المدونة [كِتَابُ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ] [نِكَاحُ
الشِّغَارِ]
ِ نِكَاحُ الشِّغَارِ قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ:
أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: زَوِّجْنِي مَوْلَاتَك وَأُزَوِّجُك مَوْلَاتِي
وَلَا مَهْرَ بَيْنَهُمَا، أَهَذَا مِنْ الشِّغَارِ عِنْدَ مَالِكٍ؟ قَالَ:
نَعَمْ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: زَوِّجْنِي ابْنَتَك بِمِائَةِ دِينَارٍ
عَلَى أَنْ أُزَوِّجَك ابْنَتِي بِمِائَةِ دِينَارٍ قَالَ: سُئِلَ مَالِكٌ
عَنْ رَجُلٍ قَالَ: زَوِّجْنِي ابْنَتَك بِخَمْسِينَ دِينَارًا عَلَى أَنْ
أُزَوِّجَك ابْنَتِي بِمِائَةِ دِينَارٍ فَكَرِهَهُ مَالِكٌ وَرَآهُ مِنْ
وَجْهِ الشِّغَارِ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قُلْتُ لِرَجُلٍ زَوِّجْنِي أَمَتَك بِلَا مَهْرٍ
وَأَنَا أُزَوِّجُك أَمَتِي بِلَا مَهْرٍ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ:
الشِّغَارُ بَيْنَ الْعَبِيدِ مِثْلُ الشِّغَارِ بَيْنَ الْأَحْرَارِ
وَأَرَى أَنْ يُفْسَخَ وَإِنْ دَخَلَ بِهَا، فَهَذَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّ
مَسْأَلَتَك شِغَارٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: زَوِّجْنِي أَمَتَك
بِلَا مَهْرٍ عَلَى أَنْ أُزَوِّجَك أَمَتِي بِلَا مَهْرٍ، أَوْ قَالَ:
زَوِّجْ عَبْدِي أَمَتَك بِلَا مَهْرٍ عَلَى أَنْ أُزَوِّجَ عَبْدَك
أَمَتِي بِلَا مَهْرٍ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ سَوَاءٌ وَهُوَ شِغَارٌ كُلُّهُ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ نِكَاحَ الشِّغَارِ إذَا وَقَعَ فَدَخَلَا بِالنِّسَاءِ
وَأَقَامَا مَعَهُمَا حَتَّى وَلَدَتَا أَوْلَادًا أَيَكُونُ ذَلِكَ
جَائِزًا أَمْ يُفْسَخُ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُفْسَخُ عَلَى كُلِّ حَالٍ
قُلْتُ: وَإِنْ رَضِيَ النِّسَاءُ بِذَلِكَ فَهُوَ شِغَارٌ عِنْدَ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ نِكَاحَ الشِّغَارِ أَيَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ
قَبْلَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، أَمْ يَكُونُ بَيْنَهُمَا الْمِيرَاثُ
أَمْ يَكُونُ فَسْخُ السُّلْطَانُ نِكَاحَهُمَا طَلَاقًا؟ قَالَ: لَمْ
أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا، وَقَدْ أَخْبَرْتُك أَنَّ كُلَّ مَا
اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ مِنْ النِّكَاحِ حَتَّى أَجَازَهُ قَوْمٌ
وَكَرِهَهُ قَوْمٌ، فَإِنَّ أَحَبَّ مَا فِيهِ إلَيَّ أَنْ يَلْحَقَ فِيهِ
الطَّلَاقُ وَيَكُونَ فِيهِ الْمِيرَاثُ، وَقَدْ رَوَى الْقَاسِمُ وَابْنُ
وَهْبٍ وَعَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الشِّغَارِ» ، وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ
الرَّجُلُ ابْنَتَهُ لِرَجُلٍ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ ابْنَتَهُ
وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ
(2/98)
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا شِغَارَ فِي
الْإِسْلَامِ» ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ
قَالَ: كَانَ يُكْتَبُ فِي عُهُودِ السُّعَاةِ أَنْ يَنْهَوْا أَهْلَ
عَمَلِهِمْ عَنْ الشِّغَارِ، وَالشِّغَارُ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ
امْرَأَةً وَيُنْكِحَهُ الْآخَرُ امْرَأَةً بُضْعُ إحْدَاهُمَا بِبُضْعِ
الْأُخْرَى بِغَيْرِ صَدَاقٍ وَمَا يُشْبِهُ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ
وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يُنْكِحُ الرَّجُلَ الْمَرْأَةَ
عَلَى أَنْ يُنْكِحَهُ الْآخَرُ امْرَأَةً وَلَا مَهْرَ لِوَاحِدَةٍ
مِنْهُمَا ثُمَّ يَدْخُلَا بِهِمَا عَلَى ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: يُفَرَّقُ
بَيْنَهُمَا قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَشِغَارُ الْعَبْدَيْنِ مِثْلُ
شِغَارِ الْحُرَّيْنِ لَا يَنْبَغِي وَلَا يَجُوزُ
قَالَ سَحْنُونٌ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ رُوَاةِ مَالِكٍ أَنَّ كُلَّ
عَقْدٍ كَانَا مَغْلُوبَيْنِ عَلَى فَسْخِهِ لَيْسَ لِأَحَدٍ إجَازَتُهُ،
فَالْفَسْخُ فِيهِ لَيْسَ بِطَلَاقٍ وَلَا مِيرَاثَ فِيهِ، وَقَدْ ثَبَتَ
مِنْ نَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ
الشِّغَارِ وَمَا لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى حُجَّةٍ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ قَالَ: زَوِّجْنِي ابْنَتَك بِمِائَةِ دِينَارٍ
عَلَى أَنْ أُزَوِّجَك ابْنَتِي بِمِائَةِ دِينَارٍ إنْ دَخَلَا
أَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا
وَأَرَى أَنْ لَا يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا إنْ دَخَلَا، وَأَرَى أَنْ
يُفْرَضَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ صَدَاقُ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ هَذَيْنِ قَدْ
فُرِضَا وَالشِّغَارُ الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ هُوَ الَّذِي لَا صَدَاقَ
فِيهِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ صَدَاقُ كُلِّ وَاحِدَةٍ أَقَلَّ
مِمَّا سَمَّيَا قَالَ: يَكُونُ لَهُمَا الصَّدَاقُ الَّذِي سَمَّيَا إنْ
كَانَ الصَّدَاقُ أَقَلَّ مِمَّا سَمَّيَا قُلْتُ: وَلِمَ أَجَزْته حِينَ
دَخَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِامْرَأَتِهِ؟
قَالَ: لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَزَوَّجَ امْرَأَتَهُ بِمَا
سَمَّيَا مِنْ الدَّنَانِيرِ وَبُضْعِ الْأُخْرَى، وَالْبُضْعُ لَا يَكُونُ
صَدَاقًا، فَلَمَّا اجْتَمَعَ فِي الصَّدَاقِ مَا يَكُونُ مَهْرًا وَمَا
لَا يَكُونُ مَهْرًا أَبْطَلْنَا ذَلِكَ كُلَّهُ وَجَعَلْنَا لَهَا صَدَاقَ
مِثْلِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ
وَثَمَرٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ إنْ أَدْرَكْتُهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ
بِهَا فَسَخْت هَذَا النِّكَاحَ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا قَبْلَ أَنْ يُفْسَخَ
كَانَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَى مَا سَمَّيَاهُ مِنْ
الدَّنَانِيرِ وَالثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا وَجُعِلَ
لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَقَلَّ
مِمَّا نَعُدُّهَا فَلَا يُنْقِصُ مِنْهُ شَيْئًا، أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ
رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِمِائَةِ دِينَارٍ نَقْدًا وَبِمِائَةِ
دِينَارٍ إلَى مَوْتٍ أَوْ فِرَاقٍ، ثُمَّ كَانَ صَدَاقُ مِثْلِهَا أَقَلَّ
مِنْ الْمِائَةِ لَمْ يُنْقَصْ مِنْ الْمِائَةِ فَهَذَا مِثْلُهُ عِنْدِي،
أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ إذَا خَالَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى حَلَالٍ
وَحَرَامٍ أُبْطِلَ الْحَرَامُ وَأُجِيزَ مِنْهُ الْحَلَالُ وَلَمْ يَكُنْ
لِلزَّوْجِ غَيْرُ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ إنَّمَا خَالَعَهَا عَلَى حَرَامٍ
كُلِّهِ مِثْلِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالرِّبَا فَالْخُلْعُ جَائِزٌ
وَلَا يَكُونُ لِلزَّوْجِ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَا يَتْبَعُ الْمَرْأَةَ مِنْهُ
بِشَيْءٍ وَإِنْ كَانَ خَالَعَهَا عَلَى ثَمَرٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ أَوْ
عَبْدٍ لَهَا آبِقٍ أَوْ جَنِينٍ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَوْ الْبَعِيرِ
الشَّارِدِ جَازَ ذَلِكَ وَكَانَ لَهُ أَخْذُ الْجَنِينِ إذَا وَضَعَتْهُ
أُمُّهُ وَأَخْذُ الثَّمَرِ وَطَلَبُ الْعَبْدِ الْآبِقِ وَالْبَعِيرِ
الشَّارِدِ وَكَذَلِكَ بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ رَأْيِي
(2/99)
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: زَوِّجْنِي
ابْنَتَك بِمِائَةِ دِينَارٍ عَلَى أَنْ أُزَوِّجَك ابْنَتِي بِلَا مَهْرٍ،
فَفَعَلَا وَوَقَعَ النِّكَاحُ عَلَى هَذَا وَدَخَلَ كُلُّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا بِامْرَأَتِهِ قَالَ: أَرَى أَنْ يُجَازَ نِكَاحُ الَّذِي سَمَّى
لَهَا الْمَهْرَ وَيَكُونُ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَيُفْسَخُ نِكَاحُ
الَّتِي لَمْ يُسَمَّ لَهَا صَدَاقٌ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَالشِّغَارُ إذَا دَخَلَ بِهَا فُسِخَ النِّكَاحُ
وَلَا يُقِيمُ عَلَى النِّكَاحِ عَلَى حَالٍ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ
يَدْخُلْ، وَيُفْرَضُ لَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا،
قَالَ مَالِكٌ: وَشِغَارُ الْعَبِيدِ كَشِغَارِ الْأَحْرَارِ.
قَالَ: فَقُلْنَا لِمَالِكٍ: فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا زَوَّجَ ابْنَتَهُ
رَجُلًا بِصَدَاقٍ مِائَةِ دِينَارٍ عَلَى أَنْ زَوَّجَهُ الْآخَرُ
ابْنَتَهُ بِصَدَاقٍ خَمْسِينَ دِينَارٍ قَالَ مَالِكٌ: لَا خَيْرَ فِي
ذَلِكَ وَرَآهُ مِنْ وَجْهِ الشِّغَارِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيُفْسَخُ
هَذَا النِّكَاحُ مَا لَمْ يَدْخُلَا، فَإِنْ دَخَلَا لَمْ يُفْسَخْ
وَكَانَ لِلْمَرْأَتَيْنِ صَدَاقُ مِثْلِهِمَا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ هَاتَيْنِ الْمَرْأَتَيْنِ أَيُجْعَلُ لَهُمَا
الصَّدَاقُ الَّذِي سَمَّيَا، أَمْ يُجْعَلُ لَهُمَا صَدَاقُ مِثْلِهِمَا
لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَدَاقُ مِثْلِهَا قَالَ: قَالَ: لِي مَالِكٌ:
فِي الشِّغَارِ يُفْرَضُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَدَاقُ مِثْلِهَا
إذَا وَطِئَهَا، فَأَرَى هَذَا أَيْضًا مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يُفْرَضُ
لَهُمَا صَدَاقُ مِثْلِهِمَا وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَا سَمَّيَا قَالَ
سَحْنُونٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا سَمَّيَا أَكْثَرَ فَلَا يُنْقِصَا مِنْ
التَّسْمِيَةِ.
[إنْكَاحُ الْأَبِ ابْنَتَهُ بِغَيْرِ رِضَاهَا]
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ رَدَّتْ الرِّجَالَ رَجُلًا بَعْدَ رَجُلٍ تُجْبَرُ
عَلَى النِّكَاحِ أَمْ لَا؟ قَالَ: لَا تُجْبَرُ عَلَى النِّكَاحِ وَلَا
يُجْبِرُ أَحَدٌ أَحَدًا عَلَى النِّكَاحِ عِنْدَ مَالِكٍ إلَّا الْأَبُ
فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ وَفِي ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَفِي أَمَتِهِ
وَعَبْدِهِ وَالْوَلِيُّ فِي يَتِيمِهِ، قَالَ: وَلَقَدْ سَأَلَ رَجُلٌ
مَالِكًا وَأَنَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: إنَّ لِي ابْنَةَ أَخٍ وَهِيَ
بِكْرٌ وَهِيَ سَفِيهَةٌ وَقَدْ أَرَدْت أَنْ أُزَوِّجَهَا مَنْ
يُحْصِنُهَا وَيَكْفُلُهَا فَأَبَتْ قَالَ مَالِكٌ: لَا تُزَوَّجُ إلَّا
بِرِضَاهَا قَالَ: إنَّهَا سَفِيهَةٌ فِي حَالِهَا قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ
كَانَتْ سَفِيهَةً فَلَيْسَ لَك أَنْ تُزَوِّجَهَا إلَّا بِرِضَاهَا
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إذَا زَوَّجَ الصَّغِيرَةَ أَبُوهَا بِأَقَلَّ مِنْ
مَهْرِ مِثْلِهَا أَيَجُوزُ ذَلِكَ عَلَيْهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ يَجُوزُ عَلَيْهَا إنْكَاحُ الْأَبِ،
فَأَرَى أَنَّهُ إنْ زَوَّجَهَا الْأَبُ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا
أَوْ بِأَكْثَرَ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا كَانَ إنَّمَا زَوَّجَهَا
عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ لَهَا، قَالَ: وَلَقَدْ سَأَلْنَا مَالِكًا
امْرَأَةٌ وَلَهَا ابْنَةٌ فِي حِجْرِهَا وَقَدْ طَلَّقَ الْأُمَّ
زَوْجُهَا عَنْ ابْنَةٍ لَهُ مِنْهَا، فَأَرَادَ الْأَبُ أَنْ يُزَوِّجَهَا
مِنْ ابْنِ أَخٍ لَهُ فَأَبَتْ فَأَتَتْ الْأُمُّ إلَى مَالِكٍ فَقَالَتْ
لَهُ إنَّ لِي ابْنَةً وَهِيَ مُوسِرَةٌ مَرْغُوبٌ فِيهَا وَقَدْ
أُصْدِقَتْ صَدَاقًا كَثِيرًا فَأَرَادَ أَبُوهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ
ابْنِ أَخٍ لَهُ مُعْدَمًا لَا شَيْءَ لَهُ أَفَتَرَى أَنْ أَتَكَلَّمَ؟
قَالَ: نَعَمْ إنِّي لَأَرَى لَك فِي ذَلِكَ مُتَكَلَّمًا قَالَ ابْنُ
الْقَاسِمِ: فَأَرَى أَنَّ إنْكَاحَ الْأَبِ إيَّاهَا جَائِزٌ عَلَيْهَا
إلَّا أَنْ يَأْتِيَ مِنْ ذَلِكَ ضَرَرٌ فَيُمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ
(2/100)
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا
زَوَّجَ ابْنَتَهُ بِكْرًا فَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ يَبْنِيَ
بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا أَيَكُونُ لِلْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَهَا الْبِكْرَ
فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: وَإِنْ بَنَى بِهَا فَطَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ
عَنْهَا قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا بَنَى بِهَا فَهِيَ أَحَقُّ
بِنَفْسِهَا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَهَا أَنْ تَسْكُنَ حَيْثُ شَاءَتْ إلَّا أَنْ
يُخَافَ عَلَيْهَا الضَّيْعَةُ وَالْمَوَاضِعُ السُّوءُ أَوْ يُخَافُ
عَلَيْهَا مِنْ نَفْسِهَا وَهَوَاهَا فَيَكُونُ لِلْأَبِ أَوْ لِلْوَلِيِّ
أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ ذَلِكَ، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ زَنَتْ فَحُدَّتْ
أَوْ لَمْ تُحَدَّ أَيَكُونُ لِلْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَهَا كَمَا يُزَوِّجُ
الْبِكْرَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ فِي رَأْيِي
قُلْتُ: فَإِنْ زَوَّجَهَا تَزْوِيجًا حَرَامًا فَدَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا
فَجَامَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا وَلَمْ يَتَبَاعَدْ
ذَلِكَ أَيَكُونُ لِلْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَهَا كَمَا يُزَوِّجُ الْبِكْرَ
فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: أَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا كَمَا يُزَوِّجُ
الْبِكْرَ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا افْتَضَّهَا زَوْجٌ وَإِنْ كَانَ نِكَاحًا
فَاسِدًا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ نِكَاحٌ يُلْحَقُ فِيهِ الْوَلَدُ
وَيُدْرَأُ بِهِ الْحَدُّ قَالَ مَالِكٌ: وَتَعْتَدُّ مِنْهُ فِي بَيْتِ
زَوْجِهَا الَّذِي كَانَتْ تَسْكُنُ فِيهِ، وَجَعَلَ الْعِدَّةَ فِيهِ
كَالْعِدَّةِ فِي النِّكَاحِ الْحَلَالِ، فَهَذَا يَدُلُّك عَلَى خِلَافِ
الزِّنَا فِي تَزْوِيجِ الْأَبِ إيَّاهَا
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْجَارِيَةَ يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا وَهِيَ بِكْرٌ
فَيَمُوتُ عَنْهَا زَوْجُهَا أَوْ يُطَلِّقُهَا بَعْدَمَا دَخَلَ بِهَا،
فَقَالَتْ الْجَارِيَةُ مَا جَامَعَنِي وَكَانَ الزَّوْجُ أَقَرَّ
بِجِمَاعِهَا أَيَكُونُ لِلْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَهَا كَمَا يُزَوِّجُ
الْبِكْرَ ثَانِيَةً أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: سَأَلْت مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ
وَيَدْخُلُ بِهَا وَيُقِيمُ مَعَهَا، ثُمَّ يُفَارِقُهَا قَبْلَ أَنْ
يَمَسَّهَا فَتَرْجِعَ إلَى أَبِيهَا أَهِيَ فِي حَالِ الْبِكْرِ فِي
تَزْوِيجِهِ إيَّاهَا ثَانِيَةً أَمْ لَا يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا إلَّا
بِرِضَاهَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: أَمَّا الَّتِي قَدْ طَالَتْ إقَامَتُهَا مَعَ
زَوْجِهَا وَشَهِدَتْ مَشَاهِدَ النِّسَاءِ، فَإِنَّ تِلْكَ لَا
يُزَوِّجُهَا إلَّا بِرِضَاهَا وَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا زَوْجُهَا، وَأَمَّا
إذَا كَانَ الشَّيْءُ الْقَرِيبُ فَإِنِّي أَرَى لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا
قَالَ: فَقُلْتُ لِمَالِكٍ فَالسَّنَةُ؟
قَالَ: لَا أَرَى أَنْ يُزَوِّجَهَا وَأَرَى أَنَّ السَّنَةَ طُولُ
إقَامَةٍ، فَمَسْأَلَتُك هَكَذَا إذَا أَقَرَّتْ أَنَّهُ لَمْ يَطَأْهَا
وَكَانَ أَمْرًا قَرِيبًا جَازَ إنْكَاحُ الْأَبِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا
تَقُولُ أَنَا بِكْرٌ وَتُقِرُّ بِأَنَّ صَنِيعَ الْأَبِ جَائِزٌ
عَلَيْهَا، وَلَا يَضُرُّهَا مَا قَالَ الزَّوْجُ مِنْ وَطْئِهَا وَإِنْ
كَانَ قَدْ طَالَتْ إقَامَتُهَا فَلَا يُزَوِّجُهَا إلَّا بِرِضَاهَا
أَقَرَّتْ بِالْوَطْءِ أَوْ لَمْ تُقِرَّ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْمَرْأَةَ الثَّيِّبَ الَّتِي قَدْ مَلَكَتْ
أَمْرَهَا إذَا خَافَ الْأَبُ عَلَيْهَا الْفَضِيحَةَ مِنْ نَفْسِهَا أَوْ
الْوَلِيُّ أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَضُمَّهَا إلَيْهِ وَإِنْ أَبَتْ أَنْ
تَنْضَمَّ إلَيْهِ؟
قَالَ: نَعَمْ تُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ وَلِلْوَلِيِّ أَوْ الْأَبِ أَنْ
يَضُمَّاهَا إلَيْهِمَا وَهَذَا رَأْيِي
قُلْتُ: أَرَيْت إذَا احْتَلَمَ الْغُلَامُ أَيَكُونُ لِلْوَالِدِ أَنْ
يَمْنَعَهُ أَنْ يَذْهَبَ حَيْثُ شَاءَ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا
احْتَلَمَ الْغُلَامُ فَلَهُ أَنْ يَذْهَبَ حَيْثُ شَاءَ وَلَيْسَ
لِلْوَالِدِ أَنْ يَمْنَعَهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إلَّا أَنْ يَخَافَ
مِنْ نَاحِيَتِهِ سَفَهًا فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ
(2/101)
[رِضَا الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ]
فِي رِضَا الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْبِكْرَ إنْ قَالَ:
لَهَا أَنَا أُزَوِّجُك مِنْ فُلَانٍ فَسَكَتَتْ، فَزَوَّجَهَا وَلِيُّهَا،
أَيَكُونُ هَذَا رِضًا مِنْهَا بِمَا صَنَعَ الْوَلِيُّ؟ قَالَ: قَالَ
مَالِكٌ: نَعَمْ، هَذَا مِنْ الْبِكْرِ رِضًا، وَكَذَلِكَ سَمِعْت مِنْ
مَالِكٍ قَالَ سَحْنُونٌ وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ رُوَاةِ مَالِكٍ: وَذَلِكَ
إذَا كَانَتْ تَعْلَمُ أَنَّ سُكُوتَهَا رِضًا، قُلْتُ: فَالثَّيِّبُ
أَيَكُونُ إذْنُهَا سُكُوتَهَا؟ قَالَ: لَا، إلَّا أَنْ تَتَكَلَّمَ
وَتَسْتَخْلِفَ الْوَلِيَّ عَلَى إنْكَاحِهَا قُلْتُ: أَتَحْفَظُهُ عَنْ
مَالِكٍ قَالَ: نَعَمْ، هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الثَّيِّبَ إذَا قَالَ: لَهَا وَالِدُهَا إنِّي
مُزَوِّجُك مِنْ فُلَانٍ، فَسَكَتَتْ فَذَهَبَ الْأَبُ فَزَوَّجَهَا مِنْ
ذَلِكَ الرَّجُلِ، أَيَكُونُ سُكُوتُهَا ذَلِكَ تَفْوِيضًا مِنْهَا إلَى
الْأَبِ فِي إنْكَاحِهَا مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ أَمْ لَا؟ قَالَ: تَأْوِيلُ
الْحَدِيثِ «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا» أَنَّ سُكُوتَهَا لَا يَكُونُ
رِضًا «وَالْبِكْرُ تُسْتَشَارُ فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا» ،
وَأَنَّ السُّكُوتَ إنَّمَا يَكُونُ جَائِزًا فِي الْبِكْرِ إنْ قَالَ
الْوَلِيُّ إنِّي مُزَوِّجُك مِنْ فُلَانٍ فَسَكَتَتْ، ثُمَّ ذَهَبَ
فَزَوَّجَهَا مِنْهُ فَأَنْكَرَتْ أَنَّ التَّزْوِيجَ لَازِمٌ لَهَا وَلَا
يَنْفَعُهَا إنْكَارُهَا بَعْدَ سُكُوتِهَا، وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي
الْبِكْرِ عَلَى مَا أَخْبَرْتُك.
ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى عَنْ الْحَسَنِ
الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ حَدَّثَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَوَّجَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ ابْنَتَيْهِ وَلَمْ
يَسْتَشِرْهُمَا» . ابْنُ وَهْبٍ وَأَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ
يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُكْرِهُ عَلَى النِّكَاحِ إلَّا
الْوَالِدُ، فَإِنَّهُ يُزَوِّجُ ابْنَتَهُ إذَا كَانَتْ بِكْرًا قَالَ
ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَقَدْ سَمِعْت أَنَّ مَالِكًا كَانَ يَقُولُ فِي
الرَّجُلِ يُزَوِّجُ أُخْتَهُ الثَّيِّبَ أَوْ الْبِكْرَ وَلَا
يَسْتَأْمِرُهَا، ثُمَّ تَعْلَمُ بِذَلِكَ فَتَرْضَى، فَبَلَغَنِي أَنَّ
مَالِكًا مَرَّةً كَانَ يَقُولُ: إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ بَعِيدَةً عَنْ
مَوْضِعِهِ فَرَضِيَتْ إذَا بَلَغَهَا لَمْ أَرَ أَنْ يَجُوزَ وَإِنْ
كَانَتْ مَعَهُ فِي الْبَلَدِ فَبَلَغَهَا ذَلِكَ فَرَضِيَتْ جَازَ ذَلِكَ،
فَسَأَلْنَا مَالِكًا وَنَزَلْت بِالْمَدِينَةِ فِي رَجُلٍ زَوَّجَ
أُخْتَهُ ثُمَّ بَلَّغَهَا فَقَالَتْ مَا وَكَّلْت وَلَا أَرْضَى ثُمَّ
كُلِّمَتْ فِي ذَلِكَ وَرَضِيَتْ قَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَاهُ نِكَاحًا
جَائِزًا وَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَأْنِفَ نِكَاحًا جَدِيدًا
إنْ أَحَبَّتْ
قَالَ: وَسَأَلْنَا مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يُزَوِّجُ ابْنَهُ الْكَبِيرَ
الْمُنْقَطِعَ عَنْهُ، أَوْ الِابْنَةَ الثَّيِّبَ وَهِيَ غَائِبَةٌ عَنْهُ
أَوْ هُوَ غَائِبٌ عَنْهَا فَيَرْضَيَانِ بِمَا فَعَلَ أَبُوهُمَا قَالَ
مَالِكٌ: لَا يُقَامُ عَلَى ذَلِكَ النِّكَاحِ وَلَوْ رَضِيَا؛
لِأَنَّهُمَا لَوْ مَاتَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مِيرَاثٌ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْجَارِيَةَ الْبَالِغَةَ الَّتِي حَاضَتْ وَهِيَ
بِكْرٌ لَا أَبَ لَهَا زَوَّجَهَا وَلِيُّهَا بِغَيْرِ أَمْرِهَا
فَبَلَّغَهَا فَرَضِيَتْ أَوْ سَكَتَتْ فَيَكُونُ سُكُوتُهَا رِضًا؟ قَالَ:
لَا يَكُونُ سُكُوتُهَا رِضًا وَلَا يُزَوِّجُهَا حَتَّى يَسْتَشِيرَهَا،
فَإِنْ فَعَلَ وَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ مَشُورَتِهَا وَكَانَ حَاضِرًا
مَعَهَا فِي الْبَلَدِ فَأَعْلَمَهَا حِينَ زَوَّجَهَا فَرَضِيَتْ رَأَيْتُ
جَائِزًا وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ تَأْخِيرِ إعْلَامِهَا
بِمَا فَعَلَ مِنْ تَزْوِيجِهِ إيَّاهَا أَوْ بَعْدَ الْمَوْضِعِ عَنْهُ
فَلَا
(2/102)
يَجُوزُ ذَلِكَ وَإِنْ أَجَازَتْهُ، قَالَ:
سَحْنُونٌ فَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ الَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ ابْنُ
الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَعَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا
وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا» .
قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْبِكْرِ الْيَتِيمَةِ،
وَقَالُوا عَنْ مَالِكٍ إنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ
وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ كَانُوا
يَقُولُونَ فِي الْبِكْرِ يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا: إنَّ
ذَلِكَ لَازِمٌ لَهَا، وَقَالُوا عَنْ مَالِكٍ إنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ
الْقَاسِمَ وَسَالِمًا كَانَا يُنْكِحَانِ بَنَاتَهمَا الْأَبْكَارَ وَلَا
يَسْتَأْمِرَانِهِنَّ قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي
الْأَبْكَارِ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ
عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ السَّبْعَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ
الرَّجُلُ أَحَقُّ بِإِنْكَاحِ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ بِغَيْرِ أَمْرِهَا
وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَلَا جَوَازَ لِأَبِيهَا فِي إنْكَاحِهَا إلَّا
بِإِذْنِهَا وَهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ
وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَام
وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ
وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ
وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ مَعَ مَشْيَخَةٍ سِوَاهُمْ مِنْ نُظَرَائِهِمْ
أَهْلِ فِقْهٍ وَفَضْلٍ.
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ التَّمِيمِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الْيَتِيمَةُ تُسْتَأْمَرُ فِي
نَفْسِهَا فَإِنْ سَكَتَتْ فَهُوَ إذْنُهَا وَإِنْ أَبَتْ فَلَا جَوَازَ
عَلَيْهَا» .
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ
عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَابْنِ شِهَابٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «كُلُّ يَتِيمَةٍ تُسْتَأْمَرُ
فِي نَفْسِهَا فَمَا أَنْكَرَتْ لَمْ يَجُزْ عَلَيْهَا وَمَا صَمَتَتْ
عَلَيْهِ وَأَقَرَّتْ جَازَ عَلَيْهَا وَذَلِكَ إذْنُهَا» ، وَقَالَ
مَالِكٌ: لَا تُزَوَّجُ الْيَتِيمَةُ الَّتِي يُوَلَّى عَلَيْهَا حَتَّى
تَبْلُغَ وَلَا يُقْطَعُ عَنْهَا مَا جُعِلَ لَهَا مِنْ الْخِيَارِ
وَأَمْرِ نَفْسِهَا أَنَّهُ لَا جَوَازَ عَلَيْهَا حَتَّى تَأْذَنَ
لِلْحَدِيثِ الَّذِي جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ وَكِيعٌ عَنْ الْفَزَارِيِّ عَنْ الْأَشْعَثِ بْنِ
سَوَّارٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: " تُسْتَأْمَرُ
الْيَتِيمَةُ فِي نَفْسِهَا فَإِنْ مَعِصَتْ لَمْ تُنْكَحْ وَإِنْ سَكَتَتْ
فَهُوَ إذْنُهَا ".
قَالَ سَحْنُونٌ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْيَتِيمَةَ إذَا شُوِّرَتْ فِي
نَفْسِهَا أَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا بَالِغًا؛ لِأَنَّ الَّتِي لَمْ
تَبْلُغْ لَا إذْنَ لَهَا فَكَيْفَ يُشَاوَرُ مَنْ لَيْسَ لَهُ إذْنٌ.
[وَضْعِ الْأَبِ بَعْضَ الصَّدَاقِ وَدَفْعِ الصَّدَاقِ إلَى الْأَبِ]
فِي وَضْعِ الْأَبِ بَعْضَ الصَّدَاقِ وَدَفْعِ الصَّدَاقِ إلَى الْأَبِ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ وَهِيَ بِكْرٌ، ثُمَّ حَطَّ مِنْ
الصَّدَاقِ، أَيَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى ابْنَتِهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يَضَعَ مِنْ صَدَاقِ
ابْنَتِهِ الْبِكْرِ شَيْئًا إذَا
(2/103)
لَمْ يُطَلِّقْهَا زَوْجُهَا؟
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَرَى أَنْ يُنْظَرَ فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ
مَا صَنَعَ الْأَبُ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ
مُعْسِرًا بِالْمَهْرِ فَيُخَفِّفَ عَنْهُ وَيُنْظِرَهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ
عَلَى الْبِنْتِ، لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا ثُمَّ وَضَعَ الْأَبُ
النِّصْفَ الَّذِي وَجَبَ لِابْنَتِهِ مِنْ الصَّدَاقِ، إنَّ ذَلِكَ
جَائِزٌ عَلَى الْبِنْتِ فَأَمَّا أَنْ يَضَعَ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ وَلَا
وَجَّهَ النَّظَرَ لَهَا فَلَا أَرَى أَنْ يَجُوزَ ذَلِكَ لَهُ ابْنُ
وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يُونُسَ وَغَيْرِهِمَا عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ
كَانَ يَقُولُ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ هُوَ السَّيِّدُ فِي
أَمَتِهِ وَالْأَبُ فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ ابْنُ وَهْبٍ قَالَ مَالِكٌ:
وَسَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ يَقُولُ ذَلِكَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ
وَيُونُسَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ
فَهِيَ الْبِكْرُ الَّتِي يَعْفُو وَلِيُّهَا فَيَجُوزُ ذَلِكَ وَلَا
يَجُوزُ عَفْوُهَا هِيَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَقَوْلُهُ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى: {إلَّا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] فَالْعَفْوُ إلَيْهَا
إذَا كَانَتْ امْرَأَةً ثَيِّبًا فَهِيَ أَوْلَى بِذَلِكَ وَلَا يَمْلِكُ
ذَلِكَ عَلَيْهَا وَلِيٌّ؛ لِأَنَّهَا قَدْ مَلَكَتْ أَمْرَهَا، فَإِنْ
أَرَادَتْ أَنْ تَعْفُوَ فَتَضَعَ لَهُ مِنْ نِصْفِهَا الَّذِي وَجَبَ
لَهَا عَلَيْهِ مِنْ حَقِّهَا جَازَ ذَلِكَ لَهَا، وَإِنْ أَرَادَتْ
أَخْذَهُ فَهِيَ أَمْلَكُ بِذَلِكَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ
الْعِلْمِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ
مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ شِهَابٍ فِي الْمَرْأَةِ الثَّيِّبِ قَالَ ابْنُ
وَهْبٍ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ شِهَابٍ فِي الْبِكْرِ
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَاهُ جَائِزًا لِأَبِي الْبِكْرِ أَنْ يُزَوِّجَ
وَضِيعَتَهُ إلَّا إذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ وَكَانَ لَهَا نِصْفُ
الصَّدَاقِ، فَفِي ذَلِكَ تَكُونُ الْوَضِيعَةُ، فَأَمَّا قَبْلَ
الطَّلَاقِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِأَبِيهَا وَكَذَلِكَ فِيمَا يَرَى
مَوْقِعَهُ مِنْ الْقُرْآنِ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الثَّيِّبَ إذَا زَوَّجَهَا أَبُوهَا بِرِضَاهَا
فَدَفَعَ الزَّوْجُ الصَّدَاقَ إلَى أَبِيهَا أَيَجُوزُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟
قَالَ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ زَوَّجَ ابْنَتَهُ وَهِيَ ثَيِّبٌ
فَدَفَعَ الزَّوْجُ الصَّدَاقَ إلَى أَبِيهَا وَلَمْ تَرْضَ، فَزَعَمَ
الْأَبُ أَنَّ الصَّدَاقَ قَدْ تَلِفَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ:
يَضْمَنُ الْأَبُ الصَّدَاقَ
قُلْتُ: أَرَأَيْت إنْ كَانَتْ بِكْرًا لَا أَبَ لَهَا زَوَّجَهَا أَخُوهَا
أَوْ جَدُّهَا أَوْ عَمُّهَا أَوْ وَلِيُّهَا بِرِضَاهَا فَقَبَضَ
الصَّدَاقَ، أَيَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى الْجَارِيَةِ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى الْجَارِيَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ
وَصِيًّا، فَإِنْ كَانَ وَصِيًّا فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَبْضُهُ عَلَى
الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّهُ النَّاظِرُ لَهَا وَمَالُهَا فِي يَدَيْهِ، أَلَا
تَرَى أَنَّهَا لَا تَأْخُذُ مَالَهَا مِنْ الْوَصِيِّ وَإِنَّمَا هُوَ فِي
يَدَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ طُمِثَتْ وَبَلَغَتْ فَذَلِكَ فِي يَدِ
الْوَصِيِّ عِنْدَ مَالِكٍ تَتَزَوَّجُ وَيُؤْنَسُ مِنْهَا الرُّشْدُ
وَالْإِصْلَاحُ لِنَفْسِهَا فِي مَالِهَا
قُلْتُ: وَمَا سَأَلْتُك عَنْهُ مِنْ أَمْرِ الْبِكْرِ أَهُوَ قَوْلُ
مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنَّمَا رَأَيْت مَالِكًا
يُضَمِّنُ الصَّدَاقَ الْأَبَ الَّذِي قَبَضَ فِي ابْنَتِهٍ الثَّيِّبِ
لِأَنَّهَا لَمْ تُوَكِّلْهُ بِقَبْضِ الصَّدَاقِ وَأَنَّهُ كَانَ
مُتَعَدِّيًا حِينَ قَبَضَ وَلَمْ يَدْفَعْهُ إلَيْهَا حِينَ قَبَضَهُ،
فَيَبْرَأُ مِنْهُ، بِمَنْزِلَةِ مَالٍ كَانَ لَهَا عَلَى رَجُلٍ
فَقَبَضَهُ الْأَبُ بِغَيْرِ أَمْرِهَا فَلَا يَبْرَأُ الْغَرِيمُ
وَالْأَبُ ضَامِنٌ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتْبَعَ الْغَرِيمَ.
(2/104)
[إنْكَاحِ الْأَوْلِيَاءِ]
فِي إنْكَاحِ الْأَوْلِيَاءِ قُلْتُ: أَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ إذَا
اجْتَمَعَ الْأَوْلِيَاءُ فِي نِكَاحِ الْمَرْأَةِ أَنَّ بَعْضَهُمْ
أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ اخْتَلَفَ الْأَوْلِيَاءُ
وَهُمْ فِي الْقَعْدَةِ سَوَاءٌ نَظَرَ السُّلْطَانُ فِي ذَلِكَ، قَالَ
وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَقْعَدَ مِنْ بَعْضٍ فَالْأَقْعَدُ أَوْلَى
بِإِنْكَاحِهَا عِنْدَ مَالِكٍ قُلْتُ: فَالْأَخُ أَوْلَى أَمْ الْجَدُّ؟
قَالَ: الْأَخُ أَوْلَى مِنْ الْجَدِّ عِنْدَ مَالِكٍ قُلْتُ: فَابْنُ
الْأَخِ أَوْلَى أَمْ الْجَدُّ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: ابْنُ الْأَخِ أَوْلَى قُلْتُ: فَمَنْ أَوْلَى بِإِنْكَاحِهَا
الِابْنُ أَمْ الْأَبُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الِابْنُ أَوْلَى بِإِنْكَاحِهَا وَبِالصَّلَاةِ
عَلَيْهَا.
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ الْمَرْأَةِ لَهَا
أَخٌ وَمَوَالٍ فَخُطِبَتْ فَقَالَ: أَخُوهَا أَوْلَى بِهَا مِنْ
مَوَالِيهَا
قُلْتُ: فَمَنْ أَوْلَى بِإِنْكَاحِهَا وَالصَّلَاةِ عَلَيْهَا ابْنُ
ابْنِهَا أَمْ الْأَبُ؟ قَالَ: الِابْنُ أَوْلَى
قُلْتُ: أَرَأَيْت مَا يُذْكَرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْأَوْلِيَاءِ
أَنَّ الْأَقْعَدَ أَوْلَى بِإِنْكَاحِهَا أَلَيْسَ هَذَا إذَا فَوَّضَتْ
إلَيْهِمْ، فَقَالَتْ زَوِّجُونِي، أَوْ خُطِبَتْ فَرَضِيَتْ فَاخْتَلَفَ
الْأَوْلِيَاءُ فِي إنْكَاحِهَا وَتَشَاحُّوا عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ،
إنَّمَا هَذَا إذَا خُطِبَتْ وَرَضِيَتْ وَتَشَاحَّ الْأَوْلِيَاءُ فِي
إنْكَاحِهَا فَإِنَّ لِلْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ أَنْ يُنْكِحَهَا
دُونَهُمْ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْمَرْأَةَ يَكُونُ أَوْلِيَاؤُهَا حُضُورًا كُلُّهُمْ
وَبَعْضُهُمْ أَقْعَدُ بِهَا مِنْ بَعْضٍ، مِنْهُمْ الْعَمُّ وَالْأَخُ
وَالْجَدُّ وَوَلَدُ الْوَلَدِ وَالْوَلَدُ نَفْسُهُ، فَزَوَّجَهَا
الْعَمُّ، فَأَنْكَرَ وَلَدُهَا وَسَائِرُ الْأَوْلِيَاءِ تَزْوِيجَهَا،
وَقَدْ رَضِيَتْ الْمَرْأَةُ؟ قَالَ: ذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ
عِنْدَ مَالِكٍ قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَرْأَةِ الثَّيِّبِ لَهَا
الْأَبُ وَالْأَخُ، فَيُزَوِّجُهَا الْأَخُ بِرِضَاهَا وَأَنْكَرَ الْأَبُ
ذَلِكَ أَذَلِكَ لَهُ؟ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لِلْأَبِ هَهُنَا قَوْلٌ إذَا
زَوَّجَهَا الْأَخُ بِرِضَاهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ مَلَكَتْ أَمْرَهَا قَالَ:
وَقَالَ لِي مَالِكٌ: أَرَأَيْتَ الْمَرْأَةَ لَوْ قَالَ الْأَبُ لَا
أُزَوِّجُهَا لَا يَكُونُ ذَلِكَ لَهُ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْبِكْرَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا أَبٌ وَكَانَ لَهَا
مِنْ الْأَوْلِيَاءِ مَنْ ذَكَرْت لَك مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ
وَالْأَجْدَادِ وَبَنِي الْإِخْوَةِ، فَزَوَّجَهَا بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ
وَأَنْكَرَ التَّزْوِيجَ سَائِرُ الْأَوْلِيَاءِ أَيَجُوزُ هَذَا
النِّكَاحُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: سَأَلْت مَالِكًا عَنْ قَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَوْ ذِي
الرَّأْي مِنْ أَهْلِهَا مَنْ ذُو الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا؟
قَالَ مَالِكٌ: الرَّجُلُ مِنْ الْعَشِيرَةِ أَوْ ابْنُ الْعَمِّ أَوْ
الْمَوْلَى وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ الْعَرَبِ، فَإِنَّ إنْكَاحَهُ
إيَّاهَا جَائِزٌ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ كَانَ ثَمَّ مَنْ هُوَ أَقْعَدُ
مِنْهُ فَإِنْكَاحُهُ إيَّاهَا جَائِزٌ إذَا كَانَ لَهُ الصَّلَاحُ
وَالْفَضْلُ إذَا أَصَابَ وَجْهَ النِّكَاحِ فَكَذَلِكَ مَسْأَلَتُك.
قَالَ سَحْنُونٌ، وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ إنَّ ذَا الرَّأْيِ
مِنْ أَهْلِهَا الرَّجُلُ مِنْ الْعَصَبَةِ، قَالَ سَحْنُونٌ: وَأَكْثَرُ
الرُّوَاةِ يَقُولُونَ: لَا يُزَوِّجُهَا وَلِيٌّ وَثَمَّ أَوْلَى مِنْهُ
حَاضِرٌ فَإِنْ فَعَلَ وَزَوَّجَ نَظَرَ السُّلْطَانُ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ
آخَرُونَ لِلْأَقْرَبِ أَنْ يَرُدَّ أَوْ يُجِيزَ إلَّا أَنْ يَتَطَاوَلَ
مُكْثُهَا عِنْدَ الزَّوْجِ
(2/105)
وَتَلِدَ مِنْهُ أَوْلَادًا لِأَنَّهُ لَمْ
يَخْرُجْ الْعَقْدُ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَلِيُّهُ وَلِيَ وَهَذَا فِي ذَاتِ
الْمَنْصِبِ وَالْقَدْرِ وَالْوُلَاةِ، وَقَالَ بَعْضُ الرُّوَاةِ:
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْكِتَابِ وَمِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ
أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إذَا
تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 232] فَالْعَضْلُ مِنْ
الْوَلِيِّ وَأَنَّ النِّكَاحَ يَتِمُّ بِرِضَا الْوَلِيِّ الْمُزَوِّجِ
وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ، وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا
وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا» وَقَالَ
أَيْضًا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«وَالْيَتِيمَةُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا» وَقَالَ - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - فِي الْحَدِيثِ الْمَحْفُوظِ عَنْهُ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ
نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْن وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَإِنْ
اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» فَكَانَ
مَعْنَاهُ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ وَيَكُونُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ لَهَا
وَلِيٌّ فَيَمْنَعَهَا إعْضَالًا لَهَا، فَإِذَا مَنَعَهَا فَقَدْ أَخْرَجَ
نَفْسَهُ مِنْ الْوِلَايَةِ بِالْعَضْلِ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» فَإِذَا كَانَ
ضَرَرُ حُكْمِ السُّلْطَانِ أَنْ يَنْفِيَ الضَّرَرَ وَيُزَوِّجَ فَكَانَ
وَلِيًّا كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ فِي أَوْلِيَاءِ هَذِهِ الْجَارِيَةِ وَهِيَ
بِكْرٌ أَخٌ وَجَدٌّ وَابْنُ أَخٍ أَيَجُوزُ تَزْوِيجُ ذِي الرَّأْيِ مِنْ
أَهْلِهَا إيَّاهَا؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا
وَأَرَاهُ جَائِزًا إذَا أَصَابَ وَجْهَ النِّكَاحِ
قُلْتُ: أَرَأَيْت الْبِكْرَ أَيَجُوزُ لِذِي الرَّأْيِ أَنْ يُزَوِّجَهَا
إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَبُ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: فِي تَأْوِيلِ حَدِيثِ
عُمَرَ مَا أَخْبَرْتُك فَتَأْوِيلُ حَدِيثِ عُمَرَ يَجْمَعُ الْبِكْرَ
وَالثَّيِّبَ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَنَا مَالِكٌ بِكْرًا مِنْ ثَيِّبٍ، وَلَمْ
نَشُكَّ أَنَّ الْبِكْرَ وَالثَّيِّبَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْبِكْرِ وَالِدٌ
وَلَا وَصِيٌّ سَوَاءٌ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَغِيبُ عَنْ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ أَيَكُونُ
لِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُزَوِّجُوهَا؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا غَابَ
غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً مِثْلَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ فِي
الْمَغَازِي فَيُقِيمُونَ فِي الْبِلَادِ الَّتِي خَرَجُوا إلَيْهَا مِثْلِ
الْأَنْدَلُسِ أَوْ إفْرِيقِيَّةَ، أَوْ طَنْجَةَ، قَالَ: فَأَرَى أَنْ
يُرْفَعَ أَمْرُهَا إلَى السُّلْطَانِ فَيَنْظُرَ لَهَا وَيُزَوِّجَهَا،
وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ قُلْتُ: أَفَيَكُونُ
لِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُزَوِّجُوهَا بِغَيْرِ أَمْرِ السُّلْطَانِ؟
قَالَ: هَكَذَا سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ: يُرْفَعُ أَمْرُهَا إلَى
السُّلْطَانِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ خَرَجَ تَاجِرًا إلَى إفْرِيقِيَّةَ أَوْ إلَى
نَحْوِهَا مِنْ الْبُلْدَانِ وَخَلَفَ بَنَاتٍ أَبْكَارًا فَأَرَدْنَ
النِّكَاحَ وَرَفَعْنَ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ أَيَنْظُرُ السُّلْطَانُ
فِي ذَلِكَ أَمْ لَا؟ قَالَ: إنَّمَا سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الَّذِي
يَغِيبُ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً فَأَمَّا مَنْ خَرَجَ تَاجِرًا وَلَيْسَ
يُرِيدُ الْمُقَامَ بِتِلْكَ الْبِلَادِ، فَلَا يَهْجُمْ السُّلْطَانُ
عَلَى ابْنَتِهِ الْبِكْرِ فَيُزَوِّجَهَا وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ
الْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُزَوِّجَهَا، قَالَ: وَهُوَ رَأْيِي لِأَنَّ مَالِكًا
لَمْ يُوَسِّعْ فِي أَنَّهُ تَزَوَّجَ ابْنَةَ الرَّجُلِ إلَّا أَنْ
يَغِيبَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَخَطَبَ الْخَاطِبُ إلَيْهَا
نَفْسَهَا، فَأَبَى وَالِدُهَا أَوْ وَلِيُّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا
فَرَفَعَتْ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ وَهُوَ دُونَهَا فِي الْحَسَبِ
وَالشَّرَفِ إلَّا أَنَّهُ كُفْءٌ فِي الدِّينِ فَرَضِيَتْ
(2/106)
بِهِ وَأَبَى الْوَلِيُّ؟ قَالَ:
يُزَوِّجُهَا السُّلْطَانُ وَلَا يَنْظُرُ إلَى قَوْلِ الْأَبِ
وَالْوَلِيِّ إذَا رَضِيَتْ بِهِ وَكَانَ كُفُؤًا فِي دِينِهِ قَالَ:
وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ
قُلْتُ: أَرَأَيْت إنْ كَانَ كُفُؤًا فِي الدِّينِ وَلَمْ يَكُنْ كُفُؤًا
فِي الْمَالِ، فَرَضِيَتْ بِهِ وَأَبَى الْوَلِيُّ أَنْ يَرْضَى،
أَيُزَوِّجُهَا مِنْهُ السُّلْطَانُ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ فِي ذَلِكَ شَيْئًا إلَّا أَنِّي سَأَلْت
مَالِكًا عَنْ نِكَاحِ الْمَوَالِي فِي الْعَرَبِ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ
بِذَلِكَ أَلَا تَرَى إلَى مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى
وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ
عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ رَضِيَتْ بِعَبْدٍ وَهِيَ امْرَأَةٌ مِنْ الْعَرَبِ
وَأَبَى الْأَبُ أَوْ الْوَلِيُّ أَنْ يُزَوِّجَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ
أَيُزَوِّجُهَا مِنْهُ السُّلْطَانُ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا إلَّا مَا أَخْبَرْتُك.
قَالَ: وَلَقَدْ قِيلَ لِمَالِكٍ إنَّ بَعْضَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ
فَرَّقُوا بَيْنَ عَرَبِيَّةٍ وَمَوْلًى، فَأَعْظَمَ ذَلِكَ إعْظَامًا
شَدِيدًا، وَقَالَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ كُلُّهُمْ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ
أَكْفَاءٌ لِقَوْلِ اللَّهِ فِي التَّنْزِيلِ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا
خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ
لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:
13] وَقَالَ غَيْرُهُ لَيْسَ الْعَبْدُ وَمِثْلُهُ إذَا دُعِيَتْ إلَيْهِ
إذَا كَانَتْ ذَاتَ الْمَنْصِبِ وَالْمَوْضِعِ وَالْقَدْرِ مِمَّا يَكُونُ
الْوَلِيُّ فِي مُخَالَفَتِهَا عَاضِلًا؛ لِأَنَّ لِلنَّاسِ مَنَاكِحَ قَدْ
عُرِفَتْ لَهُمْ وَعُرِفُوا بِهَا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْبِكْرَ إذَا خُطِبَتْ إلَى أَبِيهَا فَامْتَنَعَ
الْأَبُ مِنْ إنْكَاحِهَا أَوَّلَ مَا خُطِبَتْ إلَيْهِ، وَقَالَتْ
الْجَارِيَةُ وَهِيَ بَالِغَةٌ زَوِّجْنِي فَأَنَا أُحِبُّ الرِّجَالَ،
وَرَفَعَتْ أَمْرَهَا إلَى السُّلْطَانِ أَيَكُونُ رَدُّ الْأَبِ
الْخَاطِبَ الْأَوَّلَ إعْضَالًا لَهَا وَتَرَى لِلسُّلْطَانِ أَنْ
يُزَوِّجَهَا إذَا أَبَى الْأَبُ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ
شَيْئًا إلَّا أَنِّي أَرَى إنْ عُرِفَ عَضْلُ الْأَبِ إيَّاهَا
وَضَرُورَتُهُ إيَّاهَا لِذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ مَنْعُهُ ذَلِكَ نَظَرًا
إلَيْهَا رَأَيْت السُّلْطَانَ إنْ قَامَتْ الْجَارِيَةُ بِذَلِكَ
وَطَلَبَتْ نِكَاحَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا السُّلْطَانُ إذَا عَلِمَ أَنَّ
الْأَبَ. إنَّمَا هُوَ مُضَارٌّ فِي رَدِّهِ وَلَيْسَ بِنَاظِرٍ لَهَا؛
لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا
ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ فِيهِ ضَرَرًا لَمْ يَهْجُمْ
السُّلْطَانُ عَلَى ابْنَتِهِ فِي إنْكَاحِهَا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ
الضَّرَرُ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْبِكْرَ إذَا رَدَّ الْأَبُ عَنْهَا خَاطِبًا
وَاحِدًا أَوْ خَاطِبَيْنِ، وَقَالَتْ الْجَارِيَةُ فِي أَوَّلِ مَنْ
خَطَبَهَا لِلْأَبِ زَوِّجْنِي فَإِنِّي أُرِيدُ الرِّجَالَ وَأَبَى
الْأَبُ، أَيَكُونُ الْأَبُ فِي أَوَّلِ خَاطِبٍ رَدَّ عَنْهَا مُعْضِلًا
لَهَا؟
قَالَ: أَرَى أَنَّهُ لَيْسَ يُكْرَهُ الْآبَاءُ عَلَى إنْكَاحِ
بَنَاتِهِمْ الْأَبْكَارِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُضَارًّا أَوْ مُعْضِلًا
لَهَا فَإِنْ عُرِفَ ذَلِكَ مِنْهُ وَأَرَادَتْ الْجَارِيَةُ النِّكَاحَ
فَإِنَّ السُّلْطَانَ يَقُولُ لَهُ إمَّا أَنْ تُزَوِّجَ وَإِمَّا
زَوَّجْتُهَا عَلَيْك، قُلْتُ: وَلَيْسَ فِي هَذَا عِنْدَك حَدٌّ فِي
قَوْلِ مَالِكٍ فِي رَدِّ الْأَبِ عَنْهَا الْخَاطِبَ الْوَاحِدَ أَوْ
الِاثْنَيْنِ؟
قَالَ: لَا نَعْرِفُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي هَذَا حَدًّا إلَّا أَنْ
نَعْرِفَ ضَرُورَتَهُ وَإِعْضَالَهُ.
(2/107)
[إنْكَاحِ الْمَوْلَى]
فِي إنْكَاحِ الْمَوْلَى قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مَوْلَى النِّعْمَةِ أَيَجُوزُ
أَنْ يُزَوِّجَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فِي قَوْلِ مَالِكٍ قَالَ: وَقَالَ
مَالِكٌ: يُزَوِّجُهَا مِنْ نَفْسِهِ وَيَلِي عَقْدَ نِكَاحِ نَفْسِهِ إذَا
رَضِيَتْ
قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ إنَّمَا أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ وَالِدُهَا أَوْ
جَدُّهَا أَوْ أَسْلَمَتْ هِيَ عَلَى يَدَيْهِ أَيَجُوزُ لَهُ أَنْ
يُزَوِّجَهَا؟ قَالَ: أَمَّا الَّتِي أَسْلَمَتْ عَلَى يَدَيْهِ فَإِنَّهَا
تَدْخُلُ فِيمَا فَسَّرْتُ لَك فِي قَوْلِ مَالِكٍ فِي إنْكَاحِ
الدَّنِيئَةِ، فَيَجُوزُ إنْكَاحُهُ إيَّاهَا قَالَ: وَأَمَّا إذَا سَلَّمَ
أَبُوهَا وَتَقَادَمَ ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ لَهَا مِنْ الْقَدْرِ
وَالْغِنَى وَالْآبَاءِ وَالْإِسْلَامِ وَتَنَافُسِ النَّاسِ فِيهَا فَلَا
يُزَوِّجُهَا وَهُوَ وَالْأَجْنَبِيُّ سَوَاءٌ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ وَلِيَّ النِّعْمَةِ يُزَوِّجُ مَوْلَاتَهُ وَلَهَا ذُو
رَحِمٍ أَعْمَامٍ أَوْ بَنُو إخْوَةٍ أَوْ إخْوَةٌ إلَّا أَنَّهُ لَا أَبَ
لَهَا، فَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِكْرٌ بِرِضَاهَا أَوْ ثَيِّبٌ بِرِضَاهَا؟
قَالَ: هَذَا عِنْدِي مِنْ ذِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا أَلَهُ أَنْ
يُزَوِّجَهَا إذَا كَانَ لَهُ الصَّلَاحُ وَالْحَالُ؛ لِأَنَّ مَالِكًا
قَالَ: الْمَوْلَى الَّذِي لَهُ الْحَالُ فِي الْعِشْرَةِ لَهُ أَنْ
يُزَوِّجَ الْعَرَبِيَّةَ مِنْ قَوْمِهِ إذَا كَانَ لَهُ الْمَوْضِعُ
وَالرَّأْيُ قَالَ مَالِكٌ: وَأَرَاهُ مِنْ ذَوِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا
إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا أَبٌ وَلَا وَصِيٌّ.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَدْ بَيَّنَّا قَوْلَ الرُّوَاةِ فِي مِثْلِ هَذَا
قَبْلَ هَذَا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَأَخْبَرَنِي
الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا
يَحِلُّ نِكَاحُ الْمَرْأَةِ إلَّا بِوَلِيٍّ وَصَدَاقٍ وَشَاهِدَيْ
عَدْلٍ» ابْنُ وَهْبٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ
الْهَمْدَانِيِّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا
نِكَاحَ لِامْرَأَةٍ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيٍّ» ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو
بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلُهُ سَوَاءٌ
فِي الْوَلِيِّ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ أَبِي جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ
مُوسَى عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ
أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تُنْكَحُ امْرَأَةٌ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا،
فَإِنْ نُكِحَتْ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِنْ أَصَابَهَا
فَلَهَا مَهْرُهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا، فَإِنْ اشْتَجَرُوا
فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ
جُرَيْجٍ أَنَّ عَبْدَ الْحَمِيدِ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ حَدَّثَهُ
أَنَّ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ حَدَّثَهُ قَالَ: جَمَعَ الطَّرِيقُ رَكْبًا
فَوَلَّتْ امْرَأَةٌ أَمْرَهَا غَيْرَ وَلِيٍّ فَأَنْكَحَهَا رَجُلًا
مِنْهُمْ فَفَرَّقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بَيْنَهُمَا وَعَاقَبَ
النَّاكِحَ وَالْمُنْكِحَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ
يَزِيدَ بْنَ حَبِيبٍ حَدَّثَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ
كَتَبَ إلَى أَيُّوبَ بْنِ شُرَحْبِيلَ أَيُّمَا رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً
بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَانْتَزِعْ مِنْهُ الْمَرْأَةَ وَعَاقِبْ
الَّذِي أَنْكَحَهُ.
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ
الْمُهَاجِرِ التَّيْمِيِّ أَنَّ رَجُلًا مِنْ
(2/108)
قُرَيْشٍ أَنْكَحَ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِهِ
وَوَلِيُّهَا غَائِبٌ فَبَنَى بِهَا زَوْجُهَا ثُمَّ قَدِمَ وَلِيُّهَا
فَخَاصَمَ فِي ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَرَدَّ
النِّكَاحَ وَنَزَعَهَا مِنْهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ وَعُمَرَ
بْنِ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ
بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَا تُنْكَحُ
الْمَرْأَةُ إلَّا بِإِذْنِ وَلِيُّهَا أَوْ ذِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا
أَوْ السُّلْطَانِ، وَيَذْكُرُ مَالِكٌ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ سَعِيدِ
بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِثْلَهُ قَالَ ابْنُ
وَهْبٍ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَرْأَةِ يُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ
زَوْجِهَا دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ إذَا زَوَّجَهَا بِغَيْرِ
وَلِيٍّ إلَّا أَنْ يُجِيزَ ذَلِكَ الْوَلِيُّ أَوْ السُّلْطَانُ إنْ لَمْ
يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ فَإِنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَهِيَ طَلْقَةٌ،
وَأَمَّا الْمَرْأَةُ الْوَضِيعَةُ مِثْلُ الْمُعْتَقَةِ وَالسَّوْدَاءِ
وَالْمُسَالِمَةِ فَإِذَا كَانَ نِكَاحُهَا ظَاهِرًا مَعْرُوفًا، فَذَلِكَ
أَخَفُّ عِنْدِي مِنْ الْمَرْأَةِ لَهَا الْمَوْضِعُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْت الْوَصِيَّ أَوْصَى أَيَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَ الْبِكْرَ
إذَا بَلَغَتْ وَالْأَوْلِيَاءُ يُنْكِرُونَ وَالْجَارِيَةُ رَاضِيَةٌ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا نِكَاحَ لِلْأَوْلِيَاءِ مَعَ الْوَصِيِّ
وَالْوَصِيُّ وَوَصِيُّ الْوَصِيِّ أَوْلَى مِنْ الْأَوْلِيَاءِ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ رَضِيَتْ الْجَارِيَةُ وَرَضِيَ الْأَوْلِيَاءُ
وَالْوَصِيُّ يُنْكِرُ؟ فَقَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا نِكَاحَ لَهَا وَلَا
لَهُمْ إلَّا بِالْوَصِيِّ فَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ نَظَرَ
السُّلْطَانُ فِيمَا بَيْنَهُمْ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْمَرْأَةَ الثَّيِّبَ إنْ زَوَّجَهَا الْأَوْلِيَاءُ
بِرِضَاهَا وَالْوَصِيُّ يُنْكِرُ؟ قَالَ: ذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَ مَالِكٍ
أَلَا تَرَى أَنَّ مَالِكًا قَالَ لِي فِي الْأَخِ يُزَوِّجُ أُخْتَهُ
الثَّيِّبَ بِرِضَاهَا وَالْأَبُ يُنْكِرُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى
الْأَبِ، قَالَ مَالِكٌ: وَمَا لِلْأَبِ وَمَالهَا وَهِيَ مَالِكَةٌ
أَمْرَهَا وَالْوَصِيُّ أَيْضًا فِي الثَّيِّبِ إنْ أَنْكَحَ بِرِضَاهَا
وَالْأَوْلِيَاءُ يُنْكِرُونَ جَازَ إنْكَاحُهُ إيَّاهَا وَلَيْسَ
الْوَصِيُّ أَوْ وَصِيُّ الْوَصِيِّ فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ
قَالَ لِي مَالِكٌ: وَوَصِيُّ الْوَصِيِّ أَوْلَى بِبُضْعِ الْأَبْكَارِ
أَنْ يُزَوِّجَهُنَّ بِرِضَاهُنَّ إذَا بَلَغْنَ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ وَصِيُّ وَصِيِّ وَصِيٍّ أَيَجُوزُ فِعْلُهُ
بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيِّ؟ قَالَ: نَعَمْ فِي رَأْيِي وَإِنَّمَا سَأَلْنَا
مَالِكًا عَنْ وَصِيِّ الْوَصِيِّ وَلَمْ نَشُكَّ أَنَّ الثَّالِثَ
مِثْلُهُمَا وَالرَّابِعَ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ
قُلْتُ: فَإِنْ زَوَّجَهَا وَلِيٌّ وَلَهَا وَصِيٌّ زَوَّجَهَا أَخٌ أَوْ
عَمٌّ بِرِضَاهَا وَقَدْ حَاضَتْ وَلَهَا وَصِيٌّ أَوْ وَصِيُّ وَصِيٍّ؟
قَالَ: نِكَاحُ الْعَمِّ وَالْأَخِ لَا يَجُوزُ وَلَيْسَ لِلْأَوْلِيَاءِ
فِي إنْكَاحِهَا مَعَ الْأَوْصِيَاءِ قَضَاءٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا
وَصِيٌّ وَلَا وَلِيٌّ فَحَاضَتْ وَاسْتَخْلَفَتْ وَلِيَّهَا فَزَوَّجَهَا
فَذَلِكَ جَائِزٌ وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ مَالِكٍ وَمَا لَمْ تَبْلُغْ
الْمَحِيضَ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُزَوِّجَهَا إلَّا الْأَبُ
وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ
قَالَ: لَا يَنْبَغِي لِلْوَلِيِّ أَنْ يُنْكِحَ دُونَ الْوَصِيِّ، فَإِنْ
أَنْكَحَهَا الْوَصِيُّ إذَا رَضِيَتْ دُونَ الْوَلِيِّ جَازَ، وَإِنْ
أَنْكَحَهَا الْوَلِيُّ دُونَ الْوَصِيِّ وَرَضِيَتْ لَمْ يَجُزْ دُونَ
الْإِمَامِ وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ مَعَ الْوَصِيِّ قَضَاءٌ ابْنُ وَهْبٍ
عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ أَنَّهُ سَمِعَ
(2/109)
يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ الْوَصِيُّ
أَوْلَى مِنْ الْوَلِيِّ وَيُشَاوِرُ الْوَلِيُّ فِي ذَلِكَ قَالَ:
فَالْوَصِيُّ الْعَدْلُ مِثْلُ الْوَالِدِ
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ أَشْهَلَ بْنِ حَاتِمٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ
حَرْبٍ أَنَّ شُرَيْحًا أَجَازَ إنْكَاحَ وَصِيٍّ وَالْأَوْلِيَاءُ
يُنْكِرُونَ وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ مِثْلَهُ الْوَصِيُّ أَوْلَى
مِنْ الْوَلِيِّ
قُلْتُ: أَرَأَيْت الصِّغَارَ أَيُنْكِحُهُمْ أَحَدٌ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: أَمَّا الْغُلَامُ فَيُزَوِّجُهُ الْأَبُ
وَالْوَصِيُّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَهُ أَحَدٌ إلَّا الْأَبُ أَوْ
الْوَصِيُّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَهُ أَحَدٌ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ
غَيْرَ الْوَصِيِّ أَوْ الْأَبِ وَوَصِيِّ الْوَصِيِّ أَيْضًا قَالَ
مَالِكٌ: إنْكَاحُهُ الْغُلَامَ الصَّغِيرَ جَائِزٌ وَأَمَّا الْجَارِيَةُ
فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَهَا إلَّا أَبُوهَا وَلَا يُزَوِّجُهَا أَحَدٌ
مِنْ الْأَوْلِيَاءِ وَلَا الْأَوْصِيَاءِ حَتَّى تَبْلُغَ الْمَحِيضَ
فَإِذَا بَلَغَتْ الْمَحِيضَ فَزَوَّجَهَا الْوَصِيُّ بِرِضَاهَا جَازَ
ذَلِكَ وَكَذَلِكَ إنْ زَوَّجَهَا وَصِيُّ الْوَصِيِّ بِرِضَاهَا، فَذَلِكَ
جَائِزٌ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي
وَلَا لِأَحَدٍ أَنْ يُزَوِّجَ صَغِيرَةً لَمْ تَحِضْ إلَّا الْأَبُ،
فَأَمَّا الْغُلَامُ فَلِلْوَصِيِّ أَنْ يُزَوِّجَهُ قَبْلَ أَنْ
يَحْتَلِمَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَخْرَمَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْت
ابْنَ قُسَيْطٍ وَاسْتُفْتِيَ فِي غُلَامٍ كَانَ فِي حِجْرِ رَجُلٍ
فَأَنْكَحَهُ ابْنَتَهُ أَيَجُوزُ إنْكَاحُهُ وَلِيَّتَهُ؟
قَالَ: نَعَمْ وَهُمَا يَتَوَارَثَانِ ابْنُ وَهْبٍ وَقَالَ ذَلِكَ نَافِعٌ
مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ جَائِزٌ وَهُمَا يَتَوَارَثَانِ ابْنُ وَهْبٍ
عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَرَى هَذَا جَائِزًا وَإِنْ
كَرِهَ الْغُلَامُ إذَا احْتَلَمَ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْوَلِيَّ أَوْ الْوَالِدَ إذَا اسْتَخْلَفَ مَنْ
يُزَوِّجُ أَيَجُوزُ هَذَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: أَيَجُوزُ لِلْأُمِّ أَنْ تَسْتَخْلِفَ مَنْ يُزَوِّجُ ابْنَتَهَا
وَقَدْ حَاضَتْ ابْنَتُهَا وَلَا أَبَ لِلْبِنْتِ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ:
لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ تَكُونَ وَصِيَّةً، فَإِنْ كَانَتْ وَصِيَّةً جَازَ
لَهَا أَنْ تَسْتَخْلِفَ مَنْ يُزَوِّجُهَا وَلَا يَجُوزُ لَهَا هِيَ أَنْ
تَعْقِدَ نِكَاحَهَا، قُلْتُ: وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى إلَى امْرَأَةٍ
أَجْنَبِيَّةٍ كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ فِي إنْكَاحِ هَذِهِ
الْجَارِيَةِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: وَلَا يَجُوزُ لِلْأُمِّ وَإِنْ كَانَتْ وَصِيَّةً
أَنْ تَسْتَخْلِفَ مَنْ يُزَوِّجُ ابْنَتَهَا قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ
الِابْنَةُ الْمَحِيضَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ امْرَأَةً زَوَّجَهَا الْأَوْلِيَاءُ
بِرِضَاهَا فَزَوَّجَهَا هَذَا الْأَخُ مِنْ رَجُلٍ وَزَوَّجَهَا هَذَا
الْأَخُ مِنْ رَجُلٍ وَلَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمَا أَوْلَى؟ قَالَ: قَالَ
مَالِكٌ: إنْ كَانَتْ وَكَّلَتْهُمَا فَإِنْ عُلِمَ أَيُّهُمَا كَانَ
أَوْلَى فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، وَإِنْ دَخَلَ بِهَا أَحَدُهُمَا فَاَلَّذِي
دَخَلَ بِهَا أَحَقُّ بِهَا وَإِنْ كَانَ آخِرُهُمَا نِكَاحًا، وَأَمَّا
إذَا لَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمَا أَوْلَى وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَاحِدٌ
مِنْهُمَا فَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا إلَّا أَنِّي أَرَى
أَنْ يُفْسَخَ نِكَاحُهُمَا جَمِيعًا ثُمَّ تَبْتَدِئُ نِكَاحَ مَنْ
أَحَبَّتْ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ هَذَا هُوَ الْأَوْلَى وَلَمْ
يُعْلَمْ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهَا؟ قَالَ: لَا
(2/110)
أَرَى أَنْ يَثْبُتَ النِّكَاحُ وَأَرَى
أَنْ يُفْسَخَ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ يَحْيَى
بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى فِي
الْوَلِيَّيْنِ يُنْكِحَانِ الْمَرْأَةَ وَلَا يَعْلَمُ أَحَدُهُمَا
بِصَاحِبِهِ أَنَّهَا لِلَّذِي دَخَلَ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ
بِهَا أَحَدُهُمَا فَلِلْأَوَّلِ
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ رَجُلٍ
أَمَرَ أَخَاهُ أَنْ يُنْكِحَ ابْنَتَهُ وَسَافَرَ فَأَتَى رَجُلٌ
فَخَطَبَهَا إلَيْهِ فَأَنْكَحَهَا، ثُمَّ إنَّ عَمَّهَا أَنْكَحَهَا
بَعْدَ ذَلِكَ، فَدَخَلَ بِهَا الْآخِرُ مِنْهُمَا ثُمَّ إنَّ الْأَبَ
قَدِمَ وَاَلَّذِي زَوَّجَ مَعَهُ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ نَرَى أَنَّهُمَا
نَاكِحَانِ لَمْ يَشْعُرْ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فَنَرَى أَوْلَاهُمَا
بِهَا الَّذِي أَفْضَى إلَيْهَا حَتَّى اسْتَوْجَبَتْ مَهْرَهَا تَامًّا
وَاسْتَوْجَبَتْ مَا تَسْتَوْجِبُ الْمُحْصَنَةُ مِنْ نِكَاحِ الْحَلَالِ
وَلَوْ اخْتَصَمَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا كَانَ أَحَدُهُمَا أَحَقَّ
فِيمَا نَرَى. النَّاكِحُ الْأَوَّلُ، وَلَكِنَّهُمَا اخْتَصَمَا بَعْدَمَا
اُسْتُحِلَّ الْفَرْجُ بِنِكَاحٍ حَلَالٍ لَا يُعْلَمُ قَبْلَهُ نِكَاحٌ
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ يَحْيَى بْنِ
سَعِيدٍ وَرَبِيعَةَ وَعَطَاءٍ وَمَكْحُولٍ بِذَلِكَ قَالَ يَحْيَى فَإِنْ
لَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمَا كَانَ قَبْلُ فُسِخَ النِّكَاحُ إلَّا أَنْ
يَدْخُلَ بِهَا، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ أَمَةً أَعْتَقَهَا رَجُلَانِ مَنْ وَلِيِّهَا
مِنْهُمَا فِي النِّكَاحِ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: كِلَاهُمَا وَلِيَّانِ
قَالَ: فَقُلْنَا لِمَالِكٍ فَإِنْ زَوَّجَهَا أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ
وَكَالَةِ الْآخَرِ فَرَضِيَ الْآخَرُ بَعْدَ أَنْ زَوَّجَهَا هَذَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نِكَاحُهَا جَائِزٌ رَضِيَ الْآخَرُ أَوْ لَمْ
يَرْضَ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْأَخَوَيْنِ إذَا زَوَّجَ أَحَدُهُمَا أُخْتَهُ
وَرَدَّ الْآخَرُ نِكَاحَهَا أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَرُدَّ؟ قَالَ: لَا
يَكُونُ ذَلِكَ لَهُ عِنْدَ مَالِكٍ وَقَدْ أَخْبَرْتُك مِنْ قَوْلِ
مَالِكٍ أَنَّ الرَّجُلَ مِنْ الْفَخِذِ يُزَوِّجُ وَإِنْ كَانَ ثَمَّ مَنْ
هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ فَكَيْفَ بِالْأَخِ وَهُمَا فِي الْقَعْدَةِ سَوَاءٌ،
قَالَ: وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الْأَمَةِ يُعْتِقُهَا الرَّجُلَانِ
فَيُزَوِّجُهَا أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ أَمْرِ صَاحِبِهِ إنَّ النِّكَاحَ
جَائِزٌ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ لَمْ يَرْضَ أَحَدُهُمَا؟
قَالَ: ذَلِكَ جَائِزٌ عَلَيْهِ عَلَى مَا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ وَقَالَ
عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ قَالَ مَالِكٌ فِي الْأَخِ يُزَوِّجُ أُخْتَهُ
لِأَبِيهِ وَثَمَّ أَخُوهَا لِأُمِّهَا وَأَبِيهَا أَنَّ إنْكَاحَهُ
جَائِزٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَبُوهَا أَوْصَى بِهَا إلَى أَخِيهَا
لِأَبِيهَا وَأُمِّهَا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فَلَا نِكَاحَ لَهَا إلَّا
بِرِضَاهُ، وَإِنَّمَا الَّذِي لَا يَنْبَغِي لِبَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ أَنْ
يُنْكِحَ وَثَمَّ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ إذَا لَمْ يَكُونُوا إخْوَةً
وَكَانَ أَخٌ أَوْ عَمٌّ وَابْنُ عَمٍّ وَنَحْوُ هَذَا إذَا كَانُوا
حُضُورًا
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْوَلِيَّ إذَا رَضِيَ بِرَجُلٍ لَيْسَ لَهَا
بِكُفْءٍ، فَصَالَحَ ذَلِكَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَبَانَتْ مِنْهُ ثُمَّ
أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَنْكِحَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَبَى الْوَلِيُّ
وَقَالَ لَسْتَ لَهَا بِكُفْءٍ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا رَضِيَ بِهِ
مَرَّةً فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْهُ إذَا رَضِيَتْ بِذَلِكَ
الْمَرْأَةُ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إلَّا أَنْ يَأْتِيَ مِنْهُ حَدَثٌ
مِنْ فِسْقٍ ظَاهِرٍ أَوْ لُصُوصِيَّةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ
فِيهِ حُجَّةٌ لِذَلِكَ غَيْرُ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ فَأَرَى ذَلِكَ
لِلْوَلِيِّ، قُلْتُ: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ عَبْدًا؟
قَالَ: نَعَمْ: وَلَمْ أَسْمَعْ الْعَبْدَ مِنْ مَالِكٍ وَهُوَ رَأْيِي
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الثَّيِّبَ إذَا اسْتَخْلَفَتْ عَلَى نَفْسِهَا رَجُلًا
فَزَوَّجَهَا؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: أَمَّا الْمُعْتَقَةُ وَالْمُسَالِمَة
وَالْمَرْأَةُ
(2/111)
الْمِسْكِينَةُ تَكُونُ فِي الْقَرْيَةِ
الَّتِي لَا سُلْطَانَ فِيهَا، فَإِنَّهُ رُبَّ قُرًى لَيْسَ فِيهَا
سُلْطَانٌ فَتُفَوِّضُ أَمْرَهَا إلَى رَجُلٍ لَا بَأْسَ بِحَالِهِ أَوْ
يَكُونُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ السُّلْطَانُ، فَتَكُونُ
دَنِيئَةً لَا خَطْبَ لَهَا كَمَا وَصَفْت لَك، قَالَ مَالِكٌ: فَلَا
بَأْسَ أَنْ تَسْتَخْلِفَ عَلَى نَفْسِهَا مَنْ يُزَوِّجُهَا وَيَجُوزُ
ذَلِكَ قَالَ: فَقُلْتُ لِمَالِكٍ: فَرِجَالٌ مِنْ الْمَوَالِي يَأْخُذُونَ
صِبْيَانًا مِنْ صِبْيَانِ الْعَرَبِ مِنْ الْأَعْرَابِ تُصِيبُهُمْ
السَّنَةُ فَيَكْفُلُونَ لَهُمْ صِبْيَانَهُمْ وَيُرَبُّونَهُمْ حَتَّى
يَكْبَرُوا، فَتَكُونُ فِيهِمْ الْجَارِيَةُ فَيُرِيدُ أَنْ يُزَوِّجَهَا
قَالَ: أَرَى أَنَّ تَزْوِيجَهُ عَلَيْهَا جَائِزٌ، قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ
أَنْظُرُ لَهَا مِنْهُ فَأَمَّا كُلُّ امْرَأَةٍ لَهَا مَالٌ وَغِنًى
وَقَدْرٌ فَإِنَّ تِلْكَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُزَوِّجَهَا إلَّا
الْأَوْلِيَاءُ أَوْ السُّلْطَانُ قَالَ: فَقِيلَ لِمَالِكٍ: فَلَوْ أَنَّ
امْرَأَةً لَهَا قَدْرٌ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَوَّضَتْ أَمْرَهَا
إلَى رَجُلٍ فَرَضِيَ الْوَلِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ، أَتَرَى أَنْ يَثْبُتَا
عَلَى ذَلِكَ النِّكَاحِ فَوَقَفَ فِيهِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَنَا
أَرَاهُ جَائِزًا إذَا كَانَ قَرِيبًا.
قُلْتُ: أَرَأَيْت إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ:
دُخُولُهُ وَغَيْرُ دُخُولِهِ سَوَاءٌ إذَا أَجَازَ ذَلِكَ الْوَلِيُّ
جَازَ كَمَا أَخْبَرْتُك وَإِنْ أَرَادَ فَسْخَهُ وَكَانَ بِحَدَثَانِ
دُخُولِهِ رَأَيْتُ ذَلِكَ لَهُ مَا لَمْ تَطُلْ إقَامَتُهُ مَعَهَا
وَتَلِدُ مِنْهُ أَوْلَادًا، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ وَكَانَ ذَلِكَ صَوَابًا
جَازَ ذَلِكَ وَلَمْ يَفْسَخْ، وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ قَالَ سَحْنُونٌ
وَقَدْ قَالَ غَيْرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَإِنْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ لَمْ
يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ عُقْدَةُ غَيْرِ وَلِيٍّ، وَقَدْ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ
مِنْ الرُّوَاةِ مِثْلَ مَا قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ إنْ أَجَازَهُ
الْوَلِيُّ جَازَ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ اسْتَخْلَفَتْ امْرَأَةٌ عَلَى نَفْسِهَا رَجُلًا
فَزَوَّجَهَا وَلَهَا وَلِيَّانِ أَحَدُهُمَا أَقْعَدُ بِهَا مِنْ
الْآخَرِ، فَلَمَّا عَلِمَا أَجَازَ النِّكَاحَ أَبْعَدُهُمَا وَأَبْطَلَهُ
أَقْعَدُهُمَا بِهَا؟ قَالَ: لَا تَجُوزُ إجَازَةُ الْأَبْعَدِ وَإِنَّمَا
يُنْظَرُ إلَى الْأَقْعَدِ وَإِلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْخَصْمُ
دُونَ الْأَبْعَدِ قُلْتُ: أَسَمِعْتَهُ مِنْ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا، قُلْتُ: لِمَ أَبْطَلْتَ هَذَا النِّكَاحَ وَقَدْ أَجَازَهُ
الْوَلِيُّ الْأَبْعَدُ وَأَنْتَ تَذْكُرُ أَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي
عُقْدَةِ النِّكَاحِ: إنْ عَقَدَهَا الْوَلِيُّ الْأَبْعَدُ وَكَرِهَ
ذَلِكَ الْوَلِيُّ الْأَقْعَدُ أَنَّ الْعُقْدَةَ جَائِزَةٌ؟
قَالَ: لَا يُشْبِهُ هَذَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ نِكَاحًا عَقَدَهُ
الْوَلِيُّ فَكَانَتْ الْعُقْدَةُ جَائِزَةً، وَهَذَا نِكَاحٌ عَقَدَهُ
غَيْرُ وَلِيٍّ فَإِنَّمَا يَكُونُ فَسْخُهُ بِيَدِ أَقْعَدِ
الْأَوْلِيَاءِ بِهَا لَا يُنْظَرُ فِي هَذَا إلَى أَبْعَدِ الْأَوْلِيَاءِ
وَإِنَّمَا يَنْظُرُ السُّلْطَانُ إلَى قَوْلِ أَقْعَدِهِمَا إنْ أَجَازَهُ
أَوْ فَسَخَهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ وَلِيٍّ اسْتَخْلَفَتْ عَلَى
نَفْسِهَا وَلَهَا وَلِيٌّ غَائِبٌ وَوَلِيٌّ حَاضِرٌ وَالْغَائِبُ
أَقْعَدُ بِهَا مِنْ الْحَاضِرِ، فَقَامَ يَفْسَخُ نِكَاحَهَا هَذَا
الْحَاضِرُ وَهُوَ أَبْعَدُ إلَيْهَا مِنْ الْغَائِبِ؟ قَالَ: يَنْظُرُ
السُّلْطَانُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ غِيبَةُ الْأَقْعَدِ قَرِيبَةً
انْتَظَرَهُ وَلَمْ يُعَجِّلْ وَبَعَثَ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ غِيبَتُهُ
بَعِيدَةً نَظَرَ فِيمَا ادَّعَى هَذَا، فَإِنْ كَانَ مِنْ الْأُمُورِ
الَّتِي كَانَ يُجِيزُهَا الْوَلِيُّ، أَنْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ الْغَائِبُ
حَاضِرًا أَجَازَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي لَوْ كَانَ
(2/112)
الْغَائِبُ حَاضِرًا لَمْ يُجِزْهُ
أَبْطَلَهُ السُّلْطَانُ قُلْتُ: وَجَعَلْت السُّلْطَانَ مَكَانَ ذَلِكَ
الْغَائِبِ وَجَعَلْته أَوْلَى مِنْ هَذَا الْوَلِيِّ الْحَاضِرِ؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: مِنْهَا قَوْلُ مَالِكٍ وَهُوَ رَأْيِي كُلُّهُ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ وَلِيًّا قَالَتْ لَهُ وَلِيَّتُهُ
زَوِّجْنِي فَقَدْ وَكَّلْتُك أَنْ تُزَوِّجَنِي مِمَّنْ أَحْبَبْت،
فَزَوَّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ أَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُزَوِّجُهَا مِنْ نَفْسِهِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ
حَتَّى يُسَمِّيَ لَهَا مَنْ تُرِيدُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْهُ، وَإِنْ
زَوَّجَهَا أَحَدًا قَبْلَ أَنْ يُسَمِّيَهُ لَهَا وَأَنْكَرَتْ كَانَ
ذَلِكَ لَهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيَّنَ لَهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ
نَفْسِهِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ إلَّا أَنَّهَا قَالَتْ لَهُ زَوِّجْنِي
مِمَّنْ أَحْبَبْت وَلَمْ تَذْكُرْ لَهُ نَفْسَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهَا
نَفْسَهُ فَزَوَّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ
ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ إذَا لَمْ تُجِزْ مَا صَنَعَ.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَنَّهُ إذَا زَوَّجَهَا
مِنْ غَيْرِهِ وَلَمْ يُسَمِّهِ لَهَا فَهُوَ جَائِزٌ قُلْتُ: فَإِنْ
زَوَّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ فَبَلَغَهَا فَرَضِيَتْ بِذَلِكَ؟ قَالَ: أَرَى
ذَلِكَ جَائِزًا؛ لِأَنَّهَا قَدْ وَكَّلَتْهُ بِتَزْوِيجِهَا
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْمَرْأَةَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ
فَزَوَّجَهَا الْقَاضِي مِنْ نَفْسِهِ أَوْ ابْنِهِ بِرِضَاهَا أَيَجُوزُ
ذَلِكَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، يَجُوزُ فِي رَأْيِي؛ لِأَنَّ
الْقَاضِيَ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ، وَيَجُوزُ أَمْرُهُ كَمَا
يَجُوزُ أَمْرُ الْوَلِيِّ
قُلْتُ: أَرَأَيْت إذَا كَانَ لَهَا وَلِيٌّ فَزَوَّجَهَا الْقَاضِي مِنْ
نَفْسِهِ أَوْ ابْنِهِ فَفَسَخَ الْوَلِيُّ نِكَاحَهُ، أَيَكُونُ ذَلِكَ
أَمْ لَا؟ قَالَ: لَا يَكُونُ ذَلِكَ لِلْوَلِيِّ فِي رَأْيِي؛ لِأَنَّ
الْحَدِيثَ الَّذِي جَاءَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: لَا
يُنْكِحُ الْمَرْأَةَ إلَّا وَلِيُّهَا أَوْ ذُو الرَّأْي مِنْ أَهْلِهَا
أَوْ السُّلْطَانُ، فَهَذَا السُّلْطَانُ فَإِذَا كَانَ أَصَابَ وَجْهَ
النِّكَاحِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْهُ جَوْرًا رَأَيْتُهُ جَائِزًا
قُلْتُ: أَفَلَيْسَ الْحَدِيثُ إنَّمَا يُزَوِّجُهَا السُّلْطَانُ إذَا
لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ؟
قَالَ: لَا، أَلَا تَرَى فِي الْحَدِيثِ: " وَلِيُّهَا أَوْ ذُو الرَّأْيِ
مِنْ أَهْلِهَا أَوْ السُّلْطَانُ "، فَقَدْ جَعَلَ إلَيْهِمْ النِّكَاحَ
بَيْنَهُمْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَقَدْ سَأَلْت مَالِكًا عَنْ الْمَرْأَةِ
الثَّيِّبِ يُزَوِّجُهَا أَخُوهَا وَثَمَّ أَبُوهَا فَأَنْكَرَ أَبُوهَا،
قَالَ مَالِكٌ: مَا لِأَبِيهَا وَمَا لَهَا إذَا كَانَتْ ثَيِّبًا وَأَرَى
أَنَّ النِّكَاحَ جَائِزٌ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ أَبِي ذِئْبٍ، قَالَ:
أَرْسَلَتْ أُمُّ قَارِظٍ بِنْتُ شَيْبَةَ إلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
عَوْفٍ وَقَدْ خُطِبَتْ فَقَالَ لَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَدْ جَعَلْت
إلَيَّ أَمْرَك؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَتَزَوَّجَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ
مَكَانَهُ وَكَانَتْ ثَيِّبًا فَجَازَ ذَلِكَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ
عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ: وَوَلِيُّ الْمَرْأَةِ إذَا وَلَّتْهُ
بُضْعَهَا فَأَنْكَحَ نَفْسَهُ وَأَحْضَرَ الشُّهَدَاءَ إذَا أَذِنَتْ لَهُ
فِي ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ جَائِزٌ مِنْ عَمَلِ
النَّاسِ
[إنْكَاحُ الرَّجُلِ ابْنَهُ الْكَبِيرَ وَالصَّغِيرَ وَفِي إنْكَاحِ
الرَّجُلِ الْحَاضِرِ الرَّجُلَ الْغَائِبَ]
َ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ زَوَّجَ رَجُلٌ ابْنَهُ ابْنَةَ رَجُلٍ
وَالِابْنُ سَاكِتٌ حَتَّى فَرَغَ الْأَبُ مِنْ
(2/113)
النِّكَاحِ، ثُمَّ أَنْكَرَ الِابْنُ
بَعْدَ ذَلِكَ وَقَالَ: لَمْ آمُرْهُ أَنْ يُزَوِّجَنِي وَلَا أَرْضَى مَا
صَنَعَ، وَإِنَّمَا صَمَتُّ لِأَنِّي عَلِمْت أَنَّ ذَلِكَ لَا
يَلْزَمُنِي؟
قَالَ: أَرَى أَنْ يَحْلِفَ، وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَقَدْ قَالَ
مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ الَّذِي يُزَوِّجُ ابْنَهُ الَّذِي قَدْ بَلَغَ
فَيُنْكِرُ إذَا بَلَغَهُ، قَالَ: يَسْقُطُ عَنْهُ النِّكَاحُ وَلَا
يَلْزَمُهُ مِنْ الصَّدَاقِ شَيْءٌ وَلَا يَكُونُ عَلَى الْأَبِ مِنْ
الصَّدَاقِ شَيْءٌ، فَهَذَا عِنْدِي مِثْلُ هَذَا وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا
رَأَيْتُهُ أَوْ أَجْنَبِيًّا مِنْ النَّاسِ فِي هَذَا سَوَاءً إذَا كَانَ
الِابْنُ قَدْ مَلَكَ أَمْرَهُ فِي هَذَا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الصَّبِيَّ الصَّغِيرَ إذَا أَعْتَقَهُ الرَّجُلُ
فَزَوَّجَهُ وَهُوَ صَغِيرٌ أَيَجُوزُ عَلَيْهِ مَا عَقَدَ عَلَيْهِ
مَوْلَاهُ مِنْ النِّكَاحِ وَهُوَ صَغِيرٌ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ، ذَلِكَ رَأْيِي قُلْتُ: وَكَذَلِكَ إنْ أَعْتَقَ
صَبِيَّةً فَزَوَّجَهَا؟
قَالَ: نَعَمْ، لَا يَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ أَوْ الْجَارِيَةَ الَّتِي لَا
شَكَّ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ لَا يُزَوِّجُهَا إنْ كَانَتْ صَغِيرَةً
حَتَّى تَبْلُغَ، وَأَمَّا الْغُلَامُ فَإِنَّ الْوَصِيَّ يُزَوِّجُهُ
وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ فَيَجُوزُ ذَلِكَ عَلَيْهِ
عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَبِيعُ لَهُ
وَيَشْتَرِي لَهُ فَيَجُوزُ ذَلِكَ لَهُ قُلْتُ: فَالصَّغِيرَةُ قَدْ
يَجُوزُ بَيْعُ الْوَصِيِّ وَشِرَاؤُهُ عَلَيْهَا، فَلِمَ يُجِيزُ مَالِكٌ
إنْكَاحَهُ إيَّاهَا؟
قَالَ: لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:
«الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا
وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا» فَإِذَا كَانَ لَهَا الْمَشُورَةُ لَمْ يَجُزْ
لِلْوَصِيِّ أَنْ يَقْطَعَ عَنْهَا الْمَشُورَةَ الَّتِي جَهِلَتْ لَهَا
فِي نَفْسِهَا قَالَ: وَكَذَلِكَ قَالَ لِي مَالِكٌ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْوَصِيَّ أَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ إمَاءَ
الصِّبْيَانِ وَعَبِيدَهُمْ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ
شَيْئًا وَأَرَى إنْكَاحَهُ إيَّاهُمْ جَائِزًا عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ
لِلْيَتَامَى وَطَلَبِ الْفَضْلِ لَهُمْ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُنْكِحَ عَبِيدَ
صِبْيَانِهِمْ وَإِمَائِهِمْ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ أَوْ مِنْ
الْأَجْنَبِيَّيْنِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ أَنْ يُنْكِحَهُمْ أَنْفُسَهُمْ وَهُمْ
صِغَارٌ وَيَكُونُ ذَلِكَ جَائِزًا فَأَرَى إنْكَاحَهُ جَائِزًا عَلَى
عَبِيدِهِمْ وَإِمَائِهِمْ إذَا كَانَ ذَلِكَ يَجُوزُ فِي سَادَاتِهِمْ
فَفِي عَبِيدِهِمْ وَإِمَائِهِمْ يَجُوزُ إذَا كَانَ عَلَى مَا وَصَفْت لَك
مِنْ طَلَبِ الْفَضْلِ لَهُمْ.
قُلْتُ: هَلْ يُكْرِهُ الرَّجُلُ عَبْدَهُ عَلَى النِّكَاحِ؟ قَالَ: قَالَ
مَالِكٌ: نَعَمْ يُكْرِهُ الرَّجُلُ عَبْدَهُ عَلَى النِّكَاحِ وَيَجُوزُ
ذَلِكَ عَلَى الْعَبْدِ وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَتَى إلَى امْرَأَةٍ فَقَالَ: إنَّ
فُلَانًا أَرْسَلَنِي يَخْطُبُك، وَأَمَرَنِي أَنْ أَعْقِدَ نِكَاحَهُ إنْ
رَضِيت، فَقَالَتْ قَدْ رَضِيت وَرَضِيَ وَلِيُّهَا فَأَنْكَحَهُ وَضَمِنَ
لَهُ الرَّسُولُ الصَّدَاقَ ثُمَّ قَدِمَ فُلَانٌ فَقَالَ مَا أَمَرْته؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ وَلَا يَكُونُ عَلَى
الرَّسُولِ شَيْءٌ مِنْ الضَّمَانِ الَّذِي ضَمِنَ، وَقَالَ غَيْرُهُ
يَضْمَنُ الرَّسُولُ وَهُوَ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ أَمَرَ رَجُلٌ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَهُ فُلَانَةَ
بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَذَهَبَ الْمَأْمُورُ فَزَوَّجَهُ بِأَلْفَيْ
دِرْهَمٍ، فَعَلِمَ بِذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا؟ قَالَ: قَالَ
(2/114)
مَالِكٌ: يُقَالُ لِلزَّوْجِ رَضِيَتْ
بِالْأَلْفَيْنِ وَإِلَّا فَلَا نِكَاحَ بَيْنَكُمَا إلَّا أَنْ تَرْضَى
بِأَلْفٍ فَيَثْبُتُ النِّكَاحُ قُلْتُ: فَتَكُونُ فُرْقَتُهَا تَطْلِيقَةً
أَمْ لَا؟ قَالَ: نَعَمْ، يَكُونُ طَلَاقًا قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ
مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، هُوَ قَوْلُهُ إلَّا مَا سَأَلْت عَنْهُ مِنْ الطَّلَاقِ
فَإِنَّهُ رَأْيِي وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يَكُونُ طَلَاقًا قُلْتُ: فَإِنْ
لَمْ يَعْلَمْ الزَّوْجُ بِمَا زَادَ الْمَأْمُورُ مِنْ الْمَهْرِ وَلَمْ
تَعْلَمْ الْمَرْأَةُ أَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَأْمُرْهُ إلَّا بِأَلْفٍ
وَقَدْ دَخَلَ بِهَا؟ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ مَالِكًا قَالَ لَهَا:
الْأَلْفُ عَلَى الزَّوْجِ وَلَا يَلْزَمُ الْمَأْمُورَ شَيْءٌ لِأَنَّهَا
صَدَّقَتْهُ، وَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ فِيمَا بَيْنَهُمَا، وَإِنَّمَا
جَحَدَهَا الزَّوْجُ تِلْكَ الْأَلْفَ الزَّائِدَةَ.
قُلْتُ: أَرَأَيْت إنْ قَالَ الرَّسُولُ: لَا وَاَللَّهِ مَا أَمَرَنِي
الزَّوْجُ إلَّا بِأَلْفٍ وَأَنَا زِدْت الْأَلْفَ الْأُخْرَى قَالَ: لَمْ
أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَأَرَى ذَلِكَ لَازِمًا
لِلْمَأْمُورِ وَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ فِيمَا بَيْنَهُمَا إذَا كَانَ قَدْ
دَخَلَ بِهَا قُلْتُ: لِمَ جَعَلْت الْأَلْفَ الزَّائِدَةَ عَلَى
الْمَأْمُورِ حِينَ قَالَ: لَمْ يَأْمُرْنِي بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ
الزَّوْجُ؟
قَالَ: لِأَنَّهُ أَتْلَفَ بُضْعَهَا بِمَا لَمْ يَأْمُرْهُ بِهِ الزَّوْجُ
فَمَا زَادَ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ الزَّوْجُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا
زَادَ.
قُلْتُ: فَلِمَ لَا يَلْزَمُ الزَّوْجُ الْأَلْفَ الْأُخْرَى الَّتِي
زَعَمَ الْمَأْمُورُ أَنَّهُ قَدْ أَمَرَهُ بِهَا وَأَنْكَرَهَا الزَّوْجُ؟
قَالَ: لِأَنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي هِيَ تَرَكَتْ أَنْ تُبَيَّنَ
لِلزَّوْجِ الْمَهْرَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا وَلَوْ أَنَّهُ جَحَدَ
ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْأَلْفُ إنْ
رَضِيَتْ، أَقَامَتْ عَلَى الْأَلْفِ وَإِنْ سَخِطَتْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا
وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ عَلِمَ الزَّوْجُ بِأَنَّ الْمَأْمُورَ زَوَّجَهُ
عَلَى أَلْفَيْنِ، فَدَخَلَ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ عَلِمَتْ الْمَرْأَةُ
أَنَّ الزَّوْجَ إنَّمَا أَمَرَ الْمَأْمُورَ عَلَى الْأَلْفِ فَدَخَلَتْ
عَلَيْهِ وَهِيَ تَعْلَمُ؟ قَالَ: عِلْمُ الْمَرْأَةِ وَغَيْرُ عِلْمِهَا
سَوَاءٌ، أَرَى أَنْ يَلْزَمَ الزَّوْجَ فِي رَأْيِي إذَا عَلِمَ فَدَخَلَ
بِهَا الْأَلْفَانِ جَمِيعًا، أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَمَرَ
رَجُلًا يَشْتَرِي جَارِيَةَ فُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَاهَا
بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَعَلِمَ بِذَلِكَ فَأَخَّرَهَا وَوَطِئَهَا وَخَلَا
بِهَا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ لَا يَنْقُدَ فِيهَا إلَّا أَلْفًا لَمْ يَكُنْ
لَهُ ذَلِكَ وَكَانَتْ عَلَيْهِ الْأَلْفَانِ جَمِيعًا وَإِنْ كَانَ قَدْ
عَلِمَ سَيِّدُهَا بِمَا زَادَ الْمَأْمُورُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَهُوَ
سَوَاءٌ، وَعَلَى الْآمِرِ الْأَلْفَانِ جَمِيعًا
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّسُولَ لِمَ لَا يُلْزِمُهُ مَالِكٌ إذَا دَخَلَ
بِهَا الْأَلْفَ الَّذِي يَزْعُمُ الزَّوْجُ أَنَّهُ زَادَ عَلَى مَا
أَمَرَهُ بِهِ؟
قَالَ: لِأَنَّهَا أَدْخَلَتْ نَفْسَهَا عَلَيْهِ، وَلَوْ شَاءَ
تَبَيَّنَتْ عَلَى الزَّوْجِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، وَالرَّسُولُ
هَهُنَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ جَحَدَهُ الزَّوْجُ
الْمَأْمُورُ وَرَضِيَتْ الْمَرْأَةُ بِأَمَانَةِ الْمَأْمُورِ وَقَوْلُهُ
فِي ذَلِكَ قُلْتُ: وَسَوَاءٌ إنْ قَالَ زَوِّجْنِي فُلَانَةَ بِأَلْفٍ
أَوْ قَالَ زَوِّجْنِي وَلَمْ يَقُلْ زَوِّجْنِي فُلَانَةَ بِأَلْفٍ قَالَ
هَذَا كُلُّهُ سَوَاءٌ فِي رَأْيِي قُلْتُ: أَرَأَيْت إنْ قَالَ
الرَّسُولُ: أَنَا أُعْطِي الْأَلْفَ الَّتِي زِدْت عَلَيْك أَيُّهَا
الزَّوْجُ وَقَالَ الزَّوْجُ: أَنَا لَا أَرْضَى إنَّمَا أَمَرْتُك أَنْ
تُزَوِّجَنِي بِأَلْفٍ؟ قَالَ: لَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ النِّكَاحُ فِي
رَأْيِي؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: إنَّمَا أَمَرْتُك أَنْ تُزَوِّجَنِي بِأَلْفِ
دِرْهَمٍ فَلَا أَرْضَى أَنْ يَكُونَ نِكَاحِي بِأَلْفَيْنِ.
(2/115)
[الْعَبْدُ وَالنَّصْرَانِيُّ
وَالْمُرْتَدُّ يَعْقِدُونَ نِكَاحَ بَنَاتِهِمْ]
ْ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْعَبِيدَ وَالْمُكَاتَبِينَ هَلْ يَجُوزُ لَهُمْ
أَنْ يُزَوِّجُوا بَنَاتِهِمْ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لَهُمْ، قَالَ مَالِكٌ: وَلَا
يَجُوزُ لِلْعَبِيدِ وَلَا لِلْمُكَاتَبِينَ أَنْ يَعْقِدُوا نِكَاحَ
بَنَاتِهِمْ وَلَا أَخَوَاتِهِمْ وَلَا أُمَّهَاتِهِمْ، قَالَ مَالِكٌ:
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَ النَّصْرَانِيُّ نِكَاحَ الْمُسْلِمَةِ
قَالَ: وَسَأَلْت مَالِكًا عَنْ النَّصْرَانِيَّةِ يَكُونُ لَهَا أَخٌ
مُسْلِمٌ فَخَطَبَهَا رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَيَعْقِدُ نِكَاحَهَا
هَذَا الْأَخُ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: أَمِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجِزْيَةِ
هِيَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْقِدَ
نِكَاحَهَا وَمَا لَهُ وَمَا لَهَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:
{مَا لَكُمْ مِنْ وِلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 72] قُلْتُ: فَمَنْ
يَعْقِدُ نِكَاحَهَا عَلَيْهَا أَهْلُ دِينِهَا أَمْ غَيْرُهُمْ؟
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَرَى أَنْ يَعْقِدَ النَّصْرَانِيُّ نِكَاحَ
وَلِيَّتِهِ النَّصْرَانِيَّةِ لِمُسْلِمٍ إنْ شَاءَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَا تَعْقِدُ الْمَرْأَةُ النِّكَاحَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ
النَّاسِ وَلَا تَعْقِدُ النِّكَاحَ لِابْنَتِهَا وَلَكِنْ تَسْتَخْلِفُ
رَجُلًا فَيُزَوِّجُهَا وَيَجُوزُ أَنْ تَسْتَخْلِفَ أَجْنَبِيًّا وَإِنْ
كَانَ أَوْلِيَاءُ الْجَارِيَةِ حُضُورًا إذَا كَانَتْ وَصِيًّا لَهَا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْعَبْدَ وَالنَّصْرَانِيَّ وَالْمُكَاتَبَ
وَالْمُدَبَّرَ وَالْمُعْتَقَ بَعْضُهُ إذَا زَوَّجَ مِنْ أَحَدٍ مِنْ
هَؤُلَاءِ ابْنَتَهُ الْبِكْرَ بِرِضَاهَا وَابْنَةُ النَّصْرَانِيِّ
مُسْلِمَةٌ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ هَذَا النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ
هَؤُلَاءِ لَيْسُوا مِمَّنْ يَعْقِدُونَ عُقْدَةَ النِّكَاحِ، قَالَ
مَالِكٌ: وَإِنْ دَخَلَ بِهَا فُسِخَ النِّكَاحُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَكَانَ
الْمَهْرُ بِالْمَسِيسِ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْمُرْتَدَّ هَلْ يَعْقِدُ النِّكَاحَ عَلَى بَنَاتِهِ
الْأَبْكَارِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا يَعْقِدُ فِي رَأْيِي، أَلَا تَرَى أَنَّ ذَبِيحَتَهُ لَا
تُؤْكَلُ وَأَنَّهُ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ كَانَ أَبُوهَا
ذِمِّيَّا وَهِيَ مُسْلِمَةٌ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْقِدَ نِكَاحَهَا،
فَالْمُرْتَدُّ لَا يَجُوزُ أَيْضًا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا
يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ عِنْدَ
مَالِكٍ، فَهَذَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّ وِلَايَتَهُ قَدْ انْقَطَعَتْ حِينَ
قَالَ لَا يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَرِثُهُمْ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْمُكَاتَبَ أَيَجُوزُ أَنْ يَأْمُرَ مَنْ يَعْقِدُ
لَهُ تَزْوِيجَ إمَائِهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى ابْتِغَاءِ الْفَضْلِ
جَازَ ذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ إذَا رَدَّ ذَلِكَ السَّيِّدُ قَالَ:
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَتَزَوَّجُ الْمُكَاتَبُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَالَ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ أَلَا تَرَى
أَنَّ جَمِيعَ مَا سَمَّيْت لَك لَيْسَ وَلِيًّا وَلَا يَجُوزُ عَقْدٌ
إلَّا بِوَلِيٍّ وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ عَاقِدُهُ الَّذِي لَهُ
الْعَقْدُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ هُوَ ابْتَدَأَهُ لَمْ يَجُزْ وَإِنَّمَا
يَجُوزُ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ مُسْتَخْلَفَيْنِ عَلَى
إنْكَاحِ مَنْ يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ عَلَى مَنْ اُسْتُخْلِفَ
عَلَيْهِ مِثْلَ الْوَلِيِّ يَأْمُرُ الْمَرْأَةَ وَالْعَبْدَ بِتَزْوِيجِ
وَلِيَّتِهِ، فَيَجُوزُ لَهُمَا الِاسْتِخْلَافُ عَلَى مَنْ يَعْقِدُ
ذَلِكَ، بِذَلِكَ مَضَى الْأَمْرُ وَجَاءَتْ بِهِ الْآثَارُ وَالسُّنَّةُ.
(2/116)
وَذَكَرَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ
لَهِيعَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيّ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ إلَى
مَيْمُونَةَ يَخْطُبُهَا، فَجَعَلَتْ ذَلِكَ إلَى أُمِّ الْفَضْلِ
فَوَلَّتْ أُمُّ الْفَضْلِ عَبَّاسًا ذَلِكَ فَأَنْكَحَهَا إيَّاهُ
الْعَبَّاسُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ
الْمَرْأَةِ هَلْ تَلِي عُقْدَةَ مَوْلَاتِهَا أَوْ أَمَتِهَا قَالَ:
لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَلِيَ عُقْدَةَ النِّكَاحِ إلَّا أَنْ تَأْمُرَ
بِذَلِكَ رَجُلًا.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ مَا وُلِّيَتْ عَلَيْهِ غَيْرَ
أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تَنْكِحَ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ
وَلَكِنْ تَأْمُرُ رَجُلًا فَيُنْكِحُهَا فَإِنْ أَنْكَحَتْ امْرَأَةٌ
امْرَأَةً رُدَّ ذَلِكَ النِّكَاحُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ
عَلِيٍّ أَنَّ هِشَامَ بْنَ حَسَّانَ حَدَّثَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ
الْمَرْأَةَ وَلَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا فَإِنَّ الزَّانِيَةَ
هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ يُزَوِّجُ ابْنَتَهُ
الْحُرَّةَ ثُمَّ يُرِيدُ أَوْلِيَاؤُهَا إجَازَةَ ذَلِكَ قَالَ: لَا
يَجُوزُ نِكَاحُ وَلِيٍّ عَقَدَهُ عَبْدٌ وَأَرَاهُ مَفْسُوخًا وَهُوَ
خَاطِبٌ، ذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنْ أَنْ يَلِيَ
عُقْدَةَ نِكَاحِهَا غَيْرُ وَلِيٍّ، فَإِنْ نَكَحَتْ فُسِخَ وَرُدَّ
نِكَاحُهَا وَالْعَبْدُ يَسْتَخْلِفُهُ الْحُرُّ عَلَى الْبُضْعِ
فَيَسْتَخْلِفُ الْعَبْدُ مَنْ يَعْقِدُ النِّكَاحَ وَالْمَرْأَةُ إذَا
أَمَرَتْ رَجُلًا يُزَوِّجُ ابْنَتَهَا جَازَ.
[التَّزْوِيجِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ]
فِي التَّزْوِيجِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ بِغَيْرِ أَمْرِ
وَلِيٍّ بِشُهُودٍ، أَيُضْرَبُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ الزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ
وَالشُّهُودُ وَاَلَّذِي زَوَّجَهَا أَمْ لَا؟ قَالَ: سَمِعْت مَالِكًا
يُسْأَلُ عَنْهَا فَقَالَ: أَدَخَلَ بِهَا؟ فَقَالُوا: لَا وَأَنْكَرَ
الشُّهُودُ أَنْ يَكُونُوا حَضَرُوا فَقَالُوا: لَمْ يَدْخُلْ بِهَا
فَقَالَ: لَا عُقُوبَةَ عَلَيْهِمْ إلَّا أَنِّي رَأَيْت مِنْهُ أَنْ لَوْ
دَخَلَ عَلَيْهَا لَعُوقِبُوا الْمَرْأَةُ وَالزَّوْجُ وَاَلَّذِي أَنْكَحَ
قُلْتُ: وَالشُّهُودُ؟
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: نَعَمْ، وَالشُّهُودُ إنْ عَلِمُوا.
قُلْتُ: أَرَأَيْت رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِغَيْرِ وَلِيٍّ
أَيَكْرَهُ مَالِكٌ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يَعْلَمَ الْوَلِيُّ بِنِكَاحِهِ
فَإِمَّا أَجَازَ وَإِمَّا رَدَّ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي
هَذَا شَيْئًا إلَّا أَنَّ مَالِكًا فِي هَذَا يَكْرَهُ لَهُ أَنْ
يَتَقَدَّمَ عَلَى هَذَا النِّكَاحِ فَكَيْفَ لَا يَكْرَهُ لَهُ الْوَطْءَ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْمَوَالِي ذَاتُ شَرَفٍ
تَزَوَّجَتْ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ ذَا شَرَفٍ وَغِنًى وَدِينٍ بِغَيْرِ
وَلِيٍّ إلَّا أَنَّهَا اسْتَخْلَفَتْ عَلَى نَفْسِهَا رَجُلًا
فَزَوَّجَهَا أَيُفْسَخُ نِكَاحُهُ أَمْ لَا؟ قَالَ: أَرَى أَنَّ نِكَاحَهُ
يُفْسَخُ إنْ شَاءَ الْوَلِيُّ ثُمَّ إنْ أَرَادَتْهُ زَوَّجَهَا مِنْهُ
السُّلْطَانُ إنْ أَبَى وَلِيُّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا إيَّاهُ إذَا كَانَ
الَّذِي دَعَتْ إلَيْهِ صَوَابًا قُلْتُ: حَدِيثُ عَائِشَةَ حِينَ
زَوَّجَتْ حَفْصَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْ الْمُنْذِرِ بْنِ
الزُّبَيْرِ أَلَيْسَ قَدْ عَقَدَتْ عَائِشَةُ النِّكَاحَ؟
قَالَ: لَا نَعْرِفُ مَا تَفْسِيرُهُ إلَّا أَنَّا نَظُنُّ أَنَّهَا
(2/117)
قَدْ وَكَّلَتْ مَنْ عَقَدَ نِكَاحَهَا
قُلْتُ: أَلَيْسَ وَإِنْ هِيَ وَكَّلَتْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ
فِي قَوْلِ مَالِكٍ فَاسِدًا وَإِنْ أَجَازَهُ وَالِدُ الْجَارِيَةِ؟
قَالَ: قَدْ جَاءَ هَذَا وَهَذَا حَدِيثٌ لَوْ كَانَ صَحِبَهُ عَمَلٌ،
حَتَّى يَصِلَ ذَلِكَ إلَى مَنْ عَنْهُ حَمَلْنَا وَأَدْرَكْنَا وَعَمَّنْ
أَدْرَكُوا لَكَانَ الْأَخْذُ حَقًّا، وَلَكِنَّهُ كَغَيْرِهِ مِنْ
الْأَحَادِيثِ مِمَّا لَا يَصْحَبُهُ عَمَلٌ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ
النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الطِّيبِ فِي
الْإِحْرَامِ، وَفِيمَا جَاءَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
-: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَسْرِقُ
وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ حَدَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ وَقَطَعَهُ عَلَى
الْإِيمَانِ» وَرُوِيَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ أَشْيَاءُ ثُمَّ
لَمْ يَسْتَنِدْ وَلَمْ يَقْوَ وَعُمِلَ بِغَيْرِهَا وَأَخَذَ عَامَّةُ
النَّاسِ وَالصَّحَابَةُ بِغَيْرِهَا فَبَقِيَ غَيْرَ مُكَذَّبٍ بِهِ وَلَا
مَعْمُولٍ بِهِ وَعُمِلَ بِغَيْرِهِ مِمَّا صَحِبَتْهُ الْأَعْمَالُ
وَأَخَذَ بِهِ تَابِعُو النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مِنْ الصَّحَابَةِ، وَأُخِذَ مِنْ التَّابِعِينَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ مِنْ
غَيْرِ تَكْذِيبٍ وَلَا رَدٍّ لِمَا جَاءَ وَرُوِيَ، فَيُتْرَكُ مَا تُرِكَ
الْعَمَلُ بِهِ وَلَا يُكَذَّبُ بِهِ، وَيُعْمَلُ بِمَا عُمِلَ بِهِ
وَيُصَدَّقُ بِهِ، وَالْعَمَلُ الَّذِي ثَبَتَ وَصَحِبَتْهُ الْأَعْمَالُ
قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا
تَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةُ إلَّا بِوَلِيٍّ» ، وَقَوْلُ عُمَرَ لَا
تَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةُ إلَّا بِوَلِيٍّ وَأَنَّ عُمَرَ فَرَّقَ بَيْنَ
رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ زَوَّجَهَا غَيْرُ وَلِيٍّ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إذَا تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ وَلِيٍّ
فَفَرَّقَ السُّلْطَانُ بَيْنَهُمَا، فَطَلَبَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ
السُّلْطَانِ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْهُ مَكَانَهَا أَلَيْسَ يُزَوِّجُهَا
مِنْهُ مَكَانَهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، إذَا كَانَ ذَلِكَ النِّكَاحُ صَوَابًا، وَلَا يَكُونُ
سَفِيهًا أَوْ مَنْ لَا يُرْضَى حَالُهُ سَحْنُونٌ وَهَذَا إذَا لَمْ
يَكُنْ دَخَلَ بِهَا قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلَهَا فِي الْغِنَى
وَالْيَسَارِ؟
قَالَ: يُزَوِّجُهَا وَلَا يَنْظُرُ فِي هَذَا وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ
قُلْتُ: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ دُونَهَا فِي الْحَسَبِ؟
قَالَ: يُزَوِّجُهَا وَلَا يَنْظُرُ فِي هَذَا إذَا كَانَ مَرْضِيًّا فِي
دِينِهِ وَحَالِهِ وَعَقْلِهِ وَهَذَا رَأْيِي
قُلْتُ: أَرَأَيْت إنْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ أَمْرِ الْوَلِيِّ، فَرَفَعَتْ
أَمْرَهَا هِيَ نَفْسُهَا إلَى السُّلْطَانِ قَبْلَ أَنْ يَحْضُرَ
الْوَلِيُّ، أَيَكُونُ لَهَا مَا يَكُونُ لِلْوَلِيِّ مِنْ التَّفْرِقَةِ
أَمْ لَا وَقَدْ كَانَتْ وَلَّتْ رَجُلًا أَمَرَهَا؟ قَالَ: مَا سَمِعْت
مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَأَرَى أَنْ يَنْظُرَ السُّلْطَانُ فِي ذَلِكَ
فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَوْ شَاءَ الْوَلِيُّ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا
فَفَرَّقَ وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَتْرُكَهُ تَرَكَهُ، وَبَعَثَ إلَيْهِ إنْ
كَانَ قَرِيبًا فَيُفَرِّقُ أَوْ يَتْرُكُ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا نَظَرَ
السُّلْطَانُ فِي ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى مِنْ اجْتِهَادِ أَهْلِ
الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ رَأَى التَّرْكَ خَيْرًا لَهَا تَرَكَهَا
وَإِنْ رَأَى الْفُرْقَةَ خَيْرًا لَهَا فَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ
سَحْنُونٌ وَقَدْ قِيلَ إنَّ الْوَلِيَّ إنْ كَانَ بَعِيدًا لَا يُنْتَظَرُ
فِي الْمَرْأَةِ بِالنِّكَاحِ إذَا أَرَادَتْ النِّكَاحَ قُدُومُهُ،
فَالسُّلْطَانُ الْمُوَلَّى، وَيَنْبَغِي لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُفَرِّقَ
بَيْنَهُمَا وَيَعْقِدَ نِكَاحَهَا إذَا أَرَادَتْ عَقْدًا مُبْتَدَأً
وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ عَلَى نِكَاحِ عَقْدِهِ غَيْرُ وَلِيٍّ فِي
ذَاتِ الْقَدْرِ وَالْحَالِ
قُلْتُ: أَرَأَيْت الَّتِي تَتَزَوَّجُ بِغَيْرِ أَمْرِ وَلِيٍّ فَأَبَى
الْوَلِيُّ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا أَتَكُونُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا
عِنْدَ غَيْرِ السُّلْطَانِ أَمْ لَا؟
قَالَ: أَرَى أَنَّ الْفُرْقَةَ فِي مِثْلِ هَذَا لَا تَكُونُ
(2/118)
إلَّا عِنْدَ السُّلْطَانِ، إلَّا أَنْ
يَرْضَى الزَّوْجُ بِالْفُرْقَةِ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ امْرَأَةً زَوَّجَتْ نَفْسَهَا وَلَمْ
تَسْتَخْلِفْ عَلَيْهَا مَنْ يُزَوِّجُهَا فَزَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ
أَمْرِ الْأَوْلِيَاءِ وَهِيَ مِمَّنْ لَا خَطْبَ لَهَا أَوْ هِيَ مِمَّنْ
الْخَطْبُ لَهَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُقَرُّ هَذَا النِّكَاحُ أَبَدًا عَلَى حَالٍ
وَإِنْ تَطَاوَلَ وَوَلَدَتْ مِنْهُ أَوْلَادًا؛ لِأَنَّهَا هِيَ عَقَدَتْ
عُقْدَةَ النِّكَاحِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى حَالٍ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيُدْرَأُ الْحَدُّ عَنْهُمَا
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ امْرَأَةً زَوَّجَهَا وَلِيُّهَا مِنْ
رَجُلٍ فَطَلَّقَهَا ذَلِكَ الرَّجُلُ ثُمَّ خَطَبَهَا بَعْدَ أَنْ
طَلَّقَهَا فَتَزَوَّجَتْهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْوَلِيِّ أَتَسْتَخْلِفُ
عَلَى نَفْسِهَا رَجُلًا يُزَوِّجُهَا؟ قَالَ: لَا يَجُوزُ إلَّا بِأَمْرِ
الْوَلِيِّ، وَالنِّكَاحُ الْأَوَّلُ وَالْآخَرُ سَوَاءٌ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ أُمَّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا سَيِّدُهَا وَلَهَا
مِنْهُ أَوْلَادٌ رِجَالٌ فَاسْتَخْلَفَتْ عَلَى نَفْسِهَا مَوْلًى لَهَا
يُزَوِّجُهَا، فَأَرَادَ أَوْلَادُهَا مِنْهُ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهَا
وَبَيْنَهُ وَقَالُوا: لَا نُجِيزُ النِّكَاحَ؟
قَالَ: لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ فِي رَأْيِي؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى هَهُنَا
وَلِيٌّ وَلِأَنَّ مَالِكًا قَدْ أَجَازَ نِكَاحَ الرَّجُلِ يُزَوِّجُ
الْمَرْأَةَ هُوَ مِنْ فَخِذِهَا مِنْ الْعَرَبِ وَإِنْ كَانَ ثَمَّ مَنْ
هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهَا وَأَقْعَدُ بِهَا مِنْهُ، وَالْمَوْلَى الَّذِي
لَهُ الصَّلَاحُ تُوَلِّيه أَمْرَهَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْعَرَبِ
وَلَهَا أَوْلِيَاءٌ مِنْ الْعَرَبِ قَالَ مَالِكٌ: وَهَؤُلَاءِ عِنْدِي
تَفْسِيرُ قَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَوْ ذُو الرَّأْيِ مِنْ
أَهْلِهَا وَهُمْ هَؤُلَاءِ فَالْمَوْلَى يُزَوِّجُهَا وَإِنْ كَانَ لَهَا
وَلَدٌ فَيَجُوزُ عَلَى الْأَوْلَادِ وَإِنْ أَنْكَرُوا فَهُوَ إنْ
زَوَّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ فِيمَا
أَخْبَرْتُك مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ
قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَدْ بَيَّنَّا مِنْ قَوْلِهِ وَقَوْلِ الرُّوَاةِ مَا
دَلَّ عَلَى أَصْلِ مَذْهَبِ مَالِكٍ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْأَمَةَ إذَا تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُتْرَكُ هَذَا النِّكَاحُ عَلَى حَالٍ دَخَلَ
بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَإِنْ رَضِيَ السَّيِّدُ بِذَلِكَ لَمْ
يَجُزْ أَيْضًا إلَّا أَنْ يَبْتَدِئَ نِكَاحًا مِنْ ذِي الْوَلَاءِ بَعْدَ
انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ إنْ كَانَ قَدْ وَطِئَهَا زَوْجُهَا.
[النِّكَاحُ الَّذِي يُفْسَخُ بِطَلَاقٍ وَغَيْرِهِ]
ِ قُلْتُ: أَرَأَيْت كُلَّ نِكَاحٍ يَكُونُ لِوَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ
أَوْ الْوَلِيِّ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ رَضِيَ ثَبَتَ
النِّكَاحُ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا الَّذِي لَهُ الْفُرْقَةُ فِي ذَلِكَ،
أَيَكُونُ فَسْخًا أَوْ طَلَاقًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: هَذَا يَكُونُ طَلَاقًا، وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ إلَى
أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ أَنْ يُقِرَّ بِالنِّكَاحِ إنْ أَحَبَّ فَيُثْبِتُ
أَوْ يُفَرَّقُ فَتَقَعُ الْفُرْقَةُ أَنَّهُ إنْ فَرَّقَ كَانَتْ طَلْقَةً
بَائِنَةً قُلْتُ: وَكُلُّ نِكَاحٍ لَا يُقِرُّ عَلَيْهِ أَهْلُهُ عَلَى
حَالٍ أَيَكُونُ فَسْخًا بِغَيْرِ طَلَاقٍ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، قَالَ سَحْنُونٌ: وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الرُّوَاةِ أَنَّ
كُلَّ نِكَاحٍ كَانَا مَغْلُوبَيْنِ عَلَى فَسْخِهِ مِثْلَ نِكَاحِ
الشِّغَارِ وَنِكَاحِ الْمَحْرَمِ وَنِكَاحِ الْمَرِيضِ، وَمَا كَانَ
صَدَاقُهُ فَاسِدًا فَأُدْرِك قَبْلَ الدُّخُولِ وَاَلَّذِي عُقِدَ
(2/119)
بِغَيْرِ صَدَاقٍ فَكَانَا مَغْلُوبَيْنِ
عَلَى فَسْخِهِ، فَالْفَسْخُ فِي جَمِيعِ مَا وَصَفْنَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ
وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ غَيْرَ مَرَّةٍ، ثُمَّ رَأَى غَيْرَ
ذَلِكَ لِرِوَايَةٍ بَلَغَتْهُ وَاَلَّذِي كَانَ يَقُولُ بِهِ عَلَيْهِ
أَكْثَرُ الرُّوَاةِ وَمَا كَانَ فَسْخُهُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ فَلَا مِيرَاثَ
فِيهِ، وَأَمَّا مَا عَقَدَتْهُ الْمَرْأَةُ عَلَى نَفْسِهَا أَوْ عَلَى
غَيْرِهَا وَمَا عَقَدَ الْعَبْدُ عَلَى غَيْرِهِ فَإِنَّ هَذَا يُفْسَخُ
دَخَلَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَلَا مِيرَاثَ فِيهِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْت النِّكَاحَ الَّذِي لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ
عَلَى حَالٍ؛ لِأَنَّهُ فَاسِدٌ فَدَخَلَ بِهَا أَيَكُونُ لَهَا الْمَهْرُ
الَّذِي سُمِّيَ أَمْ يَكُونُ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا؟ قَالَ: لَهَا
الْمَهْرُ الَّذِي سُمِّيَ إذَا كَانَ مِثْلَ نِكَاحِ الْأُخْتِ وَالْأُمِّ
مِنْ الرَّضَاعَةِ أَوْ النَّسَبِ، فَإِنَّ لَهَا مَا سُمِّيَ مِنْ
الصَّدَاقِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَهْرِ مِثْلِهَا قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ
مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ
قُلْتُ: أَرَأَيْت الَّذِي تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ وَلِيٍّ أَيَقَعُ
طَلَاقُهُ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يُجِيزَ الْوَلِيُّ النِّكَاحَ، دَخَلَ
بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، وَقَالَ وَبِهَذَا
يُسْتَدَلُّ عَلَى الْمِيرَاثِ فِي هَذَا النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا
قَالَ: كُلُّ نِكَاحٍ إذَا أَرَادَ الْأَوْلِيَاءُ وَغَيْرُهُمْ أَنْ
يُجِيزُوهُ جَازَ، فَالْفَسْخُ فِيهِ تَطْلِيقَةٌ فَإِذَا طَلَّقَ هُوَ
جَازَ الطَّلَاقُ وَالْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ
هَذِهِ الَّتِي تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ وَلِيٍّ إنْ هِيَ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ
قَبْلَ أَنْ يُجِيزَ الْوَلِيُّ النِّكَاحَ عَلَى مَالٍ دَفَعَتْهُ إلَى
الزَّوْجِ، أَيَجُوزُ لِلزَّوْجِ هَذَا الْمَالُ الَّذِي أَخَذَ مِنْهَا
إنْ أَبَى الْوَلِيُّ أَنْ يُجِيزَ عُقْدَتَهُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، أَرَاهُ
جَائِزًا؛ لِأَنَّ طَلَاقَهُ وَقَعَ عَلَيْهَا بِمَا أَعْطَتْهُ فَالْمَالُ
جَائِزٌ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْمَرْأَةَ إنْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ وَلِيٍّ
فَطَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ أَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ أَيَقَعُ طَلَاقُهُ
عَلَيْهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَرَى أَنْ يَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ وَمَا
طَلَّقَهَا؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: كُلُّ نِكَاحٍ كَانَ لَوْ أَجَازَهُ
الْأَوْلِيَاءُ أَوْ غَيْرُهُمْ جَازَ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ إذَا فُسِخَ
طَلَاقًا وَرَأَى مَالِكٌ فِي هَذَا بِعَيْنِهِ أَنَّهَا تَطْلِيقَةٌ
فَكَذَلِكَ أَرَى أَنْ يَلْزَمَهُ كَمَا طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَفْسَخَ
قُلْتُ: لِمَ جَعَلَ مَالِكٌ الْفَسْخَ هَهُنَا تَطْلِيقَةً وَهُوَ لَا
يَدْعُهُمَا عَلَى هَذَا النِّكَاحِ إنْ أَرَادَ الْوَلِيُّ رَدَّهُ إلَّا
أَنْ يَتَطَاوَلَ ذَلِكَ وَتَلِدَ مِنْهُ أَوْلَادًا قَالَ ابْنُ
الْقَاسِمِ: فَسْخُ هَذَا النِّكَاحِ عِنْدَ مَالِكٍ لَمْ يَكُنْ عَلَى
وَجْهِ تَحْرِيمِ النِّكَاحِ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ بِالْأَمْرِ
الْبَيِّنِ، قَالَ: وَلَقَدْ سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ مَا فَسْخُهُ
بِالْبَيِّنِ وَلَكِنَّهُ أَحَبُّ إلَيَّ قَالَ: فَقُلْتُ لِمَالِكٍ:
أَفَتَرَى أَنْ يُفْسَخَ وَإِنْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ؟ فَوَقَفَ عَنْهُ
وَلَمْ يَمْضِ عَنْهُ فَعَرَفْت أَنَّهُ عِنْدَهُ ضَعِيفٌ قَالَ ابْنُ
الْقَاسِمِ: وَأَرَى فِيهَا أَنَّهُ جَائِزٌ إذَا أَجَازَهُ الْوَلِيُّ
قَالَ: وَأَصْلُ هَذَا وَهُوَ الَّذِي سَمِعْته مِنْ قَوْلِ مَنْ أَرْضَى
مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ كُلَّ نِكَاحٍ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ
لَيْسَ بِحَرَامٍ مِنْ اللَّهِ وَلَا مِنْ رَسُولِهِ أَجَازَهُ قَوْمٌ
وَكَرِهَهُ قَوْمٌ أَنَّ مَا طَلَّقَ فِيهِ يَلْزَمُهُ، مِثْلُ الْمَرْأَةِ
تَتَزَوَّجُ بِغَيْرِ وَلِيٍّ أَوْ الْمَرْأَةُ تُزَوِّجُ نَفْسَهَا أَوْ
الْأَمَةِ تَتَزَوَّجُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهَا أَنَّهُ إنْ طَلَّقَ فِي
ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَلَمْ تَحِلَّ لَهُ إلَّا بَعْدَ
زَوْجٍ، وَكُلُّ نِكَاحٍ كَانَ حَرَامًا مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّ
مَا طُلِّقَ فِيهِ لَيْسَ بِطَلَاقٍ
(2/120)
وَفَسْخُهُ لَيْسَ فِيهِ طَلَاقٌ، أَلَا
تَرَى أَنَّ مِمَّا بَيْنَ ذَلِكَ أَنْ لَوْ أَنَّ امْرَأَةً زَوَّجَتْ
نَفْسَهَا فَوَقَعَ ذَلِكَ إلَى قَاضٍ يُجِيزُ ذَلِكَ، وَهُوَ رَأْيُ
بَعْضِ أَهْلِ الْمَشْرِقِ فَقَضَى بِهِ وَأَنْفَذَهُ حِينَ أَجَازَهُ
الْوَلِيُّ.
ثُمَّ أَتَى قَاضٍ مِمَّنْ لَا يُجِيزُهُ أَكَانَ يَفْسَخُهُ وَلَوْ
فَسَخَهُ لَأَخْطَأَ فِي قَضَائِهِ، فَكَذَلِكَ يَكُونُ الطَّلَاقُ
يَلْزَمُهُ فِيهِ وَهَذَا الَّذِي سَمِعْت مِمَّنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ
الْعِلْمِ وَهُوَ رَأْيِي.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ لِرِوَايَةٍ بَلَغَتْهُ عَنْ
مَالِكٍ قَالَ: فَقُلْنَا لِمَالِكٍ: فَالْعَبْدُ يَتَزَوَّجُ بِغَيْرِ
إذْنِ سَيِّدِهِ إنْ أَجَازَ سَيِّدُهُ النِّكَاحَ أَيَجُوزُ؟ قَالَ: قَالَ
مَالِكٌ: نَعَمْ قَالَ: فَقُلْنَا لِمَالِكٍ فَإِنْ فَسَخَهُ سَيِّدُهُ
بِالْبَتَاتِ أَيَكُونُ ذَلِكَ لِسَيِّدِهِ أَمْ يَكُونُ وَاحِدَةً وَلَا
يَكُونُ بَتَاتًا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: بَلْ هِيَ عَلَى مَا طَلَّقَهَا السَّيِّدُ عَلَى
الْبَتَاتِ وَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَتَزَوَّجَ زَوْجًا غَيْرَهُ.
قُلْتُ: وَلِمَ جَعَلَ مَالِكٌ بِيَدِ السَّيِّدِ جَمِيعَ طَلَاقِ
الْعَبْدِ إذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ وَالسَّيِّدُ لَوْ
شَاءَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا بِتَطْلِيقَةٍ وَتَكُونُ بَائِنَةً فِي
قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لِأَنَّهُ لَمَّا نَكَحَ نَكَحَ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ
السَّيِّدِ صَارَ الطَّلَاقُ بِيَدِ السَّيِّدِ، فَذَلِكَ جَازَ
لِلسَّيِّدِ أَنْ يُبِينَهَا مِنْهُ بِجَمِيعِ الطَّلَاقِ، وَكَذَلِكَ
الْأَمَةُ إذَا أُعْتِقَتْ وَهِيَ تَحْتَ الْعَبْدِ قَالَ مَالِكٌ: فَلَهَا
أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا بِالْبَتَاتِ.
قُلْتُ: لِمَ جَعَلَ مَالِكٌ لَهَا أَيْضًا أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا
بِالْبَتَاتِ؟
قَالَ: لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ فِي زَبْرَاءَ أَنَّهَا
قَالَتْ: فَفَارَقْتُهُ ثَلَاثًا، فَبِهَذَا الْأَثَرِ أَخَذَ مَالِكٌ،
فَكَانَ مَالِكٌ مَرَّةً يَقُولُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا
إذَا أُعْتِقَتْ وَهِيَ تَحْتَ الْعَبْدِ إلَّا وَاحِدَةً وَتَكُونُ تِلْكَ
الْوَاحِدَةُ بَائِنَةً. قَالَ سَحْنُونٌ: وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ
الرُّوَاةِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا إلَّا
وَاحِدَةً، وَالْعَبْدُ إذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَرَدَّ
النِّكَاحَ مِثْلُ الْأَمَةِ لَيْسَ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ إلَّا الْوَاحِدَةَ
لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ تُبِينُهَا وَتُفْرِغُ لَهُ عَبْدَهُ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ فِي قَوْلِهِ هَذَا إلَّا وَاحِدَةً أَيَكُونُ
لِلْأَمَةِ أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَاحِدَةً إنْ شَاءَتْ وَإِنْ شَاءَتْ
بِالْبَتَاتِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ قُلْتُ: فَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا
وَاحِدَةً أَتَكُونُ بَائِنَةً فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: فَكُلُّ نِكَاحٍ يُفْسَخُ عَلَى كُلِّ حَالٍ لَا
يَقِرُّ عَلَى حَالٍ إنْ فُسِخَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ طَلَاقًا
قُلْتُ: فَإِنْ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَفْسَخَ نِكَاحَهُ، أَيَقَعُ
طَلَاقُهُ عَلَيْهَا، وَهُوَ إنَّمَا هُوَ نِكَاحٌ لَا يَقِرُّ عَلَى
حَالٍ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَأَرَى أَنَّهُ
لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ لِأَنَّ الْفَسْخَ فِيهِ يَكُونُ طَلَاقًا قَالَ:
وَذَلِكَ إنْ كَانَ ذَلِكَ النِّكَاحُ حَرَامًا لَيْسَ مِمَّا اخْتَلَفَ
النَّاسُ فِيهِ، فَأَمَّا مَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ حَتَّى يَأْخُذَ
بِهِ قَوْمٌ وَيَكْرَهَهُ قَوْمٌ فَإِنَّ الْمُطَلِّقَ يَلْزَمُهُ مَا
طَلَّقَ فِيهِ وَقَدْ فَسَّرْت هَذَا قَبْلَ ذَلِكَ وَيَكُونُ الْفَسْخُ
فِيهِ عِنْدِي تَطْلِيقَةً
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَذَفَ امْرَأَتَهُ هَذَا الَّذِي يُزَوِّجُهَا
تَزْوِيجًا لَا يَقِرُّ عَلَى حَالٍ أَيَلْتَعِنُ أَمْ لَا؟ قَالَ: نَعَمْ،
يَلْتَعِنُ فِي رَأْيِي؛ لِأَنَّهُ يُخَافُ الْحَمْلُ لِأَنَّ النَّسَبَ
يَثْبُتُ فِيهِ قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ تَظَاهَرَ مِنْهَا فَإِنَّهُ لَا
يَكُونُ مُظَاهِرًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ إنِّي إنْ تَزَوَّجْتُك
مِنْ ذِي قَبْلُ، فَهَذَا
(2/121)
يَكُونُ مُظَاهِرًا إنْ تَزَوَّجَهَا
تَزْوِيجًا صَحِيحًا وَهَذَا رَأْيِي
قُلْتُ: أَرَأَيْت إنْ آلَى مِنْهَا، أَيَكُونُ مُولِيًا مِنْهَا عِنْدَ
مَالِكٍ؟
قَالَ: هُوَ لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ وَاَللَّهِ لَا أُجَامِعُك، ثُمَّ
تَزَوَّجَهَا أَيَكُونُ كَانَ مُولِيًا مِنْهَا عِنْدَ مَالِكٍ لِأَنَّ
مَالِكًا قَالَ: كُلُّ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُجَامِعَ إلَّا
بِكَفَّارَةٍ فَهُوَ مُولٍ وَأَمَّا مَسْأَلَتُكَ فَلَا يَكُونُ فِيهَا
إيلَاءٌ لِأَنَّهُ أَمْرٌ يُفْسَخُ فَلَا يُقَرُّ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ إنْ
تَزَوَّجَهَا بَعْدَ هَذَا النِّكَاحِ الْمَفْسُوخِ لَزِمَهُ الْيَمِينُ
بِالْإِيلَاءِ وَكَانَ مُولِيًا مِنْهَا، لِقَوْلِ مَالِكٍ كُلُّ يَمِينٍ
مَنَعَتْهُ مِنْ جِمَاعٍ فَهُوَ بِهَا مُولٍ، قَالَ: وَإِنَّمَا الظِّهَارُ
بِمَنْزِلَةِ الطَّلَاقِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِامْرَأَةٍ
أَجْنَبِيَّةٍ أَنْتِ طَالِقٌ فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ
بِقَوْلِهِ إنِّي إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ، يَنْوِي ذَلِكَ
فَهَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا فَهِيَ طَالِقٌ وَكَذَلِكَ الظِّهَارُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْعَبْدَ إذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ،
أَوْ الْأَمَةُ الَّتِي أُعْتِقَتْ تَحْتَ الْعَبْدِ فَطَلَّقَهَا قَبْلَ
أَنْ تَخْتَارَ أَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ يُجِيزَ السَّيِّدُ
نِكَاحَهُ، أَيَقَعُ الطَّلَاقُ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا فِي رَأْيِي
وَاحِدَةً طَلَّقَ أَوْ الْبَتَاتَ.
قُلْتُ: فَإِنْ تَزَوَّجَتْ أَمَةٌ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهَا فَطَلَّقَهَا
زَوْجُهَا؟ قَالَ: لَا يَكُونُ هَذَا طَلَاقًا فِي رَأْيِي قَالَ ابْنُ
الْقَاسِمِ: وَأَنَا أَرَى أَنَّ الطَّلَاقَ جَائِزٌ يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ
كُلَّ مَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ مِنْ نِكَاحٍ أَجَازَهُ بَعْضُ
الْعُلَمَاءِ وَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ، فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَلْزَمُهُ فِيهِ
مِثْلُ الْأَمَةِ تَتَزَوَّجُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهَا، أَوْ الْمَرْأَةُ
تُزَوِّجُ نَفْسَهَا، فَهَذَا قَدْ قَالَ خَلْقٌ كَثِيرٌ أَنَّهُ إنْ
أَجَازَهُ الْوَلِيُّ جَازَ، فَلِذَلِكَ أَرَى أَنْ يَلْزَمَهُ فِيهِ
الطَّلَاقُ إذَا طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَمِمَّا
يُبَيِّنُ لَك ذَلِكَ نِكَاحُ الْمَحْرَمِ أَنَّهُ قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ
فَأَحَبُّ مَا فِيهِ إلَيَّ أَنْ يَكُونَ الْفَسْخُ فِيهِ تَطْلِيقَةً،
وَكَذَلِكَ هَؤُلَاءِ يَكُونُ الْفَسْخُ فِيهِ تَطْلِيقَةً، وَأَمَّا
الَّذِي لَا يَكُونُ فَسْخُهُ طَلَاقًا وَلَا يَلْحَقُ فِيهِ طَلَاقٌ إنْ
طَلَّقَ قَبْلَ الْفَسْخِ، إنَّمَا ذَلِكَ النِّكَاحُ الْحَرَامُ الَّذِي
لَا اخْتِلَافَ فِيهِ، مِثْلُ الْمَرْأَةِ تَتَزَوَّجُ فِي عِدَّتِهَا،
أَوْ الْمَرْأَةُ تَتَزَوَّجُ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ عَلَى خَالَتِهَا أَوْ
عَلَى أُمِّهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، فَهَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ
لِأَنَّهُ نِكَاحٌ لَا اخْتِلَافَ فِي تَحْرِيمِهِ لَا تُحَرَّمُ بِهِ
الْمَرْأَةُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَسِيسٌ عَلَى وَلَدٍ وَلَا وَالِدٍ
وَلَا يَتَوَارَثَانِ فِيهِ إذَا هَلَكَ أَحَدُهُمَا وَلَا يَكُونَانِ بِهِ
إذَا مَسَّهَا فِيهِ مُحْصَنَيْنِ، وَأَمَّا مَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ،
فَالْفَسْخُ فِيهِ تَطْلِيقَةٌ وَإِنْ طَلَّقَ الزَّوْجُ فِيهِ فَهُوَ
طَلَاقٌ لَازِمٌ عَلَى مَا طَلَّقَ، وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّهُ
لَوْ رُفِعَ إلَى قَاضٍ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَعْرِضَ لَهُ
فِيهِ وَأَنْفَذَهُ؛ لِأَنَّ قَاضِيًا قَبْلَهُ أَجَازَهُ وَحَكَمَ بِهِ
وَهُوَ مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَيْضًا أَنْ
لَوْ تَزَوَّجَ رَجُلٌ شَيْئًا مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ، ثُمَّ فَسَخَ
قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا لَمْ تَحِلَّ لِابْنِهِ وَلَا لِأَبِيهِ أَنْ
يَتَزَوَّجَهَا، فَهَذَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ يَلْزَمُهُ
فِيهَا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي عِدَّتِهَا فَيُفَرَّقُ
بَيْنَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا، أَيَصْلُحُ لِابْنِهِ
(2/122)
أَوْ لِأَبِيهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي
قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْعَبْدَ يَتَزَوَّجُ
الْأَمَةَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَفَرَّقَ السَّيِّدُ بَيْنَهُمَا
قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ الْعَبْدُ بِهَا، أَيَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ
ابْنَتَهَا أَوْ أُمَّهَا؟ قَالَ: كُلُّ نِكَاحٍ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا فِي
كِتَابِ اللَّهِ وَلَا حَرَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ وَقَدْ اخْتَلَفَ
النَّاسُ فِيهِ فَهُوَ عِنْدِي يَحْرُمُ كَمَا يَحْرُمُ النِّكَاحُ
الصَّحِيحُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ، وَالطَّلَاقُ فِيهِ جَائِزٌ،
وَمَا طَلَّقَ عَلَيْهِ فِيهِ ثَبَتَ عَلَيْهِ وَالْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا
حَتَّى يَفْسَخَ، وَهَذَا الَّذِي سَمِعْت عَمَّنْ أَرْضَى قَالَ
سَحْنُونٌ: وَقَدْ أَعْلَمْتُك بِقَوْلِهِ فِي مِثْلِ هَذَا قَبْلَ هَذَا
وَبِقَوْلِ غَيْرِهِ مِنْ الرُّوَاةِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي
الرَّجُلِ يُزَوِّجُ ابْنَهُ الْبَالِغَ الْمَالِكَ لِأَمْرِهِ وَهُوَ
غَائِبٌ بِغَيْرِ أَمَرَهُ ثُمَّ يَأْتِي الِابْنُ فَيَكْرَهُ مَا صَنَعَ
الْأَبُ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْبَغِي لِلْأَبِ أَنْ يَتَزَوَّجَ تِلْكَ
الْمَرْأَةَ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ فِي الرَّجُلِ
يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى تَزَوَّجَ
ابْنَتَهَا فَعُلِمَ بِذَلِكَ فَفُسِخَ نِكَاحُ الِابْنَةِ أَنَّهُ لَا
يَجُوزُ لِابْنِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الِابْنَةَ الْمَفْسُوخَ نِكَاحُهَا
لِمَوْضِعِ شُبْهَةِ عُقْدَةِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ أَبَاهُ نَكَحَهَا
فَهُوَ يُمْنَعُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ نَهَى أَنْ يَنْكِحَ مَا نَكَحَ أَبُوهُ
مِنْ الْحَلَالِ، فَلَمَّا كَانَتْ الشُّبْهَةُ مِنْ الْحَلَالِ مَنَعَ
مِنْ النِّكَاحِ أَنْ يَبْتَدِئَهُ ابْنُهُ لِمَوْضِعِ مَا أَعْلَمْتُك
مِنْ الشُّبْهَةِ، وَلِمَا أَعْلَمْتُك مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْأَبِ
الَّذِي زَوَّجَ ابْنَهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْأَبِ أَنْ يَتَزَوَّجَ
ابْتِدَاءً وَلَمْ يُجِزْهُ لَهُ، وَلَيْسَ هُوَ مِثْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ
الْمَرْأَةَ ثُمَّ يَتَزَوَّجَ ابْنَتَهَا وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِالْأُمِّ
وَلَا بِالِابْنَةِ، فَإِنَّهُ يَفْسَخُ نِكَاحَ الِابْنَةِ وَلَا تَحْرُمُ
بِذَلِكَ الْأُمُّ لِأَنَّ نِكَاحَ الْأُمِّ كَانَ صَحِيحًا فَلَا
يُفْسِدُهُ مَا وَقَعَ بَعْدَهُ مِنْ نِكَاحِ شُبْهَةِ الْحَرَامِ إذَا
لَمْ تُصَبْ الِابْنَةُ فَلَا يُفْسَخُ الْعَقْدُ الْحَلَالُ الْقَوِيُّ
الْمُسْتَقِيمُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْت مَالِكًا هَلْ كَانَ يُجِيزُ إنْكَاحَ أُمَّهَاتِ
الْأَوْلَادِ؟ قَالَ: كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ إنْكَاحَ أُمَّهَاتِ
الْأَوْلَادِ قُلْتُ: فَإِنْ نَزَلَ أَيَفْسَخُهُ أَوْ يُجِيزُهُ؟ قَالَ:
كَانَ يُمْرِضُهُ وَقَوْلُهُ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُهُ.
قُلْتُ: فَهَلْ كَانَ يَفْسَخُهُ إنْ نَزَلَ؟
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَرَى أَنَّهُ إنْ نَزَلَ أَنْ لَا يَفْسَخَ
وَلَمْ أَسْمَعْ أَنَّ مَالِكًا يَقُولُ فِي الْفَسْخِ شَيْئًا
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ تَزَوَّجَ رَجُلٌ أَمَةَ رَجُلٍ بِغَيْرِ أَمَرَهُ
فَأَجَازَ مَوْلَاهَا النِّكَاحَ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نِكَاحُهُ بَاطِلٌ
وَإِنْ أَجَازَهُ الْمَوْلَى قُلْتُ: أَرَأَيْت إنْ أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى
قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ النِّكَاحَ؟ قَالَ: فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَثْبُتَ
عَلَى ذَلِكَ النِّكَاحِ وَإِنْ أُعْتِقَتْ فِي رَأْيِي حَتَّى
يَسْتَأْنِفَ نِكَاحًا جَدِيدًا قُلْتُ: أَرَأَيْت إنْ فَرَّقْت
بَيْنَهُمَا فَأَرَادَ أَنْ يَنْكِحَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ
عِدَّتُهَا، أَيَجُوزُ ذَلِكَ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: إذَا دَخَلَ بِهَا فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ
يَنْكِحَهَا، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا قُلْتُ:
وَلِمَ وَهَذَا الْمَاءُ الَّذِي يُخَافُ مِنْهُ النَّسَبُ ثَابِتٌ مِنْ
هَذَا الرَّجُلِ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ وَطْءٍ كَانَ فَاسِدًا
يَلْحَقُ فِيهِ الْوَلَدُ فَفُرِّقَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبَيْنَ الرَّجُلِ
فَلَا يَتَزَوَّجُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَإِنْ كَانَ يَثْبُتُ
نِسْبَةً مِنْهُ فَلَا يَطَؤُهَا فِي تِلْكَ الْعِدَّةِ قَالَ ابْنُ
الْقَاسِمِ: وَأَرَى فِي هَذَا الَّذِي
(2/123)
يَتَزَوَّجُ الْأَمَةَ بِغَيْرِ إذْنِ
سَيِّدِهَا أَنَّهُ إنْ اشْتَرَاهَا فِي عِدَّتِهَا فَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى
تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، لَا يَطَؤُهَا بِمِلْكٍ وَلَا بِنِكَاحٍ حَتَّى
يَسْتَبْرِئَ رَحِمَهَا إنْ كَانَ نَسَبُ مَا فِي بَطْنِهَا يَثْبُتُ
مِنْهُ فَلَا يَطَؤُهَا فِي رَأْيِي عَلَى حَالٍ فِي تِلْكَ الْحَالِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ نِكَاحَ الْأَمَةِ إذَا تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِ
سَيِّدِهَا لِمَ لَا يُجِيزُهُ إذَا أَجَازَ السَّيِّدُ؟ أَرَأَيْتَ لَوْ
بَاعَ رَجُلٌ أَمَتِي بِغَيْرِ أَمْرِي فَبَلَغَنِي وَأَجَزْت ذَلِكَ؟
قَالَ: يَجُوزُ قُلْتُ: فَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي لَا أَقْبَلُ الْبَيْعَ
إذَا كَانَ الَّذِي بَاعَنِي بَاعَ مُتَعَدِّيًا؟
قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ وَيَجُوزُ الْبَيْعُ.
قُلْتُ: فَإِنْ بَاعَتْ الْأَمَةُ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهَا،
فَأَجَازَ سَيِّدُهَا؟
قَالَ: وَهَذَا وَمَا قَبْلَهُ مِنْ مَسْأَلَتِك سَوَاءٌ فِي رَأْيِي
قُلْتُ: فَقَدْ أَجَزْته فِي الْبَيْعِ إذَا بَاعَتْ نَفْسَهَا فَأَجَازَ
السَّيِّدُ فَلِمَ لَا تُجِيزُهُ فِي النِّكَاحِ؟
قَالَ: لَا يُشْبِهُ النِّكَاحُ هَاهُنَا الْبَيْعَ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ
إنَّمَا يُجِيزُ الْعُقْدَةَ الَّتِي وَقَعَتْ فَاسِدَةً فَلَا يَجُوزُ
عَلَى حَالٍ وَالشِّرَاءُ فِي الْعُقْدَةِ لَمْ يَكُنْ فَاسِدًا إنَّمَا
كَانَتْ عُقْدَةُ بَيْعٍ بِغَيْرِ أَمْرِ أَرْبَابِهَا، فَإِذَا رَضِيَ
الْأَرْبَابُ جَازَ قَالَ: وَالنِّكَاحُ إنَّمَا يُجِيزُ الْعُقْدَةَ
الَّتِي كَانَتْ فَاسِدَةً فَلَا يَجُوزُ حَتَّى يَفْسَخَ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْأَمَةَ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ، أَيَجُوزُ أَنْ
يَنْكِحَهَا أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَإِنْ أَنْكَحَهَا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ بِمَهْرٍ
قَدْ سَمَّاهُ وَدَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا فَقَدِمَ شَرِيكُهُ فَأَجَازَ
النِّكَاحَ؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ فِي رَأْيِي؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي الرَّجُلِ
لَوْ أَنْكَحَ أَمَةَ رَجُلٍ بِغَيْرِ أَمَرَهُ فَأَجَازَ ذَلِكَ
السَّيِّدُ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ النِّكَاحُ وَإِنْ أَجَازَهُ، وَإِنَّمَا
يَجُوزُ نِكَاحُهَا إذَا أَنْكَحَاهَا جَمِيعًا
قُلْتُ: أَرَأَيْت إنْ كَانَ قَدْ أَنْكَحَهَا أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ
صَاحِبِهِ بِصَدَاقٍ سُمِّيَ، وَدَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ ثُمَّ قَدِمَ
الْغَائِبُ، أَيَكُونُ لَهُ نِصْفُ الصَّدَاقِ الْمُسَمَّى أَيَكُونُ
لِلْغَائِبِ مِثْلُ صَدَاقِ مِثْلِهَا، وَلِلَّذِي زَوَّجَهَا نِصْفُ
الصَّدَاقِ الْمُسَمَّى؟ قَالَ: أَرَى الصَّدَاقَ الْمُسَمَّى بَيْنَهُمَا
إلَّا أَنْ يَكُونَ نِصْفُ الصَّدَاقِ الْمُسَمَّى أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ
صَدَاقِ مِثْلِهَا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ أَمَةً بَيْنَ رَجُلَيْنِ، زَوَّجَهَا
أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ أَيَجُوزُ هَذَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ قُلْتُ: فَإِنْ أَجَازَهُ صَاحِبُهُ حِينَ بَلَغَهُ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَلَا أَرَى أَنْ يَجُوزَ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْعَبْدَ إذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ،
فَإِنْ أَجَازَ ذَلِكَ الْمَوْلَى أَيَجُوزُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ قَالَ:
ذَلِكَ جَائِزٌ، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ قُلْتُ: مَا فَرْقُ بَيْنَ
الْأَمَةِ وَالْعَبْدِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لِأَنَّ الْعَبْدَ يَعْقِدُ نِكَاحَ نَفْسِهِ وَهُوَ رَجُلٌ
وَالْعَاقِدُ فِي امْرَأَتِهِ وَلِيٌّ، فَالْأَمَةُ لَا يَجُوزُ أَنْ
تَعْقِدَ نِكَاحَ نَفْسِهَا فَعَقْدُهَا نِكَاحَ نَفْسِهَا بَاطِلٌ لَا
يَجُوزُ وَإِنْ أَجَازَهُ السَّيِّدُ، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ طَلَّقَ
الْعَبْدُ امْرَأَتَهُ قَبْلَ إجَازَةِ الْمَوْلَى، أَيَجُوزُ طَلَاقُهُ؟
فَقَالَ: نَعَمْ فِي رَأْيِي قُلْتُ: إنْ فَسَخَ السَّيِّدُ نِكَاحَهُ
أَيَكُونُ طَلَاقًا؟
قَالَ مَالِكٌ: إنْ طَلَّقَ عَلَيْهِ السَّيِّدُ
(2/124)
وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا
فَذَلِكَ جَائِزٌ قُلْتُ: إنَّمَا طَلَاقُ الْعَبِيدِ اثْنَتَيْنِ فَمَا
يَصْنَعُ مَالِكٌ بِقَوْلِهِ ثَلَاثًا؟
قَالَ: كَذَلِكَ قَالَ إنَّهَا تَلْزَمُ الِاثْنَانِ، أَلَا تَرَى أَنَّ
فِي حَدِيثِ زَبْرَاءَ قَالَتْ فَفَارَقْته ثَلَاثًا وَإِنَّمَا كَانَ
طَلَاقُهُ اثْنَتَيْنِ قُلْتُ: أَرَأَيْت إنْ تَزَوَّجَ عَبْدُهُ مِنْ
غَيْرِ إذْنِهِ فَقَالَ السَّيِّدُ: لَا أُجِيزُ، ثُمَّ قَالَ: قَدْ
أَجَزْت أَيَجُوزُ أَمْ لَا؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ قَوْلُهُ
ذَلِكَ لَا أُجِيزُ مِثْلَ قَوْلِهِ لَا أَرْضَى إنِّي لَسْت أَفْعَلُ،
ثُمَّ كُلِّمَ فِي ذَلِكَ فَأَجَازَ فَذَلِكَ جَائِزٌ إذَا كَانَ ذَلِكَ
قَرِيبًا، وَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِذَلِكَ فَسْخَ النِّكَاحِ مِثْلَ مَا
يَقُولُ الرَّجُلُ قَدْ رَدَدْت ذَلِكَ وَقَدْ فَسَخْته فَلَا يَجُوزُ
وَإِنْ أَجَازَهُ إلَّا بِنِكَاحٍ مُسْتَقْبَلٍ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ
فَأَعْتَقَهُ الْمَوْلَى أَيَكُونُ النِّكَاحُ صَحِيحًا؟ قَالَ: نَعَمْ،
فِي رَأْيِي وَلَا يَكُونُ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُؤَدِّبَهُ بَعْدَ عِتْقِهِ
إيَّاهُ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْعَبْدَ يَنْكِحُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ
فَيَبِيعُهُ سَيِّدُهُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ، أَيَكُونُ لِلْمُشْتَرِي مِنْ
الْإِجَازَةٍ وَالرَّدِّ شَيْءٌ أَمْ لَا؟ قَالَ: قَدْ سَمِعْت عَنْ
مَالِكٍ شَيْئًا وَلَسْت أُحِقُّهُ، وَأَرَى أَنَّ هَذَا السَّيِّدَ
الَّذِي اشْتَرَى لَيْسَ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ، فَإِنْ كَرِهَ الْمُشْتَرِي
الْعَبْدَ رَدَّ الْعَبْدَ وَكَانَ لِلْبَائِعِ إذَا رَجَعَ إلَيْهِ
الْعَبْدُ أَنْ يُجِيزَ أَوْ يُفَرِّقَ وَهُوَ رَأْيِي قُلْتُ: أَرَأَيْت
إنْ لَمْ يَبِعْهُ سَيِّدُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِنِكَاحِهِ حَتَّى مَاتَ
السَّيِّدُ أَيَكُونُ لِمَنْ وَرِثَ الْعَبْدَ أَنْ يَرُدَّ النِّكَاحَ
أَوْ يُجِيزَ؟ قَالَ: نَعَمْ، لَهُ أَنْ يَرُدَّ أَوْ يُجِيزَ فِي رَأْيِي
قَالَ: وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنِّي سَأَلْت مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ
يَحْلِفُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ أَلْبَتَّةَ لِغَرِيمِهِ لَيَقْضِيَنَّهُ
حَقَّهُ إلَى أَجَلٍ، إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يُؤَخِّرَهُ فَيَمُوتُ
الَّذِي لَهُ الْحَقُّ وَيَرِثُهُ وَرَثَتُهُ فَيُرِيدُونَ أَنْ
يُؤَخِّرُوهُ أَيَكُونُ ذَلِكَ لِلْوَرَثَةِ بِحَالٍ مَا كَانَ لِلْمَيِّتِ
الَّذِي اسْتَخْلَفَهُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ، هُمْ بِمَنْزِلَتِهِ لَهُمْ أَنْ
يُؤَخِّرُوهُ كَمَا كَانَ لِصَاحِبِهِمْ أَنْ يُؤَخِّرَهُ قَالَ ابْنُ
الْقَاسِمِ: وَنَزَلْت بِالْمَدِينَةِ فَأَفْتَى بِهَا مَالِكٌ وَقَالَهَا
غَيْرَ مَرَّةٍ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا زَوَّجَ أُخْتَهُ وَهِيَ بِكْرٌ فِي حِجْرِ
أَبِيهَا بِغَيْرِ أَمْرِ الْأَبِ فَأَجَازَ الْأَبُ أَيَجُوزُ النِّكَاحُ
أَمْ لَا؟ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ مَالِكًا قَالَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا
أَنْ يَكُونَ ابْنًا قَدْ فَوَّضَ إلَيْهِ أَبُوهُ أَمْرَهُ، فَهُوَ
النَّاظِرُ لَهُ وَالْقَائِمُ بِأَمْرِهِ فِي مَالِهِ وَمَصْلَحَتِهِ
وَتَدْبِيرِ شَأْنِهِ فَمِثْلُ هَذَا إذَا كَانَ هَكَذَا وَرَضِيَ الْأَبُ
بِنِكَاحِهِ إذَا بَلَغَ الْأَبُ ذَلِكَ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ
عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ يَجُزْ وَإِنْ أَجَازَهُ الْأَبُ وَكَذَلِكَ هَذَا فِي
أَمَةِ الْأَبِ.
قُلْتُ: فَالْأَخُ؟
قَالَ: لَا أَعْرِفُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ فِعْلَ الْأَخُ فِي هَذَا
كَفِعْلِ الْوَلَدِ وَأَرَى أَنَا إنْ كَانَ هَذَا الْأَخُ مِنْ أَخِيهِ
مِثْلَ مَا وَصَفْت لَك مِنْ الْوَلَدِ جَازَ نِكَاحُهُ إذَا أَجَازَهُ
الْأَخُ إنْ كَانَ النَّاظِرُ لِأَخِيهِ فِي مَالِهِ مُدَبَّرًا بِمَالِهِ
الْقَائِمِ لَهُ فِي أَمْرِهِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ الْجَدُّ هُوَ النَّاظِرُ لِابْنِهِ
فَزَوَّجَ ابْنَةَ ابْنِهِ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ لَهَا أَيَجُوزُ هَذَا
فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: أَرَاهُ مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْوَلَدِ أَنَّ هَذَا جَائِزٌ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ
(2/125)
الصَّغِيرَ إذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ
الْأَبِ فَأَجَازَ الْأَبُ نِكَاحَهُ أَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ
أَمْ لَا؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ ذَلِكَ مِنْ مَالِكٍ وَأَرَى ذَلِكَ جَائِزًا وَهُوَ
عِنْدِي كَبَيْعِهِ وَشِرَائِهِ إذَا أَجَازَ ذَلِكَ لَهُ مَنْ يَلِيه
عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ لَهُ وَالرَّغْبَةِ فِيمَا يَرَى لَهُ فِي ذَلِكَ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الصَّبِيَّ إذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْأَبِ،
وَمِثْلُهُ يَقْوَى عَلَى الْجِمَاعِ فَدَخَلَ بِهَا وَجَامَعَهَا؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَأَرَى إنْ أَجَازَهُ
الْأَبُ جَازَ وَهُوَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ، وَالْعَبْدُ لَا
يَعْقِدُ نِكَاحًا عَلَى أَحَدٍ، وَهُوَ إذَا عَقَدَ نِكَاحَ نَفْسِهِ
فَأَجَازَهُ السَّيِّدُ جَازَ، فَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ هُوَ لَا يَعْقِدُ
نِكَاحَ أَحَدٍ وَهُوَ إذَا عَقَدَ نِكَاحَ نَفْسِهِ فَأَجَازَهُ
الْوَلِيُّ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ لَهُ وَالْإِصَابَةِ وَالرَّغْبَةِ
جَازَ قُلْتُ: فَإِنْ جَامَعَهَا فَفَرَّقَ الْوَلِيُّ بَيْنَهُمَا،
أَيَكُونُ عَلَيْهِ مِنْ الصَّدَاقِ شَيْءٌ أَمْ لَا؟ قَالَ: لَا شَيْءَ
عَلَيْهِ مِنْ الصَّدَاقِ قَالَ: وَلَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ
بَعَثَ يَتِيمًا فِي طَلَبِ عَبْدٍ لَهُ أَبَقَ إلَى الْمَدِينَةِ
فَأَخَذَهُ مِنْ الْمَدِينَةِ فَبَاعَهُ، فَقَدِمَ صَاحِبُ الْعَبْدِ،
فَأَصَابَ الْعَبْدَ وَأَصَابَ الْغُلَامَ قَدْ أَتْلَفَ الْمَالَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَأْخُذُ الْعَبْدَ صَاحِبُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَى
الْغُلَامِ مِنْ الْمَالِ الَّذِي أَتْلَفَ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ عَلَيْهِ
دَيْنًا، فَكَذَلِكَ مَسْأَلَتُك أَلَا يَكُونُ هَذَا مِثْلَ مَا أَفْسَدَ
أَوْ كَسَرَ؟
قَالَ: لَا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا زَوَّجَ رَجُلًا بِغَيْرِ أَمَرَهُ
فَبَلَغَ ذَلِكَ الرَّجُلَ فَأَجَازَ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ
هَذَا النِّكَاحُ وَإِنْ رَضِيَ إذَا طَالَ ذَلِكَ قُلْتُ:
أَفَيَتَزَوَّجُهَا ابْنُهُ أَوْ أَبُوهُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَتَزَوَّجُهَا ابْنُهُ وَلَا أَبُوهُ قُلْتُ:
أَفَيَتَزَوَّجُ الَّذِي كَانَ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ غَائِبٌ ابْنَتَهَا
أَوْ أُمَّهَا؟
قَالَ: أَمَّا ابْنَتُهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إذَا لَمْ
يَكُنْ دَخَلَ بِالْأُمِّ، وَأَمَّا الْأُمُّ فَلَا يَتَزَوَّجْهَا؛
لِأَنَّ مَالِكًا كَرِهَ لِأَبِيهِ وَلِابْنِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا
قُلْتُ: وَكَذَلِكَ أَجْدَادُهُ وَوَلَدُ وَلَدِهِ؟
قَالَ: نَعَمْ، الْأَجْدَادُ وَوَلَدُ الْوَلَدِ هُمْ آبَاءٌ وَأَبْنَاءٌ
فَلَا يَصْلُحُ ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ.
[تَوْكِيلُ الْمَرْأَةِ رَجُلًا يُزَوِّجُهَا]
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ امْرَأَةً وَكَّلَتْ وَلِيًّا يُزَوِّجُهَا مِنْ
رَجُلٍ، فَقَالَ الْوَكِيلُ قَدْ زَوَّجْتُكِ وَادَّعَى الزَّوْجُ أَيْضًا
أَنَّ الْوَكِيلَ قَدْ زَوَّجَهُ وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ وَقَالَتْ مَا
زَوَّجْتَنِي وَهِيَ مُقِرَّةٌ بِالْوَكَالَةِ؟ قَالَ: إذَا أَقَرَّتْ
بِالْوَكَالَةِ لَزِمَهَا النِّكَاحُ قُلْتُ: فَإِنْ أَمَرْتُ رَجُلًا أَنْ
يَبِيعَ عَبْدًا لِي فَذَهَبَ فَأَتَانِي بِرَجُلٍ فَقَالَ: قَدْ بِعْت
عَبْدَك الَّذِي أَمَرْتَنِي بِبَيْعِهِ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ، فَقَالَ
سَيِّدُ الْعَبْدِ قَدْ أَمَرْتُك بِبَيْعِهِ وَلَمْ تَبِعْهُ وَأَنْتَ فِي
قَوْلِك قَدْ بِعْته كَاذِبٌ؟
قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ وَيَلْزَمُ الْآمِرَ الْبَيْعُ؛
لِأَنَّهُ قَدْ أَقَرَّ بِالْوَكَالَةِ.
قُلْتُ: فَلَوْ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ قَدْ وَكَّلْتُك عَلَى أَنْ
تَقْبِضَ حَقِّي الَّذِي لِي عَلَى فُلَانٍ، فَأَتَى
(2/126)
الْوَكِيلُ فَقَالَ قَدْ قَبَضْته وَضَاعَ
مِنِّي قَالَ الْآمِرُ قَدْ أَمَرْتُك وَوَكَّلْتُك بِقَبْضِ ذَلِكَ
وَلَكِنَّك لَمْ تَقْبِضْهُ أَيُصَدِّقُ الْوَكِيلُ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُقَالُ لِلْغَرِيمِ أَقِمْ الْبَيِّنَةَ أَنَّك
قَدْ دَفَعْت إلَى الْوَكِيلِ وَإِلَّا فَاغْرَمْ فَإِنْ أَقَامَ
الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَدْ دَفَعَ ذَلِكَ إلَى الْوَكِيلِ، كَانَ الْقَوْلُ
قَوْلَ الْوَكِيلِ عَلَى التَّلَفِ، فَإِنْ لَمْ يُقِمْ الْغَرِيمُ
الْبَيِّنَةَ غَرِمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْوَكِيلِ غُرْمٌ لِأَنَّهُ
أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ مَا أَمَرَهُ بِهِ قُلْتُ: وَلِمَ لَا يُصَدَّقُ
الْوَكِيلُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَقَدْ أَقَرَّ لَهُ الْآمِرُ
بِالْوَكَالَةِ وَقَدْ صَدَّقْته فِي الْمَسَائِلِ الْأُولَى؟
قَالَ: لِأَنَّهُ هَهُنَا إنَّمَا وَكَّلَهُ بِقَبْضِ مَالِهِ، وَلَا
يُصَدَّقُ الْوَكِيلُ عَلَى قَوْلِهِ أَنَّهُ قَدْ قَبَضَ الْمَالَ إلَّا
بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَوَكَّلَ بِقَبْضِ مَالِهِ عَلَى
تَوْثِيقِ الْبَيِّنَةِ وَإِنَّمَا وَكَّلَهُ إذَا وَكَّلَهُ بِقَبْضِ
الْمَالِ عَلَى أَنْ يَشْهَدَ عَلَى قَبْضِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ
فَادَّعَى أَنَّهُ قَبَضَ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْآمِرُ،
قَالَ: وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلَّذِي أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَبِيعَ عَبْدَهُ؛
لِأَنَّ هَذَا لَمْ يُتْلِفْ لِلْآمِرِ شَيْئًا.
قُلْتُ: فَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ قَدْ وَكَّلَتْهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا
وَيَقْبِضَ صَدَاقَهَا فَقَالَ: قَدْ زَوَّجْتُك وَقَبَضْت صَدَاقَك وَقَدْ
ضَاعَ الصَّدَاقُ مِنِّي؟
قَالَ: هَذَا مُصَدَّقٌ عَلَى التَّزْوِيجِ وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى قَبْضِ
الصَّدَاقِ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْبَيْعَ، أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ
رَجُلًا يَبِيعُ سِلْعَتَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ الثَّمَنَ وَإِنْ
لَمْ يَقُلْ أَقْبِضُ الثَّمَنَ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْبَى
ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الَّذِي وُكِّلَ بِالتَّزْوِيجِ وَكَّلَتْهُ
امْرَأَةٌ بِإِنْكَاحِهَا أَوْ رَجُلٌ وَكَّلَهُ فِي وَلِيَّتِهِ أَنْ
يُزَوِّجَ فَزَوَّجَ، ثُمَّ أَرَادَ قَبْضَ الصَّدَاقِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ
لَهُ وَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ دَفْعُ ذَلِكَ إلَيْهِ كَانَ ضَامِنًا
فَهَذَا فَرْقٌ مَا بَيْنَ الْوَكَالَةِ بِقَبْضِ الصَّدَاقِ وَبَيْنَ
الْبَيْعِ، إنَّمَا الْوَكَالَةُ فِي قَبْضِ الصَّدَاقِ كَالْوَكَالَةِ
بِقَبْضِ الدُّيُونِ فَلَا أَرَى أَنْ يُخْرِجَهُ إذَا ادَّعَى تَلَفًا
إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عَلَى لَهُ قَبْضِ الصَّدَاقِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا هَلَكَ وَتَرَكَ أَوْلَادًا أَوْ
أَوْصَى إلَى امْرَأَتِهِ وَاسْتَخْلَفَهَا عَلَى بُضْعِ بَنَاتِهِ
أَيَجُوزُ هَذَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، يَجُوزُ وَتَكُونُ أَحَقَّ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ وَلَكِنْ
لَا تَعْقِدُ النِّكَاحَ وَتَسْتَخْلِفُ هِيَ مِنْ الرِّجَالِ مَنْ
يَعْقِدُ النِّكَاحَ.
[النِّكَاحُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ]
ٍ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ تَزَوَّجَ رَجُلٌ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَأَقَرَّ
الْمُزَوِّجُ بِذَلِكَ أَنَّهُ زَوَّجَهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ أَيَجُوزُ
أَنْ يَشْهَدَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَتَكُونُ الْعُقْدَةُ صَحِيحَةً فِي
قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ
تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَمَّا أَرَادَ أَبُوهَا أَنْ يَقْبِضَ الصَّدَاقَ
قَالَتْ: زَوَّجْتَنِي بِغَيْرِ شُهُودٍ فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ، قَالَ
مَالِكٌ: إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ تَزَوَّجَ فَالنِّكَاحُ لَهُ لَازِمٌ
وَيَشْهَدَانِ فِيمَا يَسْتَقْبِلَانِ قُلْتُ: وَسَوَاءٌ إنْ أَقَرَّا
جَمِيعًا أَنَّهُ زَوَّجَهَا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ أَوْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا؟
قَالَ: نَعَمْ،
(2/127)
ذَلِكَ سَوَاءٌ عِنْدَ مَالِكٍ إذَا
تَزَوَّجَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَيَشْهَدَانِ فِيمَا
يَسْتَقْبِلَانِ وَإِنَّمَا الَّذِي أَخْبَرْتُك مِمَّا سَمِعْت مِنْ
مَالِكٍ أَنَّهُمَا تَقَارًّا وَلَا بَيِّنَةَ بَيْنَهُمَا.
قُلْتُ: أَرَأَيْت الرَّجُلَ إذَا زَوَّجَ عَبْدَهُ أَمَتَهُ بِغَيْرِ
شُهُودٍ وَلَا مَهْرٍ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُزَوِّجُ الرَّجُلُ
عَبْدَهُ أَمَتَهُ إلَّا بِشُهُودٍ وَصَدَاقٍ قُلْتُ: فَإِنْ زَوَّجَهُ
بِغَيْرِ شُهُودٍ؟
قَالَ: أَخْبَرْتُك أَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ
شُهُودٍ فَقَالَ الرَّجُلُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْكَحْتَنِي بِغَيْرِ شُهُودٍ
فَهُوَ نِكَاحٌ مَفْسُوخٌ فَقَالَ مَالِكٌ: إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ زَوَّجَهُ
قَالَ فَلْيَشْهَدَانِ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ
دَخَلَ بِهَا قُلْتُ: فَإِنْ زَوَّجَهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ؟
قَالَ: إنْ زَوَّجَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا صَدَاقَ عَلَيْهِ فَهَذَا
النِّكَاحُ مَفْسُوخٌ مَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا كَانَ
لَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا وَيَثْبُتَانِ عَلَى نِكَاحِهِمَا قُلْتُ: فَإِنْ
زَوَّجَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الصَّدَاقَ وَلَمْ يَقُلْ أَنَّهُ لَا صَدَاقَ
عَلَيْك؟
قَالَ: هَذَا التَّفْوِيضُ وَهَذَا النِّكَاحُ جَائِزٌ وَيُفْرَضُ
لِلْأَمَةِ صَدَاقُ مِثْلِهَا وَهَذَا رَأْيِي لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي
النِّسَاءِ وَالنِّسَاءُ يَجْتَمِعُ فِي الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْت الرَّجُلَ يَنْكِحُ بِبَيِّنَةٍ وَيَأْمُرُهُمْ أَنْ
يَكْتُمُوا ذَلِكَ أَيَجُوزُ هَذَا النِّكَاحُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَإِنْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ عَلَى غَيْرِ
اسْتِسْرَارٍ؟ قَالَ: ذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَلْيَشْهَدَانِ
فِيمَا يَسْتَقْبِلَانِ قُلْتُ: لِمَ أَبْطَلَتْ الْأَوَّلَ؟
قَالَ: لِأَنَّ أَصْلَ هَذَا الِاسْتِسْرَارُ، فَهُوَ وَإِنْ كَثُرَتْ
الْبَيِّنَةُ إذَا أَمَرَ بِكِتْمَانِ ذَلِكَ أَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى
الْكِتْمَانِ فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ زَوَّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ وَهِيَ ثَيِّبٌ
فَأَنْكَرَتْ الْبِنْتُ ذَلِكَ فَشَهِدَ عَلَيْهَا الْأَبُ وَرَجُلٌ آخَرُ
أَنَّهَا قَدْ فَوَّضَتْ ذَلِكَ إلَى أَبِيهَا فَزَوَّجَهَا مِنْ هَذَا
الرَّجُلِ؟ قَالَ: لَا يَجُوزُ نِكَاحُهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا شَهِدَ عَلَى
فِعْلِ نَفْسِهِ وَهُوَ خَصْمٌ وَلَقَدْ سَمِعْتُ أَنَّ مَالِكًا سُئِلَ
عَنْ رَجُلٍ وُجِدَ مَعَ امْرَأَةٍ فِي بَيْتٍ فَشَهِدَ أَبُوهَا
وَأَخُوهَا أَنَّ الْأَبَ زَوَّجَهَا إيَّاهُ فَقَالَ: لَا يُقْبَلُ
قَوْلُهُمَا وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُهُ وَأَرَى أَنْ يُعَاقَبَا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ تَزَوَّجَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ نَصْرَانِيَّةً
بِشُهَدَاءَ نَصَارَى أَيَجُوزُ نِكَاحُهُ؟ قَالَ: لَا أَرَى أَنْ يَجُوزَ
نِكَاحُهُ بِشَهَادَةِ النَّصَارَى فَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ أَشْهَدَ
عَلَى النِّكَاحِ وَلَزِمَ الزَّوْجَ النِّكَاحُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يَزِيدَ
بْنِ عِيَاضٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ
سِنَانٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَلَا أُنْكِحُكَ أُمَيْمَةَ بِنْتَ
رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ؟ قَالَ: بَلَى قَدْ أَنْكَحْتهَا وَلَمْ
يُشْهِدْ» ابْنُ وَهْبٍ عَنْ أَبِي ذِئْبٍ أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ
اللَّهِ خَطَبَ عَلَى ابْنِهِ إلَى سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ابْنَتَهُ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَهُ
قَالَ لَهُ حَمْزَةُ أَرْسِلْ إلَى أَهْلِك، قَالَ سَالِمٌ: فَزَوَّجَهُ
وَلَيْسَ مَعَهُمَا غَيْرُهُمَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ
(2/128)
يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ:
يَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَبْدَادِ فِي النِّكَاحِ وَالْعَتَاقَةِ
يُونُسُ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ رَجُلٍ نَكَحَ سِرًّا
وَأَشْهَدَ رَجُلَيْنِ قَالَ: إنْ مَسَّهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا
وَاعْتَدَّتْ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَعُوقِبَ الشَّاهِدَانِ بِمَا
كَتَمَا مِنْ ذَلِكَ وَلِلْمَرْأَةِ مَهْرُهَا ثُمَّ إنْ شَاءَتْ
نَكَحَتْهُ حِينَ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا نِكَاحَ عَلَانِيَةٍ قَالَ يُونُسُ
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ مِثْلَهُ قَالَ يُونُسُ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَإِنْ
لَمْ يَكُنْ مَسَّهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَلَا صَدَاقَ لَهَا وَنَرَى
أَنْ يُنَكِّلَهُمَا الْإِمَامُ بِعُقُوبَةٍ وَالشَّاهِدَيْنِ بِعُقُوبَةٍ
فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ نِكَاحُ السِّرِّ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ مِثْلَهُ ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ
إبْرَاهِيمَ الْمَدَنِيِّ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ أَنَّ أَبَا
بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَالَ: لَا يَجُوزُ نِكَاحُ السِّرِّ حَتَّى يُعْلَنَ
بِهِ وَيُشْهَدَ عَلَيْهِ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ شِمْرِ بْنِ نُمَيْرٍ
الْأُمَوِيِّ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ
عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِبَنِي زُرَيْقٍ
فَسَمِعُوا غِنَاءً وَلَعِبًا فَقَالُوا: مَا هَذَا فَقَالُوا نِكَاحُ
فُلَانٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: «كَمَّلَ دِينَهُ هَذَا النِّكَاحُ
لَا السِّفَاحُ وَلَا نِكَاحُ السِّرِّ حَتَّى يُسْمَعَ دُفٌّ أَوْ يُرَى
دُخَانٌ» .
قَالَ حُسَيْنٌ: وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ يَحْيَى الْمَازِنِيُّ عَنْ
جَدِّهِ أَبِي حُسَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - كَرِهَ نِكَاحَ السِّرِّ حَتَّى يُضْرَبَ بِالدُّفِّ ابْنُ
لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ
الْعَزِيزِ كَتَبَ إلَى أَيُّوبَ بْنِ شُرَحْبِيلَ أَنْ مُرْ مَنْ قِبَلَك
أَنْ يُظْهِرُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ بِالدُّفِّ حَتَّى يُفَرَّقَ بَيْنَ
النِّكَاحِ وَالسِّفَاحِ وَامْنَعْ الَّذِينَ يَضْرِبُونَ بِالْبَرَابِطِ
وَالْبَرَابِطَ الْأَعْوَادِ.
[النِّكَاحُ بِالْخِيَارِ]
ِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ تَزَوَّجَ رَجُلٌ امْرَأَةً بِإِذْنِ الْوَلِيِّ
وَشَرَطُوا الْخِيَارَ لِلْمَرْأَةِ أَوْ لِلزَّوْجِ أَوْ لِلْوَلِيِّ أَوْ
لَهُمْ كُلِّهِمْ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَيَجُوزُ هَذَا النِّكَاحُ
عِنْدَ مَالِكٍ وَهَلْ يَكُونُ فِي النِّكَاحِ خِيَارٌ؟
قَالَ: أَرَى أَنَّهُ لَا خِيَارَ فِيهِ وَأَرَى إذَا وَقَعَ فِي
النِّكَاحِ الْخِيَارُ فُسِخَ النِّكَاحُ مَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا؛
لِأَنَّهُمَا لَوْ مَاتَا قَبْلَ الْخِيَارِ وَلَمْ يَتَوَارَثَا قُلْتُ:
أَرَأَيْتَ إنْ بَنَى بِهَا قَبْلَ أَنْ يُفْسَخَ هَذَا النِّكَاحُ
أَيُفْسَخُ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يُفْسَخُ وَيَكُونُ لَهَا الصَّدَاقُ الَّذِي سُمِّيَ لَهَا
وَلَا تَرَى إلَى صَدَاقِ مِثْلِهَا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ عَلَى أَنَّهُ
بِالْخِيَارِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ عَلَى أَنَّ
الْمَرْأَةَ بِالْخِيَارِ مِثْلَ ذَلِكَ أَيَجُوزُ هَذَا النِّكَاحُ فِي
قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ بِصَدَاقِ كَذَا
وَكَذَا عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَأْتِهَا بِصَدَاقِهَا إلَى أَجَلِ كَذَا
وَكَذَا فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا قَالَ مَالِكٌ: هَذَا نِكَاحٌ فَاسِدٌ
وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا قُلْتُ: دَخَلَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ؟
قَالَ: لَمْ يَقُلْ لِي مَالِكٌ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ وَإِنْ
دَخَلَ لَمْ أَفْسَخْهُ وَجَازَ النِّكَاحُ وَكَذَا مَسْأَلَتُكَ فِي
تَزْوِيجِ الْخِيَارِ.
(2/129)
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ:
أَتَزَوَّجُك عَلَى أَحَدِ عَبْدَيَّ هَذَيْنِ أَيُّهُمَا شِئْت أَنْتِ
أَوْ أَيُّهُمَا شِئْت أَنَا؟ قَالَ: أَمَّا إذَا قَالَ: أَيُّهُمَا
شَاءَتْ الْمَرْأَةُ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَأَمَّا إنْ قَالَ أَيُّهُمَا شَاءَ
الرَّجُلُ فَلَا خَيْرَ فِيهِ، أَلَا تَرَى أَنْ لَوْ بَاعَ أَحَدَهُمَا
مِنْ رَجُلٍ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ يَخْتَارُ الْمُشْتَرِي أَيَّهُمَا
شَاءَ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ وَلَوْ قَالَ أُعْطِيك أَنَا أَيَّهُمَا
شِئْت لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ خَيْرٌ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالنِّكَاحُ
عِنْدِي مِثْلُهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَقَالَ اللَّيْثُ قَالَ
رَبِيعَةُ: الصَّدَاقُ مَا وَقَعَ بِهِ النِّكَاحُ وَكَذَلِكَ قَالَ
مَالِكٌ.
[النِّكَاحُ إلَى أَجَلٍ]
ٍ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِإِذْنِ وَلِيٍّ بِصَدَاقٍ
قَدْ سَمَّاهُ تَزَوَّجَهَا إلَى أَشْهُرٍ أَوْ سَنَةٍ، أَوْ سَنَتَيْنِ
أَيَصْلُحُ هَذَا النِّكَاحُ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: هَذَا النِّكَاحُ
بَاطِلٌ إذَا تَزَوَّجَهَا إلَى أَجَلٍ مِنْ الْآجَالِ فَهَذَا النِّكَاحُ
بَاطِلٌ قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا بِصَدَاقٍ قَدْ
سَمَّاهُ فَشَرَطُوا عَلَى الزَّوْجِ إنْ أَتَى بِصَدَاقِهَا إلَى أَجَلِ
كَذَا وَكَذَا مِنْ الْآجَالِ وَإِلَّا فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا قَالَ
مَالِكٌ: هَذَا النِّكَاحُ بَاطِلٌ قُلْتُ: دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ
يَدْخُلْ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: هُوَ مَفْسُوخٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ دَخَلَ بِهَا أَوْ
لَمْ يَدْخُلْ بِهَا قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا رَأَيْت فَسْخَهُ لِأَنِّي
رَأَيْته نِكَاحًا لَا يَتَوَارَثُونَ عَلَيْهِ أَهْلُهُ.
قَالَ سَحْنُونٌ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَوْلُهُ كَانَتْ لَهُ فِي
تَزْوِيجِ الْخِيَارِ أَنَّهُ يَفْسَخُ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ
وَكَانَ يَقُولُ؛ لِأَنَّ فَسَادَهُ مِنْ قَبْلِ عَقْدِهِ ثُمَّ رَجَعَ
فَقَالَ إذَا دَخَلَ جَازَ وَيُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ أَتَزَوَّجُك شَهْرًا يَبْطُلُ النِّكَاحُ
أَمْ يُجْعَلُ النِّكَاحُ صَحِيحًا وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ؟ قَالَ: قَالَ
مَالِكٌ: النِّكَاحُ بَاطِلٌ يُفْسَخُ وَهَذِهِ الْمُتْعَةُ وَقَدْ ثَبَتَ
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحْرِيمُهَا
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ لَهَا إنْ مَضَى هَذَا الشَّهْرُ فَأَنَا
أَتَزَوَّجُك وَرَضِيَ بِذَلِكَ وَلِيُّهَا وَرَضِيَتْ؟ قَالَ: هَذَا
النِّكَاحُ بَاطِلٌ وَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِثَلَاثِينَ
دِينَارًا نَقْدًا أَوْ ثَلَاثِينَ نَسِيئَةً إلَى سَنَةٍ؟ قَالَ: قَالَ
مَالِكٌ: لَا يُعْجِبُنِي هَذَا النِّكَاحُ وَلَمْ يَقُلْ لَنَا فِيهِ
أَكْثَرَ مِنْ هَذَا قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ هَذَا مِنْ نِكَاحِ مَنْ
أَدْرَكْت، قُلْتُ: فَمَا يُعْجِبُك مِنْ هَذَا النِّكَاحِ إنْ نَزَلَ؟
قَالَ: أُجِيزُهُ وَأَجْعَلُ لِلزَّوْجِ إذَا أَتَى بِالْمُعَجَّلِ أَنْ
يَدْخُلَ عَلَيْهَا وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَهُ نَفْسَهَا وَتَكُونُ
الثَّلَاثُونَ الْمُؤَخَّرَةُ إلَى أَجَلِهَا قُلْتُ: فَإِنْ طَالَ
الْأَجَلُ أَوْ قَالَ فِي الثَّلَاثِينَ الْمُؤَخَّرَةِ إنَّهَا إلَى
مَوْتٍ أَوْ فِرَاقٍ؟
قَالَ: أَمَّا إذَا كَانَ إلَى مَوْتٍ أَوْ فِرَاقٍ فَهُوَ مَفْسُوخٌ مَا
لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ، وَأَمَّا إذَا كَانَ إلَى
أَجَلٍ بَعِيدٍ فَأَرَاهُ جَائِزًا مَا لَمْ يَتَفَاحَشْ بَعْدَ ذَلِكَ
(2/130)
[شُرُوطِ النِّكَاحِ]
فِي شُرُوطِ النِّكَاحِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى
أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا وَلَا يَتَسَرَّرَ أَيُفْسَخُ هَذَا
النِّكَاحُ وَفِيهِ هَذَا الشَّرْطُ إنْ أُدْرِكَ قَبْلَ الْبِنَاءِ فِي
قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: النِّكَاحُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ قُلْتُ:
لِمَ أَجَازَ مَالِكٌ هَذَا النِّكَاحَ وَفِيهِ هَذَا الشَّرْطُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: قَدْ أَجَازَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرُ
وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي
يَفْسُدُ بِهَا النِّكَاحُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَعَمْرُو بْنُ
الْحَارِثِ عَنْ كَثِيرِ بْنِ فَرْقَدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ
بْنِ السَّبَّاقِ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى، عَهْدِ عُمَرَ
بْنِ الْخَطَّابِ فَشَرَطَ لَهَا أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ أَرْضِهَا،
فَوَضَعَ عَنْهُ عُمَرُ الشَّرْطَ، وَقَالَ الْمَرْأَةُ مَعَ زَوْجِهَا
رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي
يَفْسُدُ بِهَا النِّكَاحُ، عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ
الْعَزِيزِ وَابْنِ شِهَابٍ وَابْنِ رَبِيعَةَ وَأَبِي الزِّنَادِ
وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ مِثْلُهُ ابْنُ
وَهْبٍ عَنْ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَدْ نَزَلَ ذَلِكَ
زَمَانَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ مَعَ شُرُوطٍ سِوَى ذَلِكَ
فَقَضَى بِذَلِكَ فَرَأَى الْفُقَهَاءُ يَوْمئِذٍ أَنْ قَدْ أَصَابَ
الْقَضَاءُ فِي ذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ طَلَاقٌ.
قُلْتُ: فَأَيُّ شَيْءٍ الشُّرُوطُ الَّتِي يَفْسُدُ بِهَا النِّكَاحُ فِي
قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَيْسَ لَهَا حَدٌّ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ
تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى شُرُوطٍ تَلْزَمُهُ ثُمَّ إنَّهُ صَالَحَهَا
أَوْ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا
بَعْدَ ذَلِكَ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَلْزَمُهُ تِلْكَ
الشُّرُوطُ مَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِ ذَلِكَ الْمِلْكِ شَيْءٌ قَالَ وَإِنْ
شَرَطَ فِي نِكَاحِهِ الثَّانِي أَنَّهُ إنَّمَا يَنْكِحُ عَلَى أَنْ لَا
يَلْزَمَهُ مِنْ تِلْكَ الشُّرُوطِ شَيْءٌ قَالَ: وَإِنْ شَرَطَ فِي
نِكَاحِهِ الثَّانِي فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَنْفَعُهُ، وَتِلْكَ الشُّرُوطُ
لَهُ لَازِمَةٌ مَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِ ذَلِكَ الْمِلْكِ شَيْءٌ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ أَتَزَوَّجُك بِمِائَةِ دِينَارٍ، عَلَى أَنْ
أَنْقُدَك خَمْسِينَ، وَخَمْسُونَ عَلَى ظَهْرِي؟ قَالَ: إنْ كَانَ هَذَا
الَّذِي عَلَى ظَهْرِهِ يَحِلُّ بِدُخُولِ الزَّوْجِ عِنْدَهُمْ فَأَرَاهُ
جَائِزًا وَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِلُّ إلَّا إلَى الْمَوْتِ أَوْ فِرَاقٍ،
فَأَرَاهُ غَيْرَ جَائِزٍ فَإِنْ أُدْرِك النِّكَاحُ فُسِخَ وَإِنْ دَخَلَ
بِهَا ثَبَتَ النِّكَاحُ وَكَانَ لَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ هَذَا الَّذِي تَزَوَّجَ عَلَى مَهْرٍ مُعَجَّلٍ
وَمِنْهُ مُؤَجَّلٌ إلَى مَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ فَدَخَلَ بِهَا أَيَفْسَخُ
هَذَا النِّكَاحَ أَمْ يُقِرُّهُ إذَا دَخَلَ بِهَا؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ:
إذَا دَخَلَ بِهَا أَجَزْتُ النِّكَاحَ وَجَعَلْتُ لَهَا صَدَاقَ مِثْلِهَا
وَلَمْ أَنْظُرْ إلَى الَّذِي سُمِّيَ مِنْ الصَّدَاقِ إلَّا أَنْ يَكُونَ
صَدَاقُ مِثْلِهَا أَقَلَّ مِمَّا جُعِلَ لَهَا فَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ
شَيْءٌ.
[جَدُّ النِّكَاحِ وَهَزْلِهِ]
ِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ خَطَبَ رَجُلٌ امْرَأَةً وَوَلِيُّهَا حَاضِرٌ،
فَقَالَ: زَوِّجْنِيهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ فَقَالَ
(2/131)
الْوَلِيُّ قَدْ فَعَلْت وَقَدْ كَانَتْ
فَوَّضَتْ إلَى الْوَلِيِّ فِي ذَلِكَ الرَّجُلِ الْخَاطِبِ وَهِيَ بِكْرٌ
وَالْمَخْطُوبُ إلَيْهِ وَالِدُهَا، فَقَالَ الْخَاطِبُ: لَا أَرْضَى،
بَعْدَ قَوْلِ الْأَبِ أَوْ الْوَلِيِّ: قَدْ زَوَّجْتُك؟ قَالَ: أَرَى
ذَلِكَ يَلْزَمُهُ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْبَيْعَ؛. لِأَنَّ سَعِيدَ بْنَ
الْمُسَيِّبِ قَالَ: ثَلَاثٌ لَيْسَ فِيهِنَّ لَعِبٌ هَزْلُهُنَّ جَدٌّ
النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ. فَأَرَى ذَلِكَ يَلْزَمُهُ.
[شُرُوطُ النِّكَاحِ]
ِ أَيْضًا قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً
وَشَرَطَتْ عَلَيْهِ شُرُوطًا وَحَطَّتْ مِنْ مَهْرِهَا لِتِلْكَ
الشُّرُوطِ، أَيَكُونُ لَهَا مَا حَطَّتْ مِنْ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ قَالَ: مَا
حَطَّتْ مِنْ ذَلِكَ فِي عُقْدَةِ النِّكَاحِ، فَلَا يَكُونُ لَهَا عَلَى
الزَّوْجِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَمَا شَرَطَتْ عَلَى الزَّوْجِ فَهُوَ
بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ عِتْقٌ أَوْ طَلَاقٌ وَهَذَا قَوْلُ
مَالِكٍ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَتْ إنَّمَا حَطَّتْ عَنْهُ بَعْدَ
عُقْدَةِ النِّكَاحِ عَلَى أَنْ شَرَطَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الشُّرُوطَ؟
قَالَ: يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَيَكُونُ لَهُ الْمَالُ، قَالَ: فَإِنْ أَتَى
شَيْئًا مِمَّا شَرَطَتْ عَلَيْهِ رَجَعَتْ فِي الْمَالِ فَأَخَذَتْهُ
مِثْلَ مَا يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ مِصْرِهَا وَلَا
يَتَسَرَّرَ عَلَيْهَا وَلَا يَتَزَوَّجَ قُلْتُ: فَإِنْ كَانَتْ
أَعْطَتْهُ الْمَالَ عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، فَإِنْ
تَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا؟
قَالَ: فَإِنْ فَعَلَ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَمْ يَرْجِعْ فِي الْمَالِ؛
لِأَنَّهَا اشْتَرَتْ طَلَاقَهَا بِمَا وَضَعَتْ عَنْهُ.
[نِكَاحُ الْخَصِيِّ وَالْعَبْدِ]
ِ قُلْتُ: يَجُوزُ نِكَاحُ الْخَصِيِّ وَطَلَاقُهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نِكَاحُهُ جَائِزٌ وَطَلَاقُهُ جَائِزٌ، قَالَ:
وَلَقَدْ كَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ خَصِيٌّ كَانَ جَارًا
لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: فَكَانَ عُمَرُ يَسْمَعُ صَوْتَ
امْرَأَتِهِ وَضُغَاءَهَا مِنْ زَوْجِهَا هَذَا الْخَصِيِّ ابْنُ وَهْبٍ
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ ابْنَ سَنْدَارٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً
وَكَانَ خَصِيًّا وَلَمْ تَعْلَمْ فَنَزَعَهَا مِنْهُ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ
قُلْتُ: فَالْمَجْنُونُ أَيَجُوزُ نِكَاحُهُ أَيْضًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ، نِكَاحُهُ جَائِزٌ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى
أَشْيَاءَ مِنْ أَمْرِ النِّسَاءِ ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي
رَبَاحٍ أَنَّهُ قَالَ: إذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ وَهِيَ تَعْلَمُ أَنَّهُ
لَا يَأْتِي النِّسَاءَ فَلَا خُصُومَةَ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ
قُلْتُ: فَالْعَبْدُ كَمْ يَتَزَوَّجُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: قَالَ
مَالِكٌ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْت أَنَّ الْعَبْدَ يَتَزَوَّجُ أَرْبَعًا،
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ أَنَّ الْعَبْدَ يَتَزَوَّجُ أَرْبَعًا قُلْتُ: كَمْ
يَنْكِحُ الْعَبْدُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: أَرْبَعًا قُلْتُ: إنْ شَاءَ إمَاءً وَإِنْ شَاءَ حَرَائِرَ؟
قَالَ: كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْعَبْدَ إذَا تَزَوَّجَ
(2/132)
بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَنَقَدَ مَهْرًا
أَيَكُونُ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَ ذَلِكَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْعَبْدَ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ يَنْكِحُ بِإِذْنِ
أَحَدِهِمَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَأْذَنَا جَمِيعًا
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْت
ابْنَ قُسَيْطٍ وَاسْتُفْتِيَ فِي عَبْدٍ اسْتَطَاعَ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ
حُرَّةً فَلَمْ يَرَ بَأْسًا أَنْ يَنْكِحَ أَمَةً، وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ
مَا عَلَى الْحُرِّ فِي ذَلِكَ.
قَالَ بُكَيْر: وَسَمِعْت عَمْرَو بْنَ شُعَيْبٍ يَقُولُ ذَلِكَ ابْنُ
وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ وَغَيْرِهِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ
قَالَ: لَوْ كَانَ لَهُ رَغَائِبُ الْأَمْوَالِ ثُمَّ نَكَحَ الْإِمَاءَ
وَتَرَكَ الْحَرَائِرَ لَجَازَ لَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَصْلُحُ
لَهُ نِكَاحُ الْحَرَائِرِ فِي السُّنَّةِ.
قَالَ: فَبِذَلِكَ يَرَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَى الْمَمْلُوكِ أَنْ
يَنْكِحَ الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ.
قَالَ يُونُسُ وَقَالَ رَبِيعَةُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ أَمَةً عَلَى
حُرَّةٍ.
رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ الْقَاسِمِ وَسَالِمٍ وَابْنِ شِهَابٍ
وَرَبِيعَةَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَمُجَاهِدٍ وَابْنِ جُبَيْرٍ
وَكَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُمْ قَالُوا: يَنْكِحُ الْعَبْدُ
أَرْبَعًا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: يَنْكِحُ
الْعَبْدُ أَرْبَعَ نَصْرَانِيَّاتٍ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ أَنَّهُ سَمِعَ
يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ عِنْدَنَا فِي الْمَدِينَةِ فِي الْعَبْدِ
يَتَزَوَّجُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ أَنَّ سَيِّدَهُ بِالْخِيَارِ إنْ
شَاءَ أَمْضَاهُ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ، فَإِنْ أَمْضَاهُ فَلَا بَأْسَ
بِهِ.
قُلْتُ: لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَيُّ شَيْءٍ يَكُونُ الْحُرُّ فِيهِ
وَالْعَبْدُ سَوَاءٌ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْكَفَّارَاتُ وَالْحُدُودُ؟
قَالَ: أَمَّا الْكَفَّارَاتُ كُلُّهَا فَإِنَّ الْعَبْدَ وَالْحُرَّ
فِيهَا سَوَاءٌ، وَأَمَّا حَدُّ الْفِرْيَةِ فَإِنَّ عَلَى الْعَبْدِ فِيهِ
أَرْبَعِينَ جَلْدَةً، وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَهُوَ مَا قَدْ عَلِمْت
وَأَمَّا الظِّهَارُ فَكَفَّارَتُهُ فِي الظِّهَارِ مِثْلُ كَفَّارَةِ
الْحُرِّ؛ لِأَنَّ هَذَا كَفَّارَةٌ وَكَذَلِكَ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ،
وَإِيلَاؤُهُ مِثْلُ إيلَاءِ الْحُرِّ وَكَفَّارَتُهُ فِي الْإِيلَاءِ
نِصْفُ مِثْلِ كَفَّارَةِ الْحُرِّ إلَّا أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ
يُعْتِقَ، قَالَ مَالِكٌ: وَالصِّيَامُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ
لِلْعَبْدِ أَحَبُّ إلَيَّ، فَإِنْ أَطْعَمَ فَأَرْجُو أَنْ يُجْزِئَهُ
وَكَذَلِكَ الْكِسْوَةُ وَيُضْرَبُ لِلْعَبْدِ إذَا فَقَدَ عَنْ
امْرَأَتِهِ سَنَتَيْنِ نِصْفُ أَجَلِ الْحُرِّ وَإِذَا اعْتَرَضَ عَنْ
امْرَأَتِهِ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَنْ يَطَأَهَا نِصْفُ أَجَلِ الْحُرِّ
سِتَّةُ أَشْهُرٍ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْمُكَاتَبَ يَتَزَوَّجُ ابْنَةَ مَوْلَاهُ أَيَجُوزُ
ذَلِكَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَا أَقُومُ عَلَى حِفْظِ قَوْلِ
مَالِكٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَرَى أَنَّهُ جَائِزٌ.
قُلْتُ: وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ يَتَزَوَّجُ ابْنَةَ مَوْلَاهُ بِرِضَا
مَوْلَاهُ وَرِضَاهَا؟ قَالَ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ أَيْضًا
وَقَدْ كَانَ مَالِكٌ يَسْتَثْقِلُهُ وَلَسْت أَرَى بِهِ بَأْسًا
قُلْتُ: أَرَأَيْت الْمُكَاتَبَ يَشْتَرِي امْرَأَتَهُ هَلْ يَفْسُدُ
عَلَيْهِ النِّكَاحُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ وَيَطَؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ. وَيَفْسُدُ النِّكَاحُ فِي
قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إذَا زَوَّجَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ عَلَى مَنْ الْمَهْرُ؟
قَالَ: عَلَى الْعَبْدِ إلَّا أَنَّهُ يَشْتَرِطُهُ السَّيِّدُ عَلَى
نَفْسِهِ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي
الْعَبْدِ يَنْكِحُ قَالَ: أَمَّا الَّذِي خَطَبَ عَلَيْهِ سَيِّدُهُ
وَأَنْكَحَهُ وَسَمَّى صَدَاقًا فَالصَّدَاقُ عَلَى سَيِّدِهِ، وَأَمَّا
(2/133)
رَجُلٌ أَذِنَ فِي نِكَاحِ عَبْدِهِ
لِقَوْمٍ خَطَبَ إلَيْهِمْ الْعَبْدُ مُوَلَّاتَهُمْ أَوْ جَارِيَتِهِمْ
فَإِنَّ الصَّدَاقَ عَلَى الْعَبْدِ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ إنْ
كَانَتْ وَلِيدَةً، فَلَا يَجُوزُ صَدَاقُهَا إلَّا فِيمَا بَلَغَ ثُلُثَ
ثَمَنِهَا وَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً فَمَا سَمَّى لَهَا؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ
فَرَّطَ حِين أَذِنَ فِي النِّكَاحِ فَحُرْمَتُهَا أَعْظَمُ مِمَّا عَسَى
أَنْ يُصْدِقَ الْعَبْدُ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ أَذِنَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ فِي النِّكَاحِ،
أَيَكُونُ الْمَهْرُ فِي ذِمَّتِهِ أَوْ فِي رَقَبَتِهِ؟ قَالَ: قَالَ
مَالِكٌ: الْمَهْرُ فِي ذِمَّتِهِ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ،
أَيَكُونُ الْمَهْرُ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ أَمْ لَا؟ قَالَ: لَا يَكُونُ
فِي رَقَبَتِهِ وَيَأْخُذُ السَّيِّدُ الْمَهْرَ الَّذِي دَفَعَهُ
الْعَبْدُ إلَيْهَا، وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ، إلَّا أَنَّهُ قَدْ
يَتْرُكُ لَهَا قَدْرَ رُبْعِ دِينَارٍ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ أَعْتَقَ هَذَا الْعَبْدَ يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ،
هَلْ تَتْبَعُهُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ بِالْمَهْرِ الَّذِي سَمَّى لَهَا؟
قَالَ: نَعَمْ، فِي رَأْيِي إنْ كَانَ دَخَلَ إلَّا أَنْ يَكُونَ
السُّلْطَانُ أَبْطَلَهُ عَنْهُ، وَإِنْ أَبْطَلَهُ الْعَبْدُ أَيْضًا
فَهُوَ بَاطِلٌ قُلْتُ: وَلِمَ قُلْتُ: إذَا أَبْطَلَهُ السُّلْطَانُ
عَنْهُ ثُمَّ عَتَقَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فِي رَأْيِك
وَعَلَى مَا قُلْته؟
قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْعَبْدِ إذَا
اسْتَدَانَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ أَنَّ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَيْهِ إلَّا
أَنْ يَفْسَخَهُ السُّلْطَانُ قُلْتُ: فَإِذَا فَسَخَهُ السُّلْطَانُ،
ثُمَّ عَتَقَ الْعَبْدُ بَعْدَ ذَلِكَ، أَيَبْطُلُ الدَّيْنُ عَنْهُ
بِفَسْخِ السُّلْطَانِ ذَلِكَ الدَّيْنَ عَنْهُ؟
قَالَ: كَذَلِكَ بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ قُلْتُ: أَرَأَيْت كُلَّمَا لَزِمَ
ذِمَّةَ الْعَبْدِ أَيَكُونُ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَأْخُذُوا ذَلِكَ مِنْ
الْعَبْدِ بَعْدَ أَنْ يَأْخُذَ السَّيِّدُ خَرَاجَهُ مِنْ الْعَبْدِ إنْ
كَانَ عَلَيْهِ خَرَاجٌ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لَهُمْ مِنْ خَرَاجِ الْعَبْدِ شَيْءٌ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا مِنْ الَّذِي يَبْقَى فِي يَدَيْ الْعَبْدِ
بَعْدَ خَرَاجِهِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ، قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا
يَكُونُ ذَلِكَ لَهُمْ فِي مَالٍ إنْ وُهِبَ لِلْعَبْدِ أَوْ تُصُدِّقَ
بِهِ عَلَيْهِ أَوْ أُوصِيَ لَهُ بِهِ فَقَبِلَهُ الْعَبْدُ، فَأَمَّا
عَمَلُهُ فَلَيْسَ لَهُمْ مِنْهُ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ وَإِنَّمَا يَكُونُ
دَيْنُهُمْ الَّذِي صَارَ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ فِي مَالِ الْعَبْدِ إنْ
طَرَأَ لِلْعَبْدِ مَالٌ يَوْمًا مَا بِحَالِ مَا وَصَفْت لَك، وَإِنْ
أُعْتِقَ الْعَبْدُ يَوْمًا مَا كَانَ ذَلِكَ الدَّيْنُ عَلَيْهِ يُتْبَعُ
بِهِ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَكُلُّ دَيْنٍ لَحِقَ الْعَبْدَ وَهُوَ
مَأْذُونٌ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَهَذَا الَّذِي يَكُونُ فِي الْمَالِ فِي
يَدَيْهِ أَوْ كَسَبَهُ مِنْ تِجَارَةٍ بِحَالِ مَا وَصَفْت لَك وَلَيْسَ
لَهُمْ مِنْ عَمَلِ يَدَيْهِ وَخَرَاجِهِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ وَإِنْ
كَانَ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهِ دَيْنٌ ضَرَبَ بِدَيْنِهِ مَعَ الْغُرَمَاءِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْعَبْدَ إذَا اشْتَرَتْهُ امْرَأَتُهُ وَقَدْ بَنَى
بِهَا كَيْفَ بِمَهْرِهَا وَعَلَى مَنْ يَكُونُ مَهْرُهَا؟ قَالَ: عَلَى
الْعَبْدِ قُلْتُ: وَلَا يَبْطُلُ؟
قَالَ: لَا يَبْطُلُ وَهَذَا رَأْيِي؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي
امْرَأَةٍ دَايَنَتْ عَبْدًا أَوْ رَجُلٍ دَايَنَ عَبْدًا ثُمَّ اشْتَرَاهُ
وَعَلَيْهِ دَيْنُهُ ذَلِكَ أَنَّ دَيْنَهُ لَا يَبْطُلُ، فَكَذَلِكَ
مَهْرُ تِلْكَ الْمَرْأَةِ إذَا اشْتَرَتْ زَوْجَهَا لَمْ يَبْطُلْ
دَيْنُهَا وَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَا مَهْرَ لَهَا، أَلَا
(2/134)
تَرَى أَنَّهَا وَسَيِّدُهُ اغْتَزَيَا
فَسْخَ النِّكَاحِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بِيَدِ
الْعَبْدِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ إخْرَاجُ مَا فِي يَدَيْهِ وَلَا مَا هُوَ
أَمْلَكُ بِهِ مِنْ سَيِّدِهِ بِالْإِضْرَارِ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْمَرْأَةَ تُكَاتِبُ عَبْدَهَا، أَيَجُوزُ أَنْ
يَنْكِحَهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ
عَبْدُهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إنْ عَجَزَ رَجَعَ رَقِيقًا، أَوَلَا تَرَى
أَنَّهُ فِي حَالِ الْأَدَاءِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَرَى شَعْرَهَا إذَا
كَانَ وَغْدًا دَنِيئًا لَا خَطْبَ لَهُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَنْظَرٌ
وَخَطَبَ فَلَا يَرَى شَعْرَهَا وَكَذَلِكَ عَبْدُهَا قَالَ: فَقُلْنَا
لِمَالِكٍ أَرَأَيْتَ الْمَرْأَةَ يَكُونُ فِي الْعَبْدِ شِرْكٌ أَيَصْلُحُ
أَنْ يَرَى شَعْرَهَا؟
قَالَ: لَا يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَرَى شَعْرَهَا وَغْدًا كَانَ أَوْ غَيْرَ
وَغْدٍ قُلْتُ: وَمَا الْوَغْدُ؟
قَالَ: الَّذِي لَا مَنْظَرَ لَهُ وَلَا خَطْبَ فَذَلِكَ الْوَغْدُ
[نِكَاحِ الْحُرِّ الْأَمَةَ]
فِي نِكَاحِ الْحُرِّ الْأَمَةَ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ كَمْ يَتَزَوَّجُ
الْحُرُّ مِنْ الْإِمَاءِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: مَا سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا، وَأَرَى أَنَّهُ إنْ
خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ، فَإِنَّهُ يَتَزَوَّجُ مَا بَيْنَهُ
وَبَيْنَ أَرْبَعٍ قُلْتُ: وَالْعَبْدُ يَتَزَوَّجُ مِنْ الْإِمَاءِ مَا
بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْبَعِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَإِنْ لَمْ يَخَفْ
الْعَنَتَ عَلَى نَفْسِهِ؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: أَفَيَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ أَمَةَ
وَالِدِهِ؟
قَالَ: نَعَمْ، فِي رَأْيِي أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ
وَالِدُهُ عَبْدًا وَهُوَ حُرٌّ فَيُزَوِّجُ وَالِدَهُ أَمَتَهُ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَلَا أَرَى ذَلِكَ
قُلْتُ: أَرَأَيْت الرَّجُلَ، أَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ أَمَةَ
ابْنِهِ؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ قُلْتُ: وَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ
يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ أَمَةَ ابْنِهِ؟
قَالَ: لِأَنَّهَا كَأَنَّهَا لَهُ، فَمِنْ هَهُنَا كُرِهَ ذَلِكَ وَلَا
حَدَّ عَلَيْهِ فِيهَا قُلْتُ: أَرَأَيْت الرَّجُلَ أَيَجُوزُ لَهُ أَنْ
يَتَزَوَّجَ أَمَةَ امْرَأَتِهِ؟
قَالَ: نَعَمْ، فِي رَأْيِي، لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: مَنْ زَنَى بِأَمَةِ
امْرَأَتِهِ رُجِمَ
قُلْتُ: وَيَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةَ أَخِيهِ؟
قَالَ: نَعَمْ قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: هَذَا رَأْيِي
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ تَزَوَّجَ الرَّجُلُ أَمَةَ وَلَدِهِ فَوَلَدَتْ،
ثُمَّ اشْتَرَاهَا أَتَكُونُ أُمَّ وَلَدِهِ بِذَلِكَ الْوَلَدِ أَمْ لَا
فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ مَنْ تَزَوَّجَ أَمَةً ثُمَّ اشْتَرَاهَا
وَقَدْ كَانَتْ وَلَدَتْ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا أَنَّهَا لَا تَكُونُ
أُمَّ وَلَدٍ بِذَلِكَ الْوَلَدِ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَهَا وَهِيَ
حَامِلٌ، فَتَكُونُ بِذَلِكَ الْوَلَدِ أُمَّ وَلَدٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ
الْوَلَدَ الَّذِي وَلَدَتْهُ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا أَنَّهُ
لِسَيِّدِهِ الَّذِي بَاعَهَا، فَاَلَّذِي اشْتَرَاهَا وَهِيَ حَامِلٌ بِهِ
فَتَصِيرُ بِهَذَا أُمَّ وَلَدٍ وَلَا تَصِيرُ بِاَلَّذِي وُلِدَ قَبْلَ
الشِّرَاءِ أُمَّ وَلَدٍ لِأَنَّهُ رَقِيقٌ، وَأَمَّا مَا سَأَلْت عَنْهُ
مِنْ اشْتِرَاءِ الْوَالِدِ امْرَأَةَ ابْنِهِ وَهِيَ حَامِلٌ فَإِنِّي لَا
أَرَاهَا أُمَّ وَلَدٍ وَإِنْ اشْتَرَاهَا وَهِيَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ
الْوَلَدَ قَدْ عَتَقَ عَلَى جَدِّهِ وَهُوَ فِي بَطْنِهَا، وَلَا تَكُونُ
أُمَّ وَلَدٍ إذَا اشْتَرَاهَا وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ بِمَنْ يُعْتَقُ
عَلَيْهِ وَهُوَ فِي بَطْنِهَا، فَأَمَّا مَا تَثْبُتُ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ
فَعَتَقَ عَلَى مَنْ مَلَكَهُ فَاشْتَرَاهَا وَهِيَ حَامِلٌ بِهِ فَلَا
تَكُونُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ سَيِّدَهَا لَوْ أَرَادَ
بَيْعَهَا لَمْ
(2/135)
يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَتَقَ
عَلَيْهِ مَا فِي بَطْنِهَا، وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يَجُوزُ لَهُ
شِرَاؤُهَا؛ لِأَنَّ مَا فِي بَطْنِهَا قَدْ عَتَقَ عَلَى أَبِيهِ فَهُوَ
وَالْأَجْنَبِيُّون سَوَاءٌ وَأَنَّ الْأُخْرَى الَّتِي لِغَيْرِ أَبِيهِ
لَوْ أَرَادَ بَيْعَهَا وَهِيَ تَحْتَ زَوْجِهَا بَاعَهَا وَكَانَ مَا فِي
بَطْنِهَا رَقِيقًا، فَهَذَا فَرْقُ مَا بَيْنَهُمَا
قُلْتُ: أَرَأَيْت الْحُرَّ، أَيَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ
مُكَاتَبَتَهُ؟ قَالَ: لَا يَصْلُحُ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ
لَا يَصْلُحُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ أَمَتَهُ، وَمُكَاتَبَتُهُ
بِمَنْزِلَةِ أَمَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[إنْكَاحُ الرَّجُلِ عَبْدَهُ أَمَتَهُ]
ُ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْمَأْذُونَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ
الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ إذَا كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ فَزَوَّجَهَا سَيِّدُهَا
مِنْ عَبْدِهِ ذَلِكَ وَالْعَبْدُ هُوَ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ، أَيَجُوزُ
هَذَا التَّزْوِيجُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: وَجْهُ الشَّانِ يَنْزِعُهَا ثُمَّ يُزَوِّجُهَا إيَّاهُ بِصَدَاقٍ
قُلْتُ: فَإِنْ زَوَّجَهَا إيَّاهُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَهَا؟
قَالَ: أَرَاهُ انْتِزَاعًا وَأَرَى التَّزْوِيجَ جَائِزًا، وَلَكِنْ
أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَنْزِعَهَا ثُمَّ يُزَوِّجَهَا وَلِذَا قُلْتُ: إنْ
أَرَادَ أَنْ يَطَأَ أَمَةَ عَبْدِهِ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ
يَنْزِعَهَا مِنْهُ ثُمَّ يَطَأَهَا، فَإِنْ وَطِئَهَا قَبْلَ أَنْ
يَنْزِعَهَا قَالَ: هَذَا انْتِزَاعٌ وَلَكِنْ يَنْزِعُهَا قَبْلَ أَنْ
يَطَأَهَا أَحَبُّ إلَيَّ قُلْتُ: أَتَحَفَّظُ هَذَا عَنْ مَالِكٍ؟
قَالَ: أَمَّا الْوَطْءُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَطَأَهَا فَهُوَ قَوْلُهُ
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ
أَنَّهُ قَالَ: لَا يُزَوِّجُ الرَّجُلُ عَبْدَهُ أَمَتَهُ بِغَيْرِ
مَهْرٍ، قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَقَالَ ذَلِكَ مَالِكٌ
[نِكَاحُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ وَنِكَاحُ الْحُرَّةِ عَلَى
الْأَمَةِ]
قُلْتُ: هَلْ تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ، فَإِنْ
فَعَلَ ذَلِكَ جَازَ النِّكَاحُ وَكَانَتْ الْحُرَّةُ بِالْخِيَارِ، إنْ
أَحَبَّتْ أَنْ تُقِيمَ مَعَهُ أَقَامَتْ، وَإِنْ أَحَبَّتْ أَنْ تَخْتَارَ
نَفْسَهَا اخْتَارَتْ قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ أَقَامَتْ كَانَ الْقَسْمُ
مِنْ نَفْسِهِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوَاءِ قُلْتُ: فَلَهَا أَنْ تَخْتَارَ
فِرَاقَهُ بِالثَّلَاثِ؟
قُلْتُ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَلَا أَرَى أَنْ
تَخْتَارَ إلَّا تَطْلِيقَةً وَتَكُونَ أَمْلَكَ بِنَفْسِهَا، وَلَا أَرَى
أَنْ تُشْبِهَ هَذِهِ الْأَمَةُ تُعْتَقُ تَحْتَ الْعَبْدِ فَتَخْتَارُ
الطَّلَاقَ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ إنَّمَا جَاءَ فِيهَا الْأَثَرُ وَالنَّاسُ
عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، قَالَ مَالِكٌ: وَالْحُرُّ يَتَزَوَّجُ الْحُرَّةَ
عَلَى الْأَمَةِ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَمْ تَعْلَمْ
أَنَّ تَحْتَهُ أَمَةً، فَتَخْتَارُ إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَمَةٍ وَلَمْ
تَعْلَمْ كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ ابْنُ لَهِيعَةَ وَاللَّيْثُ عَنْ أَبِي
الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: لَا تُنْكَحُ
الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ وَتُنْكَحُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ ابْنُ
أَبِي ذِئْبٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ:
إذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْحُرَّةَ عَلَى الْأَمَةِ وَلَمْ
(2/136)
تَعْلَمْ الْحُرَّةُ أَنَّ تَحْتَهُ أَمَةً
كَانَتْ الْحُرَّةُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ فَارَقَتْهُ وَإِنْ شَاءَتْ
قَرَّتْ مَعَهَا وَكَانَ لَهَا إنْ قَرَّتْ مَعَهَا الثُّلُثَانِ قَالَ
يُونُسُ وَقَالَ ذَلِكَ ابْنُ شِهَابٍ
قُلْتُ: أَرَأَيْت إنْ كَانَ تَحْتَهُ أَمَتَانِ عَلِمَتْ الْحُرَّةُ
وَاحِدَةً وَلَمْ تَعْلَمْ الْأُخْرَى، أَيَكُونُ لَهَا الْخِيَارُ أَمْ
لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: نَعَمْ، لَهَا الْخِيَارُ، أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ
حُرَّةً تَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَمَةً فَرَضِيَتْ ثُمَّ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا
أُخْرَى فَأَنْكَرَتْ كَانَ ذَلِكَ لَهَا وَكَذَلِكَ هَذَا إذَا لَمْ
تَعْلَمْ بِالِاثْنَيْنِ وَعَلِمَتْ بِالْوَاحِدَةِ قُلْتُ: لِمَ جَعَلَ
مَالِكٌ الْخِيَارَ لِلْحُرَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنَّمَا جَعَلْنَا لَهَا الْخِيَارَ لِمَا قَالَتْ
الْعُلَمَاءُ قَبْلِي، يُرِيدُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرَهُ
وَلَوْلَا مَا قَالُوا رَأَيْته حَلَالًا؛ لِأَنَّهُ حَلَالٌ فِي كِتَابِ
اللَّهِ تَعَالَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ
قَالَ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّ السُّنَّةَ إذَا
تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْأَمَةَ وَعِنْدَهُ حُرَّةٌ قَبْلَهَا أَنَّ
الْحُرَّةَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَتْ فَارَقَتْ زَوْجَهَا وَإِنْ شَاءَتْ
أَقَرَّتْ عَلَى صَرَامَةٍ فَلَهَا يَوْمَانِ وَلِلْأَمَةِ يَوْمٌ.
قُلْتُ: لِمَ جَعَلْتُمْ الْخِيَارَ لِلْحُرَّةِ إذَا تَزَوَّجَ الْحُرُّ
الْأَمَةَ عَلَيْهَا، أَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى الْأَمَةِ وَالْحُرَّةُ لَا
تَعْلَمُ؟ قَالَ: لِأَنَّ الْحُرَّ لَيْسَ مِنْ نِكَاحِهِ الْإِمَاءَ إلَّا
أَنْ يَخْشَى الْعَنَتَ، فَإِنْ خَشِيَ الْعَنَتَ وَتَزَوَّجَ الْأَمَةَ
كَانَتْ الْحُرَّةُ بِالْخِيَارِ، وَلِلَّذِي جَاءَ فِيهِ مِنْ
الْأَحَادِيثِ ابْنُ وَهْبٍ قَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ لِلْحُرِّ أَنْ
يَنْكِحَ أَرْبَعًا مَمْلُوكَاتٍ إذَا كَانَ عَلَى مَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي
كِتَابِ اللَّهِ {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ
الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فمن ما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ
فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] قَالَ: وَالطَّوْلُ عِنْدَنَا
الْمَالُ، فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الطَّوْلَ وَخَشِيَ الْعَنَتَ فَقَدْ
أَرْخَصَ اللَّهُ لَهُ فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ الْمُؤْمِنَةِ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَعَلِيٌّ قَالَ: لَا يَنْبَغِي
لِلرَّجُلِ الْحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأَمَةَ وَهُوَ يَجِدُ طَوْلًا
لِحُرَّةٍ وَلَا يَتَزَوَّجُ أَمَةً إذَا لَمْ يَجِدْ طَوْلًا لِحُرَّةٍ
إلَّا أَنْ يَخْشَى الْعَنَتَ، وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ: لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ
عَلَى الْحُرَّةِ إلَّا أَنْ تَشَاءَ الْحُرَّةُ، وَهُوَ لَا يَنْكِحُهَا
عَلَى حُرَّةٍ وَلَا عَلَى أَمَةٍ وَلَيْسَ عِنْدَهُ شَيْءٌ وَلَا عَلَى
حَالٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لَا يَجِدُ طَوْلًا وَخَشِيَ الْعَنَتَ
قَالَ سَحْنُونٌ: وَعَلَى هَذَا جَمِيعُ الرُّوَاةِ وَهُوَ أَحْسَنُ، قَالَ
مَالِكٌ: وَالْحُرَّةُ تَكُونُ عِنْدَهُ لَيْسَتْ بِطَوْلٍ يُمْنَعُ بِهِ
مِنْ نِكَاحِ أَمَةٍ إذَا خَشِيَ الْعَنَتَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَصَرَّفُ
تَصَرُّفَ الْمَالِ فَيَنْكِحُ بِهَا. مَالِكٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ
عَبَّاسٍ وَابْنَ عُمَرَ سُئِلَا عَنْ رَجُلٍ كَانَتْ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ
حُرَّةٌ، فَأَرَادَ أَنْ يَنْكِحَ عَلَيْهَا أَمَةً فَكَرِهَا أَنْ
يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ
أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَا تُنْكَحُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ إلَّا
أَنْ تَشَاءَ الْحُرَّةُ، فَإِنْ شَاءَتْ فَلَهَا الثُّلُثَانِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْت إذَا لَمْ يَخْشَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ وَتَزَوَّجَ
أَمَةً؟ فَقَالَ: كَانَ مَالِكٌ مَرَّةً
(2/137)
يَقُولُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا
إذَا لَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ، وَكَانَ يَقُولُ إذَا كَانَتْ تَحْتَهُ
حُرَّةٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى
حُرَّةٍ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَمَةِ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: إنْ
تَزَوَّجَهَا خُيِّرَتْ الْحُرَّةُ قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْلَا مَا جَاءَ
فِيهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ لَرَأَيْته حَلَالًا
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْعَبْدَ إذَا تَزَوَّجَ الْحُرَّةَ عَلَى الْأَمَةِ
وَهِيَ لَا تَعْلَمُ أَيَكُونُ لَهَا الْخِيَارُ إذَا عَلِمَتْ؟ قَالَ:
قَالَ مَالِكٌ: لَا خِيَارَ لَهَا إذَا تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ،
فَلَا خِيَارَ لِلْحُرَّةِ وَكَذَلِكَ قَالَ لِي مَالِكٌ فِي هَذِهِ؛
لِأَنَّ الْأَمَةَ مِنْ نِسَائِهِ قَالَ يُونُسُ وَقَالَ رَبِيعَةُ:
يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ قَالَ يُونُسُ: كَذَلِكَ
وَقَالَ ذَلِكَ ابْنُ شِهَابٍ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْعَبْدَ كَيْفَ يَقْسِمُ مِنْ نَفْسِهِ بَيْنَ
الْحُرَّةِ وَبَيْنَ الْأَمَةِ؟ قَالَ: يَعْدِلُ بَيْنَهُمَا فِي الْقَسْمِ
مِنْ نَفْسِهِ قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ
[اسْتِسْرَارُ الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ فِي أَمْوَالِهِمَا وَنِكَاحِهِمَا
بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِمَا]
قُلْتُ: أَرَأَيْت الْمُكَاتَبَ أَيَتَسَرَّرُ فِي مَالِهِ فِي قَوْلِ
مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، وَلَقَدْ سَأَلْنَا مَالِكًا عَنْ الْعَبْدِ يَتَسَرَّى فِي
مَالِهِ وَلَا يَسْتَأْذِنُ سَيِّدَهُ قَالَ: نَعَمْ ذَلِكَ لَهُ،
وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبِيدًا
لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كَانُوا يَتَسَرَّرُونَ فِي أَمْوَالِهِمْ
وَلَا يَسْتَأْذِنُونَ، فَسَأَلْت مَالِكًا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لَا
بَأْسَ بِهِ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْمُكَاتَبَ وَالْمُكَاتَبَةَ أَيَجُوزُ لَهُمَا أَنْ
يَنْكِحَا بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا، قُلْتُ: وَلِمَ؟
قَالَ: لِأَنَّ لَهُ فِيهِمَا الرِّقُّ بَعْدُ، وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ
عَلَيْهِ رِقٌّ لِغَيْرِهِ أَنْ يَنْكِحَ إلَّا بِإِذْنِ مَنْ لَهُ
الرِّقُّ فِيهِ فَإِنْ نَكَحَ فَلِلسَّيِّدِ أَنْ يَفْسَخَ ذَلِكَ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ تَزَوَّجَ الْمُكَاتَبُ امْرَأَةً بِغَيْرِ إذْنِ
سَيِّدِهِ رَجَاءَ الْفَضْلِ، أَتَرَى النِّكَاحَ جَائِزًا؟ قَالَ: لَا
يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إنْ عَجَزَ رَجَعَ إلَى السَّيِّدِ مَعِيبًا؛ لِأَنَّ
تَزْوِيجَ الْعَبْدِ عَيْبٌ، قَالَ: وَقَالَ لِي مَالِكٌ: لَا يَتَزَوَّجُ
الْمُكَاتَبُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ رِجَالٍ مِنْ
أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَغَيْرِ
وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ التَّابِعِينَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ
يَتَسَرَّرَ الْمَمْلُوكُ فِي مَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ
السَّيِّدُ.
[الْأَمَةُ وَالْحُرَّةُ يَغُرَّانِ مِنْ أَنْفُسِهِمَا وَالْعَبْدُ
يَغُرُّ مِنْ نَفْسِهِ]
ِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ وَتُخْبِرُهُ
أَنَّهَا حُرَّةٌ، فَإِذَا هِيَ أَمَةٌ قَدْ كَانَ سَيِّدُهَا أَذِنَ لَهَا
فِي أَنْ تَسْتَخْلِفَ عَلَى نَفْسِهَا رَجُلًا يُزَوِّجُهَا، أَيَكُونُ
لَهُ الْخِيَارُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا كَانَ لَهُ أَنْ يُفَارِقَهَا وَلَا
يَكُونُ عَلَيْهِ مِنْ الصَّدَاقِ شَيْءٌ، وَإِنْ هُوَ دَخَلَ بِهَا أَخَذَ
مِنْهَا الصَّدَاقَ الَّذِي دَفَعَهُ إلَيْهَا وَكَانَ لَهَا صَدَاقُ
مِثْلِهَا، وَإِنْ شَاءَ ثَبَتَ عَلَى نِكَاحِهِ وَكَانَ
(2/138)
الصَّدَاقُ الَّذِي سَمَّى
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ أَمَةً غَرَّتْ مِنْ نَفْسِهَا رَجُلًا
وَزَعَمَتْ أَنَّهَا حُرَّةٌ فَظَهَرَ أَنَّهَا أَمَةٌ؟ قَالَ: قَالَ
مَالِكٌ: لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا الْمَهْرُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَنَا
أَرَى إنْ كَانَ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ صَدَاقِ مِثْلِهَا تَرَكَ لَهَا
صَدَاقَ مِثْلِهَا وَأَخَذَ مِنْهَا الْفَضْلَ
قُلْتُ: أَرَأَيْت الْأَوْلَادَ إنْ كَانُوا قُتِلُوا وَأَخَذَ الْأَبُ
دِيَتَهُمْ، ثُمَّ اسْتَحَقَّتْ الْأُمُّ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: عَلَى
الْأَبِ قِيمَتُهُمْ يَوْمَ قُتِلُوا وَالدِّيَةُ لِلْأَبِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنَّمَا عَلَى الْأَبِ قِيمَتُهُمْ إذَا كَانَ
قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِثْلَ الدِّيَةِ فَأَدْنَى وَإِنْ كَانَتْ
قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ لَمْ يَكُنْ عَلَى
الْأَبِ إلَّا الدِّيَةُ الَّتِي أَخَذَ لَيْسَ عَلَى الْأَبِ أَنْ
يُعْطِيَ أَكْثَرَ مِمَّا أَخَذَ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ اسْتَحَقَّ السَّيِّدُ هَذِهِ الْأَمَةَ وَفِي
بَطْنِهَا جَنِينٌ؟ قَالَ: الْجَنِينُ حُرٌّ وَعَلَى الْأَبِ قِيمَتُهُ
يَوْمَ تَلِدُهُ قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُمْ يَوْمَ
يَسْتَحِقُّهُمْ سَيِّدُ الْأَمَةِ وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ
فَلَا شَيْءَ عَلَى الْأَبِ مِنْ قِيمَتِهِمْ
قُلْتُ: فَإِنْ ضَرَبَ، رَجُلٌ بَطْنَهَا بَعْدَمَا اسْتَحَقَّهَا
سَيِّدُهَا أَوْ قَبْلَ أَنْ يَسْتَحِقَّهَا فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا
مَيِّتًا؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَأْخُذُ الْأَبُ فِيهِ غُرَّةً عَبْدًا
أَوْ وَلِيدَةً مِنْ الضَّارِبِ عِنْدَ مَالِكٍ وَيَكُونُ عَلَى الْأَبِ
لِسَيِّدِ الْأَمَةِ عُشْرُ قِيمَةِ أَمَةٍ يَوْمَ ضُرِبَتْ إلَّا أَنْ
يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْغُرَّةِ فَلَا يَكُونُ عَلَى الْأَبِ
إلَّا قِيمَةُ الْغُرَّةِ الَّتِي أَخَذَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَغْرَمُ أَكْثَرَ
مِمَّا أَخَذَ وَلَا يُجْعَلُ فِيهِ عَلَى الضَّارِبِ أَكْثَرَ مِنْ
الْغُرَّةِ لِأَنَّهُ حُرٌّ وَلَا يَكُونُ عَلَى ضَارِبِهِ أَكْثَرُ مِنْ
غُرَّةٍ، وَكَذَلِكَ وَلَدُهَا مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ وَإِنَّمَا فِيهِ
دِيَةُ حُرٍّ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ أَضْعَافِ الدِّيَةِ وَيُقْتَلُ مَنْ
قَتَلَهُمْ مِنْ الْأَحْرَارِ عَمْدًا أَوْ تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ
الْخَطَأَ فِيهِمْ وَعَلَى الْعَاقِلَةِ مَا جَنَوْا وَبَيْنَهُمْ
الْقِصَاصُ وَبَيْنَ الْأَحْرَارِ الَّذِينَ جَنَوْا عَلَيْهِمْ أَوْ
جَنَوْا هُمْ عَلَيْهِمْ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ غَرَّتْ أَمَةٌ مِنْ نَفْسِهَا رَجُلًا
فَتَزَوَّجَهَا، فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا، فَمَاتَ الرَّجُلُ وَلَمْ
يَدَعْ مَالًا ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا سَيِّدُهَا وَوَلَدُهَا أَحْيَاءٌ
أَيَكُونُ لِلَّذِي اسْتَحَقَّ الْأَمَةَ عَلَى الْوَلَدِ شَيْءٌ؟
قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ مَالِكًا قَالَ: إنْ كَانُوا أَمْلِيَاءَ وَالْأَبُ
حَيُّ وَهُوَ عَدِيمٌ أَتْبَعَهُمْ، وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ مَالِكٍ،
وَكَذَلِكَ الْمَوْتُ عِنْدِي بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ
لَيْسَ عَلَى الْوَلَدِ شَيْءٌ قُلْتُ: فَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ عَدَمًا
أَيَكُونُ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَيْهِمْ أَمْ لَا؟ قَالَ: إنْ أَيْسَرُوا
رَأَيْت ذَلِكَ عَلَيْهِمْ كَمَا كَانَ يَأْخُذُ ذَلِكَ مِنْهُمْ إنْ
وَجَدَهُمْ أَمْلِيَاءَ قُلْتُ: وَلِمَ جَعَلَ مَالِكٌ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ
أَنْ يَتْبَعَهُمْ إذَا كَانُوا أَمْلِيَاءَ؟
قَالَ: لِأَنَّ الْغُرْمَ إنَّمَا كَانَ عَلَى أَبِيهِمْ لِمَكَانِ
رِقَابِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ عِنْدَ الْأَبِ شَيْءٌ كَانَ ذَلِكَ
عَلَيْهِمْ إنْ كَانُوا أَمْلِيَاءَ، وَالْمَوْتُ إنْ كَانَ مَاتَ الْأَبُ
وَلَمْ يَدَعْ مَالًا أَتْبَعَهُمْ إذَا كَانُوا أَمْلِيَاءَ فِي رَأْيِي
قُلْتُ: أَرَأَيْت إنْ كَانَ الَّذِي اسْتَحَقَّ الْجَارِيَةَ عَمُّ
الصِّبْيَانِ؟ قَالَ: يَأْخُذُ قِيمَتَهُمْ قُلْتُ: لِمَ؟
قَالَ: لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ إذَا مَلَكَ الرَّجُلُ ابْنَ
(2/139)
أَخِيهِ أَوْ ابْنَ أُخْتِهِ لَمْ يَعْتِقْ
عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا يَعْتِقُ عَلَى الرَّجُلِ إذَا مَلَكَ
آبَاءَهُ أَوْ أُمَّهَاتِهِ أَوْ أَجْدَادَهُ أَوْ جَدَّاتِهِ أَوْ
وَلَدَهُ أَوْ وَلَدَ وَلَدِهِ أَوْ إخْوَتَهُ، وَإِنَّمَا يَعْتِقُ
عَلَيْهِ الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ وَالْآبَاءُ وَالْأُمَّهَاتُ
وَالْأَوْلَادُ وَأَوْلَادُ الْأَوْلَادِ وَالْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ
دَنِيَّةٌ، وَالْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ، وَالْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ
وَالْإِخْوَةُ لِلْأَبِ، مَنْ مَلَكَ فِيهِ شَيْئًا مِنْ هَؤُلَاءِ عَتَقَ
عَلَيْهِ وَهُمْ أَهْلُ الْفَرَائِضِ، وَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ بَنُو
أَخِيهِ وَلَا أَحَدٌ مِنْ ذَوِي الْمَحَارِمِ وَالْقَرَابَاتِ سِوَى مَنْ
ذَكَرْت لَك.
قُلْتُ: أَرَأَيْت إنْ كَانَ الَّذِي اسْتَحَقَّ الْجَارِيَةَ جَدُّ
الصِّبْيَانِ؟ قَالَ: لَا شَيْءَ لَهُ مِنْ قِيمَتِهِمْ قُلْتُ:
أَفَيَكُونُ لَهُ وَلَاؤُهُمْ؟
قَالَ: لَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْوَلَاءِ عِنْدَ مَالِكٍ قُلْتُ: وَلِمَ لَا
يُجْعَلُ لَهُ الْوَلَاءُ وَغَيْرُهُ لَوْ اسْتَحَقَّ الْجَارِيَةَ أَخَذَ
قِيمَتَهُمْ فَهَذَا الْجَدُّ إذَا لَمْ يَأْخُذْ قِيمَتَهُمْ لِأَيِّ
شَيْءٍ لَا يَكُونُ لَهُ وَلَاؤُهُمْ؟
قَالَ: لِأَنَّهُمْ أَحْرَارٌ وَإِنَّمَا أُخِذْت الْقِيمَةُ بِالسُّنَّةِ
فَلَا يَكُونُ وَلَاؤُهُمْ
قُلْتُ: وَإِذَا غَرَّتْ أَمَةُ الْأَبِ أَوْ أَمَةُ الِابْنِ مِنْ
نَفْسِهَا وَالِدَهُ أَوْ وَلَدَهُ فَتَزَوَّجَهَا فَوَلَدَتْ لَهُ
أَوْلَادًا فَاسْتَحَقَّهَا الْأَبُ أَوْ وَلَدُهُ؟ فَقَالَ: لَا شَيْءَ
لَهُ مِنْ قِيمَتِهِمْ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: إذَا مَلَكَ الرَّجُلُ
أَخَاهُ أَوْ أَبَاهُ أَوْ وَلَدَهُ أَوْ وَلَدَ وَلَدِهِ فَهُوَ حُرٌّ
وَقَالَ مَالِكٌ فِي أُمِّ وَلَدٍ غَرَّتْ مِنْ نَفْسِهَا رَجُلًا
فَتَزَوَّجَهَا وَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا ثُمَّ أَقَامَ سَيِّدُهَا
الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ وَلَمْ يَقْضِ لَهُ بِقِيمَةِ
الْوَلَدِ حَتَّى مَاتَ السَّيِّدُ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: فَلَا شَيْءَ
لِلْوَرَثَةِ مِنْ قِيمَةِ أَوْلَادِهِ؛ لِأَنَّهُمْ عَتَقُوا بِعِتْقِ
أُمِّهِمْ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى عَلَى الْأَبِ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ حِينَ
مَاتَ السَّيِّدُ، فَكَذَلِكَ الَّذِي اسْتَحَقَّ الْجَارِيَةَ الَّتِي
غَرَّتْ أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ مِنْ قِيمَةِ
الْأَوْلَادِ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا مَلَكَهُمْ هُمْ عَتَقُوا عَلَيْهِ فَكَمَا
قَالَ لِي مَالِكٌ فِي أُمِّ الْوَلَدِ إذَا مَاتَ عَنْهَا سَيِّدُهَا
قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ عَلَى الَّذِي غَرَّتْهُ بِقِيمَةِ الْأَوْلَادِ
أَنَّ الْأَوْلَادَ يَعْتِقُونَ بِعِتْقِهَا، فَكَذَلِكَ هَذَا الَّذِي
مَلَكَ ابْنَ ابْنِهِ أَوْ أَخَاهُ فِي رَأْيِي أَنَّهُ يَعْتِقُ
بِمِلْكِهِ، لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَهُ عِتْقُهُ عَلَيْهِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ أُمَّ الْوَلَدِ إذَا غَرَّتْ مِنْ نَفْسِهَا رَجُلًا
فَوَلَدَتْ أَوْلَادًا فَاسْتَحَقَّهَا سَيِّدُهَا أَنَّهَا أُمُّ
وَلَدِهِ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: أَرَى لِسَيِّدِ الْوَلَدِ قِيمَتَهُمْ
عَلَى أَبِيهِمْ قَالَ: قُلْتُ لِمَالِكٍ: كَيْفَ قِيمَتُهُمْ؟
قَالَ: عَلَى قَدْرِ الرَّجَاءِ فِيهِمْ وَالْخَوْفِ، لِأَنَّهُمْ
يُعْتَقُونَ إلَى مَوْتِ سَيِّدِ أُمِّهِمْ وَلَيْسَ قِيمَتُهُمْ عَلَى
أَنَّهُمْ عَبِيدٌ قَالَ: فَقُلْتُ لِمَالِكٍ فَلَوْ أَنَّ سَيِّدَهُمْ
اسْتَحَقَّهُمْ وَرَفَعَ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ فَلَمْ يَقُومُوا حَتَّى
مَاتَ سَيِّدُهُمْ؟
قَالَ مَالِكٌ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِوَرَثَةِ السَّيِّدِ عَلَى أَبِيهِمْ
لِأَنَّهُمْ قَدْ عَتَقُوا حِينَ مَاتَ سَيِّدُهُمْ بِعِتْقِ أُمِّهِمْ
قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ بِالْقِيمَةِ قَالَ: فَقُلْنَا لِمَالِكٍ: فَلَوْ
أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ قُتِلَ؟
قَالَ: دِيَتُهُ لِأَبِيهِ دِيَةُ حُرٍّ وَيَكُونُ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ
عَلَى أَبِيهِمْ قِيمَتُهُ يَوْمَ قُتِلَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَذَلِكَ
إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ أَدْنَى مِنْ الدِّيَةِ فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ
لَمْ يَضْمَنْ الْأَبُ أَكْثَرَ مِمَّا أَخَذَ مِنْ الدِّيَةِ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَتْ مُدَبَّرَةً غَرَّتْ مِنْ نَفْسِهَا
رَجُلًا فَوَلَدَتْ
(2/140)
أَوْلَادًا قَالَ: يَقُومُ أَوْلَادُهَا
عَلَى الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ عَلَى أَنَّهُمْ يُرَقُّونَ أَوْ يُعْتَقُونَ
لَيْسَ هُمْ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ وَهَذَا رَأْيِي
قُلْتُ: فَإِنْ كَانَتْ مُكَاتَبَةً غَرَّتْ مِنْ نَفْسِهَا فَعَتَقَتْ
قَبْلَ أَنْ يَقْوَى سَيِّدُهَا عَلَى وَطِئَهَا؟ قَالَ: لَا شَيْءَ
لِمَوْلَاهَا عَلَى أَبِي الْوَلَدِ إلَّا أَنْ يَعْجِزَ فَيَرْجِعُ
رَقِيقًا، قَالَ: فَيَكُونُ عَلَى الْوَلَدِ قِيمَةُ الْوَالِدِ
لِأَنَّهُمْ إنْ عَتَقَتْ أُمُّهُمْ عَتَقُوا بِعِتْقِهَا؛ لِأَنَّهُمْ فِي
كِتَابَتِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي وَلَدِ أُمِّ
الْوَلَدِ الَّتِي غَرَّتْ مِنْ نَفْسِهَا إذَا مَاتَ سَيِّدُهَا قَبْلَ
أَنْ يَقُومُوا فَلَا شَيْءَ عَلَى أَبِيهِمْ مِنْ قِيمَتِهِمْ، فَكَذَلِكَ
وَالِدُ الْمُكَاتَبَةِ إذَا عَتَقَتْ قَالَ: وَأَرَى أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُ
قِيمَتُهُمْ فَيُوضَعَ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ، فَإِنْ عَجَزَتْ دَفَعَ إلَى
سَيِّدِهَا وَإِنْ أَدَّتْ كِتَابَتَهَا رَدَّ الْمَالَ إلَى أَبِيهِمْ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ غَرَّتْ مِنْ نَفْسِهَا عَبْدًا فَزَعَمَتْ
أَنَّهَا حُرَّةٌ فَاسْتَخْلَفَتْ أَيَكُونُ أَوْلَادُهَا أَحْرَارًا أَمْ
رَقِيقًا؟ قَالَ: الْوَلَدُ رَقِيقٌ قُلْتُ: أَسَمِعْتَ مِنْ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا قُلْتُ: وَلِمَ جَعَلَتْهُمْ رَقِيقًا أَيْضًا بِظَنِّ
الْعَبْدِ أَنَّهَا حُرَّةٌ؟ قَالَ: لِأَنِّي لَا بُدَّ لِي مِنْ أَنْ
أَجْعَلَ الْأَوْلَادَ تَبَعًا لِأَحَدِ الْأَبَوَيْنِ، فَأَنَا قَدْ
جَعَلْتهمْ تَبَعًا لِلْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَغْرَمُ قِيمَتَهُمْ
وَهَذَا رَأْيِي
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَخْبَرَنِي أَنَّ فُلَانَةَ
حُرَّةٌ ثُمَّ خَطَبْتهَا فَزَوَّجَنِيهَا غَيْرُهُ فَوَلَدَتْ لِي
أَوْلَادًا، ثُمَّ اسْتَحَقَّتْ أَمَةٌ أَيَكُونُ لِي عَلَى الَّذِي
أَخْبَرَنِي أَنَّهَا حُرَّةٌ شَيْءٌ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا شَيْءَ لَك عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلِمَ أَنَّهَا
أَمَةٌ، فَقَالَ لَك هِيَ حُرَّةٌ وَزَوَّجَكَهَا. فَإِذَا عَلِمَ أَنَّهَا
أَمَةٌ وَقَالَ لَك هِيَ حُرَّةٌ وَزَوَّجَكَهَا فَوَلَدَتْ لَك أَوْلَادًا
فَاسْتَحَقَّ رَجُلٌ رَقَبَتَهَا، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ جَارِيَتَهُ
وَيَأْخُذُ مِنْك قِيمَةَ الْأَوْلَادِ، وَلَا تَرْجِعُ أَنْتَ بِقِيمَةِ
الْأَوْلَادِ عَلَى الَّذِي غَرَّك وَزَوَّجَك وَأَخْبَرَك أَنَّهَا
حُرَّةٌ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا أَمَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَغُرَّك مِنْ
الْأَوْلَادِ قَالَ: وَأَمَّا الصَّدَاقُ فَيَكُونُ عَلَى الزَّوْجِ
وَيَرْجِعُ بِهِ الزَّوْجُ عَلَى الَّذِي غَرَّهُ قُلْتُ: أَفَتَحْفَظُ
عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِقِيمَةِ الْأَوْلَادِ؟
قَالَ: لَا، أَقُومُ عَلَى حِفْظِهِ السَّاعَةَ قُلْتُ: وَالْمَهْرُ
الَّذِي قُلْتَ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الَّذِي غَرَّهُ أَتَحْفَظُهُ عَنْ
مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا، وَهُوَ رَأْيِي قُلْتُ: وَلَا يَكُونُ الرَّجُلُ غَارًّا
مِنْهَا إلَّا بَعْدَمَا يَعْلَمُ أَنَّهَا أَمَةٌ وَزَوَّجَهَا إيَّاهُ
هُوَ نَفْسَهُ فَهُوَ الَّذِي يَكُونُ قَدْ غَرَّ مِنْهَا، وَأَمَّا إنْ
أَخْبَرَهُ أَنَّهَا حُرَّةٌ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهَا أَمَةٌ فَزَوَّجَهَا
غَيْرَهُ فَإِنَّ هَذَا لَا يَكُونُ غَارًّا وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ
شَيْءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْتُ: أَرَأَيْت إنْ زَوَّجَنِي، وَقَالَ: هِيَ
حُرَّةٌ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهَا أَمَةٌ وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ لَيْسَ
بِوَلِيِّهَا أَهُوَ غَارٌّ؟ قَالَ: إذَا أَعْلَمَهُ أَنَّهُ لَيْسَ
بِوَلِيِّهَا، ثُمَّ وَجَدَهَا عَلَى غَيْرِ مَا أَخْبَرَهُ فَلَا شَيْءَ
عَلَيْهِ مِنْ غُرْمِ الصَّدَاقِ فِي رَأْيِي
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ وَيُخْبِرُهَا
أَنَّهُ حُرٌّ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ عَبْدٌ وَيُجِيزُ سَيِّدُهُ نِكَاحَهُ،
أَيَكُونُ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ فِرَاقَهُ مَا لَمْ
(2/141)
تَتْرُكْهُ يَطَؤُهَا بَعْدَ مَعْرِفَتِهَا
بِأَنَّهُ عَبْدٌ؟ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ
قَالَ فِي عَبْدٍ انْطَلَقَ إلَى حَيٍّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَحَدَّثَهُمْ
أَنَّهُ حُرٌّ فَزَوَّجُوهُ امْرَأَةً حُرَّةً وَهُوَ عَبْدٌ وَلَمْ
تَعْلَمْ الْمَرْأَةُ بِذَلِكَ قَالَ: السُّنَّةُ فِي ذَلِكَ أَنْ
يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا حِينَ تَعْلَمُ بِذَلِكَ، ثُمَّ تَعْتَدُّ عِدَّةَ
الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ وَيُجْلَدُ الْعَبْدُ نَكَالًا لِمَا كَذَبَهَا
وَخَلَبَهَا وَأَحْدَثَ فِي الدِّينِ قُلْتُ: أَيَكُونُ فِرَاقُ هَذِهِ
عِنْدَ غَيْرِ السُّلْطَانِ؟
قَالَ: إنْ رَضِيَ بِذَلِكَ الزَّوْجُ وَهِيَ فَنَعَمْ وَإِلَّا فَرَّقَ
السُّلْطَانُ بَيْنَهُمَا إنْ أَبَى الزَّوْجُ إذَا اخْتَارَتْ فِرَاقَهُ
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: قَضَى عُمَرُ
بْنُ الْخَطَّابِ فِي فِدَاءِ الرَّجُلِ وَلَدِهِ مِنْ أَمَةِ قَوْمٍ
وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي عُذْرَةَ نَكَحَ وَلِيدَةً انْتَمَتْ
لَهُ إلَى بَعْضِ الْعَرَبِ، فَجَاءَ سَيِّدُهَا لِيَأْخُذَهَا وَقَدْ
وَلَدَتْ الْعَذْرَاءُ أَوْلَادًا فَرَفَعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ فَقَضَى لَهُ فِي ذَلِكَ بِالْغُرْمِ مَكَانَ كُلِّ إنْسَانٍ
مِنْ وَلَدِهِ جَارِيَةً بِجَارِيَةٍ وَغُلَامًا بِغُلَامٍ قَالَ مَالِكٌ:
وَبَلَغَنِي ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَوْ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ
عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا.
[عُيُوبِ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ]
فِي عُيُوبِ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ
رَجُلًا زَوَّجَ ابْنَتَهُ وَبِهَا دَاءٌ قَدْ عَلِمَهُ الْأَبُ مِمَّا
يُرَدُّ مِنْهُ الْحَرَائِرُ، فَدَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا فَرَجَعَ الزَّوْجُ
عَلَى الْأَبِ، أَيَكُونُ لِلْأَبِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الِابْنَةِ
بِشَيْءٍ مِمَّا رَجَعَ بِهِ الزَّوْجُ عَلَيْهِ إذَا رَدَّهَا الزَّوْجُ
وَقَدْ مَسَّهَا؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ ذَلِكَ وَلَا أَرَى
ذَلِكَ لَهُ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ تَزَوَّجَ رَجُلٌ امْرَأَةً فَأَصَابَهَا مَعِيبَةً
مِنْ أَيِّ الْعُيُوبِ يَرُدُّهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَرُدُّهَا مِنْ الْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ
وَالْبَرَصِ وَالْعَيْبِ الَّذِي فِي الْفَرْجِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ لَا يَعْرِفُهَا، فَإِذَا هِيَ
عَمْيَاءُ أَوْ عَوْرَاءُ أَوْ قَطْعَاءُ أَوْ شَلَّاءُ أَوْ مُقْعَدَةٌ
أَوْ وَلَدَتْ مِنْ الزِّنَا؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا تُرَدُّ، وَلَا
تُرَدُّ مِنْ عُيُوبِ النِّسَاءِ فِي النِّكَاحِ إلَّا مِنْ الَّذِي
أَخْبَرْتُك بِهِ
قُلْتُ: أَرَأَيْت إنْ كَانَ الْعَيْبُ الَّذِي بِفَرْجِهَا إنَّمَا هُوَ
قَرْنٌ أَوْ حَرْقُ نَارٍ أَوْ عَيْبٌ خَفِيفٌ يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى
الْجِمَاعِ أَوْ عَفَلٌ يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى الْجِمَاعِ، أَيَكُونُ هَذَا
مِنْ عُيُوبِ الْفَرْجِ الَّذِي يُرَدُّ مِنْهُ فِي النِّكَاحِ فِي قَوْلِ
مَالِكٍ أَمْ إنَّمَا ذَلِكَ الْعَيْبُ عِنْدَ مَالِكٍ إذَا كَانَتْ قَدْ
خَلَطَتْ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ الْعُيُوبُ مِنْ عُيُوبِ الْفَرْجِ الَّذِي
لَا يَسْتَطِيعُ الزَّوْجُ مَعَهُ الْجِمَاعُ مِثْلَ الْعَفَلِ الْكَثِيرِ
وَنَحْوِهِ مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْفَرْجِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ تُرَدُّ الْمَرْأَةُ
فِي النِّكَاحِ مِنْ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ قَالَ: قَالَ
مَالِكٌ: وَأَنَا أَرَى أَنَّ دَاءَ الْفَرْجِ بِمَنْزِلَةِ ذَلِكَ فَمَا
كَانَ مِمَّا هُوَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ مِنْ دَاءِ الْفَرْجِ
رُدَّتْ بِهِ فِي رَأْيِي وَقَدْ يَكُونُ مِنْ دَاءِ الْفَرْجِ مَا
يُجَامِعُ مَعَهُ الرَّجُلُ، وَلَكِنَّهَا تُرَدُّ مِنْهُ وَكَذَلِكَ
عُيُوبُ الْفَرْجِ.
(2/142)
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَتَزَوَّجُ
الْمَرْأَةَ وَيَشْرِطُ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ فَيَجِدُهَا عَمْيَاءَ،
أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يُزَوَّجَهَا بِشَرْطِهِ الَّذِي شَرَطَهُ أَوْ
شَلَّاءَ أَوْ مُقْعَدَةً؟ قَالَ: نَعَمْ، إنْ كَانَ اشْتَرَطَ ذَلِكَ
عَلَى مَنْ أَنْكَحَهَا، فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ وَلَا شَيْءَ لَهَا عَلَيْهِ
مِنْ صَدَاقِهَا إذَا لَمْ يَبْنِ بِهَا، وَإِنْ بَنَى بِهَا فَلَهَا
مَهْرُ مِثْلِهَا بِالْمَسِيسِ وَيَتْبَعُ هُوَ الْوَلِيَّ الَّذِي
أَنْكَحَهَا إذَا كَانَ قَدْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَتْ
هِيَ عَمْيَاءُ وَلَا قَطْعَاءُ وَلَا مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَزَوَّجَهُ
عَلَى ذَلِكَ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ
امْرَأَةً فَإِذَا هِيَ بَغِيَّةٌ قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانُوا زَوَّجُوهُ
عَلَى نَسَبٍ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ إنْ كَانُوا لَمْ يُزَوِّجُوهُ عَلَى
نَسَبٍ، فَالنِّكَاحُ لَازِمٌ لَهُ وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ أَيْضًا عَنْ
مَالِكٍ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ تَزَوَّجَ سَوْدَاءَ أَوْ عَمْيَاءَ أَوْ
عَوْرَاءَ لَمْ يَرُدَّهَا وَلَا يُرَدُّ مِنْ النِّسَاءِ فِي النِّكَاحِ
إلَّا مِنْ الْعُيُوبِ الْأَرْبَعِ: الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ
وَالْعَيْبِ الَّذِي فِي الْفَرْجِ، وَإِنَّمَا كَانَ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ
يَسْتَخْبِرَ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ اطْمَأَنَّ إلَى رَجُلٍ وَكَذَبَهُ
فَلَيْسَ عَلَى الَّذِي كَذَبَهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ ضَمِنَ ذَلِكَ
لَهُ إنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ عَلَى خِلَافِ مَا أَنْكَحَهُ عَلَيْهِ،
وَأَرَاهُ حِينَئِذٍ مِثْلَ النَّسَبِ الَّذِي زَوَّجَهُ عَلَيْهِ
وَأَرَاهُ ضَامِنًا إنْ كَانَتْ عَلَى خِلَافِ مَا ضَمِنَ إذَا فَارَقَهَا
الزَّوْجُ فَلَمْ يَرْضَهَا
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ تَزَوَّجَتْ امْرَأَةٌ رَجُلًا فِي عِدَّتِهَا
غَرَّتْهُ وَلَمْ تُعْلِمْهُ أَنَّهَا فِي عِدَّتِهَا؟ قَالَ: بَلَغَنِي
أَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي رَجُلٍ غُرَّ مِنْ وَلِيَّتِهِ فَزَوَّجَهَا فِي
عِدَّتِهَا وَدَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا، ثُمَّ عَلِمَ بِذَلِكَ الزَّوْجُ،
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: أَرَى النِّكَاحَ مَفْسُوخًا وَيَكُونُ الْمَهْرُ
عَلَى مَنْ غَرَّهُ، فَكَذَلِكَ هَذِهِ إذَا غَرَّتْ مِنْ نَفْسِهَا إلَّا
أَنَّهُ يَتْرُكُ لَهَا قَدْرَ مَا اُسْتُحِلَّتْ بِهِ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَانْتَسَبَ
لَهُمْ إلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَتَسَمَّى لَهُمْ بِغَيْرِ اسْمِهِ؟ قَالَ:
أَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ
امْرَأَةً فَأَصَابَهَا بَغِيَّةً قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانُوا
زَوَّجُوهَا مِنْهُ عَلَى نَسَبٍ فَأَرَى لَهُ الْخِيَارَ وَإِنْ كَانُوا
لَمْ يُزَوِّجُوهَا مِنْهُ عَلَى نَسَبٍ فَلَا خِيَارَ لَهُ قَالَ ابْنُ
الْقَاسِمِ: وَأَرَى لَهَا الْمَهْرَ عَلَيْهِ إنْ دَخَلَ بِهَا وَيَكُونُ
ذَلِكَ لَهُ عَلَى مَنْ غَرَّهُ إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ غَرَّهُ مِنْهَا
أَحَدٌ وَهِيَ الَّتِي غَرَّتْ مِنْ نَفْسِهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَيْهَا،
وَكَذَلِكَ الَّتِي تَزَوَّجَتْ عَلَى نَسَبٍ فَعَرَّفَهَا فَهِيَ
بِالْخِيَارِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْت إنْ كَانَ الرَّجُلُ لَقِيَّةً وَتَزَوَّجَهَا عَلَى
نَسَبٍ ثُمَّ عَلِمَتْ بَعْدَ أَنَّهُ لَقِيَّةٌ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ
مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَلَكِنِّي أَرَى فِي الْمَرْأَةِ أَنَّ لَهَا
أَنْ تَرُدَّهُ وَلَا تَقْبَلَهُ إذَا كَانَ إنَّمَا تَزَوَّجَهَا عَلَى
نَسَبٍ، فَكَانَ لَقِيَّةً مِثْلُ مَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَرْأَةِ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ تَزَوَّجَتْهُ وَهُوَ مَجْبُوبٌ أَوْ خَصِيٌّ
وَهِيَ لَا تَعْلَمُ بِذَلِكَ ثُمَّ عَلِمَتْ بِهِ أَيَكُونُ لَهَا
الْخِيَارُ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ تَزَوَّجَتْهُ وَهُوَ خَصِيٌّ
وَلَمْ تَعْلَمْ بِذَلِكَ كَانَتْ بِالْخِيَارِ إذَا عَلِمَتْ إنْ شَاءَتْ
أَقَامَتْ مَعَهُ وَإِنْ شَاءَتْ فَارَقَتْهُ بِالْمَجْبُوبِ أَشَدُّ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْمَجْبُوبَ إذَا تَزَوَّجَهَا وَالْخَصِيَّ وَهِيَ
لَا تَعْلَمُ
(2/143)
فَعَلِمَتْ فَاخْتَارَتْ الْفِرَاقَ
أَتَكُونُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ أَمْ لَا؟ قَالَ: إنْ كَانَ الْخِيَارُ
لَهَا فِي وَاحِدَةٍ وَتَكُونُ بَائِنَةً قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ تَزَوَّجَتْ مَجْبُوبَ الذَّكَرِ قَائِمَ
الْخَصِيِّ، فَاخْتَارَتْ فِرَاقَهُ وَقَدْ دَخَلَ بِهَا أَتُجْعَلُ
عَلَيْهَا الْعِدَّةُ؟ قَالَ: إنْ كَانَ مِثْلُهُ يُولَدُ لَهُ فَعَلَيْهَا
الْعِدَّةُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيُسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ
يُحْمَلُ لِمِثْلِهِ لَرَأَيْت الْوَلَدَ لَازِمًا لَهُ وَإِنْ كَانَ
يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُحْمَلُ لِمِثْلِهِ لَمْ أَرَ أَنْ يَلْزَمَهُ،
وَلَا يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ تَزَوَّجَتْ مَجْبُوبًا أَوْ خَصِيًّا وَهِيَ
تَعْلَمُ؟ قَالَ: فَلَا خِيَارَ لَهَا، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ قَالَ:
قَالَ مَالِكٌ: إذَا تَزَوَّجَتْ خَصِيًّا وَهِيَ لَا تَعْلَمُ فَلَهَا
الْخِيَارُ إذَا عَلِمَتْ، فَقَوْلُ مَالِكٍ إنَّهَا إذَا عَلِمَتْ فَلَا
خِيَارَ لَهَا قَالَ: وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا قَالَ:
وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي الْعِنِّينِ إذَا تَزَوَّجَهَا وَهِيَ
تَعْلَمُ أَنَّهُ عِنِّينٌ شَيْئًا وَلَكِنْ هَذَا رَأْيِي إنْ كَانَتْ
عَلِمَتْ أَنَّهُ عِنِّينٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ رَأْسًا
وَأَخْبَرَهَا بِذَلِكَ فَتَزَوَّجَهَا عَلَى ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا
يَطَأُ فَلَا خِيَارَ لَهَا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ امْرَأَةَ الْعِنِّينِ وَالْخَصِيِّ وَالْمَجْبُوبِ
إذَا عَلِمَتْ بِهِ ثُمَّ تَرَكَتْهُ فَلَمْ تَرْفَعْهُ إلَى السُّلْطَانِ
وَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا ثُمَّ بَدَا لَهَا فَرَفَعَتْهُ إلَى
السُّلْطَانِ؟ قَالَ: أَمَّا امْرَأَةُ الْخَصِيِّ وَالْمَجْبُوبِ فَلَا
خِيَارَ لَهَا إذَا أَقَامَتْ مَعَهُ وَرَضِيَتْ بِذَلِكَ فَلَا خِيَارَ
لَهَا عِنْدَ مَالِكٍ، وَأَمَّا الْعِنِّينُ فَإِنَّ لَهَا أَنْ تَقُولَ
اضْرِبُوا لَهُ أَجَلًا سَنَةً؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ رُبَّمَا تَزَوَّجَ
الْمَرْأَةَ فَاعْتَرَضَ لَهُ دُونَهَا ثُمَّ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ
يَتَزَوَّجُ أُخْرَى فَيُصِيبُهَا فَتَلِدُ مِنْهُ فَنَقُولُ هَذِهِ
تَرَكَتْهُ وَأَنَا أَرْجُو؛ لِأَنَّ الرِّجَالَ بِحَالِ مَا وَصَفْت لَكَ
فَذَلِكَ لَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَخْبَرَهَا أَنَّهُ لَا يُجَامِعُ
وَتَقَدَّمَتْ عَلَى ذَلِكَ فَلَا قَوْلَ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ قُلْتُ:
وَيَكُونُ فِرَاقُهُ تَطْلِيقَةً؟
قَالَ: نَعَمْ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ أَنَّ يَحْيَى بْنَ
سَعِيدٍ حَدَّثَهُمَا أَنَّ ابْنَ الْمُسَيِّبِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ: أَيُّمَا رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً بِهَا جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ
أَوْ بَرَصٌ فَمَسَّهَا فَلَهَا صَدَاقُهَا بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْهَا مِنْ
فَرْجِهَا وَكَانَ ذَلِكَ لِزَوْجِهَا غُرْمٌ عَلَى وَلِيِّهَا قَالَ
مَالِكٌ: وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ لِزَوْجِهَا غُرْمٌ عَلَى وَلِيِّهَا
إذَا كَانَ وَلِيُّهَا أَنْكَحَهَا أَبُوهَا أَوْ أَخُوهَا أَوْ مَنْ يَرَى
أَنَّهُ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهَا، فَأَمَّا إنْ كَانَ الَّذِي أَنْكَحَهَا
ابْنَ عَمٍّ أَوْ مَوْلًى أَوْ مِنْ الْعَشِيرَةِ أَوْ السُّلْطَانَ
مِمَّنْ يُرَى أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ
فِيهَا غُرْمٌ وَتَرُدُّ الْمَرْأَةُ مَا أَخَذَتْ مِنْ صَدَاقِهَا
وَيَتْرُكُ لَهَا قَدْرَ مَا يَسْتَحِلُّ بِهِ.
قَالَ اللَّيْثُ قَالَ يَحْيَى وَأَشُكُّ فِي الْجُنُونِ وَالْعَفَلِ،
غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَحَدَهُمَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ مُرَّةَ
عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ: أَمَّا هُوَ إذَا عَلِمَ بِدَائِهَا ثُمَّ
وَطِئَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَتْ لَهُ وَأَمَّا مَا تَرُدُّ بِهِ
الْمَرْأَةُ عَلَى الزَّوْجِ فَمَا قَطَعَ عَنْ الزَّوْجِ مِنْهَا
اللَّذَّةَ مِمَّا يَكُونُ مِنْ دَاءِ النِّسَاءِ فِي أَرْحَامِهِنَّ
وَالْوَجَعِ الْمُعْضِلِ مِنْ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ وَكُلِّ
ذَلِكَ جَائِزٌ عَلَيْهِ إذَا بَلَغَتْهُ الْمَسْأَلَةُ وَبَلَغَ
(2/144)
عَنْهُ الْخَبَرُ وَكَانَ ظَاهِرًا إلَّا
أَنْ يَرُدَّ مِنْ ذَلِكَ، إلَّا الشَّيْءَ الْخَفِيَّ الَّذِي لَا
يَعْلَمُهُ إلَّا الْمَرْأَةُ وَأَوْلِيَاؤُهَا وَتَرُدُّ عَلَى
الْمَغْرُورِ الَّذِي تَزَوَّجَهَا صَدَاقَهَا إلَّا أَنْ تُعَاضَ
الْمَرْأَةُ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَأَخْبَرَنِي الثِّقَةُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي
طَالِبٍ قَالَ: يَرُدُّ مِنْ النِّكَاحِ الْجُنُونُ وَالْجُذَامُ
وَالْبَرَصُ وَالْقَرْنُ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ.
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ سَعِيدٍ الْجَيَشَانِيِّ أَنَّ
مُحَمَّدَ بْنَ عِكْرِمَةَ الْمَهْدِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ
امْرَأَةً فَدَخَلَ بِهَا يَوْمًا وَعَلَيْهَا مِلْحَفَةٌ فَنَزَعَهَا
عَنْهَا فَإِذَا هُوَ يَرَى بِبَاطِنِ فَخِذِهَا وَضَحًا مِنْ بَيَاضٍ
فَقَالَ: خُذِي عَلَيْك مِلْحَفَتَك، ثُمَّ كَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ
يَزِيدَ بْنِ حَرَامٍ فَكَتَبَ لَهُ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ
فَكَتَبَ عُمَرُ أَنْ اسْتَحْلِفْهُ بِاَللَّهِ فِي الْمَسْجِدِ أَنَّهُ
مَا تَلَذَّذَ مِنْهَا بِشَيْءٍ مُنْذُ رَأَى ذَلِكَ بِهَا وَأَحْلِفْ
إخْوَتَهَا أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الَّذِي كَانَ بِهَا قَبْلَ أَنْ
يُزَوِّجُوهَا فَإِنْ حَلَفُوا فَأَعْطِ الْمَرْأَةَ مِنْ صَدَاقِهَا
رُبْعَهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ
أَنَّهُ قَالَ أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَبِهِ جُنُونٌ أَوْ
ضَرَرٌ فَإِنَّهَا تُخَيَّرَ فَإِنْ شَاءَتْ قَرَّتْ وَإِنْ شَاءَتْ
فَارَقَتْ
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَخْرَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ
وَابْنِ شِهَابٍ مِثْلَهُ، قَالَ مَالِكٌ: فَأَرَى الضَّرَرَ الَّذِي
أَرَادَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ الَّتِي تُرَدُّ
الْمَرْأَةُ مِنْهَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمِيرَةَ بْنِ أَبِي نَاجِيَةَ
وَيَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ
الْمُسَيِّبِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهَا تُخَيَّرُ إنْ شَاءَتْ وَاَللَّهُ
تَعَالَى أَعْلَمُ بِالْحَالِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآلُ
(2/145)
|