المدونة

 [كِتَابُ الزَّكَاة الْأَوَّل] [زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ]
ُ فِي زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ: مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَيُؤْخَذُ مِنْهُ فِيمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ بِحِسَابِ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ مَا زَالَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَفِيهِ رُبْعُ عُشْرِهِ.

قُلْتُ: فَمَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي رَجُلٍ لَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَمِائَةُ دِرْهَمٍ؟ فَقَالَ: عَلَيْهِ الزَّكَاةُ.
قُلْتُ: فَمَا قَوْلُهُ فِي رَجُلٍ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَتِسْعَةُ دَنَانِيرَ قِيمَةُ التِّسْعَةِ دَنَانِيرَ مِائَةُ دِرْهَمٍ؟ فَقَالَ: لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا، قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إنَّمَا يُنْظَرُ فِي هَذَا إلَى الْعَدَدِ إذَا تَكَافَأَ كُلُّ دِينَارٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ قَلَّتْ الدَّنَانِيرُ أَوْ كَثُرَتْ، إنَّمَا يُجْعَلُ كُلُّ دِينَارٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الدَّرَاهِمُ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ كَانَتْ تِسْعَةَ دَنَانِيرَ وَعَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَمِائَةَ دِرْهَمٍ وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ، فَأُخِذَ مِنْ الْفِضَّةِ رُبْعُ عُشْرِهَا وَمَنْ الدَّنَانِيرِ رُبْعُ عُشْرِهَا وَهَكَذَا جَمِيعُ هَذِهِ الْوُجُوهِ، وَلَا تُقَامُ الدَّنَانِيرُ بِالدَّرَاهِمِ قَالَ سَحْنُونٌ قَالَ أَشْهَبُ: وَإِنَّ زَكَاةَ الْعَيْنِ يُجْمَعُ فِيهَا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ كَمَا يُجْمَعُ فِي زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ الضَّأْنُ إلَى الْمَعْزِ وَالْجَوَامِيسُ إلَى الْبَقَرِ، وَالْبُخْتُ إلَى الْإِبِلِ الْعِرَابِ، قَالَ سَحْنُونٌ: وَهِيَ فِي الْبَيْعِ أَصْنَافٌ مُخْتَلِفَةٌ وَلَكِنَّهَا تُجْمَعُ فِي الزَّكَاةِ. قَالَ: وَالْعَشَرَةُ دَرَاهِمُ بِالدِّينَارِ أَبَدًا، وَالدِّينَارُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فِي الزَّكَاةِ أَبَدًا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ زَكَاةٌ» وَالْأُوقِيَّةُ مِنْ الْفِضَّةِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي عِشْرِينَ دِينَارًا نِصْفُ دِينَارٍ» فَعُلِمَ أَنَّ الدِّينَارَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ سُنَّةٌ مَاضِيَةٌ.

قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ دَنَانِيرُ وَتِبْرٌ مَكْسُورٌ. يَكُونُ وَزْنُ التِّبْرِ عِشْرِينَ دِينَارًا كَانَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ وَأُخِذَ مِنْ الدَّنَانِيرِ عُشْرُهَا وَمَنْ التِّبْرِ كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ الدَّرَاهِمُ وَالتِّبْرُ.

قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ كَانَ لَهُ دَنَانِيرُ وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ، فَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ

(1/302)


زَكَاةِ الدَّنَانِيرِ دَرَاهِمَ بِقِيمَتِهَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الدَّنَانِيرَ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَيَتْجُرُ فِيهَا فَتَصِيرُ عِشْرِينَ دِينَارًا بِرِبْحِهَا قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَوْمَيْنِ، أَيُزَكِّيهَا إذَا حَالَ الْحَوْلُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَلِمَ وَلَيْسَ أَصْلُ الدَّنَانِيرِ نِصَابًا؟
قَالَ؛ لِأَنَّ رِبْحَ الدَّنَانِيرِ هَهُنَا مِنْ الْمَالِ بِمَنْزِلَةِ غِذَاءِ الْغَنَمِ مِنْهَا الَّتِي وَلَدَتْهَا، وَلَمْ يَكُنْ أَصْلُهَا نِصَابًا فَوَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ بِالْوِلَادَةِ، فَكَذَلِكَ هَذِهِ الدَّنَانِيرُ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ بِالرِّبْحِ فِيهَا.

قُلْتُ: فَإِنْ كَانَتْ لَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ عِنْدَهُ فَاشْتَرَى بِخَمْسَةٍ مِنْهَا سِلْعَةً وَأَنْفَقَ الْخَمْسَةَ الْبَاقِيَةَ. ثُمَّ بَاعَ السِّلْعَةَ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَيَّامٍ أَوْ بَعْدَ سَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا؟
قَالَ: إنَّهُ يُزَكِّي الْخَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا نِصْفَ دِينَارٍ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ عِشْرُونَ دِينَارًا فَأَقْرَضَهَا رَجُلًا ثُمَّ اقْتَضَى مِنْهَا خَمْسَةً بَعْدَ سَنَةٍ، ثُمَّ اقْتَضَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ الْبَاقِيَةَ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَيَّامٍ أَوْ سَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ، فَإِنَّهُ يُزَكِّيهَا سَاعَةَ يَقْتَضِيهَا نِصْفَ دِينَارٍ.
قُلْتُ: فَإِنْ أَنْفَقَ خَمْسَةً مِنْ الْعَشَرَةِ ثُمَّ اشْتَرَى سِلْعَةً بِالْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ فَبَاعَهَا بَعْدَ أَيَّامٍ أَوْ بَعْدَ سِنِينَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا؟ فَقَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَتَّى يَبِيعَهَا بِعِشْرِينَ دِينَارًا.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَدْ احْتَجَّ مَنْ يُخَالِفُ فِي هَذِهِ الْعَشَرَةِ الَّتِي حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَاشْتَرَى سِلْعَةً بِخَمْسَةٍ وَأَنْفَقَ خَمْسَةً، أَوْ أَنْفَقَ خَمْسَةً وَاشْتَرَى سِلْعَةً بِخَمْسَةٍ وَبَاعَهَا بِخَمْسَةَ عَشَرَ، إنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ وَاحِدٌ وَأَصْلٌ وَاحِدٌ حَالَ عَلَى جَمِيعِهِ الْحَوْلُ، وَلَوْ كَانَتْ الْعَشَرَةُ لَمْ يَحُلْ عَلَيْهَا الْحَوْلُ حَتَّى اشْتَرَى بِخَمْسَةٍ مِنْهَا سِلْعَةً ثُمَّ أَنْفَقَ الْخَمْسَةَ، أَوْ أَنْفَقَ الْخَمْسَةَ ثُمَّ اشْتَرَى بِالْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ سِلْعَةً لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي ثَمَنِ السِّلْعَةِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَبِيعَهَا بِعِشْرِينَ؛ لِأَنَّ مَا أَنْفَقَ قَبْلَ الْحَوْلِ لَا يُحْسَبُ فَكَمَا لَا يُحْسَبُ مَا أَنْفَقَ قَبْلَ الْحَوْلِ فَكَذَلِكَ لَا يُتْرَكُ أَنْ يُحْسَبَ مَا أَنْفَقَ بَعْدَ الْحَوْلِ قَبْلَ الشِّرَاءِ أَوْ بَعْدَ الشِّرَاءِ.

قَالَ: وَسَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الذَّهَبِ يَكُونُ لِلرَّجُلِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ فَيَبِيعُهَا بَعْدَمَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ هَلْ تَرَى فِيهَا زَكَاةً؟ فَقَالَ: نَعَمْ سَاعَةَ إذْ وَلَا يُؤَخِّرْ ذَلِكَ، قَالَ أَشْهَبُ: وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ كَانَتْ عِنْدَهُ ثَلَاثُونَ ضَائِنَةً حَلُوبًا، أَوْ عِشْرُونَ مِنْ الْجَوَامِيسِ أَوْ أَرْبَعَةٌ مِنْ الْبُخْتِ، فَبَاعَ الضَّأْنَ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ الْمُصَدِّقُ بِأَرْبَعِينَ مِنْ الْمَعْزِ وَهِيَ مِنْ غَيْرِ ذَوَاتِ الدَّرِّ، أَوْ بَاعَ الْجَوَامِيسَ بِثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ أَوْ بَاعَ الْبُخْتَ بِخَمْسَةٍ مِنْ الْعِرَابِ، فَإِنَّ السَّاعِيَ يَأْخُذُ الزَّكَاةَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا إبِلٌ كُلُّهَا وَبَقَرٌ كُلُّهَا وَغَنَمٌ كُلُّهَا، وَسُنَّتُهَا فِي الزَّكَاةِ أَنْ لَا يُفَرَّقَ بَيْنَهَا وَإِنْ كَانَتْ فِي الْبُيُوعِ مُخْتَلِفَةٌ.
قَالَ أَشْهَبُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا صَدَقَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ الزَّرْعِ وَالنَّخْلِ وَالْكَرْمِ حَتَّى يَكُونَ بِخَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَلَا فِي الرِّقَةِ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ» .
قَالَ أَشْهَبُ عَنْ

(1/303)


ابْنِ لَهِيعَةَ عَمَّنْ أَخْبَرَهُ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «فِي كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَفِي كُلِّ عِشْرِينَ مِثْقَالًا ذَهَبًا نِصْفُ مِثْقَالٍ» .
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ، وَأَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ الْأَزْدِيُّ وَالْحَارِثُ بْنُ نَبْهَانَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، وَالْحَارِثِ الْأَعْوَرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «هَاتُوا إلَيَّ رُبْعَ الْعُشْرِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا وَلَيْسَ عَلَيْك شَيْءٌ حَتَّى يَكُونَ لَك مِائَتَا دِرْهَمٍ، فَإِذَا كَانَ لَك مِائَتَا دِرْهَمٍ وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَلَيْسَ عَلَيْك شَيْءٌ حَتَّى يَكُونَ لَكَ عِشْرُونَ دِينَارًا، فَإِذَا كَانَتْ لَكَ وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ، فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ» .
قَالَ: فَلَا أَدْرِي أَعَلِيٌّ يَقُولُ بِحِسَابِ ذَلِكَ أَمْ رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، إلَّا أَنَّ جَرِيرًا قَالَ: فِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ: «وَلَيْسَ فِي مَالٍ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: فِي كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ وَذَكَرَ سُفْيَانُ وَشُعْبَةُ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بِمِثْلِ قَوْلِ عَلِيٍّ فِيمَا زَادَ.

[فِي الْمَالِ يَشْتَرِي بِهِ صَاحِبُهُ بَعْدَ الْحَوْلِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاتَهُ]
ُ قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا كَانَتْ عِنْدَهُ عِشْرُونَ دِينَارًا فَحَال عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَابْتَاعَ بِهَا سِلْعَةً وَلَمْ يَكُنْ أَخْرَجَ زَكَاتَهَا فَأَقَامَتْ السِّلْعَةُ بَعْدَ الْحَوْلِ عِنْدَهُ حَتَّى حَالَ عَلَيْهَا حَوْلٌ آخَرُ ثُمَّ بَاعَهَا بِأَرْبَعِينَ دِينَارًا بَعْدَ الْحَوْلِ، قَالَ: يُزَكِّي عِشْرِينَ دِينَارًا لِلسَّنَةِ الْأُولَى نِصْفَ دِينَارٍ، ثُمَّ يُزَكِّي لِلسَّنَةِ الثَّانِيَةِ تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ دِينَارًا وَنِصْفَ دِينَارٍ.
قُلْتُ: وَلِمَ لَا يُزَكِّي الْأَرْبَعِينَ كُلَّهَا لِلسَّنَتَيْنِ؟ فَقَالَ: لَا؛ لِأَنَّ الْمَالَ إذَا أُخِذَ مِنْهُ نِصْفُ دِينَارٍ نَقَصَ، فَإِنَّمَا يُزَكِّي مَا بَعْدَ نُقْصَانِهِ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ حِينَ أَعْطَاهُ الْمَسَاكِينَ فَكَأَنَّهُ إنَّمَا أَعْطَاهُ حِينَ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، فَصَارَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِيمَا بَقِيَ لِلسَّنَةِ الثَّانِيَةِ.
قَالَ أَشْهَبُ: وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ عَرَضٌ يَكُونُ قِيمَتُهُ نِصْفَ دِينَارٍ أَوْ أَكْثَرَ، زَكَّى الْأَرْبَعِينَ لِلسَّنَةِ الْأُولَى دِينَارًا أَوْ زَكَّى لِلْحَوْلِ الْأَوَّلِ نِصْفَ دِينَارٍ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيطَ يُحْسَبُ عَلَيْهِ شَبَهُ الدَّيْنِ وَلَهُ عَرَضٌ يَحْتَمِلُ دَيْنَهُ.
قَالَ: وَقَالَ لِي مَالِكٌ: وَإِنْ اشْتَرَى سِلْعَةً بِالْعِشْرِينِ دِينَارًا بَعْدَ الْحَوْلِ وَلَمْ يَكُنْ زَكَّى الْعِشْرِينَ حَتَّى مَضَى الْحَوْلُ، ثُمَّ بَاعَ السِّلْعَةَ بَعْدَ ذَلِكَ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ بِثَلَاثِينَ دِينَارًا؟ فَقَالَ: لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ إلَّا فِي الْعِشْرِينَ الدِّينَارِ، وَيَسْتَقْبِلُ بِالتِّسْعَةِ وَالْعِشْرِينَ الدِّينَارِ وَالنِّصْفِ حَوْلًا مِنْ يَوْمِ حَالَ الْحَوْلُ عَلَى الْعِشْرِينَ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَتْ لِرَجُلٍ مِائَةُ دِينَارٍ وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَاشْتَرَى بِهَا خَادِمًا فَمَاتَ الْخَادِمُ أَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِي الدَّنَانِيرِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ حِينَ اشْتَرَى الْخَادِمَ بَعْدَمَا حَالَ

(1/304)


الْحَوْلُ عَلَى الْمِائَةِ ضَمِنَ الزَّكَاةَ.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: فَإِنْ حَالَ الْحَوْلُ وَهِيَ عِنْدَهُ فَفَرَّطَ فِي زَكَاتِهَا حَتَّى ضَاعَتْ؟
قَالَ: عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَإِنْ كَانَ لَمْ يُفَرِّطْ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.

[زَكَاةُ الْحُلِيِّ]
ِّ قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ فِي كُلِّ حُلِيٍّ هُوَ لِلنِّسَاءِ اتَّخَذَتْهُ لِلُّبْسِ. فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِنَّ فِيهِ، قَالَ فَقُلْنَا لِمَالِكٍ: فَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً اتَّخَذَتْ حُلِيًّا تُكْرِيهِ فَتَكْتَسِبُ عَلَيْهِ الدَّرَاهِمَ مِثْلَ الْجَيْبِ وَمَا أَشْبَهَهُ تُكْرِيهِ لِلْعَرَائِسِ لِذَلِكَ عَمِلْتُهُ؟ فَقَالَ: لَا زَكَاةَ فِيهِ.
قَالَ: وَمَا انْكَسَرَ مِنْ حُلِيِّهِنَّ فَحَبَسْنَهُ لِيُعِدْنَهُ أَوْ مَا كَانَ لِلرَّجُلِ فَلَبِسَهُ أَهْلُهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَخَدَمُهُ وَالْأَصْلُ لَهُ، فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ وَمَا انْكَسَرَ مِنْهُ مِمَّا يُرِيدُ أَنْ يُعِيدَهُ لِهَيْئَتِهِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ عَلَيْهِ. قَالَ: وَمَا وَرِثَ الرَّجُلُ مِنْ أُمِّهِ أَوْ مِنْ بَعْضِ أَهْلِهِ مِنْ حُلِيٍّ، فَحَبَسَهُ لِلْبَيْعِ أَوْ لِحَاجَةٍ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ يَرْصُدُهُ. لَعَلَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَيْسَ يَحْبِسُهُ لِلُّبْسِ؟ فَقَالَ: أَرَى عَلَيْهِ فِيمَا فِيهِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ الزَّكَاةَ إنْ كَانَ فِيهِ مَا يُزَكِّي، أَوْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ مَا تَتِمُّ بِهِ الزَّكَاةُ، قَالَ: وَلَا أَرَى عَلَيْهِ فِي حِلْيَةِ السَّيْفِ وَالْمُصْحَفِ وَالْخَاتَمِ زَكَاةً

قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ اشْتَرَى حُلِيًّا لِلتِّجَارَةِ وَهُوَ مِمَّنْ لَا يُدِيرُ التِّجَارَةَ، فَاشْتَرَى حُلِيًّا فِيهِ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالْيَاقُوتُ وَالزَّبَرْجَدُ وَاللُّؤْلُؤُ فَحَال عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَهُوَ عِنْدَهُ، فَقَالَ: يُنْظَرُ إلَى مَا فِيهِ مِنْ الْوَرِقِ وَالذَّهَبِ فَيُزَكِّيهِ. وَلَا يُزَكِّي مَا كَانَ فِيهِ مِنْ اللُّؤْلُؤِ وَالزَّبَرْجَدِ وَالْيَاقُوتِ حَتَّى يَبِيعَهُ، فَإِذَا بَاعَهُ زَكَّاهُ سَاعَةَ يَبِيعُهُ إنْ كَانَ قَدْ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، قَالَ: وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُدِيرُ مَالَهُ فِي التِّجَارَاتِ إذَا بَاعَ اشْتَرَى قَوْمٌ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي شَهْرِهِ الَّذِي يُقَوِّمُ فِيهِ مَالَهُ، فَزَكَّى لُؤْلُؤَهُ وَزَبَرْجَدَهُ، وَيَاقُوتَهُ وَجَمِيعَ مَا فِيهِ. إلَّا التِّبْرَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، فَإِنَّهُ يُزَكِّي وَزْنَهُ وَلَا يُقَوِّمُهُ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَعَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ وَابْنُ نَافِعٍ أَيْضًا: إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ حُلِيًّا أَوْ وَرِثَهُ فَحَبَسَهُ لِلْبَيْعِ كُلَّمَا احْتَاجَ إلَيْهِ بَاعَ وَلِلتِّجَارَةِ زَكَّاهُ.
قَالَ وَرَوَى أَشْهَبُ فِيمَنْ اشْتَرَى حُلِيًّا لِلتِّجَارَةِ مَعَهُمْ وَهُوَ مَرْبُوطٌ بِالْحِجَارَةِ وَلَا يَسْتَطِيعُ نَزْعَهُ: فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ حَتَّى يَبِيعَهُ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ بِمَرْبُوطٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْنِ يُخْرِجُ زَكَاتَهُ فِي كُلِّ عَامٍ. وَقَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ فِي رِوَايَتِهِمَا: أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَرَضِ يُشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ، وَهُوَ مِمَّنْ يُدِيرُ أَوْ لَا يُدِيرُ يُزَكِّي قِيمَةً فِي الْإِدَارَةِ وَيُزَكِّي ثَمَنَهُ إذَا بَاعَ زَكَاةً وَاحِدَةً إذَا بَلَغَ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ إذَا كَانَ مِمَّنْ لَا يُدِيرُ.

قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُدِيرُ مَالَهُ فِي التِّجَارَةِ فَاشْتَرَى آنِيَةً مِنْ آنِيَةِ الْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ وَزْنُهَا أَقَلُّ مَنْ قِيمَتِهَا، أَيُزَكِّي قِيمَتَهَا أَمْ يَنْظُرُ إلَى وَزْنِهَا؟ فَقَالَ: يَنْظُرُ إلَى وَزْنِهَا وَلَا يَنْظُرُ إلَى قِيمَتِهَا.
قُلْتُ: وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ هَذِهِ الْآنِيَةِ أَلْفَ دِرْهَمٍ لِلصِّيَاغَةِ الَّتِي فِيهَا وَوَزْنُهَا خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ؟ فَقَالَ: إنَّمَا يُنْظَرُ إلَى وَزْنِهَا وَلَا

(1/305)


يُنْظَرُ إلَى الصِّيَاغَةِ.
قُلْتُ: فَهَلْ تَحْفَظُ هَذَا عَنْ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ مَنْ اشْتَرَى حُلِيًّا لِلتِّجَارَةِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً فَإِنَّهُ يَزِنُهُ وَيُخْرِجُ رُبْعَ عُشْرِهِ وَلَمْ يَقُلْ يُقَوِّمُهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَمِمَّا يَدُلُّكَ عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى إنَاءً مَصُوغًا فِيهِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَقِيمَتُهُ بِصِيَاغَةٍ عِشْرُونَ دِينَارًا وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ فَحَال عَلَيْهِ الْحَوْلُ، إنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ إلَّا أَنْ يَبِيعَهُ بِمَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَإِنْ بَاعَهُ بِمَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَقَدْ حَالَ عَلَى الْإِنَاءِ عِنْدَهُ الْحَوْلُ زَكَّاهُ سَاعَةَ يَبِيعُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ مَا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَرَبِحَ فِيهِ فَبَاعَهُ بِمَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنَّهُ يُزَكِّيهِ مَكَانَهُ.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ. قَالَ مَالِكٌ: إنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ: أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ تَلِي بَنَاتَ أَخِيهَا يَتَامَى فِي حِجْرِهَا لَهُنَّ الْحُلِيُّ فَلَا تُخْرِجُ مِنْهُ الزَّكَاةَ.
قَالَ أَشْهَبُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ: أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ حَدَّثَهُ أَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ أَبِي الْمُغِيرَةِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَأَلَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ زَكَاةِ الْحُلِيِّ؟ فَقَالَ الْقَاسِمُ: مَا أَدْرَكْتُ وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا صَدَّقَهُ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ قَالَ يَحْيَى: فَسَأَلْتُ عَمْرَةَ عَنْ صَدَقَةِ الْحُلِيِّ؟ فَقَالَتْ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا يُصَدِّقُهُ وَلَقَدْ كَانَ لِي عِقْدٌ قِيمَتُهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ مِائَةً فَمَا كُنْتُ أُصَدِّقُهُ.
قَالَ أَشْهَبُ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، حَدَّثَهُ عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ كَانَا يَقُولَانِ: لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ إذَا كَانَ يُعَارُ وَيُنْتَفَعُ بِهِ.
قَالَ أَشْهَبُ قَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ، وَأَخْبَرَنِي عَمِيرَةُ بْنُ أَبِي نَاجِيَةَ عَنْ زُرَيْقِ بْنِ حَكِيمٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ عِنْدِي حُلِيٌّ فَسَأَلْتُ ابْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ زَكَاتِهِ؟ فَقَالَ: إنْ كَانَ مَصُوغًا يُلْبَسُ فَزَكِّهِ.
قَالَ أَشْهَبُ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَأَخْبَرَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ إذَا كَانَ يُعَارُ وَيُلْبَسُ وَيُنْتَفَعُ بِهِ.
قَالَ أَشْهَبُ عَنْ الْمُنْذِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ حَدَّثَهُ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، أَنَّهُ كَانَ لَهَا حُلِيٌّ فَلَمْ تَكُنْ تُزَكِّيهِ.
قَالَ هِشَامٌ: وَلَمْ أَرَ عُرْوَةَ يُزَكِّي الْحُلِيَّ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَأَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَرَبِيعَةَ وَعَمْرَةَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَغَيْرِهِ، قَالُوا: لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ هِشَامٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدٍ وَالْحَسَنِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالُوا: زَكَاةُ الْحُلِيِّ أَنْ يُعَارَ وَيُلْبَسَ. ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إنْ كَانَ الْحُلِيُّ إذَا كَانَ يُوضَعُ كَنْزًا، فَإِنْ كَانَ مَالٌ يُوضَعُ كَنْزًا فَفِيهِ الزَّكَاةُ وَأَمَّا حُلِيٌّ تَلْبَسُهُ الْمَرْأَةُ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ.

[فِي زَكَاةِ أَمْوَالِ الْعَبِيدِ وَالْمُكَاتَبِينَ]
َ قُلْتُ: مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي أَمْوَالِ الْمُكَاتَبِينَ وَالْعَبِيدِ وَأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، أَعَلَيْهِمْ صَدَقَةٌ فِي

(1/306)


عَبِيدِهِمْ وَفِي حُرُوثِهِمْ وَفِي نَاضِّهِمْ وَفِيمَا يُدِيرُونَ لِلتِّجَارَةِ زَكَاةٌ؟ فَقَالَ: لَا.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَيْهِمْ إذَا عَتَقُوا وَأَمْوَالُهُمْ فِي أَيْدِيهِمْ زَكَاةٌ، حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ الَّتِي فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ يَوْمِ عَتَقُوا.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ فِي مَالِ الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةِ زَكَاةٌ، لَا فِي أَمْوَالِهِمْ وَلَا فِي مَوَاشِيهِمْ وَلَا فِي حُرُوثِهِمْ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ فِي أَمْوَالِ الْعَبْدِ زَكَاةٌ لَا عَلَى السَّيِّدِ وَلَا عَلَى الْعَبْدِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَبَضَ الرَّجُلُ مَالَ عَبْدِهِ، أَيُزَكِّيهِ مَكَانَهُ أَمْ حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ: لَا زَكَاةَ عَلَى السَّيِّدِ فِيهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ قَبْضِهِ.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ. قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْمُكَاتَبَ أَعَلَيْهِ عُشْرٌ فِيمَا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ؟
قَالَ: لَا.
قُلْتُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ زَكَاةٌ؟
قَالَ: نَعَمْ، قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ زَكَاةٌ.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ هَذَا قَوْلُهُ.
قُلْتُ: فَهَلْ يُؤْخَذُ مِنْ عَبِيدِ الْمُسْلِمِينَ إذَا اتَّجَرُوا أَوْ مُكَاتَبِيهِمْ الزَّكَاةُ؟ فَقَالَ: لَا.
قُلْتُ: وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْعَبْدَ أَوْ الْمُكَاتَبَ أَيَكُونُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ الزَّكَاةُ فِي مَاشِيَةٍ أَوْ فِي حَرْثٍ أَوْ فِي نَاضٍّ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ فَقَالَ: لَا قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ وَلَا عَلَى الْمُكَاتَبِ زَكَاةٌ فِي أَمْوَالِهِمَا.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَأَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَابْنِ شِهَابٍ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَابْنِ قُسَيْطٍ مِثْلَهُ، وَحَدَّثَنِي عَنْ ابْنِ مَهْدِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: لِيَسْتَأْذِنْ مَوْلَاهُ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ زَكَّاهُ.
قَالَ: ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ صَخْرِ بْنِ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: لَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ فِي مَالِهِ زَكَاةٌ، وَلَا يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَلَا يَتَصَدَّقُ إلَّا أَنْ يَأْكُلَ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ يَكْتَسِيَ أَوْ يُنْفِقَ عَلَى أَهْلِهِ إنْ كَانَ لَهُ أَهْلٌ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ وَأَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ أَهْل الْعِلْم، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَعُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ وَسَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَيْسَ عَلَى الْمُكَاتَبِ فِي مَالِهِ زَكَاةٌ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ.
قَالَ أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي الْجَهْمِ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ: لَا، ثُمَّ سَأَلْتُ ابْنَ جُبَيْرٍ فَقَالَ: لَا، فَقُلْتُ إنَّ عِنْدَهُ وَفَاءً وَفَضْلًا؟ فَقَالَ: وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلٌ مِنْ ذَا وَأَشَارَ بِيَدِهِ يَعْنِي مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ جَدَّتَهُ مَرَّتْ عَلَى مَسْرُوقٍ بِالسَّلْسَلَةِ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ فَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا.

(1/307)


[زَكَاةِ مَالِ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينَ]
فِي زَكَاةِ مَالِ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينَ قُلْتُ: هَلْ فِي أَمْوَالِ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينَ زَكَاةٌ؟
قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ أَمْوَالِ الصِّبْيَانِ فَقَالَ: فِي أَمْوَالِهِمْ الصَّدَقَةُ وَفِي حُرُوثِهِمْ وَفِي نَاضِّهِمْ وَفِي مَاشِيَتِهِمْ وَفِيمَا يُدِيرُونَ لِلتِّجَارَةِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْمَجَانِينُ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الصِّبْيَانِ.
قَالَ أَشْهَبُ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «اضْرِبُوا بِأَمْوَالِ الْيَتَامَى» أَوْ قَالَ: «اتَّجِرُوا بِأَمْوَالِ الْيَتَامَى لَا تَأْكُلْهَا الزَّكَاةُ» .
قَالَ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: مِثْلُ ذَلِكَ سَوَاءٌ. ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ حَدَّثَهُمَا عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: كَانَتْ عَائِشَةُ تَلِينِي أَنَا وَأَخًا لِي يَتِيمَيْنِ فِي حِجْرِهَا فَكَانَتْ تُخْرِجُ مِنْ أَمْوَالِنَا الزَّكَاةَ.
قَالَ أَشْهَبُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ: كُنَّا يَتَامَى فِي حِجْرِ عَائِشَةَ وَكَانَتْ لَنَا عِنْدَهَا أَمْوَالٌ، فَكَانَتْ تُقَارِضُ أَمْوَالَنَا فَتُخْرِجُ مِنْ رِبْحِ أَمْوَالِنَا الزَّكَاةَ.
قَالَ أَشْهَبُ عَنْ اللَّيْثِ، إنَّ نَافِعًا حَدَّثَهُ. أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَكُونُ عِنْدَهُ أَمْوَالٌ لِلْيَتَامَى فَيُخْرِجُ زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ.
قَالَ أَشْهَبُ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ، وَحَدَّثَنِي الثِّقَةُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَتَى بِمَالِ يَتِيمٍ مِنْ أَخْوَالِهِ مِنْ بَنِي جُمَحٍ وَهُوَ مُوسَى بْنُ عُمَرَ بْنِ قُدَامَةَ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ يُؤَدِّي زَكَاةَ مَالِهِ كُلَّ عَامٍ فَأَبَوْا فَأَبَى.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عِيَاضٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اضْرِبُوا لِلْيَتَامَى فِي أَمْوَالِهِمْ وَلَا تَضَعُوهَا فَتَذْهَبَ بِهَا الزَّكَاةُ» قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَأَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَجَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَرَبِيعَةَ وَعَطَاءً كَانُوا يَقُولُونَ ذَلِكَ، تُخْرَجُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ الزَّكَاةُ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ أَشْهَبَ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ وَابْنَ شِهَابٍ قَالَا فِي مَالِ الْمَجْنُونِ الزَّكَاةُ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ ابْنٍ لِأَبِي رَافِعٍ، قَالَ: بَاعَ لَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَرْضًا بِثَمَانِينَ أَلْفًا فَأَعْطَانَاهَا فَإِذَا هِيَ تَنْقُصُ فَقَالَ إنِّي كُنْتُ أُزَكِّيهَا. قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ، أَنَّ الْحَكَمَ قَالَ: وَلِيَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مَالَ ابْنِ أَبِي رَافِعٍ فَكَانَ يُزَكِّيهِ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّ عُمَرَ وَعَلِيًّا وَعَائِشَةَ كَانُوا يُزَكُّونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ إسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: اتَّجِرُوا بِأَمْوَالِ الْيَتَامَى وَأَعْطُوا صَدَقَتَهَا.

[زَكَاةُ السِّلَعِ]
ِ قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ الرَّجُلُ إنَّمَا يَشْتَرِي النَّوْعَ الْوَاحِدَ مَنْ التِّجَارَةِ أَوْ الْأَنْوَاعَ

(1/308)


وَلَيْسَ مِمَّنْ يُدِيرُ مَالَهُ فِي التِّجَارَةِ، فَاشْتَرَى سِلْعَةً أَوْ سِلَعًا كَثِيرَةً يُرِيدُ بَيْعَهَا فَبَارَتْ عَلَيْهِ وَمَضَى الْحَوْلُ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا، وَإِنْ مَضَى لِذَلِكَ أَحْوَالٌ حَتَّى يَبِيعَ فَإِذَا بَاعَ زَكَّى زَكَاةً وَاحِدَةً، وَإِنَّمَا مَثَلُ هَذَا مَثَلُ الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْحِنْطَةَ فِي زَمَانِ الْحَصَادِ فَيُرِيدُ الْبَيْعَ فِي غَيْرِ زَمَانِ الْحَصَادِ لِيَرْبَحَ فَتَبُورَ عَلَيْهِ فَيَحْسِبَهَا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ عِنْدَ النَّاسِ مِنْ الدَّيْنِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَيَغِيبُ عَنْهُ سِنِينَ ثُمَّ يَقْبِضُهُ، أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ إذَا قَبَضَهُ إلَّا زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ، قَالَ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ فِي الدَّيْنِ يَغِيبُ عَنْهُ سِنِينَ ثُمَّ يَقْبِضُهُ إنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ، وَفِي الْعُرُوضِ يَبْتَاعُهَا لِلتِّجَارَةِ فَيُمْسِكُهَا سِنِينَ ثُمَّ يَبِيعُهَا إنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ، إنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ أَنْ يُخْرِجَ زَكَاتَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ فِي صَدَقَةِ ذَلِكَ الدَّيْنِ إلَّا دَيْنًا يَقْطَعُ بِهِ لِمَنْ يَلِي ذَلِكَ عَلَى الْغُرَمَاءِ يَتْبَعُهُمْ بِهِ إنْ قَبَضَ كَانَ لَهُ وَإِنْ تَلِفَ كَانَ مِنْهُ، مِنْ أَجْلِ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ تُخْرَجَ صَدَقَةُ كُلِّ مَالٍ مِنْهُ، وَلَا عَلَى رَبِّ الْعَرَضِ أَنْ يُخْرِجَ فِي صَدَقَتِهِ إلَّا عَرَضًا؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ تُخْرَجَ صَدَقَةُ كُلِّ مَالٍ مِنْهُ، وَإِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الزَّكَاةُ فِي الْعَيْنِ وَالْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ فَلَيْسَ فِي الْعُرُوضِ شَيْءٌ حَتَّى تَصِيرَ عَيْنًا»

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا كَانَتْ عِنْدَهُ دَابَّةٌ لِلتِّجَارَةِ فَاسْتَهْلَكَهَا رَجُلٌ فَضَمِنَ قِيمَتَهَا فَأَخَذَ مِنْهُ رَبُّ الدَّابَّةِ سِلْعَةً بِقِيمَتِهَا الَّتِي وَجَبَتْ لَهُ، أَيَكُونُ عَلَيْهِ فِي قِيمَةِ هَذِهِ السِّلْعَةِ الَّتِي لِلتِّجَارَةِ الزَّكَاةُ؟ فَقَالَ: إنْ كَانَ نَوَى بِالسِّلْعَةِ الَّتِي أَخَذَ التِّجَارَةَ، زَكَّى ثَمَنَهَا سَاعَةَ بَيْعِهَا إنْ كَانَ الْحَوْلُ قَدْ حَالَ عَلَى أَصْلِ هَذَا الْمَالِ مِنْ يَوْمِ زَكَّى أَصْلَ هَذَا الْمَالِ وَهُوَ ثَمَنُ الدَّابَّةِ الْمُسْتَهْلَكَةِ، وَإِنْ كَانَ حِينَ أَخَذَ السِّلْعَةَ بِقِيمَةِ الدَّابَّةِ الْمُسْتَهْلَكَةِ لَمْ يَنْوِ بِهَا التِّجَارَةَ وَنَوَى بِهَا الْقِنْيَةَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا فِيهَا، قَالَ: وَإِنْ بَاعَهَا حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ عَلَى ثَمَنِهَا مِنْ يَوْمِ بَاعَهَا، وَإِنْ كَانَ أَخَذَ فِي قِيمَةِ الدَّابَّةِ الْمُسْتَهْلَكَةِ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ وَقَدْ حَالَ الْحَوْلُ عَلَى الْأَصْلِ، زَكَّى الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ سَاعَةَ يَقْبِضُهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَالَ الْحَوْلُ ثُمَّ اشْتَرَى بِتِلْكَ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ سِلْعَةً فَإِنْ نَوَى بِهَا التِّجَارَةَ فَهِيَ لِلتِّجَارَةِ، وَإِنْ نَوَى بِهَا حِينَ اشْتَرَاهَا الْقِنْيَةَ فَهِيَ عَلَى الْقِنْيَةِ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي ثَمَنِهَا إذَا بَاعَهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَى ثَمَنِهَا الْحَوْلُ.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟ فَقَالَ: قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْبَيْعِ مِثْلُ هَذَا، وَرَأَيْتُ أَنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الِاسْتِهْلَاكِ مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْبَيْعِ

قُلْتُ: فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا كَانَتْ عِنْدَهُ سِلْعَةٌ لِلتِّجَارَةِ فَبَاعَهَا بَعْدَمَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ بِمِائَةِ دِينَارٍ؟ فَقَالَ: إذَا قَبَضَ الْمِائَةَ زَكَّاهَا مَكَانَهُ.
قُلْتُ: فَإِنْ أَخَذَ بِالْمِائَةِ قَبْلَ قَبْضِهَا ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ؟ فَقَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الثَّوْبِ حَتَّى يَبِيعَهُ.
قُلْتُ: فَإِنْ بَاعَ الثَّوْبَ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ؟
قَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهَا وَقَدْ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ عَنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ قَدْ جَرَتْ فِيهِ

(1/309)


الزَّكَاةُ إذَا أَضَافَهُ كَانَ فِيهِمَا الزَّكَاةُ.
قُلْتُ: فَإِنْ بَاعَهَا بِعِشْرِينَ دِينَارٍ؟ فَقَالَ: يُزَكِّي يُخْرِجُ رُبْعَ عُشْرِهَا نِصْفَ دِينَارٍ.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ عَبْدًا اشْتَرَاهُ رَجُلٌ لِلتِّجَارَةِ فَكَاتَبَهُ فَمَكَثَ عِنْدَهُ سِنِينَ يُؤَدِّي فَاقْتَضَى مِنْهُ مَالًا، ثُمَّ عَجَزَ فَرَجَعَ رَقِيقًا فَبَاعَهُ مَكَانَهُ أَيُؤَدِّي مِنْ ثَمَنِهِ زَكَاةَ التِّجَارَةِ أَمْ هُوَ لَمَّا رَجَعَ إلَيْهِ رَقِيقًا صَارَ فَائِدَةً؟ فَقَالَ: إذَا عَجَزَ وَرَجَعَ رَقِيقًا رَجَعَ عَلَى الْأَصْلِ فَكَانَ لِلتِّجَارَةِ وَلَا تَنْقُضُ الْكِتَابَةُ مَا كَانَ ابْتَاعَهُ لَهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ عِنْدِي مَثَلُ مَا لَوْ أَنَّهُ بَاعَ عَبْدًا لَهُ مِنْ رَجُلٍ فَأَفْلَسَ الْمُشْتَرِي، فَأَخَذَ عَبْدَهُ أَوْ أَخَذَ عَبْدًا مِنْ غَرِيمِهِ فِي دَيْنِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْأَصْلِ وَيَكُونُ لِلتِّجَارَةِ كَمَا كَانَ.
قَالَ: وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى دَارًا لِلتِّجَارَةِ فَأَجَرَهَا سِنِينَ ثُمَّ بَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَى الْأَصْلِ وَيُزَكِّيهَا عَلَى التِّجَارَةِ سَاعَةَ يَبِيعُ

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَتَكَارَى الْأَرْضَ لِلتِّجَارَةِ وَيَشْتَرِي الْحِنْطَةَ فَيَزْرَعُهَا يُرِيدُ بِذَلِكَ التِّجَارَةَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ فِي هَذَا: إذَا اكْتَرَى الرَّجُلُ الْأَرْضَ وَاشْتَرَى حِنْطَةً فَزَرَعَهَا يُرِيدُ بِذَلِكَ التِّجَارَةَ، فَإِذَا حَصَدَ زَرْعَهُ أَخْرَجَ مِنْهُ الْعُشْرَ إنْ كَانَ مِمَّا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ، أَوْ نِصْفَ الْعُشْرِ إنْ كَانَ مِمَّا يَجِبُ فِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ، فَإِنْ مَكَثَتْ الْحِنْطَةُ عِنْدَهُ بَعْدَمَا حَصَدَهُ وَأَخْرَجَ مِنْهُ زَكَاةَ حَصَادِهِ حَوْلًا ثُمَّ بَاعَهُ، فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ يَوْمَ بَاعَهُ، وَإِنْ كَانَ بَاعَهُ قَبْلَ الْحَوْلِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ مِنْ يَوْمِ أَدَّى زَكَاةَ حَصَادِهِ، قَالَ: وَإِنْ كَانَ تَكَارَى الْأَرْضَ وَزَرَعَهَا بِطَعَامِهِ، فَحَصَدَهُ وَأَدَّى زَكَاتَهُ حِينَ حَصَدَهُ وَرَفَعَ طَعَامَهُ فَأَكَلَ مِنْهُ وَفَضَلَتْ مِنْهُ فَضْلَةٌ فَبَاعَهَا، كَانَتْ فَائِدَةً وَيَسْتَقْبِلُ بِهَا حَوْلًا مِنْ يَوْمِ نَضَّ الثَّمَنُ فِي يَدَيْهِ.
قَالَ: وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ لَهُ فَزَرَعَهَا لِلتِّجَارَةِ، فَإِنَّهُ إذَا رَفَعَ زَرْعَهُ وَحَصَدَهُ زَكَّاهُ مَكَانَهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إذَا بَاعَ فِي ثَمَنِهِ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ قَبَضَ ثَمَنَهُ

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مَنْ اكْتَرَى أَرْضًا لِلتِّجَارَةِ فَاشْتَرَى حِنْطَةً وَهُوَ مِمَّنْ يُدِيرُ التِّجَارَةَ فَزَرَعَ الْأَرْضَ، أَيَكُونُ عَلَيْهِ عُشْرُ مَا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: فَإِنْ هُوَ أَخْرَجَ عُشْرَ مَا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ فَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ أَيُزَكِّي زَكَاةَ التِّجَارَةِ وَهُوَ مِمَّنْ لَا يُدِيرُ مَالَهُ فِي التِّجَارَةِ؟ فَقَالَ: لَا حَتَّى يَبِيعَ الْحِنْطَةَ بَعْدَ الْحَوْلِ، فَإِذَا بَاعَ زَكَّى الثَّمَنَ مَكَانَهُ.
قُلْتُ: فَمِنْ أَيْنَ تُحْسَبُ السَّنَةُ أَمِنْ يَوْمِ اشْتَرَى الْحِنْطَةَ لِلتِّجَارَةِ وَاكْتَرَى الْأَرْضَ أَوْ مِنْ يَوْمِ أَدَّى زَكَاةَ الزَّرْعِ؟ فَقَالَ: مِنْ يَوْمِ أَدَّى زَكَاةَ الزَّرْعِ.
قُلْتُ: فَإِنْ هُوَ بَاعَ الْحِنْطَةَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ أَدَّى زَكَاةَ عُشْرِ مَا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ؟ فَقَالَ: يَنْتَظِرُ بِهِ حَتَّى تَأْتِيَ السَّنَةُ مِنْ يَوْمِ أَخْرَجَ الْعُشْرَ.
قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ هَذَا يُدِيرُ مَالَهُ فِي التِّجَارَةِ؟ فَقَالَ: إذَا رَفَعَ زَرْعَهُ زَكَّى الْعُشْرَ وَيَسْتَقْبِلُ مِنْ يَوْمِ زَكَّى الزَّرْعَ سَنَةً كَامِلَةً، فَإِذَا جَاءَتْ السَّنَةُ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ سِوَى هَذَا النَّاضِّ نَاضٍّ فِي سَنَتِهِ هَذِهِ زَكَّى هَذِهِ الْحِنْطَةَ، وَإِنْ لَمْ يَبِعْهَا وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلَّذِي لَا يُدِيرُ مَالَهُ؛ لِأَنَّ الَّذِي يُدِيرُ مَالَهُ هَذِهِ الْحِنْطَةُ فِي يَدِهِ لِلتِّجَارَةِ

(1/310)


وَعِنْدَهُ مَالٌ نَاضٌّ غَيْرُ هَذِهِ الْحِنْطَةِ فَلَمَّا حَالَ الْحَوْلُ عَلَى هَذِهِ الْحِنْطَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ أَنْ يُقَوِّمَ هَذِهِ الْحِنْطَةَ

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى عُرُوضًا لِلتِّجَارَةِ فَبَدَا لَهُ، فَجَعَلَ ذَلِكَ لِجَمَالِ بَيْتِهِ وَاقْتَنَاهُ أَتَسْقُطُ عَنْهُ زَكَاةُ التِّجَارَةِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ: إنْ بَارَ عَلَيْهِ الْعَرَضُ وَلَمْ يَخْلُصْ إلَيْهِ مَالُهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ حَتَّى يَخْلُصَ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا فِيهِ إذَا خَلَصَ الْعَرَضُ وَالدَّيْنُ صَارَ عَيْنًا نَاضًّا صَدَقَةً وَاحِدَةً. وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ مِثْلَ قَوْلِ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ.

[زَكَاةِ الَّذِي يُدِيرُ مَالَهُ]
فِي زَكَاةِ الَّذِي يُدِيرُ مَالَهُ قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ رَجُلٌ يُدِيرُ مَالَهُ فِي التِّجَارَةِ، فَكُلَّمَا بَاعَ اشْتَرَى مِثْلُ الْحَنَّاطِينَ وَالْبَزَّازِينَ وَالزَّيَّاتِينَ وَمِثْلُ التُّجَّارِ الَّذِينَ يُجَهِّزُونَ الْأَمْتِعَةَ وَغَيْرَهَا إلَى الْبُلْدَانِ، قَالَ: فَلْيَجْعَلُوا لِزَكَاتِهِمْ مِنْ السَّنَةِ شَهْرًا، فَإِذَا جَاءَ ذَلِكَ الشَّهْرُ قَوَّمُوا مَا عِنْدَهُمْ مِمَّا هُوَ لِلتِّجَارَةِ وَمَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ النَّاضِّ فَزَكَّوْا ذَلِكَ كُلَّهُ، قَالَ: فَقُلْتُ لِمَالِكٍ: فَإِنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ؟
قَالَ: يُزَكِّيهِ مَعَ مَا يُزَكِّي مِنْ تِجَارَتِهِ يَوْمَ يُزَكِّي تِجَارَتَهُ إنْ كَانَ دَيْنًا يُرْتَجَى اقْتِضَاؤُهُ، قَالَ فَقُلْتُ لَهُ: فَإِنْ جَاءَهُ عَامٌ آخَرُ وَلَمْ يَقْتَضِهِ؟ فَقَالَ: يُزَكِّي أَيْضًا وَمَعْنَى قَوْلِهِ فِي ذَلِكَ، أَنَّ الْعُرُوضَ وَالدَّيْنَ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْعُرُوضَ لَوْ بَارَتْ عَلَيْهِ وَهُوَ مِمَّنْ يُقَوِّمُ يُرِيدُ يُدِيرُ التِّجَارَةَ زَكَّى الْعَرَضَ السَّنَةَ الثَّانِيَةَ، فَالدَّيْنُ وَالْعَرَضُ فِي هَذَا سَوَاءٌ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الدَّيْنِ شَيْءٌ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَرَضِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي عَرَضٍ عَلَى مَنْ لَا يُدِيرُ التِّجَارَةَ حَتَّى يَبِيعَ وَلَا فِي دَيْنٍ حَتَّى يَقْبِضَ، فَلَمَّا كَانَ الَّذِي يُدِيرُ التِّجَارَاتِ الَّذِي لَا يَشْتَرِي إلَّا بَاعَ، يُزَكِّي عُرُوضَهُ الَّتِي عِنْدَهُ فَكَذَلِكَ يُزَكِّي دَيْنَهُ الَّذِي يَرْتَجِي قَضَاءَهُ قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ الرَّجُلُ يُدِيرُ مَالَهُ فِي التِّجَارَةِ، فَجَاءَ يَوْمُهُ الَّذِي يُقَوِّمُ فِيهِ وَلَهُ دَيْنٌ مِنْ عُرُوضٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ لَا يَرْجُوهُ؟ فَقَالَ: إذَا كَانَ لَا يَرْجُوهُ لَمْ يُقَوِّمْهُ وَإِنَّمَا يُقَوِّمُ مَا يَرْتَجِيهِ مِنْ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: وَيُقَوِّمُ الرَّجُلُ الْحَائِطَ إذَا اشْتَرَاهُ لِلتِّجَارَةِ إذَا كَانَ مِمَّنْ يُدِيرُ مَالَهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا يُقَوِّمُ الثَّمَرَ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَ فِيهِ زَكَاةُ الثَّمَرِ فَلَا يُقَوِّمُهُ مَعَ مَا يُقَوِّمُ مِنْ مَالِهِ، قَالَ سَحْنُونٌ: لِأَنَّهُ غَلَّةٌ بِمَنْزِلَةِ خَرَاجِ الدَّارِ وَكَسْبِ الْعَبْدِ، وَإِنْ اشْتَرَى رِقَابَهَا لِلتِّجَارَةِ وَبِمَنْزِلَةِ غَلَّةِ الْغَنَمِ مَا يَكُونُ مِنْ صُوفِهَا وَلَبَنِهَا وَسَمْنِهَا وَإِنْ كَانَ رِقَابُهَا لِلتِّجَارَةِ أَوْ لِلْقِنْيَةِ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا كَانَ يُدِيرُ مَالَهُ لِلتِّجَارَةِ وَلَا يَنِضُّ لَهُ شَيْءٌ فَاشْتَرَى بِجَمِيعِ مَا عِنْدَهُ حِنْطَةً، فَلَمَّا جَاءَ شَهْرُهُ الَّذِي يُقَوِّمُ فِيهِ كَانَ جَمِيعُ مَالِهِ الَّذِي يَتْجُرُ فِيهِ حِنْطَةً، فَقَالَ: أَنَا أُؤَدِّي إلَى الْمَسَاكِينِ رُبْعَ عُشْرِ هَذِهِ الْحِنْطَةِ كَيْلًا وَلَا أُقَوِّمُ؟ فَقَالَ قَالَ لِي مَالِكٌ: إذَا كَانَ

(1/311)


الرَّجُلُ يُدِيرُ مَالَهُ فِي التِّجَارَةِ وَلَا يَنِضُّ لَهُ شَيْءٌ إنَّمَا يَبِيعُ الْعَرَضَ بِالْعَرَضِ، فَهَذَا لَا يُقَوِّمُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا زَكَاةَ وَلَا تَقْوِيمَ حَتَّى يَنِضَّ لَهُ بَعْضُ مَالِهِ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ بَاعَ الْعَرَضَ وَالْعَيْنَ فَذَلِكَ الَّذِي يُقَوِّمُ.
قَالَ سَحْنُونٌ، وَكَذَلِكَ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الَّذِي لَا يَنِضُّ لَهُ شَيْءٌ إنَّمَا يَبِيعُ الْعَرَضَ بِالْعَرَضِ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ يُدِيرُ مَالَهُ لِلتِّجَارَةِ فَحَالَتْ عَلَيْهِ أَحْوَالٌ لَا يَنِضُّ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ ثُمَّ بَاعَ مِنْهَا بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ نَاضٍّ؟ فَقَالَ: إذَا نَضَّ مِمَّا فِي يَدَيْهِ مِنْ الْعُرُوضِ بَعْدَ الْحَوْلِ وَإِنْ كَانَ دِرْهَمًا وَاحِدًا، فَقَدْ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ وَيُقَوِّمُ الْعَرَضَ مَكَانَهُ حِينَ نَضَّ هَذَا الدِّرْهَمُ فَيُزَكِّيهِ كُلَّهُ. وَيَسْتَقْبِلُ الزَّكَاةَ مِنْ ذِي قَبْلٍ.
قُلْتُ: فَإِنْ أَتَتْ السَّنَةُ مِنْ ذِي قَبْلٍ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مِنْ النَّاضِّ شَيْءٌ، وَمَالُهُ كُلُّهُ فِي الْعَرَضِ وَقَدْ كَانَ فِي وَسَطِ السَّنَةِ وَفِي أَوَّلِهَا وَفِي آخِرِهَا قَدْ كَانَ يَنِضُّ لَهُ، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا حَالَ الْحَوْلُ ذَلِكَ الْيَوْمَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنْ النَّاضِّ شَيْءٌ فَكَانَ جَمِيعُ مَا فِي يَدَيْهِ عَرَضًا؟
قَالَ: يُقَوِّمُ وَيُزَكِّي؛ لِأَنَّ هَذَا قَدْ كَانَ يَبِيعُ فِي سَنَتِهِ بِالْعَيْنِ وَالْعَرَضِ.
قُلْتُ: فَإِنْ هُوَ بَاعَ مِنْ ذِي قَبْلٍ بِالْعَرَضِ وَلَمْ يَنِضَّ لَهُ شَيْءٌ حَتَّى أَتَى الْحَوْلُ وَجَمِيعُ مَا عِنْدَهُ عَرَضٌ، أَيُقَوِّمُ؟ فَقَالَ: لَا يُقَوِّمُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَمْ يَنِضَّ لَهُ شَيْءٌ فِي سَنَتِهِ هَذِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ رَجُلٌ يَبِيعُ الْعَرَضَ بِالْعَرَضِ فَلَا تَقْوِيمَ عَلَيْهِ وَلَا زَكَاةَ حَتَّى يَنِضَّ لَهُ مِمَّا فِي يَدَيْهِ شَيْءٌ مِنْ يَوْمِ زَكَّى إلَى أَنْ يَحُولَ الْحَوْلُ مِنْ ذِي قَبْلٍ.
قُلْتُ: فَإِنْ بَاعَ بَعْدَ الْحَوْلِ فَنَضَّ لَهُ وَإِنْ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ زَكَّاهُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَيَكُونُ هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي زَكَّى فِيهِ وَقْتَهُ، وَيَسْتَقْبِلُ حَوْلًا مِنْ ذِي قَبْلٍ وَيُلْغِي الْوَقْتَ الْأَوَّلَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ لِي: لَا يُقَوِّمُ عَلَى مَنْ يَبِيعُ الْعَرَضَ بِالْعَرَضِ وَلَا يَنِضُّ لَهُ شَيْءٌ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حِمَاسٍ عَنْ أَبِيهِ حِمَاسٍ: أَنَّهُ كَانَ يَبِيعُ الْجُلُودَ وَالْقُرُونَ فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا اشْتَرَى مِثْلَهَا، فَلَا يَجْتَمِعُ عِنْدَهُ أَبَدًا مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَمَرَّ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلَيْهِ جُلُودٌ يَحْمِلُهَا لِلْبَيْعِ، فَقَالَ لَهُ: زَكِّ مَالَك يَا حِمَاسُ، فَقَالَ: مَا عِنْدِي شَيْءٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَقَالَ: قَوِّمْ مَالَك، فَقَوَّمَ مَا عِنْدَهُ ثُمَّ أَدَّى زَكَاتَهُ.
قَالَ سَحْنُونٌ.
قَالَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: إنَّمَا هَذَا لِلَّذِي يُدِيرُ مَالَهُ فَلَوْ أَنَّهُ كَانَ لَا يُقَوِّمُ مَالَهُ لَمْ يُزَكِّ أَبَدًا، وَأَمَّا الَّذِي تَكْسُدُ سِلْعَتُهُ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ.
قَالَ سَحْنُونٌ: يَعْنِي حَتَّى يَبِيعَ، وَقَالَ: قَالَ ذَلِكَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

[زَكَاةُ الْقَرْضِ وَجَمِيعِ الدَّيْنِ]
ِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنِّي أَقْرَضْت رَجُلًا مِائَةَ دِينَارٍ وَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيَّ زَكَاتُهَا وَلَمْ أُخْرِجْ زَكَاتَهَا حَتَّى أَقْرَضْتهَا، فَمَكَثَتْ عِنْدَ الَّذِي أَقْرَضْتهَا إيَّاهُ سَنَتَيْنِ ثُمَّ رَدَّهَا مَاذَا يَجِبُ عَلَيَّ مَنْ زَكَاتِهَا؟ فَقَالَ: زَكَاةُ عَامَيْنِ، وَهِيَ الزَّكَاةُ الَّتِي كَانَتْ وَجَبَتْ عَلَيْكَ وَزَكَاةُ عَامٍ بَعْدَ ذَلِكَ

(1/312)


أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ دَيْنًا لِي عَلَى رَجُلٍ أَقْرَضْته مِائَةَ دِينَارٍ فَأَقَامَ الدَّيْنُ عَلَيْهِ أَعْوَامًا فَاقْتَضَيْتُ مِنْهُ دِينَارًا وَاحِدًا، أَتَرَى أَنْ أُزَكِّيَ هَذَا الدِّينَارَ؟ فَقَالَ: لَا.
قُلْتُ فَإِنْ اقْتَضَيْتُ مِنْهُ عِشْرِينَ دِينَارًا؟ فَقَالَ: تُزَكِّي نِصْفَ دِينَارٍ.
قُلْتُ: فَإِنْ اقْتَضَيْتُ دِينَارًا بِعِشْرِينَ دِينَارًا؟ فَقَالَ: تُزَكِّي مِنْ الدِّينَارِ رُبْعَ عُشْرِهِ، قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ قَدْ أَتْلَفَ الْعِشْرِينَ كُلَّهَا ثُمَّ اقْتَضَى دِينَارًا بَعْدَمَا أَتْلَفَهَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ يُزَكِّيهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَتْلَفَ الْعِشْرِينَ، لِأَنَّهُ لَمَّا اقْتَضَى الْعِشْرِينَ صَارَ مَالًا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَمَا اقْتَضَى بَعْدَ هَذَا فَهُوَ مُضَافٌ إلَى الْعِشْرِينَ وَإِنْ كَانَتْ الْعِشْرُونَ قَدْ تَلِفَتْ.
قُلْتُ: وَلِمَ لَا يُزَكِّي إذَا اقْتَضَى مَا دُونَ الْعِشْرِينَ؟ فَقَالَ: لِأَنَّا لَا نَدْرِي لَعَلَّهُ لَا يَقْتَضِي غَيْرَ هَذَا الدِّينَارَ، وَالزَّكَاةُ لَا تَكُونُ فِي أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا.
قُلْتُ: أَلَيْسَ يَرْجِعُ هَذَا الدِّينَارُ إلَيْهِ عَلَى مِلِكِهِ الْأَوَّلِ وَقَدْ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، فَلِمَ لَا يُزَكِّيهِ؟ فَقَالَ: لِأَنَّ الرَّجُلَ لَوْ كَانَتْ عِنْدَهُ مِائَةُ دِينَارٍ فَمَضَى لَهَا حَوْلٌ لَمْ يُفَرِّطْ فِي زَكَاتِهَا حَتَّى ضَاعَتْ كُلُّهَا إلَّا تِسْعَةَ عَشَرَ دِينَارًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهَا زَكَاةٌ لِأَنَّهَا قَدْ رَجَعَتْ إلَى مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ، فَكَذَلِكَ هَذَا الدَّيْنُ حِينَ اقْتَضَى مِنْهُ دِينَارًا قُلْنَا لَا زَكَاةَ عَلَيْكَ حَتَّى تَقْبِضَ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، لِأَنَّا لَا نَدْرِي لَعَلَّكَ لَا تَقْتَضِي غَيْرَهُ فَتُزَكِّي مِنْ مَالٍ لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ اقْتَضَى مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ زَكَّاهُ ثُمَّ يُزَكِّي مَا اقْتَضَى مِنْ الدَّيْنِ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَتْ عِنْدَهُ عِشْرُونَ دِينَارًا وَلَهُ مِائَةُ دِينَارٍ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ، أَيُزَكِّي الْعِشْرِينَ إنْ كَانَ الدَّيْنُ قَدْ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَلَمْ يَحُلْ عَلَى الْعِشْرِينَ الْحَوْلُ؟ فَقَالَ: لَا.
قُلْتُ: فَإِنْ اقْتَضَى مِنْ الدَّيْنِ أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا أَيُزَكِّيهِ مَكَانَهُ؟
قَالَ: لَا.
قُلْتُ: لِمَ؟
قَالَ: لِأَنَّ الْعِشْرِينَ الَّتِي عِنْدَهُ لَيْسَتْ مِنْ الدَّيْنِ وَهِيَ فَائِدَةٌ لَمْ يَحُلْ عَلَيْهَا الْحَوْلُ.
قُلْتُ: فَإِنْ حَالَ الْحَوْلُ عَلَى الْعِشْرِينَ الَّتِي عِنْدَهُ وَقَدْ كَانَ اقْتَضَى مِنْ الدَّيْنِ أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا؟ فَقَالَ: يُزَكِّي الْعِشْرِينَ الدِّينَارَ الْآنَ وَمَا اقْتَضَى مِنْ الدَّيْنِ جَمِيعًا.
قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ الْعِشْرُونَ وَلَمْ يَقْتَضِ مِنْ الدَّيْنِ شَيْئًا حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ عَلَى الْعِشْرِينَ، ثُمَّ اقْتَضَى مِنْ الدَّيْنِ دِينَارًا وَاحِدًا أَيُزَكِّي الدِّينَارَ الَّذِي اقْتَضَى؟ فَقَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: فَإِنْ تَلِفَتْ الْعِشْرُونَ بَعْدَ الْحَوْلِ فَاقْتَضَى بَعْدَهَا دِينَارًا أَيُزَكِّيهِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَا اقْتَضَى مِنْ الدَّيْنِ وَبَيْنَ الْفَائِدَةِ جَعَلْتَ مَا اقْتَضَى مِنْ الدَّيْنِ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، يُزَكِّي كُلَّ مَا اقْتَضَى بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الَّذِي اقْتَضَى أَوَّلًا قَدْ تَلِفَ وَجَعَلْتَهُ فِي الْفَائِدَةِ إنْ تَلِفَتْ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، ثُمَّ اقْتَضَى مِنْ الدَّيْنِ شَيْئًا لَمْ يُزَكِّهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ اقْتَضَى مِنْ الدَّيْنِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ؟ فَقَالَ: لِأَنَّ الْفَائِدَةَ لَيْسَتْ مِنْ الدَّيْنِ إنَّمَا تُحْسَبُ الْفَائِدَةُ عَلَيْهِ مِنْ يَوْمِ مَلَكَهَا، وَمَا اقْتَضَى مِنْ الدَّيْنِ يُحْسَبُ عَلَيْهِ مِنْ يَوْمِ مَلَكَهُ وَقَدْ كَانَ مَلْكُهُ لِهَذَا الدَّيْنِ قَبْلَ سَنَةٍ فَهَذَا فَرْقُ مَا بَيْنَهُمَا.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا كَانَتْ لَهُ مِائَةُ

(1/313)


دِينَارٍ فَأَقَامَتْ فِي يَدَيْهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ أَخَذَ مِنْهَا خَمْسِينَ دِينَارًا فَابْتَاعَ بِهَا سِلْعَةً فَبَاعَهَا بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ، فَإِنْ بَقِيَتْ الْخَمْسُونَ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ زَكَّاهَا ثُمَّ اقْتَضَى بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ ثَمَنِ تِلْكَ السِّلْعَةِ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ زَكَّاهُ، وَإِنْ كَانَتْ الْخَمْسُونَ قَدْ تَلِفَتْ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَتَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فَمَا اقْتَضَى حَتَّى يَبْلُغَ مَا اقْتَضَى عِشْرِينَ دِينَارًا، فَإِنْ بَقِيَتْ الْخَمْسُونَ فِي يَدَيْهِ حَتَّى يُزَكِّيَهَا ثُمَّ أَنْفَقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَأَقَامَ دَهْرًا ثُمَّ اقْتَضَى مِنْ الدَّيْنِ دِينَارًا فَصَاعِدًا فَإِنَّهُ يُزَكِّيهِ، لِأَنَّ هَذَا الدِّينَارَ مِنْ أَصْلِ مَالٍ قَدْ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ وَهِيَ الْخَمْسُونَ الَّتِي حَالَ عَلَيْهَا فَزَكَّاهَا، فَالدَّيْنُ عَلَى أَصْلِ تِلْكَ الْخَمْسِينَ لِأَنَّهُ حِينَ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي الْخَمْسِينَ صَارَ أَصْلُ الدَّيْنِ وَأَصْلُ الْخَمْسِينَ وَاحِدًا فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَيَفْتَرِقَانِ فِي أَحْوَالِهِمَا، فَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ الرَّجُلِ يَبِيعُ السِّلْعَةَ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَهَا، فَتُقِيمُ سَنَةً فِي يَدَيْ الْمُشْتَرِي ثُمَّ يَقْتَضِي مِنْهَا عِشْرِينَ دِينَارًا فَيُخْرِجُ مِنْهَا نِصْفَ دِينَارٍ ثُمَّ يَسْتَهْلِكُهَا ثُمَّ يَقْتَضِي بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ شَيْئًا، فَمَا اقْتَضَى مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ فَعَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ لِأَنَّ أَصْلَهُ كُلَّهُ كَانَ وَاحِدًا.
قَالَ: وَكُلُّ مَالٍ كَانَ أَصْلُهُ وَاحِدًا أَقْرَضْتَ بَعْضَهُ أَوْ ابْتَعْتَ بِبَعْضِهِ سِلْعَةً، فَبِعْتَهَا بِدَيْنٍ وَتَبَقَّى بَعْضُ الْمَالِ عِنْدَكَ وَفِيمَا أَبْقَيْتَ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَمْ تُتْلِفْهُ حَتَّى زَكَّيْتَهُ، فَهُوَ وَالْمَالُ الَّذِي أَقْرَضْتَ أَوْ ابْتَعْتَ بِهِ سِلْعَةً فَبِعْتَ السِّلْعَةَ بِدَيْنٍ فَهُوَ أَصْلٌ وَاحِدٌ يُعْمَلُ فِيهِ كَمَا يُعْمَلُ فِيهِ لَوْ اُبْتِيعَ بِهِ كُلُّهُ، فَإِذَا اقْتَضَى مِمَّا اُبْتِيعَ بِهِ كُلُّهُ عِشْرِينَ دِينَارًا وَجَبَ فِيهِ نِصْفُ دِينَارٍ، وَمَا اقْتَضَى بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ فَفِيهِ الزَّكَاةُ وَإِنْ كَانَ قَدْ اسْتَهْلَكَ الْعِشْرِينَ الَّتِي اقْتَضَى، قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكُلُّ مَالٍ كَانَ أَصْلُهُ وَاحِدًا فَأَسْلَفْتَ بَعْضَهُ أَوْ ابْتَعْت بِبَعْضِهِ سِلْعَةً وَأَبْقَيْت مِنْهُ فِي يَدَيْك مَا لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ فَحَال عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَهُوَ فِي يَدَيْك ثُمَّ أَتْلَفْتَهُ، فَإِنَّهُ يُضَافُ مَا اقْتَضَيْتَ إلَى مَا كَانَ فِي يَدَيْكَ مِمَّا لَا زَكَاةَ فِيهِ، فَإِذَا تَمَّ مَا اقْتَضَيْتَ إلَى مَا كَانَ فِي يَدَيْكَ مِمَّا أَنْفَقْتَ بَعْدَ الْحَوْلِ، فَإِنَّهُ إذَا تَمَّ عِشْرِينَ دِينَارًا فَعَلَيْكَ فِيهِ الزَّكَاةُ. مَا اقْتَضَيْتَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ فَعَلَيْكَ فِيهِ الزَّكَاةُ.

قَالَ: وَكُلُّ مَالٍ كَانَ أَصْلُهُ وَاحِدًا فَابْتَعْتَ بِبَعْضِهِ أَوْ أَسْلَفْت بَعْضَهُ وَأَبْقَيْت فِي يَدَيْك مَا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ ثُمَّ اسْتَهْلَكْته قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، فَإِنَّهُ لَا يُضَافُ شَيْءٌ مِنْ مَالِكَ كَانَ خَارِجًا مِنْ دَيْنِكَ إلَى شَيْءٍ مِنْهُ، وَمَا اقْتَضَيْتَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَاسْتَهْلَكْتَهُ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَهُوَ كَذَلِكَ أَيْضًا لَا يُضَافُ إلَى مَا بَقِيَ لَكَ مِنْ دَيْنِكَ، وَلَكِنْ مَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فِي يَدْيِكَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فِيهِ فَإِنَّهُ يُضَافُ إلَى دَيْنِكَ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي فِي يَدَيْكَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنَّكَ تُزَكِّي مَا اقْتَضَيْتَ مِنْ قَلِيلٍ أَوَكَثِيرً مِنْ دَيْنِكَ، وَإِنْ كُنْتَ قَدْ اسْتَهْلَكْتَهُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِمَّا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَاسْتَهْلَكْتَهُ بَعْدَ الْحَوْلِ

(1/314)


فَإِنَّكَ لَا تُزَكِّي مَا اقْتَضَيْتَ حَتَّى يَتِمَّ مَا اقْتَضَيْتَ وَمَا اسْتَهْلَكْتَ بَعْدَ الْحَوْلِ عِشْرِينَ دِينَارًا فَتُخْرِجُ زَكَاتَهَا، ثُمَّ مَا اقْتَضَيْتَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ فَعَلَيْكَ فِيهِ الزَّكَاةُ

قُلْتُ: مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الدَّيْنِ يُقِيمُ عَلَى الرَّجُلِ أَعْوَامًا لِكَمْ يُزَكِّيهِ صَاحِبُهُ إذَا قَبَضَهُ؟ فَقَالَ: لِعَامٍ وَاحِدٍ.
قُلْتُ: وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مِمَّا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ فَتَرَكَهُ أَوْ كَانَ مُفْلِسًا لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ فَأَخَذَهُ بَعْدَ أَعْوَامٍ أَهَذَا عِنْدَ مَالِكٍ سَوَاءٌ؟
قَالَ: نَعَمْ عَلَيْهِ زَكَاةُ عَامٍ وَاحِدٍ إذَا أَخَذَهُ وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ مَالِكٍ سَوَاءٌ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا كَانَتْ لَهُ دَنَانِيرُ عَلَى النَّاسِ فَحَال عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَأَرَادَ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاتَهَا مَنْ مَالِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا؟ فَقَالَ: لَا يُقَدِّمُ زَكَاتَهَا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا.
قَالَ: وَقَدْ قَالَ لِي مَالِكٌ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى سِلْعَةً لِلتِّجَارَةِ فَحَال عَلَيْهَا الْحَوْلُ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهَا فَأَرَادَ أَنْ يُقَدِّمَ زَكَاتَهَا، قَالَ: فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ، فَقَالَ فَقُلْتُ لَهُ: إنْ أَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِذَلِكَ؟
قَالَ: يَتَطَوَّعُ فِي غَيْرِ هَذَا وَيَدَعُ زَكَاتَهُ حَتَّى يَبِيعَ عَرَضَهُ، وَالدَّيْنُ عِنْدِي مِثْلُ هَذَا، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ قَدَّمَ زَكَاتَهُ لَمْ تُجْزِئْهُ، قَالَ: فَرَأَيْتُ الدَّيْنَ مِثْلَ هَذَا.
قَالَ أَشْهَبُ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ فِي الدَّيْنِ زَكَاةٌ حَتَّى يُقْبَضَ فَإِذَا قُبِضَ فَإِنَّمَا فِيهِ زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ لِمَا مَضَى مِنْ السِّنِينَ.
قَالَ أَشْهَبُ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ وَالزِّنْجِيُّ مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ، أَنَّ عَمْرًا مَوْلَى الْمُطَّلِبِ حَدَّثَهُمْ أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ زَكَاةِ الدَّيْنِ فَقَالَ: لَيْسَ فِي الدَّيْنِ زَكَاةٌ حَتَّى يُقْبَضَ، فَإِذَا قُبِضَ فَإِنَّمَا فِيهِ زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ لِمَا مَضَى مِنْ السِّنِينَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَابْنُ وَهْبٍ وَعَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ وَابْنُ نَافِعٍ وَأَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ، إنَّهُ سَأَلَ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ عَنْ رَجُلٍ لَهُ مَالٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مِثْلُهُ أَعَلَيْهِ زَكَاةٌ؟ فَقَالَ: لَا.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ نَافِعٍ وَابْنِ شِهَابٍ إنَّهُ بَلَغَهُ عَنْهُمَا مِثْلُ قَوْلِ سُلَيْمَانَ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عِيَاضٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِثْلَهُ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، إنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَيْسَ فِي الدَّيْنِ زَكَاةٌ وَإِنْ كَانَتْ فِي مَلَاءٍ حَتَّى يَقْبِضَهُ صَاحِبُهُ.
قَالَ سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: لَيْسَ فِي الدَّيْنِ إذَا لَمْ يَأْخُذْهُ صَاحِبُهُ زَمَانًا ثُمَّ أَخَذَهُ أَنْ يُزَكِّيَهُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ صَبِيحٍ عَنْ الْحَسَنِ مِثْلَهُ.
قَالَ أَشْهَبُ قَالَ مَالِكٌ: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ يَغِيبُ أَعْوَامًا ثُمَّ يَقْبِضُهُ صَاحِبُهُ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ إلَّا زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ، الْعُرُوض تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ لِلتِّجَارَةِ فَتُقِيمُ أَعْوَامًا ثُمَّ يَبِيعُهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي أَثْمَانِهَا إلَّا زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ، فَكَذَلِكَ الدَّيْنُ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ زَكَاةَ الدَّيْنِ أَوْ الْعُرُوضِ مِنْ مَالٍ سِوَاهُ وَلَا يُخْرِجُ زَكَاةً مِنْ شَيْءٍ عَنْ شَيْءٍ غَيْرِهِ.

(1/315)


[زَكَاةُ الْفَوَائِدِ]
ِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَتْ عِنْدَ رَجُلٍ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ. أَفَادَ عِشْرِينَ دِينَارًا بِمِيرَاثٍ أَوْ بِصَدَقَةٍ أَوْ بِهِبَةٍ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ رِبْحِ الْمَالِ؟ فَقَالَ: لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا.
قُلْتُ: لِمَ قَالَ: لِأَنَّ هَذَا الْمَالَ الَّذِي أَفَادَ بِهِبَةٍ أَوْ بِمَا ذَكَرْتَ لَيْسَ مِنْ رِبْحِ الْمَالِ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ أَفَادَ هَذَا الْمَالَ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَإِذَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ مِنْ يَوْمِ أَفَادَ هَذَا الْمَالَ جَمَعَ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ فَزَكَّى ذَلِكَ الْمَالَ، لِأَنَّهُ لَمَّا أَفَادَ الَّذِي ذَكَرْتَ بِهِبَةٍ أَوْ بِمَا ذَكَرْتَ صَارَ كَأَنَّهُ أَفَادَ ذَلِكَ الْمَالَ كُلَّهُ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ تَكُنْ فِيهِ زَكَاةٌ وَلَيْسَ هَذَا الْمَالُ الثَّانِي مِنْ رِبْحِ الْمَالِ الْأَوَّلِ، وَالْأَوَّلُ لَا زَكَاةَ فِيهِ وَالْمَالُ الثَّانِي فِيهِ الزَّكَاةُ لِأَنَّهَا عِشْرُونَ دِينَارًا فَصَاعِدًا.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ عِنْدَ رَجُلٍ دَنَانِيرُ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ فَمَكَثَتْ عِنْدَهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ أَفَادَ بَعْدَ ذَلِكَ ذَهَبًا، تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ أَوْ لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ لَمْ يُضِفْهَا إلَى ذَهَبِهِ الْأُولَى الَّتِي كَانَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَزَكَّى الذَّهَبَ الْأُولَى عَلَى حَوْلِهَا وَذَهَبَهُ الْأُخْرَى عَلَى حَوْلِهَا إذَا كَانَتْ الذَّهَبَانِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِشْرُونَ دِينَارًا، وَإِنْ كَانَتْ الذَّهَبُ الْآخِرَةُ لَيْسَ فِيهَا عِشْرُونَ دِينَارًا زَكَّاهَا أَيْضًا عَلَى حَوْلِهَا وَلَمْ يُضِفْهَا إلَى الْأُولَى، فَكُلَّمَا مَضَى لِلْأُولَى سَنَةٌ مِنْ حِينِ يُزَكِّيهَا زَكَّاهَا عَلَى حِيَالهَا إذَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ. وَكُلَّمَا مَضَى لِلذَّهَبِ الثَّانِيَةِ سَنَةٌ مِنْ يَوْمِ أَفَادَهَا زَكَّاهَا أَيْضًا عَلَى حِيَالهَا إذَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ زَكَّاهَا، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ سَبِيلُ الذَّهَبَيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا، يُزَكِّي كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الذَّهَبَيْنِ عَلَى مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ وَقْتِهِمَا حَتَّى تَرْجِعَ الذَّهَبَانِ جَمِيعًا إلَى مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ.
قَالَ: فَإِذَا رَجَعَتَا جَمِيعًا هَاتَانِ الذَّهَبَانِ إلَى مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ اجْتَمَعَ الذَّهَبَانِ جَمِيعًا وَبَطَلَ مَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ وَقْتِهِمَا عِنْدَهُ، وَخَلَطَهُمَا وَاسْتَقْبَلَ بِهِمَا حَوْلًا مُسْتَقْبَلًا كَأَنَّهُ ذَهَبٌ أَفَادَهَا مَكَانَهُ فَيَصِيرُ سَبِيلُهَا سَبِيلَ ذَهَبٍ أَفَادَهَا لَا زَكَاةَ فِيهَا، قَالَ: وَإِنْ أَفَادَ إلَيْهَا ذَهَبًا أُخْرَى لَيْسَ مِنْ رِبْحِهَا، تَكُونُ هَذِهِ الْفَائِدَةُ وَمَا بَقِيَ فِي يَدَيْهِ مِنْ الذَّهَبِ الْأُولَى يَبْلُغُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ ضَمَّهَا إلَيْهَا وَاسْتَقْبَلَ بِهَا حَوْلًا مِنْ يَوْمِ أَفَادَ الْآخِرَةَ، ثُمَّ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِمَا حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ، وَفِيمَا فِي يَدَيْهِ كُلِّهِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَجَرَ فِي بَقِيَّةِ الْمَالِ الْأَوَّلِ فَيُتِمُّ بِهِ عِشْرِينَ دِينَارًا فَيُزَكِّيهِ إذَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ كَانَ زَكَّاهُ حِينَ رَجَعَ الْمَالُ إلَى مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ، وَلَا يَنْتَظِرُ بِهِ إلَى أَنْ يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ رَبِحَهُ فِيهِ، وَالرِّبْحُ هَهُنَا كَمَا وَصَفْتُ لَكَ هُوَ مُخَالِفٌ لِلْفَائِدَةِ، قَالَ: وَهَذَا الرِّبْحُ لَا تُبَالِي مِنْ أَيِّ بَقِيَّةِ الْمَالَيْنِ كَانَ، مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ الْآخَرِ الَّذِي كَانَ لَهُمَا وَقْتٌ لِكُلِّ مَالٍ عَلَى حِدَتِهِ، فَهُوَ يُوجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةَ فِي جَمِيعِ الْمَالِ وَهُمَا عَلَى وَقْتِهِمَا إذَا رَبِحَ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ.

(1/316)


قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَفَادَ مَالًا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَلَمَّا مَضَى لِذَلِكَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ أَفَادَ أَيْضًا مَالًا إنْ جَمَعَهُ إلَى مَالِهِ الْأَوَّلِ لَمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَتَجَرَ فِي الْمَالِ الثَّانِي بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ أَفَادَ الْمَالَ الثَّانِي فَرَبِحَ فِيهِ حَتَّى صَارَ بِرِبْحِهِ إلَى مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ؟
قَالَ: وَيَضُمُّ الْمَالَ الْأَوَّلَ إلَى الْمَالِ الثَّانِي لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ رَجُلٌ كَانَتْ لَهُ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ فَائِدَةً فَمَضَتْ لَهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ، فَلَمَّا مَضَتْ لَهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ أَفَادَ أَيْضًا خَمْسَةَ دَنَانِيرَ فَتَجَرَ فِي الْمَالِ الثَّانِي فَرَبِحَ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا، فَإِنَّهُ يُضِيفُ الْمَالَ الْأَوَّلَ إلَى الْمَالِ الثَّانِي، فَإِذَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَى الْمَالِ الثَّانِي مِنْ يَوْمِ أَفَادَهُ زَكَّى الْمَالَ الْأَوَّلَ وَالْمَالَ الْآخَرَ جَمِيعًا، لِأَنَّ الْفَائِدَةَ الْآخِرَةَ كَأَنَّهَا كَانَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا مِنْ يَوْمِ أَفَادَهَا وَالْخَمْسَةُ الدَّنَانِيرُ الزَّائِدَةُ الَّتِي فِيهَا فَضْلٌ، فَإِنْ كَانَ إنَّمَا تَجَرَ فِي الْمَالِ الْأَوَّلِ وَهُوَ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ فَرَبِحَ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا فَصَارَتْ بِرِبْحِهِ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَإِنَّهُ يَحْتَسِبُ مِنْ يَوْمِ أَفَادَ الْمَالَ الْأَوَّلَ سَنَةً فَيُزَكِّيهِ، وَيَحْتَسِبُ لِلْمَالِ الثَّانِي مِنْ يَوْمِ أَفَادَهُ سَنَةً فَيُزَكِّيهِ، فَيُزَكِّي الْمَالَيْنِ، كُلُّ مَالٍ عَلَى حِيَالِهِ إذَا كَانَ الرِّبْحُ فِي الْمَالِ الْأَوَّلِ كَمَا وَصَفْتُ لَكَ فِي صَدْرِ هَذَا الْبَابِ، فَإِنْ كَانَ الرِّبْحُ فِي الْمَالِ الثَّانِي أَضَافَ الْمَالَ الْأَوَّلَ إلَى الْمَالِ الثَّانِي فَزَكَّى الْمَالَ الْأَوَّلَ مَعَ الثَّانِي لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَإِنَّمَا يُزَكِّيهِ يَوْمَ يُزَكِّي الْمَالَ الثَّانِي كَمَا وَصَفْتُ لَكَ، قَالَ وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ مَالِكٍ.

قُلْتُ: فَمَا قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ أَفَادَ مِائَةَ دِينَارٍ فَأَقْرَضَ مِنْهَا خَمْسِينَ دِينَارًا، فَضَاعَتْ الْخَمْسُونَ الْأُخْرَى فِي يَدَيْهِ مَكَانَهَا قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ عِنْدَهُ، ثُمَّ اقْتَضَى مَنْ الْخَمْسِينَ الدِّينَارِ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ بَعْدَمَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مَنْ يَوْمِ مَلَكَهَا؟ فَقَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْعَشَرَةِ الدَّنَانِيرِ الَّتِي اقْتَضَاهَا.
قُلْتُ: فَإِنْ أَنْفَقَ هَذِهِ الْعَشَرَةَ الدَّنَانِيرَ الَّتِي اقْتَضَاهَا ثُمَّ اقْتَضَى عَشَرَةً أُخْرَى بَعْدَهَا؟ فَقَالَ: يُزَكِّي هَذِهِ الْعَشَرَةَ الدَّنَانِيرَ الَّتِي اقْتَضَاهَا السَّاعَةَ وَالْعَشَرَةَ الَّتِي أَنْفَقَهَا.
قُلْتُ: لِمَ يُزَكِّي الْعِشْرِينَ جَمِيعًا وَقَدْ أَنْفَقَ إحْدَاهُمَا قَبْلَ أَنْ يَقْتَضِيَ الثَّانِيَةَ، وَلِمَ لَا تُوجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةَ فِي الْعَشَرَةِ الْأُولَى حِينَ اقْتَضَاهَا وَأَوْجَبْتَ عَلَيْهِ الزَّكَاةَ فِي الْعَشَرَةِ الثَّانِيَةِ وَالْعَشَرَةِ الْأُولَى حِينَ اقْتَضَى الْعَشَرَةَ الثَّانِيَةَ؟ فَقَالَ: لِأَنَّ الْمَالَ كَانَ أَصْلُهُ مِائَةَ دِينَارٍ فَتَلِفَتْ الْخَمْسُونَ الَّتِي كَانَتْ بَقِيَتْ عِنْدَهُ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، وَأَقْرَضَ الْخَمْسِينَ مِنْهَا فَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، فَلَمَّا اقْتَضَى مِنْ الْخَمْسِينَ الدَّيْنَ بَعْدَ الْحَوْلِ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، قُلْنَا لَا تُزَكِّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْكَ فِيهَا السَّاعَةَ لِأَنَّا لَا نَدْرِي، لَعَلَّ الدَّيْنَ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ هَذِهِ الْعَشَرَةِ الدَّنَانِيرِ، فَنَحْنُ إنْ أَمَرْنَاهُ أَنْ يُزَكِّيَ هَذِهِ الْعَشَرَةَ الْأُولَى حِينَ خَرَجَتْ، يُخْشَى أَنْ نَأْمُرَهُ أَنْ يُزَكِّيَ مَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يُزَكَّى حَتَّى يُقْتَضَى.
قُلْتُ: أَلَا تَرَى أَنَّ الدَّيْنَ لَوْ ضَاعَ كُلُّهُ أَوْ تَوَى وَقَدْ حَالَتْ عَلَيْهِ أَحْوَالٌ عِنْدَ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فِيهِ زَكَاةٌ، فَكَذَلِكَ إذَا اقْتَضَى مِنْهُ

(1/317)


مَا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لَمْ يُزَكِّ ذَلِكَ حَتَّى يَقْتَضِيَ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ: فَلَمَّا اقْتَضَى الْعَشَرَةَ الثَّانِيَةَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِي الْعَشَرَةِ الْأُولَى وَفِي هَذِهِ الثَّانِيَةِ.
وَإِنْ كَانَ قَدْ أَتْلَفَ الْعَشَرَةَ الْأُولَى لِأَنَّهَا قَدْ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ مَلَكَهَا قَبْلَ أَنْ يُنْفِقَهَا مَعَ مَالٍ لَهُ أَيْضًا قَدْ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ قَبْلَ أَنْ يُنْفِقَهُ وَهِيَ هَذِهِ الْعَشَرَةُ الَّتِي اقْتَضَى، أَلَا تَرَى أَنَّ هَذِهِ الْعَشَرَةَ الثَّانِيَةَ الَّتِي اقْتَضَى لَيْسَتْ بِفَائِدَةٍ وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ مَالٍ قَدْ كَانَ لَهُ قَبْلَ أَنْ يُنْفِقَ الْعَشَرَةَ الْأُولَى، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تُضَافَ الْعَشَرَةُ الْأُولَى الَّتِي أَنْفَقَهَا إلَى هَذِهِ الْعَشَرَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الْحَوْلَ قَدْ حَالَ عَلَيْهِمَا مِنْ يَوْمِ مَلَكَهُمَا فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُزَكِّيَهُمَا؟
قَالَ: وَأَمَّا الْخَمْسُونَ الَّتِي أَنْفَقَهَا قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ عِنْدَهُ، فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى تِلْكَ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهَا مِنْ مِلْكِهِ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَقَبْلَ أَنْ تَجِبَ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ فِيهَا فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى تِلْكَ.
قُلْتُ: فَمَا خَرَجَ مِنْ بَعْدِ هَذِهِ الْعِشْرِينَ مِنْ هَذَا الدَّيْنِ الْخَمْسِينَ وَإِنْ دِرْهَمًا وَاحِدًا زَكَّاهُ؟
قَالَ: نَعَمْ لِأَنَّ هَذَا الدِّرْهَمَ الَّذِي اقْتَضَى مِنْ هَذِهِ الْخَمْسِينَ قَدْ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَوَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَهُوَ مُضَافٌ إلَى مَالٍ عِنْدَهُ قَدْ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ وَهِيَ تِلْكَ الْعِشْرِينَ الَّتِي زَكَّاهَا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّهُ حِينَ أَقْرَضَ الْخَمْسِينَ الدِّينَارَ بَقِيَتْ الْخَمْسُونَ الْأُخْرَى فِي يَدِهِ لَمْ تَضِعْ مِنْهُ حَتَّى زَكَّاهَا فَأَنْفَقَهَا بَعْدَمَا زَكَّاهَا مَكَانَهُ، ثُمَّ اقْتَضَى مِنْ الْخَمْسِينَ الدَّيْنِ دِينَارًا وَاحِدًا مَكَانَهُ بَعْدَمَا زَكَّى الْخَمْسِينَ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ وَبَعْدَمَا أَنْفَقَهَا. أَوْ اقْتَضَى الدِّينَارَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَسِيرٍ؟ فَقَالَ: يُزَكِّي هَذَا الدِّينَارَ سَاعَةَ اقْتَضَاهُ.
قُلْتُ: وَلِمَ وَإِنَّمَا اقْتَضَى دِينَارًا وَاحِدًا وَقَدْ زَعَمْتَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنَّهُ لَا يُزَكِّي حَتَّى يَقْتَضِيَ عِشْرِينَ دِينَارًا؟ فَقَالَ: لَا تُشْبِه هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى، لِأَنَّ هَذِهِ قَدْ بَقِيَتْ الْخَمْسُونَ فِي يَدَيْهِ حَتَّى زَكَّاهَا، وَالْأُولَى لَمْ تَبْقَ الْخَمْسُونَ فِي يَدَيْهِ حَتَّى يُزَكِّيَهَا فَهَذَا لَمَّا بَقِيَتْ الْخَمْسُونَ فِي يَدَيْهِ حَتَّى زَكَّاهَا كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَتْ الْمِائَةُ سَلَفًا كُلُّهَا، ثُمَّ اقْتَضَى الْخَمْسِينَ بَعْدَ الْحَوْلِ فَزَكَّاهَا ثُمَّ أَنْفَقَهَا، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يُزَكِّيَ كُلَّ شَيْءٍ يَقْتَضِي مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ، وَإِنْ دِرْهَمًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ يُضَافُ إلَى الْخَمْسِينَ الَّتِي زَكَّاهَا، قَالَ: وَإِنْ كَانَ قَدْ أَنْفَقَهَا لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَمَّا وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِي الْخَمْسِينَ الدِّينَارَ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِي كُلِّ مَالٍ يَمْلِكُهُ مِنْ النَّاضِّ مِمَّا أَفَادَ قَبْلَ الْخَمْسِينَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ أَوْ لَا تَجِبُ، فَهُوَ لَمَّا زَكَّى الْخَمْسِينَ الدِّينَارَ إنَّمَا امْتَنَعَ مِنْ أَنْ يُزَكِّيَ الدَّيْنَ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَخْرُجُ أَمْ لَا يَخْرُجُ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ وَإِنْ دِرْهَمًا وَاحِدًا لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ أَنْ يُزَكِّيَهُ.
قُلْتُ: وَأَصْلُ هَذَا عِنْدَ مَالِكٍ أَنَّ كُلَّ مَالٍ أَفَدْتَهُ مِمَّا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ ثُمَّ أَفَدْتَ بَعْدَهُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ أَوْ لَا يَبْلُغُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الزَّكَاةُ، إلَّا أَنْ يُجْمَعَ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ فَتَجِبَ فِيهِ الزَّكَاةُ إنْ جُمِعَ، فَإِنَّمَا يُضَافُ الْأَوَّلُ إلَى الْآخَرِ فَيُزَكَّى إذَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ أَفَادَ الْفَائِدَةَ الْآخِرَةَ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّهُ أَفَادَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَأَقْرَضَهَا

(1/318)


رَجُلًا ثُمَّ أَفَادَ بَعْدَهَا بِسَنَةٍ خَمْسِينَ دِينَارًا فَحَال الْحَوْلُ عَلَى الْخَمْسِينَ عِنْدَهُ، فَزَكَّى الْخَمْسِينَ ثُمَّ أَتْلَفَهَا ثُمَّ اقْتَضَى مِنْ الْعَشَرَةِ الدَّنَانِيرِ دِينَارًا وَاحِدًا زَكَّاهُ لِأَنَّهُ يُضَافُ هَذَا الدِّينَارُ إلَى الْخَمْسِينَ الَّتِي أَفَادَهَا بَعْدَ الْعَشَرَةِ فَزَكَّاهَا؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَأَصْلُ هَذَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّكَ تَنْظُرُ أَبَدًا إذَا أَفَادَ الرَّجُلُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَأَقَامَ عِنْدَهُ حَوْلًا فَزَكَّاهَا، يُنْظَرُ إلَى كُلِّ مَالٍ كَانَ لَهُ قَبْلَ أَنْ يُقَيَّدَ هَذَا الْمَالُ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ الدُّيُونِ الَّتِي عَلَى النَّاسِ وَمِمَّا قَدْ كَانَ بِيَدِهِ مِنْ النَّاضِّ مِمَّا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ قَبْلَ أَنْ يُقَيِّدَ هَذَا الْمَالَ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ فَيُضِيفَهُ إلَى هَذَا الْمَالِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ فِيمَا كَانَ فِي يَدَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، زَكَّاهُ مَكَانَهُ مَعَ هَذَا الْمَالِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ وَمَا كَانَ مِنْ دَيْنٍ أَخَّرْتَهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ فَتُزَكِّيَهُ، فَكُلُّ شَيْءٍ تَقْبِضَهُ مِنْهُ وَلَوْ دِرْهَمًا وَاحِدًا فَتُخْرِجُ رُبْعَ عُشْرِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا امْتَنَعَ مِنْ أَنْ يُزَكِّيَ هَذَا الدِّرْهَمَ الَّذِي اقْتَضَى مِنْ دَيْنِهِ يَوْمَ زَكَّى مَالَهُ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي يَدَيْهِ فَلَمَّا صَارَ فِي يَدَيْهِ قُلْنَا زَكِّهِ مَكَانَكَ السَّاعَةَ، لِأَنَّ الزَّكَاةَ قَدْ كَانَتْ وَجَبَتْ فِيهِ يَوْمَ زَكَّيْتَ مَالَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ.

قُلْتُ: فَلَوْ أَنَّهُ أَفَادَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، ثُمَّ أَفَادَ بَعْدَهَا بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ فَحَال الْحَوْلُ عَلَى الْمَالِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ عِنْدَهُ فَزَكَّاهُ ثُمَّ أَنْفَقَهُ مَكَانَهُ، ثُمَّ حَالِ الْحَوْلُ عَلَى الْمَالِ الَّذِي لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ أَيُزَكِّيهِ السَّاعَةَ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ فَقَالَ: لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ.
قُلْتُ: وَلِمَ وَقَدْ زَكَّى الْمَالَ الْأَوَّلَ الَّذِي أَنْفَقَهُ يَوْمَ زَكَّاهُ وَهَذَا الْمَالُ الثَّانِي فِي يَدَيْهِ؟ فَقَالَ: لِأَنَّ هَذَا الْمَالَ فَائِدَةٌ بَعْدَ الْمَالِ الْأَوَّلِ، وَالْمَالُ الْأَوَّلُ إذَا كَانَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لَا يُضَافُ إلَى هَذَا الْمَالِ الثَّانِي، وَيَكُونُ الْمَالُ الْأَوَّلُ عَلَى حَوْلِهِ وَالْمَالُ الثَّانِي عَلَى حَوْلِهِ إنْ كَانَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ أَوْ لَمْ يَكُنْ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ فَهُوَ سَوَاءٌ وَهُوَ عَلَى حَوْلِهِ لَا يُضَافُ إلَى الْمَالِ الْأَوَّلِ، فَإِذَا جَاءَ حَوْلُ الْمَالِ الْأَوَّلِ زَكَّاهُ ثُمَّ إذَا جَاءَ حَوْلُ الْمَالِ الثَّانِي نَظَرْنَا، فَإِنْ كَانَ يَبْلُغُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ زَكَّاهُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ نَظَرْنَا، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ قَدْ أَفَادَهُ قَبْلَهُ أَوْ مَعَهُ مَعًا، وَالْمَالُ الَّذِي أَفَادَ قَبْلَهُ أَوْ مَعَهُ لَمْ يُتْلِفْهُ وَهُوَ إذَا أُضِيفَ هَذَا الْمَالُ إلَى مَالٍ أَفَادَ قَبْلَهُ أَوْ مَعَهُ مَعًا، يَبْلُغُ أَنْ تَجِبَ فِيهِ الزَّكَاةُ ضَمَّ ذَلِكَ كُلَّهُ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ فَزَكَّاهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ زَكَّى الْمَالَ الَّذِي أَفَادَ قَبْلَهُ أَوْ مَعَهُ، فَيُزَكِّي هَذَا وَحْدَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدَيْهِ مِمَّا أَفَادَ قَبْلَهُ أَوْ مَعَهُ مِمَّا إذَا أُضِيفَتْ هَذِهِ الْفَائِدَةُ إلَيْهِ يَبْلُغُ جَمِيعُهُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْفَائِدَةِ زَكَاةٌ.
قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ فِي يَدَيْهِ مَالٌ قَدْ أَفَادَهُ بَعْدَهُ فَهُوَ إذَا أَضَافَ هَذِهِ الْفَائِدَةُ إلَيْهِ تَبْلُغُ مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَلَيْسَ فِي يَدَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا أَفَادَ قَبْلَهَا أَيُضَافُ إلَى مَا أَفَادَ بَعْدَهَا فَيُزَكِّيهِمَا أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ فَقَالَ: لَا يُضَافُ إلَى مَا أَفَادَ بَعْدَهَا فَيُزَكِّيهِمَا مَكَانَهُمَا، وَلَكِنَّهَا تُضَافُ إلَى مَا

(1/319)


أَفَادَ بَعْدَهَا فَإِذَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَى الْفَائِدَةِ الْآخِرَةِ مِنْ يَوْمِ أَفَادَهَا، نَظَرْنَا إلَى كُلِّ مَالٍ بِيَدِهِ مِنْ يَوْمِ أَفَادَ الْفَائِدَةَ الْآخِرَةَ وَقَبْلَ ذَلِكَ، فَيَجْمَعُ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ فَإِنْ كَانَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ زَكَّاهُمَا جَمِيعًا إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْهُ شَيْءٌ قَدْ زَكَّاهُ عَلَى حَوْلِهِ قَبْلَ أَنْ تَجِبَ الزَّكَاةُ فِي هَذِهِ الْفَائِدَةِ الْآخِرَةِ فَلَا يُزَكِّيهِ مَعَ هَذِهِ الْآخِرَةِ، لِأَنَّهُ لَا يُزَكَّى مَالٌ وَاحِدٌ فِي حَوْلٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ، وَلَكِنَّهُ فِي الْإِضَافَةِ يُضَافُ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ كُلُّ مَالٍ فِي يَدَيْهِ قَبْلَ الْفَائِدَةِ الْآخِرَةِ، فَيُزَكِّي الْفَائِدَةَ الْآخِرَةَ وَمَا لَمْ يُزَكِّ مِمَّا بِيَدَيْهِ قَبْلَ الْفَائِدَةِ الْآخِرَةِ إلَّا مَا قَدْ زَكَّاهُ عَلَى حَوْلِهِ إذَا كَانَ جَمِيعُ مَا كَانَ فِي يَدَيْهِ مِنْ الْفَائِدَةِ الَّتِي قَدْ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى مَا فِي يَدَيْهِ مِمَّا لَمْ يَحُلْ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ الْفَوَائِدِ الَّتِي أَفَادَ بَعْدَ هَذِهِ الْفَائِدَةِ الَّتِي حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ عَلَى الْفَوَائِدِ الَّتِي بَعْدَهَا أَيْضًا.
قُلْتُ: وَهَذَا الَّذِي سَأَلْتُكَ عَنْهُ قَوْلُ مَالِكٍ؟ وَاَلَّذِي كَانَ يَأْخُذُ بِهِ فِي الزَّكَاةِ؟
قَالَ: نَعَمْ.

قُلْتُ: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَفَادَ عِشْرِينَ دِينَارًا فَلَمَّا مَضَى لَهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ أَفَادَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، فَمَضَتْ سَنَةٌ مَنْ يَوْمِ أَفَادَ الْعِشْرِينَ الدِّينَارَ فَزَكَّى الْعِشْرِينَ، فَصَارَتْ الْعِشْرُونَ الدِّينَارَ إلَى مَا لَا زَكَاةَ فِيهَا ثُمَّ حَالَ عَلَى الْفَائِدَةِ الْحَوْلُ أَيُزَكِّيهَا أَيْضًا؟ فَقَالَ: إنْ كَانَتْ الْعِشْرُونَ الَّتِي أَخْرَجَ زَكَاتَهَا بَقِيَتْ فِي يَدَيْهِ إلَى يَوْمِ حَالَ الْحَوْلِ عَلَى الْعَشَرَةِ أَوْ بَقِيَ مِنْهَا مَا إذَا أَضَفْته إلَى الْعَشَرَةِ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي جَمِيعِهِ، زَكَّى الْعَشَرَةَ وَحْدَهَا وَلَمْ يُزَكِّ الْعِشْرِينَ الَّتِي أَخْرَجَ زَكَاتَهَا وَلَا مَا بَقِيَ مِنْهَا لِأَنَّهُ لَا يُزَكَّى مَالٌ وَاحِدٌ فِي عَامٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ.
قُلْتُ لَهُ: ثُمَّ يُزَكِّيهِمَا عَلَى حَوْلِهِمَا جَمِيعًا حَتَّى يَرْجِعَا إلَى مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ إذَا اجْتَمَعَا؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: فَإِنْ تَجَرَ فِي أَحَدِ هَذَيْنِ الْمَالَيْنِ بَعْدَمَا رَجَعَا إلَى مَا لَا زَكَاةَ فِيهِمَا إذَا جُمِعَا، فَرَبِحَ فِي أَحَدِ هَذَيْنِ الْمَالَيْنِ فَصَارَ بِرِبْحِهِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ؟ فَقَالَ: يُزَكِّيهِمَا جَمِيعًا عَلَى حَوْلَيْهِمَا، كَانَ الرِّبْحُ فِي الْمَالِ الْأَوَّلِ أَوْ فِي الْآخَرِ فَهُوَ سَوَاءٌ إذَا كَانَتْ الزَّكَاةُ قَدْ جَرَتْ فِيهِمَا جَمِيعًا.

قُلْتُ: فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا كَانَتْ لَهُ مِائَةُ دِينَارٍ، فَلَمَّا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ زَكَّى الْمِائَةَ الدِّينَارَ، ثُمَّ أَنَّهُ أَقْرَضَ مِنْهَا خَمْسِينَ دِينَارًا وَتَلِفَتْ الْخَمْسُونَ الدِّينَارَ الْبَاقِيَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عِنْدَهُ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، ثُمَّ اقْتَضَى مَنْ الْخَمْسِينَ الَّتِي أَقْرَضَهَا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ؟ فَقَالَ: لَا يُزَكِّي هَذِهِ الْعَشَرَةَ حَتَّى يَقْتَضِيَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مَالٌ قَدْ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ إذَا أَنْتَ أَضَفْتَهُ إلَى هَذِهِ الْعَشَرَةِ الَّتِي اقْتَضَى يَبْلُغُ مَا يَجِبُ فِيهِ كُلُّهُ الزَّكَاةُ فَيُزَكِّيهِمَا جَمِيعًا إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ زَكَّى الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْتَضِيَ هَذِهِ الْعَشَرَةَ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ إلَّا هَذِهِ الْعَشَرَةَ وَحْدَهَا.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.

قُلْتُ: فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا كَانَتْ لَهُ مِائَةُ دِينَارٍ أَقْرَضَهَا كُلَّهَا رَجُلًا فَأَقَامَتْ عِنْدَ الرَّجُلِ سِنِينَ، ثُمَّ إنَّهُ أَفَادَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَحَال عَلَى

(1/320)


الْعَشَرَةِ الدَّنَانِيرِ الْحَوْلُ، أَيُزَكِّي هَذِهِ الْعَشَرَةَ حِينَ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مَكَانَهُ أَمْ لَا؟ فَقَالَ: لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْفَائِدَةِ الْعَشَرَةِ السَّاعَةَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي يَدَيْهِ مَالٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّهُ اقْتَضَى مِنْ الْمِائَةِ الدِّينَارِ الدَّيْنَ بَعْدَمَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ فِي الْعَشَرَةِ حَتَّى يَقْتَضِيَ عِشْرِينَ دِينَارًا إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَالٌ سِوَى الْعَشَرَةِ الَّتِي اقْتَضَى. فَكَذَلِكَ هَذِهِ الْعَشَرَةُ الَّتِي أَفَادَ.
قُلْتُ: فَإِذَا اقْتَضَى مِنْ الْمِائَةِ الدِّينَارَ الدَّيْنِ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ بَعْدَمَا حَالَ عَلَى هَذِهِ الْعَشَرَةِ الْفَائِدَةِ الْحَوْلُ؟ فَقَالَ: يُزَكِّي الْعَشَرَةَ الَّتِي اقْتَضَى وَالْعَشَرَةَ الْفَائِدَةَ جَمِيعًا وَيَصِيرُ حَوْلُهُمَا وَاحِدًا.
قُلْتُ: وَلِمَ أَمَرْتَهُ أَنْ يُزَكِّيَ الْعَشَرَةَ الْفَائِدَةَ حِينَ اقْتَضَى الْعَشَرَةَ مِنْ الْمِائَةِ الدَّيْنِ؟
قَالَ: لِأَنَّ الْعَشَرَةَ الْفَائِدَةَ حِينَ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ عِنْدَهُ وَلَهُ مِائَةُ دِينَارٍ دَيْنٌ، وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي هَذِهِ الْعَشَرَةِ إنْ خَرَجَ دَيْنُهُ أَوْ خَرَجَ مِنْ دَيْنِهِ مَا إنْ أَضَافَهُ إلَى هَذِهِ الْعَشَرَةِ يَبْلُغُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ.
وَإِنَّمَا مَنَعْنَا أَنْ نُلْزِمَهُ الزَّكَاةَ فِي الْعَشَرَةِ الَّتِي أَفَادَ بَعْدَمَا حَالَ عَلَيْهَا عِنْدَهُ الْحَوْلُ؛ لِأَنَّا لَا نَدْرِي أَيَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ شَيْءٌ أَمْ لَا، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ الدَّيْنِ مَا إنْ أَضَفْتَهُ إلَى هَذِهِ الْعَشَرَةِ الْفَائِدَةِ الَّتِي حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَكَانَ وَقْتُ مَا خَرَجَ مِنْ الدَّيْنِ وَالْعَشَرَةِ الْفَائِدَةِ الَّتِي أَتَمَّهَا مَا خَرَجَ مِنْ الدَّيْنِ اللَّذَيْنِ يَصِيرُ حَوْلُهُمَا وَاحِدًا يَوْمَ زَكَّاهُمَا، ثُمَّ مَا اقْتَضَى مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ زَكَّاهُ كُلَّ مَا اقْتَضَى مِنْهُ شَيْئًا، وَيَصِيرُ كُلُّ مَا اقْتَضَى مِنْ الْمِائَةِ الدَّيْنِ عَلَى حَوْلِهِ مِنْ يَوْمِ يُزَكِّيهِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، فَتَصِيرُ أَحْوَالُ كُلِّ مَا اقْتَضَى مِنْ الدَّيْنِ وَأَحْوَالُ الْعَشَرَةِ الْفَائِدَةِ عَلَى مَا وَصَفْتُ لَكَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَلَوْ أَنَّهُ اسْتَهْلَكَ الْفَائِدَةَ بَعْدَ أَنْ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، ثُمَّ اقْتَضَى بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الدَّيْنِ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِي الْفَائِدَةِ الزَّكَاةُ وَإِنْ كَانَ قَدْ اسْتَهْلَكَهَا أَوْ اسْتَنْفَقَهَا قَبْلَ أَنْ يَقْتَضِيَ هَذِهِ الْعَشَرَةَ إذَا كَانَ الْحَوْلُ قَدْ حَالَ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَهْلِكَهَا أَوْ يَسْتَنْفِقَهَا.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى دَنَانِيرَ أَوْ إبِلٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ فَلَمْ يَقْبِضْهَا مِنْهُ حَتَّى حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ عِنْدَ الْمُكَاتَبِ؟ فَقَالَ: لَا يُزَكِّيهَا حَتَّى يَقْبِضَهَا مِنْ مُكَاتَبِهِ وَيَحُولُ عَلَيْهَا الْحَوْلُ عِنْدَهُ بَعْدَمَا قَبَضَهَا.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: كُلُّ فَائِدَةٍ أَفَادَهَا رَجُلٌ مِنْ كِتَابَةٍ أَوْ مِنْ دِيَةٍ وَجَبَتْ لَهُ أَوْ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ فَائِدَةً، فَلَيْسَ عَلَى صَاحِبِهَا فِيهَا زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ عَلَيْهَا مِنْ يَوْمِ قَبَضَهَا.

قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا وَرِثَ مَالًا عَنْ أَبِيهِ فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى حَالَتْ عَلَيْهِ أَحْوَالٌ كَثِيرَةٌ ثُمَّ قَبَضَهُ بَعْدَ ذَلِكَ؟
قَالَ: يَسْتَقْبِلُ بِهِ سَنَةً مِنْ ذِي قَبْلُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ لِلسِّنِينَ الْمَاضِيَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَبَضَهُ، قَالَ: وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَرِثَ دَارًا عَنْ أَبِيهِ فَأَقَامَتْ الدَّارُ فِي يَدِهِ سِنِينَ فَبَاعَهَا، فَمَكَثَ الثَّمَنُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي سِنِينَ ثُمَّ قَبَضَ الثَّمَنَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ عَنْ الثَّمَنِ مِنْ يَوْمِ قَبَضَهُ؟
قَالَ: وَعَلَى هَذَا مَحْمَلُ الْفَوَائِدِ كُلِّهَا

(1/321)


إنَّمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ بَعْدَ سَنَةٍ مِنْ يَوْمِ يَقْبِضُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: كُلُّ سِلْعَةٍ كَانَتْ لِرَجُلٍ مِنْ مِيرَاثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ اشْتَرَاهَا لِقِنْيَةٍ مِنْ دَارٍ أَوْ غَيْرِهَا مَنْ السِّلَعِ، فَأَقَامَتْ فِي يَدَيْهِ سِنِينَ أَوْ لَمْ تَقُمْ ثُمَّ بَاعَهَا بِنَقْدٍ أَوْ إلَى أَجَلٍ فَمَطَلَ بِالنَّقْدِ أَوْ بَاعَهَا إلَى أَجَلٍ، فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ مَطَلَ بِالْمَالِ سِنِينَ أَوْ أَخَّرَهُ بَعْدَمَا حَلَّ الْأَجَلُ سِنِينَ. ثُمَّ قَبَضَ الثَّمَنَ، فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ حَوْلًا مِنْ يَوْمِ قَبَضَهُ وَلَا يَحْتَسِبُ بِشَيْءٍ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ إنَّمَا أَسْلَفَ نَاضًّا كَانَ فِي يَدَيْهِ أَوْ بَاعَ سِلْعَةً كَانَ اشْتَرَاهَا لِلتِّجَارَةِ فَمَكَثَ عِنْدَ الْمُتَسَلِّفِ أَوْ الْمُشْتَرِي سِنِينَ، ثُمَّ قَبَضَهُ فَإِنَّهُ يُزَكِّي الْمَالَ يَوْمَ قَبَضَهُ زَكَاةً وَاحِدَةً مَكَانَهُ.

وَلَقَدْ سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ تَكُونُ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ الذَّهَبُ وَهُوَ مِمَّنْ لَوْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْهُ أَخَذَهَا مِنْهُ، فَتُقِيمُ عِنْدَهُ الْأَحْوَالَ ثُمَّ يَهَبُهَا لَهُ أَتَرَى عَلَى صَاحِبِهَا الْوَاهِبِ فِيهَا الزَّكَاةَ؟ فَقَالَ: لَيْسَ عَلَى الْوَاهِبِ وَلَا عَلَى الَّذِي وُهِبَتْ لَهُ فِيهَا الزَّكَاةُ، حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ عَلَيْهَا فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرَهَا، فَأَمَّا أَنْ لَوْ كَانَ لَهُ مِنْ الْعُرُوضِ مَا فِيهِ وَفَاءٌ بِهَا، كَانَتْ عَلَيْهِ زَكَاتُهَا وُهِبَتْ لَهُ أَوْ لَمْ تُوهَبْ لَهُ، لِأَنَّ ضَمَانَهَا عَلَيْهِ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا، وَزَكَاتُهَا عَلَيْهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ، فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا لَوْ بَقِيَتْ فِي يَدَيْهِ وَلَمْ تُوهَبْ لَهُ، فَلَمَّا وُهِبَتْ لَهُ وَصَارَتْ لَهُ صَارَتْ فَائِدَةً وَجَبَتْ لَهُ السَّاعَةَ فَيَسْتَقْبِلُ بِهَا حَوْلًا.
قَالَ سَحْنُونٌ وَقَالَ غَيْرُهُ: إنَّ عَلَيْهِ فِيهَا الزَّكَاةَ كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ إذَا وُهِبَتْ لَهُ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مَا وَرِثَ الرَّجُلُ مِنْ السِّلَعِ مِثْلِ الثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ وَالطَّعَامِ وَالْعُرُوضِ كُلِّهَا مَا عَدَا الْحُلِيَّ: الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، فَنَوَى بِهِ التِّجَارَةَ حِينَ وَرِثَهُ أَوْ وُهِبَ لَهُ أَوْ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهِ فَنَوَى بِهِ التِّجَارَةَ يَوْمَ قَبَضَهُ، فَحَال عَلَيْهِ الْحَوْلُ ثُمَّ بَاعَهُ أَيَكُونُ عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ؟ فَقَالَ: لَا.
قُلْتُ: لِمَ؟ فَقَالَ: لَا تَكُونُ لِلتِّجَارَةِ هَذِهِ السِّلَعُ حَتَّى يَبِيعَهَا، فَإِذَا بَاعَهَا اسْتَقْبَلَ بِهَا حَوْلًا مِنْ يَوْمِ بَاعَهَا لِأَنَّهُ يَوْمَ بَاعَهَا صَارَتْ لِلتِّجَارَةِ وَلَا تَكُونُ لِلتِّجَارَةِ بِنِيَّتِهِ إلَّا مَا ابْتَاعَ لِلتِّجَارَةِ.

قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ وَرِثَ حُلِيًّا مَصُوغًا مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَنَوَى بِهِ التِّجَارَةَ حِينَ وَرِثَهُ فَحَال عَلَيْهِ الْحَوْلُ أَيُزَكِّيهِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَالْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ فِي هَذَا مُخَالِفَانِ لِمَا سِوَاهُمَا مِنْ الْعُرُوضِ، لِأَنَّهُ إذَا نَوَى بِهِمَا التِّجَارَةَ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْنِ، قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ.

قُلْتُ: فَلَوْ وَرِثَ آنِيَةً مَنْ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَوْ وُهِبَتْ لَهُ أَوْ تُصُدِّقَ بِهَا عَلَيْهِ، أَيَكُونُ سَبِيلُهَا سَبِيلَ الْحُلِيِّ؟ فَقَالَ: لَا، وَلَكِنَّ الْآنِيَةَ إذَا وُهِبْتَ لَهُ أَوْ تُصَدِّقَ بِهَا عَلَيْهِ أَوْ وَرِثَهَا، نَوَى بِهَا التِّجَارَةَ أَوْ لَمْ يَنْوِ إذَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ زَكَّى وَزْنَهَا، قُلْتُ: وَمَا فَرَّقَ بَيْنَ الْآنِيَةِ فِي هَذَا وَالْحُلِيِّ؟ فَقَالَ: لِأَنَّ مَالِكًا كَرِهَ اتِّخَاذَ الْآنِيَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَمْ يَكْرَهْ الْحُلِيَّ، فَلَمَّا كَرِهَ اتِّخَاذَ الْآنِيَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ التِّبْرِ الْمَكْسُورِ، فَعَلَيْهِ إذَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فِيهَا الزَّكَاةُ نَوَى بِهَا التِّجَارَةَ أَوْ لَمْ يَنْوِ.
قَالَ مَالِكٌ:

(1/322)


وَالسُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى وَارِثٍ زَكَاةٌ فِي مَالٍ وَرِثَهُ فِي دَيْنٍ وَلَا عَرْضٍ وَلَا عَيْنٍ وَلَا دَارٍ وَلَا عَبْدٍ وَلَا وَلِيدَةٍ، حَتَّى يَحُولَ عَلَى ثَمَنِ مَا بَاعَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ قَبَضَ مِنْ الْعَيْنِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ قَبَضَهُ وَنَضَّ فِي يَدَيْهِ لِأَنَّهُ فَائِدَةٌ، وَأَرَى غَلَّةَ الدُّورِ وَالرَّقِيقَ وَالدَّوَابَّ وَإِنْ اُبْتِيعَ لِغَلَّةٍ فَائِدَةً لَا تَجِبُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ قَبَضَهُ.
قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ أَجَّرَ نَفْسَهُ فَإِنَّ إجَارَتَهُ أَيْضًا فَائِدَةٌ، وَمَهْرُ الْمَرْأَةِ أَيْضًا عَلَى زَوْجِهَا فَائِدَةٌ لَا يَجِبُ فِيهِ عَلَيْهَا الزَّكَاةُ حَتَّى تَقْبِضَهُ، وَيَحُولُ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ تَقْبِضُ، وَمَا فَضَلَ بِيَدِ الْمُكَاتَبِ بَعْدَ عِتْقِهِ مِنْ مَالِهِ فَهُوَ مِثْلُهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ بَعْدِ عِتْقِهِ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْمَرْأَةَ إذَا تَزَوَّجَتْ عَلَى إبِلٍ بِأَعْيَانِهَا فَلَمْ تَقْبِضْهَا حَتَّى حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ عِنْدَ الزَّوْجِ ثُمَّ قَبَضَتْهَا بَعْدَ الْحَوْلِ؟ فَقَالَ: أَرَى عَلَيْهَا زَكَاتَهَا لِأَنَّهَا لَوْ مَاتَتْ ضَمِنَتْهَا، وَلَيْسَ هَذِهِ مِثْلَ الَّتِي تَغَيَّرَ أَعْيَانُهَا لِأَنَّ الَّتِي لَيْسَتْ بِأَعْيَانِهَا لَمْ تَجُزْ فِيهَا الزَّكَاةُ لِأَنَّهَا لَا تُعْرَفُ وَأَنَّهَا مَضْمُونَةٌ عَلَى الزَّوْجِ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَرْأَةِ تَتَزَوَّجُ بِالْعَبْدِ بِعَيْنِهِ تَعْرِفُهُ ثُمَّ لَا تَقْبِضُهُ حَتَّى يَمُوتَ الْعَبْدُ، عَلَى مَنْ ضَمَانُهُ؟ فَقَالَ: عَلَى الْمَرْأَةِ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْمَرْأَةَ إذَا تَزَوَّجَتْ عَلَى دَنَانِيرَ فَلَمْ تَقْبِضْهَا حَتَّى حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ عِنْدَ الزَّوْجِ ثُمَّ قَبَضَتْهَا بَعْدَمَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ عَلَى الدَّنَانِيرِ عِنْدَ الزَّوْجِ، أَعْلَيْهَا أَنْ تُزَكِّيَهَا إذَا قَبَضَتْهَا أَمْ تَسْتَقْبِلَ بِهَا حَوْلًا مِنْ يَوْمِ قَبَضَتْهَا؟
قَالَ: بَلْ تَسْتَقْبِلُ بِهَا حَوْلًا مِنْ يَوْمِ قَبَضَتْهَا لِأَنَّهَا فَائِدَةٌ.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.

قُلْتُ: وَمَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي مُهُورِ النِّسَاءِ إذَا تَزَوَّجْنَ عَلَى مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مَنْ الدَّنَانِيرِ وَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، فَلَمْ تَقْبِضْهَا حَتَّى حَالَ عَلَيْهَا عِنْدَ الزَّوْجِ أَحْوَالٌ؟
قَالَ: إذَا قَبَضَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ تَقْبِضُ، قَالَ: وَمَهْرُهَا إنَّمَا هُوَ فَائِدَةٌ مِنْ الْفَوَائِدِ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي قَوْمٍ وَرِثُوا دَارًا فَبَاعَهَا لَهُمْ الْقَاضِي وَوَضَعَ ثَمَنَهَا عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ حَتَّى يُقَسِّمَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ، فَأَقَامَتْ الذَّهَبُ فِي يَدَيْ الْمَوْضُوعَةِ عَلَى يَدَيْهِ سِنِينَ ثُمَّ دُفِعَتْ إلَيْهِمْ، أَتَرَى عَلَيْهِمْ فِيهَا الزَّكَاةَ؟ فَقَالَ: لَا أَرَى عَلَيْهِمْ فِيهَا الزَّكَاةَ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِمْ عِنْدَهُمْ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ قَبَضُوهَا.

ثُمَّ سُئِلَ أَيْضًا عَنْ الرَّجُلِ يَرِثُ الْمَالَ بِالْمَكَانِ الْبَعِيدِ، فَيُقِيمُ عِنْدَهُ الثَّلَاثَ سِنِينَ هَلْ يُزَكِّيهِ إذَا قَبَضَهُ؟ فَقَالَ: إذَا قَبَضَهُ لَمْ يُزَكِّهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ قَبَضَهُ، فَقِيلَ لَهُ: فَلَوْ بَعَثَ رَسُولًا مُسْتَأْجَرًا أَوْ غَيْرَ مُسْتَأْجَرٍ فَقَبَضَهُ الرَّسُولُ؟ فَقَالَ: رَسُولُهُ بِمَنْزِلَتِهِ يَحْسُبُ لَهُ حَوْلًا مِنْ يَوْمِ قَبَضَهُ رَسُولُهُ.
قَالَ: وَكَذَلِكَ الْأَمْوَالُ تَكُونُ لِلرَّجُلِ دَيْنًا فَيَأْمُرُ مَنْ يَتَقَاضَاهَا لَهُ وَهُوَ عَنْهَا غَائِبٌ، فَكُلُّ مَا اقْتَضَاهُ وَكِيلُهُ فَإِنَّهُ يَحْسُبُ لَهُ حَوْلًا مِنْ يَوْمِ قَبَضَهُ.
قَالَ: وَكَذَلِكَ مَا وَرِثَ الصَّغِيرُ عَنْ أَبِيهِ مِنْ الْعَيْنِ، فَقَبَضَهُ وَصِيُّهُ فَمِنْ حِينِ قَبَضَهُ وَصِيُّهُ يَحْسُبُ لَهُ سَنَةً مِنْ يَوْمِ قَبَضَهُ الْوَصِيُّ.

قُلْتُ:

(1/323)


أَرَأَيْتَ لَوْ وَرِثَ مَاشِيَةً تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ فَحَال عَلَيْهَا الْحَوْلُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا وَهِيَ فِي يَدَيْ الْوَصِيِّ أَوْ فِي يَدَيْ غَيْرِ الْوَصِيِّ أَعَلَيْهِ فِيهَا الزَّكَاةُ؟
قَالَ: نَعَمْ عَلَيْهِ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَفِيمَا وَرِثَ مِنْ ثَمَرَةٍ وَلَوْ أَقَامَ ذَلِكَ عِنْدَهُ سِنِينَ لَا يَعْلَمُ بِهِ أَصْلًا، فَإِنَّ السَّاعِيَ يُزَكِّيهَا فِي كُلِّ عَامٍ وَيَأْخُذُ زَكَاتَهَا كُلَّ سَنَةٍ وَلَيْسَ هَذَا مِثْلَ الْعَيْنِ فِي هَذَا.

قُلْتُ لَهُ: فَمَا فَرْقُ مَا بَيْنَ الْمَاشِيَةِ وَالثِّمَارِ وَبَيْنَ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ فِي الزَّكَاةِ؟ فَقَالَ لِي: لِأَنَّ السُّنَّةَ إنَّمَا جَاءَتْ فِي الضِّمَارِ وَهُوَ الْمَالُ الْمَحْبُوسُ فِي الْعَيْنِ، وَإِنَّ السُّعَاةَ يَأْخُذُونَ النَّاسَ بِزَكَاةِ مَوَاشِيهِمْ وَثِمَارِهِمْ وَلَا يَأْخُذُونَهُمْ بِزَكَاةِ الْعَيْنِ وَيُقْبَلُ مِنْهُمْ قَوْلَهُمْ فِي الْعَيْنِ فَلَوْ كَانَتْ الْمَاشِيَةُ وَالثِّمَارُ لِرَجُلٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ مَاشِيَةً مِثْلَهَا أَوْ ثِمَارً مِثْلَهَا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ لَمْ يَمْنَعْهُ ذَلِكَ مِنْ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاةَ مَاشِيَتِهِ أَوْ ثِمَارِهِ، وَلَوْ كَانَتْ لِرَجُلٍ دَنَانِيرُ أَوْ دَرَاهِمُ أَوْ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا، كَانَ دَيْنُهُ فِيهَا كَائِنًا ذَلِكَ الدَّيْنُ مَا كَانَ عَيْنًا أَوْ عَرَضًا وَلَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَاَلَّذِي يَرِثُ الدَّنَانِيرَ لَا تَصِيرُ فِي ضَمَانِهِ حَتَّى يَقْبِضَهَا.

قَالَ: وَسَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْغَنَمَ لِلتِّجَارَةِ فَيَجُزُّهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِأَشْهُرٍ، كَيْفَ تَرَى فِي ثَمَنِ أَصْوَافِهَا أَيَكُونُ زَكَاةُ الصُّوفِ مَعَ رِقَابِهَا؟
قَالَ: لَا بَلْ الصُّوفُ فَائِدَةٌ يَسْتَقْبِلُ بِهِ حَوْلًا مِنْ يَوْمِ يَبِيعُهُ وَيَنِضُّ الْمَالُ فِي يَدَيْهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ يَوْمَ بَاعَ الصُّوفَ زَكَاةٌ فِي ثَمَنِهِ، وَالْغَنَمُ إنْ بَاعَهَا قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ حَسَبَ مِنْ يَوْمِ زَكَّى الثَّمَنَ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ. فَهِيَ خِلَافُ الصُّوفِ، فَإِنْ أَقَامَتْ فِي يَدَيْهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَيَأْتِيهِ الْمُصَدِّقُ زَكَّى رِقَابَهَا وَلَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ زَكَاةُ التِّجَارَةِ فِيهَا، فَإِنْ بَاعَهَا بَعْدَمَا زَكَّى رِقَابَهَا حَسَبَ مِنْ يَوْمِ أُخِذَتْ مِنْهُ زَكَاةُ الْمَاشِيَةِ فَأَكْمَلَ بِهِ سَنَةً مِنْ يَوْمئِذٍ ثُمَّ يُزَكِّي أَثْمَانَهَا، وَالصُّوفُ وَإِنَّمَا هُوَ فَائِدَةٌ مِنْ الْغَنَمِ، وَالْغَنَمُ إنَّمَا اُشْتُرِيَتْ مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ فَلِذَلِكَ افْتَرَقَا.
قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ كِرَاءُ الْمَسَاكِنِ إذَا كَانَ اشْتَرَاهَا لِلتِّجَارَةِ، وَكِرَاءُ الْعَبِيدِ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ وَكَذَلِكَ ثَمَنُ النَّخْلِ

قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَبْتَاعُ النَّخْلَ لِلتِّجَارَةِ فَتُثْمِرُ النَّخْلُ وَيَكُونُ فِيهَا ثَمَرٌ فَتُخْرَصُ وَتُجَدُّ وَتُؤْخَذُ مِنْهَا الصَّدَقَةُ، ثُمَّ يَبِيعُ رَبُّ الْحَائِطِ بَعْدَ ذَلِكَ الرِّقَابَ إنَّهُ يُزَكِّي ثَمَنَ الْحَائِطِ حِينَ بَاعَهُ إذَا كَانَ قَدْ حَالَ عَلَى ثَمَنِهِ الْحَوْلُ الَّذِي ابْتَاعَ بِهِ الْحَائِطَ، فَقِيلَ لَهُ: فَالثَّمَرَةُ إذَا بَاعَهَا؟ فَقَالَ: لَا زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَى ثَمَنِ الثَّمَرَةِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ بَاعَ الثَّمَرَةَ وَقَبَضَ الثَّمَنَ، فَيَصِيرُ حَوْلُ الثَّمَرَةِ عَلَى حِدَةٍ وَحَوْلُ الْمَالِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ النَّخْلَ عَلَى حِدَةٍ. وَمِمَّا يُبَيِّنُ لَكَ ذَلِكَ أَيْضًا، أَنَّ صَاحِبَ الْحَائِطِ الَّذِي اشْتَرَاهُ لِلتِّجَارَةِ لَوْ كَانَ مِمَّنْ يُدِيرُ مَالَهُ فِي التِّجَارَةِ وَلَهُ شَهْرٌ يُقَوِّمُ فِيهِ لَقَوَّمَ الرِّقَابَ وَلَمْ يُقَوِّمْ الثَّمَرَةَ، لِأَنَّ الثَّمَرَةَ إذَا قُوِّمَتْ سَقَطَ مِنْهَا زَكَاةُ الْخَرْصِ وَالْخَرْصُ أَمْلَكُ بِهَا، وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَطْرَحَ مِنْ الثَّمَرَةِ زَكَاةَ الْخَرْصِ لِمَكَانِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ فَإِذَا صَارَتْ الثَّمَرَةُ بِحَالِ مَا وَصَفْتُ لَكَ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ تَحْوِيلِ الْوَقْتِ فِي الزَّكَاةِ فِي الثَّمَرَةِ وَالنَّخْلِ وَهُمَا جَمِيعًا لِلتِّجَارَةِ، فَكَذَلِكَ

(1/324)


الْغَنَمُ الْأُولَى الَّتِي وَصَفْتُ لَكَ إذَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ مَوْلَى الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ إنَّهُ سَأَلَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ مُكَاتَبٍ لَهُ قَاطَعَهُ بِمَالٍ عَظِيمٍ، هَلْ عَلَيْهِ فِيهِ زَكَاةٌ؟ فَقَالَ لَهُ الْقَاسِمُ: إنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ لَمْ يَكُنْ يَأْخُذُ مِنْ مَالٍ زَكَاةً حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ. قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إذَا أَعْطَى النَّاسَ أَعْطِيَاتِهِمْ، يَسْأَلُ الرَّجُلَ عِنْدَكَ مِنْ مَالٍ وَجَبَتْ عَلَيْكَ فِيهِ الزَّكَاةُ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ، أَخَذَ مِنْ عَطَائِهِ زَكَاةَ مَالِ ذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ " لَا " أَسْلَمَ إلَيْهِ عَطَاءَهُ وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا. قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حُسَيْنٍ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ قُدَامَةَ عَنْ أَبِيهَا أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ إذَا جِئْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ آخُذُ عَطَائِي سَأَلَنِي: وَهَلْ عِنْدَكَ مِنْ مَالٍ وَجَبَتْ عَلَيْكَ فِيهِ الزَّكَاةُ؟ فَإِنْ قُلْتُ: نَعَمْ، أَخَذَ مِنْ عَطَائِي زَكَاةَ ذَلِكَ الْمَالِ، وَإِنْ قُلْتُ: لَا، أَسْلَمَ إلَيَّ عَطَائِي. قَالَ مَالِكٌ: وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَوَّلُ مَنْ أَخَذَ مِنْ الْأَعْطِيَةِ الزَّكَاةَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ، إنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: مَنْ اسْتَفَادَ مَالًا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَأَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَرَبِيعَةَ وَيَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَعَائِشَةَ كَانُوا يَقُولُونَ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: لَيْسَ فِي الْمَالِ الْمُسْتَفَادِ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، فَإِذَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَفِي كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فَمَا زَادَ فَبِالْحِسَابِ. قَالَ: وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةُ مِثْلَ قَوْلِ عَلِيٍّ: لَا تَجِبُ فِي مَالٍ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ.

[زَكَاةُ الْمِدْيَانِ]
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ تَكُونُ لَهُ الدَّنَانِيرُ فَيَحُولُ عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَهِيَ عِشْرُونَ دِينَارًا، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَهُ عُرُوضٌ أَيْنَ يَجْعَلُ دَيْنَهُ؟ فَقَالَ: فِي عُرُوضِهِ، فَإِنْ كَانَتْ وَفَاءَ دَيْنِهِ زَكَّى هَذِهِ الْعِشْرِينَ النَّاضَّةَ الَّتِي حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ عِنْدَهُ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَتْ عُرُوضُهُ ثِيَابَ جَسَدِهِ وَثَوْبَيْ جُمُعَتِهِ وَسِلَاحَهُ وَخَاتَمَهُ وَسَرْجَهُ وَخَادِمًا تَخْدُمَهُ وَدَارًا يَسْكُنُهَا؟ فَقَالَ: أَمَّا خَادِمُهُ وَدَارُهُ وَسِلَاحُهُ وَسَرْجُهُ وَخَاتَمُهُ، فَهِيَ عُرُوضٌ يَكُونُ الدَّيْنُ فِيهَا، فَإِنْ كَانَ فِيهَا وَفَاءُ الدَّيْنِ زَكَّى الْعِشْرِينَ الَّتِي عِنْدَهُ، قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَصْلُ هَذَا فِيمَا جَعَلْنَا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ مَا كَانَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَبِيعَهُ فِي دَيْنِهِ فَإِنَّهُ يَجْعَلُ دَيْنَهُ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ يُزَكِّي مَا كَانَ عِنْدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ نَاضٍّ، وَإِذَا كَانَ عَلَى الرَّجُلِ الدَّيْنُ فَإِنَّ السُّلْطَانَ يَبِيعُ دَارِهِ وَعُرُوضَهُ كُلَّهَا مَا كَانَ مِنْ خَادِمٍ أَوْ سِلَاحٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، إلَّا مَا كَانَ مِنْ ثِيَابِ جَسَدِهِ مِمَّا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ

(1/325)


وَيَتْرُكُ لَهُ مَا يَعِيشُ بِهِ هُوَ وَأَهْلُهُ الْأَيَّامَ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ ثَوْبَيْ جُمُعَتِهِ أَيَبِيعُ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ ذَلِكَ فِي دَيْنِهِ؟ فَقَالَ: إنْ كَانَا لَيْسَ لَهُمَا تِلْكَ الْقِيمَةُ فَلَا يَبِيعُهُمَا، وَإِنْ كَانَ لَهُمَا قِيمَةٌ بَاعَهُمَا.
قُلْتُ: أَتَحْفَظُ هَذَا عَنْ مَالِكٍ؟ فَقَالَ: لَا، وَلَكِنْ هَذَا رَأْيِي.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مَنْ لَهُ مَالٌ نَاضٌّ وَعَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ مِثْلُ هَذَا الْمَالِ النَّاضِّ الَّذِي عِنْدَهُ، وَلَهُ مُدَبَّرُونَ قِيمَتُهُمْ أَوْ قِيمَةَ خِدْمَتِهِمْ مِثْلُ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ؟ فَقَالَ: يَجْعَلُ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ فِي قِيمَةِ الْمُدَبَّرِينَ، قُلْت: قِيمَةُ رِقَابِهِمْ أَمْ قِيمَةُ خِدْمَتِهِمْ؟ فَقَالَ: قِيمَةُ رِقَابِهِمْ وَيُزَكِّي الدَّنَانِيرَ النَّاضَّةَ الَّتِي عِنْدَهُ.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: هَذَا رَأْيِي.

قُلْتُ: فَإِنْ كَانَتْ لَهُ دَنَانِيرُ وَعَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ مِثْلُ الدَّنَانِيرِ وَلَهُ مُكَاتَبُونَ؟ فَقَالَ: يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ الْكِتَابَةِ.
قُلْتُ: وَكَيْفَ يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ الْكِتَابَةِ؟ فَقَالَ: يُقَالُ مَا قِيمَةُ مَا عَلَى هَذَا الْمُكَاتَبِ مِنْ هَذِهِ النُّجُومِ عَلَى مَحِلِّهَا بِالْعَاجِلِ مِنْ الْعُرُوضِ، ثُمَّ يُقَالُ مَا قِيمَةُ هَذِهِ الْعُرُوضِ بِالنَّقْدِ لِأَنَّ مَا عَلَى الْمُكَاتَبِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يُبَاعَ إلَّا بِالْعَرْضِ إذَا كَانَ دَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ، فَيُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ الْآنَ بَعْدَ التَّقْوِيمِ فَيُجْعَلُ دَيْنُهُ فِيهِ لِأَنَّهُ مَالٌ لَهُ، لَوْ شَاءَ أَنْ يَتَعَجَّلَهُ تَعَجَّلَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ شَاءَ أَنْ يَبِيعَ مَا عَلَى الْمُكَاتَبِ بِمَا وَصَفْتُ لَكَ فَعَلَ، فَإِذَا جَعَلَ دَيْنَهُ فِي قِيمَةِ مَا عَلَى الْمُكَاتَبِ زَكَّى مَا فِي يَدَيْهِ مِنْ النَّاضِّ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ مَا عَلَى الْمُكَاتَبِ مِثْلَ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ، قَالَ: وَكَانَتْ الدَّنَانِيرُ الَّتِي فِي يَدَيْهِ هَذِهِ النَّاضَّةُ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ مَا عَلَى الْمُكَاتَبِ أَقَلَّ مِمَّا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ جَعَلَ فَضْلَ دَيْنِهِ فِيمَا فِي يَدَيْهِ مِنْ النَّاضِّ، ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى مَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ زَكَّاهُ. وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهَا شَيْءٌ.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمُكَاتَبِ؟ فَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ هَذَا كُلَّهُ وَلَكِنْ قَالَ مَالِكٌ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا كَانَتْ لَهُ مِائَةُ دِينَارٍ فِي يَدَيْهِ وَعَلَيْهِ دَيْنُ مِائَةِ دِينَارٍ وَلَهُ مِائَةُ دِينَارٍ، أَرَأَيْتَ أَنْ يُزَكِّيَ الْمِائَةَ النَّاضَّةَ الَّتِي فِي يَدَيْهِ وَرَأَيْتَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ إنْ كَانَ دَيْنًا تَرْتَجِيهِ وَهُوَ عَلَى مَلِيءٍ.
قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَرْتَجِيهِ؟ فَقَالَ: لَا يُزَكِّيهِ فَمَسْأَلَةُ الْمُكَاتَبِ عِنْدِي عَلَى مِثْلِ هَذَا، لِأَنَّ كِتَابَةَ الْمُكَاتَبِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ ذَلِكَ بِعَرَضٍ مُخَالِفٍ لِمَا عَلَيْهِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ، وَهُوَ مَالٌ لِلسَّيِّدِ كَأَنَّهُ عَرَضٌ فِي يَدَيْهِ لَوْ شَاءَ أَنْ يَبِيعَهُ بَاعَهُ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَهُ عَبِيدٌ قَدْ أَبِقُوا وَفِي يَدَيْهِ مَالٌ نَاضٌّ، أَيُقَوِّمُ الْعَبِيدَ الْأُبَّاقَ فَيَجْعَلُ الدَّيْنَ فِيهِمْ؟
قَالَ: لَا.
قُلْتُ: لِمَ قَالَ: لِأَنَّ الْأُبَّاقَ لَا يَصْلُحُ بَيْعُهُمْ وَلَا يَكُونُ دَيْنُهُ فِيهِمْ.
قُلْتُ: أَتَحْفَظُ هَذَا عَنْ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا وَلَكِنْ هَذَا رَأْيِي.

قُلْتُ: فَمَا فَرْقُ مَا بَيْنَ الْمَاشِيَةِ وَالثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ وَالدَّنَانِيرِ فِي الزَّكَاةِ؟ فَقَالَ: لِأَنَّ السُّنَّةَ إنَّمَا جَاءَتْ فِي الضِّمَارِ وَهُوَ الْمَالُ الْمَحْبُوسُ فِي الْعَيْنِ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانُوا يَبْعَثُونَ الْخُرَّاصَ فِي وَقْتِ الثِّمَارِ فَيَخْرِصُونَ عَلَى النَّاسِ لِإِحْصَاءِ الزَّكَاةِ، وَلِمَا لِلنَّاسِ فِي

(1/326)


ذَلِكَ مِنْ تَعْجِيلِ مَنَافِعِهِمْ بِثِمَارِهِمْ الْأَكْلِ وَالْبَيْعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا يُؤْمَرُونَ فِيهِ بِقَضَاءِ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ دَيْنٍ لِيُحَصِّلَ أَمْوَالَهُمْ، وَكَذَلِكَ السُّعَاةُ يَبْعَثُونَهُمْ فَيَأْخُذُونَ مِنْ النَّاسِ مِمَّا وَجَدُوا فِي أَيْدِيهِمْ وَلَا يَسْأَلُونَهُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الدَّيْنِ. وَقَدْ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ: كَانَ مَنْ أَدْرَكْتُ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ وَعُلَمَائِهِمْ مِمَّنْ يُرْضَى وَيُنْتَهَى إلَى قَوْلِهِمْ، مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَأَبُو بَكْرٍ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ فِي مَشْيَخَةِ سِوَاهُمْ مِنْ نُظَرَائِهِمْ أَهْلُ فِقْهٍ وَفَضْلٍ، وَرُبَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الشَّيْءِ فَأَخَذَ يَقُولُ أَكْثَرُهُمْ إنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: لَا يُصَدِّقُ الْمُصَدِّقُ إلَّا مَا أَتَى عَلَيْهِ لَا يَنْظُرُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ وَهِيَ السُّنَّةُ.
قَالَ أَبُو الزِّنَادِ: وَإِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَنْ قَبْلَهُ مِنْ الْفُقَهَاءِ يَقُولُونَ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَقَدْ كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يَصِيحُ فِي النَّاسِ هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيَقْضِهِ حَتَّى تُحَصَّلَ أَمْوَالُكُمْ فَتُؤَدُّونَ مِنْهَا الزَّكَاةَ، فَكَانَ الرَّجُلُ يُحْصِي دَيْنَهُ ثُمَّ يُؤَدِّي مِمَّا بَقِيَ فِي يَدَيْهِ إنْ كَانَ مَا بَقِيَ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ. قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ النَّضْرِ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ يَقُول: كَانُوا لَا يَرْصُدُونَ الثِّمَارَ فِي الدَّيْنِ وَيَنْبَغِي لِلْعَيْنِ أَنْ تُرْصَدَ فِي الدَّيْنِ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: كَانَ الْمُصَدِّقُ يَجِيءُ فَأَيْنَمَا رَأَى زَرْعًا قَائِمًا أَوْ إبِلًا قَائِمَةً، أَوْ غَنَمًا قَائِمَةً أَخَذَ مِنْهَا الصَّدَقَةَ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا كَانَتْ فِي يَدَيْهِ مِائَةُ دِينَارٍ نَاضَّةٌ فَحَال عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَعَلَيْهِ مِائَةُ دِينَارٍ مَهْرٌ لِامْرَأَتِهِ، أَيَكُونُ عَلَيْهِ فِيمَا فِي يَدَيْهِ الزَّكَاةُ؟ فَقَالَ: لَا.
قُلْتُ: وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ؟ فَقَالَ قَالَ لِي مَالِكٌ: إذَا أَفْلَسَ زَوْجُهَا حَاصَّتْ الْغُرَمَاءَ، فَإِنْ مَاتَ زَوْجُهَا حَاصَّتْ الْغُرَمَاءَ فَهُوَ دَيْنٌ وَهَذَا مِثْلُهُ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا كَانَتْ عِنْدَهُ مِائَةُ دِينَارٍ فَحَال عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَعَلَيْهِ زَكَاةٌ وَقَدْ كَانَ فَرَّطَ فِيهَا، لَمْ يُؤَدِّهَا مَنْ زَكَاةِ الْمَالِ وَالْمَاشِيَةِ وَمَا أَنْبَتَتْ الْأَرْضُ، أَيَكُونُ عَلَيْهِ فِيمَا فِي يَدَيْهِ الزَّكَاةُ؟ فَقَالَ: لَا يَكُونُ عَلَيْهِ فِيمَا فِي يَدَيْهِ الزَّكَاةُ، إلَّا أَنْ يَبْقَى فِي يَدَيْهِ بَعْدَ أَنْ يُؤَدِّيَ مَا كَانَ فَرَّطَ فِيهِ مِنْ الزَّكَاةِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ عِشْرُونَ دِينَارًا فَصَاعِدًا، فَإِنْ بَقِيَ فِي يَدَيْهِ عِشْرُونَ دِينَارًا فَصَاعِدًا زَكَّاهُ.
قُلْتُ: هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟ فَقَالَ: هَذَا رَأْيِي وَذَلِكَ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ لِي فِي الزَّكَاةِ: إذَا فَرَّطَ فِيهَا الرَّجُلُ ضَمِنَهَا وَإِنْ أَحَاطَتْ بِمَالِهِ فَهَذَا عِنْدِي مِثْلُهُ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا لَهُ عِشْرُونَ دِينَارًا قَدْ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَعَلَيْهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ لِامْرَأَتِهِ نَفَقَةُ شَهْرٍ قَدْ كَانَ فَرَضَهَا عَلَيْهِ الْقَاضِي قَبْلَ أَنْ يَحُولَ الْحَوْلُ بِشَهْرٍ؟ فَقَالَ: يَجْعَلُ نَفَقَةَ الْمَرْأَةِ فِي هَذِهِ الْعِشْرِينَ الدِّينَارَ، فَإِذَا انْحَطَّتْ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ لَمْ يَكُنْ فَرَضَ لَهَا الْقَاضِي، وَلَكِنَّهَا أَنْفَقَتْ عَلَى نَفْسِهَا شَهْرًا قَبْلَ الْحَوْلِ ثُمَّ أَتْبَعَتْهُ بِنَفَقَةِ الشَّهْرِ وَعِنْدَ

(1/327)


الزَّوْجِ هَذِهِ الْعِشْرُونَ الدِّينَارَ؟ فَقَالَ: تَأْخُذُ نَفَقَتَهَا وَلَا يَكُونُ عَلَى الزَّوْجِ فِيهَا زَكَاةٌ.
قُلْتُ: وَيَلْزَمُ الزَّوْجَ مَا أَنْفَقَتْ مَنْ مَالهَا وَإِنْ لَمْ يَفْرِضْ لَهَا الْقَاضِي؟ فَقَالَ: نَعَمْ إذَا كَانَ الزَّوْجُ مُوسِرًا، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ غَيْرَ مُوسِرٍ فَلَا يَضْمَنُ لَهَا مَا أَنْفَقَتْ، فَمَسْأَلَتُكَ أَنَّهَا أَنْفَقَتْ وَعِنْدَ الزَّوْجِ عِشْرُونَ دِينَارًا فَالزَّوْجُ يُتْبَعُ بِمَا أَنْفَقَتْ يَقْضِي لَهَا عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَتْ مِنْ مَالِهَا، فَإِذَا قَضَى لَهَا بِذَلِكَ عَلَيْهِ حَطَّتْ الْعِشْرُونَ الدِّينَارَ إلَى مَا لَا زَكَاةَ فِيهَا فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ زَكَاةٌ.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَنْفَقَتْ عَلَى نَفْسِهَا وَزَوْجُهَا فِي حَضَرٍ أَوْ فِي سَفَرٍ وَهُوَ مُوسِرٌ، فَمَا أَنْفَقَتْ فَهُوَ فِي مَالِ الزَّوْجِ إنْ أَتْبَعَتْهُ عَلَى مَا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ الزَّوْجُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَتْبَعَتْهُ بِهِ كَانَ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَيْهِ فَجَعَلَتْهُ فِي هَذِهِ الْعِشْرِينَ فَبَطَلَتْ الزَّكَاةُ عَنْهُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَتْ هَذِهِ النَّفَقَةُ الَّتِي عَلَى هَذَا الزَّوْجِ الَّذِي وَصَفْتُ لَكَ إنَّمَا هِيَ نَفَقَةُ وَالِدَيْنِ أَوْ وَلَدٍ؟ فَقَالَ: لَا تَكُونُ نَفَقَةُ الْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ دَيْنًا أُبْطِلُ بِهِ الزَّكَاةَ عَنْ الرَّجُلِ، لِأَنَّ الْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدَ إنَّمَا تَلْزَمُ النَّفَقَةُ لَهُمْ إذَا ابْتَغَوْا ذَلِكَ، وَإِنْ أَنْفَقُوا ثُمَّ طَلَبُوهُ بِمَا أَنْفَقُوا لَمْ يَلْزَمْهُ مَا أَنْفَقُوا وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا وَالْمَرْأَةُ تُلْزِمُهُ مَا أَنْفَقَتْ قَبْلَ أَنْ تَطْلُبَهُ بِالنَّفَقَةِ إنْ كَانَ مُوسِرًا.

قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي قَدْ فَرَضَ لِلْأَبَوَيْنِ نَفَقَةً مَعْلُومَةً فَلَمْ يُعْطِهِمَا ذَلِكَ شَهْرًا وَحَالَ الْحَوْلُ عَلَى مَا عِنْدَ هَذَا الرَّجُلِ بَعْدَ هَذَا الشَّهْرِ أَتُجْعَلُ نَفَقَةُ الْأَبَوَيْنِ هَهُنَا دَيْنًا فِيمَا فِي يَدَيْهِ إذَا قَضَى بِهِ الْقَاضِي؟
قَالَ: لَا.
قَالَ أَشْهَبُ: أَحُطُّ عَنْهُ بِهِ الزَّكَاةَ وَأُلْزِمُهُ ذَلِكَ إذَا قَضَى بِهِ الْقَاضِي عَلَيْهِ فِي الْأَبَوَيْنِ، لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَهُمَا إنَّمَا تَكُونُ إذَا طَلَبَا ذَلِكَ وَلَا يُشْبِهَانِ الْوَلَدَ، وَيَرْجِعُ عَلَى الْأَبِ بِمَا تَدَايَنَ بِهِ الْوَلَدُ أَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مُوسِرًا، وَيَحُطُّ بِذَلِكَ عَنْهُ الزَّكَاةَ كَانَتْ بِفَرِيضَةٍ مِنْ الْقَاضِي أَوْ لَمْ تَكُنْ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهُمْ عَنْ الْوَالِدِ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ مِنْ أَوَّلِ مَا كَانُوا حَتَّى يَبْلُغُوا، وَالْوَالِدَيْنِ قَدْ كَانَتْ نَفَقَتُهُمَا سَاقِطَةً فَإِنَّمَا تَرْجِعُ نَفَقَتُهُمَا بِالْفِضَّةِ، وَالْحُكْمُ مِنْ السُّلْطَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا كَانَتْ عِنْدَهُ دَنَانِيرُ قَدْ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَعَلَيْهِ إجَارَةُ أُجَرَاءَ قَدْ عَمِلُوا عِنْدَهُ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَى مَا عِنْدَهُ الْحَوْلُ، أَوْ كِرَاءُ إبِلٍ أَوْ دَوَابَّ أَيَجْعَلُ ذَلِكَ الْكِرَاءَ وَالْإِجَارَةَ فِيمَا فِي يَدَيْهِ مَنْ النَّاضِّ ثُمَّ يُزَكِّي مَا بَقِيَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عُرُوضٌ.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ: وَسَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الْعَامِلِ إذَا عَمِلَ بِالْمَالِ قِرَاضًا سَنَةً فَرَبِحَ رِبْحًا، وَعَلَى الْعَامِلِ الْمُقَارَضِ دَيْنٌ فَاقْتَسَمَاهُ بَعْدَ الْحَوْلِ وَأَخَذَ الْعَامِلُ رِبْحَهُ، هَلْ تَرَى عَلَى الْعَامِلِ فِي حَظِّهِ زَكَاةً وَعَلَيْهِ دَيْنٌ؟ فَقَالَ: لَا، إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ عُرُوضٌ فِيهَا وَفَاءٌ بِدِينِهِ فَيَكُونُ دَيْنُهُ فِي الْعُرُوضِ وَيَكُونُ فِي رِبْحِهِ هَذَا الزَّكَاةُ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ عُرُوضٌ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي رِبْحِهِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ يُحِيطُ بِرِبْحِهِ

(1/328)


كُلِّهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ فِيهِ الزَّكَاةُ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، إنَّ ابْنَ شِهَابٍ حَدَّثَهُمَا عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ يَقُولُ: هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيُؤَدِّهِ، حَتَّى تُحَصَّلَ أَمْوَالُكُمْ، فَتُؤَدُّونَ مِنْهَا الزَّكَاةَ.
قَالَ أَشْهَبُ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَقُولُ: هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ الَّذِي تُؤَدُّونَ فِيهِ زَكَاتَكُمْ، فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيَقْضِ دَيْنَهُ فَإِنْ فَضَلَ عِنْدَهُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَلْيُؤَدِّ زَكَاتَهُ، ثُمَّ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ: إنَّ يَزِيدَ بْنَ خُصَيْفَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَأَلَ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ عَنْ رَجُلٍ لَهُ مَالٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مِثْلُهُ، أَعَلَيْهِ زَكَاةٌ؟ قَالَ: لَا. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَأَخْبَرَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ وَنَافِعٍ مِثْلَ قَوْلِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: سُئِلَ جَابِرُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ الرَّجُلِ يُصِيبُ الدَّرَاهِمَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَكْثَرُ مِنْهَا؟ فَقَالَ: لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَقْضِيَ دَيْنَهُ.

[زَكَاة الْقِرَاض]
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَأْخُذُ مَالًا قِرَاضًا عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ زَكَاةُ الرِّبْحِ وَرَأْسُ الْمَالِ، أَوْ زَكَاةُ الرِّبْحِ وَرَأْسُ الْمَالِ عَلَى الْعَامِلِ أَيَجُوزُ هَذَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِطَ زَكَاةَ الْمَالِ عَلَى صَاحِبِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَامِلَ لَوْ لَمْ يَرْبَحْ فِي الْمَالِ إلَّا دِينَارًا وَاحِدًا وَكَانَ الْقِرَاضُ أَرْبَعِينَ دِينَارًا فَأَخْرَجَ ذَلِكَ الدِّينَارَ فِي الزَّكَاةِ، لَذَهَبَ عَمَلُهُ بَاطِلًا فَلَا يَجُوزُ هَذَا، قَالَ: وَلَوْ اشْتَرَطَ صَاحِبُ الْمَالِ عَلَى الْعَامِلِ أَنَّ عَلَيْهِ زَكَاةَ الرِّبْحِ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ، وَيَجُوزُ لِلْعَامِلِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ زَكَاةَ الرِّبْحِ، لِأَنَّ ذَلِكَ يَصِيرُ جُزْءًا مُسَمًّى كَأَنَّهُ أَخَذَهُ عَلَى أَنَّ لَهُ خَمْسَةَ أَجْزَاءٍ مِنْ عَشَرَةٍ وَلِرَبِّ الْمَالِ أَرْبَعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ عَشَرَةٍ، وَعَلَى رَبِّ الْمَالِ الْجُزْءُ الْبَاقِي يُخْرِجُهُ مِنْ الرِّبْحِ عَنْهَا لِلزَّكَاةِ.
قَالَ: وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَطَ الْعَامِلُ فِي الْمُسَاقَاةِ الزَّكَاةَ عَلَى رَبِّ الْأَصْلِ فَيَكُونُ ذَلِكَ جَائِزًا، لِأَنَّ ذَلِكَ يَصِيرُ جُزْءًا مُسَمًّى وَهُوَ خَمْسَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ عَشَرَةٍ، وَلِرَبِّ الْمَالِ أَرْبَعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ عَشَرَةِ أَجْزَاءٍ وَالْجُزْءُ الْفَاضِلُ فِي الزَّكَاةِ، وَقَدْ قِيلَ أَيْضًا إنَّهُ لَا خَيْرَ فِي اشْتِرَاطِ زَكَاةِ الرِّبْحِ مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ وَلَا فِي الْمُسَاقَاةِ أَيْضًا، لِأَنَّ مَالَ الْقِرَاضِ رُبَّمَا كَانَ أَصْلُهُ لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَرُبَّمَا اغْتَرَقَهُ الدَّيْنُ فَأَبْطَلَ الزَّكَاةَ وَالْمُسَاقَاةُ رُبَّمَا لَمْ يُخْرِجْ الْحَائِطُ إلَّا أَرْبَعَةَ أَوْسُقٍ وَرُبَّمَا أَخْرَجَ عَشَرَةً، فَتَخْتَلِفُ الْأَجْزَاءُ فَيَصِيرُ الْعَامِلُ عَلَى غَيْرِ جُزْءٍ مُسَمًّى.

قَالَ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَدْفَعُ الْمَالَ إلَى الرَّجُلِ قِرَاضًا فَيَتَّجِرُ بِهِ إلَى بَلَدٍ فَيَحُولُ عَلَيْهِ الْحَوْلُ أَتَرَى أَنْ يُخْرِجَ زَكَاتَهُ الْمُقَارَضُ؟
قَالَ: لَا حَتَّى يُؤَدِّيَ إلَى

(1/329)


الرَّجُلِ رَأْسَ مَالِهِ وَرِبْحَهُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ هَذَا الْمُقَارَضَ إذَا أَخَذَ رِبْحَهُ وَإِنَّمَا عَمِلَ فِي الْمَالِ شَهْرًا وَاحِدًا، فَكَانَ رِبْحُهُ الَّذِي أَخَذَ أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا أَوْ عِشْرِينَ دِينَارًا فَصَاعِدًا؟ فَقَالَ: لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ وَيَسْتَقْبِلُ بِمَا أَخَذَ مِنْ رِبْحِهِ سَنَةً مِنْ ذِي قَبْلُ بِمَنْزِلَةِ الْفَائِدَةِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الزَّكَاةُ عَلَى الْعَامِلِ فِي الْقِرَاضِ إذَا عَمِلَ بِهِ سَنَةً مِنْ يَوْمِ أَخَذَهُ، فَيَكُونُ فِي الْمَالِ الزَّكَاةُ، كَانَتْ حِصَّةُ الْعَامِلِ مِنْ ذَلِكَ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ أَوْ لَا تَجِبُ فَهُوَ سَوَاءٌ، يُؤَدِّي الزَّكَاةَ عَلَى كُلِّ حَالٍ إذَا عَمِلَ بِهِ سَنَةً وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ حَالِ عَلَى الْعَامِلِ مِنْ يَوْمِ قَبَضَ الْمَالَ حَوْلٌ وَأَخَذَ رِبْحَهُ وَعَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ مَا يَغْتَرِقُ حِصَّتَهُ مِنْ الْمَالِ، فَإِنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فِي ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَحُلْ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ كَانَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ دَيْنٌ يَغْتَرِقُ رَأْسَ مَالِهِ وَرِبْحَهُ، لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَامِلِ أَيْضًا فِي حِصَّتِهِ زَكَاةٌ وَإِنْ كَانَ قَدْ حَالَ الْحَوْلُ عَلَى الْمَالِ مِنْ يَوْمِ أَخَذَهُ، لِأَنَّ أَصْلَ الْمَالِ لَا زَكَاةَ فِيهِ حِينَ كَانَ الدَّيْنُ أَوْلَى بِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فِي الرَّجُلِ يُسَاقِي نَخْلَةً فَيَصِيرُ لِلْعَامِلِ فِي الثَّمَرِ أَقَلُّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ حَظُّهُ مِنْ ذَلِكَ فَيَكُونُ عَلَيْهِ فِيهِ الصَّدَقَةُ.

قَالَ: وَسَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يُزَكِّي مَالَهُ ثُمَّ يَدْفَعُهُ إلَى رَجُلٍ يَعْمَلُ بِهِ قِرَاضًا فَيَعْمَلُ فِيهِ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ ثَمَانِيَةً أَوْ أَقَلَّ مَنْ الْحَوْلِ، فَيَقْتَسِمَانِ فَيَدْفَعُ الْعَامِلُ إلَى رَبِّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ وَرِبْحَهُ وَيَأْخُذُ هُوَ رِبْحَهُ، وَفِيمَا صَارَ لِلْعَامِلِ مَا يَكُونُ فِيهِ الزَّكَاةُ أَوْ لَا يَكُونُ فَيَحُولُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَرِبْحِهِ الْحَوْلُ فَيُؤَدِّي الزَّكَاةَ، هَلْ تَرَى عَلَى الْعَامِلِ فِي الْمَالِ فِيمَا بَقِيَ فِي يَدَيْهِ مِمَّا أَخَذَ مِنْ رِبْحِهِ زَكَاةً؟ فَقَالَ مَالِكٌ: إذَا قَاسَمَهُ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَى الْعَامِلِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ زَكَّاهُ رَبُّهُ وَدَفَعَ الْعَامِلُ إلَى رَبِّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ وَرِبْحَهُ. قَالَ: يَسْتَقْبِلُ الْعَامِلُ بِمَا فِي يَدَيْهِ سَنَةً مُسْتَقْبَلَةً لِأَنَّهَا فِي هَذَا الْوَجْهِ فَائِدَةٌ، فَلَا تَجِبُ عَلَيْهَا الزَّكَاةُ إلَّا أَنْ يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ عِنْدَهُ مِنْ يَوْمِ قَبَضَ رِبْحَهُ وَفِيهِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ

قَالَ: وَسَأَلْنَا مَالِكًا عَنْ الْحُرِّ يَأْخُذُ مِنْ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ مَالًا قِرَاضًا فَيَعْمَلُ فِيهِ سَنَةً، فَيُقَاسِمُهُ فَيَصِيرُ فِي يَدَيْ الْحُرِّ الْعَامِلِ رِبْحٌ فِيهِ الزَّكَاةُ هَلْ تَرَى عَلَيْهِ فِي رِبْحِهِ الزَّكَاةَ؟ فَقَالَ: لَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ عِنْدَهُ، لِأَنَّ أَصْلَ الْمَالِ كَانَ لِلْعَبْدِ وَلَا زَكَاةَ فِي أَمْوَالِ الْعَبِيدِ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي أَصْلِ الْمَالِ الَّذِي عَمِلَ فِيهِ هَذَا الْمُقَارِضُ الزَّكَاةُ، كَانَ رِبْحُهُ فَائِدَةً فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ.

[زَكَاةِ تِجَارَةِ الْمُسْلِمِينَ]
فِي زَكَاةِ تِجَارَةِ الْمُسْلِمِينَ قُلْتُ: أَكَانَ مَالِكٌ يَرَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ تُجَّارِ الْمُسْلِمِينَ إذَا اتَّجَرُوا الزَّكَاةُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: أَفِي بِلَادِهِمْ أَمْ إذَا خَرَجُوا مِنْ بِلَادِهِمْ؟ فَقَالَ: فِي بِلَادِهِمْ عِنْدَهُ وَغَيْرِ بِلَادِهِمْ سَوَاءٌ، مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ زَكَّاهُ.
قُلْتُ: فَيَسْأَلُهُمْ إذَا أَخَذَ مِنْهُمْ الزَّكَاةَ هَذَا

(1/330)


الَّذِي يَأْخُذُ عَمَّا فِي بُيُوتِهِمْ مِنْ نَاضِّهِمْ فَيَأْخُذُ زَكَاتَهُ مِمَّا فِي أَيْدِيهِمْ؟ فَقَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فِي هَذَا شَيْئًا، وَأَرَى إنْ كَانَ الْوَالِي عَدْلًا أَنْ يَسْأَلَهُمْ عَنْ ذَلِكَ، وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ قُلْتُ: أَفَيَسْأَلُ عَنْ زَكَاةِ أَمْوَالِهِمْ النَّاضِّ إذَا لَمْ يَتَّجِرُوا؟ فَقَالَ: نَعَمْ إذَا كَانَ عَدْلًا، وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ كَانَ يَقُولُ لِلرَّجُلِ إذَا أَعْطَاهُ عَطَاءً: هَلْ عِنْدَكَ مِنْ مَالٍ قَدْ وَجَبَتْ عَلَيْكَ فِيهِ الزَّكَاةُ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ أَخَذَ مِنْ عَطَائِهِ زَكَاةَ ذَلِكَ الْمَالِ، وَإِنْ قَالَ " لَا " أَسْلَمَ إلَيْهِ عَطَاءَهُ وَلَا أَرَى أَنْ يَبْعَثَ فِي ذَلِكَ أَحَدًا، وَإِنَّمَا إلَى أَمَانَةِ النَّاسِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَحَدٌ أَنْ لَا يُؤَدِّيَ فَتُؤْخَذُ مِنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ يَقُولُ: هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ.

قُلْتُ: مَا قَوْلُ مَالِكٍ أَيْنَ يُنْصَبُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ الْعُشُورَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالزَّكَاةِ مِنْ تُجَّارِ الْمُسْلِمِينَ؟ فَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ فِيهِ شَيْئًا، وَلَكِنِّي رَأَيْتُهُ فِيمَا يَتَكَلَّمُ بِهِ أَنَّهُ لَا يُعْجِبُهُ أَنْ يُنْصَبَ لِهَذِهِ الْمُكُوسِ أَحَدٌ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَخْبَرَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْ بَنِي الْقَارَةِ حَلِيفٍ لِبَنِي زُهْرَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إلَى عَامِلِ الْمَدِينَةِ أَنْ يَضَعَ الْمَكْسَ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِالْمَكْسِ وَلَكِنَّهُ الْبَخْسُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} [الشعراء: 183] وَمَنْ أَتَاكَ بِصَدَقَةٍ فَاقْبَلْهَا مِنْهُ وَمَنْ لَمْ يَأْتِكَ بِهَا فَاَللَّهُ حَسِيبُهُ، وَالسَّلَامُ قُلْتُ: أَلَيْسَ إنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْ تُجَّارِ الْمُسْلِمِينَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ الزَّكَاةُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً، وَإِنْ تَجَرُوا مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ وَهُمْ خِلَافُ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي هَذَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَمَنْ تَجَرَ وَمَنْ لَمْ يَتْجُرْ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةٌ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا خَرَجَ مِنْ مِصْرَ بِتِجَارَةٍ إلَى الْمَدِينَةِ، أَيُقَوَّمُ عَلَيْهِ مَا فِي يَدَيْهِ فَتُؤْخَذُ مِنْهُ الزَّكَاةُ؟ فَقَالَ: لَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ وَلَكِنْ إذَا بَاعَ أَدَّى الزَّكَاةَ.
قَالَ: وَلَا يُقَوَّمُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَأَهْلُ الذِّمَّةِ لَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِمْ أَيْضًا، فَإِذَا بَاعُوا أَخَذَ مِنْهُمْ الْعُشْرَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَدِمَ بِتِجَارَةٍ، فَقَالَ هَذَا الَّذِي مَعِي مُضَارَبَةٌ أَوْ بِضَاعَةٌ أَوْ عَلَيَّ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَحُلْ عَلَى مَا عِنْدِي الْحَوْلُ أَيُصَدَّقُ وَلَا يُحَلَّفُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، يُصَدَّقُ وَلَا يُحَلَّفُ.

[تَعْشِيرُ أَهْلِ الذِّمَّةِ]
ِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ النَّصْرَانِيَّ إذَا اتَّجَرَ فِي بَلْدَةٍ مِنْ أَعْلَاهَا إلَى أَسْفَلِهَا وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ بِلَادِهِ إلَى غَيْرِهَا؟ فَقَالَ: لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ شَيْءٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ كُرُومِهِمْ وَلَا مِنْ زُرُوعِهِمْ وَلَا مِنْ مَاشِيَتِهِمْ وَلَا مِنْ نَخْلِهِمْ شَيْءٌ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْ بَلْدَةٍ إلَى غَيْرِهَا مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ تَاجِرًا لَمْ يُؤْخَذُ مِنْهُ مِمَّا حَمَلَ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ حَتَّى يَبِيعَ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَرُدَّ مَتَاعَهُ إلَى بِلَادٍ أَوْ يَرْتَحِلَ بِهِ إلَى بِلَادٍ أُخْرَى فَذَلِكَ لَهُ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا إذَا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِمْ بِحَالِ مَا

(1/331)


دَخَلَ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَبِعْ فِي بِلَادِهِمْ شَيْئًا وَلَمْ يَشْتَرِ عِنْدَهُمْ شَيْئًا، فَإِنْ كَانَ قَدْ اشْتَرَى عِنْدَهُمْ شَيْئًا بِمَالٍ نَاضٍّ كَانَ مَعَهُ أُخِذَ مِنْهُ الْعُشْرُ مَكَانَهُ مِنْ السِّلْعَةِ الَّتِي اشْتَرَى حِينَ اشْتَرَى.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ هُوَ بَاعَ مَا اشْتَرَى بَعْدَمَا أُخِذَ مِنْهُ الْعُشْرُ حِينَ كَانَ اشْتَرَاهُ، أَيُؤْخَذُ مِنْ ثَمَنِهِ أَيْضًا الْعُشْرُ؟
قَالَ: لَا وَلَوْ أَقَامَ عِنْدَهُمْ سِنِينَ بَعْدَ الَّذِي أَخَذُوا مِنْهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ.
قُلْتُ: وَكَذَلِكَ إنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ بِلَادِهِمْ بِمَا قَدْ اشْتَرَى فِي بِلَادِهِمْ بَعْدَ أَنْ أَخَذُوا الْعُشْرَ مِنْهُ مَرَّةً وَاحِدَةً وَقَدْ اشْتَرَى وَبَاعَ مِرَارًا بَعْدَمَا أَخَذُوا مِنْهُ الْعُشْرَ فَأَرَادَ الْخُرُوجَ، لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِيمَا اشْتَرَى مِمَّا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ بِلَادِهِمْ؟ فَقَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَإِنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ مَالٍ نَاضٍّ إنَّمَا دَخَلَ عَلَيْهِمْ بِلَادَهُمْ بِمَتَاعٍ مَتَى يُؤْخَذُ مِنْهُ؟ فَقَالَ: إذَا بَاعَهُ: قُلْتُ: فَإِذَا بَاعَهُ أُخِذَ مِنْهُ الْعُشْرُ مَكَانَهُ مِنْ ثَمَنِ الْمَتَاعِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: فَإِنْ اشْتَرَى بَعْدَ ذَلِكَ وَبَاعَ فَسَبِيلُهُ سَبِيلُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فِي النَّاضِّ، الَّذِي دَخَلَ بِهِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ النَّصْرَانِيِّ، يُكْرِي إبِلَهُ مِنْ الشَّامِ إلَى الْمَدِينَةِ أَيُؤْخَذُ مِنْهُ فِي كِرَائِهِ الْعُشْرُ بِالْمَدِينَةِ إذَا دَخَلَهَا؟
قَالَ: لَا.
قُلْتُ: فَإِنْ أَكْرَى مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى الشَّامِ رَاجِعًا، أَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْعُشْرُ بِالْمَدِينَةِ إذَا أَكْرَاهَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ

قُلْتُ: فَمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ إذَا نَزَلُوا بِالتِّجَارَةِ؟ فَقَالَ: يُؤْخَذُ مِنْهُمْ مَا صَالَحُوا عَلَيْهِ فِي سِلَعِهِمْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ عِنْدَهُ عُشْرٌ وَلَا غَيْرُهُ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الذِّمِّيَّ إذَا خَرَجَ بِمَتَاعٍ إلَى الْمَدِينَةِ فَبَاعَ بِأَقَلَّ مَنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، أَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْعُشْرُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: فَيُؤْخَذُ مِنْهُ مِمَّا قَلَّ أَوْ كَثُرَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ فَقَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا تَجَرَ عَبِيدُ أَهْلِ الذِّمَّةِ أُخِذَ مِنْهُمْ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ سَادَاتِهِمْ قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا تَجَرَ الذِّمِّيُّ أُخِذَ مِنْهُ الْعُشْرُ مِنْ كُلِّ مَا يَحْمِلُ إذَا بَاعَهُ مِنْ ثَمَنِهِ، بَزًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْعُرُوضِ عَلَى مَا فَسِرْتُ لَكَ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَيَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، حَدَّثَهُمَا عَنْ رَبِيعَةَ: إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ الَّذِينَ كَانُوا يَتَّجِرُونَ إلَى الْمَدِينَةِ: إنْ تَجَرْتُمْ فِي بِلَادِكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ فِي أَمْوَالِكُمْ زَكَاةٌ، وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ إلَّا جِزْيَتُكُمْ الَّتِي فَرَضْنَا عَلَيْكُمْ، وَإِنْ خَرَجْتُمْ وَضَرَبْتُمْ فِي الْبِلَادِ وَأَدَرْتُمْ أَمْوَالَكُمْ أَخَذْنَا مِنْكُمْ وَفَرَضْنَا عَلَيْكُمْ كَمَا فَرَضْنَا جِزْيَتَكُمْ، فَكَانَ يَأْخُذُ مِنْهُمْ مِنْ كُلِّ مَا جَلَبُوا مِنْ الطَّعَامِ نِصْفَ الْعُشْرِ كُلَّمَا قَدِمُوا بِهِ مِنْ مَرَّةٍ، وَلَا يَكْتُبُ لَهُمْ بَرَاءَةً كَمَا يَكْتُبُ لِلْمُسْلِمِينَ إلَى الْحَوْلِ، فَيَأْخُذُ مِنْهُمْ كُلَّمَا جَاءُوا وَإِنْ جَاءُوا فِي السَّنَةِ مِائَةَ مَرَّةٍ وَلَا يَكْتُبُ لَهُمْ بَرَاءَةً بِمَا أَخَذَ مِنْهُمْ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَكَذَلِكَ قَالَ لِي مَالِكٌ، وَقَالَ سَحْنُونٌ وَقَدْ رَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ " فِي تُجَّارِ أَهْلِ الْحَرْبِ الْعُشْرُ ". وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، إنَّمَا هُوَ مَا رَاضَاهُمْ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ حَدٌّ مَعْلُومٌ.

(1/332)


[مَا جَاءَ فِي الْجِزْيَةِ]
ِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ أَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِي جِزْيَتِهِمْ الصَّدَقَةُ مُضَاعَفَةً؟ فَقَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فِي هَذَا شَيْئًا أَحْفَظُهُ، قَالَ: وَلَوْ كَانَتْ الصَّدَقَةُ تُؤْخَذُ مِنْ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ مُضَاعَفَةً عِنْدَ مَالِكٍ مَا جَهِلْنَاهُ وَلَكِنْ لَا نَعْرِفُهُ، قَالَ: وَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ يَذْكُرُ هَذَا، قُلْتُ: أَفَتَحْفَظُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ جَمَاجِمِ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ؟ فَقَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ قَوْلِهِ فِي هَذَا شَيْئًا وَتُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ، قَالَ أَشْهَبُ: وَعَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ {عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ذَلِكَ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ، «وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَنْ لَا كِتَابَ لَهُ: سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» ، وَذَلِكَ السُّنَّةُ وَالْأَمْرُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ.
قَالَ سَحْنُونٌ: مِنْهُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمِنْهُ قَوْلُ غَيْرِهِ وَالْمَعْنَى كُلُّهُ وَاحِدٌ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ النَّصْرَانِيَّ إذَا أَعْتَقَهُ الْمُسْلِمُ أَيَكُونُ عَلَى هَذَا الْمُعْتَقِ النَّصْرَانِيِّ الْجِزْيَةُ؟ فَقَالَ: لَا.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ جَعَلْتُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةَ لَكَانَ الْعِتْقُ إذًا أَضَرُّ بِهِ وَلَمْ يَنْفَعْهُ الْعِتْقُ شَيْئًا.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ النَّصْرَانِيَّ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ النَّصْرَانِيَّ أَتَكَوُّنُ عَلَى الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ الْجِزْيَةُ أَمْ لَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ تُجْعَلُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَالِكًا وَهُوَ يَقُولُ: تُؤْخَذُ مِنْ عَبِيدِ النَّصَارَى إذَا تَجَرُوا فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ الْعُشْرُ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ النَّصْرَانِيَّ تَمْضِي السَّنَةُ بِهِ فَلَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ جِزْيَةٌ حَتَّى أَسْلَمَ أَتُؤْخَذُ جِزْيَةُ هَذِهِ السَّنَةِ وَقَدْ أَسْلَمَ أَمْ لَا؟
قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا وَقَدْ سُئِلَ عَنْ أَهْلِ حِصْنٍ هَادَنُوا الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَ سِنِينَ عَلَى أَنْ يُعْطُوا الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ سَنَةٍ شَيْئًا مَعْلُومًا فَأَعْطَوْهُمْ سَنَةً وَاحِدَةً ثُمَّ أَسْلَمُوا، قَالَ مَالِكٌ: أَرَى أَنْ يُوضَعَ عَنْهُمْ مَا بَقِيَ عَلَيْهِمْ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ شَيْءٌ، وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ شَيْئًا فِي مَسْأَلَتِكَ وَهُوَ عِنْدِي مِثْلُهُ لَا أَرَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمْ شَيْءٌ، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ هَذَا الْمَالَ الَّذِي هَادَنَهُمْ عَلَيْهِ أَيَخْمُسُ أَمْ مَاذَا يُصْنَعُ بِهِ؟
قَالَ: مَا سَمِعْتُ فِيهِ شَيْئًا وَأَرَاهُ مِثْلَ الْجِزْيَةِ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ، أَتَسْقُطُ الْجِزْيَةُ عَنْ جُمْجُمَتِهِ وَعَنْ أَرْضِهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَتْ أَرْضُهُ أَرْضَ صُلْحٍ سَقَطَتْ الْجِزْيَةُ عَنْهُ وَعَنْ أَرْضِهِ وَتَكُونُ أَرْضُهُ لَهُ، قَالَ: وَإِنْ كَانُوا أَهْلَ عَنْوَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَرْضُهُ وَلَا مَالُهُ وَلَا دَارُهُ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْجِزْيَةُ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، وَعَنْ هِشَامٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ عَنْ الشَّعْبِيِّ، فِي مُسْلِمٍ أَعْتَقَ عَبْدًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ وَذِمَّتُهُ ذِمَّةُ مَوْلَاهُ.
قَالَ أَشْهَبُ، وَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ فِي النَّصْرَانِيِّ يُعْتَقُ: لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُفَسِّرْ مَنْ أَعْتَقَهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، إنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إلَى عُمَّالِهِ أَنْ يَضَعُوا الْجِزْيَةَ عَمَّنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْجِزْيَةِ حِينَ

(1/333)


يُسْلِمُونَ، قَالَ مَالِكٌ: وَهِيَ السُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَمَالِكٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ يَكْرَهُونَ بَيْعَ أَرْضِ الْعَنْوَةِ. وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: إذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْعَنْوَةِ لَمْ تَكُنْ لَهُ أَرْضُهُ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ أَبِي ذِئْبٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ لِنَصَارَى كَلْبٍ وَتَغْلِبَ. لَا نَأْخُذُ مِنْكُمْ الصَّدَقَةَ وَعَلَيْكُمْ الْجِزْيَةُ، فَقَالُوا: أَتَجْعَلُنَا كَالْعَبِيدِ؟ قَالَ: لَا نَأْخُذُ مِنْكُمْ إلَّا الْجِزْيَةَ. قَالَ: فَتُوُفِّيَ عُمَرُ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى غُفْرَةَ إنَّ الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ اشْتَرَى مِنْ أَهْلِ سَوَادِ الْكُوفَةِ أَرْضًا لَهُمْ فَاشْتَرَطُوا عَلَيْهِ رِضَا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَجَاءَهُ الْأَشْعَثُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي اشْتَرَيْتُ أَرْضًا بِسَوَادِ الْكُوفَةِ وَاشْتَرَطُوا عَلَيَّ إنْ أَنْتَ رَضِيَتْ، فَقَالَ عُمَرُ: مِمَّنْ اشْتَرَيْتَ؟ فَقَالَ: مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، فَقَالَ: عُمَرُ: كَذَبْتَ وَكَذَبُوا لَيْسَتْ لَكَ وَلَا لَهُمْ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ الْحَسَنِ، وَعَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّ عُمَرَ نَهَى أَنْ يُشْتَرَى رَقِيقُ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَرْضُهُمْ. قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: لَا نَشْتَرِي أَرْضًا مِنْ دُونِ الْجَبَلِ إلَّا مِنْ بَنِي صُلِّيَتَا وَأَهْلِ الْحِيرَةِ فَإِنَّ لَهُمْ عَهْدًا قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ، وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَنَّ رَجُلًا أَسْلَمَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ: ضَعُوا الْجِزْيَةَ عَنْ أَرْضِي، فَقَالَ عُمَرُ: لَا إنَّ أَرْضَكَ أُخِذَتْ عَنْوَةً. قَالَ: ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ أَبِي الْحَكَمِ عَنْ إبْرَاهِيمَ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ أَسْلَمَ، فَقَالَ: ارْفَعْ عَنْ أَرْضِي الْخَرَاجَ، فَقَالَ عُمَرُ: إنَّ أَرْضَكَ أُخِذَتْ عَنْوَةً، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: إنَّ أَرْضَ كَذَا وَكَذَا لَتُطِيق أَكْثَرَ مِمَّا عَلَيْهَا مِنْ الْخَرَاجِ، فَقَالَ عُمَرُ: لَيْسَ عَلَيْهِمْ سَبِيلٌ إنَّمَا صَالَحْنَاهُمْ.

[أَخْذُ الْإِمَامِ الزَّكَاةَ مِنْ الْمَانِعِ زَكَاتَهُ]
ُ قَالَ: وَسَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَعْلَمُ الْإِمَامُ أَنَّهُ لَا يُؤَدِّي زَكَاةَ مَالِهِ النَّاضِّ، أَتَرَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ الْإِمَامُ الزَّكَاةَ؟ فَقَالَ: إذَا عَلِمَ ذَلِكَ أَخَذَ مِنْهُ الزَّكَاةَ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ قَوْمًا مِنْ الْخَوَارِجِ غَلَبُوا عَلَى بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ فَلَمْ يُؤَدُّوا زَكَاةَ مَوَاشِيهِمْ أَعْوَامًا، أَيَأْخُذُ مِنْهُمْ الْإِمَامُ إذَا كَانَ عَدْلًا زَكَاةَ تِلْكَ السِّنِينَ إذَا ظَفِرَ بِهِمْ؟ فَقَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَزَكَاةُ الثِّمَارِ وَالْحَبِّ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ؟
قَالَ: أَرَى أَنْ يَكُونَ مِثْلَ هَذَا، وَإِنَّمَا سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ فِي زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ وَقَدْ قَالَ غَيْرُهُ: إلَّا أَنْ يَقُولُوا قَدْ أَدَّيْنَا مَا قِبَلَنَا لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمَنْزِلَةِ مَنْ فَرَّ بِزَكَاتِهِ، وَإِنَّمَا هَؤُلَاءِ خَرَجُوا عَلَى التَّأْوِيلِ إلَّا صَدَقَةَ الْعَامِ الَّذِي ظَفِرَ بِهِمْ فِيهِ فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُمْ.

(1/334)


[تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ قَبْلَ حُلُولَهَا]
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يُعَجِّلُ زَكَاةَ مَالِهِ فِي الْمَاشِيَةِ وَفِي الْإِبِلِ أَوْ فِي الْمَالِ لِسَنَةٍ أَوْ لِسَنَتَيْنِ، أَيَجُوزُ ذَلِكَ، قَالَ: لَا.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَقَالَ لِي مَالِكٌ: إلَّا أَنْ يَكُونَ قُرْبَ الْحَوْلُ أَوْ قَبْلَهُ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ فَلَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا، وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَفْعَلَ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يُعَجِّلُ صَدَقَةَ مَاشِيَتِهِ لِسِنِينَ ثُمَّ يَأْتِيهِ الْمُصَدِّقُ، أَيَأْخُذُ مِنْهُ صَدَقَةَ مَاشِيَتِهِ أَمْ يُجْزِئُهُ مَا عَجَّلَ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ لِي مَالِكٌ: لَا يُجْزِئُهُ مَا عَجَّلَ مِنْ ذَلِكَ، وَيَأْخُذُ مِنْهُ الْمُصَدِّقُ زَكَاةَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ مَاشِيَتِهِ، قَالَ أَشْهَبُ وَقَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّ الَّذِي أَدَّاهَا قَبْلَ أَنْ يَتَقَارَبَ ذَلِكَ فَلَا تُجْزِئُهُ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يُصَلِّي الظُّهْرَ قَبْلَ أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ.
وَقَالَ اللَّيْثُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ.
قَالَ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ: إنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَبْعَثُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ إلَى الَّذِي تُجْمَعُ عِنْدَهُ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمَيْنِ أَوْ بِثَلَاثَةٍ. قَالَ أَشْهَبُ عَنْ اللَّيْثِ، إنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدٍ الْفَهْمِيَّ حَدَّثَهُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ النَّاسَ أَنْ يُخْرِجُوا زَكَاةَ يَوْمِ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجُوا إلَى الصَّلَاةِ، فَإِذَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِخْرَاجِهَا يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الصَّلَاةِ، فَلَا يُخْرِجُ يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ» .

[دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى الْإِمَامِ]
ِ الْعَدْلِ أَوْ غَيْرِ الْعَدْلِ قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ الْإِمَامُ يَعْدِلُ لَمْ يَسَعْ الرَّجُلَ أَنْ يُفَرَّقَ زَكَاةَ مَالِهِ النَّاضِّ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ، وَلَكِنْ يَدْفَعُ زَكَاةَ النَّاضِّ إلَى الْإِمَامِ وَيَدْفَعُهُ الْإِمَامُ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ الْمَاشِيَةِ وَمَا أَنْبَتَتْ الْأَرْضُ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَبْعَثُ فِي ذَلِكَ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ قَوْمًا مِنْ الْخَوَارِجِ غَلَبُوا عَلَى بَلْدَةٍ فَأَخَذُوا الصَّدَقَاتِ وَالْخَرَاجَ ثُمَّ قُتِلُوا، أَتُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ وَالصَّدَقَاتُ مِنْهُمْ مَرَّةً أُخْرَى؟ قَالَ: لَا أَرَى ذَلِكَ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُمْ ثَانِيَةً.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ، إنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ وَسَعْدَ بْنَ مَالِكٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالُوا كُلُّهُمْ: يُجْزِئُ مَا أَخَذُوا وَإِنْ فَعَلُوا قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: يَحْتَسِبُ بِمَا أَخَذَ الْعَاشِرُ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِثْلِهِ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَالْحَسَنِ قَالَا: مَا أَعْطَيْتَ فِي الْجُسُورِ وَالطُّرُقِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مَاضِيَةٌ، قَالَ الْحَسَنُ: مَا اسْتَطَعْتَ أَنْ تَحْبِسَهَا عَنْهُمْ حَتَّى تَضَعَهَا حَيْثُ أَمَرَكَ اللَّهُ تَعَالَى فَافْعَلْ.

[الْمُسَافِرِ إذَا حَلَّتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِي السَّفَرِ]
فِي الْمُسَافِرِ تَحِلُّ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِي السَّفَرِ قَالَ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْمُسَافِرِ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَهُوَ فِي سَفَرِهِ، أَيُقَسِّمُهَا فِي سَفَرِهِ

(1/335)


فِي غَيْرِ بَلَدِهِ وَإِنْ كَانَ مَالُهُ وَرَاءَهُ فِي بَلَدِهِ؟
قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ لَهُ: إنَّهُ قَدْ يَخَافُ أَنْ يَحْتَاجَ فِي سَفَرِهِ وَلَا قُوتَ مَعَهُ؟
قَالَ: أَرَى أَنْ يُؤَخِّرَ ذَلِكَ حَتَّى يَقْدُمَ بَلَدَهُ، قِيلَ لَهُ: فَإِنْ وَجَدَ مَنْ يُسَلِّفُهُ حَتَّى يَقْدُمَ إلَى بِلَادِهِ، أَتَرَى أَنْ يُقَسِّمَ زَكَاتَهُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ هُوَ أَحَبُّ إلَيَّ.

قَالَ: وَسَأَلْنَا مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَكُونُ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ فَيَخْرُجُ إلَى الْمَدِينَةِ بِتِجَارَةٍ وَهُوَ مِمَّنْ يُدِيرُ التِّجَارَةَ وَلَهُ مَالٌ نَاضٌّ بِمِصْرَ وَمَالٌ بِالْحِجَازِ؟ فَقَالَ: لَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يُزَكِّيَ بِمَوْضِعِهِ الَّذِي هُوَ بِهِ مَا مَعَهُ وَمَا خَلَّفَهُ بِمِصْرَ، قَالَ: فَقُلْنَا لَهُ: فَإِنْ كَانَ مَالُهُ خَلَّفَهُ بِمِصْرَ وَهُوَ يَجِدُ مَنْ يُسَلِّفَهُ زَكَاتَهُ حَيْثُ هُوَ؟
قَالَ: فَلْيَتَسَلَّفْ وَلْيُؤَدِّ حَيْثُ هُوَ، قَالَ فَقُلْنَا لَهُ: فَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ وَلَيْسَ مَعَهُ قُوتُ ذَلِكَ، قَالَ: فَلْيُؤَخِّرْ ذَلِكَ حَتَّى يَقْدُمَ بَلَدَهُ، وَقَدْ كَانَ يَقُولُ يُقَسِّمُ فِي بِلَادِهِ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ كُبَرَاءِ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَهُوَ أَشْهَبُ: إنْ كَانَ مَالُهُ وَرَاءَهُ فِي بِلَادِهِ وَكَانَ يُقَسِّمُ فِي بِلَادِهِ عَاجِلًا عِنْدَ حَوْلِهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَلَا أَرَى أَنْ يُقَسِّمَهَا فِي سَفَرِهِ. وَأَرَى أَنَّ ذَلِكَ أَفْضَلَ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِأَهْلِ الْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ بِهِ حَاجَةٌ مُفْدِحَةٌ وَنَازِلَةٌ شَدِيدَةٌ، فَأَحَبُّ إلَيَّ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاةَ مَالِهِ فِي مَكَانِهِ الَّذِي هُوَ بِهِ إنْ كَانَ يَجِدُ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَخَافَ أَنْ تُؤَدَّى زَكَاةُ مَالِهِ بِبَلَدِهِ فَلَا أَرَى ذَلِكَ عَلَيْهِ.

[إخْرَاجُ الزَّكَاةِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ]
ٍ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ صَدَقَةَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَمَا أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ مِنْ الْحَبِّ وَالْقُطْنِيَّةِ أَوْ الثِّمَارِ، أَتُنْقَلُ هَذِهِ الزَّكَاةُ مَنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ، قَسْمِ الصَّدَقَاتِ أَيْنَ تُقَسَّمُ؟ فَقَالَ: فِي أَهْلِ الْبَلَدِ الَّتِي تُؤْخَذُ فِيهَا الصَّدَقَةُ، وَفِي مَوَاضِعِهَا الَّتِي تُؤْخَذُ مِنْهُمْ فَإِنْ فَضَلَ عَنْهُمْ فَضْلٌ نُقِلَتْ إلَى أَقْرَبِ الْبُلْدَانِ إلَيْهِمْ، وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْمُدُنِ كَانُوا أَغْنِيَاءَ وَبَلَغَ الْإِمَامَ عَنْ بَلَدٍ آخَرَ حَاجَةٌ نَزَلَتْ بِهِمْ أَصَابَتْهُمْ سَنَةٌ أَذْهَبَتْ مَوَاشِيَهُمْ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَنُقِلَتْ إلَيْهِمْ بَعْضُ تِلْكَ الصَّدَقَةِ، رَأَيْتَ ذَلِكَ صَوَابًا لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ أُسْوَةٌ فِيمَا بَيْنَهُمْ إذَا نَزَلَتْ بِهِمْ الْحَاجَةُ.
قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مِصْرَ حَلَّتْ زَكَاتُهُ عَلَيْهِ، وَمَالُهُ بِمِصْرَ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ، أَتَرَى أَنْ يُقَسِّمَ زَكَاتَهُ بِالْمَدِينَةِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَرَادَ أَنْ يُقَسِّمَ زَكَاتَهُ فَبَلَغَهُ عَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حَاجَةٌ. فَبَعَثَ إلَيْهِمْ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ مَا رَأَيْتَ بِذَلِكَ بَأْسًا.
قُلْتُ: وَرَأَيْتُهُ صَوَابًا.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: تُقَسَّمُ الصَّدَقَةُ فِي مَوَاضِعِهَا، فَإِنْ فَضَلَ عَنْهُمْ شَيْءٌ فَأَقْرَبُ الْبُلْدَانِ إلَيْهِمْ وَقَدْ نَقَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ.
قَالَ سَحْنُونٌ قَالَ أَشْهَبُ، وَابْنُ الْقَاسِمِ ذَكَرَ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَهُوَ بِمِصْرَ عَامَ الرَّمَادَةِ، يَا غَوْثَاهُ يَا غَوْثَاهُ لِلْعَرَبِ جَهِّزْ إلَيَّ عِيرًا يَكُونُ أَوَّلُهَا عِنْدِي وَآخِرُهَا عِنْدَكَ، تَحْمِلُ الدَّقِيقَ فِي الْعَبَاءِ فَكَانَ عُمَرُ يُقَسِّمُ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ عَلَى مَا

(1/336)


يَرَى، وَيُوَكِّلُ عَلَى ذَلِكَ رِجَالًا وَيَأْمُرُهُمْ بِحُضُورِ نَحْرِ تِلْكَ الْإِبِلِ، وَيَقُولُ: إنَّ الْعَرَب تُحِبُّ الْإِبِلَ فَأَخَافُ أَنْ يَسْتَحْيُوهَا، فَلْيَنْحَرُوهَا وَلْيَأْتَدِمُوا بِلُحُومِهَا وَشُحُومِهَا وَلْيَلْبَسُوا الْعَبَاءَ الَّذِي أُتِيَ فِيهَا بِالدَّقِيقِ.

[زَكَاةُ الْمَعَادِنِ]
ِ قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ فِي زَكَاةِ الْمَعَادِنِ: إذَا أَخْرَجَ مِنْهَا وَزْنَ عِشْرِينَ دِينَارًا أَوْ وَزْنَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أُخِذَتْ مِنْهُ الزَّكَاةُ مَكَانَهُ وَلَمْ يُؤَخِّرْ، وَمَا خَرَجَ مِنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ أُخِذَ مِنْهُ بِحِسَابِ ذَلِكَ مِمَّا خَرَجَ رُبْعُ عُشْرِهِ إلَّا أَنْ يَنْقَطِعَ نَيْلُ ذَلِكَ الْغَارِ، ثُمَّ يَعْمَلُ فِي طَلَبِهِ أَوْ يَبْتَدِئُ فِي شَيْءٍ آخَرَ ثُمَّ يُدْرِكُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ فِيمَا يُصِيبُ وَزْنُ عِشْرِينَ دِينَارًا أَوْ وَزْنُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، قَالَ: وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ الزَّرْعِ إذَا رُفِعَ مِنْ الْأَرْضِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ أُخِذَ مِنْهُ، فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مَعَادِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَيُؤْخَذُ مِنْهَا الزَّكَاةُ؟ فَقَالَ قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَعَادِنِ: مَا نِيلَ مِنْهَا بِعَمَلٍ فَفِيهِ الزَّكَاةُ، فَقِيلَ لَهُ: فَالنَّدْرَةُ تُوجَدُ فِي الْمَعَادِنِ مِنْ غَيْرِ كَبِيرِ عَمَلٍ؟
قَالَ: أَرَى فِيهَا الْخُمْسَ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُ قَدْ تُكُلِّفَ فِيهَا عَمَلٌ؟
قَالَ: وَدَفْنُ الْجَاهِلِيَّةِ يُتَكَلَّفُ فِيهِ عَمَلٌ، فَإِذَا كَانَ الْعَمَلُ خَفِيفًا ثُمَّ وَجَدَ هَذَا الَّذِي وَصَفْتُ لَكَ مِنْ النَّدْرَةِ وَهِيَ الْقِطْعَةُ الَّتِي تَنْدُرُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَإِنِّي أَرَى فِيهَا الْخُمْسَ وَلَا أَرَى فِيهَا الزَّكَاةَ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَمَا نِيلَ مِنْ الْمَعْدِنِ بِعَمَلٍ يُتَكَلَّفُ فِيهِ، وَكَانَتْ فِيهِ الْمُؤْنَةُ حَتَّى أَصَابَ مِثْلَ الَّذِي وَصَفْتُ لَكَ مِنْ النَّدْرَةِ فَإِنَّمَا فِيهِ الزَّكَاةُ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: مَا نِيلَ مَنْ الْمَعْدِنِ مِمَّا لَا يُتَكَلَّفُ فِيهِ عَمَلٌ أَوْ تُكُلِّفَ فِيهِ عَمَلٌ يَسِيرٌ فَأُصِيبَ فِيهِ مِثْلُ هَذِهِ النَّدْرَةِ، فَفِيهِ الْخُمْسُ وَمَا تُكُلِّفَ فِيهِ الْعَمَلُ وَالْمُؤْنَةُ وَالطَّلَبُ فَفِيهِ الزَّكَاةُ.
قَالَ أَشْهَبُ، وَقَالَ فِي الْمَعْدِنِ: يُوجَدُ فِيهِ الذَّهَبُ النَّابِتُ لَا عَمَلَ فِيهِ، فَقَالَ لِي: كُلَّمَا كَانَ مِنْ الْمَعَادِنِ فَفِيهَا الزَّكَاةُ، إلَّا مَا لَمْ يُتَكَلَّفْ فِيهَا مِنْ الْمُؤْنَةِ فَفِيهَا الْخُمْسُ، فَكَذَلِكَ مَا وُجِدَ فِيهِ مِنْ الذَّهَبِ نَابِتًا لَا عَمَلَ فِيهِ يَكُونُ رِكَازًا فَفِيهِ الْخُمْسُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْمَعَادِنَ تَظْهَرُ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ؟ فَقَالَ: مَا زَالَتْ الْمَعَادِنُ تَظْهَرُ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ وَيَعْمَلُ فِيهَا النَّاسُ. وَتَكُونُ زَكَاتُهَا لِلسُّلْطَانِ، وَقَدْ ظَهَرَتْ مَعَادِنُ كَثِيرَةٌ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَمَا رَأَيْتُ ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ يَخْتَلِفُ وَمَا كَانَ مِنْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، قَالَ: وَلَوْ اخْتَلَفَ ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ أَوْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْهُمْ لَعَلِمْنَا ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَمَا شَأْنُ مَا ظَهَرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمَا ظَهَرَ فِي الْإِسْلَامِ إلَّا شَأْنٌ وَاحِدَةٌ.
قَالَ: وَبَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَعَادِنِ الْبَرْبَرِ الَّتِي ظَهَرَتْ فِي أَرْضِهِمْ؟ فَقَالَ: أَرَى ذَلِكَ لِلسُّلْطَانِ يَلِيهَا وَيَقْطَعُ بِهَا لِمَنْ يَلِيهَا وَيَأْخُذُ مِنْهَا الزَّكَاةَ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ قَوْلَ مَالِكٍ تُؤْخَذُ الزَّكَاةُ مِنْ الْمَعْدِنِ مِمَّا خَرَجَ مِنْهُ؟ فَقَالَ: قَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ بَعْدَمَا يَخْرُجُ ذَهَبُهُ أَوْ فِضَّتُهُ.
قُلْتُ: فَاَلَّذِي يُؤْخَذُ مِنْهُ خُمْسُهُ الَّذِي يَنَالُهُ بِغَيْرِ

(1/337)


عَمَلٍ؟ فَقَالَ: ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِضَّةٌ كُلُّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ خُمْسُهُ إذَا خَرَجَ.
قَالَ: وَقَالَ لِي مَالِكٌ: يُؤْخَذُ مِمَّا خَرَجَ مِنْ الْمَعْدِنِ وَإِنْ كَانَ الَّذِي خَرَجَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يُنْظَرْ فِي دَيْنِهِ، وَأُخِذَتْ مِنْهُ الزَّكَاةُ إذَا كَانَ يَبْلُغُ مَا يَخْرُجُ لَهُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَوْ عِشْرِينَ دِينَارًا فَصَاعِدًا، قَالَ: وَهُوَ مِثْلُ الزَّرْعِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مَا خَرَجَ مِنْ الْمَعْدِنِ لِمَ جَعَلَ مَالِكٌ فِيهِ الزَّكَاةَ، وَهُوَ إنْ كَانَ مَغْنَمًا إنَّمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْخُمْسُ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنَّمَا هُوَ فَائِدَةٌ، فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُؤْخَذَ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ مِنْ يَوْمِ أَفَادَهُ؟ فَقَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنَّمَا هُوَ مِثْلُ الزَّرْعِ إذَا حُصِدَ كَانَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ مَكَانَهُ إذَا كَانَ فِيهِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَلَا يَنْتَظِرُ بِهِ شَيْئًا إذَا حُصِدَ.
قَالَ: وَكَذَلِكَ الْمَعْدِنُ إذَا خَرَجَ مِنْهُ مَا يَبْلُغُ أَنْ تَكُونَ فِيهِ الزَّكَاةُ، زُكِّيَ مَكَانَهُ وَلَمْ يَنْتَظِرْ بِهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ أَفَادَهُ. وَقَالَ أَشْهَبُ: إنَّهَا لَمَّا كَانَتْ ذَهَبًا وَفِضَّةً وَكَانَتْ تُعْتَمَلُ كَمَا يُعْتَمَلُ الزَّرْعُ وَكَانَ أَصْلُهُ النَّبَاتَ كَنَبَاتِ الزَّرْعِ جَعَلْتُهُ بِمَنْزِلَةِ الزَّرْعِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] فَكَمَا كَانَ يَكُونُ فِي الزَّرْعِ زَكَاتُهُ إذَا حُصِدَ وَإِنْ لَمْ يَحُلْ عَلَيْهِ الْحَوْلُ إذَا بَلَغَ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ كَانَ فِي الْمَعْدِنِ الزَّكَاةُ مَكَانَهُ حِينَ أَخْرَجَهُ وَصَفَّاهُ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَحُلْ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ إخْرَاجِهِ أَوْ مِنْ يَوْمِ عَمِلَ فِيهِ إذَا بَلَغَ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْآثَارِ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ زَكَاةَ الْمَعْدِنِ أَتُفَرَّقُ فِي الْفُقَرَاءِ كَمَا تُفَرَّقُ الزَّكَاةُ أَمْ تَصِيرُ مِثْلَ الْجِزْيَةِ؟ فَقَالَ: بَلْ تُفَرَّقُ فِي الْفُقَرَاءِ كَمَا تُفَرَّقُ الزَّكَاةُ.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.
قَالَ: لَمَّا قَالَ مَالِكٌ فِيمَا أَخْرَجَ مِنْ الْمَعَادِنِ الزَّكَاةَ، وَمَحْمَلُهُ كَمَحْمَلِ الزَّرْعِ، عَلِمْنَا أَنَّهُ فِي الْفُقَرَاءِ وَهُوَ مِثْلُ الزَّكَاةِ، مَحْمَلُهُ كَمَحْمَلِ الزَّكَاةِ.
قَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ حَدَّثُوهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ لِبِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ مَعَادِنَ مِنْ مَعَادِنِ الْقَبَلِيَّةِ، وَهِيَ مِنْ نَاحِيَةِ الْفُرُغِ فَتِلْكَ الْمَعَادِنُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا إلَّا الزَّكَاةُ إلَى الْيَوْمِ.
قَالَ أَشْهَبُ عَنْ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ الْمَعَادِنِ رُبْعَ الْعُشْرِ، إلَّا أَنْ تَأْتِيَ نَدْرَةٌ فَيَكُونُ فِيهَا الْخُمْسُ كَانَ يَعُدُّ النَّدْرَةَ الرِّكْزَةَ فَيَخْمِسُهَا، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «فِي الرِّكَازِ الْخُمْسُ» . قَالَ أَبُو الزِّنَادِ: وَالرِّكْزَةُ أَنْ يُصِيبَ الرَّجُلُ النَّدْرَةَ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ يَقَعُ عَلَيْهَا لَيْسَ فِيهَا كَبِيرُ مُؤْنَةٍ.
قَالَ أَشْهَبُ عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ يَذْكُرُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ الْمَعَادِنِ مِنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ.

[مَعَادِنُ أَرْضِ الصُّلْحِ وَأَرْضِ الْعَنْوَةِ]
ِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْمَعَادِنَ تَظْهَرُ فِي أَرْضٍ صَالَحَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا؟
قَالَ: أَمَّا مَا ظَهَرَ فِيهَا مِنْ

(1/338)


الْمَعَادِنِ فَتِلْكَ لِأَهْلِهَا، لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوا النَّاسَ أَنْ يَعْمَلُوا فِيهَا وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَأْذَنُوا لِلنَّاسِ كَانَ ذَلِكَ لَهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ صَالَحُوا عَلَى أَرْضِهِمْ فَهِيَ لَهُمْ دُونَ السُّلْطَانِ. قَالَ: وَمَا اُفْتُتِحَتْ عَنْوَةً فَظَهَرَ فِيهَا مَعَادِنُ، فَذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ يَصْنَعُ فِيهَا مَا شَاءَ وَيَقْطَعُ بِهَا لِمَنْ يَعْمَلَ فِيهَا، لِأَنَّ الْأَرْضَ لَيْسَتْ لِلَّذِينَ أَخَذُوهَا عَنْوَةً.

[الرِّكَازِ]
فِي الرِّكَازِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ رِكَازًا فِي أَرْضِ الْعَرَبِ، أَيَكُونُ لِلَّذِي أَصَابَهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مَنْ أَصَابَ رِكَازًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَيُخَمَّسُ أَمْ لَا؟ فَقَالَ: أَرَى أَنْ يُخَمَّسَ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى دَيْنِهِ.

قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: مَا نِيلَ مَنْ دَفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ بِعَمَلٍ وَغَيْرِ عَمَلٍ فَهُوَ سَوَاءٌ وَفِيهِ الْخُمْسُ. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: أَكْرَهُ حَفْرَ قُبُورِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالطَّلَبَ فِيهَا، وَلَسْتُ أَرَاهُ حَرَامًا فَمَا نِيلَ فِيهَا مِنْ أَمْوَالِ الْجَاهِلِيَّةِ فَفِيهِ الْخُمْسُ.
قَالَ: وَبَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا الرِّكَازُ مَا أُصِيبَ فِي أَرْضٍ مِثْلِ الْحِجَازِ وَالْيَمَنِ وَفَيَافِي الْبُلْدَانِ مِنْ دَفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ رِكَازٌ وَفِيهِ الْخُمْسُ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ مِثْلَ مَا أُصِيبَ فِي الْأَرْضِ الَّتِي صَالَحَ أَهْلُهَا وَأُخِذَتْ عَنْوَةً.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مَا أُصِيبَ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ، أَلَيْسَ إنَّمَا فِيهِ الْخُمْسُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ، وَيَأْخُذُوا لِلَّذِينَ أَصَابُوهُ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: أَلَيْسَ الرِّكَازُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ مَا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ مِنْ دَفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ رِكَازٌ كُلُّهُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَيُخْرِجُ خُمْسَهُ وَإِنْ كَانَ الَّذِي وَجَدَهُ فَقِيرًا؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا وَكَانَ الرِّكَازُ قَلِيلًا أَيَسَعُهُ أَنْ يَذْهَبَ بِجَمِيعِهِ لِمَكَانِ فَقْرِهِ؟
قَالَ: لَا.

[الرِّكَازُ يُوجَدُ فِي أَرْضِ الصُّلْحِ وَأَرْضِ الْعَنْوَةِ]
ِ قَالَ: وَبَلَغَنِي أَنَّ مَالِكًا قَالَ: كُلُّ كَنْزٍ وُجِدَ مِنْ دَفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي بِلَادِ قَوْمٍ صَالَحُوا عَلَيْهَا، فَأَرَاهُ لِأَهْلِ تِلْكَ الدَّارِ الَّذِينَ صَالَحُوا عَلَيْهَا وَلَيْسَ هُوَ لِمَنْ أَصَابَهُ، وَمَا أُصِيبَ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ فَأَرَاهُ لِجَمَاعَةِ مُسْلِمِي أَهْلِ تِلْكَ الْبِلَادِ الَّذِينَ افْتَتَحُوهَا وَلَيْسَ هُوَ لِمَنْ أَصَابَهُ دُونَهُمْ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهُوَ بَيِّنٌ لِأَنَّ مَا فِي دَاخِلهَا بِمَنْزِلَةِ مَا فِي خَارِجِهَا، فَهُوَ لِجَمِيعِ مُسْلِمِي أَهْلِ تِلْكَ الْبِلَادِ وَيُخَمَّسُ.
قُلْتُ: وَأَرْضُ الصُّلْحِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ جَمِيعَهُ لِلَّذِينَ صَالَحُوا عَلَى أَرْضِهِمْ لَا يُخْمَسُ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ شَيْءٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَأَرْضُ الْعَنْوَةِ يَكُونُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لِلَّذِينَ افْتَتَحُوهَا وَخُمْسُهُ يُقَسَّمُ فِي مَوَاضِعِ الْخُمْسِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَنَّهُمْ دَخَلُوهَا بِصُلْحٍ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا مِمَّا وُجِدَ فِيهَا.

قُلْتُ:

(1/339)


وَإِنْ أَصَابَهُ فِي دَارِ رَجُلٍ فِي أَرْضِ الصُّلْحِ أَيَكُونُ لِرَبِّ الدَّارِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ فَقَالَ: قَالَ مَالِكٌ: هُوَ لِلَّذِينَ صَالَحُوا عَلَى الْأَرْضِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ كَانَ رَبُّ الدَّارِ هُوَ الَّذِي أَصَابَهُ وَكَانَ مِنْ الَّذِينَ صَالَحُوا فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ رَبُّ الدَّارِ مِنْ غَيْرِ الَّذِينَ صَالَحُوا فَهُوَ لِلَّذِينَ صَالَحُوا عَلَى تِلْكَ الْأَرْضِ، وَلَيْسَ لِرَبِّ الدَّارِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ. وَمَا وُجِدَ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ فَهُوَ لِأَهْلِ تِلْكَ الدَّارِ الَّذِينَ افْتَتَحُوهَا وَلَيْسَ هُوَ لِمَنْ وَجَدَهُ، وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ لَكَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي السَّفَطَيْنِ الَّذِينَ وُجِدَا مِنْ كَنْزِ النَّخِيرْجَانْ حِينَ قَدِمَ بِهِمَا عَلَيْهِ، فَأَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَقْسِمَهُمَا فِي الْمَدِينَةِ فَرَأَى عُمَرُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَدْفَعُ فِي صَدْرِهِ عَنْهُمَا فِي الْمَنَامِ، فَقَالَ: مَا أَرَى هَذَا يَصْلُحُ لِي فَرَدَّهُمَا إلَى الْجَيْشِ الَّذِينَ أَصَابُوهُ، وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ السَّفَطَانُ إنَّمَا هُوَ كَنْزٌ دُلَّ عَلَيْهِ بَعْدَمَا فُتِحَتْ الْبِلَادُ وَسَكَنَ النَّاسُ وَاِتَّخَذُوا الْأَهْلِينَ، فَكَتَبَ عُمَرُ أَنْ يُبَاعَا فَيُعْطَاهُ الْمُقَاتِلَةُ وَالْعِيَالُ.

قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَصَابَ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ مِنْ دَفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ شَيْئًا فَأَرَاهُ بَيْنَ جَمَاعَةِ الْجَيْشِ الَّذِينَ مَعَهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَالَ ذَلِكَ بِهِمْ قَالَ سَحْنُونٌ، وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا أُصِيبَ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ أَنَّهُ لَيْسَ لِمَنْ أَصَابَهُ وَإِنَّمَا هُوَ لِلَّذِينَ فَتَحُوا الْبِلَادَ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ هُشَيْمِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ مُجَالِدٍ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ: إنَّ رَجُلًا وَجَدَ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ فِي خَرِبَةٍ فَأَتَى بِهَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: إنْ كَانَتْ قَرْيَةٌ تَحْمِلُ خَرَاجَ تِلْكَ الْقَرْيَةِ فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا، وَإِلَّا فَالْخُمْسُ لَنَا وَسَائِرُ ذَلِكَ لَكَ وَسَأُطِيبُ لَكَ الْبَقِيَّةَ.

[الْجَوْهَرِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالنُّحَاسِ يُوجَدُ فِي دَفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ]
فِي الْجَوْهَرِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالنُّحَاسِ يُوجَدُ فِي دَفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، كَانَ مَالِكٌ يَقُولُ فِي دَفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ: مَا يُصَابُ فِيهِ مِنْ الْجَوْهَرِ وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ وَالنُّحَاسِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ وَجَمِيعِ الْجَوَاهِرِ فِيهِ الْخُمْسُ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا أَرَى فِيهِ شَيْئًا لَا زَكَاةً وَلَا خُمْسًا، ثُمَّ كَانَ آخَرُ مَا فَارَقْنَاهُ عَلَيْهِ أَنْ قَالَ: الْخُمْسُ فِيهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَحَبُّ مَا فِيهِ إلَيَّ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ الْخُمْسُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُصَابُ فِيهَا مِنْ دَفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الْجَوْهَرِ وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ وَالنُّحَاسِ، وَأَمَّا مَا أُصِيبَ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِيهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ فِيهِ قَطُّ أَنَّهُ رِكَازٌ وَفِيهِ الْخُمْسُ.

[زَكَاةُ اللُّؤْلُؤِ وَالْجَوْهَرِ وَالْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ وَالْفُلُوسِ وَمَعَادِنِ الرَّصَاصِ وَالنُّحَاسِ]
ِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مَعَادِنَ النُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَالزِّرْنِيخِ وَالْحَدِيدِ وَمَا أَشْبَهَ هَذِهِ الْمَعَادِنَ؟

(1/340)


فَقَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْمَعَادِنِ شَيْءٌ وَلَا أَرَى أَنَا فِيهَا شَيْئًا، قَالَ: وَلَيْسَ فِي الْجَوْهَرِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالْعَنْبَرِ زَكَاةٌ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَتْ عِنْدَ رَجُلٍ فُلُوسٌ فِي قِيمَتِهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ فَحَال عَلَيْهَا الْحَوْلُ مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ؟
قَالَ: لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا وَهَذَا مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُدِيرُ فَتُحْمَلُ مَحْمَلَ الْعُرُوضِ.
قَالَ: وَسَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الْفُلُوسِ تُبَاعُ بِالدَّنَانِيرِ أَوْ بِالدَّرَاهِمِ نَظْرَةً أَوْ تُبَاعَ الْفَلْسُ بِالْفَلْسَيْنِ؟ فَقَالَ مَالِكٌ: إنِّي أَكْرَه ذَلِكَ وَمَا أَرَاهُ مِثْلَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فِي الْكَرَاهِيَةِ.
قَالَ أَشْهَبُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: لَيْسَ فِي الْعَنْبَرِ زَكَاةٌ إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ دَسَرَهُ الْبَحْرُ.
قَالَ أَشْهَبُ، وَالزِّنْجِيُّ مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ حَدَّثَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَيْسَ فِي الْعَنْبَرِ زَكَاةٌ. قَالَ أَشْهَبُ عَنْ دَاوُد بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَكِّيِّ يَقُولُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَ فِي الْعَنْبَرِ خُمْسٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَلْقَاهُ الْبَحْرُ. قَالَ أَشْهَبُ: وَقَدْ أَخْطَأَ مَنْ جَعَلَ فِي مَعَادِنِ الْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ وَالصُّفْرِ وَالزِّرْنِيخِ وَمَا أَشْبَهَهَا مِنْ الْمَعَادِنِ زَكَاةً أَوْ خُمْسًا، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرِكَازٍ وَلَا مِنْ دَفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَإِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «فِي الرِّكَازِ الْخُمْسُ.» قَالَ أَشْهَبُ: أَخْبَرَنَا بِهِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «فِي الرِّكَازِ الْخُمْسُ» .
قَالَ أَشْهَبُ عَنْ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، إنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ حَدَّثَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْكَنْزُ مِنْ كُنُوزِ الْجَاهِلِيَّةِ نَجِدُهُ فِي الْآرَامِ وَفِي الْخَرِبِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ فِيهِ: «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمْسُ» .
قَالَ أَشْهَبُ وَقَالَ مَالِكٌ: سَمِعْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ فِي الرِّكَازِ إنَّمَا هُوَ دَفْنُ الْجَاهِلِيَّةِ مَا لَمْ يُطْلَبْ بِمَالٍ وَلَمْ يُتَكَلَّفْ فِيهِ كَبِيرُ عَمَلٍ، فَأَمَّا مَا طُلِبَ بِمَالٍ أَوْ تُكُلِّفَ فِيهِ كَبِيرُ عَمَلٍ فَأُصِيبَ مَرَّةً وَأُخْطِئَ مَرَّةً، فَلَيْسَ هُوَ بِرِكَازٍ وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ: إنَّهُ سَمِعَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ: لَيْسَ فِي اللُّؤْلُؤِ زَكَاةٌ إلَّا مَا كَانَ مِنْهُ لِلتِّجَارَةِ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ: إنَّهُ قَالَ فِي اللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ وَالْخَرَزِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ شِهَابٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ.

[زَكَاةُ الْخُضَرِ وَالْفَوَاكِهِ]
ِ قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: الْفَوَاكِهُ كُلُّهَا الْجَوْزُ وَاللَّوْزُ وَالتِّينُ، وَمَا كَانَ مِنْ الْفَوَاكِهِ كُلِّهَا مِمَّا يَبِسَ وَيُدَّخَرُ وَيَكُونُ فَاكِهَةً فَلَيْسَ فِيهَا زَكَاةٌ وَلَا فِي أَثْمَانِهَا، حَتَّى يَحُولَ عَلَى أَثْمَانِهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ تُقْبَضُ أَثْمَانُهَا قَالَ مَالِكٌ: وَالْخُضَرُ كُلُّهَا: الْقَضْبُ وَالْبَقْلُ وَالْقِرْطُ وَالْقَصِيلُ وَالْبِطِّيخُ وَالْقِثَّاءُ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا مِنْ الْخُضَرِ، فَلَيْسَ فِيهَا زَكَاةٌ وَلَا فِي أَثْمَانِهَا حَتَّى يَحُولَ

(1/341)


عَلَى أَثْمَانِهَا الْحَوْلُ.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ فِي التُّفَّاحِ وَالرُّمَّانِ وَالسَّفَرْجَلِ وَجَمِيعِ مَا أَشْبَهَ هَذَا زَكَاةٌ.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ الزَّكَاةُ إلَّا فِي الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالزَّيْتُونِ وَالْحَبِّ الَّذِي ذَكَرْتُ لَكَ وَالْقُطْنِيَّةِ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ، وَأَخْبَرَنِي إِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ مِثْلَهُ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ، وَأَخْبَرَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْسَ فِي الْخُضَرِ زَكَاةٌ» قَالَ ابْنُ وَهْبٍ، وَأَخْبَرَنِي سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِثْلَهُ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ، وَقَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عُمَرَ عَنْ رَبِيعَةَ: لَيْسَ فِي الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالْجِلَّوْزِ وَالْفَاكِهَةِ الْيَابِسَةِ وَالرَّطْبَةِ وَالتَّوَابِلِ كُلِّهَا زَكَاةٌ.
قَالَ وَأَخْبَرَنِي عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَابْنِ شِهَابٍ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ فِي الْبَقْلِ وَالْبِطِّيخِ وَالتَّوَابِلِ وَالزَّعْفَرَانِ وَالْقَضْبِ وَالْعُصْفُرِ وَالْكُرْسُفِ وَالْأُتْرُجِّ وَالتُّفَّاحِ وَالْخِرْبِزِ وَالتِّينِ وَالرُّمَّانِ وَالْفِرْسِكِ وَالْقِثَّاءِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ زَكَاةٌ، وَبَعْضٌ سَمَّى مَا لَمْ يُسَمِّ بَعْضٌ وَقَالَهُ اللَّيْثُ وَمَالِكٌ.
قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ:: أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَخَذَ الصَّدَقَةَ مِنْ كَذَا وَكَذَا وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْ الْخُضَرِ صَدَقَةً.

[قَسْمِ الزَّكَاةِ]
فِي قَسْمِ الزَّكَاةِ قُلْتُ: أَرَأَيْت زَكَاةَ مَالِي إنْ لَمْ أَجِدْ إلَّا صِنْفًا وَاحِدًا مِمَّا ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ أَيُجْزِئُنِي أَنْ أَجْعَلَهَا فِيهِمْ؟ فَقَالَ قَالَ مَالِكٌ: إنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا صِنْفًا وَاحِدًا أَجْزَأَهُ أَنْ يَجْعَلَهَا فِيهِمْ.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا كُنْتَ تَجِدُ الْأَصْنَافَ كُلَّهَا الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ وَكَانَ مِنْهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ هُمْ أَحْوَجُ، آثِرْ أَهْلَ الْحَاجَةِ حَيْثُ كَانَتْ حَتَّى تَسُدَّ حَاجَتَهُمْ، وَإِنَّمَا يُتْبَعُ فِي ذَلِكَ فِي كُلِّ عَامٍ أَهْلُ الْحَاجَةِ حَيْثُ كَانَتْ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ قَسْمٌ مُسَمًّى.

قَالَ: وَسَأَلْنَاهُ عَنْ الرَّجُلِ تَكُونُ لَهُ الدَّارُ وَالْخَادِمُ هَلْ يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ؟ فَقَالَ: إنَّ الدُّورَ تَخْتَلِفُ فَإِنْ كَانَتْ دَارًا لَيْسَ فِي ثَمَنِهَا فَضْلٌ إنْ بِيعَتْ اشْتَرَى مِنْ ثَمَنِهَا دَارًا وَفَضَلَتْ فَضْلَةٌ يَعِيشُ فِيهَا، رَأَيْتُ أَنْ يُعْطَى وَلَا يَبِيعُ مَسْكَنَهُ، وَإِنْ كَانَتْ دَارُهُ دَارًا فِي ثَمَنِهَا مَا يُشْتَرَى بِهِ مَسْكَنًا وَتَفْضُلُ لَهُ فَضْلَةٌ يَعِيشُ فِيهَا لَمْ يُعْطَ مِنْهَا شَيْئًا وَالْخَادِمُ كَذَلِكَ.

قَالَ: وَسَأَلْنَا مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا أَيُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ؟ فَقَالَ: رُبَّ رَجُلٍ يَكُونُ لَهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَهُوَ أَهْلٌ لَأَنْ يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ يَكُونُ لَهُ عِيَالٌ وَعَدَدٌ. وَرُبَّ رَجُلٍ تَكُونُ عِيَالُهُ عَشَرَةً أَوْ شِبْهَ ذَلِكَ فَلَا تَكُونُ لَهُ الْأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا شَيْئًا فَأَرَى أَنْ يُعْطَى مِثْلَ هَذَا.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا لَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَعَلَيْهِ أَلْفَا دِرْهَمٍ دَيْنًا وَلَهُ دَارٌ وَخَادِمٌ ثَمَنُهُمَا أَلْفَا دِرْهَمٍ أَيَكُونُ مِنْ الْغَارِمِينَ وَتَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ؟ فَقَالَ: لَا وَيَكُونُ دَيْنُهُ فِي عُرُوضِهِ وَخَادِمِهِ وَدَارِهِ.
قُلْتُ: فَإِنْ أَدَّى الْأَلْفَ الَّذِي عِنْدَهُ فِي

(1/342)


دَيْنِهِ وَبَقِيَتْ عَلَيْهِ الْأَلْفُ، وَبَقِيَتْ دَارُهُ وَخَادِمُهُ أَيَكُونَ مَنْ الْغَارِمِينَ وَالْفُقَرَاءِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْخَادِمِ وَالدَّارِ فَضْلٌ عَنْ دَارٍ تُغْنِيهِ وَخَادِمٍ يُغْنِيهِ كَانَ مِنْ الْغَارِمِينَ وَالْفُقَرَاءِ.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: أَرَى أَنْ يُؤْثَرَ بِالزَّكَاةِ أَهْلُ الْحَاجَةِ حَيْثُ كَانُوا.
قُلْتُ: فَهَلْ كَانَ مَالِكٌ يَقُولُ وَيَرْضَخُ لِمَنْ سِوَى أَهْلِ الْحَاجَةِ مِنْ الَّذِينَ لَا يَسْتَحِقُّونَ الزَّكَاةَ؟ فَقَالَ: مَا عَلِمْتُ أَنَّهُ قَالَ يَرْضَخُ لِهَؤُلَاءِ.
قُلْتُ: هَلْ يُرْفَعُ مَنْ الزَّكَاةِ إلَى بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا وَلَكِنْ تُفَرَّقُ كُلُّهَا وَلَا يُرْفَعُ مِنْهَا شَيْءٌ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُفَرَّقُ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعِهَا الَّذِي أَخَذَهَا فِيهِ فَأَقْرَبُ الْبُلْدَانِ إلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَلَقَدْ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ زُرَارَةَ بِالْيَمَامَةِ حِينَ بَعَثَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مُصَدِّقًا قَالَ: وَكَتَبَ إلَيْهِ فِي أَوَّلِ سَنَةٍ أَنْ اقْسِمْ نِصْفَهَا، ثُمَّ كَتَبَ إلَيْهِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ أَنْ اقْسِمْهَا كُلَّهَا وَلَا تَحْبِسَ مِنْهَا شَيْئًا، قَالَ: فَقُلْتُ لِمَالِكٍ: فَالشَّأْنُ أَنْ تُقَسَّمَ فِي مَوَاضِعِهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ كَثِيرَةً فَيَصْرِفَهَا إلَى أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ إلَيْهِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ طَاوُسًا بَعَثَ مُصَدِّقًا وَأَعْطَى رِزْقَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، قَالَ فَوَضَعَهُ فِي كُوَّةٍ فِي مَنْزِلِهِ، قَالَ: فَلَمَّا رَجَعَ سَأَلُوهُ أَيْنَ مَا أَخَذْتَ مِنْ الصَّدَقَةِ؟ قَالَ: قَسَّمْتُهُ كُلَّهُ، قَالُوا: فَأَيْنَ الَّذِي أَعْطَيْنَاكَ؟ قَالَ: هَا هُوَ ذَا فِي بَيْتِي مَوْضُوعٌ فِي كُوَّةٍ فَذَهَبُوا فَأَخَذُوهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَبَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بَعَثَ مُعَاذًا مُصَدِّقًا فَلَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ.
قَالَ مَالِكٌ: وَوَجْهُ قَسْمِ الْمَالِ أَنْ يَنْظُرَ الْوَالِي إلَى الْبَلَدِ الَّتِي فِيهَا هَذَا الْمَالُ وَمِنْهَا جُبِيَ، فَإِنْ كَانَتْ الْبُلْدَانُ مُتَكَافِئَةً فِي الْحَالِ آثَرَ بِهِ أَهْلَ ذَلِكَ الْبَلَدِ فَيُقَسَّمُ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَخْرُجْ إلَى غَيْرِهِمْ، إلَّا أَنْ يَفْضُلَ عَنْهُمْ فَضْلَةٌ فَتَخْرُجُ إلَى غَيْرِهِمْ، فَإِنْ قَسَّمَ فِي بِلَادِهِ آثَرَ الْفُقَرَاءَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ، قَالَ: وَإِنْ بَلَغَهُ عَنْ بَعْضِ الْبُلْدَانِ حَاجَةٌ وَفَاقَةٌ نَزَلَتْ بِهِمْ مِنْ سَنَةٍ مَسَّتْهُمْ أَوْ ذَهَابِ أَمْوَالِهِمْ وَزَرْعِهِمْ وَقَحْطِ السَّمَاءِ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى أَهْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ الَّذِينَ جُبِيَ فِيهِمْ ذَلِكَ الْمَالُ فَيُعْطِيَهُمْ مِنْهُ وَيُخْرِجُ جُلَّ ذَلِكَ الْمَالِ إلَى أَهْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ الَّذِينَ أَصَابَتْهُمْ الْحَاجَةُ، وَكَذَلِكَ بِلَادُ الْإِسْلَامِ، كُلُّهُمْ حَقُّهُمْ فِي هَذَا الْفَيْءِ وَاحِدٌ، يُحْمَلُ هَذَا الْفَيْءُ إلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ بِلَادِهِمْ إذَا نَزَلَتْ بِهِمْ الْحَاجَةُ.
قَالَ مَالِكٌ: وَالصَّدَقَاتُ كَذَلِكَ كُلُّهَا فِي قِسْمَتِهَا مِثْلُ مَا وَصَفْتُ لَكَ.
قَالَ أَشْهَبُ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزِّنْجِيِّ: إنَّ عَطَاءَ بْنَ السَّائِبِ حَدَّثَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة: 60] الْآيَةُ كُلُّهَا، إنَّمَا هُوَ عِلْمٌ أَعْلَمَهُ اللَّهُ، فَإِذَا أَعْطَيْتَ صِنْفًا مِنْ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ الَّتِي سَمَّاهَا اللَّهُ أَجْزَأَكَ وَإِنْ كَانَ صِنْفًا وَاحِدًا. قَالَ أَشْهَبُ قَالَ الزِّنْجِيُّ وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُول مِثْلَ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ،

(1/343)


إنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: {إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] . قَالَ: لَا نَعْلَمُهُ نَسَخَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ إنَّمَا الصَّدَقَاتُ بَيْنَ مَنْ سَمَّى اللَّهُ، فَأَسْعَدُهُمْ بِهَا أَكْثَرُهُمْ عَدَدًا أَوْ أَشَدُّهُمْ حَاجَةً.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ: إنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ الصَّدَقَةِ أَيُسْتَعْمَلُ عَلَيْهَا غَنِيٌّ أَوْ يُخَصُّ بِهَا فَقِيرٌ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يُسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا مَنْ اُسْتُعْمِلَ مِنْ أُولَئِكَ، وَنَفَقَةُ مَنْ اُسْتُعْمِلَ عَلَيْهَا مِنْ أُولَئِكَ فِي عَمَلِهِ مِنْ الصَّدَقَةِ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: إذَا وَضَعَتْهَا فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَكَ.
ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: إذَا وَضَعْتَ الصَّدَقَةَ فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَكَ. قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ مِثْلَهُ قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ، قَالَ قُلْتُ لِإِبْرَاهِيمَ: أَضَعُ زَكَاةَ مَالِي فِي صِنْفٍ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ إسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لَمْ يَبْقَ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ أَحَدٌ إنَّمَا كَانُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَمَّا اُسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ انْقَطَعَ الرِّشَا.
قَالَ: وَبَلَغَنِي عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِيمَنْ لَهُ الدَّارُ وَالْخَادِمُ وَالْفَرَسُ أَنْ يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ.

[مَا لَا يُقَسِّمُ الرَّجُلُ عَلَيْهِ زَكَاةَ مَالِهِ مِنْ أَقَارِبِهِ]
ِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ زَكَاةَ مَالِي مَنْ لَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أُعْطِيَهَا إيَّاهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا تُعْطِهَا أَحَدًا مِنْ أَقَارِبِكَ مِمَّنْ تَلْزَمُكَ نَفَقَتُهُ.
قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: فَمَنْ لَا تَلْزَمُنِي نَفَقَتُهُ مِنْ ذَوِي قَرَابَتِي وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهَا؟ فَقَالَ: مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَلِيَ ذَلِكَ هُوَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِمْ، وَمَا يُعْجِبُنِي لِأَحَدٍ أَنْ يَلِيَ قَسْمَ صَدَقَتِهِ لِأَنَّ الْمَحْمَدَةَ تَدْخُلُ فِيهِ وَالثَّنَاءُ، وَعَمَلُ السِّرِّ أَفْضَلُ وَاَلَّذِي أَرَى: أَنْ يَنْظُرَ إلَى رَجُلٍ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ فَيَدْفَعَ ذَلِكَ إلَيْهِ فَيُقَسِّمَهُ لَهُ، فَإِنْ رَأَى ذَلِكَ الرَّجُلَ الَّذِي مِنْ قَرَابَتِهِ الَّذِي لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ هُوَ أَهْلٌ لَهَا أَعْطَاهُ كَمَا يُعْطِي غَيْرَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَكِنْ يَكُونُ الرَّجُلُ الَّذِي دَفَعَ إلَيْهِ لِيُفَرَّقَ هُوَ النَّاظِرُ فِي ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ.
قُلْتُ: فَمَنْ تَلْزَمُنِي نَفَقَتُهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ فَقَالَ: الْوَلَدُ وَلَدُ الصُّلْبِ دُنْيَةً تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ الذُّكُورُ حَتَّى يَحْتَلِمُوا فَإِذَا احْتَلَمُوا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ، وَالنِّسَاءُ حَتَّى يَتَزَوَّجْنَ وَيَدْخُلُ بِهِنَّ أَزْوَاجُهُنَّ فَإِذَا دَخَلَ بِهِنَّ أَزْوَاجُهُنَّ فَلَا نَفَقَةَ لَهُنَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْبِنَاءِ أَوْ مَاتَ عَنْهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَى أَبِيهَا؟
قُلْتُ: فَإِنْ هُوَ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ بِهَا؟ فَقَالَ: هِيَ عَلَى نَفَقَتِهَا. أَلَا تَرَى أَنَّ النَّفَقَةَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْأَبِ حَتَّى يُدْخَلَ بِهَا، لِأَنَّ نِكَاحَهَا فِي يَدِ الْأَبِ مَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا زَوْجُهَا.
قُلْتُ: فَوَلَدُ الْوَلَدِ؟ فَقَالَ: لَا نَفَقَةَ لَهُمْ عَلَى جَدِّهِمْ، وَكَذَلِكَ لَا

(1/344)


يَلْزَمُهُمْ النَّفَقَةُ عَلَى جَدِّهِمْ وَلَا يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ النَّفَقَةُ عَلَى وَلَدِهَا، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْأَبَ وَحْدَهُ النَّفَقَةُ عَلَى وَلَدِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِوَالِدِهَا مَالٌ وَهِيَ مُوسِرَةٌ لَمْ تَلْزَمْ النَّفَقَةُ عَلَى وَلَدِهَا وَيَلْزَمُهَا النَّفَقَةُ عَلَى أَبَوَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ وَإِنْ كَرِهَ ذَلِكَ زَوْجُهَا كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ.
قَالَ وَالزَّوْجُ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ وَخَادِمٍ وَاحِدَةٍ لِامْرَأَتِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ مِنْ نَفَقَةِ خَدَمِهَا أَكْثَرُ مِنْ نَفَقَةِ خَادِمٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ أَخٍ وَلَا ذَوِي قَرَابَةٍ وَلَا ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ.
قُلْتُ: فَاَلَّذِينَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ، هُمْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرْتُ الَّذِينَ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ؟ فَقَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَمَنْ وَرَاءَ هَؤُلَاءِ مِنْ قَرَابَتِهِ فَهُمْ فِي زَكَاتِهِ وَالْأَجْنَبِيُّون سَوَاءٌ؟
قَالَ: نَعَمْ عَلَى مَا فَسَّرْتُ لَكَ، إذَا رَأَى الَّذِي دَفَعَ إلَيْهِ زَكَاتَهُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ أَعْطَاهُمْ.
قُلْتُ: أَتُعْطِي الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا مِنْ زَكَاتِهَا؟ فَقَالَ: لَا.
قُلْتُ: أَتَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَا وَهَذَا أَبْيَنُ مِنْ أَنْ أَسْأَلَ مَالِكًا عَنْهُ.
قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُعْطَى أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ الزَّكَاةِ شَيْئًا.
قَالَ سَحْنُونٌ، وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] فَإِنَّ ذَلِكَ فِي الضَّرَرِ عَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ أَنْ لَا يُضَارَّ، وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ ابْنُ شِهَابٍ وَقَالَهُ مَالِكٌ.
قَالَ أَشْهَبُ: وَقَدْ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَوْنَ أَنَّ إعْطَاءَ الْمَرْءِ قَرَابَتَهُ مِنْ زَكَاتِهِ بِوَجْهِ الصِّحَّةِ عَلَى وَجْهِ مَا يُعْطِي غَيْرَهُ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ مُجْزِئٌ عَنْهُ. قَالَ: وَكَانَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَطَاوُسٌ يَكْرَهَانِ ذَلِكَ، وَكَانَ مَالِكٌ أَكْثَرُ شَأْنِهِ فِيهِ الْكَرَاهِيَةُ.

[الْعِتْقِ مِنْ الزَّكَاةِ]
فِي الْعِتْقِ مِنْ الزَّكَاةِ قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ اشْتَرَى مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ رَقَبَةً فَأَعْتَقَهَا كَمَا يُعْتِقُ الْوَالِي، إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَيُجْزِئُهُ مِنْ زَكَاتِهِ وَيَكُونُ وَلَاؤُهُ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ.
قُلْتُ: وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ: يَشْتَرِي الْوَالِي مِنْ الزَّكَاةِ رِقَابًا فَيُعْتِقُهُمْ، فَقَالَ: نَعَمْ وَيَكُونُ وَلَاؤُهُمْ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ.
قَالَ: وَحَضَرْتُ مَالِكًا يُشِيرُ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ يُقَسِّمُ الصَّدَقَةَ، قَالَ مَالِكٌ: وَيَجُوزُ لِلْمَرْءِ أَنْ يَعْمَلَ فِي زَكَاةِ نَفْسِهِ كَمَا يَجُوزُ لِلْوَالِي أَنْ يَعْمَلَ فِي زَكَاةِ الْمُسْلِمِينَ.

قُلْتُ: فَإِنْ اشْتَرَاهُ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ وَأَعْتَقَهُ مِنْ نَفْسِهِ؟ فَقَالَ: لَا يُجْزِئُهُ وَلَمْ أَسْمَعْ هَذَا مِنْ مَالِكٍ، وَلَكِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ ثَانِيَةً، قَالَ سَحْنُونٌ: لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَهُ فَكَأَنَّهَا زَكَاةٌ لَمْ يُخْرِجْهَا، وَإِنَّمَا إخْرَاجُهَا أَنْ يَكُونَ وَلَاؤُهَا لَهُمْ.

[إعْطَاءُ الْمُكَاتَبِ وَابْنِ السَّبِيلِ مِنْ الزَّكَاةِ]
ِ قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُعَانَ بِهَا الْمُكَاتَبُونَ، قَالَ: وَمَا عَلِمْتُ أَنَّهُ كَانَ فِي

(1/345)


هَذَا الْبَلَدِ أَحَدٌ أَقْتَدِي بِهِ فِي دِينِي يَفْعَلُهُ أَوْ قَالَ يَرَاهُ، وَلَا بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ فَعَلُوا ذَلِكَ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ ابْنُ السَّبِيلِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فِي بَلَدِهِ إذَا احْتَاجَ، وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُعْطَى مِنْهَا وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا.
قُلْتُ: فَالْحَاجُّ الْمُنْقَطِعُ بِهِ؟ فَقَالَ: قَالَ مَالِكٌ: هُوَ ابْنُ السَّبِيلِ يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ.
قُلْتُ: وَالْحَاجُّ عِنْدَ مَالِكٍ ابْنُ السَّبِيلِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فِي بَلَدِهِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَقَدْ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا لِخَمْسَةٍ، لِغَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا، أَوْ لِغَارِمٍ، أَوْ لِرَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ، أَوْ لِرَجُلٍ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ فَتَصَدَّقَ عَلَى الْمِسْكِينِ فَأَهْدَى الْمِسْكِينُ إلَى الْغَنِيِّ» .

[تَكْفِينُ الْمَيِّتِ وَإِعْطَاءُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَالْعَبْدِ مِنْ الزَّكَاةِ]
ِ قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تُجْزِئُهُ أَنْ يُعْطِيَ مِنْ زَكَاتِهِ فِي كَفَنِ مَيِّتٍ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ إنَّمَا هِيَ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَمَنْ سَمَّى اللَّهُ، فَلَيْسَتْ لِلْأَمْوَاتِ وَلَا لِبُنْيَانِ الْمَسَاجِدِ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَلَا يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ مَجُوسِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ وَلَا يَهُودِيٌّ وَلَا عَبْدٌ، وَكَمَا لَا يُعْتَقُ فِي الْكَفَّارَاتِ غَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ فَكَذَلِكَ لَا يُطْعَمُ مِنْهَا غَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَدْ قَالَ: لَا يُعْتَقُ فِي الْكَفَّارَاتِ إلَّا مُؤْمِنَةٌ (رَبِيعَةُ) ، وَ (عَطَاءٌ) مُؤْمِنَةٌ صَحِيحَةٌ. وَقَالَ نَافِعٌ وَرَبِيعَةُ: لَا يُطْعَمُ مِنْ الزَّكَاةِ نَصْرَانِيٌّ وَلَا يَهُودِيٌّ وَلَا عَبْدٌ، إلَّا أَنَّ نَافِعًا لَمْ يَذْكُرْ الْيَهُودِيَّ وَلَا الْعَبْدَ.

[الرَّجُلُ يُعْطِي مَكَانَ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ عَرْضًا]
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ أَعْطَى زَكَاةَ مَالِهِ وَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَهِيَ أَلْفُ دِرْهَمٍ كَانَتْ عِنْدَهُ حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، فَأَعْطَى مَكَانَ زَكَاتِهَا حِنْطَةً أَوْ شَعِيرًا أَوْ عَرْضًا مِنْ الْعُرُوضِ قِيمَتُهُ رُبْعُ عُشْرِ هَذِهِ الْأَلْفِ دِرْهَمٍ؟ فَقَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُعْطِي عُرُوضًا وَلَكِنْ يُعْطِي وَرِقًا وَقِيمَةَ ذَلِكَ ذَهَبًا.
قَالَ سَحْنُونٌ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ، وَقَدْ كَرِهَ غَيْرُ وَاحِدٍ اشْتِرَاءَ صَدَقَةِ مَالِهِ، مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَقَالَ يَحْيَى: مِنْ النَّاسِ مَنْ يَكْرَهُ اشْتِرَاءَ صَدَقَتِهِ.

[الرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ الدَّيْنُ عَلَى الرَّجُلِ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَيْهِ يَنْوِي بِذَلِكَ زَكَاةَ مَالِهِ]
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَكُونُ لِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَيَجِبُ عَلَيَّ الزَّكَاةُ، فَأَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ

(1/346)


الدَّيْنِ وَهُوَ مِنْ الْفُقَرَاءِ أَنْوِي بِهِ أَنَّهُ مِنْ زَكَاةِ مَالِي؟ فَقَالَ: قَالَ مَالِكٌ: فِيمَا بَلَغَنِي لَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ، وَقَالَ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ تَاوٍ إذَا كَانَ عَلَى فَقِيرٍ فَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُعْطِيَ تَاوِيًا وَهُوَ عَلَيْهِ بَعْدَهُ، وَلَوْ جَازَ هَذَا لَجَازَ لِلرَّجُلِ أَنْ يُعْطِيَ فِي زَكَاةِ مَالِهِ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ مَا عَلَى الْفَقِيرِ لَا قِيمَةَ لَهُ وَإِنْ كَانَتْ لَهُ قِيمَةٌ فَقِيمَتُهُ دُونُ.

[قَسْمُ خُمْسِ الرِّكَازِ]
ِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ رِكَازًا وَلَهُ أَقَارِبُ فُقَرَاءُ، مِنْهُمْ مَنْ يُضَمِّنُهُ الْحَاكِمُ نَفَقَتَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُضَمِّنُهُ الْحَاكِمُ نَفَقَتَهُ، أَيَجْعَلُ خُمْسَ هَذَا الرِّكَازِ فِيهِمْ أَمْ لَا؟ فَقَالَ: لَا يَخُصُّهُمْ بِذَلِكَ وَلَكِنْ يُعْطِيهِمْ كَمَا يُعْطِي غَيْرَهُمْ مِنْ الْفُقَرَاءِ فُقَرَاءِ مَوْضِعِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَالِكًا كَرِهَ أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ زَكَاتَهُ أَقَارِبَهُ الَّذِينَ لَا يَضْمَنُ نَفَقَتَهُمْ لِمَكَانِ مَحْمَدَتِهِمْ إيَّاهُ، وَقَضَاءِ مَذَمَّةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ وَدَفْعِ صِلَاتٍ كَانُوا يَرْتَجُونَهَا مِنْهُ، فَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ وَلَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسًا.
قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ يَقُولُ لَنَا مَالِكٌ: إنَّمَا أَخَافُ بِذِكْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَحْمَدُونَهُ عَلَيْهَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَهَذَا الْخُمْسُ إنْ كَانَ لَا يَدْفَعُ بِهِ شَيْئًا مِمَّا وَصَفْتُهُ لَكَ مِنْ مَذَمَّةٍ وَلَا يَتَّخِذُ بِهِ مَحْمَدَةً إلَّا عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ لَهُمْ كَاجْتِهَادِهِ فِي غَيْرِهِمْ، فَلَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا.
قَالَ: فَأَمَّا وَلَدٌ أَوْ وَالِدٌ فَلَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ، لِأَنَّ نَفَقَتَهُمْ تَلْزَمُهُ فَهُوَ إذَا أَعْطَاهُمْ دَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ بِعَطِيَّتِهِمْ نَفَقَتَهُمْ، وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ فَغَيْرُهُمْ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُمْ. وَقَدْ قَالَ غَيْرُهُ: إذَا أَعْطَاهُمْ كَمَا يُعْطِي غَيْرَهُمْ مِنْ الْأَبَاعِدِ عَلَى غَيْرِ إيثَارٍ جَازَ، لِأَنَّ الْخُمْسَ فَيْءٌ وَلَيْسَ هُوَ مِثْلَ الزَّكَاةِ الَّتِي لَا تَحِلُّ لِغَنِيٍّ، وَالْفَيْءُ يَحِلُّ لِلْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ إلَّا أَنَّ الْفَقِيرَ يُؤْثَرُ عَلَى الْغَنِيّ.
قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ هَذَا الْخُمْسَ لِمَ لَا يُعْطِيهِ وَلَدَهُ وَلَا وَالِدَهُ الَّذِينَ يَضْمَنُ نَفَقَتَهُمْ فَيُغْنِيهِمْ بِذَلِكَ وَيَدْفَعُ عَنْهُمْ نَفَقَتَهُمْ، وَهَذَا الْخُمْسُ إنَّمَا هُوَ عِنْدَكَ فَيْءٌ وَهَؤُلَاءِ فُقَرَاءُ؟ فَقَالَ: يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَنْ هُوَ أَفْقَرُ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَضْمَنُ هُوَ نَفَقَتَهُمْ فَهُمْ أَوْلَى بِذَلِكَ، لِأَنَّ الْوَالِدَيْنِ لَوْ كَانَا فَقِيرَيْنِ أَحَدُهُمَا لَهُ مِنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ وَالْآخَرُ لَيْسَ لَهُ مَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، بَدَأَ بِهَذَا الَّذِي لَيْسَ لَهُ مَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ هَذَا الرَّجُلُ. وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ وَأَنَا قَاعِدٌ عِنْدَهُ، عَنْ رَجُلٍ مُحْتَاجٍ لَهُ أَبٌ مُوسِرٌ أَتَرَى أَنْ يُعْطَى مِنْ الْقَسْمِ شَيْئًا؟
قَالَ: إنْ كَانَ لَا يَنَالُهُ مَعْرُوفُ أَبِيهِ فَلَا أَرَى بِهِ بَأْسًا، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ كَانَ يَنَالُهُ مَعْرُوفُ وَالِدِهِ فَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ مِمَّنْ لَا يَنَالُهُ مَعْرُوفُ أَحَدٍ أَوْلَى بِذَلِكَ.
قُلْتُ: أَيُّ شَيْءٍ هَذَا الْقَسْمُ؟
قَالَ: هُوَ الزَّكَاةُ.

قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي هَذَا الْفَيْءِ أَيُسَاوِي بَيْنَ النَّاسِ فِيهِ أَمْ يُفَضِّلُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُفَضِّلُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَيَبْدَأُ بِأَهْلِ الْحَاجَةِ حَتَّى يَغْنَمُوا مِنْهُ.

قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ جِزْيَةَ جَمَاجِمِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَخَرَاجَ الْأَرَضِينَ مَا كَانَ مِنْهَا

(1/347)


عَنْوَةً وَمَا صَالَحَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا، مَا يَصْنَعُ بِهَذَا الْخَرَاجِ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: هَذَا جِزْيَةٌ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْجِزْيَةُ عِنْدَ مَالِكٍ فِيمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ " فَيْءٌ كُلُّهُ ".
قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَمَنْ يُعْطَى هَذَا الْفَيْءَ وَفِيمَنْ يُوضَعُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ افْتَتَحُوهَا عَنْوَةً أَوْ صَالَحُوا عَلَيْهَا هُمْ أَحَقُّ بِهِ يُقَسَّمُ عَلَيْهِمْ، يُبْدَأُ بِفُقَرَائِهِمْ حَتَّى يُغْنَوْا وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُمْ إلَى غَيْرِهِمْ، إلَّا أَنْ يَنْزِلَ بِقَوْمٍ حَاجَةٌ فَيُنْقَلُ إلَيْهِمْ بَعْدَمَا يُعْطَى أَهْلُهَا، يُرِيدُ مَا يُغْنِيهِمْ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ وَالِاجْتِهَادِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَكَذَلِكَ كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَا يُخْرَجُ فِي قَوْمٍ عَنْهُمْ إلَى غَيْرِهِمْ، وَرَأَيْتُ مَالِكًا يَأْخُذُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي كَتَبَ بِهِ عُمَرُ إلَى عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَصَاحِبَيْهِ إذْ وَلَّاهُمْ الْعِرَاقَ حِينَ قَسَّمَ لِأَحَدِهِمْ نِصْفَ شَاةٍ وَلِلْآخَرَيْنِ رُبْعًا رُبْعًا، فَكَانَ فِي كِتَابِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إلَيْهِمْ: إنَّمَا مَثَلَيْ وَمَثَلَكُمْ فِي هَذَا الْمَالِ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي وَالِي الْيَتِيمِ: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6] .
قَالَ: وَسَأَلْتُهُ عَنْ الرَّجُلِ يُوصِي بِالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: يَبْدَأُ بِأَهْلِ الْحَاجَةِ الَّذِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: وَكَلَّمْتُهُ فِي غَيْرِ شَيْءٍ فَرَأَيْتُ قَوْلَهُ: إنَّهُ يُبْدَأُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ بِالْفُقَرَاءِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ مَالِكٌ: يَبْدَأُ بِالْفُقَرَاءِ فِي هَذَا الْفَيْءِ فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ كَانَ بَيْنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ بِالسَّوِيَّةِ، إلَّا أَنْ يَرَى الْوَالِي أَنْ يَحْسَبُهُ لِنَوَائِبَ تَنْزِلُ بِهِ مِنْ نَوَائِبِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ رَأَيْتُ ذَلِكَ لَهُ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ سَوَاءٌ عَرَبِيُّهُمْ وَمَوْلَاهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَطَبَ النَّاس فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي عَمِلْتُ عَمَلًا وَإِنَّ صَاحِبِي عَمِلَ عَمَلًا، وَلَئِنْ بَقِيتُ إلَى قَابِلٍ لَأُلْحِقَنَّ أَسْفَلَ النَّاسِ أَعْلَاهُمْ. قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ: بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَّا وَلَهُ فِي هَذَا الْمَالِ حَقٌّ أُعْطِيَهُ أَوْ مُنِعَهُ حَتَّى لَوْ كَانَ رَاعِيًا أَوْ رَاعِيَةً بِعَدَنَ، قَالَ: وَرَأَيْتُ مَالِكًا يُعْجِبُهُ هَذَا الْحَدِيثَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: قَدْ يُعْطِي الْوَالِي الرَّجُلَ الْمَالَ يُجِيزُهُ لِأَمْرٍ يَرَاهُ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الدَّيْنِ أَيْ وَجْهِ الدَّيْنِ مِنْ الْوَالِي يُجِيزُهُ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ بِجَائِزَةٍ أَوْ لِأَمْرٍ يَرَاهُ قَدْ اسْتَحَقَّ الْجَائِزَةَ، فَلَا بَأْسَ عَلَى الْوَالِي بِجَائِزَةِ مِثْلِ هَذَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَهَا هَذَا الرَّجُلُ.
قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَيُعْطَى الْمَنْفُوسُ مِنْ هَذَا الْمَالِ؟
قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَأَخْبَرَنِي مَالِكٌ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مَرَّ لَيْلَةً فَسَمِعَ صَبِيًّا يَبْكِي فَقَالَ لِأَهْلِهِ: مَا لَكُمْ لَا تُرْضِعُونَهُ؟ قَالَ: فَقَالَ أَهْلُهُ: إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَا يَفْرِضُ لِلْمَنْفُوسِ حَتَّى يُفْطَمَ وَإِنَّا فَطَمْنَاهُ، قَالَ فَوَلَّى عُمَرُ وَهُوَ يَقُولُ: كِدْتُ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ أَنْ أَقْتُلَهُ فَفَرَضَ لِلْمَنْفُوسِ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِائَةَ دِرْهَمٍ. قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: فَإِنْ كَانَ الْمَنْفُوسُ وَالِدُهُ غَنِيًّا أَيُبْدَأُ بِكُلِّ مَنْفُوسٍ وَالِدُهُ فَقِيرٌ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ لَهُ: أَفَكَانَ يُعْطِي النِّسَاءَ مِنْ هَذَا الْمَالِ فِيمَا سَمِعْتَ مِنْ مَالِكٍ؟
قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُقَسِّمُ لِلنِّسَاءِ حَتَّى إنْ كَانَ لَيُعْطِيهِنَّ الْمِسْكَ.
قُلْتُ

(1/348)


لِابْنِ الْقَاسِمِ: وَيُبْدَأُ بِالْفَقِيرَةِ مِنْهُنَّ قَبْلَ الْغَنِيَّةِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ قَوْلَ مَالِكٍ يُسَوَّى بَيْنَ النَّاسِ فِي هَذَا الْفَيْءِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ فِيهِ سَوَاءٌ.
قَالَ تَفْسِيرُهُ: أَنَّهُ يُعْطِي كُلَّ إنْسَانٍ قَدْرَ مَا يُغْنِيهِ، الصَّغِيرَ قَدْرَ مَا يُغْنِيهِ وَالْكَبِيرَ قَدْرَ مَا يُغْنِيهِ وَالْمَرْأَةَ قَدْرَ مَا يُغْنِيهَا، هَذَا تَفْسِيرُ قَوْلِهِ عِنْدِي " يُسَوَّى بَيْنَ النَّاسِ فِي هَذَا الْمَالِ ".
قُلْتُ لَهُ: فَإِنْ فَضَلَ الْآنَ بَعْدَمَا اسْتَغْنَى أَهْلُ الْإِسْلَامِ مِنْ هَذَا الْمَالِ فَضْلٌ؟
قَالَ: ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ اجْتِهَادِ الْإِمَامِ إنْ رَأَى أَنْ يَحْبِسَ مَا بَقِيَ لِنَوَائِبِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ حَبَسَهُ، وَإِنْ رَأَى أَنْ يُفَرِّقَهُ عَلَى أَغْنِيَائِهِمْ فَرَّقَهُ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.
قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: وَهَذَا الْفَيْءُ حَلَالٌ لِلْأَغْنِيَاءِ؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ. وَلَقَدْ حَدَّثَنِي مَالِكٌ، أَنَّهُ أُتِيَ بِمَالٍ عَظِيمٍ مِنْ بَعْضِ النَّوَاحِي فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ فَصُبَّ فِي الْمَسْجِدِ فَبَاتَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مِنْهُمْ عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ يَحْرُسُونَهُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ كُشِفَ عَنْهُ أَنْطَاعٌ أَوْ مُسُوحٍ كَانَتْ عَلَيْهِ فَلَمَّا أَصَابَتْهَا الشَّمْسُ ائْتَلَقَتْ وَكَانَ فِيهَا تِيجَانٌ، قَالَ فَبَكَى عُمَرُ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: لَيْسَ هَذَا حِينَ بُكَاءٍ إنَّمَا هَذَا حِينُ شُكْرٍ، فَقَالَ: إنِّي أَقُولُ إنَّهُ مَا فُتِحَ هَذَا عَلَى قَوْمٍ قَطُّ إلَّا سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَقَطَعُوا أَرْحَامَهُمْ، ثُمَّ قَالَ لِابْنِ الْأَرْقَمِ: أَرِحْنِي مِنْهُ أَيْ اقْسِمْهُ فَقَسَّمَهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِابْنِ الْأَرْقَمِ: اُكْتُبْ لِي النَّاسَ، قَالَ: قَدْ كَتَبْتُهُمْ ثُمَّ جَاءَهُ بِالْكِتَابِ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ: هَلْ كَتَبْتَ النَّاسَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ قَدْ كَتَبْتُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرِينَ مِنْ الْعَرَبِ وَالْمُحَرَّرِينَ يَعْنِي الْمُعْتَقِينَ، قَالَ: ارْجِعْ فَاكْتُبْ فَلَعَلَّكَ قَدْ تَرَكْتَ رَجُلًا لَمْ تَعْرِفْهُ، أَرَاهُ أَنْ لَا يَتْرُكَ أَحَدًا فَهَذَا مَا يَدُلُّكَ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يُقَسِّمُ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَسَمِعْتُ مَالِكًا وَهُوَ يَذْكُرُ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَهُوَ بِمِصْرَ فِي زَمَانِ الرَّمَادَةِ. قَالَ فَقُلْنَا لِمَالِكٍ: وَمَا زَمَانُ الرَّمَادَةِ أَكَانَتْ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ؟ قَالَ: بَلْ سَنَتَيْنِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِم: بَلَغَنِي أَنَّهَا كَانَتْ سِتَّ سِنِينَ. قَالَ: فَكَتَبَ إلَيْهِ وَاغَوْثَاهُ وَاغَوْثَاهُ وَاغَوْثَاهُ، قَالَ فَكَتَبَ إلَيْهِ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ، قَالَ: فَكَانَ يَبْعَثُ إلَيْهِ بِالْعِيرِ عَلَيْهَا الدَّقِيقُ فِي الْعَبَاءِ، فَكَانَ يُقَسِّمُهَا عُمَرُ فَيَدْفَعُ الْجَمَلَ كَمَا هُوَ إلَى أَهْلِ الْبَيْتِ فَيَقُولُ لَهُمْ: كُلُوا دَقِيقَهُ وَالْتَحِفُوا الْعَبَاءَ وَانْتَحَرُوا الْبَعِيرَ فَائْتَدِمُوا بِشَحْمِهِ وَكُلُوا لَحْمَهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: سَمِعْتُ مَالِكًا وَهُوَ يَذْكُرُ، أَنَّ رَجُلًا رَأَى فِيمَا يَرَى النَّائِمُ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّ الْقِيَامَةَ قَدْ قَامَتْ وَأَنَّ النَّاسَ قَدْ حُشِرُوا، قَالَ فَكَأَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَدْ فَرَعَ النَّاسَ بِبَسْطِهِ، قَالَ فَقُلْتُ فِي مَنَامِي. بِمَ فَضَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ النَّاسَ؟ قَالَ: فَقِيلَ لِي: بِالْخِلَافَةِ وَبِالشَّهَادَةِ وَبِأَنَّهُ لَا يَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ

(1/349)


لَائِمٍ، قَالَ: فَأَتَى الرَّجُلُ حِينَ أَصْبَحَ فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ قَاعِدَانِ جَمِيعًا فَقَصَّ عَلَيْهِمَا الرُّؤْيَا، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا انْتَهَرَهُ عُمَرُ ثُمَّ قَالَ لَهُ: قُمْ أَحْلَامُ نَائِمٍ فَقَامَ الرَّجُلُ. فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ وَوُلِّيَ عُمَرُ أَرْسَلَ إلَيْهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَعِدْ عَلَيَّ الرُّؤْيَا الَّتِي رَأَيْتَهَا، قَالَ: أَوْ مَا كُنْتَ رَدَدْتَهَا عَلَيَّ قَالَ: فَقَالَ لَهُ: أَوْ مَا كُنْتَ تَسْتَحْيِيَ أَنْ تَذْكُرَ فَضْلِي فِي مَجْلِسِ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ قَاعِدٌ؟ قَالَ: فَقَصَّهَا الرَّجُلُ عَلَيْهِ فَقَالَ بِالْخِلَافَةِ، قَالَ عُمَرُ: هَذِهِ أُولَتُهُنَّ يُرِيدُ قَدْ نِلْتُهَا، ثُمَّ قَالَ: وَبِالشَّهَادَةِ فَقَالَ عُمَرُ: وَأَنَّى ذَلِكَ لِي وَالْعَرَبُ حَوْلِي، ثُمَّ قَالَ بَلَى وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ لَقَادِرٌ، قَالَ: وَبِأَنَّهُ لَا يَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، فَقَالَ عُمَرُ: وَاَللَّهِ مَا أُبَالِي إذَا قَعَدَ الْخَصْمَانِ بَيْنَ يَدَيَّ عَلَى مَنْ دَارَ الْحَقُّ فَأُدِيرُهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُول: اخْتَصَمَ قَوْمٌ فِي أَرْضٍ قُرْبَ الْمَدِينَةِ فَرَفَعُوا ذَلِكَ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، قَالَ: فَرَكِبَ مَعَهُمْ عُثْمَانُ لِيَنْظُرَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، قَالَ فَلَمَّا رَكِبَ وَسَارَ قَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَتَرْكَبُ فِي أَمْرٍ قَدْ قَضَى فِيهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ فَرَدَّ عُثْمَانُ دَابَّتَهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: مَا كُنْتُ لِأَنْظُرَ فِي أَمْرٍ قَدْ قَضَى فِيهِ عُمَرُ.
قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: هَلْ يُجْبِرُ الْإِمَامُ أَحَدًا عَلَى أَخْذِ هَذَا الْمَالِ إذَا أَبَى أَخْذَهُ؟ قَالَ: لَا.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَذْكُرُ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَدْعُو حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ يُعْطِيهِ عَطَاءَهُ، قَالَ فَيَأْبَى ذَلِكَ حَكِيمٌ وَيَقُولُ: قَدْ تَرَكْتُهُ عَلَى عَهْدِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ، يُرِيدُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَيَقُولُ عُمَرُ: إنِّي أُشْهِدُكُمْ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَلَمْ يُجْبِرْ عُمَرُ هَذَا عَلَى أَخْذِ هَذَا الْمَالِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مَالِكًا: إنَّمَا تَرَكَهُ حَكِيمٌ لِحَدِيثٍ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، الْحَدِيثُ الَّذِي جَاءَ «إنَّ خَيْرًا لِأَحَدِكُمْ أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا قَالُوا: وَلَا مِنْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: وَلَا مِنِّي» .

(1/350)