الذخيرة للقرافي

 (كِتَابُ الذَّبَائِحِ)
وَالنَّظَرُ فِي الْمُذَكِّي وَالْمُذَكَّى وَالْمُذَكَّى بِهِ وَصِفَةِ الذَّكَاةِ النَّظَرُ الْأَوَّلُ فِي الْمُذَكِّي قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ سِتَّةٌ لَا تَجُوزُ ذَبَائِحُهُمْ وَسِتَّةٌ تُكْرَهُ وَسِتَّةٌ مُخْتَلَفٌ فِي جَوَازِ ذَبَائِحِهِمْ فَالْأول الصَّغِيرُ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَالْمَجْنُونُ حَالَةَ جُنُونِهِ وَالسَّكْرَانُ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَالْمَجُوسِيُّ وَالْمُرْتَدُّ وَالزِّنْدِيقُ وَقَالَ الْأَئِمَّةُ وَالثَّانِيَةُ الصَّغِيرُ الْمُمَيِّزُ وَالْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى وَالْخَصِيُّ وَالْأَغْلَفُ وَالْفَاسِقُ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلِ النَّظَرُ إِلَى أَنَّ ضَعْفَ طَبْعِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ يَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِ الذَّكَاةِ عَلَى وَجْهِهَا وَمُشَابَهَةَ الْخَصِيِّ بِهِمْ وَنَقْصَ الْآخَرِينَ مِنْ جِهَةِ الدِّينِ أَوْ أَنَّ الْقَصْدَ وَالْفِعْلَ مِنَ الْجَمِيعِ مُمْكِنٌ فَتَصِحُّ وَالثَّالِثَةُ تَارِكُ الصَّلَاةِ وَالسَّكْرَانُ الَّذِي يُخْطِئُ وَيُصِيبُ وَالْمُبْتَدِعُ الْمُخْتَلَفُ فِي كُفْرِهِ وَالنَّصْرَانِيُّ الْعَرَبِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ الذَّابِحُ لِمُسْلِمٍ بِأَمْرِهِ وَالْعَجَمِيُّ يُجِيبُ إِلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ الْبُلُوغِ هَذَا كُلُّهُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي الْكِتَابِ تَصِحُّ ذَكَاةُ الْمَرْأَةِ وَالْكِتَابِيِّينَ رِجَالهمْ وَنِسَائِهِمْ وصبيانهم وَالْمَرْأَة أولى مِنْهُم يكره أَكْلُ مَا ذَبَحَهُ الْكِتَابِيُّ لِكَنِيسَةٍ أَوْ عِيدٍ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ فِسْقًا أهل لغير الله لَهُ} الْأَنْعَام 145 قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَذَلِكَ مَا سَمَّوْا عَلَيْهِ الْمَسِيحَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمَا ذَبَحُوهُ فَوَجَدُوهُ

(4/122)


حَرَامًا عَلَى أَصْلِهِمْ كَرِهَهُ مَالِكٌ ثُمَّ أَجَازَهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَا لَا يَسْتَحِلُّونَهُ لَا يُؤْكَلُ كَذِي الظُّفْرِ وَهُوَ الْإِبِلُ وَالنَّعَامُ وَالْبَطُّ مَا لَيْسَ مَشْقُوقَ الْأَصَابِعِ خِلَافًا لِابْنِ حَنْبَلٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ طَعَامِهِمْ وَكَرِهَ مَالِكٌ ذَبَائِحَهُمْ وَالشِّرَاءَ مِنْهُمْ وَأَمَرَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ان يقاموا مِنْ أَسْوَاقِنَا كُلِّهَا الْجَزَّارُونَ وَغَيْرِهِمْ وَتُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الْأَخْرَسِ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَاخْتُلِفَ فِي شُحُومِ ذَبَائِحِ الْكِتَابِيِّ فَحَرَّمَهُ مَرَّةً لِأَنَّهُ حَرَامٌ عَلَيْهِمْ وَجَعَلَ الذَّكَاة تتبعض بِاعْتِبَارِهِ قِيَاسا على الدَّم وَأَجَازَهُ مرّة لِأَن الذَّكَاة لَا تتبعض فِيمَا هُوَ قَابل وَاخْتُلِفَ فِي ذِي الظُّفْرِ كَالشَّحْمِ وَأَبَاحَهُ ابْنُ حَنْبَل وَقيل يجوز الشَّحْم بخلافة لِأَن الزَّكَاة لَا تَتَبَعَّضُ وَقَالَ أَشْهَبُ كُلُّ مَا نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى تَحْرِيمِهِ كَذِي الظُّفْرِ وَالشُّحُومِ حُرِّمَ عَلَى الْمُسْلِمِ بِخِلَافِ مَا حَرَّمُوهُ هُمْ وَمَنَعَهَا ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَبَاحَهَا ابْنُ وَهْبٍ نَظَرًا إِلَى نسخ ذَلِك ويؤكل جلّ السحوم لما فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ معقل أصبت جرة شَحْمٍ يَوْمَ خَيْبَرَ فَالْتَزَمْتُهُ وَقُلْتُ وَاللَّهِ لَا أُعْطِي الْيَوْمَ مِنْ هَذَا أَحَدًا شَيْئًا فَالْتَفَتُّ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فتبسما وَفِي الْجَوَاهِر يجوز ذَبِيحَة السامرية وهم صنف من الْيَهُود وَالْمَشْهُور من مَذْهَب ملك كَرَاهَته الشحوم والصابئة يُنْكِرُونَ بَعْثَ الْأَجْسَامِ

(4/123)


وَلَا تَجُوزُ ذَبِيحَةُ مَنْ لَيْسَ بِكِتَابِيٍّ وَلَا الصَّابِئَةِ الْمُعْتَقِدَةِ تَأْثِيرَ النُّجُومِ لِأَنَّهُمْ كَالْمَجُوسِ وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا بَاشَرْنَا الذَّكَاةَ أَمَّا إِذَا غَابَ الْكِتَابِيُّ عَلَى ذَبِيحَتِهِ فَإِنْ عَلِمْنَا اسْتِحْلَالَهُمْ لِلْمَيْتَةِ كَبَعْضِ النَّصَارَى أَوْ شَكَكْنَا لَمْ نَأْكُلْ وَإِنْ علمنَا تذكينهم أَكَلْنَا قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ أَكْرَهُ قَدِيدَ الرُّومِ وَجُبْنَهُمْ وَجُبْنَ الْمَجُوسِ لِأَجْلِ مَا فِيهِ مِنْ إنفحة الْميتَة تَنْبِيه كراهيته يَنْبَغِي أَن تحمل عَلَى التَّحْرِيمِ بِدَلِيلِ كَرَاهِيَتِهِ لِجُبْنِ الْمَجُوسِ وَهِيَ مُحرمَة وَلَا يخْتَلف اثْنَان مِمَّن يُسَافر أَن الافرنج لَا تَتَوَقَّى الْمَيْتَةَ وَلَا تُفَرِّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الذَّكِيَّةِ وَأَنَّهُمْ يَضْرِبُونَ الشَّاةَ حَتَّى تَمُوتَ وَقِيذَةً بالعصا وَغَيرهَا ويسلون رُؤْس الدَّجَاجِ مِنْ غَيْرِ ذَبْحٍ وَهَذِهِ سِيرَتُهُمْ وَقَدْ صَنَّفَ الطَّرْطُوشِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَحْرِيمِ جُبْنِ الرُّومِ كِتَابًا وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ فَلَا يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ حَانُوتٍ فِيهَا شَيْء مِنْهُ لِأَنَّهُ ينجس الْمِيزَان وَالْبَائِع والآنية

(فَرْعٌ)
قَالَ ابْنُ يُونُسَ لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الْغُلَام إِذَا ارْتَدَّ إِلَى أَيِّ دِينٍ كَانَ قَالَ مُحَمَّدٌ وَتُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ النَّصْرَانِيِّ الْعَرَبِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ إِذَا تنصر

(4/124)


(فَرْعٌ)
فِي الْكِتَابِ تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ مَنْ أَبُوهُ كِتَابِيٌّ وَأُمُّهُ مَجُوسِيَّةٌ لِأَنَّ الْوَلَدَ تَابِعٌ فِي الدِّينِ لِأَبِيهِ وَقَالَ أَبُو تَمَّامٍ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ مَالِكٌ لَا تُؤْكَل ذَبِيحَة من أَبوهُ محوسي أَوْ وَثَنِيٌّ وَقَالَ ح يَجُوزُ إِذَا كَانَتْ أمة كِتَابِيَّةً لِأَنَّ الْعِبْرَةَ عِنْدَهُ فِي الدِّينِ بِالْأُمِّ وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ مَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ لَا تَصِحُّ ذَكَاتُهُ تَغْلِيبًا لِلْحُرْمَةِ النَّظَرُ الثَّانِي فِي الْمُذَكَّى وَفِي الْجَوَاهِرِ الْحَيَوَانُ كُلُّهُ يَقْبَلُ الذَّكَاةَ وَتَطْهُرُ بِهَا جَمِيعُ أَجْزَائِهِ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ وَجِلْدِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَالسِّبَاعِ وَالْكِلَابِ وَالْحُمُرِ وَالْبِغَالِ إِلَّا الْخِنْزِيرَ فَإِنَّ تَذْكِيَتَهُ ميتَة لغلط تَحْرِيمِهِ وَقَالَهُ ح وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَذَلِكَ تَنْبِيهٌ أَلْحَقَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ الْحُمُرَ بِالسِّبَاعِ وَفِي الْكِتَابِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ يُصَلَّى عَلَى جِلْدِ السِّبَاعِ إِذَا ذُكِّيَ وَلَا يُصَلَّى عَلَى جِلْدِ حِمَارٍ وَإِنْ ذُكِّيَ وَتَوَقَّفَ فِي الْكَيْمَخْتِ وَتَرْكُهَا أَحَبُّ إِلَيْهِ وَكَذَلِكَ فِي آخِرِ كِتَابِ الْأَضَاحِيِّ نَصَّ عَلَى طَهَارَةِ جُلُودِ السِّبَاعِ وَلَمْ يَذْكُرِ الْكِلَابَ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ قَالَ اللَّخْمِيُّ الْحَيَوَانُ ثَلَاثَةٌ بَرِّيٌّ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ لَا تَحِلُّ إِلَّا بِالذَّكَاةِ وَبَحْرِيٌّ لَا حَيَاةَ لَهُ فِي الْبَرِّ يَحِلُّ مِنْ غَيْرِ ذَكَاةٍ وَبَرِّيٌّ لَيْسَ لَهُ نفس سَائِلَة وبحري يعيس فِي الْبَرِّ اخْتُلِفَ فِيهِمَا قَالَ مَالِكٌ مَا لَا دَمَ لَهُ كَالْعَقْرَبِ وَالْخُنْفُسَاءِ وَالزُّنْبُورِ وَالسُّوسِ والدود

(4/125)


وَالذُّبَابِ وَسَائِرِ الْحَشَرَاتِ ذَكَاتُهُ ذَكَاةُ الْجَرَادِ إِذَا احْتِيجَ إِلَى دَوَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ هِيَ كَدَوَابِّ الْبَحْرِ لَا تَنْجُسُ فِي نَفْسِهَا وَلَا تُنَجِّسُ وَقَالَ مُطَرِّفٌ لَا يَحْتَاجُ الْجَرَادُ إِلَى ذَكَاةٍ لِأَنَّ عَامَّةَ السَّلَفِ أَجَازُوا أَكْلَ مَيْتَةِ الْجَرَادِ وَفِي الْكِتَابِ لَا يَحْتَاجُ فَرَسُ الْبَحْرِ إِلَى ذَكَاةٍ وَإِنْ كَانَ لَهُ رَعْيٌ فِي الْبَرِّ وَلَا بُدَّ مِنْ تَذْكِيَةِ طَيْرِ الْمَاءِ خِلَافًا لِعَطَاءٍ وَفِي الْجَوَاهِرِ وَهَلْ يَجْرِي فِي ذَكَاةِ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ مَا عَدَا الْجَرَادَ الْخِلَافُ الَّذِي فِي ذَكَاةِ الْجَرَادِ أَوْ يَفْتَقِرُ إِلَى الذَّكَاةِ قَوْلًا وَاحِدًا طَرِيقَانِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ قَاعِدَةٌ الذَّكَاةُ شُرِعَتْ لِاسْتِخْرَاجِ الْفَضَلَاتِ الْمُحَرَّمَاتِ مِنَ الْأَجْسَادِ الْحَلَالِ بِأَسْهَلِ الطُّرُقِ عَلَى الْحَيَوَانِ فَمَنْ لَاحَظَ عَدَمَ الْفَضَلَاتِ مِمَّا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ وَجَعَلَهَا أَصْلًا وَإِرَاحَةَ الْحَيَوَانِ تِبَعًا أَجَازَ مَيْتَتَهُ وَمَنْ لَاحَظَ شَرْعِيَّةَ زُهُوقِ الرُّوحِ وَجَعَلَهُ أَصْلًا فِي نَفْسِهَا لَمْ يُجِزْهَا قَاعِدَةٌ النَّادِرُ مُلْحَقٌ بِالْغَالِبِ فِي الشَّرْعِ فَمَنْ لَاحَظَ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ أَسْقَطَ ذَكَاةَ مَا يَعِيشُ فِي الْبَرِّ مِنْ دَوَابِّ الْبَحْرِ نَظَرًا لِغَالِبِهِ وَمَنْ لَاحَظَ الْقَاعِدَةَ الْأُولَى وَأَنَّ مَيْتَةَ الْبَحْرِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ لَمْ يُسْقِطْهَا وَيُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى {حرمت عَلَيْكُم الْميتَة} أَوْ يَحْمِلُهُ عَلَى سَبَبِ وُرُودِهِ وَهُوَ الْمَيْتَةُ الَّتِي كَانُوا يَأْكُلُونَهَا مِنَ الْبَرِّ وَيَقُولُونَ تَأْكُلُونَ مَا قَتَلْتُمْ وَلَا تَأْكُلُونَ مَا قَتَلَ اللَّهُ فَائِدَةٌ النَّفْسُ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ لِأُمُورٍ أَحَدُهَا الدَّمُ لِقَوْلِهِ
(تَسِيلُ عَلَى حَدِّ الظِّبَاتِ نُفُوسُنَا ... وَلَيْسَ عَلَى غَيْرِ الظِّبَاتِ تَسِيلُ)

(4/126)


وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُهُ فِي بَابِ النِّفَاسِ وَالْحَيْضِ

(فَرْعٌ)
فِي الْكِتَابِ لَا يُصَلَّى عَلَى جِلْدِ حِمَارٍ وَإِنْ ذُكِّيَ قَالَ ابْنُ يُونُسَ لِأَنَّ الذَّكَاةَ لَا تَعْمَلُ فِيهِ لِنَهْيِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْهُ وَهُوَ خِلَافُ نَقْلِ الْجَوَاهِرِ

(فَرْعٌ)
قَالَ اللَّخْمِيُّ تَصِحُّ ذَكَاةُ الْمَرِيضَةِ إِذَا لَمْ تُشَارِفِ الْمَوْتَ فَإِنْ شَارَفَتْ صَحَّتْ ذَكَاتُهَا عِنْدَ مَالِكٍ وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ لَا تَصِحُّ وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ لما فِي الصَّحِيحَيْنِ أَن امة لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ كَانَتْ تَرْعَى غَنَمًا بِسَلْعٍ فَأَبْصَرَتْ بِشَاةٍ تَمُوتُ فَأَدْرَكَتْهَا فَذَكَّتْهَا بِحَجَرٍ فَسُئِلَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ كُلُوهَا وَفِيهِ أَرْبَعُ فَوَائِدَ ذَكَاةُ النِّسَاءِ وَبِالْحَجَرِ وَمَا أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ وَذَكَاةُ غَيْرِ الْمَالِكِ بِغَيْرِ وَكَالَةٍ وَإِذَا لَمْ يَتَحَرَّكْ مِنَ الذَّبِيحَةِ شَيْءٌ بَعْدَ الذَّبْحِ أُكِلَتْ إِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً قَالَ مُحَمَّدٌ إِذَا سفح دَمُهَا قَالَ اللَّخْمِيُّ وَكَذَلِكَ أَرَى فِي الْمَرِيضَةِ الظَّاهِرَةِ الْحَيَاةِ فَإِنْ قَرُبَتْ مِنَ الْمَوْتِ لَمْ تُؤْكَلْ إِلَّا بِدَلِيلٍ عَلَى الْحَيَاةِ عِنْدَ الذَّبْحِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَذَلِكَ اضْطِرَابُ عَيْنِهَا أَوْ ضَرْبُ يَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا أَوِ اسْتِمَاعُ نَفَسِهَا فِي جوفها وَنَحْوهَا وَإِذَا أُشْكِلَ الْأَمْرُ لَمْ تُؤْكَلْ

(4/127)


وَالِاخْتِلَاجُ الْخَفِيفُ تَرْكُ الْأَكْلِ مَعَهُ أَحْسَنُ لِأَنَّ اللَّحْمَ يَخْتَلِجُ بَعْدَ السَّلْخِ وَخُرُوجُ الدَّمِ لَيْسَ دَلِيلًا وَحْدَهُ لِخُرُوجِهِ مِنَ الْمَيْتَةِ إِلَّا أَنْ يَخْرُجَ بِقُوَّةٍ لَا تَلِيقُ إِلَّا بِالْحَيَاةِ قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدَّمَاتِ فِي وَقْتِ اعْتِبَارِ عَلَامَاتِ الْحَيَاةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ بَعْدَ الذَّبْحِ مَعَهُ يَكْفِي وُجُودُهَا قَبْلَهُ

(فَرْعٌ)
قَالَ اللَّخْمِيُّ الْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ الَّتِي تُضْرَبُ حَتَّى تَمُوتَ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ مَا مَاتَ مِنْهَا فَحَرَامٌ وَمَا لَوْ تُرِكَ لَعَاشَ يُذَكَّى وَغَيْرُ الْمَرْجُوِّ وَالَّذِي حَدَثَ بِهِ فِي مَوْضِعِ الذَّكَاةِ لم تُؤْكَل وَفِي غَيْرِهِ يُذَكَّى وَيُؤْكَلُ عِنْدَ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَوِ انْتَثَرَتِ الْحَشْوَةُ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {إِلَّا مَا ذكيتم} بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ لِأَنَّهُ الأَصْل وَقيل لَا يُؤْكَل لِأَنَّهُ متقطع أَيْ مِنْ غَيْرِهِنَّ لِأَنَّهُ لَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ قَوْله تَعَالَى {حرمت عليمن الْميتَة} يَعْنِي عَنْهُ وَفِي الْجَوَاهِرِ مَنَعَ أَبُو الْوَلِيدِ جَرَيَانَ الْخلاف الَّذِي ذكره اللَّخْمِيّ إِذا كَانَ المقتل فِي غَيْرِ مَحَلِّ الذَّكَاةِ وَقَالَ الْمَذْهَبُ كُلُّهُ على الْمَنْع وَإِنَّمَا الْخلاف إِذا بلغت النَّاس بِغَيْرِ إِصَابَةِ مَقْتَلٍ وَالْمَقَاتِلُ خَمْسَةٌ انْقِطَاعُ النُّخَاعِ ونثر الدِّمَاغ وفري الأدواج وَانْثِقَابُ الْمُصْرَانِ وَنَثْرُ الْحَشْوَةِ وَفِي الْبَيَانِ اخْتُلِفَ فِي دق الْعُنُق مِنْ غَيْرِ قِطْعِ الْأَوْدَاجِ فَلَمْ يَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ مَقْتَلًا وَفِي خَرْقِ الْأَوْدَاجِ مِنْ غَيْرِ قِطْعِ الْأَوْدَاجِ فَلَمْ يَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَقِيلَ مَقْتَلٌ وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَنَّ خَرْقَ الْمُصْرَانِ مَقْتَلٌ إِذَا كَانَ فِي مَجْرَى الطَّعَامِ قَبْلَ كَوْنِهِ رَجِيعًا أَمَّا حَيْثُ يَكُونُ رَجِيعًا فَلَيْسَ مَقْتَلًا لِأَنَّ الْغِذَاءَ مَحْفُوظٌ عَنِ الْجَسَدِ وَقَدْ وَجَدْنَا مَنْ يَعِيشُ مِنْ بَنِي آدَمَ وَالدَّوَابِّ من هُوَ

(4/128)


كَذَلِكَ وَلِذَلِكَ سُقِيَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اللَّبَنَ فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ مَجْرَى الطَّعَامِ قِيلَ لَهُ أَوْصِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِذَلِكَ تُؤْكَلُ الْبَهِيمَةُ إِذَا ذُكِّيَتْ فَوُجِدَتْ مَثْقُوبَةَ الْكَرِشِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْفَرْثِ وَأَمَّا إِذَا شَقَّ الْجَوْفَ فَلَا تُذَكَّى وَلَا تُؤْكَلُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ إِلَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الَّذِي يُنْفِذُ مَقَاتِلَ رَجُلٍ ثُمَّ يُجْهِزُ عَلَيْهِ آخَرُ يُقْتَلُ بِهِ الثَّانِي وَيُعَاقَبُ الْأَوَّلُ قَالَ فِي الْمُقَدَّمَاتِ وَالصَّوَابُ رِوَايَةُ سَحْنُونٍ عَنْهُ أَنَّ الْأَوَّلَ يُقْتَلُ بِهِ وَيُعَاقَبُ الثَّانِي قَالَ فِي الْبَيَانِ وَفِي الْمُنْخَنِقَةِ وَأَخَوَاتِهَا إِذَا سَلِمَتْ مَقَاتِلُهَا أَقْوَالٌ ثَالِثُهَا التَّفْرِقَةُ بَين الميؤس مِنْهُ فَيَمْتَنِعُ وَبَيْنَ الْمَرْجُوِّ فَيَجُوزُ وَجَعَلَهَا ابْنُ الْقَاسِم بِخِلَاف الْمَرِيضَة الميؤسة وَالْجَوَازُ مُطْلَقًا لِمَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَالْمَنْعُ مُطْلَقًا لِعَبْدِ الْمَلِكِ

(فَرْعٌ)
قَالَ اللَّخْمِيُّ الْجَنِينُ إِذَا لَمْ تَجْرِ فِيهِ حَيَاةٌ لَمْ تَنْفَعْ فِيهِ ذَكَاةُ أُمِّهِ وَلَا يُؤْكَلُ وَإِذَا جَرَتْ فِيهِ الْحَيَاةُ وَعَلَامَتُهُ عِنْدَنَا كَمَالُ الْخَلْقِ وَنَبَاتُ الشَّعَرِ فَإِنْ ذُكِّيَتِ الْأُمُّ وَخَرَجَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ عَلَى الْفَوْرِ كَرِهَهُ مُحَمَّدٌ وَحَرَّمَهُ ابْنُ الْجَلَّابِ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَإِنِ اسْتَهَلَّ صَارِخًا انْفَرَدَ بِحُكْمِ نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ تُذَكَّ الْأُمُّ وَأَلْقَتْهُ مَيِّتًا لَمْ يُؤْكَلْ وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ حَيًّا حَيَاةً لَا يَعِيشُ مَعَهَا عُلِمَ ذَلِكَ أَوْ شُكَّ فِيهِ وَإِنْ ذُكِّيَتِ الْأُمُّ فَخَرَجَ مَيِّتًا فَذَكَاتُهَا ذَكَاتُهُ وَقَالَهُ ش خِلَافًا لِ ح وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي أَبِي دَاوُدَ ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ يُرْوَى بِرَفْعِ الذَّكَاتَيْنِ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْكَثِيرُ وَبِنَصْبِ الثَّانِيَةِ وَرَفْعِ الأولى فعلى الرَّفْعِ يَحِلُّ بِذَكَاةِ أُمِّهِ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْمُبْتَدَأ يجب انحصاره فِي الْخَبَر وَمِنْه تَحْرِيمهَا التَّكْبِير

(4/129)


وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ أَيْ ذَكَاتُهُ مَحْصُورَةٌ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ فَلَا يُحْتَاجُ لِغَيْرِهَا وَعَلَى النَّصْبِ مَعْنَاهُ ذَكَاةُ الْجَنِينِ أَنْ يُذَكَّى ذَكَاةً مِثْلَ ذَكَاةِ أمه ثمَّ حدف مِثْلُ وَمَا قَبْلَهُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَ الْمُضَافِ فَيَفْتَقِرُ الْجَنِينُ إِلَى الذَّكَاةِ وَعَلَيْهِ أَسْئِلَةٌ أَحَدُهَا أَنَّهُ شَاذٌّ الثَّانِي أَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى إِضْمَارٍ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ الثَّالِثُ أَنَّ مَعْنَاهُ ذَكَاةُ الْجَنِينِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ ثُمَّ حُذِفَ حَرْفُ الْجَرِّ فَنُصِبَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلا} الْأَعْرَاف 155 أَيْ مِنْ قَوْمِهِ وَهَذَا أَوْلَى لِقِلَّةِ الْإِضْمَارِ وَاتِّفَاقِهِ مَعَ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَإِلَّا نَقَضَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الْأُخْرَى وَالْحَدِيثُ مُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ بِمَوْتِ الْأُمِّ فَإِنَّمَا مَاتَ خَنْقًا

(فَرْعٌ)
قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الدَّابَّةُ الَّتِي لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا بِطُولِ مَرَضِهَا أَوْ تَتْعَبُ عَنِ السَّيْرِ فِي أَرْضٍ لَا عَلَفَ فِيهَا ذَبْحُهَا أَوْلَى مِنْ بَقَائِهَا تَتَعَذَّبُ وَقِيلَ تعقر لَيْلًا يُغَرَّ النَّاسُ بِذَبْحِهَا عَلَى أَكْلِهَا وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ لَا تُذْبَحُ وَلَا تُعْقَرُ لِنَهْيِهِ عَلَيْهِ السَّلَام عَن تَعْذِيب الْحَيَوَان لعير مأكله

(4/130)


(تَفْرِيعٌ)
قَالَ لَوْ تَرَكَهَا فَأَعْلَفَهَا غَيْرُهُ ثُمَّ وَجَدَهَا قَالَ مَالِكٌ هُوَ أَحَقُّ بِهَا لِأَنَّهُ تَرَكَهَا مُضْطَرًّا كَالْمُكْرَهِ وَيُعْطِيهِ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا وَقيل هِيَ لعالفها إِعْرَاض الْمَالِكِ عَنْهَا النَّظَرُ الثَّالِثُ فِي الْمُذَكَّى بِهِ وَفِي الْكِتَابِ يَجُوزُ بِالْحَجَرِ وَالْعُودِ وَالْعَظْمِ قَالَ اللَّخْمِيُّ الذَّكَاةُ جَائِزَةٌ بِكُلِّ مُجْهِزٍ مِنْ حَدِيدٍ أَو قصب أَو زجاج لما فِي الصحيحن عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفْرَ وَسَأُخْبِرُكَ عَنْهُمَا أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ وَأَمَّا الظُّفْرُ فمدى الْحَبَشَة مَعْنَاهُ عظم يرض وَلَا بفري وَالظُّفْرُ يَخْنُقُ وَلَا يَذْبَحُ أَوْ يَكُونُ ذِكْرُ الْحَبَشَةِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ مِنْ شِعَارِ الْكُفَّارِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ النَّهْيِ عَنْ زِيِّ الْأَعَاجِمِ قَالَ وَفِي الْعَظْمِ وَالسِّنِّ وَالظُّفْرِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ أَجَازَ مَالِكٌ وَابْنُ حَنْبَلٍ الْعَظْمَ وَالظُّفْرَ ومنعهما ابْن حبيب وح إِذَا كَانَا مُرَكَّبَيْنِ وَجَوَّزَا الْمَنْزُوعَيْنِ إِنْ أَمْكَنَ الذَّبْحُ بِهِمَا لِكِبَرِهِمَا وَكُرِهَ السِّنُّ وَأُبِيحَ الْعَظْمُ وَمَنَعَ ش الثَّلَاثَةَ حَتَّى لَوْ عُمِلَ الْعَظْمُ نِشَابًا لَأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْحَدِيثِ وَرَدَ مُطْلَقًا وَجَوَابُهُ أَنَّهُ مُعَلَّلٌ بِمَا سَبَقَ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُذَكَّى بِغَيْرِ الْحَدِيدِ إِلَّا عِنْد عَدمه لقَوْله عَلَيْهِ

(4/131)


فِي مُسْلِمٍ إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ مُدْيَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَته النّظر الرَّابِع فِي صفة الذَّكَاة وَهِيَ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ عَقْرٌ فِي الصَّيْدِ الْبَرِّيِّ ذِي الدَّمِ وَتَأْثِيرٌ مِنَ الْإِنْسَانِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ بِالرَّمْيِ فِي الْمَاءِ الْحَارِّ أَوْ قَطْعُ الرؤس أَو أرجل أَو أَجْنِحَة فِي الْجَرَادِ وَنَحْوِهِ مِنْ غَيْرِ ذِي الدَّمِ عِنْدَ ابْن الْقَاسِم فِي الْكتاب وَقَالَ أَشْهَبُ فِي مُدَوَّنَتِهِ لَا يُؤْكَلُ إِذَا قُطِعَتْ أَجْنِحَتُهُ أَوْ أَرْجُلُهُ قَبْلَ السَّلْقِ وَلَا من قطع الرؤس قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ أَشْهَبُ أَجْنِحَتُهَا كَصُوفِ الْمَيْتَةِ وَتُؤْكَلُ وَلَوْ سُلِقَتْ أَفْخَاذُهَا بَعْدَ قَطْعِهَا مِنْهَا لَمْ يُؤْكَلِ الْجَمِيعُ لِأَنَّ الْمُبَانَ عَنِ الْحَيِّ مَيْتَةٌ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَهَذَا غَلَطٌ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا بُدَّ مِنَ التَّسْمِيَةِ عِنْدَ فِعْلِ الذَّكَاةِ مِنْ سَلْقٍ أَوْ غَيْرِهِ الثَّالِثُ الذَّبْحُ فِي نُحُورِ الْغَنَمِ الرَّابِعُ النَّحْرُ فِي الْإِبِلِ الْخَامِسُ التَّخْيِيرُ بَيْنَهُمَا مَعَ أَفْضَلِيَّةِ الذَّبْحِ فِي الْبَقَرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} الْبَقَرَة 67 وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ نَحَرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ أَزْوَاجِهِ الْبَقَرَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالذَّكَاةِ الْفَصْلُ بَيْنَ الْحَرَامِ الَّذِي هُوَ الْفَضَلَاتُ الْمُسْتَقْذَرَةُ وَبَيْنَ اللَّحْمِ الْحَلَالِ بِأَسْهَلِ الطُّرُقِ على الْحَيَوَان فَمَا طَالَتْ عُنُقه كَالْإِبِلِ فتحره أَسْهَلُ لِزُهُوقِ رُوحِهِ لِقُرْبِهِ مِنَ الْجَسَدِ وَبْعْدِ الذَّبْحِ مِنْهُ وَالذَّبْحُ فِي الْغَنَمِ أَسْهَلُ عَلَيْهَا لِقُرْبِهِ مِنَ الْجَسَدِ وَالرَّأْسِ مَعًا وَلَمَّا تَوَسَّطَتِ الْبَقَرُ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ جَازَ الْأَمْرَانِ وَأُشْكِلَ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ النَّعَامَةُ فَفِي الْجَوَاهِرِ أَنَّهَا تُذْبَحُ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا مَعَ طُولِ عُنُقِهَا وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْإِبِلِ أَنَّ نَحْرَهَا مُمْكِنٌ من جوفها فنحرها شقّ لجوفها وَلذَلِك حُرِّمَ نَحْرُ الْغَنَمِ وَفِي الْجَوَاهِرِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ إِذَا نُحِرَ الْفِيلُ انْتُفِعَ بِعَظْمِهِ وَجلده

(4/132)


قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ وَخَصَّهُ بِالنَّحْرِ مَعَ قِصَرِ عُنُقِهِ لِأَنَّهُ لَا عُنُقَ لَهُ قَالَ اللَّخْمِيُّ النَّحْرُ فِي الْبَقَرَةِ وَيُجْزِئُ مِنْهَا مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَلَمْ يَشْتَرِطُوا فِيهِ الْوَدَجَيْنِ وَالْحُلْقُومَ كَالذَّبْحِ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ إِجْزَاءُ الطَّعْنِ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَالْمَنْحَرِ إِذَا كَانَ فِي الْوَدَجِ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعَثَ مُنَادِيًا النَّحْرُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ وَلَا يَكْفِي الطَّعْنُ فِي الْحُلْقُومِ لِبَقَاءِ الْحَيَاةِ بَعْدَ شَقِّهِ وَإِذَا وَقَعَ النَّحْرُ فِي الْمَنْحَرِ قَطَعَ الْوَدَجَيْنِ لِأَنَّهُ مَجْمَعُهُمَا وَيُجْزِئُ قَطْعُ وَدَجٍ فَائِدَةٌ اللَّبَّةُ وَاللَّبَبُ وَسَطُ الصَّدْرِ وَفِي الْكتاب الذّبْح فِي الْأَوْدَاج والحلقوم لَا يُجْزِئُ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَعْتَبِرِ الْمَرِّيءَ وَاعْتَبَرَهُ ش وَابْنُ حَنْبَلٍ مَعَ الْحُلْقُومِ لِأَنَّهُ مَجْرَى الطَّعَامِ وَاعْتَبَرَ ح ثَلَاثَةً مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ لِأَنَّ الْأَقَلَّ تَبَعٌ لِلْأَكْثَرِ لَنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالذَّكَاةِ إِخْرَاجُ الْفَضَلَاتِ بِأَسْهَلِ الطُّرُقِ وَالْمَرِّيءُ مَجْرَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَقَطْعُهُ لَا يُرْجِئُ الْمَوْتَ وَبَقَاء الوريد مَجْرَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَقَطْعُهُ لَا يُرْجِئُ الْمَوْتَ وَبَقَاءُ الْوَرِيدِ يَمْنَعُ الْمَوْتَ فَانْحَصَرَ الْمَقْصُودُ فِي الْحُلْقُومِ لِأَنَّهُ مَجْرَى النَّفَسِ وَلَا حَيَاةَ بَعْدَهُ وَفِي الوريدين بتعذر الْحَيَاةِ بَعْدَ الدِّمَاءِ وَسَقْطِ الْمَرِيءِ وَيُؤَكِّدُهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ فَكُلْ وَإِنْهَارُ الدَّمِ إِنَّمَا يَكُونُ مِنَ الْأَوْدَاجِ وَأَصْلُ الْإِنْهَارِ السَّعَةُ وَمِنْهُ النَّهْرُ لِاتِّسَاعِهِ لِلْمَاءِ وَالنَّهَارُ لِاتِّسَاعِ الضَّوْءِ فِيهِ وَمِنْ ضَرُورَةِ قَطْعِ الْوَدَجَيْنِ قَطْعُ الْحُلْقُومِ غَالِبًا قَالَ لِأَنَّهُ قبلهمَا فَيدل اللَّفْظ على الودجين مُطَابقَة وعَلى الْحُلْقُوم التزاما وَأما المرئ فَوَرَاءَهُمَا مُلْتَصِقٌ بِعَظْمِ الْقَفَا فَلَا يَدُلُّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ أَلْبَتَّةَ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ لَا بُدَّ مِنَ الْأَرْبَعَةِ وَالِاكْتِفَاءُ بِالْوَدَجَيْنِ لِخُرُوجِ الدَّمِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إِنْ قَطَعَ الْأَوْدَاجَ وَنصف الْحُلْقُوم اجزأ

(4/133)


قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدَّمَاتِ وَفَرَائِضُ الذَّكَاةِ خَمْسٌ النِّيَّةُ إِجْمَاعًا وَقَطْعُ الْوَدَجَيْنِ وَالْحُلْقُومِ وَالْفَوْرُ وَالتَّسْمِيَةُ سُنَّةٌ وَقَالَهُ ش وَصَاحب النكت وَقَالَ صَاحِبُ الْإِكْمَالِ الْمَشْهُورُ وُجُوبُهَا مَعَ الذِّكْرِ دُونَ النسان وَمَتْرُوكُ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا لَا يُؤْكَلُ وَقَالَهُ ح وَابْنُ حَنْبَلٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} الْأَنْعَام 121 وَفِي الْبُخَارِيِّ أَنَّ قَوْمًا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ قَوْمًا مِنَ الْأَعْرَابِ يَأْتُونَنَا بِاللَّحْمِ لَا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ أَمْ لَا قَالَ سَمُّوا اللَّهَ وَكُلُوا وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهَا وَقَدْ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْآيَةِ مَعْنَاهَا مَا ذُبِحَ عَلَى مِلَّتِكُمْ فَكُلُوا وَمَا لَا فَلَا قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ حبيب باسم اللَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا تُجْزِئُ لِأَنَّهُ ذِكْرُ اللَّهِ لَكِنَّ الْعَمَلَ عَلَى باسم اللَّهِ وَالتَّكْبِيرِ وَقَالَهُ ابْنُ حَنْبَلٍ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَاللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي لِأَنَّهُ دُعَاءٌ قَالَ مُحَمَّدٌ وَالْأَفْضَلُ فِي الْأُضْحِيَّةِ رَبَّنَا تَقَبَّلْ منا إِنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم وَفِي الْكِتَابِ لَا يَعْرِفُ مَالِكٌ اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَك خلافًا ل ش وَمَنْ أَمَرَ عَبْدَهُ بِالتَّسْمِيَةِ مَرَّتَيْنِ وَثَلَاثًا وَهُوَ يَقُول سميت لم يَسْمَعْهُ صَدَّقَهُ وَأَكَلَ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ إِنْ ترك التَّسْمِيَة نَاسِيا لَا يضرّهُ 1 لَك قَوْلًا وَاحِدًا أَوْ مُتَهَاوِنًا لَمْ تُؤْكَلْ عَلَى اخْتِلَافٍ أَوْ عَامِدًا فَقَوْلَانِ نَظَائِرُ أَرْبَعٌ مَسَائِلُ أَسْقَطَ مَالِكٌ فِيهَا الْوُجُوبَ مَعَ النِّسْيَانِ التَّسْمِيَةُ وَمُوَالَاةُ الطَّهَارَةِ وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ وَتَرْتِيبُ الصَّلَاةِ الْفَائِتَةِ مَعَ الْحَاضِرَةِ لِضَعْفِ مَدْرَكِ الْوُجُوبِ بِسَبَبِ تَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ فَقَوِيَ السُّقُوطُ بِعُذْرِ النِّسْيَانِ

(4/134)


(فَرْعٌ)
قَالَ صَاحِبُ تَهْذِيبِ الطَّالِبِ لَوِ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا عَلَى الذَّبْحِ وَإِسْمَاعِ التَّسْمِيَةِ فَذَبَحَ وَلَمْ يَسْمَعْهُ وَقَالَ سَمَّيْتُ قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا لَا شَيْءَ لَهُ مِنَ الْأُجْرَةِ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ وَلَا يُغَرَّمُ الذَّبِيحَةَ وَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا لَهُ تَغْرِيمُهُ وَقَالَ أَبُو عمرَان وَهِي مجزئة لِأَنَّهُ إِن أَسَرَّهَا فَالسِّرُّ كَالْعَلَانِيَةِ فِيهَا وَإِنْ نَسِيَ فَنِسْيَانُهَا لَا يَقْدَحُ وَلَا يُظَنُّ بِالْمُسْلِمِ غَيْرُ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الشَّاةُ لِلْبَيْعِ فَيَنْقُصُهَا ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ تَوَرُّعِ النَّاسِ فَلَهُ مَا نَقُصَ وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ أَيْضًا إِنْ كَانَتْ أُجْرَةُ الْإِسْمَاعِ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ السِّرِّ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَفِي الْكِتَابِ الذَّابِحُ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ وَبِئْسَ مَا صَنَعَ وَيُسَمِّي اللَّهَ عِنْدَ الذّبْح وَليقل باسم اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَلِكَ وَلَيْسَ مَوْضِعَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ اللَّخْمِيُّ يُكْرَهُ الذَّبْحُ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ فَإِنْ فَعَلَ أُكِلَتْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ تُؤْكَلُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَعَمِّدًا فَتُكْرَهُ وَقَالَ ابْن حبيب إِن الْعمد حُرِّمَتْ وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ قِيَاسًا عَلَى التَّسْمِيَةِ وَالْفَرْقُ لِلْمَذْهَبِ أَنَّ الِاسْتِقْبَالَ أَخَفُّ مِنَ التَّسْمِيَةِ لِعَدَمِ دَلَالَةِ النُّصُوصِ عَلَيْهِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِخِلَاف التَّسْمِيَة تظافرت النُّصُوصُ عَلَى الْأَمْرِ بِهَا وَإِنَّمَا الذَّبِيحَةُ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ جِهَةٍ فَاخْتِيرَ أَفْضَلُ الْجِهَاتِ وَهِيَ جِهَةُ الْكَعْبَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاسْتِقْبَالِ لِلْبَوْلِ وَإِنْ كَانَ الدَّمُ نَجَاسَةً كَالْبَوْلِ وَجْهَانِ أَنَّ الدَّمَ أَخَفُّ

(4/135)


تَنْجِيسًا لِأَكْلِ قَلِيلِهِ وَالْعَفْوِ عَنْ يَسِيرِهِ وَإنَّ الذَّبَائِح فِي حَبسهَا قُرُبَاتٌ بِخِلَافِ الْبَوْلِ وَأَيْضًا الْبَوْلُ تَنْضَافُ إِلَيْهِ الْعَوْرَة

(تَفْرِيع)
فِي الْكتاب إِذا نحرت الْغنم إو ذبحت الْإِبِل مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ لَمْ تُؤْكَلْ وَقَالَ الْأَئِمَّةُ يَسُدُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ النَّحْرِ وَالذَّبْحِ مَسَدَّ الْآخَرِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ الَّذِي هُوَ الدَّمُ وَالْوَاقِعُ مِنَ الْغَنَمِ فِي بِئْرٍ لَا يُوصَلُ لِذَكَاتِهِ إِلَّا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَالْمَذْبَحِ فَيُذْبَحُ أَوْ يُنْحَرُ وَلَا يَجُوزُ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ إِلَّا فِي الصَّيْدِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَلَيْسَ هَذَا صَيْدًا قَالَ اللَّخْمِيُّ إِذَا عَادَ الْوَحْشِيُّ إِلَى التَّوَحُّشِ بَعْدَ التَّأَنُّسِ فَذَكَاتُهُ بِالِاصْطِيَادِ وَاخْتُلِفَ فِي الْإِنْسِيِّ يَتَوَحَّشُ أَوْ يَسْقُطُ فِي بِئْرٍ فَلَا يُؤْكَل بِمَا يُؤْكَل بِهِ الصَّيْد عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُؤْكَلُ الْبَقَرُ الْمُتَوَحِّشُ بِالْعَقْرِ لِأَنَّ مِنْ جِنْسِهَا مُتَوَحِّشًا وَكَذَلِكَ الْأَنْعَامُ تَقَعُ فِي الْبِئْرِ وَيُعْجَزُ عَن ذكاتها وَقَالَهُ ش إِذا تدفق الدَّمُ لِمَا يُرْوَى أَنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ أَبُو العشراء تردى لَهُ بِغَيْر فِي بِئْرٍ فَهَلَكَ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَهُ وَأَبِيك لَو طعنت فِي حاضرتها لَحَلَّتْ لَكَ وَجَوَّزَ أَشْهَبُ النَّحْرَ مَكَانَ الذَّبْحِ وَبِالْعَكْسِ وَقَالَ ابْنُ بَكِيرٍ يُؤْكَلُ الْبَعِيرُ بِالذَّبْحِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَلَا تُؤْكَلُ الشَّاةُ بِالنَّحْرِ لِأَنَّهُ بَعْضُ أَعْضَاءِ الذّبْح

(4/136)


(فَرْعٌ)
قَالَ اللَّخْمِيُّ الْجَوْزَةُ الَّتِي فِي رَأْسِ الْحُلْقُومِ وَتُسَمَّى الْغَلْصَمَةُ إِنْ وَقَعَ الذَّبْحُ فِيهَا أَجْزَأَ إِذَا اسْتَكْمَلَ دَائِرَهَا فَإِنْ قَطَعَ نِصْفَهَا أُكِلَتْ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ وَهُمَا عَلَى أَصْلَيْهِمَا فَإِنْ صَارَ جَمِيعُهَا إِلَى الْبَدَنِ دُونَ الرَّأْسِ لَمْ تُؤْكَلْ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ لِدَلَالَةِ الْحَدِيثِ عَلَيْهَا الْتِزَامًا وَأَشْهَبُ يَرَى انْقِطَاعَ النَّفَسِ حَاصِلًا وَهُوَ كَافٍ فِي زُهُوقِ الرُّوحِ

(فَرْعٌ)
قَالَ اللَّخْمِيُّ مِنْ شَرط الذَّكَاة الْفَوْر فَإِن رفع يَده فَبل كَمَالِ الذَّكَاةِ ثُمَّ أَعَادَهَا بَعْدَ طُولٍ لَمْ تُؤْكَلْ أَوْ بِفَوْرِ ذَلِكَ أُكِلَتْ عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا تُؤْكَلُ وَقَالَ أَيْضًا تُكْرَهُ وَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ بِمَا إِذَا رَفَعَ يَده مختبرا فَأَتمَّ على الْفَوْر فتؤكل وَإِن رَفَعَ جَازِمًا لَمْ تُؤْكَلْ قَالَ وَلَوْ عُكِسَ لَكَانَ أَبْيَنَ لِأَنَّهُ أَعْذَرُ مِنَ الشَّكِّ قَالَ وَرَأى أَن تُؤْكَل فِي الْحَالين لِأَن الْفَوْر كالمتحد وَفِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ إِنْ كَانَتْ حِينَ الرَّفْعِ لَوْ تُرِكَتْ لَعَاشَتْ أُكِلَتْ لَأَنَّ الثَّانِيَةَ ذَكَاةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَإِلَّا لَمْ تُؤْكَلْ كَالْمُتَرَدِّيَةِ وَأَخَوَاتِهَا

(4/137)


(فَرْعٌ)
فِي الْكِتَابِ إِذَا تَمَادَى حَتَّى قَطَعَ الرَّأْس أكلت وَأَن لَمْ يَتَعَمَّدْ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ تُؤْكَلُ وَإِنْ تَعَمَّدَ لِحُصُولِ الذَّكَاةِ الْمَشْرُوعَةِ وَزِيَادَةُ الْأَلَمِ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ قَالَ اللَّخْمِيُّ إِنْ تَعَمَّدَ لَمْ تُؤْكَلْ وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ إِلَّا أَنْ يَقْصِدَ ذَلِكَ أَوَّلًا وَلَمْ يَنْوِ مَوْضِعَ الذَّكَاةِ فَلَا تُؤْكَلُ فَإِنْ ذَبَحَ مِنَ الْقَفَا لَمْ تُؤْكَلْ لِنُفُوذِ مَقْتَلِهَا الَّذِي هُوَ النُّخَاعُ قَبْلَ الذَّكَاةِ وَقَالَ الْأَئِمَّةُ تُؤْكَلُ إِنِ اسْتَمَرَّتِ الْحَيَاةُ عِنْدَ أَعْضَاءِ الذَّبْحِ لِحُصُولِ الذَّكَاةِ فِي الْحَيِّ وَفِي الْجَوَاهِرِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يُؤْكَلُ مَا ذُبِحَ مِنْ صَفْحَةِ الْعُنُقِ

(فَرْعٌ)
فِي الْكِتَابِ لَا تُسْلَخُ الشَّاةُ وَلَا تُنْخَعُ وَلَا يُقْطَعُ شَيْءٌ مِنْهَا حَتَّى تَمُوتَ فَإِنْ فَعَلَ أُكِلَتْ مَعَ الْمَقْطُوعِ وَالنَّخْعُ قَطْعُ مُخِّ عَظْمِ الْعُنُقِ وَمِنْ ذَلِكَ كَسْرُهُ قَالَ اللَّخْمِيُّ يُكْرَهُ سَنُّ الْمُدْيَةِ بِحَضْرَةِ الشَّاةِ وَالذَّبْحُ بِحَضْرَتِهَا فَقَدْ أَمَرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ تُحَدَّ الشِّفَارُ وَتُوَارَى عَنِ الْبَهَائِمِ وَرَأَى عُمَرُ رَضِيَ الله عَنهُ رجلا يحد شفرة وَقَدْ أَخَذَ شَاةً لِيَذْبَحَهَا فَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ وَقَالَ أَتُعَذِّبُ الرُّوحَ أَلَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَأْخُذَهَا وَتُؤْخَذُ الْبَهِيمَةُ

(4/138)


أَخْذًا رَفِيقًا وَتُضْجَعُ عَلَى شِقِّهَا الْأَيْسَرِ لِيَتَمَكَّنَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَلِأَنَّهُ أهيأ لِلْحَيَوَانِ وَلِذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَنَامُ عَلَى الْأَيْمَنِ حَتَّى لَا يَقْوَى نَوْمُهُ فَيَنَامَ عَنْ ورده بِسَبَب ميل الْقلب إِلَيْهِ فِي مَوْضِعِهِ دَاخِلَ الصَّدْرِ وَيُعْلِي رَأْسَهَا وَيَأْخُذُ بِيَدِهِ الْيُسْرَى الْجِلْدَةَ الَّتِي عَلَى حَلْقِهَا مِنَ اللحي الْأَسْفَل فيجد لَحْمَهَا حَتَّى يَتَبَيَّنَ مَوْضِعَ السِّكِّينِ ثُمَّ يُمِرُّ السِّكِّينَ مَرًّا مُجْهِزًا فَإِنْ كَانَ أَعْسَرَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا بَأْسَ بِوَضْعِهَا عَلَى الْأَيْمَنِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُكْرَهُ لِلْأَعْسَرِ الذَّبْحُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ كَرِهَ مَالِكٌ ذَبْحَ الدَّجَاجِ وَالطَّيْرِ قَائِمًا فَإِنْ فُعِلَ أُكِلَتْ وَفِي الْجَوَاهِرِ تُنْحَرُ الْإِبِلُ قَائِمَةً مَعْقُولَةً وَيَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ وَقَالَهُ ابْنُ حَنْبَلٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا} الْحَج 36 أَيْ سَقَطَتْ وَهُوَ يَدُلُّ على نحرها قَائِمَة

(4/139)