النوادر
والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات بسم الله الرحمن الرحيم عونك اللهم/ الجزء
الثانى من كتاب الصدقات والهبات (1) في الصدقة وما لا يجوز أن يرجع فيه
منهما وما يشبه الرجوع فيها من شراء أو غيره وهل يأكل من الثمن؟ وشراء مرجع
العمرى؟ [وشبه ذلك] (2) من كتاب ابن المواز قال: وكل من تصدق بأصل شيء
فبتله وقطع منه ملكه، لم يجز له أن يرجع إليه باختيار من شراء أو غيره. وإن
تداولته أملاك ومواريث. قال: وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن
الرجوع في الصدقة (3). قال غيره: ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عمر عن
شراء فرس، كان تصدق به. قال مالك فيمن تصدق على رجل بصدقة، ثم يبدو له قبل
أن تحاز عنه: فإذا أشهد، فليس ذلك له، وإن لم يكن له إلا شاهد حلف معه وأخذ
ما لم يمت المعطي.
__________
(1) كلمة (والهبات) ساقطة من ع.
(2) ساقط أيضا من ع.
(3) في الموطا والصحيحين وسنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، ومسند
أحمد.
(12/195)
قال مالك فيمن حمل رجلا على فرس في السبيل
فباعه من آخر فأراد بيعه: فلا أحب للأول أن يشتريه، وكذلك الدار والثوب
يتصدق به؛ قال: ولا يستعير ما تصدق به، أو أعطاه لرجل في السبيل وإن تصدق
بذلك عليه فلا يقبله. قال مالك [فيمن حمل] (1) رجلا على فرس لغير السبيل
ولا على المسكنة: فلا بأس أن يشتريه. قال مالك في التي جعلت حجاليها في
السبيل: فلا ينبغي أن تخرج قيمتها وتحبسهما؛ ولكن تنفذ ما جعلت، وكذلك في
العتبية (2) من سماع ابن القاسم، قال سحنون: وذلك من معنى الرجوع في
الصدقة. قال مالك في الكتابين: ومن حمل على فرس رجلا فلا يستعيره يركبه ولو
كان (3) أمرا قريبا فلا أحبه وقد ركب ابن عمر ناقة وهبها فصرع عنها فقال:
ما كنت لأفعل مثل هذا. قال محمد: وأما إن لم يبتل الأصل، وإنما تصدق بالغلة
عمرا أو أجلا فله شراء ذلك. قاله مالك وأصحابه. إلا عبد الملك، واحتج
بالنهي عن الرجوع في الصدقة، وأجاز لورثته شراء المرجع. والحجة عليه ما
أرخص النبي - صلى الله عليه وسلم - من راء العرية. قال: ويجوز لصاحب الأصل
أن يشتري ما حبس من الغلة حياة رجل، ويجوز لورثته كما جاز شراء العرية. ولو
جعل الثمرة، أو الخدمة لرجل عمره، ثم الرقبة لآخر، فلا يجوز لمن كان له/
أصل شراء ذلك، ويجوز لمن له مرجع الأصل ولورثته، ويجوز للذين لهم الغلة
والثمرة شراء مرجع الأصل ممن جعل له؛ وقاله كله مالك. قال مالك: ومن أخدمته
عبدك سنة، فلك بيع الرقبة منه قبل السنة. قال ابن القاسم: ولا يجوز من
غيره، إلا أن يبقى من السنة يسير مثل اليومين وما قرب، وفي الدار الشهور
الثلاثة والأربعة. قال أشهب، في الموصى له بغلة (4)
__________
(1) زيادة في ع.
(2) البيان والتحصيل، 13: 365.
(3) كذا وفي الأصل. وعبارة ع: يركبه وإن كان.
(4) كذا في ع وهو الصواب. وصحفت عبارة الأصل: في الموطا له جعله.
(12/196)
- يريد أجلا أو عمرا- أن له شراء مرجع
الأصل من الورثة، أو من بعضهم نصيبه، وكأنه أبطل وصيته، وللورثة أن يشتروا
منه ما أوصى له به من غلة أو مسكنا أو خدمة، أو يصالحوه عنه، وكأ، هـ أبطل
وصيته/، ولبعض الورثة أن يشتري منه حظه من المرجع، ولا يجوز أكثر لأنه
ينتزع منه يوما ما. قال محمد: وهو فيه كالأجنبي يشتري ما لا يدري وقته،
وكذلك لصاحب الأصل أن يشتري من ورثة المعطى مرجع الأصل، أو من أحدهم
مصابته، ولا يشتري بعض الورثة من بعض، وهم كالأجنبي في شراء بعضهم من بعض.
قاله مالك فيمن أسكن رجلين دارا حياتهما: فليس لأحدهما شراء ذلك من الآخر،
وله أن يكتري منه كأجنبي. قال مالك: وإذا أخدمت رجلا عبدك أجلا أو عمرا، ثم
هو حر، أو أسكنته دارك كذلك، ثم هي في السبيل، لم يجز شراؤك لتلك السكنى،
أو الخدمة، وإنما تشتري ما مرجعه إليك؛ وكذلك لو كنت العمرى لواحد أو
جماعة، تشتري منهم أ, من أحدهم أنت أو وارثك، ولا يشتري بعض ورثتك أكثر من
حصته من المرجع، وكذلك لمن له المرجع بصدقة يجوز له ولورثته من شراء ذلك ما
يجوز لصاحب الأصل أو لورثته، ولو كان المرجع حبسا على قوم غير مبتل، فليس
لهم شراء المرجع ملكا، إلا أن يشتروه ليلحقوه بحبسهما فذلك لهم. وقد قال
ابن القاسم فيمن أسكن رجلا بعض داره، وحبس الباقي على آخرين وجعل مرجع
السكنى إليهم، فأرادوا شراء سكنى المسكن، فذلك جائز. قال مالك: ومن أسكنته،
أو أخدمته، فلا بأس أن (1) تبدل له ذلك بغيره إن رضيتما، ما لم تفسد (2)
عطيته قال: وأما من أعطى فرسه في السبيل، فلا أرى/ أن يبدله. قال أشهب: وقد
نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عمر عن العودة في صدقته.
__________
(1) في الأصل: فلا يأمرا أن. وهو تصحيف.
(2) في الأصل: ما لم يعمر. وهو تصحيف كذلك.
(12/197)
قال أشهب: قلت لمالك: فقد قلت فيمن أسكن أو
أخدم رجلا سنين: إن له أن يكتري ذلك منه أو يبدله، إلا على ما يخاف أن يفسد
حبسه، أرأيت إن لزمه ذلك على رجاء الصدقة، أفلا يتكاراه منه؟ قال ابن
القاسم: في هذا بعينه لا بأس به في المسكن وغيره. قال محمد: لأن أصله بدله.
وكذلك العرايا، فأما ما ابتل، فلا يعود فيه (1) قال مالك في الغزاة يعطي
أحد منهم رجلا منهم ذهبا صدقة، ثم يترافقون، فيخرج منه نفقته معهم، فليس
هذا مما يتقى، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في لحم بريرة: " هو
لها صدقة، ولنا هدية " (2). ومسألة مالك في الذي أمتع زوجته متاع البيت
حياتها، ثم اشترى مرجعه، هي مذكورة في باب شراء مرجع الأحباس في كتاب
الحبس. ومن العتبية (3)، من سماع ابن القاسم: ومن تصدق على ابنه الصغير
بعبد وشهد له به، فيقيم العبد بعد ذلك بيده سنين، ثم يبيعه من نفسه على
ابنه بثمن يشهد له به، ثم مات الأب، قال: إن صح فما أحراه أن يجوز، ويلزمه.
قال عيسى: قال ابن القاسم: ذلك جائز. وقال سحنون مثله. وعمن تصدق على ابنه
الصغير بجارية، فتنفره، فتتبعها نفسه، فيشتريها منه، فلا بأس بذلك إذا أشهد
على ذلك: قلت: تصدق عليه بها ويشتريها؟ قال: نعم. قال عيسى: قال ابن
القاسم: أرخص فيه لمكان الابن من أبيه/ ولو كان أجنبيا، لم يجز أن يشتري
منه صدقته.
__________
(1) كذا في ع وهو الصواب. وصحفت عبارة الأصل: فلا يعره بعبد.
(2) حديث بريرة في الصحيحين والموطا وكتب السنن ومسند أحمد.
(3) البيان والتحصيل، 13: 362.
(12/198)
قال مالك: ومن تصدق على أحد ولديه وهو صغير
بعبد، ثم أعتقه الأب، وعوضه أدنى منه أو مثله فإن كان الابن في ولاية أبيه
(بعد) فذلك جائز له، وإن ولي نفسه، لم يجز ذلك إلا بإذنه. ومنه ومن كتاب
ابن المواز قال مالك: من تصدق على ابنه الصغير بمائة شاة وكتب له بذلك
كتابا، فأقام سنة ثم كتب كتابا آخر تصدق عليه فيه برمك أفضل من الغنم،
وتصدق فيه بتلك الغنم على امرأته، ولم يقل إن الغنم عوض من الرمك، قال: ذلك
جائز والغنم للزوجة، والرمك للابن. وإذا كان في ولايته أو كان كبيرا فحاز
الرمك، فهي له وإن كانت أفضل من الغنم. وقال مالك: وللرجل أن يأكل من لحم
غنم تصدق بها على ابنه ويشرب من لبنها، ويكتسي من صوفها إذا رضي ابنه،
وكذلك ثمر الحائط. زاد في العتبية: قال ابن القاسم: ولم يره مثل الأجنبي.
قال في كتاب ابن المواز: وكذلك للأم. قال محمد: وهذا في الكبير، وأما ابنه
الصغير، فلا يفعل. قاله مالك، وأما الأجنبي، فلا يأكل من ذلك شيئا بثمن ولا
غيره، إلا أن يخلط طعامه بطعامه أو نفقته (1). ومن كتاب ابن المواز قال
مالك: ومن تصدق بنخل، فأراد أن يقلعها ويغرس غيرها فليس ذلك له.
__________
(1) كذا في ع وهو المناسب. وصحفت عبارة الأصل: بطعامه أو بعتقه.
(12/199)
فيمن وعد رجلا بشيء أو وضع عنه دينا أو
تصدق علوفيمن خرج بشيء ليعطيه/ لسائل فلم يجده ومن أعطى لرجل فرسا يغزو به
هل يرجع إليه؟ وفي رجوع الذمي في هبته من كتاب ابن المواز والعتبية من سماع
ابن القاسم: ومن قال لرجل: أنا أقضيك دينارك الذي [لك] (1) على فلان ثم بدا
له؛ فإن ألزم ذلك نفسه بالإشهاد أو الحول (2) أو أمرا فتعد عليه منه (كذا)،
فهو له لازم، وأما المقاولة والمراوضة، فليحلف ما أراد إيجابا. ومن كتاب
ابن المواز قال مالك: ومن أعطيته فرسا يغزو به، فغزا عليه، ثم مات، فطلبت
أخذه فلا تفعل. قيل له: إن ربه يقول إنما أعطيته ليتقوي به في السبيل، ولم
أبتله. قال: له ذلك، وهو أعلم بنيته. ومن أعطى فرسا رجلا يغزو به، فمات
الرجل قبل أن يخرج، فليس لورثته أن يغزوا به، وليأخذه ربه، فينفذه في
الغزو. وكذلك لو أعطاه دنانير فمثل ذلك. قال مالك فيمن وضع عن غريمه بعض
حقه: فليس له أن يرجع عن ذلك. قيل له: أهل مكة يقولونه. فأنكره وقال: إنما
كانوا يتعلمون من أهل المدينة. وسئل مالك عن امرأة تصدقت على ابني ابن لها
بأصل حائط، فكتبت بذلك كتابا، وجعلته بيد ابنها (3)، ثم رجعت، فطلبت كتاب
الصدقة لتأخذه من الأب، فامتنع، ثم رده عليها، ثم ماتت، قال ذلك يبطل لأنه
لم يحزه. يعني الحائط.
__________
(1) ساقط من الأصل.
(2) في ع: أو كالحول.
(3) كذا في ع. وفي الأصل: بيد أبيهما.
(12/200)
[ومن العتبية] (1) قال مالك، في السائل يقف
في الباب فيؤمر له بالكسرة فيوجد قد ذهب فأرى أن تعطى لغيره، وما هو
بالواجب. ومن خرج إلى مسكين بشيء/ فلم يقبله فليعطه لغيره وهو أشد من
الأول. قال مالك، فيمن سأل رجلا شيئا إلى غده، فيأتيه به فلا يبده؛ فإن
أراد بذلك الله سبحانه، فلينفذ ذلك على غيره، ولو سأله بعض أقاربه صلة
فوعده ثم ذهب فلم ينفذ، فأحب إلي أن ينفذه على غيره، وليس عليه بالواجب.
ومن العتبية روى ابن القاسم عن مالك في السائل يقف بالباب، فيؤمر له بدرهم
فيوجد قد انصرف، فليتصدق به، وكذلك الكسرة. قال ابن حبيب عن مطرف وابن
الماجشون وأصبغ فيمن قال اشهدوا أن لفلان في مالي صدقة مائة دينار، ثم بدا
له، فذلك يلزمه إن كان في ماله (2) محمل لها، ولا دين عليه، وإن حمل بعضها
فما حمل منها، فإن لم يكن في ماله محمل شيء منها فهي باطل. وقاله ربيعة.
ومن كتاب ابن المواز قال: وإذا وهب ذمي هبة فلم يدفعها حتى بدا له فذلك له،
لأنها عطية لم تحز. وقد قال غير واحد من العلماء ممن يؤخذ بقوله إن ذلك لا
يقضى به بين المسلمين فيما لم يحز، فكيف بأهل الذمة! قال ابن القاسم: ولو
كان أحدهما مسلما، فليقض على المعطي يدفعها إلى المعطى. وكان أشهب يضعف
صدقة النصراني، وإن كانت على مسلم إن كان من أهل العنوة إن رجع فيها قبل
[أن] (3) تحاز عليه، أن ذلك له. وبعد هذا باب فيما يلزم من الموعد مستوعب
فيه من هذا المعنى.
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من الأصل.
(2) كذا في ع وهو أنسب. وفي الأصل: إن كان له.
(3) زيادة في ع.
(12/201)
فيمن تصدق بعبد على
رجل ثم وجد به عيبا أو كان فرسا حبسه وفيمن أخدمته
عبدا أو أعمرته دارا فقتل رجل العبد وهدم الدار والحكم فيما يرجع به في ذلك
كله من كتاب ابن المواز قال مالك: ومن تصدق بعبد اشتراه على رجل ثم ظهر منه
على عيب، فرجع للعيب بدنانير، فهي للمشتري دون المعطى. وقاله ابن القاسم
وقاله أشهب وابن وهب إن شاء الله. قال محمد: أظنه غلط. وقد قال مالك، فيمن
ابتاع فرسا يحمل في السبيل ثم وجد عيبا؛ فإن كان قد مضى وخرج به، قد بدا أن
يرجع بقيمة العيب على البائع، فإن كان بيده، فليرد على بائعه، وأحب إلي أن
يشتري فرسا مثله يجعله في مكانه (1). وإن بعت عبدا وأحلت بثمنه ثم رد عليك
بعيب؛ فإن أحلت بدين عليك فله قبضه، ويرجع المبتاع عليك بالثمن، وإن كان
صلة منك للمحال، فإن كان قد قبض رجع المبتاع عليك بالثمن دون القابض، وإن
لم يقبض فلا يدفع إليه المبتاع شيئا، ويبيعه بالثمن. قال مالك: ومن أعمر
رجلا غرفة يسكنها حياته لا يبيع ولا يهب، فتعدى عليها رجل فأخربها، فعليه
غرم ما أفسد، يكون لربها، ولا شيء للمعمر غير السكنى، إن شاء سكن فيما بقي
منها وإن شاء بنى وسكن. وقاله أصبغ. والاستحسان أن يناله من تلك القيمة ما/
ما يسكن عمره. قال: قال ابن وهب وكذلك العبد المخدم عمره، يقتله رجل، إن
قيمته لسيدة، ولا يشتري منه عبدا يخدمه. وأنكر هذا، وكذلك الموصى له بنخلات
حياته فيقطعها رجل، يغرم القيمة، فأنكر أن يحبس على المعمر من ذلك ما
__________
(1) في الأصل: في مصانه. وهو تصحيف.
(12/202)
يكفيه، وقال: أرأيت العبد المخدم (1) في أن
يفديه، ويبقي على خدمته، وإذا فداه لا يتبع ربه بشيء. وقال أشهب في الغرفة
يغرم هادمها ما بين قيمتها صحيحة ومهدومة، فيبني به كله الدار، وإن أتى ذلك
على أكثر مما كانت عليه، أو أقل، لم يكن ذلك للموصى له المعمر.
ما يلزم من الموعد وما لا يلزم ومن قال
لرجل احلف لي على كذا ولك كذا ومن كتاب ابن المواز والعتبية من سماع أشهب،
قال مالك فيمن حلف لغريمه ليوفينه حقه إلى أجل سماه، فلما دنا الأجل وخاف
الحنث قال له رجل: لا تخف إني عشية أسلفكه. قال: لا يلزمه. وإن قال: أنا
أسلفك، أنا أعيرك، أنا أهب لك. فلا يلزمه، وقد رغب عن مكارم الأخلاق، ولا
أدري كيف ذلك فيما بينه وبين الله عز وجل. قال: ومن قال لابن أخيه إن لك
عندي مائة دينار أصلك بها في نكاحك، فإن أشهد له بذلك فهي له واجبة في ماله
وإن طال زمانها ما لم يمت العم قبل القبض، فتبطل، إلا أن يكون قد ضمنه
الزوجة. ومن العتبية من سماع ابن القاسم، وكتاب/ ابن المواز، قال [مالك:
وإن سأل رجل رجلا أن يهب له ذهبا، فقال له: أنا أفعل أو أنا فاعل فلا أرى
ذلك له لازما] (2) ولو سأله في قضاء دين (3)، فقال: نعم. ورجال حضور
يشهدون، فما أحراه أن يلزمه، وما أحقق إيجابه. قال ابن القاسم: إذا قال نعم
أنا أفعل. فلا يلزمه، إلا أن يشهد أنه أوجب ذلك على نفسه، ويقتعد الغريم
منه على وعده
__________
(1) بياض بالأصل وع بقدر كلمة.
(2) ما بين معقوفتين ساقط من الأصل مستدرك من ع.
(3) في الأصل: في قضاءين. وهو تصحيف.
(12/203)
وإيجابه، ويشهد بذلك على نفسه فهذا يلزمه.
قال: ولو سأله غريمه أن ينظره فقال له: نعم، أنا أنظرك. فهذا عندي واجب
عليه. ومن كتاب ابن المواز قال: ومن سأله أخ له عشرة دنانير في معونة ثم
هلك المعطي، فإن كان اقتعد الغرماء على موعده فأرى ذلك في رأس ماله، وإلا
فلا شيء له. قال مالك: وإذا كلم أن يضع عن غريمه فقال: إذا جاءني (1) بحقي
اليوم فله عشرة دنانير. فلم يأت بالحق إلا بعد عشرة أيام، فلا تلزمه
الوضيعة. ومن قال لرجل: ادفع عني إلى فلان مائة دينار. فوعده بذلك، وأنعم
له، فإن ذلك ليس بلازم، إلا أن يقتعد الغرماء منه على موعد، فإنه يلزم. قال
محمد: يريد إذا أشهدوا على ذلك. وإذا اشترى عبدا فأراد البائع أن يكتب بينه
وبينه كتابا، فقال المشتري: كل مملوك لي حر لو أردت مني ثمنه لوهبته لك.
فقال له البائع: فهذا هبة، فخذه أنظرك به سنة. فأخذه على ذلك، فبدا للبائع،
وقال: لم أرد هذا، ولا ظننت أنك تأخذه. فليحلف أنه لم يكن منه بمعنى السلف،
ولا كان إلا على التجمل والتماس المحمدة، ثم له رد ماله. ومن العتبية (2)
من سماع ابن القاسم قال: من قال لرجل احلف لي أنك ما شتمتني/ ولك كذا وكذا
هبة مني. فحلف له، قال: تلزمه الهبة. قال سحنون: والذي يلزم من العدة في
السلف والعارية أن يقول رجل لرجل: اهدم دارك وأنا أسلفك، أو اخرج إلى الحج،
أو اشتر دار كذا. أو تزوج وأنا أسلفك. وشبه هذا مما يدخله فيه بوعده،
فهذهالعدة التي تلزم؛ وأما إن قال له: أنا أسلفك، أنا أعطيك لغير شيء ألزمه
المأمور نفسه بأمر الأمر، فلا يلزمه. وقال نحوه أصبغ.
__________
(1) صحفت في الأصل: إذا حافي.
(2) البيان والتحصيل، 13: 379.
(12/204)
قال أصبغ إذا قال إني أريد النكاح فأسلفني
مائة دينار إلى أجل كذا. فقال له: أنا أسلفك وانكح، فنكح، فإنه يقضى عليه
بالسلف، ولو لم ينكح حتى قال له لما تنكح. فتدبر إلي، ثم نكح قال: لا رجوع
له في ذلك، سواء نكح أو لم ينكح، ويلزمه له السلف بالحكم، ويلزمه أن يسلفه
إذا شاء النكاح. ولو سألك في عارية دابتك أن يركبها في غد إلى حاجة كذا،
فأنعمت له، ثم بدا لك، لم يكن لك ذلك، ويقضى عليك بعاريته. ولو قال لك:
أسلفني مائة دينار فإني أريد شراء جارية فلان أو دابة فلان، أو سلفته،
فأنعمت له، فليس لك أن يبدو لك، وكذلك لو قال لك: إن غرمائي لزموني بدين
علي، وهو كذا وكذا، فأسلفني أقضيهم فأنعمت له، فليس لك رجوع، ويقضى عليك
بالسلف. وقال: إنما ألزمته مثل هذا، وإن كان لم يدخله بوعده في أمر، لأنه
روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: رأي المؤمن واجب (1) وقضى به
عمر بن عبد العزيز في يوم وعدوا من أعطياتهم،/ ثم نكصوا. قال أصبغ: والعدة
التي لا يحكم بها أن يقول لك: أعرني دابتك أو أسلفني كذا لغير سبب ذكره من
نكاح، أو سلف، أو قضاء دين، أو حاجة نزلت به، فوعدته بذلك، أو بعارية، فهذا
لا يلزمه إذا كانت العدة هكذا، لم يذكر لها سببا من حاجة ذكرها، أو أمر
يريد أن يدخل فيه بسبب عدتك، وإن ذكر ذلك لزمك الوعد، نشب فيما أراد أو لم
ينشب، إلا أن يترك هو الأمر الذي وعدته من أجله. ولو قال لك أريد غدا جمع
أزواج للحرث، فأعرني زوجك تحرث عندي غدا. فأنعمت فذلك يلزمك إذا أخذ في جمع
الأزواج غدا، وأجمع على ذلك. ولو سألك غريمك أن تؤخره إلى أجل كذا وكذا ثم
بدا لك، فالتأخير يلزمك إذا قلت له: أنا أوخرك أو قد وخرتك. إلا أن قوله:
أوخرك عدة تلزمه
__________
(1) في النسختين ما يشبه " رأي المومن " ومتقضى السياق: وعد المومن. ولم
أقف على الحديث بهذا اللفظ.
(12/205)
وقولك قد وخرتك. شيء واجب عليك. ولو قال
لك: أسلفني كذا لأني أتزوج أو أشتري سلعة أو نحو ذلك. ثم بدا لك فإنه يقضى
له عليك بالسلف، كان قد ذكر لك الأجل أو لم يذكره، فإن قلت: أنا آخذه منك
حالا من ساعته. فليس ذلك لك حتى ينتفع به المتسلف ويمضي لذلك قدر ما يرى أن
مثله يتسلف إلى مثل ذلك الأجل، وينظر إلى حال المتسلف إن كان موسرا يقدر
على رد ذلك في مثل الأجل القريب، اجتهد في ذلك السلطان بقدر ما يرى من حال
الرجلين. ما يلزم من الصدقة في يمين أو غير
يمين وما/ يقضى به من ذلك وما يحدث في ماله بعد الحلف من كتاب ابن
المواز قال أشهب وابن القاسم فيمن قال: داري في المساكين صدقة. فما كان على
وجه اليمين- يريد فحنث- فلا يجبر على إخراجها، كان لرجل بعينه أو للمساكين.
قال ابن القاسم: فإن كان على غير يمين أجبر على إخراجها، كانت لرجل معين أو
للمساكين. وقال أشهب إنما يجبر في هذا فيما كان بغير يمين، وقد تصدق به لله
على رجل بعينه يلي خصومته لا للمساكد: وما لم يجبر فيه، فليخرجه كما أوجب.
قاله مالك. قال محمد: لا رخصة له في تركه. قال ابن القاسم، وأشهب، عن مالك،
فيمن جعل ماله صدقة. فإنه يؤمر بصدقة ثلثه، لا يحل له تركه، فإن أبى جمع
عليه رأيه من غير قضاء عليه، ولا رخصة له في تركه. وقال أشهب: لأنه لم يجعل
ذلك لرجل بعينه يلي خصومته. قال ابن القاسم: يقضى عليه في اليمين. وروي عن
يحيى بن يحيى عن ابن وهب في العتبية فيمن باع شريكه في عبد بينهما أن فلانة
ابنته من أمته، فقال: إن كانت ابنته، فنصيبي منها عليك صدقة. فتحاصها، ثم
تبين له أنها ابنته، فرجع عن الصدقة، قال: لا يلزمه هذا ولا في يمين يحنث
فيها بالقضاء، ولكن يعظه ويؤثم، فإن أبى لم يقض عليه، وإنما قال مالك:
(12/206)
يقضى عليه بما تصدق عليه في مثل ما يجري
بين الناس من معنى الصلة وطلب البر والمكافأة، وأما في يمين أو تكذين
لمنازع وشبهه فلا يؤمر كما أعلمتك/. قال محمد بن عبد الحكم: وإن حلف بصدقة
ماله بعينه أو بغير عينه على رجل بعينه أو على المساكين أو في سبيل الله،
أو حلف حبس داره، أو حملان خيله في سبيل الله، أو بإبله أو بقره، أو داره،
نذرا أو غنمه هدايا (1) ثم حنث، أقر بذلك، أو قامت عليه بينة، فلا يقضى
عليه بشيء من ذلك، إنما تأمره بما ترى، فإن لم يفعل، لم يكره على ذلك. من
كتاب ابن المواز وإذا حلف على صدقة ماله فحنث، ثم حلف ثانية فحنث فقال ابن
القاسم وأشهب: يخرج الثلث، ثم يخرج ثلث ما بقي. واختلف فيه قول ابن كنانة،
فقال هذا، وقال أيضا: يجزيه ثلث واحد. قال محمد: أما إن حلف اليمين الثانية
قبل أن يحنث في الأولى، فثلث واحد في حنثه يجزيه، وإن كان حنث، ثم حلف
فحنث، فكما قال ابن القاسم وأشهب. قال ابن القاسم: فإن فرط في إخراجه حتى
ذهب ماله، فإنه يضمنه، كالزكاة، ولو نما ماله لم يلزمه إخراج ثلث ما نما
بعد أن حلف، وإن نقص، فثلثه يوم حنث. وقاله مالك. قال محمد: إنما عليه
الأقل إذا كان يمينه ألا يفعل، ثم حنث، فلا يلزمه ما أتلف، أو أكل، أو زاد
أو نقص، وإنما عليه ثلث ما معه يوم حنث، لا يحسب عليه ما نقص ولا ما زاد،
وعليه الأقل ولا زاد بولاته رقيق أو حيوان، أو غلات تمارا ونحوها، فلا شيء
عليه فيه، وما نقص بسببه أو بغير سببه قبل الحنث، لم يضمنه، ويضمن ما بقي
منه بعد الحنث مما كان يملك يوم حلف، ولو ضاع/ شيء بقرب حنثه بلا تفريط لم
يضمنه أيضا، هذا كله في يمينه ألا يفعل.
__________
(1) هكذا في ع وهو الصواب. وعبارة الأصل مصحفة: تدار غلة هذا.
(12/207)
وأما يمينه لأفعلن، فيلزمه فيما ملك يوم
حلف، وفيما زاد ذلك بنمائه أو ولادة، أو غلة، ويضمن ما تلف منه قبل حنثه،
إلا ما تلف بغير يمينه، وقيل: ليس الربح كالولادة والثمرة. [لأن الغاصب له
ربح المال ولا يكون له الولد والثمرة] (1). ولو كان أرضا فزرعها بشيء أفاده
بعد اليمين، لم يلزمه في الزرع شيء. قال: وإن وهب على وجه الصدقة، فقد قيل:
يضمن ما تصدق بعد يمينه قبل حنثه، ولو تصدق به بعد اليمين تعمدا للحنث
لضمنه، لأنه أخرجهم قبل أن يحنث (2). قال محمد: وأحب إلي ألا يضمن في هذا
بما تصدق به لأني لو أمكنني رده، لأخرجته ثانية، وكان كحالف بحرية عبده أن
يفعل كذا إلى شهر، فيعتقه قبل الشهر، ثم يحنث، فلا شيء عليه. وذكر لي عن
ابن القاسم فيمن قال: ميراثي من أبي صدقة عليك إذا مات، أنه لا يلزمه. قال
محمد: أما في اليمين، فيؤمر به من غير فضاء، وأما في غير يمين، فيلزمه،
كالعتق. قال مالك، فيمن حلف إن كان ما يكسبه أبدا صدقة، فلا شيء عليه،
وليفعل خيرا ويتصدق وقيل: ولا صدقة عليه ولا سبيل. قال أصبغ: وإن ضرب أجلا
يعيش إلى مثله، لزمه، كالعتق والطلاق. قال ابن القاسم، فمالي لوجه الله.
فليتصدق بثلثه، ولا عتق عليه في رقيقه، إلا أن ينويه. وروى أبو زيد عنه، في
العتبية إن فعلت كذا، فكل شيء لي لوجه الله. فحنث، أنه لا عتق/ عليه في
رقيقه. ومن كتاب ابن المواز: وإذا حنث بصدقة ماله، وله عين، ورقيق، وقمح،
وشعير، فليخرج ثلث ذلك كله، إلا أن ينوي (3) العين خاصة، وإلا فليخرج ثلث
كل ما يقدر على بيعه. قال أشهب: ويخرج ثلث خدمة المدبرين [وثلث] (4)
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من الأصل. والإكمال من ع.
(2) في الأصل: قبل يجب. وهو تصحيف.
(3) في الأصل: إلا أن يبرئ. وهو تصحيف.
(4) ساقط من الأصل.
(12/208)
ما يتأدى من المكاتبين، وثلث خدمة المعتق
إلى أجل، وثلث ما يرجع إليه وهو حي من عمرى. وكذلك إن عجز المكاتب، أخرج
ثلثه، وما رجع من ذلك كله بعد من له، لم يلزم ورثته فيه شيء. قال ابن
القاسم: لا شيء عليه في مدبرته، ويخرج ثلث قيمة [كتابة] (1) المكاتبين، وإن
عجز المكاتبون، نظر إلى قيمة رقابهم فإن كان أكثر مما أخرج من قيمة
كتابتهم، فعليه ثلث الفضل. قال محمد: كل صواب. وقول أشهب أحب إلي، إلا أن
يبيع كتابة المكاتبين، فيخرج ثلثها، ولا شيء عليه عند ابن القاسم، في مدبر
ولا معتق إلى أجل، إلا أن يؤاجرهم، فيخرج ثلث الإجارة. ومن قال لامرأته: كل
جارية أتسررها عليك، فهي عليك صدقة، وإن وطئت جاريتي هذه، فهي عليك صدقة.
فاشترى، وتسرر، أنه لا شيء عليه. قاله ابن القاسم. محمد: يريد لا يقضى
عليه، وكذلك إن قال لرجل: إن شربت هذا القدح النبيذ، فعبدي عليك صدقة.
ففعل، فيؤمر ولا يجبر. وهذا الباب كله في النذور. فيمن تصدق بماله كله وهل
يتصدق على/ بعض ولده دون بعض؟ من كتاب ابن المواز والعتبية من سماع ابن
القاسم، قال مالك يجوز للرجل أن يتصدق بماله كله في صحته، وقد فعله الصديق.
[رضي الله عنه] (2). قال سحنون في العتبية: إذا تصدق بجل ماله، ولم يكن
فيما أبقى منه ما يكفيه، [ردت صدقته، فإن كان مما أبقى ما يكفيه] (3) لم
يرد. وقال محمد بن عبد الحكم، في غير كتاب ابن المواز، وقال غيره من
البغداديين: نحن نكره له بذلك،
__________
(1) ساقط من الأصل.
(2) زيادة في ع.
(3) ما بين معقوفتين ساقط من الأصل.
(12/209)
وليبق على نفسه لأن الله سبحانه ورسوله -
صلى الله عليه وسلم -، قررا لنا أن الإبقاء على الوارث أولى، فإبقاء المرء
على نفسه أكثر وأولى من الإبقاء على الوارث. ومن كتاب ابن المواز والعتبية
من سماع ابن القاسم، قال مالك: يكره أن ينحل أحد بنيه ماله كله أو جله، مثل
أن يفعل ذلك للصغير، ويدع الكبير. قيل له أفيرد؟ فلم يقل في الرد شيئا. قيل
له: أفيرد؟ فلم يقل في الرد شيئا. قيل له، في رواية أشهب في الكتابين، عن
مالك في الحديث في الذي نحل ابنه عبدا، له فقال له النبي - صلى الله عليه
وسلم -: أكل ولدك نحلته مثل هذا؟. قال: لا. قال: فأرجعه (1). قال مالك: إن
ذلك فيما أرى أنه لم يكن له مال غيره. قال أشهب فقلت له: فإن لم يكن له مال
غيره، أيرد؟ قال مالك: وله أن ينحل بعض ولده بعض ماله، وإنما يكره أن ينحله
جل ماله، والابن صغيرا او كبيرا، إلا أن ينحل المقل منهم الشاة أو الدابة،
ليس له غيرها. قال/ عنه ابن القاسم، في العتبية فيمن تصدق بماله كله على
بعض ولده: لا أراه جائزا. قال ابن القاسم: أكرهه، فإن فعل وجيز عنه، فلا
يرد بقضاء. قال: قيل لمالك في الكتابين: ولو تصدق بداره، وهي جل ماله، على
بعض ولده. قال: فلا بأس به، وغيره أحسن منه. قال مالك، فيمن ليس له إلا
خادم واحدة يتصدق بها على أحد ولديه: فذلك جائز إذا حيز. قال ابن القاسم:
ووجه ما روي من إنحال بعض ولده دون بعض، إنما هو- والله أعلم- فيمن نحل
بعضهم ماله كله فأما من لم ينحله الجميع، فهو جائز، وقد فعله الصديق، وقاله
عمر، وعثمان، رضي الله عنهم، وعمل به الناس. ومن كتاب ابن المواز: لا بأس
بذلك، ويذكر عن ابن القاسم، فيمن تصدق بماله كله على بعض ولده، وبين أنه
حيف وقرار. ومن كتاب الله رد ذلك
__________
(1) في كتاب الأقضية من الموطا، وكتاب الهبة من الصحيحين. وكذلك في كتب
السنن ومسند أحمد.
(12/210)
في حياته ومماته. قال أصبغ: إذا حيز ذلك
جاز على كل وجه، اجتمع أمر الفقهاء والقضاة على هذا، وحرجه بينه وبين الله.
قال محمد: صواب. وقد قال ابن القاسم غير هذا أكره أن يعمل به أحد، وإن فعل
لم يرد. قال ابن القاسم، عن مالك، في العتبية، في الذي له ولد يبره، فيعطيه
العطية دون باقي ولده، قال لا بأس بذلك. في صدقة البكر وذات الزوج والمولى عليه قال الفقيه أبو محمد: وهذا
الباب قد ذكرناه في آخر كتاب التفليس، وفيه تمام القول في هذا المعنى، على
ما ذكرنا ها هنا منه. من كتاب ابن المواز/ قال مالك وأصحابه في ذات الزوج
تتصدق بثلث مالها، أو بعتقه، قال: ذلك نافذ ما لم يكن ذلك لسفه، أو على
ضرر. وذكر ابن حبيب أن ابن الماجشون، ومطرفا، وأشهب، رووا عن مالك أنه وإن
كان بالثلث فأقل على وجه الضرر منها، والسنة أنه يرده. قال: وقد قال ابن
القاسم إنه لا يرد على أي حال كان، وقاله أصبغ. وكذلك روى يحيى بن يحيى عن
ابن القاسم في العتبية أنه تبين أنها قصدت الضرر بمقدار الثلث. قال: وكذلك
لو تصدقت بثلث ما بقي أيضا بعد أشهر فإن تباعد ذلك، جاز، وإن تقارب، لم
يجز، وهي مثل التي تتصدق لغير الضرر. قيل: فكم حد البعد أيكون الشهر؟ قال:
لا أحد فيه. قال أصبغ: إلا بقدر ما يرى أنه فرحا (كذا) مستقبلا. قال يحيى
بن يحيى وقال غيره ما يتبين أنها تفعله ضررا لا لأجر (1). ولا بر فإنه
مردود كله. قال سحنون: وأنا أراه جائزا في الثلث إذا كان على وجه الضرر.
وقال ابن القاسم: إنه لا يجوز.
__________
(1) في الأصل: إلا جر. وهو تصحيف.
(12/211)
ومن كتاب ابن المواز: وقال أشهب، وإنه جائز
ولو يعلم أنها أرادت [به] (1) الضرر! قال محمد: عن علم إنه على وجه الضرر
بالزوج، فله رده، كما لا يجوز من فعل السفيه شيء، كذلك يرد من فعل هذه ما
كان ضررا. قال مالك والعبد تحته الحرة، فله منعها من الصدقة والعتق بأكثر
من ثلثها، وهو كالحر في هذا، ولعله قد زادها في صداقها لأجل ما يرجو من
النفع بجمال مالها، والرفق به، ولعله سيعتق، وسواء كان له منها ولد أو لم/
يكن. وكذلك النصرانية تحت المسلم. وكذلك روى أبو زيد، في العتبية عن ابن
القاسم، وخالفه ابن وهب. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: وإذا زادت الحرة
على ثلثها يسيرا، مثل الدينار والدينارين، يمضي ذلك ولا يرد، وإذا أعتقت
ثلث أمة لها، لا تملك غيرها فقال ابن القاسم، عن مالك بعتق ذلك الثلث، ولا
يرده الزوج. وروى عنه أشهب، وعبد الملك، أن الزوج إن أجاز عتق ذلك الثلث
عتقت جميع الجارية، وإن رد ذلك (2)؛ لم يعتق منها شيء. وهو أحب إلينا. قال
مالك: وإذا [أعتقت] (3) ثلث عبد لها في الصحة، وباعت ثلثه، وبقي باقيه
بيدها حتى ماتت، فلا يعتق منه إلا ما أعتقت في صحتها، وسواء في صدقة الزوجة
أو عتقها، في حنث يمين أو ابتداء. قال محمد: وأفعالها نافذة حتى ترد، فإن
حدث طلاق، أو مات الزوج، فذلك ماض. وقد ذكرنا الاختلاف في هذا في باب في
آخر التفليس. قيل لمالك، في امرأة حلفت بعتق رقيقها، أرأيت إن أنكر زوجها؟
قال: ليس ذلك على المفتي. وإذا تصدقت بقدر الثلث على ابنتها، أو أختها وهما
مليان،
__________
(1) ساقط من الأصل.
(2) في الأصل: وإن رد مالك. وهو تصحيف.
(3) ساقط من الأصل.
(12/212)
فذلك جائز، ثم إن أردات بعد ذلك أن تتصدق
بقدر ثلثها فإن كان سفها يعرف به قصد الضرر، لم يجز، وإن حضرتها الوفاة
فأوصت بالثلث، جاز ذلك أيضا. وإذا أعتق عبد عبده، أو تصدق، فلم يرده السيد،
أو لم يعلم به حتى عتق العبد، مضى ذلك، ولو رده السيد قبل العتق، لم يلزمه
بعد العتق شيء/، وكذلك الزوجة. قاله أشهب، ورواه عن مالك. وقال ابن القاسم
بخلافه. وأما المولى عليه، إن لم يرد عتقه حتى ولي نفسه، فلا عتق له ولا
صدقة لأنه لو أجاز وليه عتقه وصدقته لم تجز، بخلاف العبد والزوجة. قال
مالك: فكل ما أعتق أو داين (1) في سفهه، فلا يلزمه بعد رشده، ولو حبس
المولى عليه دارا على أمه حياتها، فأجاز ذلك وليه، لم يجز، ولا يجوز أن
يشهد أحد عليه، ومن شهد، فليمح شهادته، فإن أبوا عليه، رفع ذلك إلى الإمام
حتى يمحوها أو يجيزها. قال أصبغ، عن ابن وهب، في البكر تبلغ أربعين سنة،
ولا يليها أحد، أن أفعالها في مالها تجوز. وروى مثله أشهب، عن مالك. قال
محمد: وذلك في التي لا أب لها ولا وصي ولا ولي من سلطان. وقاله ابن القاسم،
إن بلغت الخمسين. وقال أصبغ: الأربعين. قال الله سبحانه: {حَتَّى إذَا
بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سنة} (2). ولا يجوز من فعل البكر في
مالها إلا في الشيء اليسير، ولها إذا ملكت أمرها أن ترد صنيعها، إلا أن
تقيم على تسليمها. قال ابن عبد الحكم، في البكر البالغ عليها ولي: لا يجوز
كلما تصنع في مالها، وإن لم يول عليها فجائز (3) ما صنعت من بيع وشراء،
فأما عتق وصدقة وعطية فلا. وكذلك قال أبو زيد، والحارث، وسحنون: يجوز
صنيعها كله ما لم تولى بولاية ولي.
__________
(1) في الأصل: أو باين. وهو تصحيف.
(2) الآية 15 من سورة الأحقاف.
(3) صحفت عبارة الأصل: وإن لم يولى فجائز.
(12/213)
ومن العتبية روى أشهب، عن مالك، في البكر
تتصدق على أبويها، ثم تتزوج ويدخل بها، فتقوم في ذلك، فذلك رد، ولها أخذه.
قال ابن نافع: ولو/ أقامت بعد البناء سنتين أو أكثر، ثم قامت، وقالت: لم
أكن أعلم أنه لا يلزمني. فلها ذلك وتحلف. ومن كتاب ابن المواز قال ابن عبد
الحكم: وإذا عنست وبلغت ستين سنة، جاز كلما صنعت، وزالت الولاية عنها، إلا
أن تكون سفيهة يولى على مثلها، وإلا ففعلها جائز، ويستحب ألا يزوجها الأب
إلا بإذنها (1)، فإن لم يفعل، جاز ولم يرد. قال مالك. وللبكر أن ترد [جميع]
(2) ما صنعت قبل أن تصير إلى زوجها، ولو أجاز الزوج ما تصدقت به قبل أن
يبني بها، لم يجز ذلك. ولو ماتت البكر ولم يرد وليها ما صنعت، أو لم يعلم،
فلورثتها رد ما أعطت، كما يكون لها لو وليت نفسها ما لم يجزه بعد أن تلي
نفسها، أو تركه بما يعلم أنه رضي (3) ولو مات العبد الذي عتقت، لم يورث إلا
بالرق، ولا يرث هو الأحرار أيضا. وإذا أعتقت ذات الزوج، أو أعتقت أكثر من
الثلث، فرد ذلك الزوج، ثم ملك، وذلك بيدها فقال ابن القاسم: ينفذ ذلك عليها
بغير قضاء، وبلغني ذلك عن مالك. وقال أصبغ: بل بالقضاء، مثل رد الغرماء عتق
المديان، ورد السيد عتق المكاتب أو عتق العبد، ثم يعتق والعبد بيده، فإنه
يلزمه عتقه بالقضاء. قال محمد: وهذا غلط من أصبغ، وخلاف لمالك وأصحابه.
وقال مالك، في موطئه فيما أعتق المكاتب، فرد السيد، ثم عتق المكاتب والعبد
بيده، فلا يلزمه عتقه بقول أصبغ في العبد أبعد، وإنما قال ابن القاسم في
ذات/ الزوج وحدها، فألزمها بعد موت الزوج إنفاذ ما كان رد من فعلها ببلاغ
__________
(1) في الأصل: الأب لاباءها. وهو تصحيف.
(2) ساقط من الأصل.
(3) في الأصل: أنه وصي. وهو تصحيف.
(12/214)
بلغه عن مالك. وقد روى أشهب عنه خلافه
فيها، قال أشهب: فكذلك فيما رد من عتق عبده. قال أصبغ: ومن وهب لابنه رجل
بكرا، ولابنه المراهق أو البالغ السفيه هبة، فردوها، وقبلها الأب فإن كانت
للثواب، فذلك للأب، والوصي مثله، وإن كانت لم تكن للثواب، ولكن على وجه
الصلة والأجر، فلا كلام للأب والوصي [مثله] (1) في ذلك. قال محمد: ولا لهما
رد ذلك، إلا أن يكون لرده وجه. ومن العتبية روى أشهب عن مالك في المولى
عليه تصدق على أمه، فأذن وليه بدار له حياتها، ثم مرجعها إليه قال: لا أرى
ذلك. قيل: قد كتبنا شهادتنا فيه. قال: سلوهم محوها، فإن أبوا فارفعوا ذلك
إلى الإمام حتى ينقضه أو يجيزه، كيف يشهدون على هذا وأ، تم تطلبون العلم
وتنظرون فيه؟ قال أصبغ عن ابن القاسم في المرأة تتصدق بمالها كله أو يجعله
في السبيل أو في عتق، فذلك سواء ويرد كله. وهو قولهم كلهم. قال غيره: إلا
المغيرة فإنه يجيز منه الثلث. قال سحنون: وإذا تصدقت بأكثر من الثلث فلم
يعلم الزوج حتى ماتت ثم علم فطلب أن يرده قال: له أن يرده كله.
فيمن تصدق بصدقة فلم تحز عنه حتى ادان دينا
محيطا أو فلس أو مات أو جن/ قال أبو محمد: وهذا الباب منه باب في
التفليس ومنه في كتاب العتق في مثل معناه. قال ابن حبيب قال مطرف وابن
الماجشون: ومن تصدق، أو وهب شيئا فلم يحز عنه حتى ادان ما أحاط بماله
وبالصدقة فالدين أولى (2)، والعطية باطل، والصدقة بيوم تُقْبَضُ لا بيوم
تتصدق بها، والفلس (3) كالموت والمرض.
__________
(1) ساقط من الأصل.
(2) كذا في ع وهو الصواب. وعبارة الأصل مصحفة: وبالصدقة ما له ومن أولى.
(3) في الأصل: والعيق. وهو تصحيف.
(12/215)
قال أصبغ: الصدقة أولى من الدين المستحدث
بعدها، وإن لم تقبض، والصدقة بيوم يتصدق بها لا بيوم تقبض ما دام حيا إذ لو
قيم عليه أخذت منه ما لم يمرض أو يموت، وليس ذلك مثل حدوث التفليس عندي،
وهو كالعتق إذا أعتق وله مال لم يضر ذلك ما يحدث من الدين. قال ابن حبيب:
لا يشبه العتق لأن العتق قبض، والصدقة لم تقبض حتى حدث الدين. قال أصبغ، عن
ابن القاسم، في المرأة تصدقت بصدقة، فلم تقبض منها حتى ذهب عقلها فذلك
كالموت وتبطل الصدقة. الشرط في الهبة والصدقة شروط تجوز أو لا تجوز من كتاب
ابن المواز عن مالك ومثله في سماع عيسى عن ابن القاسم عن مالك، قال مالك:
من وهب هبة لرجل، قال في العتبية: أ, تصدق عليه، قال في الكتابين: على ألا
يبيع ولا يهب، لم يجز ذلك. قال في كتاب ابن المواز: ولا على ابنه، إلا
لصغر،/ أو سفه، فلا يجوز إلى البلوغ والرشد، ثم يأخذه، وأما على أن اشترط
عليه بعد البلوغ والرشد، فلا خير في هذا، وكرهه ابن عمر، وربيعة. قال في
العتبية: لا تجوز الهبة والصدقة على هذا ويقال له: إما أبتلتها وإلا فخذها
إلا في الصغير والسفيه، يشترط ذلك عليه إلى البلوغ والرشد، فذلك جائز. قال
ابن القاسم: وأكره أن تقع الهبة والصدقة على هذا، فإن وقعت مضت ولم ترد،
وهو على شرطه. قال سحنون: هو حبس. قال في كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم:
إذا ترك ذلك خير المعطي؛ فإما بتله له بلا شرط إن كان جائز الأمر، وإلا
رده. وقال أشهب: من حبس عليه وعلى عقبه فإذا انقرضوا، رجعت حبسا على أقرب
الناس بالمعطي يوم المرجع.
(12/216)
ومن العتبية قال سحنون: قال ابن القاسم،
فيمن تصدق بشيء على رجل، ويقول: إن أردت بيعه، فأنا أحق به. قال: ليست هذه
الصدقة بشيء. وقال ابن وهب، عن مالك، إنه جائز لأنه ليس ببيع. وروى أشهب،
عن مالك، فيمن تصدق على رجل بعبده بتلا، على أنك إن مت فالعبد إلى رد، وإن
مت أنا فهو لك بتلا، فمات المعطى أولا، فإن العبد يرجع إلى المعطي. وروى
يحيى بن يحيى، عن ابن القاسم، فيمن أعطى أخاه منزلا، وشرط أنك إن مت فهو رد
إلي، وإن مت قبلك، فهي لك ماضية، فحاز أو لم يحز، ثم مات المعطي أولا؛ قال:
ذلك مثل الوصية، تكون للمعطى من الثلث لأنه/ جعلها له نافذة إن مات المعطي
أولا قبله وعجل له قبضها، وهي وصية، حيزت أو لم تحز. قال أصبغ: وليس للمعطى
أن يبيعها، أو يحولها عن حالها، فإن مات المعطى اولا، رجعت إلى المعطي،
كالعمرى، وهي كالوصية تكون من الثلث. قال عبد الملك بن الحسن، عن ابن
القاسم مثل رواية يحيى عنه. قال: وهو قول مالك، او ما يشبهه. قال ابن
القاسم، فيمن قال لابنه: إن ضمنت عني الخمسين الدينار التي لفلان علي،
فداري صدقة عليك. قال: لا صدقة له، وللابن أن يرجع عن الضمان. وروى عيسى عن
ابن القاسم فيمن قال لزوجها: إن حملتنى إلى أهلي فمهري عليك صدقة. وكانت
مريضة، فوضعته عنه على هذا، ثم بدا له أن يحملها فخرجت هي من غير إذنه
فصارت إلى أهلها؛ فإن خرجت مبادرة لتقطع ما جعلت لزوجها فلا شيء عليه. وأما
إن بدا لها وأبى أن يسير بها وعرف ذلك، رجعت عليه بما وضعت عنه. قال أبو
محمد: يريد إن كانت بينة أن على هذا ضمن.
(12/217)
ومن تصدق على رجل بجارية، على أن يتخذها أم
ولد، فلا يحل له وطؤها على هذا، فإن فعل وحملت، فهي له أم ولد، ولا قيمة
عليه لأنه قد اتخذها كما شرط، وليس كالتخيير في القيمة لأنه لم يعط الرقبة،
والمتصدق قد أعطى رقبتها، وإن لم تحمل فهي للواطىء (1) ولا ترد الصدقة لأنه
على الوطء وطلب الولد أعطيها، وقد طلب الولد بالوطء، ولا قيمة عليه، حملت
أو لم تحمل./ وعمن قال لابنه: أصلح نفسك، وتعلم القرآن، ولك قريتي فلانة.
فيصلح نفسه، ويتعلم القرآن، ثم يموت الأب، وهو لم يبلغ الحوز، فليس ذلك
بنافذ، إلا أن يكون حقق ذلك بأستها، ويشهد قوما أنه إن قرأ القرآن فقد تصدق
عليه بعبده، فذلك جائز إن كان صغيرا في ولاء أبيه، ويكون حوزا له. ومن سماع
أشهب من مالك فيمن تصدقت برقيق لها على ابنتها بكتاب وأشهدت عليه قوما على
أن لا يردوها ما كانت حية قال: لا تنفع هذه الشهادة ولا يشهد بها. وروى أبو
زيد عن ابن القاسم فيمن تصدق بعبد على رجلين إن قبلاه فقبله أحدهما وأبى
الآخر فللذي قبل منهما ما قبل. قال ابن حبيب قال مطرف وأصبغ فيمن تصدق على
بنات أخيه بميراثه من أمهن، على أن لا يصدق ذلك أبوهن امرأة يتزوجها، فأصدق
ذلك الأب امرأة، فإنه يمنع، ويرد ذلك إليهن بالشرط. قال مطرف، وابن
الماجشون: ومن أخدم عبده رجلا عشر سنين ثم هو له بتلا، أو أخدمه، ثم قال
ذلك بعد ذلك، فذلك سواء، وقد صار له فيصنه به الآن ما شاء. وقال أصبغ: إذا
جمع له ذلك معا فهو كالحبس عليه إلى الأجل. قال مطرف وابن الماجشون: وإن
وهبك إياه على أن لا يخرج من ملكك عشر سنين، ثم هو لك بعد ذلك بتلا؛ فإن
كان لذلك وجه أن يكون المعطي
__________
(1) في الأصل: فهي للعاطي. وهو تصحيف.
(12/218)
سفيها فأراد إبقاءه عليه، أو يكون سقيما
فأراد إبقاءه لخدمته، أو فقيرا فأراد إبقاءه عنده/ لعلته، فذلك جائز،
وإن لم يكن لشيء من هذا، ولكن قال: أردت أن تراهنني عليه، أو بخدمة ما
أعطيته، او تسكن فيما وهبته. فأرى أيضا أن يجوز ذلك كله على ما قال،
ولا أرى أن يباع لغرماء المعطي قبل الأجل، ويكونون أحق منه بخراج
العبد، وغلة المسكن إلى تمام الأجل. قال ابن حبيب، عن مطرف، وابن
الماجشون: ومن تصدق على ابنه الكبير بصدقة على أن قطع بها ميراثه منه،
فإن شرط ذلك في أصل الصدقة، فالصدقة باطل، وإن استثنى ذلك بعد يوم أو
يومين، فالصدقة ماضية، والشرط باطل، واختلفا (1) في الولد إن كان صغيرا
فقال ابن الماجشون: الصدقة ماضية، كان الشرط في أصل الصدقة أو بعدها.
وقال مطرف: إن كان في أصلها، أو تفريقا في اليوم واليومين، فالشرط
باطل. وقال أصبغ: إن قال: لها الشرط، فهي باطل، وإن كان بعدها بقرب أو
ببعد، فهي ماضية والشرط باطل. وبه أقول. قال مطرف، فيمن أعطى امرأته
النصرانية داره التي هو بها على أن تسلم فتسلم: أنه بمنزلة البيع، لا
يحتاج إلى حيازة، ويجزيها الإشهاد، وإن مات في الدار، بخلاف العطية.
وقال أصبغ: هو كالعطية، ولا يتم إلا بالحيازة. وبالأول أقول.
فيمن وهب في مرضه لرجل مريض هبة ثم وهبها
للواهب فقبضها ولا مال لهما غيرها ثم ماتا ومن العتبية روى عيسى
عن ابن القاسم في المريض يهب لرجل/ مريض هبة لا مال غيرها ثم وهبها
الموهوب للواهب في مرضه ولا مال له غيرها، قال: يجعل المال من تسعة
أسهم يثلثها ثلاثة للموهوب له أولا، فيرجع من هذه الثلاثة سهم للواهب،
فيصير بيد ورثة الأول سبعة، وبيد ورثة الثاني اثنان.
__________
(1) كذا في ع وهو الصواب. وصحفت في الأصل: واختفاء.
(12/219)
قال أبو محمد: هذا الذي ذكر عيسى عن ابن
القاسم، وهي مسألة دور، ولم يجعل فيها دورا. وقال ابن عبدوس، في كتاب
الدور له: إن التسعة (1) أسهم يكون منها ثلثها؛ ثلاثة لورثة الواهب
الثاني، ثم يقوم منها سهم وثلث ماله، فاعلم أن هذا السهم دائر لأنك إن
أعطيته لورثة الأول، قام عليهم ورثة الثاني في ثلثه، كالطارئ، ولأن هبة
البتل تدخل فيما علم به الواهب وفيما لم يعلم، ويقوم عليهم ورثة الأول
في ثلث ثلاثة، فيدور هكذا بينهم حتى يتقطع، فلما كان هذا هكذا وجب أن
يسقط السهم الدائر، ويقسم ذلك السهم بين الورثتين على ما استقر
بأيديهم، فيصير المال بينهم على ثمانية، ستة لورثة الواهب الأول،
واثنين لورثة الواهب الثاني. فيما يتعارض به الزوجان ومن تصدق على ابن
رجل على أن يتصدق عليه الأب من العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم
فيمن تصدق على زوجته، فعوضته وضع صداقها عنه، أو تضع عنه الصداق أولا،
فيتصدق عليها بمنزل له، فيموت بعد (2) حيازة/ المرأة، قال: لا يجزى في
الصدقات ثواب، وهي ماضية لمن تصدقت عليه إذا حيزت، ولا ثواب فيها،
والتي أثابته وضع الصداق على صدقته، فالصداق عنه موضوع، ولا حق لها
فيما أعطاها إلا بالحيازة. وإذا بدأت (3) هي بوضع الصداق، فالصداق عنه
موضوع، ولا شيء لها فيما أعطاها، إلا بالحيازة. قال: وأما إذا وهبها
هبة، فأثابته بوضع الصداق، فالهبة لها وإن لم يقبضها حتى مات، إذا كانت
الهبة للثواب، يعرف ذلك من أمرهما. وكذلك لو ابتدأته بوضع الصداق،
فأثابها بمنزل أعطاها، فلم تقبضه حتى مات، فهو لها إذا عرف أن وضعها
للصداق للثواب بشرط اشترطته، فالمنزل لها
__________
(1) هكذا في ع. وصحفت عبارة الأصل: في كتاب الدوران التسعة.
(2) في الأصل: قبل. وهو تصحيف.
(3) عبارة الأصل مصحفة: وإذا بدت.
(12/220)
وإن لم تحزه، وإن لم يشترط في الصداق ثوابا
فلا ثواب لها فيه، فإن أثيبت فلم تحزه فلا شيء لها، ووضع الصداق مخالف
لما يهب من غيره إذا طلبت عليه ثوابا بعد موته. وروى عيسى بن دينار، عن
ابن القاسم، في امرأة تركت زوجها وابنيها منه وأباها فقال أبوها للزوج:
إن تصدقت على ولدها منك بنصيبك مما تركت في صداقها وحيلها ومتاع وغيره،
فميراثي منها عليه صدقة. فرضي الزوج، وتصدق على الولد بميراثه منها،
وأشهدا، ثم مات الأب. والجد، والمتاع والحلي وجميع ما تركت في يدي
الزوج، والصداق عليه كما هو، قال: أما المتاع، والحلي، وما تركت غير
المهر، فهو لهما/ لأن الأب حاز لهما صدقته وصدقة الجد لأنهما صغيران،
وأما الصداق، فلا شيء لهما فيه بالصدقة لأن من مصابة جدهما ولا أبيهما،
لأن الجد إنما يصدق على أن يتصدق أبوهما، فلما لم يجعل الأب نصيبه من
الصداق لهما بيد غيره، فكأنه ما تصدق بشيء، ولو كان الصداق الذي عليه
عرضا موصوفا، فهو كذلك لا يتم بغير تحويز، كما لو تصدق عليهما بعبد
موصوف يكون عليه، لم يجز، ولو كان ذلك له في ذمة غيره، كان جائزا. ومن
العتبية روى أبو زيد عن ابن القاسم، فيمن لك عليه عشرة، فقلت: إن تصدقت
على ابنك بعشرة، فالعشرة التي لي عليك صدقة عليه. وأشهد الأب أنه قد
تصدق على الابن بعشرة دنانير، ثم مات الأب والابن صغير، ولم يحز ماله
غيره، فذلك باطل، فترجع أنت في تركة الأب بعشرتك.
(12/221)
في هبة الكتابة أو
نجم منها أو وهب مدبرا أو أم ولد أو وهب عبدا
واستثنى بعض خدمته أو وهبه لمن يعتق عليه أو تصدق على العبد بخدمته
وهبة أمه للوطء قال أبو محمد: وهذا الباب قد افترق في غير كتاب من كتب
العتق والمدبر والمكاتب وغيرها. ومن العتبية من سماع أصبغ قال ابن
القاسم فيمن وهب لرجل نصف مكاتبه، فعجز، فله نصف رقبته، وكذلك بجزء
معلوم، فبحسابه، ولو قال: بنجم منهم. فإن كانت خمسة أنجم، فله خمس كل
نجم،/ وله في العجز خمس رقبته، ولو كان نجما بعينه، لم يكن له غيره،
فإن عجز، فلا شيء له في رقبته، إلا أن يزعم الواهب غير ذلك. قال عنه
يحيى بن يحيى ومن قال لعبده: خدمتك عليك صدقة ما عشت أنت. فهو عتق
بتلا، وأما حياة السيد، فليس له من خدمته إلا حياة السيد، وكذلك بخراجك
أو بعملك. وإن تصدقت على رجل بابنه، فلم يقبل، فهو حر، ولك ولاؤه. وروى
عنه عيسى فيمن تصدق بمدبره على رجل، فحازه، ثم مات السيد، ولم يدع
غيره، فليعتق ثلثه، وثلثاه للمعطي دون الورثة، كما لو أخدمه أجنبيا
سنين فحازه، ومات السيد قبل الأجل، ولم يدع غيره، فليعتق ثلثه، وثلثاه
يخدم الأجنبي باقي المدة. ولو تصدق على ابن له صغير في حجره ولم يدع
غيره، فليعتق ثلثه، وثلثاه بينه وبين الورثة رقيقا، وفارق الأجنبي
والابن الكبير بحوزهما لأنفسهما، والصغير الأب يحوز له، وليس حوزه
للصغير في المدبر حوزا ولا له إخراجه من يده، فكأنه في يده لم يخرج
عنه، وإن علم بمكروه ذلك في حياة المعطي، رد وكان مدبرا بحاله، وإن
قبضه وباعه، ثم مات السيد ولم يدع غيره، رد، وعتق ثلثه، وكان ثلثاه
(12/222)
للأجنبي، وإن حمله الثلث، عتق كله، ورجع
المشتري بالثمن على بائعه، فإن كان عديما أتبعه به دينا. ومن تصدق بأم
ولده على ابنها منه، لم يجز، ولا يعتق، ولا يحرم عليه، وقد ثبت لها،
وإلا فلا يزول./ ومن وهب لعبده العامل في السوق الجارية، فجائز إن كانت
هبة مستقيمة، فأما أن يقول: إن بدا لي نزعتها منه. فلا يصلح، ولكن هبة
لأنه يقصد بذلك مسرته وإعتاقه. قال عنه أصبغ، فيمن تصدق على رجل بعبده،
وشرط عليه خدمة يومين من كل جمعة، فمات المعطي، فليست هذه بصدقة،
وللورثة أن يمضوا ذلك أو يردوه كما كان لوليهم. وفي سماع أبي زيد: وقال
ابن كنانة، فيمن تصدق على رجل بخادم، واستثنى خدمة خمسة أيام من كل
شهر، فذلك جائز، وله ما استثنى. قال ابن القاسم: إن كانت حبسا، فلا بأس
بما استثنى، وإن كانت رقبة بتلا، فلا خير أن يستثني منها خدمة أيام.
ومن كتاب ابن المواز وعن عبد بين رجلين وهبه أحدهما جارية، فيلد منه،
فالأمة وولدها بين الشريكين. قال ابن حبيب: قال مطرف: ولو قال: عبدي
هذا لك بعد عشر سنين خدمتك [ولا ينزع من يد المعطي إلى عشر سنين وكذلك
داري لك بعد عشر سنين حبسا] (1). فإن مات قبل تمامها، بطلت العطية
والحوز، وليس له أن يبيع ذلك، ولا أن يهبه ولا يغيره عن حاله، إلا في
دين محيط به، استحدثه أو كان قديما، فيباع ذلك فيه. قال: ولو أعتقه
المعطى قبل الأجل، لم يكن له ذلك قبضا، ولكن إن أفضى إليه بعد الأجل،
عتق عليه، وإن فلس الواهب قبل ذلك، بيع في دينه، وإن مات، ورث عنه.
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من الأصل.
(12/223)
قال ابن الماجشون: وإن قال: عبدي يخدم
فلانا حياته/. فجني على العبد، فأرشه للواهب، ولو قال: حياة العبد كان
تمليكا، وكان إرثه للموهوب، وميراثه إن مات. وساوى بينهما ابن القاسم،
وقال: إرثه وميراثه للمعطي. وقولي على قول ابن الماجنون. ومن كتاب ابن
المواز: ومن قال عبدي عليك صدقة. واستثنى من خدمته خمسة أيام من كل
شهر، قال ابن كنانة؛ ذلك جائز نافذ. قال ابن القاسم: أما في الصدقة
البتل فلا يجوز؛ وأما في الحبس، فجائز. قال ابن القاسم: وإن تصدق في
صحته على ابنه الصغير بجنان (1) وقرى وما فيها من أنواع الشجر؛ من
زيتون وغيره صدقة بتلا، واستثنى أقساط زيت المسجد له كل عام، فهو جائز،
وإن وليه الأب ما دام الابن صغيرا. قال محمد: أجازه لعلة ما استثنى من
الزيتون. وقد ذكرنا، في باب آخر. فيمن تصدق
بمال إلى مدة أو قال عشت أو مت من العتبية روى عيسى عن ابن
القاسم فيمن قال لزوجته: عشرون دينارا من مالي عليك صدقة إلى عشر سنين،
إلا أن تموتي قبلها فلا شيء لك. فذلك كما قال إن بقي الزوج إلى الأجل،
وإن مات قله فلا شيء لها، وإن حل والزوج مريض ومات من مرضه، فلا شيء
لها في ثلث ولا غيره، وليس كمن تصدق في المرض، لأن أصل هذا في الصحة.
وذكر ابن/ حبيب، عن أصبغ، عن ابن القاسم مثله. وذكر ابن حبيب، عن مطرف
مثله. وروى عيسى عن ابن القاسم وابن حبيب عن مطرف قالا: ولو قال صحيح:
ثلاثون دينارا من مالي صدقة على فلان عشت أو مت. أو قال: هي
__________
(1) في الأصل: بأجنة.
(12/224)
صدقة عليه إلى عشر سنين. أو قال: عبدي فلان
على مثل ذلك. فأما القائل في الصدقة: عشت أو مت. فهي له في حياته إن
قام عليه، وإن مات الواهب قبل أن يوعده به، فهي في ثلثه، وإن مات
المعطي فورثته بمثابته، وكذلك في العبد مثل المال. وأما القائل بعد عشر
سنين فلا شيء له، فإن أتت العشر سنين والمعطي يومئذ حي، أخذ المعطى
عطيته، وإن مات المعطي فورثته بمثابته، وإن مات المعطى قبل الأجل فلا
شيء للمعطي ولا لورثته. قال في كتاب ابن حبيب: عاجلا ولا إلى العشر
سنين، لا في ثلث ولا في رأس مال. قالا: وإن استحدث المعطي دينا قبل
الأجل بطلت الصدقة، وإن كانت شيئا بعينه، بيعت هذه الصدقة في دينه إن
كانت شيئا بعينه، وبطلت الصدقة، ولو أراد المعطي بيعها من غير دين،
لحقه منع من ذلك. قال مطرف: وإن كانت جارية، لم يطأها. قال ابن حبيب
وقال لي أصبغ، عن ابن القاسم مثل قول مطرف في ذلك. قال ابن حبيب: قال
مطرف، وابن الماجشون: ومن قال: ثلث مالي على فلان صدقة، عشت/ أو مت.
قالا: إن قام عليه في صحته، أخذ ثلث ماله، وإن لم يقم عليه حتى مات
المعطي، فله ثلث ماله يوم الصدقة من ثلث ماله يوم يموت، ويحاص بذلك أهل
الوصايا، ولو قام عليه في حياته، فأنكره، فخاصمه (1) حتى مات المعطي،
ثم قضي له بها، قالا: فله ثلث ما له من رأس المال، ولا يضره موته، ولو
قال الورثة: قد أفاد أموالا بعد الصدقة. وسموا ذلك، وكذبهم المعطى. قال
ابن الماجشون: البينة على المعطى لأنه المدعي لما يأخذه، وقد كان الميت
مطلق اليد بعبد وسعيد (كذا). وقال مطرف: البينة على الورثة أنه أفاد ما
يذكرون لأنه قد ثبت صدقة ثلثه مطلقا، فمن طلب أن يزيل منه شيئا فعليه
__________
(1) في الأصل: فخاصمه. وهو تصحيف.
(12/225)
البينة، كمن باع جميع ما في منزله،
والمشتري عرف ذلك، فلما أراد قبضه، زعم البائع في بعضه أنه أفاده بعد
البيع، فعليه البينة، وكالمرأة تدعي بعد موت زوجها بعض ما في بيته أو
داره، أنها أفادته بعد موته بمالها، وقبل القسم، فعليها البينة، قرب أو
بعد، ما لم يبعد جدا لأن الدار داره، فهذا أقوى. قالا: ولو كان له
مدبرون ومعتقون إلى أجل أو بتلا، لا يعرف فعل ذلك فيهم قبل الصدقة أو
بعدها، فالبينة على من يريد إدخالهم في المال لأن العتق حوز، كمن فلس
وله مدبرون ومعتقون، فلا سبيل للغرماء إليهم حتى يقيموا البينة لأنه
أحدث ذلك فيهم بعد أن أحاط به/ الدين. وقاله كله أصبغ، وقال فيما اختلف
فيه قول مطرف وابن الماجشون، بقول مطرف، وبه أقول. فيمن وهب ميراثه
لرجل وهو كذا فيوجذ أكثر ويهبه ولا يدري كم هذا ويهبه قبل موت الموروث
من العتبية قال أصبغ في الرجل يتصدق بميراثه على رجل، يقول: تصدقت عليك
بميراثي. أو قال: بجميع ميراثي، وهو كذا [كذا] (1) من البقر والرمك،
والرقيق، والعروض، والدور إلا الأرض البيضاء. وفي التركة جنان لم
يذكرها، وغير ذلك، هل يكون له قابض؟ وما لم ينص إلا ما استثنى، قال أرى
له كل شيء إلا ما (2) استثنى إذا كان يعرفه، والجنان، أو عرفه داخل في
الصدقة، إلا أن يكون الأرض الذي استثنى هي الجنان، كذلك تسمى عندهم،
فيكون له بما استثنى. وروى عيسى، عن ابن القاسم، فيمن تصدق على رجل بما
يرث من أبيه إذا مات، قال: لا يجوز ذلك، ولا أقضي به عليه، وهو لا يدري
ما هو، أيقل أم يكثر؟ فلا أدري ما هذا. وكذلك روى ابن حبيب، عن أصبغ،
عن ابن القاسم.
__________
(1) ساقط من الأصل.
(2) عبارة الأصل مصحفة: أوعى له كل شيء إلا بناء.
(12/226)
ومن العتبية روى عنه أصبغ فيمن تصدق على
رجل بما ورث عن أبيه وأشهد له، وقبل ذلك منه، ثم بدا للمعطي وقال: كنت
لا أدري ما أرث نصفا أو ربعا، ولا عدد الدنانير والرقيق، ومبلغ الأرض
والشجر، فلما يتبين لي مبلغه استكثرته وكنت أظنه (1) /، أقل من ذلك.
قال: إن [كان] (2) تبين ما قال أنه لم يكن يعرف بسر أبيه ولا وفره،
لغيبة كانت عنه حلف ما ظن ذلك، فالقول قوله، وإن كان عارفا بأبيه
وبسره، جاز ذلك عليه، وإن لم يعلم قدر ذلك ومبلغه. قال أبو محمد: وأعرف
لابن القاسم في غير موضع أن هبة المجهول جائزة. وقال محمد بن عبد
الحكم: تجوز هبة المجهول، وإن ظهر له أنها كثير بعد ذلك. وفي باب
الإقرار والدعوى مسألة من هذا المعنى. ومن كتاب ابن المواز: ومن وهب
لرجل مورثه، ولا يدري كم هو من مال الميت ربعه أ, ثلثه؟ قال أشهب: فذلك
جائز إن كان لغير الثواب، وإنما يكره المجهول في البيع.
فيمن وهب لعبده هبة ثم استحق العبد وقد عتق
أو لم يعتق وهل يرجع فيما وهبه أو ينتزعه منه أو عليه؟ من كتاب
ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون، فيمن وهب لعبده هبة، ثم استحق بحرية
أو ملك، فله أخذ ما أعطاه، إلا ما كان أعمره أو حبس عليه، فليس له رد
ذلك، وذلك يصحبه حيث ما كان، ولا يستثنيه في عتق ولا بيع، ولا لمن
اشتراه أخذ ولا قبض، ولو بقي عنده بيده، فلا يرجع فيه، ولا ينزع منه
أصل العمرى أو الحبس، ولكن ما حصل بيده من غلة ذلك، فله انتزاعه. قاله
كله مالك والمغيرة وغيرهما.
__________
(1) بياض بالأصل مكان: وكنت أظنه. والتصحيح من ع.
(2) ساقط من الأصل.
(12/227)
قال مطرف وابن الماجشون: وإن أعتقه فأتبعه
ما وهبه كماله/، ثم استحق بحرية أو ملك، فلا يرجع فيما كان أعطاه. قاله
ابن الماجشون، ولو أعتقه قبل العطية، ثم أعطاه عطية، ثم استحق بحرية أو
ملك فإن له أخذ ما أعطاه لأنه يقول: ظننته يكون مولى لي، ولم أكن أعطي
لغيري رقبته أو ولاءه. وبه أقول. وقال مطرف وأصبغ: ليس له أخذ ذلك.
فيمن تصدق بأرض ولها بئر أو عين لم يذكرها أو ببيت من دار ولم يذكر له
طريقا ولا مرفقا ومن العتبية من سماع أصبغ ومن كتاب ابن المواز قال ابن
القاسم: ومن تصدق بنصف أرض له مشاعا على رجل، ولها بئر أو عين، وقال:
لم يدخل في الصدقة، فلذلك من الماء بقدر تلك الحصة من الأرض، وإن تصدق
عليه بناحية من الأرض والبئر في الناحية الأخرى منها، حلف المتصدق وقبل
قوله، وإن تصدق بجميع الأرض فالماء داخل في الصدقة، وأما إن كان الماء
في غير الأرض، حلف المتصدق، وصدق أيضا، كان الماء يأيتها أو لا يأتيها.
قال أصبغ في العتبية: هذا إذا تصدق بناحية والماء في ناحية أخرى فهذا
إن كان للمتصدق عليه ما يسوقه إليها أو يعتمله وأما إن لم يكن له
معتمل، ولا يحيا أبدا إلا بمائها، رأيت الشرب لها في الماء حتى يستثني
في صدقته أنه لا ماء لها، وكذلك من تصدق بأرض، ويقول: نويت لا يدخل
الماء في الصدقة. فإن كان يقدر المعطى على سقيها بوجه ماء من غير ماء
المتصدق، فالمعطي متصدق، وإن كان لا يقدر على ذلك بوجه/ من الوجوه، فلا
يصدق المعطي، ويجعل لها نصيبها من الماء ما يصلحها بالقضاء (1).
__________
(1) كذا في ع وهو الصواب. وفي الأصل ما يصلحها بالمعطي. وهو تصحيف.
(12/228)
وذكر ابن حبيب، عن مطرف، وابن الماجشون،
أنه إن كان الماء في داخل الأرض الذي تصدق بها، فالسقي للمعطى مع
الأرض، إلا أن بئر عين الصدقة، أنه لم يتصدق به، وإن كان السقي خارجا
من الأرض، فالمعطي مصدق أنه إنما تصدق بالأرض دون السقي. وقاله ابن
القاسم. وقال أصبغ: سواء عندي كان فيها [أو خارجا منها، فالمعطي مصدق
مع يمينه، أنه تصدق بها وحدها بلا سقي، وذلك إن كان للأرض] (1) عين
بمصرف أو معتمل بوجه من الوجوه، إما فيها أو خارجا عنها، وإن لم يكن
لها وجه يرجى لها منه السقي، فإنه يجب للمعطى الأرض والسقي. قال ابن
حبيب وبالأول أقول لأنه إذا كان الماء فيها، فهو كبناء فيها أو غيره.
ومن كتاب ابن المواز: ومن اشترى أرضا ونصفها شائع، فادعى البائع مثل
هذا وقال: بعته على أن يسقيها بما عنده. وكذبه المبتاع، فإن كان الماء
في الأرض، فالمبتاع مصدق، كان له ماء أو لم يكن، وإن لم يكن الماء
فيها، وإنما يأتيها الشرب من غيرها، فهو أيضا للمشتري، إلا أن يرى
لدعوى البائع وجه، مثل أن يكون للمبتاع أرض بينها، لها ما يضمها إليها،
ومثلها يحتفر فيه الآبار، وما يستدل به على قوله، وكان شراء مشاعا،
فليحلفا ويتفاسخا، وما كان على غير ذلك، فالماء للمشتري وإن كان الماء
في غيرها، تحالفا وتفاسخا. وإن تصدق عليه ببيت من داره لم يسم له مرفقا
(2)، فليس له منعه من مدخل ومخرج ومرفق/ ببئر ومرحاض وإن لم يُسَمَّه
في الصدقة، وليس له أن يقول له: افْتَحْ بابا حيث شئت. وكذلك في
العتبية، من رواية عيسى، عن ابن القاسم، قال: وإن تصدق عليه بثلث دار
له، وفيها طوب وخشب، فطلب المعطى ثلثه، ومنعه الورثة، فليس له في الطوب
والخشب شيء.
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من الأصل.
(2) كذا في ع وهو الصحيح. وعبارة الأصل مصحفة: من دير قوم يسم له من
فيها.
(12/229)
فيمن تصدق على رجل
بأحد عبدين له فاختلفا فيه أو بأمة واختلفا في ذكر ولدها
أو بغلة منزل ثم قال جهلت مبلغه وقال المعطى بل علمت وكيف إن كان ذلك
مجاعلة أو إجارة؟ من العتبية روى أصبغ عن ابن وهب فيمن له بغلان فتصدق
بأحدهما على ابنه، ثم مات، فادعى الابن أفْرَهَهُما، وقامت له بينة أن
أباه أشهدهما أنه تصدق عليه بأحدهما، لا يدرون أيهما هو، وقال باقي
الورثة هو الأدنى، قال: فله نصف الفاره ونصف الدني (1). قال أصبغ: تبطل
الصدقة ولا تكون شهادة في الحكم إلا أن يأخذ ما أقرت به الورثة. قال
أصبغ، في امرأة تصدقت على زوجها بجارية، وكتبت: إني تصدقت عليك
بالجارية التي اشتريتها من فلان وولدها. فاختلفا في الولد؛ فقالت: لم
يدخل الولد في الصدقة وإنما قولي: ولدها مصروف إلى الشراء. وقال هو: بل
هو مضاف إلى الصدقة، والجارية وولدها في البيت الذي فيه امرأته. قال:
فإن اشترتها مع ولدها، فهي مصدقة، وتأخذ الأم وحدها/، ولا يفرق بينها
وبين الولد. وروي عن يحيى بن يحيى عن ابن وهب عن امرأة وكلت رجلا يخاصم
لها في منزل غُصِبَتْه فخاصم لها حتى قضي لها به، وسكنت فيه سنة هي
والوكيل معها، ثم سألها أن يتصدق عليه بثلث ما قضي لها به من ذلك،
ففعلت، ثم قامت تدعي أنها جهلت ما تصدقت به، وأقامت شاهدا أنه كان يقال
عندها الذي سمى لها من الصدقة، ويزعم أنه حقير، وادعى هو أنها تصدقت
عليه بذلك الثلث بعد معرفتها بذلك وبالفدادين وطولها وعرضها، وما في
ذلك من الشجر أو الحجر، أو غير ذلك من منافعه، وأنه سكن معها في ذلك
سنين، ثم تصدقت عليه بعد ذلك بالثلث وهي حائزة الأمر.
__________
(1) في الأصل: الدفي. وهو تصحيف.
(12/230)
قال: يلزمها بما ثبت عليها أنها تصدقت بذلك
بعد معرفتها بما تصدقت به، فأما إن كانت تُعْرَفُ بالجهالة بذلك المنزل
فخدعت فيه، وثبت لها أنه قال ذلك لها وحقره، وهي بذلك غير عالمة بما
قضي لها به، فالصدقة على هذا غير جائزة. قال: ولا أجيز الجعل على
الخصومة، فإن وقع، فله أجر مثله في شخوصه، قضي له أو لم يقض له. قال
ابن القاسم: الصدقة جائزة، ويحلف المعطي ما كان ما تصدقت به عليه
مقاطعة قبل الخصومة (1)، ولا علي المجاعلة فيها، وما هو إلا شيء طاعت
به لما قضي لها على يديه مكافأة له، جازت الصدقة لما ثبت عليها من
علمها بما أعطته، وعن معرفة له وبحدوده، ونحن نرى أنه من سأل رجلا أن
يقوم له بالخصومة (2) على أن يكاتبه/ عليها، فلا يصلح، فإن نزل وقام له
بالخصومة كان له أجر مثله، وإن أعطاه دارا وعبدا مكافأة له، مقابل ذلك
(3) جاز ذلك، ولا يرجع فيما طاع له به من المكافأة فإذا كانت عطيته ذلك
على غير مقاطعة في أصل الجعل، فذلك جائز، كانت عطية أو صدقة، وإن
جاعلته على ثلث المنزل في ابتداء الخصوم، لم يجز، وله أجر مثله، ولم
يجز ملك الجعل في الخصومة على أنه إن ظفر، أخذ، وإن لم يظفر، فلا شيء
له، فإن عمل على هذا، فله أجر مثله وتجوز الإجارة في ذلك مشاهرة إذا
عرف وجه الشخوص في ذلك مما لا يكاد يختلف، ويكون معروف القدر، خفيف
الخطب.
__________
(1) في الأصل: الخصوم. وهو تصحيف.
(2) في الأصل: أن يقوم في خصومة. وهو ناقص.
(3) في الصل: فعلى ذلك. وهو تصحيف.
(12/231)
في التداعي في
الحيازة في الهبات والدعوى في الدين هل هو قبل
الهبة أو بعدها قال ابن حبيب قال مطرف وابن الماجشون: ومن تصدق على
ولده الصغار بدار، أو أرض، أو جنان، أو غير ذلك، وأشهد بذلك، ثم مات،
فادعى باقي الورثة أن الأب لم يجز ذلك لولده الصغار، فعليهم البينة
بالصدقة، بأنهم حازوها في صحته. وقاله أصبغ. وقال أصبغ: وذلك إذا خلا
من الدار من سكناها بنفسه أو بحشمه وعياله ومتاعه، وعرف ذلك، فإن جهل
ذلك، وأشكل أن يكون كان يسكنها، فهي على غير السكنى، إلا أن يعرف قبل
الصدقة بسكناها، فعلى الصغار البينة أنه خلا من سكناها وإشغالها./ قال
مطرف وأصبغ: وإذا كانت الصدقة بيد المعطى بعد موت المعطي، وقال: كنت
أحوزها في حياته. وقال الورثة: بل إنما حازها بعد مماته. فهي نافذة،
والبينة على الورثة. وكذلك الرهن يوجد بيد المرتهن بعد الموت والتفليس،
هذا إذا ثبت الصدقة والارتهان ببينة، فالحائز مصدق أن حيازته متقدمة.
وقال ابن الماجشون: على الحائز البينة في الصدقة والرهن، أنه حاز في
حياة الذي حوزه، وقبل تفليسه. وبه أقول. وفي باب الصدقة على الغائب
بالشيء الغائب، وبالدين مسألة من وهب وعليه دين حدث قبل الهبة، أو بعد
الهبة وقبل الحيازة، أو لم يدر واختلفوا. قال ابن القاسم: وإن تصدق على
صغير وحاز له ثم ادان، وجهل أيهما قبل فالدين أولا إلا أن يعلم أن
الصدقة قبل. وقاله مالك في حبسه عليهم ثم مات وعليه دين لا يدري متى
كان. وقاله ابن القاسم. وقال سحنون في العتبية: البينة على أهل الدين،
والأولاد أولى بالحبس. وقال مثله أصبغ، وقال سواء كانوا كبارا أو صغار،
إذا حازه الكبار، والأب، فهو حائز للصغار. وقال ذلك ابن القاسم في
الكبار، إذا حازوا فأما الصغار، فالبينة عليهم
(12/232)
أن الحبس قبل الدين. وذكر ابن حبيب عن مطرف
وابن الماجشون مثل قول سحنون إن البينة على أهل الدين، كان الولد صغارا
أو كبارا، إلا أن يقيم الغرماء بينة أن دينهم قبل أن يكون دينهم/
مؤرخا، فإن مالكا وأصحابه- إلا المغيرة- يقولون إن المؤرخ أولى، وعلى
أهل الصدقة البينة من كبير وصغير أنها قبل الدين. وكان المغيرة يساوي
بين المؤرخ وغيره، ولا يرى الدين المؤرخ أولا حتى يعلم أنه قبل الصدقة.
وقال به أصبغ. وذكر ابن حبيب قول ابن القاسم، كما في العتبية، وأخذ هو
بقول مطرف وابن الماجشون. جامع القول في
الأقضية في الصدقات والحيازات من كتاب ابن المواز: ومن حاز أرضا
تعرف بأبيه يزرعها سنين، ثم هلك الأب، فقام باقي البنين فيها، فلا حجة
له بالحيازة، وقد يدبر المرء أمر أبيه (1)، ولو كان أجنبيا، كان أقوى
إن طالب الحيازة. قال أصبغ: كل ما بأيدي من في حجره من بنيه (2)، فلا
يقبل دعواهم فيه إلا ببينة إذا عرف أن أصل الملك لأبيهم، ولا يعرف لهم
مال. قال مالك في العتبية، وفي كتاب ابن المواز فيمن شهد عليه أنه حلف
بعتق رقيقه، وحنث، وأقامت امرأته بينة أنه أعطاها الرقيق في حقها، ولم
تؤرخ البينتان (3)، فالمرأة أولى بهم، إلا أن تشهد بينة أن حنثه قبل
بيعهم منها. قال ابن القاسم: وذلك إذا حاز لهم، وإن لم تكن حازتهم،
فالعتق أولى، إلا أن تقيم هي بينة وقاله أصبغ.
__________
(1) صحفت عبارة الأصل: وقد يدير المرامر أبيه.
(2) في الأصل: من ثلثه. وهو تصحيف.
(3) صحفت في الأصل أيضا: المبيان.
(12/233)
وإن أقام بعض ولد الميت بينة بأن أباه تصدق
عليه بهذا العبد، وحازه في صحته، وأقام الباقون بينة أن أباهم لم يزل
العبد في يديه حتى/ مات، فإن حازه الابن المعطى، فهو أحق به إن تكافأت
(1) البينتان في العدالة. ومن العتبية روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم
فيمن تصدق على ابنه الصغير برقيق ثم مات فتركها الورثة بيد المعطى
ثمانية عشر سنة (2)، ثم يطلبون ميراثهم فيها ويقولن: سكتنا إرفاقا بك.
فإذا ادعيت أنها صدقة عليك، فأقم البينة. فيقول: تركتموني حتى ماتت
البينة أو نسيت، وترككم إياي تسليما. وقد كان يعتق ويبيع وهم عالمون
ولا يدعون. قال: إن أقام بينة على أصل الصدقة قضي له مع قبضه للرقيق
بعد الأب وتركهم له ولا بينة عليه بالتحويز، وإن لم تكن له بينة واحتج
بحيازته ذلك بعد أبيه فلا شيء له إلا مورثه منها، إلا أن يكون كان يعتق
منها ويتصدق ويبيع، فعل ذلك في أكثر الرقيق، وباقي الورثة حضور عالمون،
فلا حجة لهم، وباقيها تبع لما أحدث هذا فيه، وإن كان إنما أعتق رأسا من
عدد رقيق، أو تصدق بيسير من كثير، فلا يوجب ذلك له الصدقة لا فيما بقي
ولا فيما حدث فيه ما أحدث، ويقوم عليه ما أعتق، ويؤدي حصة شركائه في
ذلك، وفي ثمن ما باع. وروى عنه أصبغ في أحد الورثة يدعي صدقة من أبيه،
ويأتي بشاهد فأوقفها القاضي زمانا ليأتي بأجر، فلم يأته، فأمر بقسمه
فقسم، وفي ذلك أرضون، ومنازل، ورقيق، ووقع البيع بعتق بعض الرقيق،
وولدت الأمة، وغرست الأرض، ثم أقام شاهدا آخر كان صغيرا/ فبلغ، أو
غائبا فقدم، وقضي له. فأما ما أعتق، فاستولد من الأمة، فلا يرد، ويتبع
بالثمن الورثة، وما لم يحدث فيه هذا، فله أخذه بعد أن يدفع الثمن إلى
مبتاعه، فيرجع هو به على الورثة.
__________
(1) في الأصل: تكايب. وهو تصحيف.
(2) كذا في النسختين. ومقتضى العربية: ثمان عشرة سنة.
(12/234)
فأما الأرض، فلا يأخذها حتى يدفع هو إلى
مبتاعها الثمن وما أنفق فيها، فيرجع هو بالثمن على الورثة، ولا يأخذ
الأرض من مشتريها حتى يدفع إليه الثمن، وما أنفق فيرجع بالثمن على
الورثة. وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم وابن وهب في أخوين كتب أحدهما
وصيته وهو صحيح عند سفره أو الغزو، وكتب فيها وقد تصدق على أخيه فلان
بحصته بالميراث عن أبيهما من دار أبيه وجنانها وبئرها صدقة منه بتلا
أمضاها له حتى مات، وأمر أن كل ما كان في يديه في غير ذلك من مال عين
(1) وعرض ورقيق وحيوان ورباع ومنازل وأراض وأرحية وأشجار وغير ذلك مما
في داخل المدينة أو خارج عنها، وفي أرض الأندلس وغيرها من البلدان،
فذلك بينه وبين أخيه نصفين، ثم ادعى أن ذلك كان منه على جهة الوصية،
وأنه راجع فيه، وقال أخوة: بل أقر لي بما لزمه. وقد كانا فيما يعرف من
ظاهر الأمر شريكين، ثم تجاحدا. قالا: أما ما تصدق به عله من ميراثه في
الدار التي ورث عن أبيه وجنانها وبئرها، فهو لأخيه لأنه بتله له، وأما
ما أقر له به من الشركة في غير ذلك، فذلك يلزمه وذلك بينهما، لا رجوع
له عنه، وليس بوصية. وقال سحنون، فيمن تصدق/ وهو مريض مرضا طويلا يخرج
فيه ويتصرف في حوائجه، أقام ذلك سنين، فتصدق فيه على أخيه بنصف ماله،
وقبض الأخ الصدقة، وحازها، ثم مات المعطي بعد سنين، فقام وارث المعطي
على الأخ، فقال: ليس يجوز لك من ذلك إلا الثلث، وقد سألت الفقهاء
فقالوا هذا. فرد إليه الأخ ما زاد على الثلث، ثم سأل فقيل له: الصدقة
جائزة لك. قال سحنون: ومن يعلم أنك جهلت (2) هذا ما أدى لك فيما رددت
حقا، فقال عندي البينة أنه قال لي: سألت الفقهاء فقالوا: لا يجب لك إلا
الثلث. قال: إن وجدت البينة بهذا، فلك أن تسترد ما أخذ منك (3).
__________
(1) في الأصل: عتق. وهو تصحيف.
(2) في الأصل: حملت. وهو تصحيف.
(3) صحفت في الأصل: ما أخدمتك.
(12/235)
قال ابن سحنون: وكتب شجرة إلى سحنون، في
رجل أقر لبني ابنه الكبير بدين سماه، وذكر أنه أعطاهم به رقيقا وربعا
سماه، وخرج عاريا ولم يرجع، فإن كان الرقيق الذي أعطاهم بالدين قد
رضيهم والد الصبيان وحازهم عن الجد، فذلك نافذ، وإن لم يكن فيهم أو
قبلهم ولم يحزهم وبقوا بيد الجد [فلا شيء لهم في الرقيق، والدين لهم
ثابت على الجد] (1)، وذلك إن كان معروفا قد سماه في إقراره وأما إن قال
لهم: علي دين. ولم يسمهم، وأعطيتهم به كذا. فالأمر ضعيف.
باب جامع لمعاني مختلفة من مسائل الهبات
والصدقات من العتبية روى أشهب عن مالك فيمن يتصدق على مواليه
وأولادهم بدار (2)، فإذا انقرضوا فهي لولدي، فانقرضوا إلا واحد،/ فعمد
فأكرى الدار من واحد ممن ورثه المعطي ممن له المرجع عشرين سنة، فقام
باقيهم فقالوا: نخاف أن يموت المولى في هذه السنين، فتقوم علينا بطول
حيازتك. قال مالك: لو مات المولى، انفسخ الكراء باقي المدة، ولقد اكترى
السنين قبل المولى شاب، ويخافون من طول عمره وطول حيازة هذا، قال:
فليكتبوا بينهم كتابا ويتوثقوا فيه. ومن سماع ابن القاسم وعن مريض
استوهب زوجتيه ميراثهما منه فوهبتاه له ثم مات، قال: يرجع ذلك لزوجتيه،
ولا يكون لباقي ورثته، وأكره أ، يفعل مثل هذا يستوهب زوجته ميراثها.
وعن امرأة تصدقت على ابن ابنها بسدس دار ورثته عن أبيها، فأشهد ابنها
أني لا أجيز ذلك، وإنما سكتت مخافة سخطها، وقام ابن الابن فقاسم عمه
المنزل، وأخذ منه فصلا حاز عنده، ولم تزل المرأة ساكنة في المنزل حتى
ماتت،
__________
(1) ما بين معقوفتين ساقط من الأصل.
(2) عبارة الأصل مصفحة: فإذا فيهم بدار.
(12/236)
وصدقتها هذه في جميع ما تركت أو جله، قال:
أرى ذلك جائزا، قد قاسم عمه وتحاوزه، وأخذ فصلا صار عنده، وهذا كالإذن.
قيل: إنه أشهد أن تركه الكلام لئلا يسخطها. قال: لا ينفعه. قيل: قد
ماتت في الدار. قال: أليس قد قاسم وحاوز، فذلك نافذ. وقال في التي
تصدقت بمهرها على أبي زوجها في المرض إن ذلك جائز في ثلثها، ولا يعد
تأليجا إلى الأب. قال: ومن نحل ولده عند موته شيئا، فتزوج به الابن
ودخل، أو زوجه إياها الأب وأصدق ذلك عنه، ثم مات، قال:/ أرى ذلك
ميراثا، وتتبع المرأة زوجها بصداقها. ومن سماع ابن القاسم: ومن قال كذا
وكذا من مالي صدقة على بني فلان، مثل بني زهرة (1). ومنهم الغائب
والحاضر، ومن يعرف ومن لا يعرف، قال: يقسم بين من كان منهم معروفا، من
حاضر وغائب، فإن جاء أحد منهم بعد ذلك، لم يكن عرف مكانه، رد عليه
الآخرون بقدر حصته. ومن كتاب ابن حبيب قال مطرف: ومن أعمر امرأته
جارية، فأعتقتها عند موتها والزوج حاضر ساكت، لم يجز عتقها بغير إذنه،
ولا يضره سكوته إذا أنكر بعد موتها. وقاله أصبغ. وذكره عن يحيى ابن
سعيد. قال مطرف، فيمن بينه وبين رجل عبدا، والشيء يتصدق بجميعه على
رجل، أو يوضي له به، فأمضى الشريك ذلك ليأخذ القيمة من المعطي، فذلك
له. قال أصبغ: ذلك له في الوصية، وليس له في الصدقة في الحياة. قال ابن
حبيب: وذلك سواء. ومن كتاب ابن المواز: ومن له على رجل غائب دينار
وخمسة دراهم، فأجر رجلا في تقاضيه بالخمسة دراهم، وقال له: فإذا قبضت
ذلك فتصدق بالدينار. فلما قدم كلمة، فدفع إليه بلا مؤنة ولا خصومة،
قال: يتصدق بالدينار، ويرسل الخمسة دراهم إلى ربها.
__________
(1) صحفت في الأصل: منزلي وبهرة.
(12/237)
ومن كتاب ابن المواز: ومن اشترى مالا فسئل
الله له، فقال: تصدقت به على ابن فلان. ثم مات الأب، قال: لا شيء للابن
بهذا، وليس بقاطع. ومن العتبية من سماع ابن القاسم عمن طلب بكراء منزل
من رجل، فقال: هو لابنتي حتى (1) أشاورها ثم مات،/ فقامت فيه الابنة
بذلك، قال: لا ينفعها إلا أن تكون حازت ذلك، ويكون لها على الصدقة
والحيازة بينة. قيل: فلو كانت صغيرة في حجره؟ قال: ليس هذا بشيء، قد
يعتذر بهذا لمن يريد منعه، ولا يكون لها شيء إلا بشهود على الصدقة وحوز
من الكبير. ومن كتاب ابن المواز قال مالك فيمن كان لهم حبس (2)، وكان
معهم أخوات لهم بكوخ فيه التراب حتى كثر، فأرادوا أن يجعلوه طوبا
فيبيعوه، فلا بأس بذلك، ولو أبرأ القاضي حتى يأذن لهم. قال مالك: ومن
تصدق بنخل، فأراد أن يقلعها ويغرس غيرها، فليس ذلك له.
__________
(1) صحفت عبارة الأصل: هؤلاء لمتى حتى.
(2) في الأصل: حجر. وهو تصحيف.
(12/238)
|