقَى (4) ، وَيَزِيدُ عَلَيْهَا إِنِ احْتَاجَ
وَالْمَاءُ أَفْضَلُ كَجَمْعِهِمَا وَيَتَعَيَّنُ فِي الْمَذْيِ عَلى
الْمَشْهُورِ، وَهَلْ يَغْسِلُ مِنْهُ جَمِيعَ الذَّكَرِ أَوِ الْمَخْرَجِ
_________
(1) الصحيح أن الإنسان طاهر في حياته وبعد موته، لأن أحد الصحابة قابل رسول
الله صَلى اللهُ عَليه وَسَلَم وهو جنب فاستخفى منه إلى أن اغتسل ثم لقيه
صَلى اللهُ عَليه وَسَلَم فقال الصحابي: قابلتك وأنا أجنب فكرهت لقاءك وأنا
نجس فقال النبي صَلى اللهُ عَليه وَسَلَم: "سبحان الله إن المؤمن لا ينجس
حيّاً ولا ميتاً".
(2) البراز بفتح الباء قضاء الحاجة أما بكسر الباء فهو مصدر بارزه برازاً
ومبارزة إذا خرج للقائه في الحرب.
(3) أي الماء الراكد الذي لا يجري لأن البراز فيه يسبب انتشار الأمراض التي
تفتك بصحة بني الإنسان كالبلهارسيا والأسْكَارِس ونحوهما، مما أخر صحة
الفلاحين وجعلهم قليلي العمل والإنتاج.
(4) أي يكفي الحجر الواحد في الاستنجاء إذا أزال النجاسة وجعل موضعها نقياً
منها.
(1/5)
قَوْلانِ (1) ، وَيَسْتَجْمِرُ بِشِمَالِهِ
يَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ قَبْلَ مُلاقاتِهَا الأَذَى يَبْتَدِئُ
بِقُبُلِهِ، فَإِنْ كَانَ فِيها خَاتَمٌ فِيهِ ذِكْرُ اللهِ نَقَلَهُ إِلى
الْيُمْنَى.
(فصل) فُرُوضُ الْوُضُوءِ
- فُرُوضُ الْوُضُوءِ غَسْلُ الْوَجْهِ مِنْ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ
الْمُعْتَادِ إِلى آخِرِ الذَّقْنِ أَوِ اللِّحْيَةِ (2) ، وَمِنَ الأُذُنِ
إِلى الأُذُنِ، وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ مَعَ الْمِرْفَقَيْنِ وَمَسْحُ
جَمِيعِ الرَّأْس مُبَاشَرَةً وَغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ مَعَ الْكَعْبَيْنِ
وَفِي تَخْلِيلِ الأَصَابِعِ خِلافٌ (3) ، وَالْمَوالاةُ (4) مَعَ
الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ، فَفِي النِّسْيَانِ مُطْلَقاً، وَفِي الْعَجْزِ
مَا لَمْ يَطُلِ الْفصل وَالنِّيَّةُ شَرْطٌ. فَفِي طَهَارَةِ الْحَدَثِ
(5) ، يَنْوِي بِهِ رَفْعَ الْحَدَثِ أَوِ اسْتِبَاحَةَ مَا يَمْنَعُهُ
عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ، وَقِيلَ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ وَاسْتِدَامَتُهَا
شَرْط إِلى آخِرِهِ، وَلا يُضُرُّهُ اخْتِلاسُهَا مَا لَمْ يَقْصِدْ
رَفْضَهَا وَالدَّلْكُ فِي الْمَغْسُولِ كَانَتْ صُغْرَى أَوْ كُبْرَى
وَالْغُسْلُ مَرَّةً يُسْقِطُ الْفَرْضَ إِنْ أَوْعَبَ، وَسُنَنُهُ: غَسْلُ
الْيَدَيْنِ قَبْلَ إِدْخَالِهِمَا فِي الإِنَاءِ مَا لَمْ يَكُنْ بِهِمَا
أَذًى فَيَجِبُ، وَالْمَضْمَضَةُ وَالاِسْتِنْشَاقُ وَيَسْتَنْثِرُ
بِشِمَالِهِ، وَيَجْزِيَانِ بِغَرْفَةٍ وَإِفْرَادُ كُلّ بِغَرْفَةٍ
أَفْضَلُ، وَمَسْحُ الأُذُنَيْنِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ ظَاهِراً وَبَاطِناً،
وَالتَّرْتِيبُ عَلى الْمَشُهورِ، فَمَنْ نَكَّسَ أًعَادَ مَا نَكَّسَهُ
(6) ، وَالْبَدْءُ بِمُقَدَّمِ الرَّأْسِ وَالرَّدُّ إِلَيْهِ.
وَفَضَائِلُهُ
_________
(1) أرجحهما الأول.
(2) هذا حد الوجه طولاً وعرضاً ما ذكره المؤلف بقوله من الأذن إلى الأذن.
(3) الراجح الوجوب في أصابع اليدين والندب في أصابع الرجلين.
(4) الموالاة هي عدم الفصل بين غسل العضو والذي يليه فصلاً طويلاً.
(5) أما طهارة الخبث فلا تجب فيها النية لأنها إزالة نجاسة إلا المذي ففي
وجوب النية في غسله قولن أرجحهما الوجوب.
(6) التنكيس هو مخالفة الترتيب الوارد في قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا
إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم
وأرجلكم إلى الكعبين} فمن غسل يديه قبل وجهه وجب عليه العود إلى غسل وجهه
ثم غسل يديه بعد ذلك فغسل العضو في غير محله يعتبر لاغياً ويعاد.
(1/6)
التَّسْمِيةُ وَالسِّوَاك وَبِالأَرَاكِ
الأَخْضَرِ (1) أَفْضَلُ لِغَيْرِ الصَّائِمِ، وَفِي عَدَمِهِ يَسْتَاك
بِأُصْبُعِهِ، وَمَنْ نَسِيَ فَرْضاً أَتَى بِهِ وَبِالصَّلاةِ، وَسُنَّةً
جَعَلَهَا لِما يَسْتَقْبِلُ.
(فصل) نواقضُ الوضوء
- يَنْقُضُه الْخَرِجُ الْمُعْتَادُ مِنَ السَّبِيلَيْنِ عَلَى وَجْهِ
الْعَادَةِ لا النَّاِدُر وَالسَّلَسُ (2) وَسَلَسُ الْمَذْيِ لِطُولِ
الْعُزْبَةِ كَالْمُعْتَادِ، وَمَسُّ الذَّكَرِ بِبَاطِنِ الْكَفِّ،
وَالأَصابِعِ لا الدُّبُرِ، وَفِي مَسُّ امْرَأَةٍ فَرْجَهَا خِلاف (3) ،
وَلَمْسُ النِّسَاءِ لِلَّذَّةِ وَلَوْ مَحْرَماً أَوْ مِنْ وَرَاءِ
حَائِلٍ لا يَمْنَعُهَا اللَّذَّةَ وَلَو ظُفْراً أَوْ سِنّاً أَوْ شَعْراً
الَّلامِسُ وَالْمَلْمُوسُ سَوَاءٌ، وبِزَوالِ الْعَقْلِ بِجُنُونٍ أَوْ
إِغْمَاءٍ أَوْ سُكْرٍ أَوْ نَوْمٍ مُسْتَثْقَلٍ وَلَوْ فِي الصَّلاةِ أَوْ
جَالِساً غَيْرَ مُسْتَنِد، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الرِّدَّةَ مُبْطِلٌ،
وَالشَّكُّ فِي الْحَدَثِ بَعْدَ تَيَقُّنِ الطَّهَارَةِ مُوجِبٌ (4) ،
وَالْحَدَثُ يَمْنَعُ فِعْلَ كُلِّ مَا يُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ
وَحَمْلُ الْمُصْحَفِ وَلَوْ بِحَائِلٍ أَوْ عِلاقَةٍ، لا بَيْنَ
أَمْتِعَةٍ قُصِدَ حَمْلُهَا.
(فصل) الغسل
- الْغُسْلُ يُوجِبُهُ خُرُوجُ الْمَنِيِّ عَلى الْعَادَةِ (5) وَلَو فِي
النَّوْمِ وَإِيلاجُ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا فِي فَرْجٍ، وَإِنْ كَانَ
غَيْرَ بَالِغٍ لَمْ يَلْزمهَا (6) إِلاَّ أَن تُنْزِلَ أَوْ يَكُونَ
مُرَاهِقاً، وَهَل يُؤْمَرُ بِهِ تَمْرِيناً قَوْلانِ: وَلَوْ عَزَلَ (7)
أَوْ وَطِئَ بَيْنَ
_________
(1) الأراك شجر معروف تؤخذ منه عيدان السواك.
(2) السلس خروج الشيء باستمرار أو مع القطع بفاصل قليل جداً.
(3) الراجح عدم النقض إلا إن ألطفت، وقيل ولو ألطفت. والإلطاف أن تدخل
المرأة يدها بين شفري فرجها.
(4) أي موجب للطهارة وهذا إذا لم يكثر الشك عند الشخص بحيث يصير عادة له
وهو المعروف عند الناس في هذه الأيام بالموسوس فإنه لا يتطهر وينهى عن
الاسترسال في شكه، ومذهب الأئمة الثلاثة عدم وجوب الطهارة ويبنى على الأصل
ما دام متيقناً الطهارة قبل الشك، وهذا أرجح مما عليه المالكية.
(5) أي بغير مرض فلو مرض شخص وصار خروج المني منه أمراً عادياً لا تصحبه
لذة ولا تدفق فلا يكون موجباً للغسل، والمراد خروجه من الحشفة، أما خروجه
من الخصيين إلى قصبة الذكر فلا يوجب غسله.
(6) أي لم يلزم المرأة الغسل إلا إذا أنزلت هي أو كان غير البالغ مرهقاً أي
قربياً من البلوغ فيجب الغسل على المرأة المجامعة، هذا رأي المؤلف،
والمعتمد أنه لا يجب الغسل ولو كان غير مراهق إلا في حالة إنزالها فقط، ومع
ذلك فيندب لغير البالغ الغسل كما يندب للصغيرة التي جومعت أن تغتسل تمريناً
لها على هذه العبادة الفضلى.
(7) أي أخرج ذكره عند إرادة الإنزال من الفرج لينزل خارجه.
(1/7)
الْفَخذَيْنِ فَسَبَقَ الْمَاءُ إِلى
فَرْجِهَا فَأَنْزَلَتْ أَوِ الْتَذَّتْ لَزِمَهَا (1) وَانْقِطَاعُ دَمِ
الْحَيْضِ وَالنَّفَاسِ وَخُرُوجُ الْوَلَدِ وَإِنْ لَمْ تَرَ دَماً،
وَإِسْلامُ الْكَافِرِ، وَيَجْزِيهِ عِنْدَ اعْتِقَادِهِ قَبْلَ
التَّلَفُّظِ بِهِ يَنْوِي رَفْعَ الْجَنَابَةِ، فَإِنْ عَدِمَ الْمَاءَ
تَيَمَّمَ، يَبْدَأُ بِغَسْلِ يَدَيْهِ، وَالأَذَى عَنْ بَدَنِهِ.
وَمَسْنُونُهُ الْمَضْمَضَةُ وَالاِسْتِنْشَاقُ وَالْوُضُوءُ يَنْوِي بِهِ
سُنَّةَ الْغُسْلِ وَيُخَلِّلُ أُصُولَ شَعْرِ رَأْسِهِ حَتَّى يَرْوِي
بهَا وَيَعُمَّ سَائِرَ جَسَدِهِ فَإِنْ بَقِيَتْ لُمْعَةٌ لَمْ يُجْزِهِ،
وَلا يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ نَقْضُ ضَفَائِرِهَا بَلْ تُحَرِّكُهُ حَتَّى
تَرْوِيهِ وَيُجْزِئُ عَنِ الْحَدَثِ الأَصْغَرِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ،
وَيُجْزِئُهَا لِلْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ غَسْلٌ وَاحِدٌ إِذَا
نَوَتْهُمَا: وَصِفَةُ الْوَاجِبِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ، وَيُجْزِئُ
الْوَاجِبُ عَنْ غَيْرهِ بِخِلافِ عَكْسِهِ وَلا حَدَّ لِقَدْرِ الْمَاءِ
بَلْ بِحَسَبِ حَالِهِ، وَلِلْجُنُبِ الأَكْلُ وَتَكْرَارُ الْجِمَاعِ
وَالنَّوْمُ قَبْلَ غُسْلِهِ لكِنْ يُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ لِلنَّوْمِ (2)
وَلَهُ تِلاوَةُ الآيَاتِ وَيُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ لِلنَّوْم، وَيَمْنَعُ
الْحَدَثُ الأَكْبَرُ مَا يَمْنَعُهُ الأَصْغَرُ، وَدُخُولُ الْمَسْجِدِ
وَتِلاوَةُ الْقُرْآنِ إِلاَّ أَنْ تَخَافَ الْحَائِضُ النِّسْيَانَ،
وَمَنْ رَأَى فِي ثَوْبِهِ مَنِيّاً وَلَمْ يَذْكُرْ أَحْلاماً اغْتَسَلَ
وَأَعَادَ مَا صَلَّى فِيهِ مَا بَيْنَ نَوْمِهِ (3) وَرُؤْيَتِهِ.
(فصل) المسح على الجبائر
- جَرِيحُ أَكْثَرِ جَسَدِهِ أَوْ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ
_________
(1) المراد لزمها الغسل وهو راجح إلى الإنزال والالتذاذ، ومعلوم أن المؤلف
ذكر مسألتين هما: العزل والوطء بين الفخذيين أما مسألة العزل فيجب فيها
الغسل على المرأة مطلقاً سواء أنزلت أو لم تنزل وسواء التذت لأم لم تلتذ
لأن دخول الحشفة أو قدرها موجب للغسل على الرجل والمرأة البالغين وأما
مسألة الوطء بين الفخذين وسبق الماء إلى فرج المرأة فلا يجب عليها الغسل
إلا إذا أنزلت سواء التذت أم لا، أما إذا التذت ولم تنزل فالمعتمد عدم وجوب
الغسل عليها.
(2) أي يستحب للجنب إذا أراد النوم بعد جماعه أن يتوضأ وضوءاً كاملاً كوضوء
الصلاة وهذا الوضوء لا ينقضه إلا الجماع بخلاف وضوء الصلاة فتنقضه نواقض
الوضوء المعروفة وبهذا يلغز فيقال لا ينقضه بول ولا غائط.
(3) من آخر نومة نامها إن لم يتأكد نزول المني قبل ذلك وأما من ذكر
احتلاماً ولم ير منياً فلا غسل عليه.
(1/8)
فَرْضُهُ التَّيَمُّمُ لا يُجْزِيهِ غَسْلُ
الصَّحِيحِ وَالْمَسْحُ (1) ، بِخِلافِ الْجَرْحِ الْيَسِيرِ فَإِنَّهُ
يَمْسَحُ عَلى الْجَبَائِرِ وَالْعَصَائِبِ الْمُضْطَّرِّ إِلَيْهِمَا،
وَإِنْ شَدَّهُمَا مُحْدِثاً أَوْ تَجَاوَزَتِ الْمَجْرُوحَ فَإِنْ
نَزَعَهُمَا لِلتَّدَاوِي بَادَرَ إِلى مَسْحِهِمَا بَعْدَ شَدِّهِمَا،
وَلِغَائِهِ غَسَلَ مَوْضِعَهُمَا، وَإِنْ سَقَطَتْ فِي الصَّلاةِ قَطَعَ
وَفَعَلَ مَا لَزِمَهُ وَابْتَدَأَ، وَفِي حُكْمِ الْجَبِيرَةِ عِصَابَةُ
الْفِصَادِ يَخَافُ انْفِجَارَهُ وَقِرْطَاسُ الصِّدْغِ وَكِسْوَةُ
الظِّفْرِ وَدَوَاءٌ أَوْ غِشَاوَةٌ، وَمَا تَعَذَّرَ مُلاقَاتُهُ بِغَسْلٍ
أَوْ مَسْحٍ أَوْ تَيَمُّمٍ سَقَطَ فَرْضُهُ.
(فصل) مَسْحُ الْخُفِّ
- مَسْحُ الْخُفِّ جَائِزٌ سَفَراً أَوْ حَضَراً بِشَرْطِ إِمْكَانِ
مُتَابَعَةِ الْمَشْيِ بِهِ، وَسَتْرِ مَحَلِّ الْفَرْضِ وَلبْسِهِ بَعْدَ
كَمَالِ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمُدَّةٍ عَلى
المشْهُورِ (2) لكِنْ يُسْتَحَبُّ كُلَّ جُمُعَةٍ نَزْعُهُ لِلْغُسْلِ (3)
وَإِدْخَالِ إِحْدى الرِّجْلَيْنِ فَهَلْ غَسْلُ الأُخْرَى يَمْنَعُهُ
حَتَّى يَنْزَعَهَا وَيَلْبَسَهَا بَعْدَ غَسْلِ الأُخْرَى، وَالْخَرْقُ
الْيَسِيرُ لا يَمْنَعُهُ بِخِلافِ الْكَثِيرِ وَهُوَ مَا يَظْهَرُ مِنْهُ
أَكْثَرُ الْقَدَمِ، وَلا يَجُوزُ عَلى غَيْرِ الْخُفِّ، وَفِي مَسْحِ
الْجَوْرَبِ الْمُجَلَّدِ، وَالْخُفِّ الأَعْلى قَوْلانِ (4) فَإِنْ
نَزَعَه بَعْدَ مَسْحِهِ بَادَرَ إِلى مَسْحِ الأَسْفَلِ، فَإِنْ نَزَعَهُ
بَادَرَ إِلى غَسْلِ رِجْلَيْهِ فَإِنْ أَخْرَجَ إِحْدَاهُمَا أَوْ
أَكْثَرَ قَدَمِهِ إِلى سَاقِ الْخُفِّ نَزَعَهُمَا
_________
(1) الراجح الإجزاء
(2) وفي كتاب السر: للمسافر ثلاثة أيام وللمقيم يوم وليلة واختاره ابن عبد
السلام لموافقة حديث علي عليه السلام، وإن كان كتاب السر منكراً عند شيوخ
المذهب. وروى أشهب للمسافر ثلاثة أيام وسكت عن المقيم. قال ابن عبد السلام
فيحتمل أن يقول بما في كتاب السر ويحتمل أن يقول بعدم المسح للمقيم اهـ
"تنبيه" قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير: وقفت على كتاب السر في
كراسة لطيفة من رواية الحارث بن مسكين عن عبد الرحمن ابن القاسم عن مالك
وهو يشتمل على نوادر من المسائل، وفيها كثير مما يتعلق بالخلفاء. ولأجل هذا
سمي كتاب السر اهـ. وقال الشيخ خليل في التوضيح كتاب السر إلى هارون الرشيد
أنكره الأبهري وابن القاسم وغيرهما: أبو بكر نظرت فيه فوجدته ينقض بعضه
بعضاً لو سمع مالك من تكلم بما فيه لأوجعه ضرباً وقد سئل ابن القاسم عنه
فقال لا يعرف لمالك كتاب سرا اهـ. عبارة أبي بكر الأبهري: ومالك رضي الله
عنه اتقى الله أن يخص أحداً في دين الله عز وجل أو يراعي في ذلك أحد ولقد
نظرت فيه فوجدته. إلخ وذلك رداً لما قيل إن مالكاً كتب كتاب السر إلى
الرشيد وخص له فيه أشياء، ولا شك أن مقام مالك أعلى من أن يلصق به هذا
الكتاب المشتمل على بعض الطامات.
(3) روى ابن نافع: للمقيم من الجمعة لمثلها اهـ فأطلقه الأكثر وحمله ابن
يونس على الندب لغسل الجمعة ووافقه المصنف.
(4) الراجح يسمح عليهما.
(1/9)
وَغَسَلَ، وَالأَفْضَلُ مَسْحُ أَعْلى
الْقَدَمِ وَأَسْفَلِهِ، فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلى أَعْلاهُ أَجْزَأَهُ
بِخِلافِ عَكْسِهِ.
(فصل) التَّيَمُّمِ
- يَنْتَقِلُ إِلى التَّيَمُّمِ سَفَراً أَوْ حَضَراً لِعَدَمِ الْمَاءِ
أَوْ تَعَذُّرِ اسْتِعْمَالِهِ لِمَرَضٍ أَوْ خَوْفِ زِيَادَتِهِ أَوْ
تَأَخُّرِ بُرْئِهِ أَوْ حُدُوثِهِ أَوْ سُقُوطِ عُضْوٍ لِشِدَّةِ
الْبَرْدِ (1) أَوْ عَدَمِ مُنَاوِلٍ (2) أَوْ خَوْفِ عَطَشٍ مُتَوَقَّعٍ
وَلَوْ عَلى غَيْرِهِ وَلَوْ وَجَدَهْ بِوَقْتٍ لَوْ تَشَاغَلَ
بِاسْتِعْمَالِهِ لَخَرَجَ الْوَقْتُ الضَّرُورِيُّ، فَمَذْهَبُ
المغَارِبَةِ لُزُومُهُ، وَمَذْهَبُ الْعِرَاقِيِّينَ يَتَيَمَّمُ،
وَحَكَاهُ الأَبْهَرِيُّ روَايَةٌ، وَيَتَيَمَّمُ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ
وَجْهِ الأَرْضِ حَتَّى الصَّلْدِ (3) وَالمعَادِنِ مَا لَمْ تَتَغَيَّرْ
عَنْ أَصْلِهَا، وَيَلْزَمُ الْعَادِمَ الطَّلَبُ مَا لَمْ يَتَيَقَّنِ
الْعَدَمَ، أَوْ يَكُنْ عَلى مَسَافَةٍ تَشُقُّ عَلى مِثْلِهِ، أَوْ
يَخَافُ تَلَفَ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ وَيَطْلُبُهُ الْمُسَافِرُ مِنْ
رُفْقَتِهِ، وَيَلْزَمُ شِرَاؤُهُ بِمَا لا يُجْحِفُ بِمَالِهِ وَقَبُولُهُ
لا قَبُولُ ثَمَنِهِ، وَأَكْمَلُه بِضَرْبَتَيْن تَعُمُّ وَجْهَهُ
وَيُرَاعِى الْوَتَرَةَ وَحَجَاجَ الْعَيْنَيْنِ وَمَوْضِعَ الْعَنْقَفَةِ
إِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَعْرٌ، وَيَدَيْهِ إِلى المِرْفَقَيْنِ عَلى
الْمَنْصُوص يَنْزَعُ خَاتِمَهُ وَيُخَلِّلُ أَصَابِعَهُ وَأَجَازَهُ ابْنُ
الْقَاسِمِ إِلى الْكُوعَيْنِ يَنْوِي بِهِ اسْتِبَاحَةَ الصَّلاةِ لا
رَفْعَ الْحَدَثِ: الأَصْغَرُ وَالأَكْبَرُ سَوَاءٌ (4) ، وَيُجْزِئُ
قَبْلَ دُخُولِ الصَّلاةِ يَتَيَمَّمُ الْيَائِسُ أَوَّلَهُ وَالرَّاجِي
_________
(1) يعرف ذلك بالعادة بأن يكون مجرباً أن من استعمل الماء في هذه الحالة
مرض أو زاد مرضه أو تأخر شفاؤه. أو بإخبار عارف بذلك.
(2) هذا يعتبر فاقد الماء حكماً لأنه يجده ويقدر على استعماله بدون ضرر
ولكنه لا يجد من يناوله إياه أو لا يجد آلة إخراجه من بئر مثلاً كأن لا يجد
دلواً أو نحوهما فله أن يتيمم مع وجود الماء.
(3) أي يجوز للشخص التيمم على الحجارة الصلبة والمعادن غير الذهب والفضة
والجواهر بشرط ألا تتغير عن أصلها. كأن تحرق الحجارة أو الجير ونحوها وتعد
للاستعمال أو تصير المعادن مصنوعات من أوان ونحوها. وبشرط أن لا تنتقل
الحجارة والمعادن من مواضعها وتصير أموالاً للناس فإذا انتقلت فلا يجوز
التيمم عليه.
(4) يعني أن التيمم في النية بسبب الحدث الأصغر أو الأكبر سواء وهي نية
استباحة الصلاة. وكذلك طريقة التيمم واحدة وهي مسح الوجه واليدين فقط سواء
بدل الوضوء أو الغسل.
(1/10)
آخِرهُ وَالْمُتَرَدِّدُ وَسَطَهُ،
وَوُجَودُ الْمَاءِ قَبْلَ الشُّرُوعِ يُبْطِلُهُ وَفِي أَثْنَائِهَا أَوْ
َبْعَد الْفَرَاغِ مِنْهَا لا يَلْزَمُهُ إِعَادَةٌ إِلاَّ مَنْ نَسِيَهُ
فِي رَحْلِهِ، وَلا يَجْمَعُ فَرِيضَيْنِ (1) بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ بِخِلافِ
النَّوَافِلِ فِي فَوْرٍ أَوْ تَابِعَةِ الْفَرْضِ، وَفِي الْفَوَائِتِ
قَوْلانِ (2) وَمَنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَالصَّعِيدَ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ
الضَّرُورِيُّ فَالْمَنْصُوصُ سُقُوطَهَا وَعَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ يُصَلِّي
وَيَقْضِي وَقَالَ أَشْهَبُ: لا يَقْضِي، وَقَالَ أَصْبَغُ لا يُصَلِّي
حَتَّى يَجِدَ أَحَدَهُمَا (3) .
(فصل) الْحَيْضِ
- لا حَدَّ لأَقَلِّ الْحَيْضِ (4) كَالنَّفَاسِ وَأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ
عَشَرَ يَوْماً كَمَشْهُورِ أَقَلِّ الطُّهْرِ، وَتَعْتَبِرُ
الْمُبْتَدِئَةُ (5) بِأَتْرَابِهَا، فَإِنْ تَجَاوَزَتْهُنْ فَرِوَايَةُ
ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ تَتَمَادَى أَكْثَرَهُ، وَرَوَى ابْنُ
وَهَب تَسْتَظْهِرُ بِثَلاثَةِ أَيَّامٍ مَا لَمْ تُجَاوزْ أَكْثَرَهُ،
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ زِيَادٍ تَقْتَصِرُ عَلى عَوَائِدِهِنَّ وَفِي
تَجَاوُزِ الْمُعْتَادَةِ عَادَتَهَا رِوَايَاتٌ ثُمَّ هِيَ مُسْتَحَاضَةٌ
وَهيَ مُسْتَمِرَّةُ الطَّهَارَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ مُمَيَّزَةً
فَتَعْمَلُ عَلى مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ تَغَيُّرِ الدَّمِ وَبَعْدَهُ طُهْرٌ
فَاصِلٌ، وَمَنْ تَقَطَّعَ دَمُهَا فَإِنْ كَانَ الثَّانِي بَعْدَ طُهْرٍ
فَحَيْضٌ مُؤْتَنفٌ، وَإِلاَّ فَهُمَا حَيْضَةٌ فَتُلَفِّقُ حَتَّى
تَبْلُغَ أَكْثَرَهُ فَإِنْ زَادَ فَمُسْتَحَاضَةٌ وَتَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي
وَتَصُومُ أَيَّام انْقِطَاعِهِ وَتُوطَأُ، وَعَلامَةُ الطُّهْرِ
الْجُفُوفُ أَوِ الْقَصَّةُ (6)
_________
(1) ["فريضين": هكذا في نسخة الشركة الإفريقية، ولعله "فرضين"، وهو المعنى
المقصود. دار الحديث] .
ولا يتيمم للجمعة الشخص الحاضر غير المسافر الصحيح الذي ليس عنده مانع من
استعمال الماء، ولا تجزئه الجمعة بهذا التيمم، لأن الجمعة بدل وهو الظهر
فينتظر إلى قرب صلاة العصر فربما وجد الماء، والقول بأن الظهر بدل الجمعة
ضعيف ومع ذلك بني عليه هذا الحكم وهو مشهور، مبني على ضعيف.
(2) المشهور لا يجمع بينهما. وروى أبو الفرج البغدادي عن مالك فيمن ذكر
صلوات أن يصليها بتيمم واحد.
(3) وهذه الأقوال مجموعة في قول القائل:
ومن لم يجد ماء ولا متيمماً * فأربعة الأقوال يحكين مذهبا
يصلي ويقضي عكسه قال مالك * وأصبغ يقضي والأداء لأشهبا
واقتصر في المختصر على قول مالك.
(4) الحيض لغة السيلان من قولهم حاض الوادي إذا سال ويطلق عليه الضحك كما
فسر به قوله تعالى {وامرأته قائمة فضحكت} أي حاضت مقدمة للحمل الذي بشر
الله به إبراهيم عليه السلام وشرعاً دم أو صفرة أو كدرة خرج بنفسه من قبل
من تحمل عادة فهو ثلاثة أنواع: إما دم وهو الأصل، أو صفرة كالصديد الأصفر
أو كدرة وهو سائل كدر ليس على ألوان الدماء ومعنى خرج بنفسه أي لا بسبب
ولادة ولا فض بكارة لا جرح ولا علاج ولا علة وفساد بالبدن ومعنى من قبل
امرأة تحمل عادة أنه لو خرج من الدبر أو من قبل صغيرة لا تحمل أو كبيرة
بلغت سن اليأس لا يسمى حيضاً.
(5) المبتدئة التي يأتيها الحيض لأول مرة، وأترابها مثيلاتها من النساء.
(6) القصة البيضاء: ماء أبيض يخرج بعد الحيض يدل على انقطاعه وهو نجس.
(1/11)
الْبَيْضَاءُ، وَيُمْنَعُ وَطْؤُهَا قَبْلَ
غَسْلِهَا (1) ، فَإِنْ فَعَلَ أَثِمَ وَلا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلا
بَأْسَ بِالاِسْتِمْتَاعِ بِأَعَالِيهَا شَادَّةً عَلَيْهَا إِزَارَهَا (2)
، وَتُجْبَرُ الْكِتَابِيَّةُ عَلى الْغُسْلِ لِزَوْجِهَا الْمُسْلِمِ،
وَالْحَامِلُ تَحِيضُ فَإِنْ تَجَاوَزَتْ عَادَتَهَا فَالْمَشْهُورُ عَنِ
ابْنِ الْقَاسِمِ إِنْ كَانَ بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ تَمَادَتْ إِلَى
خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً وَبَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ عِشْرِينَ يَوْماً،
وَأَجْرَاهَا الْمَغِيرَةُ وَأَشْهَبُ مُجْرَى الْحَائِلِ.
(فصل) النِّفَاسِ (3)
- وَالصَّحِيحُ أَنَّ أَكْثَرَ النِّفَاسِ مُعْتَبَرٌ بِالْعَوَايِدِ مَا
لَمْ يُجَاوِزْ سِتِّينَ يَوْماً، وَالظَّاهِرُ أَنَّ المُتَخَلِّلَ بَيْنَ
الْوَضْعَيْنِ حَيْضٌ وَقِيلَ نِفَاسٌ فَتَضُمُّ إِلَيْهِ مَا بَعْدَهُ،
وَتَقْضِي الْحَائِضُ الصَّوْمَ لاَ الصَّلاَةَ (4) ، وَالنُّفَسَاءُ
مِثْلُهَا فِيمَا يَجِبُ وَيَمْتَنِعُ وَيَجُوزُ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
كِتَابُ الصَّلاَةِ (5)
- يَدْخُلُ وَقْتُ الظُّهَرِ بِالزَّوَالِ وَهِيَ زِيَادَةُ الظِّلِّ
بَعْدَ غَايَةِ نَقْصِهِ وَآخِرُ الاخْتِيَارِيِّ إِذَا صَارَ ظِلُّ
الشَّخْصِ مِثْلِهِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَهُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ
وَآخِرُهُ مِثْلَيْهِ وَالْمَغْرِبُ بِالْغُرُوبِ مُقَدَّرٌ بِفِعْلِهَا
بَعْدَ تَحْصِيلِ شُرُوطِهَا وَالْعِشَاءُ بِغُرُوبِ الْحُمْرَةِ إِلَى
مُنْتَهَى الثُّلُثِ. وَالصُّبْحُ بِالْفَجْر الصَّادقِ إِلَى الإِسْفَارِ
الأَعْلَى وَالأَفْضَلُ التَّغْلِيسُ بِهَا، وَتَعْجِيلُ الْمَغْرِبِ
وَتَأْخِيرُ الْبَوَاقِي بِمَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ
_________
(1) فلا يجوز الاستمتاع بها بالوطء قبل الغسل ولو تيممت ولو كانت من أهل
التيمم إلا أن يخاف الزوج ضرراً بعدم الوطء.
(2) المعتمد في مذهب مالك أنه يجوز للزوج الاستمتاع بأعالي بدن زوجته
وأسافله حتى ما بين السرة والركبة ما عدا الجماع فيجوز له تقبيلها
واستمناؤه بيدها وثديها وساقيها مباشرة ما بين السرة والركبة بأي نوع من
أنواع الاستمتاع ما عدا الجماع، ومذهب غير المالكية تحريم الاستمتاع بما
بين السرة والركبة بغير الجماع لأن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه،
ولقول عائشة رضي الله عنها (وكان يامرنا أن نأتزر) أي انه صَلى اللهُ عَليه
وَسَلَم كان يأمر نساءه في حيضهن أن يلبسن الإزار حتى لا يتمتع بمباشرة ما
بين السرة والركبة، فالذي مشى عليه المؤلف هنا قوي في الواقع وإن كان
ضعيفاً عند المالكية.
(3) النفاس دم خرج الولادة ولو سقطا معها. فلو خرج قبل الولادة لأجلها
فنفاس عند الأكثر كما في الحطاب. وإن خرج الولد جافاً بلا دم ففي وجوب
اغتسالها قولان المشهور منهما الوجوب وهو الراجح من روايتين حكاهما ابن
الحاجب.
(4) إنما أمرت الحائض بقضاء الصوم دون الصلاة، نظراً لقلة مدة الصيام التي
(تصادفها الحائض) ولكثرة أوقات الصلاة ومشقة قضائها لقول عائشة رضي الله
عنها (كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) .
(5) الصلاة لغة الدعاء وهي في الشرع عبادة ذات أقوال وأفعال مفتتحة
بالتكبير مختتمة بالتسليم. فرضت ليلة الإسراء والمعراج فوق السموات إيذاناً
بفضلها وعظم قدرها. والوقت هو الزمان المقدر للباعدة شرعاً وهو نوعان: موسع
كوقت الصلاة فإنه يسعها وغيرها. ومضيّق كأيام رمضان فانها لا تسع غير
الصوم. وما ذكره المصنف في وقت المغرب هو المشهور. وقال ابن مسلمة يمتد
وقتها إلى العشاء واستخرجه ابن عبد البر وابن رشد واللخمي والمازري من كلام
الإمام في الموطأ. ابن العربي: هو القول المنصور إذ قاله مالك في كتابه
الذي ألفه بيده وقرئ عليه طول عمره ورواه الآلاف من الخلق وهذا هو الراجح
وقولهم: المغرب جوهرة فالتقطوها. ليس بحديث.
(1/12)
قَدْراً لاَ يَضرُّ بِهِمْ وَالإِبْرَادُ
بِالظُّهْرِ فِي الْحَرِّ وَفِي إِبْرَادِ الْمُنْفَرِدِ قَوْلاَنِ، وَمَنْ
شَكَّ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ لَمْ يُصَلِّ وَيُؤَخِّرُ حَتَّى يَتَحَقَّقَ
أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ دُخُولُهُ، فَإِنْ تَبَيَّنَ الْوُقُوعُ
قَبْلَهُ أَعَادَ، وَيُدْرِكُ الْمَعْذُورُ وَالْحَاِئُض إِنْ تَطَهَّرَتْ
وَالْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ يُفِيقَانِ، وَالصَّبِيُّ
يَحْتَلِمُ، وَالْكَافِرُ يُسْلِمُ الظُّهْرَيْنِ لِبَقَاءِ خَمْسِ
رَكَعَاتٍ بَعْدَ الطَّهَارَةِ وَالسَّتْرِ وَلِثَلاَثٍ فِي السَّفَرِ
وَلِدُونِهِنَّ إِلى رَكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَقَطْ وَلأَرْبَعٍ قَبْلَ
الْفَجْرِ وَالْعِشَاءَيْنِ وَلِدُونِهِنَّ الأَخِيرَةَ وَتَسْقُطُ
الأُولَيَانِ، وَالصُّبْحَ لِبَقَاءِ رَكْعَة قَبْلَ الطُّلُوعِ، وَطُرُوُّ
الْعُذْرِ لِمِثْلِ ذلِكَ مُسْقِطٌ إِلاَّ النَّوْم وَالنِّسْيَانُ
وَالْبُلُوغُ فِي الْوَقْتِ يُوجِبُ الإِعَادَةَ فَرْضاً وَقَبْلَ فَوَاتِ
الْجُمُعَةِ يُوجبُ إِتْيَانَهَا، وَمَنْ تَطَّهَر وَأَدْرَكَ الْوَقْتَ
فَأَحْدَثَ لَزِمَهُ مَا كَانَ أَدْرَكَ وَقْتَهُ، وَكَذلِكَ مَنْ ذَكَرَ
صَلاَةً مَنْسِيَّةً، وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ.
(فصل) الأذان
- الأَذَانُ (1) سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِلْمُصَلِّينَ الْفَرْضَ فِي
وَقْتِهِ جَمَاعَةً، وَلاَ يُؤَذِّنُ وَلاَ يُقِيمُ إِلاَّ مُسْلِمٌ ذَكَرٌ
مُكَلَّفٌ عَارِفٌ بِالأَوْقَاتِ يَشْفَعُ كَلِمَاتِهِ إِلاَّ الأَخِيرَةَ
وَيُرَجِّعُ فِي الشَّهَادَتَيْنِ وَيَزِيُد التَّثْوِيبَ فِي الصُّبْحِ،
وَلاَ يَجُوزُ قَبْلَ الْوَقْتِ إِلاَّ لَهَا وَالإِقَامَةُ آكَدُ،
فَيُقِيمُ الْقَاضِي وَالْمُنْفَرِدُ وَيُوتِرُ كَلِمَاتِهِ إِلاَّ
التَّكْبِيرَ صَيِّتاً مُتَطَهِّراً
_________
(1) يجب الأذان كفاية على أهل البلد فلو اتفقوا على تركه قوتلوا ويجب
للجمعة لوجوب السعي إليها. ويستحب للفذ المسافر للحديث الصحيح في ذلك وفضل
الأذان عظيم وثوابه كبير، حتى قال عمر رضي الله عنه: لولا الخليفي لأذنت
وهل هو أفضل من الإمامة أو العكس قولن، الراجح أن الإمامة أفضل وما ذكره
المصنف في حكاية الأذان ورد إلا قوله والدرجة الرفيعة، فإنه لم يرد، واشتهر
عند بعض الناس ورد إلا قوله المؤذن أشهد أن محمداً رسول الله يقبلون
إبهامهم ويمرون بها على أعينهم قائلين: مرحباً بحبيبي وقرة عيني محمد بن
عبد الله، وهذا لم يرد في حديث.
(1/13)
عَلَى عُلُوٍّ مُسْتَقْبِلاً، وَلاَ بَأْسَ
بِتَصَفُّحِهِ يَمِيناً وَشِمَالاً، وَلاَ يَشْتَغِلُ بِالأَكْلِ
وَالْكَلاَمِ وَيَبْنِي لِيَسِيرِهِ وَالأَعْمَى يُقَلِّد عَارِفاً
بِالْوَقْتِ وَلاَ يُؤَذِّنُ لِلْقَضَاءِ، لاَ الْمُنْفَرِدُ وَالنِّسَاءُ
وَيُقِمْنَ لأَنْفُسِهنَّ، وَيُنْدَبُ لِسَامِعِهِ حِكَايَتُهُ، وَيُبْدِلُ
الْحَوْقَلَةَ مِنَ الْحَيْعَلَهِ وَفِي النَّافِلَةِ يَحْكِي إِلَى
مُنْتَهَى الشَّهَادَتَيْنِ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ رَبَّ هذِهِ الدَّعْوَةِ
التَّامَّةِ وَالصَّلاَةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّداً الْوَسِلَةَ
وَالْفَضِلَةَ وَالدَّرَجَةَ الرَّفِيعَةَ وَابْعَثْهُ مَقَاماً مَحْمُوداً
الَّذِي وَعَدْتَهُ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ. اللَّهُمَّ اسْقِنَا
مِنْ حَوْضِهِ بِكَأْسِهِ مَشْرَباً هَنِيئاً سَائِغاً رَويّاً غَيْرَ
خَزَايَا وَلاَ نَاكِثِينَ، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
(فصل) اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ
- اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ شَرْطٌ فِي الصَّلاَةِ إِلاَّ فِي شِدَّةِ
الْخَوْفِ وَالنَّافِلَةِ فِي سَفَرِ الْقَصْرِ عَلَى الدَّابَّةِ
فَيَلْزَمُ مُعَاينَهَا إِصَابَتُهَا وَغَيْرَهُ جِهَتُهاَ فَإِنْ
أَشْكَلَتْ تَحَرَّى فَإِنْ تَحَرَّ تَخَيَّرَ جِهَةً، وَقِيلَ يُصَلِّي
أَرْبعاً إِلَى أَرْبَعِ جِهَاتً فَإِنْ تَبَيَّنَ الْخَطَأَ في
أَثْنَائِهَا اسْتَدَارَ وَبَعْدَهَا لاَ إِعَادَةَ وَغَيْرُ الْمُجْتَهِدِ
يُقَلِّدُ عَارِفاً جِهَتَهَا كَالأَعْمَى وَدَاخِلُ الْقَرْيَةِ
الْمُسْلِمَةِ يَعْمَلُ عَلَى مِحْرَابِهَا.
(فصل) سَتْرُ الْعَوْرَةِ
- سَتْرُ الْعَوْرَةِ شَرْطٌ، وَهِيَ مِنَ الرَّجُلِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ
إِلَى الرُّكْبَةِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلاَّ إِزَاراً اتَّزَرَ
(1/14)
بِهِ، أَوْ ثَوْباً وَاسِعاً الْتَحَفَ
بِهِ، وَخَالَفَ بَيْنَ ظَرَفَيْهِ وَعَقَدَهُمَا عَلَى عَاتِقِهِ،
وَتُكْرَهُ السَّرَاوِيلُ بِانُفِرَادِهَا وَالْمُحَدِّدُ لِرِقَّتِهِ
وَالأَمَةُ كَالرَّجُلِ، وَيُسْتَحَبُّ سَتْرُ بَدَنِهَا لاَ رَأْسِهَا
وَتَغْطِيَةُ المُسْتَوْلَدَةِ وَالْمُبَعَّضَةِ الْعُنُقَ، وَالْحُرَّةُ
كُلُّهَا عَوْرَةٌ إِلاَّ وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا وَالسَّاتِرُ الْحَصِيفُ
لا الشَّافُّ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِلاَّ حَرِيراً أَوْ نَجساً صَلَّى
بِهِ، وَفي اجْتِمَاعِهَا يُقَدِّمُ النَّجِسَ، وَقِيلَ الْحَريرَ، وَمَنْ
عَدِمُ السَّاتِرَ صَلَّى عُرْيِاناً بِمَوْضِع سَاتِرٍ قَائِماً رَاكِعاً
سَاجِداً. وَفِي جَمَاعَةِ الْعُرَاةِ فِي الظُّلْمَةِ يَتَقَدَّمُ
إِمَامُهُمْ وَيُصَلُّونَ كَذلِكَ وَفِي نَهَارٍ أَوْ لَيْلٍ مُقْمِرٍ
قِيلَ يَنْفَرِدُ كُلٌّ بِمَوْضِعٍ، وَقِيلَ جَمَاعَةً غَاضِّينَ (1)
وَيُمْنَعُ التَّلَثُّمُ فِي الصَّلاَةِ وَيُكْرَهُ كَفُّ الْكُمِّ
وَالشَّعْرِ وَشَدُّ الْوَسَطِ لَهَا وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ شَرْطٌ،
وَقِيلَ فَرْضٌ مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ.
(فصل) أركان الصلاة
- أَرْكَانُهَا النِّيَّةُ مُقْتَرَنَةٍ بِالتَّكْبِيرِ. فَإِنْ قَدَّمَهَا
بِالْكَثِيرِ لَمْ يُجْزِهِ إِلاَّ يَسْتَصْحِبَهَا ذِكْراً، وَمَحَلُّهَا
الْقَلْبُ بِغَيْرِ تَلَفُّظٍ فَإِنْ تَلَفَّظَ بِهَا فَوَاسِعٌ وَلَوِ
اخْتَلَفَ الْعَقْدُ وَاللَّفْظُ (2) فَالْمُعْتَبَرُ الْعَقْدُ
وَالأَحْوَطُ الإِعَادَةُ يُقْصِدُ أَدَاءِ فَرْضِ الْوَقْتِ مُسْتَقْبِلاً
غَيْرَ مُقَنِّعٍ رَأْسَهُ وَلاَ ُمَطْأِطئٍ لَهُ، وَتَكْبِيرَةُ
الإِحْرَامِ يَتَعَيَّنُ اللهُ
_________
(1) صفاً واحداً إمامهم وسطهم كما في المختصر.
(2) غلطاً أو سبق لسان. فإن كان تلاعباً بطلت الصلاة.
(1/15)
أَكْبَرُ، وَالْقِيَامُ لَهَا،
وَالْفَاتِحَةُ يَفْتَحُهَا بِالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ،
وَالْمَشْهُورُ وُجُوبُهَا فِي أَكْثَرِهَا، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو
مُحَمَّدٍ بَلْ فِي كُلِّ رَكْعَة (1) وَالرُّكُوعُ وَأَكْمَلَهُ تَمْكِينُ
رَاحَتَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ مُعْتَدِلاً رَأْسُهُ وَظَهْرُهُ وَلاَ
يَنْزَحُ وَالرَّفْعُ مِنْهُ وَالسُّجُودُ عَلَى جَبْهَتِهِ، وَفي الأَنْفِ
خِلاَفٌ وَالرَّفْعُ مِنْهُ لِلْفصل يَجْلِسُ وَاضِعاً يَدَيْهِ عَلَى
فَخذَيْهِ مَبْسُوطَتَيْنِ وَقَدْرُ السَّلاَمِ مِنَ الْجَلْسَةِ
الأَخِيرَةِ، وَالسَّلاَمُ وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ مُعَرَّفٌ (2) وَهَلْ
يَنْوِي بِهِ الْخُرُوجُ قَوْلاَن (3) ، وَالطُّمَأْنِينَةُ وَيُجْزِئُ
مِنْهَا أَدْنَى اللُّبْثِ وَتَرْتِيبُ الأَدَاءِ وَسُنَنهَا قِرَاءَة مَا
تَيَسَّرَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ إِلاَّ فِي آخِرَتَيِ الرُّبَاعِيَةِ
وَثَالِثَةِ الْمَغْرِبِ وَالصُّبْحِ وَالْجُمُعَةِ، وَأَولَيي الْمَغْرِبِ
وَالْعِشَاء، وَالسِّرِّ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَثَالِثَةِ
الْمَغْرِبِ وَآخِرَتَيِ الْعِشَاءِ، وَالْجُلُوسُ لِلتَّشَهُّدِ،
وَلَفْظُهُ: التَّحِيَّاتُ لِلّهِ، الزَّاكِيَاتُ لِلّهِ، الطَّيِّبَاتُ
الصَّلَوَاتُ لِلّهِ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ
اللهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ
الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ
له وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،
وَالصَّلاَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
الَّذِي يُسَلِّمُ (4) مِنْهُ وَالتَّكْبِيرُ سِوَى تَكْبِيرَةِ
الإِحْرَامِ، وَهَلْ كُلُّ تَكْبِيرَةٍ أَوِ الْجَمْعُ قَوْلاَنِ،
وَاخْتُلِفَ فِي سَمِعَ اللهُ
_________
(1) وهو الراجح.
(2) أي يقول المصلي السلام عليك بأل ولا يقول سلام عليكم.
(3) الراجح ينوي ندباً لا وجوباً.
(4) أي في التشهد الأخير، أما التشهد الأول فليس فيه صلاة على النبي صَلى
اللهُ عَليه وَسَلَم.
(1/16)
لِمَنْ حَمِدَهُ وَرَبَّنَا وَلَكَ
الْحَمْدُ، وَلَفْظِ التَّشَهُّدِ، فَقِيلَ سُنَّةٌ وَقِيلَ فَضِلَةٌ.
وَفَضَائِلُهَا رَفْعَ الْيَدَيْنِ مَعَ الإِحْرَامِ حَذْوَ مِنْكَبَيْهِ،
وَهَلْ عَلَى صِفَةِ الرَّاهِبِ أَوِ النَّابِذِ؟ قَوْلاَنِ (1) ، وَهَلْ
الأَفْضَلُ عَقْدُهُمَا تَحْتَ صَدْرِهِ أَوْ إِرْسَالَهُمَا قَوْلاَنِ (2)
، وَهَلْ يَرْفَعُهُمَا عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ خِلاَفٌ،
وَكَمَالُ السُّورَةِ، وَتَطْوِيلُ الْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ وَالظُّهْرِ
قَدْراً غَيْرَ شَاقٍّ، وَتَقْصِيرُهَا فِي الْمَغْرِبِ، وَتَأْمِينُ
الْمُؤْتَمِّ وَالْمُنْفَرَدِ سِرّاً، وَالإِمَامُ يُؤَمِّنُ فِي
السِّرِّيَّةِ وَيَقُولُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ
حَمِدَهُ وَالمَأْمُومُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَالْمُنْفَرِدُ
يَجْمَعَهُمَا، وَالتَّسْبِيحُ فِي الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ، وَالْقُنُوتُ
فِي ثَانِيَةِ الصُّبْحِ سِرّاً وَقَبْلَ الرُّكُوعِ أَفْضَلُ، وَيُكَبِّرُ
قائِماً مِنَ اثْنَتَيْنِ إِذَا اسْتَوَى قَائِماً، وَلاَ بَأْسَ
بِالدُّعَاءِ فِي جَمعِ هَيْئَاتِ الصَّلاَةِ إِلاَّ فِي الرُّكُوعِ.
(فصل) السترة
- مَنْ لاَ يَأْمَنُ الْمُرُورَ بَيْنَ يَدَيْهِ يُصَلِّي إِلَى
السُّتْرَةِ وَلاَ تَبْطُلُ بِمُرُورِ شَيْءٍ بَيْنَ يَدَيْهِ،
وَأَقَلُّهَا ذِرَاعٌ فِي غِلَظِ الرُّمْحِ لاَ بِخَطِّ أَوْ أَجْنَبِيَّةِ
وَلاَ صَغِيرٍ لاَ يَثْبُتُ وَلاَ دَابَّةٍ وَلاَ نَائِمٍ وَحِلَقُ (3)
الْمُتَكَلِّمِينَ بِخِلاَفِ الطَّائِفِينَ يَدْنُو مِنْهَا وَلاَ
يَنْصِبُهَا قُبَالَةَ وَجْهِهِ وَيَدْرَأُ (4) الْمَارَّ بِرِفْقٍ.
(فصل) الْعَاجِزُ عَنِ الْقِيَامِ
- وَالْعَاجِزُ عَنِ الْقِيَامِ مُعْتَمِداً يُصَلِّي جَالِساً
_________
(1) صفة الراهب: أن يبسط يديه ويجعل ظهورهما مما يلي السماء وبطونهما مما
يلي الأرض وهو اختيار سحنون، وصفة التابذ للدنيا: أن يرفعهما قائمتين بطول
أصابعهما مما يلي السماء، وهو اختيار ابن عبد السلام وخليل في شرحيهما على
ابن الحاجب.
(2) المشهور الارسال لكن الذي رجحه من أئمة المذاهب المتقدمين المتأخرين هو
القبض، ولأبي عبد الله المسناوي في ترجيحه تأليف خاص وكذا سيدي محمد بن
جعفر الكتاني والشيخ المكي بن عزوز التونسي وغيرهم وأوسع هذه الكتب كتاب
المتنوني والبتار في نحر العنيد المعثار الطاعن فيما صح من السنن الآثار،
رد به الحافظ أبو الفيض السيد الشيخ أحمد علي محمد الخضر الشنقيطي.
(3) حلق المتكلمين: جمع حلقة أي الجالسون في المسجد على شكل حلقة مستديرة
يتكلمون فيدنو المصلي منها أي يقرب ولا يجعلها قبالة وجهه بل يجعلها إلى
يساره أو إلى يمينه.
(4) أي يدفع المصلي الشخص الذي يريد المرور أمامه برفق ولين فإذا لم يندفع
دفعه بشدة.
(1/17)
مُسْتَقْبِلاً فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعِ
اسْتَنَد إِلَى طَاهِرٍ فَإِنْ عَجَزَ فَعَلَى يَمِينِهِ فَإِنْ عَجَزَ
فَعَلَى يَسَارِهِ فَإِنْ عَجَزَ فَمُسْتَلْقِياً يَأْتِي بِمَا يُمْكِنُهُ
وَيُومِئُ بِمَا يَعْجِزُ عَنْهُ وَيَخْفِضُ للسُّجُودِ عَنِ الرُّكُوعِ
وَلاَ تَسْقُطُ عَنْهُ وَهُوَ يَعْقِلُ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ جَمِيعِ
الْحَرَكَاتِ فَقِيلَ يَقْصِدُ بِقَلْبِهِ وَقِيلَ تَسْقُطُ عَنْهُ، وَفِي
خَوْفِهِ الْغَلَبَةَ عَلَى عَقْلِهِ، يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ
وَفِي طَلَبِ الرُّفْقَةِ (1) يُؤَخِّرُ الأُولَى إِلَى آخِرِ وَقْتِهَا
الاِخْتِيَارِيِّ وَيُصَلِّيهَا.
فصل: فِي الْجَمْعِ (2)
- وَيَجْمَعُ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ لِلْمَطَرِ أَوِ الْوَحَلِ مَعَ
الظُّلْمَةِ فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ لاَ الْمُنْفَرِدُ فِي بَيْتِهِ
أَوْ مَسْجِدِهِ يُؤَخِّرُ الأُولَى وَيُقَدِّمُ الأَخِيرَةَ
وَيُصَلِّيَانِ فِي وَسَطِ الْوَقْتِ يُؤَذِّنُ فِي الأُولَى خَارِجَ
الْمَسْجِدِ وَهَلْ يُؤَذِّنُ فِي الأُخْرَى دَاخِلَهُ أَوْ خَارِجَهُ
قَوْلاَنِ، وَيُقِيمُ لَهُمَا وَيَتَنَفَّل بَيْنَهُمَا فَإِنِ انْقَطَعَ
فِي أَثْنَائِهَمَا تَمَادَى، وَمَنْ أَدْرَكَ الثَّانِيَةَ مَعَهُمْ
وَقَدْ صَلَّى الأُولَى فَهَلْ يَجْمَعُ مَعَهُمْ قَوْلاَنِ (3) .
(فصل) الْجَمَاعَةُ
- الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَلاَ يَوُمُّ إِلاَّ مُسْلِمٌ عَدْلٌ
ذَكَرٌ عَالِمٌ بِمَا لاَ تَصِحُّ الصُّلاَةُ إِلاَّ بِهِ بَالِغٌ فِي
الْفَرِيضَةِ مُمَيِّزٌ فِي النَّاِفَلِة، وَكُرِهَ كَوْنُ الْعَبْدِ
وَوَلَدِ الزِّنَا رَاتِباً، وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُهُ أَكْمَلَهُمْ زِيّاً
وَخَلْقاً فَيُكْرَهُ الأَغْلَفُ وَالأَقْطَعُ وَالأَشَلُّ وَالأَعْمَى
وَالْمُتَيَمِّمُ
_________
(1) يعني أن المسافر الذي يريد للحاق برفقة سبقوه يجد في السير ويؤخر
الصلاة الأولى من صلاتي الجمع إلى آخر وقتها الاختياري قبل وقت الكراهة
والحرمة.
(2) اقتصر المؤلف على حكم الجمع بسبب المطر والوحل مع الظلمة ولم يتعرض
للجمع بسبب السفر وغيره إلا تعرضاً يسيراً في كتاب صلاة المسافر فذكر الجمع
بين الظهرين فقط دون العشائين وهو رخصة جائزة للمسافر فيجوز له أن يجمع
الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء جمع تقديم أو تأخير، فإذا كان سائراً في
وقت الظهر أخرها إلى آخر وقتها الاختياري ويصلي العصر معها وإن كان نازلاً
وقت الظهر وسيكون سائراً وقت العصر إلى الغروب صلى الظهر في وقتها والعصر
معهما جمع تقديم، ومثل ذلك المغرب والعشاء يجمعها جمع تقديم أو تأخير بحسب
حاله من النزول في وقت الأولى وسيره في وقت الثانية أو العكس ومن أسباب
الجمع أيضاً سير الحاج إلى عرفة ومزدلفة، ومما ينبغي التنبه له أن المالكية
يجيزون الجمع في السفر براً فقط لا يجيزونه في البحر تمسكاً بما حدث فيه
الجمع أيام الرسول صَلى اللهُ عَليه وَسَلَم وأصحابه وخلفائه ولكن الشافعية
يجيزونه في البحر أيضاً وهو أقرب لغرض الشارع من التسهيل على المسافر فان
المسافر بحراً قد يشغله السفر في وقت الأولى أو الثانية كما يشغل السفر
المسافر براً.
(3) قال ابن القاسم في المدونة: إن صلى المغرب في بيته ثم أتى المسجد
فوجدهم في العشاء ليلة الجمع فله الدخول معهم اهـ. وفي المبسوط خلافه.
(1/18)
لِلْمُتَوَضِّئِينَ وَذُو سَلَسٍ
وَالْجُرُوحِ السَّائِلَةِ لِلأَصِحَّاءِ، وَبَدَوِيٌّ لِلْحَاضِرِينَ،
وَمُسَافِرٌ لِلْمُقِيمِينَ وَلاَ تَقَدُّمَ عَلَى الْحَاكِمِ وَرَبِّ
الْمَنْزِلِ إِلاَّ بِإِذْنِهِمَا، وَفِي اجْتِمَاعِ الأَهْلِ يُقَدَّمُ
الأَفْقَهُ فَإِنِ اسْتَوَوْا فَالْقُرْعَةُ يُحْرمُ بَعْدَ اسْتِوَاءِ
الصُّفُوفِ وَلاَ يَلْزَمُهُ نِيَّةُ الإِمَامَةَ وَيَرْجُو لِمَنْ
خَلْفَهُ وَيُشْرِكُهُمْ فِي دُعَائِهِ وَلاَ يَنْتَظِرُ إِدْرَاكَ
الدَّاخِلِ وَمَوْقِفُ الْوَاحِدِ عَنْ يَمِينِهِ وَالْوَاحِدَةِ خَلْفَهُ
وَلاَ تَبْطُلُ بِقِيَامِهِ إِلَى جَنْبِهِ، وَيَقِفُ الإِثْنَانِ
فَصَاعِداً خَلْفَهُ وَالنِّسَاءُ خَلْفَهُمْ، وَيَجُوزُ وُقُوفُ
الْوَاحِدِ وَرَاءَ الصَّفِّ وَلاَ يَجْذِبُ إِلَيْهِ أَحَداً، وَلاِدْراك
الرُّكُوعِ إِنْ وَجَدَ مَدْخَلاً إِنْ قَرُبَ، وَيَلْزَمُ الْمَأْمُومَ
نِيَّةُ الاقْتِدَاءِ وَمُسَاوَاتُهُ فِي عَيْنِ الصَّلاَةِ فَلاَ
يَأْتَمُّ قَاض بِمُؤَدٍّ وَلاَ مُفْتَرَضٌ بِمُتَنَفِّلٍ بِخِلاَفِ
عَكْسِهِ، وَالصَّحِيحُ صِحَّةُ صَلاَة الْمُسْمِعِ (1) وَالصَّلاَةُ بِهِ،
وَلَوْ قَامَ بَيْنَ يَدَيِ الإِمَامِ وَأَمْكَنَهُ الاِقْتِدَاءُ جَازَ.
(فصل) إعادة المنفرد
- الْمُنْفَرِدُ بِصَلاَةٍ يُنْدَبُ إِلَى الإِعَادَةِ فِي جَمَاعَةٍ
إِلاَّ الْمَغْرِبَ وَيُعِيدَ بِنِيَّةِ الْفَرْض. وَيُكْرَهُ لِغَيْرِ
الرَّاتِبَ إِقَامَةُ الْجَمَاعَةِ لاَ بِالْعَكْسِ وَلاَ تَكْرَارُهَا
بِمَسْجِدٍ لاَ رَاتِبَ لَهُ، وَمَنْ أَدْرَكَ بَعْضَ الصَّلاةِ لَمْ
يَقُمْ إِلاَّ بَعْدَ
_________
(1) المسمع هو الذي يبلغ المأمومين انتقالات الإمام فصلاته صحيحة وصلاة من
يسمعه فيتحرك مع الإمام من المأمومين صحيحة أيضاً وينبغي تقيده بأن تدعو
الضرورة إلى ذلك أما إذا كان لا ضرورة فالأولى عدمه، وهل يلزم في المبلغ أن
يكون مستوفياً شروط الإمامة أو لا يلزم، قولان فعلى أن المبلغ علامة لا
يلزم استيفاؤه شروط الإمامة فيجوز تبليغ الصبي والمرأة والمحدث والكافر
وغيره وعلى القول بأنه نائب الإمام يشترط أن يستوفي شروط الإمام فلا يجوز
تبليغ من ذكروا.
(1/19)
سَلاَمِ إِمَامِهِ فَإِنْ قَامَ قَبْلَهُ
لَمْ يُعْتَدَّ بِمَا فَعَلَ وَعَادَ لِيَقُومَ بَعْدَهُ لِيَقْضِيَ مَا
فَاتَهُ عَلَى صِفَتِهِ وَتُدْرَكُ الصَّلاَةُ بِرَكْعَةٍ لاَ بِدُونِهَا
لكِنَّهُ يَبْني عَلَى إِحْرَامِهِ فَإِنْ أَدْرَكَهُ رَاكعاً أَوْ
سَاجِداً كَبَّرَ لِلإِحْرَامِ ثُمَّ لِلهَوِيِّ وَقَائِماً لِلإِحْرَامِ
فَقَطْ.
(فصل) تَرْتِيبُ الْفَوَائِت اليسيرة
- يَجِبُ تَرْتِيبُ الْفَوَائِتِ مَعَ الذِّكْرِ خَمْسٌ فَمَا دُونَهَا
تُقَدَّمُ عَلَى الْحَاِضَرِة وَتَبْطُلُ بِذِكْرِهَا فِيهَا وَبَعْدَهَا
فِي الْوَقْتِ وَلْيَأْتِ بِعَدَدِ مَا يُبْرِئُهُ فَفِي نَهَارِيَّةٍ
مَجْهُولَةٍ يُصَلِّي النَّهَارِيَّاتِ وَفِي ليْلاَّ كَذلِكَ
الْعِشَاءَيْنِ وَفِي جَهْلِةِ مِنْ أَيِّهِمَا الْخَمْسَ وَفِي
اثْنَتَيْنِ لاَ يَدْرِي السَّابِقَةَ ثَلاَثاً يُعِيدُ الْمُبْتَدَأَ
بِهَا. وَمُتَوَالِيَتَيْنِ مَجْهُولَتَي الْعَيْنِ وَالسَّبْقِ سِتّاً
كَذلِكَ وَلِثَلاَثٍ سَبْعاً وَأَرْبَعٍ ثَمَاني وَخَمْسٍ تِسْعاً وَمَا
لاَ يُحْصِيهِنَّ يُصَلِّي حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ بَرَاءَتُهُ
وَلاَ يُمْنَعُ الْقَضَاءُ فِي وَقْتِ الْكِرَاهَةِ، وَلاَ فِي غَيْرِهِ،
وَتَارِكُ الصَّلاَةِ تَهَاوُناً لِخُرُوجِ وَقْتِهَا الضَّرُورِيِّ
يُضْرَبُ وَيُهَدَّدُ بَعْدَ أَمْرِهِ ثَلاَثاً، فَإِنْ فَعَلَ أَوْ
وَعَدَ، وَالْمَشْهُورُ لَوْ قَالَ أَنَا أَفْعَلُ يُقْبَلُ وَإِلاَّ
قُتِلَ حَدّاً (1) ، وَجَحْداً يَكْفُرُ، وَتُكْرَهْ الصَّلاَةُ فِي
مُتَعَبِّدَاتِ الْكُفَّارِ وَالْمَزْبَلَةِ وَالْمَجْزَرَةِ وَقَارِعَةِ
الطَّرِيقِ وَالْمَقْبَرَةِ الْقَدِيمَةِ وَقِيلَ مُطْلَقاً وَالْحَمَّامِ
إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعاً طَاهِراً مسْتُوراً،
_________
(1) هذه العبارة غير محررة وعبارة خليل في المختصر: ومن ترك فرضاً آخر
لبقاء ركعة بسجدتيها من الضروري وقتل بالسيف حدا ولو قال أنا أفعل وصلى
عليه فاضل ولا يطمس بره لا فائتة على الأصح والجاحد كافر اهـ.
(1/20)
وَالدَّارِ الْمَغْضُوبَةِ وَالْحَجَرِ
وَالْكَعْبَةِ وَعَلَى ظَهْرِهَا أَشَدُّ وَقِيلَ بِإِبَاحَةِ النَّافِلَةِ
دُونَ الْفَريضَةِ، وَتُشْتَرَطُ طَهَارَةُ مَوْضِعِهَا كَالثَّوْبِ فَإِنْ
سَتَرَ النَّجَاسَةَ بِمَا لاَ يُحَرِّكُهَا صَحَّتْ كَمَا لَوْ كَانَتْ
فِي طَرَفِ بِسَاطٍ وَصَلَّى عَلَى الأُخْرَى، وَالشَّمْسُ لاَ تُطَهِّرُ
(1) ، وَيُعْفَى عَنْ يَسِيرِ مَا عَدَا الأَخْبَتَيْنِ وَهُوَ قَدْرُ
الدِّرْهَمِ فَدُونَهُ، وَيَطْهُرُ الْمَحَلُّ بِانْفِصَال الْغُسَالَةِ
غَيْرَ مُتَغَيِّرَةٍ.
(فصل) سُجُودُ السَّهْوِ
- سُجُودُ السَّهْوِ يُجْزِئُ عَنْ تَرْكِ السُّنَنِ وَهُوَ لِلزِّيَادَةِ
بَعْدَ السَّلاَمِ وَللنَّقْصِ أَوِ اجْتِمَاعِهِمَا قَبْلَهُ (2) ، وَلاَ
يَتَكَرَّرُ وَيُحْرِمُ لِلَّتَيْنِ بَعْدَ السَّلاَمِ وَيَتَشَهَّدُ
وَيُسَلِّمُ وَمَنْ سَهَا عَنْهُمَا فَعَلَهُمَا مَتَى مَا ذَكَرَ وَهَلْ
يَتَشَهَّدُ لِلَّتَيْنِ قَبْلَهُ قَوْلاَنِ فَإِنْ سَهَا عَنْهُمَا
فَعَلَهُمَا بَعْدَهُ فَإِنْ طَالَ الْفصل أَوِ انْتَقَلَتْ طَهَارَتُهُ
فَقِيلَ تَبْطُلُ وَقِيلَ لاَ. إِلاَّ أَنْ يَتْرُكَ فِعْلاً كَالْجُلُوسِ
الأَوَّلِ وَيَرْجِعَ تَارِكُهُ مَا لَمْ يَسْتَقِلَّ عَنِ الأَرْضِ فَإِنْ
عَادَ بَعْدَهُ بَطَلَتْ فِي الأَصَحِّ إِلاَّ أَنْ يَرْجِعَ سَاهِياً أَوْ
جَاهِلاً أَمَّا الأَرْكَانُ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ الإِتْيَانُ بِهَا مَا
لَمْ يَفُتْ مَحَلُّ التَّلاَفِي فَإِنْ فَاتَ بَطَلَتِ الرَّكْعَةُ،
وَمَنْ ذَكَرَ فِي آخِرِ صَلاَتِهِ سَجْدَةً لَمْ يَعْلَمْ مَحَلَّهَا
سَجَدَ وَأَتَى بِرَكْعَةٍ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ أَشْهَبُ
بِرَكْعَةٍ فَقَطْ وَفِي كَوْنِهَا مِنَ الأَخِيرَةِ يَسْجُدُ لاَ غَيْرُ.
_________
(1) وقولهم كل ناشف طاهر لا أصل له.
(2) هذا مشهور المذهب. وقال عبد العزيز بن الماجشون في اجتماع النقص
والزيادة: يسجد قبل وبعد قال ابن ناجي. ونفسي إليه أميل ومذهب الشافعي أن
السجود كله قبلي. ومذهب أبي حنيفة عكسه وقال أحمد بن حنبل أسجد لكل سهو حيث
سجد له عليه السلام ولا أسجد في غيره اهـ. قال أبو محمد الشبيني: صور السهو
ثمانية اثنان يسجد فيهما بعد السلام وهما الزيادة المتقنة والزيادة
المشكوكة وستة يسجد فيها قبل السلام وهي تيقن النقص، والشك فيه وتيقن النقص
والشك والزيادة معاً. والشك فيهما، وتيقن النقص والشك في الزيادة، وتيقن
الزيادة والشك في النقص اهـ وقال زروق: وتأمل ذلك.
(1/21)
وَمَنْ جَهِلَ كَمْ صَلَّى بَنَى عَلَى
الأَقَلِّ فَإِنْ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ مِنْ رَكْعَةٍ أَجْزَأَهُ سُجُودٌ
عَلَى الأَشْهَرِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ ثُنَائِيَّةً فَتَبْطُلُ عَلَى
قَوْلِ الْقَاضِي، وَإِنْ تَرَكَ تَكْبِيرَةَ الإِحْرَامِ ابْتَدَأَ،
وَالْمُؤْتَمُّ يُحْرِمُ وَيُدْرِكَ مَا لَمْ يَرْكَعْ إِمَامُهُ وَقِيلَ
مَا لَمْ يَرْفَعْ، فَإِنْ أَدْرَكَهُ رَاكِعاً فَأَمْكَنَهُ أَنْ يَحْرِمَ
وَيُدْرِكَهُ وَقبْلَ رَفْعِهِ صَحَّتْ وَبَعْدَ رَفْعِهِ الصَّحِيحُ
أَنَّهُ يَبْتَدِئُ وَقِيلَ إِنْ كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ مَضَى وَأَعَادَ
إِيجَاباً، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونَ اسْتِحْبَاباً وَيَسْجُدُ
الْمُؤْتَمُّ لِسَهْوِ إِمَامِهِ، فَأَمَّا الْمَسْبُوقُ إِنْ قَبْلُ
سَجَدَ مَعَهُ، وَقَامَ لِلْقَضَاءِ بَعْدَ سَلاَمِهِ: وَإِنْ سَجَدَ
بَعْدَ السَّلاَمِ لَمْ يَسْجُدْ وَهَلْ يَقُومُ لِلْقَضَاءِ بَعْدَ
سَلاَمِهِ مِنَ الصَّلاَةِ أَوْ مِنَ السُّجُودِ قَوْلاَنِ، وَيَسْجُدُ
الْمُؤتَمِّ بَعْدَ قَضَائِهِ، وَالإِمَامُ يَحْمِلُ سَهْوَ الْمُؤْتَمِّ
وَفِي تَعَمُّدِ تَرْكِ سُنَّة بِالسُّجُودِ وَعَدَمِهِ قَوْلاَنِ، وَلاَ
سُجُودَ لِتَرْكِ فَضِيلَةٍ وَعَدْمُهُ الْكَلاَمَ لإِصْلاَحِهَا مُبْطِلٌ
وَإِنْ قَلَّ، لاَ السَّهْوُ إِلاَّ أَنْ يَكْثُرَ وَسُعَالٌ وَعُطَاسٌ
وَغَلَبَةُ الْبُكَاءِ، وَيُبْطِلُهَا سَهْوُ الْحَدَثِ وَغَلَبَتُهُ
وَالْقَهْقَهَةُ لاَ التَّبَسُّمُ، وَهَلْ يَسْجُدُ لَهُ قَوْلاَنِ
وَالتَّنَحْنُحُ إِنْ ظَهَرَ مِنْهُ مَقَاطِعُ الْحُرُوفِ فَكَالْكَلاَمِ
وَإِلاَّ فَلاَ، وَلَوْ تَبَاعَدَ بِحَيْثُ يُغَيِّرُ نَظْمَ الصَّلاَةِ
أَبْطَلَهَا وَإِنْ وَجَبَ.
(1/22)
(فصل) الرُّعاف
- الرُّعاف (1) إِنْ كَانَ قَبْلَ عَقْدِ رَكْعَةٍ، وَأَمْكَنَ التَّمَادِي
مَعَهُ مَضَى فِي صَلاَتِهِ، وَإِلاَّ قَطَعَ وَغَسَلَ الدَّمَ، وَإِنْ
كَانَ بَعْدُ عَقْدِ رَكْعَةٍ بَنَى: فَإِنْ كَانَ إِمَاماً اسْتُحِبَّ
أَنْ يُسْتَخْلِفَ كَغَلَبَةِ الْحَدَثِ، فَلَوْ أَتَمُّوا فُرَادَى جَازَ
إِلاَّ فِي الْجُمُعَةِ فَيَجِبُ الاِسْتِخْلاَفُ وَالْمُؤْتَمُّ يَخْرُجُ
عَلَيْهِ حُرْمَةُ الصَّلاَةِ فَيَغْسِلُ الدَّمَ فِي أَقْرَبِ
الْمَوَاضِعِ إِلَيْهِ ثُمَّ إِنْ ظَنَّ إِدْرَاكَ الْبَقِيَّةِ مِنَ
الصَّلاَةِ رَجَعَ وَبَنَى بِشَرْطِ عَدَمِ الْكَلاَمِ وَوَطْئِهِ
نَجَاسَةً وَتَجَاوُزِ أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ وَحَدَثِهِ وَإِلاَّ أَتَمَّ
مَكَانَهُ إِلاَّ فِي الْجُمُعَةِ فَيَرْجِعُ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
وَالصَّحِيح أَنَّ الإِمَامَ إِذَا رَجَعَ لَيْسَ لَهُ إِخْرَاجُ
الْمُسْتَخْلَفِ لِيُتِمَّ هُوَ.
(فصل) صلاة النافلة
- يُبَاحُ التَّنَفُّلُ فِي سَائِرِ الأَوْقَاتِ، إِلاَّ بَعْدَ صَلاَةِ
الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ. وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى
تَغْرُبَ، وَفِيهِ عِنْدَ الزَّوَالِ خِلاَفٌ (2) وَلَيْسَ مَعَ
الصَّلَوَاتِ رَوَاتِبُ مَحْدُودَةٌ وَهِيَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ
مَثْنَى، وَالأَفْضَلُ الْجَهْرُ فِي اللَّيْلِ، وَالسِّرُّ فِي
النَّهَارِ، وَتَكْثِيرُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَفِعْلُهَا خَلْوَةً
وَفِي نِصْفِ اللَّيْلِ الأَخِيرِ، وَيَجُوزُ الْجُلُوسُ مَعَ الْقُدْرَةِ
عَلَى الْقِيَامِ وَعَلَى رِحْلِةِ فِي سَفَرِ الْقَصْرِ حَيْثُمَا،
تَوَجّهَتْ بِهِ، وَفِي السَّفِينَةِ يَسْتَدِيرُ وَمُفْتَتِحُهَا جَالِساً
_________
(1) الرعاف سيلان الدم من الأنف يقال رعف يرعف كنصر ينصر ورعف يرعف كنفع
ينفع. ورعف بضم الراء مبنياً للمجهول لغة. وأصل الرعف السبق ومنه قيل فرس
راعف أي سابق ثم ما ذكره المنف من أحكام الرعاف هو بالنسبة للإمام والمؤتم
وظاهر كلامه أن الفذ لا يبني في الرعاف وهو قول ابن حبيب وروى عن مالك وهو
المشهور بناء على أن البناء لحرمة الجماعة. وقال اصبغ وغيره يبني بناء على
أن البناء لحرمة الصلاة. واختلاف في البناء للإمام والمأموم على أقوال
المشهور منها أنه مستحب وأن القطع جائز. قال زروق: وقد رجح قوم القطع على
البناء وهو أولى بالعامي ومن لا يحكم التصرف بالعلم لجهله اهـ.
(2) في الموطأ عن عبد الله الصنابحي أن رسول الله صَلى اللهُ عَليه وَسَلَم
قال: "إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان فإذا ارتفعت فارقها ثم إذا استوت
قارنها فأنا زالت فإذا دبت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها" ونهى رسول الله
صَلى اللهُ عَليه وَسَلَم عن الصلاة في تلك الساعات، وفي صحيح مسلم وغيره
عن عقبة بن عامر قال: "ثلاث ساعات كان رسول الله صَلى اللهُ عَليه وَسَلَم
ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نقبر موتانا، حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع
وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب" قال الباجي: اتفق العلماء على المنع من
النوافل التي لا سبب لها بعد الصبح إلى طلوع الشمس وأما عند الزوال فالنظر
من مذهب مالك وغيره إباحة الصلاة فيه، وفي المبسوط عن ابن وهب سئل مالك عن
الصلاة نصف النهار فقال: أدركت الناس وهم يصلون يوم الجمعة نصف النهار وقد
جاء في بعض الحديث نهى عن ذلك فأنا لا أنهى عنه للذي أدركت الناس عليه: ولا
أحبه للنهي عنه. فعلى هذا القول فيه بعض الكراهة وأما التنفل بعد العصر إلى
غروب الشمس فمنع منه مالك والشافعي وقال داود لا بأس بالصلاة بعد العصر ما
لم تقرب الشمس من الغروب اهـ ملخصاً ومذهب الشافعي منع النافلة عند الزوال
في سائر الأيام إلا يوم الجمعة لأحاديث ضعيفة وردت باستثناء هذا اليوم من
النهي وهي في سنن البيهقي (ج 2 ص 464 و 465) .
(1/23)
وَبِالْعَكْسِ وَالشُّرُوعُ مُلْزِمٌ فِي
سَائِرِ النَّوَافِلِ. فَإِنْ أَبْطَلَهَا قَضَاهَا لا إِنْ بَطَلَتْ،
وَدَاخِلُ الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ كَرَاهَةٍ يُحَيِّيهِ
بِرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ جُلُوسِهِ، وَمِنْهَا التَّرَاوِيحُ ثَمَانِي
عَشْرَةَ تَسْلِيمَةً وَقِيلَ عَشْرٌ مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ
وَلاَ بَأْسَ بِالتَّنَفُّلِ فِي جَلَسَاتِ الإِمَامِ بَيْنَ الإِشْفَاعِ،
وَمُدْرِكُ النَّاسِ فِيهَا لاَ يُصَلِّي الْعِشَاءَ مَعَهُمْ، وَالْوِتْرُ
سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ رَكْعَةٌ عَقِبَ شَفْعٍ مُنْفصل يَدْخُلُ وَقْتُهُ
بَعْدَ الْعِشَاءِ فِي وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ، وَالأَفْضلُ لِذِي
الْوِرْدِ تَأْخِيرُهُ إِلَى آخِرِ اللَّيْلِ وَغَيْرُهُ لاَ يَنَامُ
إِلاَّ عَنْ وِتْرٍ يَقْرَأُ فِي الشَّفعِ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ
الأَعْلَى وَالْكَافِرُونَ، وَفِي الْوِتْرِ بَالإِخْلاَصِ
وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَلاَ قُنُوتَ فِيهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَرَكْعَتَا
الْفَجْرِ سُنَّةٌ وَقِيلَ نَافِلَةٌ وَوَقْتُهَا بَعْدَ طُلُوعِ
الْفَجْرِ، وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ فِيهِ
أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ يَرْكَعُ خَارِجَهُ ثُمَّ يُدْرِكُهُ،
وَالنَّائِمُ عَنْ ورْدِهِ إِنْ تَصَبَّحَ لاِنْتِظَارِ الْجَمَاعَةِ
صَلاَّهَا وَإِلاَ بَادَرَ إِلَى فَرْضِهِ، وَعَنِ الْوِتْرِ فَفِي سَعَةِ
الْوَقْتِ يُصَلِّي الْجَمِيعَ وَفِي ضِيقِهِ يَقْتَصِرُ عَلَى الْوتْرِ،
وَيُصَلِّي رَكْعَتَي الْفَجْرِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ.
(فصل) سجود التلاوة
- عَزَائِمُ السَّجَدَاتِ إِحْدىَ عَشَرَةَ مِنْهَا ص
(1/24)
لاَ آخِرُ الْحَجِّ، وَلَيْسَ فِي الْمُفصل مِنْهَا شَيْءٌ (1) ،
وَأَثْبَتَ ابْنُ وَهْبٍ الْجَمِيعَ، وَشُرُوطُهَا كَالصَّلاَةِ يُكَبِّرُ
لِخَفْضِهَا وَرَفْعِهَا يَغَيْرِ إِحْرَامٍ وَلاَ سَلاَمٍ،
وَيَتَجَاوَزُهَا وَقْت الْكَرَاهَةِ وَالْحَدَثِ وَيَتْلُو مَا بَعْدَهَا
وَلاَ يَسْجُدُ، وَالْمُسْتَمِعُ كَالتَّالِي لاَ السَّامِعُ وَيُكْرَهُ
تَعَمُّدُهَا فِي الصَّلاَةِ، فَإِنْ تَلاَهَا سَجَدَ، وَيَجْهَرُ
الإِمَامُ بهَا فِي السِّرِّ، وَاللهُ أَعْلَمُ. |