التهذيب
في اختصار المدونة (كتاب الصلاة
الأول)
115 - قال مالك: أحب إليّ أن يصلّي الظهر في الصيف والشتاء والفيء (1) ذراع
كما قال عمر (2) . وما دام الظل في نقصان فهو غدوة، وإذا مدّ ذاهباً فمن
ثمّ يقاس ذراع.
116 - والعصر: والشمس بيضاء نقية. والمغرب إذا غربت الشمس للمقيم، فأما
المسافر فلا بأس أن يمدّ الميل ونحوه. وأول وقت العشاء مغيب الشفق، وهو
الحمرة، ولا ينظر إلى البياض الباقي بعدها، وأحب للقبائل تأخيرها
_________
(1) هو الظِلّ بعد الزوال ينبسط شرقاً، الوسيط (2/773) .
(2) رواه عبد الرزاق في المصنف (1/536) .
(1/225)
بعد الشفق قليلاً، وكذلك في الحرس، ولا
تؤخر إلى ثلث الليل، ويغلس بالفجر في الحضر والسفر، وآخر وقتها إذا أسفر،
وكان مالك يرى أن يصلي الناس بعدما يدخل الوقت ويمضي منه بعضه في الظهر
والعصر والعشاء الآخرة، ولا بأس أن يخفف قراءة الصبح في السفر بسبح ونحوها،
والأكرياء يعجلون الناس [للصلاة] .
117 - والأذان كما علمه النبي ÷ أبا محذورة: الله أكبر، الله أكبر، مرتين،
أشهد أن لا إله إلا الله، مرتين، أشهد أن محمداً رسول الله، مرتين، [ثم
ترجع بأرفع صوتك أول مرة فتقول: أشهد أن لا إله إلا الله، مرتين، أشهد أن
محمداً
(1/226)
رسول الله، مرتين] ، حي على الصلاة، مرتين،
حي على الفلاح، مرتين، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، مرة واحدة.
(1)
ويقول في نداء الصبح بعد حيّ على الفلاح، الصلاة خير من النوم، مرتين،
والإقامة كلها مرة مرة إلا التكبير فإنه مرتين. (2)
118 - ويكره التطريب في الأذان، ولا يدور في أذنه، ولا يلتفت، وليس هذا من
حد الأذان، إلا أن يريد [بالتفاته] أن يسمع الناس.
119 - ويؤذن كيف تيسر عليه، ورأيت المؤذنين بالمدينة يتوجهون
_________
(1) رواه مسلم (379) من أبي محذورة.
(2) رواه مسلم (379) من أبي محذورة.
(1/227)
للقبلة في أذانهم، ويقيمون عرضاً، وذلك
واسع يصنعون كيف شاءوا.
120 - ولا يتكلم في أذانه ولا الملبّي في تلبيته، ولا يردا على من سلّم
عليهما، ويكره السلام على الملبي حتى يفرغ، وإن تكلم في أذانه بنى.
121 - ولا يؤذن ولا يؤم إلا من احتلم، وجائز أذان الأعمى وإمامته. وليس على
المرأة أذان ولا إقامة، وإن أقامت فحسن. ولا يؤذن قاعداً إلا من عذر فيؤذن
لنفسه [إن كان مريضاً] ، وجائز أن يؤذن رجل ويقيم غيره، وإن شاء جعل أصبعيه
في أذنيه في أذانه وإقامته، وإن شاء ترك.
122 - وإن أذن فأخطأ فأقام ساهياً ابتدأ الأذان، ومن سمع المؤذن فليقل
كقوله، وإن كان في نافلة، إلى قوله: أشهد أن محمداً رسول الله، وإن أتمّ
الأذان معه
(1/228)
[أو عجّل بالقول قبله فواسع فلا بأس] ، ولا
يقول مثله في الفريضة.
123 - ولا بأس أن يؤذن غير متوضئ، ولا يقيم إلا متوضئاً. ويؤذن راكباً ولا
يقيم إلا نازلاً، ولا يؤذن للصلاة قبل وقتها إلا الصبح، ولا بأس باتخاذ
مؤذنين، أو ثلاثة، أو أكثر، لمسجد واحد، في حضر، أو سفر، في بر، أو بحر، أو
في الحُرُس.
124 - وليس الأذان إلا في مسجد الجماعات ومساجد القبائل، أو في موضع اجتمع
فيه الأئمة وإن كان في حضر أو سفر، [وكذلك إمام المصر يخرج إلى الجنازة
فتحضره الصلاة خارج المصر فيصلي بأذان وإقامة] ، فأما غير هؤلاء يجمعون في
حضر أو سفر فالإقامة تجزيهم لكل صلاة، وإن أذنوا فحسن. ويجمع الإمام
الصلاتين بعرفة والمزدلفة بأذان واحد وإقامة، لكل صلاة، [أما غير الإمام
فتجزيهم إقامة لكل صلاة] .
125 - ومن صلى بغير إقامة عامداً أو ساهياً أجزأه، وليستغفر الله العامد.
(1/229)
126 - ومن دخل مسجداً قد صلى أهله فليبتدأ
الإقامة لنفسه، ومن صلى [وحده] في بيته لم تجزه إقامة أهل المصر، قال ابن
المسيب وابن المنكدر: من صلى وحده فليسر الإقامة في نفسه. وعلى من ذكر
صلوات إقامة لكل صلاة، ولا يصلي صلاتين بإقامة واحدة.
127 - وتجوز الإجارة على الأذان، وعلى الأذان والصلاة جميعاً، وكره مالك
إجارة قسام القاضي، ولا بأس بما يأخذ المعلم، اشترطه أو لم يشترطه، وإن
اشترط شيئاً معلوماً على تعليم القرآن جاز. (1)
_________
(1) انظر: الذخيرة للقرافي (2/66) .
(1/230)
128 - وينتظر الإمام بعد الإقامة قليلاً
بقدر تسوية الصفوف، ثم إذا كبر قرأ [ولا يتربص] ، وليس في سرعة القيام
للصلاة [بعد الإقامة] وقت، وذلك على قدر طاقة الناس.
129 -[ومفتاح الصلاة الطهور] ، وتحريمها التكبير، وتحليلها السلام. (1)
ولا يجزئ من الإحرام إلا قول: الله أكبر، ولا من التسليم إلا قوله: السلام
عليكم.
130 - ولا يقول من صلى وحده أو كان إماماً أو مأموماً هذا الذي يذكر الناس:
_________
(1) رواه أبو داود (62) ، والترمذي (3) ، وابن ماجة (275) ، وقال الترمذي:
هذا الحديث أصح شيء في الباب، وأحسن.
(1/231)
سبحانك اللهم وبحمدك [تبارك اسمك وتعالى
جدك، ولا إله غيرك، وكان مالك لا يعرفه] ولكن يكبر ثم يقرأ.
131 - ولا يحرم بالأعجمية، ولا يدعو بها، ولا يحلف بها، ونهى عمر عن رطانة
(1) الأعاجم وقال: إنها خب. (2) (3)
_________
(1) رَطَن الأعجمي: تكلم بلغته، ورطن فلان: تكلم بالأعجمية، الوسيط (1/362)
.
(2) الخبّ: الخداع والغش، الوسيط (1/221) .
(3) رواه البيهقي في الكبرى (9/234) .
(1/232)
132 - وإن ذكر مأموم أنه نسي تكبيرة
الإحرام، فإن كان كبر للركوع ونوى بها تكبيرة الإحرام أجزأته، وإن كان
كبرها ولم ينو بها ذلك تمادى مع الإمام وأعاد الصلاة احتياطاً، لأنها لا
تجزئه عند ربيعة، وتجزئه عند ابن المسيب، فإن لم يكبر للركوع ولا للافتتاح
حتى ركع الإمام ركعة [وركعها معه] [ثم ذكر] ابتدأ التكبير، وكان الآن
داخلاً في الصلاة، ويقضي ركعة بعد سلام الإمام، ولو كان وحده ابتدأ متى ذكر
[قبل ركعة أو بعدها] نوى بتكبيرة الركوع الإحرام أم لا، وكذلك الإمام لا
يجزئه أن ينوي بتكبيرة الركوع الإحرام، فإن فعل أعاد هو ومن خلفه، ومن ظن
أن الإمام كبر فكبر، ثم كبر الإمام، فإنه يكبر بعد الإمام من غير سلام، فإن
لم يكبر بعد تكبير الإمام وتمادى معه أعاد الصلاة.
133 - ولا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، في الفريضة سراً ولا جهراً، إمام
أو
(1/233)
غيره، وذلك في النافلة واسع، إن شاء قرأ أو
ترك. ولا يتعوذ في المكتوبة قبل القراءة، ويتعوذ في قيام رمضان إذا قرأ،
ولم يزل القراء يتعوذون في قيام رمضان إذا قاموا، ومن قرأ في غير صلاة تعوذ
قبل القراءة إن شاء.
134 - ويسمع الرجل نفسه في صلاة الجهر، وفوق ذلك قليلاً، والمرأة دون الرجل
في ذلك، وفي التلبية تسمع نفسها.
135 - وليس العمل على القراءة في آخر ركعة من المغرب [بعد أم القرآن]
(1/234)
بـ {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا
[بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} . (1)
ولا على حديث عمر في ترك القراءة، ويعيد تاركها أبداً، وروي وكيع عن عمر
أنه أعاد (2) ، ولا تجزئ القراءة في الصلاة حتى يحرك بها لسانه، ومن ترك
القراءة في ركعة من الصبح، أو في ركعتين فأكثر من سائر الصلوات أعاد
الصلاة، وإن تركها في ركعة من غير الصبح، فقد استحب مالك في خاصته أن يعيد
الصلاة، وكان يقول زماناً يُلغي تلك الركعة على حديث جابر (3) ،
_________
(1) سورة آل عمران آية (8) .
(2) رواه عبد الرزاق في المصنف (2/122) ، والبيهقي في الكبرى (2/382) .
(3) رواه مالك في الموطأ (74) ، والبيهقي في الكبرى (2/160) عن جابر، وقال:
الصحيح عن جابر من قوله غير مرفوع، وقد رفعه يحيى بن سلاّم وغير من الضعفاء
عن مالك وذلك مما لا يحل روايته على طريق الاحتجاج به، وقد يشبه أن يكون ما
ذهب إليه جابر في ذلك ترك القراءة خلف الإمام فيما يُجهر فيه بالقراءة دون
ما لا يُجهر.
(1/235)
وبه أخذ ابن القاسم، ثم قال مالك آخر مرة
ارجو أن تجزئه سجدتا السهو قبل السلام وما ذلك بالبين. قال ابن القاسم:
والقول الأول فيما رأيت [منه] أعجب إليه وهو رأيي.
136 - ومن نسي أم القرآن حتى قرأ سورة فليبتدأ أم القرآن وليعد السورة، ولا
يقضي ما نسي من القراءة لركعة في ركعة أخرى، ومن نسي السورة التي مع أم
القرآن في الركعة الأولى أو في الأوليين، وقرأ بأن القرآن سجد [لسهوه] قبل
السلام، فإن تعمد ذلك فلا إعادة عليه، وليستغفر الله، ولا يسجد، ولو قرأها
في الركعتين الآخرتين سهواً فلا سجود عليه. وأطول الصلاة قراءة الصبح
والظهر.
137 - ومفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم (1) .
[قال مالك: ولا أعرف رفع اليدين في شيء من تكبير الصلاة، ولا في خفض ولا
_________
(1) تقدّم قريباً.
(1/236)
رفع] . ولا يرفع يديه [في الصلاة] إلا في
الافتتاح شيئاً خفيفاً، وكذلك المرأة، وضعف مالك رفع اليدين عند الجمرتين
واستلام الحجر، وبعرفات في الموقف، وعلى الصفا والمروة عند المشعر
والاستسقاء، وقد رُئي مالك رافعاً يديه في الاستسقاء حين عزم عليهم الإمام،
وقد جعل بطونهما مما يلي الأرض، وقال: إن كان الرفع فهكذا، قال ابن القاسم:
يريد [في الاستسقاء] في مواضع الدعاء، ومن مر بالركن فلم يستطع أن يستلمه
كبر ومضى ولا يرفع يديه.
(1/237)
138 - ومن أتى والإمام راكع فخشي رفع رأسه
فليركع بقرب الصف، وحيث يطمع إذا دب راكعاً يصل إليه، فإن لم يطمع بذلك
أحرم حيث أمكنه [وكذلك في صلاة العيدين وغيرهما] ، [قال ابن القاسم: ولو
جاء في صلاة العيدين والخسوف والاستسقاء ولم يطمع أن يصل إلى الصف أحرم حيث
أمكنه، بمنزلة المكتوبة] ، وإذا أمكن يديه من ركبتيه في الركوع، وإن لم
يسبح، أو أمكن جبهته وأنفه من الأرض [في السجود] فقد تم ذلك إذا تمكن
مطمئناً.
139 - ويكبر في حال انحطاطه لركوع أو سجود، ويقول: سمع الله لمن حمده في
حال رفع رأسه، ويكبر في حال رفع رأسه من السجود، وإلا في الجلسة الأولى إذا
قام منها فلا يكبر حتى يستوي قائماً.
140 - قال مالك: ولا أعرف قول الناس في الركوع: سبحان ربي العظيم، وفي
(1/238)
السجود: سبحان ربي الأعلى، وأنكره، ولم يجد
فيه أحداً ولا دعاء مؤقتاً.
141 - وكره مالك الدعاء في الركوع وأجازه في السجود، ولا بأس بالتسبيح
فيهما جميعاً، ولا حد في ذلك.
142 - والسجود على الأنف والجبهة جميعاً، فإن سجد على الأنف دون الجبهة
أعادها أبداً، [ومن سجد على جبهته دون الأنف فصلاته مجزئة عنده ولا يعيد]
ولو كان بجبهته قروح تمنعه السجود عليها أومأ ولم يسجد على الأنف، [قال
أشهب: وإن سجد على الأنف أجزأه، لأنه زاد على الإيماء] .
143 - ويضع المصلي بصره أمام قبلته ولا ينكس رأسه [إلى الأرض] في الركوع،
(1/239)
ويقول المأموم والفذ إذا قال الإمام ولا
الضالين: آمين، ويقول الفذ إذا رفع رأسه من الركوع: سمع الله لمن حمده،
ويقول المأموم: اللهم ربنا ولك الحمد، وإن كان إماماً فليقل سمع الله لمن
حمده، ولا يقول: ربنا ولك الحمد، ولا يقول من خلفه سمع الله لمن حمده،
ويقول: اللهم ربنا ولك الحمد، قال مالك، وقال مرة: لك الحمد.
144 - وأما تفريق الأصابع [في الركوع] وضمها في السجود فكان مالك يكره أن
يجد فيه حداً ويراه من البدع، قال: يسجد كما يسجد الناس ويركع كما يركعون.
145 - وإن نعس المأموم في الركعة الأولى لم يعتد بها ولا يتبع فيها، وإن
أدرك الإمام قبل أن يرفع رأسه من سجودها، ولكن يسجد معه ثم يقضيها بعد سلام
الإمام، وإن نعس بعد عقد الأولى في ثانية أو ثالثة أو رابعة اتبع الإمام ما
لم يرفع رأسه من سجودها.
146 - والجلوس بين السجدتين وفي التشهد سواء، يفضي بأليته (1) إلى الأرض،
وينصب رجله اليمنى، ويثني اليسرى، ويجعل باطن إبهام رجله اليمنى مما يلي
الأرض، والنساء والرجال في ذلك سواء.
_________
(1) الألية: العجيزة، أو ما ركبها من شحم ولحم، الوسيط (1/26) .
(1/240)
147 - وإذا سجد السجدتين نهض كما هو ولا
يرجع إلى الأرض، والإقعاء (1) في الصلاة مكروه، ويرفع بطنه عن فخذيه في
السجود، ويجافي بضبعيه، ولا يفرج ذلك التفريج، ولكن تفريجاً متقارباً، وله
أن يضع ذراعيه على فخذيه في النوافل لطول السجود، وأما في المكتوبة وما خفّ
من النوافل فلا، ولا يفترش ذراعيه (2) في السجود.
148 - ويتوجه بيديه إلى القبلة، ولم يحدّ أين يضعهما، ولا يتكئ في المكتوبة
على حائط أو عصا، ولا بأس به في النافلة، وإن شاء اعتمد على يديه للقيام أو
ترك، [أي ذلك أرفق به فعل] ، ولا يضع يمناه على
_________
(1) انظر في ماهيته: معجم المصطلحات (1/368) .
(2) ينظر: البخاري (828) ، حديث أبي حميد الساعدي.
(1/241)
يسراه في فريضة، وذلك جائز في النافلة لطول
القيام.
149 - ولا يضع يده إلا على ما يضع [عليه] جبهته، وإن كان حراً أو برداً جاز
أن يبسط ثوباً يسجد عليه، [ويجعل عليه كفّيه] ن وتبدي المرأة كفيها في
(1/242)
السجود حتى تضعهما على ما تسجد عليه.
150 - قال مالك: ومن صلى على كور (1) العمامة كرهته ولا يعيد، وأحب إلي أن
يرفع عن بعض جبهته حتى يباشر الأرض، ويكره أن يحمل الحصباء أو التراب من
موضع الظل إلى موضع الشمس ليسجد عليه، ويكره أن يسجد على الطنافس (2) ،
وثياب الصوف، والكتان، والقطن، وبسط الشعر [والأدم] ، وأحلاس (3) الدواب،
ولا يضع كفيه عليها، ولكن يقوم عليها،
_________
(1) الكور: مجتمع طاقاتها مما شُدّ على الجبهة، كما في الشرح الكبير لسيدي
أحمد الدردير (1/253) .
(2) الطنفسة: مثلثة الطاء والفاء وبكسر الطاء وفتح الفاء وعسكها، واحدة
الطنافس، القاموس (5/7) .
(3) الحلس: كساء يجعل على ظهر البعير تحت رجله، والقتب والسّرج، الوسيط
(1/199) .
(1/243)
ويجلس ويسجد على الأرض، ولا بأس أن يسجد
على الخمرة (1) والحصير وما تنبت الأرض، ويضع كفيه عليها، ولا بأس بالصلاة
على طرف حصير وبطرفه الآخر نجاسة.
151 - وجائز أن يصلي المريض على فراش نجس إذا بسط عليه ثوباً طاهراً
كثيفاً، وإذا قدر المريض على القيام والركوع والسجود والجلوس فعل ذلك كله،
ويتشهد جالساً فإن قدر أن يسجد وإلا أومأ بسجوده، وإن قدر على القيام ولم
يقدر على الركوع قام وأومأ لركوعه، ومد يديه إلى ركبتيه في إيمائه، ويجلس
ويسجد إن قدر، وإلا أومأ بسجوده جالساً، وإن لم يقدر إلا على القيام كانت
صلاته كلها قائماً ويومئ بالسجود أخفض من الركوع، ويصلي المريض على قدر ما
يستطيع، فإن دين الله يسر.
152 - ومن افتتح الصلاة جالساً من عذر ثم صح أتم قائماً، ولو افتتح قائماً
ثم عرض له مرض أتم جالساص وأجزأه، ولا يصلي المريض إلا إلى القبلة، فإن عسر
_________
(1) الخمرة: حصيرة أو سجادة تنسج من سعف النخل وتُرْمَل بالخيوط، الوسيط
(1/264) .
(1/244)
عليه تحويله احتيل فيه، فإن صلى إلى غير
القبلة أعاد في الوقت إليها، ويصلي من لا يقدر على القيام متربعاً، فإن لم
يقدر فعلى قدر طاقته من الجلوس، فإن لم يقدر فعلى جنبه أو ظهره، ويجعل
رجليه مما يلي القبلة، ويومئ برأسه، ولا دع الإيماء، وإن كان مضطجعاً،
وصلاته جالساً ممسوكاً به أحب إلي من المضطجع. ولا يستند بحائض ولا جنب،
فإن قدر أن يسجد [على الأرض سجد] ، وإلا أومأ بظهره ورأسه، ولا يرفع إلى
جبهته شيئاً يسجد عليه، ولا ينصب بين يديه شيئاً يسجد عليه، فإن فعل وجهل
[ذلك لم يعد] ويؤم الصحيح المرضى [وتجزيهم صلاتهم خلفه إيماء أو جلوساً إذا
هو يصلي قائماً] ، ولا يؤم المريض الأصحاء إذا كان لا يقدر على القيام. (1)
153 - ويكره لمن يقدح الماء من عينيه أن يصلي مستلقياً [على ظهره] اليومين
_________
(1) انظر: مواهب الجليل (1/507) .
(1/245)
ونحوهما، فإن فعل أعاد أبداً. (1)
154 - والمصلي جالساً إذا تشهد في الركعتين [الأوليين] كبر قبل أن يقرأ
ونوى به القيام للثالثة، وجلوسه في موضع الجلوس كجلوس القائم. ولا بأس
بالاحتباء في النوافل للجالس بعقب تربعه، ومن صلى فريضة جالساً وهو يقدر
على القيام أعاد أبداً.
155 - ومن افتتح النافلة جالساً ثم شاء القيام، أو افتتحها قائماً ثم شاء
الجلوس، فذلك له. قال ابن القاسم: قال مالك وعبد العزيز - ولم أسمع من عبد
العزيز غير هذا -: من تنفل فيمحمله فقيامه
_________
(1) انظر: السنن الكبرى للبيهقي (2/306) ، وفتح الباري (2/209) .
(1/246)
تربعاً، ويركع متربعاً، ويضع يديه على
ركبتيه، فإذا رفع رأسه من ركوعه قال مالك: يرفع يديه عن ركبتيه، ولا أحفظ
رفع يديه عن ركبتيه عن عبد العزيز، ثم قالا: فإذا أهوى إلى السجود ثنى
رجليه وأومأ بالسجود، فإن لم يقدر أن يثني رجليه أومأ متربعاً، [قال: يومئ
يديه] ، والشديد المرض الذي لا يقدر أن يجلس لا يعجبني أن يصلي المكتوبة في
المحمل لكن على الأرض.
156 - ومن خاف أن ينزل من سباع أو غيرها صلى على دابته إيماء حيثما توجهت
به، فإن أمن في الوقت فأحب إليّ أن يعيد بخلاف العدو. (1)
157 - وللمسافر أن يتنفل على الأرض ليلاً ونهاراً ويصلي في السفر الذي تقصر
في مثله على دابته أينما توجهت به الوتر وركعتي الفجر والنافلة، ويسجد
إيماء، وإذا قرأ سجدة تلاوة أومأ بها، فأما في السفر الذي لا يقصر فيه أو
في حضر فلا، وإن كان إلى القبلة.
_________
(1) انظر: الرسالة للقيرواني (2/367، 368) .
(1/247)
158 - ولا يؤم أحد جالساً (1) في فريضة ولا
نافلة، وإذا ناب الإمام شيء منعه [القيام] استخلف من يصلي بالقوم، فإن جاء
هو للصف فيصلي بصلاة الإمام، ولا يصلي مضطجعاً إلا مريض.
159 - ولا يصلي الإمام على شيء أرفع مما يصلي عليه أصحابه، فإن فعل
_________
(1) رواه عبد الرزاق في المصنف (2/463) ، والبيهقي في الكبرى (3/80) ،
والدارقطني في سننه (1/398) ، وضعفه.
(1/248)
أعادوا أبداً لأنهم يعبثون، إلا الارتفاع
اليسير مثل ما كان بمصر فتجزئهم الصلاة.
160 - ومن صلى في دور بين يدي الإمام [بصلاة الإمام] وهم يسمعون تكبير
الإمام في غير الجمعة أجزأتهم، ويكره لهم ذلك.
161 - مالك: وجائز أن يصلي في غير الجمعة على ظهر المسجد بصلاة الإمام
والإمام في داخل المسجد، ثم كره ذلك، وبأول قوله أقول. ولا يعجبني أن يصلي
على أبي قبيس (1) وقعيقعان (2) بصلاة الإمام في المسجد الحرام.
_________
(1) أبو قبيس: جبل بمكة وانظر معجم ما استعجم (3/104) .
(2) هو اسم جبل بمكة، معجم ما استعجم (3/1086) .
(1/249)
162 - وإن صلى الإمام في أسفل السفينة
والناس فوق السقف أجزأهم إذا كان إمامهم قدامهم، ولا يعجبني أن يكون هو فوق
وهم أسفل، ولكن يصلي الذين فوق بإمام، والذين أسفل بإمام، والسفن المتقاربة
إذا كان الإمام في أحدها وصلى الباقون بصلاته أجزأهم، مثل النهر الصغير
والطريق بين الإمام والمأموم.
163 - ولا بأس بالصلاة في دور محجورة (1) بصلاة الإمام في غير الجمعة، إذا
رأوا عمل الإمام والناس أو سمعوه.
164 - وتجزئ الجمعة وغيرها خلف من ليس بمبتدع من الولاة.
_________
(1) أي الممنوعة، وانظر الوسيط (1/163) .
(1/250)
165 - وأحق القوم [بالإمامة أعلمهم، إذا
كان أحسنهم حالاً، وقال أيضاً: أولاهم] بالإمامة أفضلهم في أنفسهم، إذا كان
هو أفقههم، قيل لمالك: فأقرؤهم؟، قال: قد يقرأ [من لا، يريد] من لا ترضى
حاله. قال ابن وهب عن مالك: يؤم القوم أهل الفضل وأهل الصلاح منهم، وأولى
بمقدم الدابة صاحبها، وصاحب الدار أولى بالإمامة إذا صلوا في منزله إلا أن
يأذن لأحد.
166 - ولا يصلي من يقرأ خلف من لا يحسن القرآن، وهو أشد من إمام ترك
القراءة، والإعادة في ذلك كله أبداً [على الإمام والمأموم] .
(1/251)
167 - وإذا كان الإمام من أهل الأهواء فلا
يصلى خلفه، ولا الجمعة، إلا أن يتقيه فيصليها معه ويعيدها ظهراً أربعاً.
ووقف مالك في إعادة من صلى خلف إمام مبتدع، قال ابن القاسم: يعيد في الوقت،
قال مالك: ولا يسلم على أهل البدع ولا يُناكحون ولا يُصلى خلفهم جمعة ولا
غيرها ولا تُشهد جنائزهم.
168 - ومن صلى خلف من يقرأ بما يذكر من قراءة ابن مسعود (1) فليخرج ويتركه،
فإن صلى خلفه أعاد أبداً.
169 - ولا يؤم السكران، ويعيد من ائتم به.
_________
(1) لعدم تواترها، وانظر: جواهر البيان للعسال (ص83) .
(1/252)
170 - ولا يؤم الصبي في النافلة الرجال
والنساء، ولا تؤم المرأة. قال النخعي: ولا تؤم في فريضة. ولا أعرابي في حضر
ولا سفر، وإن كان أقرأهم.
171 - ولا يؤم العبد في الحضر في مساجد القبائل ولا في جمعة أو عيد، فإن
أمهم في جمعة [أو عيد] أعاد وأعادوا، إذ لا جمعة عليه ولا عيد، وجائز أن
يؤم العبد في قيام رمضان، أو في الفرائض في السفر إن كان أقرأهم من غير أن
يتخذ إماماً راتباً.
(1/253)
وكذلك الخصي، وولد الزنا أكره أن يتخذ
إماماً راتباً. [وجائز اتخاذ الأعمى إماماً راتباً] .
172 - وأكره لأئمة المساجد الصلاة بغير رداء إلا إماماً في سفر أو في داره
أو بموضع اجتمعوا فيه، وأحب إلي أن يجعل على عاتقه عمامة أو غيرها. ولا بأس
أن تأتم بمن لم ينو هو أن يؤمك.
173 - وإذا صلى رجلان أو رجل وصبي مع إمام قاما جميعاً خلفه إن كان الصبي
يعقل الصلاة لا يذهب ويتركه، وإن صلى معه رجل وامرأة قام الرجل عن يمين
الإمام، وقامت المرأة خلفهما، وإن صلى معه رجل قام عن يمينه، وإن قام عن
يساره أداره الإمام إلى يمينه من خلفه، وإن لم يعلم به حتى فرغ أجزأته
صلاته.
(1/254)
174 - ومن وجد الإمام ساجداً فليكبر
وليسجد، ولا ينتظره حتى يرفع رأسه.
175 - وجائز أن يصلي الرجل بامرأته المكتوبة وتكون خلفه، ومن صلى وحده فله
إعادتها في جماعة، إلا المغرب، فإن أعادها فأحب إلي أن يشفعها [بركعة]
وتكون الأولى صلاته.
176 - ومن سمع الإقامة، وقد صلى وحده، فليس بواجب عليه إعادتها إلا أن
يشاء. ولو كان في المسجد لدخل مع الإمام، إلا في المغرب فإنه يخرج.
177 - ومن أحرم بفريضة في المسجد ثم أقيمت عليه تلك الفريضة فإن لم يركع
قطع بسلام ودخل مع الإمام. ومن ركع ركعة صلى ثانية وسلم ودخل معه.
(1/255)
178 - وإن صلى ثالثة صلى رابعة ولا تكون
نافلة ويسلم ويدخل معه، وإن كان المغرب قطع ودخل مع الإمام، عقد ركعة أم
لا، وإن صلى اثنتين أتمهما ثلاثاً وخرج، وإن صلى ثلاثاً سلم وخرج ولم
يعدها.
179 -[ومن أحرم في بيته ثم سمع الإقامة يعلم أنه يدركها فلا يقطع ويتمادى]
.
180 - ومن صلى صلاة فلا يؤم فيها أحداً، فإن فعل أعاد من ائتم به، إذ لا
يدري أيتهما صلاته، وقد جاء حديث أن الأولى صلاته والآخرة نافلة.
181 - ومن صلى في جماعة مع واحد فأكثر [منه] لم يعد في جماعة أكثر منها،
(1/256)
كان إماماً أو مأموماً، وليخرج من المسجد
إذا أقيمت تلك الصلاة.
182 - وإذا صلى الإمام في المسجد وحده فلا يعيد في جماعة، إذ هو وحده
جماعة.
183 - ولا تجمع صلاة في مسجد مرتين إلا في مسجد ليس له إمام راتب.
184 - وإذا جمع قوم في مسجد له إمام راتب ولم يحضر فله إذا جاء أن يجمع
فيه، وإذا صلى فيه إمامه وحده ثم أتى أهله لم يجمعوا فيه، ومن وجد مسجداً
قد جمع أهله فإن طمع بإدراك جماعة في مسجد أو غيره خرج إليها، وإن كانوا
جماعة فلا بأس أن يخرجوا من المسجد فيجمعوا إلا أن يكون المسجد الحرام،
(1/257)
ومسجد النبي ÷، أو مسجد القدس، فليصلوا فيه
أفذاذاً، [إذ] هو أعظم لأجرهم.
185 - ومن صلى وبين يديه جدار مرحاض أو قبر فلا بأس به إن كان مكانه
طاهراً، وجائز أن يصلي في المقبرة (1) ، وعلى الثلج، وفي الحمام، إذا كان
موضعه طاهراً، وفي مرابض الغنم والبقر. (2)
186 - ولا يصلي في أعطان (3) الإبل التي في المناهل (4) ، وروى ابن وهب أن
النبي
_________
(1) لم يأخذ إمام المدينة بحديث الترمذي عن أبي سعيد: الأرض كلها مسجد إلا
المقبرة، والحمام، (37) .
(2) انظر: الشرح الصغير (1/97) .
(3) مَبَارك الإبل، الوسيط (2/631) .
(4) أي موضع شربها، الوسيط (2/998) .
(1/258)
÷ نهى عن الصلاة في المجزرة، والمزبلة،
ومحجة الطريق، وظهر بيت الله الحرام، [ومعاطن الإبل] . (1)
187 - وكره مالك الصلاة على قارعة الطريق لما يصيبها من زبل الدواب، واستحب
أن يتنحى عنها [قليلاً] ، وكره مالك الصلاة في الكنائس لنجاستها من
أقدامهم، وللصور التي فيها، ولا ينزل بها إلا من ضرورة.
188 - ولا يصلي إلى قبلة فيها تماثيل، وتكره التماثيل التي في الأسرة
والقباب والمنابر، وليس كالثياب والبسط التي تمتهن، وكان أبو سلمة بن عبد
الرحمن يقول: ما كان يمتهن فلا بأس به، وأرجو أن يكون خفيفاً، ومن
_________
(1) رواه البخاري (1/632) ، ومحجة الطريق: أي الطريق المستقيم، الوسيط
(1/163) ، وانظر: الترمذي (346) ، وابن ماجة (746، 747) .
(1/259)
تركه غير محرم له فهو أحب إلي، ولا يلبس
خاتم فيه تماثيل ولا يصلي به.
189 - ولا يصلي في الحجر، ولا في الكعبة فريضة، ولا ركعتي الطواف الواجب،
ولا الوتر، ولا ركعتي الفجر، فأما غير ذلك من ركوع الطواف فلا بأس به، ومن
صلى في الكعبة فريضة أعادها في الوقت.
190 - وكذلك من صلى ومعه لحم ميتة أو عظمها أو جلدها [أعاد في الوقت] ، قال
مالك: ولا يعجبني الصلاة على جلدها وإن دُبغ، فإن فعل أعاد في الوقت، ويصلى
على جلد السبع إذا ذكي ويلبس، ولا يصلى على جلد حمار وإن ذكي، ووقف مالك عن
الجواب في الكَيْمَخْت ورأيت تركه أحب إليه.
(1/260)
191 - وكل بما كان] يؤخذ من الميتة وهي حية
فلا يكون نجساً ولا بأس أن يؤخذ منها بعد موتها، ويصلى به مثل صوفها وشعرها
ووبرها، واستحسن [مالك] غسله.
192 - وكره أخذ القرن والعظم والسن والظّلْف (1) منها ورآه ميتة، وكره أخذ
القرن منها في الحياة أيضاً، وكره الإدهان في أنياب الفيل والمشط بها
والتجارة فيها، ولا ينتفع بشيء من عظام الميتة، ولا يوقد بها لطعام ولا
لشراب، ولا يحل اللبن في ضروع الميتة.
193 - ومن توضأ بماء غير طاهر ثم علم به فليغسل ما أصاب ذلك الماء من جسده
وثيابه، ويعيد الصلاة في الوقت.
194 - ومن علم وهو في الصلاة أنه [قد] استدبر القبلة أو شرّق أو غرّب قطع
_________
(1) هو الظفر المشقوق للبقرة والشاة والظبي ونحوهما، الوسيط (2/597) .
(1/261)
وابتدأ الصلاة بإقامة، وإن علم بذلك بعد
الصلاة أعاد في الوقت، وإن علم في الصلاة أنه انحرف يسيراً فلينحرف إلى
القبلة ويبني. (1)
195 - ووقت من صلى إلى غير القبلة في الظهر والعصر إلى اصفرار الشمس، وأما
المغمى عليه يفيق من الإغماء أو من جنون مطبق أو يصيبه ذلك، والمرأة تحيض
أو تطهر، والنصراني يسلم، والصبي يحتلم، فوقتهم [في الصبح ما لم تطلع
الشمس] ، وفي الظهر والعصر ما لم تغرب الشمس، وفي العشائين ما لم يطلع
الفجر، فإذا بقي من الوقت قدر صلاة أو ركعة منها فذلك وقت الآخر منها، وهم
مدركوها، [فتسقط عن التي حاضت حينئذ، وعن الذي أغمي عليه، وتجب على التي
طهرت، أو أفاق أو أسلم أو احتلم] ، ولو بقي من الوقت قدر صلاة وركعة من
الأخرى كانوا مدركين للصلاتين معاً على ما فسّرناه.
_________
(1) انظر: الشرح الكبير (1/224، 225) .
(1/262)
196 - وأما من كان تحت الهدم فلم يستطع
الصلاة فعليه أن يقضي ما خرج وقته لأنه في عقله، ومن بلغ مطبقاً أو جن بعد
أن بلغ ثم صح فليقض الصوم ولا يقضي من الصلاة إلا ما أفاق في وقته. (1)
197 - وإذا صلت الحرة بادية الشعر أو الصدر أو ظهور القدمين أعادت في
الوقت، وإذا صلت متنقبة أو متلثمة فلا تعيد، والحرة المراهقة ومن يؤمر منهن
بالستر في الصلاة كالبالغة، ولا تصلي أم الولد إلا بقناع كالحرة
_________
(1) انظر: الذخيرة للقرافي (1/494) .
(1/263)
بدرع أو قَرْقَل (1) يستر صدور قدميها، وإن
صلت بغير قناع فأحب إلي أن تعيد في الوقت، ولا أوجبه عليها كوجوبه على
الحرة وللأمة ومن لم تلد من السراري والمكاتبة والمدبرة والمعتق بعضها
الصلاة بغير قناع، ولا يصلين إلا بثوب يستر جميع الجسد.
198 - وإذا لم يجد العراة ثياباً صلوا أفذاذاً متباعدين قياماً يركعون
ويسجدون ولا يؤمون، وإذا كانوا في ظلام لا يرى بعضهم بعضاً جمعوا وتقدمهم
إمامهم.
199 - ولا بأس أن يصلي محلول الأزرار وليس عليه سراويل ولا مئزر وهو أستر
_________
(1) هو قميص للنساء أو ثوب لا كُمّ له، القاموس (1353) .
(1/264)
من الذي يصلي متوشحاً بثوب، ومن صلى
بسراويل ومئزر، وهو قادر على الثياب لم يعد في وقت ولا غيره، ومن صلى
محتزماً أو جمع شعره بوقاية أو شمر كميه، فإن كان ذلك لباسه أو كان في عمل
حتى حضرت الصلاة فلا بأس به، وإن تعمد [لذلك] إكفات شعر أو ثوب فلا خير
فيه.
200 - ومن أدرك بعض صلاة الإمام [فسلم الإمام] فإن كان موضع جلوس له كمدرك
ركعتين قام بتكبير، وإن لم يكن موضع جلوس له كمدرك ركعة أو ثلاث قام بغير
تكبير، ومن أدرك التشهد الآخر فكبر وجلس وقام بتكبير، فإن قام بغير تكبير
أجزأه، ومن أدرك من الظهر ركعة قرأ فيها بأم القرآن، فإذا
(1/265)
قام يقضي قرأ بأم القرآن وسورة وجلس يتشهد
ثم يأتي بركعتين يقرأ في الأولى بأم القرآن وسورة، وفي الثانية بأم القرآن
وحدها، وإن كانت صلاة جهرٍ جهر في قضاء الأولتين، وما أدرك مع الإمام فهو
أول صلاته إلا أنه يقضي مثل الذي فاته، ومن أدرك من المغرب ركعة، قال ابن
المسيب: أو فاتته منها ركعة صارت صلاته كلها جلوساً.
201 - وجائز صلاة النافلة في جماعة ليلاً أو نهاراً، ويجمعها الرجل بأهل
بيته وغيرهم ومن دخل مسجداً قد صلى أهله فجائز أن يتطوع قبل المكتوبة،
(1/266)
إن كان في بقية من الوقت، وكان ابن عمر
يبدأ بالمكتوبة، ومن ذكر صلاة بقيت عليه فلا يتنفل قبلها، وليبدأ بها إلا
أن يكون في بقية من وقتها، وليس قبل الصلاة أو بعدها ركوع معلوم، وإنما
يؤقت في ذلك أهل العراق.
202 - ومن قطع نافلة عمداً لزمه إعادتها، وإن كان ذلك لعلة لم يعدها، وإذا
أقيمت الصلاة كره التنفل حينئذ، ومن أحرم في نافلة ثم أقيمت الصلاة فإن كان
ممن يخفف الركعتين قبل أن يركع الإمام صلاهما ودخل معه وإلا قطع بسلام ودخل
معه، ولا يقضي النافلة إذا لم يتعمد قطعها، فإن لم يقطع بسلام أعاد الصلاة،
ومن أوتر في المسجد فأراد أن يتنفل بعده تربص قليلاً، وإن انصرف بعد وتره
إلى بيته تنفل ما أحب.
203 - ومن سلم من صلاته تنفل في موضعه وحيث أحب من المسجد إلا في الجمعة،
ولا يتنفل الإمام في موضعه [لا]
(1/267)
في جمعة ولا غيرها.
204 - قال مالك: ومن دخل مسجداً فلا يقعد حتى يركع ركعتين إلا أن يكون
مجتازاً لحاجة فجائز أن يمر فيه ولا يركع، وقاله زيد بن ثابت، ثم كره زيد
أن يمر فيه ولا يركع، ولم يأخذ به مالك، وصلاة النافلة في الليل والنهار
مثنى مثنى.
205 - ولا بأس بالإشارة الخفيفة في الصلاة للحاجة، ولا يكره السلام على
المصلي في
(1/268)
فريضة أو نافلة، وليرد مشيراً بيده أو
برأسه. ويسبح الرجال والنساء في الصلاة للحاجة، وضعف مالك أمر التصفيق
للنساء لحديث التسبيح. (1)
206 - وإن قهقه المصلي وحده قطع، وإن كان مأموماً تمادى وأعاد، ولا شيء
عليه إن تبسّم، صلى وحده أو مأموماً، ولا يحمد الله المصلي إذا عطس، فإن
فعل ففي نفسه، [وتركه خير له] ، ولا يرد على من شمته إشارة، كان في فرض أو
نافلة، وكان مالك إذا تثاءب في غير الصلاة سدّ فاه بيده ونفث، ولا أدري ما
فعله في الصلاة.
_________
(1) رواه البخاري (1/667) ، ومسلم (1/316) .
(1/269)
207 - ولا يبصق في المسجد فوق الحصير
ويدلكه ولكن تحته، ولا [يبصق] في حائط القبلة ولا في مسجد غير محصب إذ لا
يقدر على دفن البصاق فيه، وإن كام المسجد محصباً (1) فلا بأس أن يبصق بين
يديه، وعن يمينه وعن يساره أو تحت قدميه ويدفنه.
208 - ويؤمر الصبيان بالصلاة إذا أثغروا (2) ، وروى ابن وهب أن النبي ÷
قال: "مروا الصبيان بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في
المضاجع". (3)
_________
(1) يعني كثير الحجارة الصغيرة، الوسيط (1/184) .
(2) أي إذا سقطت أسنانهم، وقيل إذا نبتت من جديد، المصباح (ص82) .
(3) رواه أبو داود (495) وأحمد (2/180) ، والحاكم في المستدرك (1/258) ،
وصححه ووافقه الذهبي، من حديث عمر بن العاصي.
(1/270)
209 - ويكره قتل البرغوث والقملة في
المسجد، فإذا أصاب قملة وهو في الصلاة فلا يلقيها في المسجد ولا يقتلها
فيه، وإن كان في غير صلاة فلا بأس أن يطرحها في غير المسجد.
210 - والقنوت في الصبح قبل الركوع وبعده واسع، والذي يأخذ به مالك في
خاصته قبل [الركوع] ولا يكبر له، ولا يجهر به [إمام ولا غيره] ولا سهو على
من نسيه، وليس فيه دعاء مؤقت، ويدعو المصلي في قيامه وقعوده وسجوده بجميع
حوائجه لدنياه وآخرته، ولا يدعو في الركوع، وقال ابن وهب: قال مالك: لا بأس
أن يدعو الله في الصلاة على الظالم.
(1/271)
211 - وروي عن النبي ÷ في القنوت: "اللهم
إنا نستعينك، ونستغفرك، ونؤمن بك، ونَخْنَع لك، ونخلع ونترك من يكفرك،
اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونَحْفِد، نرجو رحمتك، ونخاف
عذابك الجِدّ، إن عذابك بالكافرين مُلْحِق". (1)
212 - وروي عن علي أنه كبر حين قنت في الفجر، وقال ابن مسعود وغيره:
_________
(1) رواه البيهقي في الكبرى (2/210) ، ولفظه: "نخنع" وهما بمعنى واحد، وهو
حديث مرسل، كما في مراسيل أبي داود (ص12) .
(1/272)
القنوت [في الفجر] سنة ماضية.
213 - ومن انصرف من صلاته لحدث أو رعاف ظن أنه أصابه ثم تبين أنه لا شيء به
ابتدأ، وإذا تعمد الإمام قطع صلاته أفسد على من خلفه، ومن أحدث بعد التشهد
[وقبل السلام] أعاد الصلاة.
214 - ومن دخل مسجداً فظن أنهم في العصر، فصلى معهم وهم يصلون الظهر لم
يجزه من العصر، وإذا نوى الإمام الظهر ومن خلفه ينوي العصر أجزأته ولم
تجزهم.
215 - ومن أتى يوم خميس يظنه يوم الجمعة، فصلى مع الإمام الظهر أربعاً
أجزأته لأن
(1/273)
الجمعة ظهر، ومن أتى يوم الجمعة يظن أنه
يوم خميس لم يجزئه، [إذ لا جمعة بلا نية] .
216 - ومن انفلتت دابته وهو يصلي مشى إليها فيما قرب، إن كانت بين يديه، أو
عن يمينه أو عن يساره، وإن بعدت طلبها وقطع الصلاة.
217 - والنفخ في الصلاة كالكلام، ومن فعلهما عامداً أو جاهلاً أعاد، وإن
كان سهواً سجد لسهوه بعد السلام. وكذلك إن قرأ وهو في فريضة أو نافلة
كتاباً بين يديه في العمد والسهو.
218 - ومن سلم من اثنتين ساهياً ثم تكلم بنى فيما قرب، [ويسجد لسهوه بعد
السلام] ، وإن تباعد أو خرج من المسجد ابتدأ، وقد
(1/274)
تكلم النبي ÷ [ساهياً] وبنى على صلاته،
ودخل فيما بنى بتكبير وسجد لسهوه بعد السلام، وإن انصرف حين سلّم فأكل أو
شرب ابتدأ، وإن لم يطل.
219 - ومن صلى خلف الصفوف منفرداً، فلا بأس بذلك، ويقف حيث شاء، ولا يجبذ
إليه أحداً (1) فإن فعل فلا يتبعه، وهذا خطأ من الذي فعله وخطأ من الذي
جبذه، ومن دخل المسجد وقد قامت الصفوف قاك حيث شاء، إن شاء خلف الإمام أو
عن يمينه أو عن يساره، وتعجب مالك ممن قال يمشي حتى يقف حذو الإمام، وإن
كانت طائفة عن يمين الإمام أو حذوه في الصف الثاني أو
_________
(1) إشارة لحديث أبي بكرة في البخاري (783) وانظر: تلخيص الحبير (2/37) .
(1/275)
الأول فلا بأس أن تقف طائفة عن يسار الإمام
في الصف ولا يلصق بالطائفة التي عن يمينه.
220 - ولا بأس بالصف بين الأساطين (1) لضيق المسجد.
221 - وإن صلت امرأة بين صفوف الرجال أو رجل خلف النساء لضيق المسجد
أجزأتهم صلاتهم، ومن أنصت في الصلاة لمخبر يخبره فإن كان يسيراً جاز.
222 - ولا يمنع النساء من الخروج إلى المسجد، وأما الاستسقاء والعيدان
فتخرج المتجالة إن أحبت.
223 - وإذا كان الصبي يعبث فلا يؤتى به [إلى] المسجد، وإذا كان لا
_________
(1) جمع أسطوانة، وهي العمود والسارية، الوسيط (1/18) .
(1/276)
يعبث ويكف إذا نهي فجائز، وإن أتى أباه في
مكتوبة نحاه عن نفسه، ولا بأس بتركه في النافلة.
224 - ويتصدق بثمن ما يجمر به المسجد أو يخلق أحب إليّ.
225 - ولا أكره الصلاة نصف النهار في جمعة ولا غيرها. ويفتح على الإمام من
خلفه في الصلاة إذا وقف، ولا يفتح أحد على من ليس معه في صلاةن ولا يفتح
مصل على مصل في صلاة أخرى.
226 - ومن ابتلع فلقة حبة بين أسنانه في الصلاة لم يقطع ذلك صلاته. ولا
يلتفت المصلي، فإن فعل لم يقطع ذلك صلاته، وإن كان بجميع جسده.
(1/277)
227 - قال الحسن: إلا أن يستدير القبلة.
228 - ولا بأس أن يروّح رجليه في الصلاة، وأكره أن يقرن قدميه يعتمد
عليهما، وأكره أن يصلي وفي فيه درهم أو دينار أو شيء، فإن فعل فلا شيء
عليه، وأكره أن يصلي وكمّه محشر بخبز أو غيره، أو يُفقّع أصابعه في الصلاة.
(1)
229 - ولا يبني فوق المسجد بيتاً ليسكن فيه، ولا أكره أن يكون البيت تحت
المسجد، ويورث، والمسجد [حبس] (2) لا يُورث إذا كان صاحبه قد أباحه للناس.
_________
(1) يعني يفرقعها، الصحاح (فقع) .
(2) حبس الشيء: منعه وأمسكه وسجنه، الوسيط (1/158) .
(1/278)
230 - ومن كثر التراب بكفيه أو جبهته فله
مسحه، ولا بأس بالسّدل (1) في الصلاة وإن لم يكن عليه قميص إلا إزار ورداء.
231 - وإذا بشّر [الرجل] ببشارة فخر ساجداً فمكروه، وإذا سلّم المصلي
انصرف، إن شاء عن يمينه أو شماله، ولا يعرف مالك التسبيح في الركعتين
الأخيرتين، ولا يتعوذ المأموم إذا سمع ذكر النار، فإن فعل فسِرّاً، وأكره
الكتاب
_________
(1) هو إرسال الرداء، انظر: التقييد (1/149) .
(1/279)
والتزويق في القبلة أو يجعل فيها مصحفاً
ليصلي إليه إلا أن يكون ذلك موضعه فجائز، وأكره الصلاة إلى حجر منفرد في
الطريق، وأما أحجار كثيرة فجائز. (1)
* * *
_________
(1) انظر: الذخيرة (2/416) .
(1/280)
|