التاج
والإكليل لمختصر خليل [كِتَابُ الْإِجَارَةِ] [بَابٌ فِي
أَرْكَانِ الْإِجَارَة وَحُكْمِهَا وَفِي الطَّوَارِئِ الْمُوجِبَةِ
لِلْفَسْخِ]
ابْنُ شَاسٍ: فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ: الْأَوَّلُ
فِي أَرْكَانِهَا وَهِيَ: الْعَاقِدَانِ وَالْأُجْرَةُ وَالْمَنْفَعَةُ
وَهِيَ كُلُّ مَنْفَعَةٍ يُسْتَبَاحُ تَنَاوُلُهَا. الْبَابُ الثَّانِي فِي
حُكْمِ الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ.
الثَّالِثُ فِي الطَّوَارِئِ الْمُوجِبَةِ لِلْفَسْخِ. عِيَاضٌ: يُقَالُ
آجَرْت فُلَانًا وَأَجَّرْته بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ وَكَذَلِكَ آجَرَهُ
اللَّهُ. وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ الْمَدَّ فِي الْإِجَارَةِ وَهُوَ
الصَّحِيحُ. وَأَصْلُهَا الثَّوَابُ وَهِيَ بَيْعُ مَنَافِعَ مَعْلُومَةٍ
بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ وَهِيَ مُعَاوَضَةٌ صَحِيحَةٌ يَجْرِي فِيهَا مَا
يَجْرِي فِي الْبُيُوعِ مِنْ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ. ابْنُ عَرَفَةَ:
الْإِجَارَةُ بَيْعُ مَنْفَعَةِ مَا أَمْكَنَ نَقْلُهُ غَيْرَ
(7/493)
سَفِينَةٍ وَلَا حَيَوَانٍ لَا يُعْقَلُ
بِعِوَضٍ غَيْرِ نَاشِئٍ عَنْهَا بَعْضُهُ يَتَبَعَّضُ بِتَبْعِيضِهَا.
(صِحَّةُ الْإِجَارَةِ بِعَاقِدٍ وَأَجْرٍ كَالْبَيْعِ) ابْنُ شَاسٍ:
أَرْكَانُ الْإِجَارَةِ ثَلَاثَةٌ:
الْأَوَّلُ: الْعَاقِدَانِ وَلَا يَخْفَى. ابْنُ الْحَاجِبِ: هُمَا
كالمتبايعان. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. الرُّكْنُ
الثَّانِي: الْأَجْرُ وَهُوَ كَالثَّمَنِ يُطْلَبُ كَوْنُهُ مَعْرُوفًا
قَدْرًا وَصِفَةً.
قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ وَطَائِفَةٌ مِنْ
السَّلَفِ إلَى جَوَازِ الْمَجْهُولَاتِ فِي الْإِجَارَةِ مِنْ الْبَدَلِ،
وَأَجَازُوا أَنْ يُعْطِيَ حِمَارَهُ لِمَنْ يُسْقِي عَلَيْهِ أَوْ
يَعْمَلُ بِنِصْفِ مَا يُرْزَقُ بِسَعْيِهِ عَلَى ظَهْرِهِ، وَيُعْطِيَ
الْحَمَّامَ لِمَنْ يَنْظُرُ فِيهِ بِجُزْءٍ مِنْهُ مِمَّا يُحَصِّلُ
مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ قِيَاسًا عَلَى الْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ. قَالُوا:
وَأَبَاحَ اللَّهُ إجَارَةَ الْمُرْضِعِ وَمَا يَأْخُذُهُ الصَّبِيُّ مِنْ
لَبَنِهَا مَعَ اخْتِلَافِ أَحْوَالِ الصِّبْيَانِ فِي الرَّضَاعِ
وَاخْتِلَافِ أَلْبَانِ النِّسَاءِ وَوَرَدَ الْقُرْآنُ بِجَوَازِهِ اهـ.
مِنْ الِاسْتِنْكَارِ. اُنْظُرْ هَلْ يَنْتَظِمُ فِي هَذَا السِّلْكِ مَا
تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى بِالنِّسْبَةِ إلَى أَرْبَابِ الْبَهَائِمِ
يَحْسُنُ إلَيْهِمْ أَنْ يَبِيتُوا بِالْبَهَائِمِ فِي فَدَّانِ إنْسَانٍ.
وَمِنْ هَذَا مَا سُئِلْتُ عَنْهُ فِي قُرَى السَّاحِلِ لَا بُدَّ
لِصَاحِبِ الْبَهَائِمِ الَّذِي يُشَتِّي بِالسَّاحِلِ بَهَائِمَهُ أَنْ
يَدْفَعَ إلَى بَعْضِ دُورِ تِلْكَ الْقُرَى فَيُنْفِقَ صَاحِبُ الدَّارِ
عَلَيْهِ
(7/494)
وَيُعْطِيَهُ بَهَائِمَ نَفْسِهِ
وَكِلَاهُمَا يَنْتَفِعُ بِصَاحِبِهِ، وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كُلُّهُ
قَرِيبٌ. وَقَدْ أَلْفَيْتُ الْقَوْمَ وَقَدْ شَدَّدُوا عَلَيْهِمْ فِي
هَذَا وَهُمْ لَا بُدَّ فَاعِلُوهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: "
وَيَخْلِطُهُمَا إلَّا كَقَمْحٍ بِمِثْلِهِ " مَا فِي مِثْلِ هَذَا
التَّشْدِيدِ مِنْ الْحَرَجِ فِي الدِّينِ. وَقَدْ أَجَازَ مَالِكٌ أَنْ
يُؤَاجِرَ الْخَيَّاطَ عَلَى خِيَاطَةِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ هُوَ
وَأَهْلُهُ مِنْ الثِّيَابِ فِي السَّنَةِ، وَالْفَرَّانَ عَلَى خَبْزِ مَا
يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْخُبْزِ سَنَةً أَوْ أَشْهُرًا إذَا عَرَفَ
عِيَالَ الرَّجُلِ وَمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ. وَقَدْ أَجَازَ
ابْنُ حَبِيبٍ مِثْلَ هَذَا فِي الْحَمَّامِ إلَّا أَنَّ ابْنَ يُونُسَ
رَجَّحَ قَوْلَ مَالِكٍ فِي الْخُبْزِ وَالْخِيَاطَةِ بِأَنَّ أَكْلَ
النَّاسِ مَعْرُوفٌ وَالْخِيَاطَةُ قَرِيبٌ مِنْهُ قَالَ: بِخِلَافِ
الْحَمَّامِ فَإِنَّهُ قَدْ يَدْخُلُ فِي الشَّهْرِ مَرَّةً وَاحِدَةً
وَقَدْ يَدْخُلُ كُلَّ يَوْمٍ.
قَالَ: فَالْمَنْعُ فِي الْحَمَّامِ هُوَ الصَّوَابُ. وَانْظُرْ أَيْضًا
قَدْ قَالَ سَحْنُونَ: لَوْ حُمِلَتْ أَكْثَرُ الْإِجَارَاتِ عَلَى
الْقِيَاسِ لَبَطَلَتْ، وَسُئِلَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ عَنْ الْغَنَمِ
الْمُؤَلَّفَةِ لِلتَّزْلِيلِ تَنْفَتِقُ الشَّبَكَةُ فَتَرْعَى الْغَنَمُ
مَا حَوْلَهَا قَالَ: الضَّمَانُ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ لَا عَلَى
أَصْحَابِ الْغَنَمِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ اسْتَأْجَرَهَا وَبَيَّتَهَا
فِي أَرْضِهِ فَمَا جَنَتْ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ.
وَانْظُرْ الْأَوْلَى فِي هَذَا الْبَابِ الدُّخُولُ عَلَى وَجْهِ
الْمُكَارَمَةِ وَمَا تَقَدَّمَ فِي الشُّفْعَةِ لِمَ أَجَازَ مَالِكٌ
الْهِبَةَ لِغَيْرِ ثَوَابٍ مُسَمًّى؟ قَالَ: لِأَنَّهُ عَلَى وَجْهِ
التَّفْوِيضِ فِي النِّكَاحِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ
أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِ الْخَيَّاطِ الْمُخَالِطِ الَّذِي لَا
يَكَادُ يُخَالِفُ مُسْتَعْمِلَهُ دُونَ تَسْمِيَةِ أَجْرٍ إذَا فَرَغَ
رَاضَاهُ بِشَيْءٍ يُعْطِيهِ. ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّ النَّاسَ اسْتَجَازُوا
هَذَا كَمَا يُعْطِي الْحَجَّامَ وَفِي الْحَمَّامِ وَفِي الْمَنْعِ مِنْهُ
حَرَجٌ وَغُلُوٌّ فِي الدِّينِ اهـ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ. وَقَدْ تَرْجَمَ
الْبُخَارِيُّ بَابَ الْإِجَارَةِ وَأَخَذَ عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ فَرَسًا
عَلَى النِّصْفِ، وَأَجَازَ ذَلِكَ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدُ بْنُ
حَنْبَلٍ اهـ.
وَنَقَلَ أَيْضًا فِي صَحِيحِهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنْ يُقَالَ بِعْ
هَذَا الثَّوْبَ فَمَا زَادَ عَلَى كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لَكَ. وَقَالَ
ابْنُ سِيرِينَ: إذَا قَالَ بِعْهُ بِكَذَا فَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ فَلَكَ
أَوْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ فَلَا
(7/495)
بَأْسَ بِهِ اهـ. وَكَانَ سَيِّدِي ابْنُ
سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا هُوَ جَارٍ عَلَى هَذَا لَا يُفْتِي
بِفِعْلِهِ ابْتِدَاءً وَلَا يُشَنِّعُ عَلَى مُرْتَكِبِهِ، قُصَارَى
أَمْرِ مُرْتَكِبِهِ أَنَّهُ تَارِكٌ لِلْوَرَعِ وَمَا الْخِلَافُ فِيهِ
شَهِيرٌ لَا حِسْبَةَ فِيهِ وَلَا سِيَّمَا إنْ دَعَتْ لِذَلِكَ حَاجَةٌ،
وَمِنْ أُصُولِ مَالِكٍ أَنْ يُرَاعَى الْحَاجِيَّاتُ كَمَا يُرَاعَى
الضَّرُورِيَّاتُ. فَأَجَازَ الرَّدَّ عَلَى الدِّرْهَمِ مَعَ كَوْنِهِ
يَجْعَلُ مُدَّ عَجْوَةٍ مِنْ بَابِ الرِّبَا، وَأَجَازَ تَأْخِيرَ
النَّقْدِ فِي الْكِرَاءِ الْمَضْمُونِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَمْرَ فِيمَا
ذَكَرْنَاهُ أَخَفُّ؛ لِأَنَّ بِالتَّحَلُّلِ تَبْرَأُ ذِمَّتُهُمْ
بِخِلَافِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَبَابُ الرِّبَا، وَيُبَاحُ الْغَرَرُ
الْيَسِيرُ بِخِلَافِ بَابِ الرِّبَا. وَمِنْ نَوَازِلِ الشَّعْبِيِّ:
وَسُئِلَ أَصْبَغُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ رَجُلٍ يَسْتَأْجِرُ الْأَجِيرَ
عَلَى أَنْ يَعْمَلَ لَهُ فِي كَرْمٍ عَلَى النِّصْفِ مِمَّا يُخْرِجُ
الْكَرْمُ أَوْ جُزْءٍ. قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ. قِيلَ: وَكَذَلِكَ مَا
يُضْطَرُّ إلَيْهِ مِثْلُ الرَّجُلِ يَسْتَأْجِرُ الْأَجِيرَ يَحْرُسُ لَهُ
الزَّرْعَ وَلَهُ بَعْضُهُ؟ قَالَ: يَنْظُرُ إلَى أَمْرِ النَّاسِ إذَا
اُضْطُرُّوا إلَيْهِ فِيمَا لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ وَلَا يَجِدُونَ
الْعَمَلَ لَهُ إلَّا بِهِ فَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ إذَا
عَمَّ مَا يُبَيِّنُ ذَلِكَ مِمَّا يَرْجِعُ فِيهِ إلَى أَعْمَالِ النَّاسِ
وَلَا يَجِدُونَ مِنْهُ بُدًّا مِثْلُ كِرَاءِ السُّفُنِ فِي حَمْلِ
الطَّعَامِ. وَسُئِلَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَلْ
تَجُوزُ الْمُشَارَكَةُ فِي الْمَعْلُوفَةِ أَنْ يَكُونَ الْوَرِقُ عَلَى
وَاحِدٍ وَعَلَى الْآخَرِ الْخِدْمَةُ وَتَكُونُ
(7/496)
الزَّرِيعَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى نِسْبَةِ
الْحَظِّ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ؟ فَأَجَابَ: قَدْ أَجَازَ مَا ذُكِرَ
بَعْضُ الْعُلَمَاءِ، فَمَنْ عَمِلَ بِذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ
لِلضَّرُورَةِ وَتَعَذَّرَ الْوَجْهُ الْآخَرُ فَيُرْجَى أَنْ يَجُوزَ إنْ
شَاءَ اللَّهُ. وَرَأَيْتُ لَهُ فُتْيَا أُخْرَى قَالَ فِيهَا: وَيَجْرِي
ذَلِكَ عَلَى مُقْتَضَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي إجَارَةِ الْآخَرِ الْكُلِّيِّ
الْحَاجِيِّ. وَسُئِلَ عَنْ إعْطَاءِ الْجِبَاحِ لِمَنْ يَخْدُمُهَا
بِجُزْءٍ مِنْ غَلَّتِهَا قَالَ: هِيَ إجَارَةٌ مَجْهُولَةٌ وَكَذَلِكَ فِي
الْأَفْرَانِ والأرحي. وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَسْتَبِيحُ
الْقِيَاسَ عَلَى الْمُسَاقَاةِ وَالْقِرَاضِ. وَحُكِيَ هَذَا عَنْ ابْنِ
سِيرِينَ وَجَمَاعَةٍ وَعَلَيْهِ يُخَرَّجُ الْيَوْمَ عَمَلُ النَّاسِ فِي
أُجْرَةِ الدَّلَّالِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ
لِقِلَّةِ الْأَمَانَةِ وَكَثْرَةِ الْخِيَانَةِ كَمَا اعْتَذَرَ مَالِكٌ
بِمِثْلِ هَذَا فِي إبَاحَةِ تَأْخِيرِ الْأُجْرَةِ فِي الْكِرَاءِ
الْمَضْمُونِ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْأَكْرِيَاءَ رُبَّمَا لَا
يُوَفُّونَ، فَعِنْدَ مَالِكٍ هَذَا ضَرُورَةُ إبَاحَةِ الدَّيْنِ
بِالدَّيْنِ فَالنَّاسُ مُضْطَرُّونَ لِهَذَا وَاَللَّهُ الْمُخَلِّصُ.
(وَعُجِّلَ إنْ عُيِّنَ) . ابْنُ عَرَفَةَ: الْعِوَضُ الْمُعَيَّنُ أَجْرًا
كَشِرَائِهِ يَجِبُ تَعْجِيلُهُ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ
الْقَاسِمِ: مَنْ اكْتَرَى دَابَّةً لِرُكُوبٍ أَوْ حَمْلٍ أَوْ اكْتَرَى
دَارًا أَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ مِنْ عَرَضٍ أَوْ
حَيَوَانٍ أَوْ طَعَامٍ فَتَشَاحَّا فِي النَّقْدِ وَلَمْ يَشْتَرِطَا
شَيْئًا، فَإِنْ كَانَتْ سُنَّةُ الْكِرَاءِ بِالْبَلَدِ بِالنَّقْدِ جَازَ
وَقَضَى بِنَقْدِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ سُنَّتُهُمْ بِالنَّقْدِ لَمْ
يَجُزْ الْكِرَاءُ وَلَوْ عُجِّلَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ إلَّا أَنْ
يَشْتَرِ النَّقْدَ. فِي الْعَقْدِ كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ ثَوْبٍ أَوْ
حَيَوَانٍ بِعَيْنِهِ عَلَى أَنْ يُقْبَضَ إلَى شَهْرٍ، وَيُفْسَخُ ذَلِكَ.
ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ الْعُرْفَ كَالشَّرْطِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ
سُنَّةٌ رَاتِبَةٌ وَكَانُوا يَكْرُونَ بِالنَّقْدِ وَبِالنَّسِيئَةِ
وَأَبْهَمُوا الْكِرَاءَ، فَأَصْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ عَلَى
التَّأْخِيرِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْكِرَاءِ لَا يُوجِبُ نَقْدَ ثَمَنِهِ
إلَّا أَنْ يَكُونَ عُرْفًا أَوْ شَرْطًا وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ
يَنْقُدَ إنْ بِقَدْرِ مَا رَكِبَ أَوْ سَكَنَ بِخِلَافِ شِرَاءِ السِّلَعِ
الْمُعَيَّنَةِ، هَذِهِ بِتَمَامِ عَقْدِ شِرَائِهَا يَجِبُ عَلَيْهِ
نَقْدُ ثَمَنِهَا؛ لِأَنَّهُ يَنْتَقِدُهَا فَوَجَبَ عَلَيْهِ نَقْدُ
ثَمَنِهَا، وَالرُّكُوبُ وَالسُّكْنَى لَمْ يَنْقُدْهُ فَوَجَبَ أَنْ لَا
يَنْقُدَ إلَّا ثَمَنَ مَا قَبَضَ مِنْهُ، فَلَمَّا كَانَ عَقْدُ
الْكِرَاءِ لَا يُوجِبُ انْتِقَادَ ثَمَنِهِ فَكَأَنَّهُمَا دَخَلَا فِي
الْكِرَاءِ بِهَذِهِ الْمُعَيَّنَاتِ عَلَى التَّأْخِيرِ فَوَجَبَ فَسَادُ
الْكِرَاءِ. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ اكْتَرَى مَا ذَكَرْنَا بِدَنَانِيرَ
مُعَيَّنَةٍ ثُمَّ تَشَاحَّا فِي النَّقْدِ، فَإِنْ كَانَ الْكِرَاءُ
بِالنَّقْدِ قَضَى بِنَقْدِهَا وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ الْكِرَاءُ إلَّا أَنْ
يَشْتَرِطَ تَعْجِيلَهَا فِي الْعَقْدِ.
(أَوْ بِشَرْطٍ) قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اسْتَأْجَرَ صَانِعًا عَلَى عَمَلٍ
عُرِفَ أَنَّهُ يَعْمَلُهُ بِيَدِهِ فَسَأَلَهُ تَقْدِيمَ الْأُجْرَةِ
وَهُوَ يَقُولُ: لَا أَعْمَلُهُ إلَّا إلَى شَهْرٍ لَا يَصْلُحُ تَقْدِيمُ
أَجْرِهِ لَهُ حَتَّى يَبْدَأَ فِي عَمَلِهِ، فَإِنْ بَدَأَهُ قَدَّمَهُ
لَهُ إنْ شَاءَ. ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ
(7/499)
لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ الْأُجْرَةِ
إلَّا بِشَرْطٍ أَوْ عُرْفٍ (أَوْ عَادَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ
مَالِكٌ: إذَا أَرَادَ الصُّنَّاعُ وَالْأُجَرَاءُ تَقْدِيمَ الْأَجْرِ
قَبْلَ الْفَرَاغِ وَامْتَنَعَ رَبُّ الْعَمَلِ حُمِلُوا عَلَى
الْمُتَعَارَفِ بَيْنَ النَّاسِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ سُنَّةٌ لَمْ
يَقْضِ لَهُمْ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ أَعْمَالِهِمْ، وَأَمَّا الْأَكْرِيَةُ
فِي دَارٍ أَوْ رَاحِلَةٍ أَوْ إجَارَةِ بَيْعِ السِّلَعِ وَنَحْوِهَا
فَبِقَدْرِ مَا مَضَى، وَلَيْسَ لِلْخَيَّاطِ إذَا خَاطَ نِصْفَ الثَّوْبِ
أَخْذُ نِصْفِ الْأَجْرِ حَتَّى يَتِمَّ إذَا لَمْ يَأْخُذْهُ عَلَى
ذَلِكَ. ابْنُ يُونُسَ: وَلِأَنَّهُ لَوْ خَاطَهُ كُلَّهُ ثُمَّ ضَاعَ
الثَّوْبُ بِبَيِّنَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَجْرٌ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ
فَكَذَلِكَ إذَا خَاطَ بَعْضَهُ.
(أَوْ فِي مَضْمُونَةٍ لَمْ يَشْرَعْ فِيهَا) . ابْنُ رُشْدٍ: الْإِجَارَةُ
عَلَى عَمَلٍ مُعَيَّنٍ كَنَسْجِ الْغَزْلِ إنْ كَانَ مَضْمُونًا فِي
الذِّمَّةِ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِتَعْجِيلِ الْأَجْرِ أَوْ الشُّرُوعِ،
وَإِنْ تَأَخَّرَ كَانَ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا
بِتَعْجِيلِ الطَّرَفَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا.
(إلَّا كِرَاءَ حَجٍّ فَالْيَسِيرُ) . ابْنُ الْمَوَّازِ: قَالَ مَالِكٌ:
مَنْ تَكَارَى كِرَاءً مَضْمُونًا إلَى أَجَلٍ مِثْلِ الْحَجِّ فِي غَيْرِ
إبَّانِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَأَخَّرَ النَّقْدُ وَلَكِنْ يُعَجَّلُ
مِثْلُ الدِّينَارَيْنِ وَنَحْوِهِمَا وَقَدْ كَانَ يَقُولُ: لَا يَنْبَغِي
إلَّا أَنْ يَنْتَقِدَ مِثْلَ ثُلُثَيْ الْكِرَاءِ إلَّا فِي مِثْلِ هَذَا
الْمَضْمُونِ إلَى أَجَلٍ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: قَدْ اقْتَطَعَ
الْأَكْرِيَاءُ أَمْوَالَ النَّاسِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤَخِّرُوهُمْ
بِالنَّقْدِ وَيُعَرْبِنُوهُمْ الدِّينَارَ وَشِبْهَهُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: يُرِيدُ وَلَوْ كَانَ مَضْمُونًا بِغَيْرِ أَجَلٍ
وَشَرَعَ فِي الرُّكُوبِ جَازَ بِغَيْرِ نَقْدٍ؛ لِأَنَّ نَقْدَ أَوَائِلِ
الرُّكُوبِ كَقَبْضِ جَمِيعِهِ إذْ هُوَ أَكْثَرُ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ
فِي قَبْضِهِ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ أَنَّهُ اكْتَرَى كِرَاءً مَضْمُونًا
لَا يَرْكَبُ فِيهِ إلَّا إلَى أَجَلٍ فَالنَّقْدُ فِيهِ جَائِزٌ، بَلْ لَا
يَجُوزُ تَأْخِيرُ النَّقْدِ كُلِّهِ بِشَرْطٍ فِي هَذَا الْمَضْمُونِ
كَتَأْخِيرِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ، وَإِنَّمَا أَجَازَهُ مَالِكٌ إذَا
أُخِّرَ بَعْضُ النَّقْدِ؛ لِأَنَّ الْأَكْرِيَاءَ اقْتَطَعُوا أَمْوَالَ
النَّاسِ فَأَجَازَ فِيهِ تَأْخِيرَ بَعْضِ الثَّمَنِ لِهَذِهِ
الضَّرُورَةِ بِخِلَافِ تَأْخِيرِ بَعْضِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ.
(وَإِلَّا فَمُيَاوَمَةً) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ:
(7/500)
أَمَّا فِي الْأَكْرِيَةِ فِي دَارٍ أَوْ
رَاحِلَةٍ أَوْ إجَارَةِ بَيْعِ السِّلَعِ وَنَحْوِهِ فَبِقَدْرِ مَا مَضَى
ابْنُ الْقَصَّارِ كُلَّمَا مَضَى يَوْمٌ اسْتَحَقَّ أَجْرَهُ (وَفَسَدَتْ
إنْ انْتَفَى عُرْفُ تَعْجِيلِ الْمُعَيَّنِ) . ابْنُ يُونُسَ: أَوْ لَمْ
تَكُنْ لَهُ سُنَّةٌ رَاتِبَةٌ، فَأَصْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ عَلَى
التَّأْخِيرِ، وَأَمَّا الْمُعَيَّنُ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ
قَبْلَ هَذَا قَبْلَ قَوْلِهِ: " أَوْ بِشَرْطٍ ". اُنْظُرْ آخَرَ
تَرْجَمَةِ مَا يَحِلُّ أَوْ يَحْرُمُ فِي الْجُعْلِ وَجُعِلَ مِنْ ذَلِكَ
النِّكَاحُ مَعَ الْبَيْعِ وَالْجُزَافُ مَعَ الْمَكِيلِ وَحُكِيَ
(7/501)
الْخِلَافُ فِي الْجَمِيعِ.
(كَمَعَ جُعْلٍ) . ابْنُ عَرَفَةَ: الْجُعْلُ وَالْبَيْعُ فِي عَقْدٍ
وَاحِدٍ اُخْتُلِفَ فِيهِ. ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَجْتَمِعُ الْجُعْلُ
وَالْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا فِي مَعْلُومٍ
وَالْجُعْلُ يَجُوزُ فِيهِ الْمَجْهُولُ، فَهُمَا مُخْتَلِفَا الْأَحْكَامِ
مَتَى جُمِعَا فَسَدَا.
وَعَنْ سَحْنُونٍ: إجَارَةُ الْمُغَارَسَةِ مَعَ الْبَيْعِ وَهُوَ مِنْ
هَذَا الْمَعْنَى (لَا بَيْعٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ
بِاجْتِمَاعِ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ.
وَقَالَ سَحْنُونَ: كَذَلِكَ إلَّا فِي الْمَبِيعِ. ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُ
مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْبَيْعَ وَالْإِجَارَةَ جَائِزٌ فِي
الْمَبِيعِ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ
فِي الْمَبِيعِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُعْرَفُ وَجْهُ خُرُوجِهِ كَالثَّوْبِ
عَلَى أَنَّ عَلَى الْبَائِعِ خِيَاطَتَهُ وَفِيهَا لَا يُعْرَفُ وَجْهُ
خُرُوجِهِ إذَا أَمْكَنْت
(7/503)
إعَادَتُهُ كَالصُّفْرِ عَلَى أَنْ
يَعْمَلَهُ الْبَائِعُ قَدَحًا.
(وَكَجِلْدٍ لِسَلَّاخٍ وَنُخَالَةٍ لِطَحَّانٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا
تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى سَلْخِ شَاةٍ بِشَيْءٍ مِنْ لَحْمِهَا. ابْنُ
شَاسٍ: لَوْ اسْتَأْجَرَ السَّلَّاخَ بِالْجِلْدِ وَالطَّحَّانَ
بِالنُّخَالَةِ لَمْ يَجُزْ. ابْنُ عَرَفَةَ: الْجِلْدُ جَازَ عَلَى مَا
تَقَدَّمَ بَيْعُهُ وَالنُّخَالَةُ تَجْرِي عَلَى حُكْمِ الدَّقِيقِ،
وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى طَحْنِ
إرْدَبِّ حِنْطَةٍ بِدِرْهَمٍ وَقَفِيزٍ مِنْ دَقِيقِهِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا
قَالَ: مَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَتْ
(7/505)
الْإِجَارَةُ بِهِ. الْبُرْزُلِيِّ:
وَنَظِيرُ ذَلِكَ دُخُولُ الْمَعْصَرَةِ بِالْفِيتُورِ وَلَا يَجُوزُ إلَّا
أَنْ يَكُونَ قَدْرًا مَعْلُومًا.
(وَجُزْءِ ثَوْبٍ لِنَسَّاجٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ آجَرْته عَلَى
دَبْغِ جُلُودٍ أَوْ عَمَلِهَا أَوْ نَسْجِ ثَوْبٍ عَلَى أَنَّ لَهُ نِصْفَ
ذَلِكَ إذَا فَرَغَ لَمْ يَجُزْ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي كَيْفَ يَخْرُجُ؛ وَلِأَنَّ
مَالِكًا قَالَ: مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لَا يَجُوزُ
(7/506)
أَنْ يُسْتَأْجَرَ بِهِ. ثُمَّ نَقَلَ
ابْنُ يُونُسَ: وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ نِصْفَ الْجِلْدِ قَبْلَ الدِّبَاغِ
عَلَى أَنْ يَدْبُغَهَا مُجْتَمِعَةً فَأَفَاتَهَا بِالدِّبَاغِ فَإِنَّ
لَهُ نِصْفَهَا بِالْقِيمَةِ يَوْمَ قَبَضَهَا وَلَهُ أَجْرُ عَمَلِهِ فِي
نِصْفِهَا، مِنْ تَرْجَمَتِهِ فِي الْإِجَارَةِ وَالسَّلَفِ.
قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: قَالَ مَالِكٌ: إلَّا إنْ قَالَ لَكَ نِصْفُ
الْغَزْلِ عَلَى أَنْ تَنْسِجَ لِي نِصْفَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَشْتَرِي ثَوْبًا بَقِيَ مِنْهُ ذِرَاعٌ عَلَى أَنْ
يُتِمَّهُ لَكَ.
ابْنُ الْمَوَّازِ: وَإِنْ شَرَطَ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِ صِفَتِهِ؛
لِأَنَّهُ بَيْعُ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ بِضَمَانٍ، وَإِنْ دَفَعَ إلَيْكَ
نِصْفَ هَذَا الْغَزْلِ عَلَى أَنْ تَنْسِجَ لَهُ النِّصْفَ الْآخَرَ
ثَوْبًا وَانْعَقَدَ ذَلِكَ ثُمَّ تَشَارَكَا فِيهِ فَنَسَجَهُ كُلَّهُ
مُشَاعًا فَذَلِكَ جَائِزٌ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ ذَلِكَ زِيَادَةُ
دَرَاهِمَ أَوْ شَيْءٍ فَيَصِيرُ شَرِكَةً وَإِجَارَةً، وَلَا يَجُوزُ مَعَ
الشَّرِكَةِ بَيْعٌ أَوْ شَرْطُ زِيَادَةٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ. ابْنُ
عَرَفَةَ: فِي الشَّرِكَةِ بِغَزْلَيْنِ عَلَى نَسْجِهِمَا مَعَهَا نَظَرٌ؛
لِأَنَّهُ بَيْعُ نِصْفِ غَزْلِهِ بِشَرْطِ نَسْجِهِ. وَحَكَى
الصَّقَلِّيُّ رِوَايَةَ مُحَمَّدٍ بِإِجَازَتِهِ مَا لَمْ يَزِدْ
أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ شَيْئًا. وَمِنْ ابْنِ سَلْمُونَ: أَشْهَدَ فُلَانٌ
وَفُلَانٌ أَنَّهُمَا شَرِيكَانِ عَلَى السَّوَاءِ فِي كَذَا وَكَذَا
رَأْسًا مِنْ الْغَنَمِ، مَا أَفَادَ اللَّهُ فِيهَا مِنْ فَائِدَةٍ
بَيْنَهُمَا وَهِيَ عَلَى يَدِ فُلَانٍ مِنْهُمَا يَرْعَاهَا وَأَجْرُهُ
فِي ذَلِكَ كَذَا. ابْنُ حَبِيبٍ. وَإِذَا قَالَ لَهُ: اطْحَنْ لِي هَذَا
الْقَمْحَ وَلَكَ نِصْفُهُ أَوْ حِكْ لِي هَذَا الْغَزْلَ وَلَكَ
(7/507)
نِصْفُهُ، فَإِنْ قَالَ بَعْدَ فَرَاغِهِ
لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ قَالَ: فَلَكَ نِصْفُهُ قَمْحًا أَوْ غَزْلًا
فَجَائِزٌ، وَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ مُبْهَمًا فَهُوَ عَلَى الْأَمْرِ
الْجَائِزِ حَتَّى يُصَرِّحَ بِقَوْلِهِ دَقِيقًا أَوْ ثَوْبًا.
وَكَذَلِكَ فِي عَصْرِ الزَّيْتُونِ وَالسِّمْسِمِ وَحَصَادِ الزَّرْعِ
بِنِصْفِهِ فَحَمْلُهُ عَلَى الْجَائِزِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ
الْعَصْرِ وَالْحَصَادِ حَتَّى يُصَرِّحَ فَيَقُولَ بَعْدَ عَصْرِهِ أَوْ
حَصَادِهِ فَلَا يَجُوزُ. انْتَهَى نَصُّ ابْنِ يُونُسَ.
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: لَوْ قُلْت احْمِلْ طَعَامِي إلَى مَوْضِعِ
كَذَا وَلَكَ نِصْفُهُ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ تَنْقُدَهُ الْآنَ
مَكَانَكَ، وَإِنْ أَخَّرْتَهُ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي تَحْمِلُهُ
إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ عَلَى أَنْ
يَتَأَخَّرَ قَبْضُهُ إلَى أَجَلٍ. ابْنُ يُونُسَ: وَإِذَا وَقَعَ
الْأَمْرُ مُبْهَمًا فَهُوَ فَاسِدٌ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ،
وَجَائِزٌ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ حَبِيبٍ وَأَشْهَبَ انْتَهَى.
وَانْظُرْ لَوْ قَالَ فِي مَسْأَلَةِ الْجُلُودِ ادْبَغْ هَذِهِ الْجُلُودَ
بِنِصْفِهَا وَشَرَطَا نَقْدَ النِّصْفِ، نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ ذَلِكَ
مِثْلُ نَسْجِ الْغَزْلِ بِجُزْءٍ مِنْهُ قَالَ: فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛
لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ وَجْهُ خُرُوجِ الثَّوْبِ مِنْ النَّسْجِ وَلَا
وَجْهُ خُرُوجِ الْجِلْدِ مِنْ الدِّبَاغِ قَالَ: وَأَصْلُ هَذَا. أَنَّ
كُلَّ مَا كَانَ مِنْ الْعَمَلِ اشْتِرَاطُهُ فِي الشَّيْءِ الْمَبِيعِ
يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ بِالْجُزْءِ مِنْهُ. انْتَهَى مِنْ
(7/508)
رَسْمِ أَسْلَمَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ
الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ. اللَّخْمِيِّ: إنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ بِشَرْطِ
أَنْ تَكُونَ الْجُلُودُ تَعْتَدِلُ فِي الْقَسْمِ وَالْعَدَدِ أَوْ
تَتَقَارَبُ، وَإِنْ تَبَايَنَ اخْتِلَافُهَا لَمْ يَجُزْ انْتَهَى.
فَانْظُرْ عَلَى هَذَا بِالنِّسْبَةِ إذَا قَالَ لَهُ اعْمَلْ لِي فَحْمًا
بِنِصْفِ الْمَعْمُولِ مِنْهُ وَشَرَطَا النَّقْدَ وَلَا شَكَّ أَنَّ
الْفَحْمَ يَعْتَدِلُ فِي الْقَسْمِ وَبَيْعُ نِصْفِ مَا يُعْمَلُ مِنْهُ
الْفَحْمُ جَائِزٌ، وَمَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَتْ الْإِجَارَةُ بِهِ.
فَانْظُرْ أَنْتَ فِي ذَلِكَ، وَانْظُرْهُ مَعَ مَا يَأْتِي قَبْلَ
قَوْلِهِ وَكَإِنْ خِطْته الْيَوْمَ فَمُقْتَضَاهُ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ
أَنْ يُجِيزَ حِصَّتَهُ قَبْلَ الْعَمَلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، هَكَذَا
هُوَ فِي الْفَحْمِ لَا يَقْدِرُ عَلَى حِصَّتِهِ قَبْلَ الْعَمَلِ.
وَانْظُرْ أَيْضًا قَدْ أَجَازَ فِي الْمُوَطَّأِ مُسَاقَاةَ مَا حَلَّ
بَيْعُهُ.
قَالَ سَحْنُونَ: فَهِيَ إجَارَةٌ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ مَا جَازَ
بَيْعُهُ جَازَتْ الْإِجَارَةُ بِهِ. اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " لَمْ
يَحِلَّ بَيْعُهُ " وَعِنْدَ قَوْلِهِ: " كَاحْصُدُوا دَرْسَ " وَقَدْ
قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ نِصْفَ ثَوْبٍ أَوْ
نِصْفَ دَابَّةٍ أَوْ غَيْرَهُمَا عَلَى أَنْ يَبِيعَ لَهُ النِّصْفَ
الْآخَرَ بِالْبَلَدِ جَازَ إنْ ضَرَبَا لِبَيْعِ ذَلِكَ أَجَلًا مَا خَلَا
الطَّعَامَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، فَإِنْ بَاعَ ذَلِكَ فِي نِصْفِ
الْأَجَلِ فَلَهُ الْأَجَلُ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى بَيْعِ ذَلِكَ فَلَهُ
الْأَجْرُ كَامِلًا.
(أَوْ رَضِيعٍ وَإِنْ مِنْ الْآنِ) . ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ أَرْضَعَتْ
بِجُزْءٍ مِنْ الرَّضِيعِ الرَّقِيقِ بَعْدَ الْفِطَامِ لَمْ يَجُزْ. ابْنُ
عَرَفَةَ: لَا أَعْرِفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِشَخْصِهَا إلَّا
لِلْغَزَالِيِّ وَهِيَ مِثْلُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اسْتَأْجَرْته
عَلَى تَعْلِيمِ عَبْدِكَ الْكِتَابَ سَنَةً وَلَهُ نِصْفُهُ لَمْ يَجُزْ
إذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى قَبْضِ مَالَهُ فِيهِ قَبْلَ السَّنَةِ وَقَدْ
يَمُوتُ الْعَبْدُ
(7/509)
فِيهَا فَيَذْهَبُ عَمَلُهُ بَاطِلًا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الشَّرْطُ فِيهِ أَنْ
يَقْبِضَ الْمُعَلِّمُ نِصْفَهُ الْآنَ عَلَى أَنْ يُعَلِّمَهُ سَنَةً لَمْ
يَجُزْ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ تَعْلِيمُ الْعَبْدِ صَنْعَةً
سَنَةً بِنِصْفِهِ.
(وَبِمَا سَقَطَ أَوْ خَرَجَ فِي نَفْضِ زَيْتُونٍ أَوْ عَصْرِهِ) مِنْ
الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ اُحْصُدْ زَرْعِي هَذَا وَلَكَ
نِصْفُهُ، أَوْ جُدَّ نَخْلَتِي هَذِهِ وَلَكَ نِصْفُهَا، جَازَ وَلَيْسَ
لَهُ تَرْكُهُ؛ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ. وَكَذَلِكَ لَقْطُ الزَّيْتُونِ
وَهُوَ كَبَيْعِ نِصْفِهِ. وَإِنْ قَالَ: فَمَا حَصَدْت أَوْ لَقَطْت
فَلَكَ نِصْفُهُ جَازَ، وَلَهُ التَّرْكُ مَتَى شَاءَ؛ لِأَنَّهَا جُعْلٌ.
وَإِنْ قَالَ: اُحْصُدْ الْيَوْمَ وَالْتَقِطْ الْيَوْمَ فَمَا اجْتَمَعَ
فَلَكَ نِصْفُهُ فَلَا خَيْرَ فِيهِ إذْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا يَحْصُدُ
الْيَوْمَ فَلَا أُجِيزُهُ ثَمَنًا مَعَ ضَرْبِ الْأَجَلِ فِي الْجُعْلِ
إلَّا أَنْ يَكُونَ اشْتَرَطَ أَنْ يَتْرُكَ مَتَى شَاءَ فَيَجُوزُ.
ابْنُ يُونُسَ: وَإِنْ قَالَ: اُنْفُضْهُ كُلَّهُ وَلَكَ نِصْفُهُ لَجَازَ،
وَإِنْ قَالَ لَهُ: اُنْفُضْ شَجَرِي أَوْ حَرِّكْهَا فَمَا نَفَضْت أَوْ
لَقَطْت فَلَكَ نِصْفُهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ. ابْنُ يُونُسَ:
وَهِيَ إجَارَةٌ فَكَأَنَّهُ عَمِلَ بِمَا لَا يَدْرِي مَا هُوَ بِخِلَافِ
اللَّقْطِ لَوْ قَالَ فِيمَا لَقَطْت أَوْ
(7/510)
حَصَدْت فَلَكَ نِصْفُهُ لَجَازَ وَلَهُ
التَّرْكُ مَتَى شَاءَ. وَإِنْ قَالَ: اعْصِرْ زَيْتُونِي أَوْ
جُلْجُلَانِي فَمَا عَصَرْت فَلَكَ نِصْفُهُ لَمْ يَجُزْ إذْ لَا يَدْرِي
كَيْفَ يَخْرُجُ وَإِذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّرْكِ إذَا شَرَعَ،
وَلَيْسَ هَكَذَا الْجُعْلُ وَالْحَصَادُ يَدْعُهُ مَتَى شَاءَ إذَا قَالَ
فَمَا حَصَدْت مِنْ شَيْءٍ فَلَكَ نِصْفُهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: "
اُحْصُدْهُ وَلَكَ نِصْفُهُ " فَتِلْكَ أُجْرَةٌ لَازِمَةٌ. وَإِنْ قَالَ:
اُحْصُدْهُ وَادْرُسْهُ وَلَكَ نِصْفُهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ
اسْتَأْجَرَهُ بِنِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْحَبِّ فَهُوَ لَا يَدْرِي
كَمْ يَخْرُجُ وَلَا كَيْفَ يَخْرُجُ، وَلِأَنَّكَ بِعْتَهُ زَرْعًا
جُزَافًا قَدْ يَبِسَ عَلَى أَنَّ عَلَيْكَ حَصَادَهُ وَدَرْسَهُ
وَذَرْيَهُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى حَبًّا جُزَافًا لَمْ
يُعَايِنْ جُمْلَتَهُ. وَلَوْ قَالَ: عَلَى أَنَّ لِكُلِّ قَفِيزٍ
بِدِرْهَمٍ جَازَ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ بِالْكَيْلِ وَهُوَ يَصِلُ إلَى
صِفَةِ الْقَمْحِ بِفَرْكِ سُنْبُلِهِ.
وَإِنْ تَأَخَّرَ فِي دَرْسِهِ إلَى نِصْفِ شَهْرٍ فَهُوَ قَرِيبٌ وَلَيْسَ
ذَلِكَ كَحِنْطَةٍ فِي بَيْتِكَ، تِلْكَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ صِفَةٍ أَوْ
عِيَانٍ، وَهَذَا مُعَيَّنٌ. اُنْظُرْ قَوْلَهُ: " فَمَا لَقَطْتَ
فَرَضَهَا " ابْنُ رُشْدٍ قَالَ: لِكَوْنِ أَوَّلِهَا أَسْهَلَ مِنْ
آخِرِهَا بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ مَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَتْ
الْإِجَارَةُ بِهِ إلَّا مَا جَدَدْت مِنْ نَخْلِي فَلَكَ نِصْفُهُ وَمَا
قَبَضْت مِنْ دَيْنِي فَلَكَ نِصْفُهُ وَمَا حَصَدْت مِنْ زَرْعِي فَلَكَ
نِصْفُهُ، فَذَكَرَ هَذَا مُسَلَّمًا ثُمَّ رَدَّدَ النَّظَرَ فِي
مَسْأَلَةِ اللَّقْطِ ثَالِثِ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ.
(كَاحْصُدْ وَادْرُسْ وَلَكَ نِصْفُهُ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ
أَنَّ قَوْلَهُ: " اُحْصُدْهُ وَلَكَ نِصْفُهُ جَائِزٌ ". فَإِنْ قَالَ:
اُحْصُدْهُ وَادْرُسْهُ وَلَكَ نِصْفُهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ.
قَالَ عِيَاضٌ: وَالْآتِي عَلَى أُصُولِهِمْ فِي: " اُحْصُدْهُ وَلَكَ
نِصْفُهُ " أَنَّهُ وَجَبَ لَهُ بِالْعَقْدِ قَالَ: أَلَا تَرَاهُمْ كَيْفَ
جَعَلُوا مَا هَلَكَ قَبْلَ حَصَادِهِ وَبَعْدَ حَصَادِهِ مِنْ الْأَجِيرِ
فَهُوَ يَحْصُدُ النِّصْفَ لَهُ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لِنَفْسِهِ وَسَمِعَ
الْقَرِينَانِ: إنْ قَالَ مَنْ حَلَّ بَيْعُ زَرْعِهِ لِرَجُلٍ: اُحْصُدْهُ
(7/511)
وَادْرُسْهُ عَلَى النِّصْفِ فَلَا بَأْسَ
بِهِ. الصَّقَلِّيُّ: هَذَا نَحْوُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ. ابْنُ رُشْدٍ:
وَهَذَا خِلَافُ الْمُدَوَّنَةِ، وَجَوَازُ ذَلِكَ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ
نِصْفَ الزَّرْعِ يَجِبُ لَهُ بِالْعَقْدِ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى
ذَلِكَ بِعَيْنٍ. وَمِنْ ابْنِ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي
الرَّجُلِ لَهُ شَجَرَةُ تِينٍ طَابَتْ فَيُعْطِيهَا لِمَنْ يَحْرُسُهَا
وَيَجْنِيهَا وَلَهُ جُزْءٌ مِنْهَا نِصْفٌ أَوْ ثُلُثٌ: إنَّهُ لَا بَأْسَ
بِهِ إذْ لَا بَأْسَ أَنْ يُكْرِيَ نَفْسَهُ بِمَا يَحِلُّ بَيْعُهُ.
وَفِي الْمُوَطَّأِ: مُسَاقَاةُ مَا حَلَّ بَيْعُهُ كَالْإِجَارَةِ.
سَحْنُونَ: وَهِيَ جَائِزَةٌ. ابْنُ يُونُسَ: كَجَوَازِ بَيْعِ نِصْفِهِ؛
وَلِأَنَّ مَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَتْ الْإِجَارَةُ بِهِ.
(وَكِرَاءُ الْأَرْضِ بِطَعَامٍ أَوْ بِمَا تُنْبِتُهُ) مِنْ
الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِشَيْءٍ
مِمَّا تُنْبِتُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَلَا بِطَعَامٍ تُنْبِتُ مِثْلَهُ
أَوْ لَا تُنْبِتُهُ وَلَا بِمَا تُنْبِتُهُ مِنْ غَيْرِ الطَّعَامِ مِنْ
قُطْنٍ أَوْ كَتَّانٍ أَوْ أُصْطُبَّةً إذْ قَدْ يَزْرَعُ فِيهَا ذَلِكَ
فَتَصِيرُ مُحَاقَلَةً، وَلَا بِقَصَبٍ أَوْ قُرْطٍ أَوْ تِينٍ أَوْ
عَلَفٍ، وَلَا بِلَبَنٍ مَحْلُوبٍ أَوْ فِي ضُرُوعِهِ، وَلَا بِجُبْنٍ أَوْ
عَسَلٍ أَوْ سَمْنٍ أَوْ تَمْرٍ أَوْ خُبْزٍ أَوْ مِلْحٍ، وَلَا بِسَائِرِ
الْأَشْرِبَةِ وَالْأَنْبِذَةِ، وَإِذَا خِيفَ فِي اكْتِرَائِهَا بِبَعْضِ
مَا تَنْبُتُ مِنْ الطَّعَامِ أَنْ يَدْخُلَهُ طَعَامٌ بِمِثْلِهِ إلَى
أَجَلٍ خِيفَ فِي اكْتِرَائِهَا بِطَعَامٍ لَا تُنْبِتُهُ أَنْ يَكُونَ
طَعَامًا بِطَعَامٍ خِلَافُهُ إلَى أَجَلٍ، وَلَا تُكْرَى بِالْفُلْفُلِ
وَلَا بِزَيْتِ زَرِيعَةِ الْكَتَّانِ وَلَا بِزَيْتِ الْجُلْجُلَانِ وَلَا
بِالسَّمَكِ، وَلَا بِطَيْرِ الْمَاءِ الَّذِي هُوَ لِلسِّكِّينِ، وَلَا
بِشَاةِ لَحْمٍ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الطَّعَامِ، وَلَا بِزَعْفَرَانٍ؛
لِأَنَّهُ مِمَّا تُنْبِتُ، وَلَا بِطِيبٍ يُشْبِهُ الزَّعْفَرَانَ يُرِيدُ
مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ، وَلَا بِعُصْفُرٍ، وَعَلَى مَنْعِهَا
بِالْكَتَّانِ قَالَ مُحَمَّدٌ:
(7/512)
قَدْ تَجُوزُ بِثِيَابِهِ (إلَّا كَخَشَبٍ)
مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ بِكِرَاءِ الْأَرْضِ
يُرِيدُ بِالْعُودِ يُرِيدُ الْهِنْدِيَّ
(7/513)
وَبِالسَّنْدَلِ وَالْحَطَبِ وَالْخَشَبِ
وَالْجُذُوعِ قَالَ سَحْنُونَ: لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ يَطُولُ
مُكْثُهَا وَوَقْتُهَا؛ فَلِذَلِكَ سَهُلَ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ
تُنْبِتُهَا الْأَرْضُ. اللَّخْمِيِّ: وَيَجُوزُ بِالْحَلْفَاءِ
وَالْحَشِيشِ وَالْمَصْطَكَى.
(وَحَمْلِ طَعَامٍ لِبَلَدٍ بِنِصْفِهِ إلَّا أَنْ يَقْبِضَهُ الْآنَ)
تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ قُلْت: احْمِلْ طَعَامًا إلَى
مَوْضِعِ كَذَا وَلَكَ نِصْفُهُ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ تَنْقُدَهُ الْآنَ
مَكَانَك. اُنْظُرْهُ قَبْلَ قَوْلِهِ: " أَوْ رَضِيعٌ "، وَانْظُرْ
مَسْأَلَةً أُخْرَى فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ
أَجَّرْت فُلَانًا عَلَى حَمْلِ طَعَامٍ بَيْنَكُمَا إلَى بَلَدٍ يَبِيعُهُ
بِهَا عَلَى أَنَّ عَلَيْك كِرَاءَ حِصَّتِكَ وَسَمَّيْت ذَلِكَ، فَإِنْ
شَرَطْت أَنْ لَا تُمَيِّزَ حِصَّتَهُ مِنْهُ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى
الْبَلَدِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَ عَلَى أَنَّهُ
(7/514)
مَتَى شَاءَ مَيَّزَهَا قَبْلَ أَنْ يَصِلَ
أَوْ يَخْرُجَ جَازَ إنْ ضَرَبَ لِلْبَيْعِ أَجَلًا يُرِيدُ ضَرَبَ أَجَلًا
بَعْدَ الْوُصُولِ إلَى الْبَلَدِ وَلَا يَنْقُدُهُ إجَارَةَ الْبَيْعِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ إنْ آجَرْتَهُ عَلَى طَحْنِهِ فَإِنْ
كَانَ إذَا شَاءَ أَفْرَدَهُ وَطَحَنَ حِصَّتَهُ جَازَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى
أَنْ لَا يَطْحَنَهُ إلَّا مُجْتَمِعًا لَمْ يَجُزْ. وَكَذَلِكَ إنْ
آجَرْتَهُ عَلَى رِعَايَةِ غَنَمٍ بَيْنَكُمَا جَازَ وَلَزِمَتْهُ
الْإِجَارَةُ إذْ كَانَ لَهُ أَنْ يُقَاسِمَكَ حِصَّتَهُ وَيَبِيعَهَا
مَتَى شَاءَ وَضَرَبْت لِلرِّعَايَةِ أَجَلًا وَشَرَطْت خَلَفَ مَا هَلَكَ
مِنْ حِصَّتِكَ، اُنْظُرْ الْمُتَيْطِيَّ فِيمَنْ بَاعَ نِصْفَ غَنَمِهِ
بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ إلَى مُدَّةٍ عَلَى أَنْ يَرْعَى لَهُ الْمُبْتَاعُ
النِّصْفَ الْبَاقِيَ عَلَى مِلْكِهِ طُولَ الْمُدَّةِ أَنَّ ذَلِكَ
يَجُوزُ إذَا شَرَطَ خَلَفَ مَا نَقَصَ مِنْ نِصْفِهِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ
تَرْكَ الْمُقَاسَمَةِ.
(وَكَإِنْ خِطْتَهُ الْيَوْمَ بِكَذَا وَإِلَّا فَبِكَذَا) مِنْ
الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ
(7/515)
آجَرْتَ رَجُلًا يَخِيطُ لَكَ ثَوْبًا
عَلَى أَنَّهُ إنْ خَاطَهُ الْيَوْمَ فَبِدِرْهَمٍ وَإِنْ خَاطَهُ غَدًا
فَبِنِصْفِ دِرْهَمٍ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ آجَرَ نَفْسَهُ
بِمَا لَا يَعْرِفُ. ابْنُ الْمَوَّازِ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ آجَرَ مَنْ
يُبَلِّغُ لَهُ كِتَابًا إلَى ذِي الْمَرْوَةِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ صِحَّةِ
الْإِجَارَةِ وَإِنْ بَلَّغْتَهُ فِي يَوْمَيْنِ فَلَكَ زِيَادَةُ كَذَا،
فَكَرِهَهُ وَاسْتَخَفَّهُ فِي الْخِيَاطَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ. قَالَ ابْنُ
عَبْدِ الْحَكَمِ: وَإِجَازَةُ ذَلِكَ أَحَبُّ إلَيْنَا وَبِهِ أَخَذَ
سَحْنُونَ.
(أَوْ اعْمَلْ عَلَى دَابَّتِي فَمَا
(7/516)
حَصَلَ فَلَكَ نِصْفُهُ وَهُوَ لِلْعَامِلِ
وَعَلَيْهِ أُجْرَتُهَا عَكْسُ لِتُكْرِيهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ
دَفَعْت إلَيْهِ دَابَّةً أَوْ إبِلًا أَوْ دَارًا أَوْ سَفِينَةً أَوْ
حَمَّامًا عَلَى أَنْ يُكْرِيَ ذَلِكَ وَلَهُ نِصْفُ الْكِرَاءِ لَمْ
يَجُزْ، فَإِنْ نَزَلَ كَانَ لَكَ جَمِيعُ الْكِرَاءِ وَلَهُ أَجْرُ
مِثْلِهِ كَمَا لَوْ قُلْت لَهُ: بِعْ سِلْعَتِي فَبِعْتهَا بِهِ مِنْ
شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، أَوْ قُلْت لَهُ فَمَا زَادَ عَلَى
مِائَةٍ فَبَيْنَنَا فَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَالثَّمَنُ لَكَ وَلَهُ أَجْرُ
مِثْلِهِ. ابْنُ يُونُسَ: سَاوَى بَيْنَ الدَّوَابِّ وَالدُّورِ
وَالسُّفُنِ إذَا قَالَ لَهُ: أَكْرِهَا وَلَكَ نِصْفُ الْكِرَاءِ أَنَّ
الْكِرَاءَ لِرَبِّهَا وَعَلَيْهِ إجَارَةُ الْمِثْلِ لِلرَّجُلِ وَهُوَ
أَصْوَبُ. وَلَوْ أَعْطَيْتَهُ الدَّابَّةَ أَوْ السَّفِينَةَ أَوْ
الْإِبِلَ لِيَعْمَلَ عَلَيْهَا فَمَا أَصَابَ بَيْنَكُمَا لَمْ يَجُزْ
ذَلِكَ، فَإِنْ عَمِلَ عَلَيْهَا فَالْكَسْبُ هَاهُنَا لِلْعَامِلِ
وَعَلَيْهِ كِرَاءُ الْمِثْلِ فِي ذَلِكَ مَا بَلَغَ وَكَأَنَّهُ اكْتَرَى
لَكَ كِرَاءً فَاسِدًا وَالْأَوَّلُ أَجَّرَ نَفْسَهُ مِنْكَ إجَارَةً
فَاسِدَةً فَافْتَرَقَا.
(وَكَبَيْعِهِ نِصْفًا بِأَنْ يَبِيعَ نِصْفًا إلَّا بِالْبَلَدِ إنْ
أَجَلًا وَلَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ مِثْلِيًّا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ
مَالِكٌ: مَنْ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ نِصْفَ ثَوْبٍ أَوْ نِصْفَ دَابَّةٍ أَوْ
غَيْرَهَا عَلَى أَنْ يَبِيعَ لَهُ النِّصْفَ الْآخَرَ بِالْبَلَدِ جَازَ
إنْ ضَرَبَ لِبَيْعِ ذَلِكَ أَجَلًا مَا خَلَا الطَّعَامَ فَإِنَّهُ لَا
يَجُوزُ.
قَالَ سَحْنُونَ: لِأَنَّهُ قَبَضَ
(7/517)
إجَارَتَهُ وَهِيَ طَعَامٌ لَا يُعْرَفُ
بِعَيْنِهِ وَقَدْ بِيعَ فِي نِصْفِ الْأَجَلِ فَيَرُدُّ حِصَّةَ ذَلِكَ
فَتَصِيرُ إجَارَةً وَسَلَفًا، يُرِيدُ وَكَذَلِكَ مَا لَا يُعْرَفُ
بِعَيْنِهِ، وَأَجَازَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ.
قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَإِنْ لَمْ يَضْرِبْ لِبَيْعِهِ أَجَلًا لَمْ
يَجُزْ شَرَطَ بَيْعَهُ فِي الْبَلَدِ أَوْ فِي غَيْرِهِ، وَقَدْ ذُكِرَ
عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إذَا بَاعَهُ نِصْفَ الثَّوْبِ عَلَى أَنْ يَبِيعَ
لَهُ النِّصْفَ الْآخَرَ أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِيهِ. وَوَجْهُ قَوْلِ
الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ إنَّمَا بَاعَهُ عَلَى أَنْ يَبِيعَ لَهُ النِّصْفَ
الْآخَرَ لِأَجَلٍ مَعْلُومٍ، فَإِنْ بَاعَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ فَهُوَ
كَأَمْرٍ طَرَأَ. ابْنُ يُونُسَ: وَعَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ فَيَجُوزُ فِي
الْمِثْلِيِّ وَالصَّوَابُ الْمَنْعُ مُطْلَقًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ إذَا
اشْتَرَيْتَ ثَوْبًا بَقِيَ مِنْهُ ذِرَاعٌ عَلَى أَنْ يُتِمَّهُ لَك
إنَّمَا مَنَعَهُ؛ لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ تَأَخَّرَ قَبْضُهُ، وَقَدْ
تَقَدَّمَ تَخْرِيجُ الْمَجْهُولِ عَلَى هَذَا.
(وَجَازَ بِنِصْفِ مَا يَحْتَطِبُ بِهِمَا) ابْنُ الْمَوَّازِ: قَالَ
مَالِكٌ: لَا خَيْرَ فِي أَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلُ دَابَّتَهُ لِمَنْ
يَحْتَطِبُ عَلَيْهَا عَلَى النِّصْفِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: يُرِيدُ نِصْفَ ثَمَنِ الْحَطَبِ وَلَوْ جَعَلَ لَهُ
نِصْفَ النَّقْلَةِ كَانَ جَائِزًا. وَكَذَلِكَ عَلَى نَقَلَاتٍ
مَعْرُوفَاتٍ أَوْ قَالَ: لِي نَقْلَةٌ وَلَك نَقْلَةٌ فَذَلِكَ جَائِزٌ
كُلُّهُ. قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: إذَا قَالَ مَا حَطِبْت عَلَيْهَا
مِنْ الْحَطَبِ فَلِي نِصْفُهُ وَلَكَ نِصْفُهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ تُعْطِيَهُ دَابَّتَك أَنْ
يَعْمَلَ عَلَيْهَا الْيَوْمَ لِنَفْسِهِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ غَدًا
لِرَبِّهَا.
قَالَ
(7/518)
ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَوْ قَالَ خُذْ
دَابَّتِي فَاعْمَلْ عَلَيْهَا شَهْرًا لِنَفْسِكَ وَتَعْمَلُ عَلَيْهَا
شَهْرًا لِنَفْسِي لَمْ يَجُزْ إلَّا فِي مِثْلِ الْخَمْسَةِ الْأَيَّامِ
وَشِبْهِهَا.
وَقَالَ مَالِكٌ وَابْنِ الْقَاسِم: لَا يَصْلُحُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ
الرَّجُلُ الْعَبْدَ وَيَنْقُدَهُ الْإِجَارَةَ عَلَى أَنْ يَأْخُذَهُ إلَى
عَشْرَةِ أَيَّامٍ قَالَ: وَجَائِزٌ النَّقْدُ فِيهِ إذَا كَانَ يَقْبِضُهُ
إلَى خَمْسَةِ أَيَّامٍ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: فَمَسْأَلَتُكَ إنَّمَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَعْمَلَ لَهُ
بَعْدَ شَهْرٍ وَيَنْقُدَهُ كِرَاءَهُ الْآنَ؛ لِأَنَّ دَفْعَهُ دَابَّتَهُ
هَذَا الشَّهْرَ هُوَ أُجْرَتُهُ، وَأَمَّا فِي الْخَمْسَةِ أَيَّامٍ
وَنَحْوِهَا فَهُوَ مِثْلُ الَّذِي أَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَا
يَدْخُلُهُ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا أَجَازَ أَنْ
يَكْتَرِيَ الرَّجُلُ دَارًا يَسْكُنُهَا سَنَةً بِسُكْنَى دَارٍ لَهُ
السَّنَةَ الْمُقْبِلَةَ وَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِي الْحَيَوَانِ. ابْنُ
يُونُسَ: لِقِلَّةِ أَمْنِ الْحَيَوَانِ فَصَارَ النَّقْدُ فِيهِ إذَا لَمْ
يُقْبَضْ عَمْدًا وَلَا غَرَرَ فِيمَا قَرُبَ اهـ. مِنْ ابْنِ يُونُسَ.
وَلِابْنِ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ الْأَكْرِيَةِ: إذَا
قَالَ: خُذْ حِمَارِي اعْمَلْ عَلَيْهِ شَهْرًا لِنَفْسِكَ وَشَهْرًا لِي
لَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ ذَلِكَ إنْ بَدَأَ بِالشَّهْرِ الَّذِي لِنَفْسِهِ،
وَأَنْ لَا يَجُوزَ إنْ بَدَأَ بِالشَّهْرِ الَّذِي لِصَاحِبِ الدَّابَّةِ؛
لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ اكْتَرَى دَابَّةً بِكِرَاءٍ نَقَدَهُ عَلَى
أَنْ يَرْكَبَهَا بَعْدَ شَهْرٍ، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ
جَمِيعِهِمْ. وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ: لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّ
مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَعْمَلَ لَهُ عَلَى دَابَّةٍ بِعَيْنِهَا
أَوْ لِيَرْعَى لَهُ غَنَمًا بِأَعْيَانِهَا لَا تُنْتَقَضُ الْإِجَارَةُ
بِمَوْتِ الدَّابَّةِ أَوْ الْغَنَمِ. رَاجِعْهُ فِيهِ.
(وَصَاعِ دَقِيقٍ مِنْهُ أَوْ مِنْ زَيْتٍ لَمْ يَخْتَلِفْ) مِنْ
الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ أَنْ تُؤَاجِرَهُ عَلَى طَحْنِ إرْدَبٍّ
بِدِرْهَمٍ وَقَفِيزٍ مِنْ دَقِيقِهِ إذْ مَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَتْ
الْإِجَارَةُ بِهِ. وَلَوْ أَجَّرْته يَطْحَنُهُ لَكَ بِدِرْهَمٍ
وَبِقِسْطٍ مِنْ زَيْتِ زَيْتُونٍ قَبْلَ أَنْ يَعْصِرَهَا جَازَ ذَلِكَ،
وَلَوْ بِعْت مِنْهُ دَقِيقَ هَذِهِ الْحِنْطَةِ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ
قَبْلَ أَنْ يَطْحَنَهَا جَازَ؛ لِأَنَّ الدَّقِيقَ لَا يَخْتَلِفُ، فَإِنْ
تَلِفَتْ هَذِهِ الْحِنْطَةُ كَانَ ضَمَانُهَا مِنْ الْبَائِعِ. وَإِنْ
كَانَ الزَّيْتُ وَالدَّقِيقُ مُخْتَلِفًا خُرُوجُهُ إذَا عُصِرَ وَطُحِنَ
لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِيهِ حَتَّى يُطْحَنَ أَوْ يُعْصَرَ. وَقَدْ خَفَّفَ
مَالِكٌ أَنْ يَبْتَاعَ الرَّجُلُ حِنْطَةً عَلَى أَنَّ عَلَى الْبَائِعَ
طَحْنَهَا إذْ لَا يَكَادُ الدَّقِيقُ يَخْتَلِفُ، وَلَوْ كَانَ خُرُوجُهُ
مُخْتَلِفًا مَا جَازَ.
(7/519)
(وَاسْتِئْجَارُ الْمَالِكِ مِنْهُ) ابْنُ
الْحَاجِبِ: وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْمَالِكِ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ
وَيَقُومُ الْوَارِثُونَ مَقَامَ الْمُسْتَأْجِرِينَ.
(وَتَعْلِيمُهُ بِعَمَلِهِ سَنَةً مِنْ أَخْذِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ:
لَوْ دَفَعْت غُلَامَكَ إلَى خَيَّاطٍ أَوْ قَصَّارٍ لِيُعَلِّمَهُ ذَلِكَ
الْعَمَلَ بِعَمَلِهِ سَنَةً جَازَ.
قَالَ عِيسَى: وَالسَّنَةُ مِنْ يَوْمِ أَخْذِهِ.
(وَاحْصُدْ هَذَا وَلَكَ نِصْفُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ:
مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ اُحْصُدْ زَرْعِي هَذَا وَلَكَ نِصْفُهُ أَوْ جُدَّ
نَخْلِي هَذِهِ وَلَكَ نِصْفُهَا جَازَ، وَلَيْسَ لَهُ تَرْكُهُ؛
لِأَنَّهَا إجَارَةٌ وَكَذَلِكَ لَقْطُهُ الزَّيْتُونَ هُوَ كَبَيْعِ
نِصْفِهِ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَالْعَمَلُ فِي تَهْذِيبِهِ بَيْنَهُمَا يُرِيدُ
وَلَوْ شَرَطَ فِي الزَّرْعِ قَسْمَهُ حَبًّا لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَ
إنَّمَا يَجِبُ لَهُ بِالْحَصَادِ فَجَائِزٌ.
(وَمَا حَصَدْت فَلَكَ نِصْفُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ فَمَا
حَصَدْت أَوْ لَقَطْت فَلَكَ نِصْفُهُ جَازَ، وَلَهُ التَّرْكُ مَتَى
شَاءَ؛ لِأَنَّ هَذَا جُعْلٌ.
(وَإِجَارَةُ دَابَّةٍ لِكَذَا عَلَى إنْ اسْتَغْنَى فِيهَا حَاسَبَ) مِنْ
الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ تَكَارَى
دَابَّتَهُ بِدِينَارٍ إلَى بَلَدِ كَذَا عَلَى أَنَّهُ إنْ تَقَدَّمَ
مِنْهَا فَبِحِسَابِ مَا تَكَارَى مِنْهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ إذَا سَمَّى
مَوْضِعَ التَّقَدُّمِ أَوْ عَرَفَ نَحْوَهُ وَقَدْرَهُ، وَإِنْ لَمْ
يُسَمِّهِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ عَبْدِي الْآبِقُ بِذِي
(7/520)
الْمَرْوَةِ فَأَكْتَرِي مِنْكَ إلَيْهَا
بِدِينَارٍ، فَإِنْ تَقَدَّمْت فَبِحِسَابِ ذَلِكَ فَهَذَا لَا بَأْسَ
بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ قَدْ عُرِفَ وَجْهُهُ فَهُوَ كَتَسْمِيَةِ
الْمَوْضِعِ الَّذِي يَتَقَدَّمُ إلَيْهِ، فَأَمَّا إنْ تَكَارَى مِنْهُ
إلَى مَوْضِعٍ بِدِينَارٍ عَلَى أَنَّهُ أَيْنَمَا بَلَغَ مِنْ الْأَرْضِ
كُلِّهَا فَبِحِسَابِهِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ، مَرَّةً يَذْهَبُ إلَى
الْعِرَاقِ وَمَرَّةً إلَى الْغَرْبِ، فَلَا يَجُوزُ حَتَّى يَكُونَ
مَوْضِعُ التَّقَدُّمِ مَعْلُومًا مُسَمًّى أَوْ أَمَدٌ لَهُ وَجْهٌ
يُعْرَفُ قَدْرُهُ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ.
قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: ثُمَّ لَا يَنْقُدُهُ إلَّا كِرَاءَ الْغَايَةِ
الْأُولَى فَإِنْ نَقَدَهُ الْكِرَاءَيْنِ دَخَلَهُ بَيْعٌ وَسَلَفٌ.
قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ اكْتَرَى دَابَّةً فِي طَلَبِ ضَالَّةٍ أَوْ آبِقٍ
فَلَا يَجُوزُ حَتَّى يُسَمِّي مَوْضِعًا، فَإِنْ سَمَّاهُ وَقَالَ: إنْ
وَجَدْت حَاجَتِي دُونَ ذَلِكَ رَجَعْت وَكَانَ عَلَيَّ مِنْ الْكِرَاءِ
بِحِسَابِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ إنْ لَمْ يَنْقُدْ. اهـ نَصُّ ابْنِ يُونُسَ.
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ: " لَا بَأْسَ بِهِ إنْ لَمْ يَنْقُدْ "
هُوَ نَحْوُ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي اكْتِرَاءِ الدَّارِ سَنَةً
عَلَى أَنَّهُ إنْ خَرَجَ مِنْهَا قَبْلَهَا حَاسَبَهُ بِمَا سَكَنَ.
وَمِثْلُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي إجَارَةِ الرَّجُلِ شَهْرًا
عَلَى أَنْ يَبِيعَ لَهُ ثَوْبًا عَلَى أَنَّ الْمُسْتَأْجَرَ مَتَى شَاءَ
تَرَكَ أَنَّهُ جَائِزٌ إنْ لَمْ يَنْقُدْ؛ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ بِخِيَارٍ.
قَالَ فَضْلٌ: مَنَعَ ذَلِكَ سَحْنُونَ؛ لِأَنَّهُ خِيَارٌ إلَى أَمَدٍ
بَعِيدٍ. ابْنُ رُشْدٍ: وَلَيْسَ كَمَا قَالَ إنَّمَا هُوَ بِالْخِيَارِ
فِي الْجَمِيعِ الْآنَ وَكُلَّمَا مَضَى مِنْ الشَّهْرِ شَيْءٌ كَانَ
بِالْخِيَارِ فِيمَا بَقِيَ.
(وَاسْتِئْجَارُ مُؤَجَّرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لِمُكْتَرِي الدَّابَّةِ
لِلْحُمُولَةِ وَالدَّارِ وَالسَّفِينَةِ كِرَاؤُهَا مِنْ مِثْلِهِ فِي
مِثْلِ مَا اكْتَرَاهَا لَهُ، وَكَذَلِكَ الْفُسْطَاطُ لَهُ كِرَاؤُهُ مِنْ
مِثْلِهِ فِي حَالِهِ وَأَمَانَتِهِ وَصَنْعَتِهِ، وَمَنْ اسْتَأْجَرَ
ثَوْبًا فَلَبِسَهُ يَوْمًا إلَى اللَّيْلِ لَمْ يُعْطِهِ غَيْرَهُ
لِاخْتِلَافِ اللُّبْسِ وَالْأَمَانَةِ، فَإِنْ دَفَعَهُ لِغَيْرِهِ ضَمِنَ
إنْ تَلِفَ، وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ
(7/521)
ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ اكْتَرَى دَارًا
فَلَهُ أَنْ يَكْرِيَهَا مِنْ مِثْلِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ الْكِرَاءِ أَوْ
أَقَلَّ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِعَمَلٍ مِنْ
الْأَعْمَالِ فَلَهُ أَنْ يُرْسِلَهُ يَعْمَلُ لِلنَّاسِ وَيَأْتِيهِ بِمَا
عَمِلَ أَوْ يُكْرِيَهُ فِي مِثْلِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: لَا يَلْزَمُ
الْأَجِيرَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي يُؤَاجِرُ نَفْسَهُ لَهُ وَيَأْتِيهِ
بِالْأُجْرَةِ إلَّا أَنْ يَرْضَى بِذَلِكَ، وَهَذَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ
فِي عَمَلٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا كَالْقِصَارَةِ
فَيَنْقُلُهُ لِقِصَارَةٍ.
(أَوْ مُسْتَثْنَى مَنْفَعَةٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: تَصِحُّ إجَارَةُ
الرَّقَبَةِ وَهِيَ مُسْتَأْجَرَةٌ أَوْ مُسْتَثْنًى مَنْفَعَتُهَا مُدَّةً
تَبْقَى فِيهَا غَالِبًا وَالنَّقْدُ فِيهَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهَا.
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ:
(7/522)
قَوْلُهُ: " الرَّقَبَةُ " يَشْمَلُ
الْحَيَوَانَ وَغَيْرَهُ.
(وَالنَّقْدُ فِيهِ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ غَالِبًا أَوْ عَدَمُ
التَّسْمِيَةِ لِكُلِّ سَنَةٍ) ابْنُ شَاسٍ: لَهُ أَنْ يُكْرِيَ الدَّارَ
إلَى حَدٍّ لَا تَتَغَيَّرُ فِيهِ غَالِبًا وَيَنْتَقِدُ، فَأَمَّا مَا لَا
يُؤْمَنُ تَغَيُّرُهَا فِيهِ لِطُولِ الْمُدَّةِ أَوْ لِضَعْفِ الْبِنَاءِ
وَشِبْهِ ذَلِكَ فَيَجُوزُ الْعَقْدُ دُونَ النَّقْدِ مَا لَمْ يَغْلِبْ
عَلَى الظَّنِّ أَنَّهَا لَا تَبْقَى إلَى الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ فَلَا
يَجُوزُ كِرَاؤُهَا إلَيْهَا. وَلَوْ أَجَّرَ سِنِينَ وَلَمْ يُقَدِّرْ
حِصَّةَ كُلِّ سَنَةٍ مِنْ الْأُجْرَةِ صَحَّ كَمَا فِي الْأَشْهُرِ مِنْ
سَنَةٍ وَاحِدَةٍ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ
بِإِجَارَةِ الْعَبْدِ عَشْرَ سِنِينَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَلَا
أَرَى بِهِ بَأْسًا، وَالدَّوَرَانُ بَيْنَ ذَلِكَ فِيهَا جَائِزٌ
وَيَجُوزُ تَقْدِيمُ الْإِجَارَةِ فِيهِ بِشَرْطٍ. ابْنُ يُونُسَ: تَجُوزُ
إجَارَةُ الدُّورِ ثَلَاثِينَ سَنَةً بِالنَّقْدِ وَالْمُؤَجَّلِ؛
لِأَنَّهَا مَأْمُونَةٌ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ اكْتَرَيْت أَرْضًا
ثَلَاثَ سِنِينَ بِثَلَاثِينَ دِينَارًا لِكُلِّ سَنَةٍ عَشَرَةٌ؟ قَالَ:
لَا، بَلْ تُحْسَبُ عَلَى قَدْرِ نَفَاقِهَا كُلَّ سَنَةٍ.
(وَكِرَاءُ أَرْضٍ تُتَّخَذُ مَسْجِدًا مُدَّةً وَالنَّقْضُ لِرَبِّهِ إذَا
انْقَضَتْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بَأْسَ أَنْ
يُكْرِيَ أَرْضَهُ عَلَى أَنْ تُتَّخَذَ مَسْجِدًا عَشْرَ سِنِينَ، فَإِذَا
انْقَضَتْ الْمُدَّةُ رَجَعَتْ الْأَرْضُ إلَى رَبِّهَا وَكَانَ النَّقْضُ
لِمَنْ بَنَاهُ.
قَالَ سَحْنُونَ: وَيَجْعَلُهُ فِي غَيْرِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ:
قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَبْيَنُ وَلَيْسَ مِثْلُ الْأَرْضِ تُسْتَحَقُّ
وَقَدْ بَنَيْت مَسْجِدًا يُرِيدُ فَهَذَا يَجْعَلُهُ فِي غَيْرِهِ؛
لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ يَدِهِ لِلَّهِ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَالْآخَرُ
إنَّمَا جَعَلَهُ لِلَّهِ عَلَى الْمُدَّةِ فَيَرْجِعُ إلَيْهِ بَعْدَ
تَمَامِهَا. ابْنُ يُونُسَ: كَمَنْ دَفَعَ فَرَسَهُ لِمَنْ يَغْزُو بِهِ
غَزْوَةً ثُمَّ يَرْجِعُ إلَيْهِ.
(7/524)
(وَعَلَى طَرْحٍ كَمَيْتَةٍ) مِنْ
الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا بَأْسَ بِالْإِجَارَةِ عَلَى
طَرْحِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْعَذِرَةِ.
(وَالْقِصَاصِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَتَلَ رَجُلًا ظُلْمًا بِأَجْرٍ
فَلَا أَجْرَ لَهُ، وَمَنْ وَجَبَ لَهُمْ الدَّمُ قِبَلَ رَجُلٍ
فَقَتَلُوهُ قَبْلَ أَنْ يَنْتَهُوا بِهِ إلَى الْإِمَامِ فَلَا شَيْءَ
عَلَيْهِمْ غَيْرُ الْأَدَبِ لِئَلَّا يَجْتَرِئَ عَلَى الدِّمَاءِ وَلَا
يُمَكَّنُ الَّذِي لَهُ الْقَوَدُ فِي الْجِرَاحِ أَنْ يَقْتَصَّ
لِنَفْسِهِ وَلَكِنْ يَقْتَصُّ لَهُ مَنْ يَعْرِفُ الْقِصَاصَ بِأَرْفَقِ
مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَأُجْرَةُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يُقْتَصُّ لَهُ.
وَأَمَّا فِي الْقَتْلِ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ إلَى وَلِيِّ الْمَقْتُولِ
فَيَقْتُلُهُ وَيُنْهَى عَنْ الْعَبَثِ فِيهِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ
أَيْضًا: لَا بَأْسَ بِالْإِجَارَةِ عَلَى قَتْلِ قِصَاصٍ يُرِيدُ وَقَدْ
ثَبَتَ ذَلِكَ بِحُكْمِ قَاضٍ عَدْلٍ وَالْأَدَبِ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ
أَيْضًا: لَا بَأْسَ بِالْإِجَارَةِ عَلَى ضَرْبِ عَبْدِكَ أَوْ وَلَدِكَ
لِلْأَدَبِ، وَأَمَّا عَلَى غَيْرِ مَا لَا يَنْبَغِي مِنْ الْأَدَبِ فَلَا
يَنْبَغِي (وَعَبْدٍ خَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا) تَقَدَّمَ النَّصُّ بِهَذَا.
وَيَبْقَى النَّظَرُ فِي حُكْمِ النَّقْدِ، وَاَلَّذِي لِابْنِ الْحَاجِبِ
اُسْتُخِفَّ النَّقْدُ فِي الْعَقَارِ سِنِينَ وَاسْتُكْثِرَ فِي
الْحَيَوَانِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ اهـ.
(7/525)
وَانْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ فِي
الزَّكَاةِ أَوْ لِكَمُؤَجِّرٍ نَفْسَهُ.
(وَيَوْمًا أَوْ خِيَاطَةَ ثَوْبٍ مَثَلًا وَهَلْ تَفْسُدُ إنْ جَمَعَهُمَا
وَتَسَاوَيَا أَوْ مُطْلَقًا خِلَافٌ) ابْنُ شَاسٍ: اسْتِصْنَاعُ
الْآدَمِيِّ يُعْرَفُ إمَّا بِالزَّمَانِ أَوْ بِمَحَلِّ الْعَمَلِ كَمَا
لَوْ اسْتَأْجَرَ الْخَيَّاطَ مَثَلًا يَوْمًا أَوْ بِخِيَاطَةِ ثَوْبٍ
مُعَيَّنٍ فَلَوْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ: اسْتَأْجَرَكَ لِتَخِيطَ
هَذَا الثَّوْبَ فِي هَذَا الْيَوْمِ لَمْ يَصِحَّ اهـ.
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْإِجَارَةُ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ كَخِيَاطَةِ
ثَوْبٍ أَوْ نَسْجِ غَزْلٍ أَوْ طَحْنِ قَمْحٍ وَشِبْهِهِ مِمَّا
الْفَرَاغُ مِنْهُ مَعْلُومٌ وَلَا يَجُوزُ تَأْجِيلُهُ بِوَقْتٍ يُشَكُّ
فِي سَعَتِهِ لَهُ، وَإِنْ كَانَ لَا إشْكَالَ فِي سَعَتِهِ فَقِيلَ: إنَّ
ذَلِكَ جَائِزٌ وَهُوَ ظَاهِرُ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَوْلُهُ
وَهُوَ دَلِيلُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الَّذِي اسْتَأْجَرَ
ثَوْرًا عَلَى أَنْ يَطْحَنَ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ إرْدَبَّيْنِ فَوَجَدَهُ
لَا يَطْحَنُ إلَّا إرْدَبًّا، أَنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَلَمْ يَفْسَخْ
الْإِجَارَةَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ، أَجَازَ أَنْ يُشَارِطَ
الْمُعَلِّمَ فِي تَعْلِيمِ الْغُلَامِ الْقُرْآنَ عَلَى الْحِذْقِ نَظَرًا
أَوْ ظَاهِرًا سِيَّمَا إنْ جَعَلَا فِي ذَلِكَ أَجَلًا وَلَمْ
يُسَمِّيَاهُ، وَعَزَاهُ لِمَالِكٍ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ
(7/526)
ذَلِكَ لَا يَجُوزُ. اللَّخْمِيِّ: أَرَى
أَنْ يَمْضِيَ إنْ وَقَعَ.
(وَبَيْعُ دَارٍ لِتُقْبَضَ بَعْدَ عَامٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ
وَغَيْرِهَا: يَجُوزُ بَيْعُ الدَّارِ وَاسْتِثْنَاءُ سُكْنَاهَا مُدَّةً
لَا تَتَغَيَّرُ فِيهَا غَالِبًا، وَفِي حَدِّهَا بِسَنَةٍ أَوْ لَا:
سِتَّةُ أَقْوَالٍ، الْأَوَّلُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ مَعَ
سَمَاعِ يَحْيَى بْنِ الْقَاسِمِ قَائِلًا: وَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ
مُؤَجَّلًا.
(أَوْ أَرْضٍ لِعُشْرٍ) ابْنُ رُشْدٍ: بَيْعُ الْأَرْضِ وَاسْتِثْنَاؤُهَا
أَعْوَامًا أَخَفُّ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَجُوزُ فِيهَا عَشَرَةُ أَعْوَامٍ. اُنْظُرْ فِي
السَّلَمِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ قَالَ: مِنْ الْغَرَرِ شِرَاءُ شَيْءٍ
بِعَيْنِهِ عَلَى أَنْ لَا يَقْبِضَهُ الْمُبْتَاعُ إلَّا لِأَجَلٍ إلَّا
مَا لَهُ وَجْهٌ كَبَيْعِ دَارٍ وَاسْتِثْنَاءِ سُكْنَاهَا شَهْرًا، أَوْ
دَابَّةٍ يُسْتَثْنَى رُكُوبُهَا يَوْمَيْنِ، أَوْ زَرْعٍ يَبِسَ عَلَى
كَيْلٍ يَتَأَخَّرُ حَصَادُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ ثَمَرًا
كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ. وَمَنْ اشْتَرَى طَعَامًا بِعَيْنِهِ عَلَى شَرْطِ
أَنْ يَكْتَالَهُ إلَى يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ السِّلَعُ كُلُّهَا عِنْدِي هُوَ
فِيهَا أَبْيَنُ.
(وَاسْتِرْضَاعٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ
بِإِجَارَةِ الظِّئْرِ عَلَى رَضَاعِ الصَّبِيِّ حَوْلًا أَوْ حَوْلَيْنِ
بِكَذَا، وَكَذَلِكَ إنْ شَرَطْت عَلَيْهِمْ طَعَامَهَا وَكِسْوَتَهَا
فَهُوَ جَائِزٌ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ عَلَى قَدْرِهَا
وَقَدْرِ هَيْئَتِهَا وَقَدْرِ أَبِي الصَّبِيِّ فِي غِنَاهُ وَفَقْرِهِ.
ابْنُ يُونُسَ: وَلَا يَدْخُلُ ذَلِكَ طَعَامٌ بِطَعَامٍ إلَى أَجَلٍ؛
لِأَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا وَرَدَ فِي الْأَطْعِمَةِ الَّتِي جَرَتْ
عَادَةُ النَّاسِ أَنْ يَقْتَاتُوهَا وَيَأْتَدِمُوهَا، وَأَمَّا
الرَّضَاعُ فَقَدْ جَرَى الْعَمَلُ عَلَى جَوَازِهِ فِي مِثْلِ هَذَا،
وَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَلِأَنَّ اللَّبَنَ الَّذِي يَرْضِعُهُ الصَّبِيُّ
لَا قَدْرَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنَّمَا أَكْثَرُ الْإِجَارَةِ
لِقِيَامِهَا بِالصَّبِيِّ وَتَكَلُّفِهَا جَمِيعِ مُؤَنِهِ فَكَانَ
اللَّبَنُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لَا قَدْرَ لَهُ.
(7/527)
(وَالْعُرْفُ فِي كَغَسْلِ خِرَقِهِ) مِنْ
الْمُدَوَّنَةِ: وَيَحْمِلُونَ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الصَّبِيُّ مِنْ
الْمُؤْنَةِ فِي كَغَسْلِ خِرَقِهِ وَحَمِيمِهِ وَدُهْنِهِ وَدَقِّ
رَيْحَانِهِ وَطِيبِهِ عَلَى مَا تَعَارَفَهُ النَّاسُ (وَلِزَوْجِهَا
فَسْخُهُ إنْ لَمْ يَأْذَنْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ
لِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا إنْ آجَرَتْ نَفْسَهَا بِإِذْنِهِ، وَإِنْ كَانَ
بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ إجَارَتَهَا.
(كَأَهْلِ الطِّفْلِ إذَا حَمَلَتْ) نَحْوُ هَذَا لِلَّخْمِيِّ مِنْ
الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا حَمَلَتْ الظِّئْرُ فَخِيفَ عَلَى الصَّبِيِّ
فَلَهُمْ فَسْخُ الْإِجَارَةِ وَلَا يَلْزَمُهَا أَنْ تَأْتِيَ بِغَيْرِهَا
تُرْضِعُهُ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا اُكْتُرِيَتْ عَلَى رَضَاعِهِ بِعَيْنِهَا،
وَإِنْ سَافَرَ الْأَبَوَانِ فَلَيْسَ لَهُمَا أَخْذُ الصَّبِيِّ إلَّا
أَنْ يَدْفَعَا إلَى الظِّئْرِ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ.
(وَمَوْتِ إحْدَى الظِّئْرَيْنِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ آجَرَ
ظِئْرَيْنِ فَمَاتَتْ وَاحِدَةٌ فَلِلْبَاقِيَةِ أَنْ لَا تُرْضِعَ
وَحْدَهَا.
قَالَ سَحْنُونَ: تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ. وَانْظُرْ إذَا قَالَ الْأَبُ:
أَرْضِعِيهِ النَّوْبَةَ الَّتِي كُنْت تُرْضِعِيهِ أَوْ قَالَتْ هِيَ
ذَلِكَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ.
(7/528)
(وَمَوْتِ أَبِيهِ وَلَمْ تَقْبِضْ
أُجْرَةً وَإِلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِهَا مُتَطَوِّعٌ) مِنْ
الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ هَلَكَ الْأَبُ فَحِصَّةُ بَاقِي الْمُدَّةِ فِي
مَالِ الْوَلَدِ، قَدَّمَهُ الْأَبُ أَوْ لَمْ يُقَدِّمْهُ، وَتَرْجِعُ
حِصَّةُ بَاقِي الْمُدَّةِ إنْ قَدَّمَهُ الْأَبُ مِيرَاثًا؛ لِأَنَّ
ذَلِكَ نَفَقَةُ الصَّبِيِّ قَدَّمَهَا الْأَبُ لَمْ تَكُنْ تَلْزَمُهُ
إلَّا مَا دَامَ حَيًّا، فَإِذَا مَاتَ انْقَطَعَ عَنْهُ مَا كَانَ
يَلْزَمُهُ مِنْ أَجْرِ الرَّضَاعِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِعَطِيَّةٍ وَجَبَتْ
إذْ لَوْ مَاتَ الصَّبِيُّ لَمْ يُورَثْ عَنْهُ وَكَانَ ذَلِكَ لِلْأَبِ
خَاصَّةً دُونَ أُمِّهِ، فَفَارَقَ الضَّمَانَ فِي الَّذِي يَقُولُ
لِرَجُلٍ: اعْمَلْ لِفُلَانٍ عَمَلًا أَوْ بِعْهُ سِلْعَتَكَ وَالثَّمَنُ
لَكَ عَلَيَّ فَالثَّمَنُ فِي ذِمَّةِ الضَّامِنِ إنْ مَاتَ، فَلَا طَلَبَ
عَلَى الْمُبْتَاعِ وَلَا عَلَى الَّذِي عَمِلَ لَهُ. ابْنُ يُونُسَ:
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ
(7/529)
أَجْرَ الرَّضَاعِ لَمْ يَلْزَمْ الْأَبَ
فَإِذَا قَدَّمَهُ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الصَّبِيَّ يَحْيَا وَأَنَّ ذَلِكَ
لَازِمٌ لَهُ، فَلَمَّا مَاتَ الصَّبِيُّ بَانَ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ
يَلْزَمُهُ فَوَجَبَ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ. وَاَلَّذِي قَالَ: بِعْ مِنْ
فُلَانٍ سِلْعَتَكَ وَالثَّمَنُ لَكَ عَلَيَّ هُوَ مُتَطَوِّعٌ بِذَلِكَ
وَلَمْ يَكُنْ يَلْزَمْهُ، فَلَمَّا تَطَوَّعَ بِهِ وَضَمِنَ لِلْبَائِعِ
ثَمَنَ سِلْعَتِهِ لَزِمَهُ مَا تَطَوَّعَ بِهِ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ
حُجَّةٌ.
قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ مَاتَ الْأَبُ وَلَمْ يَدَعْ مَالًا
وَلَمْ تَأْخُذْ الظِّئْرُ مِنْ إجَارَتِهَا شَيْئًا فَلَهَا فَسْخُ
الْإِجَارَةِ، وَلَوْ تَطَوَّعَ رَجُلٌ بِأَدَائِهَا لَمْ تُفْسَخْ،
يُرِيدُ وَلَوْ قَبَضَتْ أُجْرَتَهَا ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ وَلَمْ يَدَعْ
شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَفْسَخُوا الْإِجَارَةَ وَيَأْخُذُ
مِنْهَا حِصَّةَ بَاقِي الْمُدَّةِ، وَلَكِنْ يُتْبَعُ الصَّبِيُّ بِمَا
يَنُوبُهُمْ مِنْ أُجْرَةِ بَاقِي الْمُدَّةِ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا
أَيْضًا اسْتِحْسَانٌ وَتَوَسُّطٌ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، ثُمَّ نَقَلَ
ابْنُ يُونُسَ بَعْدَ هَذَا أَنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ لِابْنِهِ مُعَلِّمًا
فَمَاتَ الْأَبُ فَإِنَّ ذَلِكَ لِلِابْنِ بِخِلَافِ أَجْرِ الرَّضَاعِ.
وَانْظُرْ إذَا مَاتَ الصَّبِيُّ هَلْ تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ مِنْ ابْنِ
عَرَفَةَ.
(وَكَظُهُورِ مُؤَجَّرٍ أُوجِرَ بِأَكْلِهِ أَكُولًا) ابْنُ يُونُسَ: إنْ
وَجَدَ الْأَجِيرَ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ بِطَعَامٍ أَكُولًا خَارِجًا عَنْ
عَادَةِ النَّاسِ فِي الْأَكْلِ فَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: لَهُ أَنْ
يَفْسَخَ إجَارَتَهُ: ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ كَعَيْبٍ وَجَدَهُ بِهِ
إلَّا أَنْ يَرْضَى الْأَجِيرُ بِطَعَامٍ وَسَطٍ، وَأَمَّا إنْ تَزَوَّجَ
امْرَأَةً فَوَجَدَهَا أَكُولَةً خَارِجَةً عَنْ النَّاسِ فَلَيْسَ لَهُ
فَسْخُ نِكَاحِهَا، فَإِمَّا أَشْبَعَهَا أَوْ طَلَّقَ؛ لِأَنَّ
الْمَرْأَةَ لَا تُرَدُّ إلَّا مِنْ الْعُيُوبِ الْأَرْبَعَةِ فَهُوَ كَمَا
لَوْ وَجَدَهَا عَوْرَاءَ أَوْ سَوْدَاءَ وَلَوْ شَاءَ لَاسْتَثْبَتَ.
(وَمُنِعَ زَوْجٌ رَضِيَ مِنْ وَطْءٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ
(7/530)
أَنَّهُ لَيْسَ لِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا إنْ
آجَرَتْ نَفْسَهَا بِإِذْنِهِ، أَخَذَ الشُّيُوخُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ
اخْتَلَعَتْ لِزَوْجِهَا عَلَى رَضَاعِ وَلَدِهِ لَا تَتَزَوَّجُ حَتَّى
تُتِمَّ رَضَاعَهُ. (وَلَوْ لَمْ يَضُرَّ) أَصْبَغُ: إنْ لَمْ يَشْتَرِطُوا
عَلَيْهِ تَرْكَ الْوَطْءِ لَمْ يُمْنَعْ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ ضَرَرَ
ذَلِكَ عَلَى الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَمَّ أَنْ يَنْهَى عَنْ الْغِيلَةِ فَلَمْ يَنْهَ
عَنْهَا» . ابْنُ حَبِيبٍ: وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَحَبُّ إلَيَّ،
اشْتَرَطَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ. أَلَا تَرَى أَنَّ الزَّوْجَ لَا
يَكُونُ مُولِيًا بِالْيَمِينِ لِتَرْكِهِ.
(وَسَفَرٍ) ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَكَذَا إنْ أَرَادَ الزَّوْجُ أَنْ
يُسَافِرَ بِهَا فَإِنْ آجَرَتْ نَفْسَهَا بِإِذْنِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ
ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَهُ ذَلِكَ وَتَنْفَسِخُ
الْإِجَارَةُ.
(كَأَنْ تُرْضِعَ مَعَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ:
وَلَوْ آجَرَهَا عَلَى رَضَاعِ صَبِيٍّ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تُرْضِعَ
مَعَهُ غَيْرَهُ. رَاجِعْ ابْنَ عَرَفَةَ. وَكِرَاؤُهُ هَذَا مِنْ نَحْوِ
أَجِيرٍ عَلَى مِائَةٍ مِنْ الْغَنَمِ إنْ عَدَّ غَيْرَهَا مَعَهَا إنْ
لَمْ يَضُرَّ بِالْأُولَى إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَرْعَى
مَعَهَا غَيْرَهَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ.
(وَلَا يَسْتَتْبِعُ حَضَانَةً كَعَكْسِهِ) ابْنُ شَاسٍ: الْأُجْرَةُ عَلَى
الِاسْتِرْضَاعِ لَا تُوجِبُ الْحَضَانَةَ وَالْعَكْسُ. ابْنُ عَرَفَةَ:
لِعَدَمِ اسْتِلْزَامِ الدَّلَالَةِ عَلَى الْآخَرِ كَالْخِيَاطَةِ
وَالطَّرْزِ.
(وَبَيْعُهُ سِلْعَةً عَلَى أَنْ يَتَّجِرَ بِثَمَنِهَا سَنَةً إنْ شَرَطَ
الْخَلَفَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ بَاعَ لِرَجُلٍ
سِلْعَةً عَلَى أَنْ يَتَّجِرَ لَهُ بِثَمَنِهَا سَنَةً، فَإِنْ شَرَطَ فِي
الْعَقْدِ إنْ تَلِفَ الْمَالُ أَخْلَفَهُ لَهُ الْبَائِعُ حَتَّى يَتِمَّ
عَمَلُهُ بِهَا سَنَةً جَازَ ذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ، فَإِنْ شَرَطَ
ذَلِكَ فَضَاعَتْ الدَّنَانِيرُ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَخْلُفَهَا حَتَّى
تَتِمَّ السَّنَةُ، فَإِنْ أَبَى قِيلَ لِلْأَجِيرِ: اذْهَبْ بِسَلَامٍ.
وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَأْجَرْت رَجُلًا يَعْمَلُ لَكَ بِهَذِهِ الْمِائَةِ
دِينَارٍ سَنَةً جَازَ ذَلِكَ إذَا شَرَطْت عَلَيْهِ
(7/531)
إنْ ضَاعَتْ أَخْلَفْتهَا لَهُ، فَإِنْ
ضَاعَتْ كَانَ لَكَ أَنْ تُخْلِفَهَا أَوْ تَدَعَ وَقَدْ لَزِمَتْكَ
الْأُجْرَةُ، وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ ذَلِكَ فِي أَصْلِ الْإِجَارَةِ لَمْ
يَجُزْ.
قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ إنْ آجَرَهُ يَرْعَى لَهُ غَنَمًا بِعَيْنِهَا
سَنَةً وَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ فِي الْعَقْدِ أَنَّ مَا هَلَكَ مِنْهَا
أَوْ بَاعَهُ أَوْ ضَاعَ ذَلِكَ أَخْلَفَهُ جَازَ ذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ
يَجُزْ، فَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ فَضَاعَ مِنْهَا شَيْءٌ قِيلَ لِلْأَجِيرِ:
أَوْفِ الْإِجَارَةَ وَخُيِّرَ رَبُّ الْغَنَمِ فِي خَلَفِ مَا ضَاعَ أَوْ
تَرْكِهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ آجَرَهُ عَلَى رِعَايَةِ مِائَةِ شَاةٍ
غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ خَلَفَ مَا مَاتَ
مِنْهَا وَلَهُ خَلَفُ مَا مَاتَ بِالْقَضَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً
فَلَا بُدَّ مِنْ الشَّرْطِ فِيهَا.
وَقَالَ سَحْنُونَ: يَجُوزُ فِي الْمُعَيَّنَةِ مِنْ غَنَمٍ أَوْ
دَنَانِيرَ وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ خَلَفُ مَا هَلَكَ وَالْحُكْمُ يُوجِبُ
خَلَفَ مَا هَلَكَ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ
وَأَصْبَغُ وَبِهِ أَقُولُ. ابْنُ يُونُسَ: وَهُوَ عِنْدِي أَصْوَبُ؛
لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ الْمُسْتَأْجَرَ عَلَيْهَا لَا تَتَعَيَّنُ لَوْ
اسْتَأْجَرَ عَلَى حَمْلِ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ مَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْطٍ
خَلَفَهُ إنْ هَلَكَ وَالْحُكْمُ يُوجِبُ خَلَفَهُ، وَكَذَلِكَ فِي
الْمُدَوَّنَةِ وَكِتَابِ مُحَمَّدٍ. الْبَاجِيُّ: لَوْ اسْتَأْجَرَهُ
عَلَى حَصْدِ زَرْعٍ مُعَيَّنٍ فَهَلَكَ فَقَالَ أَشْهَبُ: تَنْفَسِخُ
الْإِجَارَةُ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا تَنْفَسِخُ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا مِنْ
ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافٌ لِقَوْلِهِ إنْ تَعَذَّرَ الْحَرْثُ بِنُزُولِ
الْمَطَرِ سَقَطَ الْأَجْرُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ تَعَذَّرَ الْحَرْثُ بِكَسْرِ الْمِحْرَاثِ
أَوْ بِمَوْتِ الدَّابَّةِ لَمْ يَسْقُطْ أَجْرُهُ.
وَقَالَ سَحْنُونَ: إنْ مَنَعَ أَجِيرَ الْبِنَاءِ أَوْ الْحَصَادِ أَوْ
عَمَلٍ مَا مَطَرٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا بِحِسَابِ مَا عَمِلَ مِنْ
النَّهَارِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَهُ كُلُّ الْأَجْرِ. ابْنُ عَرَفَةَ: لَا
يَدْخُلُ هَذَا الْخِلَافُ فِي نَوَازِلِ يُونُسَ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ
تَقَدَّرَ عِنْدَهُمْ بِفَسْخِ الْإِجَارَةِ بِكَثْرَةِ الْمَطَرِ
وَنُزُولِ الْخَوْفِ اهـ. اُنْظُرْ قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ إنَّهُ يُحْكَمُ
بِالْعُرْفِ هَلْ يَكُونُ؟ وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا صَدَّرْت بِهِ
فَتْوَى شَيْخِي ابْنِ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُكْتَرِيَ
إذَا شَرَطَ أَنْ لَا يَغْرَمَ كِرَاءً إنْ أَفْسَدَتْ النَّصَارَى
الْغَلَّةَ أَنَّ لَهُ شَرْطَهُ. وَمِنْ ابْنِ يُونُسَ: مَنْ بَعَثَ مَعَهُ
بِخَادِمٍ يُبَلِّغُهَا مَوْضِعَهَا بِأَجْرٍ فَمَاتَتْ فَلَهُ
الْإِجَارَةُ كُلُّهَا وَيَسْتَعْمِلُهَا فِي مِثْلِ هَذَا (كَغَنَمٍ
عُيِّنَتْ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ: وَكَذَلِكَ مَنْ
آجَرَهُ يَرْعَى لَهُ غَنَمًا بِعَيْنِهَا (وَإِلَّا فَلَهُ الْخَلَفُ
عَلَى آجِرِهِ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَوْ آجَرَهُ عَلَى
رِعَايَةِ مِائَةٍ
(7/532)
غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ جَازَ وَإِنْ لَمْ
يَشْتَرِطْ الْخَلَفَ، وَلَهُ خَلَفُ مَا مَاتَ بِالْقَضَاءِ.
(كَرَاكِبٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا تَكَارَى قَوْمٌ
دَابَّةً لِيَزِفُّوا عَلَيْهَا عَرُوسًا لَيْلَتَهُمْ فَلَمْ يَزُفُّوهَا
تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَعَلَيْهِمْ الْكِرَاءُ، وَإِنْ أَكْرَى دَابَّةً
لِيُشَيِّعَ عَلَيْهَا رَجُلًا إلَى مَوْضِعٍ سَمَّاهُ مَعْلُومٍ أَوْ
لِيَرْكَبَهَا إلَى مَوْضِعِهِ سَمَّاهُ فَبَدَا لَهُ أَوْ لِلرَّجُلِ
لَزِمَهُ الْكِرَاءُ، وَلْيُكْرِ الدَّابَّةَ إلَى مَوْضِعٍ فِي مِثْلِ مَا
اكْتَرَى. وَإِنْ اكْتَرَاهَا لِيَرْكَبَ يَوْمَهُ بِدِرْهَمٍ فَأُمْكِنَ
مِنْهَا فَتَرَكَهَا حَتَّى مَضَى الْيَوْمُ لَزِمَهُ الْكِرَاءُ، وَإِنْ
اكْتَرَاهَا إلَى الْحَجِّ أَوْ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوْ إلَى
مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَاقَهُ
مَرَضٌ أَوْ سَقَطَ أَوْ مَاتَ أَوْ عَرَضَ لَهُ غَرِيمٌ حَبَسَهُ فِي
بَعْضِ الطَّرِيقِ فَالْكِرَاءُ لَهُ لَازِمٌ، وَلَهُ أَوْ لِوَرَثَتِهِ
كِرَاءُ الدَّابَّةِ فِي مِثْلِ مَا اكْتَرَى مِنْ مِثْلِهِ وَيَكُونُ
صَاحِبُ الْإِبِلِ أَوْلَى بِمَا عَلَى إبِلِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ. .
(وَحَافَّتَيْ نَهَرِكَ لِيَبْنِيَ بَيْتًا وَطَرِيقٌ فِي دَارٍ أَوْ
مَسِيلُ مَصَبِّ مِرْحَاضٍ لَا مِيزَابٍ إلَّا لِمَنْزِلِكَ فِي أَرْضِهِ)
لَوْ قَالَ: " وَطَرِيقٌ
(7/533)
فِي دَارِ رَجُلٍ أَوْ مَسِيلِ مَصَبِّ
مَاءِ مِيزَابٍ لَا مَاءَ مِيزَابٍ فِي أَرْضِهِ " لَنَاسَبَ مَا
يَتَقَرَّرُ فَانْظُرْهُ أَنْتَ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ تُؤَاجِرَ حَافَّتَيْ نَهَرِكَ
لِمَنْ يَبْنِي عَلَيْهِ بَيْتًا أَوْ يَنْصِبَ عَلَيْهِ رَحًى قَالَ:
وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ طَرِيقًا فِي دَارِ رَجُلٍ.
قَالَ: وَجَائِزٌ أَنْ تَسْتَأْجِرَ مَصَبَّ مِرْحَاضٍ مِنْ دَارِ رَجُلٍ،
وَأَمَّا مَسِيلُ مَاءِ مِيزَابِ الْمَطَرِ مِنْ دَارِ رَجُلٍ فَلَا
يُعْجِبُنِي لِأَنَّ الْمَطَرَ يَقِلُّ وَيَكْثُرُ وَيَكُونُ وَلَا
يَكُونُ. ابْنُ يُونُسَ: وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِنَا أَنَّهُ قَالَ:
إنَّمَا افْتَرَقَ جَوَابُهُ فِي مَسْأَلَةِ مَسِيلِ الْمِرْحَاضِ
وَمَسِيلِ الْمَيَازِيبِ لِافْتِرَاقِ السُّؤَالِ، وَأَمَّا إذَا اتَّفَقَ
فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الَّذِي اسْتَأْجَرَ مَسِيلَ
الْمِرْحَاضِ إنَّمَا اسْتَأْجَرَ مَسِيلَ الْمِرْحَاضِ مِنْ دَارِكَ عَلَى
دَارِ صَاحِبِهِ فَذَلِكَ كَطَرِيقٍ اسْتَأْجَرَهَا، وَأَمَّا مَسِيلُ
مَاءِ الْمِيزَابِ فَإِنَّمَا اكْتَرَى الْمَاءَ الَّذِي يَسِيلُ مِنْهَا،
وَأَمَّا لَوْ اسْتَأْجَرَ جَوَازَ الْمَاءِ عَلَيْهِ فَهِيَ كَمَسْأَلَةِ
جَوَازِ مَصَبِّ مِرْحَاضٍ.
(وَكِرَاءُ رَحَى مَاءٍ بِطَعَامٍ وَغَيْرِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ
مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ بِإِجَارَةِ رَحَى الْمَاءِ بِطَعَامٍ وَغَيْرِهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ انْقَطَعَ عَنْهَا الْمَاءُ فَهُوَ غَرَرٌ
تُفْسَخُ بِهِ الْإِجَارَةُ، وَإِنْ رَجَعَ الْمَاءُ فِي بَقِيَّةِ
الْمُدَّةِ لَزِمَهُ بَاقِيهَا كَقَوْلِ مَالِكٍ فِي الْعَبْدِ
الْمُسْتَأْجَرِ يَمْرَضُ ثُمَّ يَصِحُّ.
(وَعَلَى تَعْلِيمِ قُرْآنٍ مُشَاهَرَةً أَوْ عَلَى الْحُذَّاقِ) مِنْ
الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا بَأْسَ بِالْإِجَارَةِ عَلَى
تَعْلِيمِ قُرْآنٍ كُلَّ سَنَةٍ أَوْ كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا، أَوْ عَلَى
الْحُذَّاقِ لِلْقُرْآنِ بِكَذَا، أَوْ عَلَى أَنْ يُعَلِّمَهُ الْقُرْآنَ
كُلَّهُ أَوْ سُدُسَهُ بِكَذَا. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ: وَلَا بَأْسَ أَنْ
يَشْتَرِطَ مَعَ أَجْرِهِ شَيْئًا مَعْلُومًا كُلَّ فِطْرٍ وَأَضْحَى.
(وَأَخَذَهَا وَإِنْ لَمْ تُشْتَرَطْ) سُئِلَ سَحْنُونَ عَنْ الْمُعَلِّمِ
يُعَلِّمُ الصِّبْيَانَ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَيُجْرِي لَهُمْ الدِّرْهَمَ
وَالدِّرْهَمَيْنِ كُلَّ شَهْرٍ ثُمَّ يَحْذِقُهُ الْمُعَلَّمُ فَيَطْلُبُ
الْحَذْقَةَ وَيَأْبَى الْأَبُ وَيَقُولُ: حَقُّكَ فِيمَا قَبَضْت فَقَالَ:
يَنْظُرُ إلَى سُنَّةِ الْبَلَدِ فَيُحْمَلُونَ عَلَيْهَا، وَلَيْسَ فِي
الْحَذْقَةِ حَدٌّ مَعْرُوفٌ إلَّا عَلَى قَدْرِ الرَّجُلِ وَحَالِهِ.
قَالَ: وَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ عِنْدَ الْمُعَلِّمِ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ
الْقُرْآنِ فَقَدْ وَجَبَتْ لَهُ الْحَذْقَةُ بِمَنْزِلَةِ الْمُدَبَّرِ
وَأَمِّ الْوَلَدِ لِلسَّيِّدِ انْتِزَاعُ أَمْوَالِهِمَا مَا لَمْ
يَتَقَارَبْ عِتْقُهُمَا بِمَرَضِ السَّيِّدِ فَلَا يَنْتَزِعُ مِنْهُمَا
شَيْئًا اهـ اُنْظُرْ إذَا شَرَطَ الْإِمَامُ أُضْحِيَّةً فَعُزِلَ قَبْلَ
يَوْمِ الْعِيدِ. ابْنُ حَبِيبٍ: نَحْنُ نُوجِبُ حَقَّ الْحَذْقَةِ
وَنَقْضِي بِهَا لِلْمُعَلِّمِ.
(وَإِجَارَةُ مَاعُونٍ كَقَصْعَةِ وَقِدْرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: تَجُوزُ
إجَارَةُ الْآنِيَةِ وَالْقِدْرِ وَالصِّحَافِ. ابْنُ الْعَطَّارِ: وَلَا
يَجُوزُ كِرَاءُ مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ مِثْلُ قِدْرُ الْفَخَّارِ.
ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا قُصُورٌ ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ قَرَأَ يَسِيرًا مِنْ
الْفِقْهِ تَيَقَّنَ أَنْ لَا مُنَاقَضَةَ بَيْنَ قَوْلِهَا الْقُدُورُ
وَالصِّحَافُ تُعْرَفُ بِعَيْنِهَا وَبَيْنَ مُقْتَضَى قَوْلِهَا بَعْضُ
مَا لَا يُعْرَفُ
(7/534)
بِعَيْنِهِ. رَاجِعْهُ فِيهِ.
(وَعَلَى حَفْرِ بِئْرٍ إجَارَةً وَجِعَالَةً) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ
ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ آجَرْتَهُ عَلَى حَفْرِ بِئْرٍ مِنْ صِفَتِهَا
كَذَا ثُمَّ انْهَدَمَتْ فَلَهُ بِحِسَابِ مَا عَمِلَ، وَلَوْ انْهَدَمَتْ
بَعْدَ فَرَاغِهَا فَلَهُ جَمِيعُ الْأَجْرِ، حَفَرَهَا فِي مِلْكِكَ أَوْ
فِي غَيْرِ مِلْكِك. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهَا إجَارَةٌ وَالْإِجَارَةُ
تَجُوزُ فِي مِلْكِكَ أَوْ فِي غَيْرِ مِلْكِكَ مِنْ الْفَلَوَاتِ إلَّا
أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الْجُعْلِ تُجْعَلُ لَهُ دَرَاهِمُ مَعْلُومَةٌ
عَلَى أَنْ يَحْفِرَ لَكَ بِئْرًا مِنْ صِفَتِهَا كَذَا وَكَذَا فَحَفَرَ
نِصْفَهَا ثُمَّ انْهَدَمَتْ قَبْلَ فَرَاغِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ
انْهَدَمَ بَعْدَ فَرَاغِهِ فَلَهُ الْأَجْرُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهَذِهِ الْأُجْرَةُ فِيمَا لَا يُمْلَكُ مِنْ
الْأَرْضِينَ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ أَنَّهُ جُعْلٌ.
قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَا يَكُونُ الْجُعْلُ فِي شَيْءٍ إذَا أَرَادَ
الْمَجْعُولُ لَهُ تَرْكَ الْعَمَلِ بَعْدَ أَنْ يَشْرَعَ يَبْقَى مِنْ
عَمَلِهِ شَيْءٌ يُتْبَعُ بِهِ الْجَاعِلُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا أَبْيَنُ فَرْقٍ بَيْنَ الْجُعْلِ
وَالْإِجَارَةِ.
قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: فَأَمَّا الْبِنَاءُ وَالْحَفْرُ فِيمَا يَمْلِكُ
مِنْ الْأَرْضِينَ فَلَا يَجُوزُ فِيهَا إلَّا الْإِجَارَةُ.
(وَيُكْرَهُ حَلْيٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا
بَأْسَ بِإِجَارَةِ حَلْيِ الذَّهَبِ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ
وَاسْتَثْقَلَهُ مَالِكٌ مَرَّةً وَخَفَّفَهُ مَرَّةً أُخْرَى. ابْنُ
يُونُسَ: قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ، كِرَاءُ الْحَلْيِ مِنْ أَخْلَاقِ
النَّاسِ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ زَكَاةَ الْحَلْيِ أَنْ
يُعَارَ فَلِذَلِكَ كَرِهُوا
(7/535)
أَنْ يُكْرَى.
(كَإِيجَارِ مُسْتَأْجِرٍ دَابَّةً أَوْ ثَوْبًا لِمِثْلِهِ) مِنْ
الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ اسْتَأْجَرْت ثَوْبًا
تَلْبَسُهُ يَوْمًا إلَى اللَّيْلِ فَلَا تُعْطِهِ لِغَيْرِكَ يَلْبَسُهُ
لِاخْتِلَافِ اللُّبْسِ وَالْأَمَانَةِ، فَإِنْ هَلَكَ بِيَدِكَ لَمْ
تَضْمَنْهُ، وَإِنْ دَفَعْتَهُ إلَى غَيْرِكَ ضَمِنْته إنْ تَلِفَ. وَقَدْ
كَرِهَ مَالِكٌ لِمُكْتَرِي الدَّابَّةِ لِرُكُوبِهِ كِرَاءَهَا مِنْ
غَيْرِهِ كَانَ أَخَفَّ مِنْهُ أَوْ مِثْلَهُ، فَإِنْ أَكْرَاهَا لَمْ
أَفْسَخْهُ، وَإِنْ تَلِفَتْ لَمْ يَضْمَنْ إذَا كَانَ، أَكْرَاهَا فِيمَا
اكْتَرَاهَا فِيهِ مِنْ مِثْلِهِ فِي حَالَتِهِ وَأَمَانَتِهِ وَخِفَّتِهِ.
وَلَوْ بَدَا لَهُ عَنْ السَّفَرِ أَوْ مَاتَ أُكْرِيَتْ مِنْ مِثْلِهِ،
وَكَذَلِكَ الثِّيَابُ فِي الْحَيَاةِ وَالْمَمَاتِ وَلَيْسَ ذَلِكَ
كَكِرَاءِ الْحَمُولَةِ وَالسَّفِينَةِ وَالدَّارِ. هَذَا لَهُ أَنْ
يُكْرِيَهَا مِنْ مِثْلِهِ فِي مِثْلِ مَا اكْتَرَاهَا لَهُ. ابْنُ
يُونُسَ: يُرِيدُ فِي هَذَا أَنَّ ذَلِكَ لَهُ بِغَيْرِ كَرَاهِيَةٍ وَفِي
الثَّوْبِ وَالدَّابَّةِ لِلرُّكُوبِ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ
اللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ، فَإِنْ أَكْرَى ذَلِكَ مِنْ مِثْلِهِ لَمْ
يُفْسَخْ وَلَمْ يَضْمَنْ اهـ. وَانْظُرْ فِي سَمَاعِ عِيسَى أَنَّ مَنْ
اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا يَعْمَلُ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ مِنْ غَيْرِهِ؛
لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَحَقَّ مَنَافِعَهُ.
(7/536)
(وَتَعْلِيمِ فِقْهٍ وَفَرَائِضَ كَبَيْعِ
كُتُبِهِ وَقِرَاءَةٍ بِلَحْنٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ
الْقَاسِمِ: أَكْرَهُ الْإِجَارَةَ عَلَى تَعْلِيمِ الْفِقْهِ
وَالْفَرَائِضِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا كَرِهَ بَيْعَ كُتُبِ الْفِقْهِ
وَالشَّرْطُ عَلَى تَعْلِيمِهَا أَشَدُّ. ابْنُ يُونُسَ: وَقَدْ أَجَازَ
غَيْرُهُ بَيْعَ كُتُبِ الْفِقْهِ فَكَذَلِكَ الْإِجَارَةُ عَلَى
تَعْلِيمِهَا جَائِزٌ عَلَى هَذَا. ابْنُ يُونُسَ: الصَّوَابُ جَوَازُ
الْإِجَارَةِ عَلَى تَعْلِيمِ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَكْرَهُ الْإِجَارَةَ عَلَى تَعْلِيمِ
الشِّعْرِ وَالنَّوْحِ. ابْنُ يُونُسَ: يَعْنِي التَّغَنِّيَ.
قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ الْقِرَاءَةَ
بِالْأَلْحَانِ فَكَيْفَ بِالْغِنَاءِ وَكَرِهَ مَالِكٌ بَيْعَ الْأَمَةِ
بِشَرْطِ أَنَّهَا مُغَنِّيَةٌ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ وَقَعَ فُسِخَ الْبَيْعُ.
قَالَ سَحْنُونَ: وَيَنْبَغِي أَنْ تُبَاعَ وَلَا يُذْكَرَ غِنَاؤُهَا
فَإِذَا تَمَّ الْبَيْعُ ذُكِرَ ذَلِكَ فَإِمَّا رَضِيَهَا الْمُبْتَاعُ
أَوْ رَدَّهَا.
وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: لَا تُرَدُّ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ
ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ فَيُفْسَخُ.
(وَكِرَاءُ دُفٍّ وَمِعْزَفٍ لِعُرْسٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ
الْقَاسِمِ: لَا يَنْبَغِي إجَارَةُ الدُّفِّ وَالْمَعَازِفِ كُلِّهَا فِي
الْعُرْسِ، وَكَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَضَعَّفَهُ.
قَالَ ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ ضَعْفَ قَوْلِ مَنْ يُجِيزُ ذَلِكَ. ابْنُ
يُونُسَ: وَأَمَّا الدُّفُّ الَّذِي أُبِيحَ ضَرْبُهُ فِي الْعُرْسِ
وَنَحْوِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَجُوزَ إجَارَتُهُ.
وَقَالَ
(7/539)
عِيَاضٌ: قَوْلُهُ: " أَكْرَهُ
الْإِجَارَةَ عَلَى تَعْلِيمِ الشِّعْرِ وَالنَّوْحِ " كَذَا هُوَ
وَمَعْنَاهُ نَوْحُ الْمُتَصَوِّفَةِ وَأَنَاشِيدُهُمْ عَلَى طَرِيقِ
النَّوْحِ وَالْبُكَاءِ الْمُسَمَّى بِالتَّعْفِيرِ وَالْمَعَازِفُ
عِيدَانُ الْغِنَاءِ لَا يَجُوزُ ضَرْبُهَا وَلَا اسْتِئْجَارُهَا وَهِيَ
مِنْ أَنْوَاعِ الْبَرَابِطِ وَالْعِيدَانِ.
(وَكِرَاءٌ كَعَبْدٍ كَافِرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا
يُكْرِي مُسْلِمٌ دَابَّتَهُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَهُوَ يَعْلَمُ
أَنَّهُمْ لَا يَرْكَبُونَهَا إلَّا لِأَعْيَادِهِمْ أَوْ لِكَنَائِسِهِمْ،
أَوْ يَبِيعُ مِنْهُمْ شَاةً يَعْلَمُ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ إنَّمَا
يَذْبَحُونَهَا لِذَلِكَ. وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ مَالِكًا سُئِلَ
عَنْ أَعْيَادِ الْكَنَائِسِ فَيَجْتَمِعُ الْمُسْلِمُونَ يَحْمِلُونَ
إلَيْهَا الثِّيَابَ وَالْأَمْتِعَةَ وَغَيْرَ ذَلِكَ يَبِيعُونَ
يَبْتَغُونَ الْفَضْلَ فِيهَا.
قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ. ابْنُ رُشْدٍ: وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ
تُبَاعَ مِنْهُمْ الْجَزَرَةُ لِأَعْيَادِهِمْ وَهُوَ خِلَافُ مَا هُنَا
إذْ لَا فَرْقَ، وَاخْتِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي هَذَا جَارٍ عَلَى
الِاخْتِلَافِ فِي أَنَّهُمْ مُتَعَبَّدُونَ بِالشَّرِيعَةِ، فَعَلَى
الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ يُكْرَهُ مُعَاوَنَتُهُمْ عَلَى
(7/540)
الْعِصْيَانِ وَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ عَلَى
الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَاصٍ فِي ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْإِيمَانِ،
وَعَلَى هَذَا أَجَازَ فِي سَمَاعِ زُونَانَ أَنْ يَسِيرَ بِأُمِّهِ إلَى
الْكَنِيسَةِ.
(وَبِنَاءُ مَسْجِدٍ لِلْكِرَاءِ وَسُكْنَى فَوْقَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ:
لَا يَصْلُحُ لِأَحَدٍ أَنْ يَبْنِيَ مَسْجِدًا لِيُكْرِيَهُ مِمَّنْ
يُصَلِّي فِيهِ، وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَبْنِيَ الرَّجُلُ مَسْجِدًا
ثُمَّ يَبْنِيَ فَوْقَهُ بَيْتًا يَسْكُنُهُ بِأَهْلِهِ، يُرِيدُ
لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مَعَهُ صَارَ يَطَؤُهَا عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ
وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ آجَرَ بَيْتَهُ مِنْ قَوْمٍ يُصَلُّونَ
فِيهِ رَمَضَانَ لَمْ يُعْجِبْنِي ذَلِكَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا بَأْسَ
بِذَلِكَ. ابْنُ يُونُسَ: هَذَا صَوَابٌ.
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنَّمَا أَرَادَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ
يَدْفَعَ إلَيْهِمْ الْبَيْتَ وَقْتَ الصَّلَاةِ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ
إنَّمَا أَسْلَمَهُ إلَيْهِمْ فَذَلِكَ جَائِزٌ كَاَلَّذِي أَجَّرَ
أَرْضَهُ عَشْرَ سِنِينَ عَلَى أَنْ يَبْنِيَهَا مُكْتَرِيهَا مَسْجِدًا
أَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ.
(7/541)
(بِمَنْفَعَةٍ تَتَقَوَّمُ) . ابْنُ شَاسٍ:
الرُّكْنُ الثَّالِثُ مِنْ أَرْكَانِ الْإِجَارَةِ الْمَنْفَعَةُ، وَمِنْ
شُرُوطِهَا أَنْ تَكُونَ مُتَقَوِّمَةً، فَمَا لَا تَتَقَوَّمُ
مَنْفَعَتُهُ لَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: فَسَّرُوا
الْمُتَقَوِّمَةَ بِمَا لَهَا قِيمَةٌ وَهُوَ قَوْلُ الْغَزَالِيِّ، لَا
يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ تُفَّاحَةٍ لِلشَّمِّ، وَالطَّعَامِ لِتَزْيِينِ
الْحَانُوتِ فَإِنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ انْتَهَى.
وَقَدْ نَصَّ
(7/544)
ابْنُ يُونُسَ أَنَّ مَنْ قَالَ: ارْقَ
هَذَا الْجَبَلَ وَلَكَ كَذَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ.
(قُدِرَ عَلَى تَسْلِيمِهَا) . ابْنُ شَاسٍ: مِنْ شُرُوطِ الْمَنْفَعَةِ
أَنْ تَكُونَ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهَا حِسًّا وَشَرْعًا، فَيُمْنَعُ
اسْتِئْجَارُ الْأَخْرَسِ لِلتَّعْلِيمِ وَالْأَعْمَى لِلْخَطِّ
وَنَحْوِهِ، وَالِاسْتِئْجَارُ عَلَى قَطْعِ عُضْوٍ مُحْتَرَمٍ أَوْ
حَائِضٍ عَلَى كَنْسِ مَسْجِدٍ.
(بِلَا اسْتِيفَاءِ عَيْنٍ قَصْدًا) هَكَذَا عَبَّرَ ابْنُ شَاسٍ قَائِلًا:
لَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ الْأَشْجَارِ لِثِمَارِهَا، وَالشَّاةِ
لِنِتَاجِهَا وَلَبَنِهَا وَصُوفِهَا؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ عَيْنٍ قَبْلَ
الْوُجُودِ.
قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا وَاضِحٌ حُكْمُهُ مِنْ الْبِيَاعَاتِ،
وَتَبِعَ فِيهِ ابْنُ شَاسٍ الْغَزَالِيَّ. وَلَوْ رَسَمَ الْمَنْفَعَةَ
بِأَنَّ شَرْطَهَا إمْكَانُ اسْتِيفَائِهَا دُونَ إذْهَابِ عَيْنِ مَا
احْتَاجَ إلَى ذِكْرِ هَذَا. ابْنُ رُشْدٍ: وَيَجُوزُ شِرَاءُ لَبَنِ
غَنَمٍ مُعَيَّنَةٍ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ إذَا عُرِفَ وَجْهُ حِلَابِهَا
بِخِلَافِ ثَمَرَةِ الْمَقْثَأَةِ، وَيُكْرَهُ بَيْعُ شَاةٍ أَوْ شَاتَيْنِ
وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُعَارَضُ هَذَا بِإِجَازَتِهِ فِي
الْمُدَوَّنَةِ أَنْ يَكْتَرِيَ الْبَقَرَةَ وَيَشْتَرِطَ حِلَابَهَا؛
لِأَنَّ الْعُذْرَ خَفَّ بِمَا انْضَافَ إلَيْهَا مِنْ الْكِرَاءِ كَمَا
خَفَّ فِي الْغَنَمِ إذَا كَثُرَتْ.
(وَلَا حَظْرَ) . ابْنُ عَرَفَةَ: تَبِعَ ابْنُ شَاسٍ الْغَزَالِيَّ فِي
قَوْلِهِ الْغَرَرُ الشَّرْعِيُّ كَالْحِسِّ فِي الْإِبْطَالِ لَوْ
اسْتَأْجَرَ عَلَى قَلْعِ سِنٍّ صَحِيحَةٍ أَوْ قَطْعِ يَدٍ صَحِيحَةٍ لَمْ
يَجُزْ، وَلَوْ كَانَتْ الْيَدُ مُتَآكِلَةً وَالسِّنُّ مُتَوَجِّعَةً
جَازَتْ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ: مَنْ ذَهَبَ بَعْضُ كَفِّهِ فَخَافَ
عَلَى بَاقِي يَدِهِ لَا بَأْسَ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ مِنْ الْمَفْصِلِ إنْ
لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ الْمَوْتُ. ابْنُ رُشْدٍ: إنْ كَانَ خَوْفُ الْمَوْتِ
مِنْ بَقَاءِ يَدِهِ كَذَلِكَ أَشَدَّ مِنْ خَوْفِ الْمَوْتِ بِقَطْعِهِ
فَلَهُ الْقَطْعُ. وَمِنْ الْإِكْمَالِ يَأْتِي عَلَى مَا ذَكَرَهُ
الطَّبَرَانِيُّ أَنَّ مَنْ خُلِقَ بِأُصْبُعٍ زَائِدَةٍ أَوْ عُضْوٍ
زَائِدَةٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ قَطْعُهُ وَلَا نَزْعُهُ عَنْهُ؛
لِأَنَّهُ مِنْ تَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا
الزَّائِدُ مِمَّا يُؤْذِيهِ مِنْ أُصْبُعٍ أَوْ ضِرْسٍ وَيُؤْلِمُهُ،
فَلَا بَأْسَ عَلَى كُلِّ
(7/545)
حَالٍ بِنَزْعِهِ عِنْدَ هَذَا وَغَيْرِهِ
وَتَعَيَّنَ. ابْنُ يُونُسَ: لَا جُعْلَ لِمَنْ وَجَدَ ضَالَّةً وَأَتَى
بِهَا إذْ لَا جُعْلَ فِي أَدَاءِ الْأَمَانَاتِ إلَى رَبِّهَا.
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْجُعْلُ لَا يَجُوزُ فِيمَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ
أَنْ يَفْعَلَهُ إنَّمَا يَجُوزُ فِيمَا لَا يَلْزَمُهُ فِعْلُهُ.
قَالَ مَالِكٌ: لَوْ قَالَ دُلَّنِي عَلَى امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا وَلَكَ
كَذَا فَلَا شَيْءَ لَهُ. ابْنُ رُشْدٍ: مَعْنَاهُ أَشِرْ عَلَيَّ
وَانْصَحْ لِي فِي ذَلِكَ، وَهَذَا لَوْ سَأَلَهُ إيَّاهُ دُونَ جُعْلٍ
لَلَزِمَهُ أَنْ يَفْعَلَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» .
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: دُلَّنِي
عَلَى مَنْ أَبْتَاعُ مِنْهُ أَوْ يَبْتَاعُ مِنِّي وَلَكَ كَذَا وَكَذَا
فَذَلِكَ جَائِزٌ لَازِمٌ لَهُمَا.
قَالَ أَصْبَغُ: لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا بَيْعَ فِيهِ. وَمِنْ سَمَاعِ
عِيسَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ: وَقَالَ
(7/546)
ابْنُ شَاسٍ: مِنْ شَرْطِ الْمَنْفَعَةِ
أَنْ تَكُونَ حَاصِلَةً لِلْمُسْتَأْجِرِ فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ
عَلَى الْعِبَادَاتِ الَّتِي لَا تُجْزِئُ النِّيَابَةُ فِيهَا
كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَنَحْوِهِمَا.
(وَلَوْ مُصْحَفًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: تَجُوزُ
إجَارَةُ الْمُصْحَفِ لِمَنْ يَقْرَأُ فِيهِ لِجَوَازِ بَيْعِهِ
وَأَجَازَهُ مَالِكٌ، وَمَنَعَ ابْنُ حَبِيبٍ إجَارَتَهُ.
(وَأَرْضًا غَمَرَ مَاؤُهَا وَنَدَرَ انْكِشَافُهُ) . ابْنُ الْحَاجِبِ:
لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ وَمَاؤُهَا غَامِرٌ
وَانْكِشَافُهُ نَادِرٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ
وَالْمَوَّازِيَّةِ جَوَازُهُ وَإِنَّمَا مَنَعَهُ الْغَيْرُ. وَعِبَارَةُ
الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَكْرَى أَرْضَهُ الْغَرِقَةَ بِكَذَا إنْ انْكَشَفَ
مَاؤُهَا وَإِلَّا فَلَا كِرَاءَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ يَخَافُ أَنْ لَا
يَنْكَشِفَ عَنْهَا جَازَ إنْ لَمْ يَنْقُدْ، وَلَا يَجُوزُ النَّقْدُ
إلَّا أَنْ يُوقِنَ بِانْكِشَافِهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: إنْ خِيفَ أَنْ لَا
يَنْكَشِفَ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ لَمْ يَنْقُدْ.
(وَشَجَرًا لِتَجْفِيفِ الثِّيَابِ عَلَيْهَا عَلَى الْأَحْسَنِ) . ابْنُ
عَرَفَةَ: تَبِعَ ابْنُ الْحَاجِبِ ابْنَ شَاسٍ فِي قَوْلِهِ فِي إجَارَةِ
الْأَشْجَارِ لِتَجْفِيفِ الثِّيَابِ قَوْلَانِ، وَلَا أَعْرِفُ الْمَنْعَ
وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ الْجَوَازُ كَإِجَارَةِ مَصَبِّ مِرْحَاضٍ
وَحَائِطٍ لِحَمْلِ خَشَبٍ (لَا لِأَخْذِ ثَمَرَتِهِ أَوْ شَاةٍ
لِلَبَنِهَا) تَقَدَّمَ هَذَا كُلُّهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: " بِلَا
اسْتِيفَاءِ عَيْنٍ ".
(7/547)
(وَاغْتُفِرَ مَا فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ
يَزِدْ عَلَى الثُّلُثِ بِالتَّقْوِيمِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ
الْقَاسِمِ: وَمَنْ اكْتَرَى دَارًا أَوْ أَرْضًا فِيهَا سِدْرَةٌ أَوْ
دَالِيَةٌ أَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ نَبْتٌ مِنْ نَخْلٍ أَوْ شَجَرٍ وَلَا
ثَمَرَةَ فِيهَا حِينَئِذٍ أَوْ فِيهَا ثَمَرَةٌ لَمْ تَزْهُ،
فَالثَّمَرَةُ لِلْمُكْرِي إلَّا أَنَّهُ إنْ اشْتَرَطَ الْمُكْتَرِي
ثَمَرَةَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَتْ تَبَعًا مِثْلَ الثُّلُثِ فَأَقَلَّ
فَذَلِكَ جَائِزٌ. وَمَعْرِفَةُ ذَلِكَ أَنْ يُقَوَّمَ كِرَاءُ الْأَرْضِ
أَوْ الدَّارِ بِغَيْرِ شَرْطِ الثَّمَرَةِ؛ فَإِنْ قِيلَ عَشَرَةٌ قِيلَ:
مَا قِيمَةُ الثَّمَرَةِ فِيمَا عُرِفَ مِمَّا تُطْعِمُ كُلَّ عَامٍ بَعْدَ
طَرْحِ قِيمَةِ الْمُؤْنَةِ وَالْعَمَلِ؟ فَيُعْلَمُ الْوَسَطُ مِنْ
ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ خَمْسَةٌ فَأَقَلَّ جَازَ.
قَالَ أَصْبَغُ: وَهَذَا إذَا عُلِمَ أَنَّ الثَّمَرَةَ تَطِيبُ قَبْلَ
مُدَّةِ الْكِرَاءِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْقِدَاهُ. ابْنُ يُونُسَ:
إنَّمَا أُجِيزَ لِلضَّرَرِ الَّذِي يَدْخُلُ عَلَى الْمُكْتَرِي فِي
دُخُولِ رَبِّ الدَّارِ لِإِصْلَاحِ الثَّمَرَةِ وَجِدَادِهَا كَمَا
أُجِيزَ شِرَاءُ الْعَرِيَّةِ بِخَرْصِهَا تَمْرًا انْتَهَى. اُنْظُرْ
قَوْلَ ابْنِ يُونُسَ لِلضَّرَرِ بِالدُّخُولِ عَلَى الْمُكْتَرِي، هَلْ
يَجُوزُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ بَعْضَ الشَّجَرِ؟ أَجَازَهُ ابْنُ أَبِي
زَمَنِينَ وَمَنَعَهُ ابْنُ الْعَطَّارِ.
وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: أَجَازَ ذَلِكَ أَشْهَبُ وَمَنَعَهُ ابْنُ
الْقَاسِمِ. وَإِذَا كَانَ الْكِرَاءُ سِنِينَ وَاشْتُرِطَتْ الثَّمَرَةُ
وَانْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَبِالشَّجَرِ ثَمَرٌ لَمْ يَزْهُ فَهُوَ
لِلْمُكْتَرِي.
(وَلَا تَعْلِيمِ غِنَاءٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: أَكْرَهُ
الْإِجَارَةَ عَلَى تَعْلِيمِ
(7/548)
النَّوْحِ وَأَنَّهُ نَوْحُ الصُّوفِيَّةِ.
(أَوْ دُخُولِ حَائِضٍ لِمَسْجِدٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ شَاسٍ: بِمَنْعِ
اسْتِئْجَارِ حَائِضٍ لِكَنْسِ مَسْجِدٍ (أَوْ دَارٍ لِتُتَّخَذَ كَنِيسَةً
كَبَيْعِهَا لِذَلِكَ وَتَصَدَّقَ بِالْكِرَاءِ وَبِفَضْلَةِ الثَّمَنِ
عَلَى الْأَرْجَحِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُعْجِبُنِي
أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ دَارِهِ أَوْ يُكْرِيَهَا مِمَّنْ يَتَّخِذُهَا
كَنِيسَةً. ابْنُ يُونُسَ: فَإِنْ نَزَلَ ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُ
شُيُوخِنَا: يَتَصَدَّق بِالثَّمَنِ وَبِالْكِرَاءِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَتَصَدَّقُ بِفَضْلَةِ الثَّمَنِ وَبِفَضْلَةِ
الْكِرَاءِ؛ تُقَوَّمُ الدَّارَانِ لَوْ بِيعَتْ أَوْ أُكْرِيَتْ عَلَى
أَنْ تُتَّخَذَ كَنِيسَةً، وَتُقَوَّمُ أَنْ لَوْ بِيعَتْ أَوْ أُكْرِيَتْ
عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْوَجْهِ فَيُعْلَمُ الزَّائِدُ، فَإِنْ كَانَتْ
مِثْلَ الْكِرَاءِ أَوْ رُبُعَهُ تَصَدَّقَ بِمِثْلِ ذَلِكَ الْجُزْءِ مِنْ
الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ الْفَضْلَ هُوَ ثَمَنُ مَا لَا يَحِلُّ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَمَّا فِي الْبَيْعِ فَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ كَمَا
ذَكَرْنَا، وَأَمَّا فِي الْكِرَاءِ فَيَتَصَدَّقُ بِالْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُ
أَجَّرَ دَارِهِ لِمَا لَا يَحِلُّ كَمَنْ أَكْرَى دَارِهِ لِبَيْعِ
الْخَمْرِ أَوْ دَابَّتَهُ لِحَمْلِ الْخَمْرِ. ابْنُ يُونُسَ: وَبِهَذَا
أَقُولُ.
(وَلَا مُتَعَيِّنٍ كَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ) قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا
عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَلَا تَتَعَيَّنُ ".
وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ عَلَى عِبَادَةٍ
مُعَيَّنَةٍ عَلَيْهِ كَالصَّلَاةِ وَتَقَدَّمَ الْحَجُّ بِخِلَافِ غُسْلِ
الْمَيِّتِ وَحَمْلِ الْجِنَازَةِ وَحَفْرِ الْقَبْرِ وَفِي الْإِمَامَةِ
ثَلَاثَةٌ.
(وَعُيِّنَ مُتَعَلِّمٌ وَرَضِيعٌ) . ابْنُ الْحَاجِبِ: يَجِبُ تَعْيِينُ
الرَّضِيعِ وَالْمُتَعَلِّمِ بِخِلَافِ غَنَمٍ وَنَحْوِهَا.
وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: تَجُوزُ إجَارَةُ الظِّئْرِ إذَا كَانَ الصَّبِيُّ
حَاضِرًا يُرَى، فَلَوْ كَانَ غَائِبًا لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ
سِنَّهُ. وَإِنْ جُرِّبَ رَضَاعُهُ لِيُعْلَمَ قُوَّةُ رَضَاعِهِ مِنْ
ضَعْفِهِ كَانَ أَحْسَنَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلَا جَازَ؛ لِأَنَّ الرَّضَاعَ
مُتَقَارِبٌ، وَلَا يَجُوزُ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ إلَّا بَعْدَ
مَعْرِفَةِ رَضَاعِهِ لِأَنَّهُ يَقُولُ فِي الظِّئْرِ تُسْتَأْجَرُ
لِرَضَاعِ صَبِيَّيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا فَتُفْسَخُ الْإِجَارَةُ
لِاخْتِلَافِ الرَّضَاعِ؛ لِأَنَّهَا إنْ آجَرَتْ نَفْسَهَا لِتُرْضِعَ
آخَرَ مَكَانَ الْمَيِّتِ لَمْ يُدْرَ هَلْ رَضَاعُهُ مِثْلُ
(7/549)
الْمَيِّتِ أَمْ لَا.
(وَدَارٌ وَحَانُوتٌ وَبِنَاءٌ عَلَى جِدَارٍ) . ابْنُ الْحَاجِبِ:
تَعَيَّنَ الْحَانُوتُ وَالدَّارُ وَالْحَمَّامُ وَشِبْهُهُ وَلَا يَلْزَمُ
تَعْرِيفُ قَدْرِ الْبِنَاءِ وَصِفَتِهِ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ عَلَى
الْجِدَارِ.
(وَمَحْمِلٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَكْرَى مَحْمِلًا لِمَكَّةَ
وَلَمْ يَذْكُرْ وِطَاءَهُ أَوْ زَامِلَتَهُ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ مَا
يَحْمِلُ مِنْ أَرْطَالٍ جَازَ وَحُمِلَ عَلَى فِعْلِ النَّاسِ فِيهِمَا؛
لِأَنَّ الزَّوَامِلَ عُرِفَتْ عِنْدَهُمْ.
وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: يُعَيَّنُ الْمَحْمِلُ أَوْ يُوصَفُ.
(إنْ لَمْ يُوصَفْ) تَقَدَّمَ قَوْلُ اللَّخْمِيِّ فِي الرَّضِيعِ إلَّا
أَنْ يُذْكَرَ سِنُّهُ. وَقَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ: لَهُ أَنْ يُكْرِيَ
دَارًا بِإِفْرِيقِيَةَ وَهُوَ بِمِصْرَ كَالْبَيْعِ، وَقَوْلُ ابْنِ
الْحَاجِبِ يُعَيَّنُ الْمَحْمِلُ أَوْ يُوصَفُ.
(وَدَابَّةٌ لِرُكُوبٍ وَإِنْ ضُمِنَتْ فَجِنْسٌ وَنَوْعٌ وَذُكُورَةٌ)
مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: كِرَاءُ الدَّوَابِّ عَلَى وَجْهَيْنِ: دَابَّةٌ
بِعَيْنِهَا أَوْ مَضْمُونَةٌ.
وَفِي الْمَعُونَةِ الْمَرْكُوبُ الْمُعَيَّنُ لَا بُدَّ أَنْ يُعْرَفَ
بِتَعْيِينٍ بِإِشَارَةٍ إلَيْهِ كَهَذِهِ الدَّابَّةِ أَوْ النَّاقَةِ.
ابْنُ عَرَفَةَ: لِيُحِيطَ بِهَا الْمُكْتَرِي كَالْمُشْتَرِي. قَالَ:
وَالْمَضْمُونَةُ يُذْكَرُ جِنْسُهَا وَنَوْعُهَا وَالذُّكُورَةُ
وَالْأُنُوثَةُ. وَتَبِعَهُ ابْنُ شَاسٍ وَالْمُتَيْطِيُّ. زَادَ ابْنُ
الْحَاجِبِ: لَا بِتَعْيِينِ الرَّاكِبِ وَإِنْ عُيِّنَ لَمْ يَلْزَمْ
تَعْيِينُهُ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: كِرَاءُ الرَّوَاحِلِ وَالدَّوَابِّ عَلَى وَجْهَيْنِ:
مُعَيَّنًا وَمَضْمُونًا، فَأَمَّا الْمُعَيَّنُ فَيَجُوزُ فِي النَّقْدِ
وَالْأَجَلِ إذَا شَرَعَ فِي الرُّكُوبِ أَوْ كَانَ إنَّمَا يَرْكَبُ
الْأَيَّامَ الْقَلَائِلَ الْعَشَرَةَ وَنَحْوَهَا قَالَهُ مَالِكٌ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُعْجِبُنِي إلَّا عَشَرَةُ أَيَّامٍ يُرِيدُ
إذَا نَقَدَ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ أَوْ الرَّاحِلَةُ
حَاضِرَةً، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ غَائِبَةً فَلَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ
النَّقْدِ؛ لِأَنَّ النَّقْدَ لَا يَصْلُحُ فِي شِرَاءِ الْغَائِبِ،
وَأَمَّا إنْ اكْتَرَى الرَّاحِلَةَ بِعَيْنِهَا عَلَى أَنْ لَا
يَرْكَبَهَا إلَّا ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَنَحْوَهَا فَلَا يَجُوزُ
الْكِرَاءُ بِالنَّقْدِ وَيَجُوزُ بِغَيْرِ النَّقْدِ. قَالَهُ فِي
الْمُدَوَّنَةِ. وَهَذَا الْكِرَاءُ الْمُعَيَّنُ يَنْفَسِخُ فِيهِ
الْكِرَاءُ بِمَوْتِ الرَّاحِلَةِ أَوْ الدَّابَّةِ، فَإِنْ مَاتَتْ فِي
بَعْضِ الطَّرِيقِ فَأَرَادَ أَنْ يُعْطِيَهُ دَابَّةً أُخْرَى بِعَيْنِهَا
يَبْلُغُ عَلَيْهَا إلَى مُنْتَهَى غَايَتِهِ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَنْقُدْ
جَازَ؛ لِأَنَّهُ كِرَاءٌ مُبْتَدَأٌ، وَإِنْ كَانَ قَدْ نَقَدَهُ لَمْ
يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ
(7/550)
فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ إلَّا أَنْ
يَكُونَ فِي مَفَازَةٍ فَيَجُوزُ لِلضَّرُورَةِ إلَّا عَلَى مَذْهَبِ
أَشْهَبَ فَيَجُوزُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْأَوَائِلِ عِنْدَهُ
كَقَبْضِ الْأَوَاخِرِ. عِيَاضٌ: الرَّاحِلَةُ هِيَ النَّاقَةُ
الْمُعَدَّةُ لِلرُّكُوبِ الْمُذَلَّلَةُ لَهُ وَتُسْتَعْمَلُ فِي ذُكُورِ
الْإِبِلِ وَإِنَاثِهَا، وَأَصْلُهَا مِنْ الرَّحْلِ الْمَوْضُوعِ
عَلَيْهَا وَهِيَ الرَّاحِلَةُ أَيْضًا وَهُوَ مَرْكَبُ يُشَدُّ
لِلْبِغَالِ، وَيُسَمَّى السَّرْجُ أَيْضًا رَحْلًا تَشْبِيهًا بِهِ. ابْنُ
رُشْدٍ: وَأَمَّا كِرَاءُ الدَّابَّةِ الْمَضْمُونَةِ أَوْ الرَّاحِلَةِ
الْمَضْمُونَةِ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ: أُكْرِيَ مِنْكَ دَابَّةً أَوْ
رَاحِلَةً فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَيْضًا بِالنَّقْدِ وَإِلَى أَجَلٍ إذَا
شَرَعَ فِي الرُّكُوبِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَشْرَعْ فِي الرُّكُوبِ
وَإِنَّمَا تَكَارَى كِرَاءً مَضْمُونًا إلَى أَجَلٍ كَالْمُكْتَرِي إلَى
الْحَجِّ فِي غَيْرِ إبَّانِهِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِتَعْجِيلِ رَأْسِ
الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ كَالسَّلَمِ إلَّا أَنَّ مَالِكًا خَفَّفَ أَنْ
يَغْرَمَ الدَّلِيلُ؛ لِأَنَّ الْأَكْرِيَاءَ أَقْطَعُوا بِالنَّاسِ وَقَدْ
تَقَدَّمَ هَذَا.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا يَنْفَسِخُ الْكِرَاءُ بِمَوْتِ الدَّابَّةِ فِي
الْكِرَاءِ الْمَضْمُونِ إلَّا أَنَّ الْكَرِيَّ إذَا قَدَّمَ
لِلْمُكْتَرِي دَابَّةً فَرَكِبَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزِيلَهَا مِنْ
تَحْتِهِ إلَّا بِرِضَاهُ.
(وَلَيْسَ لِرَاعٍ رَعْيُ الْأُخْرَى إنْ لَمْ يَقُولَا بِمُشَارِكٍ، أَوْ
نَقَدَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ خِلَافَهُ وَإِلَّا فَأَجْرُهُ لِمُسْتَأْجِرٍ
كَأَجِيرٍ لِخِدْمَةٍ آجَرَ نَفْسَهُ) اُنْظُرْ هَذَا الْإِطْلَاقَ مِنْ
الْمُدَوَّنَةِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى رِعَايَةِ غَنَمٍ
كَثِيرَةٍ لَا يَقْوَى عَلَى أَكْثَرَ مِنْهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْعَى
مَعَهَا غَيْرَهَا إلَّا أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ رَاعٍ يَقْوَى بِهِ، وَإِنْ
(7/551)
كَانَتْ غَنَمًا يَسِيرَةً فَذَلِكَ لَهُ
إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ رَبُّهَا أَنْ لَا يَرْعَى مَعَهَا
غَيْرَهَا، فَإِنْ رَعَى الرَّاعِي مَعَهَا غَيْرَهَا بَعْدَ هَذَا
الشَّرْطِ فَالْأَجْرُ لِرَبِّ الْأُولَى. وَكَذَلِكَ أَجِيرُكَ لِخِدْمَةٍ
يُؤَاجِرُ نَفْسَهُ لِغَيْرِكَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ فَلَكَ أَخْذُ
الْأَجْرِ أَوْ تَرْكُهُ وَإِسْقَاطُ حِصَّةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ
الْأَجْرِ عَنْكَ. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا فِيمَا يُشَابِهُ بِمَا
آجَرْتَهُ بِهِ أَوْ يُقَارِبُهُ، وَأَمَّا أَنْ تُؤَاجِرَهُ فِي
الرِّعَايَةِ شَهْرًا بِدِينَارٍ فَيَذْهَبُ يُؤَاجِرُ نَفْسَهُ فِي
الْحَصَادِ، أَوْ تُؤَاجِرُهُ يَخْدُمُكَ فِي الْغَزْوِ فَيَذْهَبُ
يُقَاتِلُ فَيَقَعُ فِي سُهْمَانِهِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ، فَهَذَا
وَشِبْهُهُ لَا يَكُونُ لَكَ إلَّا إسْقَاطُ حِصَّةِ مَا عَطَّلَ مِنْ
عَمَلِكَ مِنْ الْأَجْرِ.
(وَلَمْ يَلْزَمْهُ رَعْيُ الْوَلَدِ إلَّا لِعُرْفٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَى رِعَايَةِ غَنَمٍ
بِأَعْيَانِهَا وَشَرَطَ رَبُّهَا أَنَّ مَا مَاتَ مِنْهَا أَخْلَفَهُ
فَتَوَالَدَتْ الْغَنَمُ حُمِلَا فِي رِعَايَةِ الْوَلَدِ عَلَى عُرْفِ
النَّاسِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ سُنَّةٌ لَمْ يَلْزَمْهُ رِعَايَتُهَا.
(وَعُمِلَ بِهِ فِي الْخَيْطِ) . ابْنُ شَاسٍ: مَنْ اسْتَأْجَرَ
الْخَيَّاطَ لَا يُوجَبُ عَلَيْهِ الْخَيْطُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعُرْفُ
خِلَافَهُ. ابْنُ عَرَفَةَ: كَقَوْلِهِ فِي آلَةِ الْبِنَاءِ وَعَرَفْنَا
فِي الْأَجِيرِ أَنْ لَا خَيْطَ عَلَيْهِ وَفِي الصَّانِعِ الْخَيْطُ
عَلَيْهِ.
(وَنَقْشِ الرَّحَا) ابْنُ عَرَفَةَ: حَفِيُّ الرَّحَا يُوجِبُ نَقْشَهَا.
ابْنُ الْعَطَّارِ: وَهُوَ عَلَى مَنْ هُوَ عَلَيْهِ عُرْفًا فَإِنْ عُدِمَ
الْعُرْفُ فَعَلَى رَبِّهَا. ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ أَبِي زَمَنِينَ:
عُرْفُنَا عَلَى الْمُكْتَرِي.
(وَآلَةِ بِنَاءٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ
آجَرْتَهُ عَلَى بِنَاءِ دَارٍ فَالْأَدَاةُ وَالْفُؤُوسُ وَالْقِفَافُ
وَالْمَاءُ وَالدِّلَاءُ عَلَى مَا تَعَارَفَ النَّاسُ أَنَّهَا عَلَيْهِ،
وَكَذَلِكَ حَثَيَانُ التُّرَابِ عَلَى حَافَّةِ الْقَبْرِ وَنَقْشُ
الرَّحَا وَشِبْهُهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ سُنَّةٌ فَآلَةُ
الْبِنَاءِ عَلَى رَبِّ الدَّارِ وَنَقْشُ الرَّحَا عَلَى رَبِّهِ
(وَإِلَّا فَعَلَى رَبِّهِ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ بَشِيرٍ فِي الْخَيْطِ،
وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ فِي آلَةِ الْبِنَاءِ وَنَقْشُ الرَّحَا.
(عَكْسُ إكَافٍ وَشِبْهِهِ) ابْنُ بَشِيرٍ: عَلَى رَبِّ الدَّابَّةِ
تَسْلِيمُ مَا الْعَادَةُ تَسْلِيمُهُ مَعَهَا مِنْ إكَافٍ وَبَرْذَعَةٍ
وَحِزَامٍ وَسَرْجٍ فِي الْفَرَسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مُعْتَادٍ؛ لِأَنَّ
الْعُرْفَ كَالشَّرْطِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي إعَانَةِ الرَّاكِبِ فِي
النُّزُولِ وَالرُّكُوبِ فِي الْمُهِمَّاتِ الْمُكَرَّرَةِ وَكَذَا رَفْعُ
الْحَمْلِ.
(وَفِي السَّيْرِ وَالْمَنَازِلِ) ابْنُ شَاسٍ: كَيْفِيَّةُ السَّيْرِ
وَتَفْصِيلُهُ وَقَدْرُ الْمَنَازِلِ وَمَحَلُّ النُّزُولِ فِي مَعْمُورٍ
أَوْ صَحْرَاءَ مُعْتَبَرٌ بِالْعُرْفِ.
(وَالْمَعَالِيقِ) ابْنُ شَاسٍ: يَصِفُ الْمَحْمِلَ بِالسَّعَةِ وَالضِّيقِ
وَيَعْرِفُ تَفَاصِيلَ الْمَعَالِيقِ، فَإِنْ
(7/552)
أُطْلِقَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَكَانَ
مَعْلُومًا فِي الْعَادَةِ صَحَّ الْعَقْدُ.
(وَالزَّامِلَةِ وَوِطَائِهِ بِمَحْمِلٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَكْرَى
مَحْمِلًا لِمَكَّةَ وَلَمْ يَذْكُرْ وِطَاءً أَوْ زَامِلَةً إنْ لَمْ
يَذْكُرْ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا مِنْ أَرْطَالٍ جَازَ، وَحُمِلَا عَلَى
فِعْلِ النَّاسِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الزَّوَامِلَ عُرِفَتْ عِنْدَهُمْ
وَعَلَيْهِ أَنْ يَحْمِلَ لَهُ الْمَعَالِيقَ وَكُلَّمَا عَرَفَهُ النَّاسُ
مِنْ الْكِرَاءِ لَازِمُ لِلْمُكْرِي. عِيَاضٌ: الزَّامِلَةُ مَا عُمِلَ
فِي مِثْلِ الْأَخْرَاجِ وَشِبْهِهَا وَتُشَدُّ عَلَى الدَّوَابِّ وَنَحْوٌ
مِنْهَا الرَّاحِلَةُ.
(وَبُدِّلَ الطَّعَامُ الْمَحْمُولُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ انْتَقَصَتْ
زَامِلَةُ الْحَاجِّ أَوْ نَفِدَتْ فَأَرَادَ تَمَامَهَا وَأَبَى
الْحَمَّالُ حُمِلَا عَلَى عُرْفِ النَّاسِ.
(أَوْ تَوْفِيرِهِ) سَحْنُونَ: مَنْ اكْتَرَى دَابَّةً عَلَى حِمْلٍ فِيهِ
خَمْسُمِائَةِ رِطْلٍ فَأَصَابَهُ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ مَطَرٌ فَزَادَ
وَزْنُهُ فَامْتَنَعَ الْحَمَّالُ مِنْ حَمْلِ الزِّيَادَةِ وَقَالَ
رَبُّهُ هُوَ الْمَتَاعُ بِعَيْنِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْحَمَّالِ حَمْلُ
الزِّيَادَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: مُقْتَضَى قَوْلِهَا بِلُزُومِ حَمْلِ
وَلَدِ الْمَرْأَةِ مَعَهَا حَمْلُ زِيَادَةِ الْبَلَلِ، وَظَاهِرُ قَوْلِ
سَحْنُونٍ سَوَاءٌ كَانَ عُرْفٌ أَمْ لَا، وَمُقْتَضَى قَوْلِهَا فِي
زَامِلَةِ الْحَاجِّ اعْتِبَارُ الْعُرْفِ.
(كَنَزْعِ الطَّيْلَسَانِ قَائِلَةً) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ اسْتَأْجَرَ
ثَوْبًا لِلُّبْسِ نَزَعَهُ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي الْعَادَةُ نَزْعُهُ
فِيهَا كَاللَّيْلِ وَالْقَائِلَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا هُوَ الصَّوَابُ
كَقَوْلِهَا مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِلْخِدْمَةِ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى
عُرْفِ النَّاسِ مِنْ خِدْمَةِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ.
(وَهُوَ أَمِينٌ فَلَا ضَمَانَ) ابْنُ يُونُسَ: الْقَضَاءُ أَنَّ
الْأَكْرِيَاءَ وَالْأُجَرَاءَ فِيمَا أُسْلِمَ إلَيْهِمْ كَالْأُمَنَاءِ
عَلَيْهِ لَا يَضْمَنُونَهُ إلَّا الصُّنَّاعُ وَالْأَكْرِيَاءُ عَلَى
حَمْلِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْإِدَامِ خَاصَّةً إذْ لَا غِنَى
عَنْهُ، فَضَمِنَا
لِصَلَاحِ
الْعَامِلَةِ كَالصُّنَّاعِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِهَلَاكِهِ
بِغَيْرِ سَبَبِهِمْ أَوْ يَكُونُ مَعَهُمْ أَرْبَابُهُ لَمْ يُسَلِّمُوهُ
إلَيْهِمْ فَلَا يَضْمَنُوا، وَسَوَاءٌ حَمَلُوهُ عَلَى سَفِينَةٍ أَوْ
دَابَّةٍ أَوْ
(7/553)
رَحْلٍ.
قَالَ الْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ مِنْ فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ: وَإِنْ
اشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ ضَمَانَ الْعُرُوضِ لَمْ يَلْزَمْ إلَّا أَنْ
يُخَالِفُوا فِي شَرْطٍ يَجُوزُ. وَمِنْ الِاسْتِغْنَاءِ: الْمُكْتَرِي
مُصَدَّقٌ فِيمَا ادَّعَى إبَاقَهُ مِنْ الْعَبِيدِ وَتَلَفَهُ مِنْ
الدَّوَابِّ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً إلَى
مَوْضِعٍ فَضَيَّعَ فَذَهَبَتْ ضَمِنَهَا فَإِنْ وَجَدَهَا وَقَدْ زَادَتْ
أَوْ نَقَصَتْ أَوْ كَانَتْ عَلَى حَالِهَا فَهِيَ لَهُ بِمَا غَرِمَ
فِيهَا، وَلَوْ لَمْ يُضَيِّعْهَا فَذَهَبَتْ لَمْ يَضْمَنْ.
(وَلَوْ شَرَطَ إثْبَاتَهُ) . ابْنُ الْمَوَّازِ: إذَا شَرَطَ
الْحَامِلُونَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ فِي الطَّعَامِ أَوْ أَنَّ
عَلَيْهِمْ ضَمَانَ الْعُرُوضِ، وَمَا لَا يُضْمَنُ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ
وَالْعَقْدُ فَاسِدٌ.
(إنْ لَمْ يَأْتِ بِسِمَةِ الْمَيِّتِ) لَوْ قَالَ " وَلَوْ لَمْ يَأْتِ "
لَكَانَ أَوْلَى. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا ضَمَانَ عَلَى
الرُّعَاةِ إلَّا فِيمَا تَعَدَّوْا فِيهِ أَوْ فَرَّطُوا فِي جَمِيعِ مَا
رَعَوْا مِنْ الْغَنَمِ وَالدَّوَابِّ وَلِأُنَاسٍ شَتَّى أَوْ لِرَجُلٍ
وَاحِدٍ، وَإِذَا اُشْتُرِطَ عَلَى الرَّاعِي الضَّمَانُ فَسَدَتْ
الْإِجَارَةُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا هَلَكَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَطُوا عَلَى أَنَّهُ إنْ
لَمْ يَأْتِ بِسِمَةِ مَا مَاتَ مِنْهَا ضَمِنَ فَلَا يَضْمَنُ وَإِنْ لَمْ
يَأْتِ بِهَا.
(أَوْ عَثَرَ بِدُهْنٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ آنِيَةٍ فَانْكَسَرَتْ وَلَمْ
يَتَعَدَّ أَوْ انْقَطَعَ الْحَبْلُ وَلَمْ يَغُرَّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا قَالَ الْمُكْرِي فِي كُلِّ عَرَضٍ إنَّهُ
هَلَكَ أَوْ سُرِقَ أَوْ عَثَرَتْ الدَّابَّةُ فَانْكَسَرَتْ الْقَوَارِيرُ
فَذَهَبَ الدُّهْنُ صُدِّقَ إلَّا أَنْ يُسْتَدَلَّ عَلَى كَذِبِهِ وَلَا
يُصَدَّقُ فِي الطَّعَامِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ اسْتَأْجَرْتَهُ يَحْمِلُ لَكَ عَلَى دَوَابِّهِ
دُهْنًا أَوْ طَعَامًا إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَعَثَرَتْ الدَّابَّةُ
فَسَقَطَتْ فَانْكَسَرَتْ الْقَوَارِيرُ فَذَهَبَ الدُّهْنُ أَوْ هَلَكَ
الطَّعَامُ أَوْ انْقَطَعَتْ الْحِبَالُ فَسَقَطَ الْمَتَاعُ فَفَسَدَ،
لَمْ يَضْمَنْ الْمُكْرِي قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا إلَّا أَنْ يَغُرَّ مِنْ
عِثَارٍ أَوْ ضَعْفِ الْأَحْبَالِ عَنْ حَمْلِ ذَلِكَ فَيَضْمَنُ
حِينَئِذٍ. اللَّخْمِيِّ: إنْ تَبَيَّنَ كَذِبُهُ أَوْ ذَكَرَ أَنَّ
ذَهَابَهُ كَانَ عَلَى صِفَةٍ أَتَى فِيهَا بِمَا لَا يُشْبِهُ ضَمِنَ.
(بِفِعْلٍ) ابْنُ عَرَفَةَ: مَا تَلِفَ بِسَبَبِ عَيْبٍ دَلَّسَهُ
الْمُكْرِي ضَمِنَ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ
(7/554)
اكْتَرَى دَابَّةً أَوْ ثَوْرًا لِلطَّحْنِ
فَرَبَطَهُ فِي الْمِطْحَنَةِ فَكَسَرَهَا أَوْ أَفْسَدَ آلَتَهَا لَمْ
يَضْمَنْ ذَلِكَ مُكْرِيهَا إلَّا أَنْ يَغُرَّ وَهُوَ يَعْلَمُ ذَلِكَ
مِنْهَا لِقَوْلِ مَالِكٍ: مَنْ أَكْرَى دَابَّتَهُ عَالِمًا أَنَّهَا
عَثُورٌ وَلَمْ يُعْلِمْهُ ذَلِكَ فَعَثَرَتْ فَانْكَسَرَ مَا عَلَيْهَا
فَهُوَ ضَامِنٌ. ابْنُ عَرَفَةَ: أَخَذَ بَعْضُهُمْ مِنْ مَسْأَلَةِ كَسْرِ
الثَّوْرِ التَّضْمِينَ بِالْغُرُورِ بِالْقَوْلِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ
الْكِرَاءِ إنَّمَا هُوَ بِاللَّفْظِ يُرَدُّ بِأَنَّ إيجَابَهُ لُزُومَ
الْعَقْدِ يُصَيِّرُهُ كَالْفِعْلِ، فَالْقَوْلُ إنْ تَضَمَّنَ عَقْدًا
كَانَ غُرُورًا بِالْفِعْلِ لَا بِالْقَوْلِ.
(كَحَارِسٍ وَلَوْ حَمَّامِيًّا) . ابْنُ الْحَاجِبِ: أَجِيرُ الْحِرَاسَةِ
لَا يَضْمَنُ شَيْئًا. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ جَلَسَ
يَحْفَظُ ثِيَابَ مَنْ دَخَلَ الْحَمَّامَ فَضَاعَ مِنْهَا شَيْءٌ لَمْ
يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ. ابْنُ الْمَوَّازِ: قَالَ
مَالِكٌ: مَنْ اُسْتُؤْجِرَ يَحْرُسُ بَيْتًا فَنَامَ فَسُرِقَ مَا فِيهِ
لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ غَابَ عَلَيْهِ وَجَمِيعُ الْأَجْرِ لَهُ، وَكَذَلِكَ
حَارِسُ النَّخْلِ.
قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَا يَضْمَنُ جَمِيعُ الْحُرَّاسِ إلَّا أَنْ
يَتَعَدَّوْا إنْ كَانَ مَا يَحْرُسُونَهُ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ أَمْ
لَا، طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ. وَكَذَلِكَ مَنْ يُعْطَى مَتَاعًا
لِيَبِيعَهُ
(7/555)
فَيَضِيعُ أَوْ يَضِيعُ ثَمَنُهُ إلَّا
أَنَّ هَذَا الْأَجْرَ لَهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.
(وَأَجِيرٌ لِصَانِعٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: يَضْمَنُ الْقَصَّارُ مَا
أَفْسَدَهُ أَجِيرُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْأَجِيرِ.
وَفِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ فِي الْغَسَّالِ
يَكْثُرُ عَلَيْهِ الْمَتَاعُ فَيَسْتَأْجِرُ الْأُجَرَاءَ يَبْعَثُهُمْ
إلَى الْبَحْرِ بِالثِّيَابِ إنَّهُمْ ضَامِنُونَ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَيْسَ هَذَا بِخِلَافٍ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا
ضَمَانَ عَلَى أَجِيرِ الْقَصَّارِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا انْقَلَبُوا بِهَا
يَعْمَلُونَ وَغَابُوا عَلَيْهَا فَهُمْ كَالصُّنَّاعِ، سَوَاءٌ أُخِذَ
ذَلِكَ مِنْ التُّجَّارِ أَوْ مِنْ الصُّنَّاعِ مِثْلُهُمْ.
(وَسِمْسَارٍ إنْ ظَهَرَ خَيْرُهُ عَلَى الْأَظْهَرِ) تَقَدَّمَ أَنَّ مَنْ
يُعْطِي مَتَاعًا يَبِيعَهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَهَذَا وَاضِحٌ إنْ كَانَ لَمْ يُنَصِّبْ نَفْسَهُ
لِذَلِكَ، وَإِنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ كَالصَّانِعِ،
وَأَظُنُّ أَنِّي وَقَفْت عَلَى ذَلِكَ لِبَعْضِهِمْ فِي الْجَلِيسِ وَهُوَ
مَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ فِي حَانُوتِهِ لِشِرَاءِ الْأَمْتِعَةِ قَالَ
عِيَاضٌ: كَثِيرٌ مِنْ الْبِلَادِ يَنْتَصِبُونَ لِذَلِكَ. وَأَمَّا
مُسَمًّى السِّمْسَارِ فَفِي ضَمَانِهِ مَا دُفِعَ لَهُ لِيَبِيعَهُ وَمَا
طَلَبُهُ رَبُّهُ لِمُشْتَرٍ أَمَرَهُ بِشِرَائِهِ ثَالِثُهَا مَا لَمْ
يَكُنْ مَأْمُونًا. الْأَوَّلُ لِسَحْنُونٍ، وَالثَّانِي لِلْعُتْبِيَّةِ،
وَالثَّالِثُ هُوَ الَّذِي أَفْتَى بِهِ ابْنُ رُشْدٍ.
(وَنُوتِيٍّ غَرِقَتْ سَفِينَتُهُ بِفِعْلٍ سَائِغٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ:
إذَا غَرِقَتْ السَّفِينَةُ مِنْ أَمْرِ النَّوَاتِيَّةِ، فَإِنْ صَنَعُوا
مَا يَجُوزُ لَهُمْ مِنْ الْمَدِّ وَالْعَمَلِ فِيهَا لَمْ يَضْمَنُوا،
وَإِنْ تَعَدَّوْا فَأُغْرِقُوا فِي مَدٍّ أَوْ عِلَاجٍ ضَمِنُوا مَا
هَلَكَ فِيهِ مِنْ النَّاسِ وَالْحُمُولَةِ.
(7/556)
ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ فِي أَمْوَالِهِمْ.
وَقِيلَ إنَّ الدِّيَاتِ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ.
(لَا إنْ خَالَفَ مَرْعًى شُرِطَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ شُرِطَ
رَعْيُهُ فِي مَوْضِعٍ فَرَعَى فِي غَيْرِهِ ضَمِنَ يَوْمَ التَّعَدِّي
وَلَهُ أَجْرُهُ إلَى يَوْمِهِ.
(أَوْ أَنْزَى بِلَا إذْنٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَنْزَى الرَّاعِي
عَلَى الْغَنَمِ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهَا ضَمِنَ.
(أَوْ غَرَّ بِفِعْلٍ) ابْنُ رُشْدٍ: لَا خِلَافَ أَنَّ مَا فِيهِ
تَغْرِيرٌ مِنْ الْأَعْمَالِ كَثَقْبِ اللُّؤْلُؤِ وَاحْتِرَاقِ الْخُبْزِ
لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ إلَّا أَنْ يُفَرِّطَ أَوْ
يَتَعَدَّى أَوْ يَأْخُذَهُ مِنْ غَيْرِ مَأْخَذِهِ بِعَمْدٍ أَوْ جَهْلٍ
أَوْ خَطَأٍ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ سَأَلْت خَيَّاطًا قَيْسَ ثَوْبٍ
فَزَعَمَ أَنَّهُ يَقْطَعُ قَمِيصًا فَابْتَعْته بِقَوْلِهِ فَلَمْ
يَقْطَعْهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى بَائِعِهِ. وَكَذَلِكَ
الصَّيْرَفِيُّ يَقُولُ فِي دِرْهَمٍ تُرِيهِ إيَّاهُ إنَّهُ جَيِّدٌ
فَيُلْفَى رَدِيئًا، فَإِنْ غَرَّا مِنْ أَنْفُسِهِمَا عُوقِبَا وَلَا
أَجْرَ لَهُمَا. قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ. ابْنُ
رُشْدٍ: وَلَوْ قَالَ لِلْخَيَّاطِ إنْ جَاءَ مِنْ هَذَا الثَّوْبِ قَمِيصٌ
فَاقْطَعْهُ لِي وَلَكَ كَذَا فَقَطَعَهُ فَلَمْ يَجِئْ مِنْهُ قَمِيصٌ
فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ، وَأَمَّا مَا فِيهِ تَغْرِيرٌ كَثَقْبِ اللُّؤْلُؤِ
وَاحْتِرَاقِ الْخُبْزِ فِي الْفُرْنِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا
إنْ لَمْ يُخْطِئْ فِي فِعْلِهِ، فَإِنْ أَخْطَأَ كَأَنْ تَزِلَّ يَدُ
الْخَاتِنِ أَوْ يَقْلَعَ غَيْرَ الضِّرْسِ الَّتِي أُمِرَ بِهَا فَهِيَ
مِنْ جِنَايَةِ الْخَطَأِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، وَإِنْ
غَرَّ مِنْ نَفْسِهِ عُوقِبَ وَيُخْتَلَفُ عَلَى مَنْ الدِّيَةُ. وَفِي
رَسْمِ طَلَّقَ مِنْ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ إنَّمَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ
عَنْ الْفَرَّانِ إذَا بَقِيَ مِنْ الْخُبْزِ مَا يَعْرِفُ بِهِ أَنَّهُ
خُبْزُ صَاحِبِهِ، وَأَمَّا إنْ ادَّعَى أَنَّهُ احْتَرَقَ وَلَمْ يَأْتِ
مِنْهُ بِشَيْءٍ يُعْرَفُ أَنَّهُ الْخُبْزُ بِعَيْنِهِ لَضَمِنَ، وَمِثْلُ
هَذَا سَوَاءٌ الْغَزْلُ يَحْتَرِقُ فِي الْفُرْنِ. وَانْظُرْ فِي
الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ مِنْهُ فِي ثَقْبِ
اللُّؤْلُؤِ بَيْنَ أَنْ يَتَّخِذَ فِي مَوْضِعِ الثَّقْبِ أَمْ لَا
فَرْقَ. وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ دُونَ بَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ مَا
كَانَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْمَلَهُ يَقُومُ لَهُ مَقَامَ شَاهِدٍ.
وَمِثْلُ احْتِرَاقِ الْخُبْزِ الثَّوْبُ فِي قِدْرِ الصَّبَّاغِ،
وَالْحَجَّامُ يَقْلَعُ ضِرْسَ الرَّجُلِ فَيَمُوتُ بِخِلَافِ إذَا قَلَعَ
غَيْرَ الضِّرْسِ الَّتِي أُمِرَ بِهَا فَإِنَّهَا مِنْ جِنَايَةِ
الْخَطَأِ.
(فَقِيمَتُهُ يَوْمَ التَّلَفِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَكْرَى
دَابَّةً وَهِيَ عَثُورٌ أَوْ رَبُوضٌ وَلَمْ يُعْلِمْ الْمُكْتَرِيَ
بِذَلِكَ فَحَمَلَ عَلَيْهَا دُهْنًا مِنْ مِصْرَ إلَى فِلَسْطِينَ
فَعَثَرَتْ بِالْعَرِيشِ ضَمِنَ قِيمَةَ الدُّهْنِ بِالْعَرِيشِ. وَقَالَ
غَيْرُهُ: بِمِصْرَ؛ لِأَنَّهُ مِنْهَا تَعَدَّى.
(أَوْ صَانِعٌ فِي مَصْنُوعِهِ) . ابْنُ رُشْدٍ: وَالْأَصْلُ فِي
الصُّنَّاعِ أَنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ وَأَنَّهُمْ مُؤْتَمَنُونَ
(7/557)
لِأَنَّهُمْ أُجَرَاءُ، «وَقَدْ أَسْقَطَ
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الضَّمَانَ عَنْ
الْأَجِيرِ» . وَخَصَّصَ الْعُلَمَاءُ مِنْ ذَلِكَ الصُّنَّاعَ
وَضَمَّنُوهُمْ نَظَرًا وَاجْتِهَادًا لِضَرُورَةِ النَّاسِ. وَكَانَ هَذَا
مِنْ الْأُمُورِ الْغَائِبَةِ الْغَالِبَةِ الَّتِي تَجِبُ مُرَاعَاتُهَا.
وَقَوْلُ مَالِكٍ أَنَّهُمْ ضَامِنُونَ لِمَا غَابُوا عَلَيْهِ وَادَّعَى
تَلَفَهُ وَلَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِمْ وَلَا ضَمَانَ
عَلَيْهِمْ فِيمَا ثَبَتَ ضَيَاعُهُ بِالْبَيِّنَةِ مِنْ غَيْرِ تَضْيِيعٍ،
وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ أَصْحَابِهِ إلَّا أَشْهَبَ فَإِنَّهُ
ضَمَّنَهُمْ وَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى التَّلَفِ. وَلِقَوْلِهِ
حَظٌّ مِنْ النَّظَرِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا وَجَبَ أَنْ يَضْمَنُوا
لِمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ
لَمْ يَسْقُطْ الضَّمَانُ عَنْهُمْ بِالْبَيِّنَةِ حَسْمًا لِلذَّرِيعَةِ؛
لِأَنَّ مَا طَرِيقُهُ الْمَصَالِحُ وَقَطْعُ الذَّرَائِعِ لَا يُخَصَّصُ
فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ. أَصْلُ ذَلِكَ شَهَادَةُ الِابْنِ
لِأَبِيهِ وَلِأَنَّ مَنْ ضَمِنَ بِلَا بَيِّنَةٍ ضَمِنَ وَإِنْ قَامَتْ
الْبَيِّنَةُ. أَصْلُهُ الْغَاصِبُ، وَلِأَنَّ مَنْ قَبَضَ لِمَنْفَعَةِ
نَفْسِهِ فَضَمِنَ بِلَا بَيِّنَةٍ ضَمِنَ وَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ.
أَصْلُهُ الْقَرْضُ وَقَوْلُ مَالِكٍ أَصَحُّ (لَا غَيْرُهُ وَلَوْ
مُحْتَاجًا لَهُ) .
ابْنُ شَاسٍ: قَالَ مُحَمَّدٌ: يَضْمَنُ الصَّانِعُ مَا لَا صَنْعَةَ لَهُ
فِيهِ إذَا كَانَ مِمَّا لَا يُسْتَغْنَى عَنْ حُضُورِهِ عِنْدَ الصَّانِعِ
مِثْلَ الْكِتَابِ الْمُنْتَسَخِ مِنْهُ وَالْمِثَالُ الَّذِي يُعْمَلُ
عَلَيْهِ وَجَفِيرُ السَّيْفِ الَّذِي يُصَاغُ عَلَى نَصْلِهِ إذَا كَانَ
بِحَيْثُ لَوْ سُلِّمَ لِلصَّانِعِ بِغَيْرِ جَفِيرٍ فَسَدَ، وَمِثْلُهُ
ظَرْفُ الْقَمْحِ وَالْعَجِينِ.
وَقَالَ سَحْنُونَ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ.
اللَّخْمِيِّ: قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَحْسَنُ.
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا إذَا كَانَ الثَّوْبُ غَلِيظًا لَا يَحْتَاجُ
لِوِقَايَةٍ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الصَّانِعَ لَا يَضْمَنُ الْمِنْدِيلَ
وَإِلَّا فَفِي طَرْحِ ضَمَانِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ
لِسَحْنُونٍ، وَالثَّانِي لِابْنِ حَبِيبٍ، وَالثَّالِثُ لِابْنِ
الْمَوَّازِ عَنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ. اُنْظُرْ آخِرَ مَسْأَلَةٍ مِنْ
سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ فَفِيهِ كَلَامٌ طَوِيلٌ،
وَذَكَرَ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ
(7/558)
عَلَيْهِ فِيمَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي
عَمَلِهِ كَالْآتِي لِلْخَرَّازِ بِزَوْجِي خُفٌّ لِيَعْمَلَ لَهُ فِي
أَحَدِهِمَا وَأَنَّهُ مَقْبُولٌ قَوْلُهُ فِي تَلَفِ أَحَدِهِمَا، لَكِنْ
الشُّيُوخُ اخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ تَقْوِيمِ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ
ضَمَانُهُ مِنْهُمَا، هَلْ يُقَوَّمُ وَحْدَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا صَاحِبَ
لَهُ أَوْ يُقَوَّمَا مَعًا ثُمَّ يُقَوَّمُ الْبَاقِي وَحْدَهُ؟ (وَإِنْ
عَمِلَ بِبَيِّنَةٍ) سَمِعَ عِيسَى: لَا ضَمَانَ عَلَى الصَّانِعِ حَتَّى
يَكُونَ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِلْعَمَلِ.
اللَّخْمِيِّ: وَسَوَاءٌ كَانَ بِسُوقِهَا أَوْ دَارِهِ (أَوْ بِلَا
أَجْرٍ) . ابْنُ رُشْدٍ: وَسَوَاءٌ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ اسْتَعْمَلَ
الصَّانِعَ بِأَجْرٍ أَوْ بِغَيْرِ أَجْرٍ.
قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: مَا قَبَضُوهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ أَوْ
عَمِلُوهُ بِغَيْرِ أَجْرٍ كَغَيْرِهِ (أَوْ نَصَّبَ نَفْسَهُ) . ابْنُ
رُشْدٍ: وَهَذَا فِي الصَّانِعِ الْمُشْتَرَكِ الَّذِي نَصَّبَ نَفْسَهُ
لِلنَّاسِ، وَأَمَّا الصَّانِعُ الْخَاصُّ الَّذِي لَمْ يُنَصِّبْ نَفْسَهُ
لِلْعَمَلِ لِلنَّاسِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا اسْتَعْمَلَ إيَّاهُ
أَوْ سَلَّمَ إلَيْهِ أَوْ عَمِلَهُ فِي مَنْزِلِ رَبِّ الْمَتَاعِ
(وَغَابَ عَلَيْهَا) ابْنُ رُشْدٍ: يَضْمَنُ الصُّنَّاعُ كُلَّمَا أَتَى
عَلَى أَيْدِيهمْ مِنْ خَرْقٍ أَوْ كَسْرٍ أَوْ قَطْعٍ إذَا عَمِلُوهُ فِي
حَوَانِيتِهِمْ وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ قَاعِدًا مَعَهُ إلَّا فِيمَا كَانَ
فِيهِ تَغْرِيرٌ مِنْ الْأَعْمَالِ مِثْلُ ثَقْبِ اللُّؤْلُؤِ وَنَقْشِ
الْفُصُوصِ وَتَقْوِيمِ السُّيُوفِ وَاحْتِرَاقِ الْخُبْزِ عِنْدَ
الْفَرَّانِ وَالثَّوْبِ فِي قِدْرِ الصَّبَّاغِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ،
فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ فِيمَا أَتَى عَلَى أَيْدِيهمْ فِيهِ
إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ تَعَدَّى فِيهَا أَوْ أَخَذَهَا عَلَى غَيْرِ
وَجْهِ مَأْخَذِهَا فَيَضْمَنُ حِينَئِذٍ.
وَمِثْلُ ذَلِكَ الْبَيْطَارُ يَطْرَحُ الدَّابَّةَ فَتَمُوتُ مِنْ ذَلِكَ،
أَوْ الْخَاتِنُ يَخْتِنُ الصَّبِيَّ فَيَمُوتُ مِنْ خِتَانِهِ،
(7/559)
أَوْ الطَّبِيبُ يَسْقِي الْمَرِيضَ
فَيَمُوتُ مِنْ سَقْيِهِ، أَوْ يَكْوِيهِ فَيَمُوتُ مِنْ كيه، أَوْ
يَقْطَعُ مِنْهُ شَيْئًا فَيَمُوتُ مِنْ قَطْعِهِ، أَوْ الْحَجَّامُ
يَقْلَعُ ضِرْسَ الرَّجُلِ فَيَمُوتُ الْمَقْلُوعَةُ ضِرْسُهُ، فَلَا
ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ فِي مَالِهِ وَلَا عَلَى عَاقِلَتِهِ
فِي جَمِيعِ هَذَا؛ لِأَنَّهُ مِمَّا فِيهِ التَّغْرِيرُ عَلَى ذَلِكَ
الشَّيْءِ فَكَانَ صَاحِبُهُ هُوَ الَّذِي عَرَّضَهُ لِمَا أَصَابَهُ.
وَهَذَا إذَا لَمْ يُخْطِئْ فِي فِعْلِهِ، وَأَمَّا إذَا أَخْطَأَ مِثْلَ
أَنْ يَسْقِيَ الطَّبِيبُ الْمَرِيضَ مَا لَا يُوَافِقُ مَرَضَهُ، أَوْ
تَزِلَّ يَدُ الْخَاتِنِ أَوْ الْقَاطِعِ فَيَتَجَاوَزَ فِي الْقَطْعِ،
أَوْ الْكَاوِي فَيَتَجَاوَزَ فِي الْكَيِّ، أَوْ يَدُ الْحَجَّامِ
فَيَقْطَعَ غَيْرَ الضِّرْسِ الَّتِي أُمِرَ بِهَا، فَإِنْ كَانَ مِنْ
أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَلَمْ يَغُرَّ مِنْ نَفْسِهِ فَذَلِكَ خَطَأٌ
يَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ
فَيَكُونُ فِي مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُحْسِنُ وَغَرَّ مِنْ
نَفْسِهِ فَعَلَيْهِ الْعُقُوبَةُ.
وَاخْتُلِفَ عَلَى مَنْ تَكُونُ الدِّيَةُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: عَلَى
الْعَاقِلَةِ، وَظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهَا عَلَيْهِ. وَانْظُرْ
ابْنَ رُشْدٍ إذَا عَمِلُوهُ فِي حَوَانِيتِهِمْ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ
قَاعِدًا مَعَهُ. وَلَهُ فِي رَسْمِ جَعَلَ مِنْ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنَّ الصَّانِعَ ضَامِنٌ لِمَا أَفْسَدَ مِنْ
الْأَعْمَالِ الَّتِي يَعْمَلُهَا فِي دَارِهِ أَوْ فِي حَانُوتِهِ مَنْ
غَرَّ نَفْسَهُ أَوْ لَمْ يَغُرَّ صَحِيحٌ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ إلَّا أَنْ
يَكُونَ فِيهِ الْفَسَادُ مِنْ أَمْرٍ غَرِيبٍ كَالنَّارِ أَنْ يَثْبُتَ
عَلَيْهِ تَفْرِيطٌ.
قَالَ: وَأَمَّا إذَا أَتَى الرَّجُلُ بِالصَّانِعِ إلَى دَارِهِ فَعَمِلَ
عِنْدَهُ فَلَا بَأْسَ عَلَيْهِ فِيمَا أَفْسَدَ فِي عَمَلِهِ إلَّا أَنْ
يَغُرَّ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ يَثْبُتَ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَعَدَّى فِي
عَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ وَمُؤْتَمَنٌ. وَلَهُ فِي سَمَاعِ ابْنِ
خَالِدٍ: وَمَا عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِمْ مِنْ قَرْضِ فَأْرٍ
أَوْ نَخْسِ سُوسٍ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ
فِيهِ أَنْ يُضَيِّعُوا. وَمِثْلُ قَرْضِ الْفَأْرِ اُخْتُلِفَ إذَا ثَبَتَ
أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْفَأْرِ سَبَبٌ.
قَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ: وَكَذَلِكَ الرَّهْنُ بَيْنَ
أَنْ يَتْلَفَ بِسَيْلٍ أَوْ صَاعِقَةٍ أَوْ يَكُونَ لَهُ فِي ذَلِكَ
سَبَبٌ فَرْقٌ. وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا احْتَرَقَ بَيْتُهُ أَوْ سُرِقَ
أَوْ ذَهَبَ بِهِ سَيْلٌ فَادَّعَى أَنَّ الْمَطَرَ تَلِفَ فِي جُمْلَةِ
مَتَاعِ بَيْتِهِ اهـ. اُنْظُرْ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الرَّهْنِ: "
بِكَحَرْقِهِ ".
(فَبِقِيمَتِهِ يَوْمَ دَفْعِهِ) ابْنُ رُشْدٍ: إذَا ادَّعَى الصَّانِعُ
ضَيَاعَ الْمَتَاعِ الَّذِي اسْتَعْمَلَ إيَّاهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ
قِيمَتَهُ يَوْمَ دُفِعَ إلَيْهِ عَلَى مَا يُعْرَفُ مِنْ صِفَتِهِ
حِينَئِذٍ إلَّا أَنْ يُقِرَّ أَنَّ قِيمَتَهُ يَوْمَ ضَاعَ كَانَ أَكْثَرَ
مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ دَفَعَهُ إلَيْهِ، فَيَكُونُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ
يَوْمَ أَقَرَّ أَنَّهُ تَلِفَ عِنْدَهُ أَوْ يَظْهَرُ عِنْدَ الصَّانِعِ
بَعْدَ دَفْعِهِ إلَيْهِ بِمُدَّةٍ فَيَكُونُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ
ظَهَرَ عِنْدَهُ عَلَى مَا شَهِدَ بِهِ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَئِذٍ، وَإِنْ
كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَئِذٍ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ دَفَعَهُ
إلَيْهِ وَكَذَلِكَ الرَّهْنُ وَالْعَارِيَّةُ.
(وَلَوْ شُرِطَ نَفْيُهُ) ابْنُ رُشْدٍ: إنْ اشْتَرَطَ الصَّانِعُ أَنْ لَا
ضَمَانَ عَلَيْهِ لَمْ يَنْفَعْهُ شَرْطُهُ وَكَانَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ.
هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ
يَكُونَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِالْأَجْرِ
الْمُسَمَّى لِإِسْقَاطِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ.
(أَوْ دَعَا لِأَخْذِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إذَا دَعَاكَ الصَّانِعُ
لِأَخْذِ الثَّوْبِ وَقَدْ فَرَغَ مِنْهُ وَلَمْ تَأْخُذْهُ فَهُوَ لَهُ
ضَامِنٌ حَتَّى يَصِلَ إلَى يَدِكَ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا إنْ لَمْ
يَقْبِضْ أَجْرَهُ.
(إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَا قَامَتْ
بَيِّنَةٌ أَنَّهُ ضَاعَ أَوْ سُرِقَ أَوْ احْتَرَقَ بِمُعَايَنَةِ
بَيِّنَةٍ بِغَيْرِ سَبَبِ الصَّانِعِ لَمْ يَضْمَنْهُ.
(فَتَسْقُطُ الْأُجْرَةُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ:
لِكُلِّ صَانِعٍ أَوْ حَمَّالٍ عَلَى ظَهْرٍ أَوْ سَفِينَةٍ مَنْعُ مَا
حَمَلَ أَوْ عَمِلَ حَتَّى يَأْخُذَ أَجْرَهُ، فَإِنْ هَلَكَ ذَلِكَ
بِأَيْدِيهِمْ فِي مَنْعِهِمْ فَالصُّنَّاعُ ضَامِنُونَ وَلَا
(7/560)
أَجْرَ لَهُمْ إلَّا أَنْ تَقُومَ
بَيِّنَةٌ عَلَى الضَّيَاعِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ وَلَا أَجْرَ لَهُمْ؛
لِأَنَّهُمْ لَمْ يُسَلِّمُوا مَا عَمِلُوا إلَى أَرْبَابِهِ. مِنْ
الْمُدَوَّنَةِ: إنْ احْتَرَقَ الثَّوْبُ عِنْدَ الْقَصَّارِ أَوْ
أَفْسَدَهُ أَوْ ضَاعَ عِنْدَهُ بَعْدَ الْقِصَارَةِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ
يَوْمَ قَبْضِهِ أَبْيَضَ، وَلَيْسَ لِرَبِّهِ أَنْ يُغَرِّمَهُ قِيمَتَهُ
مَصْنُوعًا أَوْ يُعْطِيَهُ أَجْرَهُ.
(إلَّا أَنْ يُحْضِرَهُ لِرَبِّهِ بِشَرْطِهِ) اللَّخْمِيِّ: لَوْ أَحْضَرَ
الصَّانِعُ الثَّوْبَ وَرَآهُ صَاحِبُهُ مَصْبُوغًا عَلَى صِفَةِ مَا
شَارَطَهُ عَلَيْهِ وَكَانَ قَدْ دَفَعَ الْأُجْرَةَ ثُمَّ تَرَكَهُ
عِنْدَهُ فَادَّعَى ضَيَاعَهُ لَصُدِّقَ وَلِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَقَدْ
خَرَجَ عَنْ حُكْمِ الْإِجَارَةِ وَصَارَ إلَى الْإِيدَاعِ.
(وَصُدِّقَ إنْ ادَّعَى خَوْفَ مَوْتٍ فَنَحَرَ أَوْ سَرِقَةَ مَنْحُورِهِ)
مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالرَّاعِي مُصَدَّقٌ فِيمَا
هَلَكَ أَوْ سُرِقَ، وَلَوْ قَالَ: ذَبَحْتهَا ثُمَّ سُرِقَتْ صُدِّقَ،
وَلَوْ خَافَ مَوْتَ الشَّاةِ فَأَتَى بِهَا مَذْبُوحَةً صُدِّقَ وَلَمْ
يَضْمَنْ.
(أَوْ قَلْعَ ضِرْسٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا
قَلَعَ الْحَجَّامُ ضِرْسَ رَجُلٍ بِأَجْرٍ فَقَالَ لَهُ: لَمْ آمُرْكَ
إلَّا بِقَلْعِ الَّذِي يَلِيهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَلِمَ
بِهِ حِين قَلَعَهُ فَتَرَكَهُ وَلَهُ أَجْرُهُ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ
الْحَجَّامُ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَجْرٌ، يُرِيدُ وَيَكُونُ عَلَيْهِ
الْعَقْلُ فِي الْخَطَأِ وَالْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ.
(أَوْ صَبَغَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ أَوْ أَسْوَدَ
وَقَالَ بِذَلِكَ أَمَرَنِي رَبُّهُ وَقَالَ رَبُّهُ أَخْضَرَ، صُدِّقَ
الصَّانِعُ إلَّا أَنْ يَصْنَعَهُ صَبْغًا لَا يُشْبِهُ مِثْلُهُ
(فَنُوزِعَ فِيهِ) اُنْظُرْ هَذَا الضَّمِيرَ هَلْ يَعُودُ عَلَى مَا
ذُكِرَ.
(وَفُسِخَتْ بِتَلَفِ مَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ لَا بِهِ إلَّا صَبِيَّ
تَعْلِيمٍ وَرَضَاعٍ وَفَرَسَ نَزْوٍ وَرَوْضٍ) لَوْ قَالَ: " لَا لَهُ "
لِتَنْزِلَ عَلَى كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ. وَعِبَارَتُهُ أَعْنِي ابْنَ
رُشْدٍ: إنْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى عَمَلٍ فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لَا غَايَةَ
لَهُ إلَّا بِضَرْبِ الْأَجَلِ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ عَلَى
أَنْ يَرْعَى لَهُ غَنَمًا بِأَعْيَانِهَا أَوْ يَتَّجِرَ لَهُ فِي مَالٍ
شَهْرًا أَوْ سَنَةً، فَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ هَذِهِ الْإِجَارَةَ
لَا تَجُوزُ إلَّا بِشَرْطِ الْخَلَفِ إلَّا فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ،
(7/561)
فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ فِيهَا
بِمَوْتِ الْمُسْتَأْجَرِ لَهُ، وَمَوْتِ الصَّبِيِّ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَى
تَعْلِيمِهِ، وَمَوْتِ الصَّبِيِّ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَى رَضَاعِهِ،
وَمَوْتِ الدَّابَّةِ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَى رِيَاضَتِهَا، وَعُقُوقِ
الرَّمَكَةِ قَبْلَ تَمَامِ الْأَكْوَامِ الْمُشْتَرَطَةِ اهـ. وَانْظُرْ
أَيْضًا قَوْلَ الشُّيُوخِ: الْحَقُّ الْمُتَعَلِّقُ بِمُعَيَّنٍ يَسْقُطُ
بِسُقُوطِهِ.
وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ: تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِتَلَفِ الْعَيْنِ
الْمُسْتَأْجَرَةِ كَمَوْتِ الدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ وَانْهِدَامِ
الدَّارِ، وَأَمَّا مَحَلُّ الْمَنْفَعَةِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَلْزَمُ
تَعْيِينُهُ كَالرَّضِيعِ وَالْمُتَعَلِّمِ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ
تَنْفَسِخْ عَلَى الْأَصَحِّ كَثَوْبِ الْخِيَاطَةِ. وَمِنْ ابْنِ يُونُسَ:
الْأَشْيَاءُ الْمُسْتَأْجَرُ عَلَيْهَا لَا تَتَعَيَّنُ لَوْ
اسْتَأْجَرَهُ عَلَى حَمْلِ مَتَاعٍ أَوْ طَعَامٍ مَا احْتَاجَ إلَى شَرْطِ
خَلَفِهِ إنْ هَلَكَ وَالْحُكْمُ يُوجِبُ خَلَفَهُ ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ
نَفْسِهِ أَنَّهُ يَقُولُ بِقَوْلِ الْغَيْرِ إنَّهُ جَائِزٌ أَنْ
يَسْتَأْجِرَهُ عَلَى رِعَايَةِ غَنَمٍ بِأَعْيَانِهَا مِنْ غَيْرِ
اشْتِرَاطِ خَلَفٍ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُوجِبُ الْخَلَفَ، وَمِنْ
الْمَوَّازِيَّةِ: مَنْ اُسْتُؤْجِرَ فِيهِ عَلَى عَمَلِهِ أَوْ حَمْلِهِ
أَوْ رِعَايَتِهِ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُشْتَرَطَ أَنَّهُ ذَلِكَ
بِعَيْنِهِ لَا غَيْرُهُ، فَيَصِيرُ رَبُّ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ لَا
يَقْدِرُ أَنْ يَبِيعَهَا وَيَأْتِيَ بِغَيْرِهَا قَبْلَ تَمَامِ
الْمُدَّةِ، وَإِنْ هَلَكَتْ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَأْتِيَ بِغَيْرِهَا.
وَلَوْ أَرَاهُ حِينَ الْعَقْدِ مَا يَعْمَلُهُ أَوْ يَحْمِلُهُ أَوْ
يَرْعَاهُ فَإِنَّ ذَلِكَ كَالصِّفَةِ بِمَا يَعْمَلُ أَوْ يَحْمِلُ أَوْ
يَرْعَى، فَإِنْ شَرَطَ أَنَّهُ بِعَيْنِهِ لَا يَعْدُوهُ لَمْ يَجُزْ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَدَابَّةٌ
لِرُكُوبِهَا " أَنَّ الرَّاكِبَ إنْ عَيَّنَ لَمْ يَلْزَمْ. وَقَدْ
تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَإِلَّا فَلَهُ الْخَلَفُ عَلَى آخَرَ
كَرَاكِبٍ " قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنَّهُمْ لَمْ يَزِفُّوا
عَرُوسًا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَنَّ عَلَيْهِمْ الْكِرَاءَ. وَسَيَأْتِي
أَيْضًا إذَا عَيَّنَ الْيَوْمَ فَتَأَخَّرَ انْفَسَخَ الْكِرَاءُ
وَلِذَهَابِ الْيَوْمِ الْمُعَيَّنِ. وَيُرَدُّ الْكِرَاءُ وَلَا
يَسْتَعْمِلُهُ بِهِ فِي يَوْمٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي
دَيْنٍ.
وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ: وَإِنْ اكْتَرَى دَابَّةً لِيَزِفَّ عَلَيْهَا
عَرُوسًا لَيْلَةً مُعَيَّنَةً فَتَأَخَّرَ الزِّفَافُ لِمَرَضٍ أَوْ
عُذْرٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ كِرَاؤُهَا، وَإِنْ كَانَ التَّأْخِيرُ
اخْتِيَارًا لَزِمَهُ الْكِرَاءُ وَلَهُ أَنْ يُكْرِيَهَا فِي مِثْلِهِ
اهـ. فَانْظُرْ أَنْتَ هَذَا كُلَّهُ وَمِنْ ابْنِ يُونُسَ: اُخْتُلِفَ
فِيمَنْ اسْتَأْجَرَ عَلَى حَصَادِ زَرْعٍ فَهَلَكَ الزَّرْعُ قَبْلَ
الْحَصَادِ فَقَالَ: يَحْصُدُ لَهُ زَرْعًا آخَرَ، وَقِيلَ: يَنْفَسِخُ
الْإِجَارَةُ وَيَغْرَمُ الْأَجِيرُ ثَمَنَ الْجُزْءِ الَّذِي لَهُ إنْ
كَانَ اسْتَأْجَرَهُ بِجُزْءٍ مِنْهُ.
(وَسِنٍّ لِقَلْعٍ فَسَكَنَتْ كَعَفْوِ الْقِصَاصِ) ابْنُ شَاسٍ:
تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِمَنْعِ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ شَرْعًا
كَسُكُونِ
(7/562)
أَلَمِ السِّنِّ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَى
قَلْعِهَا، وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَى
اسْتِيفَائِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: هَذَا إنْ كَانَ الْعَفْوُ مِنْ غَيْرِ
الْمُسْتَأْجَرِ وَانْظُرْ هَلْ يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجَرِ فِي
سُكُونِ أَلَمِهِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ.
(وَبِغَصْبِ الدَّارِ) فِي الْوَاضِحَةِ: مَنْ اكْتَرَى دَارًا سَنَةً أَوْ
شَهْرًا فَقَبَضَهَا ثُمَّ غَصَبَهَا إيَّاهُ السُّلْطَانُ فَمُصِيبَةُ
ذَلِكَ عَلَى رَبِّهَا وَلَا كِرَاءَ لَهُ فِيمَا بَقِيَ.
وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُسَوَّدَةِ حِينَ أَخْرَجُوا الْمُتَكَارِيَيْنِ
وَسَكَنُوا، وَكَذَا فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ (وَغَصْبِ
مَنْفَعَتِهَا) ابْنُ حَبِيبٍ: وَسَوَاءٌ غَصَبُوا الدُّورَ مِنْ أَصْلِهَا
وَأَخْرَجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا وَسَكَنُوهَا لَا يُرِيدُونَ إلَّا
السُّكْنَى حَتَّى يَرْتَحِلُوا.
(وَأَمَرَ السُّلْطَانُ بِإِغْلَاقِ الْحَوَانِيتِ) ابْنُ حَبِيبٍ:
وَكَذَلِكَ الْحَوَانِيتُ يَأْمُرُ السُّلْطَانُ بِغَلْقِهَا الْأَكْرَاءُ
عَلَى مُكْتَرِيهَا مِنْ رَبِّهَا.
وَقَالَ سَحْنُونَ: الْجَائِحَةُ مِنْ الْمُكْتَرِي. وَلِابْنِ حَبِيبٍ فِي
ذَلِكَ تَفْرِيقٌ. ابْنُ يُونُسَ: لَيْسَ هَذَا كُلُّهُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ
كُلَّ مَا مَنَعَ الْمُكْتَرِيَ مِنْ السُّكْنَى مِنْ أَمْرٍ غَالِبٍ لَا
يَسْتَطِيعُ دَفْعَهُ مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ غَاصِبٍ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ
مَا لَوْ مَنَعَهُ أَمْرٌ مِنْ اللَّهِ كَانْهِدَامِ الدَّارِ أَوْ
امْتِنَاعِ مَاءِ السَّمَاءِ حَتَّى مَنَعَهُ حَرْثَ الْأَرْضِ، فَلَا
كِرَاءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى مَا
اكْتَرَى.
وَقَالَ أَصْبَغُ: مَنْ أَكْتَرَى رَحًا سَنَةً فَأَصَابَ أَهْلَ ذَلِكَ
الْمَكَانِ فِتْنَةٌ جَلَوْا بِهَا مِنْ مَنَازِلِهِمْ وَجَلَا مَعَهُمْ
الْمُكْتَرِي أَوْ بَقِيَ آمِنًا إلَّا أَنَّهُ لَا يَأْتِيهِ الطَّعَامُ
لِجَلَاءِ النَّاسِ، فَهُوَ كَبُطْلَانِ الرَّحَا بِنَقْصِ الْمَاءِ أَوْ
كَثْرَتِهِ، وَيُوضَعُ عَنْهُ قَدْرُ الْمُدَّةِ الَّتِي جَلَوْا فِيهَا.
وَكَذَلِكَ الْفَنَادِقُ الَّتِي تُكْرَى لِأَيَّامِ الْمَوْسِمِ إذَا
أَخْطَأَهَا ذَلِكَ لِفِتْنَةٍ نَزَلَتْ أَوْ غَيْرِهَا بِخِلَافِ الدَّارِ
تُكْرَى ثُمَّ تَنْجَلِي الْفِتْنَةُ وَأَقَامَ الْمُكْتَرِي آمِنًا أَوْ
رَحَلَ لِلْوَحْشَةِ وَهُوَ آمِنٌ، فَإِنَّ هَذَا لَا يَلْزَمُهُ
الْكِرَاءُ كُلُّهُ، وَلَوْ انْجَلَى لِلْخَوْفِ سَقَطَ عَنْهُ كِرَاءُ
مُدَّةِ الْجَلَاءِ. اهـ. قَوْلُ ابْنِ يُونُسَ.
(وَحَمْلِ ظِئْرٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ حَمَلَتْ الْمُرْضِعُ
فَخَافُوا عَلَى الصَّبِيِّ أَلَهُمْ فَسْخُ الْإِجَارَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ
وَلَا أَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ.
وَنَقَلَ اللَّخْمِيِّ فَسْخَهُ بِمُجَرَّدِ الْحَمْلِ لَا بِقَيْدِ
الْخَوْفِ عَلَى الْوَلَدِ قَائِلًا: لِأَنَّ رَضَاعَ الْحَامِلِ يَضُرُّ
الْوَلَدَ.
(أَوْ مَرَضٍ لَا تَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى رَضَاعٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ
مَرِضَتْ الظِّئْرُ بِحَيْثُ لَا تَقْدِرُ عَلَى رَضَاعِ الصَّبِيِّ
فُسِخَتْ الْإِجَارَةُ، فَإِنْ صَحَّتْ فِي بَقِيَّةٍ مِنْهَا جَرَتْ عَلَى
رَضَاعِهِ بَقِيَّتَهَا وَلَهَا مِنْ الْأَجْرِ بِقَدْرِ مَا أَرْضَعَتْ
وَلَا عَلَيْهَا إرْضَاعُ مَا مَرِضَتْ. قَالَ غَيْرُهُ: إلَّا أَنْ
يَكُونَا تَفَاسَخَا.
(وَمَرَضِ عَبْدٍ وَهَرَبِهِ لِكَعَدُوٍّ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ فِي
بَقِيَّتِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ آجَرَ
عَبْدَهُ ثُمَّ هَرَبَ السَّيِّدُ إلَى بَلَدِ الْحَرْبِ فَالْإِجَارَةُ
بِحَالِهَا لَا تُنْتَقَضُ، وَأَمَّا إنْ هَرَبَ الْعَبْدُ لِبَلَدِ
الْحَرْبِ أَوْ أَبَقَ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ بَيْنَهُمَا إلَّا
أَنْ يَرْجِعَ الْعَبْدُ قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ فَيَلْزَمُهُ
تَمَامُهَا.
قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ لَوْ مَرِضَ الْعَبْدُ الْمُسْتَأْجَرُ مَرَضًا
بَيِّنًا انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يَصِحَّ
الْعَبْدُ قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ فَيَلْزَمُهُ تَمَامُهَا.
قَالَ غَيْرُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَا تَفَاسَخَا أَوْ
(7/563)
فُسِخَ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ
فَلَا يَلْزَمُهُ تَمَامُهَا. ابْنُ يُونُسَ: وَكَذَلِكَ الدَّارُ
يَنْهَدِمُ بَعْضُهَا ثُمَّ يُصْلِحُهَا رَبُّهَا قَبْلَ الْفَسْخِ وَقَدْ
بَقِيَ بَعْضُ الْمُدَّةِ فَيَلْزَمُهُ تَمَامُهَا، وَأَمَّا لَوْ
انْهَدَمَ جَمِيعُهَا ثُمَّ بَنَاهَا فَلَا يَلْزَمُ الْمُكْتَرِيَ سُكْنَى
بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ. وَمِنْ الْعُتْبِيَّةِ وَإِنْ تَرَاوَغَ الْعَبْدُ
الْمُسْتَأْجَرُ حَتَّى تَمَّتْ الْمُدَّةُ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ،
وَإِنْ عَمِلَ شَيْئًا فَلَهُ بِحِسَابِهِ وَهَذَا فِي شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ
مُعَيَّنَةٍ. وَإِنَّمَا الَّذِي يَلْزَمُهُ عَمَلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِثْلُ
أَنْ يَقُولَ: اطْحَنْ لِي فِي هَذَا الشَّهْرِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَيْبَةً
فَهَذَا لَا يَضُرُّ ذِكْرُ الْوَقْتِ، وَيَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بَعْدَ
ذَلِكَ وَلَيْسَ بِوَاقِعٍ عَلَى وَقْتٍ وَلَكِنْ عَلَى عَمَلٍ مُسَمًّى،
وَكَمَنْ قَالَ لِلسَّقَّاءِ: اُسْكُبْ لِي فِي هَذَا الشَّهْرِ ثَلَاثِينَ
قُلَّةً فَتَرَاوَغَ فِيهِ فَذَلِكَ بَاقٍ عَلَيْهِ.
(بِخِلَافِ مَرَضِ دَابَّةٍ بِسَفَرٍ ثُمَّ تَصِحُّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا اعْتَلَّتْ الدَّابَّةُ الْمُكْتَرَاةُ
فِي الطَّرِيقِ، يُرِيدُ وَهُوَ بِعَيْنِهَا فُسِخَ الْكِرَاءُ، وَإِنْ
صَحَّتْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ كِرَاؤُهَا بَقِيَّةَ الطَّرِيقِ
بِخِلَافِ الْعَبْدِ لِلضَّرُورَةِ فِي صَبْرِ الْمُسَافِرِ عَلَيْهَا
وَهِيَ إنْ صَحَّتْ بَعْدَهُ لَمْ تَلْحَقْهُ وَإِنْ لَحِقَتْهُ
فَلَعَلَّهُ قَدْ اكْتَرَى غَيْرَهَا. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ وَكَذَلِكَ
لَوْ كَانَ كِرَاؤُهُ لِلْعَبْدِ فِي السَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ
فِيهِ مِنْ الضَّرُورَةِ مَا يَلْحَقُهُ فِي الدَّابَّةِ، وَإِنَّمَا
اخْتَلَفَا.؛ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الْعَبْدِ فِي الْحَضَرِ. قَالَهُ بَعْضُ
فُقَهَائِنَا.
(وَخُيِّرَ إنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ سَارِقٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ
اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ فَأَلْفَاهُ سَارِقًا فَهُوَ عَيْبٌ
يُرَدُّ بِهِ كَالْبَيْعِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ التَّحَفُّظَ
مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَلْفَيْت الْمُسَاقِي سَارِقًا. ابْنُ يُونُسَ:
لِأَنَّ أَجِيرَ الْخِدْمَةِ قَدْ مَلَكْت جَمِيعَ مَنَافِعِهِ فَهُوَ
كَالشِّرَاءِ، وَالْمُسَاقِي إنَّمَا هُوَ أَجِيرٌ فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ
فَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى التَّحَفُّظِ مِنْهُ.
(وَبِرُشْدِ صَغِيرٍ عَقَدَ عَلَيْهِ أَوْ
(7/564)
عَلَى سِلَعِهِ وَلِيٌّ إلَّا لِظَنِّ
عَدَمِ بُلُوغِهِ وَبَقِيَ كَالشَّهْرِ كَسَفِيهٍ ثَلَاثَ سِنِينَ) مِنْ
الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ أَجَّرَ يَتِيمًا فِي
حِجْرِهِ ثَلَاثَ سِنِينَ فَاحْتَلَمَ بَعْدَ سَنَةٍ وَلَمْ يَظُنَّ ذَلِكَ
بِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ بَاقِيَ الْمُدَّةِ إلَّا أَنْ يَبْقَى كَالشَّهْرِ
وَيَسِيرِ الْأَيَّامِ، وَلَا يُؤَاجِرُ وَصِيٌّ يَتِيمَهُ وَلَا أَبٌ
وَلَدَهُ بَعْدَ احْتِلَامِهِ.
قَالَ يَحْيَى: وَرُشْدِهِ وَإِنْ أَكْرَى الْوَصِيُّ رُبُعَ يَتِيمِهِ
وَدَوَابِّهِ وَرَقِيقِهِ سِنِينَ وَاحْتَلَمَ الصَّبِيُّ بَعْدَ مُضِيِّ
سَنَةٍ، فَإِنْ كَانَ يُظَنُّ بِمِثْلِهِ أَنَّهُ لَا يَحْتَلِمُ فِي
مِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ فَعَجِلَ عَلَيْهِ الِاحْتِلَامُ وَأُونِسَ
مِنْهُ الرُّشْدُ فَلَا فَسْخَ لَهُ وَيَلْزَمُهُ بَاقِيهَا؛ لِأَنَّ
الْوَصِيَّ صَنَعَ مَا يَجُوزُ لَهُ، وَأَمَّا إنْ عَقَدَ عَلَيْهِ أَمَدًا
يَعْلَمُ أَنَّهُ يَبْلُغُ فِيهِ لَمْ يَلْزَمْهُ فِي نَفْسِهِ وَلَا
فِيمَا يَمْلِكُ مِنْ رَبْعٍ وَغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ الْأَبُ. وَأَمَّا
سَفِيهٌ بَالِغٌ وَآجَرَ عَلَيْهِ وَلِيٌّ أَوْ سُلْطَانٌ رُبُعَهُ
وَرَقِيقَهُ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى حَالِ
الرُّشْدِ فَذَلِكَ يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ عَقَدَ يَوْمَئِذٍ مَا
يَجُوزُ لَهُ.
(وَبِمَوْتِ مُسْتَحِقِّ وَقْفٍ آجَرَ وَمَاتَ قَبْلَ تَقَضِّيهَا عَلَى
الْأَصَحِّ) . ابْنُ رُشْدٍ: إنْ مَاتَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ مِنْ ذَوِي
الْوَقْفِ بَعْدَ الْإِجَارَةِ قَبْلَ تَمَامِ مُدَّتِهَا انْفَسَخَتْ
الْإِجَارَةُ فِي بَاقِي الْمُدَّةِ لِتَنَاوُلِهَا مَا لَا حَقَّ
لِلْمُسْتَأْجِرِ فِيهِ. وَقِيلَ: إنْ أَكْرَى مُدَّةً يَجُوزُ الْكِرَاءُ
إلَيْهَا لَزِمَ بَاقِيهَا. ابْنُ عَرَفَةَ: لَا أَعْرِفُ هَذَا الْقَوْلَ
الثَّانِيَ لِغَيْرِ ابْنِ شَاسٍ. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَعْمَرَكَ
رَجُلٌ حَيَاتَكَ خِدْمَةَ عَبْدٍ لَمْ تُؤَاجِرْهُ إلَّا لِمُدَّةٍ
قَلِيلَةٍ كَسَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ أَوْ أَمَدًا مَأْمُونًا، وَلَوْ
أَوْصَى لَكَ بِخِدْمَةٍ عَشْرَ سِنِينَ وَأَكْرَيْتُهُ فِيهَا جَازَ.
وَهَذَا خِلَافُ الْمُخْدَمِ حَيَاتَهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ مَاتَ الْمُخْدَمُ
سَقَطَتْ الْخِدْمَةُ وَالْمُؤَجَّلُ يَلْزَمُ بَاقِيهَا لِوَرَثَةِ
الْمَيِّتِ.
(لَا بِإِقْرَارِ الْمَالِكِ) . ابْنُ عَرَفَةَ: قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ:
لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِإِقْرَارِ الْمُكْرِي بِغَصْبِ الْمُكْرَى
وَاضِحٌ كَقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ فِي لَغْوِ إقْرَارِ الرَّاهِنِ
بِجِنَايَةِ الْعَبْدِ الرَّهْنِ بَعْدَ رَهْنِهِ لَا يُقْبَلُ عَلَى
(7/565)
الْمُرْتَهِنِ.
(أَوْ بِتَخَلُّفِ رَبِّ الدَّابَّةِ فِي غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَحَجٍّ وَإِنْ
فَاتَ مَقْصِدُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ اكْتَرَيْت
مِنْ رَجُلٍ إبِلَهُ إلَى بَلَدٍ فَهَرَبَ بِهَا، وَالْكِرَاءُ إلَى
مَكَّةَ وَغَيْرِهَا، تَكَارَى عَلَيْكَ الْإِمَامُ وَرَجَعْت عَلَيْهِ
بِمَا اكْتَرَيْت بِهِ. ابْنُ الْمَوَّازِ: إنَّمَا يُكْرَى عَلَيْهِ إذَا
كَانَ لَهُ مَالٌ مَعْرُوفٌ. وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا تَغَيَّبَ
الْجَمَّالُ يَوْمَ خُرُوجِكَ فَلَيْسَ لَكَ عَلَيْهِ إنْ لَقِيَتْهُ
بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا الرُّكُوبُ أَوْ الْحَمْلُ وَلَهُ كِرَاؤُهُ، وَهَذَا
فِي كُلِّ سَفَرٍ فِي كِرَاءٍ مَضْمُونٍ إلَّا الْحَاجَّ فَإِنَّهُ
يُفْسَخُ وَإِنْ قَبَضَ الْكِرَاءَ وَرَدَّهُ لِزَوَالِ إبَّانِهِ. ابْنُ
الْمَوَّازِ: لِأَنَّ أَيَّامَ الْحَجِّ مُعَيَّنَةٌ فَإِذَا فَاتَتْ
انْفَسَخَ الْكِرَاءُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا اكْتَرَى أَيَّامًا
بِعَيْنِهَا وَلَا يَتَمَادَى وَإِنْ رَضِيَا. ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا إذَا
نَقَدَهُ الْكِرَاءَ؛ لِأَنَّ بِذَهَابِ الْأَيَّامِ الْمُعَيَّنَةِ يَجِبُ
فَسْخُ الْكِرَاءِ وَرَدُّ مَا انْتَقَدَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ فِي
ذَلِكَ رُكُوبًا؛ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ. وَمِنْ
الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ فِي الدَّابَّةِ بِعَيْنِهَا يَكْتَرِيهَا
لِيَرْكَبَهَا إلَى غَدٍ فَيَغِيبُ رَبُّهَا ثُمَّ يَأْتِي بَعْدَ
الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا رُكُوبُهَا. ابْنُ
يُونُسَ: يُرِيدُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ تَعْيِينَ الْيَوْمِ وَإِنَّمَا
قَصَدَ الرُّكُوبَ، قَالَ غَيْرُهُ: وَلَوْ رَفَعَ إلَى الْإِمَامِ
النَّظَرَ وَفَسْخَ مَا آلَ إلَى الضَّرَرِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ
أَكْرَاهَا أَيَّامًا مُعَيَّنَةً انْتَقَضَ الْكِرَاءُ فِيمَا غَابَ
مِنْهَا كَالْعَبْدِ يَسْتَأْجِرُهُ شَهْرًا بِعَيْنِهِ يَمْرَضُ أَوْ
يَأْبَقُ فَإِنَّهُ تُنْتَقَضُ الْإِجَارَةُ، وَكَذَلِكَ شَهْرًا
بِعَيْنِهِ فِي الرَّاحِلَةِ بِعَيْنِهَا لِرُكُوبٍ أَوْ طَحْنٍ أَوْ
غَيْرِ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمَضْمُونِ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا اكْتَرَى عَلَى الْحَجِّ فَلَمْ يَأْتِ
الْكَرِيُّ حَتَّى فَاتَ الْإِبَّانُ فَإِنَّ الْمُكْتَرِيَ يُخَيَّرُ،
فَإِنْ شَاءَ بَقِيَ لِقَابِلٍ بِخِلَافِ الْأَيَّامِ الْمُعَيَّنَةِ إذَا
فَاتَتْ لَا بُدَّ مِنْ الْفَسْخِ. اُنْظُرْ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ:
" وَعَدَمُ بَيَانِ الِابْتِدَاءِ ".
(أَوْ فِسْقِ مُسْتَأْجِرٍ وَآجَرَ الْحَاكِمُ إنْ لَمْ يَكُفَّ) مِنْ
الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا ظَهَرَتْ مِنْ مُكْتَرِي الدَّارِ خَلَاعَةٌ
(7/566)
وَفِسْقٌ وَشُرْبُ خَمْرٍ لَمْ يُنْتَقَضْ
الْكِرَاءُ وَلَكِنَّ الْإِمَامَ يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ وَيَكُفُّ أَذَاهُ
عَنْ الْجِيرَانِ وَعَنْ رَبِّ الدَّارِ، وَإِنْ رَأَى إخْرَاجَهُ
أَخْرَجَهُ وَأَكْرَاهَا عَلَيْهِ. ابْنُ حَبِيبٍ: وَكَذَلِكَ إذَا ظَهَرَ
فِيهَا الدَّعَارَةُ وَالطَّنَابِيرُ وَالزَّمْرُ وَشُرْبُ الْخَمْرِ
وَبَيْعُهَا فَلْيَمْنَعْهُ الْإِمَامُ وَلْيُعَاقِبْهُ، فَإِنْ لَمْ
يَنْتَهِ أَخْرَجَهُ عَنْ جِيرَانِهِ وَأَكْرَاهَا عَلَيْهِ وَلَا يُفْسَخُ
الْكِرَاءُ.
وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْفَاسِقِ يُعْلِنُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي دَارِ نَفْسِهِ
إنَّهُ يُعَاقِبُهُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ بَاعَ الدَّارَ
عَلَيْهِ.
(أَوْ بِعِتْقِ عَبْدٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ آجَرَ عَبْدَهُ سَنَةً
أَوْ أَخْدَمَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ قَبْلَ السَّنَةِ لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى
تَتِمَّ، وَلَوْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ السَّنَةِ لَمْ تُنْتَقَضْ
الْإِجَارَةُ وَلَا الْخِدْمَةُ، وَيَعْتِقُ الْعَبْدُ لِتَمَامِ السَّنَةِ
مِنْ رَأْسِ مَالِهِ إلَّا أَنْ يَتْرُكَ الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ
الْمُخْدَمُ.
قَالَ فِي سَمَاعِ عِيسَى: وَالْكِرَاءُ لِلسَّيِّدِ وَإِنْ لَمْ
يَسْتَثْنِ مَالَهُ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً لَمْ يَطَأْهَا. ابْنُ حَبِيبٍ:
الْإِجَارَةُ أَمْلَكُ بِهِ وَأَحْكَامُهُ أَحْكَامُ عَبْدٍ فَاخْتُلِفَ
فِي إجَارَتِهِ فَقَالَ مَالِكٌ: يُسْأَلُ السَّيِّدُ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ
حُرٌّ بِتَمَامِ الْأُجْرَةِ صُدِّقَ وَالْأُجْرَةُ لَهُ وَلَمْ
يَقْبِضْهَا، وَإِنْ أَرَادَ تَعْجِيلَ عِتْقِهِ فَهَلْ لِلْعَبْدِ
قَبْضُهَا أَمْ لَا؟ (وَحُكْمُهُ عَلَى الرِّقِّ) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ
حَبِيبٍ: أَحْكَامُهُ أَحْكَامُ الْعَبْدِ (وَأُجْرَتُهُ لِسَيِّدِهِ إنْ
أَرَادَ أَنَّهُ حُرٌّ بَعْدَهَا) تَقَدَّمَ قَوْلُ مَالِكٍ: يُسْأَلُ
السَّيِّدُ. وَتَقَدَّمَ مَا فِي سَمَاعِ عِيسَى فَانْظُرْهُ أَنْتَ.
(7/567)
[فَصْلٌ فِي اسْتِئْجَارِ الدَّوَابِّ]
(فَصْلٌ)
ابْنُ شَاسٍ: الْقِسْمُ الثَّالِثُ فِي اسْتِئْجَارِ الدَّوَابِّ وَهِيَ
تُسْتَأْجَرُ لِأَرْبَعِ جِهَاتٍ: لِلرُّكُوبِ وَلِلْحَمْلِ
وَلِلِاسْتِقَاءِ وَلِلْحِرَاثَةِ (وَكِرَاءُ الدَّابَّةِ كَذَلِكَ) .
ابْنُ شَاسٍ: أَقْسَامُ الْإِجَارَةِ فِي الْآدَمِيِّ وَالْأَرَاضِيِ
وَالدَّوَابِّ، وَجَعَلَ أَرْكَانَ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ وَاحِدَةً
(وَجَازَ عَلَى أَنَّ عَلَيْكَ عَلَفَهَا أَوْ طَعَامَ رَبِّهَا أَوْ
عَلَيْهِ طَعَامُكَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ أَنْ تَكْتَرِيَ
إبِلًا مِنْ رَجُلٍ عَلَى أَنَّ عَلَيْكَ رِحْلَتَهَا، أَوْ تَكْتَرِيَ
دَابَّةً بِعَلَفِهَا أَوْ أَجِيرًا بِطَعَامِهِ أَوْ إبِلًا عَلَى أَنَّ
عَلَيْكَ عَلَفَهَا، أَوْ طَعَامَ رَبِّهَا أَوْ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ هُوَ
طَعَامَكَ ذَاهِبًا وَرَاجِعًا، فَذَلِكَ كُلُّهُ جَائِزٌ، وَإِنْ لَمْ
تُوصَفْ النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّهَا مَعْرُوفٌ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: لَا
بَأْسَ أَنْ يُؤَاجِرَ الْحُرُّ الْعَبْدَ أَجَلًا مَعْلُومًا بِطَعَامٍ
فِي الْأَجَلِ أَوْ بِكِسْوَتِهِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مَعَ الْكِسْوَةِ
أَوْ الطَّعَامِ دَنَانِيرُ أَوْ دَرَاهِمُ أَوْ عُرُوضٌ بِعَيْنِهَا
مُعَجَّلَةٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ كَانَتْ عُرُوضًا مَضْمُونَةً
بِغَيْرِ عَيْنِهَا جَازَ تَأْخِيرُهَا إنْ ضَرَبَا لِذَلِكَ أَجَلًا
كَأَجَلِ السَّلَمِ.
(أَوْ لِيَرْكَبَهَا فِي حَوَائِجِهِ أَوْ لِيَطْحَنَ بِهَا شَهْرًا) مِنْ
الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اكْتَرَى دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا فِي حَوَائِجِهِ
شَهْرًا مَتَى شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، فَإِنْ كَانَ عَلَى مَا
يَرْكَبُ النَّاسُ الدَّوَابَّ جَازَ. وَكَذَلِكَ إنْ اكْتَرَاهَا
لِطَحِينِ قَمْحٍ شَهْرًا بِعَيْنِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ كَمْ يَطْحَنُ كُلَّ
يَوْمٍ؛ لِأَنَّ طَحِينَ النَّاسِ مَعْرُوفٌ.
(أَوْ لِيَحْمِلَ عَلَى دَوَابِّهِ مِائَةً وَلَمْ يُسَمِّ مَا لِكُلٍّ)
مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَوَابَّ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ فِي
صَفْقَةٍ لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مِائَةَ إرْدَبِّ قَمْحٍ وَلَمْ يُسَمِّ مَا
يَحْمِلُ عَلَى كُلِّ دَابَّةٍ جَازَ. وَلْيَحْمِلْ عَلَى كُلِّ دَابَّةٍ
بِقَدْرِ قُوَّتِهَا، وَإِنْ كَانَتْ الدَّوَابُّ لِرِجَالٍ شَتَّى
وَحَمْلُهَا مُخْتَلِفٌ لَمْ يَجُزْ إذْ لَا يَدْرِي كُلُّ وَاحِدٍ بِمَا
اكْتَرَى كَالْبُيُوعِ.
(وَعَلَى حَمْلِ آدَمِيٍّ لَمْ يَرَهُ وَلَمْ يَلْزَمْهُ الْفَادِحُ
بِخِلَافِ وَلَدٍ وَلَدَتْهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَكْرَى مِنْ
رَجُلٍ عَلَى حَمْلِ رَجُلَيْنِ أَوْ امْرَأَتَيْنِ لَمْ يَرَهُمَا جَازَ
لِتَسَاوِي الْأَجْسَامِ إلَّا الْخَاصَّ، فَإِنْ أَتَاهُ بِفَادِحَيْنِ
لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ يُرِيدُ لَا يَلْزَمُهُ حَمْلُهُمَا وَالْكِرَاءُ
قَائِمٌ بَيْنَهُمَا وَيَأْتِي بِالْوَسَطِ مِنْ ذَلِكَ أَوْ يُكْرِي
الْإِبِلَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ. وَأَجَازَ مَالِكٌ لِلْمُكْتَرِي أَنْ
يَحْمِلَ فِي غَيْبَتِهِ ثَوْبًا أَوْ ثَوْبَيْنِ لِغَيْرِهِ وَلَا
يُخْبِرُ بِذَلِكَ الْجَمَّالَ وَهُوَ مِنْ شَأْنِ النَّاسِ، وَلَوْ
بَيَّنَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ وَوَزْنَهَا كَانَ أَحْسَنَ. وَإِذَا وَلَدَتْ
الْمُكْتَرِيَةُ فِي الطَّرِيقِ أُجْبِرَ الْحَمَّالُ عَلَى حَمْلِ
الْوَلَدِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ.
(7/568)
ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ؛ لِأَنَّهُ
الْعُرْفُ.
(وَبَيْعُهَا وَاسْتِثْنَاءُ رُكُوبِهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ
مَالِكٌ: مَنْ بَاعَ دَابَّةً وَاسْتَثْنَى رُكُوبَهَا يَوْمًا أَوْ
يَوْمَيْنِ أَوْ يُسَافِرُ عَلَيْهَا الْيَوْمَ أَوْ إلَى الْمَكَانِ
الْقَرِيبِ جَازَ ذَلِكَ، وَلَا يَنْبَغِي فِيمَا بَعُدَ وَضَمَانُهَا مِنْ
الْمُبْتَاعِ فِيمَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ، وَمِنْ الْبَائِعِ فِيمَا لَا
يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ. (الثَّلَاثَةَ لَا جُمُعَةً وَكُرِهَ
الْمُتَوَسِّطُ) . اللَّخْمِيِّ: مَنْ بَاعَ رَاحِلَةً وَاسْتَثْنَى
رُكُوبَهَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ وَهِيَ فِي الْحَضَرِ أَوْ فِي
السَّفَرِ جَازَ، وَيُكْرَهُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ وَيُمْنَعُ مَا كَثُرَ
كَالْجُمُعَةِ.
(وَكِرَاءُ دَابَّةٍ شَهْرًا إنْ لَمْ يَنْقُدْ) لَعَلَّهُ إلَى شَهْرٍ.
مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ اكْتَرَى رَاحِلَةً
بِعَيْنِهَا عَلَى أَنْ يَرْكَبَ عَلَيْهَا إلَى الْيَوْمَيْنِ وَمَا
قَرُبَ جَازَ ذَلِكَ، وَجَازَ النَّقْدُ، وَإِنْ كَانَ الرُّكُوبُ إلَى
شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ جَازَ مَا لَمْ يَنْقُدْ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّ
ضَمَانَهَا مِنْ رَبِّهَا فَفَارَقَتْ بَيْعَ الْمُعَيَّنِ يَتَأَخَّرُ
قَبْضُهُ.
(وَالرِّضَا بِغَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ الْهَالِكَةِ إنْ لَمْ يَنْقُدْ أَوْ
نَقَدَ وَاضْطُرَّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ هَلَكَتْ
الدَّابَّةُ الْمُعَيَّنَةُ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ يُرِيدُ وَقَدْ نَقَدَهُ،
فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْطِيَهُ دَابَّةً أُخْرَى يَرْكَبُهَا بَقِيَّةَ
سَفَرِهِ إلَّا أَنْ يُصِيبَهُ ذَلِكَ بِفَلَاةٍ وَمَوْضِعٍ لَا يُوجَدُ
فِيهِ كِرَاءٌ، فَلَا بَأْسَ بِهِ فِي الضَّرُورَةِ إلَى مَوْضِعٍ
مُسْتَعْتَبٍ فَقَطْ، وَسَوَاءٌ تَحَوَّلَ فِي كِرَاءٍ مَضْمُونٍ أَوْ
مُعَيَّنٍ إذَا كَانَ الْكِرَاءُ الْأَوَّلُ مُعَيَّنًا. وَقَدْ تَقَدَّمَ
قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ: إنْ لَمْ يَنْقُدْ جَازَ لَهُ كِرَاءٌ مُبْتَدَأٌ.
اُنْظُرْ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَدَابَّةٌ لِرُكُوبٍ ".
(وَفَعَلَ الْمُسْتَأْجَرُ عَلَيْهِ وَدُونَهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ
اكْتَرَى دَابَّةً لِحَمْلِ مَحْمِلٍ فَحَمَلَ زَامِلَةً فَعَطِبَتْ،
فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَقَلَّ ضَرَرًا مِنْ الْمَحْمِلِ أَوْ مُسَاوِيًا
لَهُ لَمْ يَضْمَنْ، وَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ غَيْرَ مَا سَمَّى إنْ لَمْ
يَكُنْ ذَلِكَ أَضَرَّ وَلَا أَثْقَلَ، وَرُبَّ زَامِلَةٍ أَثْقَلُ مِنْ
مَحْمِلٍ.
(وَحَمْلٌ بِرُؤْيَتِهِ أَوْ كَيْلِهِ أَوْ وَزْنِهِ أَوْ عَدَدِهِ إنْ
لَمْ يَتَفَاوَتْ) . ابْنُ شَاسٍ: الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ اسْتِئْجَارُ
الدَّابَّةِ لِلْحَمْلِ وَيُعْرَفُ قَدْرُ الْمَحْمُولِ بِالرُّؤْيَةِ إنْ
كَانَ حَاضِرًا، فَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَيَذْكُرُ الْكَيْلَ أَوْ
الْوَزْنَ أَوْ الْعَدَدَ فِيمَا لَا كَبِيرَ تَفَاوُتٍ بَيْنَ آحَادِهِ.
(وَإِقَالَةٌ بِزِيَادَةٍ قَبْلَ النَّقْدِ وَبَعْدَهُ إنْ لَمْ يَغِبْ
عَلَيْهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَكْرَى إلَى الْحَجِّ
أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ تَقَايَلَا بِرَأْسِ الْمَالِ أَوْ بِزِيَادَةٍ وَقَدْ
نَقَدَهُ أَوْ لَمْ يَنْقُدْهُ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الرُّكُوبِ وَقَبْلَ
النَّقْدِ أَوْ بَعْدَ النَّقْدِ
(7/569)
وَقَبْلَ غَيْبَتِهِ عَلَيْهِ فَلَا بَأْسَ
بِالزِّيَادَةِ مِمَّنْ كَانَتْ (وَإِلَّا فَلَا إلَّا الزِّيَادَةَ مِنْ
الْمُكْتَرِي فَقَطْ إنْ اقْتَصَّا أَوْ بَعْدَ سَيْرٍ كَثِيرٍ) لَوْ
قَالَ: " أَوْ مِنْ الْمُكْرِي بَعْدَ سَيْرٍ كَثِيرٍ " لَكَانَ وَاضِحًا
أَوْ يَكُونُ " بَعْدَ سَيْرٍ " مَعْطُوفًا عَلَى " مِنْ الْمُكْتَرِي "
كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ
الْقِيَامَةِ} [هود: 99] قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ نَقَدَهُ وَتَفَرَّقَا
جَازَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ الْمُكْتَرِي قِصَاصًا لَأَنْ يَأْخُذَ أَقَلَّ
مِمَّا دَفَعَ فَلَا تُهْمَةَ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ تَجُزْ مِنْ
الْمُكْتَرِي؛ لِأَنَّهُ رَدَّ أَكْثَرَ مِمَّا أَخَذَ فَهُوَ سَلَفٌ جَرَّ
مَنْفَعَةً، وَصَارَ الْكِرَاءُ مُحَلِّلًا. وَكَذَلِكَ بَعْدَ سَيْرِهِمَا
يَسِيرًا مِنْ الْمَسَافَةِ لِلتُّهْمَةِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُحَلِّلًا.
قَالَ مَالِكٌ: وَأَمَّا بَعْدَ السَّيْرِ الْكَثِيرِ مِنْ الطَّرِيقِ
مِمَّا لَا يُتَّهَمَانِ فِيهِ فَجَائِزٌ أَنْ يَزِيدَهُ الْكِرَاءَ إذَا
عَجَّلَ الزِّيَادَةَ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْبُيُوعِ وَأَكْرِيَةِ
الدُّورِ.
(وَاشْتِرَاطُ هَدِيَّةِ مَكَّةَ إنْ عُرِفَ وَعَقَبَةِ الْأَجِيرِ) مِنْ
الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ حَمْلَ هَدَايَا مَكَّةَ فَإِنْ
كَانَ أَمْرًا عُرِفَ وَجْهُهُ جَازَ وَإِلَّا لَمْ تَجُزْ.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَكْتَرِيَ مَحْمِلًا وَيَشْتَرِطَ
عَقَبَةُ الْأَجِيرِ. ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُ أَمْرٌ مَعْرُوفٌ.
(لَا حَمْلِ مَنْ مَرِضَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ:
مَنْ تَكَارَى مِنْ رَجُلٍ إلَى مَكَّةَ بِمِثْلِ مَا يَتَكَارَى النَّاسُ
لَمْ يَجُزْ قَالَ: وَإِنْ أَكْرَى مُشَاةٌ عَلَى أَزْوَادِهِمْ عَلَى
أَنَّ لَهُمْ حَمْلَ مَنْ مَرِضَ مِنْهُمْ لَمْ يَجُزْ.
(وَلَا اشْتِرَاطُ إنْ مَاتَتْ مُعَيَّنَةٌ أَتَاهُ بِغَيْرِهَا) قَالَ
ابْنُ الْقَاسِمِ وَعَبْدُ الْمَلِكِ: مَنْ اكْتَرَى دَابَّةً بِعَيْنِهَا
إلَى بَلَدٍ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى دَابَّةٍ أَوْطَأَ
مِنْهَا لَمْ يَجُزْ، لَا بِزِيَادَةٍ وَلَا غَيْرِهَا.
قَالَ فِي الْوَاضِحَةِ: وَلَوْ شَرَطَ فِي أَوَّلِ كِرَائِهِ أَنَّهُ إنْ
مَاتَتْ فَدَابَّتُهُ الْأُخْرَى بِعَيْنِهَا مَكَانَهَا إلَى غَايَةِ
سَفَرِهِ، أَوْ شَرَطَ إنْ بَقِيَ كِرَاؤُهُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَلَا
خَيْرَ فِيهِ.
(كَدَوَابَّ لِرِجَالٍ) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ كَانَتْ
الدَّوَابُّ لِرِجَالٍ لَمْ يَجُزْ (أَوْ لِأَمْكِنَةٍ) مِنْ
الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اكْتَرَى دَابَّتَيْنِ
وَاحِدَةً إلَى بُرْقَةَ وَأُخْرَى إلَى إفْرِيقِيَةَ وَهُمَا لِرَجُلٍ
وَاحِدٍ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُعَيِّنَ الَّتِي إلَى بُرْقَةَ وَاَلَّتِي
إلَى إفْرِيقِيَةَ.
(أَوْ لَمْ يَكُنْ الْعُرْفُ نَقْدٌ مُعَيَّنٌ وَإِنْ نَقَدَ) تَقَدَّمَ
نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اكْتَرَى دَابَّةً أَوْ دَارًا أَوْ
اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَإِنْ كَانَتْ سُنَّةُ
الْكِرَاءِ بِالْبَلَدِ بِالنَّقْدِ جَازَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ سُنَّتُهُمْ
بِالنَّقْدِ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ عُجِّلَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ إلَّا أَنْ
يَشْتَرِطَ النَّقْدَ فِي الْعَقْدِ. (أَوْ بِدَنَانِيرَ عُيِّنَتْ إلَّا
أَنْ يَشْتَرِطَ الْخَلَفَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ:
وَإِنْ اكْتَرَى مَا ذَكَرْنَا بِدَنَانِيرَ مُعَيَّنَةٍ ثُمَّ تَشَاحَّا
فِي النَّقْدِ قَضَى بِنَقْدِهَا وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ الْكِرَاءُ إلَّا
أَنْ يُشْتَرَطَ تَعْجِيلُهَا فِي الْعَقْدِ كَقَوْلِ مَالِكٍ فِيمَنْ
ابْتَاعَ سِلْعَةً
(7/570)
بِدَنَانِيرَ فِي بَلَدٍ آخَرَ عِنْدَ
قَاضٍ أَوْ غَيْرِهِ: فَإِنْ شَرَطَ ضَمَانَهَا إنْ تَلِفَتْ جَازَ
وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ. فَأَرَى إنْ كَانَ الْكِرَاءُ لَا
يُنْقَدُ فِي مِثْلِهِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ فِي
الدَّنَانِيرِ إنْ تَلِفَتْ فَعَلَيْهِ مِثْلُهَا.
(أَوْ لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مَا شَاءَ أَوْ لِمَكَانِ شَاءَ) مِنْ
الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ اكْتَرَى دَابَّةً وَلَمْ
يُسَمِّ مَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا لَمْ يَجُزْ إلَّا مِنْ قَوْمٍ قَدْ عُرِفَ
حَمْلُهُمْ فَذَلِكَ لَازِمٌ عَلَى مَا عُرِفُوا بِهِ مِنْ الْحَمْلِ.
وَلَوْ قَالَ: احْمِلْ عَلَيْهَا مِمَّا شِئْت لَمْ يَجُزْ لِاخْتِلَافِ
ضَرَرِ الْأَشْيَاءِ فِي الْحَمْلِ، وَكَذَلِكَ لِيَرْكَبَهَا إلَى أَيِّ
بَلَدٍ شَاءَ لَمْ يَجُزْ لِاخْتِلَافِ الطُّرُقِ بِالسُّهُولَةِ
وَالْوُعُورَةِ، وَكَذَلِكَ الْحَوَانِيتُ وَالدُّورُ وَكُلُّ مَا
تَبَاعَدَ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ أَضَرُّ
بِالْجَدَرَاتِ.
(أَوْ لِيُشَيِّعَ رَجُلًا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا يَجُوزُ كِرَاءُ
دَابَّةٍ لِيُشَيِّعَ عَلَيْهَا رَجُلًا حَتَّى يُسَمِّيَ مُنْتَهَى
التَّشْيِيعِ. قَالَ غَيْرُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ مَبْلَغُ التَّشْيِيعِ
بِالْبَلَدِ قَدْ عُرِفَ فَلَا بَأْسَ بِهِ.
(أَوْ بِمِثْلِ كِرَاءِ النَّاسِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ
الْقَاسِمِ: مَنْ تَكَارَى مِنْ رَجُلٍ إلَى مَكَّةَ بِمِثْلِ مَا
يَتَكَارَى بِهِ النَّاسُ لَمْ يَجُزْ.
(أَوْ إنْ وَصَلْت فِي كَذَا فَبِكَذَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ
الْقَاسِمِ: وَمَنْ اكْتَرَى مِنْ رَجُلٍ دَابَّةً عَلَى أَنَّهُ إنْ
بَلَغَ مَوْضِعَ كَذَا يَوْمَ كَذَا وَإِلَّا فَلَا كِرَاءَ لَهُ لَمْ
يَجُزْ، وَكَذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ إنْ بَلَغَهُ إلَى مَكَّةَ فِي عَشْرَةِ
أَيَّامٍ فَلَهُ عَشْرَةُ دَنَانِيرَ، وَإِنْ أَدْخَلَهُ فِي أَكْثَرَ
فَلَهُ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ لَمْ يَجُزْ وَيُفْسَخُ.
(أَوْ يَنْقُلَ إلَى بَلَدٍ وَإِنْ سَاوَتْ إلَّا بِإِذْنِهِ) مِنْ
الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ اكْتَرَى مِنْ رَجُلٍ عَلَى حُمُولَةٍ إلَى بَلَدٍ
فَلَيْسَ لَهُ صَرْفُهَا إلَى غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي اكْتَرَى إلَيْهِ
وَإِنْ سَاوَاهُ فِي الْمَسَافَةِ وَالصُّعُوبَةِ وَالسُّهُولَةِ إلَّا
بِإِذْنِ الْكَرِيِّ، وَلَمْ يُجِزْهُ غَيْرُهُ وَإِنْ رَضِيَا؛ لِأَنَّهُ
فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ.
(كَإِرْدَافِهِ خَلْفَكَ أَوْ حَمْلٍ مَعَكَ وَالْكِرَاءُ لَكَ إنْ لَمْ
تَحْمِلْ زِنَةً كَالسَّفِينَةِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ:
وَإِنْ اُكْتُرِيَتْ دَابَّةٌ بِعَيْنِهَا فَلَيْسَ لِرَبِّهَا أَنْ
يَحْمِلَ تَحْتَكَ مَتَاعًا وَلَا يُرْدِفَ رَدِيفًا وَكَأَنَّكَ مَلَكْت
ظَهْرَهَا، وَكَذَلِكَ السَّفِينَةُ. وَإِنْ حَمَلَ فِي مَتَاعِكَ عَلَى
الدَّابَّةِ مَتَاعًا بِكِرَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ كِرَاءٍ فَلَكَ كِرَاؤُهُ
إلَّا أَنْ تَكُونَ اكْتَرَيْت مِنْهُ عَلَى حَمْلٍ إنْ طَالَ مُسَمَّاهُ
فَالزِّيَادَةُ لَهُ.
قَالَ أَشْهَبُ: إنْ أَكْرَاهُ لِيَحْمِلَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ مَتَاعِهِ
فَكِرَاءُ الزِّيَادَةِ لِلْمُكْتَرِي. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ غَيْرُ
وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا: قَوْلُ أَشْهَبَ وِفَاقٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ.
(وَضَمِنَ إنْ اكْتَرَى لِغَيْرِ أَمِينٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ
مَالِكٌ: وَإِنْ اكْتَرَى دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا فَحَمَلَ مَكَانَهُ
مِثْلَهُ فِي الْخِفَّةِ وَالْأَمَانَةِ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ أَكْرَى
مِمَّنْ هُوَ أَثْقَلُ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِ مَأْمُونٍ ضَمِنَ.
(أَوْ عَطِبَتْ بِزِيَادَةِ مَسَافَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ
الْقَاسِمِ: وَإِذَا بَلَغَ الْمُكْتَرِي الْغَايَةَ الَّذِي اكْتَرَى
إلَيْهَا ثُمَّ زَادَ مِيلًا أَوْ نَحْوَهُ فَعَطِبَتْ الدَّابَّةُ
فَلِرَبِّهَا كِرَاؤُهُ الْأَوَّلُ وَالْخِيَارُ فِي أَخْذِ قِيمَةِ
كِرَاءِ الزِّيَادَةِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، أَوْ قِيمَةُ
(7/571)
الدَّابَّةِ يَوْمَ التَّعَدِّي.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: يَضْمَنُ فِي زِيَادَةِ الْمِيلِ
وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا مِثْلُ مَا يَعْدِلُ النَّاسُ إلَيْهِ فِي
الْمَرْحَلَةِ فَلَا يَضْمَنُ.
(أَوْ حَمْلٍ تَعْطُبُ بِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا
زَادَ الْمُكْتَرِي عَلَى الدَّابَّةِ فِي الْحَمْلِ الَّذِي شُرِطَ
فَعَطِبَتْ، فَإِنْ زَادَ مَا تَعْطُبُ بِمِثْلِهِ خُيِّرَ رَبُّهَا بَيْنَ
أَخْذِ الْمُكْتَرِي بِقِيمَةِ كِرَاءِ مَا زَادَ عَلَى الدَّابَّةِ
بَالِغًا مَا بَلَغَ مَعَ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ، أَوْ قِيمَةِ الدَّابَّةِ
يَوْمَ التَّعَدِّي وَلَا كِرَاءَ لَهُ. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ إذَا زَادَ
ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْحَمْلِ، وَإِنْ زَادَ بَعْدَ أَنْ سَارَ نِصْفَ
الطَّرِيقِ وَاخْتَارَ أَخْذَ قِيمَةِ الدَّابَّةِ فَلَهُ أَخْذُ قِيمَةِ
الدَّابَّةِ يَوْمَ التَّعَدِّي وَنِصْفُ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ،
وَكَذَلِكَ فِي ثُلُثِ الطَّرِيقِ أَوْ رُبُعِهَا لَهُ ثُلُثُ الْكِرَاءِ
أَوْ رُبُعُهُ مَعَ قِيمَةِ
(7/572)
الدَّابَّةِ (وَإِلَّا فَالْكِرَاءُ) قَالَ
مَالِكٌ: وَإِنْ زَادَ مَا لَا تَعْطَبُ بِمِثْلِهِ فَعَطِبَتْ فَلَهُ
كِرَاءُ الزِّيَادَةِ فَقَطْ مَعَ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ. ابْنُ يُونُسَ:
لِأَنَّ عَطَبَهَا لَيْسَ مِنْ أَجْلِ الزِّيَادَةِ وَذَلِكَ بِخِلَافِ
مُجَاوَزَةِ الْمَسَافَةِ؛ لِأَنَّ مُجَاوَزَةَ الْمَسَافَةِ تَعَدٍّ
كُلُّهُ فَيَضْمَنُ إذَا هَلَكَتْ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ،
وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْحَمْلِ الْمُشْتَرَطِ اجْتَمَعَ فِيهِ إذْنٌ
وَتَعَدٍّ، فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ لَا تَعْطَبُ فِي مِثْلِهَا عُلِمَ
أَنَّ هَلَاكَهَا فِيمَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ. ابْنُ يُونُسَ: وَصِفَةُ
كِرَاءِ الزِّيَادَةِ فِي الْحَمْلِ الَّذِي وَجَبَ لِرَبِّهَا
وَاخْتَارَهُ فِيمَا تَعْطَبُ فِيهِ أَنْ يُقَالَ؛ كَمْ يُسَاوِي كِرَاءُ
هَذِهِ الزِّيَادَةِ عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ الْمُحَمَّلَةِ حَسْبَمَا
تَعَدَّى عَلَيْهِ الْمُكْتَرِي؟ فَيَكُونُ ذَلِكَ لِرَبِّهَا مَعَ كِرَاءِ
الْأَوَّلِ (كَأَنْ لَمْ تَعْطَبْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ رَدَّهَا
بِحَالِهَا بَعْدَ أَنْ زَادَهَا الْمِيلَ وَالْأَمْيَالَ أَوْ بَعْدَ أَنْ
حَبَسَهَا الْيَوْمَ وَنَحْوَهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ: أَوْ
أَيَّامًا يَسِيرَةً لَمْ يَضْمَنْ إلَّا كِرَاءَ الزِّيَادَةِ (إلَّا أَنْ
يَحْبِسَهَا كَثِيرًا فَلَهُ كِرَاءُ الزَّائِدِ أَوْ قِيمَتُهَا) قَالَ
ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَمَّا إنْ كَثُرَتْ الزِّيَادَةُ أَوْ حَبَسَهَا
أَيَّامًا أَوْ شَهْرًا وَرَدَّهَا بِحَالِهَا فَلِرَبِّهَا كِرَاؤُهُ
الْأَوَّلُ وَالْخِيَارُ فِي أَخْذِ قِيمَتِهَا يَوْمَ التَّعَدِّي، أَوْ
كِرَاؤُهَا فِيمَا حَبَسَهُ فِيهِ مِنْ عَمَلٍ أَوْ حَبْسِهِ إيَّاهَا
بِغَيْرِ عَمَلٍ مَا بَلَغَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تَتَغَيَّرْ. وَانْظُرْ
مَسْأَلَةً نَزَلَتْ: اكْتَرَى مَا يَدْرُسُ بِهِ حَبًّا لِيَوْمٍ وَاحِدٍ
بِدِرْهَمٍ فَحَبَسَهُ سِنِينَ وَهُوَ لَا يُسَاوِي ثَلَاثَهُ دَرَاهِمَ.
(وَلَكَ فَسْخُ عَضُوضٍ أَوْ جَمُوحٍ أَوْ أَعْشَى أَوْ دَبِرَةٍ فَاحِشًا)
مِنْ
(7/573)
الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ اكْتَرَيْت
دَابَّةً أَوْ بَعِيرًا بِعَيْنِهِ فَإِذَا هُوَ عَضُوضٌ أَوْ جَمُوحٌ أَوْ
لَا يُبْصِرُ بِاللَّيْلِ أَوْ دَبِرَتْ تَحْتَكَ دَبْرَةً فَاحِشَةً
يُؤْذِيكَ رِيحُهَا، فَمَا أَضَرَّ مِنْ ذَلِكَ بِرَاكِبِهَا فَلَكَ فِيهَا
الْفَسْخُ؛ لِأَنَّهَا عُيُوبٌ وَالْكِرَاءُ غَيْرُ مَضْمُونٍ (كَأَنْ
يَطْحَنَ لَكَ كُلَّ يَوْمٍ إرْدَبَّيْنِ بِدِرْهَمٍ فَوُجِدَ لَا يَطْحَنُ
إلَّا إرْدَبًّا) تَقَدَّمَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ بِهَذَا بِحَسَبِ
الِانْجِرَارِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " وَهَلْ تَفْسُدُ إنْ جَمَعَهُمَا ".
(وَإِنْ زَادَ أَوْ نَقَصَ مَا يُشْبِهُ الْكَيْلَ فَلَا لَكَ وَلَا
عَلَيْكَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا حَمَلَ
لَكَ رَجُلٌ طَعَامًا فَزَادَ أَوْ نَقَصَ مَا يُشْبِهُ زِيَادَةَ
الْكَيْلِ وَنَقْصَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ مِنْ ضَمَانٍ وَلَا
حِصَّةِ كِرَاءٍ.
[فَصْلٌ فِي كِرَاءِ الْحَمَّامِ]
(فَصْلٌ) (جَازَ كِرَاءُ حَمَّامٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ
بِكِرَاءِ الْحَمَّامَاتِ. اللَّخْمِيِّ: إنْ كَانُوا يَدْخُلُونَ
مُسْتَتِرِينَ. اُنْظُرْ فِي الْإِمَامَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ
فَاسِقًا بِجَارِحَةٍ ".
(وَدَارٍ غَائِبَةٍ كَبَيْعِهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ
الْقَاسِمِ: مَنْ
(7/574)
اكْتَرَى دَارًا بِإِفْرِيقِيَةَ وَهُوَ
بِمِصْرَ جَازَ ذَلِكَ كَالشِّرَاءِ، وَلَا بَأْسَ بِالنَّقْدِ فِيهَا؛
لِأَنَّهَا مَأْمُونَةٌ، فَإِنْ قَدِمَ فَلَمْ يَرْضَهَا حِينَ رَآهَا.
وَقَالَ: هِيَ بَعِيدَةٌ مِنْ الْمَسْجِدِ فَالْكِرَاءُ لَا يَصْلُحُ إلَّا
أَنْ يَكُونَ قَدْ رَأَى الدَّارَ وَعَرَفَ مَوْضِعَهَا أَوْ عَلَى صِفَةٍ
وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ.
(أَوْ نِصْفِهَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ بِكِرَاءِ نِصْفِ دَارٍ
أَوْ سُدُسِهَا أَوْ جُزْءٍ شَائِعٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ مِنْهَا
كَالشِّرَاءِ. وَانْظُرْ عَلَى هَذَا الْفَرَّانَ يَكْتَرِي مِنْ رَبِّ
الْفُرْنِ نِصْفَ فُرْنٍ شَهْرًا بِدِينَارٍ بِمَا يَمْنَعُ رَبَّ
الْفُرْنِ أَوْ يُكْرِي بِذَلِكَ الدِّينَارِ وَقَّافًا يَخْدُمُ عَنْهُ
بِالْفُرْنِ ذَلِكَ الشَّهْرَ وَمَا يَمْنَعُ الْمُكْتَرِي أَنْ يُوَلِّيَ
الْفُرْنَ لِهَذَا الْوَقَّافِ.
(أَوْ نِصْفِ عَبْدٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: تَجُوزُ إجَارَةُ نِصْفِ
دَابَّةٍ أَوْ نِصْفِ عَبْدٍ يَكُونُ لِلْمُسْتَأْجِرِ يَوْمًا وَلِلَّذِي
لَهُ النِّصْفُ الْآخَرُ يَوْمًا كَالْبَيْعِ، وَمَا جَازَ لَكَ بَيْعُهُ
مِنْ ثَمَرِكَ جَازَ لَكَ الْإِجَارَةُ بِهِ.
(وَشَهْرًا عَلَى أَنْ يَسْكُنَ يَوْمًا لَزِمَ إنْ مَلَكَ الْبَقِيَّةَ)
مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اسْتَأْجَرَ بَيْتًا شَهْرًا بِعَشَرَةٍ عَلَى
أَنَّهُ إنْ سَكَنَ مِنْهُ يَوْمًا وَاحِدًا فَالْكِرَاءُ لَهُ لَازِمٌ،
جَازَ ذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَسْكُنَ بَقِيَّةَ الشَّهْرِ أَوْ
يُكْرِيَهُ إذَا خَرَجَ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ
فُقَهَائِنَا الْقَرَوِيِّينَ: ظَاهِرُ هَذَا الْعَقْدِ أَنَّهُ جَائِزٌ
وَأَنَّهُ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَسْكُنْ، فَإِذَا سَكَنَ انْعَقَدَ
الْكِرَاءُ فِي شَهْرٍ، فَإِنْ أَرَادَ إنْ سَكَنْت فَالْكِرَاءُ لِي
لَازِمٌ فَلَيْسَ لِي إنْ أَكْرِيَ مِنْ غَيْرِي كَانَ هَذَا مِنْ بَيْعِ
الشُّرُوطِ الَّتِي يَبِيعُ مِنْهُ عَلَى أَنْ يَبِيعَ وَلَا يَهَبَ،
فَهَذَا إذَا أَسْقَطُوا الشَّرْطَ عَلَى
(7/575)
أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ تَمَّ الْكِرَاءُ،
وَأَمَّا إنْ شُرِطَ فَإِنْ خَرَجَتْ عَادَ الْمَسْكَنُ إلَى الْمُكْرِي
وَعَلَيْهِ جُمْلَةُ الْكِرَاءِ فَهَذَا فَاسِدٌ لَا بُدَّ مِنْ فَسْخِهِ؛
لِأَنَّهُ غَرَرٌ.
(وَعَدَمُ بَيَانِ الِابْتِدَاءِ وَحُمِلَ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ) مِنْ
الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اكْتَرَى دَارًا سَنَةً أَوْ
سَنَتَيْنِ وَلَمْ يُسَمِّ مَتَى يَسْكُنُ جَازَ، وَيَسْكُنُ أَوْ يُسْكِنُ
غَيْرَهُ مَتَى شَاءَ مَا لَمْ يَأْتِ مِنْ ذَلِكَ ضَرَرٌ بَيِّنٌ عَلَى
الدَّارِ، يُرِيدُ ضَرَرًا فِي السُّكْنَى.
قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ: وَإِنْ أَغْلَقَهَا
الْمُكْتَرِي وَخَرَجَ فَذَلِكَ لَهُ لَيْسَ لِصَاحِبِ الدَّارِ أَنْ
يَقُولَ: يُخَرِّبُهَا عَلَيَّ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالسَّنَةُ مَحْسُوبَةٌ مِنْ يَوْمِ التَّعَاقُدِ
كَمَا لَوْ قَالَ هَذِهِ السَّنَةُ بِعَيْنِهَا.
(أَوْ مُشَاهَرَةً وَلَمْ يَلْزَمْ لَهُمَا إلَّا بِنَقْدٍ فَبِقَدْرِهِ)
مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ أَكْتَرِي مِنْكَ
دَارَكَ أَوْ حَانُوتَكَ أَوْ أَرْضَكَ أَوْ غُلَامَكَ أَوْ دَابَّتَكَ فِي
كُلِّ شَهْرٍ أَوْ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِكَذَا أَوْ كُلِّ سَنَةٍ بِكَذَا
أَوْ قَالَ فِي الشَّهْرِ أَوْ فِي السَّنَةِ أَوْ الشَّهْرِ أَوْ
السَّنَةِ، فَلَا يَقَعُ الْكِرَاءُ عَلَى تَعْيِينٍ وَلَيْسَ بِعَقْدٍ
لَازِمٍ، وَلِرَبِّ الدَّارِ أَنْ يُخْرِجَهُ مَتَى شَاءَ، وَلِلْمُكْتَرِي
أَنْ يَخْرُجَ مَتَى شَاءَ وَيَلْزَمُهُ فِيمَا سَكَنَ حِصَّتُهُ مِنْ
الْكِرَاءِ. ابْنُ يُونُسَ: وَكَأَنَّهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ قَالَ لَهُ:
أُكْرِيكَ مِنْ حِسَابِ الشَّهْرِ أَوْ مِنْ حِسَابِ السَّنَةِ بِكَذَا.
هَذَا هُوَ مَوْضُوعُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ إلَّا أَنْ يَنْقُدَهُ فِي
ذَلِكَ كِرَاءَ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ فَيَلْزَمُهُ تَمَامُ ذَلِكَ
(كَوَجِيبَةٍ بِشَهْرِ كَذَا وَهَذَا الشَّهْرُ أَوْ شَهْرًا أَوْ إلَى
كَذَا) عِيَاضٌ: كِرَاءُ الدُّورِ مُشَاهَرَةً وَمُسَانَاةً لَا خِلَافَ
إذَا نَصَّ عَلَى تَعْيِينِ السَّنَةِ أَوْ الشَّهْرِ أَوْ جَاءَ بِمَا
يَقُومُ مَقَامَ التَّعْيِينِ أَنَّهُ لَازِمٌ لَهُمَا وَذَلِكَ فِي خَمْسِ
صُوَرٍ: إذَا قَالَ شَهْرَ كَذَا وَهَذَا الشَّهْرَ، أَوْ سَمَّى الْعَدَدَ
فِيمَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدِ فَقَالَ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، أَوْ
ذَكَرَ الْأَجَلَ فَقَالَ أُكْرِيكَ إلَى شَهْرِ كَذَا، أَوْ أَنْقُدُ
كِرَاءَ كَذَا شَهْرًا أَوْ أَكْثَرَ إنَّ هَذَا كُلَّهُ لَازِمٌ لَهُمَا
الْمُدَّةَ الَّتِي ذَكَرَاهَا لَا خِيَارَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا اهـ.
فَانْظُرْ قَوْلَ عِيَاضٍ: " وَسَمَّى الْعَدَدَ فِيمَا زَادَ عَلَى
الْوَاحِدِ " فَلَعَلَّ لَفْظَ خَلِيلٍ كَانَ " أَوْ أَشْهُرٌ " فَأَسْقَطَ
النَّاسِخُ الْأَلْفَ. وَانْظُرْ قَوْلَهُمْ: " شَهْرُ كَذَا " قَالَ
الْمُتَيْطِيُّ: لَا يُضَافُ شَهْرٌ إلَّا إلَى رَمَضَانَ وَالرَّبِيعَيْنِ
قَالَ: وَالشُّهُورُ كُلُّهَا تُذَكَّرُ إلَّا جُمَادَى. وَاَلَّذِي
لِابْنِ يُونُسَ: وَإِنْ اكْتَرَى مِنْهُ سَنَةً بِعَيْنِهَا أَوْ شَهْرًا
بِعَيْنِهِ فَلَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا فَسْخُهُ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا
عَلَى ذَلِكَ جَمِيعًا.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَكَذَا لَوْ قَالَ: سِتَّةُ أَشْهُرٍ أَوْ هَذِهِ
السَّنَةَ أَوْ إلَى سَنَةِ كَذَا، فَهَذَا كُلُّهُ وَجِيبَةٌ لَازِمَةٌ
إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْخُرُوجَ لِمَنْ شَاءَ فَيَلْزَمُهُمَا ذَلِكَ،
وَلَا يَجُوزُ فِيهِ حِينَئِذٍ النَّقْدُ، وَيَجُوزُ فِي الْأَوَّلِ
النَّقْدُ وَالتَّأْخِيرُ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي هَذَا مَالِكٌ
وَأَصْحَابُهُ انْتَهَى. اُنْظُرْ قَوْلَهُ: " إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ
الْخُرُوجَ إنْ شَاءَ " هَلْ يُؤْخَذُ مِنْهُ كِرَاءُ الْأَحْبَاسِ عَلَى
قَبُولِ الزِّيَادَةِ وَأَظُنُّ سَيِّدِي ابْنَ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ
تَعَالَى - كَانَ يَأْخُذُهُ مِنْ هَذَا.
(وَفِي سَنَةٍ بِكَذَا تَأْوِيلَانِ) . عِيَاضٌ: وَإِذَا قَالَ أُكْرِيَ
مِنْكَ سَنَةً بِدِرْهَمٍ أَوْ شَهْرًا بِدِرْهَمٍ فَحَمَلَ أَكْثَرُهُمْ
ظَاهِرَ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ مِثْلُ قَوْلِهِ هَذِهِ السَّنَةُ
تَلْزَمُهُمَا السَّنَةَ أَوْ الشَّهْرَ. ابْنُ عَرَفَةَ: فِي كَوْنِ
كِرَاءِ الدَّارِ مُشَاهَرَةً مُنْحَلًّا مُطْلَقًا فِيمَا لَمْ يُسْكَنْ
وَلُزُومُهُ فِي أَوَّلِ شَهْرٍ فَقَطْ ثَالِثُهَا لُزُومُ الشَّهْرِ
بِسُكْنَى بَعْضِهِ أَوَّلًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ.
(7/576)
لِابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ
وَرِوَايَةُ ابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ.
(وَأَرْضِ مَطَرٍ عَشْرًا إنْ لَمْ يَنْقُدْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ
ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا بَأْسَ بِكِرَاءِ أَرْضِ الْمُكْرِي عَشْرَ
سِنِينَ إنْ لَمْ يَنْقُدْ، فَإِنْ شَرَطَ النَّقْدَ فَسَدَ الْكِرَاءُ،
وَإِنْ اكْتَرَاهَا سِنِينَ وَقَدْ أَمْكَنَتْ لِلْحَرْثِ جَازَ نَقْدُ
حِصَّةِ عَامِهِ هَذَا (وَإِنْ سَنَةً) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ:
وَإِنْ اكْتَرَى أَرْضَ الْمَطَرِ سَنَةً قُرْبَ الْحَرْثِ أَوْ حِينَ
تَوَقُّعِ الْغَيْثَ لَمْ يَجُزْ النَّقْدُ حَتَّى تُرْوَى وَتَمَكُّنَ
مِنْ الْحَرْثِ.
(إلَّا الْمَأْمُونَةَ كَالنِّيلِ وَالْمُعَيَّنَةَ فَيَجُوزُ) . ابْنُ
رُشْدٍ: عَقْدُ الْكِرَاءِ جَائِزٌ فِي الْأَرْضِينَ كُلِّهَا مِنْ غَيْرِ
تَفْصِيلٍ بَيْنَ السِّنِينَ الْكَثِيرَةِ، وَسَوَاءٌ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ
الْقَاسِمِ كَانَتْ مَأْمُونَةً أَوْ غَيْرَ مَأْمُونَةٍ. وَتَنْقَسِمُ فِي
جَوَازِ النَّقْدِ فِيهَا عَلَى قِسْمَيْنِ، فَمَا كَانَ مِنْهَا
مَأْمُونًا كَأَرْضِ النِّيلِ وَأَرْضِ الْمَطَرِ الْمَأْمُونَةِ وَأَرْضِ
السَّقْيِ بِالْأَنْهَارِ وَالْعُيُونِ الثَّابِتَةِ وَالْآبَارِ
الْمُعَيَّنَةِ فَالنَّقْدُ فِيهَا لِلْأَعْوَامِ الْكَثِيرَةِ جَائِزٌ،
وَمَا كَانَ مِنْهَا غَيْرَ مَأْمُونٍ فَلَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهَا
إلَّا بَعْدَ أَنْ يُرْوَى وَيُمَكِّنَ مِنْ الْحَرْثِ كَانَتْ مِنْ أَرْضِ
النِّيلِ أَوْ مِنْ أَرْضِ الْمَطَرِ أَوْ السَّقْيِ بِالْعُيُونِ
وَالْآبَارِ (وَيَجِبُ فِي مَأْمُونَةِ النِّيلِ إذَا رُوِيَتْ) ابْنُ
رُشْدٍ: وَتَنْقَسِمُ فِي وُجُوبِ النَّقْدِ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَرْضِ
النِّيلِ وَأَرْضِ السَّقْيِ وَالْمَطَرِ. فَأَمَّا أَرْضُ النِّيلِ
فَيَجِبُ النَّقْدُ فِيهَا إذَا رُوِيَتْ؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَاجُ إلَى
السَّقْيِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ فَبِالرَّيِّ يَكُونُ الْمُكْتَرِي قَابِضًا
لِمَا اكْتَرَى، وَأَمَّا أَرْضُ السَّقْيِ وَالْمَطَرِ فَلَا يَجِبُ عَلَى
الْمُكْتَرِي فِيهَا دَفْعُ الْكِرَاءِ حَتَّى يَتِمَّ الزَّرْعُ
وَيَسْتَغْنِيَ عَنْ الْمَاءِ.
(وَقَدْرٍ مِنْ أَرْضِكَ إنْ عُيِّنَ أَوْ تَسَاوَتْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ:
مَنْ اكْتَرَى مِائَةَ ذِرَاعٍ مِنْ أَرْضٍ مُعَيَّنَةٍ جَازَ إنْ
تَسَاوَتْ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ حَتَّى
(7/577)
يُعَيِّنَ مَوْضِعَهَا.
(وَعَلَى أَنْ يَحْرُثَهَا ثَلَاثًا أَوْ يُزَبِّلَهَا إنْ عُرِفَ) . ابْنُ
عَرَفَةَ: شَرْطُ مَنْفَعَةٍ فِي الْأَرْضِ كَشَرْطِ نَقْدِ بَعْضِ
كِرَائِهَا. مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اكْتَرَى أَرْضًا عَلَى أَنْ
يُحَرِّكَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيَزْرَعَهَا فِي التَّحْرِيكِ الرَّابِعِ
جَازَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ عَلَى أَنْ يُزَبِّلَهَا إنْ كَانَ الَّذِي
يُزَبِّلَهَا بِهِ شَيْئًا مَعْرُوفًا. ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ إذَا
كَانَتْ مَأْمُونَةً لِأَنَّ زِيَادَةَ الْحِرَاثَاتِ وَالتَّزْبِيلِ
مَنْفَعَةٌ تَبْقَى فِي الْأَرْضِ وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ زَرْعُهَا فَيَصِيرُ
كَالنَّقْدِ اشْتَرَطَهُ فِي غَيْرِ الْمَأْمُونَةِ.
(وَأَرْضٍ سِنِينَ) تَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ رُشْدٍ: إنَّ عَقْدَ الْكِرَاءِ
فِي الْأَرْضِينَ لِلسِّنِينَ الْكَثِيرَةِ جَائِزٌ مَأْمُونَةً كَانَتْ
أَوْ غَيْرَ مَأْمُونَةٍ (لِذِي شَجَرٍ بِهَا مُسْتَقْبَلَةً) مِنْ
الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ اكْتَرَيْت أَرْضًا سِنِينَ
مُسَمَّاةً فَغَرَسْت فِيهَا شَجَرًا فَانْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَفِيهَا
شَجَرُكَ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَكْتَرِيَهَا مِنْ رَبِّهَا سِنِينَ
مُسْتَقْبَلَةً. (وَإِنْ لِغَيْرِكَ) . اللَّخْمِيِّ: وَيَجُوزُ لِرَبِّ
الْأَرْضِ أَنْ يُكْرِيَهَا مِنْ غَيْرِ الْمُكْتَرِي الْأَوَّلِ وَيُقَالُ
لِلْمُكْتَرِي أَرْضِ الْمُكْتَرِي الْآخَرَ أَوْ اقْلَعْ شَجَرَكَ. وَمِنْ
ابْنِ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ اكْتَرَيْتهَا ثُمَّ
أَكْرَيْتَهَا مِنْ غَيْرِك فَغَرَسَهَا ثُمَّ انْقَضَتْ مُدَّةُ
الْكِرَاءِ وَفِيهَا غَرْسُهُ فَلَكَ أَنْ تَكْتَرِيَهَا مِنْ رَبِّهَا
سِنِينَ مُسْتَقْبَلَةً، فَإِنْ أَرْضَاكَ الْغَارِسُ وَإِلَّا قَلَعَ
غَرْسَهُ. ابْنُ يُونُسَ: وَإِنَّمَا جَازَ كِرَاؤُهَا عِنْدَ ابْنِ
الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يُجْبِرَ الْغَارِسَ عَلَى
قَلْعِ غَرْسِهِ بَعْدَ تَمَامِ كِرَائِهِ فَكَانَ الْمُكْتَرِي إنَّمَا
دَخَلَ عَلَى أَنْ يَقْلَعَ عَنْهُ الْغَارِسُ غَرْسَهُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ
مِنْ الْأَرْضِ مَا كَانَ رَبُّهَا يَمْلِكُهُ، وَلَا يَسْتَطِيعُ
الْغَارِسُ مُخَالَفَتَهُ فَقَدْ دَخَلَ عَلَى أَمْرٍ مَعْرُوفٍ.
(لَا زَرْعٍ) . اللَّخْمِيِّ: إنْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَفِي الْأَرْضِ
زَرْعٌ لَمْ يَكُنْ لِلْمُكْتَرِي الْأَوَّلِ وَلَا لِغَيْرِهِ أَنْ
يَكْتَرِيَ إلَّا مَا بَعْدَ هَذَا الزَّرْعِ بِخِلَافِ الْغَرْسِ،
وَثَالِثُ الْأَقْوَالِ الزَّرْعُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ يَغْرَمُ فِيهِ
كِرَاءَ الْمِثْلِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ كَانَ مَوْضِعُ الشَّجَرِ زَرْعًا أَخْضَرَ
لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يُكْرِيَهَا مَا دَامَ زَرْعُ هَذَا
فِيهَا؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ إذَا انْقَضَتْ الْإِجَارَةُ لَمْ يَكُنْ
لِرَبِّ الْأَرْضِ قَلْعُهُ وَإِنَّمَا لَهُ كِرَاءُ أَرْضِهِ وَلَهُ أَنْ
يَقْلَعَ الشَّجَرَ فَافْتَرَقَا إلَّا أَنْ يُكْرِيَهَا مِنْكَ إلَى
تَمَامِ الزَّرْعِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ.
قَالَ سَحْنُونَ: وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ مَأْمُونَةً يُرِيدُ فِي
جَوَازِ النَّقْدِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِذَا انْقَضَتْ السُّنُونَ وَلِلْمُكْتَرِي فِي
الْأَرْضِ زَرْعٌ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ لَمْ يَجُزْ لِرَبِّ الْأَرْضِ
شِرَاؤُهُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ بَيْعُ زَرْعٍ أَخْضَرَ يُشْتَرَطُ مَعَ
الْأَرْضِ فِي صَفْقَةٍ، وَكَذَلِكَ الْأُصُولُ بِثَمَرِهَا وَإِنْ لَمْ
يَشْتَرِطْهُ الْمُبْتَاعُ كَانَ مَا أَبَّرَ مِنْ الثَّمَرَةِ أَوْ مَا
ظَهَرَ مِنْ الْأَرْضِ مِنْ الزَّرْعِ لِلْبَائِعِ، وَإِذَا لَمْ تُؤَبَّرْ
الثَّمَرَةُ وَلَمْ يَظْهَرْ الزَّرْعُ مِنْ الْأَرْضِ فَذَلِكَ
لِلْمُبْتَاعِ. ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: الْأَشْبَهُ
أَنْ يَجُوزَ لِرَبِّ الْأَرْضِ شِرَاءُ مَا فِيهَا مِنْ زَرْعٍ؛ لِأَنَّ
الْأَرْضَ مِلْكٌ لَهُ فَصَارَ مَقْبُوضًا بِالْعَقْدِ، وَمَا يَحْدُثُ
فِيهِ مِنْ نَمَاءٍ إنَّمَا هُوَ فِي ضَمَانِ مُشْتَرِيهِ لِكَوْنِهِ فِي
أَرْضِهِ وَإِنَّمَا مُنِعَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ
بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا لِكَوْنِ ضَمَانِهَا مِنْ
الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أُصُولِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَرَأَيْت إنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ بِمَ
يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ
(7/578)
أَخِيهِ» . وَعَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ
أَجَازَ عَبْدُ الْمَلِكِ شِرَاءَ جِنَانٍ فِيهِ ثَمَرَةٌ بِقَمْحٍ أَوْ
بِجِنَانٍ فِيهِ ثَمَرَةٌ تُخَالِفُهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ ثَمَرَةٍ
مَقْبُوضَةٌ فَكَانَا مُتَنَاجِزَيْنِ.
(وَشَرْطُ كَنْسِ مِرْحَاضٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ:
مَنْ اكْتَرَى دَارًا أَوْ حَمَّامًا وَاشْتَرَطَ كَنْسَ الْمَرَاحِيضِ
وَالتُّرَابِ، وَغُسَالَةُ الْحَمَّامِ عَلَى الْمُكْتَرِي جَازَ؛
لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ. ابْنُ يُونُسَ: قِيلَ: مَعْنَى ذَلِكَ فِي كَنْسِ مَا
يَكُونُ بَعْدَ عَقْدِ الْكِرَاءِ، وَأَمَّا مَا كَانَ يَوْمَ الْعَقْدِ
فِي الْمَرَاحِيضِ فَهُوَ عَلَى الْمُكْتَرِي شَرَطَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَمْ
لَا كَمَا لَوْ كَانَ فِي أَحَدِ الْبُيُوتِ الْمُكْتَرَاةِ شَيْءٌ فَإِنَّ
عَلَيْهِ إزَالَتَهُ وَتَفْرِيغَ الْبَيْتِ لِلْمُكْتَرِي لِذَلِكَ
الْمِرْحَاضِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ اكْتَرَى دَارًا فَعَلَى
رَبِّهَا مَرَمَّتُهَا وَكَنْسُ مَرَاحِيضِهَا وَإِصْلَاحُ مَا وَهِيَ مِنْ
الْجِدَارَاتِ وَالْبُيُوتِ. ابْنُ يُونُسَ: لَعَلَّهُ يُرِيدُ فِي
الْمَرَمَّةِ وَالْإِصْلَاحِ الْخَفِيفَ أَوْ يُرِيدُ أَنَّهُ عَلَيْهِ
وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ هَذَا: إذَا تَعَطَّلَ
الْبَيْتُ لَمْ يُجْبَرْ رَبُّ الدَّارِ عَلَى الطُّرُوِّ وَلِلْمُكْتَرِي
الْخُرُوجُ فِي الضَّرَرِ الْبَيِّنِ إلَّا أَنْ يَطُرَّهَا رَبُّهَا
فَكَذَلِكَ هَذَا. وَقَوْلُهُ هَاهُنَا: " وَعَلَى رَبِّهَا كَنْسُ
الْمِرْحَاضِ " لَعَلَّهُ يُرِيدُ مَا كَانَ فِيهِ قَدِيمًا لِأَنَّ
ظَاهِرَ كَلَامِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنَّ الْكَنْسَ عَلَى
الْمُكْتَرِي إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ عَلَى رَبِّ الدَّارِ، وَهَذَا
كُلُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ أَوْ شَرْطٌ فَيُحْمَلَانِ عَلَيْهِ.
(وَمَرَمَّتِهِ وَتَطْيِينٍ مِنْ كِرَاءٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ
اكْتَرَى دَارًا أَوْ حَمَّامًا عَلَى أَنَّ مَا احْتَاجَا إلَيْهِ مِنْ
مَرَمَّةٍ رَمَّهَا الْمُكْتَرِي، فَإِنْ شَرَطَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ
الْكِرَاءِ جَازَ، وَلَوْ شَرَطَ أَنَّ مَا عَجَزَ عَنْ الْكِرَاءِ
أَنْفَقَهُ السَّاكِنُ مِنْ عِنْدِهِ لَمْ يَجُزْ (وَجَبَ) لَا إنْ لَمْ
يَجِبْ. (أَوْ مِنْ عِنْدِ الْمُكْتَرِي) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ
اكْتَرَى دَارًا عَلَى أَنَّ مَا احْتَاجَتْ إلَيْهِ مِنْ يَسِيرِ
مَرَمَّةٍ رَمَّهَا الْمُكْتَرِي لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ
مِنْ كِرَائِهَا.
(أَوْ حَمِيمِ أَهْلِ ذِي الْحَمَّامِ أَوْ نُورَتِهِمْ مُطْلَقًا) مِنْ
الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اكْتَرَى حَمَّامًا عَلَى
أَنَّ عَلَيْهِ لِرَبِّهِ مَا احْتَاجَ أَهْلُهُ مِنْ نُورَةٍ أَوْ حَمِيمٍ
لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَشْتَرِطَ شَيْئًا مَعْرُوفًا.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا عَرَفَ نَاحِيَةَ عِيَالِ
الرَّجُلِ مِنْ قِلَّةٍ وَكَثْرَةٍ وَعَلِمَ عِدَّتَهُمْ، وَقَدْ أَجَازَهُ
مَالِكٌ وَأَجَازَ اسْتِئْجَارَ الْخَيَّاطِ عَلَى خِيَاطَةِ مَا يَحْتَاجُ
إلَيْهِ هُوَ وَأَهْلُهُ مِنْ الثِّيَابِ فِي السَّنَةِ، أَوْ الْفَرَّانِ
عَلَى خَبْزِ مَا يَحْتَاجُ لَهُ مِنْ الْخُبْزِ سَنَةً أَوْ شَهْرًا إذَا
عَرَفَ عِيَالَ الرَّجُلِ وَمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ. ابْنُ
يُونُسَ: وَهَذَا مَعْرُوفٌ؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ لَا بُدَّ مِنْهُ،
وَمِقْدَارُ أَكْلِ النَّاسِ مَعْرُوفٌ وَالْخِيَاطَةُ قَرِيبٌ مِنْهُ،
وَأَمَّا دُخُولُ الْحَمَّامِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَدْخُلَ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ
فِي الشَّهْرِ مَرَّةً، وَالنُّورَةُ يُمْكِنُ أَنْ تُعْمَلَ فِي الشَّهْرِ
مَرَّةً أَوْ فِي الشَّهْرِ مَرَّتَيْنِ، فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا عَلَى
أَمْرٍ مَعْرُوفٍ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَهُوَ الصَّوَابُ إنْ
شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(أَوْ لَمْ يُعَيِّنْ فِي الْأَرْضِ بِنَاءً أَوْ غَرْسًا وَبَعْضُهُ
أَضَرُّ وَلَا عُرْفَ) ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ لَمْ يُعَيِّنْ فِي
الْأَرْضِ بِنَاءً وَلَا غَرْسًا وَلَا زِرَاعَةً وَلَا غَيْرَهُ
وَبَعْضُهُ أَضَرُّ فَلَهُ مَا يُشْبِهُ، فَإِنْ أَشْبَهَ الْجَمِيعُ
فَسَدَ وَلَوْ سَمَّى صِنْفًا يَزْرَعُهُ جَازَ مِثْلُهُ وَدُونَهُ. مِنْ
الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا عَشْرَ
سِنِينَ فَزَرَعَهَا فَأَرَادَ أَنْ يَغْرِسَ فِيهَا شَجَرًا فَذَلِكَ لَهُ
إذَا لَمْ يَضُرَّ الْأَرْضَ. اللَّخْمِيِّ: وَكَذَلِكَ إنْ اسْتَأْجَرَهَا
لِيَزْرَعَهَا
(7/579)
شَعِيرًا وَأَحَبَّ أَنْ يَزْرَعَهَا
حِنْطَةً لَمْ يُمْنَعْ إذَا لَمْ يَضُرَّ.
(وَكِرَاءٌ وَكَيْلٌ بِمُحَابَاةٍ أَوْ بِعَرْضٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ وَكَّلَ رَجُلًا يُكْرِي دَارِهِ
فَأَكْرَاهَا بِغَيْرِ الْعَيْنِ أَوْ حَابَى فِي الْكِرَاءِ فَهُوَ
كَالْبَيْعِ لَا يَجُوزُ. ابْنُ يُونُسَ: وَلَهُ فَسْخُ الْكِرَاءِ أَوْ
إجَازَتُهُ إنْ لَمْ يَفُتْ، فَإِنْ فَاتَ رَجَعَ عَلَى الْوَكِيلِ
بِالْمُحَابَاةِ قَالَ: وَلَوْ أَعَارَهَا أَوْ وَهَبَهَا أَوْ تَصَدَّقَ
بِهَا أَوْ أَسْكَنَهَا أَوْ حَابَى فِي كِرَائِهَا رَجَعَ بِهَا عَلَى
الْوَكِيلِ بِالْكِرَاءِ فِي مَالِهِ، ثُمَّ لَا رُجُوعَ عَلَى الْوَكِيلِ
لِلسَّاكِنِ، وَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ عَدِيمًا رَجَعَ رَبُّهَا عَلَى
السَّاكِنِ بِالْكِرَاءِ ثُمَّ لَا رُجُوعَ لِلسَّاكِنِ عَلَى الْوَكِيلِ.
(أَوْ أَرْضٍ مُدَّةً لِغَرْسٍ فَإِذَا انْقَضَتْ فَهُوَ لِرَبِّ الْأَرْضِ
وَلَهُ نِصْفُهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَكْرَى أَرْضًا
عَشْرَ سِنِينَ عَلَى أَنْ يَغْرِسَهَا الْمُكْتَرِي شَجَرًا سَمَّاهَا
عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ لِلْغَارِسِ فَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ
فَالشَّجَرُ لِرَبِّ الْأَرْضِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ أَكْرَاهَا بِشَجَرٍ
لَا يَدْرِي أَيُسْلَمُ الشَّجَرُ إلَيْهِ أَمْ لَا. اللَّخْمِيِّ:
وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: أُكْرِيكَ عَشْرَ سِنِينَ عَلَى أَنَّ نِصْفَ
الشَّجَرِ لِي وَنِصْفَهُ لَكَ بَعْدَ الْعَشْرِ سِنِينَ، فَإِنْ قَالَ:
عَلَى أَنَّ لَكَ نِصْفَهَا مِنْ الْآنِ جَازَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يَجُوزُ وَهُوَ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ اهـ
اُنْظُرْ قَوْلَهُ: " وَقَالَ غَيْرُهُ " وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ
كِتَابِ الْمُغَارَسَةِ وَلَمْ يَعْقِدْ لَهَا خَلِيلٌ فَصْلًا، وَعَقَدَ
الْمُتَيْطِيُّ عَلَيْهَا كِتَابًا فَقَالَ: كِتَابُ الْمُغَارَسَةِ. ثُمَّ
قَالَ: فَإِنْ كَانَتْ الْغُرُوسُ مِنْ عِنْدِ رَبِّ الْأَرْضِ فَلَا
إشْكَالَ فِي جَوَازِهِ، سَمَّى لَهُ عَدَدَ مَا يَغْرِسُ فِي الْأَرْضِ
أَوْ لَمْ يُسَمِّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ النَّاسِ. أَمَّا إنْ
كَانَتْ الْغُرُوسُ مِنْ عِنْدِ الْغَارِسِ فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ كَمَا
دَخَلَ مَسْأَلَةُ الَّذِي اسْتَأْجَرَ الْأَجِيرَ عَلَى أَنْ يَبْنِيَ
لَهُ دَارًا عَلَى أَنَّ الْآجُرَّ وَالْجِصَّ مِنْ عِنْدِ الْبَنَّاءِ.
رَاجِعْهُ فِيهِ.
(وَالسَّنَةُ فِي الْمَطَرِ بِالْحَصَادِ) وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ
ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اكْتَرَى أَرْضًا فَحَصَدَ زَرْعَهُ قَبْلَ تَمَامِ
السَّنَةِ، فَأَمَّا أَرْضُ الْمَطَرِ فَمُجْمَلُ السَّنَةِ فِيهَا
الْحَصَادُ وَيُقْضَى بِذَلِكَ فِيهَا (وَفِي السَّقْيِ بِالشُّهُورِ)
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَمَّا ذَاتُ السَّقْيِ الَّتِي تُكْرَى عَلَى
أَمَدِ الشُّهُورِ وَالسِّنِينَ فَلِلْمُكْتَرِي الْعَمَلُ إلَى تَمَامِ
سَنَةٍ، فَإِنْ تَمَّتْ وَلَهُ فِيهَا زَرْعٌ أَخْضَرُ أَوْ بَقْلٌ
فَلَيْسَ لِرَبِّ الْأَرْضِ قَلْعُهُ وَعَلَيْهِ تَرْكُهُ إلَى تَمَامِهِ
وَلَهُ فِيمَا بَقِيَ كِرَاءُ مِثْلِهَا عَلَى حِسَابِ مَا اكْتَرَاهَا
مِنْهُ. وَطَرَحَ سَحْنُونَ عَلَى حَسَبِ مَا أَكْرَى وَأَبْقَى كِرَاءَ
الْمِثْلِ.
وَنَقَلَهَا أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَهُ فِيمَا بَقِيَ
كِرَاءُ مِثْلِهِ لَا عَلَى مَا أَكْرَاهُ. ابْنُ يُونُسَ: وَكَلَامُ ابْنِ
الْقَاسِمِ جَيِّدٌ. اُنْظُرْ تَوْجِيهَهُ فِي تَرْجَمَةِ مَنْ اكْتَرَى
أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا.
(وَفِي السَّقْيِ فَبِالشُّهُورِ فَإِنْ تَمَّتْ وَلَهُ زَرْعٌ أَخْضَرُ
فَكِرَاءُ مِثْلِ الزَّائِدِ وَإِنْ انْتَثَرَ لِلْمُكْتَرِي حَبٌّ
فَنَبَتَ قَابِلًا فَهُوَ لِرَبِّ الْأَرْضِ كَمَنْ جَرَّهُ السَّيْلُ
إلَيْهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا انْتَثَرَ
لِلْمُكْتَرِي حَبٌّ فِي الْأَرْضِ فِي حَصَادِهِ فِي
(7/580)
الْأَرْضِ فَنَبَتَ قَابِلًا فَهُوَ
لِرَبِّ الْأَرْضِ، وَكَذَلِكَ مَنْ زَرَعَ زَرْعًا فَحَمَلَ السَّيْلُ
زَرْعَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْبُتَ إلَى أَرْضِ غَيْرِهِ فَنَبَتَ فِيهَا قَالَ
مَالِكٌ: وَالزَّرْعُ لِمَنْ جَرَّهُ السَّيْلُ إلَى أَرْضِهِ وَلَا شَيْءَ
لِلزَّارِعِ اهـ. وَانْظُرْ الْأَشْجَارَ هِيَ بِخِلَافِ هَذَا قَالَ
سَحْنُونَ: لَوْ قَلَعَ السَّيْلُ مِنْ أَرْضٍ شَجَرَاتٍ فَصَيَّرَهَا إلَى
أَرْضِ رَجُلٍ فَنَبَتَتْ فِيهَا فَلْيَنْظُرْ، فَإِنْ كَانَ إنْ قُلِعَتْ
وَرُدَّتْ إلَى أَرْضِهِ نَبَتَتْ فَلَهُ قَلْعُهَا، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا
يَقْلَعُهَا لِلْحَطَبِ لَا لِيَغْرِسَهَا فِي أَرْضِهِ فَهَذَا مُضَارٌّ
وَلَهُ الْقِيمَةُ، وَإِنْ كَانَتْ الشَّجَرُ لَوْ قُلِعَتْ لَمْ تَنْبُتْ
فِي أَرْضِ رَبِّهَا وَإِنَّمَا تَصِيرُ حَطَبًا فَهَذَا الَّذِي جَرَتْ
فِي أَرْضِهِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَأْذَنَ لِرَبِّهَا فِي قَلْعِهَا
أَوْ يُعْطِيَهُ قِيمَتَهَا مَقْلُوعَةً. وَلَوْ نَقَلَ السَّيْلُ تُرَابَ
أَرْضٍ إلَى أُخْرَى فَإِنْ أَرَادَ رَبُّهُ نَقْلَهُ إلَى أَرْضِهِ
وَكَانَ مَعْرُوفًا فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ أَبَى يَنْقُلُهُ فَطَلَبَهُ
مَنْ صَارَ فِي أَرْضِهِ بِتَنْحِيَتِهِ عَنْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِأَنَّهُ
لَمْ يَحُزْ شَيْئًا.
(وَلَزِمَ الْكِرَاءُ بِالتَّمَكُّنِ) ابْنُ شَاسٍ: لَا يُسْتَحَقُّ
تَقْدِيمُ جُزْءٍ مِنْ الْإِجَارَةِ إلَّا بِالتَّمَكُّنِ مِنْ اسْتِيفَاءِ
مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ اهـ. وَانْظُرْ هَذَا مَعَ مَا
تَقَدَّمَ لِابْنِ يُونُسَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يَنْقُدَ
إلَّا بِقَدْرِ مَا رَكِبَ أَوْ سَكَنَ.
وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ حَبَسَ الدَّابَّةَ أَوْ الثَّوْبَ
الْمُدَّةَ الْمُعَيَّنَةَ تَثْبُتُ الْأُجْرَةُ إذْ التَّمَكُّنُ
كَالِاسْتِيفَاءِ فَإِنْ زَادَ عَلَى الْمُدَّةِ رَاجَعَهُ فِيهِ.
(وَإِنْ فَسَدَتْ بِجَائِحَةٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: لَوْ هَلَكَ الزَّرْعُ
بِبَرْدِ أَوْ جَلِيدٍ أَوْ جَائِحَةٍ فَالْكِرَاءُ عَلَيْهِ. (أَوْ غَرِقَ
بَعْدَ وَقْتِ الْحَرْثِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ أَتَى مَطَرٌ فَغَرِقَ
زَرْعُهُ فِي إبَّانٍ لَوْ انْكَشَفَ الْمَاءُ عَنْ الْأَرْضِ أَدْرَكَ
زَرْعَهَا ثَانِيَةً فَلَمْ يَنْكَشِفْ حَتَّى فَاتَ الْإِبَّانُ فَذَلِكَ
كَغَرَقِهَا فِي الْإِبَّانِ قَبْلَ أَنْ تُزْرَعَ حَتَّى فَاتَ الْحَرْثُ
فَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ انْكَشَفَ الْمَاءُ فِي إبَّانٍ يُدْرَكُ
فِيهِ الْحَرْثُ لَزِمَهُ الْكِرَاءُ وَإِنْ لَمْ يَحْدُثْ. وَمِنْ
الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا. إنْ أَتَى مَطَرٌ بَعْدَ الزَّرْعِ وَفَاتَ
إبَّانُ الزِّرَاعَةِ فَغَرِقَ زَرْعُهُ حَتَّى هَلَكَ بِذَلِكَ فَهِيَ
جَائِحَةٌ عَلَى الزَّارِعِ وَعَلَيْهِ جَمِيعُ الْكِرَاءِ بِخِلَافِ
هَلَاكِهِ مِنْ الْقَحْطِ.
(أَوْ عَدَمِهِ بَذْرًا أَوْ سِجْنِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ
الْقَاسِمِ: وَلَا يُنْقَضُ الْكِرَاءُ بِمَوْتِ الْمُتَكَارِيَيْنِ أَوْ
أَحَدِهِمَا، وَكَذَلِكَ مَنْ اكْتَرَى دَارًا أَوْ أَرْضًا فَلَمْ يَجِدْ
بَذْرًا أَوْ سَجَنَهُ السُّلْطَانُ بَاقِيَ الْمُدَّةِ فَالْكِرَاءُ
يَلْزَمُهُ وَلَا يُعْذَرُ بِهَذَا وَلَكِنْ يُكْرِيهَا هُوَ إنْ لَمْ
يَقْدِرْ أَنْ يَزْرَعَهَا أَوْ يَسْكُنَ الدَّارَ.
. (أَوْ انْهَدَمَتْ شُرُفَاتُ الْبَيْتِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ
الْقَاسِمِ: إذَا لَمْ
(7/581)
يَكُنْ فِيمَا انْهَدَمَ ضَرَرٌ عَلَى
الْمُكْتَرِي وَلَمْ يُبَيِّنْهُ رَبُّ الدَّارِ، لَزِمَ الْمُكْتَرِيَ
السُّكْنَى بِجَمِيعِ الْكِرَاءِ وَلَا يُوضَعُ عَنْهُ مِنْ الْكِرَاءِ
شَيْءٌ لِذَلِكَ، وَانْهِدَامُ الشُّرُفَاتِ لَا يَضُرُّ بِسُكْنَى
الْمُكْتَرِي. وَإِنْ اتَّفَقَ فِيهَا كَانَ مُتَطَوِّعًا وَلَا شَيْءَ
لَهُ يُرِيدُ إلَّا أَخْذَ النَّقْضِ فَلَهُ أَخْذُهُ إنْ كَانَ يَنْتَفِعُ
بِهِ. (أَوْ سَكَنَ أَجْنَبِيٌّ بَعْضَهُ) الَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ: إنْ
اكْتَرَيْت مِنْ رَجُلٍ دَارًا هُوَ فِيهَا فَبَقِيَ فِي طَائِفَةٍ مِنْهَا
لَمْ يَخْرُجْ وَسَكَنْت أَنْتَ طَائِفَةً لَمْ يَجِبْ عَلَيْكَ إلَّا
حِصَّةُ مَا سَكَنْت، وَكَذَلِكَ لَوْ سَكَنَ أَجْنَبِيٌّ طَائِفَةً مِنْ
ذَلِكَ وَقَدْ عَلِمْت بِهِ فَلَمْ تُخْرِجْهُ لَزِمَهُ كِرَاءُ مَا
سَكَنَ. (لَا إنْ نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ الْكِرَاءِ وَإِنْ قَلَّ أَوْ
انْهَدَمَ بَيْتٌ مِنْهَا أَوْ سَكَنَهُ مُكْرِيهِ أَوْ لَمْ يَأْتِ
بِسُلَّمِ لِلْأَعْلَى أَوْ عَطِشَ بَعْضُ الْأَرْضِ أَوْ غَرِقَ
فَبِحِصَّتِهِ) أَمَّا مَسْأَلَةُ الرُّجُوعِ بِالْحِصَّةِ إذَا نَقَصَ
مِنْ قِيمَةِ الْكِرَاءِ وَإِنْ قَلَّ أَوْ انْهَدَمَ بَيْتٌ مِنْهَا
فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْهَدْمُ فِي الدَّارِ الْمُكْتَرَاةِ إنْ كَانَ
يَسِيرًا فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةٍ: الْأَوَّلُ: مَا لَا مَضَرَّةَ فِيهِ
عَلَى السَّاكِنِ وَلَا يَنْقُصُ مِنْ قِيمَةِ كِرَاءِ الدَّارِ شَيْئًا
كَالشُّرُفَاتِ وَنَحْوِهَا، فَلَا خِلَافَ أَنَّ الْكِرَاءَ لِلْمُكْتَرِي
لَازِمٌ وَلَا يُحَطُّ عَنْهُ مِنْهُ شَيْءٌ.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لَا مَضَرَّةَ فِيهِ عَلَى السَّاكِنِ إلَّا
أَنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ قِيمَةِ كِرَاءِ الدَّارِ، فَهَذَا يَلْزَمُهُ
السُّكْنَى وَيُحَطُّ عَنْهُ مَا حَطَّ ذَلِكَ مِنْ قِيمَةِ الْكِرَاءِ إنْ
لَمْ يُصْلِحْهُ رَبُّ الدَّارِ وَلَا يَلْزَمُهُ إصْلَاحُهُ، فَإِنْ
سَكَتَ وَسَكَنَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ.
الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ فِيهِ مَضَرَّةٌ عَلَى السَّاكِنِ مِنْ غَيْرِ
أَنْ يُبْطِلَ مِنْ مَنَافِعِ الدَّارِ شَيْئًا كَالْهَطْلِ وَشِبْهِهِ
فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنَّ رَبَّ الدَّارِ لَا يَلْزَمُهُ
الْإِصْلَاحُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ، فَإِنْ أَبَى كَانَ الْمُكْتَرِي
بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَسْكُنَ بِجَمِيعِ الْكِرَاءِ أَوْ يَخْرُجَ،
فَإِنْ سَكَتَ وَسَكَنَ لَزِمَهُ جَمِيعُ الْكِرَاءِ.
(7/582)
وَأَمَّا إنْ كَانَ الْهَدْمُ. كَثِيرًا
فَلَا يَلْزَمُ رَبَّ الدَّارِ الْإِصْلَاحُ بِإِجْمَاعٍ وَهُوَ أَيْضًا
عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ أَنْ يَعِيبَ السُّكْنَى وَيَنْقُصَ
مِنْ قِيمَةِ الْكِرَاءِ وَلَا يُبْطِلَ شَيْئًا مِنْ الْمَنَافِعِ مِثْلَ
أَنْ تَكُونَ الدَّارُ مُبَلَّطَةً مُجَصَّصَةً فَيَذْهَبُ تَبْلِيطُهَا
وَتَجْصِيصُهَا، فَهَذَا يَكُونُ الْمُكْتَرِي بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ
يَسْكُنَ بِجَمِيعِ الْكِرَاءِ أَوْ يَخْرُجَ إلَّا أَنْ يُصْلِحَ ذَلِكَ
رَبُّ الدَّارِ، فَإِنْ سَكَتَ وَسَكَنَ لَزِمَهُ جَمِيعُ الْكِرَاءِ عَلَى
مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ.
الثَّانِي أَنْ يُبْطِلَ الْيَسِيرَ مِنْ مَنَافِعِ الدَّارِ كَالْبَيْتِ
يَنْهَدِمُ مِنْهَا وَهِيَ ذَاتُ بُيُوتٍ فَهَذَا يَلْزَمُهُ السُّكْنَى
يُحَطُّ مَا نَابَ الْبَيْتَ الْمُنْهَدِمَ مِنْ الْكِرَاءِ.
الثَّالِثُ أَنْ يُبْطِلَ أَكْثَرَ مَنَافِعِ الدَّارِ أَوْ مَنْفَعَةَ
الْبَيْتِ الَّذِي هُوَ وَجْهُهَا أَوْ يَكْشِفُهَا بِانْهِدَامِ
حَائِطِهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَهَذَا يَكُونُ الْمُكْتَرِي فِيهِ
مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَسْكُنَ بِجَمِيعِ الْكِرَاءِ أَوْ يَخْرُجَ،
فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَسْكُنَ عَلَى أَنْ يُحَطَّ عَنْهُ مَا يَنُوبُ مَا
انْهَدَمَ مِنْ الْكِرَاءِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَرْضَى
بِذَلِكَ رَبُّ الدَّارِ فَيَجْرِي جَوَازُهُ عَلَى جَوَازِ جَمْعِ
الرَّجُلَيْنِ سِلْعَتَيْهِمَا فِي الْبَيْعِ انْتَهَى.
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الرُّجُوعِ بِالْحِصَّةِ إذَا سَكَنَهُ مُكْرِيهِ
فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا سَكَنَ صَاحِبُ طَائِفَةٍ مِنْهَا فَقَالَ
الْمُكْتَرِي: إنَّمَا أُعْطِيك حِصَّةً أَنَّ ذَلِكَ لَهُ. وَأَمَّا
مَسْأَلَةُ الرُّجُوعِ بِالْحِصَّةِ إذَا لَمْ يَأْتِ بِسُلَّمٍ
لِلْأَعْلَى سَكَنَهُ مُكْرِيهِ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا سَكَنَ صَاحِبُ الدَّارِ طَائِفَةً مِنْهَا
فَقَالَ الْمُكْتَرِي إنَّمَا أُعْطِيكَ حِصَّةً أَنَّ ذَلِكَ لَهُ.
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الرُّجُوعِ بِالْحِصَّةِ لِعَطَشِ بَعْضِ الْأَرْضِ
أَوْ غَرَقٍ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا
فَغَرِقَ بَعْضُهَا قَبْلَ الزِّرَاعَةِ أَوْ عَطِشَ، فَإِنْ كَانَ
اكْتَرَاهَا رَدَّ جَمِيعَهَا، وَإِنْ كَانَ تَافِهًا حُطَّ عَنْهُ
بِقَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْ الْكِرَاءِ.
(وَخُيِّرَ فِي مُضِرٍّ كَهَطْلٍ فَإِنْ بَقِيَ فَالْكِرَاءُ) تَقَدَّمَ
قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ كَالْهَطْلِ أَنَّ
الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ، فَإِنْ سَكَنَ لَزِمَهُ جَمِيعُ الْكِرَاءِ.
(كَعَطَشِ أَرْضِ صُلْحٍ وَهَلْ مُطْلَقًا أَوْ إلَّا أَنْ يُصَالِحُوا
عَلَى الْأَرْضِ تَأْوِيلَانِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ زَرَعَ فِي
أَرْضِ الْخَرَاجِ بِكِرَاءٍ، مِثْلُ أَرْضِ مِصْرَ فَغَرِقَتْ أَوْ
عَطِشَتْ قَبْلَ الْحَرْثِ فَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ
يَتِمَّ زَرْعُهَا مِنْ الْعَطَشِ. وَأَمَّا أَرْضُ الصُّلْحِ الَّتِي
صَالَحُوا عَلَيْهَا إذَا زَرَعُوا فَعَطِشَ زَرْعُهُمْ فَعَلَيْهِمْ
خَرَاجُ أَرْضِهِمْ. قَالَ غَيْرُهُ: هَذَا إنْ كَانَ الصُّلْحُ وَظِيفَةً
عَلَيْهِمْ، وَأَمَّا إنْ صَالَحُوا عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ خَرَاجًا
مَعْرُوفًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ. ابْنُ يُونُسَ: وَأَمَّا أَرْضُ
مِصْرَ إذَا عَطِشَتْ وُضِعَ الْكِرَاءُ عَنْ الْمُكْتَرِي؛ لِأَنَّهَا
أَرْضُ عَنْوَةٍ أَكْرَاهَا السُّلْطَانُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا أَرْضُ
الصُّلْحِ فَإِنْ كَانَ إنَّمَا صَالَحَهُمْ عَلَى أَنَّ عَلَى أَرْضِهِمْ
خَرَاجًا فَالْأَمْرُ كَمَا لَوْ قَالَ الْغَيْرُ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ
يُخَالِفَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي هَذَا، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا صَالَحَهُمْ
كَانَ عَلَى الْمُصَالَحِينَ خَرَاجًا لِمِلْكِهِمْ الْأَرْضَ كَمَا
يُوصَفُ بِقَدْرِ أَكْسَابِهِمْ
(7/583)
وَأَمْلَاكِهِمْ صَحَّ مَا قَالَهُ ابْنُ
الْقَاسِمِ. قَالَهُ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ.
(عَكْسُ تَلَفِ الزَّرْعِ لِكَثْرَةِ دُودِهَا أَوْ فَأْرِهَا أَوْ عَطَشٍ)
اللَّخْمِيِّ: هَلَاكُ الزَّرْعِ إنْ كَانَ لِقَحْطِ الْمَطَرِ أَوْ
تَعَذُّرِ مَاءِ الْبِئْرِ أَوْ الْعَيْنِ أَوْ لِكَثْرَةِ نُبُوعِ مَاءِ
الْأَرْضِ أَوْ الدُّودِ أَوْ فَأْرٍ سَقَطَ كِرَاءُ الْأَرْضِ، كَانَ
هَلَاكُهُ فِي الْإِبَّانِ أَوْ بَعْدَهُ. وَإِنْ هَلَكَ لِطَيْرٍ أَوْ
جَرَادٍ أَوْ جَلِيدٍ أَوْ بَرْدٍ أَوْ جَيْشٍ؛ أَوْ لِأَنَّ الزَّرِيعَةَ
لَمْ تَنْبُتْ لَزِمَ الْكِرَاءُ هَلَكَ فِي الْإِبَّانِ أَوْ بَعْدَهُ.
الْمُتَيْطِيُّ: وَمِثْلُ قَحْطِ الْمَطَرِ تَوَالِي الْأَمْطَارِ،
وَكَذَلِكَ إذَا مَنَعَهُ مِنْ الِازْدِرَاعِ فِتْنَةٌ. اُنْظُرْ هَذَا
مَعَ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: " أَوْ غَرِقَ " اُنْظُرْ إنْ
أَذْهَبَ السَّيْلُ وَجْهَ الْأَرْضِ. الرِّوَايَةُ: لُزُومُ الْكِرَاءِ.
وَقَالَ اللَّخْمِيِّ: لَا كِرَاءَ وَعُدَّ قَوْلُهُ قَوْلًا.
(أَوْ بَقِيَ الْقَلِيلُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ جَاءَهُ مِنْ الْمَاءِ
مَا كَفَى بَعْضَهُ وَهَلَكَ بَعْضُهُ فَإِنْ حَصَلَ مَا لَهُ بَالٌ وَلَهُ
فِيهِ نَفْعٌ فَعَلَيْهِ مِنْ الْكِرَاءِ بِقَدْرِهِ، وَلَا شَيْءَ
عَلَيْهِ إنْ حَصَدَ مَا لَا بَالَ لَهُ وَلَا نَفْعَ لَهُ فِيهِ. قَالَ
فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: مِثْلُ الْخَمْسَةِ فَدَادِينَ أَوْ السِّتَّةِ
مِنْ الْمِائَةِ.
(وَلَمْ يُجْبَرْ آجِرٌ عَلَى إصْلَاحٍ مُطْلَقًا بِخِلَافِ سَاكِنٍ
أَصْلَحَ لَهُ بَقِيَّةَ الْمُدَّةِ قَبْلَ خُرُوجِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ اكْتَرَى بَيْتًا فَهَطَلَ عَلَيْهِ لَمْ
يُجْبَرْ رَبُّ الدَّارِ عَلَى الطُّرُوِّ وَلَا لِلْمُكْتَرِي أَنْ
يَطُرَّ مِنْ كِرَائِهَا وَيَسْكُنَ، وَلَهُ الْخُرُوجُ فِي الضَّرَرِ
الْبَيِّنِ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَطُرَّهَا رَبُّهَا فَلَا خُرُوجَ
لَهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ اكْتَرَى دَارًا فَانْهَدَمَتْ كُلُّهَا
أَوْ بَيْتٌ مِنْهَا أَوْ حَائِطٌ لَمْ يُجْبَرْ رَبُّهَا عَلَى
الْبُنْيَانِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ، فَإِنْ انْهَدَمَ مِنْهَا مَا فِيهِ
ضَرَرٌ عَلَى الْمُكْتَرِي قِيلَ لَهُ: إنْ شِئْت فَاسْكُنْ يُرِيدُ
بِجَمِيعِ الْكِرَاءِ إنْ لَمْ يَكُنْ نَقْدٌ، أَوْ فَأُخْرِجَ وَنَاقَضَهُ
الْكِرَاءُ. وَلَيْسَ لِلْمُكْتَرِي أَنْ يُصْلِحَ مِنْ كِرَائِهِ
وَيَسْكُنَ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ بِذَلِكَ رَبُّهَا، فَإِنْ بَنَاهَا
رَبُّهَا فِي بَقِيَّةٍ مِنْ وَقْتِ الْكِرَاءِ لَزِمَ الْمُكْتَرِيَ أَنْ
يَسْكُنَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْكِرَاءَ هَذَا إنْ بَنَاهَا
رَبُّهَا قَبْلَ خُرُوجِ الْمُكْتَرِي.
(وَإِنْ اكْتَرَيَا حَانُوتًا فَأَرَادَ كُلٌّ مُقَدَّمَهُ قُسِمَ إنْ
أَمْكَنَ وَإِلَّا أُكْرِيَ عَلَيْهِمَا) وَضَعَ اللَّخْمِيِّ فِي هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ بَابًا.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي قَصَّارٍ وَاحِدٍ إذَا اكْتَرَيَا حَانُوتًا
ثُمَّ تَنَازَعَا فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا أَكُونُ فِي
الْمُقَدَّمِ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا شَرْطٌ: فَإِنْ حَمَلَ الْقَسْمَ
وَإِلَّا أُكْرِيَ عَلَيْهِمَا. قَالَ: وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي
الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا أَفْضَلُ لَعَدَلَا فِي الْقِيمَةِ
وَاقْتَرَعَا عَلَيْهَا. اُنْظُرْ أَنْتَ مُخْتَارَهُ فِي هَذَا الْبَابِ،
وَانْظُرْ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ فِي جَمْعِ السِّلْعَتَيْنِ فِي
الْبَيْعِ مِنْ أَنَّ الشِّرَاءَ كَذَلِكَ.
(وَإِنْ غَارَتْ عَيْنُ مُكْتَرٍ سِنِينَ بَعْدَ زَرْعِهِ أُنْفِقَتْ
حِصَّةُ سَنَةٍ فَقَطْ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ
(7/584)
مَالِكٌ: مَنْ اكْتَرَى أَرْضًا ثَلَاثَ
سِنِينَ فَزَرَعَهَا سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ ثُمَّ تَهَوَّرَ بِئْرُهَا
أَوْ انْقَطَعَتْ عَيْنُهَا فَأَرَادَ أَنْ يُحَاسِبَ صَاحِبَهَا، فَلَا
يَقْسِمُ الْكِرَاءَ عَلَى السِّنِينَ سَوَاءً، وَلَكِنْ يَقْسِمُ عَلَى
قَدْرِ نَفَاقِهَا وَتَشَاحِّ النَّاسِ فِيهَا، وَلَيْسَ كِرَاءُ الْأَرْضِ
فِي الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ وَاحِدًا، وَمَا لَا يَنْقُدُ فِيهِ كَاَلَّذِي
يَسْتَأْخِرُ نَقْدُهُ، وَكَذَلِكَ يَحْسِبُ كِرَاءَ الدُّورِ فِي
الْهَدْمِ وَلَا يَحْسِبُ عَلَى عَدَدِ الشُّهُورِ وَالْأَعْوَامِ، وَقَدْ
تُكْتَرَى سَنَةً لَا شَهْرَ فِيهَا كَدُورٍ بِمِصْرَ وَبِمَكَّةَ تَكْثُرُ
عِمَارَتُهَا فِي الْمَوْسِمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَنْ اكْتَرَى
أَرْضًا ثَلَاثَ سِنِينَ فَزَرَعَهَا ثُمَّ غَارَتْ عَيْنُهَا أَوْ
انْهَدَمَ بِئْرُهَا وَأَبَى رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا
أَنَّ لِلْمُكْتَرِي أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا حِصَّةَ تِلْكَ السَّنَةِ
خَاصَّةً مِنْ الْكِرَاءِ وَيَلْزَمُ ذَلِكَ رَبَّهَا، وَإِنْ زَادَ عَلَى
كِرَاءِ سَنَةٍ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ. ابْنُ يُونُسَ: وَإِنَّمَا كَانَ
ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُكْتَرِيَ مَتَى تَرَكَ ذَلِكَ فَسَدَ زَرْعُهُ وَلَمْ
يَكُنْ لِرَبِّ الْأَرْضِ كَلَامٌ، إذْ لَوْ بَطَلَ زَرْعُ هَذَا لَمْ
يَكُنْ لَهُ كِرَاءٌ فَلَا يَمْتَنِعُ مِنْ أَمْرٍ يَنْتَفِعُ بِهِ
غَيْرُهُ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ هُوَ فِيهِ.
(وَإِنْ تَزَوَّجَ ذَاتَ بَيْتٍ وَإِنْ بِكِرَاءٍ فَلَا كِرَاءَ، إلَّا
أَنْ تُبَيِّنَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ
نَكَحَ امْرَأَةً وَهِيَ فِي بَيْتٍ اكْتَرَتْهُ سَنَةً فَدَخَلَ بِهَا
فِيهِ وَسَكَنَ بَاقِيَ السَّنَةِ فَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ لَهَا وَلَا
لِرَبِّ الْبَيْتِ، وَهِيَ كَدَارٍ تَمْلِكُهَا هِيَ إلَّا أَنْ تُبَيِّنَ
لَهُ أَنِّي بِالْكِرَاءِ فَإِمَّا أَدَّيْت أَوْ خَرَجْت. قَالَ بَعْضُ
الْقَرَوِيِّينَ: يَنْبَغِي لَوْ كَانَتْ الدَّارُ لَهَا فَطَلَّقَهَا
الزَّوْجُ فَقَامَتْ عَلَيْهِ بِكِرَاءِ الْعِدَّةِ أَنَّ ذَلِكَ لَهَا.
اللَّخْمِيِّ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ بَنَى بِزَوْجَتِهِ فِي
دَارِهَا ثُمَّ طَلَبَتْهُ بِالْكِرَاءِ عَلَى سُكْنَاهَا لَا شَيْءَ
لَهَا، يُرِيدُ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ
الْمُكَارَمَةِ، وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَتْ فِيهِ بِكِرَاءٍ ثُمَّ قَالَ:
وَكُلُّ هَذَا مِمَّا كَانَتْ الْعِصْمَةُ بَاقِيَةً، فَإِنْ طَلَّقَهَا
زَالَ مَوْضِعُ الْمُكَارَمَةِ وَكَانَ لَهَا طَلَبُهُ بِكِرَاءِ
الْعِدَّةِ ثُمَّ قَالَ: وَسُكْنَاهُ بِهَا فِي مَسْكَنِ أَبِيهَا أَوْ
أُمِّهَا كَسُكْنَاهُ بِمَسْكَنِهَا. وَأَمَّا الْأَخُ وَالْعَمُّ
اُنْظُرْهُ فِي التَّبْصِرَةِ، وَانْظُرْ الِاضْطِرَابَ فِي نَوَازِلِ
ابْنِ رُشْدٍ وَنَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ إذَا كَانَتْ مَحْجُورَةً.
(وَالْقَوْلُ لِلْأَجِيرِ أَنَّهُ وَصَّلَ كِتَابًا)
(7/585)
مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ ابْنُ
الْقَاسِمِ: وَإِنْ آجَرْت رَجُلًا عَلَى تَبْلِيغِ كِتَابٍ مِنْ مِصْرَ
إلَى إفْرِيقِيَةَ بِكَذَا فَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْصَلْته وَأَكْذَبْته
أَنْتَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فِي أَمَدٍ يَبْلُغُ فِي
مِثْلِهِ؛ لِأَنَّكَ ائْتَمَنْته عَلَيْهِ وَعَلَيْكَ دَفْعُ كِرَائِهِ
إلَيْهِ. وَكَذَلِكَ الْحُمُولَةُ كُلُّهَا يَكْتَرِيهِ عَلَى تَوْصِيلِهِ
إلَى بَلَدِ كَذَا فَيَدَّعِي بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ أَوْصَلَهَا،
فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي أَمَدٍ يَبْلُغُ فِي مِثْلِهِ.
(وَأَنَّهُ اُسْتُصْنِعَ وَقَالَ رَبُّهُ وَدِيعَةٌ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَنْ ادَّعَى عَلَى صَبَّاغٍ أَوْ صَانِعٍ مَا
قَدْ عَمِلَهُ أَنَّهُ أَوْدَعَهُ إيَّاهُ وَقَالَ الصَّانِعُ: بَلْ
اسْتَعْمَلْتَنِي فِيهِ، فَالصَّانِعُ مُصَدَّقٌ؛ وَلِأَنَّهُمْ لَا
يَشْهَدُونَ فِي هَذَا وَلَوْ جَازَ هَذَا لَذَهَبَتْ أَعْمَالُهُمْ.
(أَوْ خُولِفَ فِي الصِّفَةِ وَفِي الْأُجْرَةِ إنْ أَشْبَهَ وَجَازَ) مِنْ
الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ: أَلَسْت أَمَرْتنِي أَنْ أَلُتَّهُ بِعَشْرَةٍ
فَفَعَلَتْ وَقَالَ رَبُّهُ: بَلْ أَمَرْتُكَ بِخَمْسَةٍ، فَاللَّاتُّ
مُصَدَّقٌ مَعَ يَمِينِهِ إنْ أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ سَمْنٌ
بِعَشَرَةٍ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ عَلَيْهِ الضَّمَانَ كَقَوْلِ مَالِكٍ فِي
الصَّبَّاغِ إذَا صَبَغَ الثَّوْبَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ عُصْفُرًا وَقَالَ
لِرَبِّهِ بِذَلِكَ أَمَرَتْنِي وَقَالَ رَبُّهُ: مَا أَمَرْتُك تَجْعَلُ
فِيهِ إلَّا بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ عُصْفُرًا أَنَّ الصَّبَّاغَ مُصَدَّقٌ
مَعَ يَمِينِهِ إنْ أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ بِعَشَرَةٍ، وَإِنْ أَتَى
بِمَا لَا يُشْبِهُ
(7/586)
صُدِّقَ رَبُّ الثَّوْبِ مَعَ يَمِينِهِ،
فَإِنْ أَتَيَا بِمَا لَا يُشْبِهُ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَاللَّاتُّ مِثْلُهُ سَوَاءٌ. وَلَوْ قَالَ رَبُّ
الثَّوْبِ كَانَ لِي فِيهِ صَبْغٌ مُتَقَدِّمٌ أَوْ فِي السَّوِيقِ لُتَاتٌ
مُتَقَدِّمٌ لَمْ يُصَدَّقْ. وَهَذَا فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إذَا
أَسْلَمَ إلَيْهِ السَّوِيقَ وَالثَّوْبَ، فَإِمَّا إنْ لَمْ يُسْلِمْ
إلَيْهِ وَلَمْ يَغِبْ عَلَيْهِ فَرَبُّ السَّوِيقِ مُصَدَّقٌ إذَا لَمْ
يَأْتَمِنْهُ.
(لَا كَبِنَاءٍ وَلَا فِي رَدِّهِ فَلِرَبِّهِ وَإِنْ بِلَا بَيِّنَةٍ)
أَمَّا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ رَبِّ الْبِنَاءِ فَقَالَ ابْنُ شَاسٍ:
وَاخْتَلَفَ الصَّانِعُ وَرَبُّ الثَّوْبِ فِي قَدْرِ الْأَجْرِ
فَالْقَوْلُ قَوْلُ الصَّانِعِ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ يَقُولُ: بَنَيْت
هَذَا الْبِنَاءَ بِدِينَارٍ وَيَقُولُ رَبُّهُ بِأَقَلَّ فَالْقَوْلُ
قَوْلُ رَبِّهِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ جَائِزٌ لِذَلِكَ إلَّا أَنْ
يَدَّعِيَ مَا لَا يُشْبِهُ. اُنْظُرْ بَحْثَ ابْنِ عَرَفَةَ فِي هَذَا.
وَأَمَّا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ رَبِّ الْمَتَاعِ فِي أَنَّهُ لَمْ
يَأْخُذْهُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ. وَإِذَا أَقَرَّ الصَّانِعُ بِقَبْضِ
مَتَاعٍ وَقَالَ عَمِلْته وَرَدَدْته ضَمِنَ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً
يَرُدُّهُ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: إنَّ الصُّنَّاعَ مُصَدَّقُونَ فِي رَدِّ
الْمَتَاعِ إلَى أَهْلِهِ مَعَ أَيْمَانِهِمْ إلَّا أَنْ يَأْخُذُوهُ
بِبَيِّنَةٍ فَلَا يَبْرَءُوا إلَّا بِبَيِّنَةٍ.
(وَإِنْ ادَّعَاهُ وَقَالَ سُرِقَ مِنِّي وَأَرَادَ أَخْذَهُ دَفَعَ
قِيمَةَ الصَّبْغِ بِيَمِينٍ إنْ زَادَتْ دَعْوَى الصَّانِعِ عَلَيْهَا
وَإِنْ اخْتَارَ تَضْمِينَهُ فَإِنْ دَفَعَ الصَّانِعُ قِيمَتَهُ أَبْيَضَ
فَلَا يَمِينَ وَإِلَّا حَلَفَا وَاشْتَرَكَا) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ
ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا قَالَ الصَّانِعُ: اسْتَعْمَلْتَنِي هَذَا
الْمَتَاعَ وَقَالَ رَبُّهُ: بَلْ سَرَقْتَهُ مِنِّي تَحَالَفَا وَقِيلَ
لِرَبِّهِ: ادْفَعْ إلَيْهِ أَجْرَ عَمَلِهِ وَخُذْهُ، فَإِنْ أَبَى كَانَا
شَرِيكَيْنِ هَذَا
(7/587)
بِقِيمَةِ ثَوْبِهِ غَيْرَ مَعْمُولٍ
وَهَذَا بِقِيمَةِ عَمَلِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ
عَلَى صَاحِبِهِ.
قَالَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْقَرَوِيِّينَ: إذَا قَالَ رَبُّ الثَّوْبِ:
سُرِقَ مِنِّي وَقَالَ الصَّانِعُ: وَقَدْ صَبَغَهُ بَلْ اسْتَعْمَلْتنِي،
لَا يَتَحَالَفَانِ حَتَّى يُقَالَ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ مَا تُرِيدُ،
فَإِنْ قَالَ أُرِيدُ أَخْذَ ثَوْبِي نُظِرَ إلَى قِيمَةِ الصَّبْغِ،
فَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ دَعْوَى الصَّانِعِ فَأَكْثَرَ فَلَا أَيْمَانَ
بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ لِرَبِّ الثَّوْبِ هَبْكَ أَنَّ الْأَمْرَ
كَمَا قُلْت إنَّهُ سُرِقَ لَكَ وَإِنْ أَرَدْت أَخْذَهُ لَمْ تَقْدِرْ
عَلَى أَخْذِهِ إلَّا بِدَفْعِ الْإِجَارَةِ الَّتِي قَالَ الصَّانِعُ إذَا
كَانَتْ مِثْلَ قِيمَةِ الْإِجَارَةِ أَوْ أَقَلَّ وَلَا يَمِينَ هَاهُنَا.
وَإِنْ كَانَ مَا ادَّعَاهُ الصَّانِعُ أَكْثَرَ، حَلَفَ الْمُسْتَحِقُّ
وَحْدَهُ لِيَحُطَّ عَنْ نَفْسِهِ الزَّائِدَ عَلَى قِيمَةِ الْإِجَارَةِ
مِنْ التَّسْمِيَةِ الَّتِي ادَّعَاهَا الصَّانِعُ. وَإِنْ قَالَ صَاحِبُ
الثَّوْبِ أَوَّلًا أُرِيدُ تَضْمِينَ الصَّانِعِ قِيلَ لَهُ: احْلِفْ
أَنَّكَ مَا اسْتَعْمَلْته، فَإِنْ حَلَفَ قِيلَ لِلْآخَرِ: احْلِفْ لَقَدْ
اسْتَعْمَلْتُكَ لِتَبْرَأَ مِنْ الضَّمَانِ، ثُمَّ قِيلَ لِرَبِّ
الثَّوْبِ: ادْفَعْ إلَيْهِ قِيمَةَ الصَّبْغِ؛ لِأَنَّهُ بَرِئَ مِنْ
الْمُسَمَّى بِيَمِينِهِ أَوَّلًا، فَإِنْ أَبَى قِيلَ لِلْآخَرِ: ادْفَعْ
إلَيْهِ قِيمَةَ ثَوْبِهِ، فَإِنْ أَبَى كَانَا شَرِيكَيْنِ فَعَلَى هَذَا
يَصِحُّ الْجَوَابُ فِي قَوْلِهِ: " سُرِقَ مِنِّي ". وَأَمَّا قَوْلُهُ: "
سَرَقْت أَنْتَ " فَهُوَ مُدَّعٍ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَضْمَنُ الثَّوْبَ
بِتَعَدِّيهِ فَالْيَمِينُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا بَيْنَ فَيُوجِبُ
أَحَدُهُمَا الضَّمَانَ وَيَبْرَأُ مِنْهُ الْآخَرُ.
(لَا إنْ تَخَالَفَا فِي لَتِّ السَّوِيقِ وَأَبَى مَنْ دَفَعَ مَا قَالَهُ
اللَّاتُّ فَمِثْلُ سَوِيقِهِ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ لَتَّ سَوِيقًا
بِسَمْنٍ وَقَالَ لِرَبِّهِ: أَمَرْتنِي أَنْ أَلُتَّهُ لَكَ بِعَشْرَةٍ
وَقَالَ رَبُّهُ: لَمْ آمُرْكَ أَنْ تَلُتَّهُ بِشَيْءٍ، قِيلَ لِصَاحِبِ
السَّوِيقِ: إنْ شِئْت فَاغْرَمْ لَهُ مَا قَالَ وَخُذْ السَّوِيقَ
مَلْتُوتًا، فَإِنْ أَبَى قِيلَ لِلَّاتِّ: اغْرَمْ لَهُ مِثْلَ سَوِيقِهِ
غَيْرَ مَلْتُوتٍ وَإِلَّا فَأَسْلِمْهُ إلَيْهِ بِلُتَاتِهِ وَلَا شَيْءَ
لَكَ وَيَكُونَانِ شَرِيكَيْنِ فِي الطَّعَامِ لِوُجُودِ مِثْلِهِ.
(وَلَهُ
(7/588)
وَلِلْجَمَّالِ بِيَمِينٍ فِي عَدَمِ
قَبْضِ الْأُجْرَةِ وَإِنْ بَلَغَ الْغَايَةَ إلَّا لِطُولٍ فَلِمُكْرِيهِ
بِيَمِينٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا قَالَ الْمُكْتَرِي
دَفَعْت الْكِرَاءَ وَأَكْذَبَهُ الْجَمَّالُ وَقَدْ بَلَغَ الْغَايَةَ
فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَمَّالِ مَعَ يَمِينِهِ إنْ كَانَتْ الْحُمُولَةُ
بِيَدِهِ أَوْ بَعْدَهُ إنْ أَسْلَمَهَا بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ وَمَا
قَرُبَ وَعَلَى الْمُكْتَرِي الْبَيِّنَةُ، فَإِنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ
كُلُّهُ فَالْمُكْتَرِي مُصَدَّقٌ مَعَ يَمِينِهِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ قِيَامُ الصُّنَّاعِ بِالْأَجْرِ بِحَدَثَانِ
رَدِّ الْمَتَاعِ وَإِنْ قَبَضَ
(7/589)
الْمَتَاعَ رَبُّهُ وَتَطَاوَلَ ذَلِكَ
فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَتَاعِ وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ.
(وَإِنْ قَالَ بِمِائَةٍ لِبُرْقَةِ وَقَالَ بَلْ لِإِفْرِيقِيَةَ حَلَفَا
وَفُسِخَ إنْ عُدِمَ السَّيْرُ أَوْ قَلَّ وَإِنْ نَقَدَ) مِنْ
الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَكَارِيَانِ قَبْلَ
الرُّكُوبِ أَوْ بَعْدَ سَيْرٍ لَا ضَرَرَ فِي رُجُوعِهِ فَقَالَ
الْمُكْرِي: اكْتَرَيْت إلَى بُرْقَةَ بِمِائَةٍ، وَقَالَ الْمُكْتَرِي
بَلْ لِإِفْرِيقِيَةَ بِمِائَةٍ، تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا، نَقَدَ
الْكِرَاءَ أَوْ لَمْ يَنْقُدْهُ.
وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ أَنْ بَلَغَا بَرْقَةَ فَقَالَ الْمُكْتَرِي:
إنَّمَا أَكْرَيْتُكَ إلَى بُرْقَةَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ
الْمُكْتَرِي إلَى إفْرِيقِيَّةَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَإِنْ انْتَقَدَ
الْكَرِيُّ فَهُوَ مُصَدَّقٌ إنْ أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ كِرَاءُ النَّاسِ
إلَى بُرْقَةَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَيَحْلِفُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ إلَّا قَوْلَ الْمُكْتَرِي
كَانَ لِلْجَمَّالِ حِصَّةُ مَسَافَةِ بُرْقَةَ عَلَى دَعْوَى الْمُكْتَرِي
بَعْدَ أَنْ يَتَحَالَفَا، وَلَا يَلْزَمُهُ التَّمَادِي وَلَوْ لَمْ
يَنْتَقِدْ وَأَشْبَهَ مَا قَالَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَتَغَابَنُ
النَّاسُ فِيهِ تَحَالَفَا وَفُضَّ الْكِرَاءُ بِأَخْذِ الْجَمَّالِ
حِصَّةَ مَسَافَةِ بُرْقَةَ، وَإِنْ لَمْ يَتَمَادَوْا، وَأَيُّهُمَا
نَكَلَ قُضِيَ لِمَنْ حَلَفَ.
وَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً قَبْلَ الرُّكُوبِ أَوْ بَعْدَ أَنْ بَلَغَا
بُرْقَةَ قُضِيَ بِأَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ، فَإِنْ رَكِبَ تَكَافَآ
وَإِنْ لَمْ يَرْكَبْ فُسِخَ الْكِرَاءُ كُلُّهُ. ابْنُ يُونُسَ: تَلْخِيصُ
هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيَانُهَا عَلَى أُصُولِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ
تَنْظُرَ؛ فَإِنْ أَشْبَهَ قَوْلُ الْكَرِيِّ خَاصَّةً فَالْقَوْلُ
قَوْلُهُ، انْتَقَدَ أَوْ لَمْ يَنْتَقِدْ. وَإِنْ أَشْبَهَ قَوْلُ
الْمُكْتَرِي خَاصَّةً فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، نَقَدَ الْكِرَاءَ أَوْ لَمْ
يَنْقُدْ. وَإِنْ أَشْبَهَا مَا قَالَا جَمِيعًا نَظَرْت؛ فَإِنْ انْتَقَدَ
الْكِرَاءَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْكَرِيِّ، وَإِنْ لَمْ يَنْقُدْ
فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكْتَرِي، وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ
الْمُكْتَرِي فَيَحْلِفُ وَيَكُونُ لَهُ جَمِيعُ الْكِرَاءِ، وَإِذَا كَانَ
الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُكْتَرِي حَلَفَ وَلَزِمَ الْجَمَّالَ مَا قَالَ
إلَّا أَنْ يَحْلِفَ عَلَى مَا ادَّعَى فَيَكُونَ لَهُ حِصَّةَ مَسَافَةِ
بُرْقَةَ عَلَى دَعْوَى الْمُكْتَرِي وَيُفْسَخُ عَنْهُ الْبَاقِي، وَإِنْ
لَمْ يُشْبِهْ قَوْلُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا وَكَانَ
لَهُ كِرَاءُ الْمِثْلِ فِيمَا مَشَى دَائِمًا وَأَيُّهُمَا نَكَلَ قَضَى
لِمَنْ حَلَفَ (وَإِلَّا كَفَوْتِ الْمَبِيعِ) ابْنُ الْمَوَّازِ: إنْ
اخْتَلَفَا بَعْدَ طُولِ السَّفَرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكْرِي فِي
الْمَسَافَةِ وَقَوْلُ الْمُكْرِي فِي الثَّمَنِ إنْ لَمْ يَنْقُدْ
وَكَأَنَّهُمَا فِي الْقُرْبِ سِلْعَتُهُمَا بِأَيْدِيهِمَا لَمْ تَفُتْ،
وَإِذَا فَاتَ ذَلِكَ لِبُعْدِ السَّفَرِ فَهُوَ كَقَبْضِ الْمُشْتَرِي
وَفَوْتِ مَا بِيَدِهِ وَفَاتَ رَدُّ الْبَيْعِ وَصَارَ يُطْلَبُ
بِالثَّمَنِ فَهُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ (وَلِلْمُكْرِي فِي الْمَسَافَةِ
فَقَطْ إنْ أَشْبَهَ قَوْلُهُ فَقَطْ) .
ابْنُ يُونُسَ: إنْ أَشْبَهَ قَوْلُ الْمُكْرِي خَاصَّةً فَالْقَوْلُ
قَوْلُهُ. اُنْظُرْ قَبْلَ هَذَا (أَوْ أَشْبَهَا وَانْتُقِدَ) تَقَدَّمَ
قَوْلُ ابْنِ يُونُسَ إنْ أَشْبَهَ مَا قَالَا جَمِيعًا نَظَرْت فَإِذَا
اُنْتُقِدَ الْكِرَاءُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكْرِي (وَإِنْ لَمْ
يُنْتَقَدْ حَلَفَ الْمُكْتَرِي وَلَزِمَ الْجَمَّالَ مَا قَالَ إلَّا أَنْ
يَحْلِفَ عَلَى مَا ادَّعَاهُ فَلَهُ حِصَّةُ الْمَسَافَةِ عَلَى دَعْوَى
الْمُكْتَرِي وَفُسِخَ الْبَاقِي وَإِنْ لَمْ يُشْبِهَا حَلَفَ وَفُسِخَ
بِكِرَاءِ الْمِثْلِ فِيمَا مَشَى) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ يُونُسَ إنْ
أَشْبَهَ مَا قَالَا جَمِيعًا نَظَرْت. فَإِنْ لَمْ يَنْتَقِدْ فَالْقَوْلُ
قَوْلُ الْمُكْتَرِي وَحَلَفَ وَلَزِمَ الْجَمَّالَ مَا قَالَ إلَّا أَنْ
يَحْلِفَ عَلَى مَا ادَّعَاهُ فَتَكُونُ لَهُ حِصَّةُ مَسَافَةِ بُرْقَةَ
عَلَى دَعْوَى الْمُكْتَرِي وَيُفْسَخُ عَنْهُ الْبَاقِي، وَإِنْ لَمْ
يُشْبِهْ قَوْلُ
(7/590)
وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا
وَكَانَ لَهُ كِرَاءُ الْمِثْلِ فِيمَا مَشَى.
(وَإِنْ قَالَ أَكْرَيْتُكَ لِلْمَدِينَةِ بِمِائَةٍ وَبَلَغَاهَا وَقَالَ
بَلْ لِمَكَّةَ بِأَقَلَّ فَإِنْ نَقَدَهُ فَالْقَوْلُ لِجَمَّالٍ فِيمَا
يُشْبِهُ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ قَالَ
لِلْمُكْتَرِي أَكْرَيْتُكَ إلَى الْمَدِينَةِ بِمِائَتَيْنِ وَقَدْ
بَلَغَاهَا وَقَالَ الْمُكْتَرِي بَلْ إلَى مَكَّةَ بِمِائَةٍ، فَإِنْ
نَقَدَهُ الْمِائَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَمَّالِ فِيمَا يُشْبِهُ.
ابْنُ يُونُسَ: مَعْنَاهُ إذَا أَشْبَهَ مَا قَالَا جَمِيعًا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيَحْلِفُ لَهُ الْمُكْتَرِي فِي الْمِائَةِ
الثَّانِيَةِ وَيَحْلِفُ الْجَمَّالُ أَنَّهُ لَمْ يُكْرِ إلَى مَكَّةَ
بِمِائَةٍ وَيَتَفَاسَخَانِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ لَمْ يَنْقُدْهُ صُدِّقَ الْجَمَّالُ فِي
الْمَسَافَةِ وَصُدِّقَ الْمُكْتَرِي فِي حِصَّتِهَا مِنْ الْكِرَاءِ
الَّذِي يُذْكَرُ بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا وَيُفَضُّ الْكِرَاءُ عَلَى مَا
يَدَّعِي الْمُكْتَرِي، فَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ قُضِيَ
بِأَعْدَلِهِمَا، وَإِنْ تَكَافَأَتَا سَقَطَا (وَحَلَفَا وَفُسِخَ)
تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: يَحْلِفُ لَهُ الْمُكْتَرِي وَيَحْلِفُ
الْجَمَّالُ وَيُتَفَاسَخَانِ (وَإِنْ لَمْ يَنْقُدْهُ فَلِلْجَمَّالِ فِي
الْمَسَافَةِ وَلِلْمُكْتَرِي فِي حِصَّتِهَا مِمَّا ذُكِرَ بَعْدَ
يَمِينِهِمَا) تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنْ لَمْ يَنْقُدْهُ
صُدِّقَ الْجَمَّالُ فِي الْمَسَافَةِ وَصُدِّقَ الْمُكْتَرِي فِي
حِصَّتِهَا مِنْ الْكِرَاءِ الَّذِي يُذْكَرُ بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا
(وَإِنْ أَشْبَهَ قَوْلُ الْمُكْرِي فَقَطْ فَالْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينٍ) .
ابْنُ يُونُسَ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ: أَمَّا إنْ أَشْبَهَ
قَوْلُ الْمُكْرِي خَاصَّةً فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَيَحْلِفُ عَلَى دَعْوَى
الْمُكْرِي وَيَأْخُذُ الْمِائَتَيْنِ (وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ
قُضِيَ بِأَعْدَلِهِمَا وَإِلَّا سَقَطَتَا) تَقَدَّمَ قَوْلُ
(7/591)
ابْنِ الْقَاسِمِ: إنْ أَقَامَا بَيِّنَةً
قُضِيَ بِأَعْدَلِهِمَا وَإِنْ تَكَافَأَتَا سَقَطَتَا.
(وَإِنْ قَالَ أَكْرَيْتُ عَشْرًا بِخَمْسِينَ وَقَالَ قَائِلٌ خَمْسًا
بِمِائَةٍ حَلَفَا وَفُسِخَ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ:
إذَا قَالَ الْمُكْتَرِي اكْتَرَيْت الْأَرْضَ عَشْر سِنِينَ بِخَمْسِينَ
دِينَارًا وَقَالَ رَبُّهَا: بَلْ خَمْسَ سِنِينَ بِمِائَةِ دِينَارٍ،
فَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْكِرَاءِ تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا (وَإِنْ
زَرَعَ بَعْضًا وَلَمْ يَنْقُدْ فَلِرَبِّهَا مَا أَقَرَّ بِهِ
الْمُكْتَرِي إنْ أَشْبَهَ وَحَلَفَ) . ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ كَانَ
قَدْ زَرَعَ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ وَلَمْ يَنْقُدْهُ فَالْقَوْلُ
قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ وَلِرَبِّهَا مَا أَقَرَّ بِهِ
الْمُكْتَرِي. ابْنُ يُونُسَ: وَهُوَ خَمْسَةٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ إنْ
أَشْبَهَ أَنْ يَتَغَابَنَ النَّاسُ بِمِثْلِهِ وَيَحْلِفُ (وَإِلَّا
فَقَوْلُ رَبِّهَا إنْ أَشْبَهَ) . ابْنُ يُونُسَ: إنْ لَمْ يُشْبِهْ
قَوْلُ الزَّارِعِ قُبِلَ قَوْلُ رَبِّهَا مَعَ يَمِينِهِ إنْ أَشْبَهَ
وَهُوَ عِشْرُونَ فِي كُلِّ سَنَةٍ إذَا
(7/593)
تَسَاوَتْ الشُّهُورُ (وَإِنْ لَمْ
يُشْبِهَا حَلَفَا وَوَجَبَ كِرَاءُ الْمِثْلِ فِيمَا مَضَى وَفُسِخَ
الْبَاقِي مُطْلَقًا وَإِنْ نَقَدَ فَتَرَدُّدٌ) . ابْنُ يُونُسَ: فَإِنْ
لَمْ يُشْبِهْ قَوْلُ وَاحِدٍ فَلَهُ كِرَاءُ الْمِثْلِ فِيمَا مَضَى
وَفُسِخَ بَاقِي الْمُدَّةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَإِنَّمَا فُسِخَتْ
بَقِيَّةُ الْخَمْسِ سِنِينَ وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا رَبُّ الْأَرْضِ
لِدَعْوَاهُ فِي كِرَائِهَا أَكْثَرَ مِنْ دَعْوَى الْمُكْتَرِي، وَهَذَا
إذَا لَمْ يَنْقُدْ. وَمِنْ قَوْلِ مَالِكٍ إنَّ رَبَّ الْأَرْضِ
وَالدَّارِ وَالدَّابَّةِ مُصَدَّقٌ فِي الْغَايَةِ فِيمَا يُشْبِهُ وَإِنْ
لَمْ يَنْتَقِدْ قَالَ غَيْرُهُ: وَإِنْ انْتَقَدَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ
رَبِّهَا مَعَ يَمِينِهِ. ابْنُ يُونُسَ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَ الْغَيْرُ
مُوَافِقٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ. اُنْظُرْهُ فِيهِ. ابْنُ شَاسٍ.
(7/594)
|