الكافي
في فقه أهل المدينة المالكي كتاب الزكاة
باب فرض الزكاة
وعلى من تجب وفيم تجب
...
كتاب الزكاة
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى اله على سيدنا
محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
باب فرض الزكاة وعلى من تجب وفيم تجب
تجب الزكاة على كل مسلم حر تام الحرية إذا ملك
المقدار الذي تجب فيه الزكاة حولا تاما
والصغير والكبير والذكر والأنثى والعاقل
والمعتوه عند مالك في ذلك سواء.
وتجب الزكاة في ثلاثة أشياء: في العين الصامتة
وهي الذهب والورق.
وفي الماشية وهي الأنعام: الإبل والبقر والغنم
دون الخيل وسائر الحيوان.
وفي الحبوب المزروعة، وبعض الثمار، على ما
نفسره بعد بعون الله.
فهذه: الأموال التي تجب الزكاة في أعيانها
والمعنى والله أعلم فيها: أنها في الأغلب
موضوعه لطلب النماء والزيادة بالتصرف والتقلب
وطلب الفضل في النبات والنسل دون الاقتيات
لغير ذلك
(1/284)
من المنافع
فمتى عوض بغيرها من العروض معناها بالتجارة
وطلب بالتصرف فيها النماء والزيادة حكم لها
بحكم على حسب ما يأتي مفسرا ملخصا في أبوابه
من هذا الكتاب إن شاء الله
(1/285)
باب زكاة الذهب والورق
لا تجب الزكاة في الذهب حتى يبلغ عشرين مثقالا
ويملكها ربها حولا كاملا وزنة المثقال درهمان
عددا لا كيلا ومبلغ الدرهم ست وثلاثون حبة من
حبوب الشعير الممتلئة المتوسطة غير الخارجة عن
حد الاعتدال في الزيادة والنقصان.
ولا تجب في الورق حتى يبلغ مائتي درهم كيلا
والدرهم درهم وأربعة أعشار الدرهم الذي هو نصف
المثقال وهو الدرهم بدرهمنا اليوم بالأندلس
وهي خمسة وثلاثون دينارا دراهم بوزننا.
وقد قيل: أن الدرهم الكيل هو درهم ونصف. فعلى
هذا تجب الزكاة في سبعة وثلاثين دينارا وأربعة
دراهم والقول الأول هو الأصل الصحيح عند جمهور
العلماء.
فإذا بلغ الورق هذا العدد وبلغ الذهب عشرين
مثقالا ففي كل واحد منهما ربع عشره يجب بتمام
مرور الحول في ملك الحر المسلم فيجب في
العشرين مثقالا نصف مثقال واحد وفي المائتي
درهم خمسة دراهم كيلا وهي سبعة دراهم بدراهمنا
هذا إذا كانت الفضة لا يشوبها ما ليس من جنسها
فإن شابها ما ليس من جنسها فانظر فإن كان ذلك
نزرا يسيرا
(1/285)
مستهلكا في
الفضة فالزكاة بحالها واجبة فيها ولا يلتفت
إلى ما شابها لأنه لغو لا تأثير له وإن كان
الذي خالطها من غيرها جزء يمكن الوصول إليه
فلا تجب الزكاة حينئذ إلا بعد اعتبار ما في
الدراهم من الورق لانها إذا كانت هكذا أشبهت
الحلى من الذهب أو الورق المنظوم بالجواهر
والخرز فيعتبر ذلك في الورق والذهب دون ما
خالطهما وكذلك الاعتبار في مقدار القطع في
السرقة ومبلغ الصداق.
وأما الفضة السوداء والبيضاء والردئ والجيد
منها ومن الذهب فسواء كما أن ردئ التمر ورفيعه
سواء وسواء أكان الذهب أو الفضة مضروبا أو
سبائك أو نقرا من ملك من ذلك كله المقدار الذي
ذكرنا أنه تجب فيه الزكاة فالزكاة فيه ربع
عشرة إذا حال الحول وكذلك لو كان حليا لتجارة
غير منظوم بحجارة فإن كان المصوغ حليا متخذا
لزينة النساء من كسبهن أو كسب أوليائهن أو
أزواجهن لزينتهن ولم يكن لتجارة ولا لكراء
سقطت عنه الزكاة.
وقد قيل: إن الحلى إذا كان لرجل ففيه الزكاة
وإذا كان لامرأة فلا زكاة فيه وكذلك اختلف في
حلى الكراء وما صنع منه ليفر به من الزكاة لا
لزينة النساء ففيه الزكاة عند مالك وأكثر
أصحابه وسيأتي ذكر زكاة الحلى للتجارة في باب
زكاة التجارات إن شاء الله.
وأما آنية الذهب والفضة فمكروه اتخاذها
والزكاة فيها واجبة وصاحبها في حبسها آثم وفي
حلية السروج
(1/286)
واللجم والدوى
والسكاكين والمراء وما كان مثل ذلك ففيه
الزكاة وأما حلية المصحف والسيف والخاتم فلا
زكاة في ذلك .
وإذا كانت السيوف والمصاحف والخواتم للتجارة
ففيها عن مالك روايتان:
إحداهما: أنه لا زكاة فيها حتى تباع فتزكى
أثمانها كالعروض.
والأخرى: أنه يزكي حليها وزنا إذا حال عليها
الحول.
وينتظر بالنصول والمصاحف والفصوص بيعها ثم
تزكى أثمانها بعد البيع إلا أن تكون مدارة
فيزكي المديرون وزن الحلية وقيمة النصل
والمصحف والفص كل عام وكذلك حلى التجارة
المتصل بالخرز والحجارة إذا كان في نزعه ضرر
على صاحبه.
وسنفرد لزكاة التجارة بالعروض بابا إن شاء
الله.
والذهب والورق إذا لم تؤد زكاتها فهي كنز وكل
مال تؤدى منه الزكاة فليس بكنز مدفونا كان أو
غير مدفون.
وقد قال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ
يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} في كتابه
ما قال وحسبك به وعيدا.
وجائز أن يؤدى عن الذهب ورق وعن الورق ذهب
بقيمتها في الصرف وقت أدائها ولا يجزئه أن
يخرج عن نصف دينار خمسة دراهم إلا أن تكون
قيمته ويضم منه الجيد إلى الدني من جنسه ويضم
الذهب إلى الورق في الزكاة وكان مالك يرى
ضمهما بالأجزاء لا على صرف الوقت.
وتفسير
(1/287)
ذلك: أن ينزل
المثقال بدلا من عشرة دراهم كيلا ويجعل العشرة
دراهم بدلا من المثقال.
مثال ذلك: رجل له مائة درهم كيلا وعشرة مثاقيل
فعليه فيهما جميعا الزكاة وكذلك لو كان عنده
مثقال ذهب واحد ومائة درهم وتسعون درهما كيلا
وجبت عليه فيها الزكاة وكذلك لو كان عنده تسعة
عشر دينارا مثاقيل عيونا ذهبا وعشرة دراهم
كيلا فعليه الزكاة وهكذا أبدأ على هذا الحساب.
والدينار عند مالك هاهنا وفي الجزية بعشرة
دراهم وفي الديات والنكاح أثني عشر درهما ومن
أهل العلم جماعة بالمدينة وغيرها لا يرون ضم
الدنانير إلى الدراهم ولا الدراهم إلى
الدنانير ويعتبرون النصاب في كل واحد منهما
وهو قول صحيح في النظر لأنهما جنسان لا يجري
فيهما الربا ويجوز فيهما التفاضل دون النساء.
وما زاد على العشرين مثقالا فبحساب ذلك لكل
جزء من الزيادة حصتها من الزكاة فيجب في
أربعين مثقال مثقال ثم هكذا في كل ما زاد
بالحصة والحساب وكذلك ما زاد على المائتي درهم
فبحصتها ومن كان له دون النصاب من الذهب
وقيمته نصابا من الورق أو كان له دون النصاب
من الورق وقيمته نصابا من الذهب فلا زكاة عليه
في شيء من ذلك وكذلك من له خمسون درهما وعشرة
دنانير قيمتها مائة وخمسون درهما لم تجب عليه
زكاة ومن اشترى بعشرة
(1/288)
دنانير ما يبلغ
عنده في نصف حول مائتي درهم فحال عليها حول
الدنانير زكا لحول الأصل
(1/289)
باب زكاة الفائدة من العين والعروض والماشية
كل من استفاد مالا عينا أو عروضا وهو حر بأي
وجه كانت استفادته إياه بميراث أو هبة أو
جائزة أو صلة أو دية نفس أو أرش جرح أو جناية
أو وصية أو صدقة أو هدية أو غلة مسكن أو خراج
مكاتب أو عبد أو دابة أو مهر امرأة أو غلة
ثمرة لا زكاة فيها أو ما قد زكي منها أو زرع
في أرض مبتاعة للتجارة أو غير التجارة أو
مكتراة لغير تجارة دون التي تكترى للتجارة أو
ما انتزعه من عبيده وأمهات أولاده مما كان
بأيديهم أو نتاج ماشية لا زكاة فيها أو غلة
صوف أو لبن أو ركاز قد خمس أو سهم غنيمة وكل
ما يطرأ له ويمنحه من ضروب الفوائد التي لم
يملك قبل عينها وسواء ملك أصلها أو لم يملكه
فلا زكاة في شيء من ذلك كله حتى يقبض المستفيد
ما استفاده منه عينا وينض عنده ثمن ما كان منه
عرضا ويحول عليه الحول وهو في يده كذلك ولا
يعتبر مالك رحمه الله وقت حدوث الملك بالعقد
في نكاح ولا في أجرة ما أجر من ذلك ولا ثمن ما
كان منه عرضا فباعه وتنافر الغريم ثمنه ولا
زكاة عليه عنده في شيء في ذلك كله حتى يقبضه
عينا ويمكث حولا بعد في يده إلا ما
(1/289)
يستخرج من
المعادن فإنه يزكي عند استخراجه كما يصنع
بالزرع وسنبين زكاة المعادن وزكاة التجارات في
بابيهما من هذا الكتاب إن شاء الله.
وسواء أقام المال المستفاد بالوجوه المذكورة
سنين قبل القبض أم لا ، لا زكاة فيه حتى يقبض
ثم يمر عليه في يد قابضه بعد قبضه له حول تام
إلا أن يكون المستفاد بالميراث يقدر صاحبه على
قبضه فيتركه عامدا لذلك فإن كان ذلك فعليه فيه
زكاة لكل عام.
وإن حبس عنه ففيه قولان:
أحدهما: أنه لا زكاة عليه فيه حتى يقبض ويحول
عليه الحول بعد.
والآخر: أنه يزكيه لعام واحد إذا قبضه. هذا
تحصيل مذهب مالك عند أكثر أصحابه.
ومنهم من يقول في الميراث والوديعة وسائر ما
لا يضمنه غير من هو له: أن عليه فيما استفاد
من ذلك الزكاة وإن لم يقبضه إذا كان في ضمانه
لا في ضمان من هو عنده يزكيه لما مضى من السنن
وهذا أصح إن شاء الله وإلى هذا ذهب سحنون وهو
قول المغيرة المخزومي وبه آخذ.
وأما الذي يزكي لعام واحد مما خرج من يد مالكه
من العين سلفا أو في سلعة لتجارة ثم مكثت عنده
سنين ثم قبضه فهذا يزكي لعام واحد وأما ربح
المال عند مالك فإنه يزكي لحول ما به استفيد
كمال بيد مالكه مر به الحول وهو لا تجب فيه
الزكاة ثم ربح فيه ربحا في آخر الحول فإن
الربح يزكي مع الأصل وسواء كان أصل المال تجب
فيه الزكاة أو
(1/290)
لا تجب ولو كان
دينارا واحدا إذا كان هو ونماؤه يبلغان مقدار
الزكاة وحال على أصله الحول قال: فالزكاة في
هذا قياسا على أخذ الصدقة في السخال مع
الأمهات وإن لم يحل عليها معها الحول إذا حال
على الأمهات الحول.
ومن ملك ماشية معلومة بعينها باستفادة فإنه
يزكيها من يوم ملكها وإن لم يقبضها بخلاف ما
ذكرنا من فوائد العين ومن استفاد عشرة دنانير
فأقامت عنده شهرا ثم أفاد إليها عشرة أخرى قلا
زكاة عليه تفي شيء منهما حتى يحول الحول على
الأخرى منهما وهما جميعا بيده كاملين ولو كان
عنده مال يؤدي عنه الزكاة فنقص حتى صار إلى ما
لا تجب فيه الزكاة ثم أفاد فائدة تتم بها ما
فيه الزكاة فلا زكاة عليه حتى يحول عليهما
جميعا من يوم أفاد الآخرة منهما التي تم
النصاب بها.
ومن استفاد فائدة عين فبلغت النصاب استأنف بها
حولا فإن استفاد بعد ذلك فائدة أخرى عينا
استأنف بها حولا من يوم أفادها ولم يضفها إلى
الفائدة الأولى وزكى كلا لحوله حتى ينقصا
جميعا إلا ما لا زكاة فيه فيستأنف به الحول
فإن تجر فربح فيه تمام النصاب زكاة.
ومن كان عنده نصاب من عين ذهب أو ورق ثم أفاد
بعد مرور بعض الحول درهما فما فوقه زكاة لحوله
من أجل النصاب المذكور ولم يضمه إلى حول
النصاب ومن أفاد مالين كل واحد منهما دون
النصاب فتجر في أحدهما وربح فيه ما يتم به
النصاب فإن كان ذلك في المال الأول زكى كل
(1/291)
واحد منهما
لحوله وإن كان في الثاني ضم الأول إليه وزكاه
لحول الثاني ومن استفاد عشرة دنانير فمكثت
عنده شهرا أو شهرين أو أكثر ثم استفاد عشرة
أخرى فضمهما استأنف بهما وبما ابتاع فيهما
حولا من يوم ضمهما وقد قيل: إنه إن ابتاع بهما
سلعة فباعها عند حلول حول العشرة الأولى
بأربعين دينارا فالعشرة الأولى وما أصابها من
الفضل وذلك عشرة أخرى فنصف دينار عن العشرين
فإذا تم حول العشرة الثانية أخرج زكاتها وزكاة
فضلها وهو نصف دينار عن العشرين وإن باعهما
بأقل من أربعين دينارا فلا زكاة عليه حتى يتم
حول العشرة الثانية لأن ما دون الأربعين إذا
قسم نصفين على الفائدتين لم يجب في الأولى
زكاة فلذلك ردت إلى حول الثانية ومن كانت له
عشرة دنانير فحال عليها الحول فباعها بمائتي
درهم أخرج الزكاة منها وكذلك من كان له مائة
درهم أو نحوها مما يكون دون النصاب من الورق
فباعها بعد حول الحول عليها عنده بنصاب من
الذهب زكاة.
وأما الفائدة في الماشية فتضم مع كمال الحول
إلى النصاب أبدا بخلاف العين فمن استفاد من
الماشية ثم استفاد من جنسها فائدة أخرى نظرت
فإن كانت الفائدة الأولى نصابا قد أتى عليها
حول ضم إليها الاخرى وزكاها بحول الاولى وإن
لم تكن الأولى نصابا حين تم حولها ضمها إلى
الثانية واستقبل بها الحول من يوم أفاد
الثانية كانت الثانية نصابا أو لم تكن إذا كان
فيهما جميعا نصابه وسيأتي ذكر زكاة المواشي في
موضعه من الكتاب إن شاء الله
(1/292)
باب زكاة الدين
كل من كان له دين من قرض اقترضه وأخرجه عينا
من يده أو من ثمن سلعة كانت عنده للتجارة وهو
غير مدير فباعها بدين فلا زكاة عليه فيه حتى
يقبضه فإذا قبضه زكاة لحول واحد وسواء أقام
حولا أو احوالا عند الذي هو عليه وليس عليه أن
يخرج زكاته من غيره واحب إلى أن كان على ملى
أن يزكيه لحوله ولا يجب ذلك عليه عند مالك
قادرا كان على أخذه أو غير قادر حتى يقبضه
والذي أقول به إن كان على ملى قد حل أجله
فتركه ولم يقبضه إن عليه زكاته فإن كان وديعة
وهو يقدر على أخذه ففيه الزكاة فإن تركه على
هذا الحال سنين ثم قبضه زكاة لما مضى من
الأعوام.
وأما دين التاجر المدير لتجارته فإنه يزكيه
إذا كان في ملى وثقة كما يقوم عروض تجارته
لأنه ينض شيئا بعد شيء ولا يصل إليه ناضا في
وقت واحد فمن هاهنا صار دين المدير وعرضه كعين
ناض كله وإن كان دين المدير قرضا لم يزكه حتى
يقبضه كغير المدير.
وأما المال الثاوي وهو: المجحود المغصوب
والمدفون في صحراء والضائع في مفازة او غيرها
ونحو ذلك مما قد كان يئس منه صاحبه ثم وجده
بعد سنين فإنه يزكيه لكل سنة.
وقد قيل: لا زكاة عليه فيه لما مضى وإن زكاة
لعام
(1/293)
واحد فحسن كل
ذلك صحيح عن مالك.
وقد روي عن ابن القاسم وأسهب وسحنون: أنه
يزكيه لما مضى من السنين إلا أنهم يفرقون بين
المضمون في ذلك وغير المضمون فيوجبون الزكاة
في الغصوبات إذا رجعت لعام واحد والأمانات وما
ليس بمضمون على أحد يزكي لما مضى من السنين
وهذا أعدل أقاويل المذهب.
ومن كان له دين وعليه دين جعل دينه في دينه إن
كان يرتجي قضاؤه وزكى ما بيده إن كان نصابا
وسواء كان الدين عينا أو عرضا ومن كان بيده
عين وعليه من الدين مثله سقطت عنه الزكاة فإن
كان له من العروض من يفي بذلك الدين زكى ما
بيده وسواء كان عرضا لتجارة أو لقنية وكذلك
أيضا يجعل دينه في كتابة مكاتبه وقيل في رقبته
وكذلك يجعله في رقبة مديره وقيل: في خدمته.
ومن كان عليه دين وله عرض وعين جعل دينه في
عرضه وزكى عينه فإن كان عرضه لا يفي بدينه ضم
أليه من عينه ما يفي بدينه وزكى الفضل إن كان
نصابا بعد دينه.
وكذلك من جعل دينه في دين عليه وفضل له ما فيه
الزكاة زكاه ومن كان بيده عين وعليه دين بقدر
ما بيده فلما حال عليه الحول أبرأه رب الدين
من دينه.
ففيه قولان:
أحدهما: أنه يزكي ما بيده في الحال وهو أحب
إلى.
والآخر: أنه يستقبل به حولا بعد سقوط دينه
وكذلك إن
(1/294)
وهب له عين أو
عرض يساوي دينه.
ومن وجبت عليه زكاة فلم يؤدها صارت في ذمته
ومنعت مقدارها من الزكاة وسواء كانت الزكاة
الواجبة في ذمته وكانت عينا أو ماشية أو حرثا
كل ذلك يمنع زكاة العين.
ومن استقرض مالا فيه حولا وهو نصاب فربح فيه
نصابا آخر زكى عن الفضل ولا زكاة عليه في
الأصل إلا أن يكون عنده عرض يفي به على ما مضى
ذكره.
وقد قيل: لا زكاة عليه فيهما جميعا حتى يحول
على الفضل حول مستأنف ولا يسقط الدين زكاة
الماشية ولا عشر الأرض وإنما يمنع زكاة
الدنانير والدراهم وصدقة الفطر تسقط بالدين
ومن اقتضى من دينه بعد حلول الحول عليه ما يجب
فيه الزكاة زكاة ثم ما قبض من من شيء بعد ذلك
زكاه في حين قبضه وإن اقتضى دون النصاب فلا
زكاة فيه عليه وإن لم يكن له مال غيره فإن كان
عنده مال يزكى زكاه معه وإن لم يكن عنده لم
يزكه فإن اقتضى بعد ذلك تمام النصاب زكى كل ما
اقتضاه فإن اقتضى منه قبل حلول الحول عيه
نصابا أو ما دونه فلا زكاة عليه فيه إلا أن
يبقى في يده حتى يحول الحول عليه ومن كان له
دين تجب فيه الزكاة وحال عليه الحول عند
الغريم فقبض منه فيه عرضا لم يزكه ولا ثمنه إن
باعه إلا بعد حلول حول عليه من يوم نض ثمنه
إليه إلا أن ينوي به التجارة فيزكيه لأصله ولو
كان الدين عشرين دينارا أو
(1/295)
مائتي درهم قد
حال عليها الحول فقبض في العشرين دينارا أقل
من مائتي درهم أو المائتي درهم أقل من عشرين
دينارا لم يكن عليه في شيء من ذلك زكاة لأنه
إنما يعتبر ما يقبض منه يوم يقبضه.
ولو وهب ذلك قبل قبضه سقطت زكاته ومن التقط
مالا فلا زكاة فيه عليه مادام في يده بعينه
فإذا قبضه ربه بعد حول أو أحوال فعليه فيه
زكاة واحدة.
وقد قيل: يزكيه ربه كل عام على ما تقدم ذكره
(1/296)
باب زكاة المعدن والركاز
إذا بلغ ما يخرج من المعدن من الذهب عشرين
مثقالا أو من الورق مائتي درهم.
أخذ منه الزكاة مكانه ولم يستأنف به حول وذلك
ربع عشر. كل واحد منهما. ولا يمنع الدين زكاة
المعادن. ولا يسقطها ولا يضم ما انقطع من
المعدن من نيله وعروقه ولم يتصل الى ما خرج
بعد كما لا يضم زرع عام الى عام آخر ومن كان
له معدنان من ذهب وورق ضم ما يخرج من أحدهما
الى الآخر وزكاه وهذا كله فيما استخرج من
المعادن بالكلفة والعمل والمشقة وأما الندرة
منه بغير مشقة فهي ركاز وحكمها حكم الركاز
فيها الخمس وقد روي عن مالك أن الندرة في
المعدن حكمها كحكم ما يتكلف فيه العمل مما
يستخرج من المعدن في الركاز والأول تحصيل
مذهبه وعليه فتوى جمهور الفقهاء لأن أصل
الركاز ما ارتكز في المعدن مما لا ينال بكبير
(1/296)
عمل ولا كلفة
من الذهب والفضة والركاز أيضا: دفن الجاهلية
في أرض العرب أو في فيافي الأرض التي ملكها
المسلمون بغير حرب وهو لواجده وفيه الخمس يصرف
في وجوه الخمس فن كان الإمام عدلا دفع إليه
واجده خمسة بعد أن يأذ أربعة أخماسه لنفسه وإن
لم يكن الإمام عدلا صرف الواجد الخمس في
الوجوه التي يصرف فيها خمس الغنيمة وأما ما
كان من ضرب الإسلام فهو كاللقطة قال مالك: ما
وجد من الركاز في أرض العنوة فهو لمفتتحها دون
واجده وما وجد في أرض الصلح فهو لأهلها دون
واجده أيضا ودون سائر الناس إلا أن يكون واجده
من أهل تلك الدار فهو له دونهم ويخمس دميع ما
وجد في أرض الصلح قال ابن القاسم إلا أن يكون
واجده من أهل الصلح فيكون ذلك له وقال غيره من
أصحابه: بل هو لجملة أهل الصلح.
وما وجد في أرض الحرب من الركاز فهو لجميع
الجيش بعد إخراج خمسة وواجده واحد منهم وليس
هو له دونهم ومن أهل المدينة وأصحاب مالك من
لا يفرق بين شيء من ذلك وقالوا: سواء وجد
الركاز في أرض العنوة أو أرض الصلح أو أرض
العرب أو أرض الحرب إذا لم يكن ملكا لأحد ولا
يدعيه أحد فهو لواجده وفيه الخمس على عموم
ظاهر الحديث.
وهو قول الليث وعبد الله بن نافع والشافعي
وعليه أكثر أهل العلم ومن جهة القياس كما أن
مالك أرض
(1/297)
العرب لا يملك
ما فيها من الركاز كذلك الغانمون وغيرهم سواء.
ولمالك في عرض الركاز وجوهره قولان:
أحدهما: أنه لا يخمس من الركاز إلا الذهب
والفضة فقط كالمعدن سواء.
والآخر: أنه يخمس كل ما وجد فيه من جوهر وذهب
وفضة ورصاص ونحاس وحديد وغير ذلك مما يوجد
فيه.وهو الصحيح وعليه جمهور الفقهاء
(1/298)
باب زكاة التجارات
قد تقدم أنه لا زكاة في غير العين والحرث
والماشية وأما العروض كلها من الدور والرقيق
والثياب وأنواع المتاع والدواب وسائر الحيوان
والعروض فلا زكاة في شيء منها إلا أن تبتاع
للتجارة فإن ابتيعت للتجارة بنية التجارة
فحكمها حكم الذهب والورق إذا لم تنقل عنها نية
التجارة إلى القنية يقومها التاجر إذا حال
علهيا الحول بقيمة الوقت.
ويخرج زكاتها مما بيده من الناض هذا إذا كان
مديرا ونض له في مدة عامه شيء من العين الذهب
أو الوق يقومه بالأغلب من نقد البلد فإن بلغ
النصاب زكاه ومن كان يبيع العروض بالعروض أبدا
ولا ينض له شيء من العين فليس عليه عند مالك
وأكثر أصحابه زكاة وهو تحصيل مذهبه.
وقد روى ابن الماجشون ومطرف عن مالك في المدير
(1/298)
أنه يقوم كل
عام ويزكي نض له شيء من العين أو لم ينض على
ظاهر قول عمر في قضة حماس قال ابن حبيب: وكان
ابن الماجشون ينكر رواية ابن القاسم في ذلك.
وقال ابن نافع وأشهب: أنه إن نض له في رأس
الحول مقدار نصاب من العين قوم سائر ما بيده
من عروض التجارة وإن لم يكمل له النصاب عند
رأس الحول لم يقوم حتى ينض نصاب وما ابتيع
منها للتجارة ثم صرف إلى الاتخاذ والاقتناء
بطلت فيه الزكاة وعاد إلى أصله ومن ابتاع سلعة
للتجارة ولم يكن من أهل الإدارة فبارت عليه
ولم يكن له ناض بجب عليه فيه الزكاة وحبس
السلعة سنين وهو بتلك الحال فلا زكاة عليه
فيها حتى يبيعها ويزكي لعام واحد إذا باعها
وعروض التجارة عند مالك إذا كانت مدارة
بخلافها إذا كانت غير مدارة وإن كانت الزكاة
جارية فيها كلها لأن المدارة تزكى في كل عام
وغير المدارة إنما تزكى بعد البيع لعام واحد.
وقد قال جماعة من أهل المدينة وغيرهم: إن
المدير وغيره سواء يقوم في كل عام ويزكى إذا
كان تاجرا وما بار وما لم يبر من سلعته إذا
نوى به التجارة بعد أن يشتريها للتجارة سواء
وهو قول صحيح إلى ما فيه من الاحتياط لأن
العين من الذهب والورق لا نماء لها إلا
(1/299)
بطلب التجارة
فيها فإذا وضعت العين في العروض للتجارة حكم
لها بحكم العين فتزكى في كل حول كما تزكى
العين وكل من انتظر بسلعته التي ابتاعها
للتجارة وجود الربح متى جاءه فهو مدير وحكمه
عند جمهور العلماء حكم المدير وهو أشبه من حكم
الدين الغائب الذي يزكيه لعام واحد وأما قول
مالك فما قدمت له.
ومن اشترى عرضا للقنية ثم نوى به التجارة ثم
باعه استقبل بثمنه حولا بعد قبضه ومن اشترى
عرضا للتجارة ثم نوى به القنية ثم باعه ففيه
لمالك وأصحابه قولان أحدهما أنه يزكي الثمن
عند قبضه والآخر أنه يستقبل به حولا بعد قبضه.
وإذا كان مال التاجر بعضه مدارا وبعضه يتربص
به نفاق سلعته فإن كان الأكثر هو الذي يديره
زكاه كله زكاة المدير وحمل جميعه على الإدارة
وإن كان الأقل: هو المدار ترك كلا على حاله
وزكى كل واحد منهما على سنته ومنهم من جعل
القليل في الوجهين جميعا تبعا للكثير.
ومن اكترى أرضا للتجارة فما فضل مما يخرجه بعد
إخراج عشرة أو نصف عشرة فسبيله سبيل ما ابتاعه
للتجارة إذا باعه زكى ثمنه مكانه إذا مر به
حول من يوم أخرج زكاته وما لم يبعه فلا تقويم
عليه فيه إلا أن يكون مديرا فيقومه إذا مر به
حول من يوم أخرج عشره أو نصف عشره وسواء وافق
ذلك شهرة الذي يقوم فيه تجاره أو خالفه [هذه]
رواها اصبغ عن ابن
(1/300)
القاسم عن مالك
قال ابن حبيب ورأيت اصبغ معجبا بها.
وتجب الزكاة في حلى التجارة ويراعى وزن ذهبه
وورقه دون قيمته مصوغا يزكيه كل عام إذا كان
ينفصل ويقوم جوهره إن كان مديرا وغير المدير
يزكي وزن الورق أو الذهب كل عام ولا يزكي
الجوهر حتى يبيعه وإن أقام عنده سنين.
وإن كان في الحلى جوهر ولا ينفك ولا ينفصل
وكان ممن يدير فإن كان من حلى الذهب أو الورق
وكان مما يجوز بيعه بالذهب أو الورق لكثرة
جوره وقلة ذهبه أو ورقة قوم جميعه إن شاء
بالذهب أو بالورق ثم زكى القيمة مع ما يزكي من
أمواله وإن كان أكثره الذهب قوم جميعه بالذهب
ثم زكاه بربع عشره وإن كان فيه من الذهب
والورق ما لا يجوز بيعه بأحدهما لغلبتهما على
قيمته وإن كان فيه من الذهب والورق ما لا يجوز
بيعه بأحدهما لغلبتهما على قيمته واستوائهما
في الجزءين الغالبين عليه قومهما بعرض ثم قوم
العرض من النقد بما شاء من ذهب أو ورق ثم زكى
القيمة وإنما يقوم بالذي يجوز له بيعه به وإن
كان ممن لا يدير لم يزكه حتى يبيعه فإذا باعه
قبض الثمن المبيع به على قيمة جوهره وذهبه أو
ورقه فما صار لذهبه أو ورقه زكاه للأعوام
الخالية كلها وما أصاب الجوهر زكاه لعام واحد.
وقد قيل: إذا كان ما فيه من الذهب والورق تبعا
للجوهر زكى جميع الثمن لعام واحد.
وقد قيل إنه كالعرض يقومه كله المدير ويزكيه
ولا
(1/301)
يزكيه غير
المدير حتى يبيعه وكلاهما قول مالك والأول
أولى بالصواب.
وإذا حال الحول على مال القراض أخرجت الزكاة
من جمعية فإن قسم وأخذ العامل ربحه قبل حلول
الحول استأنف به حولا بعد قبضه ولا يجوز
للعامل أن يزكي المال إذا كان ربه غائبا لأنه
ربما كان عليه دين يمنع الزكاة أو لعله قد
مات.
ولا يزكى مال القراض حتى يحضر جميعه وينض
ويحضر ربه إلا أن يكون مديرا فيزكي زكاة
المدير بحضرة ربه ومتى وجبت الزكاة على رب
المال تفي مال القراض بمرور الحول وجبت في
جملة المال وسواء كان في حصة العامل ما تجب
فيه الزكاة ام لا ومتى سقطت الزكاة عن رب
المال لدين أو غيره سقطت عن العامل وإن كان
على العامل دين يغترف ربحه سقطت الزكاة عنه
وفيها اختلاف ووجوه قد ذكرناها مع مسائل غيرها
من زكاة القراض في باب القراض.
(1/302)
باب النية في إخراج الزكاة وتعجيلها وإخراجها
قبل وقتها ونقلها عن موضعها
لا يجزئ إخراج الزكاة إلا بنية عند إخراجها
وقسمتها إلا ما يتولى العاشر والمصرف أخذه
بغير حضرة صاحبه فإنه يجزئه وكذلك ما أجبره
المصرف عليه أجزأ عنه ومن وجبت عليه زكاة
فعزلها وأخرجها فتلفت منه بغير تفريط قبل أن
(1/302)
تمكنه قسمتها
ودفعها إلى أهلها أو إلى الوالي فلا شيء عليه.
ومن وجبت عليه زكاة فلم يخرجها عند محلها وفرط
فيها ثم أخرجها فضاعت قبل أن يسلمها إلى أهلها
فعليه ضمانها لأنه في تأخيره لها عن وقتها
تعلقت بذمته وما تعلق بذمته لم يسقط بتلف ماله
ولو تلف المال كله دون المخرج منه في الزكاة
وذلك بعد الحول لزمه انفاذه إذا كان قد أبرزه
وأخرجه وينبغي أن لا يخرج أحد زكاة ماله عن
فقراء موضعه وهو المختار له إلا أن يبلغه حاجة
شديدة عن موضع غير موضعه هي أشد من حاجة أهل
بلده فلا بأس أن ينقلها إلى موضع الحاجة وسد
الخلة ولو نفلها إلى ذي رحم محتاج لم يخرج إن
شاء الله.
ومن عجل إخراج زكاته قبل محلها فضاعت قبل
محلها لم تجزه ولا يجوز عندنا إخراج الزكاة
قبل أن يحول الحول عليه إلا بالأيام اليسيرة
ومن فعل ذلك كان عند مالك كمن صلى قبل الوقت
لأنه قد يمكن أن يحول عليه الحول وقد تلف ماله
فيصير تطوعا وتكون نيته في إخراجها كلانية وقد
يمكن أن يستغني الذي أخذها قبل حلول حولها فلا
يكون من أهلها.
وأما تقديم كفارات اليمين قبل الحنث وتقديم
زكاة الفطر قبل الفطر بيسير فلا بأس بذلك
لآثار وردت جواز ذلك
(1/303)
باب زكاة الثمار
لا زكاة في شيء من الثمار غير النخل والكرم
دون ما سواهما مما ذكر في نص القرآن معهما من
الرمان وغيره وكذلك الجوز واللوز والتين وسائر
ثمار الفواكه غيرها إذا كانت لا تذخر للقوت
غلابا وما ادخر منها للقوت غالبا ففيه الزكاة
عند المتأخرين البغداديين وغيرهم من المالكين
وهو تحصيل مذهب مالك عندهم.
فعلى هذا تجب الزكاة في التين اليابس لأنه
مقتات عند الحاجة ويدخر دائما وأما غير التين
مما ذكرنا معه من الفواكه فلا يدخر إلا نادرا
ولا يكون قوتا في الأغلب. والله أعلم.
وكان عبد الملك بن حبيب يذهب إلى ذلك في زكاة
التين وكان مالك يرى الزكاة في الزيتون
والجلجلان وحب الماشر وحب الفجل على أن يخرج
العشر من زيتها بعد عمله.
ولا تجب الزكاة في التمر والعنب ولا فيما
ذكرنا من التين عند من أوجبها من المالكيين
حتى يبلغ كل واحد منهما بعد الجفوف والحال
التي يبقى عليها خمسة أوسق فإذا بلغ ذلك
فالواجب من الزكاة العشر فيما سقته السماء
والأنهار والعيون أو كان بعلا وأما ما سقى
بالنضح وبالدالية،
(1/304)
فنصف العشر ولا
شيء فيما استهلك من تمر النخل رطبا أو من
العنب من العنب أو الزرع أخضر قبل بدو صلاحه
وما استهلكه من ربه بعد بدو صلاحه أو بعدما
أفرك الزرع حسب عليه وما أعطاه ربه منه في
حصاده وجذاذه ومن الزيتون في التقاطه تحرى ذلك
وحسب عليه هذا عند مالك وأصحابه.
وأكثر الفقهاء: يخالفونه في ذلك ولا يوجبون
الزكاة إلا في ما حصل في يده بعد الدرس.
والزكاة تجب في الثمرة بطيب أولها وبدو صلاحها
فمن وهب ثمرة بعد بدو صلاحها فزكاتها على
واهبها وإن وهبها قبل فالزكاة على الموهوب له
وإذا مات رب الثمرة بعد الازهاء فالزكاة واجبة
فيها وإن مات قبل اعتبر في حصة كل وارث مقدار
النصاب كاملا.
ومن اشترى ثمرة بأصلها قبل بدو صلاحها فزكاتها
على المشتري ومن باع ثمرة بعد بدو صلاحها
فزكاتها على البائع يتبع بها ولا شيء على
المشتري فيها وجائز للبائع تصديقه في مبلغها
إذا كان مسلما فأن لم يوجد عند البائع شيء
وكانت الثمرة موجودة بيد المشتري أخذت الزكاة
منه ورجع بذلك على البائع وقد قيل لا تبعة على
المشتري فيها والبيع صحيح على كل حال،
(1/305)
وفيها اختلاف
كثير ولكن العمل على هذا وهو تحصيل المذهب.
وجائز للبائع تصديق المشتري إذا أخبره بما جذ
من التمر أو زبب من الزبيب ليخرج الزكاة على
ذلك إذا كان المشتري مسلما وإن كان غير مسلم
فليجتهد حتى يقف على صحة ذلك ويخرص النخل
والكرم إذا أزهيا فما كان منه يفي عند الجذاذ
بخمسة أوسق خلى بينه وبين أهله فإن لحقته
جائحة بعد الخرص وقبل الجذاذ سقطت الزكاة عنه
إلا أن يكون فيما بقي من خمسة أوسق فصاعدا.
والمشهور من مذهب مالك أنه لا يترك الخارص
شيئا في خرصه من تمر النخل أو العنب إلا خرصه
وقد روى بعض المدنين أنه يخفف في الخرص ويترك
للعرايا والصلة ونحوها وذكره ابن عبد الحكم
أيضا.
وإن كان التمر والزبيب جيدا كله أخذ منه وإن
كان رديئا كله أخذ منه ولا بأس أن يخرج في
زكاة الثمار والحبوب الأعلى من الصنف عن أدناه
ولا يخرج الأدنى عن الأعلى ولا يخرج شيء منه
بقيمة تكون أكثر من المكيلة وما بيع من الثمر
أخضر اعتبر وتوخى وخرص يابسا وأخرجت زكاته على
ذلك الخرص زبيبا وتمرا وحبا هذا فيما يبقى وما
يتناهى بيع قبل تناهيه وقيل: إنه يخرج زكاته
من ثمنه إن بيع أو قيمته إن استهلك عشرا أو
نصف عشر
(1/306)
وأما ما لا
يتتمر من تمر النخل ولا يتزبب من العنب ولا
يعصر من الزيتون فإنه يخرج زكاته من ثمنه لا
يكلف غير ذلك صاحبه ولا يراعى فيه بلوغ ثمنه
عشرين مثقالا أو مائتي درهم وإنما يراعى فيه
بلوغ مقدار خمسة أوسق فإن بلغها أخذ من الثمن
العشر في البدل كله وفيما سقته السماء أو سقي
بساقية عين أو نهر وأما ما سقي بالنواضح
والدوالي فنصف العشر وإذا وجد رب الثمرة زيادة
على خرص الخارص أخرج زكاتها لقلة إصابة الخارص
وقد قيل لا شيء عليه إلا في الاستحسان والأول
أولى لأن الخرص ظن ومن وجده يقين وإن ادعى
النقص من الخرص لم يصدق ولا ينقص من الخرص
لأنه لا يؤمن الناس على نقص ذلك.
والعنب الجبلي إذا لم يكن في ملك مالك فلا
زكاة فيه فإن حازه أحد وحظر عليه ففيه الزكاة
ولا زكاة في البقول ولا في الخضر ولا فيما لا
يدخر ولا يقتات من الفواكه وغيرها
(1/307)
باب زكاة الحبوب
الحبوب التي تؤخذ منها الزكاة القمح والشعير
والسلت والذرة والدخن والأرز والعلس وهي
الاشقالية والتنهنية والقطاني كلها وهي:
(1/307)
الاشتقالية
والتنهنية والقطاني كلها ، وهي: الحمص والفول
واللوبيا والعدس والجلبان والبسيلة والترمس
وكل ما كان من الحبوب يشبه ما ذكرنا مما يزرعه
الناس ويأكلونه نيا ومطبوخا بعلاج وبغير علاج
قوتا عند ضرورة أو غير ضرورة أو إداما كان من
الحبوب المزروعة وبلغ ما تخرج الأرض منه خمسة
أوسق من صنف واحد أخذ منه العشر إذا كان بعلا
أو سقي بنهر أو عين فإن سقي بغير ذلك فنصف
العشر والوسق ستون صاعا والصاع أربعة أمداد
بمد النبي عليه الصلاة والسلام ومقداره رطل
وثلث بالبغدادي بزيادة شيء لطيف ومبلغ الخمسة
أوسق ألف مد ومائتا مد بمد النبي عليه الصلاة
والسلام وهي بالوزن ألف رطل وستمائة رطل
بالبغدادي.
ولا يضم صنف منها إلى غير صنفه ولا شيء منها
إلى غير جنسه وكان مالك يضم القطاني كلها
بعضها إلى بعض جعلها في ذلك صنفا واحدا وهي
عنده في البيوع أصناف شتى.
فالقمح والشعير والسلت عنده صنف واحد في
البيوع وفي الزكاة يضم بعضها إلى بعض والدخن
صنف والذرة والأرز صنف والعلس صنف ولا يؤخذ
صنف عن غيره وما سقي سيحا ونضحا فاستوى سقياه
ففيه ثلاثة أرباع.
وقيل: إنه يجعل الأقل تبعا للأكثر.
وقيل: بل تكون زكاته بالذي تمت به حياته فيجعل
الأول تبعا الآخر، وكل ذلك قول مالك.
ومن باع زرعا قائما بعد أن يبس واستحصد
(1/308)
فالزكاة على
البائع يأتي بمثل مكيلة عشره من حيث شاء
للمساكين والبيع صحيح لم يختلف في ذلك قول
مالك وعليه جماعة أصحابه وعل البائع أن يسأل
المشتري عن مكيلة ما حصل منه ليخرج زكاة ذلك
عنه ولا يجوز بيع الزرع على غير القطع اخضر
ولا فريكا فإن اشترى أرضا فيها زرع لم يطب
فالزكاة على المشتري فإن اشترطها على البائع
لم يجز ولو كان الزرع مما يجوز بيعه لا
ستحصاده واستغنائه عن الماء واشترط البائع
زكاته على المشتري جاز إن كانت الصفقة في
الزرع وإن كان الزرع قد دخل باشراط المشترى له
مع الأصل فقد اختلف قول مالك وأصحابه في ذلك
والقول عندي أن ذلك لا يجوز لما يدخله من
الجهل والغرر وهو عند ابن القاسم اشتراط لبعض
الزرع والثمرة وذلك عنده غير جائز وقد أجازه
أشهب وغيره وما بيع من الفول والحمص والجلبان
أخضر تحرى مقدار ذلك يابسا وأخرجت زكاته حبا
وما أكل من ذلك أخضر تحرى ذلك أيضا أيضا
وأخرجت زكاته وما أكلت الدواب والبقر منه عند
الدرس وغيره لم يحسب شيء من ذلك على صاحبه
وبالله التوفيق
(1/309)
كتاب زكاة
المواشي
باب زكاة الإبل
في خمس من الإبل شاة ولا شيء فيما دون الخمس
منها فإذا بلغتها ففيها شاة بحلول الحول عليها
في ملك مالكها إلى
(1/309)
تسع وفي عشر
شاتان إلى أربع عشرة وفي خمس عشرة ثلاث شياه
إلى تسع عشرة وفي عشرين أربع شياه إلى أربع
وعشرين وفي خمس وعشرين بنت مخاض إلى خمس
وثلاثين فإن لم توجد بنت مخاض فابن لبون ذكر
فإن لم يوجد عنده كلف ابنة مخاض وفي ست
وثلاثين بنت لبون إلى خمس وأربعين وفي ست
وأربعين حقة إلى ستين والحقة هي التي دخلت في
السنة الرابعة إلى استكمالها وصلحت للحمل
وضراب الفحل وفي إحدى وستين جذعة إلى خمس
وسبعين وفي ست وسبعين ابنتا لبون إلى تسعين
وفي إحدى وتسعين حقتان إلى عشرين ومائة فإذا
زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون
وفي كل خمسين حقة بالغة ما بلغت ولا خلاف إن
في ثلاثين ومائة حقة واحدة وابنتي لبون واختلف
فيما بين العشرين ومائة إلى الثلاثين ومائة
فقيل ليس فيها إلا ثلاث بنات لبون حتى تبلغ
ثلاثين ومائة وهو الصحيح وبه أقول.
وقيل: بل فيها حقتان حتى تبلغ ثلاثين ومائة.
وقيل: الساعي مخير فيما زاد على العشرين ومائة
حتى تبلغ ثلاثين ومائة فإن شاء أخذ حقتين وإن
شاء أخذ ثلاث بنات لبون كما أنه مخير إذا بلغت
مائتين في أربع حقاق أو خمس بنات لبون، وهذا
كله قول مالك وأصحابه. الخيار في ذلك إلى
الساعي إذا وجد السنين أو فقدهما فإن وجد
إحداهما لم يكلف رب الإبل غير ذلك.
وقد ذكرنا أسنان الإبل وأسنان فرائضها مستوعبة
في كتاب التمهيد وفي الاستذكار أيضا.
(1/310)
فإن لم توجد
السن عند صاحب الإبل لزمه أن يأتي بها عند
مالك ويجبر على ذلك وكان مالك يراعي مجيء
الساعي وعلى ذلك خرجت أجوبته فيما سئل من ذلك
عنه.
وذلك لأنه كان خروج السعاة معهودا عندهم في
وقت لا يختلف في الأغلب وكان من أداها قبل
خروجهم ضمنوه.
وأما أهل العلم اليوم فإنهم لا يراعون مجيء
الساعي وإنما يراعون كمال الحول وعند ذلك كان
خروج السعاة.
ولو خرج الساعي قبل تمام الحول لم تجب بخروجه
زكاة ولو أخذها من أهلها قبل أن بجب عليهم
وذلك قبل حلول الحول لم تجز عند مالك ولا غيره
عنهم وكان عليهم إعادتها عند تمام الحول لأنه
ظلم ظلموا به إلا ان تكون قبل الحول بيسير فإن
كان الإمام عدلا لم تدفع الزكاة إلا إليه
وكذلك إن خشي رب الماشية تضمين الساعي إياه
ولم يصدقه فيما أخرج من زكاته انتظره بها
ووسعه ذلك إن شاء الله.
فإن غاب عنه سنين ثم أتاه صدقه على ما وجد
عنده لكل عام مضى إلا أن يقول إنه لم يكمل
عنده ذلك العدد إلا في مقامه ذلك فيصدقه لذلك
العام على ما وجد عنده ويقبل قوله فيما غاب
عنه إلا أن يكون فارا فلا يقبل قوله وصدقه علة
ما وجد عنده لكل سنة فر فيها عنه.
وقد قيل: إنه يصدقه على ما وجد عنده فارا كان
أو غير فار.
وقيل: يقبل قوله في كل ما غاب عنه فارا أو غير
فار، وكل ذلك قد روي عن مالك وأصحابه. والأول
أصوب وهو تحصيل المذهب.
ولا بأس أن يذبح منها ما شاء ويبيع ما لم يرد
بذلك الفرار من الصدقة وفصلان الإبل مضمومة
إلى الأمهات
(1/311)
كانت الأمهات
نصابا أو دونه والإبل العراب والبخت والسوائم
والعوامل كل ذل سواء عند مالك ومن حالت عليه
أحوال في ماشيته ولم يؤد زكاتها أدى زكاة
الحول منها ثم نظر إلى ما بقي منها فإن كانت
فيه الزكاة زكى الحول الثاني وإلا لم يزك.
والشاة المأخوذة في تسع من الإبل قيل هي عن
الخمس والأربع عفو وقيل هي مأخوذة عن التسع
وكذلك القول في الأوقاص كلها ما بين النصابين
في الماشية.
والغنم المأخوذة في صدقة الإبل الجذع والثني
في ذلك سواء من الضأن والمعز بخلاف الضحايا
والهدايا ولا يجوز في تحصيل مذهب مالك إن كانت
عجافا كلها أن يؤخذ منها ولا يجوز منها إلا ما
يجوز من الضحايا في سلامته من العيوب وقد روي
عن ابن القاسم أن عثمان بن الحكم سأل مالكا عن
الساعي يجد ماشية الرجل عجافا كلها، فقال:
يأخذ منها وإن كانت عجافا.
قال أصبغ: وهو قول ابن وهب وكره عن مالك وابن
شهاب جميعا قال سحنون: وهو قول المخزومي.
(1/312)
باب صدقة البقر
لا زكاة في البقر حتى يبلغ ثلاثين رأسا سائمة
كانت أو عاملة عند مالك فإذا بلغتها ففيها
بحلول الحول تبيع جذع أو جذعة وفي أربعين مسنة
وفي ستين تبيعان وفي سبعين تبيع ومسنة وفي
ثمانين مسنتان وفي تسعين ثلاث تبائع وفي مائة
تبيعان ومسنة وفي ما زاد على ذلك كل ثلاثين
تبيع وفي كل اربعين مسنة ولا شيء في الأوقاص
من ذلك قد استغنى عن أمه بنفسه وهو الجذع
أكبره ابن سنتين وأحب إلى أن يكون ذكرا وتجزأ
الأنثى تبعية والمسنة الثنية فصاعدا بنت أبع
سنين ونحوها والبقر والجواميس سواء والعجول
مضمومة العدد إلى أمهاتها كما تضم الفصلان
والسخال كانت الأمهات نصابا أ لا فإن ماتت
الأمهات وبقيت العجول وجبت الزكاة فيها إذا
كانت نصابا.
ووجب على ربها عند مالك دفع السن منها تبيع من
ثلاثين أو مسنة من أربعين.
(1/313)
باب زكاة الغنم
لا زكاة فيما دون أربعين من الغنم فإذا بلغتها
وحال عليها الحول ففيها شاة جذعة أو ثنية
والجذع من الغنم أقله ابن ستة أشهر وأكبره ابن
سنة وكل ما كان فوق هذه السن فأحرى أن يجزأ
ولا شيء فيما زاد على الأربعين
(1/313)
من الغنم غير
الشاة الواحدة حتى تبلغ عشرين ومائة وفي إحدى
وعشرين ومائة شاتان إلى مائتين وفي إحدى
ومائتين ثلاث شياه فإن زادت ففي كل مائة شاة
وليس في الثلاثمائة إلى ثلاث شياة كما في
الأربع مائة أربع شياه وفي الخمسمائة خمس شياة
ولم يختلف العلماء في ضم الضأن والمعز في
الصدقة لأن الحديث ورد بذكر الغنم والغنم
الضأن والمعز فإن استويا أخذ الساعي من أيهما
شاء ويأخذ من كل واحدة ما وجب فيها إن وجب
فيها الزكاة منفردة وإن كثرت بأحد الجنسين أخذ
منه وتسلم الشاة إلى المساكين حية ولا تجزأ
مذبوحة وتعد وترد على رب الماشية السخلة إذا
ولدت قبل الحول أو قبل إخراج الصدقة ولا تؤخذ
السخلة وإنما تؤخذ الجذعة والثنية وذلك الوسط
وهو العدل وتضم السخال إلى أمهاتها كانت
الأمهات نصابا أو لم تكن فإن ماتت الأمهات
وبقيت السخال وجبت فيها الزكاة إذا كات نصابا
ولم يؤخذ منها ووجب على ربها دفع السن عند
مالك عنها ثنية أو جذعة وقد قال المغيرة ومحمد
بن مسلمة يؤخذ منها إن كانت أربعين واحدة
وكذلك لو كانت معيبة كلها أخذ منها ولم يكلف
غيرها فإن كانت الغنم خيارا كلها مثل أن تكون
ربابا كلها أو مانفا كلها كان لربها الاتيان
بالوسط إلا أن يطوع بالدفع من خيارها وإن كانت
شرارا كلها كلفه الساعي الإتيان بالوسط بدلا
عنها إلا أن يرى الساعي الأخذ منها نظرا لأهل
الصدقة فيأخذ منها فإن كانت عادة الإمام إخراج
السعاة لقبض صدقات الماشية فإن السنة في ذلك
أن
(1/314)
الساعي يأتي
أهل المواشي إلى منازلهم ومياههم ويستحب أن
يكون ذلك في الربيع حين تطلع الثريا وأما أهل
الذمة فإنهم يستجلبون لأداء الجزية ولا يمضي
إليهم في أخذها لأن ذلك ذلة وصغار وأما الزكاة
فطهر وإيمان
(1/315)
باب زكاة الخلطاء
لا يحل للساعي أن يجمع غنم غير الخلطاء لتكثر
الصدقة ولا يحل لأربابها جمعها عند قدوم
المصدق لتقل الصدقة ولا يفرق المصدق غنم
الخلطاء لتكثر الصدقة ولا يفرقها أربابها عند
قدوم الساعي لتقل الصدقة.
والخلطة: أن تكون غنم كل واحد منهم يعرفها
بعينها ولكنها مختلطة في مرعاها وفحلها
ومسقاها ودلوها وفي راعيها ومراحها فإذا كان
كذلك زكوا جميعا زكاة الواحد وذلك إذا كان لكل
واحد منهم نصاب ماشية تجب فيه الزكاة وحال
عليهم حول فأن لم يكن لواحد منهم نصاب لم تجب
عليهم زكاة وسواء عند مالك كانت خلطتهما في
أول الحول أو وسطه أو آخره إذا نزل الساعي
بهما وهما مختلطان زكاهما زكاة الخليطين كزكاة
الواحد.
والصفات الموجبة لحكم الخلطة ست الراعي
والمسرح والفحل والمراح والمبيت والمسقى وهو
الدلو وأقل ما يكونان به خليطين من هذه
الأوصاف وصفان فصاعدا.
(1/315)
وقد قيل: إن
الراعي وحده إذا اجتمعا عليه كانا به خليطين
لأنهما يجتمعان بالراعي على أكثر أوصاف
الخلطة.
وعند غير مالك من أهل المدينة، لا يزكيان زكاة
الخليطين إلا أن يختلطا عاما كاملا، وقد قال
بذلك بعض أصحاب مالك.
ومن أهل المدينة طائفة يقولون: إن في كل
أربعين من الغنم بين عشرة خلطاء أو أكثر شاة ،
وقول مالك أولى بالصواب عندنا إن شاء الله
لقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس فيما دون خمس
ذود شيء ولا فيما دون أربعين من الغنم أو
ثلاثين من البقر شيء".
واختلفوا أيضا في الشريكين في الغنم تكون
بينهما مشاعة لا يعرف أحدهما ماله منها بعينه:
فقيل: يزكيان زكاة الواحد من غير اعتبار
للنصاب.
وقيل: لا تجب عليهما زكاة حتى يكون لكل منهما
نصاب وهو قول مالك.
وكذلك الشريكان في الذهب والورق وما أخرجت
الأرض يعتبر في ذلك كله ملك المالك في تمام
النصاب لقوله
(1/316)
صلى الله عليه
وسلم: "ليس فيما دون خمسة أوسق ولا خمس أواقي
ولا خمس ذود صدقة" .
فإن كان لأحد الخليطين نصاب وللآخر دون النصاب
فأخذ الساعي الزكاة من غنم الذي له دون النصاب
ردها عليه صاحب النصاب لأنه لا تأثير عند مالك
للخلطة فيما دون النصاب فإن كان لأحدهما نصاب
وللآخر نصاب أكثر منه زكيا زكاة لمالك الواحد
وترادا في الزكاة بينهما على عدد أموالها مثل
أن يكون لأحدهما أربعون وللآخر ثمانون فعليهما
شاة على صاحب الأربعين ثلثها وعلى صاحب
الثمانين ثلثاها أو يكون لأحدهما أربعون
وللآخر خمسون فتجب عليهما شاة على صاحب
الأربعين منها أربعة أجزاء من تسعة وعلى صاحب
الخمسين خمسة أجزاء من تسعة وهكذا أبدا.
ولو كان لأحد الخليطين غنم لا خليط له فيها
ضمها إلى غنمه كأنه به خليط لخليطه وإذا لم
يكن لهما نصاب فأخذ الساعي من أحدهما شاه كانت
المصيبة من صاحبها لأنه ظلم لا تأويل فيه ولا
ذهب أحد إليه ولو كان النصاب تاما بين عدد
المالكين مثل أن يكون أربعين بين أربعة نفر أو
أكثر فأخذ الساعي منها شاة متأولا ذاهبا إلى
مذهب من رأى ذلك من أهل العلم ترادونها
والخلطاء في الإبل،
(1/317)
والبقر
كالخلطاء في الغنم فلو كان لرجل مائة بقرة
ولآخر أربعون وهما خليطان ترادا بينهما
بالسوية على المائة حصتها وعلى الأربعين حصتها
فلو كانت عشرون ومائة من الإبل لخليطين
لأحدهما خمسة وسائرها لخليطة وفيها حقتان
وقيمة الحقتين على التمثيل مائتا درهم فإن
المائتي درهم تقسم على أربعة وعشرون جزءا فلما
أصاب جزءا من أربعة وعشرين من المائتي درهم
فعلى رب الخمسة لأنه يملك جزءا من أربعة
وعشرين جزءا من ذلك.
ولو كان لأحد الخليطين خمس من الإبل وللآخر
تسع ففيها لمالك قولان:
أحدهما: إن على كل واحد منهما شاة.
والآخر: إن عليهما شاتان ويترادان بينهما على
عددهما، وإلى هذا رجع مالك.
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يفرق بين
مجتمع ولا يجمع بين مفترق خشية الصدقة" أن
يكون ثلاثة نفر لكل واحد منهم أربعون شاة
فوجبت على كل واحد منهم في غنمه شاة فإذا
جاءهم المصدق جعوها لئلا يكون عليهم فيها إلا
شاة واحدة فنهوا عن ذلك.
وقوله: "ولا يفرق بين مجتمع" أن يكون الخليطان
يكون لكل واحد منهما مائة شاة وشاة فيكون
عليهما في ذلك ثلاث شياة فإذا أظلهما المصدق
فرق غنمهما فلم يكن على كل واحد
(1/318)
منهما إلا شاة
واحدة.
وقد يحتمل وجها آخر وهو: أن لا يفرق الساعي
بين ثلاثة خلطاء في عشرين ومائة شاة وإنما
عليهم شاة لأنها إذا افترقت كان فيها ثلاث
شياة ولا يجمع بين مفترق رجلان لكل واحد منهما
مائة شاة وشاة فإذا تركاهما مفترقين ففيهما
شاتان فإن جمعاهما ففيهما ثلاث شياة.
وقد يحتمل غير هذا من المعاني يطول ذكرها
معناها كلها واحد.
(1/319)
باب افتراق المال والمبادلة به وغير ذلك
إذا كان لرجل ماشية ببلد وله ماشية ببلد آخر
ضمها في الزكاة وكذلك الزرع والثمار والذهب
والورق وجميع ما تجب فيه الزكاة يضم كل شيء من
ذلك الى جنسه في الزكاة ومن كان عنده من الذهب
أو الورق نصاب أقام عنده بعض الحول ثم ابتاع
به من الماشية نصابا استقبل بالماشية حولا من
يوم الاشتراء.
وقد قيل: إنه يبنيها على حول العين وكذلك لو
كان عنده نصاب ماشية بعض حول فباعه بنصاب من
العين والجواب فيها على هذين القولين وأحب أن
لا يبني في كلتيهما ويستأنف لأنه جنس آخر وفرض
مختلف وأما الذي يبني فيه على حول الأول فهو
ما بيع من الجنسين بجنسه مما يضم في الزكاة
كالضأن والمعز ولا يضم جنس من الماشية إلى جنس
غيره فلو باع نصاب ماشية قد أقام
(1/319)
عنده بعض حول
بنصاب من غير جنسه فالجواب في ذلك أيضا على
وجهين عند مالك مرويين عنه:
أحدهما: يبني ، والآخر: لا يبني ويستأنف بما
صار إليه حولا.
وأما إذا باع إبلا بإبل أو بقرا ببقر أو غنما
بغنم فإنه يبني على حول الأول ولا يستقبل حولا
وهذا كله فيما ابتيع للقنية أو للتجارة لأن
العين والماشية تجب الزكاة في أعيانهما
للتجارة وغير التجارة وما ابتيع من الماشية
للتجارة كانت زكاة الماشية أولى بها وألزم لها
وإذا وجبت الزكاة في ماشية مرهونة كان لصاحبها
أن لا يؤدي زكاتها إلا منها ولا يجبر على غير
ذلك.
ومن ترك أن يزكي ماله أحوالا فعليه إخراج
الزكاه عنه لما مضى من أحواله إلى أن يبقى أقل
ما تجب فيه الزكاة ولا يجوز أن تخرج صدقة قرية
عن فقراء أهلها فإن فعل ذلك فاعل ووضعها فيمن
يستحقها كره له ذلك وأجزأ عنه ويكره أن يشتري
الرجل صدقته بعد أن تقبض منه ولا يجوز شراؤه
لها قبل أن يقبضها أهلها وإذا أخذ الساعي في
السن غيرها أو أخذ ذهبا أو ورقا بدلا منها
أجزأ ذلك وكان كحاكم مجتهد ينفذ حكمه
(1/320)
باب صدقة الفطر
زكاة الفطر واجبة على كل حر وعبد صغير أو كبير
ذكر أو أنثى من المسلمين إلا أن العبد يؤدي
عنه سيده والصغير يؤدي عنه من تلزمه نفقته أو
من يلي ماله
(1/320)
إذا كان واجدا
لها قادرا عليها قبل غروب الشمس من آخر يوم من
رمضان.
واختلف أهل المدينة وأصحاب مالك في الوقت الذي
تجب فيه زكاة الفطر، على من تجب عليه، واختلف
أيضا قول مالك في ذلك على قولين:
أحدهما: أنها تجب بغروب الشمس من ليلة الفطر.
والقول الآخر: أنها تجب بطلوع الفجر من يوم
الفطر فمن ولد له مولود أو ملك عبدا أو نكح
امرأة ودخل بها قبل الفجر من يوم الفطر لزمه
عندهم زكاة الفطر.
وكذلك لو أسلم كافر قبل طلوع الفجر من يوم
الفطر لزمه زكاة الفطر وما كان بعد ذلك لم
يلزمه وفي القول الأول إذا ولد له ولد أو ملك
عبدا بعد غروب الشمس لم تجب عليه فيه زكاة
الفطر.
وعن مالك أجوبة بخلاف هذين الأصلين في المولود
يولد يوم الفطر ولمملوك يملك يوم الفطر ونحو
ذلك منهم من جعلها استحبابا ومنهم من جعلها
وهما لخروجها عن أصله في ذلك ويستحب إخراجها
قبل الغدو إلى صلاة العيد ولا يجوز إخراجها
قبل يوم الفطر إلا بالمدة اليسيرة مثل اليوم
واليومين ونحو ذلك والأفضل أن يخرجها يوم
الفطر قبل الصلاة وبعدها ومن طلع له الفجر من
يوم الفطر وليس له بعد قوت عياله ما يؤدي به
زكاة الفطر فهو معسر ولا زكاة عليه فإن أيسر
بها بعد لم تجب عليه وقد قيل إنها تجب على
الغني والفقير ومعناه عندنا إذا قدر عليها
الفقير كما وصفنا والله أعلم.
وقال مالك: يستسلف إذا وجد من يسلفه ويؤدي
ويستحب للفقير إذا أخذ من الزكاة أو
(1/321)
غيرها يوم
الفطر ما يفضل عن قوته وقوت عياله يوم وليلة
أن يخرجها ولا يلزمه ذلك لأن غناه حدث بعد وقت
الوجوب.
ومن فرط في زكاة الفطر ممن تجب عليه دين عليه
يؤديها أبدا ويخرجها الرجل عن نفسه وعن كل من
يجبر على نفقته إذا كانوا مسلمين ومعنى قولنا
يجبر على نفقته أي في الشريعة لا فيما أوجبه
على نفسه مثل الأجير وشبهه.
وإذا كانت إمرأة ممن يلزمه لها خادمان أو أكثر
لشرفها أو ارتفاع حالها كان عليه أن يخرج زكاة
الفطر عن كل من يلزمه منهم نفقته وإن كانت
الزوجة غير مدخول بها لم يلزمن زوجها إخراج
زكاة الفطر عنها إذا لم يدع إلى البناء بها
وإن كان الآباء والأبناء فقراء لزمت زكاة
الفطر عنهم كل من يلزمه من الآباء والبنين
النفقة عليهم.
ومقدار زكاة الفطر صاع بصاع النبي عليه الصلاة
والسلام وهو أربعة امداد بمده صلى الله عليه
وسلم عن كل صغير أو كبير حر وعبد مسلم دون
الكافر على ما ذكرنا ويجب على السادات عن
عبيدهم.
واختلف قول مالك في وجوبها على سيد المكاتب
على قولين:
أحدهما: تجب.
والثاني: لا تجب.
وتحصيل مذهبه وهو الأشهر عنه أنها تجب عن
مكاتبه كما تجب عليه عن عبيده لأن المكاتب عبد
ما بقي عليه من كتابته شيء وكأن عبد الله بن
عمر يخرج زكاة الفطر عن عبيده ولا يخرجها عن
مكاتبيه وهو القياس لأنه منفرد بكسبه ولا نفقة
له على
(1/322)
سيده وهو قول
جمهور أهل العلم.
ولا يجزأ أقل من صاع عند جماعة من أهل المدينة
منهم مالك وغيره من الحبوب المقتاتة كلها دون
السويق والدقيق والخبز.
ومن أهل العلم من أهل المدينة جماعة منهم سعيد
بن المسيب وطائفة يجزأ عندهم من البر خاصة
مدان ومن غيره لا بد من صاع وهو قول جماعة من
الصحابة والتابعين ولا يجزأ فيها ولا في
تغيرها من الزكاة القيمة عند أهل المدينة وهو
الصحيح عن مالك وأكثر أصحابه.
وقد روي عنه وعن طائفة من أصحابه أنه تجزأ
القيمة عمن أخرجها في زكاة الفطر قياسا على
جواز فعل الساعي إذا أخذ عن السن غيرها او بدل
العين منها على ما تقدم في آخر الباب قبل هذا
والأول هو المشهور في مذهب مالك وأهل المدينة
.
وإذا كان عبد بين رجلين أديا جميعا عنه زكاة
الفطر صاعا واحدا بينهما وقد قيل صاع عن كل
واحد منهما والأول تحصيل مذهبه وهو الأقيس
والأصح وإن كان عبد بين جماعة شركاء أدى كل عن
حصته وإن كان نصفه حرا فإن أدى مالك نصفه عن
جميعه وإلا أدى عن نفسه حصة حريته وأدى السيد
عما يملكه منه وقد قيل: لا شيء على العبد إذا
كان بعضه حرا ويؤدي السيد عن حصته فقط.
وقيل: الصاع كله على سيده وزكاة العبد المخدم
على مالك رقبته.
وقد قيل: على المخدوم والأول أصح.
(1/323)
وزكاة عبيد
القراض على رب المال.
وقد قيل: تخرج الزكاة عنهم من القراض وما بقي
فهو رأس المال وإذا بيع العبد بيعا فاسدا
فزكاة الفطر عنه على الذي ضمانه منه ونفقته
عليه.
ويجوز دفع الصاع إلى المسكين الواحد أو
مسكينين فأكثر ويجوز دفع آصع إلى مسكين واحد
لا يدفع شيء منها إلى مسلم حر فقير ويجوز
دفعها إلى الصغير والكبير ولا بأس أن يدفعها
ألى أقاربه إذا لم تلزمه نفقتهم والصدقة على
الأقارب الفقراء أفضل منها على غيرهم.
وقد روي عن مالك خلاف ظاهر هذا ، والأصح ما
ذكرت لك.
ويستحب للمسافر إخراجها في المكان الذي هو فيه
عن نفسه وعن عياله فإن أخرجها أهله عنه أجزأه
ويجوز للمرأة أن تدفع زكاة الفطر عنها إلى
زوجها إذا كان فقيرا ولا يجوز ذلك له ولو كانت
فقيرة لأنها تلزمه نفقتها.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن زكاة الفطر واجبة
بالقرآن لقوله عز وجل: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ
تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}
قالوا: هي صدقة الفطر وصلاة العيد وليس هذا
بالتأويل المجتمع عليه والذي عليه جمهور أهل
العلم.
وجماعة فقهاء الأمصار أنها واجبة فرضا أوجبها
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قول مالك
وعامة أصحابه ومنهم من جعلها سنة والصحيح أنها
فرض فرضه رسول الله صلى الله عليه وسلم،
(1/324)
وذكر الطبري عن
يونس بن عبد الأعلى عن اشعب عن مالك قال: حتى
فرض وفي سماع زياد بن عبد الرحمن قال: سئل
مالك عن تفسير قول الله تعالى: {وَأَقِيمُوا
الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} أي زكاة هي
التي قرنت بالصلاة.
قال: فسمعته يقول: هي زكاة الأموال كلها من
الذهب والورق والثمار والحبوب والمواشي وزكاة
الفطر وتلا: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ
صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا
وَصَلِّ عَلَيْهِمْ}.
(1/325)
باب قسم الصدقات
ليس لأحد أن يعطي من زكاة ماله لغير من سمى
الله تعلى في كتابه في قوله عز وجل: {إِنَّمَا
الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ
وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ
قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ
وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ
فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} ، وقد سقط منها حق
المؤلفة قلوبهم لأن الله تعالى قد أغنى
الإسلام وأهله عن أن يتألف عليه اليوم أحد ولو
اضطر الإمام في وقت من
(1/325)
الأوقات أن
يتألف كافرا يرجى نفعه وتخشى شوكته جاز أن
يعطى من أموال الصدقات ويسقط العاملون لمن
فرقها عن نفسه.
وأما الفقراء والمساكين فليس في الفرق بينهما
نص ومذهبه يدل على أنهما عنده سواء بمعنى واحد
وهم الذين يملك أحدهم ما لا يكفيه ولا يقوم
بمؤونته.
وقيل: الفقير أشد حالا من المسكين. وقيل
المسكين أشد فقرا والعاملون عليها السعاة على
الصدقات وجباتها، يدفع إليهم منها أجرة معلومة
قدر عملهم ولا يستأجرون بجزء منها للجهالة
بقدرة وفي الرقاب معناه: في عتق الرقاب فيجوز
للإمام أن يشتري رقابا من مال الصدقة ويكون
ولاؤهم لجماعة المسلمين وإن اشتراهم صاحب
الزكاة وأعتقهم جاز ذلك هذا تحصيل مذهب مالك.
وقد روي عن مالك من رواية المدنيين وزياد عنه
أنه يعان منه المكاتب في أخذ كتابته بما يعتق
به وعلى هذا أكثر العلماء في تأويل قول الله
عز وجل : {وَفِي الرِّقَابِ}.
وأما الغارمون فهم الذين عليهم من الدين مثل
ما بأيديهم من المال أو أكثر وهم ممن قد أدان
في واجب أو مباح فإن كان كذلك جاز أن يعطوا من
الصدقة ما يقضون به ديونهم أو بعضها فإن لم
يكن لهم أموال فهم فقراء غارمون يستحقون الأخذ
بالوصفين جميعا إلا أنهم ليسوا عندنا بذوي
سهمين لأن الصدقات عندنا ليست مقسومة سهاما
ثمانية وغيرها.
وإنما المعنى في الآية إعلام من تجوز له
الصدقة فمن وضعها في صنف من الأصناف التي ذكر
الله عز وجل أجزأه.
وأما قوله عز وجل: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ}
،فهم الغزاة
(1/326)
وموضع الرباط
يعطون ما ينفقون في غزوهم كانوا أغنياء أو
فقراء وهو قول أكثر العلماء وهو تحصيل مذهب
مالك رحمه الله.
وقال ابن عمر: هم الحجاج والعمار وابن السبيل
كل من قطع به في سبيل بر أو سبيل سياحة وسواء
كان غنيا أو فقيرا ببلده إذا قطع به بغير بلده
دفع إليه من الصدقة ما يكفيه ويبلغه ويحل ذلك
إليه وليس عليه صرفه في وجوه الصدقة إذا عاد
إلى بلده.
فهذه وجوه الصدقات المفورضات وهي الزكاة لا
تعطى إلا لهؤلاء ولا يجوز العدول عن جميعهم
وهم سبعة أصناف لسقوط المؤلفة فإن فرقها
صاحبها فستة أصناف فإن قسمها عليهم وسوى بينهم
فيها كان حسنا وجائز أن يفضل منها صنف على صنف
كما يجوز تفضيل شخص من الفقراء على شخص وان
وضعها في صنف واحد غير العاملين عليها أجزأه.
وقال مالك: لا يحابي قريب ولا تمنع من فقير
بعيد ويكونون في ذلك سواء ولا يعطى منها من
تلزمه نفقته ولا عبدا ولا مدبرا ولا مكاتبا
إلا أن يعطى في آخر كتابتة ما يعتق به على
اختلاف من قول مالك في ذلك.
وتحصيل المذهب أن لا يعطى منها مكاتب شيئا ولا
يعطى منها كافر فقير ولا في دين ميت فقير ولا
في شراء مصحف ولا في حج ولا في عمرة ولا في
بنيان مسجد ولا في كفن ميت ولا في فك أسير.
وقد قيل: إنه لو فك منها أسيرا
(1/327)
رجوت أن يجزأ
والأول تحصيل المذهب.
ومن له دار وخادم ليس فيهما ان بيعا فضل عن
دار مثله وخادم مثله فليس بغني وجائز له يأخذ
من الزكاة وإن فضل له من ثمن خادمه وزاد على
دار مثله وخادم مثله أربعون درهما لم تحرم
عليه الزكاة وليس لما يعطى منها الواحد حد ولا
أرى أن يعطى منها أحد أكثر من مائتي درهم
استحبابا فإن أعطاه ما تجب فيه الزكاة أو فوقه
جاز عند مالك.
وقال عبد الملك: لا يدفع إليه نصاب وينقص منه
شيء وجائز عند مالك دفعها إلى من يملك نصابا
لا كفاية له فيه لكثرة عياله وضعف تصرفه.
ولا تحل الصدقة المفروضة لأحد من بني هاشم وهم
آل أبي طالب وآل العباس ومن كان مثلهم ممن
ينسب بنسبهم من هاشم وينبغي أن لا تخرج الزكاة
عن موضع سكنى المزكي وموضع المال إلا إلى ذي
حاجة شديدة أو قريب محتاج لا تلزمه نفقته فإن
أخرج أحد شيئا من زكاة ماله عن موضعها إلى غير
هؤلاء ووضعها في أهلها فلا إعادة عليه.
واختلف قول مالك وأصحابه وأهل المدينة قبلهم
فيمن أعطى من زكاته غنيا أو عبدا أو كافرا وهو
لا يعرفه على قولين:
أحدهما: أنه قد اجتهد ولا شيء عليه.
والآخر: أنه لا يجزئه لأنه لم يضعها حيث أمر،
وهو قياس على قول مالك في كفارة اليمين لأنه
قال: إن أعطى في كفارات الأيمان
(1/328)
غنيا أو كافرا
أو عبدا لم يجزه وعليه الإعادة.
وروى أسد عن ابن القاسم أنه فرق بين الغني
والكافر فجوز ما أعطى للغني على الجهل به ولم
يجوز ما أعطيه الكافر
(1/329)
|