التهذيب
في اختصار المدونة (كتاب
المحاربين) (1)
4047 -[قال:] ومن حارب من أهل الذمة أو المسلمين، فأخافوا السبيل ولم
يأخذوا مالاً ولم يقتلوا، فإن الإمام مخير: إن شاء قتل وإن شاء قطع.
قال مالك: ورب محارب لم يقتل، هو أخوف وأعظم فساداً في خوفه ممن قتل، فإذا
نصب، وعلا أمره، وأخاف، وحارب ولم يقتل، وأخذ المال أو لم يأخذ مالاً، كان
الإمام مخيراً [فيه] ، إن شاء قتله أو قطع يده ورجله. ولا يجتمع مع القتل
قطع ولا ضرب. ولا يضرب إذا قطعت يده ورجله.
قال مالك - رحمه الله -: وليس كل المحاربين سواءً منهم من يخرج بعصاً أو
بخشبة وشبه ذلك، فيوجد على تلك الحال بحضرة الخروج، ولم يخف
_________
(1) انظر: جامع الأمهات لابن الحاجب المالكي (ص523) ، ومختصر خليل (275) .
(4/457)
بالسبيل] ولم يأخذ المال، فهذا لو أخذ فيه
بأيسر الحكم، لم أر به بأساً، وذلك الضرب والنفي ويسجن في الموضع الذي نفي
إليه.
وليس للإمام أن يعفو عنه ولا عن أحد من المحاربين، ولكن يجتهد الإمام في
ضربه ونفيه. وقد نفى عمر بن عبد العزيز محارباً أخذ بمصر، إلى شغب.
قال مالك - رحمه الله -: وقد كان يُنفى عندنا إلى فدك وخيبر، ويسجن في
الموضع الذي نفي إليه، حتى تعرف له توبة.
قال: وإذا أخذه الإمام وقد قَتَل وأخذ المال وأخاف السبيل، فليقتله، ولا
يقطع يده ولا رجله، والقتل يأتي على ذلك كله، وأما الصلب مع القتل، فذلك
إلى الإمام [يصنع فيه] بأشنع ما يراه.
(4/458)
4048 - قال مالك: ولم أسمع أن أحداً صلب
إلا عبد الملك بن مروان، فإنه صلب الحارث - الذي تنبأ - وهو حي، وطعنه
بالحربة بيده. وكذلك يفعل بمن صُلب من المحاربين.
وحكم العبيد في الحرابة، مثل ما وصفنا في الأحرار، إلا أنه لا نفي على
العبيد.
وحكم لمحارب فيما أخذ من المال من قليل أو كثير سواء، وإن كان أقل من ربع
دينار، وإن قطعوا على المسلمين أو على أهل الذمة، فهم سواء، وقد قتل عثمان
بن عفان مسلماً، قتل ذمياً على وجه الحرابة على مال كان معه.
4049 - وإذا أتى المحارب تائباً قبل أن يقدر عليه، سقط عنه ما يجب لله
تعالى من حد الحرابة، وثبت ما للناس بعليه] من نفس أو جرح أو مال، ثم
للأولياء القتل أو العفو فيمن قتل، وكذلك للمجروح في القصاص، وإن كانوا
جماعة فقتلوا رجلاً، ولي أحدهم قتله وباقيهم عون له، فأُخذوا على تلك
الحال، قُتلوا كلهم.
(4/459)
وإن تابوا قبل أن يؤخذوا، دُفعوا إلى
أولياء المقتول، فقتلوا من شاءوا وعفوا عمن شاءوا، وأخذوا الدية ممن شاءوا.
وقد قتل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ربيئة كان ناظوراً للباقين.
وإذا ولي أحدهم أخذ المال وكان الباقون له قوة، ثم اقتسموا فتاب أحدهم ممن
لم يل أخذ المال، فإنه يضمن جميع المال، ما أخذ في سهمه وما أخذ أصحابه.
وإذا أخذوا المال ثم تابوا وهم عُدم، فذلك عليهم دين. وإن أخذوا قبل أن
يتوبوا فأقيم عليهم الحد، قُطعوا أو قتلوا ولهم أموال، أُخذت أموال الناس
من أموالهم، وإن لم يكن لهم يومئذ مال، لم يتبعوا بشيء مما أخذوا كالسرقة.
4050 - وإن أخذهم الإمام وقد قتلوا وجرحوا وأخذوا الأموال، فعفى عنهم
أولياء القتلى و [أهل] الجراح والأموال، لم يجز العفو ها هنا لأحد ولا
للإمام، ولا يصلح لأحد أن يشفع فيه، لأنه حد لله تعالى بلغ الإمام. (1)
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (16/301) .
(4/460)
وإن تابوا قبل أن يقدر عليهم وقد قتلوا
ذمياً، فعليهم ديته لأوليائه، إذ لا يقتل مسلم بذمي، ولو كانوا أهل ذمة
أقيد منهم به، لأن النصراني يقتل بالنصراني، وتعرف توبة المحاربين من أهل
الذمة، بترك ما كانوا فيه قبل أن يقدر عليهم.
4051 - وإن كان فيهم نساء، فلهم حكم الرجال في ذلك.
وأما الصبيان فلا يكونون محاربين حتى يحتلموا، وإن قطعوا الطريق إلى
مدينتهم التي خرجوا منها فاخذوا، فهم محاربون.
4052 - وإذا قطع الإمام يد المحارب ورجله، ثم حارب ثانية فأخذه الإمام فرأى
أن يقطعه، فليقطع يده الأخرى ورجله.
وإذا أخذ الإمام محارباً وهو أقطع اليد اليمنى، فأراد قطعه، فليقطع يده
اليسرى ورجله اليمنى.
وإذا خرج محارب بغير سلاح ففعل فعل المحارب من التلصص وأخذ المال مكابرة،
فهو محارب، ويكون الرجل الواحد محارباً. (1)
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (15/152) ، والتمهيد (14/391) .
(4/461)
4053 - وتجوز على المحاربين شهادة من
حاربوه إن كانوا عدولاً، لا سبيل إلى غير ذلك، شهدوا بقتل أو بأخذ مال أو
غيره. ولا تقبل شهادة أحد منهم في نفسه، وتقبل شهادة بعضهم لبعض.
4054 - والمحاربون إذا أُخذوا ومعهم أموال، فادعاها قوم لا بينة لهم،
فلتدفع إليهم بعد الاستناء في استبراء ذلك من غير طول، فإن لم يأت من
يدعيها، دفعت إليهم بعد أيمانهم بغير حميل، ولكن يُضَمِّنَهم الإمام إياها
إن جاء لذلك طالب ويُشهِد عليهم.
4055 - وإذا خرج تجار إلى أرض الحرب، فقطع بعضهم الطريق على بعض ببلد
الحرب، أو قطعوها على أهل الذمة، [أو] دخلوا دار الحرب بأمان، فهم محاربون.
والخناقون والذين يسقون الناس السيكران ليأخذوا أموالهم محاربون.
(4/462)
ومن قتل أحداً قَتْل غيلة، فرفع إلى قاض
يرى أن لا يقتله، وقضى بأن أسلمه إلى أولياء المقتول فعفوا عنه، فذلك حكم
قد مضى، ولا يغيره من ولي بعده لما فيه من الاختلاف.
4056 - ومن دخل عل رجل في حريمه ليأخذ ماله، فهو كالمحارب.
وإن قامت بينة على محارب، فقتله رجل قبل أن تزكى البينة، فإن زُكيت أدبه
الإمام، وإن لم تزكّ قُتل به. (1)
قال مالك: وجهاد المحاربين جهاد. والله الموفق.
* * *
_________
(1) انظر: التقييد للزرويلي (6/262) .
(4/463)
|