التهذيب
في اختصار المدونة (كتاب
الوصايا)
3738 - قال: ومن أوصى بعتق عبد من عبيده فماتوا كلهم، بطلت الوصية، وكذلك
من أوصي له بعبد فمات العبد، فلا حق [له] في مال الميت.
قال غيره: لأن ما مات أو هلك قبل النظر في الثلث، فكأن الميت لم يتركه،
وكأنه لم يوص [فيه] بشيء، لأنه لا يقوّم ميت ولا يقوّّم على ميت. (1)
ومن أوصى بعتق عشرة من عبيده ولم يعينهم وعدد عبيده خمسون، فمات منهم
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (15/2) ، والكافي (1/553) .
(4/227)
عشرون قبل التقويم، عتق ممن بقي منهم عشرة
أجزاء من ثلاثين جزءاً بالسهم، خرج عدد ذلك أقل من عشرة أو أكثر، [ولو
هلكوا كلهم إلا عشرين، عتق نصفهم في ثلث الميت] ، ولو هلكوا إلا خمسة عشر
عتق ثلثاهم.
ولو هلكوا إلا عشرة إن حملهم الثلث، [وإن لم يحملهم الثلث عتق منهم مبلغه
بالقرعة ورق ما بقي] ، وكذلك من أوصى لرجل بعدد من رقيقه، أو أوصى بعشرة من
إبله في سبيل الله وله إبل كثيرة فهلك بعضها، فعلى ما وصفنا.
ومن قال: ثلث رقيقي أحرار، عتق ثلثهم بالسهم لا من كل واحد ثلثه، فإن قال:
ثلثهم لفلان وهلك بعضهم، أو أوصى له بثلث غنمه فاستحق ثلثاها، فإنما للموصى
له ثلث ما بقي من العبيد أو الغنم إن حمل ذلك الثلث، وسواء بقي ثلثهم أو
أقل، فإن لم ينقسموا كان شريكاً بثلثهم.
وإن أوصى له بجميع غنمه فهلك بعضها أو استحق، فللموصى له ما بقي إن حمله
الثلث.
وإن أوصى له بعشرة من غنمه وله مائة شاة، فللموصى له عشرها [بالسهم] ، يدخل
فيه ما دخل، فإن هلكت الغنم كلها إلا عشرة، فهي للموصى
(4/228)
له، وإن كانت تعدل نصف الغنم إذا حملها
الثلث، وإن أوصى له بعشر غنمه وهي مائة، فهلكت كلها إلا عشرة لم يكن للموصى
له إلا عشرها.
ومن أوصى بنسمة تشترى فتعتق، لم تكن بالشراء حرة حتى تعتق، لأنه لو قتله
رجل أدى قيمته عبداً، وأحكامه في جميع أحواله أحكام عبد حتى يعتق، فإن مات
بعد الشراء وقبل العتق، كان عليهم أن يشتروا رقبة أخرى ما بينهم وبين مبلغ
الثلث.
3739 - ومن أوصى بعتق نسمة تشترى [فتعتق] ولم يسم ثمناً، أُخرجت بالاجتهاد
بقدر قلة المال وكثرته، وكذلك إن قال: عن ظهاري، وإن سمى ثمناً لا يسعه
الثلث اشتري بثلثه إن كان فيه ما يشترى به رقبة، فإن لم يبلغ شورك به في
رقبة، فإن لم يبلغ أعين به مكاتب في آخر كتابته.
وإن سمى ثمناً فيه كفاف الثلث فاشترى الوصي به قبة فأعتقها، ثم لحق الميت
دين يغترق جميع المال رد العبد رقاً، وإن لم يغترق الدين جميع ماله، ردّ
العبد
(4/229)
وأعطي صاحب الدين دينه، ثم عتق من العبد
مقدار ثلث ما بقي من مال الميت بعد قضاء الدين. [قال مالك - رحمه الله -:]
ولا يضمن الوصي إذا لم يعلم [بالدين] .
3740 - ومن قال في وصيته: اشتروا عبد فلان لفلان، أو فأعتقوه، أو بيعوا
عبدي من فلان، أو ممن أحب، أو ممن يعتقه، فامتنع المشتري أن يشتريه بمثل
ثمنه، أو امتنع الذي يبتاع منه أن يبيعه بمثل الثمن، فإنه يزاد في المشترى،
وينقص في المبيع ما بينك وبين ثلث ثمنه لا ثلث الميت، وإن لم يذكر الميت أن
يزاد أو ينقص، فإن أبى المشتري أن يأخذه إلا بأقل من ثلثي ثمنه، أو أبى
الذي يبتاع منه أن يبيعه إلا بأكثر من ثمنه وثلث ثمنه، فذلك يختلف، أما
الموصى أن يشترى فيعتق، [قال ابن القاسم:] يستأنى بثمنه، فإن بيع وإلا رد
ثمنه ميراثاً، وفي رواية ابن وهب
(4/230)
وغيره عن [مالك] أن الثمن يوقف ما رجي بيع
العبد إلا أن يفوت بعتق أو موت. [قال سحنون:] وعليه أكثر الرواة.
[قال ابن القاسم:] وأما الذي يُشترى لفلان إن امتنع سيده من بيعه ليزداد
ثمناً دفع ثمنه وزيادة ثلث ثمنه إلى الموصى له،
(4/231)
فإن امتنع [سيده] من بيعه أصلاً ضناً منه
بالعبد عاد ذلك ميراثاً وبطلت الوصية. (1)
وقال غيره: إن امتنع [سيده أن يبيعه] لزيادة، أو ضناً به، لم يلزم الورثة
أكثر من زيادة ثلث الثمن، وليكن ثمنه موقوفاً حتى يؤيس من العبد، فإذا يئس
منه رجع المال ميراثاً ولا شيء للموصى له، لأن الميت إنما أوصى له برقبة لا
بمال.
قال ابن القاسم: وأما الذي قال: بيعوه من فلان، فطلب المشتري وضيعة أكثر من
ثلث ثمنه، فإنه يخير الورثة بين بيعه بما سئلوا، أو يقطعوا له بثلث العبد
بتلاً.
وأما الذي يباع ممن أحب [وليس من رجل بعينه] فيطلب المشتري
_________
(1) انظر: منح الجليل لعليش (9/536) .
(4/232)
وضيعة أكثر من ثلث ثمنه، فإنه يخير الورثة
بين بيعه بما سئلوا، أو يعتقوا ثلث العبد بتلاً.
[قال سحنون:] وروى غير واحد عن مالك أن الورثة إذا بذلوه لمن أحب بوضيعة
الثلث فلم يجدوا من يشتريه إلا بأقل، فليس عليهم غير ذلك.
وقال ابن وهب: قال مالك - رحمه الله -: وذلك الأمر عندنا.
وقال ابن القاسم عن مالك: وأما الذي يباع ممن يعتقه فيخير الورثة بين بيعه
بمنه] بما أعطاهم، أو يعتقوا ثلث العبد، وهذا مما لم يختلف فيه قول مالك.
قال سحنون: وقد بينا هذا الأصل باختلاف الرواة [فيه] قبل هذا.
(4/233)
[مالك: وإذا لم يذكر حطيطة فإنه يحط عن
المشتري، لأنها وصية] .
3741 - قال [مالك] : ومن أوصى [في مرضه] بعتق عبده فلم يقبل [العبد] ، فلا
قول له، ويخرج إذا مات سيده من الثلث إن حمله [الثلث] ، أو ما حمل [الثلث]
منه.
وإن أوصى أن تباع جاريته ممن يعتقها فأبت، فإن كانت من جواري الوطء، فذلك
لها، وإلا بيعت ممن يعتقها، وقيل: لا يلتفت إلى قولها وتباع للعتق، إلا أن
لا يوجد من يشتريها بوضيعة ثلث الثمن إن كان للميت مال يحمل [ثلث] الجارية.
3742 -[قال مالك - رحمه الله -:] ومن اشترى ابنه في مرضه، جاز إن حمله
الثلث وعتق، وورث باقي المال إن انفرد أو حصته مع غيره.
(4/234)
[قال ابن القاسم:] وإن أعتق عبداً له،
واشترى ابنه فأعتقه وقيمته الثلث، فالابن يُبدّأ إذا حمله الثلث [ويكون
وارثاً] .
ومن أوصى أن يشترى أبوه بعد موته، فإنه يشترى ويعتق في ثلث وإن لم يقل:
أعتقوه.
3743 - ومن قال لعبده لفظاً بغير كتاب: إن مت من مرضي هذا، أو في سفري هذا،
فأنت حر، أو قال: لفلان كذا، فهي وصية [له] ، وله أن يغيرها [ببيع أو غيره]
، فإن مات قبل أن يغيرها، جازت من ثلثه إن مات من مرضه أو في سفره، وإن برئ
من مرضه أو قدم من سفره فلم يغيرها حتى مات، فذلك باطل ولا ينفذ منه شيء،
إلا أن يكون كتب بذلك كتاباً ووضعه على يدي رجل، فلم يغيره بعد قدومه أو
إفاقته وأقره حتى مات، فهي وصية تنفذ. (1)
وإن كتب وصيته عند سفره أو عند مرضه، ووضعها على يدي رجل [أمين] ، ثم قدم
من سفره أو برئ من مرضه، فقبضها ممن هي عنده وأقرها بيده حتى مات، فهي باطل
وإن أشهد عليها، وإنما تنفذ إذا جعلها على يدي رجل [أمين] .
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (6/370) .
(4/235)
3744 - وإن كتب وصيته في مرض أو صحة أو عند
سفر، إلا أنه لم يقل فيها: إن مِتّ في سفري أو في مرضي هذا، وإنما كتب فيها
متى حدث [بي حدث الموت] ، [أو إن حدث بي حدث الموت] ، وأقرها عند نفسه أو
أخرجها من يده، فهي جائزة، مات في ذلك [المرض] أو بعده [إذا شهدت عليه
بينة] .
[قال ابن القاسم: هذا إذا كانت وصيته مبهمة، لم يذكر فيها موته من مرضه أو
من سفره، وإنما كتب فيها] : متى حدث [بي] حدث الموت، [وأقرها عند نفسه] ،
أو أخرجها من يده، [أو كانت على يديه] ، فهي جائزة، مات في ذلك أو بعده إذا
شهدت عليه بينة، وإنما اختلف الناس في السفر والمرض، [وروى مالك أن النبي ÷
قال: "ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين
(4/236)
إلا ووصيته عنده مكتوبة"] . (1)
3745 - قال مالك: ومن كتب وصيته، فليقدم ذكر التشهد [قبل الوصية] . قال ابن
القاسم: ولم يذكر لنا مالك كيف هو.
[وروى ابن وهب أن مالك بن أنس قال: كانوا يوصون أن يشهد أن لا إله إلا الله
[وحده لا شريك له] ، وأن محمداً عبده ورسوله، وأوصى من ترك من أهله أن
يتقوا الله ربهم، ويصلحوا ذات بينهم إن كانوا مسلمين، وأوصاهم بما أوصى به
إبراهيم بنيه ويعقوب: ×يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ
فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ%] ، وأوصى إن مات في مرضه
هذا.
قال مالك - رحمه الله -: وإن كتبها بغير محضر البينة ولا قرأها عليهم،
دفعها إليهم وأشهدهم على ما فيها، فإن عرفوا الكتاب بعينه فليشهدوا بما
فيه.
_________
(1) رواه مسلم (1627) ، (3/1250) ، ومالك في الموطأ (2/761) ، والبخاري
(2738) ، والنسائي (6/239) ، وفي الكبرى (4/100) ، وانظر: المدونة (15/10،
15) ، والتمهيد (14/290) ، وشرح الزرقاني (4/76) .
(4/237)
قال عنه ابن وهب: ولو طبعها ثم دفعها إليهم
وأشهدهم [أن ما فيها منه، وأمرهم] أن لا يفضوا خاتمها حتى يموت، جاز أن
يشهدوا بما فيها بعد موته.
قال عنه ابن القاسم: وللموصي أن يغير وصيته، ويرجع ويزيد وينقص، أوصى في
صحة أو في مرض، بعتق أو غيره.
3746 - وإن قال في وصيته: إن مت [من مرضي] فكل مملوك مسلم لي، حر، وله عبيد
مسلمون ونصارى، ثم أسلم بعضهم قبل موته، لم يعتق منهم إلا من كان يوم
الوصية مسلماً، لأني لا أراه أراد غيرهم.
وإن قال: أعتقوا عبدي بعد موتي بشهر، أو قال: هو حر بعد موتي بشهر، فذلك
سواء، [وهو قول مالك] ، فإن لم يحمله الثلث خير الورثة بين أن يجيزوا أو
يعتقوا، لأن محمل الثلث [منه] بتلاً، فإن أجازوا الوصية خدمهم تمام الشهر
ثم خرج جميعه حراً.
(4/238)
3747 - ومن قال: اشهدوا على أن فلاناً
وصيي، ولم يزد على هذا، فهو وصيه في جميع الأشياء، وإنكاح صغار بنيه ومن
بلغ من أبكار بناته بإذنهن، والثيب بإذنها، وفي النكاح إيعاب هذا.
وإن قال: فلان وصيي على كذا، لشيء خصه، فإنما هو وصي على ما سمى فقط، وإن
قال: [فلان] وصي على قبض ديوني وبيع تركتي، ولم يذكر غير هذا. قال مالك:
فأحب إليّ أن لا يزوج بناته [حتى] يرفع إلى السلطان، فإن لم يرفع رجوت أن
يجوز. ولو قال: فلان وصيي على اقتضاء ديني أو قضائه، وفلان وصيي على مالي،
وفلان وصيي على بضع بناتي، أو قال: فلان وصيي حتى يقدم فلان فيكون وصيي،
فذلك جائز، ويكون كما قال.
(4/239)
3748 - وإن مات الوصي فأوصى إلى غيره، جاز
ذلك، وكان وصي الوصي مكان الوصي في النكاح وغيره.
قال يحيى بن سعيد: وإن كانا وصيين أو ثلاثة، فأوصى أحدهم عند موته بما أوصى
به إليه من تلك الوصية إلى غير شريكه في الوصية، جاز ذلك، وأباه سحنون.
3749 - وللمرأة أن توصي في مالها في إنفاذ وصاياها وعلى قضاء دينها، وإن لم
يكن عليها [دين] ، فلا يجوز إيصاؤها بمال ولدها الطفل إلا أن تكون وصية من
[قيل] أب، وإلا لم يجز إذا كان المال كثيراً، وينظر فيه الإمام، وإن كان
يسيراً نحو ستين ديناراً فجائز إسنادها فيه إلى العدل، وذلك فيمن لا أب له
ولا وصي. وقال غيره: لا يجوز للمرأة أن توصي بمال ولدها.
(4/240)
ولا تجوز وصية الجد بولد الولد، ولا أخ بأخ
له صغير، وإن لم يكن لهم أب ولا وصي وإن قل المال، إلا أن يكون وصياً بخلاف
الأم. (1)
3750 - وإذا قبل الوصي الوصية في حياة الموصي، فلا رجوع له بعد موته، ولا
تجوز الوصية إلى ذمي أو مسخوط أو من ليس بعدل، ويعزل إن أوصي إليه.
وإن أوصى ذمي إلى مسلم، فإن لم يكن في تركته خمر أو خنازير ولم يخف أن يلزم
بالجزية، فلا بأس بذلك.
3751 - ومن أوصى إلى وصيين، فليس لأحدهما بيع، ولا شراء، ولا إنكاح، ولا
غيره دون صاحبه إلا أن يوكله. قال غيره: لأن إلى كل واحد منهما [ما إلى]
صاحبه.
قال ابن القاسم: وإن اختلفا [في مال الميت] نظر السلطان، ولا يقسم المال
بينهما، وليكن عند أعدلهما، فإن استويا في العدالة جعله الإمام عند
أكفئهما.
_________
(1) انظر: منح الجليل (9/586) .
(4/241)
ولو اقتسما الصبيان، فلا يأخذ كل واحد حصة
من عنده من الصبيان، ولا يخاصم أحد الوصيين خصماً للميت إلا مع صاحبه. ومن
ادعى على الميت دعوى وأحدهم حاضر، خاصمه ويقضى له، ويكون الغائب إذا قدم
على حجة الميت.
3752 - ومن أسند وصية إلى مكاتبه أو عبده، جاز ذلك، فإن كان في الورثة
أصاغر وأراد الأكابر بيع نصيبهم من العبد، اشترى للأصاغر حصة الأكابر منه
إن كان لهم مال يحمل ذلك، فإن لم يحمل ذلك نصيبهم وأضر بهم بيعه، باع
الأكابر حصتهم منه خاصة، إلا أن يضر ذلك بالأكابر ويأبوا، فيقضى على
الأصاغر بالبيع معهم.
3753 - ولا يبيع الوصي عقار اليتامى، ولا العبد الذي أحسن القيام بهم، إلا
أن يكون لبيع العقار وجه من ملك يجاوره يرغبه في الثمن، أو ما لا كفاية في
غلته وليس لهم مال ينفق منه عليهم، فيجوز بيعه، ولا يشتري الوصي لنفسه من
تركة الميت ولا يدس أو يوكل من يشتري [له] ، فإن فعل تعقب ذلك، فإن كان فيه
فضل [كان] لليتامى وإلا مضى.
(4/242)
وأرخص مالك لوصيّ سأله عن حمارين [من حمر
الأعراب] في تركة الميت، ثمنهما ثلاثة دنانير، تسوق بهما الوصي في المدينة
والبادية [واجتهد] ، فأراد أخذهما لنفسه بما أُعطي، فأجاز ذلك واستخفه لقلة
الثمن.
ولا يبيع الوصي على الأصاغر التركة إلا بحضرة الأكابر، وإن كانوا بأرض
نائية وذلك حيوان أو عروض، رفع ذلك إلى الإمام فأمر من يلي معه البيع
للغائب.
ولا يجوز للوصي أن يؤخر الغريم بالدين إن كان الورثة كباراً، وإن كانوا
صغاراً جاز ذلك على وجه النظر لهم، ولم يجز ذلك غيره. وفي كتاب النذور من
هذا.
3754 - وإذا قال الميت: قد كتبت وصيتي وجعلتها عند فلان فأنفذوها وصدقوه،
فإنه يصدق وينفذ ما فيها. وكذلك إن قال: قد أوصيته بثلث [مالي] فصدقوه، جاز
ذلك وأنفذ ما قال. فإن قال الوصي: إنما أوصي بالثلث لابني، فقال أشهب:
(4/243)
يصدق، وقال ابن القاسم: لا يصدق، لأن
مالكاً قال فيمن أوصى فقال: اجعل فلان ثلثي حيث تراه: إنه إن أعطاه لولد
نفسه أو لقرابة له، لم يجز إلا أن يكون لذلك وجه يظهر صوابه. (1)
3755 - وإن شهد وارثان أن أباهما أوصى إلى فلان، جاز ذلك. قال غيره: إن لم
يجرا بذلك نفعاً إلى أنفسهما، وإن جرا بذلك نفعاً إلى أنفسهما لم يجز.
فإن شهدت امرأتان مع رجل على موت ميت، فإن لم تكن له زوجة ولا أوصى بعتق
عبد ونحوه وليس إلا قسمة المال، فشهادتهن جائزة. وقال غيره: لا تجوز.
_________
(1) انظر: منح الجليل (9/576) .
(4/244)
وتركت [ذكر] شهادة الوصي [أو الوارث] أو
النساء في وصية أو دين أو غيره، وذلك كله مذكور في كتاب الشهادات.
3756 - ومن أسند وصيته إلى أم ولده على أن لا تتزوج، جاز، فإن تزوجت عزلت.
وكذلك لو أوصى لها بألف درهم على أن لا تتزوج فأخذتها، فإن تزوجت أخذت
منها.
ومن أوصى لحمل امرأة فأسقطته بعد موت الموصي، فلا شيء له إلا أن يستهل
صارخاً.
3757 - وإذا قال الوصي: قد دفعت إلى الأيتام أموالهم بعد البلوغ والرشد،
فأنكروا، لم يصدق إلا ببينة وإلا غرم، وقد قال الله تعالى: ×فَإِذَا
دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ% [النساء:
6] .
قال مالك - رحمه الله -: ويصدق في الإنفاق عليهم إن كانوا في حجره إن لم
يأت
(4/245)
بسرف، وإن ولي النفقة غيره ممن يحضنهم من
أم أو غيرها، لم يصدق على دفع النفقة إلى من يليهم إلا ببينة.
3758 - وإن شهد وارث بوصية لرجل، حلف معه إن كان عدلاً وقضي له، وإن نكل
أخذ من حصة المقر ما يصير عليه من ذلك إن لم يول على المقر.
وكذلك إن أقر أن هذا الشيء أو العبد لفلان عند أبيه وديعة، فإن نكل فلان
فله نصيب المقر فقط من ذلك الشيء.
ومن أوصى بعتق أمته بعد موته بسنة، والثلث يحملها، فما ولدت بعد موته وقبل
مضي السنة، فهم بمنزلتها يعتقون بعتقها. وأرش جراحها وقيمتها إن قتلت قبل
السنة للورثة، وتقوم كالأمة. وما أفادت بعطية أو اكتسبت من الأموال، فهو
لها مقر بيدها لا ينتزعونه، وقيل: ينتزعونه ما لم يقرب الأجل.
وإن جنت خير الورثة، فإما فدوا الخدمة بجميع الجناية أو أسلموا الخدمة
(4/246)
للمجني عليه، ويقاص بها في الجناية، فإن
أوفت قبل السنة رجعت تخدم الورثة بقية السنة. وإن مضت السنة وقد بقي من أرش
الجناية شيء، عتقت وأتبعت بما بقي في ذمتها.
ومن أوصى بعتق أمته إلى أجل والثلث يحملها، فعجل الوارث عتقها قبل الأجل،
جاز لا رجوع له، وهو وضع خدمة، والولاء للميت. وإن كانا وارثين فأعتقها
أحدهما، فعتقه هاهنا وضع خدمة، فيوضع عن الأمة حق هذا من الخدمة، ويكون
نصيبه منها حراً، ولا يضمن لصاحبه قيمة خدمته منها، وتخدم هي الآخر نصف
خدمتها إلى تمام الأجل، ثم تخدم حرة.
3759 - قال مالك - رحمه الله -: ومن أوصى لعبد بثلث ماله وقيمته الثلث، عتق
جميعه، وما فضل من الثلث كان للعبد، [وإن لم يحمله الثلث عتق منه محمله،
قال ابن القاسم: وإذا لم يحمله الثلث وكان مع العبد مال استتم عتقه، ولو لم
يعتق فيما بيده من مال، عتق فيما بقي من ثلث سيده الذي بيده رقبته، وكذلك
إن أوصى له بسدس وقيمته سدس، فإنه يعتق، وقاله ربيعة والليث، وقال ابن وهب
عن مالك: إنه إذا أوصى لعبده بثلث ماله أو سدسه جعل ذلك في رقبة العبد، وإن
كان قيمة العبد السدس خرج حراً، قال مالك:] وإن لم يترك
(4/247)
غير العبد وأوصى له بثلث ماله وبيد العبد
ألف دينار، فلا يعتق من العبد إلا ثلثه، [ولا يعتق فيما بيده من المال] ،
ويوقف المال بيده، وقاله بعض كبار أصحاب مالك.
3760 - قال ربيعة: وإن كان للعبد امرأة حرة وولده منها أحرار، فأوصى سيد
العبد لجميعهم بثلث ماله، عتق العبد في ذلك، لأن ولده ملكوا منه بعضه، وملك
[هو] من نفسه البعض.
3761 - ومن أوصى لرجل بخدمة عبده سنة، لم يجز للورثة بيعه على أن يقبضه
المشتري إلى سنة، وإن أوصى له بخدمة عبده أو سكنى داره سنة، جعل في ثلث
قيمة الرقاب،
(4/248)
فإن حملها الثلث نفذت الوصايا، وإن لم يحمل
[الثلث] ذلك خير الورثة في إجازة ذلك، أو القطع للموصى له بثلث الميت من كل
شيء بتلاً، والوصية في العبد بالخدمة أو بالغة سواء. (1)
وما ولدت بالأمة] الموصى بعتقها قبل موت سيدها، فهم رقيق، وما ولدت بعد
موته، فهم بمنزلتها يعتقون [بعتقها] معها في الثلث أو ما حمل [الثلث] منهم
بغير قرعة.
وما ولدت المدبرة بعد التدبير، فهو بمنزلتها يكون مدبراً معها.
ومن وهب حمل أمته، أو تصدق به، أو أوصى به ثم أعتقها هو أو ورثته، عتقت بما
في بطنها وبطلت الوصية والعطية، ألا ترى أنه لو وهب ما في بطنها لرجل ثم
فلس، بيعت وكان ما في بطنها لمن اشتراها.
3762 - ومن أخدم عبده رجلاً سنين، ثم بعد ذلك وهبه لرجل آخر فقبضه المخدم،
ثم مات السيد في الأجل، فقَبْض المخدم للعبد قَبض لنفسه وللموهوب له، وسواء
_________
(1) انظر: التقييد للزرويلي (6/127) .
(4/249)
كانت الهبة والخدمة معاً أو وهبه بعد
الخدمة وقبضه المخدم في صحة السيد، فالعبد بعد الأجل للموهوب له.
ومن قال في مرضه: يخدم عبدي فلاناً سنة ثم هو حر، فلم يقبل فلان الخدمة،
خدم العبد ورثة الميت سنة ثم يعتق، ولو وهبها للعبد أو باعها منه عتق
مكانه.
وإن كان الموصى له غائباً ببلد ناء، أجره له السلطان وأُعتق للأجل، إلا إن
كان أريد به وجه الكفالة والحضانة، فينتظر به ويكتب إليه أو يخرج العبد
إليه، فإن انقضت السنة فيما بين ذلك ولم يجده، كان حراً خدم فيها أو لا،
ولا شيء عليه، كمن أبق أو مرض في الأجل الذي أعتق إليه.
ومن قال في وصيته وهو صحيح: عبدي حر بعد موتي بخمس سنين، فإنما يحسب له من
يوم موته لا من يوم وصيته.
3763 - والأمة الموصى بخدمتها لرجل حياته أو أجلاً مسمى، وبرقبتها لآخر بعد
الخدمة إذا ولدت في الخدمة، فولدها يخدم معها. وكذلك ولد العبد المخدم من
أمته يولد في الخدمة، ونفقة الموصى بخدمته في الخدمة على المخدم.
ومن أوصى لوارث بخدمة عبده سنة، ثم هو حر والثلث يحمله، دخل بقية الورثة
(4/250)
مع ذلك الوارث في الخدمة على المواريث إن
لم يجيزوا له الخدمة، فإذا مضت السنة فهو حر.
3763 - وتجوز وصية المحجور عليه والسفيه والمصاب في حال إفاقته، ولا تجوز
[في حال] خبله، ولا وصية مغلوب عل عقله.
3764 - وتجوز وصية صبي ابن عشر سنين وأقل مما يقاربها إذا أصاب وجه الوصية
وذلك إذا لم يكن فيها اختلاط.
وروى ابن وهب أن أبان بن عثمان، أجاز وصية جارية ابنة ثمان سنين [أو تسع] .
(1)
_________
(1) رواه مالك في الموطأ (2/762) .
(4/251)
3765 - ومن أوصى أن يشترى عبد أبيه فيعتق،
لم يزد على قيمته بخلاف الأجنبي.
ولا تجوز وصية رجل لعبد وارثه إلا بالتافه، كالثوب ونحوه مما يريد به ناحية
العبد لا نفع سيده، كعبد كان قد خدمه ونحوه، ومن أوصى لعبد ابنه ولا وارث
له غيره، جاز، ولا ينزع ذلك منه الابن.
وإن أوصى لعبد نفسه بمال، كان للعبد إن حمله الثلث، وليس للوارث انتزاعه،
ويباع بماله، ولمن اشتراه انتزاعه. وإن أوصى بمال لعبد أجنبي، فلسيده
انتزاعه. وإن أوصى لمكاتب نفسه بوصية، جاز ذلك.
3766 - والموصى له إذا قتل الموصي خطأ، جازت الوصية في ماله دون الدية، وإن
قتله عمداً، فلا وصية له في مال ولا في دية، كمن قتله وارثه خطأ، فإنما يرث
من المال دون الدية، وإن قتله عمداً، لم يرث من مال ولا دية.
ولو أوصى له بعد أن ضربه وعلم به، فإن كانت الضربة خطأ، جازت الوصية في
المال والدية. وأما في العمد، فتجوز في ماله دون الدية، لأن قبول الدية فيه
كمال لم يعلم به.
(4/252)
وإذا مات الموصى له بعد موت الموصي،
فالوصية لورثة الموصى له، علم بها أو لا، ولهم ألا يقبلوها، كشفعة له أو
خيار في بيع ورثوه.
3768 - ومن أوصى لوارث، لم تجز وصيته، وإن أوصى له ثم حدث من يحجبه، جازت
الوصية إن مات [بعد علمه بمن يحجبه] ، لأن تركه لها بعد علمه بمن يحجبه
إجازة [لها] . قال أشهب: يجوز، علم بمن يحجبه أو لم يعلم.
3769 - ومن أوصى لامرأة، ثم تزوجها في صحته، ثم مات عنها، بطلت الوصية.
3770 - وتجوز الوصية للصديق الملاطف بالثلث فأقل منه، وإن زاد على الثلث،
لم يجز منه إلا الثلث إلا أن يجيزه الورثة.
وإن أقر له في المرض بدين، جاز إن ورثه ولد، أو ولد ولد.
وأما إن كان ورثته أبوين أو زوجة أو عصبة ونحوه لم يجز [إقراره له] .
(4/253)
3771 - ومن أوصى في مرضه، فَعَال على ثلثه،
جاز منه الثلث. وأما ذات الزوج إذا عالت على ثلثها في عطاياها في الصحة
فرده الزوج، لم يجز منه شيء عند مالك، [لأن المريض لا يريد الضرر، وإنما
يريد البر لنفسه، فيجوز من فعله الثلث. والمرأة إذا زادت على ثلثها، فذلك
ضرر عند مالك فيرد كله، ولا ينبغي أن يجاز بعض الضرر ويترك بعضه] .
3772 - ومن أوصى لرجل بعبد له قيمته أل [درهم، ولآخر بدار قيمتها ألف] وترك
ألفاً، فلم تجز الورثة، فالثلث بين الموصى لهم في الأعيان، فيكون لهذا نصف
العبد ولهذا نصف الدار، وكل وصية فلا تدخل إلا فيما علم به الميت.
3773 - وأما المدبر في الصحة فيدخل فيما علم به أو لم يعلم، من غائب أو
حاضر. فمن أوصى بثلثه أو بعتق أو بغيره ولا مال له يومئذ، أو كان له مال ثم
هلك عن مال بفائدة أو مورث، فإن علم بالمال المستفاد قبل موته في صحته أو
مرضه، دخلت فيه الوصايا، وإن لم يعلم به لم يدخل فيه إلا المدبر في الصحة،
وكل دار ترجع بعد موته من عمري أو [من] حبس هو من ناحية التعمير، فالوصايا
تدخل فيه، ويرجع فيه من انتقض من وصية، وإن بعد عشرين سنة.
(4/254)
وأما الحبس المبتّل، فلا يرجع ميراثاً ولا
ترجع فيه الوصايا.
3774 - ومن أوصى بعتق كل مملوك له، وقد ورث رقيقاً لم يعلم بهم، فلا يعتق
منهم إلا من علمه [منهم] ، والدين مبدأ على الوصايا، والإجماع على ذلك.
وأول من يبدأ في الثلث، المدبر في الصحة على كل وصية وعلى العتق الواجب
وغيره، وليس للميت أن يرجع في تدبيره قبل موته، وله أن يرجع في الوصية
بالعتق قبل موته، بخلاف ما بتل في مرضه. ويبدأ المدبر في الصحة على ما بتل
في المرض أو ما أوصى به مما فرط فيه، من زكاة أو كفارة أو نذر. وما أوصى به
من زكاة فرط فيها أو كفارة أو نذر فهو في الثلث.
فأما المريض يحل حول زكاته، أو يقدم عليه مال حلّ حوله، فما عرف من هذا
فأخرجها في مرضه أو أمر بذلك ثم مات، فإنها خارجة من رأس ماله، فإن لم يأمر
بها لم يقض بها على الورثة، وأمروا بغير قضاء. (1)
وإذا أقر المريض بدين، وأوصى بزكاة فرط فيها، وبتل في المرض [ودبّر فيه] ،
وأوصى بعتق عبد له بعينه، وبشراء عبد بعينه ليعتق، وأوصى بكتابة عبد له
[بعينه] ، وبحجة الإسلام، وبعتق نسمة بغير عينها، فالديون تخرج من
_________
(1) انظر: مواهب الجليل (6/379) .
(4/255)
رأس ماله وإن كانت لمن يتهم فيه. وهذا الذي
ذكرنا في ثلث ما بقي، فإن كان الدين لمن يجوز إقراره له أخذه. وإن كان لمن
لا يجوز إقراره له، رجع ميراثاً ثم يبدأ بالزكاة فيما ذكرنا، ثم المبتاع
والمدبر في المرض معاً، ثم الموصى له بالعتق [بعينه] والمشترى بعينه معاً،
ثم المكاتب بعينه ثم النسمة بغير عينها مع الحج معاً. وقد قال: يبدأ
بالرقبة لضعف أمر الحج.
ومن قال: أعتقوا عبدي فلاناً بعد موتي واشتروا نسمة فأعتقوها عني، بدئ
بالعبد الذي بعينه.
ومن أوصى بشيء في السبيل، بدئ بأهل الحاجة منهم، وإن قال: ثلث مالي لفلان
وللمساكين، أو في السبيل والفقراء واليتامى، قسم بينهم بالاجتهاد لا
أثلاثاً ولا أنصافاً.
(4/256)
ومن أوصى بعتق عبده بعد موته بسنة، ولفلان
بثلثه أو بمائة دينار، والعبد هو الثلث بدئ بالعبد ولم يعتق إلا بعد سنة،
وخُيّر الورثة: [بين] أن يعطوا المائة أو الثلث للموصى له بالثلث ويأخذوا
الخدمة، وبين أن يسلموا هذه الخدمة للموصى له، لأنها بقية الثلث، فإن
أسلموها إليه فمات العبد قبل السنة عن مال، فهو لأهل الوصايا، وإن لم يحمل
العبد الثلث خير الورثة في إجازة الوصية أو العتق من العبد مبلغ الثلث
بتلاً وتسقط [جميع] الوصايا، [لأن العتق مبدأ على الوصايا] . وقاله جميع
الرواة إلا أشهب.
قال مالك: ومن دبّر عبداً في مرضه وقال لآخر: إن حدث بي حدث
(4/257)
الموت فأنت حر، فالمدبر مبدأ. [قال سحنون:]
وكذلك عند جميع الرواة إلا أشهب.
3775 - ومن باع في مرضه عبداً أو حابى فيه، وقيمة العبد الثلث، وأعتق عبداً
له آخر وقيمة المعتق الثلث، بُدئ بالمعتق، كما لو أعتق عبداً وأوصى بوصية،
كان العتق مبدأ.
وإن قال: إن مت فمرزوق حر، وميمون حر على أن يؤدي إلى ورثتي مائة دينار،
فإن عجل ميمون المائة تحاصا، وإلا بُدئ مرزوق. فإن بقي من الثلث ما لا يحمل
ميموناً خُيّر الورثة بين إمضاء الوصية أو يعجلوا فيه عتق بقية الثلث.
وقيل: يبدأ الموصى بعتقه على الذي قال يؤخذ منه مال ويعتق. [وإن أوصى
(4/258)
بعتق هذا وبكتابة هذا، بدئ العتق] .
وإن أوصى بعتق عبد معجل وآخر إلى شهر، تحاصّا لقرب الأجل، ولو بعد الأجل
كالسنة ونحوها بُدئ بالمعجل في الثلث.
وإن أوصى بمال وأوصى بحج، تحاصا. وكذلك إن أوصى بمال وأوصى بعتق نسمة بغير
عينها، تحاصا.
والموصي برقبة وبحج، وثلثه يحمل الرقبة وبعض الحجة، فبدّينا بالرقبة، فإنه
يُحج عنه ببقية الثلث من حيثما بلغ ولو من مكة.
وإن أوصى أن يحج عنه، فلم يبلغ ثلثه ما يحج [به] عنه إلا من المدينة أو من
مكة، فلتنفذ وصيته، وإن لم يوص فلا يحج عنه.
وكره مالك أن يتطوع الولد من مال نفسه فيحج عن أبيه، وكان يقول: لا يعمل
أحد عن أحد.
ومن أعتق في مرضه عبداً بعينه يملكه، أو أوصى بعتقه بعد موته وأوصى بوصايا،
فالعبد إذا كان بعينه يبدأ. وكذلك إن أوصى بشراء رقبة بعينها فتعتق، فهي
أيضاً مبدأة.
(4/259)
وإن أوصى بدنانير في رقبة، فهو يحاص أهل
الوصايا.
3776 - وروى [ابن وهب] أن النبي ÷ أمر بتبدية العتق على الوصايا، وفعل ذلك
أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما -. (1)
ولا يقدم ما قدم الميت في لفظ أو كتاب ولا يؤخر ما أخر وليقدم الأوكد إلا
أن ينص على تبدئة غير الأوكد فيقول: ابدءوا عتق النسمة بغير عينها على التي
بعينها فينفذ.
[ولو] لم يبدّه الميت لكان المعتق بعينه أولى بالثلث، فإن فضل شيء كان
للآخر، [ولا يلتفت إلى اللفظ في كلام الموصي إلا أن يبديه الميت كما وصفنا.
_________
(1) رواه الدرامي (2/506) ، والبيهقي في الكبرى (6/276، 277) ، وابن أبي
شيبة في المصنف (6/223، 224) ، وانظر: المدونة الكبرى (15/43) ، والمحلي
(9/333) ، وتلخيص الحبير (3/96) .
(4/260)
وقد قال الله تبارك وتعالى: ×مِن بَعْدِ
وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ% [النساء: 11] ، فأجمع أهل العلم أن
الدين يُبدّا على الوصايا] .
(4/261)
(كتاب الوصايا)
3630 - وإذا شهد ولدان للميت أن أباهما أعتق هذا العبد، وشهد أجنبيان أنه
أوصى بالثلث لرجل، والعبد هو الثلث، فإن كان عبداً يتهمان في جر ولائه، لم
تجز شهادتهما وجازت الشهادة بالوصية، وإن لم يتهما، فهي جائزة، وهذا
كشهادتهما بذلك ومعهما من الورثة نساء، فما يتهمان فيه مع النساء يتهمان
فيه مع الموصى له.
[ابن القاسم:] ومن قال في وصيته: يخدم عبدي فلاناً سنة ثم هو حر، ولم يدع
سواه، فإن لم يجز الورثة، بُدئ بالعتق، فعتق ثلث العبد بتلاً وتسقط الخدمة.
[قال سحنون: وعلى هذا أكثر الرواة] .
(4/263)
3777 -[قال مالك:] ومن أوصى [لرجل] بخدمة
عبده سنة، أو سكنى داره سنة، وليس له مال غير ما أوصى فيه، [أو له مال لا
يخرج ما أوصى به من الثلث] ، خيّر الورثة في إجازة ذلك أو القطع بثلث الميت
من كل شيء للموصى له.
[قال سحنون: وهذا قول الرواة كلهم لا أعلم بينهم فيه اختلافاً] .
قال مالك: وأما إن أوصى له برقبة عبد أو دار، والثلث لا يحمل ذلك، فإنه
يقطع لذلك محمل الثلث في تلك الأعيان.
[قال سحنون: وهذا في الوصية بالخدمة والسكنى قول الرواة كلهم، لا أعلم
بينهم فيه اختلافاً، وهو أصل من أصول قولهم.
وكذلك قال ابن أبي سلمة إذا أوصى بسكنى داره ولا مال له غيرها: إن الورثة
يخيرون في إجازة ذلك أو يقطعون له بثلثها بتلاً] .
(4/264)
3778 - ومن أوصى لرجل بخدمة عبده سنة، أو
حياته ثم هو لفلان، فإن حمله الثلث بُدئت الخدمة، فإذا انقضت [الخدمة] أخذه
صاحب الرقبة، زادت قيمته [الآن] أو نقصت عن القيمة التي نفذت في الثلث، وإن
حمل الثلث بعضه، خدم ذلك البعض، إن كان نصفه، خدم الموصى له بالخدمة يوماً
وللورثة يوماً، فإذا انقضى أجل الخدمة صار نصفه لصاحب الرقبة، وللورثة بيع
حصتهم قبل السنة. (1)
3779 - ومن هلك ولم يدع غير ثلاثة أعُبد قيمتهم سواء، فأوصى بأحدهم لرجل،
وبخدمة الآخر لآخر حياته، فإن لم يجز الورثة أسلموا الثلث، فضرب فيه صاحب
الرقبة بقيمتها، وصاحب الخدمة بقيمتها على غررها على أقل العمرين: عمر
العبد [أو عمر] المُخْدَم، [يقال: بكم يتكارى هذا العبد إلى انقضاء أقلهما
عمراً، المخدوم أو العبد، إن حيي إلى ذلك فهو لكم، وإن مات [قبل ذلك] بطل
حقكم، فما صار لصاحب الرقبة أخذه فيها، وما صار لصاحب الخدمة كان به شريكاً
في سائر التركة بتلاً.
وكذلك إن أوصى مع ذلك لآخر بالثلث فإنهم يتحاصون في ثلث الميت، إذا لم يجز
الورثة كما ذكرنا.
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (15/46) .
(4/265)
3780 - ومن أوصى لرجل بمائة دينار، ولآخر
بخدمة عبده حياته ثم هو حر، والعبد كفاف الثلث. قال مالك - رحمه الله -:
يعمر الموصى له بالخدمة حياته، أو العبد إن كان أقصرهما عمراً، فتقوم خدمة
العبد تلك السنين ذهباً، ثم يتحاص هو والموصى له بالمائة في خدمة العبد،
فإذا هلك الموصى له بالخدمة، خرج العبد حراً.
وإن لم يحمل العبد الثلث ولم يجز الورثة، عتق من العبد مبلغ الثلث، وسقطت
الوصايا بالخدمة وغيرها.
وإن قال في وصيته: لفلان مائة دينار، ولفلان خدمة عبدي [هذا] حياته، ثم هو
لفلان، والثلث لا يحمل وصيته، فإن لم يجز الورثة، أسلموا الثلث فضرب فيه
صاحب المائة بمائة، ولا يضرب معه صاحب الرقبة وصاحب الخدمة إلا بقيمة
الرقبة فقط، فما صار لهما في المحاصة من الثلث أخذاه في [العبد] ، وما صار
لهما من العبد بُدئ فيه المخدم [بالخدمة] ، فإن مات المخدم، رجع ما كان من
العبد [في] الخدمة لصاحب الرقبة، وما صار لصاحب المائة، كان به شريكاً
للورثة في جميع التركة، ولا يعمر المخدم في هذه المسألة، ويعمر في التي
قبلها.
(4/266)
وإن قال في وصيته: عبدي يخدم فلاناً، ولم
يقل: حياته ولا أجلاً، وأوصى أن رقبته لفلان، ولم يقل: من بعده، قومت
الرقبة وقومت الخدمة على غررها حياة الذي أخدم، ثم تحاصا في رقبة العبد
بقدر ذلك.
وقال أشهب: بل هي وصية واحدة، والخدمة حياة فلان، ثم يرجع إلى صاحب الرقبة.
وإن أخدمت عبدك رجلاً أجلاً مسمى، فمات الرجل قبل انقضاء الأجل، خدم العبد
ورثته بقية الأجل إذا لم يكن من عبيد الحضانة والكفالة، وإنما هو من عبيد
الخدمة.
ومن قال: قد وهبت خدمة عبدي لفلان، ثم مات فلان، فإن لورثته خدمة العبد ما
بقي، إلا أن يستدل من قوله: [إنه] إنما أراد حياة المخدم. وقال
(4/267)
أشهب: يحمل على أنه [أراد] حياة فلان، ولو
كانت حياة العبد كانت هبة لرقبته.
ومن أوصى بخدمة عبده لرجل حياته، وقال: ما بقي من ثلثي فلفلان، فكان العبد
هو الثلث، بدئ بالخدمة، فإذا انقضت كانت الرقبة لصاحب باقي الثلث، زادت
قيمته الآن أو نقصت.
وكذلك من قال: داري حبس على فلان حياته، وما بقي من ثلثي فلفلان، والدار
كفاف الثلث، فإذا رجعت الدار، كانت لصاحب [باقي] الثلث.
(4/268)
3781 -[ومن أوصى بشيء] يخرج كل يوم إلى غير
أمد، من وقيد في مسجد، أو سقي ماء، أو بخبز كل يوم بكذا وكذا أبداً، وأوصى
مع ذلك بوصايا، فإنه يحاص بها المجهول في الثلث، وتوقف حصته لذلك، [وهو قول
أكثر الرواة] .
3782 -[قال مالك - رحمه الله -:] ومن أوصى بسكنى داره لرجل [حياته] ولا مال
له غيرها، قيل للورثة: أسلموا إليه سكناها وإلا فاقطعوا له بثلثها بتلاً.
وقاله ابن أبي سلمة وجميع الرواة.
(4/269)
وإن أوصى أن يؤاجر أرضه منه سنين مسماة،
بثمن معلوم، وقيمة الأرض أكثر من الثلث، فلم يجز الورثة، قيل لهم: فأخرجوا
له من ثلث الميت بتلاً بغير ثمن.
3783 - ومن أوصى بوصايا وله مال حاضر ومال غائب، ولا تخرج الوصايا مما حضر،
خُيّر الورثة بين إخراجها مما حضر، أو إسلام ثلث الحاضر والغائب لأهل
الوصايا يتحاصون فيه، وكذلك إن أوصى لرجل بمائة دينار، وهي لا تخرج من ثلث
ما حضر، خُيّر الورثة بين تعجيلها مما حضر أو يقطعوا له بثلث الميت في
الحاضر والغائب، وإن لم يترك إلا مائة عيناً ومائة عيناً، فأوصى لرجل بثلث
العين ولآخر بثلث الدين، فذلك نافذ، ولكل واحد ثلث مائته بلا حصاص. (1)
3784 - وإن أوصى لهذا بخمسين من العين، ولآخر بأربعين من الدين، فإن لم يجز
الورثة أسلموا ثلث العين والدين إليهما، ونظر كم قيمة الأربعين الدين
نقداً، فإن قيل: عشرون، كان ثلث الدين والعين بينهما على سبعة أجزاء للموصى
له بخمسين خمسة أجزاء، وللموصى له بأربعين جزآن.
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (15/51) .
(4/270)
3785 - ومن أوصى لرجل بدين لا يحمله الثلث
وله عين حاضرة، فإما أجازه الورثة، أو قطعوا له بثلث العين والدين، وكذلك
إن أوصى من العين بأكثر من ثلث العين وله عقار وعروض كثيرة، فقال الورثة:
لا نسلم العين ونأخذ العروض، فإما أعطوه ذلك من النقد، وإلا قطعوا له
[بثلث] ما ترك الميت من عرض، أو دين، أو عين، أو عقار، أو غيره إلا في خصلة
واحدة، فإن مالكاً اختلف فيها قوله، فقال مرة: إذا أوصى له بعبد بعينه أو
بدابة بعينها، وضاق الثلث، فإن لم يجز الورثة قطعوا له بالثلث من كل شيء.
وقال مرة: بمبلغ الثلث من جميع التركة في ذلك الشيء بعينه، وهذا أحب إليّ.
3786 - ومن أوصى بعتق عبده وهو لا يخرج مما حضر، وله مال غائب يخرج فيه،
فإن العبد يوقف لاجتماع المال، فإذا اجتمع قوّم حينئذ في ثلثه، وليس له أن
يقول: أعتقوا مني ثلث الحاضر الساعة. قال سحنون: إلا أن يضر ذلك بالموصى له
وبالورثة فيما يعسر جمعه ويطول.
(4/271)
ومن ردّ ما أوصي له به، رجع ميراثاً بعد أن
يحاص به أهل الوصايا، مثل أن يوصي لثلاثة نفر بعشرة عشرة، وثلثه عشرة، فيرد
أحدهم وصيته، فللباقين ثلثا الثلث. وهذا قول جميع الرواة لا اختلاف بينهم
فيه.
3787 - ومن أوصى لرجل بماله، ولآخر بنصفه، ولآخر بثلثه، ولآخر بعشرين
ديناراً، والتركة ستون، فخُذْ لصاحب الكل ستة أجزاء، ولصاحب النصف ثلاثة
[أجزاء] ، ولصاحب الثلث اثنين، ولصاحب العشرين سهمين، لأن عشرين هي الثلث،
فذلك ثلاثة عشر جزءاً يقسم عليها الثلث فيأخذ كل واحد ما سميناه له.
وكذلك إن أوصى لرجل بثلث ماله، ولآخر بربعه، ولآخر بسدسه أو خمسه، ولم يجز
الورثة تحاصوا في الثلث من عين ودين وغيره على الأجزاء، وهذا على حساب عول
الفرائض.
قال مالك - رحمه الله -: وما أدركت الناس إلا على هذا. قال سحنون: وهو قول
جميع الرواة لا اختلاف بينهم فيه.
ومن أوصى لرجل بثلثه، ولآخر بعبده، وقيمته الثلث، فهلك العبد بعد موت السيد
وقبل النظر في الثلث، فإن ثلث ما بقي للموصى له بالثلث، وكأن الميت لم يوص
إلا بثلثه لهذا فقط.
(4/272)
ومن أوصى بثلث ماله لرجل، وبربع ماله لآخر،
وأوصى بأشياء بعينها لقوم، نظر إلى قيمة هذه المعينات وإلى ما أوصى له من
ثلث وربع، فيضربون في ثلث الميت بمبلغ وصاياهم، فما صار لأصحاب الأعيان من
ذلك أخذوه في ذلك، وما صار للآخرين كانوا به شركاء مع الورثة.
وإن هلكت الأعيان بطلت الوصايا فيها، وكان ثلث ما بقي بين أصحاب الثلث
والربع، يتحاصون فيه.
ومن أوصى لرجل بعبده، ولآخر بسدس ماله، والعبد هو الثلث، فللموصى له بالعبد
ثلث الثلث في العبد، والآخر شريك للورثة بسبع ما بقي من بقية العبد وسائر
التركة.
وإن كان العبد السدس، كان جميعه للموصى له بالعبد، والآخر شريك للورثة بخمس
بقية التركة، وقاله علي بن زياد [ورواه] عن مالك. (1)
3788 - وروى ابن وهب أن النبي ÷ قال: لا تجوز وصية لوارث، إلا أن يشاء
الورثة. (2)
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (15/54) .
(2) رواه الترمذي (4/433) ، والبخاري (3/1008) ، وابن أبي شيبة في المصنف
(6/208) ، وعبد الرزاق (9/68، 70) ، وابن ماجة (2/905) ، والبيهقي في
الكبرى (6/85) ، وابن الجارود (238) ، وانظر: الزرقاني (4/86) ، والشرح
الكبير (4/437) ، والمواهب (4/368) ، والمدونة (6/36) ، والتمهيد (23/442)
.
(4/273)
ومن أوصى لوارث وأجنبي، تحاصا، وعاد حظ
الوارث موروثاً إلا أن يجيز الورثة، ولو لم يدع إلا هذا الوارث الموصى له،
لم يحاص الأجنبي في ضيق الثلث وبُدئ الأجنبي.
قال يحيى بن سعيد فيمن أوصى بثلثه في السبيل، فإن وليّه يضعه في السبيل،
فإن أراد أن يغزو به وله ورثة غيره يريدون الغزو، فإنهم يغزون به بالحصص،
فإن لم يرثه غيره، فلا بأس باستنفاقه منه فيما وضع فيه.
قال ربيعة: وإن أوصت امرأة لبعض ورثتها بوصية، وفي السبيل بوصية، فأجاز
الزوج ذلك ثم قال: إنما أجزت رجاء أن يعطوني الوصية التي في السبيل، لأنه
غاز، فليس ذلك له، ويلزمه ما أجاز.
(4/274)
3789 - ومن أوصى عند موته أن يحج عنه، أنفذ
ذلك، ويحج عنه من قد حج [عن نفسه] أحب إليّ. وإن استؤجر من لم يحج، أجزأ،
وتحج المرأة عن الرجل والرجل عن المرأة، ولا يجزئ أن يحج عنه صبي، أو عبد،
أو من فيه علقة رق، إذ لا حج عليهم، ويضمن الدافع إليهم، إلا أن يظن أن
العبد حر وقد اجتهد ولم يعلم، فإنه لا يضمن.
قاله سحنون: وقال غيره: لا يزول عنه الضمان بجهله.
وإن أوصى أن يحج عنه عبد، أو صبي بمال، فذلك [جائز] نافذ، ويدفع ذلك إليه
ليحج به عنه إن أذن السيد لعبده والوالد لولده، وذلك أنه كتطوع
(4/275)
أوصى به، فهو لو لم يكن صرورة فأوصى بحجة
تطوعاً، أنفذت ولم ترد، فهذا مثله.
وإن لم يكن للصبي أب، فأذن له الوصي في ذلك، فإن كان على الصبي فيه مشقة
وضرر، وخيف عليه في ذلك ضيعة، فلا يجوز إذنه له، وإن كان الصبي قوياً على
الذهاب وكان ذلك نظراً له جاز إذنه، لأن الولي لو أذن له أن يتجر وأمره
بذلك، جاز. ولو خرج في تجارة من موضع إلى موضع بإذن الولي، لم بكن به بأس،
فكذلك يجوز إذنه له في الحج على ما وصفنا. وقال غيره: لا يجوز للوصي أن
يأذن له في هذا.
قال ابن القاسم: فإن لم يأذن له وليه، وقف المال لبلوغه، فإن حج به وإلا
رجع ميراثاً، لأنه حين أوصى بحج الصبي والعبد، أراد التطوع لا الفريضة، ولو
كان صرورة فسمى رجلاً بعينه يحج عنه، فأبى ذلك الرجل فيحج عنه غيره، بخلاف
المتطوع الذي قد حج إذا أوصى أن يحج عنه رجل [بعينه] تطوعاً، هذا إن أبى
الرجل أن يحج عنه رجعت ميراثاً، كمن أوصى لمسكين بعينه بمال من ثلثه، فمات
المسكين قبل الموصي أو أبى أن يقبل، فذلك يرجع ميراثاً، وكمن أوصى لرجل
بشراء عبد بعينه للعتق في غير عتق عليه واجب، فأبى أهله أن يبيعوه، فالوصية
ترجع ميراثاً بعد الاستيناء واليأس من العبد.
(4/276)
وقال غيره في الموصي بحجة تطوعاً إذا أبى
الرجل أن يحج عنه: لا يرجع ميراثاً. والصرورة في هذا وغير الصرورة سواء،
لأن الحج إنما أراد به نفسه، بخلاف الوصية لمسكين بعينه بشيء يرده أو شراء
عبد بعينه للعتق.
قال ابن القاسم: ومن قال في وصيته: أحجوا فلاناً، ولم يقل: عني، أُعطي من
الثلث قدر ما يحج به، فإن أبى أن يحج، فلا شيء له، وإن أخذ شيئاً رده، إلا
أن يحج به.
وإن أوصى أن يحج عنه وارث في فرض أو تطوع، أنفذت وصيته، ولم يزد الوارث على
النفقة والكراء شيئاً.
وكان مالك يكره الوصية بهذا، فإن نزل أمضاه، وإن قال: ادفعوا ثلثي لفلان
يحج به عني، فإن كان وارثاً لم يدفع إليه إلا قدر نفقته، وكراه ويرد ما بقي
من الثلث، وإن كان أجنبياً كان له ما فضل من الثلث كالأجير، وأما الذي يحج
على البلاغ، فهو كرسول لهم ويرد ما فضل [من الثلث] .
(4/277)
والبلاغ قولهم: تحج بهذه الدنانير عن فلان،
وعلينا ما نقص عن البلاغ، أو: خذها فحج منها عن فلان.
والإجارة: أن يستأجره بمال على أن يحج عن فلان، فهذا يلزمه الحج، وله ما
زاد وعليه ما نقص، وقد عرف الناس الإجارة والبلاغ.
3790 - ومن أوصى لرجل بدينار من غلة داره كل سنة، أو بخمسة أوسق من غلة
حائطه كل عام، والثلث يحمل الدار والحائط، فأخذ ذلك عاماً ثم بار ذلك
أعواماً، فللموصى له أخذ وصيته كل عام ما بقي من غلة العام الأول شيء، فإذا
لم يبق منه شيء، فإذا غل [ذلك] ، أخذ ذلك منه لكل عام مضى [لم] يأخذ له
شيئاً.
ولو أكرى الدار في أول سنة بعشرة دنانير، فضاعت إلا ديناراً، كان ذلك
الدينار للموصى له، لأن كراء الدار لا شيء لورثة منه إلا بعد أخذ الموصى له
منه وصيته، وكذلك غلة الجنان.
ولو قال: أعظه من غلة كل سنة خمسة أوسق، أو من كراء كل سنة ديناراً، لم يكن
له أن يأخذ من غلة سنة عن سنة أخرى لم تغل.
(4/278)
ولو أكريت الدار أول عام بأقل من دينار،
وجاءت النخل بأقل من خمسة أوسق، لم يرجع بتمام ذلك في عام بعده.
ومن أوصى بغلة داره أو بغلة جنانه للمساكين، جاز ذلك.
3791 - وإن أعمرك رجل حياتك خدمة عبد، أو سكنى دار، أو ثمرة حائط، جاز أن
يشتري ذلك منك هو أو ورثته، أو يصالحوك على مال، وإن لم تثمر النخل.
وإن أوصى لك بذلك حياتك، جاز شراؤه للورثة بنقد أو دين، كما يجوز للمعطي،
وكالمعري يبيع باقي الحائط، فيجوز للمشتري شراء العرية بخرصها، ولم تختلف
الرواة في سكنى الدار فيما ذكرنا. (1)
ولو صالحوك من الخدمة على مال، ثم مات العبد وأنت حي، فليس لهم رجوع عليك،
ولا يجوز لك أن تبيع هذه الخدمة من أجنبي، أو تؤاجره العبد إلا مدة قريبة
كسنة وسنتين وأمد مأمون، ولا تكريه إلى أجل غير مأمون، وأما لو أوصى لك
بخدمة العبد عشر سنين فأكريته فيها، جاز، كمن واجر عبده عشر سنين.
قال مالك: ولم أر من فعله، ولو فعل جاز، وهذا خلاف المخدم حياته، لأنه إذا
مات المخدم سقطت الخدمة، والمؤجل يلزمه باقيها لورثة الميت.
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (5/434) .
(4/279)
وللرجل أن يؤاجر ما أوصى به له من سكنى
دار، أو خدمة عبد، إلا أن يكون عبداً قال له: اخدم ابني ما عاش، أو حتى
يبلغ [أو ينكح] أو أجلاً مسمى، ثم أنت حر، وعلم أنه أراد ناحية الحضانة،
فليس للابن أن يؤاجره، ولو مات الابن قبل ذلك عتق مكانه، إلا أن يكون من
عبيد الخدمة، [أو] ممن أريد به الخدمة، فإنه يخدم ورثته بقية الأجل إن كان
أجلاً.
قال ربيعة: وإن قال: إذا تزوج ابني فأنت حر، فبلغ الابن النكاح وهو موسر،
فأبى أن ينكح وتسرر، فإن العبد يعتق الآن، لأنه أراد بلوغ رشده وأن يستعين
بالعبد فيما قبل ذلك من السنين.
3792 - ومن أوصى لرجل برقبة جنانه، أو بأمته، أو بعتقها، فأثمر الجنان
عاماً أو عامين، أو ولدت الأمة، وذلك كله قبل موت الموصي، والثلث يحمل
الجنان وما أثمر، أو الأمة وولدها، فإن الولد والثمرة للورثة دون الموصى
له.
وكذلك إذا أبرت النخل وألقحت الشجر قبل موت الموصي، فالثمرة للورثة دون
الموصى له، وما أثمر الجنان بعد موته قبل النظر في الثلث، فتلك الثمرة
للموصى له.
ولا تقوم الثمرة مع الأصل، وإنما تقوم مع الأصل بعد موت الموصي في الولادة
(4/280)
وشبهها، والثمرة هاهنا كالغلة والخراج، لا
كولادة الأمة، وكذلك ما أفاد المدبر والموصى بعتقه، والموصى به لرجل من
فوائد بعد موت الموصي قبل النظر في الثلث، فلا يقوّم معهم في الثلث، وإنما
يقوم معهم من أموالهم ما مات السيد وهو بأيديهم، أو ما نما من ربحه بعد
موته.
وليس لهم أن يتجروا فيه بعد موته، فإن فعلوا فالربح بمنزلة رأس المال،
وكذلك لا يقوم مع المبتل في المرض، ما أفاد بعد عتقه قبل موت السيد أو بعد
موته.
فهذه فوائد لهم وللموصى له بالعبد إن حمل الثلث رقابهم، وإن حمل بعض
الرقاب، وقف المال بأيديهم.
واستحداث الميت للدين في المرض يرد ما بتل من العتق في مرضه، ويضر العبد،
كما يضره ما تلف من المال.
قال سحنون: وقد قال غير هذا، وهو قول أكثر الرواة: إن ما اجتمع في
(4/281)
الإيقاف بعد الموت لاجتماع المال للمدبر،
أو للموصى له بعتقه، أو برقبته لرجل من مال تقدم [لهم] ، أو ما ربحوا فيه
من تجارة، أو من عمل أيديهم، أو بهبة، أو بغيرها من الفوائد، فإن ذلك يقوم
في الثلث معهم، خلا أرش ما جنى على المدبر، فليس له، وذلك للسيد كبعض
تركته.
وكذلك المبتل في المرض يقوم معه ماله، وما أفاد من ذلك كله بعد العتق قبل
موت السيد أو بعده.
وكذلك الجنان الموصى بها لرجل، أن ما أثمرت بعد موت الموصي، يقوم مع الأصول
في الثلث، وإن حمل الثلث جميع العبيد الذين ذكرنا، كان المال لهم وللموصى
له بالعبد.
وكذلك النخل إذا حملها الثلث بثمرها كانت الثمرة للموصى له، وإن حمل الثلث
نصف ما ذكرنا، وقف المال بأيدي العبيد ولا ينزع ممن جرت فيه حرية منهم،
ويكون للموصى له بالجنان نصف النخل ونصف الثمرة. قال سحنون: وهذا أعدل
أقوال أصحابنا.
3792 - ومن قال في صحته: غلة داري للمساكين، وأنا ألي غلتها وأفرقها ما دمت
(4/282)
حياً، فإن ردها ورثتي بعد موتي، فهي وصية
في ثلثي، تباع ويتصدق بثمنها، فذلك نافذ كما قال.
ولو قال: هي لبعض ورثتي، وألي أنا قسمتها، فإن رد ذلك ورثتي بعد موتي،
بيعت، وتصدق بثمنها من ثلثي، لم يجز ووُرثت. وإذا أوصى بثلثه لوارث وقال:
فإن لم يجزه باقي الورثة فهو في السبيل، لم يجز ذلك، وهو من باب الضرر.
وكذلك بعبد، فإن لم يجيزوا فهو حر، فإنه يورث إن لم يجيزوا.
ولو قال: هو حر أو في السبيل، أو قال: داري أو فرسي في السبيل إلا أن يشاء
ورثتي أن ينفذوا ذلك لابني، فذلك نافذ على ما أوصى [به] .
3793 - ومن أوصى لرجل بثلاثين ديناراً، ثم أوصى له تارة أخرى بالثلث، فله
أن يضرب مع أهل الوصايا بالأكثر.
قال مالك: ومن أوصي له بمبذر عشرين مدياً من أرضه، فإن كانت الأرض مبذرها
مائة، فله خمسها بالسهم، وقع له أقل من عشرين أو أكثر لكرم
(4/283)
الأرض أو رداءتها، وإن أوصى له بدار ثم
أوصى له بعشرة دور، وللميت عشرون داراً، فله الأكثر إن حمله الثلث، أو ما
حمل الثلث إلا أن يجيز الورثة، وإن كانت الدور في بلدان شتى أخذ النصف من
كل دار بالسهم.
ومن أوصى بوصية بعد أخرى فإن لم تتناقضا أنفذتا جميعاً، وإن كانتا من صنف
واحد فزادت إحداهما، أنفذت الزائدة فقط، وإذا تناقضتا، أخذ بالآخرة وبطلت
الأولى، كمن أوصى لرجل بشيء بعينه من صنف، ذكر منه كيلاً، أو وزناً، أو
عدداً من طعام، أو عرض، أو عين، أو غيره، أو بعدد بغير عينه من رقيق عنده،
أو غنم، ثم أوصى له من ذلك الصنف بأكثر من تلك التسمية أو أقل، فله أكثر
الوصيتين كانت الأولى أو الآخرة. وإن كان أوصى له آخراً بنصف آخر، فله
الوصيتان جميعاً.
3794 - ومن أوصى بشيء بعينه من دار، أو ثوب، أو عبد، أو دابة لرجل، ثم أوصى
بذلك لرجل آخر، [فهو بينهما، وكذلك لو أوصى بثلثه، ثم أوصى لرجل آخر] بجميع
ماله، لم يعدّ رجوعاً، وكان الثلث بينهما على أربعة أسهم.
3795 - ومن له ثلاثة دور أوصى بثلثهن لرجل، فاستُحق منها داران، أو أوصى
بثلث داره فاستُحق ثلثاها، فللموصى له ثلث ما بقي، وإن قال: العبد الذي
أوصيت به لزيد، هو [وصية] لعمرو، فذلك رجوع.
(4/284)
وإن أوصى بعتق عبد بعينه، ثم أوصى به لرجل،
أو أوصى به أولاً لرجل، ثم أوصى به للعتق، فالآخرة تنقض الأولى، إذ لا
يشترك في العتق.
3796 - ومن أوصى لرجل بمثل مصاب أحد بنيه فإن كانوا ثلاثة، فله الثلث.
قال مالك - رحمه الله -: وإذا قال: لفلان مثل ما يصيب أحد ورثتي، وترك
رجالاً ونساء، فليقسم المال على عدد رؤوسهم فيعطى جزءاً منه، ثم يقتسم ما
بقي بين الورثة إن كانوا ولده، للذكر مثل حظ الأنثيين.
3797 - ومن أوصى لولد ولده بثلثه ولا يرثونه، فذلك جائز، قيل: فإن مات
أحدهم وولد غيرهم بعد موت الموصي قبل قسمة المال؟ قال: [فإن] ذلك كقول مالك
في الموصي لأخواله وأولادهم أو لمواليهم. قال ابن القاسم: أو لبني عمه أو
لبني فلان بثلثه، فذلك لمن حضر القسم، لا يحسب من مات بعد موت الموصي ولا
يحرم من ولد، لأنه لم يسم قوماً بأعيانهم.
(4/285)
وقال ابن القاسم في باب بعد هذا، فيمن أوصى
بثلثه لموالي فلان، فمات بعضهم، وولد لبعضهم، وعتق آخرون قبل القسم: إن ذلك
لمن حضر القسم كالوصية لولد الولد.
وإن قال: ثلثي لهؤلاء النفر، وهم عشرة، فإن من مات منهم يرث نصيبه وارثوه.
قيل له: فإن قال: ثلثي لولد فلان، وولد [فلان] ذلك الرجل عشرة ذكور وإناث؟
قال: الذي سمعت من مالك أنه إذا أوصى بحبس داره أو ثمرة حائطه على ولد
فلان، أو على ولد ولده، أو على بني فلان، فإنه يؤثر أهل الحاجة [منهم] في
السكنى والغلة، وأما الوصايا فلا أحفظ قول مالك فيها، ولكني أراها بينهم
بالسوية. قال سحنون:
(4/286)
فهذه المسألة أحسن من المسألة التي قال
فيمن أوصى لأخواله وأولادهم.
وقد روى ابن وهب في الأخوال مثل رواية ابن القاسم، إلا أن قول عبد الرحمن
ابن القاسم في هذه المسألة أحسن، وكذلك يقول غيره.
وليس وصيته لأخواله، أو ولد فلان بشيء ناجز، كوصيته لهم بغلة موقوفة تقسم
إذا حضرت كل عام، فهذا قد علم أنه أراد بها غير معين، فهي على مجهول ممن
يأتي، فإنما تكون الغلة لمن حضر قسمتها كل عام، فأما وصيته لأخواله، أو ولد
فلان بمال ناجز وهم معروفون لقلتهم، وتعلم عدتهم، فكالوصية لقوم مسمّين.
(1)
3798 - وإذا كانت الوصية لقوم مجهولين لا تعرف عدتهم لكثرتهم، مثل قوله على
بني تميم، أو بني زهرة، أو المساكين، فهذا لم يرد قوماً بأعيانهم، لأن ذلك
لا يحصى ولا يعرف، فإنما يكون ذلك لمن حضر القسم، وتركت مسألة من حبس داراً
على قوم حبساً صدقة، لأنها مذكورة في آخر كتاب الهبات أتم مما هنا.
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (15/72) ، والتاج والإكليل (6/374) .
(4/287)
3799 - ومن قال: ثلثي لولد فلان. وقد علم
أنه لا ولد له، جاز، وينتظر أيولد له أم لا، ويساوى فيها بين الذكر
والأنثى. وإن لم يعلم أنه لا ولد له، فذلك باطل.
وكذلك وصيته لميت ولا يعلم بموته، فوصيته باطلة، وإن علم بموته، نفذت
الوصية لورثة الموصى له وقضى بها دينه.
3800 - وإذا مات الموصى له بعد موت الموصي، فالوصية لورثة الموصى له، علم
بها أو لا، وإن مات قبل موت الموصي، بطلت الوصية، علم الموصي بموته أم لا.
قال مالك: ويحاص بها ورثة الموصي أهل الوصايا في ضيق الثلث، ثم تورث تلك
الحصة. [وقد قال مالك - رحمه الله -: إذا علم الموصي بموت الموصى له، بطلت
الوصية، ولا يحاص بها أهل الوصايا.
[قال سحنون: وعلى هذا قول الرواة، وإنما تحاص الورثة أهل الوصايا]
(4/288)
بوصية الموصى له، إذا مات الموصى له قبل
موت الموصي، والموصي لا يعلم أن الموصى له مات، والأمر عنده أن وصيته لمن
أوصى له جائزة، فلما بطلت بموت الموصى له، رجع ما كان له إلى مال الميت
ودخل الورثة، فحاصوا أهل الوصايا بوصيته، لأنه هو كان كذلك، كان يحاصهم
بوصيته] .
وأكثر الرواة على أنهم يتحاصون بها إن لم يعلم بموته ولا يتحاصون بها إن
علم، وقاله أيضاً مالك.
3801 - مالك: ومن أوصى بثلثه لبني تميم أو لقيس، جاز وقسم على الاجتهاد،
قال: ولقد نزلت أن رجلاً أوصى لخولان بوصية، فأجازها مالك ولم ير فيها
شيئاً للموالى.
ومن أوصى بثلثه لموالى فلان، كان لمواليه الأسفلين دون الأعلين.
ومن قال: ثلثي لفلان وفلان، أحدهما غني والآخر فقير، فالثلث بينهما نصفين،
فإن مات أحدهما بعد موت الموصي ورث نصيبه ورثته، وإن مات قبله فللباقي نصف
الثلث، ولا شيء لورثة الآخر، ويرجع نصيبه إلى ورثة الموصي.
3802 - وإن أوصى لفلان بعشرة، ولفلان بعشرة، والثلث عشرة، فمات أحدهما قبل
(4/289)
موت الموصي، فكان مالك يقول: إن علم الموصي
بموته فالعشرة للباقي، وإن لم يعلم حوصص بينهما، فيصير للحي خمسة، وترجع
الخمسة التي وقعت للميت لورثة الموصي ميراثاً، وعليه أكثر الرواة. ثم قال
مالك: تكون العشرة للباقي علم الموصي بموته أم لا. ثم قال [آخر زمانه] :
أرى أن يحاص بها الباقي، علم الموصي بموت الآخر أم لا.
قال ابن القاسم: وبه آخذ، [وقد ذكر ابن دينار أن قوله هذا الآخر هو الذي
يعرف من قوله قديماً.
قال ابن القاسم:] وكذلك قوله: ثلث مالي لفلان، وثلثا مالي لفلان، فيموت
أحدهما [قبل الموصي] على اختلاف القول في صاحبي العشرة سواء. فإن
(4/290)
كان الميت منهما صاحب الثلث كان للباقي
منهما ثلثا الثلث في قول مالك الآخر، [ويحاصه الورثة، علم الموصي بموت
الآخر أم لا، وبه أقول] .
وفي قول مالك الأول يختلف، إن علم أو لم يعلم بحال ما وصفنا.
وفي قوله الأوسط يكون للباقي جميع الثلث، فعلى هذا فقس ما يرد عليك.
3803 - قلت: فمن أوصى في مرضه بأكثر من ثلثه، فأجاز ورثته ذلك قبل موته من
غير أن يطلبهم الميت بذلك، أو طلبهم فأجازوا، ثم رجعوا بعد موته.
قال: قال مالك - رحمه الله -: إذا استأذنهم في مرضه فأذنوا له، ثم رجعوا
بعد موته، فمن كان عنه بائناً من ولد، أو أخ، أو ابن عم، فليس ذلك لهم. ومن
كان في عياله من ولد قد احتلم، أو بناته، أو زوجاته، فذلك لهم، وكذلك ابن
العم الوارث إن كان ذا حاجة إليه، ويخاف إن منعه، وصح أن يضربه في منع رفده
إلا أن يجيزوا بعد الموت، فلا رجوع لهم بعد ذلك. ولا يجوز إذن البكر والابن
السفيه وإن لم يرجعا، ومن أوصى
(4/291)
بجميع ماله وليس له إلا وارث واحد مديان،
فأجاز ذلك، فلغرمائه رد الثلثين وأخذه في دينهم.
3804 - وإن أقر الولد أن أباه أوصى لرجل بثلث ماله، وعلى الولد دين يغترق
مورثه، وأنكر غرماؤه الوصية، فإقراره قبل القيام عليه بالدين جائز.
ولا يجوز إقراره بعد القيام عليه، وكذلك إقراره بدين على أبيه، أو بوديعة
عند أبيه، فإقراره بعد قيام الغرماء عليه، لا يقبل إلا ببينة، وإقراره قبل
أن يقام [عليه] جائز.
فإن كان المقر له حاضراً، حلف واستحق، كمن شهد أن هذا الذي في يديه تصدق به
فلان على فلان وتركه له في يدي، وأنكر الذي هو له، فإن حضر المشهود له، جاز
ذلك مع يمينه، وإن كان غائباً لم يجز، لأن المقر يتهم على بقاء ذلك الشيء
بيده.
* * *
(4/292)
|