الكافي
في فقه أهل المدينة المالكي
كتاب التفليس، والحجر
باب في المفلس يجد
غريمه متاعه كله او بعضه عنده
...
كتاب التفليس ،والحجر
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
باب في المفلس يجد غريمه متاعه كله او بعضه
عنده
إذا لحق التاجر من ديون الناس ما يضرب السلطان
من اجله على يده ويفلسه عند قيام غرمائه
لإحاطة ما لهم عليه بماله فمن وجد منهم متاعه
قائما بعينه فهو بالخيار ان شاء أخذ سلعته
بثمنها الذي باعها به وكان احق بها من سائر
الغرماء فله ذلك وان شاء تركها وكان أسوة
الغرماء وحاصهم بثمنها فيها وغيرها من سائر
مال المفلس وما يثوب له من مال وان كان البائع
قد قبض من ثمن متاعه شيئا فاختار ان يرد ما
يرد ما اقتضى منه ويكون أحق بسلعته كان له ذلك
فإن كان بعض المتاع قد خرج من يد المبتاع أو
غيره فاختار البائع اخذ
(2/823)
ما بقي بحصته
ان كان نصف المبيع بنصف الثمن او ثلثه بثلث
الثمن أو كان بحساب ذلك يوم باعه لا يوم أفلس
ويحاص الغرماء فيما تلف كان له ذلك الا ان
يعطيه الغرماء قيمة ما أصاب من متاعه كاملا
ويأخذونه لرغبتهم فيه فيكون ذلك لهم فإن وجد
البائع سلعته ناقصة في بدنها او سوقها وأراد
اخذها كان ذلك له وكان احق بها الا ان يضمن له
الغرماء ثمنها لما يرجونه فيها من الفضل
فيكونون حينئذ احق بها كذلك إذا وجدها صاحبها
عند المفلس زائدة في بدنها أو سوقها وخالفه
الغرماء في اخذها كانوا احق بها إذا أعطوه
ثمنها كاملا لما يرجون فيها من الزيادة فإن لم
يضمنوا له ثمنها كان له اخذها نامية ان شاء
وهو احق بها لانه قد وجدها بعينها وان كان
البائع قد اقتضى بعض ثمن سلعته وقد فوت
المشتري بعضها وأدرك البائع ما بقي منها كان
له اخذ ما وجد منها بحسابه من ثمنها وان اراد
الغرماء اخذ تلك الحصة من السلعة بما يصيبها
من الثمن الذي باعها به فذلك لهم وإن أبوا ذلك
وأسلموها اليه رد اليهم ما يصيبها بالحصص فيما
اقتضى ثم حاصهم بذلك فيما بقي من مال المفلس
مثال ذلك رجل باع عبدين بعشرين دينارا فاقتضى
من قيمتها عشرة دنانير وباع المشتري احدهما
وبقي الآخر عنده ثم افلس فإن أراد البائع اخذ
العبد الباقي منهما رد خمسة من العشرة التي
اقتضاها واخذه وحاص الغرماء بالخمسة التي رد
هذا الحكم مخصوص به المفلس الحي عند مالك
واصحابه وأما الميت الذي يموت وعليه دين محيط
بماله فمن أصاب من غرمائه سلعة كاملة
(2/824)
بعينها أوبعضها
فلا سبيل له اليها وهو فيها أسوة الغرماء لأن
ذمته قد انقطعت وتحل الديون المؤجلة على
المفلس بتوقيف الحاكم وتعود حالة كما تحل ديون
الميت المؤجلة بموته وسواء عند مالك من مات او
افلس فقد حل دينه ومن وجد متاعه بعينه عند
مفلس فلم يأخذه حتى مات كان له اخذه بعد موته
الا ان يشاء الغرماء انصافه من حقه
(2/825)
باب حكم ما يحدث في عين مال الغريم من الغلة
والولد
وليس لغريم المفلس اخذ نتاج ما باعه من
الماشية والدواب ولا غلة ماله غلة من ذلك ولا
أجرة العبد إذا فات ذلك وليس له الا الرقاب
بعينها اذا وجدها وما فات من النتاج والغلة
والاجرة والثمرة فلا شيء له فيه ومن باع أمة
فولدت عند المشتري ثم ماتت وبقي الولد كان له
أخذه بالثمن كله ولو مات الولد وبقيت الام
اخذها بالثمن كله ولم يوضع عنه لموت الولد شيء
ولو باع المشتري الولد أو الام كان للبائع أخذ
الباقي منهما بحسابه من الثمن ومن ابتاع زيتا
فصبه في جراره ثم افلس قبل ان ينفذ ثمنه
فالبائع أحق بملكية زيته من سائر الغرماء ولو
ابتاع دنانير فخلطها بدنانير له في كيسه قبل
ان ينفذ
(2/825)
ثمنها ثم افلس
كان صاحب الدنانير احق بوزنها من ذلك الكيس من
سائر غرمائه
(2/826)
باب ما يشترك فيه اهل الامانة مع اصحاب الديون
الواجبة عند المفلس
واذا مات الرجل وعنده ودائع وقرائض وبضائع
وعليه الديون للناس لم يوص بذلك ولا ذكر منه
شيئا وثبتت الامانات بغير تعيين فإن اهل
الديون الواجبة وأهل الامانات من الودائع
والقراض والبضائع وغيرها يتحاصون فيما وجدوا
من ماله اذا ثبت ذلك عليه وان ذكر في وصيته او
اشهادا فقال هذا قراض وهذه وديعة او نحو ذلك
وقال هذا مالي فما سمى من ذلك وذكر فهو كما
قال لمن ذكر لا ينازع فيه وما قال هو مالي فهو
بين غرمائه لا يدخل في ذلك معهم أهل القراض
ولا سائر الامانات الا ان يثبت خلاف ما قال
(2/826)
باب العمل في مال المفلس
واذا كان على المفلس او على الميت ديون من
العين والعرض والطعام المسلم اليه قوم لكل
واحد قيمة
(2/826)
باب ما يجوز من فعل المفلس وما لا يجوز
ومن كان عليه دين يحيط بماله ولم يوقف لتفليس
فجائز أن يقضي بعض غرمائه دون بعض وجائز تصرفه
في بيعه
(2/828)
وشرائه واخذه
وعطائه ونكاحه وسائر معاوضاته الا ان يحابي في
ذلك فإن حابى أحد فالمحاباة عطية وهبة ولا
يجوز لمن ذلك احاط الدين بماله قبل التفليس
ولا بعده واقراره لمن يعرف بمعاملته ولا يتهم
فيه جائز له ماض له وعليه ما لم يفلسه الحاكم
ويحال بينه وبين ماله ومن كان عليه دين يحيط
بماله فللغرماء ان يردوا عتقه وهبته وصدقته
الا انه ان احبل شيئا من امائه لم يكن له سبيل
الى بيعها واذا وقف الحاكم مال المفلس وقضى
بتفليسه لم يجز له في ماله حكم حتى ينقضي أمره
فإن اقر في هذه الحال كان اقراره في ذمته فإن
افاد مالا غير ما بقي في يده فقضى من ذلك
المال ما اقر به ويستوي حال المديان الذي لم
يفلسه غرماؤه اذا كان الدين الذي يحيط بماله
وحال الذي وقف الحاكم ماله لفلسه فيما اعتقا
جميعا او وهبا أو تصدقا ويختلفان في المعاوضات
فإن وهب او تصدق او اعتق في كلتا الحالتين
بإذن غرمائه جاز واختلف في رهنه عن مالك فروي
عنه جواز رهنه بعد تفليسه وروى عنه المنع ولم
يختلف قوله وقول اصحابه في الذي تحيط ديونه
بماله ان له ان يقضي بعض غرمائه دون بعض بعد
التفليس
(2/829)
باب جامع احكام المفلس
واذا فلس الرجل لغرمائه الذين قاموا عليه
بالبينات واقر الآخرين فلا شيء لمن اقر له حتى
يستوفي ارباب البينات فإن فضل كان لمن اقر له
وان لم يقم ماله بما عليه لغرمائه ثم افاد
مالا بديء ايضا بأصحاب الديون المستحقه
بالبينه فإن فضل دفع الى الذين اقر لهم ومن
فلس وقسم ماله بين غرمائه ولم يقم بما لهم
عليه ثم داينه آخرون وفلس ثانية فالذين داينوه
ثانية اولى بما في يديه ولا يدخل معهم الاولون
فإن فضل شيء من حقوقهم تحاص فيهه الاولون وهذا
الحكم فيما حصل في يده من معاملة الاخرين فأما
ملكه بهبه او ميراث أو أرش جناية او وصية فإن
الاخرين والاولين فيه اسوة واذا وهب للمفلس
هبة أو تصدق عليه بصدقة او اوصي له بوصية او
وجبت له شفعة فيها ربح لم يجبر على قبول شيء
من ذلك ان اباه وان اخذه طائعا فهو بين غرمائه
وليس الميراث كذلك لانه يدخل في ملكه بغير
قبول ومن فلس من رجل او امرأة لم يجز عفوه عن
نصف الصداق ولا عن شيء منه والعبد المأذون له
بالتجارة كالحر في التفليس يقسم ما في يده بين
غرمائه ولا يحاص سيده غرماؤه بشيء مما استئجره
به ولا سبيل لغرمائه على رقبته ولا على سيده
الا ان يضمن شيئا عنه فيؤخذ به فإن باع منه
سيده بيعا يشبه بياعات الناس وقامت له بذلك
بينة ضرب مع.
(2/830)
الغرماء بدينه
ذلك ومن أعتق عبده على مال ثم أفلس العبد قبل
أدائه لم يحاص السيد بدينه غرماؤه وليس
للغرماء بيع العبد المأذون له في ديونهم ولا
لهم أن يمنعوا سيده من بيعه وأخذ ثمنه لنفسه
دونهم ولا لهم أن يؤاجروه ليأخذوا أجرته ولا
لهم في رقبته شيء وإنما لهم ذمته فمتى أفاد
مالا قاموا عليه بديونهم وقسم ما وجد بيده
بينم عند كل سيد يملكه وكذلك ان أعتق وإذا
أدين العبد بغير إذن سيده وأفلس فلسيده ان
يأخذ ما كان في يده ولا يلتفت إلى إقرار العبد
فمن قامت له عليه بينة في شيء بعينه ووجد
قائما أخذه وإلا فلا حق له في رقبة العبد
واقرار العبد المفلس لسيده ولغير سيده لا يقبل
وإن كان مأذونا له ولسيده ان يفسخ عن العبد ما
أدان به بغير إذنه وإن لم يفسخه عنه السيد
اتبعت به ذمته متى ما عتق ومن زرع زرعا
فأصابته جائحة فاستقرض من رجل مالا فأنفقه
عليهفلم يكفه ثم استقرض من آخر مالا فأنفقه
عليه ثم أفلس فالثاني أحق بالزرع من الأول ثم
الأول أحق بما بقي من سائر غرماء المفلس ولا
يدخل الغرماء على من حاز شيئا من مال المفلس
وصار بيده كالمكري منه دابته حتى تنقضي اجارته
والقصار والصباغ والحمال كل واحد من هؤلاء أحق
بما بقي في يده من الغرماء في الموت والفلس
كالرهن سواء وكذلك الأجير في الزرع والحائط
يقوم بأباره وتذليل عراجينه وتفجير مياهه وهو
بمنزلة الصناع للتأثير الذى له في الزرع
والنخل وأما الراعي والدلال فهما في اجرتهما
اسوة الغرماء ولا سبيل
(2/831)
للراعي على
الغنم ولا للدلال على السلعة وكذلك من استؤجر
على حفظ شيء ليس هو أحق به في الموت ولا فلس
وهو أسوة الغرماء فيما في يده على ذلك وصاحب
الأرض إذا أفلس الزارع أحق بما في أرضه في
الفلس دون الموت حتى يستوفي كراء أرضه ومن
استأجر دارا لسنة ولم ينقد اجرتها وسكنها بعض
السنة ثم أفلس أو مات فرب الدار أحق بما بقي
من مدة الإجارة ويحاص غرماءه باجرة ما مضى
وقال ابن القاسم تحاص المرأة غرماء زوجها إذا
أفلس بصداقها في حياته ولا تحاصصهم بصداقها
بعد مماته وسائر أصحاب مالك يرون أنها تحاصهم
بصداقها في الموت والفلس ومن خلع من ماله
لغرمائه ترك له ما يعيش به هو وعياله الشهر
ونحوه ولا يباع ما على ظهره من كسوة إذا كانت
كسوة مثله فإن زاد على كسوة مثله بيع الفضل
ومن صح عدمه لم يسجن فإن سجن وثبت ذلك أطلق
ومن أكثر العقود بأموال الناس مرة بعد مرة منع
من الجلوس في أسواقهم ونودي عليه ليلا يغتر به
وليس للمريض أن يقضي بعض غرمائه دون بعض
كالمفلس الذي وقف الحاكم ماله
(2/832)
باب الحجر
كل صغير فيحجر عليه حتى يبلغ ويؤنس منه
(2/832)
الرشد ويجب
الحجر على السفيه المتلف لماله صغيرا كان أو
كبيرا شيخا كان أو شبابا والسفيه أن يبذر ماله
في المعاصي أو في الإسراف فأما أن يكون محرزا
لماله غير مضيع له غير أنه فاسق مسرف على نفسه
في الذنوب فهذا لا يجوز عليه بل ينطلق من
الولاية لحسن نظره في ماله ولا بأس بالتجارة
في مال اليتيم ولا ضمان على الوصي وإن كان
الفضل لليتيم في خلط ماله معه جاز ذلك ومن
أراد الحجر على ولده البالغ فليأت به الحاكم
حتى يشهده عنده على حاله ويمنع الناس من
مداينته ومعاملته وما باعه السفيه فبيعه باطل
ويرد عليه ما باع ولا يرجع عليه بشيء من ثمنه
ان كان أتلفه ومن دفع إلى محجور حر أو عبد
بالغ أو صغير مالا أو شيئا فقد أتلفه على نفسه
ان لم يدركه بعينه وكذلك أن أقرضه قرضا ولا
يتبع المحجور بشيء من ذلك كله لا في حال سفهه
ولا بعد حسن حاله ولا تتبع ذمته وانما للذى
يعامله ما وجده عنده من عين ماله ويقضي للسفيه
بعد رشده بالرجوع فيما باعه أيام سفهه كما
يحكم له به قبل ويفسخ عند الحاكم ما أتلفه وأن
أدرك بيده شيء أخذ منه والبكر وإن عنست بمنزلة
المحجور حتى يبنى بها زوجها ويعلم صلاح حالها
هذا تحصيل مذهب مالك ومن اصحابه من يخالف في
ذلك وان دفع الوصي إلى المحجور شيئا من ماله
ليختبره به فداين عليه فالدين باطل عن ماله
وعن ذمته وعن مال الوصي وليس كالعبد اذا دفع
غليه سيده مالا ليختبره به فهو مأذون له وقد
قيل:
(2/833)
انه إذا إذن
الولي للسفيه في التجارة في مال بعينه فاستدان
دينا فهو في ماله ذلك دون سائر ماله ولا يكون
شيء من ذلك الدين في ذمة الوصي وولي السفيه
مصدق فيما ذكر من نفقة اليتيم إذا كان ما يمكن
ولا يصدق الوصي في رد مال اليتيم إليه بعد
بلوغه الا ببينة تشهد له وإذا بلغ المحجور
مبلغ الرجال وانس منه الرشد دفع إليه ماله وان
طلب ترشيد نفسه سمع من بينته فإذا شهد له
شهادة فيها بعض الاستفاضة بالرشد وحسن النظر
والضبط لماله أطلق من الولاية وجاز أمره وفعله
وان أطلقه وصيه بما بان له من حسن حاله ونظره
وأشهد على ذلك جاز ونفذ ويوسع على الأيتام
بالمعروف في أموالهم والله من فضله يرزقهم
وغيرهم لا شريك له وينفق على أم اليتيم من
ماله إذا كانت محتاجة وينفق عليه منه في
تأديبة وتؤدي عنه منه زكاة الفطر وتخرج زكاته
إذا وجبت وان ضحى عنه وصيه جاز ذلك وحمد له ان
كانت له سعة ولا يجوز للمرأة ذات الزوج وان
كانت رشيدة عند مالك وأصحابه ان تهب ولا تتصدق
باكثر من ثلثها إلا بإذن زوجها فإن تصدقت
بأكثر من ثلثها فزوجها بالخيار في غجازة ما
زاد على الثلث من عطيتها أو رده وقد قيل له رد
هبتها أو صدقتها كلها إذا زادت على ثلثها وكل
وكل ذلك مذهب مالك وإلى هذا ذهب ابن القاسم
فإن لم يعلم زوج المرأة بما أعطيته من مالها
وذلك حتى ماتت أو طلق نفذ فعلها وصح وكذلك
العبد عند مالك يتصدق أو يهب مما بيده من ماله
فإن لم يعلم بذلك سيده حتى أعتقه ينفذ فعله
(2/834)
|