التهذيب في اختصار المدونة

 (كتاب اللعان)
1663 - واللعان يجب بثلاثة أوجه: فوجهان مجتمع عليهما، وذلك أن يدعي أنه رآها تزني كالمورد في المكحلة ثم لم يطأها بعد ذلك، أو ينفي حملاً يدعي قبل استبراء، والوجه الثالث أن يقذفها بالزنا ولا يدعي رؤية ولا نفي حمل، فأكثر الرواة يقولون: إنه يحد ولا يلاعن، قاله ابن القاسم مرة، وقاله المخزومي وابن دينار، وقالا: إن نفى حملاً ولم يدع استبراء جلد الحدّ ولحق به الولد، وقال ابن القاسم مرة أخرى: [إنه] إن قذف أو نفى حملاً لاعن، ولم يكشف عن شيء، وقاله ابن نافع.

(2/329)


1664 - ويبدأ الزوج في اللعان فيشهد أربع شهادات، يقول في الرؤية: أشهد بالله لرأيتها تزني، وفي نفي الحمل: أشهد بالله لزنت، ويقول في الخامسة: أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، وتقول المرأة في الرؤية: أشهد بالله ما رآني أزني، وفي الحمل: أشهد بالله ما زنيت [أربع

(2/330)


مرات] ، وتقول في الخامسة، أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين.
1665 - واللعان بين كل زوجين، كانا [حرين أو] مملوكين أو أحدهما، أو محدودين أو كتابية تحت مسلم، إلا الكافرين فلا لعان بينهما، وأما الأمة والكتابية فلا يلاعن الزوج في قذفهما بغيررؤية، كان حراً أو عبداً، إذ لا يحد قاذفهما، ويلاعن فيهما إن أحب إذا نفى حملاً، وادعى استبراء، أو ادعى رؤية لم يمس بعدها لخوف الحمل، ولو شاء أن يلاعن في قذفهما ليحق ذلك عليهما لم أمنعه. (1)
1666 - ويلتعن المسلم في المسجد عند الإمام دبر الصلوات بمحضر من الناس، وفي الحديث أنهما تلاعنا بعد العصر. (2)
1667 - وتلاعن النصرانية في كنيستها حيث تعظم وتحلف بالله، وللزوج أن يحضر معها إن شاء أو يدع، ولا تدخل هي معه المسجد، لأنها تمنع من المسجد. وبتمام
_________
(1) انظر: كفاية الطالب (2/140) ، ومواهب الجليل (4/132) ، والكافي (1/286) ، والثمر الداني (1/478) ، والرسالة (1/97) .
(2) رواه البخاري (5002) ، ومسلم (3723) .

(2/331)


اللعان تقع الفرقة بين الزوجين، وإن لم يفرق بينهما الإمام، ثم لا تحل له أبداً وإن أكذب نفسه، ولكن يحدّ ويلحق به الولد، إلا أن يكذب نفسه وقد بقي من لعان الزوجة ولو مرة [واحدة] فيحد وتبقى له زوجة.
1668 - ولو لاعن من نفي حمل ثم انفشّ لم تحل له أبداً، إذ لعلها أسقطته وكتمته.
1669 - ولا لعان في قذف الصبي لامرأته الكبيرة، إذ لا حد عليه إن قذف أو زنا، ولأنه لا يلحقه ولد إن كان.
1670 - وإذا قذف الحر امرأته الحرة فقال: [رأيتها] تزني، وهي لا يحمل مثلها من كبر أو صغر، فإنه يلاعن إن كانت الصغيرة قد جومعت وإن لم تبلغ المحيض، وكذلك من قذفهما إن كانتا حرتين مسلمتين ليزيل حد قذفه، وتلتعن الكبيرة ولا تلتعن الصغيرة، إذ لا تحد إن نكلت أو أقرت أو زنت، ألا ترى أن النصرانية لو نكلت عن لعان المسلم أو صدقته لم يكن عليها حد.

(2/332)


1671 - وإذا رأى الزوج الحمل ظاهراً فسكت شهراً أو حتى وضعته أو قامت بينة أنه رآه يوماً أو يومين فلم ينكره، أو أنه أقرّ به ثم نفاه، لم ينفعه نفيه، ويلحق به وتبقى له زوجة، كانت مسلمة أو كتابية أو أمة مسلمة، ويحد للحرة المسلمة، ولا يحد للأمة ولا الكتابية، وأما إن قدم من سفر فله أن ينفي الحمل وإن كان ظاهراً، ومن قال: رأيت امرأتي اليوم تزني ولم أجامعها بعد ذلك، إلا أني كنت وطئتها قبل الرؤية في اليوم أو قبله ولم أستبرئ، فإنه يلاعن، قال مالك: ولا يلزمه ما أتت به من ولد، قال ابن القاسم: إلا أن تأتي به لأقل من ستة أشهر من يوم الرؤية فيلزمه، وقد اختلف في ذلك قول مالك: فمرة ألزمه الولد، ومرة

(2/333)


لم يلزمه [الولد] ، ومرة قال بنفيه وإن كانت حاملاً، قال ابن القاسم: وأحب ما فيه إلي [أنه] إذا كان بها يوم الرؤية حمل ظاهر لا شك فيه، فإن الولد يلحق به إذا التعن على الرؤية، وقال المخزومي: إن أقرّ بالحمل وادعى رؤية لاعن، فإن وضعته لأقل من ستة أشهر من يوم الرؤية فالولد منه، وإن كان لستة أشهر فأكثر فهو للعان، فإن ادعاه بعد ذلك ألحق به وحُدّ.
1672 - قال ابن القاسم: وإذا ولدت المرأة ولدين في بطن [واحد] ، ووضعت ولداً ثم وضعت آخر بعده لخمسة أشهر فهو حمل واحد، فإن أقرّ الزوج بأحدهما ونفى الآخر حدّ ولحقا به جميعاً، وإن وضعت الثاني لستة أشهر فأكثر فهما بطنان، فإن أقرّ بالأول ونفى الثاني وقال: لم أطأها بعد ولادة الأول، لاعن ونفى الثاني، إذ هما بطنان، فإن قال: لم أجامعها من بعد ما ولدت الأول وهذا الثاني ولدي،

(2/334)


فإنه يلزمه، لأن الولد للفراش ويسأل النساء فإن قلن إن الحمل يتأخر هكذا لم يحد وكان بطناً واحداً، وإن قلن لا يتأخر حد ولحق به، بخلاف الذي يتزوج امرأة ولم يبن بها حتى أتت لستة أشهر من يوم تزوجت فأقر به الزوج وقال: لم أطأها منذ تزوجتها، فهذا يحد ويلحق به الولد.
1673 - ومن قدم من سفر فولدت امرأته ولداً ونفاه والتعن، ثم ولدت آخر بعد شهر، كان منفياً باللعان الأول، وهذا اللعان الأول ينفي كل ولد لهذا الحمل، فإن ادعى الولد الثاني حد ولحقا به جميعاً، وإن ولدت ولداً ميتاً أو مات بعد الولادة ولم يعلم به الزوج لغيبة أو غيرها ثم نفاه إذا علم فإنه يلاعن، لأنه قاذف.
1674 - ومن زنت زوجته فحدت، ثم قال: رأيتها تزني ولم يقذفها بالزنا الذي حدت فيه التعن، فإن كذب نفسه نكل ولم يحد، ومن قذف امرأته وقد كانت وطئت غصباً التعن. قال غيره: إن قذفها برؤية غير الغصب تلاعنا جميعاً، فأما إن غصبت فاستمرت حاملاً فنفى الولد لم ينتف [الولد] إلا بلعان، ولا تلتعن هي إذ تقول: إن لم يكن منك فمن الغاصب.

(2/335)


1675 - ومن نكل من المتلاعنين عن اللعان حدّ مكانه، حد القذف على الزوج، والرجم على الزوجة إن كانت ثيباً، ولا تؤخر إلا بالحمل، وإن كانت بكراً فمائة جلدة.
وإن أقامت المرأة بينة أن الزوج قذفها وهو ينكر حدّ، إلا أن يدعي رؤية، فيلتعن ويقبل منه بعد جحوده.
وقال غيره: لا يقبل رجوعه، لأنه أكذب نفسه [ويحدّ] . ومن قذف زوجته ثم بانت منه وتزوجت ثم قامت بالقذف، فإنهما يلتعنان، ومن أبى منهما اللعان حدّ.
1676 - وإذا تصادق الزوجان على نفي الولد، نفي بغير لعان وحدت الزوجة، وإن كان لها معه قبل ذلك سنين، وقاله مالك والليث، وقال أكثر الرواة: لا ينفى إلا بلعان، ورووه أيضاً عن مالك.

(2/336)


1677 - ومن قال في زوجته: وجدتها مع رجل في لحاف أو تجردت له أو ضاجعته، لم يلتعن إلا أن يدعي رؤية الفرج في الفرج، فإن لم تكن له بينة على ما ذكر فعليه الأدب ولا يحد.
1678 - وعلى قاذف ابن الملاعنة أو قاذف أمه الحد، وإن قال له: ليس ابوك فلاناً، فإن كان على وجه المشاتمة له حد.
قال ربيعة: ومن لاعن زوجته ثم قذفها بعد تمام اللعان حد.
1679 - قال ابن القاسم: ومن قامت عليه بينة أنه أقر بولد لاعن منه وهو منكر، لحق به وحُدّ.
ومن نفى ولداً بلعان، ثم زنت المرأة بعد ذلك، ثم أقر بالولد لحق به ولم يحد، إذ صارت زانية.
ومن قال: رأيت فلاناً يزني بامرأتي، لاعن وحدّ لفلان.
1680 - ومن لاعن في نفي حمل ثم ضرب رجل بطنها فألقت جنيناً ميتاً، أو كان لعانه بعد أن ألقته من الضرب، فالغرة للأم ولمن يرث الجنين من عصبته، ويرث ابن الملاعنة إذا مات أمه وعصبتها.

(2/337)


ومن نفى ولداً بلعان ثم ادعاه بعد أن مات الولد [عن مال] فإن كان لولده ولد ضرب الحد ولحق به. وإن لم يترك ولداً لم يقبل قوله، لأنه يتهم في ميراثه ويحد ولا يرثه.
1681 - ومن أنكر لون ولده لزمه ولم يلاعن، وذلك عرق نزعه.
1682 - وإذا ماتت المرأة بعد التعان الزوج، أو بعد أن بقي من لعانهما مرة واحدة ورثها. وإن مات الزوج بعد التعانه قيل للمرأة: التعني، فإن أبت ورثته ورجمت، وإن التعنت لم ترثه.
1683 - ويلتعن الأعمى في الحمل بدعوى الاستبراء، وفي القذف، لأنه من الأزواج، فيُحمّل ما تَحَمّل.

(2/338)


قال غيره: بعلم يدله على المسيس لا بالرؤية.
1684 - ويلاعن الأخرس بما يفهم عنه من إشارة أو كتاب، وكذلك يعلم قذفه.
1685 - ويلاعن في الرؤية من لا يدعي استبراء، فإن وضعت لأقل من ستة أشهر من يوم الرؤية لحق به ولم ينفعه إن نفاه ولا يحد. ولو قال بعد الوضع لأقل من ستة أشهر: كنت استبرأت، ونفاه، كان اللعان الأول، ثم إن ادعاء أو أكذب نفسه في الاستبراء لحق به وحد، إذ باللعان نفيناه فصار قاذفاً.
1686 - وإن شهد على امرأة بالزنا أربعة، أحدهم زوجها، لاعن الزوج وحُدّ الثلاثة.
ومن قذف زوجته أو أجنبية فلم ترفعاه فلا شيء عليه. ومن لم يُعلم له

(2/339)


بزوجته خلوة حتى أتت بولد فأنكره وأنكر المسيس وادعت هي أنه منه وأنه غشيها، وأنكر قولها وأتت به لستة أشهر فأكثر من يوم العقد، وقد طلق أو لم يطلق، لزمه، إلا أن ينفيه بلعان فلا يلزمه، ولا يكون لها إذا لاعن إلا نصف الصداق ولا سكنى لها ولا متعة.
1687 - ومن انتفى من حمل زوجته بلعان، ثم أقرّ به بعدما ولدته حدّ ولحق به، فإن كان موسراً في مدة الحمل أو في بعضه رجعت عليه بالنفقة في مدة يسره، وإن كان يومئذ معسراً لم ترجع عليه بشيء.
وللملاعنة السكنى ولا متعة لها على حال، كانت مدخولاً بها أم لا، سمى لها صداقاً أم لا. ولا تنكح حتى تنقضي عدتها.
1688 - ومن قذف زوجته أو انتفى من حملها وهي حائض، أو في دم نفاسها، فلا يتلاعنا حتى تطهر.

(2/340)


وكذلك إن حل أجل التلوم في المعسر بالنفقة أو العنين وغيره، والمرأة حائض، فلا تطلق عليه حتى تطهر، إلا المولي فإنه إذا حلّ الأجل وهي حائض فلم يف طُلّق عليه. (1)
وروى أشهب عن مالك: أنها لا تطلّق عليه حتى تطهر.
* * *
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (4/41) ، والشرح الكبير (2/364) ، ومواهب الجليل (4/41) ، ومنح الجليل (4/272) .

(2/341)