المدخل لابن الحاج

[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ صُعُودِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ]
وَيَنْبَغِي لَهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَصْعَدَ الْمِنْبَرَ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ تَعَالَى وَيُقَدِّمَ الْيَمِينَ كَمَا تَقَدَّمَ. وَيَحْذَرَ أَنْ يَضْرِبَ بِمَا فِي يَدِهِ عَلَى دَرَجِ الْمِنْبَرِ لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِ مَنْ مَضَى وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي الِاتِّبَاعِ لَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ.
الثَّانِي: أَنَّ الْمِنْبَرَ وَقْفٌ وَالضَّرْبُ عَلَيْهِ عَلَى الدَّوَامِ مِمَّا يَضُرُّ بِهِ وَيَخْلُقُهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ بِجَوَازِهِ لَكِنَّهُ مَحْجُوجٌ بِمَا ذَكَرَ مِنْ الِاتِّبَاعِ. وَكَذَلِكَ يَنْهَى الْمُؤَذِّنِينَ عَنْ الصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيمِ عِنْدَ كُلِّ ضَرْبَةٍ يَضْرِبُهَا عَلَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ الْبِدَعِ أَيْضًا وَلَا يُطَوِّلُ عَلَى النَّاسِ فِي رُقِيِّهِ الْمِنْبَرِ إلَّا لِضَرُورَةِ مِنْ كِبَرِ سِنٍّ أَوْ ضَعْفِ بَدَنٍ، فَإِذَا وَصَلَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يَخْطُبُ عَلَيْهِ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّاسِ وَجَلَسَ مِنْ غَيْرِ سَلَامٍ مِنْ الْمُؤَذِّنِينَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ وَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ لَكِنَّ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ عَمَلُ السَّلَفِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - تَرْكُهُ إذْ ذَاكَ وَبَعْضُهُمْ يُسَلِّمُ وَيَزِيدُ فِيهِ بِدْعَةً وَهُوَ أَنْ يُشِيرَ بِيَدِهِ إلَى النَّاسِ وَلَا يَقِفُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَيَبْسُطُ يَدَيْهِ لِيَدْعُوَ إذْ ذَاكَ لِأَنَّ عُلَمَاءَنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ قَدْ عَدُّوا ذَلِكَ مِنْ الْبِدَعِ.

(2/267)


[فَصْلٌ فِي فَرْشِ السَّجَّادَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ]
ِ وَلْيَحْذَرْ أَنْ يَفْرِشَ السَّجَّادَةَ عَلَى الْمِنْبَرِ لِأَنَّ ذَلِكَ بِدْعَةٌ إذْ إنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا السَّلَفِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِدْعَةً وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلَيْهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْضِعِ صَلَاةٍ. وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَمْنَعَ مَا يُفْرَشُ عَلَى دَرَجِ الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ مِنْ بَابِ التَّرَفُّهِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِ مَنْ مَضَى فَهُوَ بِدْعَةٌ أَيْضًا.

وَيَنْهَى الرَّئِيسَ عَمَّا أَحْدَثَهُ مِنْ نِدَائِهِ عِنْدَ إرَادَةِ الْخَطِيبِ الْخُطْبَةَ بِقَوْلِهِ لِلنَّاسِ أَيُّهَا النَّاسُ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إذَا قُلْتَ لِصَاحِبِك وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ فَقَدْ لَغَوْتَ» أَنْصِتُوا رَحِمَكُمْ اللَّهُ انْتَهَى. وَالْعَجَبُ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ عَلَى مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَخْذَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَيَسْتَحْسِنُونَ هَذَا الْفِعْلَ وَيَحْتَجُّونَ عَلَى صِحَّتِهِ بِأَنَّهُ مِنْ عَمَلِ أَهْلِ الشَّامِ وَعَادَتِهِمْ الْمُسْتَمِرَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَكَذَلِكَ يَنْهَاهُمْ أَيْضًا عَمَّا أَحْدَثُوهُ مِنْ صُعُودِ الرَّئِيسِ عَلَى الْمِنْبَرِ مَعَ الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ يَجْلِسُ دُونَهُ وَذَلِكَ يُمْنَعُ لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الرَّئِيسَ بِهَذَا الْفِعْلِ يُخَالِفُ السُّنَّةَ فِي اسْتِقْبَالِهِ لِلْخَطِيبِ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ وَرَمَقِهِ بِعَيْنَيْهِ لِأَنَّهُ مُسْتَدْبِرٌ لَهُ إذْ ذَلِكَ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ أَنَّ أَحَدًا مِمَّنْ مَضَى جَلَسَ مَعَ الْخَطِيبِ عَلَى الْمِنْبَرِ. وَالْعَجَبُ مِنْهُ أَنَّهُ يَأْتِي بِنَصِّ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ ثُمَّ يَأْمُرُهُمْ بِالْإِنْصَاتِ بَعْدَهُ بِقَوْلِهِ أَنْصِتُوا رَحِمَكُمْ اللَّهُ ثُمَّ يَفْعَلُ ضِدَّ ذَلِكَ وَيَأْمُرُهُمْ بِالْكَلَامِ فَيَتَكَلَّمُ وَيَسْتَدْعِي الْكَلَامَ بِقَوْلِهِ آمِينَ اللَّهُمَّ آمِينَ غَفَرَ اللَّهُ لِمَنْ يَقُولُ آمِينَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ.
وَلَا حُجَّةَ لِمَنْ يَقُولُ إنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْخَطِيبَ إذَا ذَكَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ السَّامِعُ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِذَلِكَ لِأَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ هُوَ أَنْ يُسْمِعَ الْمَرْءُ نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيهِ عَلَى مَا يُعْهَدُ مِنْ عَمَلِ السَّلَفِ فِي جَهْرِهِمْ فِي مَوَاضِعِ

(2/268)


الْجَهْرِ لَا عَلَى مَا يُعْهَدُ مِنْ زَعَقَاتِ الْمُؤَذِّنِينَ فَإِنَّ ذَلِكَ خَارِجٌ عَنْ حَدِّ السَّمْتِ، وَحَالُ الْخُطْبَةِ حَالُ خُشُوعٍ وَحُضُورٍ إذْ إنَّهَا بَدَلٌ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ فِي الظُّهْرِ عَلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ فَلَا يَجُوزُ فِيهَا إلَّا مَا يَجُوزُ فِي الصَّلَاةِ أَعْنِي الْإِنْصَاتَ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ.
وَمَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْخَطِيبَ إذَا ذَكَرَ الْجَنَّةَ أَوْ النَّارَ أَوْ ذَكَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ السَّامِعَ يَسْأَلُ وَيَسْتَعِيذُ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ سَمَاعِهِ لِذَلِكَ سِرًّا فِي نَفْسِهِ. زَادَ أَشْهَبُ أَنَّ الْإِنْصَاتَ أَفْضَلُ لَهُ فَإِنْ فَعَلَ فَسِرًّا فِي نَفْسِهِ وَلَوْ عَطَسَ فَيَحْمَدُ اللَّهَ سِرًّا فِي نَفْسِهِ وَمَنْ سَمِعَهُ فَلَا يُشَمِّتْهُ، فَإِنْ جَهِلَ فَشَمَّتَهُ فَلَا يَرُدَّ عَلَيْهِ، وَالْإِنْصَاتُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاجِبٌ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذُكِرَتْ عَلَى مَنْ سَمِعَ الْخُطْبَةَ وَعَلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا وَعَلَى مَنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ خَارِجَهُ مِمَّنْ يَنْتَظِرُ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْإِنْصَاتَ يَجِبُ عَلَى أَرْبَعِينَ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَالْإِنْصَاتُ مَنْدُوبٌ فِي حَقِّهِمْ وَلَا شَكَّ أَنَّ تَرْكَ الْمَنْدُوبِ فِي هَذَا الْوَقْتِ الْفَاضِلِ يَقْبَحُ سِيَّمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْخُطْبَةَ بَدَلٌ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ فِي الظُّهْرِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَفِعْلُ السَّلَفِ أَوْلَى مَا يُبَادَرُ إلَيْهِ كَانَ الْفِعْلُ وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا وَقَدْ كَانُوا جَمِيعًا مُنْصِتِينَ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى فِعْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حِينَ سَمِعَ رَجُلَيْنِ يَتَكَلَّمَانِ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ فَحَصَبَهُمَا أَنْ اُصْمُتَا قَالَ لِأَنَّ حَصْبَهُمَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ لَهُمَا اُسْكُتَا فَإِذَا كَانَ عَمَلُ السَّلَفِ عَلَى هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فَالْمُبَادَرَةُ إلَى اتِّبَاعِهِمْ أَفْضَلُ وَأَعْلَى كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُمْ عَلَى الْهُدَى الْمُسْتَقِيمِ، وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَجْتَنِبَ التَّقْعِيرَ فِي خُطْبَتِهِ وَالتَّصَنُّعَ فِيهَا.

وَكَذَلِكَ يَجْتَنِبُ تَطْوِيلَ الْخُطْبَةِ وَتَقْصِيرَ الصَّلَاةِ لِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «أَنْتُمْ فِي زَمَانٍ كَثِيرٌ فُقَهَاؤُهُ قَلِيلٌ قُرَّاؤُهُ تُحْفَظُ فِيهِ حُدُودُ الْقُرْآنِ وَتُضَيَّعُ حُرُوفُهُ قَلِيلٌ مَنْ يَسْأَلُ كَثِيرٌ مَنْ يُعْطِي يُطِيلُونَ فِيهِ الصَّلَاةَ وَيُقَصِّرُونَ الْخُطْبَةَ يَبْدَءُونَ فِيهِ أَعْمَالَهُمْ قَبْلَ أَهْوَائِهِمْ وَسَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ كَثِيرٌ

(2/269)


قُرَّاؤُهُ قَلِيلٌ فُقَهَاؤُهُ تُحْفَظُ فِيهِ حُرُوفُ الْقُرْآنِ وَتُضَيَّعُ حُدُودُهُ كَثِيرٌ مَنْ يَسْأَلُ قَلِيلٌ مَنْ يُعْطِي يُطِيلُونَ فِيهِ الْخُطْبَةَ وَيُقَصِّرُونَ فِيهِ الصَّلَاةَ يَبْدَءُونَ فِيهِ أَهْوَاءَهُمْ قَبْلَ أَعْمَالِهِمْ» فَهَذَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ لِمَا وَرَدَ أَنَّ طُولَ الصَّلَاةِ وَقِصَرَ الْخُطْبَةِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِ الرَّجُلِ فَلْيُتَحَفَّظْ عَلَى هَذَا فَإِنَّهُ مِنْ أَكْبَرِ الْأُصُولِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ.

وَأَمَّا تَرَضِّي الْخَطِيبِ فِي خُطْبَتِهِ عَنْ الْخُلَفَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَبَقِيَّةِ الْعَشَرَةِ وَبَاقِي الصَّحَابَةِ وَأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَعِتْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - فَهُوَ مِنْ بَابِ الْمَنْدُوبِ لَا مِنْ بَابِ الْبِدْعَةِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ وَلَا الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَكِنْ فَعَلَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَمْرٍ كَانَ وَقَعَ قَبْلَهُ وَذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ بَنِي أُمَيَّةَ كَانُوا يَسُبُّونَ بَعْضَ الْخُلَفَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - عَلَى الْمَنَابِرِ فِي خُطْبَتِهِمْ، فَلَمَّا أَنْ وَلِيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَبْدَلَ مَكَانَ ذَلِكَ التَّرَضِّي عَنْهُمْ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي حَقِّهِ هُوَ إمَامُ هُدًى وَأَنَا أَقْتَدِي بِهِ.

وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكُونَ فِي خُطْبَتِهِ عَلَى حَالِ خُشُوعٍ وَتَضَرُّعٍ لِأَنَّهُ يَعِظُ النَّاسَ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْمَوْعِظَةِ حُصُولُ الْخُشُوعِ وَالرُّجُوعِ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِاتِّبَاعِ أَمْرِهِ وَاجْتِنَابِ نَهْيِهِ وَالْخَوْفِ مِنْهُ وَالْخَوْفِ مِمَّا أَوْعَدَ بِهِ وَقُوَّةِ الرَّجَاءِ فِيمَا وَعَدَ بِهِ وَحُسْنِ الظَّنِّ بِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَإِذَا كَانَ الْخَطِيبُ مُسْتَعْمِلًا فِي نَفْسِهِ مَا ذَكَرَ كَانَ ذَلِكَ أَدْعَى إلَى قَبُولِ مَا يُلْقِيهِ إلَى السَّامِعِينَ لِاتِّصَافِهِ بِمَا اتَّصَفَ بِهِ هُوَ فِي نَفْسِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْمُؤَذِّنِ إذَا أَذَّنَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى طَهَارَةٍ لِيُبَادِرَ لَفِعْلِ مَا نَادَى إلَيْهِ أَوَّلًا فَيَكُونَ أَدْعَى إلَى صَدْعِ الْقُلُوبِ لِأَنَّ الْعِلْمَ إذَا خَرَجَ مِنْ عَامِلٍ تَشَبَّثَ بِالْقُلُوبِ وَإِذَا خَرَجَ مِنْ غَيْرِهِ انْسَابَ عَنْ الْقُلُوبِ عَلَى مَا قَالَهُ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَتَجَنَّبُ فِي خُطْبَتِهِ التَّصَنُّعَ لِأَنَّ التَّصَنُّعَ إذَا وَقَعَ فَهُوَ الدَّاءُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ دَوَاءٌ فِي الْغَالِبِ إذْ إنَّهُ يُشْبِهُ النِّفَاقَ بَلْ هُوَ النِّفَاقُ بِعَيْنِهِ إذْ

(2/270)


إنَّ مَعْنَى النِّفَاقِ أَنْ يُظْهِرَ بِلِسَانِهِ وَجَوَارِحِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ أَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ بِمَنِّهِ.