التهذيب في اختصار المدونة

 (كتاب المأذون له في التجارة)
3374 - ومن خلّى بين عبده وبين التجارة اتجر فيما شاء، ولزم ذمته ما داين به الناس من جميع أنواع التجارات، لأنه أقعده للناس ولا يدري الناس لأي أنواع التجارات أقعده.
وأما إن أقعده ذا صنعة مثل قصار وأمره بعمل القصارة فلا يكون ذلك إذناً في التجارة ولا في المداينة فيها.
3375 - وإذا أخّر المأذون غريماً له بدين أو حطه [عنه] نظراً واستيلافاً، جاز. ولا تجوز على غير ذلك كالوكيل [المفوض] ، وأما الوكيل المخصوص على بيع سلعة يضع من ثمنها بعد البيع فلا يلزم ذلك ربها.
3376 - وليس للعبد الواسع المال أن يعق عن ولده ويطعم لذلك الطعام إلا أن يعلم أن

(4/5)


سيده لا يكره ذلك، ولا له أن يصنع طعاماً ويدعو إليه الناس إلا أن يأذن سيده، إلا أن يفعل ذلك المأذون استيلافاً للتجارة، فيجوز.
ولا له أن يعطي من ماله شيئاً بغير إذن سيده، كان مأذوناً أو غير مأذون، وكذلك العارية.
3377 - وما استدان العبد ولم يؤذن له في التجارة فلا يتبع بشيء من ذلك إلا أن يعتق يوماً ما فيتبع بذلك في ذمته، إلا أن يفسخه عنه سيده أو السلطان، لأن ذلك يعيبه، وليس لمن داينه بغير إذن سيده أن يوجب في رقبته عيباً فإذا فسخه عنه سيده أو السلطان برئت ذمته ولم يتبع به إن عتق.
وكل ما صار بيد المأذون على الطوع من معطيه من دين أو وديعة أو أمانة فاستهلكه، [فذلك] في ذمته لا في رقبته، وليس للسيد فسخه عنه.
3378 - قيل لمالك (1) : أيبيع المأذون أم ولده؟ قال: إن أذن له سيده [فله أن يبيعها] . قال ابن القاسم: وأما فيما عليه من دين فإنها تباع، لأنها مال له ولا حرية فيها ولم يدخلها من الحرية ما دخل أم ولد الحر، وأما ولده منها فلا يباع في دينه، لأن
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (5/77) ، ومنح الجليل (6/61) .

(4/6)


ولده ليس بمال له. ولو اشترى المأذون ولده وعليه دين فإنهم يباعون [عليه] في دينه، لأنه أتلف أموال غرمائه وهم في هذا الموضع ملكه.
3379 - وللسيد رد ما وهب العبد والمكاتب والمدبر وأم الولد لو تصدقوا به، وإن استهلك ذلك من أخذه غرم القيمة لهم، إلا أن يكون ذلك من السيد انتزاعاً من غير المكاتب، فيقبض هو القيمة، ولو رده ولم ينتزعه وأقره لهم ثم مات السيد أو فلس فذلك لهم، ولو أعتقهم تبعهم ذلك.
ولو كان إذ رده استثناه لنفسه كان ذلك له، إلا في المكاتب فإنه للمكاتب إذ لا ينتزع ماله، أو يكون إنما رده في مرضه، فإنّ رده جائز، ولكن يبقى ذلك للمدبر وأم الولد، ولا ينتزعه إذ لا ينتزع أموالهما في المرض.
3380 - ومن استتجر عبده بمال دفعه إليه فلحق العبد دين، كان دينه فيما دفع إليه سيده وفي مال العبد، ويكون بقية الدين في ذمة العبد، لا في رقبته، ولا يكون في ذمة السيد من ذلك الدين شيء.
3381 - ولا يحاص السيد غرماء عبده بما دفع إليه من مال استتجره به، إلا أن يكون عامله بعد ذلك فأسلفه أو باعه بيعاً صحيحاً بغير محاباة، فإنه يضرب بذلك فيما دفع إليه من المال ليتّجر به وفي مال العبد، وإن دفع العبد إلى سيده في ذلك رهناً كان السيد أحق به.

(4/7)


3382 - وإن ابتاع من سيده سلعة بثمن كثير لا يشبه الثمن مما يعلم أنه توليج لسيده، فالغرماء أحق بما في يد العبد، إلا أن يبيعه بيعاً يشبه الثمن، فهو يحاص به الغرماء.
3383 - وما وُهِب للمأذون وقد اغترقه دين، فغرماؤه أحق به من سيده، والسيد أحق بكسبه وعمل يده وأرش جراحه وقيمته إن قُتل، وإن خارجه سيده لم يكن للغرماء من [عمل] يده شيء، ولا من خراجه ولا مما يبقى في يد العبد بعد خراجه، وإنما يكون لهم ذلك في مال إن وُهب للعبد أو تصدق به عليه أو أوصى به فقبله العبد، فإن أعتق العبد يوماً ما، بقي الدين في ذمته. (1)
3384 - ولو باعه السيد سلعة بعينها ففلس العبد وهي قائمة في يده فسيده أحق بها، إلا أن يرضى الغرماء بدفع ثمنها إلى السيد فذلك لهم.
3385 - وإن أسلمت إلى عبدك المأذون أو إلى أجنبي دنانير في طعام ثم فلس والدنانير قائمة بيده لم تفت، فإن شهدت عليها بينة لم تفارقه أنها بعينها، فأنت أحق بها من الغرماء.
_________
(1) انظر: مواهب الجليل (5/77) ، وحاشية الدسوقي (3/305) .

(4/8)


3386 - قال ابن وهب عن مالك: ومن ابتاع زيتاً فصبّه على زيت له بمحضر بينة، ثم فلس المبتاع، فالبائع أحق بمقدار زيته منه، وهو كعين قائمة، وليس خلط المبتاع إياه يمنع البائع من أخذه، وكذلك إن دفع إلى صرّاف دنانير فصبها في كيسه بمحضر بينة ثم بان فلسه.
والرجل يشتري بزاً فيرقمه ويخلطه ببز عنده فليس هذا وشبهه بالذي يمنع الناس من أخذ ما وجدوا من متاعهم إذا فلس المبتاع.
قال أشهب: هو أحق بالعرض، وأما العين فهو فيه أسوة الغرماء.
3387 - وإقرار المأذون في صحته أو في مضره بدين لمن لا يتهم عليه جائز، إلا أن يقر بعد قيام غرمائه، فلا يجوز ذلك كالحر في الوجهين. ويجوز إقراره بالدين فيما بيده من المال، وإن حجر عليه سيده فيه ما لم يفلس.
ولا تلزم السيد عهدة فيما يشتري المأذون إلا أن يكون قال للناس: بايعوه وأنا له ضامن، فيلزم ذلك ذمة السيد وذمة العبد أيضاً، ويباع العبد عليه في ذلك إن لم يوف عنه سيده.

(4/9)


3388 - قال مالك: ولا أرى للمسلم أن يستتجر عبده النصراني ولا يأمره ببيع شيء لقول الله تعالى: ×وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ% [النساء: 161] .
3389 - ولا يجوز لأحد الشريكين في العبد أن يأذن له في التجارة دون صاحبه وكذلك قسمة ماله، ولا يلزم ذلك من أبى منهما، لأنه ينقص العبد.
ومن دعا إلى بيعه منهما فذلك له، إلا أن يتقاوماه بينهما.
3390 - وإذا كان على المأذون دين يحيط بماله فادعى السيد في مال بيد العبد أنه له، وقال العبد: بل هو لي، فالقول قول العبد، ولو كان محجوراً عليه كان القول قول السيد، كقول مالك في ثوب بيد العبد يقول: فلان أودعنيه، وسيده يدعيهن فالسيد مصدق إلا أن يقيم فلان بينة.
3391 - ومن أراد أن يحجر على ولده فلا يحجر عليه إلا عند السلطان فيوقفه السلطان للناس ويسمع به في مجلسه ويشهد على ذلك، فمن باعه أو ابتاع منه بعد ذلك فهو مردود عليه.

(4/10)


وكذلك المأذون له لا ينبغي للسيد أن يحجر عليه إلا عند السلطان فيوقفه السلطان للناس، ويأمر به فيطاف به حتى يعلم ذلك منه.
3392 - ولا يجوز للعبد المحجور عليه في ماله بيع [ولا شراء] ولا إجارة ولا أن يؤجر عبداً له إلا بإذن سيده في ذلك كله.
3393 - وإذا لحق المأذون دين يغترق ماله فلسيده أن يحجر عليه ويمنعه من التجارة، ودَيْنه في ماله، ولا شيء لسيده في ماله، إلا أن يفضل عن دينه شيء، أو يكون السيد داينه، فيكون أسوة الغرماء، وليس للغرماء أن يحجروا عليه، وإنما لهم أن يقوموا [عليه] فيفلسوه وهو كالحر في هذا. (1)
* * *
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (5/77) .

(4/11)