المدونة [كِتَابُ الْوَكَالَاتِ]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الْوَكَالَاتِ أَخْبَرَنَا
سَحْنُونُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ لَوْ
أَنَّ رَجُلًا أَمَرَ رَجُلًا يَشْتَرِي لَهُ سِلْعَةً مِنْ السِّلَعِ
وَلَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ ثَمَنَهَا أَوْ دَفَعَ إلَيْهِ ثَمَنَهَا فَمَاتَ
الْآمِرُ ثُمَّ اشْتَرَاهَا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِمَوْتِ الْآمِرِ أَوْ
اشْتَرَاهَا ثُمَّ مَاتَ الْآمِرُ؟ قَالَ: ذَلِكَ كُلُّهُ لَازِمٌ
لِوَرَثَتِهِ كُلِّهِمْ فَإِنْ اشْتَرَاهَا وَهُوَ يَعْلَمُ بِمَوْتِ
الْآمِرِ لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ الْوَرَثَةَ وَكَانَ ضَامِنًا لِلثَّمَنِ
لِأَنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يُوَكِّلُ الرَّجُلَ بِالْبَلَدِ
يُجَهِّزُ إلَيْهِ الْمَتَاعَ فَيَبِيعُ لَهُ وَيَشْتَرِي وَقَدْ مَاتَ
صَاحِبُ الْمَتَاعِ، قَالَ: أَمَا مَا بَاعَ وَاشْتَرَى قَبْلَ أَنْ
يَعْلَمَ بِمَوْتِ الْآمِرِ فَذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى الْوَرَثَةِ، وَأَمَّا
مَا اشْتَرَى وَبَاعَ بَعْدَ أَنْ يَعْلَمَ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ
فَمَسْأَلَتُكَ مِثْلُ هَذَا لِأَنَّ وَكَالَتُهُ قَدْ انْفَسَخَتْ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ وَكَّلْت رَجُلًا يُسَلِّفُ لِي فِي طَعَامٍ إلَى
أَجَلٍ وَدَفَعْت إلَيْهِ الدَّرَاهِمَ فَفَعَلَ فَأَتَى الْبَائِعُ إلَى
الْمَأْمُورِ بِدَرَاهِمَ فَقَالَ: هَذِهِ زُيُوفٍ فَأَبْدَلَهَا لِي
فَصَدَّقَهُ الْمَأْمُورُ ثُمَّ أَتَى إلَى الْآمِرِ لِيُبَدِّلَهَا لَهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَرَى إنْ كَانَ الْمَأْمُورُ يَعْرِفُهَا
بِعَيْنِهَا رَدَّهَا الْبَائِعُ عَلَيْهِ وَلَزِمَتْ الْآمِرَ
الدَّرَاهِمُ وَإِنْ أَنْكَرَ الْآمِرُ لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ لِأَنَّ
الْمَأْمُورَ أَمِينٌ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهَا الْمَأْمُورُ
وَقَبِلَهَا لَمْ يَلْزَمُ الْآمِرَ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ لَمْ يَعْرِفْهَا
بِعَيْنِهَا وَلَزِمَتْ الْمَأْمُورَ وَحَلَفَ الْآمِرُ عَلَى عِلْمِهِ
أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ أَنَّهَا مِنْ دَرَاهِمِهِ وَمَا أَعْطَاهُ إلَّا
جِيَادًا فِي عِلْمِهِ وَلَزِمَتْ الْمَأْمُورَ لِقَبُولِهِ إيَّاهَا
وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهَا الْمَأْمُورُ وَلَمْ يَعْرِفْهَا حَلَفَ لَهُ
أَيْضًا أَنَّهُ مَا أَعْطَاهُ إلَّا جِيَادًا فِي عِلْمِهِ وَلَزِمَتْ
الْبَائِعَ وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَحْلِفَ الْآمِرَ بِاَللَّهِ مَا
يَعْرِفُهَا مِنْ دَرَاهِمِهِ، وَمَا أَعْطَاهُ إلَّا جِيَادًا فِي
عِلْمِهِ ثُمَّ تَلْزَمُ الْبَائِعَ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَكَّلْته يَبِيعُ لِي سِلْعَةً أَيَجُوزُ أَنْ
يَبِيعَهَا بِنَسِيئَةٍ؟ فَقَالَ: لَا.
(3/271)
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ لِأَنَّ الْمُقَارِضَ يَدْفَعُ إلَيْهِ الْمَالَ قِرَاضًا
فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ نَسِيئَةً، فَكَذَلِكَ الْمُوكَلُ لَا
يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَمَرَهُ بِذَلِكَ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ وَكَّلَنِي أَبِيعُ سِلْعَةً فَبِعْتُهَا بِعَرَضٍ
مِنْ الْعُرُوضِ أَيَجُوزُ ذَلِكَ؟ قَالَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ
تِلْكَ السِّلْعَةُ لَا تُبَاعُ إلَّا بِدَنَانِيرَ أَوْ بِدَرَاهِمَ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ وَكَّلَنِي أَبِيعُ السِّلْعَةَ لَهُ فَبِعْتُهَا
مِنْ رَجُلٍ فَجَحَدَنِي الثَّمَنَ وَلَا بَيِّنَةَ لِي عَلَيْهِ
بِالْبَيْعِ أَأَضْمَنُ أَمْ لَا؟ قَالَ: نَعَمْ أَنْتَ ضَامِنٌ لِأَنَّكَ
أَتْلَفْتَ الثَّمَنَ حِينَ لَمْ تُشْهِدْ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْكَ
لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي الْبِضَاعَةِ: تُبْعَثُ مَعَ الرَّجُلِ
فَيَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ دَفَعَهَا وَيُنْكِرُ الْمَبْعُوثَ إلَيْهِ
أَنَّهُ ضَامِنٌ إلَّا أَنْ تَقُومَ لَهُ بَيِّنَةٌ بِدَفْعِهَا إلَيْهِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ وَكَّلْت رَجُلًا يَشْتَرِي لِي جَارِيَةً
فَاشْتَرَاهَا لِي عَمْيَاءَ أَوْ عَوْرَاءَ أَوْ عَرْجَاءَ أَيَجُوزُ
هَذَا أَمْ لَا؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مِنْ الْعُيُوبِ عُيُوبٌ يُجْتَرَأُ
عَلَى مِثْلِهَا فِي خِفَّتِهَا وَشِرَاؤُهَا فُرْصَةٌ، فَإِذَا كَانَ
مِثْلَ ذَلِكَ رَأَيْتُهُ جَائِزًا، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ عَيْبٍ
مُفْسِدٍ فَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ فَإِنْ أَبَى فَلَهُ
أَنْ يُضَمِّنَهُ مَالَهُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ وَكَّلْت رَجُلًا يَشْتَرِي لِي أَمَةً فَاشْتَرَى
لِي ابْنَتِي أَوْ أُخْتِي أَيَجُوزُ ذَلِكَ عَلَيَّ؟ قَالَ: إنْ كَانَ
عَلِمَ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَيْكَ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْلَمْ فَذَلِكَ
جَائِزٌ عَلَيْكَ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ وَكَّلْت رَجُلًا يَشْتَرِي لِي سِلْعَةً أَوْ
يَبِيعُ لِي سِلْعَةً فَاشْتَرَى لِي أَوْ بَاعَ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ
النَّاسُ فِي مِثْلِهِ أَيَجُوزُ عَلَيَّ أَمْ لَا؟ قَالَ: لَا يَجُوزُ
ذَلِكَ عَلَيْكَ.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، قَالَ مَالِكٌ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَمَرَهُ رَجُلٌ أَنْ
يَبِيعَ لَهُ سِلْعَةً فَبَاعَهَا بِمَا لَا يَعْرِفُ مَنْ الثَّمَنِ
ضَمِنَ عِنْدَ مَالِكٍ مِثْلُ أَنْ يُعْطِيَهُ الْجَارِيَةَ يَبِيعَهَا
وَلَا يُسَمِّي لَهُ ثَمَنًا فَيَبِيعُهَا بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ أَوْ
أَرْبَعَةٍ وَهِيَ ذَاتُ ثَمَنٍ كَثِيرٍ فَلَا يَجُوزُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ أُدْرِكَتْ الْجَارِيَةُ نَقْضَ الْبَيْعِ
وَرُدَّتْ فَإِنْ تَلِفَتْ ضَمِنَ الْبَائِعُ قِيمَتَهَا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ وَكَّلْت وَكِيلًا يَشْتَرِي لِي سِلْعَةً
بِعَيْنِهَا فَذَهَبَ فَاشْتَرَى السِّلْعَةَ وَهِيَ بِثَمَانِمِائَةِ
دِرْهَمٍ فَاشْتَرَاهَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ؟ قَالَ: لَا يَلْزَمُ الْآمِرُ
وَيَلْزَمُ الْمَأْمُورُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ إلَّا أَنْ يَشَاءَ ذَلِكَ
الْآمِرُ فَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ إلَّا فِي مِثْلِ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ
فِي مِثْلِهِ فَذَلِكَ يَلْزَمُ الْآمِرَ وَلَا يَلْزَمُ الْمَأْمُورَ،
وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.
قَالَ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَأْمُرُ رَجُلًا أَنْ يَبِيعَ
لَهُ سِلْعَةً فَيَبِيعُهَا؟ .
قَالَ مَالِكٌ: يَلْزَمُ الْبَيْعُ الْآمِرَ إلَّا أَنْ يَبِيعَهَا
الْمَأْمُورُ بِمَا لَا يُشْبِهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْبَيْعُ غَيْرَ
جَائِزٍ وَيُنْتَقَضُ الْبَيْعُ إنْ كَانَتْ لَمْ تَفُتْ فَإِنْ كَانَتْ
قَدْ فَاتَتْ ضَمِنَ الْمَأْمُورُ قِيمَةَ تِلْكَ السِّلْعَةِ لِلْآمِرِ.
(3/272)
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمِنْ ذَلِكَ
أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: بِعْ غُلَامِي هَذَا أَوْ دَابَّتِي
هَذِهِ، فَأَخَذَهَا وَبَاعَهَا بِدِينَارٍ أَوْ دِينَارَيْنِ أَوْ مَا
أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ فَهُوَ
ضَامِنٌ؟ قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.
قُلْتُ: فَإِنْ وَكَّلْت رَجُلًا يَشْتَرِي لِي عَبْدَ فُلَانٍ بِثَوْبِهِ
هَذَا أَوْ بِطَعَامِهِ هَذَا؟ قَالَ: أَمَّا فِي الطَّعَامِ فَهُوَ
جَائِزٌ وَيَرْجِعُ الْمَأْمُورُ عَلَى الْآمِرِ بِطَعَامِ مِثْلِهِ
وَأَمَّا فِي الثَّوْبِ فَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا وَلَا أَرَى بِهِ بَأْسًا
لِأَنِّي أَرَاهُمَا كَأَنَّهُ أَسَلَفَهُ الطَّعَامَ وَالثَّوْبَ جَمِيعًا
وَيُرَدُّ شِرَاؤُهُمَا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ وَكَّلْت رَجُلًا لِيَشْتَرِيَ لِي بِرْذَوْنًا
بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ فَاشْتَرَاهُ بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ؟ قَالَ: قَالَ
مَالِكٌ: إنْ كَانَ عَلَى الصِّفَةِ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَالْبِرْذَوْنُ
لَازِمٌ لِلْمُوَكِّلِ. قُلْتُ: فَإِنْ اشْتَرَاهُ بِعِشْرِينَ دِينَارًا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الْآمِرُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِعِشْرِينَ
دِينَارًا وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ، قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ كَانَ أَمَرَهُ
أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِعِشْرِينَ دِينَارًا فَزَادَ الزِّيَادَةَ
الْيَسِيرَةَ الَّتِي تُزَادُ فِي مِثْلِهِ لَزِمَ الْآمِرُ ذَلِكَ
وَغَرِمَ تِلْكَ الزِّيَادَةَ وَلِلزِّيَادَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وُجُوهٌ
مِثْلُ الْجَارِيَةِ يَأْمُرُهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا لَهُ بِمِائَةِ
دِينَارٍ فَيَزِيدَ دِينَارَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَذَلِكَ جَائِزٌ
عَلَيْهِ.
وَلَقَدْ سَأَلْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ: الرَّجُلُ يَأْمُرُ الرَّجُلَ أَنْ
يَشْتَرِيَ لَهُ الْجَارِيَةَ بِأَرْبَعِينَ دِينَارًا فَيَزِيدَ
الدِّينَارَ وَالدِّينَارَيْنِ فَقَالَ: ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ إذَا كَانَتْ
الزِّيَادَةُ بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّهَا تَكُونُ زِيَادَةً فِي تِلْكَ
السِّلْعَةِ وَفِي ذَلِكَ الثَّمَنِ
قُلْت: أَرَأَيْتَ مَا اشْتَرَى مِمَّا لَا يَلْزَمُ الْآمِرُ أَيَلْزَمُ
الْمَأْمُورَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ:
لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَمَرَهُ رَجُلٌ أَنْ يَبِيعَ لَهُ سِلْعَةً فَبَاعَهَا
بِمَا لَا يُعْرَفُ مِنْ الثَّمَنِ ضَمِنَ يُرِيدُ مَالِكٌ مِثْلَ أَنْ
يُعْطِيَهُ الْجَارِيَةَ يَبِيعُهَا وَلَا يُسَمِّيَ لَهُ شَيْئًا
فَيَبِيعَهَا بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ أَوْ بِأَرْبَعَةٍ وَهِيَ ذَاتُ ثَمَنٍ
أَكْثَرَ فَهَذَا لَا يَجُوزُ؟
قَالَ: فَإِنْ أُدْرِكَتْ الْجَارِيَةُ نُقِضَ الْبَيْعُ وَرُدَّتْ، وَإِنْ
تَلَفَ ضَمِنَ الْبَائِعُ قِيمَتَهَا، قَالَ لِي مَالِكٌ: وَإِنْ أَمَرَهُ
أَنْ يَبِيعَهَا فَبَاعَهَا بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ وَقَالَ: بِذَلِكَ
أَمَرْتَنِي وَقَالَ الْآمِرُ مَا أَمَرْتُكَ إلَّا بِأَحَدَ عَشَرَ
دِينَارًا أَوْ أَكْثَرَ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ أُدْرِكَتْ السِّلْعَةُ
بِعَيْنِهَا حَلَفَ الْآمِرُ بِاَللَّهِ عَلَى مَا قَالَ: وَكَانَ
الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَقُلْتُ لِمَالِكٍ: فَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي:
إنَّمَا أَنْتَ نَادِمٌ وَقَدْ أَقْرَرْتُ بِأَنَّكَ أَمَرْتَهُ
بِالْبَيْعِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا أُدْرِكَتْ السِّلْعَةُ بِعَيْنِهَا
حَلَفَ الْآمِرُ وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَإِنْ فَاتَتْ حَلَفَ
الْمَأْمُورُ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ يُرِيدُ
بِذَلِكَ مَالِكٌ إذَا كَانَ مَا بَاعَ بِهِ الْمَأْمُورُ غَيْرَ
مُسْتَنْكَرٍ.
قُلْتُ: لِمَ قَالَ مَالِكٌ: هَذَا هَهُنَا وَقَدْ قَالَ فِي الرَّجُلِ
يَدْفَعُ إلَى الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ يَشْتَرِي لَهُ بِهَا حِنْطَةً
فَاشْتَرَى لَهُ بِهَا تَمْرًا إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمَأْمُورِ مَعَ
يَمِينِهِ؟
قَالَ: إنَّمَا قُلْتُ
(3/273)
لَكَ ذَلِكَ وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ
مَالِكٍ لِأَنَّهُ قَدْ أَقَرَّ لَهُ بِالْوَكَالَةِ عَلَى الِاشْتِرَاءِ
فَلَمَّا اشْتَرَى الْوَكِيلُ مَا زَعَمَ أَنَّهُ وَكِيلٌ بِهِ عَلَيْهِ
وَالذَّهَبُ مُسْتَهْلَكَةٌ كَانَ الْآمِرُ مُدَّعِيًا عَلَى الْمَأْمُورِ
يُرِيدُ أَنْ يُضَمِّنَهُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ
وَأَنَّ السِّلْعَةَ الَّتِي اخْتَلَفَا فِيهَا قَائِمَةٌ فَلِذَلِكَ كَانَ
الْقَوْلُ قَوْلَ الْآمِرِ وَإِذَا فَاتَتْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ
الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْآمِرَ مُدَّعٍ يُرِيدُ أَنْ يُضَمِّنَهُ فَفَوْتُ
السِّلْعَةِ مِثْلُ فَوْتِ الدَّنَانِيرِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا دَفَعَ إلَيْهِ رَجُلٌ مَالًا
وَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ سِلْعَةً مِنْ السِّلَعِ فَاشْتَرَى لَهُ
السِّلْعَةَ فَضَاعَ الْمَالُ بَعْدَ مَا اشْتَرَاهَا لَهُ؟ قَالَ: قَالَ
مَالِكٌ: فِي الرَّجُلِ يَأْمُرُ الرَّجُلَ يَشْتَرِي لَهُ السِّلْعَةَ
وَلَمْ يَدْفَعْ شَيْئًا فَاشْتَرَاهَا الرَّجُلُ ثُمَّ دَفَعَ الْآمِرُ
الْمَالَ إلَى الْمَأْمُورِ لِيَقْضِيَهُ فَضَاعَ الْمَالُ مِنْ
الْمَأْمُورِ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَهُ قَالَ مَالِكٌ: عَلَى الْآمِرِ
الْغُرْمُ ثَانِيَةً.
قُلْتُ: فَإِنْ ضَاعَ ثَانِيَةً؟
قَالَ: يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، قَالَ: وَأَمَّا مَسْأَلَتُكَ فِي الَّذِي
دَفَعَ الْمَالَ وَأَمَرَ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا أَمَرَهُ
أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِذَلِكَ الْمَالِ بِعَيْنِهِ فَإِنَّمَا هُوَ
بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يَدْفَعُ الْمَالَ إلَى الرَّجُلِ قِرَاضًا
فَيَشْتَرِيَ بِهِ سِلْعَةً فَيَأْتِي إلَى الْمَالِ فَيَجِدُهُ قَدْ
تَلَفَ فَلَا يَلْزَمُ صَاحِبُ الْمَالِ أَدَاؤُهُ وَيَكُونُ صَاحِبُ
الْقِرَاضِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَفَعَ الْمَالَ ثَانِيَةً، وَيَكُونُ
عَلَى قِرَاضِهِ، وَإِنْ شَاءَ تَبَرَّأَ مِنْهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ
وَيَلْزَمُ الْعَامِلُ، فَكَذَلِكَ الَّذِي دَفَعَ الْمَالَ إلَى
الْمَأْمُورِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِذَلِكَ الْمَالِ فَإِنَّهُ
إنْ ضَاعَ بَعْدَ مَا اشْتَرَى كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا أَخْبَرْتُكَ فِي
الْقِرَاضِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَمَسْأَلَتُكَ مِثْلُهُ سَوَاءٌ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنِّي أَمَرْتُ رَجُلًا يَشْتَرِي لِي جَارِيَةً
بَرْبَرِيَّةً فَبَعَثَ إلَيَّ بِجَارِيَةٍ بَرْبَرِيَّةٍ فَوَطِئْتُهَا
فَحَمَلَتْ مِنِّي أَوْ لَمْ تَحْمِلْ ثُمَّ قَدُمَ الْمَأْمُورُ
بِجَارِيَةٍ بَرْبَرِيَّةٍ فَقَالَ: إنَّمَا كُنْتُ بَعَثْتُ إلَيْك
بِتِلْكَ الْجَارِيَةِ وَدِيعَةً وَهَذِهِ جَارِيَتُكَ الَّتِي اشْتَرَيْت
لَكَ، قَالَ: إنْ كَانَ لَمْ يُبَيِّنْ لَهُ ذَلِكَ فِي الْبَعْثَةِ حِينَ
بَعَثَ إلَيْهِ بِالْجَارِيَةِ أَنَّهَا جَارِيَتُهُ وَلَمْ تَفُتْ حَلَفَ
وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَقَبَضَ جَارِيَتَهُ وَدَفَعَ إلَيْهِ الَّتِي
زَعَمَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لَهُ.
وَإِنْ كَانَتْ قَدْ فَاتَتْ بِحَمْلٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ
تَدْبِيرٍ لَمْ أَرَ لَهُ شَيْئًا وَلَمْ أَرَ لَهُ عَلَيْهَا سَبِيلًا
لِأَنِّي لَا أَنْقُضُ عِتْقًا قَدْ وَجَبَ وَشُبْهَتُهُ قَائِمَةٌ
بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ فَتَكُونُ لَهُ جَارِيَتُهُ،
وَيَلْزَمُ الْآمِرُ الْجَارِيَةَ الَّتِي أَتَى بِهَا الْمَأْمُورُ
لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: فِي رَجُلٍ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَبْتَاعَ لَهُ
جَارِيَةً بِمِائَةِ دِينَارٍ فَقَدِمَ فَبَعَثَ إلَيْهِ بِجَارِيَةٍ ثُمَّ
لَقِيَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ: إنَّ الْجَارِيَةَ كَانَتْ تُقَوَّمُ
بِخَمْسِينَ وَمِائَةِ دِينَارٍ وَبِذَلِكَ اشْتَرَيْتهَا، قَالَ مَالِكٌ:
إنْ كَانَتْ لَمْ تَفُتْ خُيِّرَ الْآمِرُ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَأْخُذَهَا
بِمَا قَالَ أَخْذَهَا وَإِلَّا رَدَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ حَمَلَتْ
لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غُرْمُ شَيْءٍ إلَّا الْمِائَةَ الَّتِي أَمَرَهُ
بِهَا بَلَغَنِي ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ مِمَّنْ أَثِقُ بِهِ فَمَسْأَلَتُكَ
مِثْلُهُ.
(3/274)
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْعَبْدَ إذَا وَكَّلَ
رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِمَالٍ دَفَعَهُ الْعَبْدُ إلَى الرَّجُلِ
فَاشْتَرَاهُ؟ قَالَ: يَغْرَمُ ثَمَنَهُ ثَانِيَةً وَيَلْزَمُهُ الْبَيْعُ
وَيَكُونُ الْعَبْدُ لَهُ كَامِلًا كَذَلِكَ قَالَ لِي مَالِكٌ،
وَسَأَلْتُهُ عَنْ الْعَبْدِ يَدْفَعُ إلَى الرَّجُلِ مَالًا فَيَقُولُ:
اشْتَرِنِي لِنَفْسِكَ فَقَالَ: مَا أَخْبَرْتُكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ:
إلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَ الْمُشْتَرِي الْمَالَ فَيَكُونَ الْبَيْعُ
جَائِزًا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُ الثَّمَنِ الَّذِي دُفِعَ إلَيْهِ
أَوَّلًا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ أَمَرْتُ رَجُلًا أَنْ يَبِيعَ لِي سِلْعَةً
فَبَاعَهَا وَبِعْتهَا أَنَا لِمَنْ تُجْعَلُ السِّلْعَةُ؟
قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْهَا فَقَالَ: الْأَوَّلُ أَوْلَاهُمَا
بَيْعًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي الْآخَرَ قَدْ قَبَضَهَا فَهِيَ
لَهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَخْبَرَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ
رَبِيعَةَ مِثْلَهُ وَرَأَيْتُ مَالِكًا وَرَبِيعَةَ فِيمَا بَلَغَنِي
عَنْهُمَا يَجْعَلَانِهِ مِثْلَ النِّكَاحِ، أَنَّ النِّكَاحَ نِكَاحُ
الْأَوَّلِ إذَا أَنْكَحَ الْوَلِيَّانِ وَقَدْ فَوَّضَ كُلُّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا إلَى صَاحِبِهِ أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى إلَّا أَنْ يَدْخُلَ
بِهَا الْآخَرُ. ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ رَبِيعَةَ
أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ بَعَثَ سِلْعَةً مَعَ رَجُلٍ وَكَّلَهُ
بِبَيْعِهَا ثُمَّ بَدَا لِلرَّجُلِ: أَنْ بَاعَ سِلْعَتَهُ وَبَعَثَ فِي
أَثَرِ وَكِيلِهِ فَوَجَدَ الْوَكِيلَ قَدْ بَاعَ وَكَانَ بَيْعُ سَيِّدِ
الْمَالِ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَ الْوَكِيلَ، فَقَالَ رَبِيعَةُ: إنَّ
الْوَكَالَةَ بَيْعٌ وَبَيْعُ السَّيِّدِ جَائِزٌ.
وَأَيُّهُمَا كَانَ أَوَّلُ الْوَكِيلُ أَوْ السَّيِّدُ كَانَ هُوَ الَّذِي
يَدْفَعُ السِّلْعَةَ إلَيْهِ وَيَضْمَنُ بَيْعَهُ فَبَيْعُهُ أَجْوَزُ،
وَإِنْ أُدْرِكَتْ السِّلْعَةُ لَمْ يَدْفَعْهَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَى
صَاحِبِهِ فَأَوَّلُهُمَا بَيْعًا أَجُوزُهُمَا بَيْعًا فِيهَا.
قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: قَالَ رَبِيعَةُ: وَإِنَّمَا كَانَ شِرَاءُ
الَّذِي قَبَضَهَا أَجْوَزَ وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ لِأَنَّهُ قَدْ ضَمِنَ
إنْ كَانَتْ وَلِيدَةً اسْتَحَلَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مُصِيبَةً حَمَلَهَا.
[الدَّعْوَى فِي بَيْعِ الْوَكِيلِ السِّلْعَةَ]
َ قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَدْفَعُ إلَى الرَّجُلِ
السِّلْعَةَ يَبِيعُهَا لَهُ فَيَبِيعُهَا بِطَعَامٍ أَوْ عَرَضٍ نَقْدًا
فَيُنْكِرُ صَاحِبُ السِّلْعَةِ الْبَيْعَ وَيَقُولُ: لَمْ آمُرْك أَنْ
تَبِيعَهَا بِطَعَامٍ وَلَا بِعَرَضٍ قَالَ مَالِكٌ: إذَا بَاعَهَا بِمَا
لَا تُبَاعُ بِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ: إنْ كَانَتْ
السِّلْعَةُ قَائِمَةً لَمْ تَفُتْ خُيِّرَ صَاحِبُهَا فَإِنْ شَاءَ
أَجَازَ الْبَيْعَ وَأَخَذَ الْعَرَضَ أَوْ الطَّعَامَ الَّذِي بِيعَتْ
بِهِ السِّلْعَةُ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ فِعْلُهُ نَقَضَ الْبَيْعَ وَأَخَذَ
سِلْعَتَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَضْمَنَ الْبَائِعَ لِأَنَّ
السِّلْعَةَ لَمْ تَفُتْ، فَإِنْ فَاتَتْ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ
أَخَذَ الطَّعَامَ بِثَمَنِ سِلْعَتِهِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا
وَأَسْلَمَ الطَّعَامَ أَوْ الْعُرُوضَ لِلْبَائِعِ، وَقَالَ غَيْرُهُ:
كُلُّ مَنْ أَدْخَلَ فِي الْوَكَالَاتِ مِنْ الِادِّعَاءِ فِي الْبَيْعِ
وَالِاشْتِرَاءِ
(3/275)
مَا لَيْسَ عَلَيْهِ أَصْلُهُ مِنْ
الْأَمْرِ الْمُسْتَنْكَرِ الَّذِي لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ مِثْلُ أَنْ
يَأْمُرَ رَجُلًا بِبَيْعِ سِلْعَتِهِ فَيَبِيعَهَا وَتَفُوتُ بِمَا لَا
يُبَاعُ بِهِ مِثْلُهَا وَيَدَّعِي أَنَّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ وَيُنْكِرُ
رَبُّ السِّلْعَةِ أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُ بِذَلِكَ أَوْ ادَّعَى
الْمَأْمُورُ أَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَهَا بِدِينَارَيْنِ إلَى أَجَلٍ
أَوْ بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ وَهِيَ بِثَمَانِمِائَةِ دِينَارٍ أَوْ
بِطَعَامٍ أَوْ بِعَرَضٍ وَلَيْسَ مِثْلُهَا يُبَاعُ بِهِ، فَإِنَّ هَذَا
لَيْسَ بِجَائِزٍ عَلَى الْآمِرِ وَإِنَّمَا أَمَرَهُ الْآمِرُ بِالْبَيْعِ
وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالِاشْتِرَاءِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا أَمَرَهُ
بِبَيْعِ سِلْعَتِهِ فَإِنَّمَا الْبَيْعُ بِالْأَثْمَانِ وَالْأَثْمَانُ
الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ وَأَنَّ بَيْعَهُ السِّلْعَةَ بِالطَّعَامِ
وَالْعُرُوضِ وَهِيَ مِمَّا لَا تُبَاعُ بِهِ إنَّمَا هُوَ اشْتِرَاءٌ
مِنْهُ لِلْعُرُوضِ وَالطَّعَامِ وَهُوَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالِاشْتِرَاءِ
لِأَنَّ الْعُرُوضَ وَالطَّعَامَ هُوَ مَثْمُونٌ وَلَيْسَ هُوَ بِثَمَنٍ،
أَلَا تَرَى أَنَّهُ مَنْ سَلَّفَ طَعَامًا بِعَيْنِهِ فِي عَرَضٍ إلَى
أَجَلٍ فَاسْتَحَقَّ الطَّعَامَ انْفَسَخَ السَّلَمُ وَلَمْ يَقُلْ لَهُ
ائْتِ بِطَعَامٍ مِثْلِهِ.
وَلَوْ سَلَّفَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فِي عُرُوضٍ إلَى أَجَلٍ
فَاسْتُحِقَّتْ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ لَمْ يُنْقَضْ السَّلَمُ
وَقِيلَ لَهُ ائْتِ بِدَرَاهِمَ مِثْلِهَا أَوْ بِدَنَانِيرَ مِثْلِهَا
لِأَنَّهَا ثَمَنٌ وَلَيْسَتْ بِالْمَثْمُونَةِ وَالطَّعَامُ وَالْعُرُوضُ
مَثْمُونٌ وَلَيْسَتْ بِثَمَنٍ، وَأَنَّ الرَّجُلَ يَشْتَرِي السِّلَعَ
بِالدَّنَانِيرِ أَوْ الدَّرَاهِمِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ فَلَا يَكُونُ بِهِ
بَأْسٌ وَلَا يُقَالُ لَهُ: فِيهِ بَاعَ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ وَلَا يَجُوزُ
لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ السِّلَعَ الَّتِي لَا تُكَالُ وَلَا تُوزَنُ
بِسِلَعٍ تُكَالُ وَتُوزَنُ مِنْ صِنْفِهَا وَلَا مِنْ غَيْرِ صِنْفِهَا
أَوْ بِطَعَامٍ لَيْسَ عِنْدَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مُشْتَرِيًا
لَمَا اشْتَرَى مِنْ السِّلَعِ الَّتِي لَا تُكَالُ وَلَا تُوزَنُ بِسِلَعٍ
تُكَالُ أَوْ تُوزَنُ أَوْ بِطَعَامٍ يُكَالُ لَيْسَ عِنْدَهُ فَهُوَ
بَائِعٌ أَيْضًا فَصَارَ بَائِعًا لِمَا لَيْسَ عِنْدَهُ، وَقَدْ قَامَتْ
السُّنَّةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَعَنْ أَصْحَابِهِ وَعَنْ التَّابِعِينَ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا
لَيْسَ عِنْدَكَ إلَّا مَا قَامَتْ بِهِ السُّنَّةُ فِي التَّسْلِيفِ
الْمَضْمُونِ.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَدْ وَصَفْنَا قَبْلَ هَذَا مَا يَجُوزُ مِنْ
التَّسْلِيفِ وَمَا لَا يَجُوزُ
وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ سِلْعَةً
تُسَاوِي خَمْسِينَ دِينَارًا بِمِائَةِ دِينَارٍ وَادَّعَى أَنَّهُ
أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ سِلْعَةً بِسِلْعَةٍ وَلَيْسَتْ تُشْتَرَى
السِّلْعَةُ الَّتِي ادَّعَى أَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا إلَّا
بِالْعَيْنِ وَأَنْكَرَ الْآمِرُ دَعْوَاهُ وَهُوَ مُقِرٌّ بِالْوَكَالَةِ
لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الْمَأْمُورِ عَلَى الْآمِرِ وَإِنْ ادَّعَى
الْمَأْمُورُ مَا يُشْبِهُ الْوَكَالَاتِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: أَمَرْتَنِي
أَنْ أَبِيعَ سِلْعَتَكَ بِعَشْرَةٍ وَهِيَ مِمَّا يَتَغَابَنُ النَّاسُ
فِيهِ وَقَدْ فَاتَتْ السِّلْعَةُ، وَيَقُولُ رَبُّ السِّلْعَةِ إنَّمَا
أَمَرْتُكَ بِأَحَدَ عَشَرَ أَوْ يَقُولُ أَمَرْتَنِي أَنْ أَشْتَرِيَ لَكَ
طَعَامًا بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ وَقَدْ فَعَلْتُ فَيَقُولُ الْآمِرُ
أَمَرْتُكَ أَنْ تَشْتَرِيَ بِهَا سِلْعَةً فَالْقَوْلُ قَوْلُ
الْمَأْمُورِ فَكُلُّ مُسْتَهْلَكٍ ادَّعَى الْمَأْمُورُ فِيهِ مَا
يُمْكِنُ وَادَّعَى الْآمِرُ غَيْرَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَأْمُورِ
وَكُلُّ قَائِمٍ ادَّعَى فِيهِ الْمَأْمُورُ مَا يُمْكِنُ وَلَمْ يَفُتْ
وَخَالَفَهُ الْآمِرُ وَادَّعَى غَيْرَهُ حَلَفَ الْآمِرُ وَكَانَ
الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَخُذْ هَذَا الْأَصْلَ عَلَى هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَمِنْ ذَلِكَ الرَّجُلُ يَدْفَعُ ثَوْبُهُ إلَى الصَّبَّاغِ فَيَقُولُ
رَبُّ الثَّوْبِ: أَمَرْتُك بِعُصْفُرٍ وَيَقُولُ الصَّبَّاغُ: أَمَرْتنِي
بِزَعْفَرَانٍ أَوْ يَدْفَعُ ثَوْبَهُ إلَى الْخَيَّاطِ فَيَقُولُ
أَمَرْتُك بِقَبَاءٍ وَيَقُولُ الْخَيَّاطُ: أَمَرْتنِي بِقَمِيصٍ فَلَيْسَ
عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا
(3/276)
إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ غَيْرَ الْعَمَلِ
الَّذِي عَمِلَ إلَّا الْيَمِينُ بِاَللَّهِ مَا عَمِلْتُهُ لَكَ إلَّا مَا
أَمَرْتَنِي بِهِ إذَا كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ عَمَلِهِ أَنَّهُ
يُصْبَغُ بِالضَّرْبَيْنِ وَيَخِيطُ الصِّنْفَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
[الْوَكِيلُ فِي السَّلَمِ أَوْ غَيْرِهِ يَأْخُذُ رَهْنًا أَوْ يَأْخُذُ
حَمِيلًا فَيَضِيعُ عِنْدَهُ]
ُ وَقَدْ عَلِمَ بِهِ الْآمِرُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ
وَكَّلْت وَكِيلًا فِي أَنْ يُسْلِمَ لِي فِي طَعَامٍ إلَى أَجَلٍ فَفَعَلَ
وَأَخَذَ رَهْنًا أَوْ حَمِيلًا مَنْ غَيْرِ أَنْ آمُرَهُ أَيَجُوزُ ذَلِكَ
فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ وَالرَّهْنُ وَالْحَمِيلُ ثِقَةٌ
لِلْآمِرِ فَهَذَا الْوَكِيلُ لَمْ يَصْنَعْ إلَّا خَيْرًا وَوَثِيقَةً
لِلْآمِرِ.
قُلْتُ: فَإِنْ ضَاعَ الرَّهْنُ عِنْدَ الْوَكِيلِ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ
بِذَلِكَ الْمُوَكِّلُ؟
قَالَ: الضَّيَاعُ مِنْ الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْآمِرَ لَمْ يَأْمُرْ
بِذَلِكَ بِأَنْ يَرْتَهِنَ.
قُلْتُ: فَمَا كَانَ مِنْ ضَرَرٍ فِي الرَّهْنِ فَهُوَ عَلَى الْوَكِيلِ
وَمَا كَانَ مِنْ مَنْفَعَةٍ فَهِيَ لِلْآمِرِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: فَالْحَمِيلُ؟
قَالَ: الْحَمِيلُ لَيْسَ يَدْخُلُهُ الرَّهْنُ مِنْ التَّلَفِ
وَالْحَمِيلُ فِي كُلِّ وَجْهٍ إنَّمَا هُوَ مَنْفَعَةٌ لِلْآمِرِ. قُلْت:
فَإِنْ كَانَ الْآمِرُ قَدْ عَلِمَ بِالرَّهْنِ فَرَضِيَهُ ثُمَّ تَلَفَ
بَعْدَ ذَلِكَ؟
قَالَ: إذَا رَضِيَ بِالرَّهْنِ لَزِمَهُ وَكَانَ كَأَنَّهُ أَمَرَهُ
بِذَلِكَ بِأَنْ يَرْتَهِنَهُ لَهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا ارْتَهَنَ لَهُ.
قُلْتُ: فَإِنْ رَدَّهُ وَلَمْ يَقْبَلْهُ رَجَعَ الرَّهْنُ إلَى رَبِّهِ
وَلَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَحْبِسَهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
[دَعْوَى الْوَكِيل]
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ مُكَاتِبًا بَعَثَ بِكِتَابَتِهِ مَعَ
رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٌ بَعَثَتْ بِمَالٍ اخْتَلَعَتْ بِهِ مِنْ زَوْجِهَا
مَعَ رَجُلٍ أَوْ رَجُلٌ بَعَثَ بِصَدَاقِ امْرَأَتِهِ مَعَ رَجُلٍ
وَزَعَمَ الَّذِي بَعَثَ ذَلِكَ مَعَهُ أَنَّهُ قَدْ دَفَعَ ذَلِكَ كُلَّهُ
وَكَذَّبَهُ الْمَبْعُوثُ إلَيْهِ الْمَالَ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: فِي
الدَّيْنِ مَا أَخْبَرْتُكَ فَهَذَا كُلُّهُ مَحْمُولُ الدَّيْنِ
وَعَلَيْهِمْ أَنْ يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُمْ قَدْ دَفَعُوا ذَلِكَ
إلَى الْمَبْعُوثِ إلَيْهِ وَإِلَّا ضَمِنُوا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ دَفَعْت إلَى رَجُلٍ مَالًا وَدِيعَةً بِغَيْرِ
بَيِّنَةٍ فَوَكَّلْتُ وَكِيلًا يَقْبِضُهَا مِنْهُ فَقَالَ: قَدْ
دَفَعْتهَا إلَى الْوَكِيلِ وَقَالَ الْوَكِيلُ كَذَبْتَ مَا دَفَعْت
إلَيَّ شَيْئًا، قَالَ: إنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً غَرِمَ، وَقَالَ
غَيْرُهُ: أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَصِيَّ أَمِينٌ، وَلَوْ زَعَمَ أَنَّهُ
تَلَف مَا فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ وَإِنَّمَا الْوَصِيُّ أَمِينٌ
مَأْمُورٌ بِدَفْعِ مَا فِي يَدَيْهِ مِمَّا أَوْصَى بِهِ إلَيْهِ إلَيْهِ
مَنْ يَرِثُهُ عَمَّنْ أَوْصَى بِهِ إلَى
(3/277)
الْوَصِيِّ.
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إذَا
بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا
إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] وَقَدْ قَالَ: {فَأَشْهِدُوا
عَلَيْهِمْ} [النساء: 6] فَقَدْ أَمَرَهُمْ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
بِالْإِشْهَادِ إذَا أُمِرُوا بِدَفْعِ مَا فِي أَيْدِيهِمْ إلَى
غَيْرِهِمْ فَكَذَلِكَ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَأُمِرَ بِدَفْعِ مَا
عَلَيْهِ إلَى رَجُلٍ أَوْ كَانَتْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فَأَمَرَهُ رَبُّهَا
بِدَفْعِهَا إلَى أَحَدٍ فَعَلَيْهِ مَا عَلَى وَلِيِّ الْيَتِيمِ مِنْ
الْإِشْهَادِ.
[إقَالَةُ الْوَكِيلِ وَتَأْخِيرُهُ]
ُ قُلْتُ: لَوْ وَكَّلْت وَكِيلًا فِي أَنْ يُسْلِمَ لِي فِي طَعَامٍ
فَفَعَلَ ثُمَّ أَقَالَ الْوَكِيلَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْآمِرِ أَفَيَجُوزُ
ذَلِكَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ
لِأَنَّ الطَّعَامَ إنَّمَا وَجَبَ لِلْآمِرِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ وَكَّلْت رَجُلًا يُسْلِمُ لِي فِي طَعَامٍ
فَفَعَلَ، ثُمَّ إنَّ الْآمِرَ أَقَالَ الْبَائِعُ أَوْ تَرَكَ ذَلِكَ لَهُ
أَوْ وَهَبَ لَهُ؟ قَالَ: أَرَى أَنَّ الطَّعَامَ إنَّمَا وَجَبَ لِلْآمِرِ
فَكُلُّ شَيْءٍ صُنِعَ فِي طَعَامِهِ مِمَّا يَجُوزُ لَهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ
وَلَا يُنْظَرُ هَهُنَا إلَى الْمَأْمُورِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ وَكَّلْت رَجُلًا يُسْلِمُ لِي دَنَانِيرَ فِي
عَشَرَةِ أَرَادِبَ حِنْطَةٍ فَفَعَلَ الْوَكِيلُ ذَلِكَ ثُمَّ إنَّ
الْوَكِيلَ أَقَالَهُ بَعْدَ ذَلِكَ؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ كَانَ
ذَلِكَ ثَبَتَ لِلَّذِي ابْتَاعَ لَهُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِاعْتِرَافٍ
مِنْ الْوَكِيلِ قَبْلَ أَنْ يَقْبَلَهُ أَنَّهُ إنَّمَا ابْتَاعَ ذَلِكَ
لِلَّذِي وَكَّلَهُ فَلَا تَجُوزُ إقَالَتُهُ إلَّا بِأَمْرِ الْآمِرِ
الَّذِي وَجَبَ لَهُ الطَّعَامُ.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ وَكَّلْت وَكِيلًا يُسْلِمُ لِي فِي طَعَامٍ أَوْ
يَبْتَاعُ لِي سِلْعَةً بِعَيْنِهَا فَفَعَلَ وَلَمْ يَذْكُرْ عِنْدَ
عُقْدَةِ الشِّرَاءِ لِلْبَائِعِ أَنَّهُ إنَّمَا ابْتَاعَ لِغَيْرِهِ
وَقَدْ شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهُ إنَّمَا
ابْتَاعَ لِي أَوْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ حِينَ أَمَرْتُهُ بِذَلِكَ لِمَنْ
تَكُونُ الْعُهْدَةُ هَهُنَا لِلْوَكِيلِ عَلَى الْبَائِعِ أَمْ لِلْآمِرِ؟
قَالَ: لَا وَلَكِنَّهَا لِلْآمِرِ عَلَى الْبَائِعِ.
قُلْتُ: فَإِنْ أَصَابَ الْوَكِيلُ عَيْبًا بَعْدَ مَا اشْتَرَى لَمْ
يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا لِأَنَّ الْعُهْدَةَ إنَّمَا وَقَعَتْ
لِغَيْرِهِ؟
قَالَ: إذَا كَانَ إنَّمَا أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ سِلْعَةً بِعَيْنِهَا
مَنْسُوبَةً فَقَالَ: لَهُ اشْتَرِ لِي عَبْدَ فُلَانٍ أَوْ دَارَ فُلَانٍ
لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّ، وَإِنْ كَانَتْ سِلْعَةً مَوْصُوفَةً
لَيْسَتْ بِعَيْنِهَا فَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَرُدَّهَا إنْ وَجَدَ فِيهَا
عَيْبًا.
قُلْتُ: لِمَ؟
قَالَ: لِأَنَّ الْوَكِيلَ هَهُنَا ضَامِنٌ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى
سِلْعَةً بِهَا عَيْبٌ تَعَمَّدَ ذَلِكَ ضَمِنَ ذَلِكَ، فَلِذَلِكَ إذَا
وَجَدَ بِهَا عَيْبًا بَعْدَ مَا اشْتَرَى وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهَا
فَلَمْ يَفْعَل فَهُوَ
(3/278)
ضَامِنٌ، قَالَ: وَإِنَّمَا يُعْطِي
النَّاسَ أَنْ تُشْتَرَى لَهُمْ السِّلْعَةُ عَلَى وَجْهِ السَّلَامَةِ
وَقَالَ غَيْرُهُ: السِّلْعَةُ بِعَيْنِهَا وَبِغَيْرِ عَيْنِهَا
الْعُهْدَةُ عَلَى الْبَائِعِ لِلْآمِرِ وَالْآمِرُ الْمُقَدَّمُ فِي
الْإِجَازَةِ وَالرَّدِّ عَنْ نَفْسِهِ وَالْآمِرُ بِالْخِيَارِ فِيمَا
فَعَلَ الْمَأْمُورُ مِنْ الرَّدِّ إنْ شَاءَ أَجَازَ رَدَّهُ وَإِنْ شَاءَ
نَقَضَهُ وَارْتَجَعَ السِّلْعَةَ إلَى نَفْسِهِ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً
وَإِنْ كَانَتْ قَدْ فَاتَتْ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمَأْمُورَ لِأَنَّهُ
مُتَعَدٍّ فِي الرَّدِّ لِسِلْعَةٍ قَدْ وَجَبَتْ لِلْآمِرِ.
قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَلَمْ يَرُدَّ الْوَكِيلُ هَذِهِ السِّلْعَةَ
الَّتِي بِغَيْرِ عَيْنِهَا أَمِنْ قِبَلِ أَنَّ لِلْوَكِيلِ عَلَى
الْبَائِعِ عُهْدَةً قَالَ: لَا.
قُلْتُ: فَلِأَيِّ شَيْءٍ جَعَلْتُهُ يَرُدُّ إذَا أَصَابَ عَيْبًا
وَلَيْسَتْ لَهُ عُهْدَةٌ؟
قَالَ: لِأَنَّهُ ضَامِنٌ إنْ اشْتَرَى عَيْبًا ظَاهِرًا فَلِهَذَا
الْوَجْهِ جَعَلْتُهُ يَرُدُّ السِّلْعَةَ بِغَيْرِ عَيْنِهَا.
قُلْتُ: وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا يَبِيعُ لَهُ سِلْعَةً
فَبَاعَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ وَلَا أَنْ يَضَعَ مَنْ
ثَمَنِهَا شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهَذَا فِي الْوَكِيلِ عَلَى شِرَاءِ شَيْءٍ
بِعَيْنِهِ أَوْ بَيْعِهِ فِي الشَّيْءِ الْقَلِيلِ الْمُفْرَدِ، وَأَمَّا
الْوَكِيلُ الْمُفَوَّضُ إلَى الَّذِي يَشْتَرِي وَيَبِيعُ بِاجْتِهَادِهِ
فَهَذَا الَّذِي يَكُونُ كُلُّ مَا صُنِعَ عَلَى النَّظَرِ مِنْ إقَالَةٍ
أَوْ رَدٍّ بِعَيْبٍ أَوْ ابْتِدَاءِ اشْتِرَاءِ عَيْبٍ جَائِزٌ عَلَى
الْآمِرِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيمَا فَعَلَ مُحَابَاةٌ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ وَكَّلْت رَجُلًا يُسْلِمُ لِي فِي طَعَامٍ
فَفَعَلَ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُّ أَخَذَ الْوَكِيلُ الَّذِي عَلَيْهِ
الطَّعَامُ مَنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِذَلِكَ الْآمِرُ؟ قَالَ: لَا
يَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ وَقَدْ فَسَّرْنَا مَا يُشْبِهُ هَذَا.
[وَكَّلَ رَجُلًا يَبْتَاعُ لَهُ سِلْعَةً وَالثَّمَنُ مِنْ عِنْدِ
الْوَكِيلِ]
فِي رَجُلٍ وَكَّلَ رَجُلًا يَبْتَاعُ لَهُ سِلْعَةً وَالثَّمَنُ مِنْ
عِنْدِ الْوَكِيلِ فَفَعَلَ وَأَمْسَكَ حَتَّى يَأْخُذَ لَهُ ذَلِكَ
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ وَكَّلْت رَجُلًا يَشْتَرِي لِي طَعَامًا مِنْ
السُّوقِ أَوْ سِلْعَةً مِنْ السِّلَعِ وَأَمَرْته أَنْ يُنْقَدَهُ مِنْ
عِنْدِهِ فَفَعَلَ ثُمَّ أَتَيْته لِأَقْبِضَ ذَلِكَ مِنْهُ فَمَنَعَنِي
مِنْ ذَلِكَ حَتَّى أَدْفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ الَّذِي نَقَدَ؟ قَالَ:
أَرَى أَنْ تَأْخُذَ السِّلْعَةَ وَلَيْسَ لِلْمَأْمُونِ أَنْ يَمْنَعَهُ
السِّلْعَةَ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقْرَضَهُ الدَّنَانِيرَ الَّتِي اشْتَرَى
لَهُ بِهَا السِّلْعَةَ وَلَمْ يَرْتَهِنْ شَيْئًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ
يَمْنَعَهُ مَا اشْتَرَى لَهُ مِنْ ذَلِكَ.
(3/279)
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ أَنَّ
رَجُلًا أَمَرَ رَجُلًا يَبْتَاعُ لَهُ سِلْعَةً مِنْ بَلَدٍ مَنْ
الْبُلْدَانِ وَلَمْ يَدْفَعْ الثَّمَنَ إلَيْهِ وَقَالَ: أَسْلَفَنِي
ثَمَنَهَا فَابْتَاعَهَا ثُمَّ قَدُمَ فَقَالَ الْآمِرُ: ادْفَعْ إلَيَّ
السِّلْعَةَ وَقَالَ الْمَأْمُورُ: لَا أَدْفَعُ إلَيْك حَتَّى تَدْفَعَ
إلَيَّ الثَّمَنَ فَأَبَى أَنَّ يَدْفَعَ إلَيْهِ السِّلْعَةَ كَانَ ذَلِكَ
لِلْآمِرِ لِأَنَّ الثَّمَنَ كَانَ سَلَفًا وَالسِّلْعَةُ عِنْدَهُ
وَدِيعَةٌ وَلَيْسَتْ بِرَهْنٍ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْتَهِنَ مَا لَمْ
يَرْهَنْهُ وَذَلِكَ أَنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ أَمَرَ رَجُلًا
يَبْتَاعُ لَهُ لُؤْلُؤًا مَنْ مَكَّةَ وَيُنْقَدَ الثَّمَنَ مَنْ عِنْدِهِ
حَتَّى يَقْدُمَ فَيَدْفَعَ إلَيْهِ الْآمِرُ ثَمَنَهُ فَقَدُمَ
الْمَأْمُورُ فَزَعَمَ أَنَّهُ قَدْ ابْتَاعَ لَهُ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ
وَأَنَّهُ ضَاعَ مِنْهُ بَعْدَ مَا اشْتَرَاهُ.
قَالَ مَالِكٌ: أَرَى أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا
هُوَ إنَّهُ قَدْ ابْتَاعَ لَهُ مَا أَمَرَهُ وَنَقَدَهُ عَنْهُ وَيَأْخُذَ
مِنْهُ الثَّمَنَ لِأَنَّهُ قَدْ ائْتَمَنَهُ حِينَ قَالَ: ابْتَعْ لِي
وَانْقُدْ عَنِّي فَلَوْ كَانَ رَهْنًا يَجُوزُ لَهُ حَبَسَهُ عَنْهُ
لَحِقَهُ مَا قَالَ مَالِكٌ: إنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِثَمَنِهِ حَتَّى
يُقَاصَّهُ بِثَمَنِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى هَلَاكِهِ
فَلَمَّا قَالَ مَالِكٌ: إنَّهُ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ وَيَحْلِفُ،
عَلِمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِرَهْنٍ وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ
يَجْعَلَهُ رَهْنًا بَعْدَ مَا اشْتَرَاهُ وَوَجَبَ لِلْآمِرِ إلَّا أَنْ
يَرْضَى الْآمِرُ مِنْ ذِي قَبْلٍ أَوْ يَكُونَ الْآمِرُ قَالَ: لَهُ
ابْتَعْهُ لِي وَانْقُدْ عَنِّي مِنْ عِنْدِكَ وَاحْبِسْهُ حَتَّى أَدْفَعَ
إلَيْكَ الثَّمَنَ فَهَذَا رَهْنٌ عِنْدَهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنْ لَوْ اشْتَرَى
لَهُ بِبَيِّنَةٍ وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَغِيبُ عَلَيْهِ مِثْلُ
الثِّيَابِ وَالْجَوْهَرِ وَاللُّؤْلُؤِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ثُمَّ
ادَّعَى أَنَّهُ هَلَكَ فِي يَدَيْهِ لَمْ تُسْأَلْ الْبَيِّنَةُ وَلَمْ
يُقَاصَّ بِشَيْءٍ مِنْهَا فِيمَا دَفَعَ عَنْ الْآمِرِ فِي ثَمَنِهَا
وَحَلَفَ إنْ اُتُّهِمَ وَاسْتَوْفَى ثَمَنِهَا فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى
أَنَّهَا لَيْسَتْ بِرَهْنٍ وَيَدُلُّكَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ
يَحْبِسَهَا إذَا اشْتَرَاهَا لِغَيْرِهِ وَوَجَبَ الثَّمَنُ الَّذِي
دُفِعَ فِيهَا قَرْضًا مِنْهُ لَهُ وَإِنَّمَا هِيَ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ
مِنْ الْوَدَائِعِ مُصَدَّقٌ فِيهَا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَبِيعُ السِّلْعَةَ مِنْ الرَّجُلِ
فَيَدَّعِي الْبَائِعُ أَنَّهُ بَاعَهُ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ
ثَلَاثًا وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي فَقَالَ: اشْتَرَيْتهَا وَمَا شَرَطْت
عَلَيَّ الْخِيَارَ؟ قَالَ: لَا يُصَدَّقُ الْبَائِعُ وَالْبَيْعُ لَهُ
لَازِمٌ، قَالَ: وَسَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَبِيعُ مِنْ
الرَّجُلِ السِّلْعَةَ فَيَأْتِيَهُ مِنْ الْغَدِ بِالثَّمَنِ وَقَدْ
احْتَبَسَ صَاحِبُ السِّلْعَةِ السِّلْعَةَ فَيَقُولُ الْبَائِعُ: إنَّمَا
بِعْتُكَ أَمْسِ عَلَى أَنْ جِئْتَنِي بِالثَّمَنِ الْيَوْمَ وَإِلَّا
فَلَا بَيْعَ بَيْنِي وَبَيْنَك، وَقَالَ الْآخَرُ: لَا لَمْ اشْتَرَطَ
لَكَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الْبَيْعُ لَهُ لَازِمٌ
وَهُوَ مُدَّعٍ فَمَسْأَلَتُكَ مِثْلُ هَذَا.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ ثَبَتَ لَهُ هَذَا مَا رَأَيْتُ ذَلِكَ
يَنْفَعُهُ وَرَأَيْتُ الْبَيْعَ لَهُ لَازِمًا وَلَمْ يَرَهُ مِثْلُ
الْخِيَارِ فِي هَذَا الْوَجْهِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنِّي اشْتَرَيْت مَنْ رَجُلٍ طَعَامًا
فَأَصَبْتُ بِالطَّعَامِ عَيْبًا فَجِئْتُ لِأَرُدَّهُ فَقَالَ: الْبَائِعُ
بِعْتُكَ حِمْلًا مِنْ طَعَامٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَقَالَ: الْمُشْتَرِي
بَلْ اشْتَرَيْت مِنْكَ نِصْفَ حِمْلٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ؟ قَالَ:
الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ نِصْفَ
الْحِمْلِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ
(3/280)
لِأَنَّ الْبَائِعَ قَدْ أَقَرَّ لَهُ
بِالْمِائَةِ، أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ فَرَسًا أَوْ
جَارِيَةً أَوْ ثَوْبًا فَوَجَدَ الْمُشْتَرِي عَيْبًا فَجَاءَ لِيَرُدَّهُ
فَقَالَ: بِعْتُكَهُ وَآخَرَ مَعَهُ بِمِائَةٍ دِينَارٍ وَقَالَ
الْمُشْتَرِي: بَلْ بِعْتَنِيهِ وَحْدَهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ كَانَ
الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْبَائِعَ قَدْ أَقَرَّ لَهُ
بِالثَّمَنِ، وَالْبَائِعُ مُدَّعٍ فِيمَا زَعَمَ أَنَّهُ بَاعَهُ مَعَهُ،
فَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ مَا قَالَ الْمُشْتَرِي وَتَفَاحَشَ ذَلِكَ كَانَ
الْقَوْلُ قَوْلَ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا يُرَدُّ مِنْ الثَّمَنِ
إلَّا نِصْفَهُ نِصْفُ ثَمَنِ الْقَمْحِ، وَلَا غُرْمَ عَلَى الْمُشْتَرِي
فِي نِصْفِ الْحِمْلِ الْبَاقِي إذَا حَلَفَ لِأَنَّ الْبَائِعَ فِيهِ
مُدَّعٍ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةُ
دِينَارٍ بَاعَنِي إلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا وَقَالَ الْمُقِرُّ لَهُ:
بَلْ هِيَ حَالَةُ الْقَوْلِ قَوْلُ مَنْ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ:
سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ بَاعَ مَنْ رَجُلٍ سِلْعَةً فَأَتَاهُ
يَقْتَضِيهِ الثَّمَنَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ الْمُبْتَاعُ: بِعْنِي إلَى
أَجَلِ كَذَا وَكَذَا، وَقَالَ الْبَائِعُ: بَلْ حَالٌّ، قَالَ: إنْ كَانَ
الَّذِي ادَّعَى الْمُبْتَاعُ أَجَلًا قَرِيبًا لَا يُتَّهَمُ فِي
مِثْلِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَإِلَّا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلُ
الْبَائِعِ الَّذِي قَالَ: حَالٌّ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِأَهْلِ تِلْكَ
السِّلْعَةِ أَمْرٌ يَتَبَايَعُونَ عَلَيْهِ قَدْ عَرَفُوهُ فَيَكُونُ
الْقَوْلُ قَوْلَ مِنْ ادَّعَى الْأَمْرَ الْمَعْرُوفَ عِنْدَهُمْ، وَمَنْ
ادَّعَى عَلَيْهِ قَرْضٌ فَادَّعَى الْأَجَلَ وَقَالَ الْآخَرُ: حَالٌّ،
فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقْرِضِ، وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْبَيْعَ وَقَالَ
غَيْرُهُ فِي الْقَرْضِ وَالْبَيْعِ: هُوَ مِثْلُ مَا قَالَ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَدْفَعُ إلَى الرَّجُلِ السِّلْعَةَ
فَيَقُولُ الدَّافِعُ: أَمَرْتُك أَنْ تَرْهَنَهَا وَيَقُولُ
الْمَدْفُوعَةُ إلَيْهِ: بَلْ أَمَرْتنِي أَنْ أَبِيعَهَا، قَالَ:
الْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِهَا فَاتَتْ أَوْ لَمْ تَفُتْ. قُلْت: وَهَذَا
قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ: لِي مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَدَّعِي السِّلْعَةَ فِي يَدِ
الرَّجُلِ فَيَقُولُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ: رَهَنْتَنِيهَا وَيَقُولُ
صَاحِبُهَا: بَلْ اسْتَوْدَعْتُكَهَا إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ رَبِّهَا.
قُلْت: فَإِنْ قَالَ الدَّافِعُ: أَمَرْتُكَ أَنْ تَبِيعَهَا بِطَعَامٍ
وَقَالَ الْمَأْمُورُ: أَمَرْتَنِي أَنْ أَبِيعَهَا بِدَنَانِيرَ، قَالَ:
إنْ لَمْ تَفُتْ السِّلْعَةُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الدَّافِعِ وَإِنْ
فَاتَتْ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَأْمُورِ وَيَحْلِفُ لِأَنَّ مَالِكًا
قَالَ فِي الرَّجُلِ: يَدْفَعُ إلَى الرَّجُلِ السِّلْعَةَ يَبِيعُهَا لَهُ
فَيَقُولُ الْمَأْمُورُ: أَمَرْتَنِي بِعَشَرَةٍ وَيَقُولُ الْآمِرُ: بَلْ
أَمَرْتُكَ بِاثْنَيْ عَشَرَ، قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِهَا إنْ لَمْ
تَفُتْ وَيَحْلِفُ، فَإِنْ فَاتَتْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَأْمُورِ
وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ دَفَعَ إلَيْهِ دَنَانِيرَ فَقَالَ رَبُّ
الدَّنَانِيرِ: أَمَرْتُك أَنْ تَشْتَرِيَ بِهَا طَعَامًا وَقَالَ
الْمَأْمُورُ: بَلْ أَمَرْتنِي أَنْ أَشْتَرِيَ بِهَا بَزًّا قَالَ:
الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَأْمُورِ.
قُلْتُ: مَا فَرْقٌ بَيْنَ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَالسِّلْعَةِ؟
قُلْتُ: فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَأْمُورِ،
وَقُلْتُ فِي السِّلَعِ: إذَا أَمَرَتْهُ أَنْ يَبِيعَهَا إنَّ الْقَوْلَ
قَوْلُ الْآمِرِ، قَالَ: لِأَنَّ السِّلَعَ
(3/281)
قَائِمَةٌ بِأَعْيَانِهَا لَمْ تَفُتْ
وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلِذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ
إذَا هِيَ لَمْ تَفُتْ وَالدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ حِينَ أَذِنَ لَهُ
أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ سِلْعَةً فَالدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ فَائِتَةٌ
مُسْتَهْلَكَةٌ، فَالْقَوْلُ فِيهَا قَوْلُ الْمَأْمُورِ وَكَذَلِكَ
أَيْضًا فِي السِّلَعِ إذَا كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً قَدْ فَاتَتْ،
فَالْقَوْلُ فِيهَا قَوْلُ الْمَأْمُورِ أَيْضًا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ هَذِهِ الْأَقَاوِيلَ كُلَّهَا هِيَ قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: أَمَّا فِي السِّلَعِ إذَا فَاتَتْ وَإِذَا لَمْ تَفُتْ فَهُوَ
قَوْلُ مَالِكٍ وَأَمَّا فِي الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ فَلَمْ
أَسْمَعْهُ مِنْهُ وَهُوَ رَأْيِي.
[وَكَّلَ رَجُلًا يَرْهَنُ لَهُ وَيَأْتِيهِ بِالسَّلَفِ فَادَّعَى
الْآمِرُ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِأَقَلِّ مِمَّا قَالَ الْمَأْمُورُ]
فِي رَجُلٍ وَكَّلَ رَجُلًا يَرْهَنُ لَهُ وَيَأْتِيهِ بِالسَّلَفِ
فَادَّعَى الْآمِرُ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِأَقَلِّ مِمَّا قَالَ الْمَأْمُورُ
وَادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ الدَّرَاهِمَ وَقَالَ
الْمَأْمُورُ: قَدْ دَفَعْتهَا إلَيْهِ قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنِّي
دَفَعْتُ إلَيْهِ رَجُلٍ ثَوْبًا لِيَرْهَنَهُ فَفَعَلَ فَلَمَّا جِئْتُ
أَفْتَكُّهُ قَالَ الرَّسُولُ: قَدْ رَهَنْتَهُ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ
وَقَدْ دَفَعْتُهَا إلَيْكَ، وَقَالَ الْآمِرُ: مَا أَمَرْتُكَ إلَّا
بِخَمْسَةٍ وَقَبَضْتُهَا مِنْكَ أَوْ قَالَ: لَمْ أَقْبِضْهَا مِنْكَ.
قَالَ: إذَا أَقَرَّ بِالرَّهْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ إذَا
كَانَ الرَّهْنُ يُسَاوِي مَا قَالَ الْمُرْتَهِنُ، فَإِنْ قَالَ: لَمْ
أَقْبِضْ مِنْكَ شَيْئًا وَقَدْ أَمَرْتُكَ أَنْ تَرْهَنَهَا وَقَالَ
الرَّسُولُ: قَدْ رَهَنْتُهَا وَدَفَعْتُ إلَيْك الذَّهَبَ كَانَ الْقَوْلُ
أَيْضًا قَوْلَ الرَّسُولِ فِي الدَّفْعِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ
الْمُرْتَهِنِ فِيمَا رَهَنَ بِهِ إذَا كَانَ قِيمَةُ الرَّهْنِ مِثْلَ مَا
قَالَ قُلْتُ: وَلِمَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الرَّسُولِ إذَا قَالَ
الْآمِرُ: لَمْ أَقْبِضْ مِنْكَ شَيْئًا؟
قَالَ: لِأَنَّهُ ائْتَمَنَهُ عَلَيْهِ وَمِثْلُ مَا لَوْ قَالَ لَهُ: بِعْ
لِي هَذِهِ السِّلْعَةَ فَبَاعَهَا وَقَالَ: قَدْ دَفَعْتُ إلَيْكَ
الثَّمَنَ وَقَالَ الْآمِرُ: لَمْ تَدْفَعْ إلَيَّ شَيْئًا كَانَ الْقَوْلُ
قَوْلَ الْبَائِعِ لِأَنَّ مَنْ بَاعَ سِلْعَةً فَإِنَّ لَهُ قَبْضَ
الْمَالِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قِيلَ لَهُ بِعْ وَاقْبِضْ، وَإِنَّمَا قِيلَ
لَهُ بِعْ فَسُنَّةُ مَنْ بَاعَ أَنَّهُ يَقْبِضُ فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي
الْقَبْضِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ قَبِلَ وَدِيعَةً لِرَجُلٍ فَقَالَ
لَهُ الْمُسْتَوْدَعُ: قَدْ رَدَدْتُهَا عَلَيْكَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ
لِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالدَّفْعِ إلَى غَيْرِهِ
فَيَكُونُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ مَا عَلَى وَلِيِّ الْيَتِيمِ. وَقَالَ
الْمَخْزُومِيُّ: وَلَوْ دَفَعَ رَجُلٌ إلَى رَجُلٍ ثَوْبًا لِيَرْهَنَهُ
لِرَبِّ الثَّوْبِ فَاخْتَلَفَا كَانَ كَمَا وَصَفْتُ لَك فِي صَدْرِ
الْكِتَابِ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا دَفَعَهُ إلَيْهِ لِيَرْهَنَهُ لِنَفْسِهِ
يُقِرُّ لَهُ رَبُّ الثَّوْبِ بِذَلِكَ أَنَّهُ أَعَارَهُ لِيَرْهَنَهُ
لِنَفْسِهِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ رَبُّ الثَّوْبِ: أَمَرْتُكَ أَنْ
تَرْهَنَهُ بِخَمْسَةٍ.
وَقَالَ الرَّاهِنُ لِنَفْسِهِ الْمُسْتَعِيرِ لِلثَّوْبِ لِيَرْهَنَهُ:
أَذِنْتَ لِي أَنْ أَرْهَنَهُ بِعَشَرَةٍ وَالثَّوْبُ يُسَاوِي عَشَرَةً،
فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الثَّوْبِ إنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ إلَّا
بِخَمْسَةٍ وَلَا يَكُونُ رَهْنًا إلَّا بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْمُعِيرُ،
وَالْمُسْتَعِيرُ مُدَّعٍ عَلَيْهِ.
(3/282)
[وَكَّلَ الرَّجُلَ يَبْتَاعُ لَهُ سِلْعَةً بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ]
فِي الرَّجُلِ يُوَكِّلُ الرَّجُلَ يَبْتَاعُ لَهُ سِلْعَةً بِدَيْنٍ لَهُ
عَلَيْهِ قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لِي عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ
فَقُلْتُ لَهُ: اشْتَرِ لِي بِهَا سِلْعَةً مَنْ السِّلَعِ جَارِيَةً أَوْ
دَابَّةً أَوْ أَمَرْتُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لِي بِهَا سِلْعَةً بِعَيْنِهَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ الْآمِرُ صَاحِبَ الدَّيْنِ حَاضِرًا
حَيْثُ يَشْتَرِيَهَا لَهُ الْمَأْمُورُ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَمْ
أَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا، قَالَ مَالِكٌ: وَأَرَى إنْ كَانَ الْآمِرُ لَيْسَ
بِحَاضِرٍ لَمْ يُعْجِبْنِي ذَلِكَ، قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّ مَالِكًا قَالَ
لَنَا: لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَدِمَ مِنْ بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ بِمَتَاعٍ
فَبَاعَ مِنْ أَهْلِ الْأَسْوَاقِ فَصَارَتْ ذَهَبُهُ عِنْدَ أَهْلِ
الْأَسْوَاقِ فَقَالَ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ: إنِّي مَشْغُولٌ وَلَا
أُبْصِرُ سِلْعَةَ كَذَا وَكَذَا فَاشْتَرُوهَا لِي بِمَالِي عِنْدَكُمْ
مِنْ تِلْكَ الذَّهَبِ وَهُوَ حَاضِرٌ، قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ
بِذَلِكَ. قَالَ: فَقُلْتُ لِمَالِكٍ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا كَانَ لَهُ
عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهُ فَكَتَبَ إلَيْهِ أَنْ
يَشْتَرِيَ لَهُ بِذَلِكَ الدَّيْنِ سِلْعَةً مِنْ السِّلَعِ؟ قَالَ: لَا
يُعْجِبُنِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَتَبَ فِي ذَلِكَ إلَى رَجُلٍ
وَكَّلَهُ بِقَبْضِ ذَلِكَ الدَّيْنِ مِنْهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَمْ
يَرَهُ مِثْلَهُ إذَا لَمْ يُوَكِّلْ؟
قَالَ: وَقَالَ لِي مَالِكٌ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا كَتَبَ إلَى رَجُلٍ أَنْ
يَشْتَرِيَ لَهُ حَاجَةً فِي بَلَدٍ غَيْرَ بَلَدِهِ مَنْ كِسْوَةٍ
يَحْتَاجُ إلَيْهَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَفَعَلَ فَبَعَثَ بِهَا إلَيْهِ
ثُمَّ كَتَبَ بِذَلِكَ إلَيْهِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَبْتَاعَ لَهُ بِتِلْكَ
الذَّهَبِ الَّتِي اشْتَرَى لَهُ بِهَا شَيْئًا مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ
فِي بَلَدِهِ.
قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَهَذَا مِنْ الْمَعْرُوفِ الَّذِي
يَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يَفْعَلُوهُ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَفَرَّقَ لِي
مَالِكٌ بَيْنَ هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ عَلَى مَا فَسَّرْتُ لَكَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهِيَ فِي الْقِيَاسِ وَاحِدٌ |