التهذيب في اختصار المدونة

 (كتاب الآبق)
3913 - ومن وجد آبقاً فأبق منه، فلا شيء عليه، وإن أرسله بعد أن أخذه، ضمنه. (1)
ومن اعترف آبقاً عند السلطان وأتى بشاهد، حلف معه، وأخذ العبد، ولا يستحلف طالب الحق مع شاهدين.
وإذا ادعى أن هذا الآبق عبده ولم يقم بينة، فإن صدقه العبد دفع إليه.
وكذلك متاع يوجد مع لصوص يدعيه قوم لا يعرف ذلك إلا بقولهم، فليتلوم الإمام فيه، فإن لم يأت سواهم دفعه إليهم.
_________
(1) انظر: مختصر اختلاف العلماء (4/348) .

(4/381)


3914 - وإذا جاء رب الآبق بعد أن باعه الإمام بعد السنة والعبد قائم، فليس له إلا الثمن، ولا يرد البيع، ولو قال ربه: كنت أعتقته، أو دبرته بعدما أبق، [أو قبل أن يأبق] ، لم يقبل قوله على نقض البيع إلا ببينة، لأنه لو باعه هو نفسه ثم قال: كنت أعتقته، لم يقبل قوله. ولو كانت أمة فباعها الإمام بعد السنة ثم جاء سيدها فقال: قد كانت ولدت مني وولدها قائم، فإنها ترد إليه إن كان ممن لا يتهم.
وقاله مالك فيمن باع جارية له وولدها ثم استلحق الولد، أنه إن كان ممن لا يتهم على مثلها، رُدّت عليه. ولو قال: كنت قد أعتقتها، لم يصدق ولم ترد عليه إلا ببينة. قيل: فإن لم يكن معها ولد فقال بعد ما باعها: كانت ولدت مني؟ قال: أرى أن يصدق وترد إن لم يتهم فيها.
3915 - ويجوز لسيد الآبق عتقه وتدبيره وهبته لغير ثواب، ولا يجوز [له] بيعه ولا هبته لثواب.
وإذا زنى الآبق، أو سرق، أو قذف، أقيم عليه الحد في ذلك كله.

(4/382)


3916 - وإذا أتى رجل بكتاب من قاض إلى قاض، يذكر أنه شهد عندي قوم، أن فلاناً صاحب كتابي هذا إليك قد هرب منه عبد صفته كذا، فوصفه ولاجه في الكتاب، وعند هذا القاضي عبد آبق محبوس على هذه الصفة، فليقبل كتاب القاضي والبينة التي شهدت فيه على الصفة، ويدفع إليه العبد. (1)
قال: وترى للقاضي الأول أن يقبل منه البينة على الصفة ويكتب [بها] إلى قاضٍ آخر؟ قال: نعم، لأن مالكاً قال في المتاع الذي يسرق بمكة إذا اعترفه رجل ووصفه [بصفة] ولا بينة له أن يستأنى الإمام فيه، فإن جاء من يطلبه وإلا دفعه إليه، فالعبد الذي أقام البينة على صفته، أحرى أن يدفع إليه، فإن ادعى العبد ووصفه ولم تقم البينة عليه فأرى أنه مثل المتاع ينتظر به الإمام ويتلوم، فإن جاء أحد يطلبه وإلا دفعه إليه وضمنه إياه. قيل: ولا يلتفت ههنا إلى العبد إن أنكر أن هذا هو مولاه، إلا أنه يقر أنه عبد لفلان ببلد آخر، قال: يكتب السلطان إلى ذلك الموضع وينظر في قول العبد، فإن كان كما قال وإلا ضمنه هذا وأسلمه إليه كالأمتعة، ومن اعترفت من يده دابة وقضي عليه، فادعى أنه اشتراها من بعض
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (6/142) .

(4/383)


البلدان وأراد أن لا يذهب حقه، فله وضع قيمتها بيد عدل ويمكنه القاضي من الدابة ليخرج بها إلى بلد البائع منه لتشهد البينة على عينها، فإن قال مستحقها: أنا أريد سفراً وإنما يريد أن يعوقني عنه، قيل له: فاستخلف من يقوم بأمرك، ويمكن المطلوب من الخروج بها، ويطبع له في عنقها ويكتب له كتاباً إلى قاضي ذلك البلد: [إني] قد حكمت بهذه الدابة لفلان، فاستخرج له ماله من بائعه إلا أن يكون للبائع حجة، فإن تلفت الدابة في ذهابه أو مجيئه، أو اعورت أو انكسرت أو نقصها في ذهابه أو مجيئه فهي من الذاهب بها، والقيمة للذي اعترفها إلا أن يرد [إليه] الدابة بحالها.
وكذلك الرقيق إلا أن تكون جارية، فإنه إن كان أميناً دفعت إليه، وإلا فعليه أن يستأجر أميناً يذهب بها معه وإلا لم تدفع إليه. قيل: فإذا وصل كتاب القاضي إلى القاضي وثبت عنده بشاهدين، هل يكلف الذي جاء بالبغل [أن يقيم بينة] أن هذا البغل هو الذي حكم به عليه؟ قال: إن كان البغل موافقاً لما في كتاب القاضي من صفته وخاتم القاضي في عتقه، لم يكلف ذلك.
3917 - وإذا شهد قوم غرباء في بلد لا يعرفون [به] ، لم يقبلوا إلا بعدالة، لأن البينة لا تقبل إلا بعدالة، [وإن شهد قوم على حق، فعدَّلهم قوم غير معروفين، فعدَّل

(4/384)


المعدلين آخرون] ، فإن كان الشهود غرباء، جاز ذلك، وإن كانوا من أهل البلد، لم يجز ذلك، لأن القاضي لا يقبل عدالة على عدالة إذا كانوا من أهل البلد، حتى تكون العدالة على الشهود أنفسهم عند القاضي.
3918 - قال مالك: لم أزل أسمع أن الآبق يحبس على ربه سنة، ثم يباع.
ومن وجد آبقاً فلا يأخذه، إلا أن يكون لقريبه أو جاره أو لمن يعرفه، فأحب إلي أن يأخذه، وهو من أخذه في سعة.
والآبق إذا اعترفه ربه بيدك ولم تعرفه، فأرى أن ترفعه إلى الإمام إن لم تخف ظلمه.
3919 - ومن استأجر آبقاً فعطب في عمله ولم يعلم أنه آبق، ضمنه لربه. (1)
وقاله مالك فيمن أجر عبداً على تبليغ كتاب إلى بلد ولم يعرف أنه عبد، فعطب في الطريق، إنه يضمنه، لأن من ابتاع سلعة من السوق فأتلفها هو نفسه، إنه يضمنها [إن استحقت] ، وإن أجرت الآبق فالإجارة لربه، وإن استعملته لزمتك قيمة عمله لربه، لأن ضمانه منه ونفقته عليه، وإنما يضمن الآبق إذا استعمله في عمل يعطب في مثله، فهلك فيه.
وإن استعملته في شيء فسلم، فلربه الأجر فيما له بال من الأعمال.
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (6/85) .

(4/385)


وكذلك من استعمل عبداً لرجل.
3920 - وإذا أبق المكاتب لم يكن فسخاً لكتابته إلا بعد حلول النجم، وبعد تلوم الإمام له.
ومن أعتق عبداً آبقاً عن ظهاره، لم يجزه، إذ لا يدري أحيّ هو أم ميت، أو معيب أو سليم، إلا أن يعرف في الوقت موضعه وسلامته من العيوب، فيجزيه، [أو لم] يعلم ذلك إلا بعد العتق، فيجزيه وإن جهله أولاً.
وإذا عرف أن الآبق عند رجل، جاز أن يباع منه أو من غيره ممن يوصف له إذا وصف أيضاً للسيد حاله الآن وصفته، ولا يجوز النقد فيه إذا كان بعيداً، وهو كعبد غائب لرجل باعه.
3921 - وإذا أبق العبد الرهن، لم يضمنه المرتهن وصدق في إباقه وأُحلف وكان على حقه، وإن وجده سيده وقامت الغرماء عليه، فالراهن أولى به إذا كان قد حازه المرتهن، لكونه بيده قبل الإباق، إلا أن يعلم المرتهن بكونه بيد الراهن فتركه حتى فلس، فهو أسوة الغرماء.

(4/386)


3922 - وإن أبق عبد مسلم إلى بلد الحرب فدخل إليهم مسلم فاشتراه، لم يأخذه ربه منه إلا بالثمن الذي [ودّى] ، اشتراه بأمره أو بغير أمره، وكذلك عبيد أهل الذمة.
3923 - وإذا أسر العدو ذمياً فظفرنا به، رُدّ إلى جزيته، وقع في المقاسم أو لم يقع، لأنه لم ينقض عهداً ولم يحارب. (1)
فإن فات العبد بعتق عند الذي اشتراه ببلد الحرب، أو كانت أمة فأولدها مشتريها، مضى ذلك ولم ترد، بخلاف من ابتاع عبداً في سوق المسلمين ولا يعلم أن له سيداً غير بائعه، فأعتقه ثم استحقه سيده، إنه يأخذه، لأن هذا أخذه بغير ثمن، والأول لا يأخذه إن شاء إلا بالثمن، ما لم يفت بعتق - كما ذكرنا -.
* * *
_________
(1) انظر: مختصر خليل (242) .

(4/387)