رَكِبَ وَيَرْكَبُ مَا مَشَى؟
قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَمْشِيَ الطَّرِيقَ كُلَّهُ، وَلَكِنْ
عَلَيْهِ أَنْ يَمْشِيَ مَا رَكِبَ وَيَرْكَبَ مَا مَشَى. قَالَ:
وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَنِثَ فَلَزِمَهُ الْمَشْيُ فَخَرَجَ فَمَشَى
فَعَجَزَ، ثُمَّ رَكِبَ وَجَعَلَهَا عُمْرَةً، ثُمَّ خَرَجَ قَابِلًا
لِيَمْشِيَ مَا رَكِبَ وَيَرْكَبُ مَا مَشَى، فَأَرَادَ أَنْ
يَجْعَلَهَا قَابِلًا حَجَّةً، أَلَهُ ذَلِكَ أَمْ لَيْسَ لَهُ أَنْ
يَجْعَلَهَا إلَّا عُمْرَةً أَيْضًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ لِأَنَّهُ
جَعَلَ الْمَشْيَ الْأَوَّلَ فِي عُمْرَةٍ؟
قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ، نَعَمْ يَجْعَلُ الْمَشْيَ الثَّانِيَ إنْ
شَاءَ حَجَّةً وَإِنْ شَاءَ عُمْرَةً وَلَا يُبَالِي وَإِنْ خَالَفَ
الْمَشْيَ الْأَوَّلَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَذَرَ الْمَشْيَ الْأَوَّلَ
فِي حَجٍّ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ الْمَشْيَ الثَّانِيَ فِي
عُمْرَةٍ، وَإِنْ كَانَ نَذَرَ الْأَوَّلَ فِي عُمْرَةٍ، فَلَيْسَ لَهُ
أَنْ يَجْعَلَ الْمَشْيَ الثَّانِيَ فِي حَجٍّ، وَهَذَا الَّذِي قَالَ
لِي مَالِكٌ.
قُلْتُ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ الْمَشْيَ
الثَّانِيَ وَلَا الْمَشْيَ الْأَوَّلَ فِي فَرِيضَةٍ؟
قَالَ: نَعَمْ. لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكِ
بْنِ أَنَسٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ أُذَيْنَةَ قَالَ: خَرَجْت مَعَ
جَدَّةٍ لِي كَانَ عَلَيْهَا مَشْيٌ، حَتَّى إذَا كُنَّا بِبَعْضِ
الطَّرِيقِ عَجَزَتْ، فَأَرْسَلَتْ مَوْلًى لَهَا إلَى ابْنِ عُمَرَ
يَسْأَلُهُ وَخَرَجْت مَعَهُ. فَسَأَلَ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ: مُرْهَا
فَلْتَرْكَبْ كَذَا ثُمَّ لِتَمْشِ مِنْ حَيْثُ عَجَزَتْ. قَالَ
مَالِكٌ وَقَالَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ
عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَتَنْحَرُ بَدَنَةً قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ
سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ مِثْلَ
قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَلْتُهْدِ قَالَ سُفْيَانُ
وَاللَّيْثُ: وَلْتُهْدِ مَكَانَ مَا رَكِبَتْ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ
قَالَ: يَمْشِي فَإِذَا عَجَزَ رَكِبَ فَإِذَا كَانَ عَامٌ قَابِلٌ
حَجَّ فَمَشَى مَا رَكِبَ وَرَكِبَ مَا مَشَى، قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ
عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ مِثْلَ ذَلِكَ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ عَنْ إسْمَاعِيلَ عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْهَدْيُ بَدَنَةٌ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ
فِي رَجُلٍ نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَمَشَى ثُمَّ
أَعْيَا. قَالَ: لِيَرْكَبْ وَلْيُهْدِ لِذَلِكَ هَدْيًا، حَتَّى إذَا
كَانَ قَابِلًا فَلْيَرْكَبْ مَا مَشَى وَلْيَمْشِ مَا رَكِبَ، فَإِنْ
أَعْيَا فِي عَامِهِ الثَّانِي رَكِبَ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ
يَرْكَبُ مَا مَشَى وَيَمْشِي مَا رَكِبَ. فَبَلَغَ الشَّعْبِيُّ
قَوْلَ سَعِيدٍ فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي
طَالِبٍ يَمْشِي مَا رَكِبَ فَإِذَا عَجَزَ رَكِبَ وَأَهْدَى بَدَنَةً.
وَقَالَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ مِثْلَ قَوْلِ عَلِيٍّ، وَإِنَّمَا
ذَكَرْت قَوْلَ عَلِيٍّ وَالْحَسَنِ وَعَطَاءٍ حُجَّةً لِقَوْلِ
مَالِكٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ إنْ عَجَزَ فِي الثَّانِيَةِ أَنْ
يَعُودَ فِي الثَّالِثَةِ مَعَ قَوْلِ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ إنْ عَجَزَ
فِي الثَّانِيَةِ رَكِبَ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ
(1/561)
يَعُودُ فِي الثَّالِثَةِ، وَقَدْ قَالَ
يَعُودُ فِي الثَّانِيَةِ بِقَوْلِ مَالِكٍ الَّذِي ذَكَرْتُ لَك
وَلَمْ يَقُولُوا إنْ عَجَزَ فِي الثَّانِيَةِ أَنْ يَمْشِيَ فِي
الثَّالِثَةِ.
[فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ بِالْمَشْيِ حَافِيًا فَيَحْنَثُ]
ُ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ
حَافِيًا رَاجِلًا أَعَلَيْهِ أَنْ يَمْشِيَ وَكَيْفَ إنْ انْتَعَلَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَنْتَعِلُ، وَإِنْ أَهْدَى فَحَسَنٌ وَإِنْ
لَمْ يُهْدِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهُوَ خَفِيفٌ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ
أَبِيهِ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَسْلَمَ نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ
حَافِيَةً نَاشِرَةً شَعْرَ رَأْسِهَا، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَتَرَ بِيَدِهِ
مِنْهَا. وَقَالَ: مَا شَأْنُهَا. قَالُوا: نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ
حَافِيَةً نَاشِرَةً رَأْسَهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مُرُوهَا فَلْتَخْتَمِرْ وَلْتَنْتَعِلْ
وَلْتَمْشِ.» قَالَ: «وَنَظَرَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ إلَى رَجُلَيْنِ نَذَرَا أَنْ
يَمْشِيَا فِي قِرَانٍ، فَقَالَ لَهُمَا: حِلَّا قِرَانَكُمَا
وَامْشِيَا إلَى الْكَعْبَةِ وَأَوْفِيَا نَذْرَكُمَا.» قَالَ:
«وَنَظَرَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى
رَجُلٍ يَمْشِي الْقَهْقَرَى إلَى الْكَعْبَةِ فَقَالَ: مُرُوهُ
فَلْيَمْشِ لِوَجْهِهِ» . وَقَالَ رَبِيعَةُ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ
عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْكَعْبَةِ حَافِيًا لَقِيلَ لَهُ الْبَسْ
نَعْلَيْنِ وَامْشِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ بِحَفَائِك، وَإِذَا
مَشَيْت مُنْتَعِلًا فَقَدْ وَفَّيْتَ نَذْرَكَ وَقَالَهُ يَحْيَى بْنُ
سَعِيدٍ.
[فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ بِالْمَشْيِ فَيَحْنَثُ فَيَمْشِي لِيَحُجَّ
فَيَفُوتُهُ الْحَجُّ]
ُّ قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ حَلَفَ بِالْمَشْيِ إلَى بَيْتِ
اللَّهِ فَحَنِثَ فَمَشَى فِي حَجٍّ فَفَاتَهُ الْحَجُّ قَالَ مَالِكٌ:
يُجْزِئُهُ الْمَشْيُ الَّذِي مَشَى وَيَجْعَلُهَا عُمْرَةً وَيَمْشِي
حَتَّى يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ
الْحَجِّ عَامًا قَابِلًا رَاكِبًا وَالْهَدْيُ لِفَوَاتِ الْحَجِّ
وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ.
[فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ بِالْمَشْيِ فَيَحْنَثُ فَمَشَى فَجَعَلَهَا
عُمْرَةً هَلْ يَجُوز أَنْ يَحُجَّ مِنْ مَكَّة]
َ قُلْتُ: هَلْ يَجُوزُ لِهَذَا الَّذِي حَلَفَ بِالْمَشْيِ فَحَنِثَ
فَمَشَى فَجَعَلَهَا عُمْرَةً أَنْ يَحُجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ مِنْ
مَكَّةَ؟
قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ يَحُجُّ مِنْ مَكَّةَ وَيُجْزِئُهُ مِنْ حَجَّةِ
الْإِسْلَامِ.
(1/562)
قُلْتُ: وَيَكُونُ مُتَمَتِّعًا إنْ كَانَ
اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَرَنَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ يُرِيدُ
بِالْعُمْرَةِ عَنْ الْمَشْيِ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ وَبِالْحَجِّ
حَجَّةَ الْفَرِيضَةِ أَيُجْزِئُهُ ذَلِكَ عَنْهُمَا جَمِيعًا؟
قَالَ: لَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ.
قُلْتُ: وَيَكُونُ عَلَيْهِ دَمُ الْقِرَانِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَلِمَ لَا يُجْزِئُهُ مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ؟
قَالَ: لِأَنَّ عَمَلَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ فِي هَذَا وَاحِدٌ فَلَا
يُجْزِئُهُ مِنْ فَرِيضَةٍ وَلَا مِنْ مَشْيٍ أَوْجَبَهُ عَلَى
نَفْسِهِ.
قَالَ: وَلَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ كَانَ عَلَيْهِ مَشْيٌ،
فَمَشَى فِي حَجَّةٍ وَهُوَ صَرُورَةٌ يُرِيدُ بِذَلِكَ وَفَاءَ نَذْرِ
يَمِينِهِ وَأَدَاءَ الْفَرِيضَةِ عَنْهُ، فَقَالَ لَنَا مَالِكٌ: لَا
يُجْزِئُهُ مِنْ الْفَرِيضَةِ وَهُوَ لِلنَّذْرِ الَّذِي كَانَ
عَلَيْهِ مِنْ الْمَشْيِ وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْفَرِيضَةِ قَابِلًا،
وَقَالَهَا غَيْرَ مَرَّةٍ.
قَالَ سَحْنُونٌ قَالَ الْمَخْزُومِيُّ: يُجْزِئُهُ مِنْ الْفَرِيضَةِ
وَعَلَيْهِ النَّذْرُ
[فِي الرَّجُلِ يَقُولُ أَنَا أَحُجُّ بِفُلَانٍ إلَى بَيْتِ اللَّهِ
إنْ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا فَحَنِثَ]
َ قُلْتُ: مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ أَنَا أَحُجُّ
بِفُلَانٍ إلَى بَيْتِ اللَّهِ إنْ فَعَلْت كَذَا وَكَذَا فَحَنِثَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا قَالَ الرَّجُلُ أَنَا أَحْمِلُ فُلَانًا
إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَنْوِيَ، فَإِنْ كَانَ
أَرَادَ تَعَبَ نَفْسِهِ وَحَمَلَهُ عَلَى عُنُقِهِ، فَأَرَى أَنْ
يَحُجَّ مَاشِيًا وَيُهْدِيَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الرَّجُلِ،
وَلَا يُحِجُّهُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ فَلْيَحُجَّ رَاكِبًا
وَلْيَحُجَّ بِالرَّجُلِ مَعَهُ وَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ. فَإِنْ أَبَى
الرَّجُلُ أَنْ يَحُجَّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الرَّجُلِ
وَلْيَحُجَّ هُوَ رَاكِبًا.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ وَإِنْ
كَانَ نَوَى أَنْ يَحْمِلَهُ إلَى مَكَّةَ يُحِجُّهُ مِنْ مَالِهِ،
فَهُوَ مَا نَوَى وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ هُوَ إلَّا إحْجَاجَ الرَّجُلِ
إلَّا أَنْ يَأْبَى. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَقَوْلُهُ: أَنَا
أَحُجُّ بِفُلَانٍ إلَى بَيْتِ اللَّهِ. عِنْدِي أَوْجَبُ عَلَيْهِ
مِنْ الَّذِي يَقُولُ: أَنَا أَحْمِلُ فُلَانًا إلَى بَيْتِ اللَّهِ،
لَا يُرِيدُ بِذَلِكَ عَلَى عُنُقِهِ؛ لِأَنَّ إحْجَاجَهُ الرَّجُلَ
إلَى بَيْتِ اللَّهِ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ، فَأَرَى ذَلِكَ عَلَيْهِ
إلَّا أَنْ يَأْبَى الرَّجُلُ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ فِي الرَّجُلِ
شَيْءٌ
قَالَ: قَالَ لَنَا مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ: أَنَا أَحْمِلُ
هَذَا الْعَمُودَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ، أَوْ هَذِهِ الطُّنْفُسَةَ أَوْ
مَا أَشْبَهَ هَذَا مِنْ الْأَشْيَاءِ، إنَّهُ يَحُجُّ مَاشِيًا
وَيُهْدِي لِمَوْضِعِ مَا جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ حِمْلَانِ تِلْكَ
الْأَشْيَاءِ، وَطَلَبِ مَشَقَّةِ نَفْسِهِ، فَلْيَضَعْ الْمَشَقَّةَ
عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يَحْمِلُ تِلْكَ الْأَشْيَاءَ وَلْيَهْدِ.
(1/563)
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ
سَعْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ فِي امْرَأَةٍ قَالَتْ
فِي جَارِيَةِ ابْنِهَا إنْ وَطِئَهَا فَأَنَا أَحْمِلُهَا إلَى بَيْتِ
اللَّهِ، فَوَطِئَهَا ابْنُهَا. قَالَ: تَحُجُّ وَتَحُجُّ بِهَا
وَتَذْبَحُ ذَبْحًا لِأَنَّهَا لَا تَسْتَطِيعُ حَمْلَهَا.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ خِلَافَ قَوْلِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ
عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: إذَا قَالَ أَنَا أُهْدِي
فُلَانًا عَلَى أَشْفَارِ عَيْنِي. قَالَ: يُحِجُّهُ وَيُهْدِي
بَدَنَةً.
[الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ]
ِ قُلْتُ: أَرَأَيْت مَنْ قَالَ: عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ
اللَّهِ، إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي، أَوْ إلَّا أَنْ أَرَى خَيْرًا مِنْ
ذَلِكَ مَا عَلَيْهِ؟
قَالَ: عَلَيْهِ الْمَشْيُ، وَلَيْسَ اسْتِثْنَاؤُهُ هَذَا بِشَيْءٍ،
لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ لَا اسْتِثْنَاءَ فِي الْمَشْيِ إلَى بَيْتِ
اللَّهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ.
قُلْتُ: أَرَأَيْت إنْ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ
إنْ شَاءَ فُلَانٌ؟
قَالَ: هَذَا لَا يَكُونُ عَلَيْهِ الْمَشْيُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ
فُلَانٌ. وَلَيْسَ هَذَا بِاسْتِثْنَاءٍ، وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ
مَثَلُ الطَّلَاقِ، أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ امْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ
شَاءَ فُلَانٌ، أَوْ غُلَامِي حُرٌّ إنْ شَاءَ فُلَانٌ، فَلَا يَكُونُ
عَلَيْهِ شَيْءٌ حَتَّى يَشَاءَ فُلَانٌ، وَلَا اسْتِثْنَاءَ فِي
طَلَاقٍ وَلَا فِي عَتَاقٍ وَلَا فِي مَشْيٍ وَلَا صَدَقَةٍ
[فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ بِالْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ وَيَنْوِي
مَسْجِدًا]
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ،
وَنَوَى مَسْجِدًا مَنْ الْمَسَاجِدِ، أَتَكُونُ لَهُ نِيَّتُهُ فِي
قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ،
وَلَيْسَتْ لَهُ نِيَّةٌ مَا عَلَيْهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: عَلَيْهِ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ
نِيَّةٌ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ وَلَمْ يَقُلْ إلَى
بَيْتِ اللَّهِ قَالَ: إنْ كَانَ نَوَى مَكَّةَ مَشَى، وَإِنْ كَانَ
لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ،
وَنَوَى مَسْجِدًا مَنْ الْمَسَاجِدِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ فِي قَوْلِ
مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ يَزِيدَ وَقَالَ رَبِيعَةُ بْنُ
أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي الَّذِي يَحْلِفُ بِالْمَشْيِ إلَى
بَيْتِ اللَّهِ وَيَنْوِي مَسْجِدًا مِنْ الْمَسَاجِدِ أَنَّ لَهُ
نِيَّتَهُ. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ مِثْلَ قَوْلِ رَبِيعَةَ
وَقَالَ اللَّيْثُ مِثْلَهُ
(1/564)
[فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ بِالْمَشْيِ إلَى
بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوْ الْمَدِينَةِ أَوْ عَسْقَلَانَ]
َ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ عَلَيَّ
الْمَشْيُ إلَى مَسْجِدِ الرَّسُولِ أَوْ مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ
قَالَ: فَلْيَأْتِهِمَا رَاكِبًا، وَلَا مَشْيَ عَلَيْهِ: وَمَنْ قَالَ
عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَهَذَا الَّذِي يَمْشِي.
قَالَ: وَمَنْ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى غَيْرِ هَذِهِ
الثَّلَاثَةِ مَسَاجِدَ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهُ مِثْلُ
قَوْلِهِ: عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَسْجِدِ الْبَصْرَةِ أَوْ مَسْجِدِ
الْكُوفَةِ فَأُصَلِّي فِيهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ. قَالَ: فَلَيْسَ
عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهُمَا وَلْيُصَلِّ فِي مَوْضِعِهِ حَيْثُ هُوَ
أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ مَالِكٌ: فِيمَنْ قَالَ عَلَيَّ
الْمَشْيُ إلَى مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ
مَسْجِدَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ رَاكِبًا فَلْيُصَلِّ فِيهِ قَالَ ابْنُ
الْقَاسِمِ: وَمَنْ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ
أَوْ إلَى الْمَدِينَةِ فَلَا يَأْتِيهِمَا أَصْلًا إلَّا أَنْ يَكُونَ
أَرَادَ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدَيْهِمَا فَيَأْتِيَهُمَا رَاكِبًا.
وَمَنْ قَالَ مَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَوْ مَنْ أَهْلِ مَكَّةَ
وَمِنْ أَهْلِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ
بِعَسْقَلَانَ أَوْ الْإِسْكَنْدَرِيَّة شَهْرًا. فَعَلَيْهِ أَنْ
يَأْتِيَ عَسْقَلَانَ أَوْ الْإِسْكَنْدَرِيَّة فَيَصُومَ بِهَا
شَهْرًا كَمَا نَذَرَ. قَالَ: وَكُلُّ مَوْضِعٍ يُتَقَرَّبُ فِيهِ إلَى
اللَّهِ بِالصِّيَامِ فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَأْتِيَهُ وَإِنْ كَانَ
مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَوْ مَكَّةَ
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يُرَابِطَ فَذَلِكَ
عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ. قَالَ
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ آتِيَ
الْمَدِينَةَ أَوْ بَيْتَ الْمَقْدِسِ. أَوْ الْمَشْيُ إلَى
الْمَدِينَةِ أَوْ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ. فَلَا شَيْءَ
عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى بِقَوْلِهِ ذَلِكَ أَنْ يُصَلِّيَ
فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَوْ مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. فَإِنْ
كَانَتْ تِلْكَ نِيَّتَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الذَّهَابُ إلَى
الْمَدِينَةِ أَوْ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ رَاكِبًا، وَلَا يَجِبُ
عَلَيْهِ أَنْ يَمْشِيَ وَإِنْ كَانَ حَلَفَ بِالْمَشْيِ وَلَا دَمَ
عَلَيْهِ
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى
مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوْ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَجَبَ
عَلَيْهِ الذَّهَابُ إلَيْهِمَا وَأَنْ يُصَلِّيَ فِيهِمَا.
قَالَ: وَإِذَا قَالَ: عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ
وَمَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَهَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ: عَلَيَّ
الْمَشْيُ إلَى الْمَدِينَةِ، أَوْ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ
الْمَقْدِسِ، هَذَا إذَا قَالَ: عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ
الْمَقْدِسُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الذَّهَابُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ
الصَّلَاةَ فِيهِ. وَإِذَا قَالَ:
(1/565)
عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَسْجِدِ
الْمَدِينَةِ أَوْ إلَى مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَجَبَ عَلَيْهِ
الذَّهَابُ رَاكِبًا وَالصَّلَاةُ فِيهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ
الصَّلَاةَ وَهُوَ إذَا قَالَ: عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى هَذَيْنِ
الْمَسْجِدَيْنِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ
فِي هَذَيْنِ الْمَسْجِدَيْنِ.
[الرَّجُلِ يَحْلِفُ بِالْمَشْيِ إلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَة أَوْ
مِنًى أَوْ عَرَفَةَ أَوْ شَيْءٍ مِنْ الْحَرَمِ]
ِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الصَّفَا
وَالْمَرْوَةِ؟
قَالَ: لَا أَحْفَظُ عَنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا، وَلَا يَلْزَمُهُ
الْمَشْيُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مِنًى أَوْ إلَى
عَرَفَاتٍ، أَوْ إلَى ذِي طُوًى؟
قَالَ: إنْ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى ذِي طُوًى وَإِلَى مِنًى أَوْ
إلَى عَرَفَاتٍ أَوْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَوَاضِعِ مَكَّةَ
رَأَيْتُ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ شَيْءٌ.
قُلْتُ: أَرَأَيْت الرَّجُلُ يَقُولُ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ
اللَّهِ، أَوْ إلَى الْكَعْبَةِ أَوْ إلَى الْحَرَمِ أَوْ إلَى
الصَّفَا أَوْ إلَى الْمَرْوَةِ أَوْ إلَى الْحَطِيمِ أَوْ إلَى
الْحِجْرِ أَوْ إلَى الْمَسْجِدِ أَوْ إلَى قُعَيْقِعَان أَوْ إلَى
جِبَالِ الْحَرَمِ أَوْ إلَى بَعْضِ مَوَاضِعِ مَكَّةَ، فَحَنِثَ
أَيَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا أَدْرِي مَا هَذَا كُلَّهُ، إنَّمَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ
يَقُولُ: مَنْ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ
عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ أَوْ الْمَشْيُ إلَى الْكَعْبَةِ، إنَّ
هَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ. وَأَنَا أَرَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِالْمَشْيِ
إلَى غَيْرِ مَكَّةَ أَوْ الْكَعْبَةِ أَوْ الْمَسْجِدِ أَوْ الْبَيْتِ
أَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ مِثْلُ قَوْلِهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى
الصَّفَا أَوْ إلَى الْمَرْوَةِ أَوْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ جِبَالِ
مَكَّةَ أَوْ إلَى الْحَرَمِ وَنَحْوِ هَذَا أَوْ إلَى مِنًى أَوْ إلَى
الْمُزْدَلِفَةِ أَوْ إلَى عَرَفَاتٍ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْحَرَمِ؟
قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فِي هَذَا شَيْئًا، وَلَا أَرَى
فِيهِ عَلَيْهِ شَيْئًا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: عَلَيْهِ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ. قَالَ
ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا يَكُونُ الْمَشْيُ إلَّا عَلَى مَنْ قَالَ:
مَكَّةَ أَوْ بَيْتِ اللَّهِ أَوْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ
الْكَعْبَةِ فَمَا عَدَا أَنْ يَقُولَ: الْكَعْبَةِ أَوْ الْبَيْتِ
أَوْ الْمَسْجِدِ أَوْ مَكَّةَ أَوْ الْحِجْرِ أَوْ الرُّكْنِ أَوْ
الْحِجْرِ، فَذَلِكَ كُلُّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. فَإِنْ سَمَّى
بَعْضَ مَا سَمَّيْتُ لَك مِنْ هَذَا، لَزِمَهُ الْمَشْيُ.
(1/566)
[فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ إنْ فَعَلْتُ
كَذَا وَكَذَا فَعَلَيَّ أَنْ أَسِيرَ أَوْ أَذْهَبَ أَوْ أَنْطَلِقَ
إلَى مَكَّةَ]
َ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: إنْ كَلَّمْتُك فَعَلَيَّ أَنْ
أَسِيرَ إلَى مَكَّةَ، أَوْ قَالَ عَلَيَّ الذَّهَابُ إلَى مَكَّةَ
أَوْ عَلَيَّ الِانْطِلَاقُ إلَى مَكَّةَ أَوْ عَلَيَّ أَنْ آتِيَ
مَكَّةَ أَوْ عَلَيَّ الرُّكُوبُ إلَى مَكَّةَ؟
قَالَ: أَرَى أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ
بِذَلِكَ أَنْ يَأْتِيَهَا حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا فَيَأْتِيَهَا
رَاكِبًا إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى أَنْ يَأْتِيَهَا مَاشِيًا وَإِلَّا
فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَصْلًا. قَالَ: وَقَدْ كَانَ ابْنُ شِهَابٍ لَا
يَرَى بَأْسًا أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ حَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ
وَيَذْكُرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- دَخَلَهَا غَيْرَ مُحْرِمٍ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ عَلَيَّ الرُّكُوبُ إلَى مَكَّةَ؟
قَالَ: أَرَى ذَلِكَ عَلَيْهِ.
قَالَ سَحْنُونٌ وَقَدْ اخْتَلَفَ فِي هَذَا الْقَوْلِ وَكَانَ
أَشْهَبُ يَرَى عَلَيْهِ فِي هَذَا كُلِّهِ إتْيَانَ مَكَّةَ حَاجًّا
أَوْ مُعْتَمِرًا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ فِي الَّذِي قَالَ
عَلَيَّ الرُّكُوبُ إلَى مَكَّةَ خِلَافَ هَذَا. إنَّهُ لَا شَيْءَ
عَلَيْهِ وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ ذَلِكَ.
[فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِلرَّجُلِ أَنَا أُهْدِيك إلَى بَيْتِ
اللَّهِ]
ِ قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ أَنَا أُهْدِيك إلَى
بَيْتِ اللَّهِ إنْ فَعَلْت كَذَا وَكَذَا فَحَنِثَ فَعَلَيْهِ أَنْ
يُهْدِيَ عَنْهُ هَدْيًا. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ قَالَ لِرَجُلٍ:
أَنَا أُهْدِيك إلَى بَيْتِ اللَّهِ إنْ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا
فَحَنِثَ فَإِنَّهُ يُهْدِي عَنْهُ هَدْيًا وَلَمْ يَجْعَلْهُ مَالِكٌ
مِثْلَ يَمِينِهِ إذَا حَلَفَ بِالْهَدْيِ فِي مَالِ غَيْرِهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَأَخْبَرَنِي بَعْضُ مَنْ أَثِقُ عَنْ ابْنِ
شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ فِيهَا مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ
الْحَكَمِ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي
رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلٍ: أَنَا أُهْدِيك إلَى بَيْتِ اللَّهِ، قَالَ
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: يُهْدِي.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ
الْجَزَرِيِّ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ يُهْدِي شَاةً.
[فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ بِهَدْيِ مَالِ غَيْرِهِ]
ِ قُلْتُ: أَرَأَيْت الرَّجُلَ يَحْلِفُ بِمَالِ غَيْرِهِ فَيَقُولُ:
دَارُ فُلَانٍ هَذِهِ هَدْيٌ أَوْ عَبْدُ فُلَانٍ
(1/567)
هَدْيٌ أَوْ يَحْلِفُ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِ
غَيْرِهِ مَنْ الْأَشْيَاءِ أَنَّهُ هَدْيٌ فَيَحْنَثُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ
أَنَّهُ قَالَ: إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ أَوْ لِأَمَتِهِ أَوْ
دَارِهِ أَنْتَ هَدْيٌ ثُمَّ حَنِثَ أَنَّهُ يَشْتَرِي بِثَمَنِهِ
هَدْيًا ثُمَّ يُهْدِيه وَلَا يَرَاهُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ فِيمَا لَا
يَمْلِكُ بَيْعَهُ وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَقُولَ فِيهِ ذَلِكَ
الْقَوْلَ.
قَالَ: ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ بِشْرِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ عَبْدِ
الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: «سُرِقَتْ إبِلٌ
لِلنَّبِيِّ: وَطُرِدَتْ وَفِيهَا امْرَأَةٌ، فَنَجَتْ عَلَى نَاقَةٍ
مِنْهَا حَتَّى أَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي جَعَلْتُ عَلَى نَفْسِي
نَذْرًا؛ إنْ اللَّهُ أَنْجَانِي، عَلَى نَاقَةٍ مِنْهَا حَتَّى آتِيَك
أَنْ أَنْحَرَهَا. قَالَ: بِئْسَ مَا جَزَيْتِهَا لَا نَذْرَ فِي
مَعْصِيَةٍ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ» .
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ
أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ
الْحُصَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ: «لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةٍ، وَلَا فِيمَا لَا
يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ»
[فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ بِالْهَدْيِ أَوْ يَقُولُ عَلَيَّ بَدَنَةٌ]
ٌ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ عَلَيَّ الْهَدْيُ إنْ فَعَلْت كَذَا
وَكَذَا فَحَنِثَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: عَلَيْهِ الْهَدْيُ.
قُلْتُ: أَمِنَ الْإِبِلِ أَمْ مِنْ الْبَقَرِ أَمْ مِنْ الْغَنَمِ؟
قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ: إنْ نَوَى شَيْئًا فَهُوَ مَا نَوَى
وَإِلَّا فَبَدَنَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ بَدَنَةً فَبَقَرَةٌ. فَإِنْ
لَمْ يَجِدْ وَقَصُرَتْ نَفَقَتُهُ فَأَرْجُو أَنْ يُجْزِئَهُ شَاةٌ.
قُلْتُ: لِمَ أَوَلَيْسَ الشَّاةُ بِهَدْيٍ؟
قَالَ: كَانَ مَالِكٌ يَزْحَفُ بِالشَّاةِ كَرْهًا.
قَالَ مَالِكٌ: وَالْبَقَرُ أَقْرَبُ شَيْءٍ إلَى الْإِبِلِ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ حُلَاسِ بْنِ
عَمْرٍو عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بَدَنَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ
كَبْشٌ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ
سَعْدٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا أَقَلَّ مِنْ
شَاةٍ. قَالَ: وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ
مِنْ الْهَدْيِ
قُلْتُ: أَرَأَيْت إنْ حَلَفَ فَقَالَ عَلَيَّ بَدَنَةٌ فَحَنِثَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الْبُدْنُ مِنْ الْإِبِلِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ
فَبَقَرَةٌ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَسَبْعٌ مِنْ الْغَنَمِ
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ
بَدَنَةً فَعَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَ بَعِيرًا فَيَنْحَرَهُ فَإِنْ
لَمْ يَجِدْ بَعِيرًا فَبَقَرَةً فَإِنْ لَمْ يَجِدْ بَقَرَةً
فَسَبْعًا مِنْ الْغَنَمِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ يَجِدُ الْإِبِلَ فَاشْتَرَى بَقَرَةً
فَنَحَرَهَا وَقَدْ كَانَتْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ أَيُجْزِئُهُ
فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ لَنَا مَالِكٌ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْإِبِلَ اشْتَرَى
الْبَقَرَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَالْبَقَرُ أَقْرَبُ شَيْءٍ إلَى الْإِبِلِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنَّمَا ذَلِكَ عِنْدِي إنْ لَمْ يَجِدْ
بَدَنَةً
(1/568)
أَيْ إذَا قَصُرَتْ النَّفَقَةُ فَإِنْ
لَمْ يَبْلُغْ نَفَقَتُهُ بَدَنَةً وَسِعَ لَهُ أَنْ يُهْدِيَ مِنْ
الْبَقَرِ، فَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ نَفَقَتُهُ الْبَقَرَ اشْتَرَى
الْغَنَمَ. قَالَ: وَلَا يُجْزِئُهُ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يَشْتَرِيَ
الْبَقَرَ إذَا كَانَتْ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ، إلَّا أَنْ لَا تَبْلُغَ
نَفَقَتُهُ بَدَنَةً لِأَنَّهُ قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَهُوَ إذَا
بَلَغَتْ نَفَقَتُهُ فَهُوَ يَجِدُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ
وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ وَقَطِيعٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ. مِنْهُمْ
أَيْضًا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: وَقَالُوا: فَإِنْ لَمْ
يَجِدْ بَدَنَةً فَبَقَرَةً.
قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْغَنَمَ أَيُجْزِئُهُ الصِّيَامُ قَالَ:
لَا أَعْرِفُ الصِّيَامَ فِيمَا نَذَرَ عَلَى نَفْسِهِ إلَّا أَنْ
يَجِبَ أَنْ يَصُومَ فَإِنْ أَيْسَرَ يَوْمًا مَا كَانَ عَلَيْهِ مَا
نَذَرَ عَلَى نَفْسِهِ فَإِنْ أَحَبَّ الصِّيَامَ فَعَشْرَةُ أَيَّامٍ
قَالَ: وَلَقَدْ سَأَلْت مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَنْذِرُ عِتْقَ
رَقَبَةٍ إنْ فَعَلَ اللَّهُ بِهِ كَذَا وَكَذَا، فَأَرَادَ أَنْ
يَصُومَ إنْ لَمْ يَجِدْ رَقَبَةً قَالَ لِي مَالِكٌ: مَا الصِّيَامُ
عِنْدِي بِمُجْزِئٍ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَصُومَ فَإِنْ أَيْسَرَ
يَوْمًا مَا أَعْتَقَ فَهَذَا عِنْدِي مِثْلُهُ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ
مُجَاهِدٍ قَالَ: لَيْسَتْ الْبُدْنُ إلَّا مِنْ الْإِبِلِ.
وَقَالَ طَاوُسٌ وَالشَّعْبِيُّ وَعَطَاءٌ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ
وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَدَنَةُ تَعْدِلُ سَبْعًا مِنْ
الْغَنَمِ
[فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ بِالْهَدْيِ أَوْ يَنْحَرُ بَدَنَةً أَوْ
جَزُورًا]
قُلْتُ: أَرَأَيْت مَنْ قَالَ عَلَيَّ أَنْ أَنْحَرَ بَدَنَةً أَيْنَ
يَنْحَرُهَا؟
قَالَ: بِمَكَّةَ.
قُلْتُ: وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ هَدْيٌ؟
قَالَ: يَنْحَرُهُ أَيْضًا بِمَكَّةَ.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ
قُلْتُ: فَإِنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَنْحَرَ جَزُورًا أَيْنَ
يَنْحَرُهَا؟ أَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ جَزُورٌ أَيْنَ يَنْحَرُهَا؟
قَالَ: يَنْحَرُهَا فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ:
وَلَوْ نَوَى مَوْضِعًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَهَا إلَيْهِ
وَلْيَنْحَرْهَا بِمَوْضِعِهِ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: كَانَتْ الْجَزُورُ بِعَيْنِهَا أَوْ بِغَيْرِ
عَيْنِهَا فَذَلِكَ سَوَاءٌ. قَالَ: فَقُلْنَا لِمَالِكٍ: وَإِنْ
نَذَرَهَا لِمَسَاكِينِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ أَوْ أَهْلِ مِصْرَ
فَلْيَنْحَرْهَا بِمَوْضِعِهِ وَلْيَتَصَدَّقْ بِهَا عَلَى
الْمَسَاكِينِ مِنْ عِنْدِهِ إذَا كَانَتْ بِعَيْنِهَا أَوْ بِغَيْرِ
عَيْنِهَا أَوْ نَذَرَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْ مَوْضِعِهِ
فَيَسُوقَهَا إلَى مِصْرَ
قَالَ: وَسَوْقُ الْبُدْنِ إلَى غَيْرِ مَكَّةَ مِنْ الضَّلَالِ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ
أَنَّهُ قَالَ: مَنْ نَذَرَ بَدَنَةً فَلْيُقَلِّدْهَا وَلْيُشْعِرْهَا
وَلَا مَحَلَّ لَهُ دُونَ مَكَّةَ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ جَابِرٍ
الْجُعْفِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رَجُلٍ جَعَلَ
عَلَيْهِ بَدَنَةً قَالَ: لَا أَعْلَمُ مُهْرَاقَ الدِّمَاءِ إلَّا
بِمَكَّةَ أَوْ مِنًى قَالَ: وَقَالَ الْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ
وَعَطَاءٌ مَكَّةَ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: الْبُدْنُ مِنْ
الْإِبِلِ وَمَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ
(1/569)
[فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ بِهَدْيِ
الشَّيْءِ مِنْ مَالِهِ بِعَيْنِهِ وَهُوَ مِمَّا يُهْدَى أَوْ لَا
يُهْدَى]
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَلَفَ فَقَالَ: دَارِي هَذِهِ هَدْيٌ
أَوْ بَعِيرِي هَذَا أَوْ دَابَّتِي هَذِهِ هَدْيٌ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ
الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ مِمَّا يُهْدَى أَهْدَاهُ بِعَيْنِهِ إنْ
كَانَ يَبْلُغُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُهْدَى بَاعَهُ وَاشْتَرَى
بِثَمَنِهِ هَدْيًا.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ قَالَ: لِإِبِلٍ لَهُ هِيَ هَدْيٌ إنْ
فَعَلْت كَذَا وَكَذَا فَحَنِثَ أَهْدَاهَا كُلَّهَا وَإِنْ كَانَتْ
مَالَهُ كُلَّهُ.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ قَالَ لِشَيْءٍ مِمَّا يَمْلِكُ مِنْ عَبْدٍ
أَوْ دَابَّةٍ أَوْ فَرَسٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ عَرَضٍ مِنْ الْعُرُوضِ
هُوَ يُهْدِيه فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ وَيَشْتَرِي بِثَمَنِهِ هَدْيًا
فَيُهْدِيهِ وَإِنْ قَالَ لِمَا لَا يَمْلِكُ مِنْ عَبْدِ غَيْرِهِ
أَوْ مَالِ غَيْرِهِ أَوْ دَارِ غَيْرِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا
هَدْيَ عَلَيْهِ فِيهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ عَنْ ابْنِ
شِهَابٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِثْلَ قَوْلِ
مَالِكٍ سَوَاءً
قُلْتُ: أَرَأَيْت مَنْ قَالَ: عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ هَذَا الثَّوْبَ.
أَيُّ شَيْءٍ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: يَبِيعُهُ وَيَشْتَرِي بِثَمَنِهِ هَدْيًا يُهْدِيهِ.
قُلْتُ لَهُ: فَمَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي هَذَا الثَّوْبِ إذَا كَانَ لَا
يَبْلُغُ أَنْ يَكُونَ فِي ثَمَنِهِ هَدْيٌ؟
قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ أَنَّهُ
قَالَ: يَبْعَثُ بِثَمَنِهِ فَيُدْفَعُ إلَى خُزَّانِ مَكَّةَ
يَلْفِقُونَهُ عَلَى الْكَعْبَةِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَحَبُّ
إلَيَّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ وَيَتَصَدَّقَ بِهِ حَيْثُ شَاءَ.
أَلَا تَرَى أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَكْسُو بِجَلَالِ بَدَنِهِ
الْكَعْبَةَ فَلَمَّا كُسِيَتْ الْكَعْبَةُ هَذِهِ الْكِسْوَةَ
تَصَدَّقَ بِهَا.
قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَبِيعُوهُ وَبَعَثُوا بِالثَّوْبِ بِعَيْنِهِ؟
قَالَ: لَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ لَهُمْ وَيُبَاعُ هُنَاكَ، وَيُشْتَرَى
بِثَمَنِهِ هَدْيٌ قَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّ مَالِكًا قَالَ: يُبَاعُ
الثَّوْبُ وَالْحِمَارُ وَالْعَبْدُ وَالْفَرَسُ وَكُلُّ مَا جُعِلَ
مِنْ الْعُرُوضِ هَكَذَا؟
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا قَالَ: ثَوْبِي هَذَا هَدْيٌ فَبَاعَهُ
وَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ هَدْيًا وَبَعَثَهُ فَفَضَلَ مَنْ ثَمَنِهِ
شَيْءٌ بَعَثَ بِالْفَضْلِ إلَى خُزَّانِ مَكَّةَ إذَا لَمْ يَبْلُغْ
الْفَضْلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ هَدْيٌ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ
قُلْتُ: أَرَأَيْت مَا بَعَثَ بِهِ إلَى الْبَيْتِ مِنْ الْهَدَايَا
مَنْ الثِّيَابِ وَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْعُرُوضِ
أَيُدْفَعُ إلَى الْحَجَبَةِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ قَالَ لِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ
هُوَ هَدْيٌ قَالَ: يَبِيعُهُ وَيَشْتَرِي بِثَمَنِهِ هَدْيًا، فَإِنْ
فَضَلَ شَيْءٌ لَا يَكُونُ فِي مِثْلِهِ هَدْيٌ وَلَا شَاةٌ رَأَيْت
أَنْ يُدْفَعَ إلَى خُزَّانِ الْكَعْبَةِ يَجْعَلُونَهُ فِيمَا
تَحْتَاجُ إلَيْهِ الْكَعْبَةُ. قَالَ وَلَقَدْ سَمِعْت مَالِكًا
وَذَكَرُوا لَهُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ يُشْرِكُوا مَعَ الْحَجَبَةِ
فِي الْخِزَانَةِ فَأَعْظَمَ ذَلِكَ قَالَ: وَبَلَغَنِي
(1/570)
أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الَّذِي دَفَعَ الْمَفَاتِيحَ إلَى
عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ،
فَكَأَنَّهُ رَأَى هَذِهِ وِلَايَةً مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْظَمَ أَنْ يُشْرَكَ مَعَهُمْ
قُلْتُ: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا
وَكَذَا فَعَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ دُورِي أَوْ رَقِيقِي أَوْ دَوَابِّي
أَوْ غَنَمِي أَوْ أَرْضِي أَوْ بَقَرِي أَوْ إبِلِي أَوْ دَرَاهِمِي
أَوْ دَنَانِيرِي أَوْ ثِيَابِي أَوْ عُرُوضِي لِعُرُوضٍ عِنْدَهُ أَوْ
قَمْحِي أَوْ شَعِيرِي. فَحَنِثَ كَيْفَ يَصْنَعُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
وَهَلْ هَذَا عِنْدَ مَالِكٍ كُلُّهُ سَوَاءٌ إذَا حَلَفَ أَمْ لَا؟
قَالَ: هَذَا عِنْدَ مَالِكٍ كُلُّهُ سَوَاءٌ إذَا حَلَفَ فَحَنِثَ
أَخْرَجَ ثَمَنَ ذَلِكَ كُلَّهُ فَبَعَثَ بِهِ فَاشْتَرَى لَهُ بِهِ
هَدْيًا إلَّا الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ فَإِنَّهَا بِمَنْزِلَةِ
الثَّمَنِ بِيعَتْ بِذَلِكَ فَيُشْتَرَى بِهِ بُدْنٌ كَمَا وَصَفْت لَك
وَالْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ إنْ كَانَتْ مِنْ مَوْضِعٍ
تَبْلُغُ، وَإِلَّا فَهِيَ عِنْدِي تُبَاعُ قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ
سَلَّامِ بْنِ مِسْكِينٍ قَالَ: سَأَلْت جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ عَنْ
امْرَأَةٍ عَمْيَاءَ كَانَتْ تَعُولُهَا امْرَأَةٌ تُحْسِنُ إلَيْهَا
فَآذَتْهَا بِلِسَانِهَا فَجَعَلَتْ عَلَى نَفْسِهَا هَدْيًا وَنَذْرًا
أَنْ لَا تَنْفَعَهَا بِخَيْرٍ مَا عَاشَتْ فَنَدِمَتْ الْمَرْأَةُ
فَقَالَ: مُرْهَا فَلْتُهْدِ مَكَانَ الْهَدْيِ بَقَرَةً وَإِنْ
كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُعْسِرَةً فَلْتُهْدِ ثَمَنَ شَاةٍ وَمُرْهَا
فَلْتَصُمْ مَكَانَ النَّذْرِ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ
فِي رَجُلٍ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ دَارِهِ قَالَ: يُهْدِي بِثَمَنِهَا
بُدْنًا، وَقَالَ عَطَاءٌ يَشْتَرِي بِهِ ذَبَائِحَ فَيَذْبَحُهَا
بِمَكَّةَ فَيَتَصَدَّقُ بِهَا. وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ يُهْدِي
بُدْنًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، وَقَالَ ابْنُ
الْعَبَّاسِ فِي امْرَأَةٍ جَعَلَتْ دَارَهَا هَدْيًا تُهْدِي
ثَمَنَهَا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ
مِسْعَرٍ عَنْ ابْنِ هُبَيْرَةَ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ
وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: إذَا قَالَ الرَّجُلُ
لِعَبْدِهِ أَوْ لِأَمَتِهِ أَوْ دَارِهِ: أَنْتَ هَدْيٌ. ثُمَّ حَنِثَ
أَنَّهُ يَشْتَرِي بِثَمَنِهِ هَدْيًا ثُمَّ يُهْدِيهِ وَلَا يَرَاهُ
فِيمَا سِوَى ذَلِكَ فِيمَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ وَلَا يَصِحُّ فِيهِ
ذَلِكَ الْقَوْلُ
قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: أَنَا أُهْدِي
هَذِهِ الشَّاةَ إنْ فَعَلْت كَذَا وَكَذَا فَحَنِثَ أَيَكُونُ
عَلَيْهِ أَنْ يُهْدِيَهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، عَلَيْهِ أَنْ يُهْدِيَهَا عِنْدَ مَالِكٍ، إذَا حَنِثَ
إلَّا أَنْ يَكُونَ بِمَوْضِعٍ بَعِيدٍ فَيَبِيعَهَا وَيَشْتَرِيَ
بِثَمَنِهَا بِمَكَّةَ شَاةً يُخْرِجُهَا إلَى الْحِلِّ ثُمَّ
يَسُوقُهَا إلَى الْحَرَمِ عِنْدَ مَالِكٍ إذَا حَنِثَ.
قُلْتُ: فَإِنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ بَعِيرِي هَذَا
وَهُوَ بِإِفْرِيقِيَّةَ أَيَبِيعُهُ وَيَبْعَثُ بِثَمَنِهِ يَشْتَرِي
بِهِ هَدْيًا مَنْ الْمَدِينَةِ أَوْ مِنْ مَكَّةَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الْإِبِلُ يَبْعَثُ بِهَا إذَا جَعَلَهَا
الرَّجُلُ هَدْيًا يُقَلِّدُهَا وَيُشْعِرُهَا وَلَمْ يَقُلْ لَنَا
مِنْ بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ بَعُدَ وَلَا قَرُبَ وَلَكِنَّهُ إذَا
قَالَ بَعِيرِي أَوْ إبِلِي هَدْيٌ أَشْعَرَهَا وَقَلَّدَهَا وَبَعَثَ
بِهَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَأَنَا أَرَى ذَلِكَ لَهُ لَازِمًا
مِنْ كُلِّ بَلَدٍ إلَّا مِنْ بَلَدٍ يَخَافُ بُعْدَهُ وَطُولَ
السَّفَرِ وَالتَّلَفَ فِي ذَلِكَ، فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا
رَجَوْت أَنْ يُجْزِئَهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَيَبْعَثَ بِأَثْمَانِهَا
فَيُشْتَرَى لَهُ بِهَا هَدْيٌ مِنْ الْمَدِينَةِ أَوْ مِنْ مَكَّةَ
أَوْ مِنْ حَيْثُ أَحَبَّ
قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ عَلَى إبِلٍ بِأَعْيَانِهَا، وَلَكِنْ
قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ بَدَنَةً إنْ فَعَلْت كَذَا
(1/571)
وَكَذَا. فَحَنِثَ؟
قَالَ: يُجْزِئُهُ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يَبْعَثَ بِالثَّمَنِ
فَيَشْتَرِيَ لَهُ الْبَدَنَةَ مِنْ الْمَدِينَةِ أَوْ مِنْ مَكَّةَ
فَتُوقَفُ بِعَرَفَةَ ثُمَّ يَنْحَرُهَا بِمِنًى وَإِنْ لَمْ تُوقَفْ
بِعَرَفَةَ أُخْرِجَتْ إلَى الْحِلِّ إنْ كَانَتْ اُشْتُرِيَتْ
بِمَكَّةَ وَنُحِرَتْ بِمَكَّةَ إذَا أَرَدْت مِنْ الْحِلِّ إلَى
الْحَرَمِ. قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ دَيْنٌ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَا
يَمْلِكُ ثَمَنَهَا
قُلْتُ: فَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ بَقَرِي هَذِهِ
فَحَنِثَ وَهُوَ بِمِصْرَ أَوْ بِإِفْرِيقِيَةَ مَا عَلَيْهِ فِي
قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: الْبَقَرُ لَا تَبْلُغُ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ، فَعَلَيْهِ
أَنْ يَبِيعَ بَقَرَهُ هَذِهِ وَيَبْعَثَ بِالثَّمَنِ فَيُشْتَرَى
بِثَمَنِهَا هَدْيٌ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ وَيُجْزِئُهُ عِنْدَ مَالِكٍ
أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ مِنْ الْمَدِينَةِ أَوْ مِنْ مَكَّةَ أَوْ مِنْ
حَيْثُ أَحَبَّ مِنْ الْبُلْدَانِ إذَا كَانَ الْهَدْيُ الَّذِي
يَشْتَرِي يَبْلُغُ مِنْ حَيْثُ اشْتَرَى
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ بَقَرِي
هَذِهِ. وَهُوَ بِإِفْرِيقِيَّةَ فَبَاعَهَا وَبَعَثَ بِثَمَنِهَا
أَيُجْزِئُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِثَمَنِهَا بَعِيرًا فِي قَوْلِ
مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، يُجْزِئُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا إبِلًا
فَيُهْدِيَهَا، قَالَ لِأَنِّي لَمَّا أَجَزْت لَهُ الْبَيْعَ لِبُعْدِ
الْبَلَدِ صَارَتْ الْبَقَرُ كَأَنَّهَا دَنَانِيرُ أَوْ دَرَاهِمُ،
فَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يَشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ بَعِيرًا وَإِنْ
قَصُرَ عَنْ الْبَعِيرِ فَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يَشْتَرِيَ بَقَرَةً،
قَالَ: وَلَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ غَنَمًا إلَّا أَنْ
يُقَصِّرَ الثَّمَنُ عَنْ الْبَعِيرِ وَالْبَقَرَةِ.
قُلْتُ: فَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ غَنَمِي هَذِهِ
أَوْ بَقَرِي هَذِهِ. فَحَنِثَ وَذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ يَبْلُغُ
الْغَنَمُ وَالْبَقَرُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَبْعَثَهَا
بِأَعْيَانِهَا هَدْيًا وَلَا يَبِيعُهَا وَيَشْتَرِي فِي مَكَانِهَا
فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ
[فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ بِهَدْيِ جَمِيعِ مَالِهِ أَوْ بِشَيْءٍ
بِعَيْنِهِ وَهُوَ جَمِيعُ مَالِهِ]
ِ قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا قَالَ الرَّجُلُ: إنْ فَعَلْت كَذَا
وَكَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ مَالِي. فَحَنِثَ، فَعَلَيْهِ
أَنْ يُهْدِيَ ثُلُثَ مَالِهِ وَيُجْزِئُهُ وَلَا يُهْدِي جَمِيعَ
مَالِهِ.
قُلْتُ: وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ جَمِيعَ
مَالِي أَجْزَأَهُ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا قَالَ الرَّجُلُ: إنْ فَعَلْت كَذَا
وَكَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ بَعِيرِي وَشَاتِي وَعَبْدِي
وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ سِوَاهُمْ فَحَنِثَ، وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ
يُهْدِيَهُمْ ثَلَاثَتَهُمْ؛ بَعِيرَهُ وَشَاتَه وَعَبْدَهُ،
فَيَبِيعُهُمْ وَيُهْدِي ثَمَنَهُمْ وَإِنْ كَانَ جَمِيعُ مَالِهِ.
قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا عَبْدٌ وَاحِدٌ وَلَا مَالَ
لَهُ سِوَاهُ، فَقَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ عَبْدِي هَذَا
إنْ فَعَلْت كَذَا وَكَذَا فَحَنِثَ؟
قَالَ مَالِكٌ: عَلَيْهِ أَنْ يُهْدِيَ عَبْدَهُ؛ يَبِيعُهُ وَيُهْدِي
ثَمَنَهُ
(1/572)
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَاهُ.
قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَى هَذَا الْعَبْدِ؟
فَقَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا وَكَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ
جَمِيعَ مَالِي؟
قَالَ مَالِكٌ: يُجْزِئُهُ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ.
قُلْتُ: فَإِذَا سَمَّاهُ فَقَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ
شَاتِي وَبَعِيرِي وَبَقَرَتِي فَعَدَّ ذَلِكَ حَتَّى سَمَّى جَمِيعَ
مَالِهِ فَعَلَيْهِ إذَا سَمَّى أَنْ يُهْدِيَ جَمِيعَ مَا سَمَّى
وَإِنْ أَتَى ذَلِكَ عَلَى جَمِيعِ مَالِهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ:
نَعَمْ.
قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يُسَمِّ، وَلَكِنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ
أُهْدِيَ جَمِيعَ مَالِي فَحَنِثَ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يُهْدِيَ
ثُلُثَ مَالِهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: فَمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا عِنْدَ مَالِكٍ إذَا سَمَّى فَأَتَى
عَلَى جَمِيعِ مَالِهِ أَهْدَى جَمِيعَهُ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ فَقَالَ:
جَمِيعُ مَالِي أَجْزَأَهُ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثِ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنَّمَا ذَلِكَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ
يَقُولُ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَنْكِحُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَلَا شَيْءَ
عَلَيْهِ، وَإِذَا سَمَّى قَبِيلَةً أَوْ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا لَمْ
يُصْلَحْ لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا، فَكَذَلِكَ إذَا سَمَّى لَزِمَهُ
وَكَانَ أَوْكَدَ فِي التَّسْمِيَةِ
قُلْتُ: فَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا وَكَذَا فَأَنَا أُهْدِي
عَبْدِي هَذَا وَأُهْدِي جَمِيعَ مَالِي فَحَنِثَ مَا عَلَيْهِ فِي
قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُهْدِي ثَمَنَ عَبْدِهِ وَثُلُثَ مَا بَقِيَ
مِنْ مَالِهِ.
قُلْتُ: وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الصَّدَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي
حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ
قَالَ: مَنْ قَالَ مَالِي صَدَقَةٌ كُلُّهُ فَلْيَتَصَدَّقْ بِثُلُثِ
مَالِهِ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلَا نَرَى أَنْ يَتَصَدَّقَ الرَّجُلُ
بِمَالِهِ كُلِّهِ فَيَنْخَلِعُ مِمَّا رِزْقَهُ اللَّهُ، وَلَكِنْ
بِحَسْبِ الْمَرْءِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثُلُثِ مَالِهِ
[حَلِف بِصَدَقَةِ أَوْ شَيْءٍ هُوَ جَمِيعُ مَالِهِ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ]
فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ بِصَدَقَةِ مَالِهِ أَوْ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ
هُوَ جَمِيعُ مَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ الْمَسَاكِينِ قَالَ:
وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا حَلَفَ بِصَدَقَةِ مَالِهِ فَحَنِثَ أَوْ قَالَ:
مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَحَنِثَ أَجْزَأَهُ مِنْ ذَلِكَ
الثُّلُثُ.
قَالَ: وَإِنْ كَانَ سَمَّى شَيْئًا بِعَيْنِهِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ
الشَّيْءُ جَمِيعَ مَالِهِ فَقَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا وَكَذَا
فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَلَى الْمَسَاكِينِ بِعَبْدِي
هَذَا وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، أَوْ قَالَ فَهُوَ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ، وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ
بِهِ إنْ كَانَ حَلَفَ بِالصَّدَقَةِ وَإِنْ كَانَ قَالَ فَهُوَ فِي
اللَّهِ فَلْيَجْعَلْهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
قُلْتُ: وَيَبْعَثُ بِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَوْ
يَبِيعُهُ وَيَبْعَثُ بِثَمَنِهِ؟
قَالَ: بَلْ يَبِيعُهُ وَيَدْفَعُ ثَمَنَهُ إلَى مِنْ يَغْزُو بِهِ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ مَوْضِعِهِ إنْ وَجَدَ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ
فَلْيَبْعَثْ بِثَمَنِهِ.
قُلْتُ: فَإِنْ حَنِثَ وَيَمِينُهُ بِصَدَقَتِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ
أَيَبِيعُهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ عَلَى
الْمَسَاكِينِ؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ فَرَسًا أَوْ سِلَاحًا أَوْ
سَرْجًا أَوْ أَدَاةً مِنْ أَدَاةِ الْحَرْبِ فَقَالَ إنْ فَعَلْت
كَذَا وَكَذَا فَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُسَمِّيهَا
بِأَعْيَانِهَا أَيَبِيعُهَا أَمْ يَجْعَلُهَا
(1/573)
فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: بَلْ يَجْعَلُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَعْيَانِهَا إنْ
وَجَدَ مِنْ يَقْبَلُهَا إنْ كَانَتْ سِلَاحًا أَوْ دَوَابَّ أَوْ
أَدَاةً مِنْ أَدَاةِ الْحَرْبِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِمَوْضِعٍ لَا
يَبْلُغُ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ الَّذِي فِيهِ الْجِهَادُ وَلَا يَجِدُ
مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ وَلَا مَنْ يُبْلِغُهُ لَهُ فَلَا بَأْسَ
بِأَنْ يَبِيعَهُ كُلَّهُ وَيَبْعَثَ بِثَمَنِهِ، فَيَجْعَلُ ذَلِكَ
الثَّمَنَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
قُلْتُ: وَيَجْعَلُ ثَمَنَهُ فِي مِثْلِهِ أَمْ يُعْطِيهِ دَرَاهِمَ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا أَحْفَظُ عَنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَأَرَى أَنْ
يَجْعَلَهَا فِي مِثْلِهَا مِنْ الْأَدَاةِ وَالْكُرَاعِ.
قُلْتُ: مَا فَرْقُ مَا بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْبَقَرِ إذَا
جَعَلَهَا هَدْيًا جَازَ لَهُ أَيَبِيعُهَا وَيَشْتَرِي بِأَثْمَانِهَا
إبِلًا إذَا لَمْ تَبْلُغْ؟
قَالَ: لِأَنَّ الْبَقَرَ وَالْإِبِلَ إنَّمَا هِيَ كُلُّهَا
لِلْأَكْلِ، وَهَذِهِ إذَا كَانَتْ كُرَاعًا أَوْ سِلَاحًا فَإِنَّمَا
هِيَ قُوَّةٌ عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ لَيْسَتْ لِلْأَكْلِ فَيَنْبَغِي
أَنْ يَجْعَلَ الثَّمَنَ فِي مِثْلِهِ فِي رَأْيِي.
قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ حَلَفَ بِصَدَقَةِ هَذِهِ الْخَيْلِ. وَهَذِهِ
السِّلَاحِ وَهَذِهِ الْأَدَاةِ بَاعَهُ وَتَصَدَّقَ بِهِ فِي قَوْلِ
مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ يَمِينُهُ أَنْ يُهْدِيَهُ بَاعَهُ
وَأَهْدَى ثَمَنَهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا حَلَفَ بِالصَّدَقَةِ أَوْ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ أَجْزَأَهُ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ، أَوْ بِالْهَدْيِ فَهَذِهِ
الثَّلَاثَةُ الْأَيْمَانِ سَوَاءٌ إنْ كَانَ لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا
مِنْ مَالِهِ بِعَيْنِهِ صَدَقَةً أَوْ هَدْيًا أَوْ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ أَجْزَأَهُ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ.
قُلْتُ: وَإِنْ سَمَّى وَأَتَى فِي التَّسْمِيَةِ عَلَى جَمِيعِ
مَالِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَبْعَثَ بِجَمِيعِ مَالِهِ كَانَ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ فِي الْهَدْيِ وَإِنْ كَانَ فِي صَدَقَةٍ
تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: مَالِي فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ كَمْ
يُجْزِئُهُ مِنْ ذَلِكَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُجْزِئُهُ الثُّلُثُ
قُلْتُ: وَإِذَا قَالَ: دَارِي أَوْ ثَوْبِي أَوْ دَوَابِّي فِي
سَبِيلِ اللَّهِ صَدَقَةٌ، وَذَلِكَ الشَّيْءُ مَالُهُ كُلُّهُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَتَصَدَّقُ بِهِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ
مَالَهُ كُلَّهُ وَلَا يُجْزِئُهُ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ وَلَا
يُجْزِئُهُ مِنْهُ الثُّلُثُ. وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ سَمَّى شَيْئًا
بِعَيْنِهِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ مَالَهُ كُلَّهُ فَقَالَ:
هَذَا صَدَقَةٌ أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ فِي الْمَسَاكِينِ
فَلْيُخْرِجْهُ كُلَّهُ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: فَرَسِي فِي
سَبِيلِ اللَّهِ أَيْضًا مَعَ ذَلِكَ وَمَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟
قَالَ: يُخْرِجُ الْفَرَسَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَثُلُثَ مَا بَقِيَ
مِنْ مَالِهِ بَعْدَ الْفَرَسِ.
قُلْتُ: وَلِمَ جَعَلَ مَالِكٌ مَا سُمِّيَ بِعَيْنِهِ جَعَلَهُ أَنْ
يُنْفِذَهُ كُلَّهُ وَمَا لَمْ يُسَمِّ بِعَيْنِهِ جَعَلَ الثُّلُثَ
يُجْزِئُهُ؟
قَالَ: كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: ثُلُثُ مَالِي فِي الْمَسَاكِينِ
صَدَقَةٌ؟
قَالَ: يُخْرِجُ مَا قَالَ يَتَصَدَّقُ بِهِ كُلِّهِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: نِصْفُ مَالِي فِي الْمَسَاكِينِ
صَدَقَةٌ؟
قَالَ: يُخْرِجُ نِصْفَ مَالِهِ أَوْ قَالَ نِصْفُ مَالِي أَوْ
ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ مَالِي أَوْ أَكْثَرُ يُخْرِجُهُ مَا لَمْ يَقُلْ:
مَالِي كُلُّهُ. وَذَلِكَ أَنَّ مَالِكًا قَالَ: مَنْ قَالَ: الشَّيْءُ
مِنْ مَالِهِ بِعَيْنِهِ هُوَ صَدَقَةٌ إنْ فَعَلْت كَذَا وَكَذَا أَوْ
(1/574)
جُزْءٌ مِنْ مَالِهِ أَخْرَجَ ذَلِكَ
الْجُزْءَ وَمَا سَمَّى مِنْ مَالِهِ بِعَيْنِهِ.
قُلْتُ: وَإِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ فَقَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا وَكَذَا
فَمَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّمَا سَبِيلُ اللَّهِ عِنْدَ
مَالِكٍ مَوْضِعُ الْجِهَادِ وَالرِّبَاطِ؟
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: سُبُلُ اللَّهِ كَثِيرَةٌ وَهَذَا لَا يَكُونُ
إلَّا فِي الْجِهَادِ قَالَ مَالِكٌ: فَلْيُعْطِ فِي السَّوَاحِلِ
وَالثُّغَرِ. قَالَ: فَقُلْنَا لِمَالِكٍ: أَيُعْطَى فِي جُدَّةَ؟
قَالَ: لَا، وَلَمْ يَرَ جُدَّةَ مِثْلَ سَوَاحِلِ الرُّومِ وَالشَّامِ
وَمِصْرَ قَالَ: فَقِيلَ لَهُ إنَّهُ قَدْ كَانَ فِي جُدَّةَ أَيُّ
خَوْفٍ فَقَالَ: إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مَرَّةً وَلَمْ يَكُنْ يَرَى
جُدَّةَ مِنْ السَّوَاحِلِ الَّتِي هِيَ مَرَابِطُ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ
عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ «أَنَّ رَجُلًا تَصَدَّقَ بِكُلِّ
شَيْءٍ لَهُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: قَدْ قُبِلَتْ صَدَقَتُك» فَأَجَازَ الثُّلُثَ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّهُ قَالَ: «أَعْطَى رَجُلٌ مَالَهُ فِي
زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ
لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
أَبْقَيْت لِلْوَارِثِ شَيْئًا فَلَيْسَ لَك ذَلِكَ وَلَا يَصْلُحُ لَك
أَنْ تَسْتَوْعِبَ مَالَك»
[فِي الرَّجُلِ يَقُولُ مَالِي فِي رِتَاجِ الْكَعْبَةِ أَوْ حَطِيمِ
الْكَعْبَةِ]
ِ قَالَ: وَسَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ: مَالِي فِي
رِتَاجِ الْكَعْبَةِ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى عَلَيْهِ فِي
هَذَا شَيْئًا إلَّا كَفَّارَةَ يَمِينٍ وَلَا يُخْرِجُ فِيهِ شَيْئًا
مِنْ مَالِهِ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَالرِّتَاجُ عِنْدِي هُوَ الْبَابُ قَالَ:
فَأَنَا أَرَاهُ خَفِيفًا وَلَا أَرَى عَلَيْهِ فِيهِ شَيْئًا
وَقَالَهُ لَنَا غَيْرَ عَامٍّ.
قُلْتُ: أَرَأَيْت مَنْ قَالَ: مَالِي فِي الْكَعْبَةِ أَوْ فِي
كِسْوَةِ الْكَعْبَةِ أَوْ فِي طَيِّبِ الْكَعْبَةِ أَوْ فِي حَطِيمِ
الْكَعْبَةِ أَوْ أَنَا أَضْرِبُ بِهِ حَطِيمَ الْكَعْبَةِ أَوْ أَنَا
أَضْرِبُ بِهِ الْكَعْبَةَ أَوْ أَنَا أَضْرِبُ بِهِ أَسْتَارَ
الْكَعْبَةِ؟
قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فِي هَذَا شَيْئًا وَأَرَاهُ إذَا
قَالَ: مَالِي فِي كِسْوَةِ الْكَعْبَةِ أَوْ فِي طَيِّبِ الْكَعْبَةِ
أَنْ يُهْدِيَ ثُلُثَ مَالِهِ فَيَدْفَعُهُ إلَى الْحَجَبَةِ. وَأَمَّا
إذَا قَالَ: مَالِي فِي حَطِيمِ الْكَعْبَةِ أَوْ فِي الْكَعْبَةِ أَوْ
فِي رِتَاجِ الْكَعْبَةِ قَالَ: لَا أَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا لِأَنَّ
الْكَعْبَةَ لَا تُنْتَقَضُ فَتُبْنَى بِمَالِ هَذَا وَلَا يُنْقَضُ
الْبَابُ فَيُجْعَلُ مَالُ هَذَا فِيهِ.
قَالَ: وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ رِتَاجُ الْكَعْبَةِ هُوَ الْبَابُ
قَالَ: وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: مَالِي فِي حَطِيمِ الْكَعْبَةِ لَمْ
يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْحَطِيمَ لَا يُبْنَى،
فَيُجْعَلُ نَفَقَةُ هَذَا فِي بُنْيَانِهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَبَلَغَنِي أَنَّ الْحَطِيمَ مَا بَيْنَ
الْبَابِ إلَى الْمَقَامِ أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ بَعْضُ الْحَجَبَةِ.
قَالَ: وَمَنْ قَالَ: أَنَا أَضْرِبُ بِمَالِي حَطِيمَ الْكَعْبَةِ
فَهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ أَوْ الْعُمْرَةُ، وَلَا يَجِبُ
عَلَيْهِ فِي مَالِهِ شَيْءٌ. قَالَ: وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا
قَالَ: أَنَا أَضْرِبُ بِكَذَا وَكَذَا الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ. أَنَّهُ
يَحُجُّ أَوْ يَعْتَمِرُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُرِدْ
حُمْلَانَ ذَلِكَ الشَّيْءِ عَلَى عُنُقِهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ.
(1/575)
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ
وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ
سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: عَلَيَّ نَذْرٌ إنْ
كَلَّمْتُك أَبَدًا وَكُلُّ شَيْءٍ لِي فِي رِتَاجِ الْكَعْبَةِ
فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: كَلِّمْ
أَخَاك فَلَا حَاجَةَ لِلْكَعْبَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِكُمْ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ
مُهَاجِرٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَسَأَلَهَا
رَجُلٌ وَقَالَ: إنِّي جَعَلْت مَالِي فِي رِتَاجِ الْكَعْبَةِ إنْ
أَنَا كَلَّمْت عَمِّي فَقَالَتْ لَهُ: لَا يَجْعَلُ مَالِكٌ فِي
رِتَاجِ الْكَعْبَةِ وَكَلِّمْ عَمَّك
[الرَّجُلُ يَحْلِفُ أَنْ يَنْحَرَ ابْنَهُ عِنْدَ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ
أَوْ عِنْدَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ]
ِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مَنْ يَحْلِفُ فَيَقُولُ: أَنَا أَنْحَرُ وَلَدِي
إنْ فَعَلْت كَذَا وَكَذَا فَحَنِثَ؟
قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا سُئِلَ عَنْهَا فَقَالَ: إنِّي أَرَى أَنْ
آخُذَ فِيهِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَا أُخَالِفُهُ وَالْحَدِيثُ
الَّذِي جَاءَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ
مِثْلَ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ.
ثُمَّ سُئِلَ مَالِكٌ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ الرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةِ
تَقُولُ أَنَا أَنْحَرُ وَلَدِي. قَالَ مَالِكٌ: أَنَا أَرَى أَنْ
أَنْوِيَهُ فَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِذَلِكَ وَجْهَ الْهَدْيِ أَنْ
يُهْدِيَ ابْنَهُ لِلَّهِ رَأَيْت عَلَيْهِ الْهَدْيَ وَإِنْ كَانَ
لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ وَلَمْ يُرِدْهُ فَلَا أَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا لَا
كَفَّارَةَ وَلَا غَيْرَهُ، وَذَلِكَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الَّذِي
سَمِعْتُ أَنَا مِنْهُ.
قُلْتُ: وَاَلَّذِي سَمِعْتَ أَنْتَ مِنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: إذَا
قَالَ: أَنَا أَنْحَرُ وَلَدِي لَمْ يَقُلْ عِنْدَ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ
أَنَّهُ يُكَفِّرُ يَمِينَهُ فَإِنْ قَالَ أَنَا أَنْحَرُ وَلَدِي
عِنْدَ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ أَنَّ عَلَيْهِ هَدْيًا مَكَانَ ابْنِهِ
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَإِنَّمَا فَرَّقَ مَالِكٌ بَيْنَهُمَا عِنْدَك فِي الَّذِي
سَمِعْتَ أَنْتَ مِنْهُ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ عِنْدَ مَقَامِ
إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَدْ أَرَادَ الْهَدْيَ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ عِنْدَ
مَقَامِ إبْرَاهِيمَ فَجَعَلَهُ مَالِكٌ فِي الَّذِي سَمِعْتَ أَنْتَ
مِنْهُ يَمِينًا لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْهَدْيَ وَفِي جَوَابِهِ مَا
يُشْعِرُ أَنَّهُ نَوَاهُ وَدَيْنَهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ
لَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهِ شَيْئًا وَإِنْ كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ فِي
الْهَدْيِ جَعَلَ عَلَيْهِ الْهَدْيَ. قَالَ. نَعَمْ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: أَنَا أَنْحَرُ ابْنِي بَيْنَ الصَّفَا
وَالْمَرْوَةِ؟
قَالَ: مَكَّةُ كُلُّهَا مَنْحَرٌ عِنْدِي وَأَرَى عَلَيْهِ فِيهِ
الْهَدْيَ وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ مَالِكٍ وَلَكِنْ فِي هَذَا كُلِّهِ
يُرَادُ بِهِ الْهَدْيُ. أَلَا تَرَى لَيْسَ هُوَ عِنْدِي مَقَامَ
إبْرَاهِيمَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ: عِنْدَ الْمَرْوَةِ هَذَا الْمَنْحَرُ وَكُلُّ
طُرُقِ مَكَّةَ وَفِجَاجُهَا مَنْحَرٌ فَهَذَا إذَا أَلْزَمَهُ
لِقَوْلِهِ عِنْدَ الْمَقَامِ الْهَدْيُ فَهُوَ عِنْدَ الْمَنْحَرِ
أَحْرَى أَنْ يَلْزَمَهُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: أَنَا أَنْحَرُ ابْنِي بِمِنًى؟
قَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُك عَنْ مَالِكٍ بِاَلَّذِي قَالَ عِنْدَ مَقَامِ
إبْرَاهِيمَ أَنَّ عَلَيْهِ الْهَدْيَ فَمِنًى عِنْدِي مَنْحَرٌ
وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: أَنَا أَنْحَرُ أَبِي أَوْ أُمِّي إنْ
فَعَلْت كَذَا وَكَذَا؟
قَالَ: هُوَ عِنْدِي مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الِابْنِ سَوَاءٌ.
(1/576)
قَالَ: ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ
سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ بْنِ دِعَامَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ فِي رَجُلٍ نَذَرَ أَنْ يَنْحَرَ ابْنَهُ عِنْدَ مَقَامِ
إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْهُ فَقَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْ
إبْرَاهِيمَ - يَذْبَحُ كَبْشًا.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ قَالَ مَالِكٌ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الَّذِي
يَجْعَلُ ابْنَهُ بَدَنَةً قَالَ: يُهْدِي دِيَتَهُ مِائَةً مِنْ
الْإِبِلِ قَالَ: ثُمَّ نَدِمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ لَيْتَنِي كُنْتُ
أَمَرْتُهُ أَنْ يُهْدِيَ كَبْشًا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
فِي كِتَابِهِ: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] .
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَيَفْتَدِي مِنْ
يَمِينِهِ بِمَالٍ أَيَجُوزُ هَذَا؟
قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ: كُلُّ مَنْ لَزِمَتْهُ يَمِينٌ فَافْتَدَى
مِنْهَا بِمَالٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ
[الرَّجُلُ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ كَاذِبًا]
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قُلْتُ لِمَالِكٍ إنْ حَلَفَ فَقَالَ:
وَاَللَّهِ مَا لَقِيت فُلَانًا أَمْسِ. وَلَا يَقِينَ لَهُ فِي
لُقِيِّهِ وَلَيْسَ فِي مَعْرِفَتِهِ حِينَ حَلَفَ أَنَّهُ لَقِيَهُ
بِالْأَمْسِ أَوْ لَمْ يَلْقَهُ ثُمَّ فَكَّرَ بَعْدُ فِي يَمِينِهِ
فَعَلِمَ أَنَّهُ لَقِيَهُ بِالْأَمْسِ أَتَكُونُ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ
الْيَمِينِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ: قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَيْهِ
كَفَّارَةُ الْيَمِينِ فِي هَذَا.
قُلْتُ: لِمَ؟ وَهَذَا قَدْ أَيْقَنَ أَنَّهُ لَقِيَهُ وَقَدْ حَلَفَ
أَنَّهُ لَمْ يَلْقَهُ وَلَمْ يَحْلِفْ حِينَ حَلَفَ عَلَى أَمْرٍ
ظَنَّهُ، إنَّمَا حَلَفَ بِيَمِينِهِ الَّتِي حَلَفَ بِهَا عَلَى
غَيْرِ يَقِينٍ كَانَ فِي نَفْسِهِ؟ فَقَالَ: هَذِهِ الْيَمِينُ
الَّتِي تَصِفُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهَا كَفَّارَةٌ أَوْ
يُكَفِّرُهَا كَفَّارَةٌ عِنْدَ مَالِكٍ، لِأَنَّ هَذِهِ الْيَمِينَ
لَا يَكُونُ فِيهَا لَغْوُ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ عَلَى
أَمْرٍ يَظُنُّهُ كَذَلِكَ فَيَنْكَشِفُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَيَكُونُ
ذَلِكَ لَغْوُ الْيَمِينِ وَإِنَّمَا حَلَفَ هَذَا بِهَذِهِ الْيَمِينِ
جُرْأَةً وَتَفَخُّمًا عَلَى الْيَمِينِ عَلَى غَيْرِ يَقِينٍ مِنْهُ
لِشَيْءٍ فَهُوَ إنْ انْكَشَفَتْ لَهُ يَمِينُهُ أَنَّهُ كَمَا حَلَفَ
بِهَا بَرَّ، وَإِنْ انْكَشَفَتْ يَمِينُهُ أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ مَا
حَلَفَ بِهِ فَهُوَ آثَمُ، وَلَمْ يَكُنْ لَغْوُ الْيَمِينِ فَكَانَ
بِمَنْزِلَةِ مَنْ حَلَفَ عَامِدًا لِلْكَذِبِ فَلْيَسْتَغْفِرْ
اللَّهَ فَإِنَّ هَذِهِ الْيَمِينَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهَا
كَفَّارَةٌ أَوْ يُكَفِّرُهَا شَيْءٌ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -
عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ
بِيَمِينِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» .
قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {إنَّ
الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا
قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ} [آل عمران: 77]
، فَهَذِهِ الْيَمِينُ فِي الْكَذِبِ وَاقْتِطَاعِ الْحُقُوقِ، فَهِيَ
أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهَا كَفَّارَةٌ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ
إبْرَاهِيمَ السَّكْسَكِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى فِي رَجُلٍ
حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا كَذَا
وَكَذَا وَلَمْ يُعْطِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {إنَّ الَّذِينَ
يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل
عمران: 77] .
(1/577)
[فِي لَغْوِ الْيَمِينِ وَالْيَمِينِ
الَّتِي تَكُونُ فِيهَا الْكَفَّارَةُ]
ُ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ قَوْلَ الرَّجُلِ: لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى
وَاَللَّهِ. أَكَانَ مَالِكٌ يَرَى ذَلِكَ مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ؟
قَالَ: لَا وَإِنَّمَا اللَّغْوُ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى
الشَّيْءِ يَظُنُّ أَنَّهُ كَذَلِكَ كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَقَدْ
لَقِيتُ فُلَانًا أَمْسِ وَذَلِكَ يَقِينُهُ، وَإِنَّمَا لَقِيَهُ
قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهَذَا اللَّغْوُ.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَكُونُ اللَّغْوُ فِي طَلَاقٍ وَلَا عَتَاقٍ
وَلَا صَدَقَةٍ وَلَا مَشْيٍ وَلَا يَكُونُ اللَّغْوُ إلَّا فِي
الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَلَا يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ أَيْضًا إلَّا
فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءُ لَا يَكُونُ فِي طَلَاقٍ
وَلَا عَتَاقٍ وَلَا مَشْيٍ إلَّا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ
وَحْدَهَا، أَوْ نَذْرٍ لَا يُسَمِّي لَهُ مَخْرَجًا. فَمَنْ حَلَفَ
بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ أَوْ مَشْيٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مَنْ
الْأَيْمَانِ سِوَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَذَلِكَ يَقِينُهُ ثُمَّ
اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ مَا حَلَفَ فَإِنَّهُ حَانِثٌ عِنْدَ
مَالِكٍ وَلَا يَنْفَعُهُ. قَالَ: وَكَذَلِكَ إنْ اسْتَثْنَى فِي
شَيْءٍ مِنْ هَذَا فَحَنِثَ لَزِمَهُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ الثِّقَةُ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ ذَكَرَ عَنْ
عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا كَانَتْ تَتَأَوَّلُ هَذِهِ
الْآيَةَ {لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ}
[المائدة: 89] فَتَقُولُ: هُوَ الشَّيْءُ يَحْلِفُ عَلَيْهِ أَحَدُكُمْ
لَمْ يُرِدْ فِيهِ إلَّا الصِّدَاقَ فَيَكُونُ عَلَى غَيْرِ مَا حَلَفَ
عَلَيْهِ فَلَيْسَ فِيهِ كَفَّارَةٌ. وَقَالَهُ مَعَ عَائِشَةَ عَطَاءٌ
وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ. وَقَالَ مِثْلَ قَوْلِ
عَائِشَةَ ابْنَ عَبَّاسٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ وَمُجَاهِدٌ
وَرَبِيعَةُ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَمَكْحُولٌ. وَقَالَهُ
إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ.
قَالَ سَحْنُونٌ وَقَالَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ مِنْ حَدِيثِ
الرَّبِيعِ بْنِ صَبِيحٍ.
قَالَ سَحْنُونٌ وَقَالَهُ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ مِنْ حَدِيثِ
أَيُّوبَ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، وَقَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنَّمَا تَكُونُ
الْكَفَّارَةُ فِي الْيَمِينِ فِي هَاتَيْنِ الْيَمِينَيْنِ فَقَطْ فِي
قَوْلِ الرَّجُلِ: وَاَللَّهُ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَكَذَا فَيَبْدُو
لَهُ أَنْ لَا يَفْعَلَ، فَيُكَفِّرُ، وَلَا يَفْعَلُ. أَوْ يَقُولُ
وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا فَيَبْدُو لَهُ أَنْ يَفْعَلَ
فَيُكَفِّرُ يَمِينَهُ وَيَفْعَلُهُ وَأَمَّا مَا سِوَى هَاتَيْنِ
الْيَمِينَيْنِ مِنْ الْأَيْمَانِ كُلِّهَا فَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا
عِنْدَ مَالِكٍ
وَإِنَّمَا الْأَيْمَانُ بِاَللَّهِ عِنْدَ مَالِكٍ أَرْبَعَةُ
أَيْمَانٍ: لَغْوُ الْيَمِينِ، وَيَمِينٌ غَمُوسٌ، وَقَوْلُهُ:
وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ وَوَاللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ. وَقَدْ فَسَّرْتُ
لَك ذَلِكَ كُلَّهُ وَمَا يَجِبُ فِيهِ شَيْئًا شَيْئًا.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ غَيْلَانِ بْنِ
جَرِيرٍ وَعَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: «أَتَيْتُ
رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَهْطٍ
مِنْ الْأَشْعَرِيِّينَ نَسْتَحْمِلُهُ فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا
أَحْمِلُكُمْ وَاَللَّهِ مَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ ثُمَّ
أَتَى بَابًا فَأَمَرَ لَنَا بِثَلَاثِ ذَوْدٍ فَلَمَّا انْطَلَقْنَا
قَالَ: أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
نَسْتَحْمِلُهُ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَحْمِلَنَا ثُمَّ حَمَلَنَا.
وَاَللَّهِ لَا يُبَارَكُ لَنَا ارْجِعُوا بِنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَتَيْنَاهُ
فَأَخْبَرْنَاهُ، فَقَالَ: مَا أَنَا حَمَلْتُكُمْ بَلْ اللَّهُ
حَمَلَكُمْ. إنِّي وَاَللَّهِ إنْ
(1/578)
شَاءَ اللَّهُ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ
فَأَرَى خَيْرًا مِنْهَا إلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» .
قَالَ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَيَحْنَثُ
فِيهَا حَتَّى نَزَلَتْ رُخْصَةُ اللَّهِ، فَقَالَ: لَا أَحْلِفُ عَلَى
يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إلَّا تَحَلَّلْتهَا
وَأَتَيْت الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَقَالَ مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ إنَّ
الْأَيْمَانَ أَرْبَعَةٌ يَمِينَانِ تُكَفَّرَانِ وَيَمِينَانِ لَا
تُكَفَّرَانِ.
قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ
عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ
أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ، قَالَ مَالِكٌ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ
أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ حَلَفَ
عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ
وَلْيَفْعَلْ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» .
قَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ سِنَانِ
بْنِ سَعْدٍ الْكِنْدِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ
حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَفْعَلْ الَّذِي
هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» .
قَالَ مَالِكٌ: وَالْكَفَّارَةُ بَعْدَ الْحِنْثِ أَحَبُّ إلَيَّ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ
قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رُبَّمَا حَنِثَ ثُمَّ
كَفَّرَ وَرُبَّمَا قَدَّمَ الْكَفَّارَةَ ثُمَّ يَحْنَثُ
[فِي الْحَالِفِ بِاَللَّهِ أَوْ اسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ]
ِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ الرَّجُلُ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ
اللَّهِ أَتَكُونُ أَيْمَانًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ
وَالْعَزِيزِ وَالسَّمِيعِ وَالْعَلِيمِ وَالْخَبِيرِ وَاللَّطِيفِ
هَذِهِ وَأَشْبَاهُهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا
يَمِينٌ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا.
هَذِهِ يَمِينٌ؟
قَالَ: نَعَمْ. هِيَ يَمِينٌ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: تَاللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا
أَوْ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَكَذَا؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهَا شَيْئًا وَهِيَ يَمِينٌ
يُكَفِّرُهَا
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: وَعِزَّةِ اللَّهِ وَكِبْرِيَاءِ
اللَّهِ وَقُدْرَةِ اللَّهِ وَأَمَانَةِ اللَّهِ؟
قَالَ: هَذِهِ عِنْدِي أَيْمَانٌ كُلُّهَا وَمَا أَشْبَهَهَا وَلَمْ
أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهَا شَيْئًا
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا
وَكَذَا. أَتَكُونُ هَذِهِ يَمِينًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ. أَرَاهَا يَمِينًا وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهَا
شَيْئًا.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ غَيْرِ
وَاحِدٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: بِاَللَّهِ وَتَاللَّهِ يَمِينٌ
وَاحِدَةٌ
[الرَّجُلُ يَحْلِفُ بِعَهْدِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ]
ِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَذِمَّتُهُ
وَكَفَالَتُهُ وَمِيثَاقُهُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: هَذِهِ
(1/579)
أَيْمَانٌ كُلُّهَا إلَّا الذِّمَّةَ
فَإِنِّي لَا أَحْفَظُهَا مِنْ قَوْلِهِ.
قَالَ مَالِكٌ: إذَا حَلَفَ بِهَذِهِ فَعَلَيْهِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ
يَمِينٌ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ قَالَ عَلَيَّ عَشْرُ كَفَالَاتٍ كَانَ
عَلَيْهِ عَشَرَةُ أَيْمَانٍ.
قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ عَلَيَّ عَشْرَةُ مَوَاثِيقَ
أَوْ عَشَرَةُ نُذُورٍ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَقَلُّ
لَزِمَهُ عِنْدَ مَالِكٍ عَدَدُ مَا قَالَ إنْ قَالَ عَشَرًا فَعَشْرُ
كَفَّارَاتٍ وَإِنْ قَالَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. فَأَكْثَرُ وَإِنْ
قَالَ أَقَلَّ فَأَقَلُّ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ قَوْلَهُ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ أَوْ مِيثَاقُ
اللَّهِ، وَقَوْلُهُ: مِيثَاقُ اللَّهِ وَعَهْدُ اللَّهِ أَيَكُونُ
هَذَا فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَيْمَانًا؟
قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ ابْنِ
شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ عَلَى عَهْدٍ فَحَنِثَ
فَلْيَتَصَدَّقْ بِمَا فَرَضَ اللَّهُ فِي الْيَمِينِ وَقَالَهُ ابْنُ
عَبَّاسٍ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ فِرَاسٍ عَنْ
الشَّعْبِيِّ قَالَ: إذَا قَالَ: عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ. فَهِيَ
يَمِينٌ قَالَ ابْن مَهْدِيِّ عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ
الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ مِثْلَ ذَلِكَ.
[الرَّجُلُ يَحْلِفُ يَقُولُ أُقْسِمُ أَوْ أَحْلِفُ وَأَشْهَدُ أَوْ
أَعْزِمُ]
ُ (قُلْتُ) أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا أُكَلِّمَ فُلَانًا
(قَالَ) قَالَ مَالِكٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلْيُكَلِّمْهُ (قَالَ)
ابْنُ الْقَاسِمِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: أَشْهَدُ
أَيْ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ يَمِينًا مِثْلَ مَا يَقُولُ أَشْهَدُ
بِاَللَّهِ فَهِيَ يَمِينٌ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ أَحْلِفُ أَنْ
لَا أُكَلِّمَ فُلَانًا أَتَكُونُ هَذِهِ يَمِينًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: سَأَلْت مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ أَقْسَمْتُ أَنْ لَا
أَفْعَلَ كَذَا وَكَذَا قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ
أَقْسَمْتُ أَيْ بِاَللَّهِ فَهِيَ يَمِينٌ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا
يُقْسِمُ إلَّا بِاَللَّهِ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. فَهَذَا
الَّذِي قَالَ: أَحْلِفُ أَنْ لَا أُكَلِّمَ فُلَانًا إنْ كَانَ
إنَّمَا أَرَادَ أَيْ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ فَذَلِكَ عَلَيْهِ وَهِيَ
يَمِينٌ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي
قَوْلِهِ: أَقْسَمْت إنْ لَمْ يُرِدْ بِاَللَّهِ فَلَا يَمِينَ
عَلَيْهِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا أَفْعَلَ كَذَا
وَكَذَا. أَتَكُونُ هَذِهِ يَمِينًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَشْهَدُ أَيْ أَشْهَدُ
بِاَللَّهِ فَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِهَا الْيَمِينَ فَهِيَ يَمِينٌ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: أَعْزِمُ أَنْ لَا أَفْعَلَ كَذَا
وَكَذَا. أَتَكُونُ هَذِهِ يَمِينًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: أَعْزِمُ بِاَللَّهِ أَنْ لَا أَفْعَلَ
كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: هَذَا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ يَمِينٌ عِنْدِي
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ الرَّجُلُ: أَعْزِمُ عَلَيْك بِاَللَّهِ
إلَّا مَا أَكَلْت. فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ أَيَكُونُ عَلَى الْعَازِمِ
أَوْ الْمُعَزَّمِ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا إلَّا أَنِّي لَا
(1/580)
أَرَى عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
شَيْئًا. قَالَ: لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: أَسْأَلُك
بِاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا وَكَذَا. فَيَأْبَى فَلَا شَيْءَ عَلَى
وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ. قَالَ: إذَا أَقْسَمَ الرَّجُلُ وَلَمْ
يَذْكُرْ اللَّهَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ حَتَّى يَذْكُرَ اللَّهَ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ
عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: أَقْسَمْت وَحَلَفْت لَيْسَتَا بِيَمِينٍ حَتَّى
يَحْلِفَ يَقُولُ بِاَللَّهِ. قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ إسْرَائِيلَ
عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُهَاجِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: إذَا
قَالَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْك فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ:
أَقْسَمْت بِاَللَّهِ فَهِيَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ
أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَرَى الْقَسَمَ يَمِينًا
يُكَفِّرُهَا إذَا حَنِثَ.
قَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ
الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ مِثْلَهُ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي نَجِيحٍ
عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ {وَأَقْسَمُوا بِاَللَّهِ جَهْدَ
أَيْمَانِهِمْ} [النور: 53] . قَالَ: هِيَ يَمِينُ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ إبْرَاهِيمَ قَالَ: سَمِعْتُ
الْحَسَنَ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا أَفْعَلَ كَذَا
وَكَذَا قَالَ: لَيْسَ بِيَمِينٍ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي
أَشْهَدُ قَالَ: أَرْجُو أَنْ لَا تَكُونَ يَمِينًا.
[الرَّجُلُ يَحْلِفُ يَقُولُ عَلِيَّ نَذْرٍ أَوْ يَمِينٍ]
ٍ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ؟
قَالَ: هِيَ يَمِينٌ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْتُ: وَسَوَاءٌ فِي قَوْلِ مَالِكٍ إنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ
نَذْرٌ. أَوْ قَالَ: عَلَيَّ نَذْرٌ هُوَ سَوَاءٌ عِنْدَ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ إنْ
فَعَلْت كَذَا وَكَذَا. فَحَنِثَ وَهُوَ يَنْوِي بِنَذْرِهِ ذَلِكَ
صَوْمًا أَوْ صَلَاةً أَوْ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ
أَوْ عِتْقًا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَا نَوَى بِنَذْرِهِ مِمَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ
إلَى اللَّهِ فَذَلِكَ لَهُ لَازِمٌ وَلَهُ نِيَّتُهُ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ
فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: عَلَيَّ نَذْرٌ وَلَمْ يَقُلْ:
كَفَّارَةُ يَمِينٍ. أَيَجْعَلُهَا كَفَّارَةَ يَمِينٍ فِي قَوْلِ
مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ عَلَيَّ يَمِينٌ إنْ فَعَلْت كَذَا
وَكَذَا وَلَمْ يُرِدْ الْيَمِينَ حِينَ حَلَفَ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ
لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فِي شَيْءٍ؟
قَالَ: أَرَى عَلَيْهِ الْيَمِينَ وَمَا سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ فِيهِ
شَيْئًا وَإِنَّمَا قَوْلُهُ عَلَيَّ يَمِينٌ كَقَوْلِهِ عَلَيَّ
عَهْدُ اللَّهِ أَوْ عَلَيَّ نَذْرٌ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ
عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ
عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ «قَالَ: أَشْهَدُ
لَسَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يَقُولُ: مَنْ نَذَرَ نَذْرًا
(1/581)
وَلَمْ يُسَمِّهِ فَكَفَّارَتُهُ
كَفَّارَةُ يَمِينٍ» . وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ إنَّ كَفَّارَتَهُ
كَفَّارَةُ يَمِينٍ إذَا لَمْ يُسَمِّ لِنَذْرِهِ مَخْرَجًا مِنْ
صَوْمٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ صَلَاةٍ.
قَالَ سَحْنُونٌ وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ
وَعَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَطَاوُسٌ وَالْحَسَنُ، وَقَالَ
ابْنُ مَسْعُودٍ يَعْتِقُ رَقَبَةً وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ
وَالنَّخَعِيُّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ
[الَّذِي يَحْلِفُ بِمَا لَا يَكُونُ يَمِينًا]
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ أَوْ
نَصْرَانِيٌّ أَوْ كَافِرٌ بِاَللَّهِ، أَوْ بَرِيءٌ مَنْ
الْإِسْلَامِ، إنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا. أَتَكُونُ هَذِهِ أَيْمَانًا
فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا لَيْسَتْ هَذِهِ أَيْمَانًا عِنْدَ مَالِكٍ
وَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ مِمَّا قَالَ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ عَلَيَّ حَرَامٌ إنْ فَعَلْت كَذَا
وَكَذَا أَتَرَى هَذَا يَمِينًا؟
قَالَ: لَا تَكُونُ فِي الْحَرَامِ يَمِينٌ.
قَالَ لِي مَالِكٌ: لَا يَكُونُ الْحَرَامُ يَمِينًا فِي شَيْءٍ مِنْ
الْأَشْيَاءِ لَا فِي طَعَامٍ وَلَا فِي شَرَابٍ وَلَا فِي أُمِّ
وَلَدٍ إنْ حَرَّمَهَا عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا خَادِمِهِ وَلَا عَبْدِهِ
وَلَا فَرَسِهِ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ إلَّا أَنْ
يُحَرِّمَ امْرَأَتَهُ فَيَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ، إنَّمَا ذَلِكَ فِي
امْرَأَتِهِ وَحْدَهَا
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ قَوْلَهُ لَعَمْرٌ أَتَكُونُ هَذِهِ يَمِينًا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ لَا تَكُونُ يَمِينًا
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ الرَّجُلُ بِحَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ
كَقَوْلِهِ: هُوَ زَانٍ هُوَ سَارِقٌ، إنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا؟
قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ فِي هَذَا شَيْءٌ عِنْدَ مَالِكٍ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ بِشَيْءٍ مِنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ،
كَقَوْلِهِ وَالصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ لَا أَفْعَلُ كَذَا
وَكَذَا فَفَعَلَهُ أَتَكُونُ هَذِهِ أَيْمَانًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: مَا سَمِعْت عَنْ مَالِكٍ فِيهَا شَيْئًا وَلَا أَحَدَ
يَذْكُرُهُ عَنْهُ وَلَا أَرَى فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ يَمِينًا
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ الرَّجُلُ أَنَا كَافِرٌ بِاَللَّهِ إنْ
فَعَلْت كَذَا وَكَذَا أَتَكُونُ هَذِهِ يَمِينًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا تَكُونُ هَذِهِ يَمِينًا وَلَا يَكُونُ
كَافِرًا حَتَّى يَكُونَ قَلْبُهُ مُضْمِرًا عَلَى الْكُفْرِ
وَبِئْسَمَا قَالَ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: هُوَ يَأْكُلُ الْخِنْزِيرَ أَوْ لَحْمَ
الْمَيْتَةِ أَوْ يَشْرَبُ الدَّمَ أَوْ الْخَمْرَ إنْ فَعَلَ كَذَا
وَكَذَا. أَيَكُونُ شَيْءٌ مِنْ هَذَا يَمِينًا عِنْدَ مَالِكٍ أَمْ
لَا؟
قَالَ: لَا يَكُونُ ذَلِكَ يَمِينًا لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: مَنْ
قَالَ: أَنَا أَكْفُرُ بِاَللَّهِ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا فَكَذَلِكَ
هَذَا.
قَالَ: ابْنُ وَهْبٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ دَاوُد بْنِ
أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: آلَى رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعُوتِبَ فِي
التَّحْرِيمَ. فَأُمِرَ بِالْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ.
قَالَ مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: حَرَّمَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمَّ إبْرَاهِيمَ
فَقَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ. وَوَاللَّهِ مَا
(1/582)
أَمْسَكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ
مَا أَنْزَلَ.
قَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ دَاوُد
بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّمَ وَحَلَفَ فَأَمَرَهُ اللَّهُ
أَنْ يُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ
عُبَيْدٍ الْمُكْتِبِ قَالَ: سَأَلْت إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ
رَجُلٍ قَالَ: الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ إنْ أَكَلَ مَنْ لَحْمِ
هَذِهِ الْبَقَرَةِ.
قَالَ: أَلَهُ امْرَأَةٌ؟
قَالَ: قُلْتُ لَهُ، نَعَمْ، قَالَ: لَوْلَا امْرَأَتُهُ لَأَكَلَ مِنْ
لَحْمِهَا
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: عَلَيْهِ لَعْنَةُ
اللَّهِ أَوْ عَلَيْهِ غَضَبُ اللَّهِ إنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا
أَيَكُونُ هَذَا يَمِينًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ مَالِكٌ: لَا يَكُونُ يَمِينًا
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: أَحْرَمَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ
وَأَدْخَلَهُ النَّارَ إنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا أَيَكُونُ هَذَا
يَمِينًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا يَكُونُ هَذَا يَمِينًا
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَقُولُ لِلرَّجُلِ وَأَبِي وَأَبِيك
وَحَيَاتِي وَحَيَاتِك وَعَيْشِي وَعَيْشِك؟
قَالَ مَالِكٌ: هَذَا مِنْ كَلَامِ النِّسَاءِ وَأَهْلِ الضَّعْفِ مِنْ
الرِّجَالِ فَلَا يُعْجِبُنِي هَذَا وَكَانَ يَكْرَهُ الْأَيْمَانَ
بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى قُلْتُ: فَهَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ
لِلرَّجُلِ أَنْ يَحْلِفَ بِهَذَا أَنْ يَقُولَ: وَالصَّلَاةِ لَا
أَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا أَوْ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْت لَك؟
قَالَ: كَانَ يَكْرَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَنْ حَلَفَ
فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ وَإِلَّا فَلَا يَحْلِفْ، وَكَانَ يَكْرَهُ
الْيَمِينَ بِغَيْرِ اللَّهِ
. قَالَ: وَلَقَدْ سَأَلْنَا مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ رَغِمَ
أَنْفِي لِلَّهِ. فَقَالَ: مَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ
عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: رَغِمَ أَنْفِي لِلَّهِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يُمِتْنِي حَتَّى قَطَعَ مُدَّةَ
الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَمَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ رَغِمَ أَنْفِي
لِلَّهِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ
قَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ
أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ قَالَ عَلَيْهِ لَعْنَةُ
اللَّهِ إنْ لَمْ يَفْعَلْ كَذَا وَكَذَا قَالَ: لَا أَرَى عَلَيْهِ
يَمِينًا
قَالَ مَالِكٌ: وَقَالَ عَطَاءٌ فِي رَجُلٍ قَالَ: أَخْزَاهُ اللَّهُ
إنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا. ثُمَّ فَعَلَهُ قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ
شَيْءٌ.
قَالَ الشَّعْبِيُّ فِي رَجُلٍ قَالَ: قَطَعَ اللَّهُ يَدَهُ أَوْ
رِجْلَهُ أَوْ صُلْبَهُ يَحْلِفُ بِالشَّيْءِ يَدْعُو بِهِ عَلَى
نَفْسِهِ فَحَنِثَ قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عَطَا عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «حَلَفْت
بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَأَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ: إنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ
بِالْجَاهِلِيَّةِ فَحَلَفْت بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى. قَالَ: قُلْ لَا
إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. ثَلَاثًا
وَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَلَا تَعُدْ.» قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَمَّنْ
سَمِعَ ابْنَ الْمُسَيِّبِ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إنِّي حَلَفْت
بِيَمِينٍ قَالَ: مَا هِيَ؟ قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا
هُوَ قُلْتُ: لَا. قَالَ: قُلْتُ عَلَيَّ نَذْرٌ قُلْتُ: لَا. قَالَ:
قُلْتُ: أَكَفَرْت بِاَللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَقُلْ آمَنْت
(1/583)
بِاَللَّهِ. فَإِنَّهَا كَفَّارَةٌ لِمَا
قُلْتُ.
قَالَ: ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ
الزُّهْرِيِّ عَنْ أُمِّ بَكْرِ بِنْتِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ
الزُّهْرِيِّ أَنَّ الْمِسْوَرَ دَخَلَ فَأَلْزَمهُ جَعْفَرُ يَقُولُ:
كَفَرْت بِاَللَّهِ أَوْ أَشْرَكْت بِاَللَّهِ فَقَالَ الْمِسْوَرُ
بْنُ مَخْرَمَةَ: سُبْحَانَ اللَّهِ لَا أَكْفُرُ بِاَللَّهِ وَلَا
أُشْرِكُ بِاَللَّهِ، وَضَرَبَهُ وَقَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، قُلْ
آمَنْتُ بِاَللَّهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ
وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ عَلَيَّ غَضَبُ اللَّهِ
قَالَ: لَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَ عَلَيْهِ كَفَّارَةً، يَرَوْنَ أَنَّهُ
أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: إنَّ
نَافِعًا حَدَّثَهُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ عُمَرَ يَقُولُ:
لَا وَأَبِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ
فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» .
قَالَ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِرَجُلٍ حَلَفَ بِاَللَّهِ: وَاَللَّهِ
لَأَنْ أَحْلِفَ بِاَللَّهِ مِائَةً ثُمَّ آثَمُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ
أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِهِ مَرَّةً ثُمَّ أَبَرُّ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مِسْعَرِ بْنِ
كِدَامٍ عَنْ وَبَرَةَ عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ: لَأَنْ أَحْلِفَ بِاَللَّهِ
كَاذِبًا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِهِ صَادِقًا
[الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْيَمِينِ]
ِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ رَجُلٌ عَلَيَّ نَذْرٌ إنْ كَلَّمْتُ
فُلَانًا إنْ شَاءَ اللَّهُ؟
قَالَ مَالِكٌ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ: عَلَيْهِ. وَهَذَا مِثْلُ
الْحَلِفِ بِاَللَّهِ عِنْدَ مَالِكٍ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ
جَائِزٌ وَهِيَ يَمِينٌ كَفَّارَتُهَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ
بِاَللَّهِ، فَأَرَاهَا بِمَنْزِلَةِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ
وَالِاسْتِثْنَاءُ فِيهَا جَائِزٌ وَلَغْوُ الْيَمِينِ يَكُونُ أَيْضًا
فِيهَا، وَكَذَلِكَ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا
إنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ فَعَلَهُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ أَرَادَ بِذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءَ
فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ أَرَادَ قَوْلَ اللَّهِ فِي
كِتَابِهِ {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا}
[الكهف: 23] {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 24] وَلَمْ يُرِدْ
الِاسْتِثْنَاءَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ ثُمَّ سَكَتَ ثُمَّ
اسْتَثْنَى بَعْدَ السُّكُوتِ؟
قَالَ: لَا يَنْفَعُهُ وَكَذَلِكَ قَالَ لِي مَالِكٌ إلَّا أَنْ
يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ نَسَقًا مُتَتَابِعًا فَقُلْنَا لِمَالِكٍ:
فَلَوْ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الِاسْتِثْنَاءَ حِينَ ابْتِدَاءِ
الْيَمِينِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْيَمِينِ ذَكَرَ، فَنَسِقَهَا
بِهَا وَتَدَارَكَ الْيَمِينَ بِالِاسْتِثْنَاءِ بَعْدَ انْقِضَاءِ
يَمِينِهِ إلَّا أَنَّهُ قَدْ وَصَلَ الِاسْتِثْنَاءَ بِالْيَمِينِ،
قَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ نَسِقَهَا بِهَا فَذَلِكَ لَهَا اسْتِثْنَاءٌ،
وَإِنْ كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ صُمَاتٌ، فَلَا شَيْءَ لَهُ. وَنَزَلَتْ
بِالْمَدِينَةِ فَأَفْتَى بِهَا مَالِكٌ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَقَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ اسْتَثْنَى فِي نَفْسِهِ
وَلَمْ يُحَرِّكْ لِسَانَهُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِذَلِكَ.
(1/584)
قَالَ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: مَنْ قَالَ: وَاَللَّهِ ثُمَّ قَالَ: إنْ
شَاءَ اللَّهُ وَلَمْ يَفْعَلْ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَأَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ
ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ قُسَيْطٍ وَعَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَابْنِ شِهَابٍ
وَطَاوُسٍ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَمُجَاهِدٍ مِثْلَهُ.
وَقَالَ عَطَاءٌ: مَا لَمْ يَقْطَعْ الْيَمِينَ وَتَبَرَّكَ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ
إبْرَاهِيمَ قَالَ: إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ فَلَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ
مَا كَانَ الْكَلَامُ مُتَّصِلًا.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ فِي رَجُلٍ
حَلَفَ وَاسْتَثْنَى فِي نَفْسِهِ قَالَ: فَلَيْسَ بِشَيْءٍ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ الْأَبْرَشِ عَنْ
إبْرَاهِيمَ فِي رَجُلٍ حَلَفَ وَاسْتَثْنَى فِي نَفْسِهِ قَالَ:
لَيْسَ بِشَيْءٍ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ مُحَمَّدٍ الضَّبِّيِّ
قَالَ: سَأَلْت إبْرَاهِيمَ فِي رَجُلٍ حَلَفَ وَاسْتَثْنَى فِي
نَفْسِهِ، قَالَ: لَا حَتَّى يَجْهَرَ بِالِاسْتِثْنَاءِ كَمَا جَهَرَ
بِالْيَمِينِ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ ذِمِّيًّا حَلَفَ بِاَللَّهِ أَنْ لَا
يَفْعَلَ كَذَا وَكَذَا فَحَنِثَ بِهَا بَعْدَ إسْلَامِهِ أَتَجِبُ
عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عِنْدَ مَالِكٍ
[النُّذُورُ فِي مَعْصِيَةٍ أَوْ طَاعَةٍ]
ٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي النَّذْرِ: إنَّهُ مَنْ نَذَرَ أَنْ
يُطِيعَ اللَّهَ فِي صَلَاةٍ أَوْ صِيَامٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ
غَزْوٍ أَوْ رِبَاطٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَكُلِّ
عَمَلٍ يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ، فَقَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ أَنْ
أَحُجَّ أَوْ أُصَلِّيَ كَذَا وَكَذَا أَوْ أَعْتِقَ أَوْ أَتَصَدَّقَ
بِشَيْءٍ يُسَمِّيهِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَا
يُجْزِئُهُ إلَّا الْوَفَاءُ لِلَّهِ بِهِ. كَانَ ذَلِكَ النَّذْرُ
تَطَوُّعًا جَعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ يَمِينًا فَحَنِثَ فِي ذَلِكَ
فَذَلِكَ وَاجِبٌ
قَالَ: وَإِنْ كَانَ حَلَفَ فَقَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ إنْ لَمْ أَعْتِقْ
رَقَبَةً أَوْ إنْ لَمْ أَحُجَّ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ مَا أَشْبَهَ
ذَلِكَ مِمَّا سَمَّيْت لَك حَلَفَ بِهِ فَقَالَ: إنْ لَمْ أَفْعَلْ
كَذَا وَكَذَا فَعَلَيَّ نَذْرٌ إنْ لَمْ أَعْتِقْ رَقَبَةً فَهُوَ
مُخَيَّرٌ إنْ أَحَبَّ أَنْ يَفْعَلَ مَا نَذَرَ مِنْ الطَّاعَةِ،
فَلْيَفْعَلْ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَتْرُكَ
ذَلِكَ وَيُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ كَفَّرَ، وَإِنْ كَانَ لِنَذْرِهِ
ذَلِكَ أَجَلٌ. مِثْلُ أَنْ يَقُولَ عَلَيَّ نَذْرٌ إنْ لَمْ أَحُجَّ
الْعَامَ أَوْ عَلَيَّ نَذْرٌ إنْ لَمْ أَغْزُ الْعَامَ أَوْ إنْ لَمْ
أَصُمْ رَجَبَ فِي هَذَا الْعَامِ أَوْ إنْ لَمْ أَرْكَعْ فِي هَذَا
الْيَوْمِ عَشْرَ رَكَعَاتٍ فَإِنْ فَاتَ الْأَجَلُ فِي هَذَا كُلِّهِ
قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَهُ فَعَلَيْهِ الْحِنْثُ، وَيُكَفِّرُ عَنْ
يَمِينِهِ بِكَفَّارَةِ الْيَمِينِ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَعَلَ
لِنَذْرِهِ مَخْرَجًا، فَعَلَيْهِ ذَلِكَ الْمَخْرَجُ إذَا حَنِثَ،
وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: عَلَيَّ نَذْرٌ؛ صَدَقَةُ دِينَارٍ
أَوْ عِتْقُ رَقَبَةٍ أَوْ صِيَامُ شَهْرٍ إنْ لَمْ أَحُجَّ الْعَامَ
أَوْ إنْ لَمْ أَغْزُ الْعَامَ أَوْ يَنْوِي ذَلِكَ وَمَا أَشْبَهَ
ذَلِكَ فَإِنْ فَاتَ الْأَجَلُ الَّذِي وَقَّتَ إلَيْهِ ذَلِكَ
(1/585)
الْفِعْلَ فَقَدْ يَسْقُطُ عَنْهُ ذَلِكَ
الْفِعْلُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ مَا نَذَرَ لَهُ مِمَّا سَمَّى. وَإِنْ
لَمْ يَجْعَلْ لِنَذْرِهِ مَخْرَجًا فَهُوَ عَلَى مَا فَسَّرْت لَك
يُكَفِّرُ كَفَّارَةَ يَمِينٍ.
قَالَ: وَمَنْ نَذَرَ فِي شَيْءٍ مَنْ مَعَاصِي اللَّهِ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى فَقَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ إنْ لَمْ أَشْرَبْ الْخَمْرَ أَوْ
إنْ لَمْ أَقْتُلْ فُلَانًا أَوْ إنْ لَمْ أَزْنِ بِفُلَانَةَ أَوْ مَا
كَانَ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ فَإِنَّهُ يُكَفِّرُ نَذْرَهُ فِي ذَلِكَ
إذَا قَالَ: إنْ لَمْ أَفْعَلْ فَالْكَفَّارَةُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ
إنْ لَمْ يَجْعَلْ لِنَذْرِهِ مَخْرَجًا يُسَمِّيه وَلَا يَرْكَبُ
مَعَاصِيَ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ جَعَلَ لِنَذْرِهِ مَخْرَجَ شَيْءٍ
مُسَمًّى مِنْ مَشْيٍ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ صِيَامٍ أَوْ مَا
أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ أَنْ يَفْعَلَ مَا سُمِّيَ مِنْ
ذَلِكَ وَلَا يَرْكَبُ مَعَاصِيَ اللَّهِ، فَإِنْ اجْتَرَأَ عَلَى
اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَفَعَلَ مَا قَالَ مِنْ الْمَعْصِيَةِ
فَإِنَّ النَّذْرَ يَسْقُطُ عَنْهُ، كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ أَوْ لَمْ
يَكُنْ وَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَاَللَّهُ حَسِيبُهُ. قَالَ:
وَقَوْلُهُ لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ. مِثْلُ أَنْ يَقُولَ عَلَيَّ
نَذْرٌ أَنْ أَشْرَبَ الْخَمْرَ، أَوْ قَالَ: عَلَيَّ نَذْرٌ شُرْبُ
الْخَمْرِ فِيهَا بِمَنْزِلَةِ وَاحِدَةٍ، فَلَا يَشْرَبُهَا، وَلَا
كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ، وَقَدْ
كَذَبَ؛ لَيْسَ شُرْبُ الْخَمْرِ مِمَّا يُنْذَرُ لِلَّهِ وَلَا
يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ. قَالَ: فَإِنْ قَالَ: عَلَيَّ نَذْرٌ
أَنْ أَشْرَبَ الْخَمْرَ. فَلَا يَشْرَبُهَا وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ
وَهُوَ عَلَى بِرٍّ إلَّا أَنْ يَجْتَرِئَ عَلَى اللَّهِ فَيَشْرَبُهَا
فَيُكَفِّرُ يَمِينَهُ بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَعَلَ
لَهُ مَخْرَجًا سَمَّاهُ وَأَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ عِتْقٍ أَوْ
صَدَقَةٍ أَوْ صِيَامٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَيَكُونُ ذَلِكَ
عَلَيْهِ مَعَ مَا سَمَّى مِنْ ذَلِكَ إنْ كَانَ شَرِبَهَا.
قَالَ: وَإِنْ قَالَ: عَلَيَّ نَذْرٌ أَنْ أَفْعَلَ كَذَا وَكَذَا
بِشَيْءٍ لَيْسَ لِلَّهِ بِطَاعَةٍ وَلَا مَعْصِيَةٍ، مِثْلَ أَنْ
يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَمْشِيَ إلَى السُّوقِ أَوْ إلَى
بَيْتِ فُلَانٍ، أَوْ أَنْ أَدْخُلَ الدَّارَ، أَوْ مَا أَشْبَهَ
ذَلِكَ مِنْ الْأَعْمَالِ الَّتِي لَيْسَتْ لِلَّهِ بِطَاعَةٍ وَلَا
لِلَّهِ فِي فِعْلِهَا مَعْصِيَةٌ، فَإِنَّهُ إنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِنْ
شَاءَ تَرَكَ، فَإِنْ فَعَلَ فَلَا وَفَاءَ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ
يَفْعَلْ فَلَا نَذْرَ فِيهِ عَلَيْهِ وَلَا شَيْءَ لِأَنَّ الَّذِي
تَرَكَ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ لِلَّهِ فِيهِ طَاعَةٌ فَيَكُونُ مَا تَرَكَ
مِنْ ذَلِكَ حَقًّا لِلَّهِ تَرَكَهُ فَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ مَالِكٍ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ
عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ
اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ» .
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ: وَأَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ أَهْل
الْعِلْمِ وَابْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَطَاوُسٌ وَزَيْدُ بْنُ
أَسْلَمَ وَمُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْكِنَانِيُّ وَعَمْرُو بْنُ
الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَخَطَبَ
فَجَاءَتْ مِنْهُ الْتِفَاتَةٌ فَإِذَا هُوَ بِأَبِي إسْرَائِيلَ
رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ قَائِمًا فِي الشَّمْسِ،
فَقَالَ: مَا شَأْنُ أَبِي إسْرَائِيلَ فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ:
اسْتَظِلَّ وَتَكَلَّمْ وَاقْعُدْ وَصَلِّ وَأَتِمَّ صَوْمَك» .
وَقَالَ طَاوُسٌ فِي الْحَدِيثِ فَنَهَاهُ عَنْ الْبِدَعِ وَأَمَرَهُ
بِالصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ.
(1/586)
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ
أَنَسٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ وَثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ
«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى
رَجُلًا قَائِمًا فِي الشَّمْسِ فَقَالَ: مَا بَالُ هَذَا؟ قَالُوا:
نَذَرَ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ وَلَا يَسْتَظِلَّ وَلَا يَجْلِسَ وَأَنْ
يَصُومَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-: مُرُوهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَجْلِسْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيُتِمَّ
صِيَامَهُ» . قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ بِكَفَّارَةٍ وَقَدْ
أَمَرَهُ أَنْ يُتِمَّ مَا كَانَ لِلَّهِ طَاعَةً وَأَنْ يَتْرُكَ مَا
كَانَ لِلَّهِ مَعْصِيَةً
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَقُولُ: وَاَللَّهِ لَأَضْرِبَنَّ
فُلَانًا أَوْ لَأَقْتُلَنَّ فُلَانًا؟
قَالَ: يُكَفِّرُ يَمِينَهُ وَلَا يَفْعَلُ فَإِنْ فَعَلَ مَا حَلَفَ
عَلَيْهِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ فَقَالَ: امْرَأَتُهُ طَالِقٌ أَوْ
عَبْدُهُ حُرٌّ أَوْ عَلَيْهِ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ إنْ لَمْ
أَقْتُلْ فُلَانًا أَوْ إنْ لَمْ أَضْرِبْ فُلَانًا؟
قَالَ: أَمَّا الْمَشْيُ فَلْيَمْشِ وَلَا يَضْرِبُ فُلَانًا وَلَا
يَقْتُلُهُ، وَأَمَّا الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي
لِلْإِمَامِ أَنْ يُعْتِقَ عَلَيْهِ وَيُطَلِّقَ وَلَا يَنْتَظِرُ
فِيهِ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَإِنْ قَتَلَهُ أَوْ ضَرَبَهُ فِي
هَذَا كُلِّهِ قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَوْ
يُعْتِقَ أَوْ يَحْنَثَ نَفْسَهُ بِالْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ
فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ وَاَللَّهِ
لَأُطَلِّقَنَّكِ. إنْ طَلَّقَ فَقَدْ بَرَّ وَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْ
فَلَا يَحْنَثُ، إلَّا أَنْ يَمُوتَ الرَّجُلُ أَوْ الْمَرْأَةُ وَهُوَ
بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ طَلَّقَ وَإِنْ شَاءَ كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ.
قُلْتُ: وَيُجْبَرُ عَلَى الْكَفَّارَةِ وَأَنْ يُطَلِّقَ فِي قَوْلِ
مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا.
قُلْتُ: وَلَا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ فِي قَوْلِ
مَالِكٍ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ؟
قَالَ: لَا.
قُلْتُ: أَفَيَكُونُ بِهَذَا مُوَلِّيًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْن لِعَبْدِ
اللَّهِ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ:
سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ رَجُلٍ نَذَرَ أَنْ لَا
يُكَلِّمَ أَخَاهُ أَوْ بَعْضَ أَهْلِهِ قَالَ: يُكَلِّمُهُ
وَيُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ
مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ الْمُسَيِّبِ
وَرِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ إذَا نَذَرَ الرَّجُلُ
نَذْرًا لَيْسَ فِيهِ مَعْصِيَةُ اللَّهِ، فَلَيْسَ فِيهِ كَفَّارَةٌ
إلَّا الْوَفَاءُ بِهِ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي
جَمْرَةَ قَالَ: قَالَتْ امْرَأَةٌ لَابْنِ عَبَّاسٍ: إنِّي نَذَرْت
أَنْ لَا أَدْخُلَ عَلَى أَخِي حَتَّى أَبْكِيَ عَلَى أَبِي فَقَالَ:
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ كَفِّرِي
عَنْ يَمِينِك وَادْخُلِي عَلَيْهِ. قُلْتُ: وَمَا كَفَّارَتُهُ؟
قَالَ: كَفَّارَةُ يَمِينٍ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي
جَمْرَةَ أَنَّ رَجُلًا أَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ وَفِي أَنْفِهِ حَلْقَةُ
فِضَّةٍ فَقَالَ: إنِّي نَذَرْت أَنْ أَجْعَلَهَا فِي أَنْفِي.
فَقَالَ: أَلْقِهَا وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا كَفَّارَةً.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتِ
الْبُنَانِيِّ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ قُلْتُ: إنِّي نَذَرْت أَنْ
لَا أَدْخُلَ عَلَى أَخِي. فَقَالَ: لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ كَفِّرْ
عَنْ يَمِينِكَ وَادْخُلْ عَلَى أَخِيك.
(1/587)
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ
الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ فِي رَجُلٍ حَلَفَ أَنْ لَا يَصِلَ
رَحِمَهُ. قَالَ: يُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ وَيَصِلُ رَحِمَهُ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ
إبْرَاهِيمَ قَالَ: كُلُّ يَمِينٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَعَلَيْهِ
الْكَفَّارَةُ
[الرَّجُلُ يَحْلِفُ عَلَى أَمْرٍ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ أَوْ
لَيَفْعَلَنَّهُ]
ُ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَأَضْرِبَنَّ فُلَانًا
وَلَمْ يُوَقِّتْ لِذَلِكَ أَجَلًا أَوْ وَقَّتَ فِي ذَلِكَ أَجَلًا.
قَالَ: أَرَى إذَا لَمْ يُوَقِّتْ فِي ذَلِكَ أَجَلًا فَلْيُكَفِّرْ
عَنْ يَمِينِهِ وَلَا يَضْرِبُ فُلَانًا، وَإِنْ وَقَّتَ لِذَلِكَ
أَجَلًا فَلَا يُكَفِّرُ حَتَّى يَمْضِيَ الْأَجَلُ، لِأَنِّي سَأَلْت
مَالِكًا عَنْ الَّذِي يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً
إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك. فَأَرَادَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ
عَلَيْهَا.
قَالَ مَالِكٌ: يُطَلِّقُهَا تَطْلِيقَةً وَيَرْتَجِعُهَا وَلَا شَيْءَ
عَلَيْهِ، وَلِأَنِّي سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الَّذِي يَقُولُ
لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ
عَلَيْك إلَى شَهْرٍ.
قَالَ مَالِكٌ: هُوَ عَلَى بِرٍّ فَلْيَطَأْهَا، فَإِذَا كَانَ عَلَى
بِرٍّ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْنَثَ نَفْسَهُ قَبْل أَنْ يَحْنَثَ،
لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْنَثُ حِينَ يَمْضِي الْأَجَلُ، وَإِنَّ الَّذِي
لَمْ يُوَقِّتْ الْأَجَلَ إنَّمَا هُوَ عَلَى حِنْثٍ مِنْ يَوْمِ
يَحْلِفُ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لَهُ كَفِّرْ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَضْرِبُ فُلَانًا
قَالَ: هَذَا لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَضْرِبَ فُلَانًا. وَأَصْلُ هَذَا
كُلِّهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ
لَيَفْعَلَنَّهُ فَهُوَ عَلَى حِنْثٍ حَتَّى يَفْعَلَهُ لِأَنَّا لَا
نَدْرِي أَيَفْعَلُهُ أَمْ لَا. قَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ
لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَدْخُلْ دَارَ فُلَانٍ أَوْ
إنْ لَمْ أَضْرِبْ فُلَانًا فَإِنَّهُ يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
امْرَأَتِهِ، وَيُقَالُ لَهُ: افْعَلْ مَا حَلَفْت عَلَيْهِ وَإِلَّا
دَخَلَ عَلَيْك الْإِيلَاءُ، فَهَذَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّهُ حَنِثَ
حَتَّى يَبَرَّ لِأَنَّا لَا نَدْرِي أَيَفْعَلُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ
أَمْ لَا. قَالَ: وَمَنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ
فَهُوَ عَلَى بِرٍّ حَتَّى يَفْعَلَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ
حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ أَنَّهُ لَا
يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ:
فَهَذَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّهُ عَلَى بِرٍّ حَتَّى يَحْنَثَ وَهَذَا
كُلُّهُ قَوْلُ مَالِكٍ
[الرَّجُلُ يَحْلِفُ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ يُرَدِّدُ فِيهِ
الْأَيْمَانَ]
َ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّهُ قَالَ لِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ لَهُ:
وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُكُنَّ فَجَامَعَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ
أَيَكُونُ حَانِثًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ قُلْتُ لَهُ: فَلَهُ أَنْ يُجَامِعَ الْبَوَاقِيَ قَبْلَ
أَنْ يُكَفِّرَ؟
قَالَ: قَدْ كَانَ لَهُ أَنْ يُجَامِعَهُنَّ كُلَّهُنَّ قَبْلَ أَنْ
يُكَفِّرَ وَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ عِنْدَ
مَالِكٍ فِي جِمَاعِهِنَّ كُلِّهِنَّ أَوْ فِي جِمَاعِ وَاحِدَةٍ
مِنْهُنَّ
(1/588)
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: وَاَللَّهِ
لَا أَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ، وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا
وَاَللَّهِ لَا أَضْرِبُ فُلَانًا فَفَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ، مَاذَا
يَجِبُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: يَجِبُ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيْمَانٍ، فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ،
كَفَّارَةُ يَمِينٍ
قُلْتُ: فَإِنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ وَلَا
أُكَلِّمُ فُلَانًا وَلَا أَضْرِبُ فُلَانًا فَفَعَلَهَا كُلَّهَا؟
قَالَ: عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْتُ: فَإِنْ فَعَلَ وَاحِدَةً مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ؟
قَالَ: إذَا فَعَلَ وَاحِدَةً مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ
فَقَدْ حَنِثَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيمَا فَعَلَ مِنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ
شَيْءٌ.
قُلْتُ: لِمَ أَحْنَثْتَهُ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ مِنْ هَذِهِ
الْأَشْيَاءِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ شَيْئًا
مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُك وَاَللَّهِ
لَا أُجَامِعُك. أَيَكُونُ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَاحِدَةٍ فِي
قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ
فُلَانٍ ثُمَّ يَحْلِفُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ أَنْ لَا
يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ لِتِلْكَ الدَّارِ بِعَيْنِهَا الَّتِي حَلَفَ
عَلَيْهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنَّمَا عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ.
قُلْتُ: فَإِنْ نَوَى يَمِينَيْنِ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ.؟
قَالَ: إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهِيَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ
كَانَا يَمِينَيْنِ فَكَفَّارَتَانِ مِثْلَ مَا يَنْذِرُهُمَا لِلَّهِ
عَلَيْهِ فَأَرَى ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَمْ أَسْمَعْ هَذَا. هَكَذَا مِنْ
مَالِكٍ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ أَنْ لَا أَفْعَلَ
كَذَا وَكَذَا ثُمَّ يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ
أَيْضًا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ ثُمَّ يَفْعَلُهُ؟
قَالَ: يَحْنَثُ فِي ذَلِكَ وَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ كُلُّهُ.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا
وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا.
وَفُلَانٌ هَذَا إنَّمَا هُوَ فِي أَيْمَانِهِ رَجُلٌ وَاحِدٌ، ثُمَّ
قَالَ: إنَّمَا أَرَدْتَ ثَلَاثَةَ أَيْمَانِ أَيَكُونُ عَلَيْهِ
كَفَّارَاتٌ ثَلَاثٌ أَمْ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: إنَّمَا قَالَ مَالِكٌ: مَنْ حَلَفَ مِرَارًا بِاَللَّهِ
فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ بِأَيْمَانِي هَذِهِ
ثَلَاثَ أَيْمَانٍ لِلَّهِ عَلَيَّ كَالنُّذُورِ وَرَأَيْت ذَلِكَ
عَلَيْهِ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: مَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ نُذُورٌ
ثَلَاثَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَيْمَانٍ أَوْ
أَرْبَعَةٌ فَكَذَلِكَ هَذَا إذَا قَالَ: أَرَدْت ثَلَاثَةَ أَيْمَانٍ
لِلَّهِ عَلَيَّ كَالنُّذُورِ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَيْهِ.
قُلْتُ أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: أَرَدْت ثَلَاثَةَ أَيْمَانٍ وَلَوْ لَمْ
يَقُلْ: لِلَّهِ عَلَيَّ. أَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَيْهِ؟
قَالَ: نَعَمْ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ نَوَى بِالْيَمِينِ الثَّانِيَةِ غَيْرَ
الْيَمِينِ الْأُولَى، وَبِالْيَمِينِ الثَّالِثَةِ غَيْرَ الْيَمِينِ
الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، أَيَكُونُ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيْمَانٍ؟
قَالَ: لَا يَكُونُ عَلَيْهِ أَبَدًا إلَّا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، لَا
أَنْ يُرِيدَ بِهَا مُجْمَلَ النُّذُورِ ثَلَاثَةَ أَيْمَانٍ يَكُونُ
ذَلِكَ عَلَيْهِ كَمَا وَصَفْت لَك.
قَالَ: ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ هِشَامٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ
قَالَ: إذَا حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَاحِدَةٍ فِي شَيْءٍ فِي مَقَاعِدَ
شَتَّى فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ
(1/589)
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَطَاءٍ فِي
رَجُلٍ حَلَفَ عَشَرَةَ أَيْمَانٍ ثُمَّ حَنِثَ. قَالَ: إنْ كَانَ فِي
أَمْرٍ وَاحِدٍ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ
هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ فِي رَجُلٍ حَلَفَ فِي أَمْرٍ
وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، قَالَ عُرْوَةُ: فَعَلَيْهِ
كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ ابْنِ
جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ عَلَى الشَّيْءِ
الْوَاحِدِ أَيْمَانًا شَتَّى قَالَ: عَلَيْهِ لِكُلِّ يَمِينٍ
كَفَّارَةٌ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ
ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: إذَا حَلَفَ عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ لِقَوْمٍ
شَتَّى وَحَلَفَ عَلَيْهِ أَيْمَانًا يَنْوِي يَمِينًا وَاحِدَةً
بِاَللَّهِ فَفِي ذَلِكَ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى
أَمْرٍ وَاحِدٍ أَيْمَانًا شَتَّى فَكَفَّارَتُهُنَّ شَتَّى إنْ حَنِثَ
[الْكَفَّارَةُ قَبْلَ الْحِنْثِ]
ِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ فَأَرَادَ أَنْ يُكَفِّرَ
قَبْلَ الْحِنْثِ أَيُجْزِئُ ذَلِكَ عَنْهُ أَمْ لَا؟
قَالَ: أَمَّا قَوْلُك يُجْزِئُ عَنْهُ فَإِنَّا لَمْ نُوقِفْ مَالِكًا
عَلَيْهِ، إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَا تَجِبُ عَلَيْهِ
الْكَفَّارَةُ إلَّا بَعْدَ الْحِنْثِ، قَالَ مَالِكٌ: وَلَا أُحِبُّ
لِأَحَدٍ أَنْ يُكَفِّرَ قَبْلَ الْحِنْثِ، فَاخْتَلَفْنَا فِي
الْإِيلَاءِ أَيُجْزِئُ عَنْهُ إذَا كَفَّرَ قَبْلَ الْحِنْثِ
فَسَأَلْنَا مَالِكًا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: أَعْجَبُ إلَيَّ أَنْ لَا
يُكَفِّرَ إلَّا بَعْدَ الْحِنْثِ، فَإِنْ فَعَلَ أَجْزَأَ ذَلِكَ
عَنْهُ وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ أَيْسَرُ مِنْ الْإِيلَاءِ وَأَرَاهَا
مُجْزِئَةً عَنْهُ إنْ هُوَ كَفَّرَ قَبْلَ الْحِنْثِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ فَصَامَ وَهُوَ مُعْسِرٌ قَبْلَ أَنْ
يَحْنَثَ فَحَنِثَ وَهُوَ مُوسِرٌ؟
قَالَ: إنَّمَا سَأَلْنَا مَالِكًا فِيمَنْ كَفَّرَ قَبْلَ الْحِنْثِ
فَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ مُجْزِئٌ عَنْهُ وَكَانَ أَحَبَّ إلَيْهِ أَنْ
يُكَفِّرَ بَعْدَ الْحِنْثِ، وَاَلَّذِي سَأَلْت عَنْهُ مِثْلُهُ،
وَهُوَ مُجْزِئٌ عَنْهُ وَإِنَّمَا وَقَفْنَا مَالِكًا عَنْ
الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ فِي الْإِيلَاءِ فَقَالَ: بَعْدَ
الْحِنْثِ أَحَبُّ إلَيَّ، وَأَرَاهُ مُجْزِئًا عَنْهُ إنْ فَعَلَ
فَأَمَّا الْأَيْمَانُ بِاَللَّهِ فِي غَيْرِ الْإِيلَاءِ فَلَمْ
نُوقِفْ مَالِكًا عَلَيْهِ، وَقَدْ بَلَغَنِي عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ:
إنْ فَعَلَ رَجَوْت أَنْ يُجْزِئَ عَنْهُ.
قَالَ مَالِكٌ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى خَيْرًا
مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَفْعَلْ» .
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ
قَالَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رُبَّمَا حَنِثَ ثُمَّ
يُكَفِّرُ وَرُبَّمَا قَدَّمَ الْكَفَّارَةَ ثُمَّ حَنِثَ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: الْحِنْثُ قَبْلَ
الْكَفَّارَةِ أَحَبُّ إلَيَّ وَإِنْ كَفَّرَ ثُمَّ حَنِثَ لَمْ أَرَ
عَلَيْهِ شَيْئًا
[الرَّجُلُ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا حِينًا أَوْ زَمَانًا
أَوْ دَهْرًا]
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَأَقْضِيَنَّكَ حَقَّك إلَى
حِينٍ، كَمْ الْحِينُ عِنْدَ مَالِكٌ؟
قَالَ:
(1/590)
قَالَ مَالِكٌ: الْحِينُ سَنَةٌ.
قُلْتُ: وَكَمْ الزَّمَانُ؟
قَالَ: سَنَةٌ قُلْتُ: وَكَمْ الدَّهْرُ؟
قَالَ: بَلَغَنِي عَنْهُ فِي الدَّهْرِ وَلَمْ أَسْمَعُهُ مِنْهُ
أَنَّهُ قَالَ أَيْضًا: سَنَةٌ. وَقَالَ رَبِيعَةُ الْحِينُ سَنَةٌ
وَالزَّمَانُ سَنَةٌ.
قَالَ: وَذَكَرَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ شَكَّ فِي
الدَّهْرِ أَنْ يَكُونَ سَنَةً، فَأَمَّا الْحِينُ وَالزَّمَانُ
فَقَالَ: سَنَةٌ وَقَالَ رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ
وَمَالِكٌ قَالَ: اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {تُؤْتِي أُكُلَهَا
كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ
لِلنَّاسِ} [إبراهيم: 25] فَهُوَ سَنَةٌ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ
السَّائِبِ عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ قَالَ: قُلْتُ لَابْنِ عَبَّاسٍ:
إنِّي حَلَفْت أَنْ لَا أُكَلِّمَ رَجُلًا حِينًا فَقَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ " تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا "
الْحِينُ سَنَةٌ
[كَفَّارَةُ الْعَبْدِ عَنْ يَمِينِهِ]
ِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْعَبْدَ إذَا حَنِثَ فِي يَمِينِهِ بِاَللَّهِ
أَيُجْزِئُهُ أَنْ يَكْسُوَ عَنْهُ السَّيِّدُ أَوْ يُطْعِمَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الصَّوْمُ أَحَبُّ إلَيَّ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ
سَيِّدُهُ فَأَطْعَمَ أَوْ كَسَا أَجْزَأَهُ وَمَا هُوَ عِنْدِي
بِالْبَيِّنِ وَفِي قَلْبِي مِنْهُ شَيْءٌ وَالصِّيَامُ أَحَبُّ إلَيَّ
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَرْجُو أَنْ يُجْزِئَ عَنْهُ إنْ فَعَلَ
وَمَا هُوَ عِنْدِي بِالْبَيِّنِ، وَأَمَّا الْعِتْقُ فَإِنَّهُ لَا
يُجْزِئُهُ
قُلْتُ: كَمْ يَصُومُ الْعَبْدُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ.
قَالَ: مِثْلُ صِيَامِ الْحُرِّ.
قُلْتُ: وَالْعَبْدُ فِي جَمِيعِ الْكَفَّارَاتِ مِثْلُ الْحُرِّ فِي
قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مَنْ حَلَفَ فَحَنِثَ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ
وَهُوَ عَبْدٌ فَأُعْتِقَ فَأَيْسَرَ فَأَرَادَ أَنْ يَعْتِقَ عَنْ
يَمِينِهِ أَيُجْزِئُهُ أَمْ لَا؟
قَالَ: هُوَ مُجْزِئٌ عَنْهُ وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ مَالِكٍ
وَإِنَّمَا مَنَعَ الْعَبْدَ أَنْ يُعْتِقَ وَهُوَ عَبْدٌ لِأَنَّ
الْوَلَاءَ كَانَ لِغَيْرِهِ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ لَيْثِ بْنِ
أَبِي أَسْلَمَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: لَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ إلَّا
الصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ
[كَفَّارَةُ الْيَمِينِ أَوْ إطْعَامُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ]
ِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْحِنْطَةِ فِي
كَفَّارَةِ الْيَمِينِ أَتُغَرْبَلُ؟
قَالَ: إذَا كَانَتْ نَقِيَّةً مِنْ التُّرَابِ وَالتِّبْنِ فَأَرَاهَا
تُجْزِئُ، وَإِنْ كَانَتْ مَغْلُوثَةً بِالتِّبْنِ فَإِنَّهَا لَا
تُجْزِئُ، حَتَّى يَخْرُجَ مَا فِيهَا مِنْ التِّبْنِ وَالتُّرَابِ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ كَمْ إطْعَامُ الْمَسَاكِينِ فِي كَفَّارَةِ
الْيَمِينِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مُدٌّ مُدٌّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ.
قَالَ مَالِكٌ: وَأَمَّا عِنْدَنَا هَاهُنَا فَلْيُكَفِّرْ بِمُدِّ
النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْيَمِينِ
بِاَللَّهِ مُدٌّ مُدٌّ، وَأَمَّا أَهْلُ الْبُلْدَانِ فَإِنَّ لَهُمْ
عَيْشًا غَيْرَ عَيْشِنَا فَأَرَى أَنْ يُكَفِّرُوا بِالْوَسَطِ مِنْ
عَيْشِهِمْ، يَقُولُ اللَّهُ: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ
أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89] .
قُلْتُ: وَلَا يَنْظُرُ
(1/591)
فِيهِ فِي الْبُلْدَانِ إلَى مُدِّ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَجْعَلُهُ مِثْلَ
مَا جَعَلَهُ فِي الْمَدِينَةِ. قَالَ: هَكَذَا فَسَّرَ لَنَا مَالِكٌ
كَمَا أَخْبَرْتُك وَأَنَا أَرَى إنْ كَفَّرَ بِالْمُدِّ؛ مُدِّ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ يُجْزِئُ
عَنْهُ حَيْثُمَا كَفَّرَ بِهِ.
قُلْتُ: وَمَا يَظُنُّ أَنَّ مَالِكًا أَرَادَ بِهَذَا فِي
الْكَفَّارَةِ؟
قَالَ: أَرَادَ بِهِ الْقَمْحَ، قُلْتُ: وَلَا يُجْزِئُ أَنْ يُعْطِيَ
الْعُرُوضَ مَكَانَ هَذَا الطَّعَامِ وَإِنْ كَانَ مِثْلَ ثَمَنِهِ؟
قَالَ: نَعَمْ، لَا يُجْزِئُ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْتُ: أَيُجْزِئُ أَنْ يُغَدِّيهِمْ وَيُعْشِيهِمْ فِي كَفَّارَةِ
الْيَمِينِ بِاَللَّهِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ غَدَّى وَعَشَّى أَجْزَأَهُ ذَلِكَ
قَالَ: وَسَأَلْنَا مَالِكًا عَنْ الْكَفَّارَةِ أَغَدَاءٌ وَعَشَاءٌ
أَمْ غَدَاءٌ بِلَا عَشَاءٍ وَعَشَاءٌ بِلَا غَدَاءٍ؟
قَالَ: بَلْ غَدَاءٌ وَعَشَاءٌ
قُلْتُ: كَيْفَ يُطْعِمُ أَيُطْعِمُهُمْ قِفَارًا أَوْ يُطْعِمُهُمْ
الْخُبْزَ وَالْمِلْحَ أَوْ الْخُبْزَ وَالْإِدَامَ؟
قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: الْخُبْزَ وَالزَّيْتَ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ غَدَّى الْفَطِيمَ مِنْ الْكَفَّارَةِ
أَيُجْزِئُ عَنْهُ؟
قَالَ: سَأَلْت ابْنَ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ هَلْ يُعْطَى الْفَطِيمُ
مَنْ الْكَفَّارَةِ؟
قَالَ: نَعَمْ، قَالَ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ
عُمَرَ كَانَ يُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ بِإِطْعَامِ عَشَرَةِ
مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مِنْهُمْ مُدٌّ مِنْ حِنْطَةٍ. قَالَ:
وَكَانَ يُعْتِقُ الْمِرَارَ إذَا وَكَّدَ الْيَمِينَ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ
أَبِي رَبِيعَةَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ
وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي إطْعَامِ الْمَسَاكِينِ مُدٌّ
مِنْ حِنْطَةٍ لِكُلِّ مِسْكِينٍ.
قَالَ: وَقَالَ ذَلِكَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَابْنُ
شِهَابٍ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: سَمِعْتُ أَنَّ
إطْعَامَ الْكَفَّارَاتِ فِي الْأَيْمَانِ مُدٌّ بِمُدِّ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكُلِّ إنْسَانٍ، فَإِنَّ
إطْعَامَ الظِّهَارِ لَا يَكُونُ إلَّا شِبَعًا لِأَنَّ إطْعَامَ
الْأَيْمَانِ فِيهِ شَرْطٌ وَلَا شَرْطَ فِي إطْعَامِ الظِّهَارِ.
قَالَ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ
يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ: أَدْرَكْتُ النَّاسَ وَهُمْ إذَا أَعْطُوا
الْمَسَاكِينَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِالْمُدِّ الْأَصْغَرِ أَوْ
أَنَّ ذَلِكَ مُجْزِئٌ عَنْهُمْ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَالِمٌ
مُدٌّ مُدٌّ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ
أَبِي مَرْثَدٍ الْمَدَنِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مُدٌّ مِنْ
حِنْطَةٍ فَإِنَّ فِي رُبْعِهِ مَا يَأْتَدِمُهُ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ لَهِيعَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّهُ سَأَلَ
الْقَاسِمَ وَسَالِمًا فَقَالَا: غَدَاءٌ وَعَشَاءٌ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ زَمْعَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ
عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَدْرَ مَا يُمْسِكُ أَهْلَ بَيْتِهِ غَدَاءٌ
وَعَشَاءٌ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ صَبِيحٍ عَنْ الْحَسَنِ
قَالَ: إذَا اجْتَمَعَ عَشْرَةُ مَسَاكِينَ فَأَطْعَمَهُمْ خُبْزًا
مَأْدُومًا بِلَحْمٍ أَوْ بِسَمْنٍ أَوْ بِلَبَنٍ.
وَقَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ: وَإِنْ شَاءَ أَطْعَمَهُمْ
خُبْزًا وَلَحْمًا أَوْ خُبْزًا وَلَبَنًا أَوْ خُبْزًا وَزَيْتًا.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّهُ سَأَلَ
الْقَاسِمَ فَقَالَ: غِذَاءٌ وَعَشَاءٌ
(1/592)
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَحْلِفُ
بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ فِي أَشْيَاءَ شَتَّى فَيَحْنَثُ أَيُجْزِئُهُ
أَنْ يُطْعِمَ عَشْرَةَ مَسَاكِينَ عَنْ هَذِهِ الْأَيْمَانِ كُلِّهَا
فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: سُئِلَ مَالِكٌ وَأَنَا أَسْمَعُ عَنْ رَجُلٍ كَانَ عَلَيْهِ
كَفَّارَةُ يَمِينَيْنِ فَيُطْعِمُ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ عَنْ يَمِينٍ
وَاحِدَةٍ ثُمَّ أَرَادَ مِنْ الْغَدِ أَنْ يُطْعِمَ عَنْ الْأُخْرَى
فَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُمْ أَيُطْعِمُهُمْ عَنْ الْيَمِينِ الْأُخْرَى؟
قَالَ: مَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ وَلْيَلْتَمِسْ غَيْرَهُمْ.
قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُمْ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامٌ؟
قَالَ: وَإِنْ مَضَتْ لَهُمْ أَيَّامٌ فَهُوَ الَّذِي سَأَلْنَا
مَالِكًا عَنْهُ فَلَا يَفْعَلُ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ جَابِرٍ
قَالَ: سَأَلَتْ الشَّعْبِيَّ عَنْ الرَّجُلِ يُرَدِّدُ عَلَى
الْمِسْكِينَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ فَيَكْرَهُهُ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ قَيْسٍ
الشَّعْبِيِّ فِي رَجُلٍ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ، فَسُئِلَ هَلْ
يُعْطِي أَهْلَ الْبَيْتِ فُقَرَاءَهُمْ عَشْرَةً إطْعَامَ سِتِّينَ
مِسْكَيْنَا. قَالَ: لَا إطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا كَمَا
أَمَرَكُمْ اللَّهُ، اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِمْ وَأَرْحَمُ
[إعْطَاءُ الذِّمِّيِّ وَالْغَنِيِّ وَالْعَبْدِ وَذَوِي الْقَرَابَةِ
مِنْ الطَّعَامِ]
ِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ أَهْلَ الذِّمَّةِ أَيُطْعِمُهُمْ مِنْ
الْكَفَّارَةِ؟
قَالَ: لَا يُطْعِمُهُمْ مِنْهَا وَلَا مِنْ شَيْءٍ مِنْ الْكَفَّارَات
وَلَا الْعَبِيدَ وَإِنْ أَطْعَمَهُمْ لَمْ يَجُزْ عَنْهُ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ أَكْسَى أَوْ أَطْعَمَ عَبْدَ رَجُلٍ مُحْتَاجٍ
أَيُجْزِئُ عَنْهُ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا يُجْزِئُ عَنْهُ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَا يُجْزِئُ أَنْ
يُطْعِمَ عَبْدًا
قُلْتُ: وَيُجْزِئُ أَنْ يُطْعِمَ فِي الْكَفَّارَاتِ أُمَّ وَلَدِ
رَجُلٍ فَقِيرٍ؟ فَقَالَ: لَا يُجْزِئُ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ
الْعَبْدِ
قُلْتُ أَرَأَيْتَ إنْ أَطْعَمَ غَنِيًّا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ثُمَّ
عَلِمَ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَلَا يُجْزِئُهُ
لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ {عَشَرَةِ
مَسَاكِينَ} [المائدة: 89] وَهَذَا الْغَنِيُّ لَيْسَ بِمِسْكِينٍ
فَقَدْ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ أَعْطَاهُ غَيْرَ أَهْلِهِ الَّذِينَ
فَرَضَ اللَّهُ لَهُمْ الْكَفَّارَةَ فَهُوَ لَا يُجْزِئُهُ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مَنْ لَهُ الْمَسْكَنُ وَالْخَادِمُ أَيُعْطَى مِنْ
كَفَّارَةِ الْيَمِينِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ: سَأَلْت مَالِكًا عَنْ
الرَّجُلِ يُعْطِي مِنْهَا مَنْ لَهُ الْمَسْكَنُ وَالْخَادِمُ،
فَقَالَ: أَمَّا مَنْ لَهُ الْمَسْكَنُ الَّذِي لَا فَضْلَ فِي
ثَمَنِهِ وَالْخَادِمُ الَّتِي تَكُفُّ وَجْهَ أَهْلِ الْبَيْتِ
الَّتِي لَا فَضْلَ فِي ثَمَنِهَا فَأَرَى أَنْ يُعْطَى مِنْ
الزَّكَاةِ، وَأَرَى كَفَّارَةَ الْيَمِينِ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ
لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ اسْمُهُ قَالَ فِي الْإِطْعَامِ فِي
الْكَفَّارَةِ {عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: 89] فَالْأَمْرُ
فِيهِمَا وَاحِدٌ فِي هَذَا. وَقَالَ فِي الزَّكَاةِ: {إنَّمَا
الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] . فَهُمْ
هَاهُنَا مَسَاكِينُ وَهَا هُنَا مَسَاكِينُ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ أَطْعَمَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ أَيُجْزِئُهُ فِي
الْكَفَّارَةِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: سَأَلْنَا مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ تَجِبُ عَلَيْهِ
الْكَفَّارَةُ أَيُعْطِيهَا ذَا قَرَابَةٍ إلَيْهِ مِمَّنْ لَا
تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ؟
قَالَ: مَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ.
قُلْتُ: فَإِنْ
(1/593)
أَعْطَاهُمْ أَيُجْزِئُهُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟
قَالَ: أَرَى إنْ كَانَ فَقِيرًا أَجْزَأَهُ.
قُلْتُ: وَجَمِيعُ الْكَفَّارَاتِ فِي هَذَا سَوَاءٌ. قَالَ: الَّذِي
سَأَلْتُ مَالِكًا إنَّمَا هُوَ عَنْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَأَرَاهَا
كُلَّهَا هِيَ وَالزَّكَاةُ سَوَاءٌ لِأَنَّهُ مَحْمَلٌ وَاحِدٌ
قَالَ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُطْعَمُ نَصْرَانِيٌّ
فِي كَفَّارَةِ يَمِينٍ.
قَالَ: وَقَالَ رَبِيعَةُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: إنَّهُ
لَا يُعْطَى مِنْهَا يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ وَلَا عَبْدٌ
شَيْئًا.
وَقَالَ اللَّيْثُ مِثْلَهُ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ مَهْدِيٍّ عَنْ لَيْثٍ
عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: لَا يَتَصَدَّقُ إلَّا عَلَى أَهْلِ دِينِهِ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الْحَكَمِ
قَالَ: لَا يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ الْحَكَمُ: لَا يُجْزِئُ
إلَّا مَسَاكِينَ مُسْلِمِينَ
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: سَأَلْت
أَيُّوبَ عَنْ الْأَخِ أَيُعْطِيهِ مِنْ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ؟
قَالَ: أَمِنْ عِيَالِهِ؟
قُلْتُ: لَا. قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: فَمَا تَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْقَرَابَةِ لَا يُعْطَى؟
قَالَ: الْغَنِيُّ قُلْتُ: فَالْأَبُ؟ قَالَ: لَا يُعْطَى.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَدْ كَرِهَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَمَالِكٌ إعْطَاءُ
الْقَرِيبِ مِنْ الزَّكَاةِ
[تَخْيِيرُ التَّكْفِيرِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ]
ِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مَنْ حَنِثَ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ أَهُوَ
مُخَيَّرٌ فِي أَنْ يَكْسُوَ أَوْ يُطْعِمَ أَوْ يَعْتِقَ فِي قَوْلِ
مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى شَيْءٍ صَامَ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصُومَ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ
يُطْعِمَ أَوْ يَكْسُوَ أَوْ يَعْتِقَ؟
قَالَ: لَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَصُومَ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ.
قَالَ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْحَكَمِ
الْجُذَامِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. أَنَّهُ قَالَ فِي
كَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ إنْ شَاءَ أَطْعَمَ وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ،
وَإِنْ شَاءَ كَسَا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ
الثَّلَاثِ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.
وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ مِثْلَهُ وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ مِثْلَهُ
وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَالُوا: كُلُّ شَيْءٍ فِي
الْقُرْآنِ. أَوْ أَوْ فَصَاحِبُهُ مُخَيَّرٌ أَيَّ ذَلِكَ شَاءَ
فَعَلَ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانُ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ أَوْ فَهُوَ
مُخَيَّرٌ وَمَا كَانَ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ يَبْدَأُ بِالْأَوَّلِ
فَالْأَوَّلِ وَقَالَهُ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَقَالَ أَبُو
هُرَيْرَةَ إنَّمَا الصِّيَامُ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ فِي كَفَّارَةِ
الْيَمِينِ.
[الصِّيَامُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ]
ِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الصِّيَامَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ
أَمُتَتَابِعٌ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: إنْ تَابَعَ فَحَسَنٌ وَإِنْ لَمْ يُتَابِعْ أَجْزَأَ عَنْهُ
عِنْدَ مَالِكٍ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ أَكَلَ فِي صِيَامِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ أَوْ
(1/594)
شَرِبَ نَاسِيًا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ صَامَتْ امْرَأَةٌ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ
فَحَاضَتْ؟
قَالَ: تَبْنِي عِنْدَ مَالِكٍ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ صَامَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فِي أَيَّامِ
التَّشْرِيقِ؟
قَالَ: لَا يُجْزِئُ عَنْهُ إلَّا أَنْ يَصُومَ آخِرَ يَوْمٍ مِنْهَا
فَعَسَى أَنْ يُجْزِئَهُ وَمَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَصُومَهُ، فَإِنْ
صَامَهُ أَجْزَأَ عَنْهُ، لِأَنِّي سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِيمَنْ
نَذَرَ صِيَامَ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَلْيَصُمْهُ
وَمَنْ نَذَرَ صِيَامَ أَيَّامِ النَّحْرِ فَلَا يَصُمْهَا.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَبْتَدِئَ صِيَامًا
وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.
قَالَ مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أُبَيَّ بْنِ كَعْبٍ
أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ " فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ
".
قَالَ سُفْيَانُ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كُلُّ صِيَامٍ فِي
الْقُرْآنِ مُتَتَابِعٌ إلَّا قَضَاءَ رَمَضَانَ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ
إبْرَاهِيمَ قَالَ: فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ " فَصِيَامُ
ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ " قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ
سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ قَالَ: سُئِلَ
طَاوُسٌ عَنْ صِيَامِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ قَالَ: تُفَرَّقُ. فَقَالَ
مُجَاهِدٌ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ
مَسْعُودٍ - " فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتِ "، قَالَ:
فَهِيَ مُتَتَابِعَاتٌ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ الْحَجَّاجِ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ كَانَ
لَا يَرَى بِتَفْرِيقِهِنَّ بَأْسًا.
وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ إذَا كَانَ عَلَى الْمَرْأَةِ
شَهْرَانِ مُتَتَابِعَانِ فَأَفْطَرَتْ مِنْ حَيْضٍ فَلَا بُدَّ مِنْ
الْحَيْضِ فَإِنَّهَا تَقْضِي مَا أَفْطَرَتْ
[كَفَّارَةُ الْمُوسِرِ بِالصِّيَامِ]
ِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مَنْ كَانَ مَالُهُ غَائِبًا عَنْهُ أَيُجْزِئُهُ
أَنْ يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ بِالصِّيَامِ؟
قَالَ: لَا، وَلَكِنْ يَتَسَلَّفُ.
قُلْتُ: أَتَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ فَأَرَادَ أَنْ يُكَفِّرَ
وَلَهُ مَالٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مِثْلُهُ أَيُجْزِئُهُ أَنْ يَصُومَ
فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا. وَلَكِنْ إذَا كَانَ
عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ مِثْلُ جَمِيعِ مَا فِي يَدَيْهِ، وَلَا مَالَ
لَهُ غَيْرُهُ أَجْزَأَهُ الصَّوْمُ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَتْ لَهُ دَارٌ يَسْكُنُهَا أَوْ خَادِمٌ
أَيُجْزِئُهُ الصَّوْمُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ. فِي كَفَّارَةِ
الْيَمِينِ؟
قَالَ: لَا يُجْزِئُهُ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ ظِهَارٌ وَلَهُ دَارٌ أَوْ
خَادِمٌ أَيُجْزِئُهُ الصَّوْمُ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يُجْزِئُهُ وَإِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ الصَّوْمَ لِمَنْ
لَمْ يَجِدْ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ كَمَا جَعَلَ الصِّيَامَ فِي
الظِّهَارِ لِمَنْ يَجِدُ رَقَبَةً.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الْحَكَمِ فِي
رَجُلٍ عَلَيْهِ رَقَبَةٌ وَلَهُ رَقَبَةٌ لَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا
قَالَ: يَعْتِقُهَا
(1/595)
[كَفَّارَةُ الْيَمِينِ بِالْكِسْوَةِ]
ِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرِّجَالَ كَمْ يَكْسُوهُمْ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: ثَوْبًا ثَوْبًا.
قُلْتُ: فَهَلْ تُجْزِئُ الْعِمَامَةُ وَحْدَهَا؟
قَالَ: لَا يُجْزِئُ إلَّا مَا تَحِلُّ فِيهِ الصَّلَاةُ لِأَنَّ
مَالِكًا قَالَ فِي الْمَرْأَةِ: لَا يُجْزِئُ أَنْ يَكْسُوَهَا فِي
كَفَّارَةِ الْيَمِينِ إلَّا مَا يَحِلُّ لَهَا الصَّلَاةُ فِيهِ
الدِّرْعُ وَالْخِمَارُ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: ثَوْبًا
لِكُلِّ مِسْكِينٍ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ مُجَاهِدٍ
وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ
أَهْلِ الْعِلْمِ مِثْلَهُ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ وَشُعْبَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ
وَإِبْرَاهِيمَ قَالَ: ثَوْبًا جَامِعًا.
قَالَ سُفْيَانُ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ ثَوْبَانِ قَالَ
ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: عِمَامَةٌ يَلُفُّ بِهَا رَأْسَهُ
وَعَبَاءَةٌ يَلْتَحِفُ بِهَا.
قَالَ سَحْنُونٌ: إذَا كَتَبْت هَذَا كَقَوْلِ مَالِكٍ ثَوْبَانِ
لِلْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ أَدْنَى مَا يُصَلَّى بِهِ
[كَفَّارَةُ الْيَمِينِ بِالْعِتْقِ]
ِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْمَوْلُودَ وَالرَّضِيعَ هَلْ يَجْزِيَانِ فِي
عِتْقِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ؟
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ صَلَّى وَصَامَ أَحَبُّ إلَيَّ وَإِنْ
لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ قِصَرِ النَّفَقَةِ رَأَيْت
أَنْ يُجْزِئَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَالْأَعْجَمِيُّ الَّذِي قَدْ أَجَابَ الْإِسْلَامَ
عِنْدِي كَذَلِكَ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إلَيَّ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ
غَيْرَهُ أَجْزَأَ عَنْهُ
قُلْتُ: وَمَا وَصَفْت لِي مِنْ الرِّقَابِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ
هُوَ يُجْزِئُ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ؟
قَالَ: سَأَلْت مَالِكًا عَنْ الْعِتْقِ فِي الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ
وَمَا أَشْبَهَهَا فَمَحْمَلُهَا كُلُّهَا عِنْدِي سَوَاءٌ كَفَّارَةُ
الْيَمِينِ وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَغَيْرُهُمَا سَوَاءٌ يُجْزِئُ
فِي هَذَا مَا يُجْزِئُ فِي هَذَا
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ أَقَطْعَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ أَيُجْزِئُهُ عِنْدَ
مَالِكٍ؟
قَالَ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْأَعْرَجِ فَكَرِهَهُ مَرَّةً
وَأَجَازَهُ مَرَّةً وَآخِرُ قَوْلِهِ أَنَّهُ قَالَ: إذَا كَانَ
عَرَجًا خَفِيفًا فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ عَرَجًا شَدِيدًا
فَلَا يُجْزِئُ وَالْأَقْطَعُ الْيَدِ لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ لَا
يُجْزِئُهُ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْمُدَبَّرَ وَالْمُكَاتَبَ وَأُمَّ الْوَلَدِ
وَالْمُعْتَقَ إلَى سِنِينَ هَلْ تُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ قَالَ:
لَا يُجْزِئُ عِنْدَ مَالِكٍ فِي الْكَفَّارَةِ شَيْءٌ مِنْ هَؤُلَاءِ.
قُلْتُ: فَإِنْ اشْتَرَى أَبَاهُ أَوْ وَلَدَهُ أَوْ وَلَدَ وَلَدِهِ
أَوْ أَحَدًا مِنْ أَجْدَادِهِ أَيُجْزِئُ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ فِي
الْكَفَّارَةِ؟
قَالَ: سَأَلْت مَالِكًا عَنْهُ فَقَالَ: لَا يُجْزِئُ فِي
الْكَفَّارَةِ أَحَدٌ مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ إذَا مَلَكَهُ مِنْ
ذَوِي الْقَرَابَةِ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَاهُ
(1/596)
لَا يَقَعُ لَهُ عَلَيْهِ مِلْكٌ إنَّمَا
يَعْتِقُ بِاشْتِرَائِهِ إيَّاهُ.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَا أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَعْتِقَ فِي عِتْقٍ وَاجِبٍ
إلَّا مَا كَانَ يَمْلِكُهُ بَعْدَ ابْتِيَاعٍ وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَقُولُ لِلرَّجُلِ أَعْتِقْ عَنِّي
عَبْدَك فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ أَوْ كَفِّرْ عَنِّي فَيُعْتِقُ
عَنْهُ أَوْ يُطْعِمُ عَنْهُ أَوْ يَكْسُو؟
قَالَ: ذَلِكَ يُجْزِئُهُ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْتُ: فَإِنْ هُوَ كَفَّرَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُ؟
قَالَ: مَا سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا أَوْ أَرَاهُ يُجْزِئُ
أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ يَمُوتُ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ مِنْ
ظِهَارٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَيُكَفِّرُ عَنْهُ أَهْلُهُ أَوْ
غَيْرُهُمْ فَيَجُوزُ ذَلِكَ.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ أَنَّ هَذَا يُجْزِئُهُ فِي
الْمَيِّتِ؟
قَالَ: نَعَمْ فِي الْمَيِّتِ هُوَ قَوْلُهُ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ اشْتَرَى الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَامِلٌ
مِنْهُ أَتُجْزِئُ عَنْهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكَفَّارَاتِ إذَا
أَعْتَقَهَا قَبْلَ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا تُجْزِئُ عَنْهُ لِأَنَّ مَالِكًا جَعَلَهَا أُمَّ وَلَدٍ
بِذَلِكَ الْحَمْلِ حِينَ اشْتَرَاهَا.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ
أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُدَبَّرِ لَا يُجْزِئُ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ
وَقَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ عَنْ رَبِيعَةَ لَا يُجْزِئُ الْمُكَاتَبُ
وَلَا أُمُّ الْوَلَدِ فِي شَيْءٍ مِنْ الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ
وَقَالَهُ اللَّيْثُ.
وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَرَبِيعَةُ بْنُ أَبِي
عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَطَاءٌ فِي الْمَوْضِعِ تُجْزِئُ فِي
الْكَفَّارَةِ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ
ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَتَى إلَى
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَلِيدَةٍ
سَوْدَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ عَلَيَّ رَقَبَةً
مُؤْمِنَةً فَإِنْ كُنْت تَرَى هَذِهِ مُؤْمِنَةً أَعْتَقْتُهَا
فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
أَتَشْهَدِينَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ:
أَتَشْهَدِينَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ،
قَالَ: فَتُوقِنِينَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ،
قَالَ: أَعْتِقْهَا» .
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ
عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ «عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّهُ أَتَى إلَى
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ لِي
جَارِيَةً كَانَتْ تَرْعَى غَنَمًا فَقَدَتْ شَاةً مِنْ الْغَنَمِ
فَسَأَلْتهَا عَنْهَا فَقَالَتْ: أَكَلَهَا الذِّئْبُ، فَأَسِفْتُ
وَكُنْتُ مِنْ بَنِي آدَمَ فَلَطَمْتُ وَجْهَهَا وَعَلَيَّ رَقَبَةٌ
أَفَأَعْتِقُهَا فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيْنَ اللَّهُ؟ فَقَالَتْ: هُوَ فِي
السَّمَاءِ. ثُمَّ قَالَ: مَنْ أَنَا؟ قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ
اللَّهِ، قَالَ: فَأَعْتِقْهَا» .
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَقَالَ مَالِكٌ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْت فِي
الرَّقَبَةِ الْوَاجِبَةِ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِيهَا الَّذِي
يَعْتِقُهَا بِشَرْطٍ عَلَى أَنْ يَعْتِقَهَا لِأَنَّ تِلْكَ لَيْسَتْ
بِرَقَبَةٍ تَامَّةٍ وَفِيهَا شَرْطٌ يُوضَعُ عَنْهُ مِنْ ثَمَنِهَا
لِلشَّرْطِ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْرِطَ
لِلتَّطَوُّعِ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ مَالِكٌ: وَبَلَغَنِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ
بْنَ عُمَرَ سُئِلَ عَنْ الرَّقَبَةِ الْوَاجِبَةِ
(1/597)
هَلْ تُشْتَرَى بِشَرْطٍ؟ فَقَالَ: لَا
وَقَالَ الْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ: لَا يُجْزِئُ الْأَعْمَى وَقَالَهُ
النَّخَعِيُّ أَيْضًا.
وَقَالَ عَطَاءٌ: لَا يُجْزِئُ أَشَلُّ وَلَا أَعْرَجُ وَلَا صَبِيٌّ
لَمْ يُولَدْ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ حَدِيثِ بِشْرِ بْنِ مَنْصُورٍ
عَنْ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ وَقَالَ سُفْيَانُ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ
إبْرَاهِيمَ وَجَابِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَا تُجْزِئُ أُمُّ
وَلَدٍ فِي الْوَاجِبِ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ
قَالَ: سَأَلْت إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ الْمُرْضِعِ أَتُجْزِئُهُ
فِي كَفَّارَةِ الدَّمِ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ
قَالَ: لَا يُجْزِئُ عَنْهُ إلَّا مُؤْمِنَةٌ.
وَقَالَ عَطَاءٌ: لَا تُجْزِئُ إلَّا مُؤْمِنَةٌ صَحِيحَةٌ.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ لَا يَجُوزُ أَشَلُّ وَلَا أَعْمَى.
وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ لَا يَجُوزُ أَعْمَى وَلَا أَبْرَصُ وَلَا
مَجْنُونٌ
[تَفْرِيقُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ]
ِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ كَسَا وَأَعْتَقَ وَأَطْعَمَ عَنْ ثَلَاثَةِ
أَيْمَانٍ وَلَمْ يَنْوِ الْإِطْعَامَ عَنْ وَاحِدَةٍ مِنْ
الْأَيْمَانِ وَلَا الْكِسْوَةَ وَلَا الْعِتْقَ إلَّا أَنَّهُ نَوَى
بِذَلِكَ الْأَيْمَانَ كُلَّهَا؟
قَالَ: يُجْزِئُهُ عِنْدَ مَالِكٍ لِأَنَّ هَذِهِ الْكَفَّارَاتِ
كُلَّهَا إنَّمَا هِيَ عَنْ الْأَيْمَانِ الَّتِي كَانَتْ بِاَللَّهِ
فَذَلِكَ يُجْزِئُهُ.
قُلْتُ: وَكَذَلِكَ إذَا أَعْتَقَ رَقَبَةً وَلَمْ يَنْوِ بِهِ عَنْ
أَيِّ أَيْمَانِهِ يُعْتِقُهَا، إلَّا أَنَّهُ نَوَى بِعِتْقِهَا عَنْ
إحْدَى هَذِهِ الْأَيْمَانِ وَلَيْسَتْ بِعَيْنِهَا، وَقَدْ كَانَتْ
أَيْمَانُهُ تِلْكَ كُلُّهَا بِأَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ إلَّا أَنَّهَا
كُلَّهَا بِاَللَّهِ أَتُجَزِّئُهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ أَطْعَمَ خَمْسَةَ مَسَاكِينَ وَكَسَا خَمْسَةً
أَيُجْزِئُهُ؟
قَالَ: مَا سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَلَا يُجْزِئُهُ
لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ: {إطْعَامُ
عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ
كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ
ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة: 89] فَلَا يُجْزِئُ أَنْ يَكُونَ بَعْضٌ
مِنْ هَذَا وَبَعْضٌ مِنْ هَذَا لَا يُجْزِئُ إلَّا أَنْ يَكُونَ
نَوْعًا وَاحِدًا
[الرَّجُلُ يُعْطِي الْمَسَاكِينَ قِيمَةَ كَفَّارَةِ يَمِينِهِ]
ِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ أَعْطَى الْمَسَاكِينَ قِيمَةَ الثِّيَابِ
أَيُجْزِئُ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يُجْزِئُ عِنْدَ مَالِكٍ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَأَلْت
عَامِرَ الشَّعْبِيَّ عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَحَنِثَ هَلْ
يُجْزِئُ عَنْهُ أَنْ يُعْطِيَ ثَلَاثَةَ مَسَاكِينَ أَرْبَعَةَ
دَرَاهِمَ قَالَ: لَا يُجْزِئُ عَنْهُ إلَّا أَنْ يُطْعِمَ عَشْرَةَ
مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ
(1/598)
[بُنْيَانُ الْمَسَاجِدِ وَتَكْفِينُ
الْأَمْوَاتِ مِنْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ]
ِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ أَعْطَى مِنْ كَفَّارَةِ يَمِينِهِ فِي
ثِيَابِ أَكْفَانِ الْمَوْتَى أَوْ فِي بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ أَوْ فِي
قَضَاءِ دَيْنٍ أَوْ فِي عِتْقِ رَقَبَةٍ أَيُجْزِئُهُ فِي قَوْلِ
مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا يُجْزِئُهُ عِنْدَ مَالِكٍ وَلَا يُجْزِئُهُ إلَّا مَا
قَالَ اللَّهُ: {فَكَفَّارَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ
أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ
تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89] . فَلَا يُجْزِئُ إلَّا مَا قَالَ
اللَّهُ ثُمَّ قَالَ: {وَمَا كَانَ رَبُّك نَسِيًّا} [مريم: 64]
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ وُهِبَتْ لَهُ كَفَّارَتَهُ أَوْ تَصَدَّقَ
بِهَا عَلَيْهِ أَوْ اشْتَرَاهَا أَكَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ لَهُ
ذَلِكَ؟
قَالَ: مَا سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَلَكِنَّ مَالِكًا
كَانَ يَكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَشْتَرِيَ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ
فَهَذَا أَشَدُّ الْكَرَاهِيَةِ وَذَلِكَ رَأْيِي.
قُلْتُ: وَقَدْ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَقْبَلَ الرَّجُلُ صَدَقَةَ
التَّطَوُّعِ؟
قَالَ: نَعَمْ، وَقَدْ جَاءَ هَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
وَهَذَا مُثْبَتٌ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ
[حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ طَعَامًا فَيَأْكُلُ بَعْضَهُ أَوْ
يَشْتَرِيه أَوْ يُحَوِّلُهُ عَنْ حَالِهِ]
ِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا آكُلُ هَذَا
الرَّغِيفَ فَأَكَلَ بَعْضَهُ أَيَحْنَثُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ. قَالَ:
قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ لَيَأْكُلُ هَذِهِ الرُّمَّانَةَ
فَأَكَلَ نِصْفَهَا وَتَرَكَ نِصْفَهَا أَيَحْنَثُ أَمْ لَا قَالَ:
يَحْنَثُ.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ
الْيَوْمَ فَأَكَلَ الْيَوْمَ نِصْفَهُ وَغَدًا نِصْفَهُ. قَالَ:
أَرَاهُ حَانِثًا وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي هَذِهِ
الْأَشْيَاءِ شَيْئًا وَلَكِنَّا نَحْمِلُ الْحِنْثَ عَلَى مَنْ
وَجَدْنَا حَانِثًا فِي حَالٍ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَأْكُلَ هَذَا
الدَّقِيقَ فَأَكَلَ خُبْزًا خُبِزَ مِنْ ذَلِكَ الدَّقِيقِ أَيَحْنَثُ
أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ هَذِهِ
الْحِنْطَةَ أَوْ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ فَأَكَلَ سَوِيقًا عُمِلَ
مَنْ تِلْكَ الْحِنْطَةِ أَوْ خُبْزًا خُبِزَ مِنْ تِلْكَ الْحِنْطَةِ
أَوْ الْحِنْطَةَ بِعَيْنِهَا صَحِيحَةً أَوْ أَكَلَ الدَّقِيقَ
بِعَيْنِهِ، أَيَحْنَثُ أَمْ لَا فِي هَذَا كُلِّهِ فِي قَوْلِ
مَالِكٍ؟
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ هَذَا حَانِثٌ فِي هَذَا كُلِّهِ لِأَنَّ هَذَا
كَهَذَا يُؤْكَلُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْ هَذَا الطَّلْعِ
فَأَكَلَ مِنْهُ بُسْرًا أَوْ رُطَبًا أَوْ تَمْرًا أَيَحْنَثُ فِي
قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: إنْ كَانَ نِيَّتُهُ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْ الطَّلْعِ
بِعَيْنِهِ وَلَيْسَ نِيَّتُهُ عَلَى غَيْرِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ
وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَا يَقْرَبُهُ.
قُلْتُ: أَتَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ
فَأَكَلَ مِنْ جُبْنِهِ أَوْ مِنْ زُبْدِهِ؟
قَالَ: هَذَا مِثْلُ الْأَوَّلِ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، كَمَا
أَخْبَرْتُك فَهُوَ حَانِثٌ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا
(1/599)
آكُلُ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ فَزُرِعَتْ
فَأَكَلَ مِنْ حَبٍّ خَرَجَ مِنْهَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْ هَذَا
الطَّعَامِ فَبِيعَ فَاشْتَرَى مِنْ ثَمَنِهِ طَعَامًا آخَرَ.
قَالَ مَالِكٌ: لَا يَأْكُلُ مِنْهُ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمَنِّ
وَإِنْ كَانَ بِكَرَاهِيَةِ الطَّعَامِ لِخُبْثِهِ وَرَدَاءَتِهِ أَوْ
سُوءِ صَنْعَتِهِ قَالَ مَالِكٌ: فَلَا أَرَى بَأْسًا فَقِسْ
مَسْأَلَتَك فِي الزَّرْعِ عَلَى هَذَا إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ
الْمَنِّ فَلَا يَأْكُلُ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ
لِرَدَاءَةِ الْحَبِّ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلَ مِمَّا يَخْرُجُ
مِنْهَا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَشْرَبَ هَذَا السَّوِيقَ
فَأَكَلَهُ أَيَحْنَثُ؟
قَالَ: إنْ كَانَ إنَّمَا كَرِهَ شُرْبَهُ لِأَذًى يُصِيبُهُ مِنْهُ
مِثْلُ الْمَغَصِ يُصِيبُهُ عَلَيْهِ أَوْ النَّفْخُ أَوْ الشَّيْءُ،
فَلَا أَرَاهُ حَانِثًا إنْ هُوَ أَكَلَهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ
نِيَّةٌ فَإِنْ أَكَلَهُ أَوْ شَرِبَهُ حَنِثَ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا آكُلُ هَذَا اللَّبَنَ
فَشَرِبَهُ أَيَحْنَثُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُك فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ
نِيَّةٌ حَنِثَ وَإِنْ كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَهُ نِيَّتُهُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ سَمْنًا فَأَكَلَ
سَوِيقًا مَلْتُوتًا بِسَمْنٍ فَوَجَدَ فِيهِ طَعْمَ السَّمْنِ أَوْ
رِيحَ السَّمْنِ؟
قَالَ: هَذَا مِثْلُ مَا أَخْبَرْتُك إنْ كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ فِي
ذَلِكَ السَّمْنِ الْخَالِصِ وَحْدَهُ بِعَيْنِهِ فَلَهُ نِيَّتُهُ
وَلَا يَحْنَثُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهُوَ حَانِثٌ وَقَدْ
فَسَّرْت لَك.
قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ رِيحَ السَّمْنِ وَلَا طَعْمَهُ فِي
السَّوِيقِ؟
قَالَ: لَا يُرَادُ مِنْ هَذَا رِيحٌ وَلَا طَعْمٌ وَهُوَ عَلَى مَا
أَخْبَرْتُك وَفَسَّرْت لَك.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ خَلًّا فَأَكَلَ
مَرَقًا فِيهِ خَلٌّ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي هَذَا شَيْئًا وَلَا أَرَى
فِيهِ حِنْثًا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنْ لَا يَأْكُلَ طَعَامًا
دَاخَلَهُ الْخَلُّ
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ:
سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ يَلْبَسُهُ مِنْ غَزْلِ
امْرَأَتِهِ فَهُوَ يُهْدِيه أَيَبِيعُ غَزْلَهَا وَيَشْتَرِي بِهِ
ثَوْبًا فَيَلْبَسُهُ؟ قَالَ إبْرَاهِيمُ: لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ
حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا
[حَلَفَ أَنْ لَا يَهْدِمَ الْبِئْرَ فَهَدَم مِنْهَا حَجَرًا]
الرَّجُلُ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَهْدِمَ الْبِئْرَ فَيَهْدِمُ مِنْهَا
حَجَرًا أَوْ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَأْكُلَ طَعَامَيْنِ فَيَأْكُلُ
أَحَدَهُمَا قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَهْدِمَ
هَذِهِ الْبِئْرَ فَيَهْدِمُ مِنْهَا حَجَرًا وَاحِدًا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: هُوَ حَانِثٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ
فِي هَدْمِهَا كُلِّهَا
[حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ طَعَامَيْنِ فَيَأْكُلُ أَحَدَهُمَا]
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا آكُلُ خُبْزًا وَزَيْتًا
أَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت خُبْزًا وَجُبْنًا فَأَكَلَ
أَحَدَهُمَا أَيَحْنَثُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا وَلَا نِيَّةَ
لَهُ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا
(1/600)
إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ: مَنْ حَلَفَ
أَنْ لَا يَأْكُلَ شَيْئَيْنِ فَأَكَلَ أَحَدَهُمَا أَوْ قَالَ: لَا
أَفْعَلُ فِعْلَيْنِ فَفَعَلَ أَحَدَهُمَا حَنِثَ، فَإِنْ كَانَ هَذَا
الَّذِي قَالَ: لَا آكُلُ خُبْزًا وَزَيْتًا أَوْ خُبْزًا أَوْ جُبْنًا
لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَقَدْ حَنِثَ وَإِنْ كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ
أَنْ لَا يَأْكُلَ خُبْزًا بِزَيْتٍ أَوْ خُبْزًا بِجُبْنٍ وَإِنَّمَا
كَرِهَ أَنْ يَجْمَعَهُمَا لَمْ يَحْنَثْ
[الَّذِي يَحْلِفُ أَنْ لَا يَأْكُلَ طَعَامًا فَذَاقَهُ أَوْ أَكَلَ
مَا يَخْرُجُ مِنْهُ]
ُ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ طَعَامًا
فَذَاقَهُ، وَلَا يَشْرَبَ شَرَابَ كَذَا وَكَذَا فَذَاقَهُ،
أَيَحْنَثُ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ لَمْ يَكُنْ يَصِلُ إلَى جَوْفِهِ لَمْ
يَحْنَثْ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت مِنْ هَذِهِ
النَّخْلَةِ بُسْرًا أَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت بُسْرَ هَذِهِ
النَّخْلَةِ فَأَكَلَ مَنْ بَلَحِهَا أَيَحْنَثُ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يَحْنَثُ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا آكُلُ لَحْمًا وَلَا
نِيَّةَ لَهُ فَأَكَلَ حِيتَانًا. قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ
أَنَّهُ قَالَ: هُوَ حَانِثٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ
لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} [النحل: 14] . قَالَ مَالِكٌ:
إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ فَلَهُ مَا نَوَى
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ أَنْ يَأْكُلَ رُءُوسًا فَأَكَلَ
رُءُوسَ السَّمَكِ أَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ بَيْضًا فَأَكَلَ
بَيْضَ السَّمَكِ أَوْ بَيْضَ الطَّيْرِ سِوَى الدَّجَاجِ أَيَحْنَثُ
أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنَّمَا يُنْظَرُ إلَى الَّذِي جَرَتْ
يَمِينُهُ مَا هُوَ فَيَحْمِلُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّ لِلْأَيْمَانِ
بِسَاطًا فَيُحْمَلُ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ
لِيَمِينِهِ كَلَامٌ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى مَا أَرَادَ بِيَمِينِهِ
وَلَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَزِمَهُ فِي كُلِّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ
ذَلِكَ الِاسْمُ الْحِنْثُ وَقَدْ أَخْبَرْتُك فِي اللَّحْمِ أَنَّهُ
إنْ أَكَلَ الْحِيتَانَ حَنِثَ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ
وَإِنَّمَا اللَّحْمُ عِنْدَ النَّاسِ مَا قَدْ عَلِمْت
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ لَحْمًا فَأَكَلَ
شَحْمًا أَيَحْنَثُ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا
يَأْكُلَ لَحْمًا فَأَكَلَ شَحْمًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ.
قُلْتُ: فَشَحْمُ الثُّرُوبِ وَغَيْرُهَا مِنْ الشُّحُومِ سَوَاءٌ فِي
هَذَا؟
قَالَ: الشَّحْمُ كُلُّهُ عِنْدَ مَالِكٍ مِنْ اللَّحْمِ إلَّا أَنْ
يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ أَنْ يَقُولَ إنَّمَا أَرَدْت اللَّحْمَ
بِعَيْنِهِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ شَحْمًا فَأَكَلَ
لَحْمًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ
اللَّحْمَ فَأَكَلَ الشَّحْمَ حَنِثَ فَلَا يَأْكُلُ الشَّحْمَ لِأَنَّ
الشَّحْمَ مِنْ اللَّحْمِ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ
إبْرَاهِيمَ قَالَ: مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ الشَّحْمَ
فَلْيَأْكُلْ اللَّحْمَ وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ اللَّحْمَ
فَلَا يَأْكُلُ الشَّحْمَ لِأَنَّ الشَّحْمَ مِنْ اللَّحْمِ
(1/601)
[الرَّجُلُ يَحْلِفُ أَنْ لَا يُكَلِّمَ
فُلَانًا فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فِي صَلَاةٍ أَوْ غَيْرِ صَلَاةٍ]
ٍ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَوْ عَلِمَ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ
رَجُلًا حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ فُلَانًا فَصَلَّى الْحَالِفُ
بِقَوْمٍ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِيهِمْ فَسَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ
عَلَيْهِمْ أَيَحْنَثُ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يَحْنَثُ، قَالَ: وَقَدْ بَلَغَنِي ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ صَلَّى الْحَالِفُ خَلْفَ الْمَحْلُوفِ
عَلَيْهِ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ إمَامُهُمْ فَرَدَّ عَلَيْهِ
السَّلَامَ حِينَ سَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا لَا حِنْثَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ مِثْلُ
هَذَا كَلَامًا
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ فُلَانًا فَمَرَّ
بِقَوْمٍ وَهُوَ فِيهِمْ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ
فِيهِمْ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: هُوَ حَانِثٌ إلَّا أَنْ يُحَاشِيَهُ.
قُلْتُ: عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنْ رَجُلًا حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ
فُلَانًا فَسَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ وَهُوَ فِيهِمْ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَكُونَ حَاشَاهُ.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ مَرَّ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ
وَهُوَ لَا يَعْرِفُ حَنِثَ.
[الرَّجُلُ يَحْلِفُ أَنْ لَا يُكَلِّمَ فُلَانًا فَيُرْسِلَ إلَيْهِ
رَسُولًا أَوْ يَكْتُبَ إلَيْهِ كِتَابًا]
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ
فُلَانًا، فَأَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا أَوْ كَتَبَ إلَيْهِ كِتَابًا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَتَبَ إلَيْهِ كِتَابًا حَنِثَ وَإِنْ
أَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا حَنِثَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ
عَلَى مُشَافَهَتِهِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ فِي الْكِتَابِ لَهُ نِيَّةٌ عَلَى
الْمُشَافَهَةِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: فِي هَذَا مَرَّةً إنْ كَانَ نَوَى فَلَهُ
نِيَّتُهُ ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ: لَا أَرَى أَنْ
أَنْوِيَهُ فِي الْكِتَابِ وَأَرَاهُ فِي الْكِتَابِ حَانِثًا.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ كَتَبَ إلَيْهِ فَأَخَذَ الْكِتَابَ قَبْلَ أَنْ
يَصِلَ إلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَلَا أَرَى عَلَيْهِ حِنْثًا
وَهُوَ آخِرُ قَوْلِهِ
[الرَّجُلُ يَحْلِفُ أَنْ لَا يُسَاكِنَ رَجُلًا]
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَحْلِفُ أَنْ لَا يُسَاكِنَ فُلَانًا،
فَسَكَنَا فِي دَارٍ فِيهَا مَقَاصِيرُ، فَسَكَنَ هَذَا فِي
مَقْصُورَةٍ وَهَذَا فِي مَقْصُورَةٍ أَيَحْنَثُ أَمْ لَا؟
قَالَ: إنْ كَانَا فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي
مَنْزِلِهِ وَالدَّارُ تَجْمَعُهُمَا فَأَرَاهُ حَانِثًا فِي
مَسْأَلَتِك، وَكَذَلِكَ سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ: وَإِنْ كَانَا فِي
بَيْتٍ وَاحِدٍ رَفِيقَيْنِ فَحَلَفَ أَنْ لَا يُسَاكِنَهُ فَانْتَقَلَ
عَنْهُ إلَى مَنْزِلٍ فِي الدَّارِ يَكُونُ
(1/602)
مَدْخَلُهُ وَمَخْرَجُهُ وَمَرَافِقُهُ فِي
حَوَائِجِهِ وَمَنَافِعِهِ عَلَى حِدَةٍ، فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ إلَّا
أَنْ يَكُونَ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْ الدَّارِ، لِأَنِّي سَمِعْت
مَالِكًا يَقُولُ. وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ امْرَأَةٍ لَهُ وَأُخْتٍ
لَهُ كَانَتَا سَاكِنَتَيْنِ فِي مَنْزِلٍ وَاحِدٍ وَحُجْرَةٍ
وَاحِدَةٍ فَوَقَعَ بَيْنَهُمَا مَا يَقَعُ بَيْنَ النِّسَاءِ مِنْ
الشَّرِّ، فَحَلَفَ الرَّجُلُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ أَنْ لَا
يُسَاكِنَ إحْدَاهُمَا صَاحِبَتَهَا، فَتَكَارَى مَنْزِلًا سُفْلًا
وَعُلْوًا وَلِكُلِّ مَنْزِلٍ مِنْهُمَا مِرْفَقُهُ عَلَى حِدَةٍ
مِرْحَاضُهُ وَمُغْتَسَلُهُ وَمَطْبَخُهُ وَمَدْخَلُهُ وَمَخْرَجُهُ
عَلَى حِدَةٍ إلَّا أَنْ سُلَّمَ الْعُلْوِيِّ فِي الدَّارِ
يَجْمَعُهُمَا بَابُ الدَّارِ يَدْخُلَانِ مِنْهُ وَيَخْرُجَانِ
مِنْهُ.
قَالَ مَالِكٌ لَا أَرَى عَلَيْهِ حِنْثًا إذَا كَانَا كَذَا
مُعْتَزِلَيْنِ هَكَذَا
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَسَاكِنُك فَسَكَنَا
فِي قَرْيَةٍ أَيَحْنَثُ أَمْ لَا؟
قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَلَا أَرَاهُ
يَحْنَثُ إلَّا إنْ كَانَ مَعَهُ فِي دَارٍ.
قُلْتُ: وَكَذَلِكَ لَوْ سَاكَنَهُ فِي مَدِينَةٍ مِنْ الْمَدَائِنِ؟
قَالَ: نَعَمْ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُسَاكِنَهُ فِي دَارٍ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُسَاكِنَهُ فَزَارَهُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَتْ الزِّيَارَةُ سُكْنَى، قَالَ مَالِكٌ:
وَيَنْظُرُ فِي ذَلِكَ إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ أَوَّلُ يَمِينِهِ
فَإِنْ كَانَ إنَّمَا ذَلِكَ لِمَا يَدْخُلُ بَيْنَ الْعِيَالِ
وَالصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ فَذَلِكَ عِنْدِي أَخَفُّ، وَإِنْ كَانَ
إنَّمَا أَرَادَ التَّنَحِّيَ عَنْهُ فَهُوَ عِنْدِي أَشَدُّ
[الرَّجُلُ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَسْكُنَ دَارَ رَجُلٍ]
ٍ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَسْكُنَ هَذِهِ الدَّارَ
وَهُوَ فِيهَا سَاكِنٌ مَتَى يُؤْمَرُ بِالْخُرُوجِ فِي قَوْلِ
مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَخْرُجُ سَاعَةَ يَحْلِفُ، فَإِنْ كَانَتْ
يَمِينُهُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: فَأَرَى أَنْ
يَخْرُجَ تِلْكَ السَّاعَةَ فَرَاجَعَهُ ابْنُ كِنَانَةَ فِيهَا
فَقَالَ لَهُ: أَلَا تَرَى لَهُ أَنْ يَمْكُثَ حَتَّى يُصْبِحَ؟
قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ نَوَى ذَلِكَ وَإِلَّا انْتَقَلَ تِلْكَ
السَّاعَةَ. فَرَأَيْتُهُ حِينَ رَاجَعَهُ ابْنُ كِنَانَةَ رَاجَعَهُ
فِيهَا مِرَارًا فَلَمْ يُجِبْهُ عَلَى هَذَا وَلَمْ يَسْأَلْهُ إنْ
أَقَامَ حَتَّى يُصْبِحَ فَرَأَيْته يَرَاهُ حَانِثًا إنْ أَقَامَ
حَتَّى يُصْبِحَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَنَّهُ حَانِثٌ
وَذَلِكَ رَأْيِي. فَقُلْتُ لِمَالِكٍ: فَإِنْ كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ
حَتَّى يُصْبِحَ أَيُقِيمُ يَلْتَمِسُ مَسْكَنًا بَعْدَ مَا أَصْبَحَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَتَعَجَّلُ مَا اسْتَطَاعَ، قِيلَ لَهُ أَنَّهُ
لَا يَجِدُ مَسْكَنًا، قَالَ: هُوَ يَجِدُهُ وَلَكِنَّهُ لَعَلَّهُ
أَنْ لَا يَجِدَهُ إلَّا بِالْغَلَاءِ أَوْ الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا
يُوَافِقُهُ فَلْيَنْتَقِلْ وَلَا يَقُمْ وَإِنْ كَانَ إلَى مِثْلِ
هَذِهِ الْمَوَاضِعِ فَلْيَنْتَقِلْ إلَيْهِ حَتَّى يَجِدَ عَلَى
مَهَلٍ فَإِنْ لَمْ يَنْتَقِلْ رَأَيْته حَانِثًا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ ارْتَحَلَ بِعِيَالِهِ وَوَلَدِهِ وَتَرَكَ
مَتَاعَهُ؟
قَالَ مَالِكٌ: لَا يَتْرُكُ مَتَاعَهُ قُلْتُ: فَإِنْ تَرَكَ
مَتَاعَهُ أَيَحْنَثُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَالرِّحْلَةُ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يَنْتَقِلَ بِكُلِّ شَيْءٍ
لَهُ؟
قَالَ: نَعَمْ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَسْكُنَ دَارَ فُلَانٍ
هَذِهِ،
(1/603)
فَبَاعَهَا فُلَانٌ أَيَحْنَثُ إنْ سَكَنَ
أَمْ لَا؟
قَالَ: أَرَى أَنْ لَا يَسْكُنَ هَذِهِ الدَّارَ إذَا سَمَّاهَا
بِعَيْنِهَا وَإِنْ خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِ وَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِدٍ إلَّا
أَنْ يَكُونَ أَرَادَ مَا دَامَتْ فِي مِلْكِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ
فَإِنْ سَكَنَ حَنِثَ فَهَذَا حِينَ حَلَفَ أَنْ لَا يَسْكُنَ دَارَ
فُلَانٍ هَذِهِ فَإِنْ كَانَ أَرَادَ أَنْ لَا يَسْكُنَ هَذِهِ
الدَّارَ فَلَا يَسْكُنُهَا أَبَدًا فَإِنْ سَكَنَهَا حِنْثَ. قَالَ:
وَإِنْ كَانَ إذَا أَرَادَ مَا دَامَتْ لِفُلَانٍ فَإِنْ خَرَجَتْ مِنْ
مِلْكِ فُلَانٍ فَلَا بَأْسَ عَلَيْهِ فِي سُكْنَاهَا.
قُلْتُ: فَإِنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَسْكُنُ دَارَ فُلَانٍ
فَبَاعَهَا فُلَانٌ؟
قَالَ: أَرَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إنْ سَكَنَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ
نَوَى أَنْ لَا يَسْكُنَهَا وَإِنْ خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِهِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَسْكُنَ دَارَ فُلَانٍ
فَسَكَنَ دَارًا بَيْنَ فُلَانٍ وَرَجُلٍ آخَرَ أَيَحْنَثُ أَمْ لَا؟
قَالَ: نَعَمْ يَحْنَثُ لِأَنِّي سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي رَجُلٍ
قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتَ طَالِقٌ إنْ كَسَوْتُك هَذَيْنِ
الثَّوْبَيْنِ وَنِيَّتُهُ أَنْ لَا يَكْسُوَهَا إيَّاهُمَا جَمِيعًا
فَكَسَاهَا أَحَدَهُمَا أَنَّهَا قَدْ طَلُقَتْ عَلَيْهِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ سَكَنْت هَذِهِ
الدَّارَ وَهِيَ فِيهَا سَاكِنَةٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ؟
قَالَ: تَخْرُجُ فَإِنْ تَمَادَتْ فِي سُكْنَاهَا يَحْنَثُ. فَكَذَلِكَ
اللِّبَاسُ وَالرُّكُوبُ إذَا كَانَتْ رَاكِبَةً أَوْ لَابِسَةً فَإِنْ
هِيَ ثَبَتَتْ عَلَى الدَّابَّةِ أَوْ لَمْ تَنْزِعْ اللِّبَاسَ
مَكَانَهَا مِنْ فَوْرِهَا فَهِيَ طَالِقٌ
[الرَّجُلُ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَدْخُلَ بَيْتًا أَوْ لَا يَسْكُنَ
بَيْتًا]
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَسْكُنُ بَيْتًا وَلَا
نِيَّةَ لَهُ وَهُوَ مَنْ أَهْلِ الْقُرَى أَوْ مَنْ أَهْلِ
الْحَاضِرَةِ فَسَكَنَ بَيْتًا مِنْ بُيُوتِ الشَّعْرِ أَتَرَاهُ
حَانِثًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا إلَّا أَنَّهُ إنْ
لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهُوَ حَانِثٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى يَقُولُ: {بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ
وَيَوْمَ إقَامَتِكُمْ} [النحل: 80] . فَقَدْ سَمَّاهَا اللَّهُ
بُيُوتًا
قَالَ: وَلَقَدْ سَأَلْت مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَحْلِفُ بِطَلَاقِ
امْرَأَتِهِ مَا لَهُ مَالٌ وَلَا مَالَ لَهُ يَعْلَمُهُ فَيَكُونُ
قَدْ وَقَعَ لَهُ مِيرَاثٌ بِأَرْضٍ قَبْلَ يَمِينِهِ.
قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ لَمْ يَنْوِ حِينَ حَلَفَ أَنَّهُ مَا لَهُ
مَالٌ يَعْلَمُهُ فَأَرَى أَنَّهُ قَدْ حَنِثَ وَإِنْ كَانَ نَوَى
حِينَ نَوَى أَنَّهُ مَا لَهُ مَالٌ يَعْنِي مَا لَا يَعْلَمُهُ لَمْ
يَحْنَثْ
[الرَّجُلُ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى رَجُلٍ بَيْتًا]
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى رَجُلٍ
بَيْتًا، فَدَخَلَ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ أَيَحْنَثُ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يَحْنَثُ، قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَدْ بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا حِنْثَ عَلَى
هَذَا وَلَيْسَ عَلَى هَذَا حَلِفٌ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ أَنْ لَا
(1/604)
يَدْخُلَ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا فَدَخَلَ
الْحَالِفُ عَلَى جَارٍ لَهُ بَيْتَهُ فَإِذَا فُلَانٌ الْمَحْلُوفُ
عَلَيْهِ فِي بَيْتِ جَارِهِ ذَلِكَ أَيَحْنَثُ أَمْ لَا؟
قَالَ: نَعَمْ، يَحْنَثُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى فُلَانٍ
بَيْتًا فَدَخَلَ بَيْتًا فَدَخَلَ عَلَيْهِ فُلَانٌ ذَلِكَ الْبَيْتَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُعْجِبُنِي فِي هَذَا بِعَيْنِهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَرَى إنْ دَخَلَ عَلَيْهِ فُلَانٌ ذَلِكَ
الْبَيْتَ أَنْ لَا يَكُونَ حَانِثًا إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى أَنْ
لَا يُجَامِعَهُ فِي بَيْتِهِ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ نَوَى ذَلِكَ
فَقَدْ حَنِثَ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ قَوْلَ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا
يُعْجِبُنِي أَخَافُ الْحِنْثَ فِي ذَلِكَ؟
قَالَ: نَعَمْ، يَخَافُ مَالِكٌ الْحِنْثَ
[الرَّجُلُ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارًا بِعَيْنِهَا أَوْ بِغَيْرِ
عَيْنِهَا]
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ
هَذِهِ الدَّارَ فَهُدِمَتْ حَتَّى صَارَتْ طَرِيقًا أَوْ خَرِبَةً
مِنْ الْخَرَائِبِ يَذْهَبُ النَّاسُ فِيهَا يَخْرِقُونَهَا ذَاهِبِينَ
وَجَائِينَ؟
قَالَ: أَرَى إذَا تَهَدَّمَتْ وَخَرِبَتْ حَتَّى تَصِيرَ طَرِيقًا
فَدَخَلَهَا لَمْ يَحْنَثْ قُلْتُ: فَلَوْ بُنِيَتْ بَعْدَ ذَلِكَ
دَارًا؟
قَالَ: لَا يَدْخُلُهَا لِأَنَّهَا حِينَ بُنِيَتْ بَعْدُ فَقَدْ
صَارَتْ دَارًا
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ
فَدَخَلَ بَيْتَ فُلَانٍ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا فُلَانٌ
سَاكِنٌ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ بِكِرَاءٍ أَيَحْنَثُ أَمْ لَا؟
قَالَ: أَرَى الْمَنْزِلَ مَنْزِلَ الرَّجُلِ بِكِرَاءٍ كَانَ فِيهِ
أَوْ بِغَيْرِ كِرَاءٍ وَيَحْنَثُ هَذَا الْحَالِفُ إنْ دَخَلَهَا
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ
فَقَامَ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْهَا أَيَحْنَثُ أَمْ لَا؟
قَالَ: يَحْنَثُ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ مَنْ بَابِ
هَذِهِ الدَّارِ فَحُوِّلَ بَابُهَا فَدَخَلَ مَنْ بَابِهَا هَذَا
الْمُحْدَثِ أَيَحْنَثُ أَمْ لَا؟
قَالَ: يَحْنَثُ.
قُلْتُ: أَتَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا، وَهُوَ رَأْيِي إلَّا أَنْ يَكُونَ كَرِهَ الدُّخُولَ مِنْ
ذَلِكَ الْبَابِ لِضِيقٍ أَوْ لِسُوءِ مَمَرٍّ أَوْ مَمَرٍّ عَلَى
أَحَدٍ وَلَمْ يَكْرَهْ دُخُولَ الدَّارِ بِعَيْنِهَا، فَإِنَّ هَذَا
إذَا حُوِّلَ الْبَابُ وَدَخَلَ لَمْ يَحْنَثْ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ مِنْ هَذَا
الْبَابِ فَأُغْلِقَ ذَلِكَ الْبَابُ وَفُتِحَ لَهُ بَابٌ آخَرُ
فَدَخَلَ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ الَّذِي فُتِحَ أَيَحْنَثُ أَمْ لَا؟
قَالَ: يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى أَنْ لَا يَدْخُلَ مِنْ
هَذَا الْبَابِ وَإِنَّمَا أَرَادَ ذَلِكَ الْبَابَ بِعَيْنِهِ وَلَمْ
يُرِدْ دُخُولَ الدَّارِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ نِيَّتَهُ فَهُوَ
حَانِثٌ لِأَنَّ نِيَّتَهُ هَاهُنَا إنَّمَا وَقَعَتْ عَلَى أَنْ لَا
يَدْخُلَ هَذِهِ الدَّارَ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ
فَاحْتَمَلَهُ إنْسَانٌ فَأَدْخَلَهُ أَيَحْنَثُ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: إنَّهُ لَا
يَحْنَثُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ احْتَمِلُونِي فَأَدْخِلُونِي
فَفَعَلُوا؟
قَالَ: هَذَا حَانِثٌ لَا شَكَّ فِيهِ.
(1/605)
[الرَّجُلُ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَأْكُلَ
طَعَامَ رَجُلٍ]
ٍ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا آكُلُ مَنْ طَعَامِ
فُلَانٍ، فَبَاعَ فُلَانٌ طَعَامَهُ ثُمَّ أَكَلَ مِنْ ذَلِكَ
الطَّعَامِ؟
قَالَ: فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَحْلِفَ: لَا أَكَلْت مِنْ
هَذَا الطَّعَامِ بِعَيْنِهِ. فَإِنَّهُ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ وَإِنْ
خَرَجَ مِنْ مِلْكِ فُلَانٍ ذَلِكَ الرَّجُلِ فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ
حَنِثَ وَإِنْ انْتَقَلَ مِنْ مِلْكِ رَجُلٍ إلَى مِلْكِ آخَرَ إلَّا
أَنْ يَكُونَ نَوَى مَا دَامَ فِي يَدِهِ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا آكُلُ مَنْ طَعَامِ
فُلَانٍ وَلَا أَلْبَسُ مِنْ ثِيَابِ فُلَانٍ وَلَا أَدْخُلُ دَارَ
فُلَانٍ. فَاشْتَرَى هَذَا الْحَالِفُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِنْ
فُلَانٍ فَأَكَلَهَا أَوْ لَبِسَهَا أَوْ دَخَلَهَا بَعْدَ
الِاشْتِرَاءِ؟ قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ
نَوَاهُ بِعَيْنِهِ أَنْ لَا يَأْكُلَهُ.
قُلْتُ: فَإِنْ وَهَبَ هَذَا الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ هَذِهِ
الْأَشْيَاءَ لِلْحَالِفِ أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ فَقَبِلَهَا
وَأَكَلَهَا أَوْ لَبِسَ أَوْ دَخَلَ الدَّارَ أَيَحْنَثُ أَمْ لَا فِي
قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: مَا يُعْجِبُنِي وَمَا سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا
وَلَكِنِّي إنَّمَا كَرِهْته لَك لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يُكْرَهُ
لِوَجْهِ الْمَنِّ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا وَهَبَ لَهُ
الْهِبَةَ مِنْ الْوَاهِبِ عَلَيْهِ وَإِنْ اشْتَرَى مِنْهُ فَلَا
مِنَّةَ لِلْبَائِعِ عَلَيْهِ وَلَا يُعْجِبُنِي هَذَا وَأَرَاهُ
حَانِثًا إنْ كَانَ إنَّمَا كَرِهَ مِنْهُ إنْ فَعَلَ
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَبَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ
رَجُلٍ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ لِرَجُلٍ طَعَامًا فَدَخَلَ ابْنُ
الْحَالِفِ عَلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَأَعْطَاهُ خُبْزًا ثُمَّ
خَرَجَ بِهِ الصَّبِيُّ إلَى مَنْزِلِ أَبِيهِ فَتَنَاوَلَهُ أَبُوهُ
مِنْهُ فَأَكَلَ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، فَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ
ذَلِكَ فَقَالَ: أَرَاهُ حَانِثًا
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْ طَعَامٍ
يَشْتَرِيه فُلَانٌ فَأَكَلَ مَنْ طَعَامٍ اشْتَرَاهُ فُلَانٌ وَآخَرُ
مَعَهُ أَيَحْنَثُ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: أَرَاهُ حَانِثًا
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ هَذَا الرَّغِيفَ
فَأُكْرِهَ عَلَيْهِ فَأَكَلَهُ؟
قَالَ: لَا يَحْنَثُ فِي رَأْيِي.
قُلْتُ: فَإِنْ أُكْرِهَ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ كَذَا وَكَذَا
فَأَكَلَهُ أَيَحْنَثُ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يَحْنَثُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالْمُكْرَهُ عِنْدَ مَالِكٍ
عَلَى الْيَمِينِ لَيْسَ يَمِينُهُ بِيَمِينٍ
[الرَّجُلُ يَحْلِفُ أَنْ لَا تَخْرُجَ امْرَأَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ
أَوْ لَا يَأْذَنُ لِامْرَأَتِهِ أَنْ تَخْرُجَ]
َ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا تَخْرُجَ امْرَأَتُهُ مِنْ
الدَّارِ إلَّا بِرَأْيِهِ فَأَذِنَ لَهَا حَيْثُ لَا تَسْمَعُ
فَخَرَجَتْ بَعْدَ الْإِذْنِ أَيَحْنَثُ أَمْ لَا؟
قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ أَنْ لَا
تَخْرُجَ امْرَأَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ، فَسَافَرَ فَخَافَ أَنْ
تَخْرُجَ بَعْدَهُ فَقَالَ: اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ أَذِنْت لَهَا إنْ
خَرَجَتْ فَهِيَ عَلَى إذْنِي، فَخَرَجَتْ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهَا
الْخَبَرُ، قَالَ مَالِكٌ: مَا أَرَاهُ إلَّا قَدْ حَنِثَ. وَقَالَ
مَالِكٌ: لَيْسَ الَّذِي أَرَادَ وَلَمْ أَسْمَعْهُ أَنَا مِنْ مَالِكٍ
وَلَكِنْ بَلَغَنِي ذَلِكَ عَنْهُ وَهُوَ رَأْيِي وَكَذَلِكَ
مَسْأَلَتُك
(1/606)
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ رَجُلٌ أَنْ
لَا يَأْذَنَ لِامْرَأَتِهِ أَنْ تَخْرُجَ إلَّا فِي عِيَادَةِ مَرِيضٍ
فَأَذِنَ لَهَا فَخَرَجَتْ فِي عِيَادَةِ مَرِيضٍ، ثُمَّ عَرَضَتْ
لَهَا حَاجَةٌ غَيْرُ الْعِيَادَةِ وَهِيَ عِنْدَ الْمَرِيضِ
فَذَهَبَتْ فِيهَا أَيَحْنَثُ الزَّوْجُ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يَحْنَثُ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ لِامْرَأَتِهِ أَنْ لَا تَخْرُجَ إلَّا
فِي عِيَادَةِ مَرِيضٍ فَخَرَجَتْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا
إلَى الْحَمَّامِ أَوْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ أَيَحْنَثُ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يَحْنَثُ فِي رَأْيِي لِأَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَأْذَنْ
لَهَا إلَى حَيْثُ خَرَجَتْ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ بِذَلِكَ
فَيَتْرُكُهَا، فَإِنْ هُوَ حِينَ يَعْلَمُ بِذَلِكَ لَمْ يَتْرُكْهَا
فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ.
قُلْتُ: وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ ذَلِكَ وَرَجَعَتْ
قَالَ: لَا حِنْثَ عَلَيْهِ فِي رَأْيِي.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَدْ ذَكَرَ عَنْ رَبِيعَةَ شَيْئًا مِثْلَ هَذَا
أَنَّهُ حَانِثٌ فِي الْعِيَادَةِ إذَا أَقَرَّهَا لِأَنَّهُ قَدْ
كَانَ يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهَا فَلَمَّا تَرَكَهَا كَأَنَّهُ أَذِنَ
لَهَا فِي خُرُوجِهَا
[الرَّجُلُ يَحْلِفُ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ غَدًا أَوْ
لَيَأْكُلَنَّ طَعَامًا غَدًا]
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَجُلٍ: وَاَللَّهِ
لَأَقْضِيَنَّ حَقَّك غَدًا، فَعَجَّلَ لَهُ حَقَّهُ الْيَوْمَ
أَيَحْنَثُ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَحْنَثُ إنْ عَجَّلَ لَهُ حَقَّهُ قَبْلَ
الْأَجَلِ وَإِنَّمَا يَحْنَثُ إذَا أَخَّرَ حَقَّهُ بَعْدَ الْأَجَلِ
قُلْتُ: فَإِنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَآكُلَنَّ هَذَا الطَّعَامَ غَدًا
فَأَكَلَهُ الْيَوْمَ أَيَحْنَثُ أَمْ لَا؟
قَالَ: نَعَمْ هُوَ يَحْنَثُ.
قُلْتُ: أَتَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا.
قُلْتُ: لِمَ أَحْنَثْتَهُ فِي هَذَا وَلَمْ تُحْنِثْهُ فِي
الْأَوَّلِ؟
قَالَ: لِأَنَّ هَذَا حَلَفَ عَلَى الْفِعْلِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ
وَالْأَوَّلُ إنَّمَا أَرَادَ الْقَضَاءَ وَلَمْ يُرِدْ ذَلِكَ
الْيَوْمَ بِعَيْنِهِ إنَّمَا أَرَادَ أَنْ لَا يَتَأَخَّرَ ذَلِكَ
الْيَوْمَ وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِيهِ
[الرَّجُلُ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ ثَوْبًا فَاشْتَرَى ثَوْبَ
وَشْيٍ]
ٍ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ
ثَوْبًا فَاشْتَرَى ثَوْبَ وَشْيٍ أَوْ غَيْرَهُ؟
قَالَ: إنْ كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَهُ نِيَّتُهُ فِيمَا بَيْنَهُ
وَبَيْنَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَاشْتَرَى
ثَوْبًا حَنِثَ إنْ كَانَ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْعَتَاقِ أَوْ
بِشَيْءٍ مِمَّا يَقْضِي عَلَيْهِ الْقَاضِي بِهِ
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ
دَارًا سَمَّاهَا فَدَخَلَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَقَالَ: إنَّمَا نَوَيْت
شَهْرًا قَالَ: إنْ كَانَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلَهُ
وَإِنْ كَانَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَجَاءَ مُسْتَفْتِيًا
فَلَهُ نِيَّتُهُ فَمَسْأَلَتُك مِثْلُ هَذِهِ
[الرَّجُلُ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَلْبَسَ ثَوْبًا]
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ هَذَا الثَّوْبَ،
وَهُوَ لَابِسُهُ فَتَرَكَهُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْيَمِينِ؟
(1/607)
قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ وَلَمْ
أَسْمَعْهُ مِنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ حَلَفَ أَنْ لَا يَرْكَبَ
هَذِهِ الدَّابَّةَ وَهُوَ عَلَيْهَا، قَالَ: أَرَى إنْ كَانَ نَزَلَ
عَنْهَا مَكَانَهُ وَإِلَّا فَهُوَ حَانِثٌ فَمَسْأَلَتُك مِثْلُ هَذَا
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ
غَزْلَ فُلَانَةَ، فَلَبِسَ ثَوْبًا غَزَلَتْهُ فُلَانَةُ وَأُخْرَى
مَعَهَا؟
قَالَ: أَرَاهُ حَانِثًا فِي رَأْيِي
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ هَذَا الثَّوْبَ
فَقَطَعَهُ قَبَاءً أَوْ قَمِيصًا أَوْ سَرَاوِيلَ أَوْ جُبَّةً؟
قَالَ: هُوَ حَانِثٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ إنَّمَا حَلَفَ لِضِيقٍ فِيهِ
كَرِهَ أَنْ يَلْبَسَهُ عَلَى ذَلِكَ الْحَالِ أَوْ لِسُوءِ عَمَلِهِ
فَكَرِهَ لِبْسَهُ لِذَلِكَ فَحَوَّلَهُ فَهَذَا لَهُ نِيَّةٌ فَإِنْ
لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ حَنِثَ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ هَذَا
الثَّوْبَ وَهُوَ قَمِيصٌ أَوْ قَبَاءٌ أَوْ مِلْحَفَةٌ فَأْتَزَرَ
بِهِ أَوْ لَفَّ بِهِ رَأْسَهُ، أَوْ طَرَحَهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ
أَيَكُونُ حَانِثًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ وَهَلْ يَكُونُ هَذَا لُبْسًا
عِنْدَ مَالِكٍ؟
قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ مَالِكًا عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ بِطَلَاقِ
امْرَأَتِهِ أَلْبَتَّةَ أَنْ لَا يَلْبَسَ لَهَا ثَوْبًا
فَأَصَابَتْهُ هِرَاقَةُ الْمَاءِ فَقَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَتَنَاوَلَ
ثَوْبًا عِنْدَ رَأْسِهِ فَإِذَا هُوَ ثَوْبُ امْرَأَتِهِ وَهُوَ لَا
يَعْلَمُ فَوَضَعَهُ بِيَدَيْهِ عَلَى مُقَدَّمِ فَرْجِهِ فَقَالَ
مَالِكٌ: لَا أَرَى هَذَا لُبْسًا. فَقِيلَ لِمَالِكٍ: فَلَوْ
أَدَارَهُ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ مَالِكٌ: لَوْ أَدَارَهُ عَلَيْهِ
لَرَأَيْته لُبْسًا فَأَمَّا مَسْأَلَتُك فَأَرَاهُ لِبَاسًا وَأَرَاهُ
حَانِثًا وَمَا سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ مِنْ غَزْلِ
فُلَانَةَ فَلَبِسَ ثَوْبًا غَزَلَتْهُ فُلَانَةُ وَأُخْرَى مَعَهَا؟
قَالَ: أَرَاهُ حَانِثًا فِي رَأْيِي
[الرَّجُلُ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَرْكَبَ دَابَّةَ رَجُلٍ فَيَرْكَبُ
دَابَّةَ عَبْدِهِ]
ِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ أَنْ لَا يَرْكَبَ
دَابَّةَ رَجُلٍ فَرَكِبَ دَابَّةً لِعَبْدِهِ أَيَحْنَثُ أَمْ لَا؟
قَالَ: سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الْعَبْدِ يَشْتَرِي أَرِقَّاءَ
لَوْ اشْتَرَاهُمْ سَيِّدُهُ لَعَتَقُوا عَلَيْهِ، قَالَ مَالِكٌ:
يَعْتِقُونَ عَلَى سَيِّدِهِمْ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ هُوَ الَّذِي
اشْتَرَاهُمْ لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُمْ أَحْرَارٌ عَلَى السَّيِّدِ إذَا
كَانُوا مِمَّنْ يَعْتِقُونَ عَلَى السَّيِّدِ فَمَسْأَلَتُك مِثْلُ
هَذَا عِنْدِي أَنَّهُ حَانِثٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْحَالِفِ نِيَّةٌ
لِأَنَّ مَا فِي يَدَيْ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ. أَلَا تَرَى أَنَّ مَا
فِي يَدَيْهِ مِنْ الْأَرِقَّاءِ الَّذِينَ يَعْتِقُونَ عَلَى
السَّيِّدِ أَنَّهُمْ أَحْرَارٌ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهُمْ مِنْهُ
السَّيِّدُ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ فِي دَابَّةِ
عَبْدِهِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ رَكِبَ دَابَّةً لِابْنِهِ كَانَ
يَجُوزُ لَهُ اعْتِصَارُهَا لَمْ يَحْنَثْ فَكَذَلِكَ هَذَا
[الرَّجُلُ يَحْلِفُ مَا لَهُ مَالٌ وَلَهُ دَيْنٌ وَعُرُوضٌ]
ٌ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا حَلَفَ مَا لَهُ مَالٌ وَلَهُ دَيْنٌ
عَلَى النَّاسِ وَعُرُوضٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُ
ذَلِكَ الدَّيْنُ أَيَحْنَثُ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: يَحْنَثُ عَنْ مَالِكٍ لِأَنِّي سَمِعْت
(1/608)
مَالِكًا وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ أَعَارَهُ
رَجُلٌ ثَوْبًا فَحَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ
إلَّا ثَوْبَهُ وَلَهُ ثَوْبَانِ مَرْهُونَانِ أَتَرَى عَلَيْهِ
حِنْثًا؟
قَالَ: إنْ كَانَ فِي ثَوْبَيْهِ الْمَرْهُونَيْنِ كَفَافٌ لِدَيْنِهِ
فَلَا أَرَى عَلَيْهِ حِنْثًا وَكَانَتْ تِلْكَ نِيَّتَهُ مِثْلَ أَنْ
يَقُولَ مَا أَمْلِكُ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ مَا
أَمْلِكُ مَا أَقْدِرُ إلَّا عَلَى ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ فَإِنْ لَمْ
تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ هَكَذَا أَوْ كَانَ فِي الثَّوْبَيْنِ فَضْلٌ
رَأَيْت أَنْ يَحْنَثَ فَمَسْأَلَتُك مِثْلُ هَذَا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَلَيْسَ فِي
الثَّوْبَيْنِ وَفَاءٌ فَأَرَى أَنَّهُ يَحْنَثُ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ مَا لَهُ مَالٌ وَلَيْسَتْ
لَهُ دَنَانِيرُ وَلَا دَرَاهِمُ وَلَا شَيْءٌ مِنْ الْأَمْوَالِ
الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الصَّدَقَةُ وَلَهُ شَوَارُ بَيْتِهِ وَخَادِمٌ
وَفَرَسٌ أَيَحْنَثُ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: مَا سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ فِي هَذَا شَيْئًا وَمَا أَشُكُّ
أَنَّهُ حَانِثٌ لِأَنِّي لَا أُحْصِي مَا سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ
يَقُولُ مَنْ قَالَ: مَا لِي مَالٌ وَلَهُ عُرُوضٌ وَلَا قَرْضَ لَهُ
أَنَّهُ يَحْنَثُ، فَهَذَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّهُ قَدْ جَعَلَ
الْعُرُوضَ كُلَّهَا أَمْوَالًا إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْحَالِفِ
نِيَّةٌ فَتَكُونُ لَهُ نِيَّتُهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ فِي الْحَدِيثِ
الَّذِي ذَكَرُوا عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- يَوْمَ خَيْبَرَ أَنَّ فِيهِ لَمْ يَغْنَمْ ذَهَبًا وَلَا وَرِقًا
إلَّا الْأَمْوَالَ؛ الْمَتَاعَ وَالْخُرْثِيَّ
[الرَّجُلُ يَحْلِفُ أَنْ لَا يُكَلِّمَ رَجُلًا أَيَّامًا
فَيُكَلِّمُهُ فَيَحْنَثُ ثُمَّ يُكَلِّمُهُ أَيْضًا]
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ لِرَجُلٍ وَاَللَّهِ لَا
أُكَلِّمُك عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَكَلَّمَهُ فِي هَذِهِ الْعَشَرَةِ
فَأَحْنَثَهُ ثُمَّ كَلَّمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَرَّةً أُخْرَى؟
قَالَ: لَا حِنْثَ عَلَيْهِ عِنْدَ مَالِكٍ بَعْدَ الْحِنْثِ
الْأَوَّلِ وَإِنْ كَلَّمَهُ فِي الْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ.
قَالَ: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ كَلَّمَهُ فِي هَذِهِ الْعَشَرَةِ
أَيَّامٍ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ مِرَارًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا
كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ
[الرَّجُلُ يَحْلِفُ لِلرَّجُلِ إنْ عَلِمَ أَمْرًا لَيُخْبِرَنَّهُ
فَعَلِمَاهُ جَمِيعًا]
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ لِرَجُلٍ إنْ عَلِمَ
أَمْرَ كَذَا وَكَذَا لَيُخْبِرَنَّهُ أَوْ لَيُعْلِمَنَّهُ ذَلِكَ
فَعَلِمَاهُ جَمِيعًا أَتَرَى الْحَالِفَ إنْ لَمْ يُعْلِمْ
الْمَحْلُوفَ لَهُ أَوْ يُعْلِمُهُ حَانِثًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَوْ
يَقُولُ إذَا عَلِمَ الْمَحْلُوفُ لَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْحَالِفِ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي هَذَا شَيْئًا بِعَيْنِهِ
وَأَنَا أَرَى أَنَّ عِلْمَهُمَا لَا يُخْرِجُهُ مِنْ يَمِينِهِ حَتَّى
يُخْبِرَهُ أَوْ يُعْلِمَهُ
وَلَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ أَسَرَّ إلَيْهِ رَجُلٌ سِرًّا
فَاسْتَحْلَفَهُ عَلَى ذَلِكَ لَيَكْتُمَنَّهُ وَلَا يُخْبِرُ بِهِ
أَحَدًا فَأَخْبَرَ الْمَحْلُوفُ لَهُ رَجُلًا بِذَلِكَ السِّرِّ،
فَانْطَلَقَ ذَلِكَ الرَّجُلُ فَأَخْبَرَ الْحَالِفَ فَقَالَ: إنَّ
فُلَانًا أَخْبَرَنِي بِكَذَا وَكَذَا فَقَالَ الْحَالِفُ: مَا كُنْت
أَظُنُّ أَخْبَرَ بِهَذَا غَيْرِي وَلَقَدْ أَخْبَرَنِي بِهِ فَظَنَّ
الْحَالِفُ أَنَّ
(1/609)
يَمِينَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهَا إنْ
أَخْبَرَ هَذَا لِأَنَّ هَذَا قَدْ عَلِمَ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: أَرَاهُ حَانِثًا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ إنْ عَلِمَ كَذَا وَكَذَا لَيُعْلِمَنَّ
فُلَانًا وَلَيُخْبِرَنَّهُ فَعَلِمَ بِذَلِكَ فَكَتَبَ إلَيْهِ
بِذَلِكَ أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا أَيَبْرَأُ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ شَيْئًا وَأَرَاهُ بَارًّا.
[الرَّجُلُ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَتَكَفَّلَ بِمَالٍ أَوْ بِرَجُلٍ]
ٍ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَكَفَّلَ بِمَالٍ أَبَدًا
فَتَكَفَّلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ أَتُحَنِّثُهُ أَمْ لَا؟
قَالَ: الْكَفَالَةُ عِنْدَ مَالِكٍ بِالنَّفْسِ هِيَ الْكَفَالَةُ
بِالْمَالِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ اشْتَرَطَ وَجْهًا بِلَا مَالٍ
فَلَا يَحْنَثُ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفْت أَنْ لَا أَتَكَفَّلَ لِرَجُلٍ
بِكَفَالَةٍ أَبَدًا فَتَكَفَّلْتُ لِوَكِيلٍ لَهُ بِكَفَالَةٍ عَنْ
رَجُلٍ وَلَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ وَكِيلٌ لِلَّذِي حَلَفْت لَهُ؟
قَالَ: إذَا لَمْ تَعْلَمْ بِذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الَّذِي
تَكَفَّلْتَ لَهُ مِنْ سَبَبِ الَّذِي حَلَفْتَ لَهُ مِثْلُ مَا
وَصَفْتُ لَك قَبْلُ فِي صَدْرِ الْكِتَابِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْك
[الرَّجُلُ يَحْلِفُ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ مِائَةً]
ً قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ
عَبْدَهُ مِائَةَ سَوْطٍ فَجَمَعَهَا فَضَرَبَهُ بِهَا ضَرْبَةً
وَاحِدَة؟
قَالَ مَالِكٌ: لَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ وَلَا يُخْرِجُهُ مِنْ يَمِينِهِ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ
مِائَةَ ضَرْبَةٍ فَضَرَبَهُ ضَرْبًا خَفِيفًا؟
قَالَ: لَيْسَ الضَّرْبُ إلَّا مَا هُوَ الضَّرْبُ الَّذِي يُؤْلِمُ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ هَذَا الَّذِي حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ
مِائَةَ جَلْدَةٍ إنْ أَخَذَ سَوْطًا لَهُ رَأْسَانِ أَوْ أَخَذَ
سَوْطَيْنِ فَجَعَلَ يَضْرِبُهُ بِهِمَا فَضَرَبَهُ خَمْسِينَ بِهَذَا
السَّوْطِ الَّذِي لَهُ رَأْسَانِ أَوْ بِهَذَيْنِ السَّوْطَيْنِ
أَيُجْزِئُهُ مَنْ يَمِينِهِ؟
قَالَ: سَأَلْت مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ الَّذِي يَجْمَعُ سَوْطَيْنِ
فَيَضْرِبُ بِهِمَا قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ
[الرَّجُلُ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ عَبْدًا أَوْ لَا يَضْرِبُهُ
أَوْ لَا يَبِيعُهُ سِلْعَةً]
ً قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ عَبْدًا فَأَمَرَ
غَيْرَهُ فَاشْتَرَى لَهُ عَبْدًا أَيَحْنَثُ أَمْ لَا فِي قَوْلِ
مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ. يَحْنَثُ عِنْدَ مَالِكٍ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَضْرِبَ عَبْدَهُ فَأَمَرَ
غَيْرَهُ فَضَرَبَهُ أَيَحْنَثُ أَمْ لَا؟
قَالَ: هَذَا حَانِثٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ حِينَ حَلَفَ
أَنْ لَا يَضْرِبَهُ هُوَ نَفْسَهُ.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: هَذَا رَأْيِي
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ فَأَمَرَ
غَيْرَهُ فَضَرَبَهُ؟
قَالَ: هَذَا بَارٌّ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَمِينُهُ أَنْ يَضْرِبَهُ
هُوَ نَفْسُهُ
قُلْتُ: وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ سِلْعَةً فَأَمَرَ
غَيْرَهُ فَبَاعَهَا أَيَحْنَثُ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
(1/610)
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَلَا تَدِينُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: مَا سَمِعْت مَالِكًا يَدِينُهُ وَلَا أَرَى ذَلِكَ لَهُ
[الرَّجُلُ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَبِيعَ سِلْعَةَ رَجُلٍ فَأَعْطَاهُ
إيَّاهَا غَيْرَ الرَّجُلِ]
ِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ
لِفُلَانٍ شَيْئًا، وَأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ
سِلْعَةً لِيَبِيعَهَا، فَدَفَعَهَا هَذَا الرَّجُلُ إلَى الْحَالِفِ
لِيَبِيعَهَا لَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ الْحَالِفُ أَنَّهَا لِلْمَحْلُوفِ
عَلَيْهِ، فَبَاعَهَا أَيَحْنَثُ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: إنْ كَانَ الَّذِي دَفَعَ السِّلْعَةَ إلَى الْحَالِفِ مِنْ
سَبَبِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَوْ مِنْ نَاحِيَتِهِ فَإِنِّي أَرَى
أَنَّهُ قَدْ حَنِثَ لِأَنِّي سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الرَّجُلِ
يَحْلِفُ أَنْ لَا يَبِيعَ سِلْعَتَهُ مِنْ رَجُلٍ فَبَاعَهَا مِنْ
غَيْرِهِ فَإِذَا هَذَا الْمُشْتَرِي إنَّمَا اشْتَرَاهَا
لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مِنْ سَبَبِ
الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَوْ مِنْ نَاحِيَتِهِ فَأَرَاهُ حَانِثًا
وَإِلَّا فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ. قَالَ: فَقِيلَ لِمَالِكٍ: إنَّهُ
قَدْ يُقَدِّمُ إلَيْهِ وَقَالَ لَهُ الْحَالِفُ: إنَّ عَلَيَّ
يَمِينًا أَنْ لَا أَبِيعَ مِنْ فُلَانٍ فَقَالَ الْمُشْتَرِي: إنَّمَا
اشْتَرَيْت لِنَفْسِي فَبَاعَهُ عَلَى ذَلِكَ فَلَمَّا وَجَبَ
الْبَيْعُ قَالَ الْمُشْتَرِي: ادْفَعْ السِّلْعَةَ إلَى فُلَانٍ
الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَإِنِّي إنَّمَا اشْتَرَيْتهَا لَهُ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَزِمَهُ الْبَيْعُ.
قُلْتُ: فَإِنَّ الْحَالِفَ يَقُولُ: فَإِنِّي قَدْ تَقَدَّمْت إلَيْهِ
فِي ذَلِكَ؟
قَالَ: لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ، قَالَ: فَقِيلَ لِمَالِكٍ أَتَرَى
عَلَيْهِ الْحِنْثَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مِنْ سَبَبِ
الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَوْ مِنْ نَاحِيَتِهِ فَقَدْ حَنِثَ وَلَمْ
يَرَ مَا يُقَدَّمُ إلَيْهِ يَنْفَعُهُ.
قَالَ: فَقُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ مَا مَعْنَى قَوْلِهِ مِنْ سَبَبِ
الْمَحْلُوفِ أَوْ مِنْ نَاحِيَتِهِ؟
قَالَ: الصَّدِيقُ الْمُلَاطِفُ أَوْ مَنْ هُوَ فِي عِيَالِهِ أَوْ
هُوَ مِنْ نَاحِيَتِهِ وَلَمْ يُفَسِّرْهُ لَنَا هَكَذَا وَلَكِنَّا
عَلِمْنَا أَنَّهُ هُوَ كَذَا
[الرَّجُلُ يَحْلِفُ لِغَرِيمِهِ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ فَيَقْضِيه
نَقْصًا]
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَحْلِفُ لَيَدْفَعَنَّ إلَى فُلَانٍ
حَقّه وَهُوَ دَرَاهِمُ فَقَضَاهُ نَقْصًا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَوْ كَانَ فِيهَا دِرْهَمٌ وَاحِدٌ نَاقِصٌ
لَكَانَ حَانِثًا. قَالَ: وَإِنْ كَانَ فِيهَا شَيْءٌ بَارٌّ لَا
يَجُوزُ فَإِنَّهُ حَانِثٌ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ رَجُلٌ لِغَرِيمٍ لَهُ أَنْ لَا
يُفَارِقَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مِنْهُ حَقَّهُ فَأَخَذَ مِنْهُ
حَقَّهُ فَلَمَّا افْتَرَقَا أَصَابَ بَعْضَهَا نُحَاسًا أَوْ رَصَاصًا
أَوْ نَقْصًا بَيِّنٌ نُقْصَانُهَا أَيَحْنَثُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ
لَا؟
قَالَ: هُوَ حَانِثٌ لِأَنِّي سَأَلْت مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ
يَحْلِفُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ إلَى أَجَلٍ،
فَيَقْضِيه حَقَّهُ ثُمَّ يَذْهَبُ صَاحِبُ الْحَقِّ بِالذَّهَبِ
فَيَجِدُ فِيهَا زَائِفًا أَوْ نَاقِصًا بَيِّنٌ نُقْصَانُهَا
فَيَأْتِي بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَدْ ذَهَبَ الْأَجَلُ.
قَالَ مَالِكٌ: أَرَاهُ حَانِثًا لِأَنَّهُ لَمْ يَقْضِهِ حَقَّهُ
حِينَ وَجَدَ فِيمَا اقْتَضَى نُقْصَانًا أَوْ زَائِفًا قُلْتُ:
وَكَذَلِكَ إنْ اسْتَحَقَّهَا مُسْتَحِقٌّ؟
(1/611)
قَالَ: نَعَمْ، يَحْنَثُ فِي رَأْيِي.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ أَخَذَ بِحَقِّهِ عَرَضًا مِنْ الْعُرُوضِ؟
قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ عَرَضُهُ ذَلِكَ يُسَاوِي مَا أَعْطَاهُ
بِهِ وَهُوَ قِيمَتُهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهُ بَاعَهُ لَمْ أَرَ
عَلَيْهِ شَيْئًا ثُمَّ اسْتَثْقَلَهُ وَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ أَعْجَبُ
إلَيَّ إذَا كَانَ يُسَاوِي.
[الرَّجُلُ يَحْلِفُ أَنْ لَا يُفَارِقَ غَرِيمَهُ حَتَّى يَقْضِيَهُ
فَيَفِرُّ مِنْهُ]
ُ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفْت أَنْ لَا أُفَارِقَ غَرِيمِي حَتَّى
أَسْتَوْفِيَ حَقِّي فَيَفِرُّ مِنِّي أَوْ أَفْلَتَ، أَأَحْنَثُ فِي
قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ إنَّمَا غَلَبَهُ غَرِيمُهُ
وَإِنَّمَا نَوَى أَنْ لَا يُفَارِقَهُ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: لَا
أُخَلِّي سَبِيلَهُ وَلَا أَتْرُكُهُ إلَّا أَنْ يَفِرَّ مِنِّي فَلَا
شَيْءَ عَلَيْهِ
قَالَ: وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ:
أَنْتِ طَالِقٌ إنْ قَبَّلْتُكِ فَقَبَّلَتْهُ مَنْ خَلْفِهِ وَهُوَ
لَا يَدْرِي. قَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ كَانَتْ غَلَبَتْهُ
وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ فِي ذَلِكَ اسْتِرْخَاءٌ، فَتَكَلَّمَ مَالِكٌ
فِي ذَلِكَ فَقَالَ: وَمِثْلُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ
لِامْرَأَتِهِ: إنْ صَافَحْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَيَنَامُ
فَتُصَافِحُهُ وَهُوَ نَائِمٌ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ
قَالَ: إنْ ضَاجَعْتنِي أَوْ قَبَّلْتنِي فَهَذَا كُلُّهُ خِلَافٌ
لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ حَانِثٌ
وَاَلَّذِي حَلَفَ لِغَرِيمِهِ أَنْ لَا يُفَارِقَهُ فَغَصَبَ نَفْسَهُ
فَرَبَطَ فَهَذَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَقُولَ: نَوَيْت إلَّا أَنْ
أَغْلِبَ عَلَيْهِ أَوْ أَغْصِبَ عَلَيْهِ. قَالَ: وَاَلَّذِي حَلَفَ
لِغَرِيمِهِ أَنْ لَا أُفَارِقَهُ حَتَّى أَسْتَوْفِيَ حَقِّي مِنْهُ
فَأَحَالَهُ عَلَى غَرِيمٍ لَهُ قَالَ: لَا أَرَاهُ يَبَرُّ فِي ذَلِكَ
[الرَّجُلُ يَحْلِفُ لِغَرِيمِهِ لَيَقْضِيَنَّهُ رَأْسَ الْهِلَالِ
حَقَّهُ]
ُ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ لَأَقْضِيَنَّ فُلَانًا مَالَهُ
رَأْسَ الْهِلَالِ أَوْ عِنْدَ رَأْسِ الْهِلَالِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَيْلَةٌ وَيَوْمٌ مِنْ رَأْسِ الْهِلَالِ.
قَالَ: قُلْتُ لِمَالِكٍ: وَإِلَى رَمَضَانَ؟
قَالَ: إذَا انْسَلَخَ شَعْبَانُ وَلَمْ يَقْضِهِ حَنِثَ لِأَنَّهُ
إنَّمَا جَعَلَ الْقَضَاءَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَمَضَانَ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: عِنْدَ رَأْسِ الْهِلَالِ وَإِذَا اسْتَهَلَّ
الشَّهْرُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ لَهُ لَيْلَةٌ وَيَوْمٌ مِنْ أَوَّلِ
الشَّهْرِ وَإِلَى اسْتِهْلَالِ الشَّهْرِ، مِثْلُ قَوْلِهِ إلَى
رَمَضَانَ وَإِنْ لَمْ يَقْضِهِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اسْتِهْلَالِ
الشَّهْرِ حَنِثَ
[الرَّجُلُ يَحْلِفُ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا فَيَهَبُهُ لَهُ أَوْ
يَتَصَدَّقُ بِهِ]
ِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ
رَأْسَ الْهِلَالِ، فَوَهَبَ لَهُ فُلَانٌ ذَلِكَ دَيْنَهُ لِلْحَالِفِ
أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ اشْتَرَى صَاحِبُ الدَّيْنِ بِهِ
مَنْ الْحَالِفِ سِلْعَةً مَنْ السِّلَعِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا: إنْ
كَانَتْ تِلْكَ السِّلْعَةُ هِيَ قِيمَةُ ذَلِكَ الدَّيْنِ أَنْ لَوْ
أُخْرِجَتْ إلَى السُّوقِ أَوْ أَصَابَ بِهَا ذَلِكَ الثَّمَنَ فَقَدْ
بَرَّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، ثُمَّ سَمِعْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ
(1/612)
يَكْرَهُهُ وَيَقُولُ: لَا وَلَكِنْ
لَيَقْضِيَنَّهُ دَنَانِيرَهُ. قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَتْ
السِّلْعَةُ تُسَاوِي ذَلِكَ فَلِمَ لَا يُعْطِيهِ دَنَانِيرَهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ أَعْجَبُ إلَيَّ قَالَ:
وَإِنَّمَا رَأَيْتُ مَالِكًا كَرِهَهُ خَوْفًا مِنْ الذَّرِيعَةِ.
قَالَ: وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ لَا تُخْرِجُ الْحَالِفَ مِنْ
يَمِينِهِ وَلَا وَضِيعَةَ الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ إنْ وَضَعَ ذَلِكَ
عَنْ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَمْ يُخْرِجْهُ ذَلِكَ عَنْ
يَمِينِهِ. قَالَ: قُلْتُ: وَإِنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ دَنَانِيرَهُ
أَوْ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ فَإِنَّ ذَلِكَ سَوَاءٌ وَيُخْرِجُهُ
مِنْ يَمِينِهِ أَنْ يَدْفَعَ فِيهِ غَرَضًا إذَا كَانَ ذَلِكَ
الْغَرَضُ يُسَاوِي تِلْكَ الدَّنَانِيرَ إذَا كَانَتْ نِيَّتُهُ عَلَى
وَجْهِ الْقَضَاءِ وَلَمْ تَكُنْ عَلَى الدَّنَانِيرِ بِأَعْيَانِهَا
فَإِذَا كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى الدَّنَانِيرِ بِأَعْيَانِهَا فَهُوَ
حَانِثٌ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ الدَّنَانِيرَ بِأَعْيَانِهَا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ مَاتَ هَذَا الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ كَيْفَ
يَصْنَعُ الْحَالِفُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَدْفَعُ ذَلِكَ إلَى وَرَثَتِهِ وَيَبَرُّ فِي
يَمِينِهِ أَوْ إلَى وَصِيِّهِ أَوْ إلَى مَنْ يَلِي ذَلِكَ مِنْهُ
أَوْ إلَى السُّلْطَانِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا أَدَّى ذَلِكَ إلَى
أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ
[الرَّجُلُ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَهَبَ لِرَجُلٍ شَيْئًا فَيُعِيرُهُ
أَوْ يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ]
ِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ رَجُلٌ أَنْ لَا يَهَبَ لِفُلَانٍ
هِبَةً فَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِصَدَقَةٍ أَيَحْنَثُ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: فِي كُلِّ مَا يَنْفَعُ بِهِ الْحَالِفُ
الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَحْنَثُ، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ:
وَكُلُّ هِبَةٍ كَانَتْ لِغَيْرِ الثَّوَابِ فَهِيَ عَلَى وَجْهِ
الصَّدَقَةِ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفْت أَنْ لَا أَهَبَ لِرَجُلٍ هِبَةً
فَأَعَرْته دَابَّةً أَأَحْنَثُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: نَعَمْ، فِي رَأْيِي إلَّا أَنْ تَكُونَ تِلْكَ نِيَّتُكَ
لِأَنَّ أَصْلَ يَمِينِكَ هَاهُنَا عَلَى الْمَنْفَعَةِ
[الرَّجُلُ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَكْسُوَ امْرَأَتَهُ]
ُ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ أَنْ لَا يَكْسُوَ
امْرَأَتَهُ فَأَعْطَاهَا دَرَاهِمَ اشْتَرَتْ بِهَا ثَوْبًا
أَيَحْنَثُ أَمْ لَا؟
قَالَ: نَعَمْ، يَحْنَثُ عِنْدَ مَالِكٍ، وَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ
مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ أَنْ لَا يَكْسُوَ
امْرَأَتَهُ فَافْتَكَّ لَهَا ثِيَابًا كَانَتْ رَهْنًا قَالَ مَالِكٌ:
أَرَاهُ حَانِثًا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَقَدْ عُرِضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى
مَالِكٍ فَأَنْكَرَهَا وَقَالَ اُمْحُهَا وَأَبَى أَنْ يُجِيبَ فِيهَا
بِشَيْءٍ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَرَأْيِي فِيهَا أَنَّهُ يَنْوِي فَإِنْ
كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ أَنْ لَا يَهَبَ لَهَا ثَوْبًا وَلَا يَبْتَاعَهُ
لَهَا فَلَا أَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ
رَأَيْتُهُ حَانِثًا وَأَصْلُ هَذَا عِنْدَ مَالِكٍ إنَّمَا هُوَ عَلَى
وَجْهِ الْمَنَافِعِ وَالْمَنِّ
وَلَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَهَبَ
لِفُلَانٍ دِينَارًا أَوْ لِرَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ فَكَسَاهُ ثَوْبًا
فَقَالَ مَالِكٌ: أَرَى هَذَا حَانِثًا لِأَنَّهُ حِينَ كَسَاهُ فَقَدْ
وَهْبَ لَهُ
(1/613)
الدِّينَارَ، فَقِيلَ لِمَالِكٍ:
أَفَرَأَيْتَ إنْ كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ؟
قَالَ: لَا أُنَوِّيهِ فِي هَذَا وَلَا أَقْبَلُ لَهُ نِيَّتَهُ.
فَقِيلَ لِمَالِكٍ: فَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَهَبَ لِامْرَأَتِهِ
دِينَارًا فَكَسَاهَا؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: كُنْتُ أُنَوِّيهِ فَإِنْ
قَالَ: إنَّمَا أَرَدْتُ الدَّنَانِيرَ بِأَعْيَانِهَا رَأَيْتُ ذَلِكَ
لَهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ حَنِثَ وَرَأَيْتُ مَحْمِلَ
ذَلِكَ عِنْدَهُ حِينَ كُلِّمَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ
يَكْرَهُ أَنْ يَهَبَ لِامْرَأَتِهِ الدِّينَارَ وَهُوَ يَكْسُوهَا
وَلَعَلَّهُ إنَّمَا يَكْرَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ إيَّاهَا مِنْ أَجْلِ
الْفَسَادِ أَوْ يُخْدَعَ فِيهِ، فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى مَحْمِلِ
هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى وَجْهِ النَّفْعِ وَالْمَنِّ
قُلْتُ: وَهَلْ الَّذِي حَلَفَ أَنْ لَا يُعْطِيَ فُلَانًا دَنَانِيرَ
إنْ أَعْطَاهُ فَرَسًا أَوْ عَرَضًا مِنْ الْعُرُوضِ أَهُوَ
بِمَنْزِلَةِ الْكِسْوَةِ عِنْدَ مَالِكٍ يُحَنِّثُهُ فِي ذَلِكَ؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مَحْمِلَ هَذِهِ الْأَيْمَانِ
عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى الْمَنِّ وَالنَّفْعِ كَيْفَ تَأْوِيلُ الْمَنِّ؟
قَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَهَبَ لِرَجُلٍ شَاةً وَقَالَ لَهُ
الْوَاهِبُ: أَلَمْ أَفْعَلْ بِكَ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ: إيَّايَ
تُرِيدُ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ إنْ شَرِبْتُ مِنْ لَبَنِهَا
أَوْ أَكَلْت مِنْ لَحْمِهَا.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ بَاعَهَا فَاشْتَرَى مِنْ ثَمَنِهَا شَاةً
أُخْرَى أَوْ طَعَامًا كَائِنًا مَا كَانَ فَأَكَلَهُ حَنِثَ. قُلْتُ:
فَإِنْ اشْتَرَى بِثَمَنِ تِلْكَ الشَّاةِ كِسْوَةً أَيَحْنَثُ أَيْضًا
فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، يَحْنَثُ لِأَنَّ هَذَا عَلَى وَجْهِ الْمَنِّ فَلَا
يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ مِنْ ثَمَنِ الشَّاةِ بِقَلِيلٍ وَلَا
كَثِيرٍ، لِأَنَّ يَمِينَهُ إنَّمَا وَقَعَتْ جَوَابًا لِمَا قَالَ
صَاحِبُهُ، فَصَارَتْ عَلَى جَمِيعِ الشَّاةِ وَلَمْ يُرِدْ اللَّبَنَ
وَحْدَهُ لِأَنَّ يَمِينَهُ عَلَى أَنْ لَا يَنْتَفِعَ مِنْهَا
بِشَيْءٍ، لِأَنَّ يَمِينَهُ إنَّمَا جَرَّهَا مِنْ صَاحِبِهِ
عَلَيْهِ.
قُلْتُ: فَإِنْ أَعْطَاهُ شَاةً أُخْرَى أَوْ عَرَضًا مِنْ الْعُرُوضِ
مِنْ غَيْرِ ثَمَنِ تِلْكَ الشَّاةِ؟
قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَنًا لَهَا يُبَدِّلُهَا
بِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى أَنْ لَا
يَنْتَفِعَ مِنْهُ بِشَيْءٍ أَبَدًا.
قُلْتُ: فَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَكْسُوَ فُلَانًا ثَوْبًا فَأَعْطَاهُ
دِينَارًا أَيَحْنَثُ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُكَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ أَنْ لَا
يُعْطِيَ فُلَانًا دِينَارًا فَكَسَاهُ أَنَّهُ حَانِثٌ، فَاَلَّذِي
حَلَفَ أَنْ لَا يَكْسُوَ فُلَانًا ثَوْبًا فَأَعْطَاهُ دِينَارًا
أَبْيَنُ أَنَّهُ حَانِثٌ وَأَقْرَبُ فِي الْحِنْثِ وَقَدْ بَلَغَنِي
ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ
[الرَّجُلُ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَفْعَلَ أَمْرًا حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ
فُلَانٌ]
ٌ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ بِاَللَّهِ أَنْ لَا
يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ لِرَجُلٍ سَمَّاهُ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ
فُلَانٌ لِرَجُلٍ سَمَّاهُ آخَرَ، أَوْ حَلَفَ بِالْعِتْقِ أَوْ
بِالطَّلَاقِ، فَيَمُوتُ فُلَانٌ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَيَدْخُلُ
الْحَالِفُ دَارَ فُلَانٍ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِإِذْنٍ أَيَحْنَثُ
أَمْ لَا؟
قَالَ: يَحْنَثُ.
قُلْتُ: أَيُنْتَفَعُ بِإِذْنِ الْوَرَثَةِ إذَا أَذِنُوا لَهُ؟
قَالَ: لَا لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِحَقٍّ يُورَثُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ أَنْ لَا يُعْطِيَ
فُلَانًا حَقَّهُ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فُلَانٌ، فَمَاتَ الَّذِي
اُشْتُرِطَ إذْنُهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ، أَيُورَثُ هَذَا الْإِذْنُ
أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يُورَثُ، قُلْتُ: أَفَتَرَاهُ حَانِثًا؟
قَالَ: إنْ قَضَاهُ فَهُوَ
(1/614)
حَانِثٌ.
قُلْتُ: أَتَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا، إنَّمَا الَّذِي سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُورَثُ مَا
كَانَ حَقًّا لِلْمَيِّتِ وَخَلَفًا لَهُ فَهَذَا يُورَثُ لِأَنَّهُ
كَانَ حَقًّا لِلْمَيِّتِ
[الرَّجُلُ يَحْلِفُ لِلسُّلْطَانِ أَنْ لَا يَرَى أَمْرًا إلَّا
رَفَعَهُ إلَيْهِ فَيُعْزَلُ السُّلْطَانُ أَوْ يَمُوتُ]
ُ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ لِأَمِيرٍ مِنْ
الْأُمَرَاءِ أَنَّهُ لَا يَرَى كَذَا وَكَذَا إلَّا رَفَعَهُ إلَيْهِ
تَطَوَّعَ بِالْيَمِينِ فَعُزِلَ ذَلِكَ الْأَمِيرُ أَوْ مَاتَ كَيْفَ
يَصْنَعُ فِي يَمِينِهِ؟
قَالَ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْوَالِي يَأْخُذُ عَلَى الْقَوْمِ
الْأَيْمَانَ أَنْ لَا يَخْرُجُوا إلَّا بِإِذْنِهِ فَيُعْزَلُ، قَالَ:
أَرَى لَهُمْ أَنْ لَا يَخْرُجُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوا هَذَا الَّذِي
بَعْدَهُ فَمَا كَانَ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ مِنْ الْوَالِي عَلَى
وَجْهِ النَّظَرِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ الْوَالِي عَلَى وَجْهِ الظُّلْمِ
فَذَلِكَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَرْفَعُوهُ إلَى مَنْ بَعْدَهُ إذَا عُزِلَ
[الرَّجُلُ يَحْلِفُ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ إلَى أَجَلٍ
فَيَمُوتُ الْمَحْلُوفُ لَهُ أَوْ الْحَالِفُ]
ُ قَبْلَ الْأَجَلِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مَنْ حَلَفَ لَأَقْضِيَنَّ
فُلَانًا حَقَّهُ رَأْسَ الشَّهْرِ، فَغَابَ فُلَانٌ عَنْهُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَقْضِي وَكِيلُهُ أَوْ السُّلْطَانُ فَيَكُونُ
ذَلِكَ مَخْرَجًا لَهُ مِنْ يَمِينِهِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَرُبَّمَا أَتَى السُّلْطَانَ فَلَمْ يَجِدْهُ أَوْ
يُحْجَبُ عَنْهُ أَوْ يَكُونُ بِقَرْيَةٍ لَيْسَ فِيهَا سُلْطَانٌ
فَإِنْ خَرَجَ إلَى السُّلْطَانِ سَبَقَهُ ذَلِكَ الْأَجَلُ.
قَالَ مَالِكٌ: فَإِذَا جَاءَ مِثْلُ هَذَا فَأَرَى إنْ كَانَ أَمْرًا
بَيِّنًا يُعْذَرُ بِهِ فَأَرَى إنْ ذَهَبَ بِهِ إلَى رِجَالٍ عُدُولٍ
فَأَشْهَدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَالْتَمَسَهُ فَعَلِمُوا ذَلِكَ
وَاجْتَهَدَ فِي طَلَبِهِ فَلَمْ يَجِدْهُ بِأَنْ تَغَيَّبَ عَنْهُ
أَوْ سَافَرَ عَنْهُ وَقَدْ بَعُدَ عَنْهُ السُّلْطَانُ أَوْ حُجِبَ
عَنْهُ، فَإِذَا شَهِدَ لَهُ الشُّهُودُ الْعُدُولُ عَلَى حَقِّهِ
أَنَّهُ جَاءَ بِهِ بِعَيْنِهِ عَلَى شَرْطِهِ لَمْ أَرَ عَلَيْهِ
شَيْئًا
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ لَيُوَفِّيَنَّ فُلَانًا
حَقَّهُ إلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا، فَحَلَّ الْأَجَلُ وَغَابَ فُلَانٌ
وَلِفُلَانٍ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَكِيلٌ فِي ضَيْعَتِهِ وَلَمْ
يُوَكِّلْهُ الْمَحْلُوفُ لَهُ بِقَبْضِ دَيْنِهِ فَقَضَاهُ هَذَا
الْحَالِفُ أَتَرَى ذَلِكَ يُخْرِجُهُ مَنْ يَمِينِهِ؟
قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ: ذَلِكَ يُخْرِجُهُ مِنْ يَمِينِهِ وَإِنْ
لَمْ يَكُنْ مُسْتَخْلَفًا عَلَى قَبْضِ الدَّيْنِ، إلَّا أَنَّهُ
وَكِيلُ الْمَحْلُوفِ لَهُ فَذَلِكَ يُخْرِجُهُ
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَقَدْ سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ
يَحْلِفُ لِلرَّجُلِ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْعَتَاقِ فِي حَقٍّ
عَلَيْهِ لَيَقْضِيَنَّهُ إلَى أَجَلٍ يُسَمِّيهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ
أَنْ يُؤَخِّرَهُ فَيَمُوتُ صَاحِبُ الْحَقِّ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ
الْأَجَلُ فَتُرِيدُ الْوَرَثَةُ أَنْ يُؤَخِّرُوهُ بِذَلِكَ أَتَرَى
ذَلِكَ لَهُ مَخْرَجًا؟
قَالَ: نَعَمْ، وَنَزَلَتْ هَذِهِ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ فِيهَا
مَالِكٌ مِثْلَ مَا قُلْتُ لَكَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ صِغَارٌ لَمْ يَبْلُغْ أَحَدٌ
(1/615)
مِنْهُمْ فَأَوْصَى إلَى وَصِيٍّ وَلَيْسَ
عَلَيْهِ دَيْنٌ فَأَخَّرَهُ الْوَصِيُّ قَالَ: ذَلِكَ جَائِزٌ.
قَالَ مَالِكٌ فَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ
كِبَارٌ لَمْ أَرَ ذَلِكَ لِلْوَصِيِّ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ إنَّمَا
يُؤَخِّرُهُ فِي مَالٍ لَيْسَ يَجُوزُ قَضَاؤُهُ فِيهِ.
قُلْتُ: أَيَجُوزُ أَنْ يُؤَخِّرَ الْغُرَمَاءَ وَلَا يَحْنَثُ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا، أَرَى فِيهِ ذَلِكَ
جَائِزًا إذَا كَانَ دَيْنُهُمْ لَا يَسَعُهُ مَالُ الْمَيِّتِ
وَأَبْرَءُوا ذِمَّةَ الْمَيِّتِ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الطَّعَامَ غَدًا،
أَوْ لَيَلْبَسَنَّ هَذِهِ الثِّيَابَ أَوْ لَيَرْكَبَنَّ هَذِهِ
الدَّوَابَّ غَدًا فَمَاتَتْ الدَّوَابُّ وَسُرِقَ الطَّعَامُ
وَالثِّيَابُ قَبْلَ غَدٍ؟
قَالَ: لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ لِي: لَوْ أَنَّهُ حَلَفَ
بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ لَيَضْرِبَنَّ غُلَامَهُ إلَى أَجَلٍ سَمَّاهُ
فَمَاتَ الْغُلَامُ قَبْلَ الْأَجَلِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي
امْرَأَتِهِ طَلَاقٌ، لِأَنَّهُ مَاتَ وَهُوَ عَلَى بِرٍّ، فَكَذَلِكَ
مَسْأَلَتُكَ فِي الْمَوْتِ، وَأَمَّا لِسَرِقَةٍ فَهُوَ حَانِثٌ إلَّا
أَنْ يَكُونَ نَوَى إلَّا أَنْ يُسْرَقَ أَوْ يُؤْخَذَ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ غَدًا
وَقَدْ مَاتَ فُلَانٌ وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ أَيَحْنَثُ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا وَقَعَتْ يَمِينُهُ عَلَى
الْوَفَاءِ. وَقَالَ لِي مَالِكٌ فِي الَّذِي يَحْلِفُ لَيُوَفِّيَنَّ
فُلَانًا حَقَّهُ فَيَمُوتُ أَنَّهُ يُعْطِي ذَلِكَ وَرَثَتَهُ.
قُلْتُ: وَلِمَ لَا يَكُونُ هَذَا عَلَى بِرٍّ وَإِنْ مَضَى الْأَجَلُ
وَلَمْ يُوَفِّ الْوَرَثَةَ فَلِمَ لَا يَكُونُ عَلَى بِرٍّ كَمَا
قُلْتَ عَنْ مَالِكٍ فِي الَّذِي يَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ لَيَضْرِبَنَّ
عَبْدَهُ إلَى أَجَلٍ يُسَمِّيهِ فَيَمُوتُ الْعَبْدُ قَبْلَ
الْأَجَلِ؟
قُلْتُ: هُوَ عَلَى بِرٍّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ يَمِينِهِ فَلِمَ
لَا يَكُونُ هَذَا الَّذِي حَلَفَ لَيُوَفِّيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ
بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ؟
قَالَ: لِأَنَّ هَذَا أَصْلُ يَمِينِهِ عَلَى الْوَفَاءِ،
وَالْوَرَثَةُ هَاهُنَا فِي الْوَفَاءِ مَقَامُ الْمَيِّتِ، أَلَا
تَرَى أَنَّهُ إذَا وَكَّلَ وَكِيلًا بِقَبْضِ الْمَالِ أَوْ غَابَ
عَنْهُ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ فَدَفَعَ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ أَنَّ
ذَلِكَ مَخْرَجٌ لَهُ وَاَلَّذِي حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ غُلَامَهُ لَا
يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَضْرِبَ غَيْرَ عَبْدِهِ
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ دِينَارٍ أَنَّ رَجُلًا
كَانَ لَهُ يَتِيمٌ وَكَانَ يَلْعَبُ بِالْحَمَامَاتِ وَأَنَّ
وَلِيَّهُ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ وَلَيَذْبَحَنَّ حَمَامَاتِهِ وَهُوَ
فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ، فَقَامَ
مَكَانَهُ حِينَ حَلَفَ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ إلَى مَوْضِعِ
الْحَمَامَاتِ لِيَذْبَحَهَا فَوَجَدَهَا مَيِّتَةً كُلَّهَا، كَانَ
الْغُلَامُ قَدْ سَجَنَهَا فَمَاتَتْ وَظَنَّ وَلِيُّهُ حِينَ حَلَفَ
أَنَّهَا حَيَّةٌ فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ
بِالْمَدِينَةِ إلَّا رَأَى أَنَّهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ
لَمْ يُفْرِطْ وَإِنَّمَا حَلَفَ عَلَى وَجْهِ إنْ أَدْرَكَهَا حَيَّةً
وَرَأَى أَهْلُ الْمَدِينَةِ أَنَّ ذَلِكَ وَجْهُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَهُوَ رَأْيِي.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ فُلَانًا بِعِتْقِ
رَقِيقِهِ فَحُبِسَتْ عَلَيْهِ الرَّقِيقُ وَمَنَعَتْهُ مَنْ الْبَيْعِ
لِيَبْرَأَ وَيَحْنَثَ، فَمَاتَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَالْحَالِفُ
صَحِيحٌ؟
قَالَ: إنْ لَمْ يَضْرِبْ لِذَلِكَ أَجَلًا فَالرَّقِيقُ أَحْرَارٌ فِي
قَوْلِ مَالِكٍ حِينَ مَاتَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مِنْ رَأْسِ
الْمَالِ إنْ كَانَ الْمَحْلُوفُ
(1/616)
عَلَيْهِ قَدْ حَيِيَ قَدْرَ مَا لَوْ
أَرَادَ أَنْ يَضْرِبَهُ ضَرْبَةً.
قُلْتُ: فَإِنْ مَاتَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَقَدْ كَانَ حَيًّا
قَدْرَ مَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَضْرِبَهُ ضَرْبَةً فَمَاتَ
الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَالْحَالِفُ مَرِيضٌ فَمَاتَ الْحَالِفُ مِنْ
مَرَضِهِ ذَلِكَ.
قَالَ: أَرَى أَنَّهُمْ يُعْتَقُونَ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّ الْحِنْثَ
وَقَعَ وَالْحَالِفُ مَرِيضٌ. وَكُلُّ حِنْثٍ وَقَعَ فِي مَرَضٍ،
فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ إنْ مَاتَ الْحَالِفُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ
وَكُلُّ حِنْثٍ وَقَعَ فِي الصِّحَّةِ عِنْدَ مَالِكٍ فَهُوَ مِنْ
رَأْسِ الْمَالِ. وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا مَاتَ الْحَالِفُ قَبْلَ
الْأَجَلِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى بِرٍّ
قَالَ لِي مَالِكٌ: وَإِنْ حَلَفَ رَجُلٌ بِعِتْقِ رَقِيقِهِ أَوْ
طَلَاقِ امْرَأَتِهِ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ إلَى رَمَضَانَ،
فَمَاتَ فِي رَجَبٍ أَوْ فِي شَعْبَانَ الْحَالِفُ، قَالَ مَالِكٌ:
فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ فِي رَقِيقِهِ وَلَا فِي نِسَائِهِ لِأَنَّهُ
مَاتَ عَلَى بِرٍّ. قَالَ: وَأَخْبَرَنِي مِنْ أَثِقُ بِهِ وَهُوَ
سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي
سَلَمَةَ أَنَّهُ قَالَ مِثْلَهُ.
قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَقْضِ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ ذَلِكَ الْحَقَّ إلَّا
بَعْدَ الْأَجَلِ أَيَكُونُ الْمَيِّتُ حَانِثًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا يَحْنَثُ، وَهُوَ حِينَ مَاتَ حَلَّ أَجَلُ الدِّينِ.
قَالَ: وَإِنَّمَا الْيَمِينُ هَاهُنَا عَلَى التَّقَاضِي عَجَّلَ
ذَلِكَ أَوْ أَخَّرَهُ فَقَدْ سَقَطَ الْأَجَلُ وَلَيْسَ عَلَى
الْوَرَثَةِ يَمِينٌ وَلَا حِنْثَ فِي يَمِينِ صَاحِبِهِمْ
وَلَقَدْ سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ
غُلَامِي حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ إنْ لَمْ أَضْرِبْكِ إلَى سَنَةٍ،
فَتَمُوتُ امْرَأَتُهُ قَبْلَ أَنْ تُوَفِّيَ السَّنَةَ، هَلْ عَلَيْهِ
فِي غُلَامِهِ حِنْثٌ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا، لِأَنَّهُ عَلَى بِرٍّ إذَا مَاتَتْ امْرَأَتُهُ قَبْلَ
أَنْ تُوَفِّيَ الْأَجَلَ، قَالَ: قُلْتُ: وَيَبِيعُ الْغُلَامَ وَإِنْ
مَضَى الْأَجَلُ وَهُوَ عِنْدَهُ وَلَمْ يَعْتِقْ فِي قَوْل مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ
(1/617)