(كِتَابُ الْجَامِعِ)
هَذَا الْكِتَابُ يَخْتَصُّ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ لَا يُوجَدُ فِي
تَصَانِيفِ غَيْرِهِ مِنَ الْمَذَاهِبِ وَهُوَ مِنْ مَحَاسِنِ
التَّصْنِيفِ لِأَنَّهُ تَقَعُ فِيهِ مَسَائِلُ لَا يُنَاسِبُ
وَضْعُهَا فِي رُبْعٍ مِنْ أَرْبَاعِ الْفِقْهِ أَعْنِي الْعِبَادَاتِ
وَالْمُعَامَلَاتِ وَالْأَقْضِيَةَ وَالْجِنَايَاتِ فَجَمَعَهَا
الْمَالِكِيَّةُ فِي أَوَاخِرِ تَصَانِيفِهَا وَسَمَّوْهَا
بِالْجَامِعِ أَيْ جَامِعِ الْأَشْتَاتِ مِنَ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا
تُنَاسِبُ غَيْرَهُ مِنَ الْكُتُبِ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَجْنَاسٍ مَا
يَتَعَلَّقُ بِالْعَقِيدَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَقْوَالِ وَمَا
يَتَعَلَّقُ بِالْأَفْعَالِ وَهُوَ الْأَفْعَالُ وَالتُّرُوكُ
بِجَمِيعِ الْجَوَارِحِ
(الْجِنْسُ الْأَوَّلُ الْعَقِيدَةُ)
قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ وَغَيْرُهُ مَذْهَبُ مَالِكٍ وُجُوبُ
النَّظَرِ وَامْتِنَاعُ التَّقْلِيدِ فِي أُصُولِ الدِّيَانَاتِ قَالَ
إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ
الْإِسْفَرَايِينِيُّ لَمْ يَرَ بِالتَّقْلِيدِ إِلَّا أَهْلُ
الظَّاهِرِ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ عِنْدَ أَوَّلِ
بُلُوغِهِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ لِجَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ مِنَ
الْمُمْكِنَاتِ خَالِقًا وَمُدَبِّرًا هُوَ وَاجِبُ الْوُجُودِ
أَزَلِيٌّ أَبَدِيٌّ حَيٌّ بِحَيَاةٍ قَادِرٌ بِقُدْرَةٍ مُرِيدٌ
بِإِرَادَةٍ عَالِمٌ بِعِلْمٍ سَمِيعٌ بِسَمْعٍ بَصِيرٌ بِبَصَرٍ
مُتَكَلِّمٌ بِكَلَامٍ وَأَنَّ صِفَاتِهِ تَعَالَى وَاجِبَةُ
الْوُجُودِ أَزَلِيَّةٌ أَبَدِيَّةٌ عَامَّةُ التَّعَلُّقِ
فَيَتَعَلَّقُ عِلْمُهُ بِجَمِيعِ الْجُزْئِيَّاتِ وَالْكُلِّيَّاتِ
وَالْوَاجِبَاتِ وَالْمُمْكِنَاتِ وَإِرَادَتُهُ تَعَالَى
مُتَعَلِّقَةٌ بِجَمِيعِ الْمُمْكِنَاتِ وَعِلْمُهُ مُتَعَلِّقٌ
بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ وَبَصَرُهُ مُتَعَلِّقٌ بِجَمِيعِ الموجودات
(13/231)
0 - وَسَمْعُهُ سُبْحَانَهُ مُتَعَلِّقٌ
بِجَمِيعِ الْأَصْوَاتِ وَالْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ حَيْثُ كَانَ
مِنْ خَلْقِهِ وَالْقَائِمُ بِذَاتِهِ وَأَنَّ قُدْرَتَهُ تَعَالَى
عَامَّةُ التَّعَلُّقِ بِجَمِيعِ الْمُمْكِنَاتِ الْمَوْجُودَةِ فِي
الْعَالَمِ مِنَ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِمْ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء
وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير} لَهُ أَن يفعل الْأَصْلَح لِعِبَادِهِ
وَله أَن لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ
يسْأَلُون} وَأَنَّهُ وَاحِدٌ فِي ذَاتِهِ لَا نَظِيرَ لَهُ وَلَا شريك
وَلَا يسْتَحق الْعباد غَيْرُهُ سُبْحَانَهُ وَأَنَّ جَمِيعَ رُسُلِهِ
صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِم صَادِقُونَ فِيمَا جاؤا بِهِ وَأَن
مُحَمَّد عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنَّ جَمِيعَ مَا جَاءَ بِهِ حَقٌّ
وَمَا أَخْبَرَ بِهِ صِدْقٌ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَحْوَالِهِ
وَالْقِيَامَةِ وَأَهْوَالِهَا مِنَ الصِّرَاطِ وَالْمِيزَانِ
وَجَمِيعُ الْمُغَيَّبَاتِ عِبَادٌ كَالْمَلَائِكَةِ وَالْجَانِّ
وَغَيْرِهِمْ وَأَدِلَّةُ جَمِيعِ هَذِهِ الْعَقَائِدِ مَبْسُوطَةٌ فِي
عِلْمِ أُصُولِ الدِّينِ وَكَذَلِكَ تَفْصِيلُ هَذِهِ الْحَقَائِقِ
وَتَفَارِيعِهَا وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَالنَّارَ حَقٌّ
مَخْلُوقَتَانِ وَأَنَّهُ لَا يُخَلَّدُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ
الْقِبْلَةِ فِي النَّارِ بِكَبِيرَةٍ وَأَنَّ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ
وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ وَأَنَّ الْإِيمَانَ اعْتِقَادٌ
بِالْقَلْبِ ونطق بِاللِّسَانِ وَعمل بالجوراح وَأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ
تَعَالَى قَائِمٌ بِذَاتِهِ مَحْفُوظٌ فِي الصُّدُورِ وَمَقْرُوءٌ
بِالْأَلْسِنَةِ مَكْتُوبٌ فِي الْمَصَاحِفِ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى
يَرَاهُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيُكَلِّمُهُمْ وَفِي
الْجَوَاهِرِ أَمَّا الْقِيَامُ بِدَفْعِ شُبَهِ الْمُبْطِلِينَ فَلَا
يَتَعَرَّضُ لَهُ إِلَّا مَنْ طَالَعَ عُلُومَ الشَّرِيعَةِ وَحَفِظَ
الْكَثِيرَ مِنْهَا وَفَهِمَ مَقَاصِدَهَا وأحكامها وَأخذ ذَلِك عَن
أيمة فاوضهم فِيهَا وراجعهم فِي ألفاظها وأعرضها وَبَلَغَ دَرَجَةَ
الْإِمَامَةِ فِي هَذَا الْعِلْمِ بِصُحْبَةِ الأيمة الَّذِينَ
أَرْشَدُوهُ لِلصَّوَابِ وَحَذَّرُوهُ مِنَ الْخَطَأِ وَالضَّلَالِ
حَتَّى ثَبَتَ الْحَقُّ فِي نَفْسِهِ ثُبُوتًا فَيَكُونُ الْقِيَامُ
بِدَفْعِ الشُّبُهَاتِ حِينَئِذٍ فَرْضَ كِفَايَةٍ عَلَيْهِ وَعَلَى
أَمْثَالِهِ وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَلَا يَجُوزُ لَهُمُ التَّعَرُّضُ
لِذَلِكَ لِأَنَّهُ رُبَّمَا ضَعُفَ عَنْ رَدِّ تِلْكَ الشُّبْهَة
فَيتَعَلَّق بِنَفسِهِ مِنْهَا لَا يَقْدِرُ عَلَى إِزَالَتِهِ
فَيَكُونُ قَدْ تَسَبَّبَ إِلَى هَلَاكِهِ نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى
الْعِصْمَةَ
(13/232)
وَكَذَلِكَ الْقِيَامُ بِالْفَتْوَى فَرْضُ
كِفَايَةٍ أَيْضًا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ قَبْلَ
الطَّهَارَةِ مَا هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ أَيْضًا مِنَ الْفِقْهِ وَمَا
هُوَ فَرْضُ عَيْنٍ وَأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِبَابٍ مِنْ أَبْوَابِ
الْفِقْهِ بَلْ هُوَ علمك بِحَالَتِكَ الَّتِي أَنْتَ فِيهَا
فَيُطَالَعُ مِنْ هُنَاكَ وَفِي التَّلْقِينِ يَجِبُ النَّظَرُ
وَالِاعْتِبَارُ الْمُؤَدِّيَيْنِ لِلْعِلْمِ بِمَا افْتُرِضَ عَلَيْكَ
أَوْ نُدِبْتَ إِلَيْهِ وَطَلَبُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَرْضُ
كِفَايَةٍ وَفِي تَعَلُّمِهِ فَضِيلَة عَظِيمَة وَلَا يجوز لمن قيه
فَضْلُ النَّظَرِ وَالِاجْتِهَادِ وَقُوَّةُ الِاسْتِدْلَالِ تَقْلِيدُ
غَيْرِهِ وَفُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ لِنَفْسِهِ لِقَوْلِهِ
تَعَالَى {فاعتبروا يَا أولي الْأَبْصَار} وَمَنْ لَا فَضْلَ فِيهِ
لِذَلِكَ فَهُوَ فِي سَعَةٍ مِنْ تَقْلِيدِ مَنْ يَغْلِبُ عَلَى
ظَنِّهِ أَنه أفقه وَأعلم وأدين وَأَوْرَع وقته وَيَلْزَمُهُ الْأَخْذُ
بِمَا يُفْتِيهِ بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ
الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}
(فَرْعٌ)
قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَأَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ خَيْرَ الْقُرُونِ
الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ
ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ كَمَا أَخْبَرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ
وَأَنَّ أَفْضَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ ثُمَّ
عَلِيٌّ وَقِيلَ ثُمَّ عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَلَا يَفْضُلُ بَيْنَهُمَا
وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ الْقَوْلَانِ وَأَنَّ الْمُهَاجِرِينَ أَفْضَلُ
عَصْرِهِ عَلَيْهِ السَّلَام وَأَن أفضلهم الْعشْرَة وَأفضل الْعشْرَة
الأيمة الْأَرْبَعَةُ ثُمَّ أَهْلُ بَدْرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ
وَالْمُهَاجِرُونَ على قدر الْهِجْرَة والسبق أَن مَنْ رَآهُ سَاعَةً
أَوْ مَرَّةً أَفْضَلُ مَنْ التَّابِعين تنبه لَيْسَ هَذِهِ
التَّفْضِيلَاتُ مِمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْمُكَلَّفِ
اكْتِسَابَهُ أَوِ اعْتِقَادَهُ بَلْ لَوْ غَفَلَ عَنْ هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ مُطْلَقًا لَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي الدِّينِ نَعَمْ
مَتَى خَطَرَتْ بِالْبَالِ أَوْ تَحَدَّثَ فِيهَا بِاللِّسَانِ وَجَبَ
الْإِنْصَافُ وَتَوْفِيَةُ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ وَيَجِبُ الْكَفُّ
عَنْ ذِكْرِهِمْ إِلَّا بِخَيْرٍ وَأَنَّ الْإِمَامَةَ خَاصَّةٌ فِي
قُرَيْشٍ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنَ
(13/233)
الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ وَأَنَّ نَصْبَ
الْإِمَامِ لِلْأُمَّةِ وَاجِبٌ مَعَ الْقُدْرَةِ وَأَنَّهُ مَوْكُولٌ
إِلَى أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ دُونَ النَّصِّ وَأَنَّهُ مِنْ
فُرُوضِ الْكِفَايَةِ وَيجب طَاعَة الأيمة وَإِجْلَالُهُمْ وَكَذَلِكَ
نُوَّابُهُمْ فَإِنْ عَصَوْا بِظُلْمٍ أَوْ تَعْطِيلِ حَدٍّ وَجَبَ
الْوَعْظُ وَحَرُمَتْ طَاعَتُهُ فِي الْمعْصِيَة وإعانته عَلَيْهَا
لقَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا طَاعَةَ
لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ وَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَلَى
مَنْ وَلِيَ وَإِنْ جَارَ وَيُغْزَى مَعَهُ الْعَدُوُّ وَيُحَجُّ
الْبَيْتُ وَتُدْفَعُ لَهُ الزَّكَوَاتُ إِذَا طَلَبَهَا وَتُصَلَّى
خَلْفَهُ الْجُمُعَةُ وَالْعِيدَانِ قَالَ مَالِكٌ لَا يُصَلَّى خَلْفَ
الْمُبْتَدِعِ مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يَخَافَهُ فَيُصَلِّي وَاخْتُلِفَ
فِي الْإِعَادَةِ قَاعِدَةٌ ضَبْطُ الْمَصَالِحِ الْعَامَّة وَاجِبٌ
وَلَا تَنْضَبِطُ إِلَّا بعظمة الأيمة فِي نَفْسِ الرَّعِيَّةِ وَمَتَى
اخْتَلَف عَلَيْهِمْ أَوْ أُهِينُوا تَعَذَّرَتِ الْمَصْلَحَةُ
وَلِذَلِكَ قُلْنَا لَا يَتَقَدَّمُ فِي إِمَامَةِ صَلَاةِ
الْجِنَازَةِ وَلَا غَيْرِهَا لِأَنَّ ذَلِكَ مُخِلٌّ بِأُبَّهَتِهِمْ
(فَرْعٌ)
قَالَ وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ لَا يُعْذَرُ مَنْ أَدَّاهُ
اجْتِهَادُهُ لِبِدْعَةٍ لِأَنَّ الْخَوَارِجَ اجْتَهَدُوا فِي
التَّأْوِيلِ فَلَمْ يُعْذَرُوا وَسَمَّاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَارِقِينَ مِنَ الدِّينِ وَجَعَلَ
الْمُجْتَهِدَ فِي الْأَحْكَامِ مَأْجُورًا وَإِنْ أَخْطَأَ
(فَرْعٌ)
قَالَ أَنْكَرَ مَالِكٌ رِوَايَةَ أَحَادِيثِ أَهْلِ الْبِدَعِ مِنَ
التَّجْسِيمِ وَغَيْرِهِ وَلَمْ يُنْكِرْ حَدِيثَ الضَّحِكِ وَلَا
حَدِيثَ التَّنْزِيلِ وَأَنْكَرَ حَدِيثَ أَنَّ الْعَرْشَ اهْتَزَّ
لِمَوْتِ سَعْدٍ تَنْبِيهٌ الْأَصْحَابُ مُتَّفِقُونَ عَلَى إِنْكَارِ
الْبِدَعِ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَغَيْرُهُ وَلَا يَسْتَقِيمُ ذَلِكَ
عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّهَا خَمْسَةُ أَقْسَامٍ وَاجِبَةٌ كَتَدْوِينِ
الْقُرْآنِ وَالشَّرَائِعِ إِنْ خِيفَ عَلَيْهَا الضَّيَاعُ فَإِنَّ
التَّبْلِيغَ لِمَنْ بَعْدَنَا مِنَ الْقُرُونِ وَاجِبٌ إِجْمَاعًا
(13/234)
وَمُحَرَّمَةٌ كَالْمُكُوسِ الْحَادِثَةِ
وَغَيْرِهَا وَمَنْدُوبَةٌ كَصَلَاةِ التَّرَاوِيحِ وَإِقَامَة صور
الأيمة وَالْقُضَاةِ بِالْمَلَابِسِ وَغَيْرِهَا مِنَ الزَّخَارِفِ
وَالسِّيَاسَاتِ وَرُبَّمَا وَجَبَتْ وَمَكْرُوهَةٌ كَتَخْصِيصِ
الْأَيَّامِ الْفَاضِلَةِ وَغَيْرِهَا بِنَوْعٍ مِنَ الْعِبَادَةِ
وَمُبَاحَةٌ كَاتِّخَاذِ الْمَنَاخِلِ فَفِي الْأَثَرِ عَنْ عَائِشَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَوَّلُ شَيْءٍ أَحْدَثَهُ النَّاسُ بَعْدَ
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - المناخل لَك
إِصْلَاحَ الْأَغْذِيَةِ الْمُبَاحَةِ مُبَاحٌ فَالْبِدْعَةُ إِذَا
عَرَضَتْ تُعْرَضُ عَلَى قَوَاعِدِ الشَّرْعِ وَأَدِلَّتِهِ فَإِنِ
اقْتَضَتْهَا قَاعِدَةُ تَحْرِيمٍ حُرِّمَتْ أَوْ إِيجَابٍ وَجَبَتْ
أَوْ إِبَاحَةٍ أُبِيحَتْ وَإِنْ نُظِرَ إِلَيْهَا مِنْ حَيْثُ
الْجُمْلَةُ بِالنَّظَرِ إِلَى كَوْنِهَا بِدْعَةً مَعَ قَطْعِ النّظر
عَمَّا يتقاضها كُرِهَتْ فَهَذَا تَفْصِيلُ أَحْوَالِ الْبِدَعِ
فَيُتَمَسَّكُ بِالسُّنَنِ مَا أَمْكَنَ وَلِبَعْضِ السَّلَفِ
الصَّالِحِ يُسَمَّى أَبَا الْعَبَّاسِ الْإِبْيَانِيَّ
الْأَنْدَلُسِيَّ ثَلَاثٌ لَوْ كُتِبْنَ فِي ظُفُرٍ لَوَسِعَهُنَّ
وَفِيهِنَّ خَيْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اتَّبِعْ لَا تَبْتَدِعْ
اتَّضِعْ لَا تَرْتَفِعْ مِنْ وَرَعٍ لَا تَتَّسِعْ وَسَيَأْتِي فِي
الْأَفْعَالِ فُرُوعٌ عَدِيدَةٌ مِنَ الْبِدَعِ مُفْرَدَةٌ إِنْ شَاءَ
اللَّهُ تَعَالَى
(فَرْعٌ)
قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ يَجِبُ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ
تَعَالَى أَسْمَعَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَلَامَهُ الْقَائِمَ
بِذَاتِهِ لَا كَلَامًا قَامَ بِغَيْرِهِ وَتَقْرِيرُ هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ وَأَدِلَّتُهَا ذَكَرْتُهُ مَبْسُوطًا سَهْلًا فِي
كِتَابِ الْأَنْقَادِ فِي الِاعْتِقَادِ
(مَسْأَلَةٌ)
قَالَ يَجِبُ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّ يَدَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
مَبْسُوطَتَانِ وَأَنَّ يَدَهُ غَيْرُ نِعْمَتِهِ قُلْتُ فِي هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ مَذَاهِبُ لِأَهْلِ الْحَقِّ مَعَ جَمِيعِ النُّصُوصِ
الْوَارِدَةِ فِي الْجَوَارِحِ كَالْوَجْهِ وَالْجَنْبِ والقدم قيل
يتَوَقَّف على تَأْوِيلِهَا وَيُعْتَقَدُ أَنَّ ظَاهِرَهَا غَيْرُ
مُرَادٍ وَيُحْكى أَنَّهُ مَذْهَبُ السَّلَفِ فَإِنَّهُ تَهَجَّمَ
عَلَى جِهَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِالظَّنِّ
(13/235)
وَالتَّخْمِينِ وَقِيلَ يَجِبُ
تَأْوِيلُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَفَلا يتدبرون الْقُرْآن} وَقَالَ
{ليدبروا آيَاته} وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى
النَّظَرِ وَالِاعْتِبَارِ وَتَدَبُّرُ الْكَلَامِ هُوَ رَدُّهُ إِلَى
دُبُرِهِ وَهُوَ الْمَعْنَى الْخَفِيُّ بِدَلِيلٍ مُرْشِدٍ لَهُ
وَالْقَوْلَانِ لِلشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ وَإِذَا قُلْنَا
بِالتَّأْوِيلِ فَيُحْمَلُ مَذْهَبُ السَّلَفِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
عَلَى مَوَاطِنِ اسْتِوَاءِ الْأَدِلَّةِ وَعَدَمِ التَّرْجِيحِ
وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ لِلْأَشْعَرِيَّةِ وَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ
تَأَوَّلَ فَقِيلَ عَلَى صِفَاتٍ مَجْهُولَةٍ غَيْرِ الصِّفَاتِ
السَّبْعَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى
بِعِلْمِهَا وَقِيلَ بَلِ الصِّفَاتِ السَّبْعَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا
يُنَاسِبُ كُلَّ آيَةٍ فَالْيَدُ لِلْقُدْرَةِ وَالْعَيْنُ لِلْعِلْمِ
وَالْقَدَمُ وَنَحْوُهُ لِلْقُدْرَةِ وَالْوَجْهُ لِلذَّاتِ
وَالْجَنْبُ لِلطَّاعَةِ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَحَامِلَ الْمُنَاسِبَةَ
مِنَ الْمَجَازَاتِ لِهَذِهِ الْحَقَائِقِ وَمَتَى تَعَذَّرَ حَمْلُ
اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ تَعَيَّنَ صَرْفُهُ لِأَقْرَبِ
الْمَجَازَاتِ إِلَيْهِ لُغَةً فَائِدَةٌ وَرَدَتِ النُّصُوصُ
بِإِفْرَادِ الْيَدِ وتثنيتها وَجَمعهَا {يَد الله فَوق أَيْديهم} {لما
خلقت بيَدي} {أولم يرو أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ
أَيْدِينَا أَنْعَامًا فهم لَهَا مالكون} مَعَ أَنَّ الْمُتَجَوَّزَ
إِلَيْهِ وَاحِدٌ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ الْقُدْرَةُ وَسَبَبُهُ أَنَّ
الْقُدْرَةَ لَهَا مُتَعَلِّقٌ فَإِنْ عُبِّرَ عَنِ الْقُدْرَةِ
بِاعْتِبَارِ ذَاتِهَا أُفْرِدَتْ أَوْ بِاعْتِبَارِ مُتَعَلِّقَاتِهَا
جُمِعَتْ أَوْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مُتَعَلِّقَاتِهَا قِسْمَانِ
ثُنِّيَتْ وَاخْتُلِفَ فِي تَقْدِيرِ التَّثْنِيَةِ فَقيل الْجَوَاهِر
والأعراض إِذا لَمْ تُوجِدِ الْقُدْرَةُ غَيْرَهُمَا أَوْ أَمْرُ
الدُّنْيَا وَأَمْرُ الْآخِرَةِ أَوِ الْخُيُورُ وَالشُّرُورُ
(13/236)
(مَسْأَلَةٌ)
مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالِاعْتِقَادِ مَا يَتَعَلَّقُ بِرَسُولِ الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من أَحْوَاله وَهِي أَقسَام نسبه
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ
بْنِ قصي ابْن كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ
غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ
خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ
بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْهُ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالْمجْمَع عَلَيْهِ وأضافوا فيهمَا
بَيْنَ عَدْنَانَ وَإِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَفِيمَا بَيْنَ
إِسْمَاعِيلَ وَآدَمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ اخْتِلَافًا كَثِيرًا
وَسُمِّيَ هَاشِمٌ هَاشِمًا لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ هَشَّمَ الثَّرِيدَ
لِقَوْمِهِ وَقُصَيٌّ لِأَنَّهُ تَقَصَّى مَعَ أُمِّهِ لِأَخْوَالِهِ
وَسَكَنَ مَعَهُمْ فِي بَادِيَتِهِمْ فَبَعُدَ عَنْ مَكَّةَ وَكَانَ
يُدْعَى مُجَمِّعًا لِأَنَّهُ لَمَّا رَجَعَ إِلَى مَكَّةَ جَمَّعَ
قَبَائِلَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ وَاسْمُ هَاشِمٍ عَمْرٌو وَاسْمُ عَبْدِ
مَنَافٍ الْمُغِيرَةُ وَاسْمُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ شَيْبَةُ لِشَيْبَةٍ
كَانَتْ فِي ذُؤَابَتِهِ وَقِيلَ اسْمه عبد الْمطلب أمه - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ
مَنَافِ بْنِ زهرَة بن كلاب قرشية زهرية ومرضعاته - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَحْمَةُ ابْنَةُ ثُوَيْبَةَ جَارِيَةِ أَبِي
لَهَبٍ أَرْضَعَتْهُ مَعَ حَمْزَةَ وَأَرْضَعَتْ مَعَهُمَا أَبَا
سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْأَسَدِ ثُمَّ أَرْضَعَتْهُ حَلِيمَةُ بِنْتُ
أَبِي ذُؤَيْب السعدية من بني سعد صفته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ربع
الْقَامَة من الْقَوْم لَيْسَ بالطويل الباين وَلَا بالقصي ضَخْمَ
الرَّأْسِ كَثِيرَ شَعْرِهِ رَجِلًا غَيْرَ سَبْطٍ جعد غَيْرَ قَطَطٍ
كَثَّ اللِّحْيَةِ تُوُفِّيَ وَفِي عَنْفَقَتِهِ شَعرَات بيض أَزْهَر
اللَّوْن أَبيض مشرب بِحُمْرَةٍ فِي وَجْهِهِ تَدْوِيرٌ أَدْعَجَ
الْعَيْنَيْنِ عَظِيمَهُمَا مُشْرَبَهُمَا حُمْرَةً أَهْدَبَ
الْأَشْفَارِ شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ جليل وَهُوَ رُؤْس
الْمَنَاكِبِ لَهُ مَسْرُبَةٌ وَهِيَ شَعَرَاتٌ مِنَ الصَّدْرِ إِلَى
السُّرَّةِ إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صَبَبٍ
وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ
(13/237)
مَعًا بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ
النُّبُوءَةِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نبئ على رَأس
الْأَرْبَعين أَوْلَاده - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
كُلُّهُمْ مِنْ خَدِيجَةَ إِلَّا إِبْرَاهِيمَ فَإِنَّهُ مِنْ
مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ زَيْنَبُ وَفَاطِمَةُ وَرُقَيَّةُ وَأُمُّ
كُلْثُومٍ أسلمن كُلهنَّ وهاجرن وأصغرهن زينت ثُمَّ رُقَيَّةُ ثُمَّ
أُمُّ كُلْثُومٍ ثُمَّ فَاطِمَةُ وَفِي ذَلِك اخْتِلَاف زوج - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رُقَيَّةَ ثُمَّ أُمَّ كُلْثُومٍ
وَتَزَوَّجَ عَلَيٌّ فَاطِمَةَ رَضِي الله عَن جَمِيعهم وَولده -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنْ خَدِيجَةَ أَرْبَعَةٌ
الْقَاسِمُ وَبِهِ كَانَ يُكَنَّى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - وَعَبْدُ اللَّهِ وَالطَّاهِرُ وَفِيمَا عَدَا الْقَاسِمِ خِلَافٌ
قِيلَ لَمْ يَلِدْ غَيْرَهُ وَقِيلَ اثْنَانِ وَقِيلَ ثَلَاثَةٌ
وَأَمَّا إِبْرَاهِيمُ فَمِنْ مَارِيَةَ أَزْوَاجُهُ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْمُقَدِّمَاتِ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ
مِنْهُنَّ إِحْدَى عَشْرَةَ خَدِيجَةُ ثُمَّ سَوْدَةُ ثُمَّ تَزَوَّجَ
عَائِشَةَ ثُمَّ أُمَّ سَلَمَةَ اسْمُهَا هِنْدٌ ثُمَّ حَفْصَةَ بِنْتَ
عمر بن الْخطاب ثمَّ زينت بنت خُزَيْمَة الْهِلَالِيَّة ثمَّ زينت
بِنْتَ جَحْشٍ بِنْتَ عَمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثُمَّ أُمَّ حَبِيبَةَ أُخْتَ مُعَاوِيَةَ بْنِ
أَبِي سُفْيَانَ ثُمَّ جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ ثُمَّ صَفِيَّةَ
بنت حييّ ابْن أَخْطَبَ ثُمَّ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ وَلَمْ
يَتَزَوَّجْ عَلَى خَدِيجَةَ فِي حَيَاتِهَا تُوُفِّيَ مِنْهُنَّ
اثْنَتَانِ فِي حَيَاتِهِ خَدِيجَةُ وَزَيْنَبُ بِنْتُ خُزَيْمَةَ
وَتُوُفِّيَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن
التسع الْبَاقِيَات والمروية بطرِيق الْآحَاد سَبْعَة فَاطِمَةُ بِنْتُ
الضَّحَّاكِ وَأَسْمَاءُ بِنْتُ النُّعْمَانِ وَالْعَالِيَةُ بِنْتُ
ظَبْيَانَ وَسَنَا بِنْتُ الصَّلْتِ وَقُبَيْلَةُ بِنْتُ قَيْسٍ
وَأُمُّ شَرِيكٍ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ شُرَيْحٍ وَهِنْدُ بِنْتُ يَزِيدَ
وَالشَّنْبَاءُ وَمُلَيْكَةُ بِنْتُ دَاوُدَ وَشِرَافُ بنت خَليفَة
وليلى بنت الْحطيم وَخَوْلَة بنت الْهُذيْل وليل بنت الْحَكِيم سراريه
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَارِيَة الْقبْطِيَّة
وَرَيْحَانَة بنت شمعمون مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَجَارِيَتَانِ
أُخْرَيَانِ
(13/238)