مواهب الجليل في شرح مختصر خليل ط دار الفكر

 [كِتَابُ الْعِتْقِ]
قَالَ فِي الصِّحَاحِ الْعِتْقُ الْكَرَمُ يُقَالُ: مَا أَبَيْنَ الْعِتْقَ فِي وَجْهِ فُلَانٍ، يَعْنِي الْكَرَمَ. وَالْعِتْقُ الْجَمَالُ وَالْعِتْقُ الْحُرِّيَّةُ وَكَذَلِكَ الْعَتَاقُ بِالْفَتْحِ وَالْعَتَاقَةُ يُقَالُ مِنْهُ عَتَقَ الْعَبْدَ يَعْتِقُ بِالْكَسْرِ عِتْقًا وَعَتَاقًا وَعَتَاقَةً فَهُوَ عَتِيقٌ وَعَاتِقٌ وَأَعْتَقْته أَنَا انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَعَتُقَ الشَّيْءُ بِالضَّمِّ عَتَاقَةً أَيْ قَدُمَ وَصَارَ عَتِيقًا وَكَذَلِكَ عَتَقَ يَعْتُقُ مِثْلُ دَخَلَ يَدْخُلُ فَهُوَ عَاتِقٌ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ وَعِتَاقُ الطَّيْرِ الْجَوَارِحُ مِنْهَا والْأَرْحَبِيَّاتِ الْعِتَاقُ النَّجَائِبُ مِنْهَا انْتَهَى.
يَعْنِي أَنَّهُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ والْأَرْحَبِيَّاتُ الْإِبِلُ قَالَ فِي الصِّحَاحِ وَأَرْحَبُ قَبِيلَةٌ مِنْ هَمْدَانَ يُنْسَبُ إلَيْهَا الْأَرْحَبِيَّاتُ مِنْ الْإِبِلِ انْتَهَى. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ يُقَالُ عَتَقَ الْمَمْلُوكُ يَعْتِقُ عَتْقًا وَعَتَاقَةً بِالْفَتْحِ فِيهِمَا قَالَ الْخَلِيلُ وَعَتَاقًا بِالْفَتْحِ أَيْضًا قَالَ غَيْرُهُ وَالِاسْمُ مِنْهُ الْعِتْقُ بِالْكَسْرِ وَالْعَتَاقُ بِالْفَتْحِ وَلَا يُقَالُ عَتَقَ إنَّمَا هُوَ أُعْتِقَ إذَا أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ الْعَتْقُ وَالْعَتَاقُ بِالْفَتْحِ فِيهِمَا وَعَتَقَ الْغُلَامُ وَأَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ فَهُوَ عَتِيقٌ وَعَبِيدٌ عُتَقَاءُ وَأَمَةٌ عَتِيقَةٌ وَلَا يُقَالُ عَاتِقٌ وَلَا عَوَاتِقُ إلَّا أَنْ يُرَادَ مُسْتَقْبَلُ أَمْرِهِ فَهُوَ عَاتِقٌ غَدًا وَلَا يُقَالُ عَتَقَ الْغُلَامُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَلَكِنْ أُعْتِقَ وَمَعْنَى الْعِتْقِ ارْتِفَاعُ الْمِلْكِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَلَا يُقَالُ عَاتِقٌ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الصِّحَاحِ.
وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ الْعِتْقُ بِالْكَسْرِ الْكَرَمُ وَالْجَمَالُ وَالنَّجَابَةُ وَالشَّرَفُ وَالْحُرِّيَّةُ وَبِالضَّمِّ جَمْعُ عَتِيقٍ وَعَاتِقٍ الْمَنْكِبُ وَالْحُرِّيَّةُ عَتَقَ الْعَبْدُ يَعْتِقُ عِتْقًا وَيُفْتَحُ وَبِالْفَتْحِ الْمَصْدَرُ وَبِالْكَسْرِ الِاسْمُ وَعَتَاقًا وَعَتَاقَةً بِفَتْحِهَا خَرَجَ عَنْ الرِّقِّ فَهُوَ عَتِيقٌ وَعَاتِقٌ الْجَمْعُ عَتَائِقُ ثُمَّ قَالَ وَالْعِتْقُ بِالْكَسْرِ وَيُضَمُّ لِلْمَوَاتِ كَالْخَمْرِ وَالتَّمْرِ وَكَكِتَابٍ مِنْ الطَّيْرِ: الْجَوَارِحُ وَمِنْ الْخَيْلِ: النَّجَائِبُ انْتَهَى وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي فِي بَابِ مَا يُسْتَحَبُّ مِنْ الْعَتَاقَةِ فِي الْكُسُوفِ مِنْ كِتَابِ الْعِتْقِ الْعَتَاقَةُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَوَهِمَ مَنْ كَسَرَهَا يُقَالُ عَتَقَ يَعْتِقُ عَتَاقًا وَعَتَاقَةً وَالْمُرَادُ الْإِعْتَاقُ وَهُوَ مَلْزُومُ الْعَتَاقَةِ.
ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مَا عَتَقَ قَالَ الدَّاوُدِيّ هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ مِنْ الْأَوَّلِ وَيَجُوزُ الْفَتْحُ وَالضَّمُّ فِي الثَّانِي وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ التِّينِ بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ غَيْرُهُ وَإِنَّمَا يُقَالُ عَتَقَ بِالْفَتْحِ وَأُعْتِقَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَازِمٌ غَيْرُ مُتَعَدٍّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ قَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ الْعِتْقُ خِلَافُ الرِّقِّ عَتَقَ يَعْتِقُ عِتْقًا وَعَتْقًا وَعَتَاقًا وَعَتَاقَةً فَهُوَ عَتِيقٌ وَحَلَفَ بِالْعَتَاقِ أَيْ بِالْإِعْتَاقِ انْتَهَى. فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يُقَالُ الْعِتْقُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِهَا وَالْعَتَاقُ وَالْعَتَاقَةُ بِفَتْحِهَا فَقَطْ وَأَنَّهُ يُقَالُ عَتَقَ يَعْتِقُ كَضَرَبَ يَضْرِبُ وَلَا يُقَالُ عَتَقَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْعِتْقُ فِي اللُّغَةِ الْخُلُوصُ وَمِنْهُ عِتَاقُ الْخَيْلِ وَعِتَاقُ الطَّيْرِ أَيْ خَالِصُوهَا وَالْبَيْتُ الْحَرَامُ عَتِيقٌ لِخُلُوصِهِ مِنْ أَيْدِي الْجَبَابِرَةِ وَفِي الشَّرْعِ خُلُوصُ الرَّقَبَةِ مِنْ الرِّقِّ انْتَهَى. وَقِيلَ سُمِّيَ الْبَيْتُ عَتِيقًا لِأَنَّهُ أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ وَقِيلَ لِخُلُوصِهِ مِنْ الطُّوفَانِ وَقِيلَ لِخُلُوصِهِ مِنْ أَيْدِي الْجَبَابِرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ اسْتَغْنَى ابْنُ الْحَاجِبِ عَنْ تَعْرِيفِ حَقِيقَتِهِ لِشُهْرَتِهَا عِنْدَ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ يُرَدُّ قَوْلُهُ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ وُجُودُهَا لَا مِنْ حَيْثُ إدْرَاكِ حَقِيقَتِهَا بَلْ كَثِيرٌ مِنْ الْمُدَرِّسِينَ لَوْ قِيلَ لَهُ مَا حَقِيقَةُ الْعِتْقِ لَمْ يُجِبْ بِشَيْءٍ وَمَنْ تَأَمَّلَ وَأَنْصَفَ أَدْرَكَ مَا قُلْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. بِمَنْ اهْتَدَى انْتَهَى وَعَرَّفَهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَابْنُ رُشْدٍ كَالْقَرَافِيِّ بِأَنَّهُ ارْتِفَاعُ الْمِلْكِ عَنْ الرَّقِيقِ وَلَيْسَ بِمَانِعٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ الْعِتْقُ رَفْعُ مِلْكٍ حَقِيقِيٍّ لَا بِسِبَاءٍ مُحَرَّمٍ عَنْ آدَمِيٍّ حَيٍّ فَخَرَجَ بِحَقِيقِيِّ اسْتِحْقَاقُ عَبْدٍ بِحُرِّيَّةٍ وَخَرَجَ بِسِبَاءٍ مُحَرَّمٍ فِدَاءُ الْمُسْلِمِ مِنْ حَرْبِيٍّ سَبَاهُ أَوْ مِمَّنْ صَارَ لَهُ مِنْهُ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ عَنْ آدَمِيٍّ حَيٍّ رَفَعَهُ عَنْهُ بِمَوْتِهِ انْتَهَى وَقَوْلُهُ مِلْكٌ يَصْدُقُ

(6/324)


بِرَفْعِ مِلْكٍ وَانْتِقَالِهِ إلَى مِلْكٍ آخَرَ فَتَأَمَّلْهُ فَيَكُونُ غَيْرَ مَانِعٍ وَكَذَلِكَ يَصْدُقُ عَلَى عَبْدِ الْحَرْبِيِّ إذَا أَسْلَمَ وَبَقِيَ عِنْدَ سَيِّدِهِ حَتَّى غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ فَإِنَّهُ حُرٌّ عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَيْسَ هَذَا عِتْقًا اصْطِلَاحًا وَكَذَلِكَ يَصْدُقُ حَدُّهُ عَلَى وَقْفِ الرَّقِيقِ عَلَى مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ الْقَائِلِ بِأَنَّ مِلْكَ الْوَاقِفِ ارْتَفَعَ عَنْ الْمَوْقُوفِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ.
وَلَوْ قَالَ رَفْعُ الْمِلْكِ الْحَقِيقِيِّ الْكَائِنِ لِمُسْلِمٍ عَنْ آدَمِيٍّ حَيٍّ مِنْ غَيْرِ تَحْجِيرِ مَنْفَعَتِهِ لَسَلِمَ فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ جَمِيعِ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ وَيَكُونُ اللَّامُ فِي الْمِلْكِ لِلْحَقِيقَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ عَنْ آدَمِيٍّ حَيٍّ يُؤْخَذُ مِنْهُ صِحَّةُ عِتْقِ مَنْ فِي السِّيَاقِ قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ لَوْ أَعْتَقَ مَنْ فِي سِيَاقِ الْمَوْتِ الظَّاهِرُ صِحَّةُ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ لَوْ عَاشَ لَمْ يُعَدَّ رَقِيقًا فَتُرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْحُرِّيَّةِ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ فِي صَفِّ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ وَيُحَازُ وَلَاؤُهُ لِمُعْتِقِهِ، وَلَوْ قَذَفَهُ أَحَدٌ فِي تِلْكَ الْحَالِ بَعْدَ الْعِتْقِ حُدَّ لَهُ عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ وَكَذَلِكَ لَوْ أَجْهَزَ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَقَتَلَهُ وَهُوَ فِي السِّيَاقِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحُرِّ لَا حُكْمُ الْعَبْدِ فَفِي النَّظَرِ هَلْ يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الثَّوَابِ فِي عِتْقٍ ثَوَابُ مَنْ أَعْتَقَ صَحِيحًا وَلَا شَكَّ أَنَّهُ خَلَّصَهُ مِنْ الرِّقِّ وَلِأَنَّهُ قَابِلٌ لَأَنْ يَهَبَهُ لِرَجُلٍ بِغَيْرِ ثَوَابٍ فَكَذَلِكَ تَنْجِيزُ عِتْقِهِ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ تَسْهِيلِ الْمُهِمَّاتِ فِي قَوْلِهِ وَلَا يُبَاعُ مَنْ فِي السِّيَاقِ انْتَهَى.

وَحُكْمُهُ النَّدْبُ وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ وَأَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ وَيَدُلُّ عَلَى عَظِيمِ قَدْرِهِ مَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَنْ يَجْزِيَ وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيهِ فَيَعْتِقَهُ» .
قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَكَأَنَّ الْوَالِدُ لَمَّا كَانَ سَبَبًا لِوُجُودِ الْوَلَدِ وَذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ فَاَلَّذِي يُشْبِهُ ذَلِكَ إخْرَاجُ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ مِنْ عَدَمِ الرِّقِّ إلَى وُجُودِ الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّ الرَّقِيقَ كَالْمَعْدُومِ وَرُبَّمَا كَانَ الْعَدَمُ خَيْرًا مِنْهُ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ لِلْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ فِي قَوْله تَعَالَى {وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 24] وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ إرْبٍ مِنْهَا إرْبًا مِنْ النَّارِ حَتَّى أَنَّهُ لَيَعْتِقُ الْيَدَ بِالْيَدِ وَالرِّجْلَ بِالرِّجْلِ وَالْفَرْجَ بِالْفَرْجِ» ثُمَّ قَالَ: قَالَ اللَّخْمِيُّ: ظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ نَاقِصَ عُضْوٍ لَا تُحْجَبُ النَّارُ عَنْ الَّذِي يُقَابِلُهُ وَهُوَ مُمْكِنٌ لِأَنَّ الْأَلَمَ يَخْلُقُهُ اللَّهُ فِي أَيْ عُضْوٍ شَاءَ كَمَا فِي الصَّحِيحِ «إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مَوْضِعَ السُّجُودِ» انْتَهَى.
وَالْإِرْبُ الْعُضْوُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ» وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ «أَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا كَانَ فِكَاكَهُ مِنْ النَّارِ يُجْزِئُ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ وَأَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأَتَيْنِ مُسْلِمَتَيْنِ كَانَتَا فِكَاكَهُ مِنْ النَّارِ يُجْزِئُ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُمَا عُضْوًا مِنْهُ وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَعْتَقَتْ امْرَأَةً مُسْلِمَةً كَانَتْ فِكَاكَهَا مِنْ النَّارِ يُجْزِئُ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهَا قِيلَ وَلَعَلَّ هَذَا لِأَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ» انْتَهَى. وَالْعِتْقُ وَإِنْ كَانَ مَنْدُوبًا فَقَدْ يَجِبُ قَالَ فِي اللُّبَابِ.

وَلِوُجُوبِهِ عَشْرَةُ أَسْبَابٍ إصْدَارُ الصِّيغَةِ وَالْكِتَابَةُ وَالتَّدْبِيرُ وَالْإِيلَادُ وَالْمُثْلَةُ وَالسِّرَايَةُ وَالْقَرَابَةُ وَيُضَافُ إلَى ذَلِكَ الْيَمِينُ بِالْعِتْقِ وَالنَّذْرُ بِهِ وَقَتْلُ الْخَطَإِ وَالظِّهَارُ وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ، إنْ اخْتَارَ الْعِتْقَ فَتَكُونُ اثْنَيْ عَشْرَ انْتَهَى. وَذَكَرَ فِي التَّنْبِيهَاتِ أَنَّ أَسْبَابَهُ عَشْرَةٌ وَعَدَّ ثَلَاثَةَ عَشَرَ ثُمَّ أَلْحَقَ بِهِمْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ قَالَ: وَالْعِتْقُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ وَيَجِبُ أَحْيَانًا بِعَشْرَةِ أَسْبَابٍ بِإِلْزَامِ الرَّجُلِ ذَلِكَ نَفْسَهُ وَتَبْتِيلِهِ عِتْقَ مَمْلُوكِهِ ابْتِدَاءً وَبِنَذْرِهِ ذَلِكَ لِأَمْرٍ كَانَ أَوْ يَكُونُ.
وَبِالْحِنْثِ فِي يَمِينٍ بِذَلِكَ أَوْ بِحَمْلِ مَمْلُوكَتِهِ مِنْهُ أَوْ بِعِتْقِهِ بَعْضَهُ فَيُبَتِّلُ عَلَيْهِ بَاقِيهِ أَوْ بِالتَّمْثِيلِ بِهِ أَوْ بِشِرَائِهِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ أَوْ بِقَتْلِ النَّفْسِ خَطَأً أَوْ بِوَطْءِ الْمُظَاهِرِ أَوْ بِكِتَابَةِ الْعَبْدِ أَوْ مُقَاطَعَتِهِ عَلَى مَالٍ أَوْ خِدْمَتِهِ بِذَلِكَ وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ وَجْهَانِ آخَرَانِ وَهُمَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ، وَكَفَّارَةُ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ عَمْدًا إلَّا أَنَّ الْفَرْضَ فِي هَذَيْنِ

(6/325)


مَوْضُوعٌ لِلتَّخْيِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ بِتَعْيِينِ الْمُكَفِّرِ انْتَهَى. إلَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: بِإِلْزَامِ الرَّجُلِ ذَلِكَ نَفْسَهُ وَتَبْتِيلِهِ عِتْقَ مَمْلُوكِهِ سَبَبًا وَاحِدًا، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: أَوْ بِمُكَاتَبَةِ الْعَبْدِ. إلَخْ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ عَشَرَةُ أَسْبَابٍ فَقَطْ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَقَالَ فِي اللُّبَابِ عَقِبَ ذِكْرِهِ الْأَسْبَابَ الْمُتَقَدِّمَةَ: وَيَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ مَا كَثُرَتْ أَسْبَابُهُ كَانَ إلَى الْوُقُوعِ أَقْرَبُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ وُعِدَ بِالْمَغْفِرَةِ عَلَى أَسْبَابٍ كَثِيرَةٍ تَكَادُ تَخْرُجُ عَنْ الْحَصْرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْآتِيَةَ، وَصَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ الْمَاضِيَةَ، وَرَمَضَانُ إلَى رَمَضَانَ يُكَفِّرُ مَا بَيْنَهُمَا، وَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ يُكَفِّرْنَ مَا بَيْنَهُنَّ وَإِذَا تَوَضَّأَ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ بَيْنِ أَشْفَارِ عَيْنَيْهِ» .
وَقَدْ قُلْت لِشَيْخِنَا شِهَابِ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ الْمَاضِيَةَ وَالْآتِيَةَ فَأَيُّ شَيْءٍ يُكَفِّرُ يَوْمُ عَاشُورَاءَ؟ وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ، فَقَالَ لِي: ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى مُرِيدٌ لِلْمَغْفِرَةِ لِعِبَادِهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ إذَا أَخْطَأَهُ سَبَبٌ لَا يُخْطِئُهُ غَيْرُهُ، وَمَا كَثُرَتْ أَسْبَابُهُ كَانَ إلَى الْوُقُوعِ أَقْرَبُ فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ انْتَهَى. وَحِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّتِهِ، قَالَ فِي اللُّبَابِ: هِيَ التَّنْبِيهُ عَلَى شَرَفِ الْآدَمِيِّ وَتَكْرِمَتِهِ، فَإِنَّ الرِّقَّ إذْلَالٌ لَهُ، وَالتَّرْغِيبُ فِي مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَتَعَاطِي أَسْبَابَ النَّجَاةِ مِنْ النَّارِ انْتَهَى.

[فَرْعٌ عِتْقِ الْإِمَاء وَالْعَبِيدِ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ]
(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ فِي وَثَائِقِهِ: سُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ فِي عِتْقِ الْإِمَاء وَالْعَبِيدِ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّ عِتْقَ الْأَكْثَرِ ثَمَنًا مِنْهُمْ أَعْلَى فِي الْأَجْرِ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى «؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: أَعْلَاهَا ثَمَنًا، وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا» .
وَلَمْ يَخُصَّ ذَكَرًا مِنْ أُنْثَى، وَأَمَّا إذَا اسْتَوَى الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، فَعِتْقُ الذَّكَرِ أَفْضَلُ كَمَا أَنَّ عِتْقَ الْأَفْضَلِ فِي الدِّينِ مِنْ الْعَبْدَيْنِ وَالْأَمَتَيْنِ أَفْضَلُ، وَهَذَا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ، وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ فِي الْأَفْضَلِ مِنْ عِتْقِ الْكَافِرِ أَوْ الْمُسْلِمِ إذَا كَانَ الْكَافِرُ أَكْثَرَ ثَمَنًا، فَقِيلَ: إنَّ عِتْقَ الْأَكْثَرِ ثَمَنًا أَفْضَلُ، وَإِنْ كَانَ كَافِرًا لِعُمُومِ الْحَدِيثِ، وَقِيلَ: إنَّ عِتْقَ الْمُسْلِمِ أَفْضَلُ، وَأَنَّ الْحَدِيثَ إنَّمَا مَعْنَاهُ مَعَ اسْتِوَاءِ الرِّقَابِ وَكَذَلِكَ الْأَفْضَلُ مِنْ عِتْقِ الْكُفَّارِ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ أَكْثَرَ ثَمَنًا، قَالَ: وَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْأَثْمَانِ فَاَلَّذِي أَقُولُ بِهِ: أَنَّ عِتْقَ الْأُنْثَى مِنْهُمْ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ عِتْقَهَا يُحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ نِكَاحَهَا وَلَا مَنْفَعَةَ فِي عِتْقِ الْكَافِرِ الذَّكَرِ اهـ.

[بَاب مِنْ يَصِحّ مِنْهُ الْإِعْتَاق]
ص (بَابٌ) (إنَّمَا يَصِحُّ إعْتَاقُ مُكَلَّفٍ)
ش: أَخْرَجَ بِهِ الصَّبِيَّ فَلَا يَصِحُّ عِتْقُ الصَّبِيِّ، وَلَوْ عَلَّقَهُ بِيَمِينٍ فَحَنِثَ فِيهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ كَانَ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ، قَالَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَغَيْرِهَا.
وَقَالَ فِي الْعِتْقِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَجُوزُ عِتْقُ الْمَعْتُوهِ إذَا كَانَ مُطْبِقًا وَلَا الصَّبِيِّ، وَإِنْ قَالَ صَبِيٌّ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ إذَا احْتَلَمْت فَاحْتَلَمَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَا الْمَجْنُونِ قَالَ فِي عِتْقِهَا الثَّانِي: وَمَنْ حَلَفَ بِعِتْقِ عَبْدِهِ إنْ فَعَلَ كَذَا فَجُنَّ، ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ فِي حَالِ جُنُونِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ أَصْبَغُ: وَمَنْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ فِعْلًا إلَى أَجَلِ كَذَا، ثُمَّ جُنَّ فَمَضَى الْأَجَلُ، وَهُوَ مَجْنُونٌ فَإِنَّهُ حَانِثٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ مَضَى الْأَجَلُ، وَهُوَ فِي حَالٍ لَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ فِيهِ انْتَهَى.
وَيَدْخُلُ السَّكْرَانُ قَالَ فِي عِتْقِهَا الثَّانِي: وَعِتْقُ السَّكْرَانِ وَتَدْبِيرُهُ جَائِزٌ إذَا كَانَ غَيْرَ مُوَلًّى عَلَيْهِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: أَمَّا الطَّافِحُ فَكَالْبَهِيمَةِ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ اهـ. كَلَامُهُ بِالْمَعْنَى.
ص (بِلَا حَجْرٍ)
ش: هَذَا قَيْدٌ ثَانٍ، وَهُوَ عَدَمُ التَّحْجِيرِ فَيَخْرُجُ السَّفِيهُ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ قَالَ فِي كِتَابِ الْمِدْيَانِ مِنْهَا: وَلَا يَجُوزُ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ عِتْقٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا هِبَةٌ وَلَا بَيْعٌ وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بَعْدَ بُلُوغِهِ، وَرُشْدِهِ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْآنَ وَأَسْتَحِبُّ لَهُ إمْضَاءَهُ وَلَا أُجْبِرُهُ عَلَيْهِ انْتَهَى. قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ كَانَ الْوَلِيُّ رَدَّهُ أَمْ لَمْ يَرُدَّهُ؟ وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ بِيَمِينٍ فَحَنِثَ فِيهَا بَعْدَ وِلَايَةِ نَفْسِهِ وَاخْتُلِفَ أَيْضًا إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ حَتَّى مَاتَ هَلْ لِلْوَرَثَةِ رَدُّ ذَلِكَ

(6/326)


عَلَى قَوْلَيْنِ حَكَاهُمَا ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ انْتَهَى. وَالْقَوْلُ بِلُزُومِ الْحِنْثِ لِأَشْهَبَ، وَالْقَوْلُ بِعَدَمِهِ لِابْنِ الْقَاسِمِ كَذَا عَزَاهُ أَبُو الْحَسَنِ فِي الْعِتْقِ الثَّانِي فِي شَرْحِ قَوْلِهَا، وَإِنْ قَالَ صَبِيٌّ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ الْمُتَقَدِّمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي رَسْمِ قَطْعِ الشَّجَرَةِ، وَهُوَ أَوَّلُ رَسْمِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْعِتْقِ الثَّانِي: لَوْ قَالَ لِمَمْلُوكٍ مِنْ مَمَالِيكِ أَبِيهِ: إنْ مَلَكْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَمَاتَ أَبُوهُ وَمَلَكَهُ فَإِنْ كَانَ يَوْمَ قَالَهُ سَفِيهًا فَلَا يَلْزَمُهُ الْعِتْقُ، وَإِنْ كَانَ رَشِيدًا عَتَقَ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَاخْتُلِفَ هَلْ هُوَ مَحْمُولٌ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ عَلَى الرُّشْدِ أَوْ عَلَى السَّفَهِ؟ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى السَّفَهِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: " اُسْتُحِبَّ إلَى آخِرِهِ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: وَفِي الْأُمَّهَاتِ لَا يَجُوزُ لَهُ فِي مَالِهِ بَيْعٌ وَلَا عِتْقٌ وَلَا شِرَاءٌ وَلَا هِبَةٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ لِغَيْرِ ثَوَابٍ كَالْعِتْقِ وَاسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُمْضِيَهَا فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الْعِتْقِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ لِغَيْرِ الثَّوَابِ انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ عِيَاضٌ: ظَاهِرُ التَّهْذِيبِ أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الْجَمِيعِ وَعَلَيْهِ اخْتَصَرَهَا الْمُخْتَصِرُونَ، وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ إمْضَاءُ جَمِيعِ مَا فَعَلَهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ وَالصَّحِيحُ سِوَاهُ، وَأَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُمْضِيَ إلَّا مَا كَانَ لِلَّهِ قُرْبَةً وَأَمَّا مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِبَادِ، فَأَيُّ اسْتِحْبَابٍ فِي هَذَا وَكَذَا جَاءَ مَنْصُوصًا فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ عَلَى مَا تَأَوَّلْنَاهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ: وَقَدْ يَكُونُ أَيْضًا فِيهِ قُرْبَةٌ بِإِسْعَافِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ بِإِمْضَاءِ صَفْقَتِهِ لِغِبْطَتِهِ بِهَا كَأَنْ يَكُونَ قُرْبَةً فِي الْإِقَالَةِ، وَالتَّوْلِيَةِ انْتَهَى. وَهُوَ ظَاهِرٌ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّانِي) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ السَّفِيهَ لَا يَصِحُّ عِتْقُهُ فِي جَمِيعِ مَا يَصِحُّ فِيهِ الْعِتْقُ، وَلَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ فَقَدْ قَدَّمَ فِي بَابِ الْحَجْرِ أَنَّهُ يَجُوزُ عِتْقُهُ لِمُسْتَوْلَدَتِهِ، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إثْرَ الْكَلَامِ السَّابِقِ: وَمَا لَيْسَ لَهُ فِيهِ إلَّا الْمَنْفَعَةُ فَفِعْلُهُ فِيهِ جَائِزٌ، وَيَجُوزُ طَلَاقُهُ لِزَوْجَتِهِ وَعِتْقُهُ لِأُمِّ وَلَدِهِ انْتَهَى. وَهَلْ يَتْبَعُهَا مَالُهَا؟ نَقَلَ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الْحَجْرِ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: يُفَرِّقُ فِي الثَّالِثِ بَيْنَ الْيَسِيرِ، وَالْكَثِيرِ، وَنَقَلَهَا غَيْرُهُ، وَعَزَا اللَّخْمِيُّ الثَّالِثَ لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ: أَنَّهُ الْأَشْبَهُ ذَكَرَهُ فِي الْحَجْرِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَتْبَعُهَا مَالُهَا، وَإِنْ لَمْ يَسْتَثْنِهِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْعِتْقِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ: هُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ انْتَهَى. مِنْ الْعِتْقِ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْحَجْرِ الْكَلَامُ عَلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا، الثَّالِثِ: يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ السَّفِيهَ الْمُهْمِلَ عِتْقُهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ إلَى الْآنِ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ إذَا حُجِرَ عَلَيْهِ، ثُمَّ ظَهَرَ رُشْدُهُ وَلَمْ يُطْلِقْهُ الْحَاكِمُ فَعِتْقُهُ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ وَهَذَا يَأْتِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَوْلُ مَالِكٍ عَلَى الْعَكْسِ، قَالَ فِي اللُّبَابِ هُنَا: وَلَوْ كَانَ السَّفِيهُ غَيْرَ مُوَلًّى عَلَيْهِ فَعِتْقُهُ جَائِزٌ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إلَّا الْبَيِّنَ السَّفَهِ انْتَهَى. وَكَلَامُ اللُّبَابِ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ تَقْيِيدٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيَخْرُجُ بِقَوْلِ الْمُؤَلِّفِ " بِلَا حَجْرٍ " أَيْضًا الْعَبْدُ، قَالَ فِي الْوَلَاءِ مِنْهَا: وَلَا يَجُوزُ عِتْقُ الْمُكَاتَبِ وَلَا الْعَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَإِنْ أَعْتَقَ أَوْ دَبَّرَ أَوْ تَصَدَّقَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَلِلسَّيِّدِ رَدُّ ذَلِكَ، فَإِنْ رَدَّهُ بَطَلَ وَلَا يَلْزَمُ الْعَبْدَ وَالْمُكَاتَبَ ذَلِكَ إنْ عَتَقَا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ السَّيِّدُ حَتَّى عَتَقَا مَضَى ذَلِكَ وَمَا أَعْتَقَا بِإِذْنِ السَّيِّدِ جَازَ وَعِتْقُ أُمِّ الْوَلَدِ لِعَبْدِهَا كَمَا وَصَفْنَا فِي عِتْقِ الْعَبْدِ عَبْدَهُ انْتَهَى. وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ، وَالْمُكَاتَبَ بِمَنْزِلَةِ الْقِنِّ وَكَذَا مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ صَرَّحَ بِهِ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْعِتْقِ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُدَبَّرَ وَالْمُعْتَقَ إلَى أَجَلٍ كَذَلِكَ وَأَظُنُّ أَنَّ اللَّخْمِيَّ صَرَّحَ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ: وَأَمَّا الْعَبْدُ فَمَا أَعْتَقَ أَوْ وَهَبَ فَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ السَّيِّدُ بِذَلِكَ أَوْ عَلِمَ وَلَمْ يَقْضِ بِرَدٍّ وَلَا إجَازَةَ حَتَّى عَتَقَ الْعَبْدُ وَالْمَالُ بِيَدِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ، وَلَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ نَصَّ خِلَافٍ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فِعْلَهُ عَلَى الْإِجَازَةِ فَإِنْ فَوَّتَ الْعَبْدُ الْمَالَ مِنْ يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ بَطَلَتْ الصَّدَقَةُ وَالْعِتْقُ قَالَهُ فِي الصَّدَقَةِ فِي كِتَابِ الِاعْتِكَافِ، وَالْعِتْقُ مَقِيسٌ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا مُفَرِّقٌ لِحُرْمَةِ الْعِتْقِ، وَهُوَ بَعِيدٌ.
فَإِنْ رَدَّ السَّيِّدُ ذَلِكَ وَبَقِيَ بِيَدِهِ حَتَّى عَتَقَ وَلَمْ يُفَوِّتْهُ

(6/327)


لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَالْعِتْقِ مَقِيسٌ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى. وَيَخْرُجُ أَيْضًا بِقَوْلِ الْمُؤَلِّفِ " بِلَا حَجْرٍ " الزَّوْجَةُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، فَإِذَا أَعْتَقَتْ عَبْدًا فَإِنْ حَمَلَهُ الثُّلُثَ جَازَ، وَإِنْ حَمَلَ بَعْضَهُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّ لِلزَّوْجِ رَدَّ الْجَمِيعِ فَإِنْ أَعْتَقَتْ ثُلُثَ عَبْدٍ لَا تَمْلِكُ غَيْرَهُ فَهَلْ لَهُ رَدُّهُ أَوْ يَمْضِي؟ فِيهِ قَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الْحَجْرِ، وَانْظُرْهَا فِي رَسْمِ سِنٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ الْعِتْقِ، وَيَخْرُجُ أَيْضًا الْمَرِيضُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَإِذَا أَعْتَقَ عَبْدًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ مَضَى مِنْهُ الثُّلُثُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَخَرَجَ أَيْضًا الْمُرْتَدُّ، قَالَ فِي الشَّامِلِ فِي بَابِ الْحَجْرِ: " وَحُجِرَ لِرِدَّةٍ فَلَا يُعَدُّ تَصَرُّفُ مُرْتَدٍّ حَجْرًا عَلَيْهِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْحَجْرِ الْكَلَامُ عَلَى الْحَجْرِ بِالرِّدَّةِ.
وَيَخْرُجُ أَيْضًا الْمَدِينُ إذَا فَلَّسَهُ الْإِمَامُ.
وَأَمَّا مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ فَيَخْرُجُ بِقَوْلِهِ " وَإِحَاطَةُ دَيْنٍ " قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ (فَإِنْ قُلْت) لَا شَكَّ أَنَّ أَحَدَ أَسْبَابِ الْحَجْرِ إحَاطَةُ الدَّيْنِ بِمَالِهِ فَإِذَا انْتَفَى الْحَجْرُ عُمُومًا انْتَفَى كَوْنُ الدَّيْنِ مُحِيطًا.
(قُلْت) : السَّبَبُ الْحَقِيقِيُّ هُوَ الْفَلَسُ، وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ إحَاطَةِ الدَّيْنِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ مِنْ الْأَفْعَالِ مَا يَصِحُّ فِعْلُهُ مِنْ الَّذِي أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ، وَلَا يَصِحُّ مِنْ الْفَلَسِ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا فَالْحَجْرُ لِأَجْلِ الْفَلَسِ أَخَصُّ مِنْ إحَاطَةِ الدَّيْنِ وَنَفْيُ الْأَخَصِّ الَّذِي هُوَ الْحَجْرُ لِلْفَلَسِ نَفْيٌ لِلْأَعَمِّ الَّذِي هُوَ إحَاطَةُ الدَّيْنِ انْتَهَى.
وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَلَّمَ أَنَّ إحَاطَةَ الدَّيْنِ مِمَّا يَقَعُ بِهِ الْحَجْرُ وَلَوْ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ وَالْمَقْصُودُ فِي قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ وَابْنِ الْحَاجِبِ: بِلَا حَجْرٍ نَفْيُ مُطْلَقِ الْحَجْرِ لَا نَفْيُ الْحَجْرِ مِنْ الْوُجُودِ وَإِلَّا لَخَرَجَ حَجْرُ الزَّوْجَةِ، وَالْمَرِيضِ.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ: إنَّمَا يَصِحُّ هَلْ مُرَادُهُ إنَّمَا يَصِحُّ وَيَلْزَمُ أَوْ مُرَادُهُ مُطْلَقُ الصِّحَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ فَإِنْ أَرَادَ الْأَوَّلَ فَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَيَرِدُ عَلَيْهِ الْكَافِرُ فَإِنَّهُ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ الْكَافِرَ لَا يَلْزَمُهُ عِتْقٌ مَعَ أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُكَلَّفٌ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ، قَالَ فِي الْعِتْقِ الثَّانِي مِنْهَا فِي تَرْجَمَةِ مَنْ أَعْتَقَ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ قَسْمِهَا: وَإِذَا أَسْلَمَ عَبْدُ النَّصْرَانِيِّ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ قُضِيَ عَلَيْهِ بِعِتْقِهِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ، وَلَوْ دَخَلَ إلَيْنَا حَرْبِيٌّ بِأَمَانٍ وَكَاتَبَ عَبْدًا لَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ دَبَّرَهُ، ثُمَّ أَرَادَ بَيْعَهُ فَذَلِكَ لَهُ وَكَذَلِكَ النَّصْرَانِيُّ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ نَصْرَانِيًّا، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَرُدَّهُ فِي الرِّقِّ أَوْ يَبِيعَهُ فَذَلِكَ لَهُ إلَّا أَنْ يَرْضَى أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ قَوْلُهُ: " فَذَلِكَ لَهُ " قَالَ ابْنُ يُونُسَ " وَلَا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَبَانَهُ عَنْهُ " وَنَحْوُهُ فِي الْجِنَايَاتِ انْتَهَى. وَكَذَلِكَ وَرَدَ فِي رَسْمِ الدُّورِ وَالْمَزَارِعِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مُطْلَقًا فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ لِلنَّصْرَانِيِّ أَنْ يَرْجِعَ فِي عِتْقِ عَبْدِهِ النَّصْرَانِيِّ مَا دَامَ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ لَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَمَّا أَعْتَقَهُ قَدْ خَلَّى سَبِيلَهُ وَخَرَجَ عَنْ خِدْمَتِهِ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُكَاتَبِ مِنْهَا خِلَافُ مَا فِي جِنَايَتِهَا إنَّ ذَلِكَ لَهُ مَا لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ يَدِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: إذَا لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ يَدِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي عِتْقِهِ بَعْدَ إسْلَامِهِ إذَا لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ يَدِهِ خِلَافُ مَا فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ فَتَحْصِيلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَهُ وَخَلَّى سَبِيلَهُ وَأَخْرَجَهُ مِنْ خِدْمَتِهِ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ فِي عِتْقِهِ قَبْلَ إسْلَامِهِ كَانَ لَهُ عَلَى ظَاهِرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى مَا فِي جِنَايَتِهَا، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ فِي عِتْقِهِ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ وَلَمْ يَكُنْ خَرَجَ عَنْ خِدْمَتِهِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ عَلَى مَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ خِلَافُ مَا فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ مِنْهَا انْتَهَى.
ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَكَذَلِكَ لَوْ كَاتَبَهُ أَوْ دَبَّرَهُ، ثُمَّ أَرَادَ بَيْعَهُ لَمْ يُمْنَعْ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ الْعَبْدُ، وَهُوَ فِي يَدِهِ فَيُؤَاجَرُ الْمُدَبَّرُ وَتُبَاعُ كِتَابَةُ الْمُكَاتَبِ قِيلَ لَهُ فَإِنْ بَتَّلَ النَّصْرَانِيُّ عِتْقَ عَبْدِهِ النَّصْرَانِيِّ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ حَلَفَ بِذَلِكَ، ثُمَّ أَسْلَمَ فَحَنِثَ، قَالَ: إنْ حَنِثَ بِيَمِينِهِ فِي نَصْرَانِيَّتِهِ أَوْ بَعْدَ إسْلَامِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ أَيْمَانِهِ انْتَهَى. فَيَخْرُجُ مِنْ قَوْلِهِ: " وَكَذَلِكَ لَوْ كَاتَبَهُ إلَى. آخِرِهِ " أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ، ثُمَّ أَسْلَمَ الْعَبْدُ، وَهُوَ فِي يَدِ سَيِّدِهِ وَأَرَادَ الرُّجُوعَ لَهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَقَالَ الشَّيْخُ

(6/328)


أَبُو الْحَسَنِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ خِلَافٌ بَيْنَ إسْلَامِ الْعَبْدِ وَإِسْلَامِ السَّيِّدِ وَهَذَا إذَا لَمْ يُبِنْ الْعَبْدُ عَنْ نَفْسِهِ انْتَهَى. وَقَدْ حَصَّلَ اللَّخْمِيُّ جَمِيعَ ذَلِكَ فَقَالَ: وَإِذَا أَعْتَقَ النَّصْرَانِيُّ عَبْدَهُ لَزِمَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ فَيَجْرِي عَلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ النَّصْرَانِيَّ، ثُمَّ أَسْلَمَ الْعَبْدُ فَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ أَنْ رَجَعَ عَنْ عِتْقِهِ وَاسْتَرَقَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ الْعِتْقُ، وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ أَنْ حَازَ نَفْسَهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِلسَّيِّدِ، وَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يَحُوزَ نَفْسَهُ وَقَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ الْعِتْقِ، فَقَوْلَانِ وَالْقِيَاسُ: أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ قَبْلَ إسْلَامِ الْعَبْدِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَلَمْ يُؤْخَذْ بِمَا عَقَدَ وَإِسْلَامُ الْعَبْدِ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْعَقْدَ انْتَهَى.
وَقَدْ عَلِمْت مِنْ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ: " وَكَذَلِكَ لَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ أَوْ دَبَّرَهُ " أَنَّ الْجَارِيَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ، ثُمَّ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَكَذَلِكَ إنْ أَسْلَمَ السَّيِّدُ وَحْدَهُ أَوْ أَسْلَمَ السَّيِّدُ، ثُمَّ الْعَبْدُ فَإِنْ كَانَ الْإِسْلَامُ قَبْلَ أَنْ رَجَعَ فِي الْعِتْقِ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ أَنْ حَازَ نَفْسَهُ لَزِمَهُ، وَإِنْ كَانَ بِقُرْبِ الْعِتْقِ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ وَقَبْلَ أَنْ يَحُوزَ نَفْسَهُ كَانَ عَلَى الْخِلَافِ، وَإِنْ حَلَفَ بِعِتْقِ عَبْدِهِ، ثُمَّ حَنِثَ لَمْ يَلْزَمْهُ وَسَوَاءٌ حَنِثَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْكُفْرِ غَيْرُ لَازِمٍ وَإِذَا أَعْتَقَ النَّصْرَانِيُّ عَبْدَهُ النَّصْرَانِيَّ، ثُمَّ امْتَنَعَ مِنْ إنْفَاذِ الْعِتْقِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ وَلَوْ حَوَّزَهُ نَفْسَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ انْتَهَى. إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمُؤَلِّفَ مَشَى عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ فَقَدْ صَحَّ فَيَخْرُجُ الْكَافِرُ بِقَوْلِهِ: " مُكَلَّفٍ " وَيَكُونُ مُرَادُهُ إنَّمَا يَصِحُّ وَيَلْزَمُ، وَإِنْ أَرَادَ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ: " إنَّمَا يَصِحُّ " مُطْلَقَ الصِّحَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ غَالِبَ مَا اُحْتُرِزَ عَنْهُ صَحِيحٌ وَيَتَوَقَّفُ لُزُومُهُ عَلَى إجَازَةِ الْغَيْرِ كَعِتْقِ الْمَرِيضِ وَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّانِي) قَوْلُهُ: بِلَا حَجْرٍ يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ " مُكَلَّفٍ "، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَلَامُ الْجَوَاهِرِ نَحْوُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ قَالَ: الْمُعْتِقُ كُلُّ مُكَلَّفٍ بِلَا حَجْرٍ انْتَهَى.
(الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَقَوْلُ ابْنِ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَقَبِلَهُ شَارِحَاهُ وَلَهُ أَرْكَانٌ الْأَوَّلُ: الْمُعْتِقُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُعْتَقَ جُزْءٌ مِنْ الْمُعْتِقِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ، وَأَرْكَانُهُ الْحِسِّيَّةُ الْمُتَوَقِّفُ وُجُودُهُ حِسًّا عَلَيْهَا كَاللَّحْمِ وَالْعَظْمِ وَالدَّمِ لِلْإِنْسَانِ لَا أَرْكَانُهُ الْمَحْمُولَةُ عَلَيْهَا كَالْحَيَوَانِ وَالنَّاطِقِ لِلْإِنْسَانِ انْتَهَى. وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوا إلَّا الْأَرْكَانَ الْحِسِّيَّةَ الْمُتَوَقِّفَ وُجُودُهُ عَلَيْهَا حِسًّا وَانْظُرْ لِمَ أَخَّرَ الِاعْتِرَاضَ إلَى هُنَا وَهَلَّا أَوْرَدَهُ مِنْ أَوَّلِ الذَّكَاةِ وَالصَّيْدِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَلِغَرِيمِهِ رَدُّهُ أَوْ بَعْضِهِ)
ش: أَيْ وَلِغَرِيمِ الْمَدِينِ رَدُّ عِتْقِهِ إنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهٍ، وَإِنْ لَمْ يُحِطْ الدَّيْنُ

(6/329)


بِمَالِهِ فَلِلْغَرِيمِ رَدُّ بَعْضِ الْعَبْدِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ.

[تَنْبِيهٌ عِتْقِ الْمِدْيَانِ هَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْغُرَمَاءِ]
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) تَقَدَّمَ فِي بَابِ التَّفْلِيسِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْجَوَازِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ أَنَّهُ وَقْتُ الْعِتْقِ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ مَا بِيَدِهِ فَانْظُرْهُ.
(الثَّانِي) ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلِغَرِيمَةِ رَدُّهُ أَنَّ ذَلِكَ لِلْغَرِيمِ دُونَ أَمْرِ الْإِمَامِ وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ عَرَفَةَ أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَرُدُّهُ إلَّا الْإِمَامُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَاخْتُلِفَ فِي عِتْقِ الْمِدْيَانِ هَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْغُرَمَاءِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَوْ هُوَ جَائِزٌ مَا لَمْ يُفْلِسْ، وَيَحْجُرْ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ، وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ خَارِجِ الْمَذْهَبِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَرُدُّ الْغُرَمَاءُ إنْ أَرَادُوا ذَلِكَ حَتَّى يَرْفَعُوا إلَى الْحَاكِمِ فَهُوَ الَّذِي يَحْكُمُ بِالرَّدِّ بَعْدَ إثْبَاتِ مُوجِبِ ذَلِكَ عِنْدَهُ، فَإِنْ رَدُّوهُ وَبَاعُوهُ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَرُدُّ بَيْعَهُمْ، وَيَنْظُرُ فِي أَمْرِهِمْ فَإِنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ مُوجِبُ بَيْعِهِ بَاعَهُ وَإِلَّا تَمَّ عِتْقُهُ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي أَوَاخِرِ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ: وَمَنْ رَدَّ غُرَمَاؤُهُ عِتْقَهُ فَلَيْسَ لَهُ وَلَا لِغُرَمَائِهِ بَيْعُهُمْ دُونَ الْإِمَامِ فَإِنْ فَعَلَ أَوْ فَعَلُوهُ، ثُمَّ رُفِعَ إلَى الْإِمَامِ بَعْدَ أَنْ أَيْسَرَ رُدَّ الْبَيْعُ وَنَفَذَ الْعِتْقُ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي أَوَّلِ الْعِتْقِ.
(الثَّالِثُ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ لِلْغَرِيمِ رَدَّ الْعِتْقِ، وَلَوْ طَالَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْأَجْوِبَةِ: وَأَمَّا عِتْقُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْغُرَمَاءُ وَاخْتُلِفَ إنْ لَمْ يَعْلَمُوا حَتَّى طَالَ الْأَمْرُ وَجَازَتْ شَهَادَتُهُ، وَوَرِثَ الْأَحْرَارُ فَقِيلَ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوهُ وَقِيلَ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَفَادَ فِي خِلَالِ الْمُدَّةِ مَالًا يُعْلَمُ بِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ مَعَ حُرْمَةِ الْعِتْقِ فَإِنْ كَانَتْ الدُّيُونُ الَّتِي عَلَيْهِ قَدْ اُسْتُغْرِقَتْ مِنْ تَبَعَاتٍ لَا تُعْلَمُ أَرْبَابُهَا نَفَذَ عِتْقُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَمْ يَرُدَّهُ وَكَانَ الْأَجْرُ لِأَرْبَابِ التَّبَاعَاتِ وَالْوَلَاءُ لِلْمُسْلِمِينَ انْتَهَى. مِنْ مَسَائِلِ الشَّرِكَةِ.
(الرَّابِعُ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا بَاعَهُمْ الْإِمَامُ عَلَيْهِ فِي دَيْنِهِ، ثُمَّ اشْتَرَاهُمْ بَعْدَ يُسْرِهِ كَانُوا أَرِقَّاءَ وَلَا يُعْتَقُونَ انْتَهَى.
(الْخَامِسُ) قَوْلُهُ: " أَوْ بَعْضِهِ " قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَشْتَرِيهِ إلَّا كَامِلًا بِيعَ جَمِيعُهُ وَاخْتُلِفَ فِيمَا يَبْقَى قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَصْنَعُ مَا شَاءَ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْعَلَهُ فِي عِتْقٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ اللَّخْمِيُّ أَمَّا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَيْنِ لَا مَالَ لَهُ غَيْرَهُمَا وَقِيمَتُهُمَا أَكْثَرُ مِنْ الدَّيْنِ وَنَحْنُ إنْ بِعْنَا مِنْهُمَا بِالْحِصَصِ لَمْ يَفِيَا بِالدَّيْنِ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَيِّهِمَا يُبَاعُ لِلدَّيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ.
(السَّادِسُ) إذَا بَعَّضَ الْعِتْقَ وَأَرَادَ مَالِكُ بَعْضِهِ سَفَرًا وَامْتَنَعَ هُوَ فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، فَقَالَ مَالِكٌ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ: إنَّهُ يُسَافِرُ وَيَكْتُبُ لَهُ الْقَاضِي كِتَابًا إنْ لَمْ يَكُنْ مَأْمُونًا وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ تَبَعٌ لِلرِّقِّ بِدَلِيلِ إجْمَاعِهِمْ أَنَّ أَحْكَامَهُ أَحْكَامُ الرِّقِّ مَا بَقِيَتْ فِيهِ شَائِبَةٌ، وَقَالَ أَيْضًا فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ الشَّرِكَةِ: إنَّ السَّيِّدَ إنْ كَانَ مَأْمُونًا سَافَرَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا، وَالثَّالِثُ رَوَاهُ الْبَرْقِيُّ عَنْ أَشْهَبَ: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ السَّفَرُ بِهِ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ مَأْمُونًا وَالْعَبْدُ مُسْتَعْرِبًا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ مِنْ نَفْسِهِ مَا يَمْلِكُ الشَّرِيكُ فَصَارَ شَرِيكًا فِي نَفْسِهِ ابْنُ رُشْدٍ، وَهُوَ مَحْضُ الْقِيَاسِ وَحَكَاهُ أَيْضًا عَنْ أَشْهَبَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ حَبِيبٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَوْ أَرَادَ الِانْتِقَالَ بِهِ إلَى قَرْيَةٍ يَسْكُنُهَا مِنْ الْحَوَاضِرِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ كَرِهَ الْعَبْدُ.
(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَإِذَا قَضَى لَهُ بِالْخُرُوجِ كَانَتْ نَفَقَتُهُ وَكِرَاؤُهُ عَلَيْهِ فِي سَفَرِهِ حَتَّى يُقِرَّ قَرَارَهُ فِي مَوْضِعٍ يَكُونُ لَهُ فِيهِ عَمَلٌ وَمُكْتَسَبٌ فَيَكُونُ لَهُ أَيَّامٌ وَلِلسَّيِّدِ أَيَّامٌ انْتَهَى. مِنْ الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ فِيهِ أَيْضًا مَعْنَى قَوْلِهِ: يَكْتُبُ لَهُ كِتَابًا أَيْ إلَى قَاضِي الْبَلَدِ الَّذِي يُسَافِرُ لَهَا وَيَشْهَدُ لَهُ شَاهِدَيْنِ مِمَّنْ يُسَافِرُ مَعَهُ فَيُشْهِدُهُمَا عَلَى الْكِتَابِ وَعَلَى عَيْنِ الْعَبْدِ وَلَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَذْهَبُ إلَيْهِ بِكِتَابٍ يَكُونُ بِيَدِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَيْهِ إذْ لَا يُحْكَمُ بِكِتَابِ الْقَاضِي دُونَ بَيِّنَةٍ تَنْقُلُهُ وَتَشْهَدُ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَانْظُرْ مُنْتَخَبَ الْأَحْكَامِ قَبْلَ أَبْوَابِ النِّكَاحِ، وَفِي آخِرِهِ أَيْضًا وَانْظُرْ اللَّخْمِيَّ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ الثَّانِي

(6/330)


وَانْظُرْ رَسْمَ الْعِتْقِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ وَرَسْمَ شَكَّ، وَرَسْمَ نَذَرَ سَنَةً، الْجَمِيعُ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْعِتْقِ قَالَ: فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ مَسَائِلُ تَتَعَلَّقُ بِالْمُعْتَقِ بَعْضُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (كَانَ اشْتَرَى نَفْسَهُ فَاسِدًا)
ش: قَالَ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا اشْتَرَى الْعَبْدُ نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ شِرَاءً فَاسِدًا فَقَدْ تَمَّ بَيْعُهُ وَلَا يُرَدُّ وَلَا يَتْبَعُهُ السَّيِّدُ بِقِيمَةٍ وَلَا غَيْرِهَا ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ وَيَكُونُ لِلسَّيِّدِ مَا بَاعَهُ بِهِ غَرَرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَكَأَنَّهُ انْتَزَعَهُ مِنْهُ وَأَعْتَقَهُ، ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: بِخِلَافِ شِرَاءِ غَيْرِهِ إيَّاهُ إلَّا أَنْ يَبِيعَهُ نَفْسَهُ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَيَكُونُ عَلَيْهِ قِيمَةُ رَقَبَتِهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ حُرٌّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ مُيَسَّرٍ إنْ أَعْتَقَهُ عَلَى خَمْرٍ فِي يَدَيْهِ فَهُوَ حُرٌّ وَيُكْسَرُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ يَتْبَعُهُ فَهُوَ بَيْعٌ فَاسِدٌ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ رَقَبَتِهِ ابْنُ يُونُسَ، وَقَوْلُ ابْنِ مُيَسَّرٍ وِفَاقًا لِلْمُدَوَّنَةِ وَمَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ: إنَّمَا هِيَ عَلَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِخَمْرٍ مَضْمُونٍ انْتَهَى.

ص (وَالشِّقْصُ إلَى آخِرِهِ)
ش: نَزَلَتْ مَسْأَلَةٌ وَهِيَ رَجُلٌ لَهُ مَمَالِيكُ بِمَكَّةَ

(6/331)


مَثَلًا وَلَهُ مَمَالِيكُ بِغَيْرِهَا فَشَكَا إلَيْهِ إنْسَانٌ مَمَالِيكَهُ الَّذِينَ بِمَكَّةَ فَقَالَ: عَبِيدِي أَحْرَارٌ، وَقَالَ: إنَّهُ أَرَادَ مَنْ بِمَكَّةَ فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ: اُنْظُرْ رَسْمَ شَكَّ فِي طَوَافِهِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْعِتْقِ.

ص (وَهُوَ فِي خُصُوصِهِ وَعُمُومِهِ إلَى قَوْلِهِ إلَّا الْأَجَلَ)
ش: يَعْنِي أَنَّ الْعِتْقَ مِثْلُ الطَّلَاقِ فِيمَا ذُكِرَ إلَّا فِي الْأَجَلِ فَإِنَّهُ

(6/332)


إذَا أَعْتَقَ لِأَجَلٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ.

[مَسْأَلَة أَوْصَى فِي جَوَارٍ لَهُ أَنْ يُحْبَسْنَ سَبْعِينَ سَنَةً]
(مَسْأَلَةٌ) مَنْ أَوْصَى فِي جَوَارٍ لَهُ أَنْ يُحْبَسْنَ سَبْعِينَ سَنَةً، ثُمَّ يُعْتَقْنَ، قَالَ مَالِكٌ: هُوَ غَيْرُ جَائِزٍ وَيَنْظُرُ السُّلْطَانُ فَإِنْ رَأَى بَيْعَهُنَّ بِعْنَ، وَإِنْ رَأَى عِتْقَهُنَّ عَتَقْنَ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَجْهُ نَظَرِ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ: أَنَّ مَنْ كَانَتْ تَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَعِيشُ سَبْعِينَ سَنَةً مِثْلُ بِنْتِ الْأَرْبَعِينَ فَأَكْثَرُ فَإِنَّهَا تُبَاعُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يُدْرِكُهَا فَهُوَ كَمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِهَا بَعْدَ مَوْتِهَا وَمَنْ كَانَتْ يُمْكِنُ أَنْ تَعِيشَ ذَلِكَ كَبِنْتِ الْعِشْرِينَ فَأَقَلَّ عَجَّلَ عِتْقَهَا إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ تُبَاعَ، وَلَعَلَّ الْعِتْقَ يُدْرِكُهَا وَلَا أَنْ تُحْبَسَ سَبْعِينَ سَنَةً لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ عَلَيْهَا لِقَصْدِ السَّيِّدِ إلَى ذَلِكَ فِي ظَاهِرِ أَمْرِهِ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ لَا أَنَّ السُّلْطَانَ يَعْمَلُ بِهَوَاهُ انْتَهَى. مِنْ رَسْمِ الْمُحَرَّمِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْعِتْقِ.

[فَرْعٌ أَوْصَى بِعِتْقِ أَمَتِهِ إلَى أَجَلٍ وَالثُّلُثُ يَحْمِلُهَا فَعَجَّلَ الْوَارِثُ عِتْقَهَا قَبْلَ الْأَجَلِ]
(فَرْعٌ) قَالَ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ أَمَتِهِ إلَى أَجَلٍ، وَالثُّلُثُ يَحْمِلُهَا فَعَجَّلَ الْوَارِثُ عِتْقَهَا قَبْلَ الْأَجَلِ جَازَ وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهَا، وَهُوَ وَضْعُ خِدْمَةٍ، وَالْوَلَاءُ لِلْمَيِّتِ، وَإِنْ كَانَا وَارِثَيْنِ فَأَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا فَعِتْقُهَا هَهُنَا وَضْعُ خِدْمَةٍ فَيُوضَعُ حَقُّ هَذَا مِنْ الْخِدْمَةِ وَيَكُونُ نَصِيبُهُ مِنْهَا حُرًّا وَلَا يَضْمَنُ لِصَاحِبِهِ قِيمَةَ خِدْمَتِهِ مِنْهَا، وَتَخْدُمُ هِيَ الْآخَرَ نِصْفَ خِدْمَتِهَا إلَى تَمَامِ الْأَجَلِ، ثُمَّ تَخْرُجُ حُرَّةً انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: هَذِهِ مِثْلُ مَسْأَلَةِ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْعَبْدِ يُكَاتِبَانِهِ، ثُمَّ يُعْتِقُ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ إنَّمَا هُوَ وَضْعُ مَالٍ وَأَمَّا الْعِتْقُ فَبِعَقْدِ الْكِتَابَةِ وَكَذَلِكَ هَذِهِ إنَّمَا الْمُعْتِقُ الْمُوصِي لَا الْوَرَثَةُ انْتَهَى.
ص (وَعَتَقَ بِنَفْسِ الْمِلْكِ الْأَبَوَانِ)
ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ.

[فَرْعٌ أَيَمْلِكُ الرَّجُلُ أُمَّهُ أَوْ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ]
(فَرْعٌ) قَالَ فِي رَسْمِ الْعِتْقِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْعِتْقِ قَالَ: وَسَمِعْته يُسْأَلُ أَيَمْلِكُ الرَّجُلُ أُمَّهُ أَوْ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ فِي رَأْيٍ، وَغَيْرُ ذَلِكَ فِي خَبَرٍ، قِيلَ لَهُ: وَلَا يَعْتِقَانِ عَلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا صَحِيحٌ بَيِّنٌ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ انْتَهَى. وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: أَمَّا الْأَبُ وَالْأَخُ مِنْ الرَّضَاعَةِ فَالْمَشْهُورُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ انْتَهَى. وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَى الْقَوْلِ الشَّاذِّ فَانْظُرْهُ مَعَ مَا حَكَى ابْنُ رُشْدٍ مِنْ الِاتِّفَاقِ.

[فَرْعٌ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ إذَا كَانَ عَبْدًا وَوَلَدَ لَهُ مِنْ ظَهْره وَبَطْنه فملك أَحَد الْأَخَوَيْنِ أخاه فَهَلْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ]
(فَرْعٌ) مِنْهُ أَيْضًا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ إذَا كَانَ عَبْدًا وَوَلَدَ لَهُ مِنْ ظَهْرِهِ وَبَطْنِهِ فَمَلَكَ أَحَدُ الْأَخَوَيْنِ أَخَاهُ فَهَلْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا فَلْيُنْظَرْ انْتَهَى.
ص (وَإِنْ سَفَلَ)
ش: قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي النِّكَاحِ فِي تَقْدِيمِ الْأَوْلِيَاءِ: سَفَلَ بِفَتْحِ الْفَاءِ، وَقَالَ الْجُزُولِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي الْفَرَائِضِ: زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا يُقَالُ: " سَفُلَ " بِالضَّمِّ، وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَقَدْ سَفُلَ كَكَرُمَ

(6/333)


وَعَلِمَ، وَنَصَرَ انْتَهَى. فَجَعَلَهُ مُثَلَّثًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَإِنْ بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ إنْ عَلِمَ الْمُعْطِي وَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ) ش يَعْنِي أَنَّ مَنْ مَلَكَ أَحَدًا مِنْ قَرَابَتِهِ الْمَذْكُورِينَ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مَلَكَهُ بِهِبَةٍ بِأَنْ وُهِبَ لَهُ سَوَاءٌ كَانَتْ هِبَةَ ثَوَابٍ أَوْ غَيْرَهَا أَوْ بِصَدَقَةٍ بِأَنْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ بِوَصِيَّةٍ بِأَنْ أَوْصَى لَهُ بِهِ، وَحَمَلَهُ الثُّلُثُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ قَبِلَهُ أَمْ لَا وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْلَمَ الْمُعْطِي بِكَسْرِ الطَّاءِ أَنَّهُ مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَى الْمُعْطَى بِفَتْحِ الطَّاءِ، هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ، وَكَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالتَّوْضِيحِ وَابْنِ عَرَفَةَ، وَالشَّامِلِ وَلَيْسَ فِي الْمُدَوَّنَةِ تَعَرُّضٌ لِهَذَا الْقَيْدِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ فِيمَا إذَا وَهَبَ لَهُ أَبُوهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَعْلَمْ الْوَاهِبُ أَنَّهُ أَبُوهُ فَهَلْ يُبَاعُ؟ تَرَدَّدَ فِي ذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ وَجَزَمَ ابْنُ يُونُسَ وَالْمَازِرِيُّ أَنَّهُ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْعِتْقَ، قَالَهُ فِي بَابِ التَّفْلِيسِ، قَالَ فِي بَابِ الْوَلَاءِ: مِنْهَا وَمَنْ أَوْصَى لَهُ بِمَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَالثُّلُثُ يَحْمِلُهُ عَتَقَ عَلَيْهِ قَبِلَهُ أَمْ لَا وَلَهُ وَلَاؤُهُ وَيَبْدَأُ عَلَى الْوَصَايَا، ثُمَّ إنِّي وَقَفْت عَلَى كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ فَرَأَيْتُهُ صَرَّحَ بِهَذَا الْقَيْدِ فِي رَسْمِ الْقُطْعَانِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْعِتْقِ، وَفِي رَسْمِ الْمُكَاتَبِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الصَّدَقَاتِ
وَأَمَّا مَفْهُومُ هَذَا الْقَيْدِ فَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ لَا ابْنُ رُشْدٍ وَلَا غَيْرُهُ، وَنَصُّ مَا فِي سَمَاعِ عِيسَى قَوْلُهُ: إنَّهُ إذَا وَهَبَ لَهُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ، فَحَمَلَهُ الثُّلُثُ أَنَّ الْوَلَاءَ لَهُ قَبِلَهُ أَمْ لَمْ يَقْبَلْهُ، وَأَنَّهُ إذَا وُهِبَ لَهُ شِقْصٌ مِنْهُ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ فَلَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ أَنَّهُ إنْ قَبِلَ قُوِّمَ عَلَيْهِ الْبَاقِيَ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ عَتَقَ مِنْهُ مَا وَهَبَ لَهُ أَوْ مَا حَمَلَهُ الثُّلُثُ، وَكَانَ الْوَلَاءُ لَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، هُوَ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا وَهَبَهُ لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ إذَا مَلَكَهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ قَبُولِهِ إيَّاهُ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ عِتْقَهُ عَنْهُ فَكَانَ الْوَلَاءُ لَهُ قَبِلَهُ أَمْ لَا انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي الْمَوْضِعِ الثَّانِي مِنْ الصَّدَقَاتِ فَمَنْ وَقَفَ عَلَى غَيْرِ هَذَا فَلْيُفِدْهُ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
ص (وَبِالْحُكْمِ إنْ عَمَدَ لِشَيْنٍ بِرَقِيقِهِ)
ش: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ يَعْتِقُ بِنَفْسِ الْمُثْلَةِ، قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: وَعَلَى الْأَوَّلِ فَلَهُ أَنْ يَنْتَزِعَ مَالَهُ قَبْلَ الْحُكْمِ، وَعَلَى الثَّانِي يَتْبَعُهُ مَالُهُ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: بِرَقِيقِهِ دَخَلَ فِيهِ الْقِنُّ وَمَنْ فِيهِ شَائِبَةُ حُرِّيَّةٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِهِ أَوْ بِأُمِّ وَلَدِهِ أَوْ بِعَبْدٍ لِعَبْدِهِ أَوْ لِمُدَبَّرِهِ أَوْ لِأُمِّ وَلَدِهِ عَتَقُوا عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ مَثَّلَ بِمُكَاتَبِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ، وَيَنْظُرُ فِي جَرْحِهِ لِمُكَاتَبِهِ أَوْ قَطْعِ جَارِحَةٍ مِنْهُ فَيَكُونُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مَا عَلَى الْأَجْنَبِيِّ، وَيُقَاصَّ بِالْأَرْشِ فِي الْكِتَابَةِ فَإِنْ سَاوَاهَا عَتَقَ عَلَيْهِ، وَإِنْ نَافَتْ عَلَيْهِ الْكِتَابَةُ عَتَقَ وَلَا يُتْبَعُ بِبَقِيَّتِهَا، وَإِنْ نَافَ الْأَرْشُ عَلَيْهَا أُتْبِعَ الْمُكَاتَبُ لِسَيِّدِهِ بِالْفَضْلِ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ انْتَهَى.

[فَرْعٌ مَثَّلَ بِعَبْدِهِ]
(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي مُخْتَصَرِهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ قَالَ أَشْهَبُ: إذَا مَثَّلَ بِعَبْدِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ أَنَّهُ يُعْتِقُ بِمَالِهِ، وَإِنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ عِتْقُ جِنَايَةٍ حَدُّهَا الْعِتْقُ، وَكَذَلِكَ فِي الْعَبْدِ يُمَثِّلُ بِعَبْدِهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْمُوَلَّى عَلَيْهِ يُمَثِّلُ بِعَبْدِهِ، وَقِيلَ: لَا يَعْتِقُ بِالْمُثْلَةِ عَلَى الْعَبْدِ، وَالْمِدْيَانِ وَالسَّفِيهِ، وَهُوَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي السَّفِيهِ، وَكَانَ يَقُولُ

(6/334)


يَعْتِقُ وَلَا يَتْبَعُهُ مَالُهُ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: يَعْتِقُ وَيَتْبَعُهُ مَالُهُ انْتَهَى.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: وَيُعَاقَبُ مَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِهِ وَيَعْتِقُ عَلَيْهِ انْتَهَى.
ص (أَوْ بِرَقِيقِ رَقِيقِهِ)
ش: شَمِلَ الرَّقِيقُ الْمُكَاتَبَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ مَثَّلَ بِعَبْدِ مُكَاتَبِهِ لَمْ يُعْتِقْ عَلَيْهِ وَكَانَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا نَقَصَهُ مُثْلَةً مُفْسِدَةً فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ وَيَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَكَذَا فِي عَبْدِ زَوْجَتِهِ مَعَ الْعُقُوبَةِ فِي تَعَمُّدِهِ انْتَهَى.
ص (أَوْ لِوَلَدٍ صَغِيرٍ)
ش: يَعْنِي وَكَذَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ رَقِيقُ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ إذَا مَثَّلَ بِهِ، وَمِثْلُ الصَّغِيرِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ الْكَبِيرُ قَالَ فِي الْعِتْقِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَكَذَلِكَ إنْ مَثَّلَ بِعَبْدٍ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مَلِيًّا وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ انْتَهَى. قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ الثَّانِي: فَصْلٌ وَمُثْلَتُهُ بِعَبْدِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ كَمُثْلَتِهِ بِعَبْدِ نَفْسِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا بِقِيمَتِهِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَمْ يُقَوَّمْ عَلَيْهِ قَالَ: وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَعْتَقَهُ وَلَيْسَ بِالْبَيِّنِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُلْزِمَ الْقِيمَةَ إذَا أَعْتَقَهُ؛ لِأَنَّهُ أُلْزِمَ ذَلِكَ رَضِيَ أَنْ يَأْخُذَهُ لِنَفْسِهِ بِقِيمَتِهِ، وَلَيْسَ تَعَدِّيهِ بِالْمُثْلَةِ رِضًا بِعِتْقِهِ وَتَمْثِيلِهِ بِعَبْدِ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ بِمَنْزِلَةِ مُثْلَتِهِ بِعَبْدِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّينَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ سَفِيهًا فِي وِلَايَةِ أَبِيهِ فَيَعْتِقُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّينَ مَا نَصُّهُ: " لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ تَبْطُلَ مَنَافِعُهُ انْتَهَى. وَفِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ: مَسْأَلَةٌ لَوْ جَنَى رَجُلٌ عَلَى عَبْدِ رَجُلٍ جِنَايَةً مُفْسِدَةً غَرِمَ قِيمَتَهُ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَرِهَ سَيِّدُهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ إنْ اخْتَارَ أَخْذَهُ فَلَهُ ذَلِكَ انْتَهَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ لِلْمُصَنِّفِ فِي فَصْلِ التَّعَدِّي حَيْثُ قَالَ: وَعَتَقَ عَلَيْهِ إنْ قُوِّمَ وَلَا مَنْعَ لِصَاحِبِهِ فِي الْفَاحِشِ عَلَى الْأَرْجَحِ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[تَنْبِيه مَثَّلَ بِعَبِيدِ امْرَأَتِهِ]
(تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي الْمُقَرِّبِ وَمَنْ مَثَّلَ بِعَبِيدِ امْرَأَتِهِ عُوقِبَ وَضَمِنَ مَا نَقَصَ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُثْلَةً فَاسِدَةً فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُمْ، وَيُعْتَقُونَ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ لَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ فِي ذَلِكَ فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا.
ص (كَقَطْعِ ظُفْرٍ إلَى آخِرِهِ)
ش: هَذِهِ أَمْثِلَةُ الْمُثْلَةِ، وَكَذَلِكَ إذَا خَصَاهُ قَالَ فِي عِتْقِهَا الثَّانِي، وَإِنْ قَطَعَ أُنْمُلَةً مِنْ أُصْبُعِ عَبْدِهِ عَمْدًا أَوْ أَحْرَقَ شَيْئًا مِنْ عَبِيدِهِ بِالنَّارِ عَلَى وَجْهِ الْعَذَابِ أَوْ خَصَاهُ قَالَ رَبِيعَةُ أَوْ قَطَعَ حَاجِبَيْهِ قَالَ مَالِكٌ: أَوْ سَحَلَ أَسْنَانَ أَمَتِهِ بِالْمِبْرَدِ أَوْ قَلَعَهَا عَلَى وَجْهِ الْعَذَابِ فَهِيَ مُثْلَةٌ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِهَا انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ فِي الْمُقَرِّبِ وَالْمُنْتَخَبِ، وَلَفْظُهُ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ خَصَى عَبْدَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي مُخْتَصَرِ الْمُدَوَّنَةِ:

(6/335)


وَالْمُثْلَةُ الَّتِي يَعْتِقُ بِهَا الْعَبْدُ عَلَى سَيِّدِهِ قَطْعٌ وَكَذَلِكَ إنْ قَطَعَ أُنْمُلَةٍ الْعَبْدِ أَوْ خَصَاهُ قَالَ رَبِيعَةُ: أَوْ قَطَعَ حَاجِبَيْهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَوْ قَلَعَ أَسْنَانَهُ عَلَى وَجْهِ الْعَذَابِ وَكَذَلِكَ أَفْتَى مَالِكٌ وَغَيْرُهُ فِي الَّتِي سَحَلَتْ أَسْنَانَ جَارِيَتِهَا وَلَوْ أَحْرَقَهُ بِالنَّارِ عَلَى وَجْهِ الْعَذَابِ عَتَقَ، وَإِنْ كَوَاهُ تَدَاوِيًا لَمْ يَعْتِقْ انْتَهَى. وَانْظُرْ اللَّخْمِيَّ وَالزَّنَاتِيَّ وَكَلَامَ التَّوْضِيحِ فِي أَوَاخِرِ الْجِهَادِ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَوْ سَرَقُوا فِي مُعَاهَدَتِهِمْ نَصُّ مَا فِي التَّوْضِيحِ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ، وَإِنَّ خِصَاءَ الْمُسْتَأْمَنِ أَوْ الْمُعَاهَدِ عَبْدَهُ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَكَأَنَّهُ خَصَاهُ بِبَلَدِهِ انْتَهَى.
وَكَلَامُ اللَّخْمِيِّ وَالزَّنَاتِيِّ هُوَ أَنَّهُمَا جَعَلَا الْعِتْقَ بِالْمُثْلَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: يَعْتِقُ فِي وَاحِدٍ وَلَا يَعْتِقُ فِي ثَلَاثَةٍ فَاَلَّذِي يَعْتِقُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ عَمْدًا عَلَى وَجْهِ الْعَذَابِ وَاَلَّتِي لَا يَعْتِقُ فِيهَا أَنْ يَكُونَ خَطَأً أَوْ عَمْدًا عَلَى وَجْهِ الْمُدَاوَاةِ وَالْعِلَاجِ أَوْ شَبِيهَةً بِالْعَمْدِ، وَلَيْسَتْ بِصَرِيحَةٍ مِثْلَ أَنْ يَحْذِفَهُ بِسَيْفٍ أَوْ سِكِّينٍ فَيَبِينُ مِنْهُ عِنْدَ ذَلِكَ عُضْوٌ قَالَ ابْنُ دِينَارٍ فِي شَرْحِ ابْنِ مُزَيْنٍ لَا يَكُونُ مُثْلَةً بِضَرْبَةٍ أَوْ رَمْيَةٍ، وَإِنْ كَانَ عَامِدًا لِذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَامِدًا لِلْمُثْلَةِ بِضَجْعَةٍ فَيُمَثِّلُ بِهِ، وَفِي مِثْلِ مَا يُسْتَقَادُ لِلِابْنِ مِنْ أَبِيهِ وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ شَفَقَةُ الْإِنْسَانِ عَلَى مَالِهِ وَقَدْ يُرِيدُ تَهْدِيدَهُ وَلَا يُرِيدُ خُرُوجَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِالْعِتْقِ عَنْ الْمُثْلَةِ وَقَدْ يُرِيدُ الْمُثْلَةَ حَقِيقَةً فَإِذَا احْتَمَلَ فِعْلُهُ الْوَجْهَيْنِ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ وَتَرَكَ، وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ إذَا ضَرَبَ رَأْسَهُ فَنَزَلَ الْمَاءُ فِي عَيْنَيْهِ لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ ضَرْبَ الرَّأْسِ دُونَ مَا أَحْدَثَ انْتَهَى.
مِنْ اللَّخْمِيِّ وَنَقَلَهُ الزَّنَاتِيُّ وَغَيْرُهُ فَانْظُرْ عَلَى هَذَا إذَا خَصَى الْإِنْسَانُ عَبْدَهُ فَإِنْ كَانَ قَاصِدًا لِتَعْذِيبِهِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ غَارَ السَّيِّدُ مِنْهُ فَإِنْ رَآهُ يَتَعَرَّضُ لِحَرِيمِهِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَقَصَدَ بِخِصَائِهِ تَنْكِيلَهُ بِذَلِكَ كَمَا وَرَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ كَانَ لِزِنْبَاعٍ عَبْدٌ يُسَمَّى سَنْدَرَ بْنَ سَنْدَرٍ فَوَجَدَهُ يُقَبِّلُ جَارِيَةً لَهُ فَجَبَّهُ وَجَدَعَ أَنْفَهُ فَعَتَقَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالَ «مَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِهِ وَأَحْرَقَهُ بِالنَّارِ فَهُوَ حُرٌّ، وَهُوَ مَوْلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ» ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ، وَإِنْ حَصَلَ لِلْعَبْدِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مَرَضٌ فَأَدَّى عِلَاجُهُ وَمُدَاوَاتُهُ إلَى خِصَائِهِ لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ وَأَمَّا إذَا خَصَاهُ لَا لِتَعْذِيبِهِ وَلَا لِقَصْدِ الْمُدَاوَاةِ بَلْ لِيَزِيدَ ثَمَنَهُ فَمَفْهُومُ أَوَّلِ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ، كَمَا نَقَلَهُ الْجُزُولِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى فِي سُورَةِ النِّسَاءِ {وَلأُضِلَّنَّهُمْ} [النساء: 119] وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ خِصَاءَ بَنِي آدَمَ لَا يَحِلُّ وَلَا يَجُوزُ، وَأَنَّهُ مُثْلَةٌ، وَتَغْيِيرٌ لِخَلْقِ اللَّهِ وَكَذَلِكَ قَطْعُ سَائِرِ أَعْضَائِهِ مِنْ غَيْرِ حَدٍّ وَلَا قَوَدٍ، قَالَهُ أَبُو عِمْرَانَ انْتَهَى. وَقَالَ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء: 119] وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَسْمَ وَالْإِشْعَارَ مُسْتَثْنًى مِنْ نَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ شَرِيطَةِ الشَّيْطَانِ، وَمِنْ نَهْيِهِ عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ بِالنَّارِ، وَالْوَسْمُ الْكَيُّ بِالنَّارِ وَأَصْلُهُ الْعَلَامَةُ، وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ «رَأَيْت فِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمِيسَمَ، وَهُوَ يَسِمُ إبِلَ الصَّدَقَةِ وَالْفَيْءِ» وَغَيْرِ ذَلِكَ حَتَّى يُعْرَفَ كُلُّ مَالٍ فَيُؤَدَّى حَقُّهُ وَلَا يُتَجَاوَزُ بِهِ إلَى غَيْرِهِ انْتَهَى. وَفِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ: مَسْأَلَةٌ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْخَصِيِّ وَالْمَجْبُوبِ؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْفِعْلِ عَتَقَ عَلَى مَالِكِهِ وَقِيلَ يَجُوزُ بَيْعُهُ إذَا كَانَ سَيِّدُهُ كَافِرًا انْتَهَى.

ص (وَبِالْحُكْمِ جَمِيعُهُ إنْ أَعْتَقَ جُزْءًا) ش قَالَ ابْنُ رُشْدٍ سَأَلَنِي سَائِلٌ أَنْ أُوَضِّحَ لَهُ مَعْنَى قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ فِي التَّلْقِينِ: وَلَا يَجُوزُ تَبْعِيضُ الْعِتْقِ ابْتِدَاءً وَمَنْ بَعَّضَ الْعِتْقَ بِاخْتِيَارٍ لَهُ أَوْ بِسَبَبِهِ لَزِمَهُ تَكْمِيلُهُ كَانَ الْبَعْضُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا وُجُودُ ثَمَنِهِ، وَالْآخَرُ بَقَاءُ مِلْكِهِ وَقِيلَ فِي هَذَا: يَلْزَمُ فِي ثُلُثِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا (فَقُلْت) أَمَّا قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ تَبْعِيضُ الْعِتْقِ، فَهُوَ كَلَامٌ لَيْسَ عَلَى حَقِيقَةِ ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّ تَبْعِيضَ الْعِتْقِ هُوَ أَنْ يُعْتِقَ الرَّجُلُ بَعْضَ عَبْدِهِ أَوْ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَزِمَهُ الْعِتْقُ وَمَضَى بِلَا خِلَافٍ وَلَزِمَهُ فِيهِ حُكْمٌ، وَهُوَ التَّتْمِيمُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ

(6/336)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا قَالَ مَنْ «أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدِ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْعَدْلِ» وَلَمْ يَقُلْ مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لَوَجَبَ أَنْ يُرَدَّ عِتْقُ مَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ أَوْ شِقْصًا لَهُ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُطْلِقَ فِي الْعِتْقِ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ إلَّا فِيمَا يَجِبُ رَدُّهُ كَعِتْقِ عَبْدِ غَيْرِهِ فَمُرَادُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ: وَلَا يَجُوزُ، أَيْ: لَا يَجُوزُ إقْرَارُ الْعِتْقِ مُبَعَّضًا إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْ تَتْمِيمِهِ مَانِعٌ وَهَذَا مَفْهُومٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا وَجْهَ مُرَادِهِ لِنُبَيِّنَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى حَقِيقَةِ مُقْتَضَى كَلَامِهِ، وَأَنَّ فِيهِ تَجَاوُزًا وَلِلْمُخَاطَبِ أَنْ يُجَاوِزَ فِي اللُّقَطَةِ إذَا أَمِنَ إشْكَالَ الْمَعْنَى انْتَهَى.

[فَرْعٌ أَعْتَقَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ نَصِيبَهُ مِنْ عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِ الْمَيِّتِ]
(فَرْعٌ) إذَا أَعْتَقَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ نَصِيبَهُ مِنْ عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ، وَيَعْتِقُ جَمِيعُهُ يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي مَسْأَلَةِ: مَنْ أَقَرَّ أَنَّ أَبَاهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ ذَكَرَهَا فِي الْعِتْقِ الثَّانِي فِي الْمُدَوَّنَةِ.
ص (إنْ دَفَعَ الْقِيمَةَ يَوْمَهُ)
ش: أَيْ يَوْمَ الْحُكْمِ، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَعَلَى الْأَظْهَرِ يُقَوَّمُ يَوْمَ الْحُكْمِ لَا يَوْمَ الْعِتْقِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: هَذَا إذَا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ خَاصَّةً وَأَمَّا إنْ عَمَّ الْعِتْقُ فَيَوْمَ الْعِتْقِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَلَامِهِ فِي الْجَوَاهِرِ.
ص (وَعَجَّلَ فِي ثُلُثِ مَرِيضٍ أُمِنَ)
ش: هَكَذَا قَالَ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي ثَانِي مَسْأَلَةٍ مِنْ رَسْمِ الْعِتْقِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ: مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا مِنْ عَبْدِهِ أَوْ عَبْدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا خِلَافَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ مَا أَعْتَقَ مِنْهُ وَمَا بَقِيَ إنْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ وَلَمْ يَصِحَّ مِنْهُ وَاخْتُلِفَ فِي تَعْجِيلِ التَّقْوِيمِ فِي الْمَرَضِ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يُعَجِّلُ، وَلَا يَنْظُرُ فِيهِ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ

(6/337)


وَهُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ يُعَجَّلُ التَّقْوِيمُ فِي الْمَرَضِ، وَهُوَ قَائِمٌ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَعَلَيْهِ فَلَا يَنْفُذُ الْعِتْقُ حَتَّى يَصِحَّ فَيَكُونَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ يَمُوتَ فَتَكُونَ الْقِيمَةُ مِنْ الثُّلُثِ يَنْفُذُ فِيهِ مَا حَمَلَ مِنْهَا وَرِقُّ الْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ أَوْ الشَّرِيكِ وَسَوَاءٌ كَانَ لَهُ مَالٌ مَأْمُونٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَقِيلَ إنَّ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ مَأْمُونٌ وَأَمَّا إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ مَأْمُونٌ عَتَقَ فِي الْمَرَضِ جَمِيعُهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَقُوِّمَ عَلَيْهِ فِيهِ حَظُّ شَرِيكِهِ إنْ كَانَ لَهُ شَرِيكٌ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى.
ص (وَتَأْجِيلُ الثَّانِي أَوْ تَدْبِيرُهُ)
ش: يُرِيدُ إذَا كَانَ الْأَوَّلُ مُوسِرًا وَأَمَّا إنْ كَانَ مُعْسِرًا لَا اعْتِرَاضَ عَلَى الثَّانِي فِيمَا فَعَلَ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ.
ص (وَإِذَا حُكِمَ بِبَيْعِهِ لِعُسْرٍ مَضَى)
ش: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ حِصَّتَهُ فِي عَبْدٍ وَكَانَ مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِشَرِيكِهِ بَيْعُهُ وَيُفْسَخُ بَيْعُهُ إنْ فَعَلَ فَإِنْ كَانَ مُعْتِقُ الْحِصَّةِ مُعْسِرًا بَقِيَ سَهْمُ شَرِيكِهِ رَقِيقًا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ، فَقَالَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا وَإِذَا حُكِمَ بِبَيْعِهِ لِعُسْرٍ، أَيْ إذَا حُكِمَ بِجَوَازِ بَيْعِ الْبَعْضِ الْبَاقِي مِنْ الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ بَعْضُهُ لِعُسْرِ الْمُعْتِقِ مَضَى الْحُكْمُ بِذَلِكَ وَلَا يُنْقَضُ لِيُسْرِهِ ثَانِيَةً قَالَ فِي أَوَاخِرِ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ مِنْهَا: وَإِذَا أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ، وَهُوَ مُعْسِرٌ فَرُفِعَ إلَى الْإِمَامِ فَلَمْ يُقَوِّمْ عَلَيْهِ لِعُسْرِهِ، ثُمَّ أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَاشْتَرَى حِصَّةَ شَرِيكِهِ لَمْ يَعْتِقْ وَلَوْ رُفِعَ ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ فَلَمْ يُقَوِّمْ عَلَيْهِ وَلَا نَظَرَ فِي أَمْرِهِ حَتَّى أَيْسَرَ لَقُوِّمَ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَا إذَا أَعْتَقَ، وَهُوَ مُعْسِرٌ وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ وَابْنِ الْحَاجِبِ شَامِلٌ لِذَلِكَ وَأَمَّا إذَا أَعْتَقَ فِي حَالِ يُسْرِهِ وَلَمْ يُرْفَعْ أَمْرُهُ إلَّا بَعْدَ عُسْرِهِ فَحَكَمَ الْقَاضِي بِعَدَمِ التَّقْوِيمِ عَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، وَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَبْلَهُ بِيَسِيرٍ: وَإِنْ أَعْتَقَ فِي يُسْرِهِ، ثُمَّ قُيِّمَ عَلَيْهِ فِي عُسْرِهِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ انْتَهَى. وَيُرِيدُ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِقَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ " وَلَوْ رُفِعَ ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ. إلَى آخِرِهِ " مَا لَمْ يَكُنْ بَيِّنَ الْعُسْرِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ فَإِنَّهُ ذَكَرَهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ قَبْلَهَا.

ص (كَقَبْلِهِ ثُمَّ أَيْسَرَ إنْ كَانَ بَيِّنَ الْعُسْرِ)
ش: يُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ أَعْتَقَ مُعْسِرٌ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَلَمْ يُقَوِّمْ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ حَتَّى أَيْسَرَ، فَقَالَ مَالِكٌ قَدِيمًا: إنَّهُ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ إنْ كَانَ يَوْمَ أَعْتَقَ يَعْلَمُ النَّاسُ وَالْعَبْدُ وَالْمُتَمَسِّكُ بِالرِّقِّ أَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَ الْقِيَامَ؛ لِأَنَّهُ إنْ خُوصِمَ لَمْ يُقَوَّمْ عَلَيْهِ لِعَدَمِهِ فَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ غَائِبًا فَلَمْ يُقَوِّمْ حَتَّى أَيْسَرَ الْمُعْتِقُ لِنَصِيبِهِ لَقُوِّمَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْحَاضِرِ، وَإِنْ أَعْتَقَ فِي يُسْرِهِ فَلَمْ يُطَالَبْ حَتَّى أَعْسَرَ، ثُمَّ أَيْسَرَ فَقَامَ شَرِيكُهُ حِينَئِذٍ، قُوِّمَ عَلَيْهِ انْتَهَى.
ص (إلَّا أَنْ يَثْبُتَ الثَّانِي فَنَصِيبُ الْأَوَّلِ عَلَى حَالِهِ)
ش:

(6/338)


ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ التَّقْوِيمُ إلَّا إذَا بَتَّ الثَّانِي، وَأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ الثَّانِي نَصِيبَهُ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ لَمْ يُمْنَعْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْحُكْمُ كَذَلِكَ إذَا أَعْتَقَ الثَّانِي حِصَّتَهُ إلَى الْأَجَلِ الَّذِي أَعْتَقَ الْأَوَّلُ إلَيْهِ، قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ أَوْصَى، وَفِي رَسْمِ جَاعَ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْعِتْقِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّة.

ص (وَإِنْ أَعْتَقَ عَبِيدًا فِي مَرَضِهِ إلَى قَوْلِهِ أَقْرَعَ) ش اُنْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ فِي الْوَصَايَا إنَّ الْمُدَبَّرِينَ فِي الصِّحَّةِ إذَا تَعَاقَبُوا قُدِّمَ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ وَإِلَّا

(6/339)


فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَعْتِقُ مِنْهُمْ بِالْحِصَصِ، وَقِيلَ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ انْتَهَى. إلَّا أَنْ يُقَالَ مَا فِي الصِّحَّةِ لَا قُرْعَةَ فِيهِ، وَقَدْ صَرَّحَ هُنَا فِي التَّوْضِيحِ بِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الصِّحَّةِ لَا قُرْعَةَ فِيهِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (أَوْ أَثْلَاثَهُمْ)
ش: يَعْنِي فَيَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُهُ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوَصَايَا قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: لَوْ قَالَ: أَثْلَاثُ رَقِيقِي لِفُلَانٍ فَإِنَّ لِفُلَانٍ ثُلُثَهُمْ بِالْقُرْعَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: أَثْلَاثُ رَقِيقِي أَحْرَارٌ؛ لِأَنَّهُ فِي الْوَصِيَّةِ يَكُونُ شَرِيكًا فِي كُلِّ وَاحِدٍ وَمَنْ لَهُ شِرْكٌ فِي رَقِيقِ جَمَعَ نَصِيبَهُ فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فَلَيْسَ كَالْعِتْقِ الَّذِي لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي جَمِيعِهِمْ إذْ لَا يَسْتَبِدُّ بِهِ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ، وَالْوَصِيَّةُ لَهُمْ وَاحِدَةٌ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ قَالَ عِنْدَ مَوْتِهِ: أَثْلَاثُ رَقِيقِي أَوْ أَنْصَافُهُمْ أَحْرَارٌ أَوْ ثُلُثُ كُلِّ رَأْسٍ أَوْ نِصْفُ كُلِّ رَأْسٍ أُعْتِقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا ذَكَرَ إنْ حَمَلَ ذَلِكَ ثُلُثَهُ وَلَا يَبْدَأُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ انْتَهَى.
(فَرْعٌ) وَإِذَا قَالَ: عَبِيدِي أَحْرَارٌ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَسَكَتَ عَنْ بَاقِيهِمْ فَهَلْ يَعْتِقُ جَمِيعُهُمْ أَوْ مَنْ سَمَّى اُنْظُرْ أَحْكَامَ ابْنِ سَهْلٍ فِي الْوَصَايَا وَالْمَشَذَّالِيِّ فِي الْوَصَايَا الْأَوَّلِ.

(6/340)