الذخيرة للقرافي

 (الْبَابُ السَّابِعَ عَشَرَ فِي الْقِيَاسِ وَفِيهِ سَبْعَةُ فُصُولٍ)
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي حَقِيقَتِهِ
وَهُوَ إِثْبَاتُ مِثْلِ حُكْمٍ مَعْلُومٍ لِمَعْلُومٍ آخَرَ لِأَجْلِ اشْتِرَاكِهِمَا فِي عِلَّةِ الْحُكْمِ عِنْدَ الْمُثْبِتِ فَالْإِثْبَاتُ الْمُرَادُ بِهِ الْمُشْتَرك بَين الْعلم والاعتقاد وَالظَّن وَنَعْنِي بِالْمَعْلُومِ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ الْمَظْنُونِ وَالْمَعْلُومِ وَقَوْلُنَا عِنْدَ الْمُثْبِتِ لِيَدْخُلَ فِيهِ الْقِيَاسُ الْفَاسِدُ

الْفَصْلُ الثَّانِي فِي حُكْمِهِ
وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ خِلَافًا لِأَهْلِ الظَّاهِرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} وَلِقَوْلِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَجْتَهِدُ رَأْيِي بَعْدَ ذِكْرِهِ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ عِنْدَ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّ الْخَبَرَ إِنَّمَا يَرِدُ لِتَحْصِيلِ الْحُكْمِ وَالْقِيَاسُ مُتَضَمِّنٌ لِلْحِكْمَةِ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْخَبَرِ وَهُوَ حُجَّةٌ فِي الدنيويات اتِّفَاقًا

(1/126)


وَهُوَ إِنْ كَانَ بِإِلْغَاءِ الْفَارِقِ فَهُوَ تَنْقِيحُ الْمَنَاطِ عِنْدَ الْغَزَّالِيِّ أَوْ بِاسْتِخْرَاجِ الْجَامِعِ مِنَ الْأَصْلِ ثُمَّ تَحْقِيقِهِ فِي الْفَرْعِ فَالْأَوَّلُ تَخْرِيجُ الْمَنَاطِ وَالثَّانِي تَحْقِيقُهُ

الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي الدَّالِّ على الْعلَّة
وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ النَّصُّ وَالْإِيمَاءُ وَالْمُنَاسَبَةُ وَالشَّبَهُ وَالدَّوَرَانُ والسبر والطرد وتنقيح المناط فَالْأول النَّص على الْعلَّة وَهُوَ ظَاهر وَالثَّانِي الْإِيمَاء وَهُوَ خَمْسَةٌ الْفَاءُ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ} وَتَرْتِيبُ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ نَحْوَ تَرْتِيبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى قَوْلِهِ وَاقَعْتُ أَهْلِي فِي شَهْرِ رَمَضَانَ قَالَ الإِمَام فَخر الدّين سَوَاءٌ كَانَ مُنَاسِبًا أَوْ لَمْ يَكُنْ وَسُؤَالُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ وَصْفِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ نَحْوَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا جَفَّ وَتَفْرِيقُ الشَّارِعِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فِي الْحُكْمِ نَحْوَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ أَوْ وُرُودُ النَّهْيِ عَنْ فِعْلٍ يَمْنَعُ مَا تَقَدَّمَ وُجُوبه الثَّالِث الْمُنَاسب مَا تَضَمَّنَ تَحْصِيلَ مَصْلَحَةٍ أَوْ دَرْءَ مَفْسَدَةٍ فَالْأَوَّلُ كَالْغِنَى عِلَّةً لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ وَالثَّانِي كَالْإِسْكَارِ عِلَّةً لِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَالْمُنَاسِبُ يَنْقَسِمُ إِلَى مَا هُوَ فِي مَحَلِّ الضَّرُورَاتِ وَإِلَى مَا هُوَ فِي مَحَلِّ الْحَاجَاتِ وَإِلَى مَا هُوَ فِي مَحَلِّ التَّتِمَّاتِ فَيُقَدَّمُ الْأَوَّلُ عَلَى الثَّانِي وَالثَّانِي عَلَى الثَّالِثِ عِنْدَ التَّعَارُضِ فَالْأَوَّلُ نَحْوَ الْكُلِّيَّاتِ الْخَمْسِ وَهِيَ حِفْظُ النُّفُوسِ وَالْأَدْيَانِ وَالْأَنْسَابِ وَالْعُقُولِ وَالْأَمْوَالِ وَقِيلَ وَالْأَعْرَاضِ وَالثَّانِي مِثْلَ تَزْوِيجِ الْوَلِيِّ الصَّغِيرَةَ فَإِنَّ النِّكَاحَ غَيْرُ ضَرُورِيٍّ لَكِنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَيْهِ فِي تَحْصِيلِ الْكُفْءِ لِئَلَّا يَفُوتَ وَالثَّالِثُ مَا كَانَ حَثًّا عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ كَتَحْرِيمِ تَنَاوُلِ الْقَاذُورَاتِ

(1/127)


وَسَلْبِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَاتِ عَنِ الْأَرِقَّاءِ وَنَحْوَ الْكِتَابَاتِ وَنَفَقَاتِ الْقَرَابَاتِ وَتَقَعُ أَوْصَافٌ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ هَذِهِ الْمَرَاتِبِ كَقَطْعِ الْأَيْدِي بِالْيَدِ الْوَاحِدَةِ فَإِنَّ شَرْعِيَّتَهُ ضَرُورِيَّةٌ صَوْنًا لِلْأَطْرَافِ وَلِلْأَعْضَاءِ وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ لَيْسَ مِنْهُ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ الْجَانِي فِيهِ إِلَى الِاسْتِعَانَةِ بِالْغَيْرِ وَقَدْ يَتَعَذَّرُ وَمِثَالُ اجْتِمَاعِهَا كُلِّهَا فِي وَصْفٍ وَاحِدٍ أَنَّ نَفَقَةَ النَّفْسِ ضَرُورِيَّة والزوجات حاجية وَالْأَقَارِبِ تَتِمَّةٌ وَاشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ فِي الشَّهَادَةِ ضَرُورِيٌّ صَوْنًا لِلنُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ وَفِي الْإِمَامَةِ عَلَى الْخِلَافِ حَاجَةٌ لِأَنَّهَا شَفَاعَةٌ وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ لِإِصْلَاحِ حَالِ الشَّفِيعِ وَفِي النِّكَاحِ تَتِمَّةٌ لِأَنَّ الْوَلِيَّ قَرِيبٌ يَزَعُهُ طَبْعُهُ عَنِ الْوُقُوعِ فِي الْعَارِ وَالسَّعْيِ فِي الْإِضْرَار وَقيل حاجية عَلَى الْخِلَافِ وَلَا تُشْتَرَطُ فِي الْإِقْرَارِ لِقُوَّةِ الْوَازِعِ الطَّبْعِيِّ وَدَفْعُ الْمَشَقَّةِ عَنِ النُّفُوسِ مَصْلَحَةٌ وَلَوْ أَفْضَتْ إِلَى مُخَالَفَةِ الْقَوَاعِدِ وَهِيَ ضَرُورِيَّةٌ مُؤَثِّرَةٌ فِي التَّرْخِيصِ كَالْبَلَدِ الَّذِي يَتَعَذَّرُ فِيهِ الْعُدُولُ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَمْثَلِهِمْ حَالًا لِأَنَّهُ ضَرُورَةٌ وَكَذَلِكَ يَلْزَمُ فِي الْقُضَاةِ وَوُلَاةِ الْأُمُور وحاجية فِي الْأَوْصِيَاءِ عَلَى الْخِلَافِ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ وَتَمَامِيَّةٌ فِي السِّلْمِ وَالْمُسَاقَاةِ وَبَيْعِ الْغَائِبِ فَإِنَّ فِي مَنْعِهَا مَشَقَّةً عَلَى النَّاسِ وَهِيَ مِنْ تتمات معاشهم عَلَى النَّاسِ وَهِيَ مِنْ تَتِمَّاتِ مَعَاشِهِمْ وَهُوَ أَيْضًا يَنْقَسِمُ إِلَى مَا اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ وَإِلَى مَا أَلْغَاهُ وَإِلَى مَا جُهِلَ حَالُهُ وَالْأَوَّلُ يَنْقَسِمُ إِلَى مَا اعْتُبِرَ نَوْعُهُ فِي نَوْعٍ لِحُكْمٍ كَاعْتِبَارِ نَوْعِ الْإِسْكَارِ فِي نَوْعِ التَّحْرِيمِ وَإِلَى مَا اعْتُبِرَ جِنْسُهُ فِي جِنْسِهِ كَالتَّعْلِيلِ بِمُطْلَقِ الْمَصْلَحَةِ كَإِقَامَةِ الشُّرْبِ مَقَامَ الْقَذْفِ لِأَنَّهُ مَظِنَّتُهُ وَإِلَى مَا اعْتُبِرَ نَوْعُهُ فِي جِنْسِهِ كَاعْتِبَارِ الْأُخُوَّةِ فِي التَّقْدِيمِ فِي الْمِيرَاثِ فَتَقَدَّمَ فِي النِّكَاحِ وَإِلَى مَا اعْتُبِرَ جِنْسُهُ فِي نوع الحكم

(1/128)


كَإِسْقَاطِ الصَّلَاةِ عَنِ الْحَائِضِ بِالْمَشَقَّةِ فَإِنَّ الْمَشَقَّةَ جِنْسٌ وَهُوَ أَيِ الْإِسْقَاطُ نَوْعٌ مِنَ الرُّخَصِ فتأثير النَّوْع فِي مُقَدَّمٌ عَلَى تَأْثِيرِ النَّوْعِ فِي الْجِنْسِ وَتَأْثِيرُ النَّوْعِ فِي الْجِنْسِ مُقَدَّمٌ عَلَى تَأْثِيرِ الْجِنْسِ فِي النَّوْعِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى تَأْثِيرِ الْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ وَالْمُلْغَى نَحْوَ الْمَنْعِ مِنْ زِرَاعَةِ الْعِنَبِ خَشْيَةَ الْخَمْرِ وَالَّذِي جُهِلَ أَمْرُهُ هُوَ الْمَصْلَحَةُ الْمُرْسَلَةُ الَّتِي نَحْنُ نَقُولُ بِهَا وَعِنْدَ التَّحْقِيقِ هِيَ عَامَّةٌ فِي الْمَذَاهِبِ الرَّابِعُ الشَّبَهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ هُوَ الْوَصْفُ الَّذِي لَا يُنَاسِبُ بِذَاتِهِ وَيَسْتَلْزِمُ الْمُنَاسِبَ لِذَاتِهِ وَقَدْ شَهِدَ الشَّرْعُ لِتَأْثِيرِ جِنْسِهِ الْقَرِيبِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ الْقَرِيبِ وَالشَّبَهُ يَقَعُ فِي الْحُكْمِ كَشَبَهِ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ بِالْحُرِّ وَشَبَهِهِ بِسَائِرِ الْمَمْلُوكَاتِ وَعِنْدَ ابْنِ عُلَيَّةَ يَقَعُ الشَّبَهُ فِي الصُّورَةِ كَرَدِّ الْجِلْسَةِ الثَّانِيَةِ إِلَى الْجِلْسَةِ الْأُولَى فِي الْحُكْمِ وَعِنْدَ الْإِمَامِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ إِذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِلْحُكْمِ أَوْ لِمَا هُوَ عِلَّةٌ لِلْحُكْمِ صَحَّ الْقِيَاسُ وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَ الْقَاضِي مِنَّا الْخَامِسُ الدَّوَرَانُ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنِ اقْتِرَانِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ مَعَ ثُبُوتِ الْوَصْفِ وَعَدَمِهِ مَعَ عَدَمِهِ وَفِيهِ خِلَافٌ وَالْأَكْثَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ يَقُولُونَ بِكَوْنِهِ حُجَّةً السَّادِسُ الْبر وَالتَّقْسِيمُ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مُعَلَّلًا بِكَذَا أَوْ بِكَذَا أَوْ بِكَذَا وَالْكُلُّ بَاطِلٌ إِلَّا كَذَا فَيَتَعَيَّنُ السَّابِعُ الطَّرْدُ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنِ اقْتِرَانِ الْحُكْمِ بِسَائِرِ صُوَرِ الْوَصْفِ وَلَيْسَ مُنَاسِبًا وَلَا مُسْتَلْزِمًا لِلْمُنَاسِبِ وَفِيهِ خِلَافٌ الثَّامِنُ تَنْقِيحُ الْمَنَاطِ وَهُوَ إِلْغَاءُ الْفَارِقِ فَيَشْتَرِكَانِ فِي الْحُكْمِ

(1/129)


الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي الدَّالِّ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الْعلَّة وَهُوَ خَمْسَةٌ
الْأَوَّلُ النَّقْضُ وَهُوَ وُجُودُ الْوَصْفِ بِدُونِ الْحُكْمِ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ ثَالِثُهَا إِنْ وُجِدَ الْمَانِعُ فِي صُورَةِ النَّقْضِ فَلَا يَقْدَحُ وَإِلَّا قَدَحَ وَرَابِعُهَا إِنْ نُصَّ عَلَيْهَا لَمْ يَقْدَحْ وَإِلَّا قَدَحَ وَجَوَابُ النَّقْضِ إِمَّا بِمَنْعِ وُجُودِ الْوَصْفِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ أَوْ بِالْتِزَامِ الْحُكْمِ فِيهَا الثَّانِي عَدَمُ التَّأْثِيرِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مَوْجُودًا مَعَ وَصْفٍ ثُمَّ يُعْدَمُ ذَلِكَ الْوَصْفُ وَيَبْقَى الْحُكْمُ فَيَقْدَحُ ذَلِكَ فِي غَلَبَتِهِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَهُوَ وُجُودُ الْحُكْمِ بِدُونِ الْوَصْفِ فِي صُورَةٍ أُخْرَى فَلَا يَقْدَحُ لِأَنَّ الْعِلَلَ الشَّرْعِيَّةَ يَخْلُفُ بَعْضُهَا بَعْضًا الثَّالِثُ الْقَلْبُ وَهُوَ إِثْبَاتُ نَقِيضِ الْحُكْمِ بِعَيْنِ الْعِلَّةِ كَقَوْلِنَا فِي الِاعْتِكَافِ لُبْثٌ فِي مَكَانٍ مَخْصُوصٍ فَلَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ قِيَاسًا عَلَى الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَيَكُونُ الصَّوْمُ شَرْطًا فِيهِ فَيَقُولُ السَّائِلُ لُبْثٌ فِي مَكَانٍ مَخْصُوصٍ فَلَا يَكُونُ الصَّوْمُ شَرْطًا فِيهِ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَهُوَ إِمَّا أَنْ يَقْصِدَ بِهِ إِثْبَاتَ مَذْهَبِ السَّائِلِ أَوْ إِبْطَالَ مَذْهَبِ الْمُسْتَدِلِّ فَالْأَوَّلُ كَمَا سَبَقَ وَالثَّانِي كَمَا يَقُولُ الْحَنَفِيُّ الْمَسْحُ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْوُضُوءِ فَلَا يَكْفِي فِيهِ أَقَلُّ مَا يُمْكِنُ أَصْلُهُ الْوَجْهُ فَيَقُولُ الشَّافِعِيُّ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْوُضُوءِ فَلَا يُقَدَّرُ بِالرُّبُعِ أَصْلُهُ الْوَجْهُ الرَّابِعُ الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ وَهُوَ تَسْلِيمُ مَا ادَّعَاهُ الْمُسْتَدِلُّ مُوجَبَ عِلَّتِهِ مَعَ بَقَاءِ الْخِلَافِ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ

(1/130)


الْخَامِسُ الْفَرْقُ وَهُوَ إِبْدَاءُ مَعْنًى مُنَاسِبٍ لِلْحُكْمِ فِي إِحْدَى الصُّورَتَيْنِ مَفْقُودٍ فِي الْأُخْرَى وَقَدْحُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ لَا يُعَلَّلُ بِعِلَّتَيْنِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْفَارِقُ إِحْدَاهُمَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدِمِهِ عَدَمُ الْحُكْمِ لِاسْتِقْلَالِ الْحُكْمِ بِإِحْدَى العلنين

الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي تَعَدُّدِ الْعِلَلِ
يَجُوزُ تَعْلِيلُ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ بِعِلَّتَيْنِ مَنْصُوصَتَيْنِ خِلَافًا لبعضِهِمْ كَوُجُوبِ الْوُضُوءِ عَلَى مَنْ بَالَ وَلَامَسَ وَلَا يَجُوزُ بمستنطتين لِأَن الأَصْل عدم الِاسْتِقْلَال فيجعلان عِلّة وَاحِدَة

الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي أَنْوَاعِهَا وَهِيَ أَحَدَ عَشَرَ نوعا
الأول التَّعْلِيل بِالْمحل فِيهِ خِلَافٌ قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ إِنْ جَوَّزْنَا أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ قَاصِرَةً جَوَّزْنَاهُ كَتَعْلِيلِ الْخَمْرِ بِكَوْنِهِ خَمْرًا وَالْبُرُّ يُحَرَّمُ الرِّبَا فِيهِ لِكَوْنِهِ بُرًّا الثَّانِي الْوَصْفُ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُنْضَبِطًا جَازَ التَّعْلِيلُ بِالْحِكْمَةِ وَفِيهِ خِلَافٌ وَالْحِكْمَةُ هِيَ الَّتِي لِأَجْلِهَا صَارَ الْوَصْفُ عِلَّةً كَذَهَابِ الْعَقْلِ الْمُوجِبِ لِجَعْلِ الْإِسْكَارِ عِلَّةً الثَّالِثُ يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِالْعَدَمِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْفُقَهَاءِ فَإِنَّ عَدَمَ الْعِلَّةِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْمَعْلُولِ الرَّابِعُ الْمَانِعُونَ مِنَ التَّعْلِيلِ بِالْعَدَمِ امْتَنَعُوا مِنَ التَّعْلِيلِ بِالْإِضَافَاتِ لِأَنَّهَا عَدَمٌ الْخَامِسُ يَجُوزُ تَعْلِيلُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ خِلَافًا لِقَوْمٍ كَقَوْلِنَا نَجِسٌ فَيُحَرَّمُ

(1/131)


السَّادِسُ يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِالْأَوْصَافِ الْعُرْفِيَّةِ كَالشَّرَفِ وَالْخِسَّةِ بِشَرْطِ اطِّرَادِهَا وَتَمْيِيزِهَا عَنْ غَيْرِهَا السَّابِعُ يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِالْعِلَّةِ الْمُرَكَّبَةِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ كَالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ الثَّامِنُ يَجُوزُ التَّعْلِيلُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا بِالْعِلَّةِ القاصرة وَعند الشَّافِعِي وَأكْثر الْمُتَكَلِّمين خلافًا لأبي حنيفَة وَأَصْحَابِهِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ مَنْصُوصَةً لِأَنَّ فَائِدَةَ التَّعْلِيلِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ التَّعْدِيَةُ لِلْفَرْعِ وَقَدِ انْتَفَتْ وَجَوَابُهُمْ نَفْيُ سُكُونِ النَّفْسِ لِلْحُكْمِ وَالِاطِّلَاعُ عَلَى مَقْصُودِ الشَّرْعِ فِيهِ التَّاسِعُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِالِاسْمِ الْعَاشِرُ اخْتَارَ الْإِمَامُ أَنه لايجوز التَّعْلِيلُ بِالْأَوْصَافِ الْمُقَدَّرَةِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْفُقَهَاءِ كَتَعْلِيلِ الْعِتْقِ عَنِ الْغَيْرِ بِتَقْدِيرِ الْمِلْكِ الْحَادِيَ عَشَرَ يَجُوزُ تَعْلِيلُ الْحُكْمِ الْعَدَمِيِّ بِالْوَصْفِ الْوُجُودِيِّ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ الْمُقْتَضَى عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لِلْأَكْثَرِينَ فِي التَّوَقُّفِ وَهَذَا هُوَ تَعْلِيلُ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ بِالْمَانِعِ فَهُوَ يَقُولُ الْمَانِعُ هُوَ ضِدُّ عِلَّةِ الثُّبُوتِ وَالشَّيْءُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ضِدِّهِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَا يَحْسُنُ فِي الْعَادَةِ أَنْ يُقَالَ لِلْأَعْمَى إِنَّهُ لَا يُبْصِرُ زَيْدًا لِلْجِدَارِ الَّذِي بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا يَحْسُنُ ذَلِكَ فِي الْبَصِيرِ

الْفَصْلُ السَّابِعُ فِيمَا يَدْخُلُهُ الْقِيَاسُ وَهُوَ ثَمَانِيَةُ أَنْوَاع

(1/132)


الْأَوَّلُ اتَّفَقَ أَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى جَوَازِهِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ وَيُسَمُّونَهُ إِلْحَاقَ الْغَائِبِ بِالشَّاهِدِ الثَّانِي أَجَازَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ وَجَمَاعَةٌ الْقِيَاسَ فِي اللُّغَاتِ وَقَالَ ابْنُ جِنِّي هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْأُدَبَاءِ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ الثَّالِثُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِجْرَاءُ الْقِيَاسِ فِي الْأَسْبَابِ كَقِيَاسِ اللُّوَاطِ عَلَى الزِّنَا فِي وُجُوبِ الْحَدِّ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ فِي طُلُوعِ الشَّمْسِ إِنَّهُ مُوجِبٌ لِلْعِبَادَةِ كَغُرُوبِهَا الرَّابِعُ اخْتَلَفُوا فِي دُخُولِ الْقِيَاسِ فِي الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ قَالَ الْإِمَامُ وَالْحَقُّ أَنَّهُ يَدْخُلُهُ قِيَاسُ الِاسْتِدْلَالِ بِعَدَمِ خَوَاصِّ الشَّيْءِ عَلَى عَدَمِهِ دُونَ قِيَاسِ الْعِلَّةِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِعْدَامِ فَإِنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ الْخَامِسُ قَالَ الْجُبَّائِيُّ والْكَرْخِيُّ لَا يَجُوزُ إِثْبَاتُ أُصُولِ الْعِبَادَاتِ بِالْقِيَاسِ السَّادِسُ يَجُوزُ عِنْدَ ابْنِ الْقصار والباجي وَالشَّافِعِيّ جَرَيَانُ الْقِيَاسِ فِي الْمُقَدَّرَاتِ وَالْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ خِلَافًا لأبي حنيفَة وَأَصْحَابِهِ لِأَنَّهَا أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ السَّابِعُ يَجُوزُ الْقِيَاسُ عِنْد الشَّافِعِي على الرُّخص خلافًا لأبي حنيفَة وَأَصْحَابِهِ الثَّامِنُ لَا يَدْخُلُ الْقِيَاسُ فِيمَا طَرِيقُهُ الْخِلْقَةُ وَالْعَادَةُ كَالْحَيْضِ وَلَا فِيمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ عَمَلٌ كَفَتْحِ مَكَّةَ عَنْوَةً وَنَحْوِهِ

(1/133)


(الْبَابُ الثَّامِنَ عَشَرَ فِي التَّعَارُضِ وَالتَّرْجِيحِ وَفِيهِ خَمْسَةُ فُصُولٍ)
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ اخْتَلَفُوا هَلْ يَجُوزُ تَسَاوِي الْأَمَارَتَيْنِ
فَمَنَعَهُ الْكَرْخِيُّ وَجَوَّزَهُ الْبَاقُونَ وَالْمُجَوِّزُونَ اخْتَلَفُوا فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مِنَّا وَأَبُو عَلِيٍّ وَأَبُو هَاشِمٍ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ يَتَخَيَّرُ وَيَتَسَاقَطَانِ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ قَالَ الْإِمَامُ فَخر الدّين رَحِمَهُ اللَّهُ إِنْ وَقَعَ التَّعَارُضُ فِي فِعْلٍ وَاحِدٍ بِاعْتِبَارِ حُكْمَيْنِ فَهَذَا مُتَعَذِّرٌ وَإِنْ وَقَعَ فِي فِعْلَيْنِ وَالْحُكْمُ وَاحِدٌ كَالتَّوَجُّهِ إِلَى جِهَتَيْنِ لِلْكَعْبَةِ فَيَتَخَيَّرُ وَقَالَ الْبَاجِيُّ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ إِذَا تَعَارَضَا فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ تَخَيَّرَ وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ يَتَعَيَّنُ الْحَظْرُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْأَشْيَاءَ عَلَى الْحَظْرِ وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ يَتَعَيَّنُ الْإِبَاحَةُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْأَشْيَاءَ عَلَى الْإِبَاحَةِ فَالثَّلَاثَةُ رَجَعُوا إِلَى حُكْمِ الْعَقْلِ عَلَى أُصُولِهِمْ وَإِذَا نُقِلَ عَنْ مُجْتَهِدٍ قَوْلَانِ فَإِنْ كَانَا مَوْضِعَيْنِ وَعُلِمَ التَّارِيخُ عُدَّ الثَّانِي رُجُوعًا عَنِ الْأَوَّلِ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ حُكِيَ عَنْهُ الْقَوْلَانِ وَلَا يحكم عَلَيْهِ بِرُجُوع وَإِن كَانَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ بِأَنْ يَقُولَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ فَإِنْ أَشَارَ إِلَى تَقْوِيَةِ أَحَدِهِمَا فَهُوَ قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ فَقِيلَ يَتَخَيَّرُ السَّامِعُ بَينهمَا

الْفَصْل الثَّانِي فِي التَّرْجِيح
وَالْأَكْثَرُونَ اتَّفَقُوا عَلَى التَّمَسُّكِ بِهِ وَأَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَقَالَ يَلْزَمُ التَّخْيِيرُ أَوِ التَّوَقُّفُ

(1/134)


وَيُمْتَنَعُ التَّرْجِيحُ فِي الْعَقْلِيَّاتِ لِتَعَذُّرِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ القطعتين ومذهبنا وَمذهب الشَّافِعِي التَّرْجِيحُ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ خِلَافًا لِقَوْمٍ وَإِذَا تَعَارَضَ دَلِيلَانِ فَالْعَمَلُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ وَجْهٍ أَوْلَى مِنَ الْعَمَلِ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَهُمَا إِنْ كَانَا عَامَّيْنِ مَعْلُومَيْنِ وَالتَّارِيخُ مَعْلُومٌ نَسَخَ الْمُتَأَخِّرُ الْمُتَقَدِّمَ وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا سَقَطَا وَإِنْ عُلِمَتِ الْمُقَارَنَةُ خُيِّرَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَا مَظْنُونَيْنِ فَإِنْ عُلِمَ الْمُتَأَخِّرُ نُسِخَ الْمُتَقَدِّمُ وَإِلَّا رُجِعَ إِلَى التَّرْجِيحِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَعْلُومًا وَالْآخَرُ مظنونا والمتأخر الْمَعْلُومُ نَسَخَ أَوِ الْمَظْنُونُ لَمْ يَنْسَخْ وَإِنْ جُهِلَ الْحَالُ تَعَيَّنَ الْمَعْلُومُ وَإِنْ كَانَا خَاصَّيْنِ فَحُكْمُهُمَا حُكْمُ الْعَامَّيْنِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَامًّا وَالْآخَرُ خَاصًّا قُدِّمَ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ لِأَنَّه لَا يَقْتَضِي عَدَمَ إِلْغَاءِ أَحَدِهِمَا بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَامًّا مِنْ وَجْهٍ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} مَعَ قَوْله تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} وَجَبَ التَّرْجِيحُ إِنْ كَانَا مَظْنُونَيْنِ

(1/135)


الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي تَرْجِيحَاتِ الْأَخْبَارِ
وَهِيَ إِمَّا فِي الْإِسْنَاد أَو فِي الْمَتْن فَالْأَوَّلُ قَالَ الْبَاجِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَتَرَجَّحُ بِأَنَّهُ فِي قَضِيَّةٍ مَشْهُورَةٍ وَالْآخَرُ لَيْسَ كَذَلِكَ أَوْ رُوَاتُهُ أَحْفَظُ أَوْ أَكْثَرُ أَوْ مَسْمُوعٌ مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالْآخَرُ مَكْتُوبٌ بِهِ أَوْ مُتَّفَقٌ عَلَى رَفْعِهِ إِلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوِ اتَّفَقَ رُوَاتُهُ عِنْدَ إِثْبَاتِ الْحُكْمِ بِهِ أَوْ رِوَايَةُ صَاحِبِ الْقَضِيَّةِ أَوْ إِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ أَوْ رِوَايَتُهُ أَحْسَنُ نَسَقًا أَوْ سَالِمٌ مِنَ الِاضْطِرَابَاتِ أَوْ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ الْكِتَابِ وَالْآخَرُ لَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ رَحمَه الله أَو يكون روايه فَقِيهًا أَوْ عَالِمًا بِالْعَرَبِيَّةِ أَوْ عُرِفَتْ عَدَالَتُهُ بِالِاخْتِبَارِ أَوْ عُلِمَتْ بِالْعَدَدِ الْكَثِيرِ أَوْ ذُكِرَ سَبَبُ عَدَالَتِهِ أَوْ لَمْ يَخْتَلِطْ عَقْلُهُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ أَوْ كَوْنُهُ مَنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ أَوْ لَهُ اسْمٌ وَاحِدٌ أَوْ لَمْ تُعْرَفْ لَهُ رِوَايَةٌ فِي زَمَنِ الصِّبَا وَالْآخَرُ لَيْسَ كَذَلِكَ أَوْ يَكُونُ مَدَنِيًّا وَالْآخَرُ مَكِّيًّا أَوْ رِوَايَة مُتَأَخّر الْإِسْلَام وَأما تَرْجِيح الْمَتْن قَالَ الْبَاجِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَتَرَجَّحُ السَّالِمُ مِنَ الاضطرابات وَالنَّصُّ فِي الْمُرَادِ أَوْ غَيْرُ مُتَّفَقٍ عَلَى تَخْصِيصِهِ أَوْ وَرَدَ عَلَى غَيْرِ سَبَبٍ أَوْ قَضَى بِهِ عَلَى الْآخَرِ فِي مَوْضِعٍ أَوْ وَرَدَ بِعِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ أَوْ يَتَضَمَّنُ نَفْيَ النَّقْصِ عَنِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَالْآخَرُ لَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَوْ يَكُونُ فَصِيحَ اللَّفْظِ أَوْ لَفْظُهُ حَقِيقَةً أَوْ يَدُلُّ عَلَى الْمُرَادِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَوْ يُؤَكَّدُ لَفْظُهُ بِالتَّكْرَارِ أَوْ يَكُونُ نَاقِلًا عَنْ حُكْمِ الْعَقْلِ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَوِ السَّلَفِ عَلَى خِلَافِهِ مَعَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ أَوْ كَانَ فِيمَا لَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَالْآخَرُ لَيْسَ كَذَلِكَ

الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي تَرْجِيحِ الأقيسة
قَالَ الْبَاجِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَتَرَجَّحُ أَحَدُ الْقِيَاسَيْنِ على الآخر بِالنَّصِّ على علته أَو لِأَنَّهُ يَعُودُ عَلَى أَصْلِهِ بِالتَّخْصِيصِ أَوْ عِلَّتُهُ مُطَّرِدَةٌ مُنْعَكِسَةٌ أَوْ تَشْهَدُ لَهَا أُصُولٌ

(1/136)


كَثِيرَةٌ وَالْآخَرُ عَلَى خِلَافِهَا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ أَوْ يَكُونُ أَحَدُ الْقِيَاسَيْنِ فَرْعُهُ مِنْ جِنْسِ أَصْلِهِ أَوْ عِلَّتُهُ مُتَعَدِّيَةٌ أَوْ تَعُمُّ فُرُوعُهُا أَوْ هِيَ أَعَمُّ أَوْ هِيَ مُنْتَزَعَةٌ مِنْ أَصْلٍ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ أَوْ أَقَلُّ أَوْصَافًا وَالْقِيَاسُ الْآخَرُ لَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَوْ يَكُونُ أَحَدُ الْقِيَاسَيْنِ مُتَّفَقًا عَلَى عِلَّتِهِ أَوْ أَقَلُّ خِلَافًا أَوْ بَعْضُ مقدماته بقينية أَوْ عِلَّتُهُ وَصْفٌ حَقِيقِيٌّ وَيَتَرَجَّحُ التَّعْلِيلُ بِالْحِكْمَةِ عَلَى الْعَدَمِ وَالْإِضَافِيِّ وَالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَالتَّقْدِيرِيِّ وَالتَّعْلِيلُ بِالْعَدَمِ أَوْلَى مِنَ التَّقْدِيرِيِّ وَتَعْلِيلُ الْحُكْمِ الْوُجُودِيِّ بِالْوَصْفِ الْوُجُودِيِّ أَوْلَى مِنَ الْعَدَمِيِّ بِالْعَدَمِيِّ وَمِنَ الْعَدَمِيِّ بِالْوُجُودِيِّ وَالْوُجُودِيِّ بِالْعَدَمِيِّ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْعَدَمِ يَسْتَدْعِي تَقْدِيرَ الْوُجُودِ وَبِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ أَوْلَى مِنَ التَّقْدِيرِيِّ لِكَوْنِ التَّقْدِيرِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَالْقِيَاسُ الَّذِي يَكُونُ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي أَصْلِهِ أَقْوَى أَوْ بِالْإِجْمَاعِ أَوْ بِالتَّوَاتُرِ أَقْوَى مِمَّا لَيْسَ كَذَلِكَ

الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي تَرْجِيحِ طُرُقِ الْعِلَّةِ
قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ الْمُنَاسَبَةُ أَقْوَى مِنَ الدَّوَرَانِ خِلَافًا لِقَوْمٍ وَمِنَ التَّأْثِيرِ وَالسَّبْرِ الْمَظْنُونِ وَالشَّبَهِ وَالطَّرْدِ وَيَتَرَجَّحُ الْمُنَاسِبُ الَّذِي اعْتُبِرَ نَوْعُهُ فِي نَوْعِ الْحُكْمِ عَلَى مَا اعْتبر جنسه

(1/137)


فِي نَوعه أَو نوع الحكم فِي جِنْسِهِ أَوْ جِنْسِهِ فِي جِنْسِهِ لِأَنَّ الْأَخَصَّ بِالشَّيْءِ أَرْجَحُ وَأَوْلَى بِهِ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ مُتَعَارِضَانِ وَالثَّلَاثَةُ رَاجِحَةٌ عَلَى الرَّابِعِ ثُمَّ الْأَجْنَاسُ عَالِيَةٌ وَسَافِلَةٌ وَمُتَوَسِّطَةٌ وَكُلَّمَا قَرُبَ كَانَ أَرْجَحَ وَالدَّوَرَانُ فِي صُورَةٍ أَرْجَحُ مِنْهُ فِي صُورَتَيْنِ وَالشَّبَهُ فِي الصِّفَةِ أَقْوَى مِنْهُ فِي الْحُكْمِ وَفِيه خلاف

(1/138)