الذخيرة
للقرافي (الْبَاب الثَّانِي فِي الِاضْطِرَار)
2 - وَفِيه ثَلَاثَة مياحث الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ فِي حَدِّ الضَّرُورَةِ
قَالَ اللَّخْمِيُّ هِيَ خَوْفُ الْمَوْتِ أَوِ الْجُوعِ لِأَنَّهُ يُوجِبُ
الْمُوَاسَاةَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَطْعِمُوا الْجَائِعَ
وَإِذَا وَجَبَتِ الْمُوَاسَاةُ جَازَ أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ وَإِذَا
جَازَ مَالُهُ جَازَتِ الْمَيْتَةُ بِالْقِيَاسِ فَعَلَى هَذَا يَأْكُلُ
شِبَعَهُ وَيَتَزَوَّدُ وَعَلَى الثَّانِي لَا يَزِيدُ عَلَى سَدِّ
الرَّمَقِ قَالَهُ ش وَإِذَا أَكَلَ مَالَ مُسْلِمٍ اقْتَصَرَ عَلَى سَدِّ
الرَّمَقِ إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ طُولَ طَرِيقِهِ فَيَتَزَوَّدَ لِأَنَّ
مُوَاسَاتَهُ تَجِبُ إِذَا جَاعَ قَالَ صَاحِبُ الْإِكْمَالِ يَأْكُلُ مِنَ
الْمَيْتَةِ وَيَتَزَوَّدُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَقَالَ
غَيْرُهُ مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ أَن تغذى حرمت
عَلَيْهِ يَوْمه أَو تغشى حُرِّمَتْ عَلَيْهِ لَيْلَتَهُ وَفِي
الْجَوَاهِرِ الضَّرُورَةُ ظَنُّ خَوْفِ الْهَلَاكِ عَلَى النَّفْسِ وَلَا
يُشْتَرَطُ الْإِشْرَافُ عَلَى الْمَوْتِ لِأَنَّ الْأَكْلَ حِينَئِذٍ لَا
يُفِيدُ
(4/109)
(فَرْعٌ)
فِي الْجَوَاهِرِ إِذَا كَانَ سَبَبُ الِاضْطِرَارِ مَعْصِيَةً كَسَفَرِ
الْمَعْصِيَةِ الْمَشْهُورُ جَوَازُ الْأَكْلِ وَقَالَهُ ح وَلَا نَقَلَ
فِيهَا عَنْ مَالِكٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ
أَنَّ مَنْعَهُ يُفْضِي إِلَى الْقَتْلِ وَهُوَ لَيْسَ عُقُوبَةَ
جِنَايَتِهِ بِخِلَافِهِمَا وَقَالَ ابْن الْجلاب وش لَا يَأْكُلُ حَتَّى
يُفَارِقَ الْمَعْصِيَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {غير بَاغ وَلَا عَاد}
الْبَقَرَة 173 أَي وَلَا بَاغ بالمعصية وَلَا مُتَعَدٍّ مَا يَجُوزُ لَهُ
مِنْهَا وَلِأَنَّ التَّوْبَةَ مُمْكِنَةٌ فَمَوْتُهُ مِنْ جِهَتِهِ لَا
مِنْ منع الشَّرْعِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ مَا
أَظُنُّ أَحَدًا يُخَالِفُهُ وَالْقَائِلُ بِذَلِكَ مُخْطِئٌ قَطْعًا
وَتَوَقَّفَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ إِنْ كَانَ
الْعَاصِي بِالسَّفَرِ يَتَعَيَّنُ قَتْلُهُ كَالْمُسَافِرِ إِلَى
الْقَتْلِ أَوِ الزِّنَا لَا يُبَاحُ لَهُ الْأَكْلُ وَإِلَّا فَعَلَى
الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْأَكْلِ مِنَ الْمَيْتَةِ لِغَيْرِ الْعَاصِي وَهُوَ
قَوْلُ ابْنِ الْقَصَّارِ وَغَيْرِهِ حفظا للنَّفس يجب هَا هُنَا وَعَلَى
الْقَوْلِ بِالْإِبَاحَةِ قِيَاسًا عَلَى الِاسْتِسْلَامِ لِلصَّيَّالِ
وَهُوَ قَول سَحْنُون يمْنَع هَا هُنَا فَإِنِ اضْطُرَّ بَعْدَ رُجُوعِهِ
مِنَ الْمَعْصِيَةِ فَكَغَيْرِ العَاصِي الميحث الثَّانِي فِي جنس المستباح
وَفِي الْجَوَاهِرِ كُلُّ مَا يَرُدُّ عَنْهُ جُوعًا أَو عطشا دفع
الضَّرُورَة أَو خففها كالأشرية النَّجِسَة وَالْميتَة من كل حَيَوَانٍ
غَيْرِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِ الْخَمْرِ لِأَنَّهَا لَا تحل إِلَّا إساغة
الْغُصَّةِ عَلَى الْخِلَافِ لِأَنَّ دَفْعَ الضَّرُورَةِ بِهَا مَعْلُوم
وَأما الْعَطش فتزيده تَحْرِيمًا وَقيل وَقِيلَ يَجُوزُ لِتَخْفِيفِهَا
الْعَطَشَ وَالْجُوعَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَة وَاخْتَارَهُ القَاضِي أَبُو
بكر وش لِأَنَّ مُدْمِنَ الْخَمْرِ يَكْتَفِي بِهَا عَنْ شُرْبِ الْمَاءِ
وَقَالَ ش يَجُوزُ لَهُ أَكْلُ مَيْتَةِ الْآدَمِيِّ حِفْظًا لِلْحَيِّ
وَقِيلَ الْحَيُّ الْحَرْبِيُّ وَالْمُرْتَدُّ وَالزَّانِي
(4/110)
الْمُحْصَنُ لَهُ أَكْلُهُ لِأَنَّهُ
مُبَاحُ الدَّمِ وَإِنَّمَا فِيهِ الِافْتِيَاتُ عَلَى الْإِمَامِ
وَإِتْلَافُ مَا لَا حُرْمَة لَهُ لما لَهُ حُرْمَة متعينة بِخِلَاف
الذِّمِّيّ الْمعَاهد
(فُرُوعٌ خَمْسَةٌ)
الْأَوَّلُ فِي الْجَوَاهِرِ الْوَاجِدُ لِطَعَامِ غَيْرِ مُضْطَرٍّ
يَطْلُبُهُ مِنْهُ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ وَيُظْهِرُ لَهُ الْحَاجَةَ
فَإِنْ أَبَى اسْتَطْعَمَهُ فَإِنْ أَبى أعلمهُ أَنه يقاتله فَإِن امْتنع
غَضَبه لِأَنَّ إِحْيَاءَهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَإِنْ دَفَعَهُ جَازَتْ
مُدَافَعَتُهُ لَهُ وَإِنْ أَدَّتْ إِلَى الْقَتْلِ كَدَمِ الْمُحَارِبِ
وَلَوْ قَتَلَهُ الْمَالِكُ وَجَبَ الْقِصَاصُ لِكَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا
وَإِنْ بَذَلَ لَهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَجَبَ الشِّرَاءُ أَوْ بِأَكْثَرَ
فَهُوَ مَكْرُوهٌ الثَّانِي قَالَ إِذَا وَجَدَ الْمَيْتَةَ وَطَعَامَ
الْغَيْرِ أَكَلَ الطَّعَامَ إِنْ أَمِنَ أَنْ يُعَدَّ سَارِقًا وَحَيْثُ
قُلْنَا يَأْكُلُ ضَمِنَ الْقِيمَةَ لِأَنَّ الْأَصْلَ عِصْمَةُ
الْأَمْوَالِ أدَّت الضَّرُورَةُ إِلَى بَذْلِ الطَّعَامِ أَمَّا مَجَّانًا
فَلَا وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّ الدَّفْعَ وَاجِبٌ وَالْوَاجِبُ لَا
يَسْتَحِقُّ عِوَضًا قَالَ اللَّخْمِيُّ إِنْ خَافَ الْقَطْعَ بِنِسْبَتِهِ
إِلَى السَّرِقَةِ فَإِنْ خَافَ الْمَوْتَ أَكَلَ تَقْدِيمًا لِلنَّفْسِ
عَلَى الطَّرَفِ وَإِلَّا فَلَا يَأْكُلُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ
دَلِيلُ الِاضْطِرَارِ وَقَدْ قِيلَ لَا يُقْطَعُ السَّارِقُ فِي سَنَةِ
الْحَرْبِ لِأَنَّهَا حَالَةٌ يُقْبَلُ فِيهَا عُذْرُ الضَّرُورَةِ
الثَّالِثُ قَالَ يُقَدِّمُ الْمُحْرِمُ الْمَيْتَةَ عَلَى الصَّيْدِ لِأَن
الِاضْطِرَار يُبِيح الْميتَة وَقد وجد مُبِيح الصَّيْدِ الْإِحْلَالُ
وَلَمْ يُوجَدْ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يُقَدِّمُ الصَّيْدَ
لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ خَاصٌّ وَلِأَنَّ تَحْرِيمَهُ لَا لِوَصْفِهِ
بِخِلَافِ الْمَيِّتَةِ فِيهِمَا
(4/111)
فَلِذَلِكَ يُقَدِّمُ لَحْمَ الصَّيْدِ
الرَّابِعُ قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ يُقَدِّمُ الْمَيْتَةَ عَلَى
الْخِنْزِيرِ لِأَنَّ تَحْرِيمَهَا عَارِضٌ بِسَبَبِ عَدَمِ الذَّكَاةِ
وَتَحْرِيمَهُ مُتَأَصِّلٌ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَحَيْثُ يَأْكُلُ
الْخِنْزِيرَ يُسْتَحَبُّ لَهُ تَذْكِيَتُهُ الْخَامِسُ فِي الْجَلَّابِ
لَا يَتَدَاوَى بِخَمْرٍ وَلَا بِنَجَاسَة خلافًا ل ش عِنْدَ الضَّرُورَةِ
لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَ
أُمَّتِي فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهَا وَالْجَعْلُ بِمَعْنَى الْخَلْقِ
وَاقِعٌ فَيَتَعَيَّنُ صَرْفُ النَّفْيِ إِلَى الْمَشْرُوعِيَّةِ صَوْنًا
لِلْخَبَرِ عَنِ الْمُخَالَفَةِ وَمِثْلُهُ {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ
بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ} الْمَائِدَة 103 أَيْ شَرَعَ وَمَنْعُ
الشَّرِيعَةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ يَدُلُّ عَلَى عِظَمِ الْمَفْسَدَةِ
فَيَكُونُ حَرَامًا
(4/112)
|