الكافي في فقه أهل المدينة المالكي

كتاب المساقاة
باب ما تجوز فيه المساقاة
...
كتاب المساقاة
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
باب ما تجوز فيه المساقاة
معنى المساقاة أن يدفع الرجل كرمه أو حائط نخله أو شجر تينه أو زيتونه أو سائر مثمر شجره لمن يكفيه القيام بما يحتاج إليه من السقي والعمل على أن ما أطعم الله من ثمرتها فبينهما نصفين أو على جزء معلوم من الثمرة ولا تجوز المساقاة إلا في أصول الثمار الثابتة التي يتكرر ثمرتها حولا بعد حول كالنخيل والأعناب والزيتون والرمان والخوخ والتفاح وما أشبه ذلك من الأصول وأما المقاثي والزرع والبقول فلا تجوز المساقاة فيها وقال مالك لا تجوز مساقاة الزرع صغيرا قبل استقلاله فإذا استقل وعجز أربابه عن سقيه جازت المساقاة فيه وكذلك المقاثي

(2/766)


والباذنجان وسائر البقول إذا استقلت وظهرت وعجز أربابها عن سقيها جازت المساقاة فيها وقد روي عنه وعن طائفة من أصحابه أن المساقاة في البقول لا تجوز بحال

(2/767)


باب ما يلزم العامل في المساقاة
وعلى المساقي العامل في المساقاة تلقيح النخل والآبار والسقي والحفظ والجذاذ وعليه في الكرم الزبر والحفر والتنقية والسد والحفظ والقطاف وكذلك عليه في كل ثمرة ما تحتاج إليه من العمل المعهود حسب جري العادة في البلد في مثل ذلك ويجب أن يكون مفهوما معلوما في الحرث والحفر وسائر العمل الذي تقوم به الثمرة وعليه من السقي فيما يشترط عليه مما بالثمرة الحاجة إليه وليس عليه عمل ما لا تنتفع به الثمرة ولا ما لا تنتفع به في أكثر مدته في المساقاة كالبئر يحفرها والعين يرفعها بينهما أو شيء تبقى منفعته لرب الحائط بعد انقضاء المساقاة ولا يجوز أن يشترط شيء من ذلك عليه وعلى العامل حفر العين وتنقيتها وإصلاح الساقية وسد الحظار وما قطع من الجريد والليف والزرجون فهو بينهما على قدر ما لكل واحد منهما من أجزاء الثمرة وعقد المساقاة لازم للمتعاقدين وليس لأحدهما فسخه إلا برضى صاحبه

(2/767)


باب ما يجوز من الشروط في المساقاة وما لا يجوز من ذلك
ولا يجوز لرب الحائط أن يشترط على العامل كيلا في التمر يختص به ويكون ما بقي بينهما على أجزاء يتفقان عليها والمساقاة في البعل عند مالك جائزة كهي في السقي فإن كان في الحائط دواب ورقيق فقد اختلف في ذلك عن مالك فروي عنه أن على صاحب الحائط مؤونة رقيقة ودوابه إلا أن يشترطها على العامل وروي عنه أنه كره اشتراط مؤونتها على العامل وروي أن علوفة الدواب ونفقة الرقيق على العامل وما هلك من الدواب والرقيق وانكسر من الدواليب والآلات وآلة السقي فعلى رب المال خلفه وإصلاحه ولا يشترط العامل على رب الحائط دواب لم تكن فيه عند مساقاته إياه وجائز عقد المساقاة عاما واحدا وعامين وأعواما من الجذاذ إلى الجذاذ على جزء معلوم مما يخرج الله من الثمرة بعد إخراج الزكاة منها ولو ساقاه إلى أجل فانقضى الأجل وفي النخل ثمر لم يجز جذاذه ولا يحل بيعه فهو على مساقاته حتى يجذ لإنه حق وجب له وإنما المساقاة إلى الجذاذ وإلى القطاف لا إلى أجل ولا تجوز المساقاة في الأرض البيضاء كما لا يجوز الكراء فيما تجوز فيه المساقاة فإن كان بياض ونخل أو شجر فوقع عقد المساقاة على الشجر والنخل وسكت عن البياض جاز وكان البياض لربه يزرعه ويؤاجره أو يتركه وإن اشترط رب المال البياض كله أو ما يخرج منه لم يجز وإن اشترط منه جزءا معلوما

(2/768)


جاز إذا كان البذر والعمل كله على العامل وكان الجزء مثل الجزء الذي ساقاه عليه فإن اشترط العامل البياض لنفسه جاز إذا كان يسيرا واليسير في ذلك أن يكون أجرة البياض الثلث وثمن الثمرة الثلثين فإن كان كذلك كان تبعا للنخل والشجر وجاز للعامل اشتراطه وإن كان أجرة البياض أكثر من ذلك لم يجز لإنه حينئذ مقصود إليه والله أعلم ولا بأس أن يساقي حوائط مختلفة الثمرة أو متفقة على جزء معلوم وأخذ في صفقة واحدة ولا يجوز ذلك في صفقة واحدة على اجزاء مختلفة ويجوز ذلك في صفقات عدة ولا تجوز المساقاة في ثمر قد بدا صلاحه لأنه يحل بيعه وجائز أن يساقيه في ثمر قد ظهر ولم يبد صلاحه على جزء يتفقان عليه من الثمرة

(2/769)


باب حكم الجائحة في المساقاة
وإذا أجيح بعض الحائط سقط ما أجيح منه إذا كان لا يرجى منه ثمرة وما جذ من النخل لم يلزمه سقيها وعليه أن يسقي ما لم يجذ حتى يجذ وإن جذ غيره قبله وإن أجيح الحائط كله انفسخت فيه المساقاة وإن أجيح ثلثه فصاعدا فعن مالك روايتان إحداهما أن العامل بالخيار بين فسخ المساقاة والإقامة عليها والأخرى أن المساقاة لازمة لهما

(2/769)


إلا أن تكون الجائحة أتت على قطعة من النخل والشجر بعينها فتنفسخ المساقاة وحدها دون ما سواها وإن أتلفت الجائحة أقل من ثلث الحائط فالمساقاة صحيحة لازمة ولو انهارت البئر انفسخت المساقاة إلا أن يريد العامل أن ينفق من ماله في صلاح البئر ويكون على مساقاته ويرتهن صاحب الحائط من الثمرة بما أنفق فذلك له

(2/770)


باب زكاة المساقاة
وإذا كان ثمر الحائط خمسة أوسق فصاعدا فالزكاة فيه واجبة كان في حصة أحدهما نصاب أو لم يكن ولا بأس أن يشترط كل واحد منهما الزكاة على صاحبه في حصته دونه وسواء أخرج الحائط نصابا كاملا أو لم يخرجه لإنه جزء معلوم ولا بأس بمساقاة الذمي في مساقاة أو في شيء من الإجارات والأعمال

(2/770)