التهذيب
في اختصار المدونة (كتاب الحج (1) الأول)
694 - ومن أراد الإحرام من رجل أو امرأة فليغتسل، كانت المرأة حائضاً أو
نفساء أم لا، ولم يوسع [لهم] مالك في ترك الغسل إلا من ضرورة. ولم يستحب أن
يتوضأ من يريد الإحرام ويدع الغسل، فمن أحرم من ذي الحليفة اغتسل بها، ومن
اغتسل بالمدينة وهو يريد الإحرام ثم مضى من فوره إلى ذي الحليفة فأحرم
[بها] أجزأه غسله، وإن اغتسل بها غدوة، ثم أقام إلى العشي، ثم راح
_________
(1) انظر: مقدمات ابن رشد (1/357) ، الشرح الصغير (1/27) ، معجم المصطلحات
(1/550) .
(1/491)
إلى ذي الحليف فأحرم، لم يجزه الغسل
وأعاده. (1)
695 - ويحرم من أتى الميقات أي وقت شاء حيث يجوز فيه التنفل من ليل أو
نهار، ولا يحرم إلا بإثر صلاة نافلة، أو بإثر [صلاة] فريضة، كان بعدها
نافلة أو لا، والمستحب إحرامه بإثر النافلة ولا حد لتنفله.
696 - وإن جاء في وقت لا يتنفل فيه انتظر وقتاً تحل فيه الصلاة، فيصلي
ويحرم إلا أن يكون خائفاً أو مراهقاً يخشى فوات الحج وشبه ذلك من العذر،
فيجوز أن يحرم وإن لم يصل.
697 - ولا يحرم في دبر الصلاة في المسجد ولكن إذا خرج منه ركب راحلته، فإذا
استوت به في فناء المسجد لبى ولم ينتظر أن تسير، فإن كان ماشياً فحين
_________
(1) انظر: الخيرة للقرافي (3/223، 224) .
(1/492)
يخرج من المسجد متوجهاً للذهاب يحرم ولا
ينتظر أن يظهر بالبيداء، وإن توجه ناسياً للتلبية من فناء المسجد كان بنيته
محرماً فإن ذكر من قريب لبى ولا شيء عليه، وإن تطاول ذلك به، أو نسيه حتى
فرغ من حجه فليهرق دماً.
ويجزئ من أراد الإحرام التلبية، وينوي بها ما يريد من حج أو عمرة أو قران،
ولا يسمي حجاً ولا عمرة، وهذا أحب إلى مالك من تسمية ذلك، ووجه الصواب في
القران أن يقول: لبيك بعمرة وحجة، ويبدأ [القارن] في تلبيته بالعمرة قبل
الحج وتجزيه النية أيضاً.
698 - ومن أراد الإحرام ومعه هدي فليقلده ثم يشعره ثم يجلله،
(1/493)
و [كل] ذلك واسع، ثم يدخل المسجد فيركع
ويحرم كما وصفنا. فإن أراد أن يقلد ويشعر بذي الحليفة ويؤخر إحرامه إلى
الجحفة فلا يفعل.
699 - ولا ينبغي له أن يقلد ويشعر إلا عندما يريد الإحرام، ثم يحرم بعقب
تقليده وإشعاره، إلا أن يكون لا يريد الحج فجائز أن يقلد بذي الحليفة (1) .
وإن لم يكن معه هدي وأراد أن يهدي فيما يستقبل فله أن يحرم ويؤخر الهدي.
ومن قلد هديه وهو يريد الذهاب معه إلى مكة لم يكن بالتقليد أو بالإشعار أو
بالتجليل محرماً حتى يحرم. ويقلد [هدي جزاء الصيد وما كان من هدي عن جماع
وهدي ما نقص من حجه، والهدي كله يقلد] ويشعر خلا الغنم فإنها لا تقلد ولا
تشعر.
700 - وإذا أدخله في الحج فلا ينحره إلا يوم النحر بمنى، فإن لم يفعل نحره
بمكة بعد ذلك، ويسوقه إلى الحل إن كان اشتراه من الحرم، وإن أدخله من الحل
إلى مكة فنحره بها أجزأه [عنه] . ومن جهل أن يقلد بدنته أو يشعرها من حيث
ساقها حتى ينحرها وقد أوقفها أجزأته.
701 - وتقلد البقر ولا تشعر إلا أن تكون لها أسمنة فتشعر. والإشعار في
الجانب الأيسر من أسمنتها عرضاً، ولا تقلد بالأوتار. ولا تقلد فدية الأذى
ولا تشعر لأنها
_________
(1) ذو الحليفة: بالتصغير، قرية بينها وبين المدينة ستة أميال أو سبعة،
فيها ميقات أهل المدينة، انظر: مراصد الاطلاع (1/420) .
(1/494)
نسك، ومن شاء قلدها وجعلها هدياً.
702 - ومن أتى الميقات مغمى عليه، فأحرم عنه أصحابه بحجة أو بعمرة أو قران
وتمادوا، فإن أفاق فأحرم بمثل ما أحرموا عنه أو بغيره ثم أدرك فوقف بعرفة
مع الناس أو بعدهم، قبل طلوع الفجر من ليلة النحر أجزأه حجه، وأرجو ألا
يكون عليه دم لترك الميقت [لأنه معذور] ، وليس ما أحرم عنه أصحابه بشيء،
وإنما الإحرام ما أحرم به هو ونواه، وإن لم يفق حتى طلع الفجر [من] ليلة
النحر، وقد وقف به أصحابه لم يجزه حجه.
703 - وإذا نوى الحاج أو المعتمر رفض إحرامه فلا شيء عليه وهو على إحرامه.
704 - ولا بأس أن يحرم في ثوب غير جديد، وإن لم يغسله، وقد أحرم مالك في
(1/495)
ثوب حججاً ما غسله.
705 - وكره مالك للرجال والنساء أن يحرموا في الثوب المعصفر المقدم
لانتفاضه، وكرهه للرجال في غير الإحرام.
706 - ولا بأس أن يحرم الرجل في البركانات (1) والطيالسة والكحلية وجميع
ألوان الثياب إلا المعصفر المقدم الذي ينتفض.
707 - وما صبغ بالوَرْس (2) والزعفران (3) فإن مالكاً كرهه، ولم يكره شيئاً
من الصبغ غيره، وما صبغ بورس أو زعفران فغُسل وبقي فيه أثر لونه فقد كرهه
أيضاً مالك، إلا أن يذهب لونه كله فلا بأس به، وإن لم يخرج لونه، ولم يجد
غيره صبغه بالمِشْق وأحرم فيه.
_________
(1) هو الكساء الأسود.
(2) الورس: نبات يستعمل لتلوين الملابس الحريرية، شديد الحمرة، الوسيط
(2/1067) .
(3) الزعفران: نبات منه نوع صبغي طبي مشهور يستعمل في الحمرة، الوسيط
(1/408) .
(1/496)
ولا بأس بالمورد والممشق (1) ، ولا بأس
بالإحرام في الثياب الهروية إن كان صبغها بغير الزعفران، فإن كان بالزعفران
فلا يصلح.
ولا يحرم في ثوب علق به ريح المسك حتى يذهب ريحه بغسل أو نشر.
708 - وإذا لم يجد المحرم نعلين وهو مليء جاز له لبس الخفين إذا قطعهما
أسفل من الكعبين، وإذا وجد نعلين فليشترهما، وإن زيد عليه في الثمن يسيراً،
وأما ما يتفاحش من الثمن فما عليه أن يشتريهما [به] ، وأرجو أن يكون في
سعة.
709 - ويدهن الرجل عند الإحرام وبعد الحلاق رأسه بالزيت [وشبهه] ، وبالبان
السمح، وهو البان غير المطيب، وأما ما يبقى رائحته فلا يعجبني.
710 - وإحرام الرجل في وجهه ورأسه، [وإحرام المرأة في يجيها ووجهها] ،
ويكره
_________
(1) الممشق: المصبوغ بالمشق، والمشق: المغرة وهي الطين الأحمر يستعمل
كصبغة، الوسيط (1/906) .
(1/497)
للمحرم أن يغطي ما فوق ذقنه، فإن فعل فلا
شيء عليه لما جاء [فيه] عن عثمان - رضي الله عنه (1) -[في الجزء الثالث من
الحج، ولا بأس بتغطية الذقن للمرأة والرجل] .
711 - وليرفع المحرم صوته بالتلبية، ولا يسرف أو يلح ولا يسكت، وقد جعل
الله لكل شيء قدراً.
ولا ترفع الأصوات بالتلبية في شيء من المساجد، إلا في المسجد الحرام، أو
مسجد منى، و [حد ما] ترفع المرأة صوتها قد رما تسمع نفسها.
712 - مالك: وإذا دخل المحرم المسجد الحرام أول ما يدخل وهو مفرد بالحج أو
قارن فلا يلبي، ويقطع التلبية من حين يبتدئ بالطواف الأول بالبيت إلى أن
يفرغ من
_________
(1) رواه مالك فيالموطأ (الحج/13) .
(1/498)
سعيه [بين الصفا والمروة] وإن لبّى حول
البيت [الحرام لم أر ذلك ضيقاً عليه وهو] في سعة.
713 - وقال مالك: لا بأس أن يلبي في السعي بين الصفا والمروة وذلك واسع.
قال: فإذا فرغ من سعيه عاد إلى التلبية ولا يقطعها حتى يروح يوم عرفة إلى
المسجد.
قال ابن القاسم: يريد إذا زالت الشمس وراح يريد الصلاة، قطع التلبية، وثبت
مالك على هذا، وعلمنا أنه رأيه، لأنه قال: لا يلبي الإمام يوم عرفة على
المنبر، ويكبر بين ظهراني خطبته، ولم يؤقت في تكبيره وقتاً، وكان مالك قبل
ذلك يقول: يقطع التلبية إذا راح إلى الموقف، وكان يقول: [يقطع] إذا زاغت
الشمس، ثم رجع فثبت على ما ذكرناه. وإذا قطع التلبية فلا بأس أن يكبر.
(1/499)
714 - وكره مالك ان يلبي من لا يريد الحج،
ورآه خرقاً ممن فعله (1) . ومن اعتمر من ميقاته قطع التلبية إذا دخل الحرم
ثم لا يعاودها، وكذلك من أتى وقد فاته الحج أو أحصر بمرض حتى فاته الحج
يقطع التلبية إذا دخل أوائل الحرم، لأن عملهم صار عمل العمرة. ولا يُحل
المحصر بمرض من إحرامه إلا البيت، وإن تطاول ذلك به سنين.
715 - والذي يحرم بعمرة من غير ميقاته مثل الجعرانة والتنعيم يقطع إذا دخل
بيوت مكة [قلت له: أو المسجد الحرام، قال:] أو المسجد الحرام، كل ذلك واسع.
ويلبي الحاج والقارن في المسجد [الحرام] ، وحكم من جامع في حجه فأفسده في
قطع التلبية وغيرها حكم من لم يفسده، وأهل مكة في التلبية كغيرهم من الناس.
716 - والإفراد بالحج أحب إلى مالك من القران والتمتع. وأجاز الشاة في دم
_________
(1) خرق الشيء: أي جهله ولم يحسنه عمله، انظر: الوسيط (1/237) .
(1/500)
القران على تكره، يقول: إن لم يجد، واستحب
فيما استيسر من الهدي قول ابن عمر: البقرة دون البعير.
717 - وكره مالك لمن أحرم بالحج أن يضيف إليه عمرة أو حجة، فإن أردف ذلك
أول دخوله مكة أو بعرفة أو في أيام التشريق فقد أساء، وليتماد على حجه، ولا
يلزمه شيء مما أردف، ولا قضاؤه ولا دم قران.
718 - ولمن أحرم بعمرة أن يضيف إليها الحج، ويصير قارناً ما لم يطف بالبيت،
فإذا طاف [بالبيت] ولم يركع، كره له أن يردف الحج، فإن فعل لزمه، وصار
قارناً، وعليه دم القران.
719 -[وإن أردف الحج قبل تمام طوافه للعمرة، فيتمه ولا يسعى شيئاً] وإن
(1/501)
أردف الحج بعد أن طاف وركع ولم يسع، أو سعى
بعض السعي وهو من أهل مكة أو غيرها كره له ذلك، فإن فعل فليمض على سعيه
ويحل [قال أبو زيد:] ثم يستأنف الحج، [قال يحيى: إن شاء] .
720 - وإن أردف الحج بعد تمام سعيه وقبل أن يحلق لزمه الحج، ولم يكن
قارناً، ويؤخر حلاق رأسه، ولا يطف بالبيت، ولا يسع حتى يرجع من منى إلا أن
يشاء أن يطوف تطوعاً ولا يسعى، ولا دم قران عليه، وعليه دم لتأخير الحلاق
في عمرته كان مكياً أو غير مكي، لأنه لما احرم بالحج لم يقدر على الحلاق،
ولا دم عليه لمتعته [إلا أن يحل من عمرته في أشهر الحج فيلزمه الدم لمتعته]
إن كان غير مكي، وإن كان مكياً لم يلزمه غير دم تأخير الحلاق فقط.
(1/502)
721 - ويقلد هدي تأخير الحلاق، ويشعره ويقف
به بعرفة مع هدي تمتعه، فإن لم يقف [به] بعرفة [مع هدي تمتعه] لم يجزه إن
اشتراه من الحرم إلا أن يخرجه إلى الحل (1) فيسوقه منه إلى مكة، ويصير منحه
بمكة، وليس على من حلق من أذى أن يقف بهديه بعرفة، لأنه نسك.
722 - مالك: ولا يحرم أحد بالعمرة من داخل الحرم، قال ابن القاسم: والقران
عندي مثله، لأنه يحرم بالعمرة من داخل الحرم.
وإذا أحرم مكي بعمرة من مكة ثم أضاف إليها حجة لزمتاه وصار قارنا، ويخرج
إلى الحل، لأن الحرم ليس بميقات للمعتمرين، وليس عليه دم قران، لأنه مكي.
وإن هو أحرم بحجة بعدما سعى بين الصفا والمروة لعمرته، وقد كان يخرج إلى
الحل فليس بقارن، وعليه دم لتأخير الحلاق، والمكي وغيره في هذا الدم سواء.
_________
(1) الحل: مأخوذ من معنى الفتح والإطلاق، وأصل الحل: حل العقدة، وهو نقيض
العقد، وهو أعم من الحلال لأنه يطلق على ما سوى التحريم، معجم المصطلحات
(1/585) .
(1/503)
723 - ولو دخل مكي بعرفة فأضاف [إليها]
الحج ثم أحصر بمرض حتى فاته الحج فإنه يخرج إلى الحل ثم يرجع فيطوف ويحل
ويقضي الحج والعمرة قابلاً قارناً.
724 - ومن دخل مكة قارناً فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة في غير أشهر
الحج ثم حج من عامه فعليه دم القران، ولا يكون طوافه حين دخل مكة لعمرته
لكن [يكون] لهما جميعاً. ولا يحل من واحدة منهما دون الأخرى، لأنه لو جامع
فيهما لقضاهما قارناً.
725 - وليس على أهل مكة - القرية - بعينها، أو أهل ذي طوى إذا قرنوا أو
تمتعوا دم قران ولا متعة أحرموا من الميقات أو من غيره، لكنهم يعملون عمل
القارن، وكذلك لو أقام المكي بمصر أو بالمدينة مدة لتجارة أو غيرها، ولم
يوطنها ثم رجع إلى مكة فقرن جاز قرانه ولا دم عليه للقران لأنه مكي.
وأما أهل منى والمناهل التي بين مكة والمواقيت كقديد، وعسفان،
(1/504)
ومرظهران، وغيرهم من سكان الحرم إذا قرنوا
من موضع يجوز لهم [أو دخلوا بعمرة من موضع يجوز لهم] ، أو تمتعوا فحلوا من
عمرتهم في أشهر الحج، ثم أقاموا بمكة حتى حجوا، فعليهم الدم للمتعة
وللقران، ومن رجع منهم إلى قراره بعد أن حل من عمرته في أشهر الحج ثم حج من
عامه سقط عنه دم المتعة لرجوعه إلى منزله.
726 - ومن كان له أهل بمكة وأهل ببعض الآفاق، فقدم مكة معتمراً في أشهر
الحج فهذا من مشتبهات الأمور، وأحوط له أن يهدي.
727 - ومن دخل مكة في أشهر الحج بعمرة وهو يريد سكناها ثم حج [من] عامه
[ذلك] فعليه دم المتعة، وليس هو كأهل مكة، لأنه أتى يريد السكنى، وقد يبدو
له.
(1/505)
ومن حل من أهل الآفاق من عمرته قبل أشهر
الحج ثم اعتمر عمرة ثانية من التنعيم في أشهر الحج ثم حج من عامه ذلك فعليه
دم المتعة، وهو أبين من الذي قدم ليسكن، لأن هذا لم تكن إقامته الأولى
سكنى.
ومن حلّ من عمرته في أشهر الحج وهو من أهل الشام، أو من مصر، فرجع من مكة
إلى المدينة ثم حج من عامه فعليه دم المتعة غلا أن يرجع إلى أفق مثل أفقه،
وتباعد من مكة ثم يحج فلا يكون متمتعاً.
728 - ومن اعتمر في رمضان فطاف وسعى بعض السعي ثم أهل [هلال] شوال فأتم
سعيه فيه، ثم حج من عامه، كان متمتعاً [حج عن نفسه أو عن غيره] ، ولو فرغ
من سعيه في رمضان ثم أهل [هلال] شوال قبل أن يحلق ثم حج من عامه فليس
بمتمتع، لأن مالكاً قال: من فرغ من سعيه بين الصفا والمروة [فلبس الثياب
قبل أن يقصر] فلا شيء عليه.
(1/506)
729 - واستحب مالك لأهل مكة أو لمن دخلها
بعمرة أن يحرم بالحج من المسجد الحرام، [قال أشهب: من داخل المسجد لا من
باب الحرم] ، ومن دخل مكة من أهل الآفاق في أشهر الحج بعمرة وعليه نفس فأحب
إلي أن يخرج إلى ميقاته فيحرم منه بالحج، ولو أقام حتى يحرم من مكة كان ذلك
له.
730 - ويهل أهل قديد وعسفان ومر ظهران من منازلهم، وكل من كان وراء الميقات
إلى مكة فميقاته من منزله.
731 - وذو الحليفة ميقات أهل المدينة، ومن مر بها من الناس [كلهم] خلا أهل
الشام ومصر ومن وراءهم من أهل المغرب، فإن ميقاتهم الجحفة لا يتعدوه، ولهم
إذا مروا بالمدينة أن يؤخروا إحرامهم إلى الجحفة، والأفضل لهم أن يحرموا من
ذي الحليفة ميقات النبي ÷ ولأنها طريقهم. وميقات أهل اليمن من يلملم، وأهل
نجد قرن، ووقت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ذات عرق
(1/507)
لأهل العراق.
ومن مر بالمدينة من أهل العراق فليحرم من ذي الحليفة ولا يؤخر إلى الجحفة،
وإن مر أهل الشام ومصر قادمين من العراق فليحرموا من ذات عرق.
وكذلك حميع أهل الآفاق من مر منهم بميقات ليس له فليحرم منه، خلا أهل الشام
ومصر ومن وراءهم إذا مروا بالمدينة على ما وصفنا.
732 - ومن جاوز الميقات [ممن يريد الإحرام] جاهلاً ولم يحرم منه، فليرجع
فيحرم منه ولا دم عليه، إلا أن يخاف فوات الحج فليحرم من موضعه ويتماد
وعليه دم، ولو أحرم بعد أن جاوزه لم يرجع وإن لم يكن مراهقاً وتمادى وعليه
دم.
733 - ومن أهل من ميقاته بعمرة فلما دخل مكة أو قبل أن يدخلها أردف حجه إلى
عمرته، فلا دم عليه، لتركه الميقات في الحج، لأنه لم يجاوز الميقات إلا
محرماً.
734 - وإن تعدى الميقات ثم قرن أو أحرم بعمرة لما دخل مكة أو قبل أن يدخلها
أردف الحج، فعليه دم لترك الميقات، ودم للقران، لأن كل من كان ميقاته من
منزله أو غيره فجاوزه، وهو يريد أن يحرم بحج، أو عمرة، فاحرم بعد ذلك فعليه
دم.
(1/508)
ولا يشبه بالذي جاء من عمل الناس في الذين
يخرجون من مكة ثم يعتمرون من الجعرانة والتنعيم، لأن ذلك رخصة لهم، وإن لم
يبلغوا [مواقيتهم] .
735 - ومن جاوز ميقاته في حاجته [وهو لا يريد إحراماً] ثم بدا له أن يحج من
موضعه ذلك فليحرم منه ولا دم عليه، وكذلك لو مضى مصري إلى عسفان في حاجة،
ثم بدا له أن يحج منها، أو يعتمر فله ذلك ولا دم عليه لترك الميقات.
736 - مالك: ومن تعدى الميقات وهو صرورة ثم أحرم فعليه دم (1) . قيل لابن
القاسم: فإن تعداه ثم أحرم بالحج بعد أن جاوزه وليس [بصرورة، قال: إن كان
جاوزه] مريداً للحج ثم أحرم فعليه دم. ومن تعدى
_________
(1) الصرورة: هو الذي لم يحج قط، انظر: النهاية لابن الأثير (3/22) .
(1/509)
الميقات فأحرم بالحج ثم فاته الحج فلا دم
عليه لتعديه لرجوعه إلى عمل العمرة وإنه يقضي حجته.
737 - وإن جامع فأفسد حجه فعليه دم الميقات، لأنه على عمل حجه متماد وإن
قضاه.
738 - ومن وجب عليه دم لتعدي الميقات أو لتمتع لم يجزه مكانه طعام، وأجزأه
الصوم إن لم يجد هدياً، وإنما يكون الصيام أو الطعام مكان الهدي في فدية
الأذى أو في جزاء الصيد.
739 - ومن أحرم بالحج من خارج الحرم، مكي أو متمتع، فلا دم عليه لتركه
الإحرام من داخل الحرم، لأنه زاد ولم ينقص، فإن مضى إلى عرفات ولم يدخل
الحرم وهو مراهق فلا دم عليه.
740 - وإن أحرم بالحج من الحل أو من التنعيم وهو مكي أو غير مكي فعليه أن
يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة قبل أن يخرج إلى عرفات إن لم يكن
(1/510)
مراهقاً، ويكون خلاف من أحرم بالحج من
الحرم.
741 - ومن دخل مكة بغير إحرام متعمداً أو جاهلاً فقد عصى ولا شيء عليه، لأن
ابن شهاب كان لا يرى بأساً أن يدخل مكة بغير إحرام، وخالفه مالك وقال: لا
أحب لأحد من الناس أن يقدم من بلده فيدخل مكة بغير إحرام.
(1/511)
742 - وإن كان من [أهل] المناهل القريبة
منها كقديد ونحوها يقدم في السنة لحاجة وليس شأنهم الاختلاف، وإنما أرخص في
ذلك للمختلفين بالفواكه والطعام والحطب مثل الطائف وجدة وعسفان فيدخلوا
[مكة] بغير إحرام لكثرة ذلك عليهم أو مثل فعل ابن عمر حين خرج إلى قديد
فبلغه خبر فتنة المدينة فرجع فدخل مكة بغير إحرام.
743 - ومن جاوز الميقات وهو يريد الحج فلم يحرم منه حتى دخل مكة بغير إحرام
فأحرم منها بالحج فعليه دم لترك الميقات وحجه تام. وإن جاوز الميقات غير
مريد للحج فلا دم عليه وقد أساء [فيما فعل] حين دخل الحرم حلالاً من أي اهل
الآفاق كان ولا شيء عليه.
(1/512)
744 - وللسيد أن يدخل عبده أو أمته مكة
بغير إحرام ويخرجهما إلى منى وعرفات غير محرمين، ومن ذلك الجارية يريد
بيعها فلا بأس أن يدخلها بغير إحرام، فإن أذن السيد لعبده بعد ذلك فأحرم من
مكة فلا دم على العبد لترك الميقات.
745 - وإذا أسلم نصراني أو عتق عبد أو بلغ صبي أو حاضت جارية بعد دخولهم
مكة، أو هم بعرفات، فأحرموا حينئذ بالحج ووقفوا أجزأتهم عن حجة الإسلام،
ولا دم عليهم لترك الميقات.
746 - ولو أحرم العبد قبل عتقه والصبي والجارية قبل البلوغ تمادوا على حجهم
ولم يجز لهم أن يجددوا إحراماً، ولا تجزيهم عن حجة الإسلام.
747 - وإذا أحرم مكي أو متمتع من مكة بالحج فليؤخر الطواف حتى يرجع من
عرفات فيطوف ويسعى، ولو عجل الطواف والسعي قبل خروجه إلى عرفات لم
(1/513)
يجزه، وليعدهما إذا رجع من عرفات، فإن لم
يعد السعي حين رجع من عرفات حتى رجع إلى بلده أجزأه السعي الأول، وعليه
هدي، وذلك أيسر شأنه.
748 - مالك - رحمه الله - وأحب إلي أن يحرم أهل مكة إذا أهلّ هلال ذي
الحجة.
وكان مالك يأمر أهل مكة، وكل من أنشأ الحج من مكة أن يؤخر طوافه الواجب
وسعيه حتى يرجع من عرفات، وله أن يطوف تطوعاً قبل أن يخرج، ولا يسعى حتى
يرجع من عرفات، فإذا رجع طاف الطواف الواجب و [سعى. والطواف الواجب] هو
الذي يصل به السعي بين الصفا والمروة.
(1/514)
وكره مالك أن يحرم أحد قبل [أن يأتي]
ميقاته، أويحرم بالحج قبل أشهر الحج، فإن فعل في الوجهين [جميعاً] لزمه
ذلك.
749 - ومن أذن لعبده أو لأمته أو [لزوجته] في الإحرام فليس له أن يحلّهم
بعد ذلك، فإن خاصموه قضي لهم عليه، وإن باع عبده أو أمته وهما محرمان جاز
بيعه، وليس للمبتاع أن يحلّهما، وله غن لم يعلم بإحرامهما الرد لعيب بهما
إلا أن يقربا من الإحلال.
750 - وإن أحرم العبد بغير إذن سيده فحلله منها ثم أذن له في عام آخر في
قضائها حج وأجزأه منها، وعلى العبد الصوم لما حلله سيده إلا أن يهدي عنه
سيده أو يطعم.
(1/515)
قيل: [فإذا] أحرمت المرأة بفريضة بغير إذن
زوجها فحللها، ثم أذن لها من عامها فحجت أيجزيها حجها من الفريضة والقضاء؟،
فقال: أرجو ذلك.
وأما إن أحرم [عبد] بغير إذن سيده فحلله ثم أعتقه فحج ينوي القضاء، وحجة
الإسلام أجزأته للقضاء لا للفريضة، كما لو نذر فقال: إن أعتق الله رقبتي
فعلي المشي إلى بيت الله في حجة، فأعتق، فإنه يحج حجة الإسلام ثم النذر
بعدها، ولا يجزيه حجته حين أعتق عنهما، لأنه أدخل تطوعاً مع واجب.
والمرأة إنما أجزأها حجها عن الفريضة والقضاء، لأنها قضت واجباً بواجب، ولو
كان إنما حللها من تطوع [وهي صرورة] فهذه قضاء [لها] وعليها حجة الإسلام.
(1)
751 - وقد قال مالك فيمن حلف بالمشي إلى بيت الله فحنث وهو صرورة فمشى في
_________
(1) انظر: التاج الإكليل (3/164) ، ومواهب الجليل (3/165) .
(1/516)
حجة ينوي بها نذره وفرضه، إنها تجزيه لنذره
لا لفرضه، وعليه حجة الإسلام، فمسألة العبد مثل هذا.
752 - وإن حج بالصغير أبوه وهو لا يجتنب ما يؤمر به [مثل] ابن سبع سنين
وثمانية، فلا يجرده حتى يدنو من الحرم، والذي قد ناهز يجرد من الميقات،
لأنه يدع ما يؤمر بتركه، وإذا كان لا يتكلم فلا يلبي عنه أبوه، فإذا جرده
أبوه [يريد] بتجريده [الإحرام] فهو محرم، ويجنبه ما يجتنب الكبير، فإن
احتاج إلى دواء أو طيب فعل به [ذلك] وفدى عنه، وإن لم يقو على الطواف طيف
به محمولاً، ويرمل الذي يطوف به في الأشواط الثلاثة بالبيت ويسعى في
المسيل، ولا يركع عنه الركعتين إن لم يعقل الصلاة، ولا
(1/517)
يطوف به إلا من طاف لنفسه لئلا يدخل في
طواف واحد طوافين، والطواف بالبيت كالصلاة. ولا بأس أن يسعى لنفسه وللصبي
سعياً واحداً يحمله في ذلك ويجزيه منهما، لأن السعي أخف من الطواف، وقد
يسعى من ليس على وضوء، ولا يطوف إلا متوضئ، ولا يرمي عنه إلا من رمى عن
نفسه كالطواف.
753 - والمجنون في جميع أمره كالصبي، وليس لأب الصبي أو أمه أو من هو في
حجره من وصي أو غيره أن يخرجه ويحجه وينفق عليه من مال الصبي إلا أن يخاف
[عليه] من ضيعته بعده، إذ لا كافل له، فله أن يفعل به ذلك، وإلا ضمن ما
أكرى له به وأنفق عليه إلا قدر ما كان ينفق في مقامه.
754 -[مالك] : ولا بأس أن يحرم بالأصاغر الذكور وفي أرجلهم الخلاخل وعليهم
الأسورة، وكره مالك للصبيان الذكور حلي الذهب.
755 - ومن أتى مكة ليلاً فواسع له أن يدخل، واستحب مالك أن يدخلها نهاراً،
(1/518)
واستحب لمن أتى من طريق المدينة أن يدخل
مكة من كداء. وذلك واسع من حيث [ما] دخل.
756 - فإذا دخل المسجد فعليه أن يبتدئ باستلام الحجر الأسود بفيه إن قدر،
وإلا لمسه بيده ثم وضعها على فيه من غير تقبيل، فإن لم يصل كبّر إذا حاذاه،
ولا يرفع يديه ثم يمضي ويطوف، ولا يقف، وكلما مر به فواسع إن شاء استلم أو
ترك.
757 - ولا يقبل بفيه الركن اليماني لكن يلمسه بيده ثم يضعها على فيه من غير
تقبيل، فإن لم يستطع لزحام الناس كبّر ومضى، وكلما مرّ به في طواف واجب أو
تطوع فواسع إن شاء استلم أو ترك، ولا يدع التكبير كلما حاذاهما في طواف
واجب أو تطوع.
(1/519)
758 - ولا يستلم الركنين اللذين يليان
الحجر بيده ولا يقبلهما [ولا يكبر] إذا حاذا [هما] .
[وأنكر مالك قول الناس إذا حاذوا] الركن الأسود: إيماناً بك وتصديقاً
بكتابك، ورأى أنه ليس عليه العمل، وقال: لا يزيد على التكبير شيئاً، وأنكر
وضع الخدين والجبهة على الحجر الأسود وقال: هذه بدعة.
759 - وليزاحم على استلام الحجر ما لم يكن آذى، ولا بأس باستلامه لغير
طواف، قلت: فإذا طاف أول دخول مكة الطواف الواجب الذي يصل به السعي بين
الصفا والمروة، واستلم الحجر ثم طاف بعد ذلك [أيبدأ باستلام
(1/520)
الركن من كل طواف يطوفه بعد ذلك؟ قال: نعم]
.
قال: ليس عليه أن يستلم الحجر في ابتداء طوافه إلا في الطواف الواجب إلا أن
يشاء، فإذا فرغ من طوافه أول ما دخل مكة وصلى الركعتين فلا يخرج إلى الصفا
والمروة حتى يستلم الحجر، فإن لم يفعل فلا شيء عليه، فإذا طاف بالبيت بعد
أن تم سعيه [بين الصفا والمروة] وأراد الخروج إلى منزله فليس عليه أن يرجع
[حتى] يستلم الحجر إلا أن يشاء.
760 - ومن طاف بالبيت في حج أو عمرة طوافه الواجب فلم يستلم الحجر في شيء
من ذلك فلا شيء عليه.
761 - ولا بأس بما خف من الحديث في الطواف، ولا ينشد شعراً، وليست
(1/521)
القراءة في الطواف من السنة، وإن باع
واشترى في طوافه فلا يعجبني.
762 - وإذا زوحم في الرمل (1) فلم يجد مسلكاً رمل بقدر طاقته، ومن جهل أو
نسي فترك الرمل في الأشواط الثلاثة بالبيت أو السعي بين الصفا والمروة فهذا
خفيف، وكان مالك يقول: [عليه الدم، ثم رجع عنه وقال: لا دم عليه.
763 - قال مالك: يرمل من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود، وكان يقول] في
تارك الرمل إن قرب أعاد، وإن بعد فلا شيء عليه، ثم خففه ولم ير أن يعيد
[وإن قرب] ، ومن قضى حجة فائتة فليرمل بالبيت، ويسعى في الليل، ويستحب لمن
اعتمر من الجعرانة أو التنعيم أن يرمل إذا طاف بالبيت، وليس وجوبه عليه
كوجوبه على من حج أو اعتمر من المواقيت. وأما السعي فواجب على من اعتمر من
التنعيم وغير ذلك، ومن ذكر في الشوط الرابع أنه لم يرمل في
_________
(1) رمل: أسرع في المشي وهز منكبيه، النهاية (2/265) .
(1/522)
الثلاثة أشواط مضى ولا شيء عليه، دم ولا
غيره، ومن رمل الأشواط السبعة كلها فلا شيء عليه.
764 - ومن طاف بالبيت منكوساً لم يجزه، ومن طاف محمولاً من عذر أجزأه، وإن
كان لغير عذر أعاد الطواف بالبيت، إلا أن يكون رجع إلى أهله فليهرق دماً،
وإن طاف راكباً أعاد إن لم يفت، فإن تطاول [ذلك] فعليه دم.
765 - ومن طاف الطواف الواجب وفي ثوبه أو جسده نجاسة لم يعد كمن صلى بذلك
ثم ذكر بعد الوقت. (1)
766 - ولا يعتد بما طاف في داخل الحجر (2) ، ويبني على ما طاف خارجاً منه،
وإن لم يذكر حتى رجع إلى بلده فليرجع، وهو كمن لم يطف. والطواف بالبيت
للغرباء أحب إلي من الصلاة، ولم يكن مالك يجيب في مثل هذا.
_________
(1) انظر: مواهب الجليل (3/76، 77) .
(2) الحجر: بكسر الحاء وسكون الجيم، هو فناء محوط مدور على صورة نصف دائرة،
خارج عن جدار الكعبة في جهة الشام، وقد جعله إبراهيم عليه السلام إلى جانب
البيت، وعمله عريشاً بالآراك، وكان زرباً لغنم إسماعيل عليه السلام، وانظر:
مواهب الجليل (3/76، 77) .
(1/523)
767 - ولم يكره مالك الطواف بالبيت
بالنعلين والخفين، وكره أن يدخل البيت بهما أو يرقى بهما الإمام أو غيره
منبر النبي ÷، وأجاز ابن القاسم أن يدخل بهما الحجر.
768 - ومن طاف وراء زمزم أو في سقائف المسجد من زحام الناس فلا بأس به، وإن
طاف في سقائفه لغير زحام لحرّ ونحوه أعاد الطواف.
769 - ومن قرن الحج والعمرة أجزأه طواف واحد لهما [جميعاً] وهي السنة.
(1/524)
770 - ومن دخل مكة مراهقاً (1) فخشي فوات
الحج، وهو مفرد بالحج أو قارن، فليدع الطواف ويمضي إلى عرفات، ولا دم عليه
لترك الطواف، وسواء دخل مكة أو الحرم أو لم يدخل، ومضى كما هو إلى عرفات،
لأنه مراهق.
وإن كان غير مراهق وهو مفرد بالحج أو قارن فأخر الطواف حتى أفاض كان عليه
دم لتأخيره، دخل مكة أو الحرم أو لم يدخل [الحرم] ومضى إلى عرفات وهو يقدر
على الدخول والطواف فتركه فالدم يلزمه لتأخير الطواف، لأنه غير مراهق. وعلى
القارن دم آخر [لقرانه] .
771 - وأما من دخل مكة معتمراً يريد الحج وهو مراهق أو غير مراهق ففرض الحج
وتمادى صار قارناً ولا دم عليه لتأخير الطواف، إذ له غرداف الحج ما لم يطف،
وإنما عليه دم القران فقط.
772 - والمفرد بالحج إذا طاف الطواف الواجب أول ما يدخل مكة وسعى بين الصفا
والمروة على غير وضوء ثم خرج إلى عرفات فوقف المواقف ثم رجع إلى مكة يوم
_________
(1) أرهق فلاناً: دنا منه وأدركه، وانظر: الوسيط (1/391) .
(1/525)
النحر فطاف للإفاضة على وضوء ولم يسع حتى
رجع إلى بلده فأصاب النساء والصيد والطيب وليس الثياب فليرجع لابساً للثياب
حلالاً إلا من النساء والصيد والطيب حتى يطوف ويسعى ثم يعتمر ويهدي. وليس
عليه أن يحلق إذا رجع بعد فراغه من السعي، لأنه قد حلق بمنى، ولا شيء عليه
في لبس الثياب، لأنه لما رمى الجمرة حل له اللباس بخلاف المعتمر، [لأن
المعتمر] لا يحل له ليس الثياب حتى يفرغ من السعي.
773 - ولا شيء عليه في الطيب لأنه بعد [رمي] الجمرة، فهو خفيف، وعليه لكل
صيد أصابه الجزاء، ولا دم عليه إذا أخر الطواف الذي طافه حين دخل مكة على
غير وضوء، وأرجو أن يكون خفيفاًن لأنه لم يتعمد ذل وهو كالمراهق، والعمرة
مع الهدي يجزيه من ذلك كله، وجل الناس يقولون: لا عمرة عليه.
774 - ومن طاف لعمرته على غير وضوء فذكر بعد أن حل منها بمكة أو ببلده
(1/526)
فليرجع حراماً كما كان، وهو كمن لم يطف
بالبيت بويسعى] ، وإن كان قد حلق بعد طوافه افتدى، وإن كان أصاب النساء
[والصيد] والطيب فعليه لكل صيد أصابه الجزاء.
775 - ومن طاف للإفاضة على غير وضوء رجع لذلك من بلده، فيطوف للإفاضة إلا
أن يكون قد طاف بعده تطوعاً فيجزيه [من طواف الإفاضة] .
776 - وطواف الإقامة واجب كطوافه الذي يصل به السعي بين الصفا والمروة،
(1/527)
يرجع لما ترك منهما فيطوفهما، وعليه الدم،
والدم في هذا خفيف.
777 - ومن طاف في أول دخوله مكة ستة أشواط ونسي السابع وصلى ركعتين، وسعى،
فإن كان قريباً طاف شوطاً واحداً، وركع وسعى، وإن طال ذلك أو انتقض وضوءه
أو ذكر ذلك في طريقه أو ببلده [أو بعد أن وقف بعرفات] رجع فابتدأ الطواف من
أوله وركع وسعى. وإن كان قد جامع النساء فليرجع وليفعل كما وصفنا في الذي
طاف وسعى على غير وضوء.
778 - وإذا ذكر المعتمر ببلده أنه نسي الركعتين، وقد أصاب النساء،
فليركعهما ويهدي، وإن ذكر أنه لم يكن طاف بالبيت إلا ستاً رجع فابتدأ
الطواف ورجع وسعى وأمر الموسى على رأسه، وقضى عمرته وأهدى.
779 - ولو أتم سعيه [لعمرته] ثم أردف الحج ثم ذكر بعرفة أنه لم يكن طاف
(1/528)
بالبيت إلا ستاً صار قارناً يعمل عمل
القارن.
780 - وإذا طاف حاج أول دخوله مكة ولا ينوي بطوافه [هذا] فريضة ولا تطوعاً
ثم سعى لم يجزه سعيه إلا بعد طواف ينوي به طواف الفريضة، فإن لم يتباعد رجع
فطاف وسعى. وإن فرغ من حجه ثم رجع إلى بلده وتباعد وجامع النساء أجزأه ذلك
وعليه الدم، والدم في هذا خفيف.
781 - ومن طاف بعض طوافه ثم خرج فصلى على جنازة أو خرج لنفقة نسيها فليبتدئ
الطواف ولا يبني، ولا يخرج من طوافه لشيء إلا لصلاة الفريضة.
782 - وطواف الإفاضة تعجيله يوم النحر أفضل، وإن أخره حتى مضت أيام التشريق
(1/529)
وانصرف من منى إلى مكة فلا بأس. وإن أخّر
الإفاضة والسعي بعدما انصرف من منى أياماً وتطاول ذلك فليطف ويسع ويهد.
783 - وللرجل أن يؤخر الطواف والسعي إلى الموضع الذي يجوز له أن يؤخر
الإفاضة وطواف الإفاضة هو الذي يسمى طواف الزيارة، وكره مالك أن يقال: طواف
الزيارة، أو يقال: زرنا قبر النبي ÷.
784 - وطواف الصّدر (1) مستحب ليس بواجب، وهو طواف الوداع، ويرجع له ما لم
يبعد، وقد ردّ له عمر - رضي الله عنه - من مرظهران، ولم يجد فيه مالك أكثر
من قوله: إن كان قريباً. وأنا أرى أن يرجع ما لم يخش فوات أصحابه، أو
_________
(1) طواف الصدر: ويقال طواف الزيارة وطواف الإفاضة، والطواف الواجب، وطواف
الصدر، والصدر رجوع المسافر من مقصده.
(1/530)
منعاً من كريّه، فيمضي حينئذ ولا شيء عليه،
ومن تركه فلا شيء عليه.
785 - ومن طاف للوداع ثم باع واشترى في ساعة بعض حوائجه فلا يرجع، وإن أقام
في ذلك [بمكة] يوماً أو بعض يوم رجع فطاف، ولو ودعوا ثم برز بهم الكري إلى
ذي طوى فأقام بها يومه وليلته فلا يرجعوا للوداع ويتمّوا الصلاة بذى طوى ما
داموا بها، لأنها من مكة، فإذا خرجوا منها إلى بلادهم قصروا.
786 - وطواف الوداع على من حج من النساء والصبيان والعبيد وعلى كل أحد،
وليس ذلك على مكي ولا على من قدم مكة حاجاً يريد أن يستوطنها، ولا على من
فرغ من حجه فخرج ليعتمر من الجعرانة أو التنعيم، وأما إن خرج ليعتمر من
ميقات كالجحفة وغيرها فليودع، وإن سافر مكي ودّع، و [من] حج من مرظهران أو
من عرفة أو من غيرها من يقرب، فليودع.
(1/531)
787 - ومن اعتمر ثم خرج من فوره أجزأه طواف
عمرته من الوداع، وإن أقام ثم خرج ودع، وكذلك من فاته الحج ففسخه في عمرة،
أو أفسد حجه عليه طواف الصدر إذا اقام هذا المفسد بمكة، لأن عمله عاد إلى
عمرة، وإن خرج مكانه فلا شيء عليه.
788 - وإن حاضت امرأة بعد الإفاضة فلتخرج قبل أن تودع، وإن حاضت قبل
الإفاضة أو نفست لم تبرج حتى تفيض، ويحبس عليها كريهاً أقصى جلوس النساء في
الحيض والاستظهار، وفي النفاس من غير سقم [و] لا يحبس أكثر من هذا.
وقد تقدم ذكر دخول البيت بنعلين أو خفين.
789 - ولا تجزئ المكتوبة من ركعتي الطواف.
(1/532)
790 - ومن طاف أسبوعاً فلم يركع ركعتيه حتى
دخل في أسبوع ثانٍ قطع وركع، فإن لم يذكر حتى أتمه ركع لكل أسبوع ركعتين
للاختلاف فيه.
791 - ومن طاف في غير إبان صلاة أخّر الركعتين، وإن خرج إلى الحل ركعهما
فيه، وتجزيانه ما لم ينتقض وضوءه. فإن انتقض [وضوءه] قبل أن يركع وكان
طوافه ذلك واجباً رجع وابتدأ الطواف [بالبيت] وركع، [لأن الركعتين من
الطواف توصلان به] إلا ان يتباعد فليركعهما، ويهد ولا يرجع.
792 - ومن دخل مكة حاجاً أو معتمراً فطاف وسعى ونسي ركعتي الطواف، وقضى
جميع حجه أو عمرته ثم ذكر ذلك بمكة أو قريباً منها، رجع فطاف وركع وسعى،
فإن كان معتمراً فلا شيء عليه، إلا أن يكون قد لبس الثياب وتطيب، وإن كان
في حج وكانت الركعتان من الطواف الذي وصل به السعي حين دخل مكة فعليه الهدي
وإن كانتا من طواف الإفاضة وكان قريباً رجع فطاف وركع [وسعى] ، وإن كان
وضوءه قد انتقض، ولا شيء عليه.
وإن كانتا من طواف السعي الذي يؤخره المراهق حتى يرجع من عرفة فذكر
(1/533)
ذلك بعد تمام حجه وهو بمكة أو قريباص منها،
فليعد الطواف [إذا كان وضوءه قد انتقض] ويركع ويسعى [ما فيه السعي] ولا هدي
عليه، لأنهما من طواف هو بعد وقوفه بعرفة، ولو ذكرهما بعد أن بلغ بلده، أو
تباعد من مكة، فلا يبالي من اي طواف كانتا من طواف عمرة أو حجة قبل وقوف
عرفة أوبعد، فليركعهما حيث هو ويهدي ومحل هديه مكة. (1)
793 - ومن فرغ من طوافه خرج إلى الصفا، ولم يَحُدّ مالك ن أي باب يخرج،
ويستحب ان يصعد منه ومن المروة أعلاهما حيث يرى الكعبة منه، ولا يعجبني أن
يدعو قاعداً عليهما إلا من علة.
وتقف النساء أيضاً إلا من بها ضعف أو علة، ويقفن أسفلهما، وليس عليهن أن
يصعدن إلا أن يخلوا [من الرجال] فيصعدن وذلك أفضل لهن. (2)
794 - ولم يحدّ مالك في الدعاء على الصفا والمروة حداً، ولا لطول القيام
وقتاً،
_________
(1) انظر: مواهب الجليل (3/47) .
(2) انظر: الذخيرة (3/247) .
(1/534)
واستحب المكث عليهما في الدعاء، وإن رفع
يديه عليهما أو في وقوف عرفة فرفعاً خفيفاً، وترك الرفع في كل شيء أحب إلى
مالك إلا ابداء الصلاة فإنه يرفع [يديه] ، ولا يرفع يديه في المقامين عند
الجمرتين.
795 - ويبدأ في سعيه بالصفا ويختم بالمروة، فإن بدأ بالمروة [زاد] شوطاً
ليصير بادياً بالصفا، ومن رمل فيجميع سعيه بين الصفا والمروة أجزأه وقد
أساء، وإن لم يرمل في بطن المسيل فلا شيء عليه. (1)
796 - وإن سعى جنباً أجزأه إن كان في طوافه وركوعه طاهراً، ولا يسعى راكباً
إلا من عذر، وإن جلس بين ظهراني سعيه شيئاً خفيفاً فلا شيء عليه، وإن طال
فصار كالتارك لما كان عليه فليبتدئ ولا يبني.
797 - وإن صلى على جنازة قبل أن يفرغ من السعي أو باع أو اشترى أو جلس [مع
أحد أو وقف معه يحدثه، لم ينبغ له ذلك، فإن فعل منه شيئاً بنى فيما خف ولم
يتطاول [و] أجزأه. وإن أصابه حقن في سعيه] مضى فتوضأ وبنى.
_________
(1) انظر: الذخيرة (3/247) .
(1/535)
798 - ومن ترك السعي بين الصفا والمروة أو
شوطاً منه في حجة أو عمرة صحيحة أو فاسدة فليرجع لذلك من بلده.
799 -[قال مالك] : كان المقام في عهد إبراهيم - عليه السلام - في مكانه
اليوم، وكان [أهل] الجاهلية ألصقوه بالبيت حيفة السيل، فكان كذلك في عهد
النبي ÷، وعهد أبي بكر - رضي الله عنه -، فلما ولي عمر - رضي الله عنه
-[وحج] رده إلى الموضع الذي هو فيه اليوم، بعد أن قاس موضعه بخيوط قديمة
كانت في خزائن الكعبة قيس بها حين أخذ، وعمر الذي نصب معالم الحرم بعد أن
بحث عن ذلك.
(1/536)
وبلغني أن الله تعالى أوحى إلى الجبال
فتنحّت حن أرى الله إبراهيم مواضع المناسك فهو قوله - عز وجل -: ×وَأَرِنَا
مَنَاسِكَنَا%، (البقرة: 128) .
* * *
(1/537)
|