الذخيرة
للقرافي (الْبَابُ الْخَامِسُ فِي سُنَنِ
الصَّلَاةِ)
وَالسُّنَّةُ فِي اللُّغَةِ لَهَا ثَلَاثَةُ مَعَانٍ السِّيرَةُ وَصُورَةُ
الْوَجْهِ وتمر بِالْمَدِينَةِ وَالسّنَن الطَّرِيقَة وَيُقَالُ
بِالْفَتْحِ فِي السِّينِ وَالنُّونِ وَضَمِّهِمَا وَضَمِّ السِّينِ فَقَطْ
وَالسُّنَّةُ فِي الشَّرْعِ لَهَا خَمْسَةُ معَان مَا يلفى شَرعه من
النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام مِنْ غَيْرِ الْقُرْآنِ فَيُقَالُ هَذَا
ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسّنة قولا كَانَت السّنة أَو فِعْلًا وَعَلَى
فِعْلِهِ دُونَ قَوْلِهِ وَعَلَى فِعْلِهِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ
نَحْوَ الْوِتْرِ وَقِيَامِ اللَّيْلِ وَعَلَى مَا تَأَكَّدَ مِنَ
الْمَنْدُوبَاتِ مُطْلَقًا وَعَلَى مَا يَقْتَضِي تَرْكُهُ سُجُودَ
السَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ نَحْوَ صَاحِبِ
الْجُلَّابِ وَجَمَاعَة مَعَه وَالْكَلَام هَهُنَا عَلَى الْقِسْمَيْنِ
الْأَخِيرَيْنِ فِي الصَّلَاةِ مُجْمَلًا وَمُفَصَّلًا فَنَقُولُ سُنَنُ
الصَّلَاةِ اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ سُنَّةً السُّنَّةُ الْأُولَى
وَالثَّانِيَةُ الْجَهْرُ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ وَهُوَ الْأُولَيَانِ مِنَ
الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَجُمْلَةُ الصُّبْحِ وَالْوِتْرُ وَالْجُمُعَةُ
وَالْعِيدَانِ وَالِاسْتِسْقَاءُ وَالسِّرُّ فِيمَا يُسَرُّ فِيهِ وَهُوَ
مَا عَدَا ذَلِكَ قَالَ فِي الْكِتَابِ وَالْجَهْرُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ
وَفَوْقَ
(2/207)
ذَلِكَ قَلِيلًا وَالْمَرْأَةُ دُونَ
الرَّجُلِ فِي ذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ السِّرُّ مَا لَا يُسْمَعُ
بِأُذُنٍ أَصْلًا وَالْجَهْرُ ضِدُّهُ وَأَقَلُّهُ إِسْمَاعُ مَنْ يَلِي
الْمُصَلِّيَ إِذَا أَنْصَتَ إِلَيْهِ وَالْإِمَامُ يَرْفَعُ صَوْتَهُ مَا
أَمْكَنَهُ لِيُسْمِعَ الْجَمَاعَةَ وَالْمُنْفَرِدُ بَيْنَ ذَلِكَ لِمَا
فِي الْمُوَطَّأِ
خَرَجَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى النَّاسِ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَقَدْ
عَلَتْ أَصْوَاتُهُمْ بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ إِنَّ الْمُصَلِّيَ يُنَاجِي
رَبَّهُ فَلْيَنْظُرْ مَا يُنَاجِيهِ بِهِ وَلَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى
بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ وَفِي الْبَيَانِ لَا يَجُوزُ أَن يفرط
الْمَسْبُوق فِي الْجُمُعَة إِذَا كَانَ بِجَنْبِهِ مِثْلُهُ لِئَلَّا
يَخْلِطَ عَلَيْهِ وَلَا ان يرفع صَوته فِي النَّافِلَة إِذَا كَانَ
بِجَنْبِهِ مَنْ يُصَلِّي وَالْمَرْأَةُ تَأْتِي بِأَقَلِّ مَرَاتِبِ
الْجَهْرِ لِأَنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ
فَائِدَةٌ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَجْهَرُ
فِي صَلَاتِهِ بِالنَّهَارِ فَكَانَ الْمُنَافِقُونَ يَجِدُونَ بِذَلِكَ
وَسِيلَةً فَيُصَفِّرُونَ وَيُكْثِرُونَ اللَّغَطَ فَشُرِعَ الْإِسْرَارُ
حَسْمًا لِمَادَّتِهِمْ السُّنَّةُ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ سُورَةٌ
مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ وَالْقِيَامُ لَهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ
الْأُولَيَيْنِ وَالْمُنْفَرِدَتَيْنِ قَالَ فِي الْكِتَابِ إِنْ تَرْكَهَا
صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ
السَّلَامُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ قَالَ
الْمَازِرِيُّ وَأَوْجَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ زِيَادَةً عَلَى
الْفَاتِحَةِ وَحَدَّهُ غَيْرُهُ بِثَلَاثِ آيَاتٍ وَقِيلَ مَا تَيَسَّرَ
وَخَرَّجَ اللَّخْمِيُّ قَوْلًا بِالْوُجُوبِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَرُوِيَ عَنْ
مَالِكٍ أَنَّهَا فَضِيلَةٌ لَا توجب سجودا وَالْأَفْضَل الِاقْتِصَار على
صُورَة الْعَمَل وَيجوز
(2/208)
الْجَمْعُ بَيْنَ سُوَرٍ لِقَوْلِ ابْنِ
مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَقَدْ عَرَفْتُ النَّظَائِرَ الَّتِي
كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقْرِنُ بَيْنَهَا وَذَكَرَ عِشْرِينَ سُورَةً
وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى النَّوَافِلِ وَإِذَا قَرَأَ سُورَةً قَرَأَ مَا
بعْدهَا اتبَاعا لترتيب الْمُصحف فَلَو قَرَأَ مَا قَبْلَهَا جَازَ وَلَوِ
اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِ سُورَةٍ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ قَالَ مَالِكٌ
لَا يَفْعَلُ فَإِنْ فَعَلَ أَجْزَأَهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَرَوَى
الْوَاقِدِيُّ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ حُجَّةُ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ
الْغَالِبُ مِنْ فِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَفِعْلِ الصَّحَابَةِ
رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بَعْدَهُ وَفِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ
عَلَيْهِ السَّلَامُ صَلَّى الصُّبْحَ بِمَكَّةَ فَاسْتَفْتَحَ سُورَةَ
الْمُؤْمِنُونَ حَتَّى جَاءَ ذِكْرُ مُوسَى وَهَارُونَ وَعِيسَى عَلَيْهِمْ
السَّلَامُ أَخَذَتْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَعْلَةٌ فَرَكَعَ وَفِي
الْمُوَطَّأِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَرَأَ
فِي رَكْعَتَيِ الصُّبْحِ بِالْبَقَرَةِ قَالَ فِي الْكِتَابِ وَلَا
يَقْضِي مَا نسبه مِنْ رَكْعَةٍ فِي رَكْعَةٍ أُخْرَى وَقَالَ ح يَقْرَأُ
فِي الْأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ فَإِذَا نَسِيَ قَرَأَ فِي
الْأُخْرَيَيْنِ لَنَا أَنَّهَا لَوْ قُضِيَتْ لَقُضِيَتِ الْأَرْكَانُ
بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَلَيْسَ يُبَايِنُ حُجَّتُنَا عَلَى عَدَمِ
قِرَاءَتِهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ خلافًا ش مَا فِي
الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَقْرَأُ فِي
الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ
وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَة
الأولى من الظّهْر ويقصرالثانية وَكَذَلِكَ فِي الصُّبْحِ وَيَقْرَأُ فِي
الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ احْتَجَّ ش بِمَا
فِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ كُنَّا نَحْزِرُ
قِيَامه الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ قَدْرَ ألَم
تَنْزِيلُ
(2/209)
السَّجْدَةِ وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي
الْأَخِيرَتَيْنِ قَدْرَ النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي
الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الْعَصْرِ عَلَى قَدْرِ قِيَامِهِ فِي
الْأَخِيرَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَفِي الْأَخِيرَتَيْنِ مِنَ الْعَصْرِ
عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ وَفِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ عَبْدَ الله ابْن
عمر كَانَ إِذَا صَلَّى وَحْدَهُ يَقْرَأُ فِي الْأَرْبَعِ فِي كُلِّ
رَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ وَكَانَ يَقْرَأُ أَحْيَانًا
بِالسُّورَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ مِنَ
الْفَرِيضَةِ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ أَرْجَحُ
لِأَنَّهُ مُبَيَّنٌ وَمَا ذَكَرْتُمُوهُ حَزْرٌ وَعَن الثَّانِي أَنه
مَحْمُول على النافذة بِدَلِيل ذكر الْفَرِيضَة بعده وَلِأَنَّهُ يُعَارض
بِعَمَلِ الْمَدِينَةِ السُّنَّةُ الْخَامِسَةُ التَّكْبِيرُ مَا عَدَا
تَكْبِيرَة الْإِحْرَام قَالَ اللَّخْمِيّ وَقيل هُوَ فَضِيلَةٌ وَقَالَ
صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ وَقِيلَ التَّكْبِيرَةُ الْوَاحِدَةُ سُنَّةً
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي مَعْنَاهُ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ
فِي الْأَرْكَانِ وَهُوَ عِنْدَنَا مَشْرُوعٌ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ
خِلَافًا لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَجَمَاعَتِهِ لِمَا أَطْبَقَ
عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فِي سَائِرِ الْأَمْصَارِ وَلِأَنَّ أَبَا
هُرَيْرَةَ صَلَّى وَكَبَّرَ لِلرَّفْعِ وَالْخَفْضِ وَقَالَ إِنِّي
لَأَشْبَهُكُمْ بِصَلَاة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
قَالَ الْمَازِرِيُّ وَقَدْ رَأَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ
مُقْتَضَى الرِّوَايَاتِ وُجُوبُهُ لِقَوْلِهِ فِي تَارِكِهِ إِنْ لَمْ
يَسْجُدْ وَطَالَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَقَالَ بِوُجُوبِهِ ابْنُ حَنْبَلٍ
لَنَا حَدِيثُ الْأَعْرَابِيِّ الْمُسِيءِ لِصَلَاتِهِ قَالَ فِي
الْكِتَابِ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إِذَا شَرَعَ فِيهِ وَلَا
يُكَبِّرُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا وَوَافَقَهُ ح
وَخَالَفَهُ ش لَنَا مَا فِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ
كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ
(2/210)
كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى
يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ كَمَا يُكَبِّرُ عِنْدَ افْتِتَاحِ
الصَّلَاةِ وَلِأَنَّ التَّكْبِيرَ شُرِعَ فِي الصَّلَاةِ مُتَّصِلًا بِمَا
يَنْتَقِلُ مِنَهُ وَإِلَيْهِ فَلَا يَخْرُجُ مِنْ رُكْنٍ إِلَّا ذَاكِرًا
وَلَا يَدْخُلُ فِي رُكْنٍ إِلَّا ذَاكِرًا وَكَذَلِكَ لَا يَدْخُلُ فِي
الصَّلَاةِ إِلَّا ذَاكِرًا بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَلَا يَخْرُجُ
مِنْهَا إِلَّا ذَاكِرًا بِالتَّسْلِيمِ وَالْجُلُوسُ لَيْسَ بِرُكْنٍ
لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ بِدُونِهِ إِجْمَاعًا فَكَانَ التَّكْبِيرُ بَعْدَهُ
لِلْقِيَامِ فَيَكُونُ فِي أَوَّلِهِ كَقِيَامِ أَوَّلِ الصَّلَاةِ
وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ فُرِضَتْ مَثْنَى مَثْنَى ثُمَّ زِيدَ فِي صَلَاةِ
الْحَضَرِ كَمَا فِي الْمُوَطَّأِ فَقَدْ كَانَ التَّشَهُّدُ قَبْلُ
بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ فَتَكُونُ التَّكْبِيرَةُ لِلزِّيَادَةِ فِي
ابْتِدَائِهَا أَوَّلَ الْقِيَامِ السُّنَّةُ السَّادِسَةُ وَالسَّابِعَةُ
الْجِلْسَةُ الْوُسْطَى وَالْمِقْدَارُ الزَّائِدُ بَعْدَ جُلُوسِهِ
الْوَاجِبِ لِلسَّلَامِ دَلِيلُ عَدَمِ وُجُوبِهَا أَنَّهُ عَلَيْهِ
السَّلَامُ لَمَّا تَرَكَهَا سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ قَالَ فِي
الْكِتَابِ الْجُلُوسُ كُلُّهُ سَوَاءٌ يُفْضِي بِأَلْيَتِيِهِ إِلَى
الْأَرْضِ وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَظَاهِرُ إِبْهَامِهَا مِمَّا
يَلِي الْأَرْضَ وَيَثْنِي رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَقَالَ ح يَفْرِشُ
الْيُسْرَى فَيَقْعُدُ عَلَيْهَا وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى وَيُوَجِّهُ
أَصَابِعَهُ لِلْقِبْلَةِ وَوَافَقَهُ ش إِلَّا فِي الْجِلْسَةِ
الْأَخِيرَةِ فَقَالَ يُخْرِجُ رِجْلَهُ مِنَ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ
وَيُفْضِي بِأَلْيَتِهِ إِلَى الأَرْض وَقَول ح فِي الْبُخَارِيِّ عَنْهُ
عَلَيْهِ السَّلَامُ وََقَوْلُ ش فِي أَبِي دَاوُدَ عَنْهُ عَلَيْهِ
السَّلَامُ وَيَتَرَجَّحُ قَوْلُ مَالِكٍ بِالْعَمَلِ فَقَدْ نَقَلَهُ فِي
الْمُوَطَّأِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَقَالَ ابْنُ عمر هُوَ
السّنة فرعان
(2/211)
الأول سنة الْجُلُوس أَن يرفع يَدَيْهِ على
فخديه فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَفِي النَّوَادِرِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا
يُعِيدُ الصَّلَاةَ لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَنه
قَالَ الْيَدَانِ تَسْجُدَانِ كَمَا يَسْجُدُ الْوَجْهُ فَإِذَا وَضَعَ
أَحَدُكُمْ وَجْهَهُ فَلْيَضَعْ يَدَيْهِ وَإِذَا رَفَعَ فَلْيَرْفَعْهُمَا
قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْإِعَادَةِ لِأَنَّهَا
تَبَعٌ الثَّانِي قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ الْمَعْرُوفُ مِنَ الْمَذْهَبِ
قَبْضُ الْيُمْنَى إِلَّا الْمُسَبِّحَةِ يَبْسُطُهَا وَهُوَ قَوْلُ
الْجُمْهُورِ وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ لَا يَبْسُطُهَا وَهُوَ فِي
الْبُخَارِيِّ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالْأَوَّلُ فِي الْمُوَطَّأِ
عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَفِي السَّبَّابَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ
فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُحَرِّكُهَا مِنْ تَحْتِ الْبُرْنُسِ
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ تُمَدُّ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيكٍ وَكَانَ يَحْيَى
بْنُ عُمَرَ يُحَرِّكُهَا عِنْدَ الشَّهَادَةِ فَقَطْ فَالسُّكُونُ
إِشَارَةٌ إِلَى الْوَحْدَانِيَّةِ وَالتَّحْرِيكُ فِي مُسْلِمٍ عَنْهُ
عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ مَقْمَعَةٌ لِلشَّيْطَانِ بِمَعْنَى أَنَّهُ
يَذْكُرُ الصَّلَاةَ وَأَحْوَالَهَا فَلَا يُوقِعُهُ الشَّيْطَانُ فِي
سَهْوٍ وَيكون جنبها الْأَيْسَر إِلَى جنب الْخِنْصر إِلَى أَسْفَل وَهُوَ
قَول الشَّافِعِي إِلَّا أَنَّهُ قَالَ أَوَّلُ مَا يَضَعُ كَفَّهُ عَلَى
صَدْرِهَا ثُمَّ يُقَلِّبُهَا بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ يَقْبِضُ الْخِنْصَرَ
وَالْبِنْصَرَ وَالْوُسْطَى وَيَبْسُطُ السَّبَّابَةَ وَالْإِبْهَامَ
وَهُوَ فِي أَبِي دَاوُدَ وَقَالَ أَيْضًا يَبْسُطُ الْوُسْطَى مَعَهُمَا
وَهُوَ فِي أَبِي دَاوُدَ وَقَالَ أَيْضًا يَقْبِضُ الْجَمِيعَ إِلَّا
الْمُسَبِّحَةَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ الَّذِي رَوَاهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ
فِي صفة صلَاته عَلَيْهِ السَّلَام وَإِذَا قَبَضَ الْإِبْهَامَ جَعَلَهُ
تَحْتَ الثَّلَاثَةِ قَالَ مَالِكٌ وَكُلُّهُ وَاسِعٌ السُّنَّةُ
الثَّامِنَةُ وَالتَّاسِعَةُ التَّشَهُّدَانِ قَالَ الْمَازرِيّ رُوِيَ عَن
مَالك وش وُجُوبُ الْأَخِيرِ وَعَنْ أَحْمَدَ وُجُوبُهُمَا وَوَافَقَ
الْمَشْهُورَ ح لَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ
(2/212)
لِلْأَعْرَابِيِّ ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى
تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ اجْلِسْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا ثُمَّ
افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا فَإِذَا فَعَلْتَ هَذَا فَقَدَ
تَمَّتْ صَلَاتُكَ وَلَمْ يَذْكُرِ التَّشَهُّدَ وَفِي الصِّحَاحِ أَنَّهُ
عَلَيْهِ السَّلَامُ تَرَكَ الْجِلْسَةَ الْوُسْطَى فَسَجَدَ قَبْلَ
السَّلَامِ وَفِي التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ سَبَّحَ بِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ
وَهَذَا شَأْنُ السُّنَنِ وَنَقِيسُ الْأَخِيرَ عَلَى الْأَوَّلِ حُجَّةُ
وُجُوبِهِمَا فِعْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَوْلُهُ فِي أَبِي دَاوُدَ
إِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالْأَمْرُ
لِلْوُجُوبِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ جَمْعًا بَيْنَ
الْأَدِلَّةِ وَاخْتَارَ مَالِكٌ فِيهِ تَشَهُّدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَفِي الْمُوَطَّأِ كَانَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ
لِلنَّاسِ قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ
الطَّيِّبَات الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا
النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ
الْمُوَطَّأِ لَمْ يَذْكُرْ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى
عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَاخْتَارَ ش
رِوَايَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهِي التَّحِيَّات
الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ سَلَامٌ عَلَيْكَ
أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَسَاقَ
التَّشَهُّدَ مُرَجِّحًا لَهُ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ
الْقُرْآنِ وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ تُوُفِّيَ وَابْنُ عَبَّاسٍ
صَغِيرٌ
(2/213)
فَيَكُونُ آخِرَ الْأَمْرِ مِنَهُ عَلَيْهِ
السَّلَامُ فَيَكُونُ أرجح لِأَن فِيهِ زِيَادَة المباركات وَالسَّلَام
فِيهِ مُنْكرا وَهُوَ أَكثر سَلام الْقُرْآن وَاخْتَارَ ح واية ابْنِ
مَسْعُودٍ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُهُمُ
التَّشَهُّدَ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ
لِلَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَسَاقَ التَّشَهُّدَ
مُرَجِّحًا لَهُ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخَذَ
النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِيَدِي فَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ وَقَالَ
عَلَيْهِ السَّلَامُ أَخَذَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِيَدِي
فَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ وَهَذَا يَقْتَضِي الْعِنَايَةَ وَالضَّبْطَ
حَتَّى ان الْحَنَفِيَّة الْيَوْم يرونه فِي مَعْنَى أَخَذَ بِيَدِي أَخَذَ
فِي جُمْلَةِ الرِّوَايَاتِ إِلَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنَّ
كُلَّهُمْ فَعَلَ ذَلِكَ كَمَا فَعَلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَ ابْنِ
مَسْعُودٍ وَلِأَنَّهُ بِزِيَادَةِ الْوَاوِ وَهِيَ التَّشَهُّدُ
بِالتَّعَدُّدِ كَمَا حَصَلَ التَّرْجِيحُ فِي رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ
بِالْوَاوِ عَلَى إِسْقَاطِهَا وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِنَا فِي رَدِّ
التَّحِيَّةِ وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ أَرْجَحُ مِنْ عَلَيْكُمُ السَّلَامُ
تَرْجِيحُنَا أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَقُولُهُ عَلَى
الْمِنْبَرِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَجَرَى مَجْرَى التَّوَاتُرِ
وَالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ الزَّاكِيَاتُ وَالتَّسْلِيمُ
بِالتَّعْرِيفِ أَبْلَغُ لِإِفَادَةِ الْعُمُومِ
فَوَائِدُ التَّحِيَّاتُ جَمْعُ تَحِيَّةٍ وَالتَّحِيَّةُ السَّلَامُ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذا حييتُمْ بِتَحِيَّة} وَالتَّحِيَّةُ الْمُلْكُ
لِقَوْلِهِ
(2/214)
(مِنْ كُلِّ مَا نَالَ الْفَتَى ... قَدْ
نِلْتُهُ إِلَّا التَّحِيَّةَ)
أَيِ الْمُلْكُ وَالتَّحِيَّةُ الْبَقَاءُ وَقِيلَ هُوَ الْمُرَادُ
بِالْبَيْتِ وَالْمُلْكُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَأَصْلُهُ أَن الْملك كَانَ
يحبى فَيُقَالُ لَهُ أَبَيْتَ اللَّعْنَ وَلَا يُقَالُ لِغَيْرِهِ ذَلِكَ
وَالزَّاكِيَاتُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ صَالِحُ الْأَعْمَالِ وَمِنَهُ قَوْله
تَعَالَى {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} وَالطَّيِّبَاتُ الْأَقْوَالُ
الْحَسَنَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلم الطّيب}
وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الطَّيِّبِ فِي التَّيَمُّمِ وَقَالَ ابْنُ
عَبْدُوسٍ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ لِأَنَّهَا تُطَيِّبُ الْعَبْدَ كَمَا
قَالَ تَعَالَى {الطَّيِّبَات للطيبين} وَالصَّلَوَاتُ إِنْ جَعَلْنَا
الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِيهَا لِلْعَهْدِ كَانَت الصَّلَوَات الْخمس
وَالْجِنْس شَمَلَتْ سَائِرَ الصَّلَوَاتِ الشَّرْعِيَّاتِ هَذَا إِذَا
اعْتَبَرْنَا الْحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَإِنِ
اعْتَبَرْنَا اللُّغَوِيَّةَ وَهِيَ الدُّعَاءُ كَانَتْ لِلْعُمُومِ فِي
سَائِرِ الدَّعَوَاتِ وَاللَّامُ فِي قَوْلِنَا لِلَّهِ لِلِاخْتِصَاصِ
أَيْ هَذِهِ الْأُمُور مُخْتَصَّة بِاللَّه إِلَى الْإِخْلَاصِ فَهِيَ
عِبَادَاتٌ مِنَّا لِلرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِأَن لَا يعبد
بِهَذِهِ الْأُمُور إِلَّا الله كَمَا نعْبد فِي الْفَاتِحَةِ بِقَوْلِنَا
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} أَيْ لَا نَعْبُدُ إِلَّا
إِيَّاهُ وَلَا نَسْتَعِينُ إِلَّا بِهِ وَقَوْلُنَا السَّلَامُ عَلَيْكَ
إِنْ جَعَلْنَا السَّلَامَ اسْمًا لِلَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ مَعْنَاهُ
اللَّهُ عَلَيْكَ حَفِيظٌ أَوْ رَاضٍ وَقِيلَ هُوَ مَصْدَرُ تَقْدِيرِ
الْكَلَامِ سَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ سَلَامًا ثُمَّ نَقَلْنَاهُ مِنَ
الدُّعَاءِ إِلَى الْخَبَرِ
(2/215)
كَمَا قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام {فَقَالُوا سَلاما قَالَ سَلام}
فَسَلَامُهُ أَبْلَغُ مِنْ سَلَامِهِمْ لِأَجْلِ النَّقْلِ وَكَذَلِكَ
قَالَ فِي الْحَمد لله فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ وَتَقْرِيرُ جَمِيعِ
ذَلِكَ فِي عِلْمِ النَّحْوِ وَقِيلَ جَمْعُ سَلَامَةٍ فَيَكُونُ دُعَاءً
بِالسَّلَامَةِ مِنَ الشُّرُورِ كُلِّهَا وَالرَّحْمَةِ قَالَ الشَّيْخُ
أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ هِيَ إِرَادَةُ الْإِحْسَانِ فَتَكُونُ
صِفَةً ذَاتِيَّةً قَدِيمَةً وَاجِبَةَ الْوُجُودِ يُعَضِّدُهُ قَوْله
تَعَالَى {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} أَيْ
تَعَلَّقَتْ إِرَادَتُكَ وَعِلْمُكَ بِسَائِرِ الْمَوْجُودَاتِ وَقَالَ
الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ هِيَ الْإِحْسَانُ كُلُّهُ يُعَضِّدُهُ قَوْله
تَعَالَى {ورحمتي وسعت كل شَيْء} أَي الْجنَّة لقَوْله {فسأكتبها للَّذين
يَتَّقُونَ} فَتَكُونُ رَحْمَةُ اللَّهِ عِنْدَهُ مُحْدَثَةً لَيْسَتْ
صِفَةً ذاتية وَالرَّحْمَة اللُّغَوِيَّة هِيَ رِقَّةُ الطَّبْعِ
تَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ تَعَالَى فَيَتَعَيَّنُ الْعُدُولُ إِلَى أَحَدِ
هَذَيْنِ الْمَجَازَيْنِ اللَّازِمَيْنِ لِلْحَقِيقَةِ عَادَةً وعَلى
التقريرين فَهُوَ دُعَاءٌ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ
فَرْعٌ قَالَ فِي الْكتاب لَا يتبسمل أَوَّلَ التَّشَهُّدِ وَإِنْ كَانَ
رُوِيَ ذَلِكَ فِي الْمُوَطَّأِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا وَعَلَى الْأَوَّلِ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ لِأَنَّ رِوَايَةَ
عُمَرَ
(2/216)
وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ
رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ لَيْسَ فِيهَا بَسْمَلَةٌ وَلَا فِي خَبَرٍ
ثَابِتٍ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُنْكِرُهَا وَفِي الْحَدِيثِ لِيَكُنْ
أَوَّلَ قَوْلِكُمُ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ السُّنَّةُ الْعَاشِرَةُ قَوْلُ
سمع الله لمن حَمده فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ
إِذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا
لَكَ الْحَمْدُ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ
غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَضَى الْعَمَلُ فِي سَائِرِ
الْأَمْصَارِ قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى وَرُوِيَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا
لَكَ الْحَمْدُ بِزِيَادَةِ اللَّهُمَّ وَنُقْصَانِ الْوَاوِ وَاخْتَارَهُ
أَشْهَبُ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَاخْتَارَهُ ش وَبِزِيَادَةِ الْوَاوِ
فَقَطْ وَبِزِيَادَتِهِمَا وَهُوَ اخْتِيَارُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ
وَبِنُقْصَانِهِمَا وَهُوَ اخْتِيَارُ ح وَمَعْنَى اللَّهُمَّ النِّدَاءُ
وَمَعْنَى الْوَاوِ تَقْدِيرُ مَعْطُوفٍ عَلَيْهِ أَيْ لَكَ الْحَمْدُ
وَلَكَ الْحَمْدُ فَيَصِيرُ الْكَلَامُ فِي مَعْنَى جُمْلَتَيْنِ وَمَعْنَى
سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ يُحْتَمَلُ أَنْ
يَكُونَ خَبَرًا عَنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ دُعَاءً بِلَفْظِ
الْخَبَرِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ تَقْدِيرُهُ اللَّهُمَّ اسْمَعْ لِمَنْ
حَمِدَكَ وَعَبَّرَ بِالسَّمَاعِ عَنِ الْمُكَافَأَةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ
لِوَاذًا} أَي قد يجازيهم لِأَن علم الله تَعَالَى لَا يعلق عَلَى حَرْفِ
قَدْ لِوُجُوبِ تَعَلُّقِهِ وَمَعْنَى مُوَافَقَةِ الْمَلَائِكَة فِيهِ
خَمْسَة أَقْوَال النِّيَّة وَالْإِخْلَاص كَأَنَّهُ يَقُولُ مَنْ أَخْلَصَ
فِي الْإِجَابَةِ كَأَنَّهُ يَقُولُ مَنِ اسْتُجِيبَ لَهُ فِي الْوَقْتِ
فِي الْكَيْفِيَّةِ بِأَنْ يَدْعُوَ لِنَفْسِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ كَمَا
تَفْعَلُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ بِكَوْنِهِ دُعَاءً فِي طَاعَةٍ لَا
يُشَارِكُهَا شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى وَلَا
يَقُلِ الْإِمَامُ اللَّهُمَّ
(2/217)
رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَهُوَ فِي
الْكِتَابِ خِلَافًا ش وَعِيسَى بْنِ دِينَارٍ وَابْنِ نَافِعٍ
لِاقْتِضَاءِ الْحَدِيثِ اخْتِصَاصَ الْإِمَامِ بِلَفْظٍ غَيْرِهِ
وَيَقُولُهَا الْمُنْفَرِدُ خلافًا ح لِأَنَّهُمَا مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ
وَلَمْ يُوجَدْ خَلْفَهُ مَنْ يَقُول فيقولهما وَكَرِهَ مَالِكٌ
لِلْمَأْمُومِ الزِّيَادَةَ عَلَى رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَإِنْ كَانَ
فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ نَافِعٍ قَالَ كُنَّا نُصَلِّي
يَوْمًا وَرَاءَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ
مِنَ الرَّكْعَةِ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ قَالَ رجل وَرَاءه
رَبنَا وَلَك الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ
فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ مَنِ
الْمُتَكَلِّمُ آنِفًا؟ قَالَ الرَّجُلُ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ
عَلَيْهِ السَّلَامُ لَقَدْ رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلَاثِينَ مَلِكًا
يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلًا قَالَ لِأَنَّ الْعَمَلَ
عَلَى خِلَافِهِ السُّنَّةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ الصَّلَاةُ عَلَى
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقَالَ ش وَاجِبُةٌ
فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَوَافَقَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ فِي الْوُجُوبِ
لَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي
التَّشَهُّدِ فَإِذَا قُلْتَ هَذَا فَقَدَ تَمَّتْ صَلَاتُكَ وَلَمْ
يَذْكُرِ الصَّلَاةَ حُجَّةُ ش قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ
لَا تَجِبُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فتجنب فِي الصَّلَاة وَبِقَوْلِهِ
عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إِلَّا بِطَهُورٍ
وَبِالصَّلَاةِ عَلَيَّ
(2/218)
وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ
الْوُجُوبَ فِيمَا هُوَ أَعَمُّ مِنَ الْحَالَتَيْنِ وَهُوَ مُطْلَقُ
الزَّمَانِ فَلَا تَتَعَيَّنُ الصَّلَاةُ وَعَنِ الثَّانِي أَنَّهُ
مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ السُّنَّةُ
الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ الِاعْتِدَالُ فِي الْفَصْلِ بَيْنَ الْأَرْكَانِ
عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَهَذِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سُنَّةً فِي
الْجَوَاهِرِ وأضاف صَاحب الْمُقدمَات عشرا إِلَيْهَا الثَّالِثَةَ
عَشْرَةَ إِقَامَتُهَا فِي الْمَسَاجِدِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ
هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يَرْفَعُ اللَّهُ بِهِ الدَّرَجَاتِ وَيَمْحُو
بِهِ السَّيِّئَاتِ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عِنْدَ المكاره وَكَثْرَة الخطى
إِلَى الْمَسَاجِدِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَلَا يُخْتَلَفُ فِي خُرُوجِ
الْمُتَجَالَّةِ فِي الْجَنَائِزِ وَالْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَلَا
تَخْرُجُ الشَّابَّةُ إِلَّا فِي جِنَازَةِ أَهْلِهَا وَالْمَسْجِدِ عَلَى
النُّدْرَةِ السُّنَّةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ الْأَذَانُ لَهَا سنة فِي
مَسَاجِد الْجَمَاعَات والايمة حَيْثُ كَانُوا وَفَرْضٌ فِي جُمْلَةِ
الْمِصْرِ السُّنَّةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ الْإِقَامَةُ وَقَدْ
تَقَدَّمَتْ السُّنَّةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ رَفْعُ الْيَدَيْنِ مَعَ
تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَفِي الْجَوَاهِرِ وَالتَّلْقِينِ هِيَ
فَضِيلَةٌ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا أَعْرِفُهُ إِلَّا فِي تَكْبِيرَةِ
الْإِحْرَامِ وَهُوَ قَوْلُ ح قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَرَوَى ابْنُ
الْقَاسِمِ تَرْكَهُ مُطْلَقًا وَرُوِيَ عَنْهُ فِعْلُهُ فِي الْإِحْرَامِ
وَالرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوعِ وَفِي سَمَاعِ ابْنِ وَهْبٍ الْإِحْرَامُ
وَالرُّكُوعُ وَالرَّفْعُ مِنَهُ وَهُوَ قَوْلُ ش وَابْن حَنْبَل وَقَالَ
ابْنُ وَهْبٍ يَفْعَلُهُ مَعَ ذَلِكَ إِذَا قَامَ مِنِ اثْنَتَيْنِ
فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ وَجْهُ الْأَوَّلِ مَا فِي أَبِي دَاوُدَ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
(2/219)
مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ أَلَا أُصَلِّي
لَكُمْ صَلَاتَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ إِلَّا
مَرَّةً وَاحِدَةً وَكُلُّ مَنْ قَالَ بِالرَّفْعِ مَرَّةً وَاحِدَةً
جَعَلَهَا فِي الْإِحْرَامِ وَلِأَنَّ التَّكْبِيرَ شُرِعَ فِي الصَّلَاةِ
مَقْرُونًا بِحَرَكَاتِ الْأَرْكَانِ دُخُولًا وَخُرُوجًا وَلَمَّا لَمْ
يَكُنْ مَعَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ رُكْنٌ شُرِعَ مَعَهَا حَرَكَةُ
الْيَدَيْنِ وَلِأَنَّ الرَّفْعَ يَشْغَلُ النَّفْسَ عَنِ الْخُشُوعِ
فَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْأَوَّلِ وَجْهُ الثَّانِي
أَنَّ الرَّفْعَ مَنْسُوخٌ بِمَا يُرْوَى عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ
كُنَّا نَرْفَعُ أَيْدِيَنَا فِي الصَّلَاةِ فَمَرَّ بِنَا عَلَيْهِ
السَّلَامُ فَقَالَ مَا لِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا
أَذْنَابُ خَيْلِ شَمْسٍ اسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ وَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّ
حَالَةَ الرَّفْعِ ابْتِدَاءُ حَالَةِ قِيَامٍ فَأَشْبَهَ الْأَوَّلَ
وَجْهُ الرَّابِعِ مَا فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رَوَاهُ
عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ
حَتَّى تَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ
يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ وَيَفْعَلُ ذَلِكَ إِذَا رفع رَأسه مِنْهُ وَيَقُولُ
سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ
وَجْهُ الْخَامِسِ مَا فِي الْبُخَارِيِّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ
يَفْعَلُهُ وَرَفَعَهُ أَبُو دَاوُدَ وَطَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ
الْأَحَادِيثِ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ الْأَصْلَ وَبَقِيَّةُ
الْأَحَادِيثِ تَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ وَكَذَلِكَ أَشَارَ إِلَيْهِ
مَالِكٌ فِي النَّوَادِر ويحقق
(2/220)
ذَلِكَ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَالَ
صَاحِبُ الطَّرَّازِ وَأَمَّا حَدُّ الرَّفْعِ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ إِلَى
الْمَنْكِبَيْنِ وَهُوَ الْمَشْهُور وَقَول ش وَابْنِ حَنْبَلٍ وَإِلَى
الْأُذُنَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ ح وَإِلَى الصَّدْرِ عِنْدَ سَحْنُونٍ وَجْهُ
الْأَوَّلِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقُ وَالثَّانِي فِي مُسْلِمٍ
عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالثَّالِثُ فِي أَبِي دَاوُدَ عَنْهُ
عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَمَّا صِفَةُ الرَّفْعِ فَالَّذِي عَلَيْهِ
الْعِرَاقِيُّونَ والباجي ش أَن تكون اليدان قائمتين يحاذى كَفَّاهُ
مَنْكِبَيْهِ وَأَصَابِعُهُ أُذُنَيْهِ وَهِيَ صِفَةُ الرَّاغِبِ فَإِنَّ
الرَّاغِبَ لِلشَّيْءِ يَبْسُطُ لَهُ يَدَيْهِ وَعِنْدَ سَحْنُونٍ
ظُهُورُهُمَا إِلَى السَّمَاءِ وَبُطُونُهُمَا إِلَى الْأَرْضِ وَهِيَ
صِفَةُ الرَّاهِبِ فَإِنَّ الْخَائِفَ مِنَ الشَّيْءِ يَنْقَبِضُ عَنْهُ
وَقَدْ فُسِّرَ بِهِمَا قَوْله تَعَالَى {ويدعوننا رغبا ورهبا} وَقِيلَ
رَجَاءَ الْخَيْرِ وَخَوْفًا مِنَ الشَّرِّ وَفِي التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ
عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ إِذَا كَبَّرَ نَشَرَ أَصَابِعَهُ مَدًّا وَجْهُ
الثَّانِي الْحَدِيثُ الْوَارِدُ فِي الرَّفْعِ إِلَى الصَّدْرِ فَإِنَّ
ذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ غَالِبًا إِلَّا كَذَلِكَ قَالَ وَأَمَّا
إِرْسَالُهُمَا فَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا فِيهِ شَيْئًا وَقَالَ ش
يُثْنِيهِمَا مَرْفُوعَتَيْنِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنَ التَّكْبِيرِ قَالَ
وَالظَّاهِرُ إِرْسَالُهُمَا حَالَةَ التَّكْبِيرِ لِيَكُونَ مُقَارِنًا
لِلْحَرَكَةِ كَالْخَفْضِ وَالرَّفْعِ مُقَارِنًا لِلْحَرَكَةِ
وَيُرْسِلُهُمَا بِوَقَارٍ وَلَا يَدْفَعُ بِهِمَا إِلَى قُدَّامٍ وَلَا
يَقْبِضْهُمَا عِنْدَ الْإِرْسَالِ وَلَا يَخْبِطُ بِهِمَا لِمُنَافَاةِ
(2/221)
ذَلِكَ لِلْوَقَارِ وَيُسْتَحَبُّ
كَشْفُهُمَا عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَفِي أَبِي دَاوُدَ كَانَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ إِذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ الْتَحَفَ ثُمَّ أَخَذَ
شِمَالَهُ بِيَمِينِهِ وَأَدْخَلَ يَدَيْهِ فِي ثَوْبِهِ السُّنَّةُ
السَّابِعَةَ عَشْرَةَ الْإِنْصَاتُ لِلْإِمَامِ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ
وَأَنْصِتُوا} السُّنَّةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ رَدُّ السَّلَامِ عَلَى
الْإِمَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْأَرْكَانِ السُّنَّةُ التَّاسِعَةَ
عَشْرَةَ تَأْمِينُ الْمَأْمُومِ عِنْدَ قَوْلِ الْإِمَامِ {وَلا
الضَّالِّينَ} وَهِيَ فِي الْجَوَاهِرِ وَالتَّلْقِينِ فَضِيلَةٌ وَفِيهِ
ثَلَاثُ لُغَاتٍ الْقَصْرُ وَالْمَدُّ وَالْقَصْرُ مَعَ تَشْدِيدِ الْمِيمِ
وَقِيلَ هُوَ عِبْرَانِيٌّ عَرَّبَتْهُ الْعَرَبُ وَبَنَتْهُ عَلَى
الْفَتْحِ وَقِيلَ عَرَّبَتْهُ اسْمًا لِلَّهِ تَعَالَى وَنُونُهُ
مَضْمُومَةٌ عَلَى النِّدَاءِ تَقْدِيرُهُ يَا آمِينَ اسْتَجِبْ لَنَا
دُعَاءَنَا وَقِيلَ عَرَبِيٌّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ اسْمٌ لِطَلَبِ
الْإِجَابَةِ كَسَائِرِ أَسْمَاءِ الْأَفْعَالِ وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ
الْأَمَانِ بِمَعْنَى اسْتِجَابَةِ دُعَائِنَا وَالْمَدُّ هُوَ
الْمَشْهُورُ فِي السُّنَّةِ وَاللُّغَةِ شَاهِدُ الْقَصْرِ
(تَبَاعَدَ مني فطحلا إِذْ سَأَلته ... أَمِين فَزَاد الله فِي بَيْنِنَا
بُعْدًا)
شَاهِدُ الْمَدِّ
(وَيَرْحَمُ اللَّهُ عَبْدًا قَالَ آمِينَا ... )
وَالْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى الْقَصْرِ لِلضَّرُورَةِ قَالَ فِي الْكتاب
لَا يقل آمِينَ وَلْيَقُلْ مَنْ خَلْفَهُ قَالَ صَاحِبُ الطَّرَّازِ
يُرِيدُ فِي الْجَهْرِ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي النَّوَادِر
(2/222)
وَلَا يَقُوله الْإِمَامُ إِلَّا فِي
السِّرِّ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْوَاضِحَة يَقُوله مُطلقًا وَهُوَ قَول ش ح
وَابْنِ حَنْبَلٍ وَفِي التَّبْصِرَةِ لِابْنِ بُكَيْرٍ هُوَ مُخَيَّرٌ
فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَجْهُ الْأَوَّلِ مَا فِي الْمُوَطَّأِ
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذَا قَالَ الْإِمَامُ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ
عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فَقُولُوا آمِينَ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ
تَأْمِينُهُ الْمَلَائِكَةَ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَفِي
الْمُوَافَقَةِ مَا تَقَدَّمَ فِي سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ
وَلِأَنَّ الْإِمَامَ دَاعٍ فَيَكُونُ الْمَأْمُومُ هُوَ الْمُؤَمِّنُ
عَلَى سُنَّةِ الدُّعَاءِ وَجْهُ الثَّانِي مَا فِي الصِّحَاحِ إِذَا
أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ
تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَفِي
أَبِي دَاوُدَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ آمِينَ حَتَّى يَسْمَعَ
من فِي الصَّفّ الأ , ل وَلِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْقِرَاءَةِ وَالْإِمَامُ
قَارِئٌ وَجْهُ الثَّالِثِ تَعَارُضُ الْأَدِلَّةِ تَفْرِيعٌ قَالَ صَاحِبُ
الطَّرَّازِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْفَذَّ يُؤَمِّنُ قَالَ وَإِذَا قُلْنَا
يُؤمن قَالَ وَإِذا قُلْنَا يُؤمن الْمَأْمُون قَالَ مَالِكٌ فَمَنْ لَا
يَسْمَعُ الْإِمَامَ لَا يُؤَمِّنُ لِأَنَّهُ إِجَابَةٌ وَالْإِجَابَةُ
فَرْعُ السَّمَاعِ وَفِي الْبَيَانِ قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ عَلَى مَنْ لَمْ
يَسْمَعْ أَنْ يُؤَمِّنَ وَظَاهِرُهُ لَهُ ذَلِكَ قَالَ وَيَتَحَرَّى
الْوَقْتَ كَمَا يَتَحَرَّى الْمَرِيضُ لِرَمْيِ الْجَمْلَدِ فَيُكَبِّرُ
وَذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدُوسٍ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَذَهَبَ
يَحْيَى بْنُ عُمَرَ إِلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفْعَلَ
ذَلِكَ قَالَ وَهُوَ أَظْهَرُ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ مَمْنُوعٌ مِنَ
الْكَلَامِ وَالتَّأْمِينُ كَلَامٌ أُقِيمَ فِي مَوْضِعِهِ وَعِنْدَ
التَّحَرِّي قَدْ يُخْطِئُ قَالَ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَإِذا
قُلْنَا يُؤمن الإِمَام قَالَ الْبَاجِيّ لَا يَجْهَرُ بِهِ قَالَ وَهُوَ
الْأَرْجَحُ لِأَنَّهُ دُعَاء
(2/223)
وَالْأَصْلُ فِي الدُّعَاءِ الْخُفْيَةِ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ادْعُوا ربكُم تضرعا وخفية} {وَاذْكُر رَبك فِي نَفسك
تضرعا وخفية} وَقَالَ ش وَابْنُ حَنْبَلٍ يَجْهَرُ لِيُقْتَدَى بِهِ
لِظَاهِرِ الْخَبَرِ وَنَحْنُ نَحْمِلُهُ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ لَا
لِمَشْرُوعِيَّةِ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّقْدِيرِ السُّنَّةُ
الْعِشْرُونَ قَوْلُ الْمَأْمُومِ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَهِيَ فِي
الْجَوَاهِرِ وَالتَّلْقِينِ فَضِيلَةٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ
عَلَيْهَا السّنة الْحَادِيَة وَالْعشْرُونَ لِلْمَرْأَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ
ذِكْرُهُ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ النَّافِلَةِ السُّنَّةُ الثَّانِيَةُ
وَالْعِشْرُونَ التَّسْبِيحُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَهِيَ فِي
الْجَوَاهِرِ وَالتَّلْقِينِ فَضِيلَةٌ وَقَالَ فِي الْكِتَابِ لَيْسَ
بِوَاجِبٍ وَلَا مُوَقَّتٍ وَأَنْكَرَ التَّحْدِيد وَهُوَ قَول ش وح
وَأَوْجَبَهُ ابْنُ حَنْبَلٍ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ كَمَا أوجب
التَّكْبِير فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود وَرب اغْفِرْ لِي بَيْنَ
السَّجْدَتَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَسَبِّحْ باسم رَبك الْعَظِيم}
وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَفِي أَبِي دَاوُدَ لَمَّا نَزَلَتْ قَالَ
عَلَيْهِ السَّلَامُ اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ فَلَمَّا نزلت {سبح اسْم
رَبك الْأَعْلَى} قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ
لنا حَدِيث الْأَعرَابِي المسئ لِصَلَاتِهِ عَلَّمَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ
الْوَاجِبَاتِ فَلَوْ كَانَ التَّسْبِيح وَاجِبا لذكره وَأما إِنْكَاره
مَالك للتحديد فقد حدده ابْن حَنْبَل سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم ثَلَاثًا
وَسُبْحَان رَبِّي
(2/224)
الْأَعْلَى ثَلَاثًا وَاسْتَحَبَّ ش ذَلِكَ
ثَلَاثًا وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَقُولُ الْإِمَامُ خَمْسًا
حَتَّى يَلْحَقَ الْمَأْمُومَ ثَلَاثًا لِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ قَالَ
عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ وَإِذَا سَجَدَ
فَلْيَقُلْ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَذَلِكَ
أَدْنَاهُ وَهُوَ مُعَارِضٌ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ عَلَيْهِ
السَّلَامُ كَانَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي
وَوَرَدَتْ أَذْكَارٌ مُخْتَلِفَةٌ غَيْرُ هَذَا وَذَلِكَ يَمْنَعُ
التَّحْدِيدَ وَالْوُجُوبَ قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ بَعْدَ عَدِّهِ
ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سُنَّةً وَأَسْقَطَ بعض مَا عده غَيره فَمن هَذِه
ثَمَان سُنَنٍ مُؤَكَّدَاتٍ يَسْجُدُ لِسَهْوِهِنَّ وَتُعَادُ الصَّلَاةُ
لِتَرْكِهِنَّ عَمْدًا أَبَدًا عَلَى الْخِلَافِ فِي تَرْكِ السُّنَنِ
عَمْدًا وَهِيَ السُّورَةُ وَالْجَهْرُ وَالْإِسْرَارُ وَالتَّكْبِيرُ
وَسَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَالتَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ وَالْجُلُوسُ
لَهُ وَالتَّشَهُّد الْأَخير وَمَا عدا هَذِه الثَّمَانِية فَلَا فَرْقَ
بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْفَضَائِلِ إِلَّا فِي تَأْكِيدِ الطَّلَبِ
الشَّرْعِيِّ إِلَّا الْقِنَاعَ لِلْمَرْأَةِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ تُعَادُ
لِتَرْكِهِ فِي الْوَقْتِ
(2/225)
|